Professional Documents
Culture Documents
جوهرة التوحيد
للعالمة الشيخ إبراهيم اللقاني
المسماة
تحفة المريد
تأليف العالمة
الشيخ إبراهيم بن محمد الباجوري
تعليق
محمد صالح بن أحمد الغرسي
1
{ -1مقدمة المعلق}
بسم هللا الرحمن الرحيم
الحمد هلل رب الع0المين ،والص0الة والس0الم على س0يدنا محم0د وعلى آل0ه وص0حبه
أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :فهذه تعليقات على شرح العالمة الب00اجوري لج00وهرة التوحي00د ،معظمه00ا
تحقيقات لمسائل عويصة من مس00ائل علم الكالم ،وق00د أتت مجموع00ة من ه0ذه التحقيق00ات
ففض0لنا أن ال ن00درجها ض00من الكت00اب ،ورأين00ا أن
ّ مطولة بصورة رسائل وأبحاث مستقلة،
نجعلها مالحق تلحق بآخر الكتاب.
وقسم من هذه التعليقات انتقادات لكالم الباجوري.
ثم أض00فت إلى عملي ه00ذا تخ00ريج األح00اديث ال00واردة في الكت00اب وجعلت ألبحاث00ه
عناوين.
ون00ود أن ننب00ه هن00ا على أن الن00اظم -كغ00يره من الم00ؤلفين في العقائ00د -ق00د قس00م
المقصود من هذه المنظومة إلى أربعة أقسام ،لكن ب00دون أن يعن00ون له00ا بعن00اوين :مبحث
اإللهيات ،ومبحث النبويات ،ومبحث السمعيات وتوابعها ،والقسم الآلخ00ر مس00ائل متعلق00ة
بالعقيدة ال تخص قسما من األقسام الثالثة كمسألة وجوب معرفة م00ا ه0و واجب هلل تع00الى
وما هو ممتنع عليه وما هو جائز عليه ،ومثل ذلك لرس00له ،ومس00ألة التقلي00د في العقي00دة،
ومسألة أول الواجبات على المكلف ما هو ،وتعريف اإليم00ان واإلس00الم ،وأن اإليم00ان ه00ل
يزيد وينقص ،فجعل الناظم هذه المسائل قسما على حدة ،وجعله00ا مقدم00ة لكتاب00ه ،وبعض
المؤلفين في العقيدة جعلها خاتمة لكتابه،
فعملت لهذه األقسام األربعة عناوين أصلية تتفرع عنها العناوين األخرى ،وبهذا يكون
الكتاب ما عدى ديباجته منقسما إلى أربعة أقسام:
القسم األول :المقدمة.
القسم الثانى :مبحث اإللهيات.
القسم الثالث :مبحث النبويات.
القسم الرابع :مبحث السمعيات وتوابعها.
هذا هو عملي المتواضع الذي قمت به في خدمة هذا الكتاب الذي كتب له االنتشار
والنفع في العالم اإلسالمي عامة.
ومن أجل أنه عمل إنساني ،الب00د أن ال يخل00و من العي00وب والنق00ائص ،ف00إن الكم00ال
المطلق إنما هو هلل تعالى ولكتابه ،والعصمة لرسله وأنبيائه.
من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط.
عليه جبريل هبط محمد الهادي الذي
ويوج00د على النس0خ المطبوع0ة ق0ديما من ه00ذا الش0رح تعليق00ات لألجه0وري ،وق00د
أبقيت قسما منها مع نسبتها إليه.
وق00د اتفقت م00ع األخ النبي00ل :راتب موف00ق قنط00ار ص00احب دار الف00ارابي للنش00ر
والتوزيع في دمشق الشام -وفقه هللا تعالى إلى ما فيه خ0ير ال00دنيا واآلخ0رة -على طباع0ة
هذا الكتاب ونشره.
2
وهللا تعالى أس00أل أن يوفق00ه إلخراج00ه بأحس00ن ص00ورة ،وأبهى حل00ة ،وأن يعمم ب00ه
النفع.
وأن يوفق00ني لم00ا يحب00ه ويرض00اه وأن يرزق00ني الني00ة الطيب00ة والعم00ل الص00الح،
والخاتمة الحسنة ،إنه على كل شيء قدير وباإلجابة جدير ،وهو حسبي ونعم الوكيل.
محمد صالح بن أحمد الغرسي /دمشق
7شهر جمادى اآلخرة سنة 1425هـ
الموافق 24تموز سنة 2004م
3
{ -2ترجمة مؤلف جوهرة التوحيد الشيخ إبراهيم اللقاني}
هو أبو األمداد برهان الدين إب00راهيم بن حس00ن بن علي بن عب00د الق00دوس الم00الكي
اللقاني نسبة إلى “لقانة “ قرية من قرى مصر مركز شبراخيت مديرية البحيرة.
كان أحد األعالم ،وأئم00ة اإلس00الم ،المش00ار إليهم بس00عة االطالع ،وط00ول الب00اع في
علم الحديث ،والتبحر في األحكام ،وإليه يرجع في المشكالت والفتاوى .وك00ان من أرب00اب
األحوال والكشف ،وكان مهابا ً جداً ال يكلمه إال القلي00ل من الن00اس م0ع انقط0اع ت0ردده على
الحكام ،وكانت له مزايا وكرامات باهرة.
أخ00ذ عن أعالم :منهم :ص00در ال00دين المين00اوي ،وعب00د الك00ريم ال00برموني ،وس00الم
السنهوري ،ويحيى القرافي ،وأبو العب00اس أحم00د ع00رب الش00رنوبي ،وك00ان ش00يخ التربي00ة
والتصوف .أخذ عنه الكثير منهم:ابنه عبد السالم،والخرشي،وعبد الباقي ،والشبراخيتي،
ويوسف الفيشي ،وتاج الدين المكي.
له تآليف نافعة منها:
جوهرة التوحيد أنشأها ليالً بإشارة من ش00يخه الش00رنوبي؛ وأوص00اه لم00ا -1
ف00رغ منه00ا أال يعت00ذر ألح00د عن ذنب أو غيب بلغ00ه عن00ه ،ب00ل يع00ترف ل00ه ب00ه ،ويظه00ر ل00ه
التص00ديق على طري00ق التوري00ة مذل00ة للنفس ،فم00ا خالف00ه بع00د ُكتِ َب منه00ا في ي00وم واح00د
خمسمائة نسخة ،وش ََر َحها بثالثة شروح.
نصيحة اإلخوان باجتن00اب ال00دخان :أوله00ا الحم00د هلل واهب العق00ول ،ول00ه -2
المنة على فتحه لنا بابي المعقول والمنقول.
حاشية على مختصر خليل. -3
قض00اء ال00وطر ،من نزه00ة النظ00ر ،في توض00يح نخب00ة الفك00ر ،للحاف00ظ ابن -4
حجر.
بهجة المحافل بالتعريف بروايات الشمائل. -5
منار أصول الفتوى وقواعد اإلفتاء األقوى. -6
عقد الجمان في مسائل الضمان. -7
التحفة في أسانيد حديث الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم وغير ذلك. -8
ونظم المنجيات فقال:
والملك ،واإلنسان نعم الشافعة يس تنجي من دخان الواقـعة
سبع وهي المنجيات النافعة ثم البروج لـها انشراح هذه
توفي منصرفا ً من الحج بالشرفة ليلة األحد قبيل العشاء األخ0ير ث0الث ش0هر ص0فر
سنة إحدى وأربعين بعد األلف عن نيف وسبعين سنة ،حمل إلى عقبة (أيلة) ،فدفن بمحل
عال مجاور آلخر بساتينها على يمين الراجع تجاه البحر األحم00ر ،نفعن00ا هللا ب00ه وبآث00اره،
ورضي هللا عنه وعنا به.
{ -3ترجمة الشارح الشيخ إبراهيم الباجوري}
هو الشيخ العالم العالمة إبراهيم بن محمد بن أحمد الشافعي الب00اجوري نس00بة إلى
باجور مركز بمدينة المنوفية بمص0ر ،ول0د به0ا س0نة 1198هجري0ة س0نة ثم0ان وتس0عين
ومائة بعد األلف.
4
نشأ في حجر والده ،وقرأ عليه ،وق00دم األزه00ر في طلب العلم س00نة 1212هجري00ة
وهو ابن أربع عشرة سنة ،ولم0ا دخ00ل الفرنس00يون مص0ر س00نة 1213هجري0ة خ00رج إلى
الجيزة ،وأقام بها ،ولما خرج الفرنسيون من مصر سنة 1216هجري00ة ،رج00ع ،واش00تغل
بالعلم.
أخ00ذ عن00ه كب00ار العلم00اء األعالم كالش00يخ محم00د األم00ير الكب00ير ،والش00يخ عب00د هللا
الشرقاوي ،والسيد داود القلع00اوي ،والش0يخ محم0د الفض0الي ،والش0يخ حس00ن القويس0ي،
وغيرهم ممن كان في عصره ،وفي مدة قليلة ظهرت عليه آي00ات النجاب00ة ،فَ00د َّرس ،وألَّف
التآليف العديدة الجامعة المفيدة.
تقل0د رئاس0ة األزه0ر س0نة ،1263ولم ي0زل مس0تمراً على الدراس0ة ب0ه م0ع قيام0ه
بشؤون المشيخة ،وكان عباس باشا األول ي00زوره في درس00ه ب00األزهر ،فال يق00وم ل00ه ،ب00ل
يجلسه على كرسي من جريد خارج الدرس.
وقرأ وهو شيخ األزهر تفسير الفخر الرازي ،وتلقاه علي00ه أفاض00ل العلم00اء وكب00ار
األعيان ،ولكن لضعفه لم يتمكن من إكماله؛ وكان مهيبا ً بين األنام وعند الوالة والحكام.
ولما كبر س00نه وح00دث ب00األزهر ح00وادث أقيم مقام00ه أربع00ة وكالء للقي00ام بواجب00ات
المشيخة تحت رئاسة الشيخ مص00طفى العروس00ي ال00ذي أس00ندت إلي00ه رئاس00ة األزه00ر بع00د
الشيخ الباجوري.
وهاك مؤلفاته مرتبة حسب تأليفها:
حاش00ية الب00اجوري على رس00الة في “ ال إل00ه إال هللا “ لشيخـه محم00د -1
الفضالي ألفها سنة .1222
تحقي00ق المق00ام حاش00ية على “ كفاي00ة الع00وام فيم00ا يجب عليهم من علم -2
الكالم “ للعالمة الشيخ محمد الفضالي .أولها :الحمد هلل العالم بالكليات والجزئيات أتمها
سنة .1223
فتح الق000ريب المجي000د ش000رح “ بداي000ة المري000د في التوحي000د “ للش000يخ -3
السباعي .ألفها سنة .1224
حاشية على مولد اإلمام ابن حجر الهيتمي ألفها سنة .1225 -4
حاشية على شرح السنونسية في علم المنطق ألفها سنة .1225 -5
حاشية على متن “ السلم المرون00ق “ في المنط00ق للعالم00ة األخض00ري. -6
ألفها سنة .1226
حاش00ية على متن الس00مرقندية في االس00تعارات “ بالغ00ة “ أتمه00ا س00نة -7
.1226
فتح الخبير اللطيف بشرح متن “ الرص0يف “ للش0يخ عب0د ال0رحمن بن -8
عيسى .ألفه سنة .1227
حاشية على “ أم البراهين في العقائد “ للعالمة السنوسي .ألفه00ا س00نة -9
.1227
حاشية على مولد الشيخ أحمد الدردير رحمه هللا .ألفها سنة .1227 -10
5
فتح رب البري0000ة على “ ال0000درة البهي0000ة “ نظم األجرومي0000ة للعالم0000ة -11
العمريطي.ألفها سنة .1229
حاشية على متن “ البردة “ للبوصيري .ألفها سنة .1229 -12
حاشية على “ بانت سعاد “ في مديح المصطفى عليه الصالة والسالم. -13
ألفها سنة .1234
تحفة المري00د على “ ج00وهرة التوحي00د “ لبره00ان ال00دين اللق00اني .ألفه00ا -14
سنة .1234
منح الفتاح على نور المصباح في أحكام النكاح .ألفها سنة .1234 -15
التحفة الخيرية على “ الفوائد الشنشورية “ “ ميراث “ أولها :الحمد -16
هلل الذي يرث األرض ومن عليها وهو خير الوارثين .أتمها سنة .1236
الدرر الحسان على “ فتح الرحمن “ فيما يحص0ل ب0ه اإلس00الم واإليم00ان -17
للعالمة الزبيدي سنة .1238
رسالة صغيرة في علم التوحيد سنة .1238 -18
المواهب اللدني00ة على الش00مائل المحمدي00ة للحاف00ظ الترم00ذي .أتمه00ا س00نة -19
.1251
حاشية على شرح العالمة ابن قاسم الغ00زي على متن الش00يخ أبي ش00جاع -20
(فق00ه الش00افعي رض00ي هللا عن00ه).أتمه00ا س00نة 1258وهي آخ00ر م00ا أتم تأليف00ه ،وهي في
جزءان كبيران.
وله مؤلفات أخر لم تكمل منها:
حاشية على شرح جمع الجوامع إلى آخر المقدمة. -1
حاشية على شرح السعد على العقائد النسفية. -2
حاشية على “ المنهج “ إلى كتاب الجنائز. -3
حاشية على شرح منظومة الشيخ البخاري في التوحيد. -4
وكان ديدنه رحمه هللا تعالى التعلم واالستفادة والتعليم واإلف00ادة ،وك00ان ل00ه حس00ب
جسيم ألهل بيت النبي ،صلى هللا عليه وآله وسلم وكان لسانه رطب0ا ً بتالوة الق00رآن وذك00ر
هللا تعالى .وبالجملة فكان رحمه هللا صارفا ً زمنه في طاعة مواله شاكراً ل00ه على م0ا أواله
ولذا حصل االنتفاع بتأليفه في حياته وبعد مماته.
ثم انتقل طيب هللا ثراه إلى رحمة هللا مواله سنة 1277س00بع وم00ائتين بع00د األل00ف
بعد أن عاش نحواً من ثمانين سنة ،عمه هللا تعالى بالرحمة والرضوان.
6
{-4مقدمة المؤلف}
بسم هللا الرحمن الرحيم
الحمد هلل المنفرد باإلعدام واإليجاد ،المنزه عن شوائب النقص واألضداد.
وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له القديم المخالف لم00ا ع00داه من الكائن00ات،
الباقي وهالك كل من عداه من المخلوقات.
ُ
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الصادق األمين ،المبل00غ ك00ل م00ا أم00ر
بتبليغه من رب العالمين .صلى هللا عليه وعلى آل00ه وص00حبه ج00واهر المع00ارف ،1وأزه00ار
رياض الفصاحة والعوارف.2
{أما بع0د} فيق00ول أفق0ر ال00ورى إلى رب00ه الق0دير ،إب00راهيم بن محم0د الب0اجوري ذو
التقصير :إنه لما ك00ان نظم 3الع00الم العالم00ة ،والح00بر البح00ر الفهام00ة ،ذي الفيض ال00داني،
الشيخ إبراهيم اللقاني ،الموسوم 0بجوهرة التوحيد ،قد نظم فرائد هذا الفن في عقد نضيد،
وحوى من نفائس الدرر ومحاسن الغرر ما يدهش األلباب ،ويقضي بالعجب العجاب ،وقد
ولع الناس بالدخول في رياض فوائده ،واألخذ من ثمار موائده ،سألني وفد من اإلخ00وان،
أصلح هللا لي ولهم الحال والشأن :أن أكتب عليه حاشية تس00فر عن مطوي00ات م00ا في00ه من
الرموز واألسرار ،وتكشف عن سدول النقاب واألستار ،فلما انش00رح ص00دري ل00ذلك ،وهللا
أعلم بما هنالك :4صرفت زمام الع00زم نح00و رياض00ه ،وأوردت الفك00ر في عبق00ري حياض00ه،
وقد تيسر لي إذ ذاك بعض شراح 5الناظم الهمام ،مع حواشي النظم وش00رحه للش00يخ عب00د
السالم ،ومع ما كتبه عليه السادة األعالم ،وغير ذلك مما فتح به الس00الم ،ف00التقطت منه00ا
درراً نفيسة ،ومحاسن شريفة ،ونظمتها في س00لك التحب00ير والتص00نيف ،وجعلته00ا حاش00ية
على هذا المتن الشريف ،وقد سميتها{ :تحفة المري00د ،على ج00وهرة التوحي00د} جعله00ا هللا
خالصة لوجهه الكريم ،ونفع بها كل من تلقاها بقلب سليم ،والمرجو ممن اطلع عليه00ا أن
ينظر إليها نظر اعتذار ويجر على ما فيها من الهف00وات أذي00ال األس00تار ،فالس00تر من ش00يم
الكرام ،وإذاعة العورات من دأب اللئام ،وهللا أسأل وبنبيه أتوسل :أن تح00ل مح00ل القب00ول،
إنه خير مأمول وأكرم مسؤول.
وها أنا أشرع في المقصود ،بعون هللا المعبود ،فأقول وباهلل التوفيق:
-1األولى بالتسمية 0بدل بها ألن الذي يؤتى به في النظم هو التس00مية وليس البس00ملة الن
البسملة اسم لبسم هللا الرحمن الرحيم ،منحوت منها .والضمير في بها عائد على البسملة.
-2وأولى منه أن يقال :ألنه يفوت العمل ببعض روايات الخبر وهي رواية( :كل أم00ر ذي
بال لم يبدأ ببسم هللا الرحمن الرحيم فهو أبتر) كما أنه يكون مخالفا ألسلوب الكتاب المجيد ولِ َم00ا
درج عليه سلف األمة ،وال بأس بأن يجعل هذا وجها ً لكونه خالف األولى.
3كي00ف تك00ون موج00ودة وق00د ق00ال رس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم( :إذا اس00تعنت
فاستعن باهلل) واالستعانة باهلل تعالى 0وباسمه مشعرة بكمالهما وجاللتهما وماذا يقول ه0ذا القائ00ل
في قوله تعالى( 0:وإياك نستعين).
-4هذا كالم ال معنى له.
-5أي يكون داالً عليه فإن الدال يعلو المدلول علواً معنوياً.
6بفتح الالم كنصر بمعنى وسم.
9
و “ هللا “ علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد.
وقولنا “ الواجب الوجود… الخ “ تعيين للمسمى ،ال أنه من جملة المسمى على
ما هو التحقيق ،وإال لكان كلياً ،وهو علم شخصي بمع00نى أن مدلول00ه معين في الخ00ارج ال
بمعنى أنه قامت به 1مشخص00ات كالبي00اض والط00ول وهك00ذا الس00تحالة ذلك ،2وال يج00وز أن
يقال ذل00ك إال في مق00ام التعليم لم00ا في00ه من إيه00ام م00ا ال يلي00ق ،وب00ذلك تعلم أن00ه ليس علم00ا
بالغلبة خالفا لمن زعم ذلك .وهو اسم هللا األعظم عند الجمهور ،واخت00ار الن00ووي أن00ه “
الحي القي00وم “ وإنم00ا تخلفت اإلجاب00ة عن00د ال00دعاء ب00ه من بعض الن00اس لتخل00ف ش00روط
اإلجابة التي أعظمها أكل الحالل.
و “ الرحمن الرحيم “ ص00فتان مأخوذت00ان من الرحم00ة بمع00نى اإلحس00ان أو إرادة
اإلحس00ان ،ال بمعناه00ا األص00لي ال00ذي ه00و رق00ة في القلب تقتض00ي التفض00يل واإلحس00ان،
الس00تحالة ذل00ك في حقه 3تع00الى ،ف00الرحمن ال00رحيم في حق00ه بمع00نى المحس00ن أو مري00د
اإلحس00ان ،لكن األول بمع00نى المحس00ن بجالئ00ل النعم أي ب00النعم الجليل00ة ،والث00اني بمع00نى
المحسن بدقائق النعم أي النعم الدقيقة ،4ألن زيادة المبني تدل على زي00ادة المع00نى غالب 0اً؛
وإنما جمع بينهما إشارة إلى أنه ينبغي أن يطلب منه تع0الى النعم الحق00يرة 5كم0ا ينبغي أن
يطلب منه النعم العظيمة؛ ألن الكل منه وحده س0بحانه وتع0الى ،ويتعل0ق بالبس0ملة أبح0اث
كثيرة فال نطيل بذكرها.
1قوله ال بمعنى أنه قامت به مشخصات .أقول هو بهذا المع00نى ،ومشخص00اته 0تع00الى هي
خصائص ربوبيته تعالى.
2المحال إنما هو قيام المشخص00ات الحادث00ة ب00ه تع00الى كالبي00اض وأم00ا قي00ام المشخص00ات0
القديمة به أي ما يتصف به تعالى وينفرد به من الصفات 0القديم00ة ف00واجب ،إال أن يق00ال الص00فات
الخاصة بالشخص إنما تعتبر مشخصة له إذا كان ذلك الشخص مش00اركا ً لغ00يره في الماهي0ة 0وهللا
تعالى منفرد بماهيته 0ال شريك له فيها فال تكون صفاته مشخصة له ،أي مميزة له عما يش00اركه
في ماهيته لكن كالم الشارح ال يشعر بهذا الوجه والمتبادر من كالم00ه أن المحالي 0ة 0من جه00ة أن
المشخصات 0ال بد أن تكون عارضة وحادثة .وهللا أعلم.
3ألن الرقة انفعال وتغ00ير وه00و على هللا تع00الى مح00ال ،وق00د اس00تدل العلم00اء على ح00دوث
العالم بتغيره ،وليست المحالي0ة 0من جه0ة ع0دم وج0ود القلب 0ل0ه تع0الى ألن القلب 0غ0ير داخ0ل في
مفهوم الرحمة ،ومعناها الرقة وذكر القلب 0لبيان محلها.
4فيه أن أوزان المبالغة تدل على الكثرة والكثرة إنم00ا تعت00بر باعتب00ار الكمي00ة واألف00راد ال
باعتبار الكيفية.إال إن يقال إن المبالغة قد تعتبر باعتبار 0الكيفية أيضا
5التعبير عن النعم الدقيقة بالحقيرة تعبير حقير.
10
{-6ما يتعلق بالحمد والصالة والسالم}
صالته
ثم سالم هللا مع َ صالته
-1الحمد هلل على ِ
(قوله الحمد هلل …الخ) قال الن0ووي رحم0ه هللا تع0الى :يس0تحب الحم0د في ابت0داء
الكتب المصنفة وكذا في ابت00داء دروس المدرس00ين وق00راءة الط00البين بين ي00دي المعلمين،
سواء قرأ حديثا ً أو فقها ً أو غيرهما ،وأحسن العبارات في ذل00ك “ الحم00د هلل رب الع00المين
“ .أهـ وإنم00ا لم ي00أت بح00رف العط00ف إش00ارة إلى أن كالً من البس00ملة والحمدل00ة محص00ل
للمقصود في االبتداء ،1أو الحتمال أن تكون إحداهما خبرية واألخرى إنشائية ،والصحيح
أنه ال يجوز عطف اإلنشاء على األخبار وعكسه.
والحمد لغة :الثناء بالكالم على الجمي00ل االختي00اري على جه00ة التبجي00ل والتعظيم، 0
سواء كان في مقابلة نعمة أم ال ،فمثال األول ما إذا أكرمك زيد فقلت “ زيد كريم “ فإن00ه
في مقابلة نعمة؛ومثال الثاني م00ا اذا وج00دت زي00دا يص00لي ص00الة تام00ة ،فقلت :زي00د رج00ل
صالح فانه ليست في مقابلة نعمة والثناء –بتقديم المثلثة على النون :هو اإلتيان بما يدل
على التعظيم .وقيل :هو ال00ذكر بخ00ير ،وض00ده النث00اء –بتق00ديم الن00ون على المثلث00ة ،وإنم00ا
الح ْم َد الق00دي َم وه00و حم00د
عبرنا بالكالم كما عبر به بعض المحققين ليشمل التعريف حينئذ َ
هللا نفسه وحمده ألنبيائه وأوليائه وأصفيائه ،والحمد الحادث وهو حمدنا هلل تعالى وحم00د
بعضنا لبعض ،فدخلت أقس00ام الحم00د األربع00ة وهي حم0د ق0ديم لق00ديم وحم0د ق0ديم لح00ادث؛
وحمد حادث لقديم وحمد ح00ادث لح00ادث؛ وأم00ا تعب00ير بعض00هم باللس00ان فيل00زم علي00ه أن ال
يكون التعريف ش00امالً للق00ديم،إال أن ي0راد باللس0ان الكالم على س0بيل المج0از المرس00ل من
إطالق السبب وهو اللسان وإرادة المسبب وهو الكالم ،وال ي00رد أن التع00اريف تص00ان عن
المج00از ،ألن مح00ل ذل00ك م00ا لم يكن المج00از مش00هوراً كم00ا هن00ا .وقولن00ا “ على الجمي00ل
االختي00اري “ أي ألج00ل الجمي00ل االختي00اري ول00و ك00ان جميالً في اعتق00اد المحم00ود ب00زعم
الحامد وإن لم يكن جميالً شرعا ً كنهب األموال؛ وخرج بقيد االختياري :االضطراري ،فإن
الثناء عليه يسمى مدحا ً ال حمداً ،تقول :مدحت اللؤلؤة على حسنها ،دون حم00دتها .وق00ال
الزمخشري :الحمد والمدح أخوان بمعنى أنهما مترادف00ان ،واالختي00اري إنم00ا ه00و قي00د في
المحم00ود علي00ه ال في المحم00ود به ،2فق00د يك00ون المحم00ود علي00ه اختياري0اً ،والمحم00ود ب00ه
اض00طرارياً ،كم00ا إذا أكرم00ك زي00د فقلت “ زي00د حس00ن “ وأرك00ان الحم00د خمس00ة :حام00د،
ومحمود ،ومحمود به ،ومحمود له ،وصيغة ،ثم اعلم أن المحمود به والمحمود علي00ه ق00د
1أقول :ال وجه لهذه اإلشارة وال أحد يقصد بترك العطف هذه اإلشارة وه00ذا من تقع00رات
أرب00اب الحواش00ي ال00تي أغرم00وا به00ا .والتحقي00ق أن ت00رك العط00ف ألن المقص00ود من البس00ملة0
االستعانة باسمه تعالى أو التبرك 0به فيما يبتدأ بها وهو ما بعدها ،فهي ليست من نوع م00ا بع00دها
فكان بينها وبين ما بعدها كمال االنقطاع وهو مانع من العطف ،ومن أجل ذلك كان ت00رك العط00ف
هو الوارد في الكالم المبين 0ثم في كالم العلماء.
2أقول:المحمود به ال بد أن يكون مفيداً للمحمود عليه فيكون هوأيضاً 0اختياري 0اً.والمث00ال
الذي ذكره الشارح 0من المدح ال من الحمد وكذلك ما أورده مثاال لالختالف ذاتا واعتبارا 0فدعوى
االختالف ذاتا ال اعتبارا 0غير مسلمة
11
يتحدان ذاتا ً ويختلفان اعتباراً ،كم00ا إذا أكرم00ك زي00د فقلت “ زي00د ك00ريم “ ف00إن الك00رم من
حيث كونه باعثا ً على الحمد يقال له محمود عليه ،1ومن حيث كونه مدلول الص00يغة يق00ال
له محمود به ،وقد يختلفان ذاتا ً واعتباراً ،كم0ا إذا أكرم0ك زي0د فقلت “ زي0د ع0الم “ ف0إن
المحمود عليه ه00و الك00رم والمحم00ود ب00ه ه00و العلم ،ف00إن قلت :التقيي00د باالختي00اري يخ00رج
الحمد على ذاته تعالى وصفاته فظاهره أنه ال يسمى حمداً ،والتزمه بعض00هم فق00ال يس00مى
مدحاً .قلت :أجيب عن ذلك بأن المراد ما يشمل االختي00اري حقيق00ة وه00و ظ00اهر ،أو حكم0ا ً
والمراد به ما كان منش00أ لألفع0ال االختياري0ة كال0ذات وص00فات الت00أثير 2أو مالزم0ا ً للمنش00أ
كصفات غير التأثير 3وقولنا “ على جهة التبجيل والتعظيم “ أي على جه00ة هي التبجي00ل
والتعظيم ،فاإلضافة للبيان ،وعط00ف التعظيم على التبجي00ل للتفس00ير؛ وخ00رج ب00ذلك م00ا إذا
ق إِنَّ َك أَ ْنتَ ك00ان على جه00ة االس00تهزاء والس00خرية ،كم00ا في ق00ول المالئك00ة ألبي جه00ل ُ
(ذ ْ
ا ْل َع ِزيُ 000000000000000000000000000000000ز ا ْل َكِ 000000000000000000000000000000000ري ُم) (ال000000000000000000000000000000000دخان.)49:
أي بزعمك عند قومك ،وعبارة الخازن ما نصه( :ذق) :أي هذا العذاب( ،إنك أنت العزي00ز
الكريم) :أي عند قومك بزعمك ،وذلك أن أبا جهل لعنه هللا ك00ان يق00ول :أن00ا أع00ز الب00وادي
وأكرمهم ،فتقول خزنة النار له ذلك على طريق االس00تخفاف والت00وبيخ اهـ .وفي الحقيق00ة
هذا خارج من أول األمر ،ألن00ه ليس ثن00اء إال بحس00ب الص00ورة ،فه00ذا القي00د عن00د التحقي00ق
لإليضاح.
وأما الحمد اصطالحا ً :فهو فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث كونه منعما ً على 4
الحامد أو غيره ،سواء كان ذلك قوالً باللسان أو اعتقاداً بالجن00ان أو عمالً باألرك00ان ال00تي
هي األعضاء ،كما قال القائل:
والضمير المحجبا
َ أفادتكم النعما ُء مني ثالثةً يدي ولساني
وإنما كان االعتقاد فعالً ألنه التصميم بالقلب .وأما قولهم “ التحقيق أنه كي00ف :أي
الصورة الحاصلة في النفس “ 5فهو تدقيق كالمي ال ينظر إليه هنا.6فإن قيل :االعتق00اد ال
ين00بئ عن تعظيم المنعم ،أجيب بأن00ه ين00بئ ل00و اطل00ع علي00ه ،أو أن00ه يس00تدل علي00ه ب00القول،
ويتحقق حينئذ حمدان :أحدهما بالقول ،واآلخر باالعتقاد المأخوذ منه.7
والشكر لغة :هو الحمد اصطالحاً ،لكن بإبدال الحامد بالشاكر .واصطالحاً :ص00رف
العبد جميع ما أنعم هللا به عليه فيما خلق ألجله.
6ذلك ألننا 0نأخذ االعتقاد ب0المعنى 0المص00دري ،وأه0ل الكالم ق0د أخ0ذوا ب00المعنى الحاص0ل0
بالمصدر.
7األولى المدلول عليه به.
12
{-7الالم في الحمد هلل هل هي للجنس أو لالستغراق}
2 1
ثم اعلم أن “ أل “ في الحم00د إم00ا لالس00تغراق أو للجنس أو للعهد .والالم في “
هلل “ إما لالستحقاق أو لالختصاص أو للملك ،فتحصل من هذا احتماالت تسعة قائمة من
ض00رب ثالث00ة في ثالث00ة يمتن00ع منه00ا جع00ل الالم للمل00ك م00ع جع00ل “ أل “ للعه00د إذا جع00ل
المعهود هو الحمد القديم فقط؛ ألن القديم ال يملك ،بخالف م00ا إذا جع00ل المعه00ود حم00د من
يعتد بحمده كحمده تعالى وحمد أنبيائه وأوليائه وأصفيائه؛ ألن المعهود حينئذ هو الجملة
المركبة من القديم والحادث .والقاعدة أن المركب من القديم والح00ادث ح00ادث 3فيص00ح أن
يملك.
ص00الته) أي ألج00ل ص00الته؛ فعلى للتعلي00ل على ح00د قول00ه تع00الى: قول00ه( :على ِ
( َولِتُ َكبِّ ُروا هَّللا َ َعلَى َما َهدَا ُك ْم) (البقرة :من اآلية )185والجار والمج00رور متعل00ق بالحم00د.
واغتف00ر الفص00ل بين المص00در ومعمول00ه ب00الخبر ،ألن ذل00ك يغتف00ر في الج00ار والمج00رور،
وبعضهم جعله خبراً بعد خبر فيكون المصنف قد حمد أوالً في مقابلة الذات 4ثم حمد ثانية
صالت بكسر الص0اد جم00ع ص0لة وهي العطي0ة بمع00نى الش0يء صالت ،ثم إن ال ِ في مقابلة ال ِ
المعطى كما هو المتبادر ،أو بمعنى اإلعطاء وهو أولى ،ألنه حم00د على ص00فة الم00ولى بال
واس00طة ،والحم00د على الش00يء المعطى حم00د على الص00فة بواس00طة؛ وإنم00ا اخت00ار الحم00د
المقيد على المطلق 5ألن المقيد أفضل من المطلق؛ فإنه يث00اب على المقي00د ث00واب ال00واجب
1القائل 0بكون أل للجنس الزمخشري ،وهو المتذوق ألساليب 0اللغة العربي 0ة 0وه00و الث00اني0
في هذا األمر لإلمام عبد القاهر 0الجرجاني 0،ومن ثمة قالوا :لم يذق بالغ00ة الق00رآن إال األعرج00ان0
أحدهما من زمخشر واآلخر من جرج00ان .وحم00ل أل على الجنس أبل00غ في الم00دح ألن اختص00اص
األفراد ق0د يك00ون اتفاقي0اً 0م00ع اس00تحقاق الغ0ير 0للجنس 0،وأم00ا اختص0اص 0الجنس فينفي اس0تحقاق
الغير لفرد من األفراد.
2قول00ه :أو للعه00د .كي00ف يحم00ل على العه00د وال عه00د ،فمن أج00ل ه00ذا لم يحمل00ه أح00د من
المحققين على العهد ،وإنما اختلفوا في أنه هل هو للجنس أو لالستغراق؛ 0ومثل هذا في الفساد0،
قوله :أو للملك فإن الملك مخصوص باألعيان 0والمنافع وأم0ا األح0داث فال تمل0ك ب0ل تس0تحق أو
تختص.
-3إن ك00ان إطالق الح00ادث 0علي00ه باعتب00ار وص00ف الك00ل بص00فة جزئ00ه مج00ازا ف00اإلطالق
ص00حيح لكن المعت00بر في القواع00د ه00و اإلطالق الحقيقي 0،وإن ك00ان اإلطالق على س00بيل الحقيق 0ة0
فظاهر أن اإلطالق غير صحيح .نعم لو قررت القاعدة هكذا :إن المركب من القديم والحادث غير
قديم ،لكانت 0صحيحة ،فإن المركب من القديم والحادث ال يوص00ف ال بالق00دم وال بالح00دوث لكن ال
يصح تفريع قوله :فيصح أن يملك عليها .وهللا تعالى أعلم
4قوله :في مقابلة الذات أي باعتبار 0استلزامها لص00فات الجالل والجم00ال وإال فالحم00د هلل
على الذات البحت ال يصح.
5قوله" :المطلق" المراد بالمطلق ما كان في مقابلة 0جميل غير نعمة ،وليس الم00راد ب0ه
ما ال مقابل له ،ألن حقيقة الحمد :الثناء 0ألجل جميل اختياري ،فال بد من مقابل ،أجهوري .أقول:
إن المراد بالحمد المطلق ما لم يذكر له مقابل ،ولو حملناه على هذا لدخل في المقيد م00ا ك00ان في
مقابلة جميل غير نعمة واصلة من المحمود إلى الحامد 0،وكالم الش00ارح 0ي00أبى 0ه00ذا ألن ه00ذا ليس
13
لكونه في مقابلة نعمة ،فهو كأداء الديون ،وبعضهم ذهب إلى أن المطلق أفضل .قوله (ثم
سالم هللا … إلخ) يحتمل أن تكون ثم لالستئناف ،ويحتمل أن تكون للعطف؛ وعلى الثاني
فيحتم00ل أن تك00ون لل00ترتيب ال00ذكري وأن تك00ون لل00ترتيب الرت00بي؛ ألن رتب00ة م00ا يتعل00ق
بالمخلوق من الصالة والسالم متأخرة ومتراخية عن رتبة ما يتعلق بالخالق من البس00ملة
والحمدلة ،ومعنى سالم هللا تحيته الالئقة به صلى هللا عليه وآل0ه وس0لم بحس0ب م0ا عن0ده
تعالى تشعر به إضافته له تعالى ،فالمطلوب تحي00ة عظمى بلغت الدرج00ة القص00وى فتك00ون
أعظم التحيات ألنه صلى هللا عليه وآله وسلم أعظم المخلوقات؛ والمراد بالتحية في حق00ه
صلى هللا عليه وآله وسلم كما أفاد السنوسي في شرح الجزائرية أن يسمعه كالمه الق00ديم
ال00دال على رفع00ه مقام00ه العظيم 0.ولم ي00رتض بعض00هم تفس00ير الس00الم باألم00ان وإن ذك00ره
السنوسي وغيره؛ ألنه ربما أشعر بمظنة الخوف مع أن النبي صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم
بل وأتباعه ال خوف عليهم ،نعم يخاف خوف مهاب00ة وإجالل ،ول00ذلك ق00ال ص00لى هللا علي00ه
وآله وسلم( :إني ألخوفكم من هللا.1
فإن قيل :إن السالم يؤخر عن الصالة كما جرى به عرف االستعمال آلية (يَ00ا أَ ُّي َه00ا
سلِيماً) (األحزاب :من اآلية )56فما بال المص00نف قدم00ه سلِّ ُموا تَ ْ
صلُّوا َعلَ ْي ِه َو َ
الَّ ِذينَ آ َمنُوا َ
عليها؟ أجيب بأن ذلك لضرورة النظم ،على أن0ه أش0ار بلط0ف إلى أن رتبت0ه الت0أخير حيث
أدخل “ مع “ على الصالة وهي تدخل على المتبوع ،يقال “ جاء الوزير مع الس00لطان “
دون العكس.
قول00ه (م00ع ص00الته) بإس00كان العين هن00ا على اللغ00ة القليل00ة ألج00ل ال00وزن وإن ك00ان
األفصح فتحها .ومع00نى ص00الته :رحمت00ه المقرون00ة ب00التعظيم كم00ا تش00عر ب00ه اإلض00افة إلى
ضميره تعالى ،2وهذا هو الالئق بالمقام .وقيل :هي مطلق الرحمة سواء قرنت ب00التعظيم،
أم ال ،لكن ه00ذا بي00ان للص00الة في ح00د ذاته00ا بقط00ع النظ00ر عن المق00ام .وينب00ني على ه00ذا
الخالف 3العطف في قوله تعالى( :أُولَئَِ 0ك َعلَ ْي ِه ْم َ
ص0لَ َواتٌ ِمنْ َربِّ ِه ْم َو َر ْح َم 0ةٌ) (البق00رة :من
اآلية )157فعلى األول يك00ون من عط00ف الع00ام على الخ00اص ،وعلى الث00اني من عط00ف
التفسير؛ وقد فسر الجمهور الصالة بأنه00ا من هللا الرحم00ة ومن المالئك00ة االس00تغفار ومن
غيرهم ولو حجراً وشجراً ومد ًر التضرع وال00دعاء ،فق00د ورد أنه00ا ص00لت علي00ه كم00ا رواه
من قبيل أداء الديون ،فمن أجل ذلك حمل األجهوري المطلق على ما ك0ان في مقاب0ل جمي0ل غ0ير
نعمة ،لكن التعبير 0بالمطلق 0يأبى هذا الحمل ،فاألولى أن يحمل اإلطالق على ما هو متب00ادر من00ه،
ويقال :إنما قصد الشارح 0بيان 0المفاضلة بينه وبين م00ا ك0ان في مقابل0ة النعم0ة ،ولم يقص00د بي0ان0
المفاضلة 0بين المقيدين .وهللا تعالى أعلم.
1أخرجه البخاري ( )5063من حديث أنس بلفظ ( إني ألخشاكم هلل).
2لو أفادت اإلض00افة ش00يئا ً ألف00ادت عظم00ة الص00الة وال تفي00د عظم00ة المص00لى علي00ه إال أن
يدعي أن عظمة الص00الة تقتض00ي عظم00ة المص00لى 0علي00ه ،ثم إن كالم00ه يفي00د أن ك00ون الم00راد من
الصالة الرحمة المقرونة ب0التعظيم 0مف0اد اإلض0افة وعلى ه0ذا ال يص0ح مقابل0ة ه0ذا الكالم بقول0ه.
وقيل :هو مطلق الرحمة التحاد القولين ،ولعل مراده أن مفاد اإلضافة مق0و للمع00نى ال00ذي وض00ع
له اللفظ 0،لكن الوارد في كتب اللغة أنها بمعنى الرحمة.
3ال خالف هنا حتى ينبني عليه شيء ،ألنه قد أفاد أن الصالة بمعنى مطلق الرحمة وأم00ا
التعظيم فهو مفاد القرائن من اإلضافة والمقام وهللا أعلم.
14
الحلبي في السيرة وإن اشتهر أنها سلمت عليه فقط ،4وإن شئت قلت وه0و األخص0ر :هي
من هللا الرحمة ومن غيره الدعاء؛ وحينئذ يك00ون ش00امالً لالس00تغفار وغ00يره؛ واخت00ار ابن
هشام في مغنيه أنها العطف بفتح العين وهو بالنسبة هلل الرحمة…إلخ .ويترتب على هذا
الخالف أنها من قبيل المشترك اللفظي على األول وضابطه أن يتحد اللفظ ويتعدد المع00نى
والوض00ع ومن قبي00ل المش00ترك المعن00وي على الث00اني ،وض00ابطه ان يتح00د ك00ل من اللف00ظ
والمعنى والوضع ،والتحقيق :الثاني وإن رجح بعضهم األول.
{-8هل ينتفع األنبياء بالصالة عليهم}
والصحيح أنه ينتفع بصالتنا عليه كباقي األنبياء ،لكن ال ينبغي التص00ريح ب00ذلك إال
في مقام التعليم ،كما أشار إلى ذلك بعضهم بقوله:
بذي الصالة شأنه مرتفع وصححوا بأنه ينتفع
لنا بذا القول وذا صحيح لكنه ال ينبغي التصريح
وقيل المنفعة عائدة على المصلي ليس إال؛ ألن00ه ق00د أف00رغت علي00ه الكم00االت .ور ّد
بأنه ما من كمال إال وعند هللا أكمل منه ،والكامل يقب00ل الكم00ال؛ لكن ال ينبغي للمص00لي أن
يالحظ ذلك ،بل يالحظ أنه يتوسل به صلى هللا عليه وآله وسلم عند ربه في نيل مقصوده.
وفي كالم المصنف نوع من المحسنات البديعية يسمى بالجناس المحرف :وهو ما
بص0الته بكس00ر الص00اد ،ثم ع00ير تماثل ركن00اه في الح00رف ال في الحرك00ات؛ فإن00ه ع00بر أوالً ِ
بصالته بفتحها ،وفي هذا البيت مع ما بعده التضمين ،وهو كم00ا في ش00رح ش00يخ اإلس00الم َ
على الخزرجية تعلق قافية البيت بما بعدها ،وهو مغتفر للمولدين عند بعضهم،
وإثبات الصالة والسالم في صدر الكتب والرسائل ح0دث في زمن والي0ة هش0ام ،ثم
مض00ى العم00ل على اس00تحبابه ،ومن العلم00اء من يختم بهم00ا كتاب00ه أيض 0ا ً كم00ا في ش00رح
المصنف الصغير.
1فيه أن عدم كونه من باب التنازع ألن الج00ار 0والمج00رور خ00بر للمبت00دأ 0،ول00و حم00ل على
التنازع لبقي المبتدأ بدون خبر ،وأيضا ً مراد من منع التن0ازع في الجوام0د األفع0ال الجام0دة مث0ل
نعم وبئس وعسى وليس ،وليس منها المصدر نعم الجمهور على منع التن00ازع 0في المص00در لكن
هذه مسألة أخرى ،والخالف فيها غير الخالف في الجوامد.
2فيه أن المعدى ،هو المتعلق المحذوف من نحو كائنان 0أو نازالن ال الدعاء،
-3أقول :بل ذلك مخصوص بلفظ 0الدعاء ومشتقاته فال محل للسؤال وأم00ا تع00دي الص00الة
بعلى فلعل00ه مب00ني على تض00منها مع00نى ال00نزول ،تق00ول :ص00لى هللا علي00ه أي أن00زل علي00ه الرحم00ة
وصلت عليه المالئكة أي دعت بنزول الرحمة عليه.
-4فيه أن فعيالً ال يكون بمعنى مفعل بكسر العين أوفتحها ،وإنم00ا يك0ون بمع00نى فاع00ل أو
مفعول ،وما ذكره العلماء 0هنا إنما هو لبيان 0مناسبة االشتقاق.
16
(وإِنْ ِمنْ أُ َّم ٍة نذير “ بمعنى أنه في كل جماعة من الحيوانات رسول .وأم00ا قول00ه تع00الىَ :
إِاَّل َخال فِي َه00ا نَِ 0ذي ٌر) (ف00اطر :من اآلية )24فه00و في أمم البش00ر الماض00ية؛ وخ00رج بال00ذكر:
األنثى ،بناء على أنه يقال لها إنسان .وقال بعضهم :1يقال لها إنسانة ،كما قال قائل:
بدر الدجى منها خجل إنسانة فتانة
وعليه فتكون األنثى خرجت باإلنسان ،والقول 0بنبوة مريم وآسية وام00رأة فرع00ون
وحواء وأم موسى واسمها “ يوحانذ “ بالذال المعجمة– 0وهاجر وسارة ،فه00و مرج0وح،
قال صاحب بدء األمالي:
وما كان نبيا ً قط أنثى وال عبد وشخص ذو فعال
أي فعل قبيح ،وخرج بالحر :الرقيق ،وال يرد لقمان ألنه لم يكن نبيا ً بل كان تلميذاً
لألنبي00اء ،ألن00ه ورد أن00ه ك00ان تلمي00ذاً ألل00ف ن00بي ،وخ00رج بقولن00ا “ من ب00ني آدم “ الجن
والمالئكة ،بناء على أن اإلنسان مأخوذ من النوس وهو التح00رك ،يق00ال ن00اس إذا تح00رك،
فيشمل الجن والملك فيحتاج إلخراجهما بما ذكر ،وأما على أنه مأخوذ من األنس فيختص
س أَلَ ْم
ش َر ا ْل ِجنِّ َواأْل ِ ْن ِ ببني آدم ،فال يحتاج إلخراجهما بما ذكر ،وال يرد قوله تعالى( :يَا َم ْع َ
سٌ 00ل ِم ْن ُك ْم) (األنع00ام :من اآلية )130ألن معن00اه -وهللا أعلم -ألم ي00أتكم رس00ل من يَ00أْتِ ُك ْم ُر ُ
بعضكم وهم اإلنس ،أو المراد برسل الجن الس00فراء منهم أي الن00واب منهم عن الرس00ل ال
س0الً) ص0طَفِي ِمنَ ا ْل َمالئِ َكِ 0ة ُر ُ رسل من عن0د هللا تع0الى ،وال ي0رد أيض0ا ً قول0ه تع0الى( :هَّللا ُ يَ ْ
(الحج :من اآلية )75ألن معن00اه -وهللا أعلم -أنهم س00فراء بين هللا وبين أنبيائ00ه ليبلغ00وهم
عن هللا تعالى الشرائع .وخرج بالسليم عن المنفر :غير السليم عنه ،فمن ك00ان في00ه منف00ر
كعمى2وبرص وجذام لم يكن نبيا ً وال رس00والً ،وال ي00رد بالء أي00وب وعمى يعق00وب؛ “ ألن00ه
أمر ظاهري وليس حقيقيا ً،3وال يرد أيضا ً بناء على أنه حقيقي لطروه بعد تقري0ر النب00وة،4
والكالم فيما قارنها .وقد اختلف في عدد األنبياء :فقيل مائة ألف وأربعة وعش00رون ألف00ا،
وقيل مائتا ألف وأربعة وعشرون ألفاً .واختلف أيضا ً في عدد الرسل منهم :فقيل ثالثمائة
وثالثة عشر ،وقيل وأربعة عشر ،وقيل وخمسة عشر ،واألسلم اإلمس00اك عن ذل00ك لقول00ه
ص صْ 0 ص0نَا َعلَ ْي00كَ َو ِم ْن ُه ْم َمنْ لَ ْم نَ ْق ُ ص ْ تعالى لنبيه صلى هللا عليه وآل00ه وس00لمِ ( :م ْن ُه ْم َمنْ قَ َ
5االستدالل بهذه اآلية غير تام ألن معنى اآلية أن هللا تعالى لم يقص عليه صلى هللا عليه
وآله وسلم قصصهم ،وهذا ال يستلزم 0عدم إعالمه إياه بعددهم.
1هذه الدعوى تحتاج 0إلى اإلثبات ودونه خرط القتاد ،ألنه إن كان المراد بخلو ال00دين عن
التوحيد وجود الشرك 0فالشرك 0كان موجوداً حال بعثة جمي00ع األنبي00اء غ00ير آدم ،وإن ك00ان الم00راد
منه انقطاع التوحيد عن وجه األرض فالتوحيد في بعض األفراد كان موج00وداً وقت بعثت00ه علي00ه
الصالة والسالم ،فالتحقيق أن القيد واقعي وليس لالحتراز 0،وكون المراد من لفظ نبي نبينا عليه
السالم معلوم من المقام وبما سيأتي حيث أبدل محمداً من نبي.
2الوجه00ان األخ00يران ليس00ا بص00حيحين 0ألن التس00مية اللغوي00ة ال تالح00ظ فيه00ا األم00ور
الشرعية.
3الذي عليه الرملي 0أنه عليه الصالة والسالم لم يرسل إلى المالئكة أص0الً ،وال0ذي علي0ه
ابن حجر أنه أرسل إليهم إرسال تشريف .انظر شرحيهما على المنهاج؛ 0وكالم الش00ارح 0يفي00د أن
الرملي قائل باإلرسال للتشريف وابن حجر قائل باإلرسال للتكليف وهو غير صحيح.
18
ابتدائه في رمضان أراد مجيء جبريل يقظة؛ فرجع الخالف لفظيا ً وال كسر .والصحيح أن
نبوته صلى هللا عليه وآله وسلم ورسالته مقترنتان .وق00ال ابن عب00د ال00بر وغ00يره :أرس00له
0ر ْأ) (العل00ق :من اآلية)1 هللا لما بلغ ثالث0ا ً وأربعين س00نة فك00انت النب00وة س00ابقة ب00نزول (ا ْقَ 0
وكانت الرسالة ب0أمره باإلن0ذار لم0ا ن0زلت آي00ة الم00دثر فه00و في زمن ف0ترة ال0وحي ن0بي ال
0ر ْأ) (العل00ق :منرسول .وأجاب القائلون باألول بأن آية المدثر بيان للمراد من س00ورة (ا ْقَ 0
اآلية )1ألن المع00نى :اق00رأ على قوم00ك م00ا س00نبينه ل00ك ،وإنم00ا ك00ان اإلرس00ال على رأس
األربعين ألن00ه الع00ادة المس00تمرة في معظم األنبي00اء 1أو جميعهم 0كم00ا ج00زم ب00ه أي بالث00اني
كثيرون منهم شيخ اإلسالم في حواشي البيضاوي .وإنم0ا اس0تدلوا بالع0ادة المس0تمرة ولم
يس00تدلوا بح00ديث( :م00ا ن00بئ ن00بي إال على رأس األربعين س00نة) لع00د ابن الج00وزي ل00ه في
الموضوعات؛ وذكر العالمة الش00يخ األم00ير والعالم00ة الش00يخ الش00نواني أن الح00ق أن ه00ذا
السن غ00الب فق00ط في النب00وة ،وإال فق00د نب00أ عيس00ى ورف00ع إلى الس00ماء وك00ان عم00ره ثالث0ا ً
وثالثين سنة ،ونبئ يحيى صبيا ً بناء على أن الحكم الذي أوتيه ص00بياً :النب00وة آهـ؛ ولكن
ذكروا في حواشي التفسير نقالً عن المواهب أن هذا خالف التحقيق ،وقالوا :الصحيح أن
عيسى ما رفع إال بعد مضي ثمانين سنة من النبوة وبعد نزوله من الس00ماء يعيش أربعين
ص 0بِيّاً) (م00ريم :من اآلية )12ألن (وآتَ ْينَاهُ ا ْل ُح ْك َم َ
سنة ،وال يرد قوله تعالى في حق يحيىَ :
المراد ب00الحكم العلم والمعرف00ة ال النب00وة ،وال ي00رد أيض0ا ً قول00ه تع00الى حكاي00ة عن عيس00ى:
َاب َو َج َعلَنِي نَبِيّاً) (مريم :من اآلية )30ألنه من التعبير بالماضي عن المستقبل (آتَانِ َي ا ْل ِكت َ
على ح00د قول00ه تع00الى( :أَتَى أَ ْمُ 0ر هَّللا ِ) (النح00ل :من اآلية )1أو المع00نى :وجعل00ني نبي 0ا ً في
علمه ه0ذا .ووق0ع في كالم س0يدي على الخ0واص :أن الن0بي ن0بئ من ص0غره ،ولعل0ه أراد
الكمال والتهيؤ كما ذكره العالمة األمير ،وهللا أعلم بالحقيقة.
قوله( :بالتوحيد) أي بطلبه وفيه براعة استهالل :وهي أن يأتي المتكلم في طالعة
كالمه بما يشعر بمقصوده.
- 1من أين لنا العلم بهذه العادة بدون وجود دليل نقلي عليها ،وهذه المسألة 0مما يتوقف
ثبوتها على السمع والنقل.
2قوله ش00رعا ً الص00واب اص00طالحاً 0ألن ه00ذا اإلطالق ه00و اص00طالح العلم00اء وأم00ا المع00نى
الشرعي فسيأتي قريباً.
3وقول00ه (وه00و علم …إلخ) ه00ذا يقتض0ي 0أن العلم غ00ير العقائ00د وأن00ه مكتس00ب من أدل00ة
العقائد ،والظ00اهر أن العلم ه0و نفس العقائ00د فال مع00نى لكون00ه يقت00در ب00ه على إثباته00ا 0،وال مع00نى
الكتسابه من أدلتها مع المغايرة بين0ه وبينه0ا ،فيل0زم من اكتس0ابه 0من أدلته0ا أن يك0ون ه0و عين
العقائد .أجهوري.
4الص00واب 0ب00دل مكتس00ب المكتس00بة على أنه00ا ص00فة للعقائ00د ،ألن المكتس00ب من ال00دالئل
اليقينية 0إنم00ا هي العقائ00د 0،وليس العلم بمع00نى الفن 0الم00دون ،نعم العلم به00ذه العقائ00د –بمع00نى م00ا
19
والمراد به هنا الشرعي ال بمعنى الفن المدون فيم00ا س00يأتي وه00و :إف00راد المعب00ود
بالعبادة مع اعتقاد وحدته والتص00ديق به00ا ذات0ا ً وص00فات وأفع00االً ،فليس هن00اك ذات تش00به
ذاته تعالى وال تقبل ذاته االنقسام 1ال فعالً وال وهما ً وال فرض 0ا ً مطابق 0ا ً للواقع ،2وال تش00به
صفاته الصفات ،وال تعدد فيها من جنس واحد بأن يكون له تعالى قدرتان مثالً ،وال يدخل
أفعاله االشتراك إذ ال فعل لغيره سبحانه خلقا ً وإن نسب إلى غيره كسباً .وقيل :هو إثب00ات
ذات غير مشبهة لل00ذوات وال معطل00ة عن الص00فات ،خالف0ا ً للمعتزل00ة المعطلين لل00ذات عن
الصفات الوجودية ،فإن قيل :قد جاء صلى هللا عليه وآله وسلم بغير التوحيد ،فلم اقتص00ر
الناظم على التوحيد؟ أجيب :بأنه خصه ألنه أشرف العبادات3ويليه الصالة كما في ح00ديث
أبي سعيد( :إن هللا تع00الى لم يف00رض ش00يئا ً أفض00ل من التوحي00د والص00الة ول00و ك00ان ش00يء
أفضل منه الفترضه على مالئكته :منهم راكع ومنهم ساجد).4
يجب اعتقاده -مكتسب منها ،وفيه أيضا ً أن المدون فيما سيأتي 0هو علم التوحيد بمع00نى القض00ايا0
التي يجب اعتقادها 0،والتعريف المذكور ليس له بل هو تعري00ف للكالم أو للتوحي00د بمع00نى يش00مل
الكالم ،وقد التبس األمر على الشارح .وقد عرف القاض00ي عض00د ال00دين في المواف0ق الكالم بان00ه
علم يقت0در مع0ه على إثب0ات العقائ0د الديني0ة ب0إيراد الحجج ودف0ع الش0به .وعرف0ه التفتن0ازني في
المقاصد بأنه 0العلم بالعقائد الدينية عن األدلة اليقينية فاألصوب إسقاط الشارح قوله مكتسب عن
التعريف.
1قوله وال تقبل ذاته االنقس00ام؛ 0ه00ذا ص00حيح ولكن إرادت00ه من المع00نى الش00رعي 0للتوحي00د
غير ص0حيح ف0إن التوحي0د في لس0ان 0الش0ارع 0ليس إال بمع0نى نفي الش0ريك في ال0ذات والص0فات0
واألفعال.
2قي00ده بالمط00ابق للواق00ع ألن الف00رض هن00ا بمع00نى تق00دير العق00ل ،وه00و يج00ري ح00تى في
المحاالت 0فقد يكون مطابقا ً للواقع وقد ال يكون ،وق00د ي00أتي الف00رض بمع00نى تج00ويز العق00ل ،وه00و
يجري في الجائزات دون المحاالت.
3أقول :خصه ألنه موضوع الكتاب 0،وليشتمل الكالم على براعة االستهالل.
4أخرجه الديلمي في الفردوس ( )610والسيوطي في الجامع الكبير)1/175( 0
20
{-12مبادي علم التوحيد}
والحد السابق هو أحد المبادئ العشرة المنظومة في قول بعضهم:
إن مبادئ كل فن عشرة ##الحد والموضوع ثم الثمرة
وفضله ونسبة والواضع ##واالسم االستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى ##ومن درى الجميع حاز الشرفا
فحد هذا الفن 1لغة واصطالحا ً تقدم.
وموضوعه :ذات هللا تعالى من حيث ما يجب ل00ه وم00ا يس00تحيل وم00ا يج00وز ،وذات
الرسل كذلك ،والممكن 2من حيث أنه يتوصل به إلى وجود ص00انعه ،والس00معيات من حيث
اعتقادها.
وثمرته :معرفة هللا بالبراهين القطعية والفوز بالسعادة األدبية.
وفضله :أنه أشرف العلوم 3لكونه متعلقا ً بذاته تعالى وذات رس0له وم0ا يتب0ع ذل0ك،
والمتعلق –بكسر الالم -يشرف بشرف المتعلق –بفتحها.-
1والص00واب :فح00د التوحي00د بإس00قاط 0قول00ه لغ00ة واص00طالحا ً ألن ح00د الفن ال يك00ون إال
اص00طالحاً 0وأولى من00ه ،أم00ا ح00ده فق00د تق00دم آنف 0اً ،ويوج00د في بعض النس00خ وش00رعا ً ب00دل قول00ه
واصطالحا ً وهو أيضاً 0غير صحيح.
2في00ه أن الممكن من ه00ذه الحيثي00ة 0من موض00وع علم الكالم ،وليس من موض00وع علم
التوحيد الذي جوهرة التوحيد فيه نعم هو منه إن ع َّممنا علم التوحيد لعلم الكالم.
3هذا إنما يصح إن أريد بعلم التوحيد ما تذكر فيها األدلة القرآنية وما هو قريب منها من
األدلة الجلية القريبة التي هي كالغذاء أو كالماء يصلح لكل الناس ،وأما إن أريد من00ه علم الكالم
على طريقة الفالسفة 0فقد ذمه السلف ونهوا عنه أشد النهي.
{-13أئمة علم التوحيد،وبيان أن أهل السنة متفقون في أصول العقائد وأن معظم علماء
األمة من األشاعرة والماتريدية وأول من صنف في علم التوحيد}
21
ونسبته :أنه أصل العلوم الدينية وما سواه فرع ،وما أحسن قول القائل:
أيها المغتدي لتطلب علما ً ##كل علم عبد لعلم الكالم
تطلب الفقه كي تصحح حكما ً ##ثم أغفلت منزل األحكام
1
وواضعه :أبو حسن األشعري ،ومن تبعه ،وأبو منص00ور الماتري00دي ،ومن تبع00ه:
بمعنى أنهم دونوا كتبه وردوا الشبه التي أوردتها المعتزل00ة ،وإال فالتوحي00د ج00اء ب00ه ك00ل
نبي من لدن آدم إلى يوم القيامة.2
واسمه :علم التوحي00د؛ ألن مبحث الوحداني00ة أش00هر مباحث00ه ،ويس00مى أيض0اً :علم
الكالم ألن المتقدمين كانوا يقولون في الترجمة عن مباحث00ه :/الكالم في ك00ذا ،أو ألن00ه ق00د
1هؤالء أئمة لعلم الكالم ،وليس00وا بواض00عين ل00ه وال لعلم التوحي00د ،وذل00ك ألن علم الكالم
كان موجوداً قبلهم بكثير ،وأما علم التوحيد فإما عبارة عن القض00ايا 0ال00تي يجب اعتقاده00ا 0،وإم00ا
عبارة عن معرفة هذه القضايا 0عن أدلتها اليقينية 0،وكالهما قد تكفل هللا تع00الى ببيانه00ا في كتاب00ه
المجيد ،وجاء بها كل نبي من لدن آدم إلى محمد صلى هللا عليه وآله وسلم.
2قال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب 0:اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا
على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل (على هللا) واختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة
لذلك ،أو في لمية ما هنالك ،وبالجملة فهم باالستقراء ثالث طوائف:
األولى :أهل الحديث ،ومعتمد مبادئهم األدلة السمعية –أعني الكتاب 0والسنة واإلجماع.
الثانية 0:أهل النظر 0العقلي والصناعة 0الفكرية 0:وهم األشاعرة والحنفية.
وشيخ األشعرية أبو الحسن 0األشعري ،وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي.
وهم متفق00ون في المب00ادئ العقلي00ة في ك00ل مطلب يتوق00ف الس00مع علي00ه وفي المب00ادئ
الس00معية فيم00ا ي00درك العق00ل ج00وازه فق00ط ،والعقلي00ة والس00معية في غيرهم00ا ،واتفق00وا في جمي00ع
المطالب 0االعتقادية إال في مسألة التكوين ومسألة التقليد.
الثالثة 0أهل الوجدان والكشف ،وهم الصوفية ،ومبادئهم مبادئ أه00ل النظ0ر 0والح00ديث في
البداية ،والكشف واإللهام في النهاية.اهـ
نقله الزبيدي في شرح اإلحياء ( )7-3/6ثم قال الزبيدي:
وليعلم أن كال من اإلمامين أبي الحس00ن وأبي منص00ور رض00ي هللا عنهم00ا 0،وجزاهم00ا عن
اإلسالم خيراً ،لم يبدعا من عند هما رأياً ،ولم يشتقا 0مذهباً 0،وإنما هما مق00رران لم00ذهب الس00لف،
مناضالن 0عما كان عليه 0أصحاب 0رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فأح00دهما (ه00و األش00عري)
ق0ام بنص0رة نص0وص م0ذهب الش0افعي وم0ا دلت علي0ه .والث0اني (وه0و الماتري0دي) ق0ام بنص0رة
نص00وص م00ذهب أبي حنيف00ة ،وم00ا دلت علي00ه .ون00اظر ك00ل منهم00ا ذوي الب00دع والض00الالت ح00تى
انقطعوا وولوا منهزمين ،وهذا في الحقيقة 0هو أصل الجه00اد الحقيقي… فاالنتس00اب 0إليهم0ا 0إنم00ا
هو باعتبار أن كالً منهما عقد على طريق السلف نطاقاً 0،وتمسك وأقام الحجج وال00براهين علي00ه،
فصار المقتدى به في تلك المسالك يسمى أشعريا ً وماتريدياً0
وذكر العز بن عبد السالم أن عقيدة األشعري أجمع عليها الش00افعية والمالكي00ة والحنفي0ة
وفض00الء الحنابل00ة 0،ووافق00ه على ذل00ك من أه00ل عص00ره ش00يخ المالكي0ة 0في زمان00ه أب00و عم00ر بن
الحاجب 0،وشيخ الحنفية جمال الدين الحصيري 0،وأقره على ذلك التقي الس00بكي ،فيم00ا نقل00ه عن00ه
ولده التاج.
ثم قال الزبيدي :وفي كالم عبد هللا الميورقي ما نصه :أهل السنة من المالكية 0والشافعية
وأكثر الحنفية بلسان أبي الحسن األشعري يناض00لون ،وبحجت00ه يحتج00ون ،ثم ق00ال (المي00ورقي):
22
كثر االختالف في مسألة الكالم ،وذكر بعضهم أن له ثمانية أسماء .واستمداده :من األدلة
العقلية والنقلية .وحكم 0الشارع فيه :الوجوب العيني على كل مكلف من ذكر وأنثى.1
ومسائله :قضاياه الباحثة عن الواجبات والجائزات والمستحيالت .2وهذه المب00ادئ
هي التي تسمى مقدمة العلم ألنها اسم لمعان يتوقف عليها الشروع في المقص00ود .3قول00ه
(وقد خال… إلخ) أي والحال أنه قد خال… إلخ ،ف00الواو للح00ال ،وعبارت00ه تقتض00ي أن م00ا
عليه عبدة األصنام يسمى دينا ً وهو كذلك ،ألن الدين ما يتدين ب00ه ول00و ب00اطالً فه00و يطل00ق
الم
سِ 00غ َغ ْيَ 0ر اإْل ْ
(و َمنْ يَ ْبتَِ 0
على الدين الحق وعلى الدين الباطل ،كما يدل ل00ه قول00ه تع00الىَ :
ِدينا ً فَلَنْ يُ ْقبَ َل ِم ْنهُ) (آل عمران :من اآلية )85وقد وقع في بعض النسخ “ عرا “ ب00دل “
خال “ وفيه نظر؛ ألنه يقال :عرا يعرو كعال يعلو ،بمعنى أصاب؛ ومنه قول الشاعر:
ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلس00ان أه00ل الس00نة إنم00ا ج00رى على س00نن غ00يره ،أو على نص00رة
مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيان0اً 0،ولم يبت00دع مقال00ة اخترعه00ا ،وال م00ذهبا ً انف00رد ب00ه ،أال
ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك 0،ومن كان على مذهب أه0ل المدين0ة يق0ال ل0ه م0الكي،
ومالك 0إنما جرى على سنن من قبله ،وكان كثير اإلتباع 0لهم ،إال أنه لما زاد المذهب بيانا ً وبسطا ً
ي إلي00ه ،ك00ذلك أب00و الحس0ن 0األش00عري ال ف00رق ،ليس ل00ه في م00ذهب الس00لف أك00ثر من بس00طه ُعِ 0ز َ
وشرحه ،في نصرته.
وأول من صنف في علم الكالم – كما قال السفاريني 0في " لوامع األنوار البهية" ( -)12
هو واصل بن عط0اء وه0و أول من س0مي معتزلي00ا ألن0ه اع0تزل مجلس الحس0ن البص0ري فس0مي
بذلك .له كتاب" 0المرجئة" 0،وكتاب " 0التوبة" ،وكتاب" 0المنزلة 0بين المنزلتين" ،وغير ذلك.
وأما واضع مسائله على مذهب أه00ل الس00نة ال00ذي رتبه00ا ووض00عها في مص00نفات 0خاص00ة
بهذا العلم ،فه00و في م00ا نعلم اإلم00ام أب00و حنيف00ة رض00ي هللا تع00الى عن00ه ،وبع0ده اإلم00ام ابن كالب،
وعلى مذهبه كان البخ00اري ،كم00ا نص على ذل00ك الحاف00ظ ابن حج00ر في الفتح ( ،)1/243ثم ج00اء
اإلمام البخاري 0فصنف فيه كتاب "خلق أفعال العباد" ثم صنف في00ه جماع00ة من أئم00ة المعتزل00ة،
ثم جاء اإلمام أبو الحسن األشعري واإلمام أبو منصور الماتريدي فألفا في00ه ،وص00نفا المص00نفات
في الرد على المش00بهة والمجس00مة والجهمي00ة ،وردا على المعتزل00ة 0،وأوردا شُـبَهَ خص00وم أه00ل
السنة وردا هليها.
1فيه أن الواجب عينيا 0على كل مكلف إنما هو معرفة العقائ0د اإلس0المية واعتقاده0ا ،إم0ا
بدون دليل عند البعض ،أو م00ع ال00دليل اإلجم00الي 0عن00د اآلخ00رين 0،والمبح00وث عن00ه في علم الكالم
العقائ0د اإلس0المية م0ع أدلته0ا التفص00يلية ،ودف0ع الش0به عنه0ا ،إال أن يك0ون الش0ارح 0ق0د أراد أن
الواجب عينيا ما هو الوارد في المتن من العقائد لكنه يأباه قوله :ويسمى علم الكالم،
-2إن كان مراده مطلق الواجبات والمستحيالت والجائزات فليس القضايا 0الباحثة عنها
قضايا علم الكالم وإن أراد الواجبات والجائزات 0والمستحيالت 0هلل تعالى 0فإنم00ا يج00ري ه00ذا الكالم
على قول من قال إن موضوع علم الكالم هو ذات هللا فقط وهو القاضي األرم00وي (وانظ00ر الكالم
علي00ه في ش00رح المقاص00د ( )1/180وق00ال في المقاص00د :ومس00ائله القض00ايا النظري00ة الش00رعية0
االعتقادية
3
-مراده أنه يتوقف عليها 0الشروع على وجه البصيرة والنش00اط ،وإال فأص00ل الش00روع
ال يتوقف عليها 0فكم شارع في علم بدون معرفته بها
23
وإني لتعروني لذكراك هزة ##كما انتفض العصفور بلله القطر
ي يع00رى كعلم يعلم بمع00نى خال ،والمناس00ب هن00ا الث00اني ال األول ،إال أن
ويق00ال َعِ 0ر َ
يوجه بأن “ عرا “ في كالم00ه بفتح ال00راء المقل00وب عن كس00رها ،واألص00ل :ع00ري كعلم،
قلبت الكسرة فتحة لمناسبة الوزن فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ً فص00ار :ع00را
كرأى ،ول0ذلك ق0ال المص0نف في ش0رحه الص0غير بع0د أن ش0رح على نس0خة “ خال “ م0ا
نصه :هذه النس00خة الواقع00ة هن00ا أخ00برني بعض أص00حابنا الموث00وق بهم أن00ه أخ00ذها ع00ني
ك00ذلك ،و ض00من “ خال “ مع00نى “ تج00رد “ فع00داه بعن ،1ووجهن00ا نس00خة (ع00را) في
الشرحين أي الكبير والمتوسط ،وم00راده ببعض األص00حاب الش00يخ اليوس00ي كم00ا وج00د في
بعض الهوامش الصحيحة.
{ -14تعريف الدين}
قوله (الدين) يطلق لغة على عدة معان ،منها الطاعة والعبادة والجزاء والحساب،
ولهم فيه اصطالحا ً تعريفان :أحدهما مختصر :وهو ما شرعه هللا تعالى على لس00ان نبي00ه
من األحكام ،وسمي شرعا ً وشريعة من حيث إن هللا ش00رعه لن00ا :أي بين00ه لن00ا على لس00ان
النبي ؛ فاهلل هو الشارع حقيقة ،والنبي شارع مجازاً ،2وثانيهما مطول :وهو وضع إلهي
سائق لذوي العقول السلمية باختيارهم المحمود إلى ما هو خير بالذات ،فق00ولهم “ وض00ع
“ أي موضوع ،فهو مصدر بمعنى اسم المفعول :أي شيء موضوع بقطع النظ00ر عن أن
يكون حكما ً أو غيره ألجل اإلخراجات اآلتية ،ودخل المج00از التعري00ف لش00هرته وق00ولهم “
إلهي “ أي منس00وب لإلل00ه وه00و هللا تع00الى ،وخ00رج ب00ه الوض00ع البش00ري ظ00اهراً ،وإال
فالواضع لجميع االشياء هو هللا في الحقيقة ،وذل00ك نح00و الرس00وم السياس00ية أي الق00وانين
التي ترجع اليها سياسة العالم كعلم إصالح المنزل وحسن العش00رة م00ع األه00ل واإلخ00وان،
واألوضاع الصناعية كالتجارة والقزازة وغير ذلك ،وقد ك00انت الحكم00اء الق00دماء يؤلف00ون
كتبا ً في سياسة الرعية وإصالح المدن فيحكم بها مل00وك من ال ش00رع لهم ،فإن00ه وإن ك00ان
الخالق لكل األشياء هو هللا تعالى إال أن البشر لهم في هذه كسب.
وال يقال يلزم على ذلك أن أحكام الفق00ه االجتهادي00ة ليس00ت من ال00دين ألن البش00ر –
أعني المجتهدين -لهم فيها كسب وإنما من00ه (أي من ال00دين) م00ا ورد نص0ا ً ال خالف في00ه،
-1قوله ضمن خال إلخ ال حاجة إلى القول بالتضمين 0ألن تعدي خال يكون بعن تقول خلت
الداد عن زيد كما تقول خلت منه.
2قوله "مجازاً" 0المراد بالحقيقة والمجاز هنا العقليان ،ألن إسناد الشرع بمعنى التب00يين
إلى هللا تعالى من باب إسناد الشيء لما هو له فهو حقيقة عقلي00ة 0،وإس00ناده إلى الن00بي ص00لى هللا
عليه وآله وس00لم من ب00اب 0إس00ناد الش00يء لغ00ير م00ا ه00و ل00ه ،فه00و مج00از عقلي ألن بي00ان األحك00ام
بالقرآن 0ومنزله هو هللا تعالى فهو مبين حقيقة ،ولما كان القرآن 0منزالً على النبي صلى هللا عليه
وآله وسلم كان طريقا ً في البيان 0،فأس00ند الي00ه الش00رع بمع00نى ت00بين األحك00ام لكون00ه طريق0ا ً فيه00ا.
أجهوري
التحقيق أن الشرع 0الذي اشتق منه الشارع 0بمعنى وضع األحك00ام ،وال يخفى أن إس00ناده
بهذا المعنى إلى هللا حقيقة وإلى النبي مجاز وأم00ا في ق00ول الش00ارح :وس00مي ش00رعا ف00المراد ب00ه
المشروع كما قال :هو ما شرعه هللا من األحك00ام .فق00ول الش00ارح :فاهلل ه00و الش00ارع 0الخ .مف00رع
على قوله :إن هللا شرعه لنا.
24
ألن00ا نق00ول هي من ال00دين قطع00ا ً وهي موض00وع إلهي ،غاي00ة األم00ر أن00ه يخفى علينا،1
والمجته00دون يع00انون إظهاره00ا واالس00تدالل عليه00ا بقواع00د الش00رع2وال م00دخل لهم في
وضعها ،وقولهم “ سائق “ أي باعث وحامل ،ألن المكلف إذا سمع ما ي00ترتب على فع00ل
الواجب من الثواب أو على فعل الح0رام من العق00اب انس00اق إلى فع0ل األول وت0رك الث00اني،
هكذا قالوا .وخرج به الوضع اإللهي غير السائق 3كإنبات األرض وإمطار السماء ،وبحث
في ذلك بأنه سائق إلصالح المعاش ،4فاألحسن التمثيل لغير السائق بالوضع اإللهي الذي
ال اطالع لنا عليه ،كالذي تحت األرض00ين ف00إن م00ا ال نعرف00ه ال يس00وقنا لش00يء .وق00ولهم “
لذوي العقول السليمة “ أي أصحاب العقول السلمية من الكفر ،والمراد لهم فقط ،وخرج
به ما يسوقهم وغيرهم من الحيوان00ات كاألوض00اع الطبيعي00ة ال00تي يهت00دي به00ا الحيوان00ات
وهي اإللهامات التي تسوق الحيوانات لفعل منافعها كنسج العنكبوت واتخاذ النحل بيوت 0اً،
واجتناب مضارها كنف00ر الش00اة من ال00ذئب وغ00ير ذل00ك .وق00ولهم “ باختي00ارهم المحم00ود “
خ00رج ب00ه األوض00اع الس00ائقة لهم ال باختي00ارهم ،أو باختي00ارهم الم00ذموم؛ ف00األولى ك00اآلالم
السائقة لألنين رغماً ،وكالوجدانيات كالجوع والعطش فإنهما يسوقان إلى األكل والش00رب
قهراً ،والثانية كحب الدنيا ،فإنه وضع إلهي يبعث ذوي العقول إلى ترك الزكاة باختي00ارهم
المذموم ،ومتى كان االختيار محموداً ال يس00وق إال إلى خ00ير؛ فق00ولهم “ إلى م00ا ه00و خ00ير
لهم “ إنما ذكروه توص0الً لق00ولهم “ بال00ذات “ فه00و متعل00ق بخ00ير ،وذل00ك الخ00ير ال00ذاتي
عبارة عن السعادة األبدية والق0رب من رب البري0ة ،وخ0رج ب0ذلك ص0نعتا الطب والفالح0ة
فإنهما وإن تعلقتا بوضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود ،لكن ال إلى الخ00ير
الذاتي بل إلى صنف من الخ00ير وه00و حف00ظ ص00حة أب00دانهم بالحكم00ة والعق00اقير أي أج00زاء
األدوي00ة وبنح00و األغذي00ة ،وحاص00ل ه00ذا التعري00ف م00ع طول00ه أن ال00دين ه00و األحك00ام ال00تي
وضعها هللا باعثة للعباد إلى الخير الذاتي.
1فيه أن اللغة العربية ال تنظ0ر إلى مث0ل ه0ذه األم0ور ،ب0ل الج0واب الس0ديد أن الف0اء 0هن0ا
واردة موضع ثم.
2فيه أن الفاء ال تأتي لتعقيب جزأ ما بعدها وإنما تأتي لتعقيب 0كله.
26
تشريف قطعا ً .1فإن قلت كيف يستقيم العموم 0في الخلق مع أنه صلى هللا عليه وآله وس00لم
لم يرش00د من لم يجتم00ع ب00ه؟ قلت :اإلرش00اد أعم من أن يك00ون بنفس00ه كمن اجتم00ع ب00ه ،أو
بواسطة كمن جاء بعده أو كان في زمانه ولم يجتم00ع ب00ه ،وق00د ق00ال ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم( :ليبلغ الشاهد منكم الغائب ،فرب مبلغ أوعى من سامع).2
وقوله “ :لدين الحق “ متعلق بأرشد ،وم00ادة اإلرش00اد تتع00دى ب00الالم كم00ا تتع00دى
بعلى 3والدالل000ة تتع000دى بعلى ،فمن فس000ر اإلرش000اد بالدالل000ة فس000ر الالم بعلى ،ومن أبقى
اإلرشاد على معناه الحقيقي أبقى الالم على حقيقتها .فإنه يقال :أرشدني لكذا.
والمراد من الحق هنا :هللا تعالى؛ ألنه اسم من أسمائه تع00الى ومعن00اه المتحق00ق
وجوده دائما ً وأبداً ،بحيث ال يسبقه عدم وال يلحقه ع00دم ،ويص00ح أن ي00راد ب00الحق هن0ا م00ا
طابقه الواقع ،وإضافة الدين للح00ق على األول على مع00نى الالم وعلى الث00اني للبي00ان :أي
لدين هو األحكام 0الحقة.
قوله( :بسيفه) يحتمل أن يكون متعلقا ً بمح0ذوف ح0ال من فاع0ل أرش00د :أي أرش00د
لجئ 0ا ً لهم بس00يفه ،ألن اإلرش00ادالخلق لدين الحق حال كونه ملتبسا ً بسيفه أو حال كون00ه ُم ِ
والداللة ليسا بالسيف ح0تى تك0ون الب0اء للتعدي0ة ب0ل باللس0ان قطع0ا ً وه0ذا إذا جع0ل أرش0د
بمعنى دل ،أما إذا جعل بمعنى صيرهم راشدين على أن المراد بالخلق أمة اإلجاب00ة فالب00اء
للسببية 4وإضافة س0يف للض0مير ألدنى مالبس0ة ،ألن الم0راد بالس0يف الس0يف ال0ذي ج0اء
بمشروعية مقاتلة أعداء هللا به س00واء ك00ان بي0ده أو بي0د من تبع0ه ول0و إلى ي00وم القيام00ة،
والمراد بالسيف آلة الجهاد التي يباح قتال الحربيين بها ،حتى الحج00ارة ،فق00د رمى ص00لى
هللا عليه وآل00ه وس00لم ب00الحجر في ي00وم أح00د ،ففي كالم المص00نف مج00از مرس00ل من إطالق
الخ00اص وإرادة الع00ام ،فه00و من ب00اب عم00وم المج00از :أي المج00از الع00ام الش00امل للحقيق00ة
والمجاز.5
وقد كان له صلى هللا عليه وآله وس00لم س00يوف متع00ددة :منه00ا “ الم00اثور “ وه00و
أول سيف ملكه ألنه ورثه عن أبيه ،ومنه00ا “ القض00يب “ بالق00اف والض00اد ،ومنه00ا “ ذو
الفَقار “ بفتح الف0اء وكس0رها ،ومنه0ا غ0ير ذل0ك ،وق0د دف0ع ص0لى هللا علي0ه وآل0ه وس0لم
لعكاشة جزل 6حطب حين انكس00ر س00يفه ي00وم ب00در وق00ال :اض00رب ب00ه ،فع00اد في ي00ده س00يفا ً
صارما ً طويالً أبيض شديد المتن فقاتل به.7
7كان ذلك السيف يسمى بالعون 0،ولم يزل عند عكاشة يشهد به المش0اهد م0ع رس0ول هللا
صلى هللا عليه وآله وسلم حتى قتل رضي هللا عنه أثناء حروب الردة وه00و عن00ده( .انظ00ر س00يرة
ابن هشام .)278-3/277
ي للحق.ُ الهد وهو أنواعه، بأحد 1أي تصوير العام
2قول00ه "للمالبس00ة" والمع00نى على المالبس00ة 0:أرش00د الخل00ق أي دلهم ملتبس0اً 0عن00د ذل00ك
بسيفه إرشاداً مصوراً بهديه ،ويرد عليه أن الواو حينئذ ال تكون لتشريك 0ما بعدها مع م00ا قبله00ا
في الحكم ،ألن حكم ما قبلها كونه متلبسا ً به عند اإلرشاد وما بعدها ليس بهذا الحكم بل تص00وير
لإلرشاد ،والمعنى على جعلها للسببية 0:أرشد الخل0ق أي ص0يرهم راش0دين بس0بب س0يفه إرش0اداً
مصوراً بهديه ،ويرد عليه ما تقدم بعينه ،وي00رد علي00ه أيض0اً 0أن اإلرش00اد حينئ00ذ بمع00نى التص00يير0
راشدين ،وهو بهذا المعنى ال يصور بالهدى ،فتعين حم00ل اله00دى على الق00رآن والس00نة 0،وحينئ00ذ
تكون الباء 0للسببية بالنظر 0إلى السيف والهدى جميعاً .أجهوري.
3وذلك بحمل الهدي على ما به الهدى أي الداللة وهو الكتاب والسنة.
4أخرج مسلم ما يدل على ذلك في كتاب الجهاد (.)1731
5قول00ه "وفس00روا" الم00ذكور في علم المع00اني 0أن ص00دق الخ00بر مطابق00ة حكم00ه للواق00ع
فالصدق هو مطابقة الحكم ،ال الحكم المطابق للواقع .وفرق بين مطابقة الحكم والحكم المط00ابق،
والمناسب له00ذا حم00ل الح00ق ال00ذي أري00د الف00رق بين00ه وبين الص00دق على معن00اه المص00دري وه00و
المطابقة 0،ألن الحق يستعمل مصدراً ،والش0ارح 0حمل0ه على أن0ه اس0م فاع00ل وفس00ره بم00ا طابق00ه
الواقع وهما معنيان صحيحان 0،إال أن المناس0ب 0منهم00ا هن00ا األول .ليتح00د م0ع الص00دق في ان كال
منهما مطابقة وان كانت المطابقة 0في جانب 0الصدق تسند الى الحكم ،فيقال :مطابق00ة حكم الخ00بر
للواقع والحق مطابقة الواقع للحكم – اجهوري .-
28
1
الجانبين إال أنه لما كان الحق مأخوذاً من ح00ق الش00يء ثبت –والث00ابت إنم00ا ه00و الواق00ع-
ناسب أن تنسب المطابقة في جانب الحق إلى الواقع ،بخالفه في الصدق.2
واختار بعض المحققين أن الحق والصدق شيء واحد وهو مطابقة الخبر الواق00ع؛
ألن الواقع شيء ثابت في نفسه يقاس عليه غيره ،والمراد بالواقع علم هللا تع00الى ،وقي00ل
اللوح المحفوظ،3وقيل غير ذلك .فإن قيل :لم قدم الناظم السيف على الهدى مع أن اله00دى
سابق على الجهاد ألنه لم يشرع إال بعد الهجرة كما علمته مما سبق ،وال ش00ك أن00ه ص00لى
هللا عليه وآله وسلم هدي قبلها؟ أجيب بأنه قدم السيف اهتماما ً بالجه00اد ،وإش00ارة إلى أن
ما جاء به ال يظهر إال بالجهاد خصوصا ً في مبدأ دعوته على أن الواو ال تفيد ترتيب 0ا ً على
الصحيح.
1الذي ال يتغير هو الواقع بخالف االعتقاد فإنه قد يتغ00ير ،وفي00ه أن ه00ذا الق00ول ي00دل على
نقيض المدعي وإن المطابقة 0تعتبر من جانب 0الحكم وذلك ألن المعتبر ثابتاً 0هو الواقع والثابت 0ال
تعتبر المطابقة من جانبه بل تعتبر مطابقة الجانب اآلخر له ،فالصواب أن يقول :إن00ه لم00ا اعت00بر
الحق وصفا ً للحكم اعتبر هو ثابتا فال يناس00ب اعتب00ار المطابق0ة 0من جانب0ه 0ب00ل يعت00بر أن الواق00ع
مطابق له ،وهللا أعلم.
2قوله بخالفه في الصدق .فإنه لم يعتبر فيه مع0نى الثب0وت فينبغي هن0ا مالحظ0ة الواق0ع،
والثابت 0في الواقع هو الواقع فيعتبر هو ثابتاً 0وتعتبر المطابقة من جانب 0الحكم.
3والحق أنه هو الخارج الذي للنسبة الخبرية.
4في00ه أن األولوي00ة في الكالم ال تالح00ظ باعتب00ار 0المناس00بة باالص00طالحية الحادث 0ة 0وإنم00ا
تالحظ باعتبار 0المدلوالت اللغوية.
29
بالنظر 1لعمل العامل “ 2؛ ويرد على أنه عطف بي00ان أن00ه يش00ترط أن يك0ون عط0ف البي00ان
موافقا ً للمتبوع تعريفا ً وتنكيراً ،ويجاب عنه بأنه جرى على رأي الزمخشري القائل بع00دم
اشتراط ذلك
و “ محم00د “ علم منق00ول من اس00م مفع00ول 0الفع00ل المض00عف العين :أي المك00رر
العين ،ولذلك كان أبلغ من محم00ود ،فه00ذا االس00م يفي00د المبالغ00ة في المحمودي00ة كم00ا أن “
أحمد “ يفيد المبالغة في الحامدية بحسب أصله ،ألنه ك0ان أفع00ل تفض00يل ،فه0و ص00لى هللا
عليه وآله وسلم أج00ل من ُحم00د وأعظم من َح ِم00د ،بالبن00اء للمفع00ول في األول وللفاع00ل في
الثاني ،وهذا االسم أشرف أسمائه صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم .ق00ال ابن الع00ربي نقالً عن
بعضهم :إن هلل تعالى ألف اسم ،وللنبي عليه أفضل الصالة والسالم ك00ذلك ،وهي توقيفي00ة
باتفاق ،وأما أس0ماؤه تع0الى ففيه0ا خالف ،وال00راجح أنه00ا توقيفي00ة ،والف0رق بينهم00ا أن0ه
صلى هللا عليه وآله وسلم بشر ،فربما تسوهل في شأنه فأطلق علي00ه م00ا ال يلي00ق ،فس00دت
الذريعة باتفاق .وأما مقام األلوهية فال يتجاسر عليه ،فلذلك قيل بعدم التوقيف ،والمسمي
له صلى هللا عليه وآل00ه وس0لم به00ذا االس00م ج0ده على الص00حيح ،وقي00ل أم0ه ،وجم00ع بأنه0ا
أشارت عليه بتسميته محم00داً بس00بب م00ا رأت00ه أن شخص0ا ً يق00ول له00ا :ف0إن ولدت00ه فس00ميه
محمداً .فلما أخبرته بذلك سماه محمداً رجاء أن يحمد في السماء واألرض ،وقد حق00ق هللا
رجاءه كما سبق في علمه ،والمسمي له به في الحقيقة 0هو هللا تع00الى ،ألن00ه أظه00ر اس00مه
قبل والدته صلى هللا عليه وآله وسلم في الكتب وألهم جده بذلك فهو بتوقيف شرعي.3
قوله (العاقب) نعت لمحمد وهو الذي يأتي في العقب ،وفسروه بأنه ال00ذي يحش00ر
الناس على قدمه :أي على طريقه وشرعه ،ففي الحديث( :أنا العاقب فال نبي بع00دي) 4أي
تبتدأ نبوته ،فال ينافي نزول عيسى في آخر الزمان ووجود الخضر وإلي00اس اآلن ،5وإنم00ا
5قوله :مع أنه مقصود .فيه أن مقصودهم بذلك أن المبدل منه ليس بمقص00ود أص00لي ب00ل
المقصود االصلي هو البدل ال إنه ليس بمقصود أصالً فإنه مقصود ،لكنه أتى توطئة ل00ذكر الب00دل
والمقصود هنا الصالة على محمد فوصفه بالنبوة قبل ذكر اسمه توطئة لذلك وال بأس في هذا.
1قوله "أو أن ذلك بالنظر… 0إلخ" معناه أن عامل المبدل من00ه ال توج00ه ل00ه على الب00دل،
بل للبدل عامل آخر نظير عامل المبدل منه على الراجح عن00د النح00اة فعم00ل عام00ل المب00دل من00ه ال
ارتباط له بالبدل أصالً ،هذا م00ا ظه00ر اهـ .أي ف00المطروح ه00و عم00ل عام00ل المب00دل من00ه ال نفس
المبدل منه بل هو مقصود –أجهوري -اقول :ال وجه لما قاله الشارح 0وال لما وجه به االجهوري
قوله فالصواب ما قلنا من أن المبدل منه ليس بمقصود أصلي ،ال أنه ليس بمقصود أصال.
2
3من حيث أن00ه أظه00ر اس00مه في الكتب الس00ابقة ال من حيث اإلله00ام ألن00ه ليس من ط00رق
التوقيف.
4أخرجه مسلم في كتاب الفضائل برقم ( )2354بلفظ (وأنا العاقب الذي ليس بعده ن00بي)
والبخاري في كت00اب المن00اقب 0رقم ( )3339ب00دون قول00ه( :ال00ذي ليس بع00ده ن00بي) والترم00ذي في
كتاب األدب رقم ( )2840بلفظ (وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي) كلهم عن جبير بن مطعم.
5قد اختلف في نس00ب الخض0ر 0و في كون00ه نبي0ا ً وفي بقائ00ه حي0ا ً ح00تى اآلن ،وعلى تق00دير
بقائه حيا ً فهو داخل في تعريف الصحابي 0،وبناء على ذلك ذكره الحافظ العسقالني في اإلصابة.
30
كان صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم ه00و الع00اقب ليك00ون ش00رعه ناس00خا ً لغ00يره من الش00رائع ال
العكس ،وألنه الثمرة العظمى ،إذ هو المقصود من ه0ذا الع00الم والثم00رة في األش00ياء ت0أتي
آخرها ،وأنشدوا:
ُ
نعم ما قال سادتنا األ َول ##أول الفكر آخر العمل
فإن قلت :حاصل معنى العاقب أن00ه الخ00اتم للرس00ل وحينئ00ذ يل00زم التك00رار م00ع ق00ول
المصنف “ لرسل ربه “ ألن التقدير الخاتم للرسل لرسل رب0ه .قلت :ي0دفع ذل0ك بارتك0اب
التجريد بأن يراد بالعاقب الخاتم فقط.1
قوله (لرسل) بسكون السين للوزن ،وإن جاز في غير م00ا هن00ا الض00م أيض0ا ً .2ف00إن
قي00ل :كم00ا أن00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم خ00اتم للرس00ل ه00و خ00اتم لألنبي00اء ،فلم اقتص00ر
المصنف على األول مع أنه ال يلزم من ختم00ه للرس00ل ختم0هُ لألنبي00اء ،إذ ال يل00زم من ختم
األخص ختم األعم3؟ أجيب بثالث0ة أج0وب :األول :أن الم0راد بالرس0ل األنبي0اء ،فق0د أطل0ق
الخاص وأراد الع00ام مج00ازاً مرس0الً .الث00اني :أن في الكالم اكتف00اء ،والتق00دير :لرس00ل رب00ه
(سَ 0رابِي َل تَقِي ُك ُم ا ْل َحَّ 0ر) (النح0ل :من اآلية )81أي وال0برد.
وأنبيائه ،على حد قول0ه تع0الىَ :
الثالث :ما قاله الش00يخ المل00وي من حمل00ه على م00ا تق00دم عن الس00عد من تس00اوي الرس00ول
والنبي،وإنما اختار التعبير بالرسل ألنه أمدح؛ فإن الرسالة أشرف من النبوة لجمعها بين
الح00ق والخل00ق ،خالف 0ا ً للع00ز بن عب00د الس00الم في قول00ه إن النب00وة أفض00ل معلالً ب00أن فيه00ا
االنصراف من الخلق إلى حضرة الحق ،والرسالة فيها االنص00راف من حض00رة الح00ق إلى
الخلق ،ور ّد بأن الرسالة فيها الجمع بينهما كما علمت.
وأم00ا إلي00اس فال خالف في كون00ه نبي0اً 0لقول00ه تع00الى( 0:وإن إلي00اس لمن المرس00لين) 0وأم00ا
حياته وحياة الخضر فقد روى ابن شاهين بسند ض00عيف إلى خص00يف ق00ال :ق00ال الن00بي ص00لى هللا
علي00ه وآل00ه وس00لم( :أربع00ة من األنبي00اء 0أحي00اء اثن00ان في الس00ماء عيس00ى وإدريس ،واثن00ان 0في
األرض الخضر وإلياس ،فأما الخضر فإنه في البحر وأما صاحبه فإنه في البر.
وروى الحافظ في اإلصابة في ذلك حديثا ً مرفوعا ً إلى الن0بي ص0لى هللا علي0ه وآل0ه وس0لم
بس0ند ض00عيف :أن00ه يلتقي الخض0ر وإلي0اس 0ك0ل ع0ام في الموس00م فيحل00ق ك0ل واح0د منهم00ا رأس
صاحبه ،ويتفرقان…) انظر الخالف في حياتهما 0في اإلصابة.)137-3/114( 0
1قول00ه "ي00دفع ذل00ك…إلخ" أولى من00ه حم00ل الع00اقب على معن00اه اللغ00وي وه0و اآلتي في
العقب .أجهوري .أقول كون العاقب بمعنى الخاتم للرسل هو بحسب المراد ال بحسب الوض00ع فال
حاج00ة إلى التجري00د والم00راد بالتجري0د 0هن00ا تجري00د اللف00ظ عن ج00زأ من معن00اه ،وليس الم00راد ب00ه
التجريد باصطالح أهل علم البديع ،وهو :أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثل00ه فيه00ا مبالغ00ة في
كمال00ه فيه00ا .كم00ا في قول00ه تع00الى( 0:لق00د ك00ان لكم في رس00ول هللا أس00وة حس00نة) على أن الم00راد
باألسوة القدوة أي المقتدى به فهو صلى هللا عليه وآله وسلم أسوة حسنة وقد انتزع منه أس00وة
حسنة أخرى مبالغة في كماله في هذه الصفة.
2هذا الكالم يدل على جواز السكون ،وهو صحيح كما في لسان الع00رب وت00اج الع00روس،
فال حاجة لحمل السكون على أنه ألجل الوزن.
3أق00ول المص00نف ليس بمكل00ف بالتنص00يص 0على أن00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم خ00اتم
لألنبياء حتى يحتاج إلى ما ذكره الشارح 0من األجوبة الباردة.
31
{-17معاني لفظ الرب}
قوله (ربه) أي خالق00ه ومالك00ه أو نح00و ذل00ك من مع00اني ال00رب المنظوم00ة في ق00ول
الشيخ السجاعي:
قريب ،محيط ،مالك ،ومدبر ##مرب ،كثير الخير ،والمولي للنعم
وخالقنا ،المعبود ،جابر كسرنا ## ،ومصلحنا ،والصاحب الثابت القدم،
وجامعنا ،والسيد ،احفظ فهذه ##معان أتت للرب فادع لمن نظم
ووقع في عبارة كثير من العلماء أنه مص00در بمع00نى التربي00ة :وه00و تبلي00غ الش00يء
شيئا ً فشيئا ً إلى الحد الذي أراده المربي ،أطلق عليه تعالى مبالغة :أي بدعوى أن00ه تع00الى
هو عين التربية ،وال يخفى ما فيه من البشاعة؛ فاألولى أنه اسم فاعل ،فأصله “ رابب “
ثم خفف بحذف األلف ،وإدغام أحد المثلين في اآلخر.1
1والحق أنه جامد بمعنى المعبود أو الم00ربي .وال00ذي يظه00ر لي أن ال00رب ك00ان في األص00ل
مصدر رب الصبي يربه ربا ً بمع00نى ولي00ه وأحس00ن القي00ام 0علي00ه 0،ثم نق00ل عن ه0ذا المع00نى وجع0ل
32
قوله (وآله..إلخ) أي وسالم هللا مع صالته على آل00ه…إلخ ،فه00و معط00وف على “
نب ّي “ كما هو متعين .وأما عطفه على “ محمد “ فال يخفى فساده وإن ذك00ره المص00نف
في شرحه؛ ألن “ محمد “ بدل من “ نبي “ والمعط00وف على الب00دل ب00دل ،وال يص00ح أن
يك00ون اآلل ومن ذك00ر معهم ب00دالً من “ ن00بي “ وفي كالم00ه الص00الة على غ00ير األنبي00اء
والمالئكة تبعاً ،وهي ج00ائزة اتفاق0اً ،ب00ل هي مطلوب0ة لقول0ه ص00لى هللا علي00ه وآل0ه وس0لم:
(اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) 1وللنهي عن الصالة البتراء :وهي ال00تي لم ي00ذكر
فيه00ا اآلل ،وأم00ا اس00تقالالً فقي00ل بأنه00ا ممنوع00ة ،وقي00ل مكروه00ة ،وقي00ل خالف األولى،
واألص00ح الكراه00ة .وألح00ق أب00و محم00د الجوي00ني الس00الم بالص00الة ب00النظر للغ00ائب .وأم00ا
المخ00اطب فيخ00اطب بالس00الم علي00ك ،أو عليكم أو نح00وه .وأص00ل آل :أَ َولَ 2
كج َم00ل ،ب00دليل
تصغيره على أويل .وقيل :أصله أه00ل ،ب00دليل تص00غيره على أهي00ل ،وإض00افته للض00مير في
كالم المصنف جائزة خالفا ً لمن منعها .3قال عبد المطلب:
بمعنى المربي ،وليس النقل على سبيل المجاز 0والمبالغ00ة ألن ذل00ك غ00ير ملح00وظ في لف00ظ ال00رب،
وكونه مخففا ً من راب ال دليل عليه 0ويرده القياس.
1أخرجه البخاري في كتاب 0الدعوات باب 0الصالة على النبي صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم
رقم ( )6357ومسلم رقم ( .)406من حديث كعب بن عجرة.
2فيكون من آل إليه أي رجع وآل الرج00ل يرجع00ون إلي00ه بقراب0ة 0أو رأي وال يخفى أن00ه ال
األول أي الرجوع وإنما يقصد بها األهل ،فاألصل هو أهل. أحد يالحظ عند إطالق لفظ اآلل معنى ْ
3أي لغة ال شرعاً.
4مراده معنى واحد صالح للمعاني 0اآلتية 0يراد منه أحدها بمعون00ة المق00ام وذل00ك لوض00وح
أنه ليس من األلفاظ المشتركة.
5أخرج00ه ال00ديلمي عن أنس مرفوع 0ا ً رقم ( )1693وروي عن غ00يره ق00ال في المقاص 0د0
الحسنة (ص )5وأسانيده ضعيفة .وقال الزرقاني في مختصر المقاصد 0:هو حس00ن لغ00يره (انظ00ر
كشف الخفاء .)19-1/18
33
وهو ص0احب ،وه0و لغ0ة :من ط0الت عش0رتك به ،6والم0راد ب0ه هن0ا الص0حابي :وه0و من
اجتمع بنبينا صلى هللا عليه وآله وسلم مؤمنا ً به بعد البعثة في محل التع00ارف ب00أن يك00ون
على وجه األرض وإن لم يره أو لم يرو عنه شيئا ً أو لم يميز على الصحيح ،وأم00ا ق00ولهم
“ ومات على اإلسالم “ فه00و ش00رط ل00دوام الص00حبة ال ألص00لها ،ف00إن ارت00د والعي00اذ باهلل،
ومات مرتداً فليس بصحابي كعبد هللا بن خطل ،وأما من عاد إلى اإليمان كعب00د هللا بن أبي
سرح فتعود له الصحبة لكن مجردة عن الثواب عندنا معاش0ر الش0افعية ،واش0تهر أنه0ا ال
تعود عند المالكية لكن المص00رح ب00ه في كتبهم ال00تردد ،وحينئ00ذ فال م00انع من الرج00وع في
ذل00ك لم00ذهب الش00افعية على م00ا ك00ان يرتض00يه بعض أش00ياخهم ،وفائ00دة عوده00ا التس00مية
والكف00اءة؛ فيس00مى ص00حابيا ً ويك00ون كف00ؤاً لبنت الص00حابي ،وي00دخل في الص00حابي ابن أم
مكتوم ونحوه من العميان ،و ُكنِّيت أمه به لكتم بصره ،واسمه عبد هللا :أحد الم00ؤذنين ل00ه
ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم وي00دخل عيس00ى والخض00ر وإلي00اس عليهم الص00الة والس00الم،
وتدخل المالئكة الذين اجتمعوا به ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم في األرض ،فعيس00ى علي00ه
السالم آخر الصحابة من البش00ر الظ00اهرين ،وأم00ا المالئك00ة فب00اقون إلى النفخ00ة والخض00ر
يموت عند رفع القرآن وقيل بل مات .والحاصل أن الخض00ر وإلي00اس حي00ان على المعتم00د،
س0لِينَ ) (الص00افات: 0اس لَ ِمنَ ا ْل ُم ْر َ
(وإِنَّ إِ ْليََ 0
ولكن إلي00اس رس00ول بنص الق00رآن ق00ال تع00الىَ :
)123وأما الخضر فقيل :ول ّي ،وقيل :نبي ،وقيل :رسول ،وخير األمور أوساطها.
(قوله وحزبه) أي جماعته صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ،والح00زب الجماع00ة ال00ذين
أَ ْم ُرهم واحد في خير وشر ،ومنهُ ( :ك ُّل ِحْ 0ز ٍ
ب بِ َم00ا لََ 0د ْي ِه ْم فَ ِر ُح 0ونَ ) (المؤمن00ون :من اآلية
)53والظاهر أن المراد به هنا من غلبت مالزمت00ه ل00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ،فه00و
خ00اص الخ00اص ألنهم أخص من الص00حب ال00ذين هم أخص من اآلل ،ويحتم00ل أن ي0راد ب00ه
أتباعه مطلقا ً سواء كانوا في عصره أم ال ،وهو أولى لما فيه من التعميم ،وال يغ00ني عن00ه
اآلل لتخصيص بعضهم له باألتقياء.
1يعني فصل الخطاب 0الوارد في قول0ه تع0الى( 0:وآتين00اه الحكم00ة وفص0ل الخط0اب) (ص:
)20والتحقيق الذي يدل عليه 0سياق اآلية وهو التنويه بشأن داود أن فصل الخطاب 0الذي أوتي00ه
هو العلم الذي يفصل بين الحق والباطل عن طريق الخطاب وأما أما بعد فال يفصل بها بين الحق
والباطل ألنها ال عالقة لها بذلك وإنما يفصل بها بين ن0وعين من الكالم وي0ؤتى به0ا لالنتق00ال من
أس00لوب إلى أس00لوب آخ00ر ،ثم إن داود علي00ه الس00الم لم يكن عربي0اً 0وأم00ا بع00د من أس00اليب اللغ00ة
العربية.
هذا الوجه هو الصحيح. 2
3أقول يصح تقييد التحتم بوجود شيء في الدنيا تأكيداً له لكن00ه ليس مقص00وداً من الكالم
وال يصح تقييده ببعد فالحاجة 0إلى تقدير القول لهذا وليتحقق كون الجزاء مستقبالً.
4الملكة :الهيئة الراسخة في النفس كأنها ملكها صاحبها 0،وتسمى عقالً بالفعل.
5هذا إذا كان العلم عبارة عن القواعد الكلية ك0النحو 0،وأم0ا إذا ك0ان عب0ارة عن المس0ائل
الجزئية كالفقه ،فالعلم إما عبارة عن هذه المسائل 0أو عن العلم بها.
6األولى أن يق00ال في وج00ه تركيب00ه ،ع00دم العلم ب00ه ،وإدراك00ه على خالف م00ا ه00و ب00ه في
الواقع.
37
جهلت وما تدري بأنك جاهل ##ومن لي بأن تدري بأنك ال تدري
(قوله بأصل الدين) أي بأصوله1وقواعده ،2فهو مفرد مضاف يع ّم ،وإفراد األص00ل
3
مع أن هذا الفن ملقب بأصول الدين لضرورة النظم ،فهو من التصرف في العلم لم0ا ذك00ر.
وقيل :إنه ليس إشارة للمعنى العلمي واإلضافة في أصول الدين من إض0افة الج00زء للك0ل،
ألن الدين هو األحكام 0أصلية كانت أو فرعي0ة ،وه0ذا اللقب يش0عر بم0دح ه0ذا الفن البتن0اء
الدين عليه ،4ولما الحظ المصنف في العلم معنى الجزم عداه بالباء.
1قوله "بأصوله" هذا مبني على أنه ليس من التصرف في العلم وهو ما ي00أتي في آخ00ر
القولة .أجهوري ،وأما قوله :وإفراد األصل ..إلخ فإنه مبني على التصرف في العلم.
2المراد باألصول والقواعد هنا المعنى اللغوي وهو ما ينبني عليه غ00يره ،وليس الم00راد
بهما المعنى اإلصطالحي 0،وهي القواعد الكلية 0المشتملة على جزئياتها 0،وذل00ك ألن الم00راد بهم00ا
العقائد اآلتي بيانها 0،وهي قضايا 0جزئية ليست قواعد كلية ،لكنها أصول لل00دين ينب00ني عليه 0ا 0م00ا
عداها من الدين.
3وذلك ألن المفرد المضاف يصلح للواحد والمثنى والمجموع.
4األولى أن يقول :بابتناء ما ع0داه من ال0دين علي0ه؛ 0ألن0ه من ال0دين وأص0لُهُ ولع0ل م0راد
الشارح ذلك.
5مما يجدر التنبيه 0عليه أن وجوب النظر 0واالستدالل على كل واحد بحسب م00ا تيس00ر من
دليل دون األدلة المشهورة للمتكلمين.
6لعله يقصد بهذا البعض أبا هاشم من المعتزلة 0والسنوسي كما يدل علي00ه ال00رد .ونس00بة
ه00ذا الق00ول إليهم00ا غ00ير ص00حيح؛ فإنهم00ا إنم00ا يق00والن ب00أن التقلي00د ال يكفي في ص00حة اإليم00ان0،
والمستدل ولو بدليل إجمالي 0غير مقلد ،فال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب :أما التقلي00د…
فقد كان أبي رحمه هللا تعالى يقول :لم يقل أح00د من علم00اء اإلس00الم :إن00ه ال يكفي في اإليم00ان إال
أبو هاشم من المعتزلة 0،ثم قال :وأنا أقول :إن هذا ال يتصور فإن اإلنسان إذا مر عليه زمن ال بد
أن يحصل عنده دليل ،وإن لم يكن على طريقة أهل الجدل ،فإن فرض مصمم جازم ال دليل عنده،
فهو ال00ذي يكف00ره أب00و هاش00م ،ولعل00ه المنس00وب الى االش00عري ،والص00حيح ان00ه ليس بك00افر ،وان
االشعري لم يقل ذلك ،نعم اختلف أهل الس00نة في أن00ه ه00ل ه00و ع00اص 0،واألص00ح عن00د أبي حنيف00ة
رحمه هللا تعالى أنه مطيع ،وعند آخرين أنه عاص 0،وهو الخالف في وجوب النظر فاعرفه .وإن
قلنا أنه عاص وأن النظر 0واجب ،فالواجب نظر ما ،وليس يش00ترط نظ00ر على طريق00ة المتكلمين0،
وهذا ال خالف فيه نعلمه ثابتا ً عن أحد من سلف األم00ة .نقل00ه الش00ربيني في تعليقات0ه 0على ش00رح
المحلى لجمع الجوامع.
38
بطائفة يسيرة ،فالحق أن الواجب وجوبا ً عينيا ً إنم00ا ه00و ال00دليل اإلجم00الي وه00و المعج00وز
عن تقريره 1وحل شبهه ،2وأما الدليل التفصيلي فهو المقدور على تقريره 3وح00ل ش00بهه؛
فإذا قيل لك :ما الدليل على وجود هللا تعالى؟ فقلت :العالم ،ولم تعرف جه0ة الداللة ،4فه0و
دليل جملي ،ويقال ل0ه دلي00ل إجم0الي ،وك00ذلك إذا ع0رفت جه00ة الدالل00ة ولم تق00در على ح0ل
الش00به ال00واردة علي00ه ،وأم00ا إذا ع00رفت جه00ة الدالل00ة وق00درت على ح00ل الش00به فه00و دلي00ل
تفصيلي ،فإذا قيل لك :م00ا ال0دليل على وج0وده تع0الى؟ فقلت :ه0ذا الع0الم ،وع00رفت جه00ة
الداللة :وهي الحدوث أو اإلمكان أو هما ،والثاني 5شرط أو شطر وقدرت على حل الش00به
فهو دليل تفصيلي ،فتقول في تقري00ره على األول :الع00الم ح00ادث وك0ل ح0ادث ال ب0د ل0ه من
1أي بيانه واإلفصاح به مع معرفتك في نفسك بالدليل وبجهة داللته.
2األولى هنا وفيما سيأتي 0:ودفع شبهه.
3المراد بتقريره بيانه 0واإلفصاح به ،وأما ذك00ره على الوج00ه المعت00بر عن00د المناطق00ة من
تكرير الحد األوسط وتقديم الصغرى على الكبرى فليس ش00رط في معرف00ة ال00دليل التفص00يلي ،وال
في التقرير ألن هذه صنعة يختص بها المناطقة 0،ومعرفة الدليل على وجه التفصيل وغير ذلك ال
يختص بهم ،وكم ورد في الق00رآن من ال00دالئل على العقائ00د ،ولم ي00ذكر واح00د منه00ا على طريق00ة
المناطقة.
-4لعل مراده ولم تعرف تقرير جهة الداللة وبيانها 0واإلفصاح به00ا ،م00ع ش00عورك به00ا في
نفس00ك 0،وإال فليس معرف00ة ال00دليل إال معرف00ة جه00ة الدالل00ة 0،وب00دونها ال تتحق00ق معرف00ة ال00دليل ال
معرفة تفصيلية 0وال معرفة إجمالية.
المحوجة ،أو أن المحوج هو اإلمك00ان بش00رط الح00دوث فيك00ون اإلمك00ان عل00ة محوج00ة والح00دوث
شرطا لعليتها 0وتأثيرها .هذان قوالن لهم.
قالوا :دليل الفريقين السابقين يقتضي اعتبار كل من اإلمكان والحدوث ،فاعتبر الح00دوث
إما شرطا ً أو شطراً.
قال عبد الحكيم السيلكوتي في تعليقه على شرح المواقف :وهذا إنما يتم لو لم يكن دلي00ل
أحد الفريقين نافيا ً لما يثبته دليل اآلخر.
قال العطار :وبقي احتم0ال خ0امس وه0و الح0دوث بش0رط اإلمك0ان 0،ولم يق0ل ب0ه أح0د ألن
الحادث ال بد وأن يكون ممكنا ً فهذا الشرط الغ غير معتبر.
قال المحلي :فعلى أولها (وهو االمكان) يحتاج الممكن في بقائه إلى المؤثر ألن اإلمك00ان
ال ينفك عنه ،وعلى جميع باقيها ال يحتاج اليه ألن المؤثر إنما يحتاج إليه على ذلك في الخ00روج
من العدم إلى الوجود ال في البقاء .انتهى
قال العطار :قال السيد في حاشية شرح التجريد :من قال علة حاج00ة الممكن إلى الم00ؤثر
هي الحدوث وحده أو مع اإلمكان أو قال :العلة اإلمكان بشرط الحدوث ،يلزمه أن يك00ون الممكن
حال بقائه مستغنياً 0عن المؤثر 0،إذ ال حدوث حال البق00اء 0،فال حاج00ة ،وق00د التزم00ه جماع00ة منهم،
قالوا إن العالم بالنسبة 0إلى هللا تعالى 0كالبناء إلى بانيه..
ولما كان هذا أم0راً ش0نيعاً ،ق0ال بعض0هم -وهم األش0عري ومن تبع0ه -إن األع0راض غ0ير
باقي00ة ،ب00ل هي متج00ددة دائم 0اً… فهي محتاج00ة إلى الص00انع احتياج 0ا ً مس00تمراً ،وأم00ا الج00واهر
فيستحل خلوها من األكوان –أي األعراض 0-المتجددة المحتاجة إلى الصانع 0،فهي أيضا ً محتاجة
إليه دائماً.
وأما القائلون ب00أن العل00ة هي اإلمك00ان وح00ده ،ف00ذهبوا إلى أن الممكن الب00اقي محت00اج إلى
المؤثر حال البقاء 0،ألن علة حاجته إلى المؤثر هي اإلمكان )2/503( .وقال العط00ار أيض0اً :ذهب
األشعري وتبعه بعض المتكلمين 0إلى أن العرض ال يبقى زمانين 0وهو مذهب ضعيف ،ح00تى قي00ل:
إن الق00ول ب00ذلك سفس00طة ،وإنم00ا دع00اهم إلى ذل00ك جعلهم عل00ة احتي00اج الممكن إلى الفاع00ل هي
الح00دوث ،فل00زمهم انتف00اء 0االحتي00اج 0بع00د حدوث00ه ،فق00الوا :إن بق00اء الج00وهر مش00روط ب00العرض0،
والعرض ال يبقى زمانين 0فالحاجة باقية.
وقال المحقق عبد الرحمن الش0ربيني 0:إن اس0تغناء 0الح0ادث ح0ال بقائ0ه عن الم0ؤثر إنم0ا
يلزم القول بأن المحوج هو الحدوث إن ك00ان مع00نى الح00دوث ه00و الخ00روج من الع00دم ،وأم00ا على
التحقيق من أن المراد ب0ه مس0بوقية الوج0ود بالع0دم فال ش0ك في اتص0اف الع0الم 0ب0ه ح0ال بقائ0ه،
فيكون محتاجا ً إلى المؤثر حال البقاء .وانظر العطار والشربيني ()500-2/499
وينبغي هنا التنبيه على أمرين مهمين:
40
(قول00ه يحت00اج للتب00يين) غرض00ه ب00ذلك بي00ان الس00بب الحام00ل ل00ه على وض00ع ه00ذه
المنظوم00ة في أص00ول ال00دين دون غ00يره من العل00وم،1والض00مير في “ يحت00اج “ للعلم ال
بمعنى اإلدراك بل بمعنى الفن المدون ،ويص00ح أن يك00ون الض00مير عائ00داً ألص0ل ال0دين أي
للفن الملقب بأصول الدين ،والتبيين :التوضيح؛ وإنما احت00اج ه00ذا الفن للتب00يين ألنه 2لم00ا
حدثت المبتدعة 3بعد الخمسمائة4وكثر جدالهم مع علماء اإلس00الم وأوردوا ش00بها ً على م00ا
قرره األوائل5وخلطوا تلك الشبه بكثير من القواعد الفلسفية ،قص00د المت00أخرون دف00ع تل00ك
الشبه فاحتاجوا إلى إدراجها في كالمهم ليتمكنوا من ردها ،فما أدرجوه00ا إال لغ00رض مهم
األول :أن مرادهم بكون اإلمكان أو الحدوث عل0ة االحتي0اج إلى الم0ؤثر إنم0ا ه0و بحس0ب
العقل بمعنى أن العقل يالحظ اإلمكان أو الحدوث ،فيحكم باالحتياج 0،كما يقال :عل00ة الحص00ول في
الح00يز 0ه00و التح00يز ،ال بحس00ب الخ00ارج ب00أن 0يتحق00ق اإلمك00ان أو الح00دوث فيوج00د االحتي00اج .قال00ه
التفتازاني 0في شرح المقاصد ( )1/137وأشار إليه الشارح 0المحلي بقول00ه فيم00ا نقلن00اه آنف 0اً :أي
العلة التي يالحظها العقل في ذلك.
وقال الدواني في حواشي التجريد :م0راد المتكلمين 0بالح0دوث 0في ق0ولهم :عل0ة االحتي00اج
إلى المؤثر هي الحدوث ،كون الشيء في اعتب00ار العق00ل بحيث ل00و وج00د ك00ان مس00بوقا ً بالع00دم ،ال
كون الوجود بالفعل مسبوقا ً بالعدم وال شك أن هذا المعنى متق00دم على الوج00ود .انتهى أي فص00ح
كونه علة االحتياج 0إلى العلة المؤثرة بخالف الحدوث بمعنى كون الوجود بالفعل مسبوقا ً بالعدم،
فإنه بهذا المعنى متأخر عن الوجود بالذات ،ولهذا ال يوص00ف الش00يء بالح00دوث إال بع00د اتص00افه
بالوجود ،فال يتصور أن يكون علة لمية لالحتياج 0إلى العلة الموجودة ،وهذا ما قصدوه بقولهم:
إن عل00ة االحتي00اج 0إلى الم00ؤثر ه00و اإلمك00ان أو الح00دوث قص00دوا أن00ه عل00ة لمي00ة لالحتي00اج ،نعم
الحدوث بالمعنى األخير علة إنية لالحتياج 0إلى المذكور ودليل وعالمة عليه.
األمر الثاني :أن الخالف في أن عل00ة االحتي00اج إلى الم00ؤثر ه00ل هي اإلمك00ان أو الح00دوث
مبني على الخالف في مسألة أخرى ،وهي أنه هل يوج00د ممكن ق00ديم أو ال يوج00د ،ب00ل ك00ل ممكن
البد ان يكون حادثا 0،فالفالسفة حينما قالوا بوج00ود الممكن الق00ديم ذهب00وا الى أن عل00ة االحتي00اج
هو اإلمكان ال الحدوث حيث قالوا بقدم السماوات بمواده00ا وص00ورها وأش00كالها 0،وق00دم العناص00ر
بموادها وصورها لكن بالنوع بمعنى أنها ال تخلو عن صورة م0ا ،نعم أطلق0وا الق0ول بح0دوث م0ا
سوى هللا تعالى 0،لكن بمعنى االحتي00اج إلى الغ00ير ،ال بمع00نى س0بق الع0دم علي0ه 0،وأم00ا المتكلم0ون
فالجمهور منهم على أنه ال شيء من الممكن بق00ديم وب00العكس ،ق00الوا القاب00ل للت00أثير 0ال يك00ون إال
حادثا ً والقدم من00اف للت00أثير فمن أج00ل ذل00ك ق00الوا :إن عل00ة االحتي00اج 0الم00ذكور هي الح00دوث دون
اإلمكان ،وذهب فريق من المتأخرين منهم وفي مقدمتهم اإلمام ال00رازي إلى أن الق00ديم ق00د يك00ون
ممكنا ً حيث ذهبوا إلى أن صفاته تعالى 0ممكنة بذاتها واجبة لذات00ه تع0الى أي مس00تندة إلي00ه تع00الى
باإليجاب مثل ما قال الفالسفة 0في األفالك والعناصر 0واعتبروا هللا تع00الى موجب0ا ً بال00ذات بالنس00بة0
إلى صفاته فقط ،وهذا الفريق من المتكلمين من أجل قولهم بالممكن القديم اضطروا إلى مخالف00ة
سلفهم ،والقول بأن علة االحتياج 0إلى المؤثر هي اإلمكان الشامل للصفات 0القديمة والحوادث ،ال
الحدوث المختص بالثانية 0،فإن الحدوث كما قال التفتازاني 0والدواني وغ00يرهم غ00ير ص00حيح م00ع
القول بالصفات القديمة الزائدة على الذات المستندة إلي00ه باإليج00اب ال باالختي00ار ق00ال الكلنب00وي (
":)1/231وكون الواجب تعالى موجبا ً بالنسبة 0إلى صفاته 0الذاتية ال ين00افي كون00ه ف00اعالً مخت00اراً
بالنسبة 0إلى أفعاله" انتهى ،وهذا المذهب فاسد الستلزامه 0النقص 0بالذات 0والعرو عن الكم00االت،
واالستكمال باألمور العرضية الضعيفة القوام الرقيق00ة الوج00ود ،وهي الص00فات 0الممكن00ة بال00ذات،
41
بحيث ال يبع00د مع00ه الوج00وب ،خالف0ا ً لمن ش00نع عليهم في ذل00ك ،وق00د اف00ترقت األم00ة ثالث0ا ً
وسبعين فرقة منهم فرقة ناجية وهي التي على ما كان علي00ه الن00بي ص0لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم وأصحابه ،واثنتان وسبعون في النار كما في الحديث( :افترقت األمم الس00ابقة على
اثنتين وسبعين فرقة وستفترقون ثالثا ً وس00بعين فرق00ة منهم فرق00ة واح00دة ناجي00ة واثنت00ان
وسبعون في النار.1
1إم00ا إذا ك00انت مت00أخرة فواض00ح ،وأم00ا إذا ك00انت متقدم00ة فإش00ارة إلى األلف00اظ 0ال00تي
ستستحضر تنزيالً لها منزلة المستحضر لقربها من االستحضار.
45
إليه األلفاظ المستحضرة في الذهن وإن كانت متأخرة عنه فالمشار إليه األلفاظ الموجودة
في الخارج غير مستقيم؛ ألن األلفاظ أعراض تنقضي بمجرد النطق بها فال تبقى موجودة
في الخارج بل تنعدم حرفا ً بعد حرف وهكذا.1
{ -22مسمى أسما الكتب والتراجم}
وقد أبدى السيد الجوجاني في مسمى الكتب 2والتراجم بالكسر احتماالت سبعة:هل
ه00و األلف00اظ فق00ط ،أو المع00اني فق00ط ،أو النق00وش فق00ط ،أو األلف00اظ والمع00اني ،أو األلف00اظ
والنق00وش ،أو المع00اني والنق00وش ،أو الثالث00ة؟ واخت00ار أن00ه األلف00اظ باعتب00ار داللته00ا على
المعاني .3وهل هذا االحتمال من السبعة أو احتمال ثامن؟ قوالن؛ واألظهر أنه منها ،غاية
األمر أنه مقي00د باعتب00ار المع00اني .وأم00ا م00ا و ق00ع في عب00ارة بعض00هم من أن المخت00ار أن00ه
المعاني المستحضرة ذهنا ً فهو خالف المشهور ،ووجه عدم اختي00ار ب00اقي االحتم00االت أن
المعاني غير مستقلة لتوقفها على األلف00اظ 4فال تص00ح أن تك00ون م00دلوالً وال ج00زء م00دلول،
فبطل أرب00ع احتم00االت :وهي أن المش00ار إلي00ه ه00و المع00اني وح00دها أو م00ع األلف00اظ أو م00ع
النقوش أو معهما ،وأن النقوش ال تتيسر من كل أحد وال في كل وقت كتيسر األلف00اظ ،فال
تصح أن تكون م00دلوالً وال ج00زء م00دلول ،فبط00ل احتم00االن :وهم00ا ك00ون المش00ار الي00ه ه00و
النقوش وحدها ،أو مع األلفاظ؛ فبطلت احتم00االت س00تة وتعين االحتم00ال الس00ابع {وهاهن00ا
س00ؤاالن} أح00دهما :أن األلف00اظ المستحض00رة في ال00ذهن مجمل00ة م00ع أن األرج00وزة اس00م
للمفصل 5بابا ً باباً ،فلم يحصل 6التطابق بين المبتدأ والخبر .وثانيهما :7أن المشار اليه م00ا
1ويرد على الشق األول أنه إن كانت الخطبة سابقة فاأللفاظ لم تستحضر بعد إال أن يقال
نزلت منزلة المستحضرة لقربها من االستحضار.
2أي في مسمى أسماء الكتب.
3أي األلفاظ الذهنية ،وذلك الن اسم الشيء عبارة عما يتك00ون ب00ه ذل00ك الش00يء ،والكتب
إنم00ا تتك00ون باأللف00اظ 0الذهني00ة وهي إنم00ا تك00ون الكت00اب الفالني باعتب00ار داللته00ا على معانيه 0ا0
المقصودة منها.
وأما التلفظ 0بتلك 0األلفاظ 0فألج00ل إلقائه00ا إلى الغ00ير 0،وإم00ا كتابته00ا فلحفظه00ا عن الض00ياع0،
ونظير ذلك أنك إذا نظمت في نفسك بيتاً- 0إذ ال فرق بين ال0بيت 0والكت0اب 0إال بالقل0ة والك0ثرة -فل0ك
أن تقول :نظمت بيتا ً وإن لم تتلفظ 0به بعد ولم تكتبه ،ولك أيضاً 0أن تسميه باسم .وأما قبل وج00ود
األلفاظ الذهنية في النفس فال وجود للكتاب 0وال للبيت ،وإن كان معانيهما 0موجودة فيها.
4المراد من ذلك ع00دم االس00تقالل والتوق00ف من حيث ص00يرورتها كتاب0ا ً ومس00ماة بأس00ماء
الكتب؛ فإن الكتاب 0إنما صار كتاباً 0باعتبار 0األلفاظ.كما 0قلنا آنفا.
5قوله اسم "للمفصل" أي للمفصل خارج0ا ً ال ذهن0ا ً ألن الس0ؤال مب0ني على ان ال0ذهن ال
يقوم ب00ه اال المجم00ل ،وقول00ه "باب0اً 0باب0اً" األولى "بيت0ا ً بيت0اً" 0كم00ا ي00أتي ل00ه .أجه00وري .في00ه أن
الملحوظ في التفصيل هي األبواب أو المسائل ال األبيات.
6قوله "فلم يحصل… إلخ" هذا بحسب الظاهر .وأما في الحقيق00ة فالتط00ابق ظ00اهر؛ 0ألن
اإلجمال بحس0ب ال0ذهن والتفص0يل بحس0ب الخ0ارج؛ والمع0نى أن األلف0اظ المجمل0ة ذهن0ا ً مفص0لة
خارجا ً وهذا ال عيب فيه .أجهوري.
7قوله "وثانيهما" حاصل هذا الس0ؤال أن المش00ار إلي00ه األلف00اظ 0ال00تي في ذهن المص00نف
وهي أمر جزئي ،واألرجوزة موضوعة لأللفاظ التي في الذهن مطلق0ا ً ال ف0رق بين ال0تي في ذهن
46
في ذهن المصنف فقط فهو جزئي ،مع أن األرج00وزة 1اس00م لأللف00اظ س00واء ك00انت في ذهن
المؤلف أو في ذهن غيره ،فهي اسم للكلي ال للجزئي ،وقد أجاب الش00يخ عب00د الس00الم عن
هذين السؤالين بتقدير مضافين حيث قال :ومفصل نوع هذه ،2وه00ذا بن00اء على أن م00ا في
الذهن ال يكون مجمالً؛ وعلى أن أسماء الكتب من قبيل علم الجنس3؛ ف0إن جرين00ا على أن
الذهن كما يقوم به المجمل يقوم به المفصل وه00و التحقي00ق ،وعلى أنه00ا علم ش00خص 4فال
يحتاج لتقدير شيء وكون األرجوزة اسما ً للمفصل وإن اشتهر ليس الزماً ،إذ يص00ح أنه00ا
اسم للهيئة المجملة بل هو األقرب ،إذ يبعد مالحظتها عند الوضع مفصلة بيتا ً بيت 0ا ً 5مثالً،
على أنه 6ال يضر االختالف باإلجمال والتفصيل ،فال حاجة لتقدير مفصل ،وبعد تسليم أن00ه
يضر االختالف المذكور فاألولى التقدير في الثاني بأن يق00ال :وه00ذه مجم00ل أرج00وزة ،ألن
التقدير في األول كنزع الخف قبل الوصول لشط النهر كما قال الخيالي.
واعلم أن اس000تعمال اس000م اإلش000ارة في األلف000اظ المستحض000رة في ال000ذهن مج000از
باالستعارة التص00ريحية األص00لية على األص00ح ال بالكناية ،7خالف0ا ً لمن زعم ذل00ك .وتقري00ر
االس00تعارة التص00ريحية أن تق00ول :ش00بهت األلف00اظ المستحض00رة في ال00ذهن بمش00ار إلي00ه
المص00نف وال00تي في ذهن غ00يره ،وبتقري00ر الس00ؤال الث00اني على ه00ذا الوج00ه ظه00ر أن00ه ال يج00امع
السؤال األول ،ألن السؤال األول مش00تمل على أن األرج00وزة اس00م للمفص0ل 0خارج0اً 0،وق0د اش00تمل
السؤال الثاني 0على أن األرجوزة اسم لأللفاظ 0الحاضرة ذهنا ً مطلقاً 0اهـ ،ثم ظهر أن معنى السؤال
الثاني 0أن هذه إشارة إلى ما في ذهن المص00نف وه00و أم00ر ج00زئي ،واألرج00وزة موض00وع لأللف00اظ
الخارجي0ة 0الدال00ة على المع00اني المخصوص00ة س00واء استحض00رها المص00نف أو غ00يره ،فهي كلي00ة
بالنسبة 0لما استحضره المصنف ،وبهذا التقرير 0الءم الس00ؤال الث00اني الس00ؤال األول ،وتوافق00ا في
أن األرجوزة اسم لأللفاظ الخارجية .أجهوري.
1األولي :أن جوهرة التوحيد ،ألن الكالم ال يزال على مسمى أس00ماء الكتب 0،واالس00م ه00و
جوهرة التوحيد ،نعم األرجوزة عبارة عن جوهرة التوحيد.
2قوله "ومفصل" نوع هذه :بتقدير "مفص00ل" ان00دفع الس00ؤال االول ،ويتق00دير "ن00وع"
اندفع السؤال الثاني وظ00اهر ه00ذا أن الس00ؤال الث00اني 0وارد بع00د تق00دير مفص00ل ،ووج00ه وروده أن
مفصل ما في ذهن المصنف جزئي ،كما أن نفس ما في ذهنه جزئي 0،ألن مفصل ما في ذهنه هو
نفس األلفاظ التي نطق بها المصنف ،وهذا أمر واحد غ00ير ش00امل لم00ا نط00ق ب00ه غ00يره ،والم00راد
بنوع ما في ذهنه مطلق هذه األلفاظ الذهني00ة .س00واء ك00انت في ذهن المص00نف او في ذهن غ00يره
أي هذه األلفاظ بدون مالحظة قيامها بذهن خاص.
3واسم الكتاب هنا هو جوهرة التوحيد وقوله أرجوزة عبارة عنه ألنها خ00بر لقول00ه ه00ذه
الذي ه00و إش00ارة إلى ج0وهرة التوحي00د فأخ00ذت حكم00ه فان00دفع م00ا يق00ال إن أرج00وزة ليس0ت 0علم0ا ً
للكتاب.
4
التحقي00ق أن أس00ماء الكتب أعالم أش00خاص وليس00ت أعالم أجن00اس ،ألن علم الجنس
علميت00ه 0ض00رورية مقص00ورة على الس00ماع أي يقتص00ر في00ه على جمل00ة من األلف00اظ وردت عن
العرب ،وال يتجازها إلى غيرها 0،ولو جعلنا 0أسماء الكتب 0منها لصار 0قياسا طويال عريضا.
5األولى مسألة مسألة.
6قول00ه "على 0أن00ه …إلخ" ألن اإلجم00ال ذه00ني ،والتفص00يل خ00ارجي 0،فكأن00ه قي00ل :ه00ذه
األلفاظ المجملة ذهنا ً مفصلة خارجاً ،وهذا ال عيب فيه كما تقدم.
47
محسوس بحاس00ة البص00ر ،بج00امع أن كال معين ،1واس00تعير اس00م اإلش00ارة من المش00به ب00ه
للمشبه على طريق االستعارة التصريحية األصلية.
(قوله أرجوزة) أي منظومة من بح00ر الرج00ز ص00غيرة الحجم أبياته00ا مائ00ة وأربع00ة
وأربعون ،بناء على أنها من كامل الرجز ،ومائتان وثماني00ة وثم00انون بن00اء على أنه00ا من
مشطوره ،ففيه ت00رغيب في تعاطيه00ا من جه00ة كونه00ا نظم0اً ،ألن النظم أع00ذب وأحلى من
النثر؛ ومن جهة كونها من بحر الرجز ألنه أسهل من غيره من البحور ،ومن جهة كونها
ص00غيرة الحجم ،ف00إن لف00ظ “ أرج00وزة “ دال على القل00ة عرف 0ا ً( .2قول00ه لقبته00ا ج00وهرة
التوحيد) أي جعلت لها “ جوهرة التوحيد “ لقباً :أي اسما ً مشعراً بم00دحها ،وه00ذا الفع00ل
أعني “ لقب “ يتعدى لمفعولين ،أما المفعول األول فبنفسه دائماً ،وأم00ا المفع00ول الث00اني
فبنفسه تارة وبحرف الجر أخرى ،تقول “ لقبت ابني س00عد ال00دين ،وبس00عد ال00دين “ وق00د
تعدى هنا إلى مفعولين بنفسه ،وفي تسميتها بهذا االس0م تأكي0د لل0ترغيب في تعاطيه0ا من
جهة كونه سماها باسم م0ؤذن بم00دحها ،والج0وهرة في األص0ل :اللؤل0ؤة النفيس00ة،فيك0ون
المصنف شبه األلفاظ الدالة على المسائل النفيسة باللؤلؤة النفيسة بجامع النفاسة في كل
واس00تعار الج00وهرة من المش00به ب00ه للمش00به ،لكن ه00ذا بقط00ع النظ00ر عن العلمي00ة ،وإال
فالجوهرة اآلن علم على هذه المقدمة حقيقة.
والتحقي00ق أن أس00ماء الكتب من قبي00ل علم الش00خص ألن الموض00وع ل00ه األلف00اظ
المشخصة وإن ك0انت في ذهن المص0نف وفي ذهن زي0د وعم0ر وهك0ذا ف0إن تع0دد الش0يء
بتعدد المحال تدقيق فلسفي ال تعتبره أرباب العربية؛ وكذلك أس00ماء العل00وم فهي من قبي00ل
علم الشخص على ما اختاره بعض المحققين وإن ك00ان المش00هور خالف00ه ،ألن الموض00وع
له القواعد المعينة ذهناً ،والفرق بين أسماء الكتب وأسماء العلوم تحكم.
{فائدة} ينبغي اجتناب تسمية الكتب المصنفة بما يضاهي الق00رآن وال00وحي ،كق00ول
بعضهم “ كتاب اإلسراءات والمع00اريج “ أو “ مف00اتيح الغيب “ أو “ اآلي00ات البين00ات “
ألنها مزاحمة للنبي صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم في اإلس0راء والمع00راج ،ومش00اركة الح0ق
سبحانه وتعالى في علم الغيب :نقله بعض00هم عن المنن لس00يدي عب00د الوه00اب الش00عراني،
لكن الراجح الجواز.
(قول00ه ق00د ه00ذبتها) أي ص00فيتها ونقحته00ا من الش00به والعقائ00د الفاس00دة والحش00و
والتطويل ،وهذه الجملة كالتعليل لتسميتها جوهرة ،ألنه ال يبقى بعد الته00ذيب اال الج00وهر
7قوله "ال بالكناية" 0إجراؤها على هذا الق00ول أن يق00ال ش00بهت األلف00اظ 0الذهني00ة الم00دلول
عليه بلفظ أرجوزة بشيء محسوس يشار 0له باإلشارة 0الحسية 0،وطوى المشبه ب00ه وأثبت الزم00ه
وهو اإلشارة الحسية المدلول عليها بلفظ "هذه" للمشبه .أجهوري.
1األولى :بجامع أن كالً واض00ح غاي00ة الوض00وح بادع00اء أن المعق00ول من غاي00ة وض0وحه
صار بمنزلة 0المحسوس.
2وذلك أن هذا االسم صار ال يستعمل عرفا ً إال فيما قل دون ما كثر ،وهذا العرف المدعى
يحتاج إلى اإلثبات ،ولو ك00ان حم00ل التن00وين على التقلي0ل 0بقرين00ة قول00ه" :لكن من التطوي00ل كلت
الهمم فصار فيه االختصار 0ملتزم" الستغنى عن هذه الدعوى التى 0يصعب إثباتها.
48
الخالص ،ومدح اإلنسان كتابه مخ ّرج التحدث بالنعمة والنصح لمن يتعاطاه ،م00ع أن م00دح
اإلنسان نفسه جائز في عدة مواضع.
1ال وجه لهذا الكالم ألن0ه منص00وب ب0أرجو المت0أخر عن0ه ،وم00ا قال0ه إنم00ا يتج00ه ل0و ك0ان
منصوبا ً بفعل مقدر فيقدر حينئذ أُ َعظِّ ُم ،فيصح القول بأنه منصوب على التعظيم.
49
التفسير حديثا ً قدسيا ً وهو أن هللا تعالى قال( :ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل،
1
كيف أجود برحمتي على من بخل علي بطاعتي
(قوله في القبول) أي في حصول القبول فهو على تقدير مضاف ،ومع00نى القب00ول:
اإلثابة على العمل الصالح وقيل :الرضا بالشيء مع ترك االع00تراض علي00ه .وإنم00ا قلن00ا “
مع ترك االعتراض عليه “ ألن الرضا قد يكون مع اعتراض 2كما يقتضيه قول ابن مالك
“ وتقتضي الرضا بغير سخط “ نبه على ذلك الشيخ الملوي.
(قوله نافعاً) حال من االسم الكريم ،وقول0ه “ به0ا “ أي األرج0وزة أو ب0الجوهرة،
وفي كالمه استخدام 3حيث أطلق األرجوزة أو الجوهرة أوالً وأراد اللف00ظ ،وأع00اد الض0مير
4
عليها وأراد المعنى ،فاندفع النظر بأن النف00ع بمعناه0ا ال بلفظه00ا ال00ذي ه00و االس0م الم0راد
فيما تقدم .واستشكل 0جعل “ نافعا ً “ حاالً من االسم الكريم بأنه يقتضي أنه ل00و لم يحص00ل
نفع بهذه المقدمة ال يرجو هللا ،وأجيب بأنه لما تقوى رجاؤه في النفع صار محقق 0ا ً فكأن00ه
موجود في سائر األحوال ،وحينئذ فال ضرر في تقييد الرجاء ب00النفع ،ويص00ح جعل00ه ح00االً
من فاعل “ أرجو “ لكنه بعيد ،إذ فيه إساءة أدب حيث جعل نفسه نافعاً ،وعلى ك00ل ح00ال
فهي حال مقدرة ،ألن النفع بها متأخر عن زمن نط00ق المص00نف ب00ذلك ،ال س00يما إن ك00انت
الخطبة متقدمة على التأليف5؛ وقوله “ مريداً “ أي شخصا ً مريداً ،فهو صفة لموصوف
محذوف وذلك المحذوف مفعول لقوله “ نافعا ً “ ألنه اسم فاعل يعمل عمل الفع00ل ،ولف00ظ
“ مريداً “ وإن كان نكرة في سياق اإلثب00ات الم00راد ب00ه ك00ل مري00د؛ ألن النك00رة في س00ياق
اإلثبات قد تعم ،كم00ا ي00دل ل00ذلك المق00ام والس00ياق ،والمتعل00ق بـ “ مري00داً “ مح00ذوف :أي
مريداً لها القراءة أو الحفظ أو غير ذلك.
(قوله في الثواب طامعاً) الجار والمجرور متعلق بما بعده ،قدم00ه علي00ه لض00رورة
النظم ،و “ طامعا ً “ صفة لمريداً؛ ويصح أن يكون حاالً من فاع00ل “ أرج00و “ أي أرج00و
هللا في القبول ح00ال ك00وني طامع0ا ً في الث00واب ،والم00راد ب00الطمع هن00ا :الرج00اء على س00بيل
التجوز ،ألن من أراد هذه األرجوزة وقصد بها وجه هللا تعالى كان راجيا ً للثواب ال طامعاً.
والثواب :مقدار من األجزاء يعلمه هللا تعالى أعده لمن شاء من عباده في نظ00ير أعم00الهم
1ال وجود لهذا األثر في كتب الس00نة ومخاي00ل الوض00ع بادي00ة علي00ه ،وقول00ه" :م00ا أق00ل"،
صيغة تعجب و"حياء" مفعوله ،و"من" مضاف إليه.
2إن أراد مع اختالف جه00تي الرض00ى واالع00تراض 0فص00حيح ،وإن أراد م0ع اتح00اد الجه00ة
فغير صحيح.
3قول00ه "في كالم00ه اس00تخدام" ال حاج00ة إلى الق00ول باالس00تخدام؛ ف00إن كالً من األرج00وزة
وجوهرة التوحيد اسم لاللف00اظ الذهني0ة ال من حيث هي ألف0اظ 0ب0ل من حيث داللته0ا على المع0اني
الخاصة فباعتبار 0قيد الحيثية لم تبق حاجة إلى القول باالستخدام.
4ال يظهر لهذه الجملة مع00نى ،ولع00ل الص00واب :ال00ذي ه00و الم00راد باالس00م .وإن ك00ان أراد
باالسم اسمها وهو جوهرة التوحيد فغ00ير ص00حيح الن االلف00اظ 0ليس00ت لف00ظ ج00وهرة التوحي00د ،ب00ل
ألفاظها الدالة على معانيها.
ً
5حمله على الحال المقدرة جيد جدا؛ لكن قوله فيما تق00دم :لم00ا تق00وى رجائ00ه ...إلخ إنم00ا
يناسب جعله حاالً مالزمة وال يخفى أنه من السماجة بمكان.
50
الحسنة بمحض اختياره ال باإليجاب وال بالوجوب كما سيأتي التصريح به في قوله “ فإن
يثبنا فبمحض الفضل “ وفي قولنا “ ال بااليجاب “ رد على الفالسفة الق0ائلين باإليج0اب
أي التعليل؛ بمعنى أن الثواب ينشأ عن ذات هللا قهراً كحركة الخ00اتم؛ ف00إنهم يقول00ون إنه00ا
تنشأ عن حرك0ة األص0بع بطري0ق التعلي0ل ،ف0إن قي0ل :إن الفالس0فة ينك0رون الحش0ر “ من
أصله فال يثبتون ثوابا ً ال باإليجاب وال بغ00يره “ .أجيب ب00أنهم وإن أنك00روا حش00ر األجس00ام
يقولون بحشر األرواح ،وتثاب باللذات المعنوي0ة .وفي قولن0ا “ وال ب0الوجوب “ رد على
المعتزلة القائلين بوجوب الصالح واألصلح؛ وسيأتي الرد عليهم بقوله:
“ وقولهم :إن الصالح واجب عليه زور ،ما عليه واجب “
وفي كالمه إشارة إلى أن العمل هلل مع إرادة الث00واب ج00ائز وإن ك00ان غ00يره أكم00ل،
ف00إن درج00ات اإلخالص ثالث :علي00ا ،ووس00طى ،ودني00ا ،فالعلي00ا :أن يعم00ل العب00د هلل وح00ده
امتثاالً ألمره وقياما ً بحق عبوديته؛ والوسطى :أن يعمل طلبا ً للثواب وهرب0ا ً من العق00اب ،
والدنيا :أن يعمل إلكرام هللا له في الدنيا والسالمة من آفاتها ،وم0ا ع0دا ه0ذه الثالث0ة فه0و
رياء وإن تفاوتت أفراده ،ذكره شيخ اإلسالم في شرح الرسالة القشيرية ،وقاله غيره من
العلماء أيضاً ،ويفهم من قوله “ نافعا ً به00ا مري00داً في الث00واب طامع0ا ً “ أن00ه تع00الى يك00ون
نافع0ا ً به00ا مري00داً طامع0ا ً في ذات هللا تع0الى ،ألن0ه إذا نف00ع به0ا المري00د الط0امع في الث0واب
فباألولى أن ينفع بها المريد الطامع في ذات هللا.
{مقدمة الكتاب}
{وهي القسم األول من مباحث الفن}
{ -23وجوب معرفة ما يجب هلل تعالى وما يجوز عليه وما يمتنع عليه}
-9فكل من كلف شرعا ً وجبا ##عليه أن يعرف ما قد وجبا
(قوله فكل من كلف … إلخ) الفاء فاء الفصيحة ألنه00ا أفص00حت عن ش00رط مق00در،
والتقدير :إذا أردت بيان علم أصول الدين فأقول لك :كل من كل00ف ..إلخ :أي ك00ل ف00رد من
المكلفين من اإلنس والجن ذكراً كان أو أنثى ولو من العوام والعبيد والنساء والخدم حتى
51
يأجوج ومأجوج ،دون المالئكة ولو قلنا بأنهم مكلفون؛ ألن الخالف في تكليفهم إنم00ا ه00و
بالنسبة إلى غير معرفة هللا تعالى فإنه00ا جبلي00ة لهم ،فليس فيهم من يجه00ل ص00فاته تع00الى
(شِ 0ه َد هَّللا ُ أَنَّهُ ال إِلَ 0هَ إِاَّل ُهَ 0
0و َوا ْل َمالئِ َك 0ةُ) (آل كما في اإلنس والجن؛ ولذلك قال هللا تع00الىَ :
عمران :من اآلية )18ثم قالَ ( :وأُولُ00و ا ْل ِع ْل ِم) (آل عم00ران :من اآلية )18فلم يطل00ق األم00ر
كما أطلقه في المالئكة؛
{ -24تعريف التكليف}
ثم إن التكليف إل00زام م00ا في00ه كلف00ة؛ وقي00ل :طلب م00ا في00ه كلف00ة؛ فعلى األول –وه00و
الراجح -يكون قاصراً على الوجوب والحرمة دون الن00دب والكراه00ة واإلباح00ة إذ ال إل00زام
فيها ،وعلى الثاني يشمل ما عدا اإلباحة إذ ال طلب فيها ،فاإلباح00ة ليس00ت تكليف0ا ً عليهم00ا.
فإن قيل :كيف هذا مع قولهم “ األحكام الش00رعية عش00رة :خمس00ة وض00عية :وهي خط00اب
هللا تعالى المتعلق بجعل الشيء سبباً ،أو شرطا ً أو مانعاً ،أو صحيحاً ،أو فاس00داً .وخمس00ة
تكليفية :هي اإليجاب ،والتحريم ،والندب ،والكراهة ،واإلباحة “ ؟ أجيب بأن ذل00ك تغليب،
أو أن معنى كونها تكليفية أنها ال تتعلق إال بالمكلف ،كما صرحوا به في أصول الفق00ه من
ان أفعال الصبي ونحوه كالبهائم مهملة؛ وال يقال إنها مباحة ،ألن المباح ه00و ال00ذي ال إثم
له في فعله وال في تركه ،وال ينفى الشيء إال حيث صح ثبوته،
{ -25شروط التكليف}
وشرط التكليف :البلوغ ،والعقل ،وبلوغ الدعوة ،وسالمة الحواس ،فالمكلف ه00و:
البالغ العاقل الذي بلغته الدعوة سليم الحواس ،1وهذا في اإلنس ،وأما الجن فهم مكلف00ون
من أصل الخلقة فال يتوقف تكليفهم على البلوغ ،وخرج بالبالغ الصبي فليس مكلف00اً ،فمن
م0ات قب0ل البل0وغ فه0و ن0اج ول0و من أوالد الكف0ار وال يع0اقب على كف0ر وال غ0يره ،خالف0ا ً
للحنفية حيث قالوا بتكليف الصبي العاقل باإليمان لوج00ود العق00ل وه0و ك00اف عن00دهم ،ف0إن
اعتقد اإليمان أو الكفر فأمره ظاهر ،وإن لم يعتقد واحداً منهما كان من أهل النار لوجوب
اإليمان عليه بمجرد العقل؛ وخرج بالعاق00ل المجن00ون فليس بمكل00ف ،وك00ذا الس00كران غ00ير
المتعدي بخالف المتعدي ،لكن محل ذلك إن بلغ مجنونا ً أو سكرانا ً واستمر على ذلك حتى
مات ،بخالف ما لو بلغ عاقالً ثم جن أو سكر وكان غير مؤمن ومات كذلك فهو غير ناج،
وخرج بالذي بلغته الدعوة :من لم تبلغ00ه ،ب00أن نش00أ في ش00اهق جب00ل ،فليس بمكل00ف على
األصح ،خالفا ً لمن قال بأنه مكلف لوجود العقل الكافي في وجوب المعرفة عن00دهم وإن لم
تبلغه الدعوة،
1أي سليم احدى حاستي السمع والبصر 0فإن فاقدهما معا غير مكلف.
52
من كانوا بين أزمنة الرسل أو في زمن الرس00ول ال00ذي لم يرس00ل إليهم ن00اجون وإن ب00دلوا
وغيروا وعبدوا األصنام .فإن قيل :كيف هذا مع أن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم أخبر
3
بأن جماعة من أهل الفترة في النار كامرئ القيس 1وحاتم الطائي 2وبعض آباء الصحابة
فإن بعض الصحابة سأله صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم وه00و يخطب فق00ال :اين ابي؟ فق00ال:
(في النار) 4أجيب بأن أحاديثهم احاديث آحاد ،وهي ال تعارض القطعي وهو قول00ه تع00الى:
سوالً) (اإلسراء :من اآلية )15وبأنه يجوز أن يكون تعذيب ( َو َما ُكنَّا ُم َع ِّذبِينَ َحتَّى نَ ْب َع َث َر ُ
من صح تعذيبه منهم ألمر يختص به يعلمه هللا تعالى ورس0وله .وخ0رج بس0ليم الح0واس:
غيره ،ولهذا قال بعض أئمة الشافعية :لو خلق هللا إنسانا ً أعمى أص00م س00قط عن00ه وج00وب
النظر والتكليف ،وهو صحيح كما في شرح المصنف؟
{ -27نجاة والدي المصطفي واالستدالل على ذلك }
{تنبيه} إذا علمت أن أه00ل الف00ترة ن00اجون على ال00راجح علمت أن أبوي00ه ص00لى هللا
عليه وآله وسلم نايجيان لكونهما من أهل الفترة ،5ب00ل جمي00ع آبائ00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
2أقول :المختار 0ما قاله اإلمام النووي من أنه يكفي في تكليف المكلف في باب العقي00دة
بلوغ دعوة أي نبي على وجهها الصحيح ألن األمر الذي اختلف فيها األنبي0اء 0هي الش0رائع 0فق0ط
وأما العقائد فهم متفقون فيها كما قال النبي 0ص00لى هللا علي00ه وس00لم( :األنبي00اء أبن00اءالعالة أب00وهم
واحد وأمهاتهم شتى ،دينهم واحد وشرائعهم مختلفة) فمقتضى هذا أن يتف00ق المكلف00ون بالنس00بة
إلى التكليف بدعوة األنبياء فيما اتفق األنبياء فيه ،ويختلفوا فيما اختلف األنبياء فيه .وهللا تعالى
أعلم.
عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول اللهص00لى 0هللا علي00ه وآل00ه وس00لم( :ام00رأ 1
القيس ص00احب 0ل00واء الش00عراء إلى الن00ار) 0أخرج00ه أحم00د في المس00ند ( )2/228وال00بزار : 0كش00ف
األستار رقم (.)2091
2جاء عن عدي بن حاتم رضي هللا عنه قال :قلت يا رسول هللا إن أبي ك0ان يص0ل ال0رحم
ويفعل كذا وكذا ،قال (إن أباك أراد أمراً فأدركه) يعني الذكر .أخرجه أحمد (.)377-4/258
3عن عائشة 0رض00ي هللا عنه0ا ق0الت :قلت :ي00ا رس00ول هللا ابن ج0دعان 0ك00ان في الجاهلي00ة
يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافع00ه؟ ق00ال( :ال ينفع00ه) .إن00ه لم يق00ل يوم00ا :رب اغف00ر لي
خطيئتي يوم الدين – اخرجه مسلم ()214
4أخرجه مسلم ( )203وابو داود (.)4718
5أقول أقوى المسالك 0في إثبات 0نجاة والدي المصطفى صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم أنهم00ا
من أهل الفترة ،وال يجوز ألحد أن يخالف في نجاتهما إال من خالف في أصل المسألة ،وذلك ألن
الظاهر من حالهما– 0كما قال السيوطي وغيره -عدم بلوغ دعوة أحد من األنبياء 0،وذلك لمجموع
أمور :تأخر زمنهما ،وبعد ما بينهما وبين األنبياء الس0ابقين 0،ف00إن آخ0ر األنبي00اء 0قب0ل بعث0ة نبين00ا
صلى هللا عليه وآله وسلم عيسى عليه 0السالم ،وكانت 0الفترة بينه وبين بعثة نبين00ا نح00و س00تمائة
س00نة ثم إنهم00ا كان00ا في زمن جاهلي00ة 0،وق00د طب00ق الجه00ل األرض ش00رقا ً وغرب0اً 0وفق00د من يع00رف
الشرائع 0،ويبل00غ ال00دعوة على وجهه00ا إال نف00راً يس00راً من أحب00ار أه00ل الكت00اب مف00رقين في أقط00ار
األرض كالشام وغيرها ،ولم يعهد لهما تقلب 0في األسفار 0سوى المدينة ،وال عم00را عم0راً ط0ويالً
بحيث يقع لهما فيه التنقيب والتفتيش.
وقد قسم األبي في شرح مسلم أهل الفترة إلى ثالثة أقسام:
53
وسلم وأمهاته ناجون ومحكوم بإيمانهم لم يدخلهم كفر وال رجس وال عيب وال شيء مما
اج ِدينَ ) (الش00عراء)219: (وتَقَلُّبَ00كَ فِي َّ
السِ 0 كان عليه الجاهلية بأدلة نقلية ،كقول00ه تع00الىَ :
وقول00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم( :لم أزل أتنق00ل من األص00الب الط00اهرات إلى األرح00ام
الزاكيات 1وغير ذلك من األحاديث البالغة مبلغ التواتر.
وأما آزر فكان عم إبراهيم ،وإنما دعاه باألب ألن عادة الع00رب ت00دعو العم ب00األب.2
وأم0ا م0ا نق0ل عن أبي حنيف0ة في الفق0ه األك0بر من أن وال0دي المص0طفى مات0ا على الكف0ر
األول :من أدرك التوحي000د ببص000يرته 0،ثم من ه000ؤالء من لم ي000دخل في ش 00ريعة كقس بن
ساعدة ،وزيد بن عمرو بن نفيل ،ومنهم من دخل شريعة حق قائمة الرسم كتُبَّع وقومه.
القس00م الث00اني :من ب00دل وغ00ير وأش00رك ولم يوح00د ،وش00رع لنفس00ه 0،فحل00ل وح00رم ،وهم
األك0ثر ،كعم0رو بن لحي أول من س0ن للع0رب 0عب0ادة األص0نام ،وش0رع األحك0ام 0،فبح0ر البح0يرة،
وس00يب الس00ائبة ،ووص00ل الوص00يلة ،وحمى الح00امي 0،وزادت طائف00ة من الع00رب على ش00رعه أن
عبدوا الجن والمالئكة ،وخرقوا البنين والبنات 0واتخذوا بيوتا ً جعلوا لها سدنة وحجاباً 0يض00اهون
بها الكعبة كالالت والعزى ومناة.
القس00م الث00الث :من لم يش00رك ولم يوح00د ،وال دخ00ل في ش00ريعة ن00بي ،وال ابتك00ر لنفس00ه
شريعة ،وال اخترع ديناً ،بل بقي عمره على حال غفلة من هذا كله وفي الجاهلية 0من كان كذلك.
قال األبي بعد ه0ذا التقس0يم 0:ف0إذا انقس0م أه0ل الف0ترة إلى ثالث0ة اقس0ام ،فيحم0ل من ص0ح
تعذيبه على أهل القسم الث0اني 0لكف00رهم بم0ا ال يع00ذرون ب00ه ،وأم0ا القس00م الث00الث 0فهم أه0ل الف0ترة
حقيقة ،وهم غير معذبين ،وأما القسم األول :فقد ق00ال ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم( :في ك00ل من
قس وزيد إنه يبعث أمة وحده .وأما تبع ونحوه فحكمه حكم أه00ل ال00دين ال00ذين دخل00وا في00ه م00ا لم
يلحق أحد منهم اإلسالم الناسخ لكل دين .انتهى كالم األبي.
فالظ00اهر من ح00ال وال00دي المص00طفى ص0لى هللا علي0ه وآل00ه وس0لم أنهم0ا كان00ا من القس00م
الثالث.
ويلي هذا المسلك 0في القوة القول بأنهم0ا كان0ا متحنفين ،لم يثبت 0عنهم0ا ش0رك ،ب0ل كان0ا
على الحنفية 0دين أبيهم إبراهيم عليه السالم كما كان على ذلك طائفة من العرب كزي00د بن عم00رو
بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما.
ً
ولنا أن نستنبط من هذين المسلكين 0مسلكا ثالثا ،فنقول :لم يثبت عنهما الشرك فال يجوز
القول ب0ه ،وبقي احتم0االن 0إم0ا أنهم0ا كان0ا من القس0م الث0الث 0من أه0ل الف0ترة وهم الغ0افلون عن
التوحيد والشرك ،فهما على هذا االحتم0ال ناجي0ان 0،وإن لم نق0ل بإس0المهما 0،وإم0ا كان0ا متحنفين
مسلمين.
ً
وبفرض وقوع الشرك منهما فهما أيضا ناجيان 0على القول بنجاة أهل الف00ترة ،ألنهم00ا لم
يبدال ولم يغيرا 0،وإنما وصلهما الدين مبدالً محرفا ً فاعتقداه الدين الحق لعدم بلوغ دعوة نبي من
األنبياء 0لهما على الوجه الصحيح فليسا بداخلين 0في القسم الثاني من أهل الفترة هذا.
وأم00ا مس00لك االس00تدالل على نجاتهم00ا بنص00وص الكت00اب 0والس00نة المتعل00ق بخص00وص
الموضوع فأضعف المسالك ألن النصوص متعارضة 0،وترجيح طرف منها على اآلخر إنما يكون
باالجتهاد ثم إن االجتهاد قد تتحكم فيه الميول والتعصب للرأي ال00ذي اس00تقر في القلب 0،من ذل00ك
ما قاله الشارح :من أن األحاديث الواردة في نجاتهما بالغة مبلغ التواتر ،م00ع أن00ه لم يص00ح في00ه
حديث واحد فقط فضالً عن التواتر 0،ومنها ما ترج00اه الش00ارح 0من ثب00وت ص00حة الح00ديث بطري00ق
54
فمدسوس عليه ، 1وحاشاه أن يقول في وال00دي المص00طفى ذل00ك ،وغل00ط مال علي الق00اري
يغفر هللا له في كلمة شنيعة قالها ،ومن العجائب ما نسب له مع ذل00ك في إيم00ان فرع00ون؛
فالحق الذي نلقى هللا عليه أن أبويه صلى هللا عليه وآله وسلم ناجيان ،على أنه قيل :إن00ه
تعالى أحياهما حتى آمنا به ثم أماتهما ،لحديث ورد في ذلك :وهو ما روي عن عروة عن
عائشة أن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم (سأل رب00ه أي يح00يي ل00ه أبوي00ه فأحياهم00ا
فآمنا به ثم أماتهما)2قال السهلي :وهللا ق0ادر على ك0ل ش0يء ل0ه أن يخص نبي0ه ص0لى هللا
عليه وآله وسلم بما شاء من فضله وينعم عليه من كراماته اهـ .وقد أنشد بعضهم فقال:
حبا هللا النبي مزيد فضل ##على فضل وكان به رؤوفا
فأحيا أمه وكذا أباه ##إليمان به فضالً منيفا
فسلم فالقديم بذا قدير ##وإن كان الحديث به ضعيفا
ولعل هذا الحديث صح عند أهل الحقيقة 0بطريق الكش00ف ،كم00ا أش00ار إلي00ه بعض00هم
بقوله:
أيقنت أن أبا النبي وأمه ##أحياهما الرب الكريم الباري
حتى له شهدا بصدق رسالة ##صدّق فتلك كرامة المختار
هذا الحديث ومن يقول بضعفه ##فهو الضعيف عن الحقيقة 0عاري
وقد ألف الجالل السيوطي فيما يتعلق بنجاتهما مؤلفات كثيرة.
الكشف فإن الكشف ليس من طرق معرفة درجة األحاديث والحكم عليها كما أنه ليس طريقا ً إلى
معرفة شيء من األحكام الشرعية.
وبالجملة 0إن المسألة 0من المسائل التي وقع فيها الخالف بين العلماء قديما ً وح00ديثا ً وهي
من مسائل االجتهاد ،وليست من مسائل االعتقاد التي يكفر المخالف فيها أو يب00دع ،فينبغي ع00دم
التعصب فيها لآلراء 0واألدب فيها ترك المراء.
ونسأل هللا تعالى أن نلقاه معتقدين نجاتهما.
1أخرجه أبو نعيم في دالئل النب00وة من ح00ديث عب00د هللا بن عب00اس 0،وانظ00ر كت00اب مس00الك
الحنفاء للسيوطي ضمن كتاب الحاوي للفتاوى .3/113
2فيه أن إبراهيم عليه الصالة والسالم لم يكن عربياً 0حتى تجرى عليه عادات الع00رب ،ثم
انه قد خاطب آزر فيما حكاه عنه تعالى 0بقوله( :يا 0أبتي لم تعبد ما ال يسمع…) فعبر عنه باألب0،
وقد عبر هللا تعالى عنه بأنه أبوه في قوله تعالى( :إذ قال إب00راهيم البي00ه آزر) فل00و س00لمنا دع00وة
العم باألب في كالم سيدنا إبراهيم عليه الصالة والسالم فال وج00ه لمث00ل ذل00ك في تعب00ير هللا تع00الى
عنه بأنه أبو إبراهيم عليه السالم 0،فكون آزر عم إبراهيم عليه السالم دعوى ال دليل عليها.
-1وقد جاء في بعض النسخ المخطوطة :م0ا مات00ا على الكف0ر 0،ب00النفي 0فيحتم00ل س00قوط
حرف النفي من النسخ األخرى
2الحديث بهذا اللفظ 0أورده السهلي في الروض اآلن00ف و في00ه مجهول00ون ،وأخ00رج ابن
شاهين والخطيب 0البغدادي وال00دارقطني وابن عس0اكر بس0ند ض00عيف عن عائش00ة ق0الت :حج بن00ا
رسول هللا صلى هللا عليه وآله وس0لم حج0ة ال0وداع ،فم0ر على عقب0ة الحج0ون وه0و ب0اك 0ح0زين
مغتم ،فنزل ،فمكث عني طوالً ،ثم عاد إلى وهو فرح مبتسم ،فقلت ل00ه؟ فق00ال( :ذهبت لق00بر أمي
فسألت 0هللا أن يحييها فأحياها 0فآمنت بي ورده00ا هللا) وه00ذا الح00ديث ض00عيف باتف00اق الحف00اظ ،ب00ل
قيل :إنه موضوع ،لكن الصواب ضعفه ،انظر كشف الخفاء 63-1/59 0الحديث(.)1500
55
{ -28وجوب معرفة هللا تعالى بالشرع ال بالعقل}
(قوله شرعاً) األولى أنه منصوب على التمييز ،وإن ذك0ر الش0يخ عب0د الس0الم أن0ه
منصوب على نزع الخافض ألن00ه س00ماعي؛ لكن أجيب عن00ه بأن00ه ك00ثر في كالم المؤلف00يين
حتى صار كالقياسي ،وعلى كل فهو متعلق بقوله “ وجبا “ وقيل متعلق “ بكلف “ لكن
األظهر األول ،ألن المقصود أن المعرفة وجبت بالشرع ال بالعق0ل ،وليس المقص0ود تقيي00د
التكليف بالشرع ،وه00ذا م00ذهب األش00اعرة وجم00ع من غ0يرهم ،فمعرف00ة هللا وجبت عن00دهم
بالشرع وكذلك سائر األحكام ،إذ ال حكم قبل الشرع ال أصليا ً وال فرعياً ،وذهبت المعتزل00ة
إلى أن األحكام كلها ثبتت بالعقل ولذلك قال في جم00ع الجوام00ع :وح ّكمت المعتزل00ة العق00ل:
أي جعلته حاكم0ا ً أي م00دركا ً لألحك00ام وإن لم ي0رد به00ا الش00رع ،ويقول00ون إن الش00رع ج00اء
مقوي 0ا ً ومؤك00داً للعق00ل فال ينف00ون الش00رع أص 0الً وإال كف00روا قطع 0اً ،ويبن00ون كالمهم على
التحسين والتقبيح العقليين؛ فالحسن عندهم ما حسنه العقل والقبيح ما قبحه العق00ل؛ ف00إذا
أدرك أن هذا الفعل حسن بحيث يذم 1على تركه ويمدح على فعله حكم بوجوبه وهكذا.
قالت المعتزلة نعم ،وقالت األشاعرة ال ،وقالت الحسن م00ا حس00نه الش00رع ،والق00بيح م00ا
قبحه الشرع 0،وليس للفعل صفة كذلك.
وفصلت الماتريدية فق00الت 0:ان بعض األفع00ال مش00تملة على ص00فة تقتض00ي تل00ك الص00فة
ورود األمر من الشارع 0بطلبها دون النهي عنها 0،وهي المأمورات ،وبعض األفعال مشتملة على
صفة تقتضي النهي عنها من الشارع عند ورود الشرع ،وهي المنهيات.
فالماتريدي0ة 0أثبت00وا الص00فة ال00تي تقتض00ي ورود الش0رع 0عن00د وروده ب0الطلب 0أو الحظ00ر
للفعل ،ولم يثبتوا الحكم للفعل قبل ورود الشرع 0إال في األصول ،وهي معرفة هللا تع00الى 0ومعرف00ة
ص0فاته 0من العلم والق0درة واإلرادة ومعرف00ة ص00دق الرس0ول واإليم00ان ب00ذلك وم0ا ع00دى ذل0ك من
األحكام موقوفة عندهم على ورود الشرع.
والمعتزلة أثبتوا للفعل الصفة المذكوة وأثبتوا له الحكم الذي تقتضيه الصفة من الطلب
والحظر من قبل هللا تعالى قبل ورود الشرع ،قالوا :إن العقل إذا أدرك الصفة الم00ذكورة في فع00ل
أدرك حكم هللا فيه التابع لتلك الصفة وهذا مع0نى ق0ول من ق0ال" :حكمت المعتزل0ة 0العق0ل" ،ف0إن
معناه جعلت المعتزلة العقل مدركا ً للحكم ،وإال فالمعتزلة 0لم يجعل0وا العق0ل حاكم0اً ،إذ باتف0اق من0ا
ومنهم أن الحاكم هو هللا ال غير.
وقالوا :إن اشتمل الفعل على مفسدة فحرام كالظلم ،أواشتمل تركه على مفسدة فواجب
كالعدل ،أواشتمل على مصلحة فمندوب كاإلحسان ،أواشتمل تركه على مصلحة فمكروه ،وإن لم
يشتمل على مصلحة وال مفسدة ال فعله وال تركه فمباح 0،ف00إذا أدرك العق00ل في الفع00ل إح00دى ه00ذه
الصفات 0أدرك ما يتبعها من األحكام ،فإن لم يدركها فيه توقف عن الحكم بالحظر واإلباح 0ة 0ح00تى
يرد الشرع ،فالشرع عندهم مؤيد لما أدرك00ه العق00ل في بعض األفع00ال ،وم00بين لم00ا لم ي00درك في00ه
العقل شيئاً.
وأما األشاعرة فلم يثبتوا للفعل قبل ورود الشرع 0ال الصفة التي تقتض0ي 0ورود الش00رع0
بالطلب أو الحظر ،وال الطلب والحظر 0،فنفوا الحسن والقبح من األصل.
وذهب جماع00ة من مت00أخري الحنفي00ة 0إلى وج00ود الص00فة الم00ذكورة للفع00ل ،ووافق00وا
المتقدمين منهم والمعتزلة في أص00ل مس00ألة الحس00ن والقبح لكنهم نف00وا وج00ود الحكم قب00ل ورود
الشرع رأسا ً في االصول والفروع ،ووافقوا األشاعرة في ذلك.
والذي يظهر لي أن الحق هو المذهب الوسط وهو م0ذهب الماتريدي0ة 0الق00ائلين بوج0ود
الصفة المذكورة للفعل ،وأن نفيها عن الفعل كما هو مذهب األشاعرة غير صحيح .وذلك ألمور:
-1أن هللا تع00الى ق00د أخ00بر في كتاب00ه وعلى ألس00نة رس00له أن00ه تع00الى ي00أمر ب00المعروف
وبالعدل واإلحسان 0،وينهى عن الفحشاء 0والمنكر فيقتضي هذا أن هناك أفعاال توصف بالمعروف
واإلحسان وبالفحش 0والمنكر قبل األمر بها والنهي عنها أي قب00ل ورود الش00رع بحكم فيه00ا ،كم00ا
يقتضي إن هذه الصفات الثابتة 0لألفعال قبل ورود الشرع تقتضي ورود الشرع بحكم يناسبها
57
مذهب المعتزلة ،وهو أن األحكام 0كلها ثبتت بالعقل .وقد علمت الفرق بين قول الماتريدية
بوجوب المعرفة بالعقل ،وقول المعتزلة بثبوت األحكام بالعقل فاحرص عليه
(قوله وجبا عليه …إلخ) هذه الجملة خبر المبتدأ الذي ه00و “ ك00ل من كل00ف “ ؛ و
“ عليه “ متعلق بـ “ وجبا “ واأللف فيه لإلطالق ،وقوله “ أن يعرف “ أي معرف00ة فـ
“ أن “ والفعل في تأويل مص00در ه00و فاع00ل “ وجب “ والمعرف00ة والعلم مترادف00ان على
معنى واح0د على التحقي00ق ،وه0ذا المع0نى الواح00د ه0و الج00زم المط00ابق للواق00ع عن دلي00ل،
فخرج بالجزم الظن والشك والوهم ،وبالمطابق :غير المطابق ،كجزم النصارى بالتثليث،
وبما بعده :التقليد فليس كل منها معرفة ،والمتص00ف بش00يء من األربع00ة األول في ش00يء
من العقائد اآلتية كافر اتفاقاً؛ وأما المتصف بالتقليد فسيأتي ذكر الخالف فيه
-2من المق00رر 0المجم00ع علي00ه بين علم00اء المس00لمين 0أن هللا تع00الى حكيم ،ومن حكمت00ه
تعالى أن يشرع األحكام حس00ب مص00الح العب00اد ،فتك00ون ص00فة المص00لحة متقدم00ة على التش00ريع،
ومقتضية لورود الشرع على حسبها
-3أن األشاعرة عندما قالوا بالحسن 0والقبح بالمعنى 0الثاني ،وه00و اش00تمال الفع00ل على
المصلحة والمفسدة فقد اعترفوا بوجود الصفة المذكورة للفعل قب00ل ورود الش00رع فيك00ون نفيهم
للحسن والقبح من األساس تناقضا منهم .وذلك ألن تقس00يم الحس00ن والقبح إلى المع00اني الثالث00ة
تقسيم اعتب00اري وليس تقس00يما حقيقي00ا ،أي أن ه00ذه المع00اني الثالث0ة 0ق00د تجتم00ع في فع00ل واح00د.
ويتصف الفعل الواحد بثالثتها ،كالعدل والظلم ،فإن العدل صفة كم00ال ،ومالئم للطب0ع 0بمع00نى أن00ه
مش00تمل على المص00لحة ،وق00د ورد الش00رع 0بطلب00ه ،كم00ا أن الظلم ص00فة نقص ،ومش00تمل على
المفسدة ،وقد ورد الشرع بالنهي عنه ،فالقول باتصافه بالحسن 0والقبح ب00المعنى الث00اني 0ليس إال
قوال بوجود الصفة المذكورة للفعل قبل ورود الشرع وهللا تعالى أعلم.
هذا هو تفصيل المسألة وبه تعلم ما في كالم الشارح من الخلل.
وإذا أردنا أن نعدل كالم الشارح 0قلنا:
وذهبت المعتزل00ة إلى أن األحك00ام كله00ا ثبتت قب00ل ورود الش00رع ،ول00ذا ق00ال في جم00ع
الجوامع( :وحكمت المعتزلة العقل) أي جعلته مدركا ً لألحكام ،وإن لم ي00رد به00ا الش00رع 0،وم00راده
األحكام المتعلقة باألفعال التي أدرك العقل جهة الحسن والقبح فيها ،ف00إن لم ي00درك جه00ة الحس00ن
والقبح فيها توقف عن الحكم فيها إلى ورود الشرع ،فالشرع جاء مؤيداً للعق00ل فيم00ا أدرك جه00ة
الحسن والقبح فيه ،ومبينا ً في غيره.
س0ن0 الح َ
وبنوا مذهبهم هذا على مذهبهم في مس00ألة التحس00ين والتق00بيح العقل00يين ،ف00إن َ
عندهم ما أدرك العقل حسنه ،والقببيح ما أدرك العقل قبحه ،فإذا أدرك العقل أن هذا الفعل حس00ن
بحيث تترتب المفسدة على تركه أدرك وجوبه أي أدرك ترتب المدح على فعله عاجالً والذم على
تركه آجالً.
أما عند األشعرية فالحسن 0ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع.
ومذهب جمهور الماتريدي0ة 0أن وج00وب اإليم00ان باهلل وبعلم00ه وقدرت00ه وإرادت00ه بالعق00ل0،
بمعنى أنه لو لم يرد الشرع به لوجب على المكلف إدراك0ه بعقل0ه 0،وه0ذا الق00ول منهم مب0ني على
ق00ولهم بأص00ل مس00ألة التحس00ين والتق00بيح العقل00يين 0،ف00إنهم وافق00وا المعتزل0ة 0في أص00ل المس00ألة0،
وخالفوهم فيما رتبوه عليها من وجود األحكام قبل ورود الشرع إال في وج00وب اإليم00ان 0وحرم00ة
الكفر فقد وافقوهم فيها.
58
(قوله ما قد وجبا هلل) أي جميع ما وجب هلل ،ألن “ م00ا “ من ص00يغ العم00وم ،لكن
ما قامت األدلة العقلية عليه أو النقلية تفصيال وهو العش00رون اآلتي00ة ،يجب على المكل00ف
أن يعرفه كذلك ،أعني تفصيال وما قامت األدلة العقلية أو النقلي00ة علي00ه إجم00االً ه00و س00ائر
الكماالت ،يجب على المكلف أن يعرفه كذلك أعني إجماالً ،وكذا يق00ال في المس00تحيل .وفي
البيت التضمين المتقدم واأللف في “ وجبا “ لإلطالق فال إيطاء في كالم00ه ،وإن قلن00ا إن
هذه المقدمة من مشطور الرجز كما تقدم في نظ0يره ألن الوج0وب األول بالش0رع والث0اني
بالعقل غالباً.
{ -30تقسيم صفات هللا باعتبار دليلها إلى ثالثة أقسام}
وإنم00ا قلن00ا “ غالب0ا ً “ ألن الص00فات على ثالث00ة أقس00ام :القس0م 0األول م00ا ال يص00ح
االستدالل عليه إال بال00دليل العقلي وهو م00ا ت00وقفت علي00ه المعج00زة من الص00فات كوج00وده
تعالى وقدمه وبقائه وقيامه بنفسه ومخالفته للحوادث وقدرته وإرادت00ه وعلم00ه وحياته. 1
القس00م الث00اني :م00ا ال يص00ح االس00تدالل علي00ه إال بال00دليل الس00معي وه00و ك00ل م00ا ال تتوق00ف
المعجزة عليه من الصفات كالسمع والبصر والكالم .القسم الث00الث :م00ا اختل00ف في00ه وه00و
الوحدانية؛ واألصح أن دليلها عقلي ،وإنما قدم الواجب لشرفه وأخر المستحيل النحطاطه
ألنه يرجع للسلب والثبوت أشرف منه؛ ووسطه الجائز ،ألن في00ه ش00ائبة الثب00وت وش00ائبة
السلب؛ قد عرفوا الواجب في هذا الفن بأن00ه م00ا ال يتص00ور في العق00ل عدمه 2ببن00اء الفع00ل
للفاعل :أي ما ال يمكن بسبب العقل عدمه أو للمفعول :أي ما ال تدرك النفس بسبب العقل
عدمه ،لكن يرد على ه00ذا أن النفس ق0د ت00درك ع0دم ال00واجب ،ألن المح00ال ق0د يتص00ور أي
يدرك .ويجاب بأن المراد بالتص0ور هن0ا التص0ديق ،والمع00نى حينئ0ذ :م00ا ال تص0دق النفس
بسبب العقل بعدم00ه ،وعلم من ه00ذا أن العق0ل 0آل00ة في اإلدراك؛ والم00درك إنم00ا ه00و النفس.
واألولى عدم ربط الواجب بالعقل ،فيق00ال :ال00واجب ه00و م00ا ال يقب00ل االنتف00اء ،ألن ال00واجب
واجب في نفسه وجد عق00ل أو لم يوج00د ،وال00واجب قس00مان :ض00روري كتح00يز الج00رم :أي
1وذلك ألنا لو استدللنا على وجود هذه الصفات وثبوتها هلل تع00الى بالنق00ل لل00زم ال00دور.
وذلك الن النقل يتوقف ثبوت وجوده على وجودها وثبوته00ا هلل تع00الى 0،فيك00ون ك00ل من المس00تدل
عليه والمتوقف عليه وجود ه00ذه الص00فات 0وثبوته00ا هلل تع00الى ،وه00و من ال00دور المس00تلزم 0لتق00دم
الشيء على نفسه.
وهذا القسم من الصفات هي التي يتوقف عليها أصل األلوهية ولواله00ا لم يمكن إظه00ار
المعجزة على يد النبي 0صلى هللا علي0ه وآل0ه وس0لم ،والقس0م الث0اني 0هي م0ا يتوق0ف عليه0ا كم0ال
األلوهية وه0ذه يمكن االس00تدالل عليه00ا بالعق00ل كم00ا يمكن االس00تدالل عليه00ا بالش00رع 0كم00ا اس00تدل
إبراهيم عليه السالم عقال على أبيه بقوله (يا أبتي لم تعبد م00ا ال يس00مع وال يبص00ر) 0وق00د اختل00ف
في الوحدانية هل هي من القسم األول أم من القسم الثاني والتحقي00ق أنه00ا من القس00م الث00اني ألن
إظهار المعجزة ال يتوقف على الوحدانية فيجوز ألحد اإللهين أن يظه00ر المعج00زة على ي00د الن00بي0
والتمانع بين اآللهة ليس بواجب بل جائز وبرهان التمانع الذي يثبت الوحدانية مبني على جواز
التمانع ال على وجوبه هذا هو التحقيق في هذا المقام 0وكالم الشارح 0مختل فليتنب00ه وهللا أعلم .ثم
رأيت الزبيدي نقل ما ذكرته في شرح اإلحياء عن السنوسي .فانظره (.)2/136
-2قوله :عدمه .أي جواز عدمه فالمنفي إدراكه بالعقل هو ج00واز الع00دم ال نفس الع00دم،
وإال إلقتضى التعريف أن كل ما قطع بوجوده كان واجبا 0،ولو كان من الجائزات – 0أجهوري.
59
أخذه قدراً من الحيز وهو المكان؛ فإنه ما دام الجرم موج00وداً يجب أن يتح00يز فه00و واجب
مقيد بدوام الجرم ونظري كصفاته تعالى.
60
-10هلل والجائز والممتنعا ##ومثل ذا لرسله فاستمعا
(قوله :والجائز) أي في حقه سبحانه وتعالى1عقالً وهو معط00وف على قول00ه “ م00ا
قد وجبا “ وقد عرفوه بأنه ما يصح في العقل وجوده تارة وعدم00ه أخ00رى :إم00ا ض00رورة
كحركة الجرم أو سكونه ،أو نظراً كتعذيب المطيع ول00و معص00وماً ،لكن ال ينبغي التمش00دق
في ح00ق األنبي00اء ب00ل بق00در ض00رورة التعليم ،وإثاب00ة العاص00ي ول00و ك00افراً ،ألن الكالم في
اإلمك00ان العقلي فال ين00افي أن ذل00ك ممتن00ع ش00رعاً؛ وعلم من ذل00ك أن الج00ائز قس00مان:
ض0روري ونظ0ري (قول0ه والممتنع00ا) أي المس0تحيل في حق0ه تع0الى،وعرف0وه بأن00ه م0ا ال
يتصور في العقل وجوده ببناء الفع0ل للفاع0ل أو للمفع0ول 0كم0ا تق0دم في تعري0ف ال0واجب،
وهو قس0مان :ض0روري كخل0و الج0رم من الحرك0ة والس0كون مع0اً ،ونظ0ري كالش0ريك ل0ه
تع00الى ،فتلخص أن ك00ل واح00د من ه00ذه األقس00ام الثالث00ة ينقس00م الى قس00مين :ض00روري
ونظري ،فالجميع ستة ،وقد مر تمثيلها .قال بعضهم :ويمكن تمثيل األقسام الثالثة بحركة
الجرم وسكونه ،فالواجب أح00دهما ،ال بعين00ه ،والمس00تحيل خل00وه عنهم00ا جميع0اً ،والج00ائز
ثبوت أحدهما معينا ً ب00دالً عن اآلخ00ر ،وينبغي االعتن00اء به00ذه األحك00ام؛ ألن إم00ام الح00رمين
يقول بأن معرفته0ا هي العقل ،2بن00اء على أن0ه العلم بوج00وب الواجب00ات وج0واز الج0ائزات
واستحالة المستحيالت
(قوله ومثل ذا لرسله) يجوز قراءة “ مثل “ بالرفع ،فتكون الجملة مستأنفة ،أي
مبتدأ وخبراً ،والتقدير :مثل ذا كائن لرسله ،ويجوز قراءته بالنصب عطف0ا ً على “ م00ا ق00د
وجبا “ وما بعده ،والتقدير :ووجب عليه أن يعرف مثل ذلك لرسله؛ وإفراد اسم اإلشارة
مع عوده لمتعدد نظراً لتأويله بالمذكور ال00ذي ه00و ال00واجب والمس00تحيل والج00ائز ،وأش00ار
المص00نف بلف00ظ “ مث00ل “ إلى أن ال00واجب في حقهم عليهم الص00الة والس00الم والمس00تحيل
والجائر ،ليست هي عين الواجب في حقه تعالى والمستحيل والجائز ،فالمراد المثلي00ة في
مطلق واجب وجائز ومستحيل وإن اختلفت األفراد واألدلة ،وإنما خص الرس00ل ألن بعض
-1قوله "والجائز في حقه س00بحانه وتع00الى" إيض00اح ه00ذا أن الج00ائز 0المقاب0ل 0لل00واجب
والمستحيل له جوازان :جواز في نفسه وهو صالحيته في نفسه –أي بقطع النظ00ر عن00ه تع00الى-
للوجود والعدم ،وجواز في حقه تعالى 0وهو كونه في قبضته سبحانه وتعالى ،بمعنى أنه في حال
عدمه إن شاء هللا أبقاه على عدمه وإن شاء أوجده ،وفي حال وجوده إن شاء أعدم00ه وإن ش00اء
أبقاه على وجوده ،والواجب على المكلف اعتقاد 0الجواز الثاني بأن يعتقد أن كل ما هو ج00ائز في
نفس0ه ج00ائز في حق0ه تع0الى؛ 0وق0د علمت المغ0ايرة بين ج00وازه في نفس00ه وج0وازه في حق00ه ،فال
ركاكة في قولنا "الجائز 0في حقه تعالى ك0ل ممكن" ألن الم00راد من0ه ك0ل م00ا أمكن في نفس0ه :أي
صلح في نفسه للوجود والعدم كان جائزاً في حقه تعالى 0،بمعنى أنه في قبضته .أجهوري.
2قوله" :ألن إمام الحرمين… إلخ" قيل الم00راد بالمعرف00ة ال00تي جعله00ا إم00ام الح00رمين
نفس العقل تصور المفاهيم الثالثة ،بأن يتصور أن الواجب ما ال يقبل الع00دم ،وأن المس00تحيل م00ا
ال يقبل الوجود وأن الج00ائز 0م00ا يص00ح وج00وده وعدم00ه .وقي00ل :الم00راد بتل00ك المعرف00ة :التص00ديق
ببعض الضروريات من األقسام الثالثة كأن يصدق بأن الواحد نصف االثنين ،وبان الن00ار 0ح00ارة،
وأن النقيضين 0ال يجتمعان 0،فكون الواحد نصف االث00نين واجب ض00رورة ،وثب00وت الح00رارة للن00ار
جائز ضرورة ،واجتماع النقيضين مستحيل ضرورة فالتصديق بذلك وما شابهه ه00و العق00ل بن00اء
على هذا القول ،يؤخذ ذلك من حاشية الشرقاوي على الهدهدي .أجهوري.
61
ما يأتي كالتبليغ خاص بهم دون األنبياء :وقوله “ فاستمعا “ بقلب نون التأكيد الخفيف00ة
ألفا ً في الوقف كما قال ابن مالك:
(وأبدلنها بعد فتح ألفا ً وقفا كما تقول في قفن قفا) أي فاستمعن ما ألقي إليك
من األمور التي معرفتها ترفعك عن الجه00ل والتقلي00د اس00تماع ت00دبر وتفهم فه00و وإن ك00ان
تكملة مفيد لما تقدم.
62
{ -31حكم التقليد في العقيدة}
-11إذ كل من قلد في التوحيد ##إيمانه لم يخل من ترديد
1
(قوله إذ كل من قلد … إلخ) هذا تعليل لوجوب المعرفة السابقة فكأنه قال :وإنما
وجب على المكلف معرفة ما ذكر ألن كل من قلد ..إلخ ،ف00إذ للتعلي00ل .والتقلي00د :ه00و األخ00ذ
بقول الغير من غير أن يعرف دليله؛ والمراد باألخذ :االعتق00اد :أي اعتق00اد مض00مون ق00ول
الغير ،والم00راد ب00القول :م00ا يش00مل الفع00ل والتقرير 2أيض0اً؛ وخ00رج بقولن00ا “ من غ00ير أن
يعرف دليله “ التالمذة بعد أن يرشدهم األشياخ لألدلة.
فهم ع00ارفون ال مقل00دون ،وض00رب لهم الش00يخ السنوس00ي مثالً للف00رق بينهم وبين
المقلدين بجماعة نظروا للهالل 3فسبق بعضهم لرؤيته فأخبرهم به ،فإن صدقوه من غ00ير
معاينة كانوا مقلدين ،وإن أرشدهم بالعالمة حتى عاينوه لم يكونوا مقلدين؛
وقول00ه “ في التوحي00د “ أي في علم العقائ00د ول00و تعلقت بالرس00ل ،فليس الم00راد
بالتوحيد إثبات الوحدة بخصوصه
(قوله إيمانه لم يخل من ترديد) هذه الجملة خ00بر عن المبت00دأ ال00ذي ه00و “ ك00ل من
قلد …إلخ “ والمراد بإيمان0ه :جزم0ه بأحك00ام التوحي0د من غ0ير دلي00ل ،وليس الم00راد ب00ه
المعرفة ،إذ ال معرفة عند المقلد ،كذا يفيده كالم الشارح ،ولعله مبني على أن اإليمان هو
المعرف00ة وه00و ض00عيف ،وال00راجح أن00ه التص00ديق وه00و غ00ير الج00زم ،ألن مرجع00ه الكالم
النفساني وهو ق00ول النفس :آمنت وص00دقت .ف00األولى أن الم00راد بإيم00ان المقل00د :تص00ديقه
التابع للجزم ال نفس الجزم ،4والمراد من الترديد :التردد والتحير ،من قولك “ 5تردد زي00د
“ أي تحير ،واستشكل بأن العبارة تقتضي أن الج00زم يج00امع ال00تردد ،م00ع أن00ه م00تى ك00ان
جازما ً ال يكون متردداً أصالً ،فكيف يقول “ إيمانه لم يخ00ل من تردي00د “ وأجيب عن ذل00ك
ب00أن كالم00ه على ح00ذف مض00اف ،والتق00دير :لم يخ00ل عن قب00ول تردي00د ،أو المع00نى :أن00ه
مصحوب بالترديد بالقوة ال بالفعل ،وال يرد أن العارف ال يخلو أيضا ً عن قبول التردي00د أو
لم يخل عن الترديد بالقوة ،لجواز أن تطمس عين معرفته والعياذ باهلل تعالى؛ ألن الم00راد
1قول00ه "ه00ذا تعلي00ل ..إلخ" أي باعتب00ار 0م00ا تض00منه من وج00وب ال00دليل ،ألن وج00وب
المعرفة يتضمن 0وجوب أمور ثالثة :الج00زم ،وكون00ه مطابق00ة للواق00ع ،وكون00ه ناش00ئاً 0عن ال00دليل0،
وهذه علة للثالث وهو كونه ناشئا عن الدليل – أجهوري.
2قوله ما يشمل الفعل والتقرير 0،إن كان المراد فعل غير المعصوم وتقريره فال وجه له
ألنه ال تؤخذ منها األحكام وال يقلد فيه00ا ،وإنم00ا يقل00د في قول00ه ،وإن ك00ان الم00راد فع00ل المعص00وم
وتقري00ره فال يك00ون تقلي00داً ألن المعج00زة والعص00مة دليالن على حقي00ة م00ا ي00دل علي00ه الفع00ل
والتقرير،فال وجه لهذا الكالم.
3أي نظروا السماء ألجل رؤية الهالل.
4لحصول الجزم في الكفر العنادي مع فقد اإليمان .كما قال هللا تعالى “ :يعرفون0ه كم0ا
يعرفون ابنائهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون))
5يعني ان التردد من قولك تردد زيد يعني ان الترديد مستعمل في الزمه وهو التردد.
63
بالقبول والقوة :القريبان من الفعل عادة وال يضر غيرهما ،ويمكن أن يحمل الترديد على
اختالف العلماء فيه ، 6فما يأتي كالتفسير لهذا المجمل فهو من ذكر المفصل بعد المجمل.
6وه0ذا الوج0ه وجي0ه وي0دل علي0ه تعقيب ه0ذا الكالم بقول0ه" :ففي0ه بعض الق0وم يحكي
الخلفا" 0مقرونا بالفاء 0التفصيلية.
64
{ -32الخالف في حكم إيمان المقلد}
الخلفا ##وبعضهم 0حقق فيه الكشفا -12ففيه بعض القوم يحكي ُ
1
(قوله فيفيه بعض القوم يحكي الخلف) أي فبسبب تحيره وتردده اختل00ف العلم00اء
في إيمانه صحة وعدماً ،فالفاء سببية والضمير إليمان المقلد من حيث الصحة وع00دمها،
والخلف –بضم الخاء وس0كون الالم -بمع0نى الخالف ال بمع0نى خل0ف الوع0د وإن تع0ورف
فيه.
وحاصل الخالف فيه أقوال ستة ،األول :عدم االكتف00اء بالتقلي00د بمع00نى ع00دم ص00حة
التقليد ،فيكون المقلد كافراً ،وعليه السنوسي في الك0برى .2الث0اني :االكتف0اء بالتقلي0د م0ع
العصيان مطلقاً؛ أي سواء كان فيه أهلية للنظر أم ال .الثالث :االكتفاء به مع العص00يان إن
كان فيه أهلية للنظر وإال فال عصيان .الراب00ع :أن من قلد 3الق00رآن والس00نة القطعي00ة ص00ح
إيمان0ه التباع00ه القطعي ،ومن قل00د غ0ير ذل00ك لم يص0ح إيمان00ه لع00دم أمن الخط0أ على غ0ير
المعصوم .الخامس :االكتفاء به من غير عصيان مطلقاً ،ألن النظر ش0رط كم0ال فمن ك0ان
فيه أهلية النظر ولم ينظ00ر فق00ط ت00رك األولى .الس00ادس :أن إيم00ان المقل00د ص00حيح ويح00رم
عليه النظر ،وهو محمول على المخلوط بالفلسفة .4وما أحسن 5قول بعضهم:
عاب الكالم أناس ال خالق لهم ##وما عليه إذا عابوه من ضرر
ما ضر شمس الضحى في األفق طالعة ##أن ال يرى ضوءها من ليس ذا بصر
والقول الحق الذي عليه المعول من هذه األقوال القول الث00الث ،والص00واب أن ه00ذا
الخالف مطل00ق :أي ج00ار في النظ00ر الموص00ل لمعرف00ة هللا تع00الى ،دون غ00يره 6ك00النظر
1لم يخصه أحد به وإنم00ا أج0رى بعض00هم الخالف في00ه ألن المط00رد أن يك0ون غ0يره من
المستدلين 0فيكون ذكره على سبيل المثال ال سبيل الحصر والتخصيص.
2أخرجه البخاري ( )1385واللفظ 0ل00ه ،وأخرج00ه مس00لم أيض0ا ً ( )2658من ح00ديث أبي
هريرة.
66
لفظيا ً3؛ والتحقيق يطلق على ذكر الشيء على الوجه الحق ،وعلى إثب00ات الش00يء ب00دليل،
واألول هو المراد هنا.
-13إن يجزم بقول الغير ##كفى وإال لم يزل في الضير
وقول00ه “ فق00ال ..إلخ “ معط00وف على قول00ه “ حق00ق في00ه الكش00فا “ من عط00ف
المفصل على المجمل .وقوله “ إن يجزم بقول الغير “ أي إن يج00زم المقل00د بص00حة ق00ول
الغير جزما ً بحيث لو رجع المقلد بالفتح لم يرجع المقلد بالكسر .وقوله “ كفى “ أي كفاه
في اإليم00ان ،وعلى ه00ذا يحم00ل الق00ول بكفاي00ة التقلي00د؛ فيكفي00ه ذل00ك في األحك00ام 0الدنيوي00ة،
فيناكح ،ويؤ ّم ،وتؤكل ذبيحته ،ويرثه المسلمون وي00رثهم ،ويس00هم ل00ه ،وي00دفن في مق00ابر
ومنه00ا أن الخالف في وج00وب النظ00ر ليس عائ00داً إلى ص00حة اإليم00ان ب00ل إلى العص00يان0
وعدمه ،ومنها غير ذلك .انتهى
وبهذا ظهر أيضا ً أن حمل الشارح فيم00ا س00يأتي الج00زم على الج00زم الق00وي ،وقول00ه :إن
المعتبر في صحة اإليمان عند السبكي هو هذا الجزم وأن الجزم غ00ير الق00وي ليس بمعت0بر عن0ده
ظهر أن هذا الحمل غير صحيح.
1الكالم في كتب العقائد إنما هو على اإليمان 0المنجي من الخل00ود في الن0ار في اآلخ0رة،
وأما اإليمان الذي تترتب 0عليه األحكام الدنيوية فال خالف في أنه يكفي في00ه التلف00ظ بالش00هادتين،
وإن كان على وجه النفاق فإن المنافقين 0مثل المس0لمين في األحك0ام الدنيوي0ة كم0ا س0يأتي قريب0ا ً
عن الشارح.
{ -34تحقيق مسألة أول الواجبات على المكلف}
68
{ -35أول الواجبات على المكلف هو المعرفة}
1
منتصب
ْ -14واجزم بأن أوالً مما يجب ##معرفة وفيه خلفٌ
( - 1قوله :واجزم بأن 0أوال مما يجب معرفة وفيه خلف منتص00ب) 0ه0ذا ال0بيت 0بي00ان ألول
الواجبات 0على المكلف ،والمسألة تحتاج إلى اإليضاح والتحقيق ،فننقل فيها كالم اإلمام القاض00ي
عضد الدين اإليجي في المواقف مع شرحه للسيد الش00ريف الجرج00اني م00ع االختص00ار فيهم00ا ،ثم
نعقبه بأمور ينبغي التنبيه عليها.
وإليك كالمهما:
(المقص00د الس00ابع :ق00د اختل00ف في أول واجب على المكل00ف) أن00ه م00اذا (ف00األكثر) ومنهم
الشيخ أبو الحسن األشعري (على أنه معرفة هللا تعالى 0،إذ هو أصل المعارف) والعقائد (الدينية0،
وعليه يتفرع وجوب كل واجب) من الواجبات 0الشرعية (وقيل :هو النظ00ر فيه00ا ) أي في معرف00ة
هللا سبحانه ( ألنه واجب ) اتفاقا كما مر ( وهو قبلها ) وهو م00ذهب جمه00ور المعتزل00ة واألس00تاذ
أبي إسحاق االسفرائيني( 0وقي00ل) ه00و (أول ج00زء من النظ00ر) ألن وج00وب الك00ل يس00تلزم وج00وب
أجزائ00ه 0،ف00أول ج00زء من النظ00ر واجب ،وه00و متق00دم على النظ00ر المتق00دم على المعرف00ة (وق00ال
القاضي واختاره ابن فورك) وإم00ام الح00رمين إن00ه (القص00د إلى النظ00ر) 0ألن النظ0ر 0فع0ل اختي00اري
مسوق بالقصد المتقدم على أول أجزائه.
(والنزاع 0لفظي إذ لو أريد الواجب بالقصد األول) أي ل00و أري00د أول الواجب00ات المقص00ودة
أوالً وبالذات ( 0فهو المعرفة ) اتفاقا (و إال ) أي وإن لم ي00رد ذل0ك ب0ل أري0د أول الواجب00ات 0مطلق0ا ً
(فالقصد إلى النظر) ألنه مقدمة للنظر الواجب مطلقا ً فيكون واجبا ً أيضاً…0
(وقال أبو هاشم هو) أي أول الواجبات( 0الشك).
ثم رد القاضي 0عضد الدين قول أبي هاشم بوجهين ،ثم قال:
(وإن قلنا :الواجب) األول (النظر فمن أمكنه زمان ) يتسع فيه النظر التام والتوص00ل ب00ه
إلى معرفة هللا تعالى (ولم ينظر ) في ذلك الزمان 0ولم يتوص00ل بال ع00ذر (فه00و ع00اص) بال ش00بهة
(ومن لم يمكنه زمان أصالً) بأن مات حال البل00وغ( ،فه00و كالص00بي) ال00ذي م00ات في ص00باه (ومن
أمكنه) من الزمان (ما يسع بعض النظر 0دون تمامه) فإن شرع فيه بال تأخير ،واخترمت00ه المني00ة
قبل انقضاء النظر وحصول المعرفة فال عصيان قطعاً ،وأما إذا لم يشرع فيه ،بل أخ00ره بال ع00ذر
69
(قول00ه واج00زم) أي اعتق00د اعتق00اداً جازم 0اً ،والمخ00اطب ب00ذلك ك00ل مكل00ف من ذك ٍ 0ر
وأنثى ،حر أو عبد ،جني أو إنسي ،قال المصنف في شرحه :والكالم الس00ابق من قول00ه “
فك00ل من كل00ف ..إلخ “ إنم00ا أف00اد أن المعرف00ة واجب00ة على المكل00ف ،وه00ذا أف00اد أنه00ا أول
2
واجب ،ثم هذه المسألة ليست من أرك00ان ال00دين المعتق00دة ،1كي00ف واألص00ح كفاي00ة التقليد
وقول00ه “ ب00أن أوالً “ متعل00ق بـ “ اج00زم “ وأص00ل “ أول “ أوأل على وزن “ أفع00ل “
قلبت الهمزة واواً ثم أدغمت الواو في الواو الجتماع المثلين ،ول00ه اس00تعماالن ،أح00دهما:
ومات (ففيه احتمال واألظهر عصيانه) انتهى كالم الموافق وشرحه (.)280-1/275
وهاهنا ينبغي التنبيه 0على أمور:
األول :أن المراد بمعرفة هللا تع00الى 0ال00تي هي أول الواجب00ات ،معرفت00ه بوج00ه يك0ون ع00دم
االتصاف بها موجبا ً للكفر 0ولعدم اإلسالم من معرفة وجوده ووحدانيته وعلم00ه وقدرت00ه وإرادت00ه
إلى غير ذلك مما يكون عدم معرفته موجبا ً للكفر ،وليس المراد منها معرفة وجوده فق00ط ،وذل00ك
ألن المقصود من وجوب المعرفة التخلص من الكفر وهو ال يكون إال بالمعرفة المذكورة.
الثاني :أن المراد بالواجبات في قولهم( :أول الواجبات على المكل00ف م00ا ه00و؟) أعم مم00ا
يكون عدم القيام به موجبا ً للكفر 0أو موجبا ً للمعصية ،وذلك ألن عدم المعرفة موجب للكفر 0،وأما
عدم النظر أو عدم القصد إلى النظر فموجب للمعصية واإلثم كما تقدم في كالم الموافق وشرحه،
وليس موجبا ً للكفر إال عند أبي هاشم من المعتزلة.
وهذه هي مسألة التقليد في اإليمان ،وقال فريق من أهل السنة بع00دم ت00أثيم المقل00د بع00دما
جزم بما يجب اإليمان 0به جزما ً قاطعاً.
الثالث 0:أن المراد بالنظر 0واالستدالل على القول بوجوبه هو النظر 0واالس00تدالل اإلجم00الي
وإن لم يستطع صاحبه اإلفصاح به وتقريره ودفع القوادح عنه.
وهذا النوع من االستدالل قلما يخلو عنه مؤمن ،بل لو قيل بعدم خلو مؤمن عن00ه لم يكن
بعيداً ،فإن كالم العوام محش00و بمث00ل ه00ذا االس00تدالل ،فمثالً عن00دما ي00رى الع00امي ش00يئا ً يس00تغربه
يقول :سبحان هللا ،وهذا استدالل منه باألثر 0على المؤثر،أوبالنظام 0على المنظم ،واألول هو دليل
الحدوث ،والثاني 0هو دليل النظام والعناية.
ومن أجل ذلك قال بعض المحققين :إن التقليد إنما يتص00ور في من نش00أ في ش00اهق جب00ل
بدون أن يجري في خل00ده وج00ود هللا تع00الى ف00أخبره مخ00بر بوج00ود هللا تع00الى وبص00فاته ،فص0دقه
وثوقا ً به بدون أن يستند إلى دليل.
وأما المسلم الذي نشأ بين المسلمين 0فالبد أن يحصل عنده دليل إجمالي.
وغالبا ً ما يكون حصوله عنده بطريقة عفوية بدون نظر وال قصد إلى النظر.
ومن أقوى الدالئل االس0تناد إلى ص0دق الرس0ول المؤي0د ب0المعجزات ،وذل0ك ألن التقلي0د
األخذ بقول الغير بغير حجة ،ومن ق00امت علي00ه حج00ة ثب00وت النب00وة ح00تى حص00ل ل00ه القط00ع به00ا،
فمهما سمعه من النبي كان مقطوعا ً عنده بصدقه ،فإذا اعتق00ده لم يكن مقل00داً في00ه ،ألن00ه لم يأخ00ذ
بقول الغير بغير حجة ،وإنما أخذ بقول الن0بي الث0ابت 0ص0دقه فيم0ا يبلغ0ه عن هللا بحج0ة المعج0زة
الدالة على صدقه في ذلك .وهللا تعالى أعلم
1قوله "ليست…إلخ" أي التي يجب اعتقادها 0ويكفر جاحدها.
2قوله "كي0ف … إلخ" غرض0ه ب0ذلك أن0ه إذا ك0ان األص0ح كفاي0ة التقلي0د ك0ان وج0وب
المعرفة غير متفق عليه 0،فال يكفر جاح00ده ،وإذا لم يكف00ر جاح00د وج00وب المعرف00ة فب00األولى أن ال
70
أن يكون بمعنى س00ابق فيك00ون منص00رفا ً منون0اً ،ومن00ه ق00ولهم “ :الحم00د هلل أوالً وآخ00راً “
والث0اني أن يك0ون ص0فة فيك0ون أفع0ل تفض0يل بمع0نى “ أس0بق “ فيك0ون غ0ير منص0رف
للوص00فية ووزن الفع00ل؛ ف00إن حم00ل م00ا في النظم على األول فال إش00كال ،وإن حم00ل على
الثاني فصرفه وحذف المضاف إليه لضرورة النظم.
وقوله “ مم00ا يجب “ أي من ال00ذي يجب ،فـ “ م00ا “ اس00م موص00ول ،و “ من “
تبعيضية وهو صفة لـ “ أوالً “ على االس00تعمال األول ،وللمض00اف الي00ه المح00ذوف على
االستعمال الثاني ،واألصل أن أول شيء مما يجب؛ وقوله “ معرفة “ خبر أن ،والتنوين
فيه للتعظيم ،1وهو عوض عن المضاف إليه ،واألصل معرفة هللا ،والمراد معرفة ص00فاته
وسائر أحكام األلوهية ال معرفة ذاته وكنه حقيقته ،إذ ال يعرف ذاته وكنه حقيقته 0إال ه00و.
وفي الحديث( :تفكروا في الخلق وال تفكروا في الخالق ،فإن00ه ال تحي00ط ب00ه الفك00رة )2وفي
الحديث أيضا ً (إن هللا احتجب عن البصائر كما احتجب عن األبصار) 3وبالجمل00ة ال يع00رف
هللا إال هللا ،فترك اإلدراك 4إدراك ،والبحث عن ذات هللا إشراك (قوله وفيه خلف منتص00ب)
أي في أول ما يجب اختالف ق0ائم بين األئم0ة س0نيين وغ0يرهم ،ودف0ع الن0اظم ب0ذلك ت0وهم
االتفاق على الحكم 0السابق في قوله “ واجزم بأن أوالً ..إلخ “ وجعل الخالف في األولي0ة
ال في الوجوب ،ألن0ه لم يق0ع خالف بين المس00لمين في وج00وب المعرف00ة والنظ0ر الموص00ل
إليها ،كذا قال الشارح ،لكن قد سبق قول بحرمة النظر ،5وق00ول بأن00ه ش00رط كم00ال ،وكأن00ه
ناظر لما جرى عليه فيما تقدم من تخصيص الخالف بغير معرف00ة هللا تع00الى وغ00ير النظ00ر
الموص00ل إليه00ا ،وق00د تق00دم م00ا في00ه ،ويحتم00ل أن00ه لم يعت00د ب00الخالف بن00اء على م00ا أنش00ده
السيوطي في اإلتقان:
وليس كل يصغر خالف معتبراً إال خالفٌ له حظ من النظر
وجملة األقوال في أول الواجبات اثنا عشر قوالً ،أولها :ما قاله األشعري إمام هذا
الفن :أنه المعرفة ،وثانيها :ما قاله األستاذ أبو إسحاق اإلس0فرايني :أن0ه النظ0ر الموص0ل
يكفر من جحد كونها أول الواجبات .هذا ولو قال "كيف" وفي أول الواجبات الخالف اآلتي لكان0
أظهر ألن كل ما وقع فيه خالف بين العلماء 0ال يكفر جاحده .أجهوري.
-1فيه أنه ال أحد يالحظ التعظيم في مثل هذا المقام0
2أخرج000ه الط000براني ب000رقم ( )1319بلف000ظ (تفك000روا في آالء هللا وال تفك000روا في هللا)
وأخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش ( )16والبيهقي في األسماء والصفات( 0ص )530وأب00و
الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية )67-6/65( 0بألفاظ 0وأسانيد مختلف00ة ،ف00ال الس00خاوي في
المقاصد الحسنة 0:هذه األخبار أسانيدها ضعيفة ،لكن اجتماعها يكسبها قوة ،والمعنى صحيح.
3هذا الحديث 0لم نجده ومخايل الوضع بادية عليه.
-4األولى :فعدم اإلدراك
5ق00د تق00دم أن الق00ول بالحرم0ة 0محم00ول على النظ0ر 0على أس00لوب الفالس00فة 0،وه0و ق0ول
وجيه ،ومراد من قال إنه شرط كمال أنه عاص بترك النظر 0،وهو أيضاً 0وجيه ،والمختل هو كالم
الشارح.
71
للمعرفة ويعزى لألشعري أيضاً؛ وثالثها :ما قاله القاض00ي الب00اقالني :أن00ه أو َل النظ0ر :أي
المقدمة األولى منه نحو قولك :العالم حادث ،وك0ل ح0ادث ال ب00د ل0ه من مح00دث؛ فمجم00وع
المقدمتين هو النظر ،والمقدمة األولى هي أول النظر؛ ورابعها :م00ا قال00ه إم00ام الح00رمين:
أنه القصد الى النظر :أي تفريغ القلب عن الشواغل وعزي للقاضي أيضاً ،وخامسها :م00ا
قاله بعضهم :أنه التقليد؛ وسادسها :أنه النطق بالشهادتين ،وسابعها :ما قاله أب00و هاش00م
في طائفة من المعتزلة وغيرهم :أنه الشك ورد بأنه مطلوب زواله ،ألن الش00ك في ش00يء
من العقائد كفر فال يكون مطلوبا ً حصوله؛ ولعلهم أرادوا تردي0د الفك00ر في00ؤول إلى النظ0ر؛
وثامنها :أنه اإليمان؛ وتاسعها :أنه اإلسالم ،وهذان القوالن متقاربان م00ردودان باحتي00اج
كل من اإليمان واإلسالم للمعرفة؛ وعاشرها :اعتقاد وجوب النظر ،وحادي عش00رها :أن00ه
وظيفة الوقت كصالة ض00اق وقته00ا فتق00دم ،1وث00اني عش00رها :أن00ه المعرف00ة أو التقلي00د :أي
أحدهما ال بعينه فيكون مخيراً بينهما.
واألصح أن أول واجب مقصداً المعرفة .وأول واجب وسيلة قريبة النظر ،ووسيلة
بعيدة القصد إلى النظر ،وبهذا يجمع بين األقوال الثالثة.
1فيه أن الذات عبارة عن مجم00وع الجس00د وال00روح .وال00روح هي األص00ل والجس00د آل00ة
لها ،وقد قال :إن الكالم على تق00دير مض00اف ،أي أح0وال ذات00ك ،فس00قط ب00ه قول00ه ه00ذا من حيث ال
يشعر فإن الم00أمور ب00ه ه0و التفك00ر في أح00وال ال00روح ال التفك00ر في ال00روح نفس00ها وكي0ف ي00ؤمر
بالتفكر 0في أح00وال الب00دن دون التفك00ر في أح00وال ال00روح ،وهي أعجب وأدل على وج00ود الب00اري
وصفاته.ثم إن ما ذكره من السمع والبصر ... 0الخ معظمها صفات 0للروح فان الروح تتصف به00ا
بعد مفارقتها للبدن 0بخالف البدن بعد مفارقة الروح إياه.
2األولى أن يقول :ألن األحوال أبدع من الذات.
3ليس مقصود المصنف كما يدل عليه قوله " :تجد به صنيعا ب00ديع الحكم" االس00تدالل
بحدوث الع0الم 0وح0دوث ص0فاته على وج0ود الب0اري تع0الى ،وه0و المس0مى ب0دليل االخ0تراع 0،ب0ل
مقصوده االستدالل بما اشتمل عليه العالم من الصنع 0المحكم المتقن على وجوده تعالى 0واتصافه
بصفات 0الكمال ،وهو ما يسمى بدليل العناية.
4هذا ليس بحديث بل قول يحيى بن معاذ الرازي رحمه هللا تعالى.
74
وتجد بعضه متحرك0ا ً وبعض00ه س0اكنا ً وبعض00ه نوراني0ا ً وبعض0ه ظلماني0اً ،وذل0ك دلي00ل على
الحدوث ،وهو دليل على االفتقار إلى صانع حكيم متصف بالصفات.
وحاص00له أن تق00ول :الع00الم ح00ادث وك00ل ح00ادث الب00د ل00ه من ص00انع حكيم متص00ف
الف اللَّ ْي ِل َوالنَّ َها ِر َوا ْلفُ ْل ِك
اختِ ِ ض َو ْ ت َواأْل َ ْر ِ س َما َوا ِ ق ال َّ بالصفات ،قال هللا تعالى( :إِنَّ فِي َخ ْل ِ
ض س َما ِء ِمنْ َم00ا ٍء فَأ َ ْحيَ00ا بِ ِ 0ه اأْل َ ْر َاس َو َما أَ ْنزَ َل هَّللا ُ ِمنَ ال َّ
الَّتِي ت َْج ِري فِي ا ْلبَ ْح ِر بِ َما يَ ْنفَ ُع النَّ َ
الس َ 0ما ِءس َّ 0خ ِر بَيْنَ َّ ب ا ْل ُم َ
الس َ 0حا ِ
0اح َو َّالريَِ 0يف ِّ َص ِ 0ر ِ ث فِي َه00ا ِمنْ ُك ِّ 0ل دَابَّ ٍة َوت ْ بَ ْع َ 0د َم ْوتِ َه00ا َوبَ َّ
ت لِقَ ْو ٍم يَ ْعقِلُ00ونَ ) (البق00رة )164:واعلم أن “ الع00الم “ بفتح الالم :اس00م لم00ا ض آَل يا ٍ َواأْل َ ْر ِ
1
سوى هللا وصفاته من الموجودات واألحوال 0على القول بها ،وأما المعدومات فليست من
العالم سواء كانت ممكنة كولد لزيد قبل وجوده ،أو مستحيلة كالشريك ،وبعض00هم خص “
الع00الم “ ب00ذي ال00روح ،وبعض00هم خص00ه ب00اإلنس والجن ،وبعض00هم 0خص00ه بالمالئك00ة،
وبعضهم خصه بالثالثة مع الشياطين ،وبعض00هم خص00ه بأه00ل الجن00ة والن00ار ،لكن ال دلي00ل
على ذلك كله ،ذكره المصنف في شرحه الصغير.
1مراده باألحوال أمور ال موجودة وال معدومة ،وقد قال بها كثير من المعتزل00ة 0،وقلي00ل
من أهل السنة ،وسيأتي 0الكالم عليها 0في التعليق.
75
-16تجد به صنعا ً بديع الحكم ##لكن به قام دليل العدم
(قوله تجد به ص00نعاً) أي إن تنظ00ر في أح00وال م00ا ذك00ر تعلم في00ه “ ص00نعا ً “ بض00م
الصاد :أي صنعة باهرة ،وهي كناية عن األع0راض المخلوق00ة ،فـ “ تج00د “ مج00زوم في
جواب شرط مق00در؛ ويص00ح أن يك00ون مجزوم0ا ً في ج00واب األم00ر ،والب00اء بمع00نى “ في “
والصنع بمعنى الصنعة الباهرة من نقوش متقنة وألوان مستحسنة إلى م00ا ال يحص00ى من
الصفات وال يحيط به إال خالق األرض والسماوات ،وكل هذا دال على علم صانعه وقدرته
وإرادته وحياته ،ألن ذلك ال يصدر إال عمن اتصف بما ذكر (قوله بديع الحكم) الب0ديع ه0و
المخ00ترع ال على مث00ال س00بق ،والحكم –بكس00ر الح00اء وفتح الك00اف -جم00ع حكم00ة بمع00نى
اإلحكام أي اإلتقان ،جمعه لتعدده بتعدد الصنع الذي هو الصنعة الباهرة.
وقد وقع في كالم الغزالي( :ليس في اإلمكان أبدع مما كان) ،فش00نع علي00ه جماع00ة
بأن فيه نسبة العجز إليه تعالى ،وأجيب عنه بأجوبة أحسنها أن المعنى :ليس في اإلمكان
أبدع مما كان؛ لعدم تعلق علم هللا وإرادته بغير ما كان ،الذي هو هذا العالم ،فهو مستحيل
لعدم تعلق علم هللا وإرادته به ،فصدق عليه أنه ليس في اإلمكان به00ذا االعتب00ار وإن ك00ان
ممكنا ً في نفسه( 1قوله لكن ..إلخ) 2استدراك على ما يشعر به قوله “ بديع الحكم “ من
أنه حيث كان كذلك فهو قديم ،فكأنه قال :لكن الع00الم وإن ك00ان على غاي00ة من اإلتق00ان ه00و
0ترع ال يك00ون إال
حادث ،وبحث فيه أن الب00ديع ه00و المخ00ترع من غ00ير مث00ال س00بق ،والمخَ 0
حادثا ً فال يتوهم القدم حتى يحتاج لالستدراك ،إال أن يقال :ربما يتوهم من عجز التعري00ف
أعني قولهم “ 3من غير مثال سبق “ ال من صدره وهو المخترع ،واألقرب أن “ لكن “
1قال ابن أبي شريف في شرح المسايرة ( " )61صدور هذا الكالم عن الغ00زالي مب00ني
على غفلته عن ابتنائه على أصول الفالسفة 0من كونه تع00الى موجب0ا ً بال00ذات ال ف00اعالً باالختي00ار0،
وقد ص00رح الغ00زالي 0بكون00ه تع00الى ف00اعالً مخت00اراً في كث00ير من كالم00ه ،ورد ق00ول الفالس00فة بنفي
االختيار 0عنه تعالى".
2المقصود بما قبل لكن االستدالل على وج0ود الب0اري تع0الى 0واتص0افه بص0فات 0الكم0ال
بما اشتمل عليه العالم 0من الصنع المحكم المتقن ،وهو المسمى ب00دليل العناي00ة 0،وليس المقص00ود
به االستدالل على ذلك بحدوث الع00الم 0،وه0و المس00مى ب0دليل االخ00تراع والمقص0ود ،بم00ا بع0د لكن
االستدالل على حدوث العالم ،وأنه ليس بقديم واإلشارة بذلك إلى دليل االختراع.
3واألولى أن يقال :إن التوهم ناشئ من جملة قوله :ب00ديع الحكم ال من ب00ديع فق00ط ،ب00ل
األولى االقتصار على كون لكن للتأكيد 0،فإن المقام ينبو عن االستدراك.
{ -39دالئل امتناع 0قيام الحوادث باهلل تعالى وم0ا ه0و الح0ادث ال0ذي يمتن0ع قيام0ه باهلل
تعالى؟}0
76
هنا لمجرد التأكيد ،كما في قوله تعالىَ ( :ما َك00انَ ُم َح َّم ٌد أَبَ00ا أَ َحٍ 0د ِمنْ ِر َج 0الِ ُك ْم َولَ ِكنْ َر ُ
س0و َل
هَّللا ِ) (األحزاب :من اآلية )40وقوله “ :به قام دليل العدم “ أي بالعالم ..بمع00نى األج00رام
–قام دليل جواز العدم ،فهو على تقدير مض00اف ،إذ الف00رض أن00ه موج00ود ،والم00راد ب00دليل
جواز العدم :األعراض الحادثة المالزمة للعالم بمعنى األجرام.
محل النزاع.
وقال القاضي 0عضد الدين في المواق00ف :الص00فات 0على ثالث00ة أقس00ام :حقيقي00ة محض00ة:
كالحي00اة والس00واد والبي00اض 0،وحقيقي00ة ذات إض00افة ك00العلم والق00درة ،وإض00افة محض00ة :كالمعي00ة
والقبلية 0،وكالصفات السلبية 0،وال يجوز التغير للواجب في القسم األول مطلقا ً ويج0وز في القس00م
الثالث مطلقاً ،وأما القسم الثاني 0فإنه ال يجوز التغير في نفسه ،ويجوز في تعلقه.
وقال في المواقف أيضاً 0:إن الحادث 0هو الموجود بعد العدم ،وما ال وجود له ال يقال ل00ه
حادث وإن تجدد ،بل يقال له متجدد ،وهو على ثالثة أقسام:
األول :األحوال ولم يجوز تج00ددها في ذات00ه تع00الى إال أب00و الحس00ين 0من المعتزل00ة 0،فإن00ه
قال :بتجدد العالمية بتجدد المعلومات.
الثاني :اإلضافات ،ويجوز تجددها اتفاقا ً
الث00الث 0:الس00لوب 0فم00ا نس00ب إلى م00ا يس00تحيل اتص00افه تع00الى ب00ه امتن00ع تج00دده كس00لب
الجسمية والجوهرية والعرضية 0،وإال جاز كسلب المعية مع الحادث 0،فإن المعي00ة ت00زول إذا ع00دم
الحادث .انتهى.
{ -40دالئل حدوث العالم} 0
وبعدما أوضحنا 0مس00ألة امتن00اع قي00ام الح00وادث ب00ذات هللا تع00الى وبالق00ديم نق00ول :الع00الم
حادث ،وقد استدلوا على حدوثه بجميع أقسامه وكونه مسبوقا ً بالعدم بوجوه منها ما يلي:
-1إن الجس00م يق00وم ب00ه الح00ادث 0،وه00و ض00روري لم00ا نش00اهده من الحرك00ات 0،وتج00دد
األعراض وال شيء من القديم كذلك.
-2إن األجسام ال تخلو عن الحوادث من األك0وان والت0أليف 0،وم0ا يتبعه0ا من األع0راض
وكل ما ال يخلو عن الحوادث حادث ،فهو حادث بذاته وصفاته وأحواله.،
-3إن كل جسم ممكن ألنه م0ركب يحت0اج 0بعض أجزائ00ه إلى البعض 0،والق0ديم ال يتص00ف
باالحتياج 0،وكل ممكن وجد مسبوق بالعدم ،إذ ال يتصور اإليجاد إال عن العدم.
-4إنه لو وجد جسم قديم لكان في األزل إما متحركا ً أو ساكناً ،والكل باط00ل ،ألن ماهي00ة
الحرك00ة المس00بوقية ب00الغير 0وه00و الس00كون ،وماهي00ة األزلي0ة 0ع00دم المس00بوقية ب00ال0غير فيتنافي00ان0،
وماهية السكون كونان في آنين في مكان واحد ،فهو يقتضي 0المسبوقية بالغير 0المنافية 0لألزلية.
-5قال السبكي في شرحه لعقيدة ابن الحاجب 0في االستدالل على حدوث الجوهر:
إن الجوهر ال يخلو عن العرض 0،والعرض حادث فالجوهر ال يخلو عن الحادث ،وم0ا ال
يخلو عن الحادث ال يسبقه ،إذ لو سبقه لخال عنه ،وما ال يسبق الحادث 0حادث ،فالجوهر حادث،
قال السبكي ،وهو أقوى حجج أهل النظر العقلي ،قال:
-6وقد يقال على وجه أخص وأتم ،وه00و أن ك00ل م00ا س00وى ال00واجب ممكن ،وك00ل ممكن
حادث فالعالم حادث ،أما المقدمة األولى فظ00اهرة ،وأم00ا الثاني00ة فألن الممكن يحت00اج في وج00وده
78
والحاصل 1أنك تثبت أوالً حدوث األع00راض بمش00اهدة تغيره00ا من ع00دم إلى وج00ود
وعكسه ،فتقول :األعراض شوهد تغيرها من عدم إلى وجود وعكسه ،وكل م00ا ه00و ك00ذلك
فه00و ح00ادث ينتج أن األع00راض حادث00ة ،ثم تثبت ح00دوث األج00رام واس00تحالة الق00دم عليه00ا
بمالزمتها لألعراض الحادثة فتقول :األج00رام مالزم00ة لألع00راض الحادث00ة ،وك00ل م00ا ك00ان
كذلك فهو حادث ويستحيل عليه القدم ،فينتج أن األجرام حادثة ،ويستحيل عليها القدم.
واعلم أن لهم هنا مطالب سبعة نظمها بعضهم بقوله:
ِزي َد َم قَا َم ما ا ْنتَقَ َل ما َك ُمنَا ##ما انفك ال َع ِدم قديم ال َحنا
فقوله “ زيد “ رد لقول الفالس00فة ال نس00لم ثب00وت زائ00د على األج00رام ح00تى يص00ح
االستدالل به على حدوث األجرام ،دليل ثبوت الزائد الذي هو العرض :المش00اهدة وقول00ه:
“ م قام “ بحذف ألف “ ما “ للوزن ،رد لقولهم :ال نسلم عدم العرض 2لجواز أن يق00وم
بنفسه إذا لم يتص0ف ب0ه الج0رم ،ودلي0ل أن0ه ال يق0وم بنفس0ه :أن0ه ال يعق0ل ص0فة من غ0ير
موص00وف فال يعق00ل حرك00ة من غ00ير متح00رك مثالً ،وقول00ه “ م00ا انتق00ل “ بس00كون الالم
للوزن :رد لقولهم :ال نسلم عدم العرض لجواز أنه ينتقل من جرم إلى ج00رم آخ00ر ،ودلي00ل
أنه ال ينتقل :أنه لو انتقل لكان بعد مفارقة األول وقبل وصوله الث00اني قائم0ا ً بنفس00ه ،وق00د
بطل قبل ذلك ،وقوله “ :ما كمنا “ رد لقولهم :ال نسلم عدم العرض لج00واز أن00ه كمن في
الجرم ،فتكمن الحركة في الجرم إذا سكن مثالً ،ودليل أن00ه ال يكمن :أن00ه يل00زم علي00ه جم00ع
الضدين وه0و باط0ل ،وقول0ه “ م0ا انف0ك “ رد لق0ولهم :ال نس0لم مالزم0ة الج0رم للع0رض
3
لجواز أن ينفك عنه ،ودليل أنه ال ينفك عنه :أنه ال يعقل جرم خ00ال عن حرك00ة وال حركة
مثالً ،الستحالة ارتفاع النقيضين ،وقوله “ :ال عدم ق00ديم “ رد لق00ولهم :ال نس00لم ح00دوث
الع00رض لج00واز أن يك00ون ق00ديما ً وينع00دم ،ودلي00ل أن الق00ديم ال ينع00دم :أن الق00ديم ال يك00ون
وجوده إال واجبا ً ،فال يقبل العدم ،وقوله “ الحنا “ منتحت من قولنا :حوادث ال أول لها،
وهو رد لقولهم :ال نسلم أن مالزم الح00ادث ح00ادث لج00واز أن تك00ون األع00راض ح00وادث ال
أول لها فيكون مالزمها قديماً ،ودليل أن00ه ال ح00وادث ال أول له00ا :أن00ه حيث ك00انت ح00وادث
لزم أن يكون لها أول ،فيلزم على قولهم “ حوادث ال أول له00ا “ التن00اقض ،ومم00ا يبطل00ه
برهان القطع والتطبيق وهو مبسوط في غير هذا المحل ،وهذه المطالب السبعة ال يعرفها
إال الراسخون في العلم ،قال السنوسي :وبها ينجو المكلف من أبواب جهنم السبعة.
إلى موجد والموجد ال يمكن أن يوجده حال وجوده ،وإال لكان إيجاداً للموجود ،وهو محال فيل00زم
أن يوجد حال ال وجوده ،فيكون وجوده مسبوقا ً بعدمه ،وذلك حدوثه وهو المطلوب.
-7قال السبكي :وأما أه0ل الح0ديث 0فق0د ثبت عن عم0ران بن الحص0ين رض0ي هللا تع0الى
عنه أن رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم قال( :ك00ان هللا وال ش00يء قبل00ه) وفي طري00ق:
(وال شيء غيره) ،وفي طريق( :وال شيء معه) ،وقد ثبت اإلجماع 0،بل إجم00اع الكتب 0الس00ماوية
كلها عليه كما نقله الفخر في شرح عيون الحكمة ،وجعل العمدة في هذه المسألة 0اإلجماع.
نقل كالم السبكي هذا الزبيدي في شرح اإلحياء.)3/194( 0
1ال حاجة إلى القول بالطي 0،بل ما يلي لكن هو الصغرى.
79
1قوله" :والحاصل ..إلخ" هذا الحاص0ل وإن ك0ان ص0حيحاً 0في نفس0ه فال يناس0ب كالم
المص00نف ،ب00ل المناس00ب 0لكالم المص00نف أن يس00تدل أوالً على ح00دوث األع00راض ،ثم بح00دوث
األعراض على أن الع00الم بمع00نى األج00رام يج00وز علي0ه 0الع00دم ،ثم بج00واز عدم00ه على حدوث00ه ،ثم
بحدوثه على أنه يحتاج إلى محدث ،فيحتاج حينئذ إلى أربعة أقيسة ،بيانه 0ا 0أن يق00ال :األع00راض
شوهد تغيرها من وجود إلى عدم وعكسه ،وك00ل م00ا ك00ان ك00ذلك فه00و ح00ادث ،ينتج أن األع00راض
حادثة ،ثم يقال :العالم 0بمعنى األجرام مالزم لألعراض 0الحادث00ة 0،وك00ل م00ا ك00ان ك00ذلك فه00و ج00ائز
العدم ،ينتج العالم يجوز عليه الع00دم ،تؤخ00ذ ه00ذه النتيج00ة وتجع00ل ص00غرى ،قي00اس ث00الث تقري00ره
هكذا :العالم يجوز عليه العدم ،وكل ما ك0ان ك0ذلك اس0تحال قدم0ه وثبت حدوث00ه ،ينتج :أن الع00الم
استحال قدمه وثبت حدوثه ،تؤخذ هذه النتيجة 0وتجعل صغرى ،قي00اس راب00ع نظم00ه هك00ذا :الع00الم
استحال قدمه وثبت حدوثه وكل ما ك00ان ك00ذلك فال ب00د ل00ه من مح00دث ينتج أن الع00الم الب00د ل00ه من
محدث وهذا هو المقصود بالنظر وإنما قلنا ذل00ك ألن المص00نف جع00ل األع00راض 0دال00ة على ج00واز
العدم ال على الحدوث ،حيث قال :لكن به قام دليل العدم .أجهوري
وقوله أيضا ً "والحاصل … إلخ" تلخص من كالمه هنا أن األعراض باعتب00ار 0ح00دوثها
دالة على حدوث األجرام الدال على أنها ..أي األجرام ..الب00د له00ا من مح00دث ،وذك00ر عن00د قول00ه
"تجد به صنعاً" أن األعراض تدل على كمال الص00انع وعم00وم علم00ه وإرادت00ه من جه00ة إتقانه00ا
إتقاناً 0بديعاً ،فلألعراض جهتان 0:جهة حدوثها ،وجهة إتقانها ،ولهذا تعددت داللتها .أجهوري.
2أي عدم قيام العرض بنفسه.
3الالحركة هو السكون ،ولم يعبر به لئال يتوهم وجود حالة ثالثة 0متوسطة بين الحركة
والسكون.
80
{ -41اإليمان هو التصديق القلبي}
الخ ْلفُ بالتحقيق
سر اإليمان بالتصديق ##والنطق فيه ُ -18وفُ ِّ
(قول000ه وفس000ر اإليم000ان ..إلخ) لم000ا ك000ان اإليم000ان واإلس000الم باعتب000ار متعل000ق
مفهوميهما -1وهو ما علم من الدين بالضرورة من مب00احث علم الكالم كم00ا يعلم من قول00ه
فيما ي00أتي “ :ومن المعل00وم ض0رورة جح0د “ -ذكرهم0ا المتكلم00ون في علم الكالم ،2لكن
اختلف00وا 0في وض00عهما ،فأخرهم00ا ق00وم عن اإللهي00ات والنبوي00ات والس00معيات ،وق00دمهما
آخرون الحتياج الخائض في تلك المباحث إليهما ،وقد سلك المصنف هذا الطريق ،فل00ذلك
ق00ال “ وفس00ر اإليم00ان … إلخ “ ببن00اء الفع 0ل 0للمفع00ول للعلم بفاعل00ه ،واألص00ل :وفس00ر
جمه00ور األش00اعرة والماتريدي00ة وك00ذا غ00يرهم من المعتزل00ة كالص00الحي وابن الراون00دي.
واعلم أن اإليمان على خمسة أقس0ام :إيم0ان عن تقلي0د ،وه0و اإليم0ان الناش0ئ عن األخ0ذ
بقول الش0يخ من غ0ير دلي0ل؛ وإيم0ان عن علم ،وه0و اإليم0ان الناش0ئ عن معرف0ة العقائ0د
بأدلتها؛ وإيمان عن عيان ،وهو اإليمان الناشئ عن مراقب00ة القلب هلل بحيث ال يغيب عن00ه
طرفة عين؛ وإيمان عن حق ،وهو اإليمان الناشئ عن مش00اهدة هللا ب00القلب؛ وإيم00ان عن
حقيقة ،وهو اإليمان الناشئ عن كونه ال يش00هد إال هللا ،فالتقلي00د للع00وام ،والعلم ألص00حاب
األدلة ،والعيان ألهل المراقبة ،ويس00مى مق00ام المراقب00ة ،والح00ق للع00ارفين ،ويس00مى مق00ام
المشاهدة ،والحقيقة 0للواقفين ،ويسمى مقام الفناء ألنهم يفنون عن غير هللا وال يشهدون
إال إي00اه ،وأم00ا حقيق0ة 0الحقيق00ة فهي للمرس00لين ،وق00د منعن00ا هللا من كش00فها فال س00بيل إلى
بيانها.3
1زاد المفهوم بناء على أنه أراد باإليمان 0واإلسالم لفظيهما وكان األولى إسقاطه.
2أي ذكروا تعريفهما فيه م00ع أن00ه ليس من علم العقائ0د 0والكالم ،ألن ه00ذه العلم عب00ارة
عن العلم بالعقائد اإلسالمية عن أدلتها السمعية أو العقلية.
3لعل الصواب :قد منعنا هللا من الوقوف عليها 0فال سبيل إلى معرفتها.
81
{تنبي00ه} الم00ؤمن إذا ن00ام أو غف00ل أو ُجن أو أغمي علي00ه أو م00ات متص00ف جزم 0ا ً
باإليمان حكما ً فتجري عليه أحكام 0اإليمان في هذه األحوال ،ذكره المصنف في كب0يره كم0ا
أفاد العالمة الشنواني.
(قوله بالتصديق) أي التصديق المعهود شرعاً ،وهو تصديق النبي صلى هللا عليه
وآله وسلم ،في كل ما جاء به وعلم من ال00دين بالض00رورة :أي علم من أدلة1ال00دين بش00به
الضرورة ،فهو نظري في األصل ،إال أنه لما اشتهر صار ملحقا ً بالضروري بجامع الجزم
في ك0ل من الع0ام والخ0اص 2من غ0ير قب0ول للتش0كيك ،والم0راد بتص0ديق الن0بي في ذل0ك:
اإلذعان لما جاء به والقبول له ،وليس المراد وقوع نسبة الصدق إليه في القلب من غير
إذعان وقبول له حتى يلزم الحكم بإيمان كثير من الكفار الذين كانوا يعرفون حقي00ة نبوت00ه
0اب يَ ْع ِرفُونَ 0هُ َك َم00ا يَ ْع ِرفُ00ونَ
ورس00الته ،ومص00داق ذل00ك قول00ه تع00الى( :الَّ ِذينَ آتَ ْينَ00ا ُه ُم ا ْل ِكتََ 0
أَ ْبنَا َءهُم) (البقرة :من اآلية )146قال عبد هللا بن سالم :لقد عرفته حين رأيته كما أع00رف
ابني ومعرفتي لمحمد أشد 3اهـ.
{ -42اإليمان باألنبياء والمالئكة إجماال وتفصيال }
ويكفي اإلجمال فيما يعتبر التكليف به إجماالً :كاإليمان بغ00الب األنبي00اء والمالئك00ة،
وال بد من التفصيل فيما يعتبر التكليف به تفصيالً كاإليمان بجمع من االنبي00اء والمالئك00ة،
فالجمع الذي يجب معرفتهم تفصيالً من األنبياء خمس00ة وعش00رون ،وق00د نظم00وا في ق00ول
بعضهم:
حتم على كل ذي تكليف معرفة ##بأنبيا َء على التفصيل قد عُلموا
في “ تلك جحتنا “ 4منهم ثمانية ##من بعد عشر ويبقى سبعة وهمو
إدريس هود شعيب صالح وكذا ##ذو الكفل 0آدم بالمختار قد ختموا
فه00ؤالء الم0ذكورون في الق0رآن المتف0ق على نب0وتهم ،وأم0ا المختل0ف في نب0وتهم
فثالثة :ذو القرنين ،والعزيز ،ولقم00ان ،وأم00ا الخض00ر فلم يص00رح باس00مه في الق00رآن وإن
كان هو المراد في آية (عبداً من عبادنا) (الكهف )65 :وكذلك يوشع بن نون فتى موس0ى
لم يصرح باسمه في القرآن ،ومعنى كون اإليمان واجبا ً بهم تفصيالً :أنه لو عرض علي00ه
واحد منهم لم ينكر نبوته وال رس00الته ،فمن أنك00ر نب00وة واح00د منهم أو رس00الته كف00ر ،لكن
1قوله أي علم من أدلة الدين ..إلخ واألولى أن يقال في معنى قولهم :معلوم من الدين
بالضرورة :إن كونه من الدين وجزءاً من اإلسالم معلوم بالضرورة بحيث ال يتشكك أحد في أن00ه
جزء من الدين.
2أي من عوام المؤمنين وخواصهم.
-3قال السيوطي في الدر المنثور ( :)1/147أخرجه الثعلبي 0من طريق السدي الصغير
عن الكلبي.
-4هذا إشارة إلى اآليات 0التالية 0من س00ورة االنع00ام (وتل00ك حجتن00ا آتيناه0ا 0إب00راهيم على
قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك عليم حكيم صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ووهبن0ا 0ل00ه إس00حق
ويعقوب كال هدينا ونوح0ا ه0دينا 0من قب0ل ومن ذريت0ه داود وس0ليمان 0وأي0وب ويوس0ف وموس0ى
وهارون وكذلك نجزي المحسنين 0صلى هللا عليه وآله وسلم وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس ك00ل
من الصالحينص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم وإس00ماعيل واليس00ع وي00ونس ولوط00ا وكال فض00لنا على
العالمين) ()85-83
82
العامي ال يحكم عليه بالكفر إال إن أنكر بعد تعليمه ،وليس المراد أنه يجب حف00ظ أس00مائهم
خالفا ً لمن زعم ذلك .والجمع الذي يجب معرفت00ه تفص00يالً من المالئك00ة :جبري00ل وميكائي00ل
وإسرافيل وعزائيل ورضوان خازن الجنة ومالك خازن النار ورقيب وعتيد 1فيكف00ر منك00ر
شيء من ذلك ،وأما منكر ونكير فال يكفر منكرهما ،ألنه اختلف في أصل الس00ؤال ،ويجب
اإليمان بحملة العرش والحافين به إجماالً كسائر المالئكة ،والتفصيلي أكمل من اإلجمالي
من حيث التفص00يل ،وإال فه00و مثل00ه من حيث الخ00روج من عه00دة التكلي00ف بك00ل منهم00ا،
وبالجمل00ة فاإليم00ان ش00رعا ً ه00و التص00ديق بجمي00ع م00ا ج00اء ب00ه الن00بي مم00ا علم من ال00دين
بالضرورة :إجماالً في اإلجمالي ،وتفصيالً في التفصيلي ،وأما لغة فهو مطل00ق التص00ديق،
ومنه قوله تعالى($ :وما أنت بمؤمن لنا) (يوسف )17 :أي بمصدق
{ -43الخالف في النطق بما يدل على التصديق القلبي }
(قوله والنطق فيه الخلف) أي وفي النطق بالش00هادتين للمتمكن من00ه وه00و الق00ادر
علي00ه -في جه00ة اعتب00ار مدخليت00ه في اإليم00ان -االختالف بين العلم00اء ،وس00يأتي تفص00يله
عقبه ،فحذف المصنف المنطوق به وهو قوله :أشهد أن ال إل00ه إال هللا وأش00هد أن محم00داً
رسول هللا ،كما سيصرح به في قوله “ :وج00امع مع00نى ال00ذي تق00ررا ش00هادتا اإلس00الم “ .
وخرج بالمتمكن –الذي هو القادر -األخرس ،فال يطالب بالنطق كمن اخترمته المنية قب00ل
النطق به من غير تراخ ،فهو م00ؤمن عن00د هللا ح00تى على الق00ول ب00أن النط00ق ش00رط ص00حة
وش00طر ،بخالف من تمكن وف0رط ،وموض00وع ه00ذا الخالف ك00افر أص00لي يري00د ال00دخول في
اإلسالم .وأما أوالد المسلمين فمؤمنون قطع0ا ً “ وتج00ري عليهم األحك00ام الدنيوي0ة ول0و لم
ينطقوا بالشهادتين طول عمرهم “ .2
1كان على الشارح 0أن يقول :وملك اليمين وملك الشمال وذلك ألن رقيبا ً وعتي00داً ليس0ا0
علمين لكل واحد من الملكين 0الموكلين باإلنسان لكتابة أعماله ،بل هما وصفان لكليهما ،ومع00نى
اآلية (ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد) (ق )18:أن لدي00ه مل00ك يرقب00ه حاض00ر عن00ده ال يغيب
عنه .وهللا أعلم .وسيأتي هذا عن الشارح عند الكالم على قول المصنف:
بكل عبد حافظون وكلوا ##وكاتبون 0خيرة لن يهملوا
حيث قال على قوله :كاتبون :والمراد بالجمع ما فوق الواحد ،ألن كل واح00د من العب00اد
إنما عليه ملكان وكل منهما رقيب ،أي حافظ ،وعتيد ،أي حاضر ،ال كما قد يتوهم من أن أحدهما
رقيب ،واآلخر عتيد.
2هذا خارج عن محل النزاع فإن محله هو اإليمان المنجي في اآلخرة ،فك0ان علي0ه 0أن
يقول :فهم من أهل النجاة من الخلود في النار 0،ولو لم ينطقوا بالشهادتين 0طول عمرهم.
83
رجوعه عنه ،ولو أتى بالشهادتين بالعجمية صح إسالمه وإن أحسن العربي00ة ،وم00ا تق00دم
من الش00روط مب00ني على المعمت00د في م00ذهبنا معاش00ر الش00افعية ،وب00ه ق00ال ابن عرف00ة من
المالكية حيث قال :ال بد أن يق00ول :أش00هد أن ال إل00ه إال هللا وأش00هد أن محم00داً رس00ول هللا،
وخالف األُب ّي شيخه ابن عرفة فقال :ال يتعين ذلك بل يكفي كل ما ي00دل على اإليم00ان ،فل00و
قال :هللا واحد ومحمد رسول ،كفى ،ونحو ما قاله األبي لبعض من الشافعية وهو العالم0ة
ابن حجر ،وللنووي ما يوافقه أيضاً ،فيكون في المس00ألة ق00والن أله00ل ك00ل من الم00ذهبين.
قال المصنف في شرحه :وأولهما أولى بالتعويل( 1قوله ب00التحقيق) أي ملتبس 0ا ً ب00التحقيق
الذي هو إثبات الشيء بالدليل ،فالمعنى ملتبسا ً باإلثب00ات باألدل00ة القائم00ة على دع00وى ك00ل
من الفريقين ،أو الذي هو ذكر الشيء على الوجه الحق؛ فالمعنى ملتبسا ً بذكر ك00ل فري00ق
مدعاه على الوجه الحق عنده.
1أقول :إذا كان اإلذعان القلبي 0لما جاء به الرسول ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم كافي0ا ً
في صحة اإليمان فيما بين العبد وبين هللا تعالى 0وهو الذي عليه المحقق00ون ،فينبغي أن يكفي في
صحة اإليمان إلجراء األحكام الدنيوية ما دل على هذا اإلذعان من اللفظ أي لفظ كان ،وبأي لغ00ة
كان.
2
الكاف استقصائية.
84
وفهم األقل أن مرادهم أنه شرط في صحة اإليمان وه00ذا الق00ول ك00القول بالش00طرية
في الحكم ،وإنم00ا الخالف بينهم00ا في العب00ارة ،والق00ول األول ه00و ال00راجح ،والنص00وص
بحسب المتبادر منها مقوية للقول بالشرطية دون الشطرية ،كقوله تعالى “ :أولئ00ك كتب
في قلوبهم اإليمان “ (المجادلة )33 :أي أثبته في قلوبهم :وقول00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم في دعائه “ :اللهم ثبت قلبي على دينك “ ).1
(قوله :كالعم00ل) أي في مطل00ق الش00رطية وإن اختلفت جه00ة الش00رطية في المش00به
والمشبه به ،ألن السابق إما شرط إلجراء األحكام الدنيوية أو لصحة اإليمان على ما مر،
وهذا شرط كمال على المختار 2عند أهل السنة ،فمن أتى بالعمل فقد حصل الكم00ال ،ومن
ترك00ه فه00و م00ؤمن ،لكن00ه فّ 0وت على نفس00ه الكم00ال إذا لم يكن م00ع ذل00ك اس00تحالل أو عن0اد
للشارع أو شك في مشروعيته ،وإال فهو كافر فيما علم من الدين بالضرورة.
{ -46مذهب المعتزلة والخوارج في العمل }
ق
وذهبت المعتزلة إلى أن العمل شطر من اإليمان ،ألنهم يقولون بأنه العم ُل والنط ُ
واالعتقادُ؛ فمن ترك العم00ل فليس بم00ؤمن لفق00د ج00زء من اإليم00ان وه00و العم00ل ،وال ك00افر
لوجود التصديق ،فه00و عن00دهم منزل00ة بين المنزل00تين أي بين الم00ؤمن والك00افر ويخل00د في
النار ويعذب بأقل من عذاب الكافر ،والخوارج يكفرون مرتكب الكبائر.
{ -47االستدالل لمذهب أهل السنة }
وإنما كان المختار هو األول ألن اإليمان في اللغة التص00ديق ،فيس00تعمل ش00رعا ً في
تصديق خاص ،وال دليل على نقله للثالثة كما زعمه المعتزل00ة ،وق00د دلت النص00وص على
ثبوت اإليمان قبل األوامر والنواهي ،وعلى أن اإليمان والعم00ل الص00الح متغ00ايران ،وعلى
أن اإليمان والمعاصي يجتمعان ،كقوله تعالى( :ي0ا أيه0ا ال0ذين آمن0وا كتب عليكم الص0يام)
(البقرة )183 :فإنه يفيد ثبوت اإليمان قبل األمر بالص0وم ،وكقول00ه تع0الى( :ال00ذين آمن0وا
وعملوا الصالحات) (العصر )3 :فإن أصل العطف للمغايرة ،وكقوله تعالى( :الذين آمن00وا
ولم يلبس00وا إيم00انهم بظلم) (األنع00ام )83 :بن00اء على أن الم00راد من الظلم المعص00ية فق00د
اقتضى بمفهومه اجتم00اع اإليم00ان م00ع الظلم بمع00نى المعاص00ي على م00ا علمت ،وقي00ل :إن
المراد به الشرك لما روي أن اآلية لما نزلت شق ذلك على الصحابة ،وقالوا :أينا لم يظلم
نفسه ،فقال صلى هللا عليه وآله وسلم( :ليس كما تظنون إنما هو كم00ا ق00ال لقم00ان البن00ه:
(يا بني ال تشرك باهلل إن الشرك لظلم عظيم) (لقمان .3)13 :وعليه فمفهوم اآلية من باب
(وما يؤمن أكثرهم باهلل إال وهم مشركون) (يوسف )106 :فيكون المراد باإليمان مطل00ق
التصديق
1أخرجه الترمذي من حديث أنس ( )2654وق00ال :ح0ديث حس0ن وابن ماج00ة ()3834
وله شاهد عند مسلم (.)2654
2كان األولى إسقاط قوله( :على المختار).
3أخرجه البخاري ( )6937ومسلم ( )124من حديث عبد هللا بن مسعود.
85
(قوله :وقيل ب00ل ش00طر) أي وق00ال ق00وم محقق00ون كاإلم00ام أبي حنيف00ة وجماع00ة من
األشاعرة :ليس اإلقرار بالشهادتين شرطا ً بل هو شطر ،فيكون اإليمان عند ه00ؤالء اس00ما ً
لعملي القلب واللس00ان جميع0ا ً وهم00ا التص0ديق واإلق00رار ،واع00ترض على ه00ذا الق0ول ب00أن
اإليمان يوجد في المعذور كاألخرس ،والشيء ال يوجد بدون شطره .وأجيب عن ذلك بأنه
ركن يحتمل الس00قوط كم00ا فيمن ذك00ر ،وأم00ا التص00ديق فإن00ه ركن ال يحتم00ل الس00قوط وه00ذا
القول كالقول بأنه شرط صحة ،فمن صدق بقلبه ولم يتفق له اإلقرار في عمره ال مرة وال
أكثر من مرة مع القدرة على ذل00ك ال يك00ون مؤمن0ا ً ال عن00دنا وال عن00د هللا تع00الى ،وك00ل من
القولين المذكورين ضعيف ،والمعتمد أنه شرط إلج0راء األحك0ام الدنيوي0ة فق0ط ،وإال فه0و
مؤمن عند هللا تعالى كما مر.
{فائدة} الصواب أن اإليم00ان مخل00وق ،ألن00ه إم00ا تص00ديق بالجن00ان ،أو م00ع اإلق00رار
باللسان ،وكل منهما مخلوق ،وما يقال من أن0ه ق0ديم باعتب0ار الهداي0ة خ0روج عن حقيق0ة
اإليمان على أن الهداية حادثة ،1نعم إن التفت للقضاء األزلي صح ذلك
{ -48معنى اإل سالم ،والنسبة بينه وبين اإليمان }
(قوله :واإلسالم اشرحن بالعمل) بنقل حركة الهمزة إلى الالم ثم طرحه00ا لل00وزن،
وهو بالنصب وما بع00ده عامل00ه ،أو ب0الرفع وم00ا بع00ده خ00بره ح00ذف من00ه الض00مير الراب00ط،
والتقدير :واإلسالم اشرحنه بالعمل الصالح ،أي باالمتثال 2لذلك واإلذعان الظ00اهري ل00ه،
سواء عمل أو لم يعمل ،فمعنى اإلسالم شرعا ً 3االمتثال واالنقياد لما جاء به الن00بي ص00لى
هللا عليه وآله وسلم مما علم من الدين بالضرورة؛ وأم00ا معن00اه لغ0ة فه0و مطل00ق االمتث0ال
واالنقي00اد ،وعلى ه00ذا فاإليم00ان واإلس00الم متغ00ايران مفهوم0ا ً أي مع00نى ،وم00ا ص00دقا :أي
أفراداً وإن تالزما شرعا ً باعتبار المحل 4بعد اتحاد الجهة المعتبرة ،5فال يوجد مؤمن ليس
بمسلم وال مس0لم ليس بم0ؤمن ،وال ي0رد من ص0دق واخترمت0ه المني0ة مثالً ،ألن0ه عن0د هللا
مؤمن ومسلم 6وعندنا ليس بمسلم وال م00ؤمن ،ف00التالزم بع00د اتح00اد الجه00ة المعت00برة كم00ا
علمت ،والكالم في اإليم00ان المنجي واإلس00الم ك00ذلك ،وإال فال تالزم ،7ب00ل بينهم00ا العم00وم
والخصوص الوجهي يجتمعان فيمن ص00دق بقلب00ه وانق00اد بظ00اهره ،وينف00رد اإليم00ان فيمن
1ألنها من الصفات 0الفعلية 0هلل تعالى.
2الصواب االنقياد بدل االمتثال 0ألن العمل الصالح ال يمتثل بل يعمل وينقاد ل00ه بقبول00ه.
و كذلك في الموضعين اآلتيين.
3قوله "فمعنى اإلسالم شرعا ً االمتثال ...إلخ" المراد باالمتثال اإلقرار اللساني بجمي00ع
ما جاء به النبي 0صلى هللا عليه وآله وسلم الشامل لثبوت الوحداني00ة هلل وثب00وت الرس00الة لمحم00د
صلى هللا عليه وآله وسلم وغير ذلك من األحك00ام المعلوم00ة من ال00دين بالض00رورة ويحص00ل ذل00ك
اإلقرار بالنطق بالشهادتين ،فعلى كل حال مدار اإلسالم النطق بالشهادتين .أجهوري.
4وهو المؤمن.
5قوله "بعد اتحاد الجهة المعتبرة "المراد بالجه00ة المعت00برة :التقيي00د بم00ا عن00د هللا أو
بما عندنا .أجهوري.
6قول00ه "ومس00لم" بمع00نى أن هللا يعامل00ه معامل00ة المس00لمين وليس الم00راد أن00ه مس00لم
حقيقة ،ألن الفرض 0أنه لم يقع منه إسالم .أجهوري.
86
ص00دق بقلب00ه فقط ،1واإلس00الم فيمن انق00اد بظ00اهره فق00ط ،وه00ذا م00ا ذهب إلي00ه جمه00ور
األشاعرة ،وذهب جمه0ور الماتريدي0ة والمحقق0ون من األش0اعرة إلى اتح0اد مفهوميهم0ا،
وظاهره أن الخالف حقيقي ،والتزمه بعضهم قائالً ب00أن مع00نى اإلس00الم اإلذع00ان الب00اطني،
الم) [الزم00ر :من اآلية ]22واألول00ون يجيب00ون ب00أن ص ْ 0د َرهُ لِإْل ِ ْ
سِ 0 ب00دليل (أَفَ َمنْ َ
ش َ 0ر َح هَّللا ُ َ
المع0نى :أفمن ش0رح هللا ص0دره لقب0ول اإلس0الم ،وإن ك0ان ادع0اء الح0ذف خالف األص0ل،
وعلى هذا فالنطق دليل عليهما ،والعمل كمال لهما ،وبعضهم جعل الخالف لفظي0ا ً باعتب00ار
المآل فحمل القول باتحاد مفهوميهما على معنى أن كل من اتصف بأح00دهما فه00و متص00ف
باآلخر شرعا ً وإن تغ00ايرا مع00نى ،وحم00ل الق00ول بتغ00اير مفهوميهم00ا على أنهم00ا متغ00ايران
معنى وإن اتحدا محالً ،فآل األمر إلى أنهما متغايران معنى وأفراداً باتفاق ،فمعنى اإليمان
التصديق الباطني ،وأفراده تصديقات كتصديق زيد وتصديق عمرو وتصديق بكر وهك00ذا،
ومعنى اإلسالم االنقياد وأفراده انقيادات كانقياد زي0د وانقي0اد عم0رو وانقي0اد بك0ر وهك0ذا،
2
وأما محلهما فهو واحد فكل محل ألحدهما محل لآلخر وبالعكس
مثال هذا الحج والصالة ##كذا الصيام فادر والزكاة -20
(قوله :مثال ه00ذا ..إلخ) ه00ذا من ب00اب تنزي00ل الجزئي00ات على الكلي00ات ،ول00ذا ع00بر
بالمثال الذي هو جزئي يذكر إليضاح القاعدة ،3واسم 0اإلشارة عائد على العمل الذي فس00ر
به اإلسالم وقد ترك المصنف أحد األركان الخمسة وهو النط00ق بالش0هادتين ،وإنم0ا ترك00ه
لتقدم بيانه كما يفيده كالم الشارح ،لكن قد يق0ال إن0ه س0بق من حيث مدخليت0ه في اإليم0ان
وهذا غير المراد هنا.
واعلم أن المدار في اإلسالم على اإلذعان 4للمذكورات وهذا ظاهر في غير النطق،
وأما هو فال بد من حصوله ،ثم هو يفي00د اإلذع00ان له 5ولغ00يره ض00رورة أن ذلك 6ال يخ00رج
عن اإلذعان برسالة سيدنا محمد صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم ،فبالجمل00ة كلم00ة الش00هادتين
تكفي عن نفسها وغيرها ،فهي كالشاة في األربعين تزكي نفسها وغيرها
7أي وإن لم يؤخذ اإليم0ان 0واإلس0الم المنجي00ان ب0ل أخ0ذ أعم من المنجي وغ0يره وليس
المراد أنه أخذ غير المنجي وإال فال يصح الكالم اآلتي.
1على قول من لم يجعل النطق شرطا ً وال شطراً وإال فال يوجد إيمان 0بدون إسالم.
2قوله :وبالعكس :ليس له محل هنا .بعد قوله :فكل محل ألحدهما محل لآلخر.
3األولى :إليضاح الكلي ،ألن الممثل له هنا هو العمل وه00و ليس بقاع00دة ،ب00ل كلي كم00ا
أن القاعدة كلية.
4على اإلذعان ..إلخ" أي الظاهري وهو اإلقرار اللساني 0بوجوب المذكورات.
5قوله" :هو يفيد اإلذعان ل00ه" أي لإلق00رار اللس00اني 0بم00دلول الش00هادتين :وه00و ثب00وت
الوحدانية هلل وثبوت الرسالة 0المحمديةصلى 0هللا عليه وآله وسلم.
6قوله" :أن ذل0ك … إلخ" أي اإلذع0ان بغ0ير النط0ق بالش0هادتين ،والم0راد أن النط0ق
بالشهادتين 0يفيد اإلقرار بمدلولها ص00راحة ويفي00د اإلق00رار بغ00ير ذل00ك لزوم0اً ،إذ من الزم اإلق00رار
بالرسالة اإلقرار بما جاء به الرسول صلى هللا عليه 0وآله وسلم.
87
(قوله :الحج) قدم0ه لض0رورة النظم وإن ك0انت الص0الة أفض0ل من0ه ،ف0إن بعض0هم
يُكفِر بتركها كسالً بعد أمر اإلم00ام ،7ب00ل الص00يام أفض00ل من الحج على المعتم00د ،وه00و لغ00ة
مطلق القصد ،وشرعا ً قصد الكعبة للنسك المشتمل على الوقوف بعرف00ة ،وق00د اختل00ف في
(وهَّلِل ِ َعلَى النَّا ِ
س ِح ُّج أي س00نة ف0رض؟ فقي00ل :ف00رض قب00ل الهج00رة .ون00زول قول00ه تع00الىَ :
ت… ).اآلي00ة (آل عم00ران :من اآلية )97بع00دها إنم00ا ه00و للتأكي00د؛ وقي00ل :ف00رض بع00د ا ْلبَ ْي ِ
الهج0رة ،وعلي0ه فقي00ل في الخامس0ة ،وقي00ل :في السادس00ة وص0ححه الش00افعية وقي0ل :في
السابعة ،وقيل :في الثامنة ،وقيل :في التاسعة وصححه ابن الكمال،
وسئل الشبراملسي عن قول الش0خص لمن لم يحج :ي0ا ح0اج فالن تعظيم0ا ً ل0ه ه0ل
يحرم أو يجوز؟ فأجاب بالتحريم :ألن00ه ك00ذب ،نعم إن قص00د المع00نى اللغ00وي ك00أن أراد :ي00ا
قاصد التوجه إلى كذا جاز
(قول00ه :والص00الة) هي لغ00ة ال00دعاء مطلق0اً ،وقي00ل :بخ00ير ،وش00رعا ً أق00وال وأفع00ال
2
مفتتح00ة ب00التكبير مختتم00ة بالتس00ليم بش00رائط مخصوص00ة ،وهي إم00ا م00أخوذة من الوصل
ألنها وصلة بين العبد وربه ،وإم00ا م00أخوذة من “ ص00ليت الع00ود بالن00ار “ إذا قومت00ه به00ا
الص00الةَ تَ ْن َهى
َّ ألنها تقيم العبد على طاعة هللا تعالى وتنهاه عن خالفه ،قال هللا تعالى( :إِنَّ
ش 0ا ِء َوا ْل ُم ْن َكِ 0ر) (العنكب00وت :من اآلية )45وق00د روى أن ف00تى من األنص00ار ك00ان
ع َِن ا ْلفَ ْح َ
يص00لي الص00لوات الخمس م00ع رس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم وال ي00دع ش00يئا ً من
الفواحش إال ارتكبه ،فوصف لرسول هللا صلى هللا عليه وآله وس00لم فق00ال ص00لى هللا علي00ه
وآله وسلم(:إن صالته ستنهاه يوما ً ما) فلم يلبث أن تاب وحسنت توبت00ه ،فق00ال ص00لى هللا
عليه وآله وسلم( :ألم أقل لكم ،إن ص00الته س00نتهاه يوم0ا ً م00ا) 3وق00ال بعض المفس00رين“ :
الصالة عرس الموحدين فإنه يجتمع فيها ألوان العبادة ،كما أن العرس يجتمع فيه أل00وان
الطعام ،فإذا صلى العبد ركعتين يقول هللا تعالى “ :عبدي مع ض0عفك أتيت ب0ألوان العب00ادة
قيام00ا ً وركوع00ا ً وس00جوداً وق00راءة وتهليالً وتحمي00داً وتكب00يراً وس00الما فأن00ا م00ع جالل00تي
وعظمتي ال يجمل مني أن أمنعك جنة فيه00ا أل00وان النعيم ،أوجبت ل00ك الجن00ة بنعيمه00ا كم00ا
عب00دتني ب00ألوان العب00ادة ،وأكرم00ك برؤي00تي كم00ا عرفت00ني بالوحداني00ة ،ف00إني لطي00ف أقب00ل
عذرك ،وأقبل الخير منك برحمتي فأنا أجد من أعذبه من الكف00ار بالن00ار وأنت ال تج00د إله0ا ً
7قوله :بعد أم0ر اإلم0ام :ال وج0ه له0ذا القي0د ،فإن0ه ال يج0ري على ق0ول من األق0وال في
المسألة.
2
قوله :وهي إما مأخوذة من الوصل :ال وجه لهذا بعد قول00ه :هي لغ00ة ال00دعاء إلخ ألن
هذا صريح في أن الصالة بالمعنى الشرعي 0مأخوذة من الصالة بمعنى الدعاء وقوله إما مأخوذة
من صليت العود بالنار 0:يض00عفه أن الظ00اهر 0أنه00ا منقول00ة من الص00الة بمع00نى ال00دعاء الش00تمالها0
عليه ،وهللا أعلم.
3ذكره الزيلعي 0في تخ00ريج األح0اديث 0واآلث0ار 0الواقع00ة في الكش00اف ( -3/64رقم )954
وذكره البغوي في تفسيره ( )3/469والقرط00بي 0في تفس00يره ( )3/230عن أنس بن مال00ك ب0دون
سند ،وقريب منه ما أخرجه ابن حبان 0في صحيحه في الصالة فصل في قي00ام اللي00ل رقم ()2560
عن أبي هريرة قال :قيل :يا رسول هللا إن فالنا ً يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق ،قال( :س00ينهاه
ما تقول).
88
غيري يغفر سيئاتك ،عندي لك بكل ركعة قصر في الجنة وحوراء ،وبكل سجدة نظرة إلى
وجهي “
واعلم أن الصالة فرضت قبل الهجرة بس00نة ،واألرجح أن00ه لم يف00رض علي00ه ص00لى
هللا عليه وآله وس00لم قبله00ا ص00الة ،وقي00ل :ك00ان ال00واجب قبله00ا ركع00تين بالغ00داة وركع00تين
بالعشي ،ثم فرضت الصلوات الخمس ليلة اإلسراء
(قول0ه :ك0ذا الص0يام) أي مث00ل م0ا ذك00ر من الحج والص00الة في كون00ه مث00االً للعم0ل:
الصيام ،وهو –لغة -اإلمس00اك ول00و عن نح00و الكالم ،ومن00ه قول00ه تع00الى حكاي00ة عن م00ريم
ص ْوماً) (م00ريم :من اآلية ،)26وش00رعاً :اإلمس00اك عن عليها السالم( :إِنِّي نَ َذ ْرتُ لِل َّر ْح َم ِن َ
المفط00ر جمي00ع النه00ار على وج00ه مخص00وص ،وف00رض في ش00عبان في الس00نة الثاني00ة من
الهجرة ،وهل كان قبله ص00وم واجب ونس00خ أوال؟ ق00والن ،وعلى األول فقي00ل :عاش00وراء،
وقيل :ثالثة أيام من كل شهر ،وقيل :ثالثة أيام من كل شهر وعاشوراء.
واعلم أنه عليه الصالة والسالم صام تسع رمضانات ولم يكمل له إال س00نة واح00دة
على المعتمد وقال الدميري :إال اثنتان ،وقال غيره :إال خمس.
(قوله :فادر) أي اعلم ،من الدراية ،وهي العلم ،والمخاطب بذلك كل من من يت0أتى
منه الدراية والعلم.
(قوله :والزكاة) هي اس00م مص00در بمع00نى التزكي00ة؛ وهي لغ00ة :التطه00ير ،والم00دح،
والنماء ،وشرعا ً :إخراج جزء من المال على وجه مخصوص؛ هذا إذا كانت بمعنى الفعل
كما هنا ،وإن كانت بمعنى القدر المخ00رج قلت :هي اس00م لم00ال مخص00وص يؤخ00ذ من م00ال
مخصوص على وجه مخصوص يصرف لطائفة مخصوص00ة؛ وفرض00ت في الس00نة الثاني00ة
من الهجرة بعد زكاة الفطر ،وقيل :في غيرها ،فقيل :في الرابعة ،وقيل :قبل الهجرة.
89
{ -49هل يزيد اإليمان وينقص }
و ُر ِّج َحتْ زيادة اإليمان ##بما تزيد طاعة اإلنسان -21
ونقصه بنقصها وقيل :ال ##وقيل الخلف كذا قد نقال -22
(قوله ورجحت زيادة اإليمان … إلخ) تقدم أن العم0ل من كم0ال اإليم0ان عن0د أه0ل
السنة ،وقد ذكر المصنف هنا أنه يزي00د بزيادت00ه وينقص بنقص00ه فق00ال “ :ورجحت زي00ادة
اإليم00ان “ ..إلخ أي ورجح جماع00ة من العلم00اء وهم جمه00ور األش00اعرة الق00ول بزي00ادة
اإليمان ،ألنه ال معنى لترجيح زيادة اإليمان إال ترجيح 1القول بها ،وقوله:
“ بما تزيد طاعة اإلنسان “ أي بسبب زيادة طاعة اإلنسان ،فالب00اء س00ببية ،و “
ما “ مصدرية ،والطاعة فعل المأمور به واجتناب المنهي عنه.
وقوله “ :ونقصه بنقصها “ أي ورجح الجماعة المتقدمون القول بنقص اإليمان
بسبب نقص الطاعة ،وهذا بالنظر للشأن ،2وإال فقد يزيد المولى وينقصه بمحض اختياره
من غير سبب يقتضيه ،وإذا قلنا بأن اإليمان يزيد وينقص ،فمحله في غير إيمان األنبي00اء
والمالئكة ،وأم00ا إيم00ان األنبي00اء فيزي00د ،ألن الكام00ل يقب00ل الكم00ال وال ينقص ،لكن ي00رد أن
األنبياء يحصل لهم تجل عظيم في بعض األحيان كم00ا ك00ان ليل00ة المع00راج ،فاإليم00ان بع00ده
ليس بمنزلته قبله ،ويج0اب ب0أن ه0ذا ال يس0تلزم تفاوت0ا ً في إيم0انهم ،3ومم0ا يش0ير إلى أن
1ألن الزيادة نفسها إما موجودة أو غير موجودة وال يقال إنها راجحة أو غير راجحة.
2أي من شأنه أن يكون كذلك ،والعادة أنه يكون كذلك ال على سبيل اللزوم واالطراد.
3أي إيمانهم وقت التجلي 0وبعده بأن ينقص بعده عما كان عليه وقته بل هو ب00اق بع00ده
على ما وصل إليه وقت التجلي.
90
(ولَ ِكنْ لِيَ ْط َمئِنَّ قَ ْلبِي)إيم00ان األنبي00اء يزي00د ق00ول س00يدنا إب00راهيم علي00ه الص00الة والس00الم َ
(البقرة :من اآلية )260وفي مفاتيح الخزائن العلمية لسيدي علي وفا معنى قول0ه تع0الى:
(أَ َولَ ْم تُ00ؤْ ِمنْ ) (البق00رة :من اآلية )260أولم يكف00ك إيمان00ك (قَ00ا َل بَلَى َولَ ِكنْ لِيَ ْط َمئِنَّ قَ ْلبِي)
(البقرة :من اآلية )260من قلقه لرؤية الكيفية.
ومعنى ما ورد في الصحيح “ نحن أحق بالشك من إبراهيم “ :1إنه لو لحقه ش00ك
لتطرق لنا باألولى نظراً لحال األمة ال لحاله صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم ،أو نظ00راً لحال00ه،
ويكون تواضعا ً.2
وأما إيم00ان المالئك00ة فال يزي00د وال ينقص كم00ا ذك00ره المص00نف في كب00يره عن ابن
القيم ،وه00و المش00هور ،ألن إيم00انهم جبلي بأص00ل الطبيع00ة ،وم00ا ك00ان بأص00ل الطبيع00ة ال
يتفاوت ،وذك0ر الش00يخ عب00د ال0بر األجه0وري أن إيم00ان المالئك0ة يزي00د وال ينقص ،فجعل0ه
كإيمان األنبياء،
فتلخص أن األقسام ثالثة :يزيد وينقص :وهو إيم00ان األم00ة إنس0ا ً وجن0اً ،وال يزي00د
وال ينقص هو إيمان المالئكة على المشهور ،ويزيد وال ينقص وهو إيمان األنبي00اء ،وزاد
بعضهم قسما ً رابعاً :وهو الذي ينقص وال يزيد وهو إيمان الفساق.3
(وقد احتجوا على أن اإليمان يزيد وينقص بحجة عقلية ونقلية،
أما العقلية فهي :أنه لو لم تتف00اوت حقيق00ة اإليم00ان بالزي00ادة والنقص لك00ان إيم00ان
آح00اد األم00ة ب00ل المنهمكين على الفس00ق والمعاص00ي مس00اويا ً إليم00ان األنبي00اء والمالئك00ة،
والالزم وهو المساواة باطل ،فكذا الملزوم الذي هو عدم التفاوت بالزيادة والنقص.
(وإِ َذا
وأما النقلية فهي النصوص الكثيرة الواردة في ه00ذا المع00نى ،كقول00ه تع00الىَ :
تُلِيَتْ َعلَ ْي ِه ْم آيَاتُ00هُ زَا َد ْت ُه ْم إِي َمان00اً) (األنف00ال :من اآلية )2وكقول00ه( :لِيَ ْ
00زدَادُوا إِي َمان00ا ً َمَ 00ع
إِي َمانِ ِه ْم) (الفتح :من اآلية )4وقولهَ ( :ويَ ْزدَا َد الَّ ِذينَ آ َمنُ00وا إِي َمان0اً) (الم00دثر :من اآلية)31
وقوله( :فَأ َ َّما الَّ ِذينَ آ َمنُوا فَزَا َد ْت ُه ْم إِي َماناً) (التوب00ة :من اآلية )124وكقول00ه علي00ه الص00الة
والسالم البن عمر لما سأله :اإليمان يزيد وينقص؟ قال “ :نعم يزيد ح00تى ي00دخل ص00احبه
الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار) 4وقوله علي00ه الص00الة والس00الم( :ل00و وزن إيم00ان
1أخرجه البخاري ( )3372ومسلم ( )151من حديث أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه.
2ليس المقام بمقام التواضع 0،نعم ال يبعد أن يكون قال ذلك قب00ل أن يعلم أن00ه أفض00ل من
إبراهيم عليهما 0الصالة والسالم.
ً ً
3ال وجه لهذا القول فإن إيمان الفاسق قد يزيد رويدا روي00دا ح00تى يخرج00ه عن الفس00ق
إلى العدالة.
4ق00ال ابن القيم في "المن00ار الم00نيف ص :119ك00ل ح00ديث في00ه أن اإليم00ان ال يزي00د وال
ينقص ،كذب مختلق ،وقابل من وضعها طائفة أخرى ،فوضعوا أحاديث على رسول هللا صلى هللا
عليه وآله وس0لم :أن0ه ق0ال :اإليم0ان 0:يزي0د وينقص 0،وه0ذا –أي أن اإليم0ان 0يزي0د وينقص -كالم
صحيح ،وهو إجماع السلف حكاه الشافعي وغيره ،ولكن هذا اللف00ظ ك00ذب على رس00ول هللا ص00لى
هللا علي0ه 0وآل0ه وس0لم .انتهى ،وأخ00رج ابن ماج0ه في مقدم0ة الس0نن 0:رقم ( )75عن أبي هري0رة
وابن عباس وأبي الدرداء رضي هللا عنه قولهم :اإليمان 0يزيد وينقص.
91
أبي بكر بإيمان هذه األمة لرجح به) 1وهذا الحديث ..كاآليات الس00ابقة ..ال ي00دل على أن00ه
ينقص فيضم إلى ذلك “ وكل ما يقبل الزيادة يقبل النقص “ فيتم الدليل ،وأورد على هذه
الضميمة إيمان األنبياء ،وأجيب بأنه خرج لوجوب العصمة الدائمة المانعة من نقصه.2
(قوله وقيل :ال) أي :وق00ال جماع00ة أعظمهم اإلم00ام أب00و حنيف00ة -وه00و النعم00ان بن
ثابت :-ال يزيد وال ينقض ،ألن00ه اس00م للتص00ديق الب00الغ نهاي00ة الج00زم واإلذع00ان ،3وه00ذا ال
يتصور فيه ما ذكر ،ألن تلك النهاية ال مراتب لها ،وبحث فيه بأن التص0ديق م0راتب ،ف0إن
تصديق المقلد ليس كتص00ديق الع00ارف بال00دليل ،وه00و ليس كتص00ديق الم00راقِب وه00و ليس
كتصديق المشا ِهد ،وهو ليس كتصديق المستغ ِرق ،الذي ال يشاهد إال هللا.
وتأول هؤالء الجماعات اآليات السابقة بأن الزي0ادة إنم00ا هي في الم0ؤمن ب0ه ،ألن
الصحابة كانوا آمنوا بما أنزل على النبي صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم وك00انت الش00ريعة لم
تتم ،وكانت األحكام 0تنزل شيئا ً فشيئاً ،فكانوا يؤمن00ون بك00ل م00ا يتج00دد ،وت00أولوا األح00اديث
السابقة بأن الزيادة والنقص يرجع كل منهما إلى األعمال ال التصديق.
ويحتمل أن يكون النفي في كالم المصنف راجعا ً إلى أق00رب م00ذكور وه00و قول00ه“ :
ونقصه بنقصها “ فكأنه قال :وقيل ال ينقص :فيكون مراده به00ذا القي00ل أن اإليم00ان يزي00د
وال ينقص ،كما ذهب إليه الخطابي حيث قال :اإليمان الكامل ثالثة أم00ور :ق00ول ..وه00و ال
يزيد وال ينقص ،وعمل ..وهو يزيد وينقص ،واعتقاد ..وهو يزيد وال ينقص ،فإن نقص
4
ذهب
(قوله وقيل :ال خلف) اس00تئناف ال عط00ف كم00ا قال00ه المص00نف ،ويحتم00ل أن يك00ون
معطوفا ً على مقدر مفهوم 0من السياق ،والتقدير :قد اش00تهر أن بين الق00وم خالف0ا ً حقيقي0اً،
وقيل :ال خلف :5أي وقال جماعة منهم الفخر ال00رازي وإم00ام الح00رمين :ليس الخالف بين
الف00ريقين حقيقي 0ا ً ب00ل لفظي 0اً ،ونفي الخالف على اإلطالق ال يص00ح ،ووج00ه ك00ون الخالف
لفظيا ً :أن القول بأنه يزيد وينقص محمول على ما به كماله وهو األعمال ،والقول بأنه ال
يزي00د وال ينقص محم00ول على أص00له وه00و التص00ديق الب00اطني ،وقول00ه “ :ك00ذا ق00د نقال “
راجع للقيل األخير ال لجميع ما سبق ،وأشار بذلك إلى التبري من عهدة صحة هذا القي00ل،
1أخرجه البيهقي في ش0عب اإليم0ان ( )36من ق0ول عم0ر بس0ند ص0حيح ،وأخرج0ه ابن
عدي في الكامل ( )5/359وفي سنده عيسى بن عبد هللا ضعيف ،وله ش00اهد في الس00نن 0عن أبي
بكرة مرفوعاً :أن رجالً قال :يا رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ،رأيت 0كأن ميزان 0ا ً ن00زل من
السماء ف00وزنت أنت وأب00و بك00ر ف00رجحت أنت ،ثم وزن أب00و بك00ر بمن بقي ف00رجح .الح00ديث انظ00ر
كشف الخفاء (.)3/165
2فيه أن العصة إنما هي عن ال00ذنوب ،والنقص ق00د يك00ون بغ00ير ال00ذنوب كقل00ة العب00ادة،
فاألولى في الجواب إن إيمانهم قابل للنقص 0كإيمان 0آحاد األمة ،إال أن هللا تعالى 0قد أك00رمهم بع00دم
النقص 0،كما هو الحال في كثير من صلحاء 0األمة.
3قول00ه" :ألن00ه اس00م ..إلخ" ه00ذا يقتض00ي أن اإليم00ان ن00وع من الج00زم وه00و أعاله،
والصحيح أنه التصديق التابع للجزم ،أي قبول النفس ورضاها بعد الجزم .أجهوري.
4نعم هذا صحيح إن نقص عن األصل وأما إن نقص عن الزيادة فال.
5ولو قيل أنه عط00ف بحس00ب المع00نى لك00ان أولى ألن الكالم على العط00ف ،وألن األص00ل
عدم التقدير.
92
ألن األصح أن التصديق القلبي يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح األدلة وع00دمهما ،وق00د
يزيد أيضا ً بمحض التجلي كما سبق ،ولهذا كان إيمان الصديقين أقوى من إيم00ان غ00يرهم
بحيث ال تعتري00ه الش00به ،على أن ه00ذا القي00ل خالف المع00روف بين الق00وم من أن الخالف
حقيقي ،فتحصل أن المعتمد أن اإليمان ه00و التص00ديق فق00ط ،وأن النط00ق ش0رط في إج00راء
األحك00ام 0الدنيوي00ة ،وأن اإليم00ان يزي00د وينقص كم00ا ه00و التحقي00ق؛ فاس00تفده ،وهللا ولي
التوفيق.
وه00و أن ت00أتي سلس00لتان من األزل متواليت00ان مع 0ا ً –أي متق00ابلتي 0الحلق00ات -ثم تنتهي
إحداهما قبل ألف سنة مثالً وتنقط00ع عن االس00تمرار ،وتس00تمر األخ00رى إلى اآلن ،فالسلس00لتان ال
يخلوان إذا طبقنا بينهما –أي قابلنا حلق0ات 0ك0ل منهم0ا ب0األخرى من ه0ذا الج0انب– 0من أن يوج0د
إزاء كل حلقة من إحداهما حلقة في األخرى بأن ال توجد في السلسلة الزائ00دة حلق00ة ال يوج00د م00ا
يقابلها 0في الناقصة ،بل يوجد في الناقصة 0من الحلقات ما يقابل كل حلقات 0الزائدة فيلزم مس00اواة
الناقص للزائد ،وهو محال ألنه يلزم أن ال يكون الزائد زائداً وال الناقص ناقصاً ،وه00و جم00ع بين
النقيضين.
أوال يوجد في الناقصة من الحلقات ما يقابل كل حلقات 0الزائ00دة كم00ا ه00و ش00أن الن00اقص
والزائد ،والزائدة زائ00دة على الناقص00ة بمق00دار مح0دود وه0و المق00دار ال00ذي اس00تمر بع00د انقض00اء
الناقص00ة 0من00ذ أل00ف س00نة مثالً ولنفرض00ه أل00ف حلق00ة فتك00ون هي أيض00اً 0متناهي00ة ،وه00و خالف
المفروض ألن المفروض استمرارها في جانب الماضي ال إلى نهاية فيلزم الجمع بين النقيض00ين
وهو تناهي غير المتناهي.
فجواز التسلسل مستلزم لجواز المحال الذي هو إما مس00اواة الن00اقص 0للزائ00د أو تن00اهي
غ00ير المتن00اهي ،وك00ل م00ا ه00و مس00تلزم لج00واز المح00ال مح00ال ،ه00ذا ولن00ا أن نس00تدل على امتن00اع
التسلسل بما يلي:
-1وهو أن التسلس0ل 0إنم00ا يف00رض في الممكن00ات والح00وادث ،وذل0ك لع00دم انتهائه00ا إلى
واجب الوجود ،ف00إن الح00وادث عن00د م00ا تنتهي إلى واجب الوج00ود تنقض00ي السلس00لة 0ف00إذن مع00نى
التسلسل فرض جملة من الحوادث ال نهاية لها.
وهذا تناقض ،وذلك ألن الحادث ما له أول ،وجملة الح00وادث الب00د لك00ل واح00د منه00ا من
أول ،فيكون لمجموعها أول ،فالقول بجملة حوادث ال أول لها تناقض.
ألن حدوثها يستلزم وجود أول له00ا ،وق00د اختص0ر 0ال00بيهقي ه00ذا ال00دليل فق00ال في ش00عب
اإليمان ( :)1/137ويستحيل وج00ود مح00دثات 0واح00د قب00ل واح00د ال إلى أول الس00تحالة 0الجم00ع بين
الحدوث ونفي االبتداء 0،فثبت أنه تعالى قديم لم يزل.
-2إن الممكنات 0لو تسلس0لت 0ال إلى نهاي0ة الحت0اج 0المجم0وع إلى عل0ة ت0رجح وجوده0ا
على عدمها التصافها بصفة اإلمكان ،وال يجوز أن تكون العلة نفسها ،وال جزءاً منها ،فتعين أن
تكون خارجة واجبة ،وذلك ألن المفروض أن المجموع –ال00ذي ه00و نفس00ها -ممكن فالب00د ل00ه من
سبب مغاير له خارج عنه ،إذا الداخل فيها الذي هو جزئها التصافه بصفة اإلمكان –كما ال يكون
علة لنفسه ال يكون عل00ة للمجم00وع 0،فتعين الخ00ارج ،والخ00ارج 0ال يك00ون ممكن0ا ً ألن00ا ق00د فرض00ناه
خارجا ً عن الممكنات فتعين أن يكون واجبا فتقطع السلسلة عنده.
ومن هذا الدليل أخذ ش00يخ اإلس00الم مص00طفى ص00بري دلي00ل األص00فار 0واألرق00ام فق00ال في
كتابه الفريد "موقف العقل" ما حاصله 0:كم00ا أن األص00فار ال تك00ون رقم0ا ً وال ت00دل على ع00دد من
95
(قوله :الوجود) أي ال00ذاتي ،1بمع00نى أن وج00وده لذات00ه ال لعل00ة :أي أن الغ00ير ليس
مؤثراً في وجوده تعالى ،وليس المراد أن الذات أثرت في نفسها ،إذ ال يقوله عاقل ،وإنما
ضاق عليهم التعبير ،فثمرة القيد تظهر في المحترز ،وأما الوج00ود غ00ير ال00ذاتي كوجودن00ا
فهو بفعله تعالى.
{ -54وحدة الوجود}
وبعضهم ال يشاهد 2لغيره وجوداً ،وهذا يسمى عن00دهم وح00دة الوج00ود ،وق00د غ00رق
فيه من غرق حتى وقع من بعض األولياء م00ا ي00وهم االتح00اد والحل00ول كق00ول الحالج :أن00ا
األعداد وتكون مهملة غير دالة على معنى ،ما لم تستند إلى رقم من األرقام بانضمامه 0إليها.
كذلك الممكنات 0ما لم تستند إلى واجب يفيض عليها الوجود ويرجح جانب الوجود فيها
على العدم ال تكون شيئا ً م0ذكوراً وال ت0دخل إلى الوج0ود ،فالممكن0ات 0في قبوله0ا للوج0ود والع0دم
بمنزلة األصفار في قبولها ألن تكون أرقاما ً دال00ة على األع00داد وأن ال تك00ون ،وكم00ا أن األص00فار
األصل فيها أن ال تدل على عدد ،وال تدل عليه 0إال باستنادها إلى رقم يفيض عليها 0صفة الرقمية،
كذلك الممكنات األصل فيها العدم وال تدخل الوجود إال باس00تنادها إلى واجب يفيض عليه 0ا 0ص00فة
الوجود.
-3أن نسبة سلسلة الممكنات وأجزائها إلى الترجيح كنسبتها إلى الترجح ،أي كما أنها
ال يجوز أن تكون موجودة بنفس00ها ،ال يج00وز أن تك00ون م00ؤثرة في إيج00اد غيره00ا أو نفس00ها 0،فال
يصلح شيء منها للعلية ،وينتفي التسلسل.
-4قال أبو يعلى الحنبلي في المعتمد :ال يجوز وجود موجودات ال نهاية لع00ددها س00واء
كانت قديمة أو محدثة ،خالفا ً للمالحدة.
ً
والدليل عليه أن كل جملة لو ضممنا إليها خمسة أجزاء مثال لعلم ض00رورة أنه00ا زادت،
وك00ذلك عن00د النقص 0،وإذا ك00ان ك00ذلك وجب أن تك00ون متناهي00ة بج00واز قب00ول الزي00ادة والنقص00ان
عليها 0،ألن كل ما يأتي فيه الزيادة والنقصان وجب أن يكون متناهيا ً من جهة العدد.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن التسلسل المحال هو التسلسل في جانب 0الماضي 0وهو الذي
دلت األدلة القطعية على امتناعه 0،وأما في جانب المستقبل فالتسلسل 0ج00ائز وواق00ع كم00ا في نعيم
أهل الجنة وع0ذاب أه0ل الن0ار والف0رق أن ك0ل م0ا دخ0ل في الوج0ود من الح0وادث الب0د أن يك0ون
متناهياً 0محص00وراً والتسلس00ل في ج00انب المس00تقبل 0ليس باعتب00ار 0األم00ور الموج00ود ،ب00ل باعتب00ار0
األمور المقدرة التي لم تدخل الوجود ،فإنه ال يحدث منها حادث محقق إال وبعده ح00وادث مق00درة
غير متناهية 0،وكل ما يدخل الوجود منها متناه محصور بين حاصرين.
)(1أي من اآلن ال من جانب الماضي.
1كون الوجود ذاتيا ً مفهوم من الوجوب ألن الوجود الواجب ال يكون إال ذاتياً.
2قوله :ال يشاهد :أي ال (ال يعتقد) وإال لكان 0كفراً ،ألنه إما أن يعتق00د الموج00ودات كله00ا
هللا أو ينكر الموجودات ما عدا هللا تع00الى ،فيك00ون إنك00اراً للمكل00ف واألنبي00اء والش00رائع والحش00ر
والجنة ..إلخ ،وكالهما كف0ر وه0ذه الحال0ة تع0رض لالنس0ان 0من غلب0ة توله0ه باهلل تع0الى وش0دة
تعلقه به وغلبة استيالء عظمت00ه تع00الى وكبريائ00ه على قلب00ه وحس00ه ،ف00يرى ك00أن م00ا ع00داه ع00دم
محض وفان ،أي يغلب عليه 0هذا الوهم والخيال ومع ذل00ك يبقى معتق0داً لوج0ود م0ا ع0داه تع0الى0،
ويبقى متقيداً بالشريعة ،وق00د يس00كر بش00راب 0ه00ذا ال00وهم والخي00ال ويتفلت من الش00ريعة ،فوح00دة
الوجود التي أثبتها 0الصوفية ليست 0عقيدة وإنما هي حالة غير اختيارية وانبهار يع00رض للس00الك
مما ذكرناه ثم يزول ،والدليل على ذلك أن الصوفية عدوها من المقام00ات 0ال00تي يم00ر به00ا الس00الك0
96
هللا ،وكقول بعضهم ما في الجبة إال هللا ،وهذا اللف00ظ ال يج0وز ش0رعا ً إليهام00ه ،لكن الق00وم
تارة تغلبهم األحوال فَيؤَ َّول ما يقع منهم بما يناس0به ،وممن أف0تى بقت0ل الحالج حين ق0ال:
المقالة السابقة :الجنيد ،كما في شرح الكبرى.1
ومن اللفظ الموهم ما شاع على ألسنة العوام من قولهم :موجود في ك00ل الوج00ود،
ففيه إشارة إلى وحدة الوجود ،لكنه ممتنع إليهامه الحلول.
وقد اختلف في الوجود هل هو عين الموجود أو غيره كما سيأتي ،فقال األشعري:
الوجود عين الموجود ،وقد اختلف العلماء في فهم المراد من عبارة األش00عري ،فبعض00هم
أبقاها على ظاهرها ،وعليه يكون في ع ّد الوجود صفة تسامح ،ألنه يقع ص00فة في مج00رد
اللف00ظ ،ك00أن يق00ول :هللا موج00ود ،والمحقق00ون كالس00عد وأض00رابه أول00وا عب00ارة األش00عري
فقالوا :ليس المراد العينية حقيقة ،بل المراد أنه ليس زائداً على الذات في الخ00ارج بحيث
تصح رؤيته ،2فال ينافي أنه أمر اعتباري ،3وهو الح00ق ال00ذي ال محيص عن00ه ،وعلي00ه فال
يكون في عد الوجود صفة تسامح ،ألن الصفة يكفي فيها مغ00ايرة الموص0وف وإن لم تكن
زائدة في الخارج ،كيف وقد عدوا السلوب صفات كالقدم والبقاء.
وقال الرازي وجماعة :الوجود غير الموجود ضرورة مغايرة الصفة للموص00وف،
وعليه فقد عرفوا الوجود بأنه (الحال الواجبة للذات ما دامت الذات ،حال كون تلك الح00ال
غير معللة بعلة) ،والمراد بكونها حاالً أنها واس00طة بين الموج00ود والمع00دوم 0،على الق00ول
بثبوت الواسطة التي هي الحال ،ومعنى كونها واجبة لل00ذات م00ا دامت ال00ذات :أنه00ا ثابت00ة
مدة دوام الذات وخرج بقولنا “ غير معلل00ة بعل00ة “ الحال00ة المعلل00ة بعل00ة ك00الكون ق0ادراً،
فإنه حال معلل بعلة أي الزم لملزوم وهو القدرة ،4ورجح بعضهم أن الخالف لفظي فحمل
في أثن00اء س00يره ،ثم يتجاوزه00ا إلى م00ا بع0دها من المقام00ات 0،وليس00ت العقي00دة ك00ذلك وأم00ا وح0دة
الوجود كعقيدة فقد قال بها بعض الفالسفة.
1قتل الحالج سنة ( )309وتوفي الجنيد قبله سنة ( )298فلعل الحالج كان يصدر من00ه
مثل هذا الكالم قبل وفاة الجنيد 0،وكان الجنيد يقول بجواز قتله من أجل ذلك.
2األولى بحيث 0يصح وجود الذات بدونه كالسواد لألسود.
3لعله أراد أنه انتزاعي 0كما فصلنا في التعليق اآلتي قريباً.
{ -55بيان مذهب من قال بعدم زيادة الوجود على الذات ،ومذهب من قال بزيادته} 0
4تفصيل مذهب من قال بعدم زيادة الوجود على ال00ذات 0،وم00ذهب من ق00ال بزيادت00ه كم00ا
يلي :قال األشعري وغيره :إن وجود الشيء في الخ0ارج 0واجب0ا ً ك0ان الش0يء وه0و هللا تع0الى أو
ممكنا ً –وهو الخلق -عينه أي ليس زائداً عليه.
وليس معنى العينية االتحاد في المفهوم الختالف المفهومين قطعاً ،وال في الم00ا ص00دق
ألن ما صدق عليه الشيء أمر خارجي 0،وم0ا ص0دق علي0ه الوج0ود أم0ر ذه0ني ان0تزاعي ينتزع0ه
الذهن من الماهية الموجودة في الخارج.
وإنما معنى كونه عينه أنه غير ممتاز عن الشيء بأن ال يكون له هوية خارجية بمعنى
أنه ليس في الخ00ارج هويت00ان متمايزت00ان 0تق00وم إح00داهما ب00األخرى ،ب00ل هوي00ة واح00دة هي هوي00ة
الموجود ،وإذا لم يكن زائداً كان اتصاف ماهية الموجود به غير حقيقي ،أي ليس اتصافاً 0بشيء
زائد في الخارج 0،بل في الذهن بحسب نفس األمر بمعنى أن العقل إذا تصور الموجود انتزع منه
97
كالم األشعري على أن الوج00ود ليس زائ00داً في الخ00ارج ،فال ين00افي أن00ه ح00ال ،وه00و م00راد
الثاني ،وج00رى على ذل00ك المص00نف في الش00رح ،وقي00ل :الخالف حقيقي ،فق00ول األش00عري
محمول على أنه أمر اعتباري على التحقيق؛ وقول غيره محمول على أنه حال.
ويكفي المكل00ف أن يع00رف أن هللا موج00ود ،وال يجب علي00ه أن يع00رف أن وج00وده
تعالى عين ذاته أو غير ذاته كما ق00ال س00يدي محم00د الص00غير؛ ألن ذل00ك من غ00وامض علم
الكالم.
الوجود أمراً زائداً على حقيقته 0،وحاصله أن الوجود –وهو الكون المقابل للعدم -هو نفس ك00ون
الذات ذاتا بمعنى أنه ليس لكل من الماهية والوجود هوي00ة ممت00ازة عن األخ00رى ،وليس الوج00ود
عرضا ً قائما ً بال00ذات 0بع00د ك00ون ال00ذات ذات0اً ،وثب00وت هويت00ه في الخ00ارج 0واألعي00ان 0كقي00ام الس00واد
بالجس00م .فل00و ك00ان الوج00ود ص00فة زائ00دة على ال00ذات فإم00ا أن يعرض00ه في الخ00ارج 0،وه00و مح00ال
ضرورة أن ثبوت الشيء للشيء في الخارج 0فرع وجوده فيه فيلزم أن يكون الذات موجودة قبل
عروض الوجود لها ،فيلزم تقدم الذات على نفسها بالوجود ،وكونه00ا موج00ودة بوج00ودين ،وه0و
تحصيل الحاصل وإما أن يعارضه في الذهن والشيخ اليقول بالوجود ال00ذهني للماهي00ات 0،ف00إذا لم
يكن عارضا 0لها في الخ0ارج 0وال في ال0ذهن فال يك0ون وص0فا زائ0دا في نفس األم0ر ،فيك0ون عين
الماهية الموجودة.
وحاصل هذا القول أن الوجود ليس موجودا في الخ00ارج 0،ب00ل الخ00ارج ظ00رف للموج00ود
اللوجوده.
وقال كثير من المتكلمين :إن وجود الش0يء غ0يره أي زائ0د علي0ه بمع0نى أن ل0ه ماهي0ة
متمايزة موجودة في الذهن ال في الخارج 0تعرض لماهية الشيء في الذهن.
فالنزاع 0في أن الوج00ود زائ00د وليس بزائ00د راج00ع إلى ال00نزاع 0في الوج00ود ال00ذهني ،فمن
نفاه كالشيخ 0،قال :إن الوجود الخارجي عين الماهية 0مطلقا ً واجبة كانت الماهية أو ممكنة ،ومن
أثبته قال :الوجود الخارجي 0زائد على الماهية 0في ال0ذهن ،فمن ادعى من المت0أخرين 0أن الوج0ود
زائد مع أنه ن00اف للوج00ود ال00ذهني لم يكن على بص00يرة في دع00واه .وأورد على ه00ذا الم00ذهب أن
الوجود إن قام بالش00يء ح00ال عدم00ه اجتم00ع النقيض00ان 0،أو ح00ال وج00وده ل00زم تحص00يل الحاص00ل0،
واستدعاء الوجود وجوداً آخ00ر فيتسلس00ل :والج00واب أن الوج00ود يق00وم بالش00يء ال بش00رط كون00ه
مع00دوما ً وال بش00رط كون00ه موج00وداً ،ب00ل في زم00ان كون00ه موج00وداً به00ذا الوج00ود ال بوج00ود آخ00ر
والمحال إنما هو تحصيل الحاصل ال بهذا التحصيل.
والحاصل أن معنى كون الوجود زائداً على الشيء أن يق00وم الوج00ود بالش00يء من حيث
هو أي من غير اعتبار الوجود والعدم ،وإن لم يخل منهما.
وليس معنى قولنا 0:إن الوجود ق00ام بالش00يء من حيث ه0و أن00ه ق0ام بالش0يء وه0و غ00ير
موجود وال معدوم ح0تى يل0زم الواس0طة بين الموج0ود والمع0دوم ،ب0ل معن0اه أن0ه ح0ال قيام0ه ب0ه
موجود بذلك الوجود ال بوجود آخر وإن كان معدوما ً قبله.
ومما يجدر التنبيه عليه أن الوجوب كالوجود ألن الوج0وب تأك00د الوج0ود ،فإن0ه بمع00نى
تحقق الحقيقة 0في نفسها بحيث تتنزه عن قابلية العدم ،ويعبر عنه بكون الذات مقتضياً 0لوجوده،
في الخارج اقتضا ًء تاماً 0،فيجري فيه من الخالف والتفصيل ما يجري في الوجود.
انظر ش0رح المواق0ف ( )156-2/127وش0رح المحلي على جم0ع الجوام0ع م0ع حاش0ية
العطار وحاش00ية الش00ربيني )494-2/492( 0وحاش00ية الكل00نيوي على الجالل ( )1/232وإش00ارات
98
واعلم أن الوجود صفة نفسية ،وإنم00ا نس00بت للنفس أي لل00ذات ،ألنه00ا ال تتعق00ل إال
بها ،فال تتعقل نفس إال بوجودها ، 1والمراد بالصفة النفسية صفة ثبوتية يدل الوصف بها
على نفس الذات دون معنى زائد عليها ،ك00أن يق00ال :الوج00ود ص00فة هلل تع00الى ،2فقولن00ا“ :
ص00فة “ ك00الجنس وقولن00ا “ ثبوتي00ة “ يخ00رج الس00لبية كالق00دم والبق00اء؛ وقولن00ا “ ي00دل
الوصف بها على نفس الذات “ معناه أنها ال تدل على شيء زائد على الذات ،فقولن00ا“ :
دون معنى زائد “ تفسير مراد لقولنا “ على نفس الذات “ ويخرج ب00ذلك المع00اني ألنه00ا
تدل على معنى زائد على ال00ذات ،وك00ذلك المعنوي00ة فإنه00ا تس00تلزم المع00اني فهي ت00دل على
معنى زائد على الذات الستلزامها المعاني
{ -56الصفات السلبية هلل تعالى }
(قوله والقدم) أي وواجب له القدم ،3فهو معطوف على الوجود ،وه00ذا ش00روع في
الص00فات الس00لبية :4أي ال00تي دلت على س00لب م00ا ال يلي00ق ب00ه س00بحانه وتع00الى ،وليس00ت
منحص00رة على الص00حيح ،وعّ 00د المص00نف منه00ا خمس00ة ألن م00ا ع00داها من نفي الول00د
المرام (.)95
1النفس بمع00نى من الموج00ودات الخارجي00ة وهي من حيث هي موج00ودات خارجي00ة ال
تتصور إال بوجودها فال يعترض على هذا الكالم بأن بعض المعدومات تتعق00ل م00ع ع00دم وجوده00ا
كشريك الباري 0وكبحر من زئبق.
2هذا تصوير للوصف بها.
3قال الزبيدي في اإلتحاف ( :)952وهل يجوز أن يتلف0ظ 0بالق00ديم 0في حق00ه تع00الى؟ فمن
راعى معناه جوزه ،ومن راعى كون00ه لم ي00رو نص0ا ً من00ع ألن األس00ماء توقيفي00ة ،ومنهم من أورد
فيه نصا ً من السنة ،فعلى هذا يصح ،وق00ال ( )2/31أجمعت األم00ة على وص00فه تع00الى ب00ه ،وورد
ذكره في بعض األخبار التي ذكرت فيها األسماء الحسنى ،ثم ساق الخبر بسنده.
أقول :إن إطالق المتكلمين 0للقديم ونحوه كالص00انع واألزلي واألب00دي علي00ه تع00الى ليس
على وجه التسمية 0واإلطالق على خصوص ذاته تع00الى وه00و ال00ذي يحت00اج 0إلى التوقي00ف واإلذن
الشرعي 0،بل إنما يطلقونه على مفهوم كلي صادق عليه تعالى ،واإلطالق بهذا المع00نى ال يحت00اج
إلى التوقيف كما قال العلماء :كما أن إطالق الشارع 0بهذا المع00نى ال يك00ون إذن0ا ً في اإلطالق على
وجه التسمية 0،وذلك كإطالق الخادع في قوله تعالى( 0:وه00و خ00ادعهم) وإطالق الرفي00ق في قول00ه
عليه الصالة والسالم( :إن هللا رفيق يحب الرفق) فإن هذا من اإلطالق على مفه00وم كلي ص00ادق
عليه تعالى 0:وهو ليس إذنا ً في التسمية.
وسيأتي لهذه المسألة مزيد من التفصيل عند قول الناظم 0:واختير أن أسماه توقيفي00ة ..
إلخ.
4قال الزبيدي في شرح اإلحياء (.)2/136
وقد جرت عادة المتأخرين 0أن يذكروا أوالً من صفاته تعالى ص00فات الس00لب ثم يتبعوه00ا
بذكر صفات 0المعاني السبع أو الثمانية ،وهذا من باب 0تقديم التخلية 0على التحلية 0،وتسمى أيض00اً0
بصفات 0الذات وصفات اإلكرام ،وصفات الثبوت ثم يتبعونه0ا بالص0فات 0المعنوي0ة ،وهي المش0تقة
من صفات المعاني ،وأخروها عن المعاني لتوقفها على المعاني اشتقاقاً 0وتحققا ً كالعالم المش00تق
من العلم المتوقف تحققه على اتصاف الذات ب00العلم ..وه0ذا الع0رف اص0طالح للمت00أخرين ،وأم0ا
المتقدمون فلم يفرقوا بين المعاني 0والمعنوية ،ويطلقون عليها المعاني.
99
والصاحبة والمعين وغير ذلك مما ال نهاية له راج00ع إليه00ا ول00و ب00االلتزام ،فهي أمهاته00ا:
أي أصولها المهمات منها،
{ -57القدم هلل تعالى }
والمراد بالقدم في حقه تعالى :القدم الذاتي ،1وهو عدم افتتاح الوجود ،وإن ش00ئت
قلت هو عدم األولية للوجود ،2وأما القدم في حقنا فالمراد ب00ه الزم00اني وه00و ط00ول الم00دة
وضبط بسنة ،حتى إذا قال :كل من ك00ان من عبي00دي ق00ديما ً فه00و حّ 0ر ،عت00ق من ل00ه عن00ده
س00نة ،وه00ذا مس00تحيل في حق00ه تع00الى؛ وك00ذا الق00دم اإلض00افي كق00دم 0األب بالنس00بة لالبن،
فتحصل من هذا أن الق00دم ثالث00ة أقس00ام :ذاتي ،وزم00اني ،وإض00افي ،ف00إن قلت :إن وج00وب
الوجود يستلزم القدم بل والبق00اء ف00ذكرهما بع00ده محض تك00رار؟ قلت :علم00اء ه00ذا الفن ال
يكتف00ون بدالل00ة االل00تزام ،ب00ل يص00رحون بالعقائ00د لش00دة خط00ر الجه00ل في ه00ذا الفن ،فال
يستغنون بملزوم عن الزم وال بعام عن خاص،
ودليل القدم :أنه لو لم يكن قديما ً لكان حادثاً ،إذ ال واسطة ،ولو كان حادث 0ا ً الفتق00ر
لمحدث ،ولو افتقر لمحدث الفتقر محدثه إلى محدث النعقاد المماثلة بينهما ،فيل00زم ال00دور
أو التسلسل وكل منهما محال ،فما أدى إليه وهو افتقاره لمحدث محال فما أدي إليه وه00و
كونه حادثا ً محال ،فما أدى إلي0ه وه00و ع0دم كون00ه ق0ديما ً مح0ال ،وإذا اس00تحال ع00دم كون0ه
قديما ً ثبت كونه قديما وهو المطلوب،3
{ -58القديم واألزلى }
واعلم أن لهم في القديم واألزلي ثالثة أقوال :األول أن القديم :هو الموج00ود ال00ذي
ال ابت0داء لوج0وده ،واألزلي :م0ا ال أول ل0ه ع0دميا ً أو وجودي0ا ً فك0ل ق0ديم أزلي وال عكس،
الثاني :أن القديم هو القائم بنفسه الذي ال أول لوجوده ،واألزلي :م00ا ال أول ل00ه ع00دميا ً أو
وجوديا ً قائما ً بنفسه أو بغيره ،وهذا هو الذي يفهم من كالم السعد ،الثالث :أن كالً منهم00ا
ما ال أول له عدميا ً أو وجوديا ً قائما ً بنفس00ه أوال ،وعلى ه00ذا فهم00ا مترادف00ان؛ فعلى األول
الص00فات الس00لبية ال توص00ف بالق00دم وتوص00ف باألزلي00ة ،بخالف ال00ذات العلي00ة والص00فات
الثبوتية فإنه0ا توص00ف بالق0دم واألزلي0ة ،وعلى الث0اني الص0فات مطلق0ا ً ال توص0ف بالق00دم
1هذا المعنى ه00و بحس00ب اص00طالح المتكلمين 0وليس بحس00ب اللغ00ة 0،والمع00نى اللغ00وي
للقدم هو التقادم بحسب الزمان.
2هذا مبني على عد القدم من الصفات 0السلبية وهو المشهور ،وإذا جعلن00اه عب00ارة عن
الوجود المستمر كان صفة نفسية كالوجود ،قال السبكي في شرح عقي00دة ابن الح00اجب :اعلم أن
األشاعرة اختلفوا 0في صفة القدم ،فنقل عن الشيخ أنه من صفات 0المعاني ،وهو قول عبد هللا بن
سعيد ،وقيل من الص0فات النفس0ية 0،وإلي0ه رج0ع الش0يخ ،والح0ق أنه0ا من الص0فات 0الس0لبية 0،فال
يكون من الصفات النفسية وال المعنوية إذ السلب داخل في مفهومه إذ القدم هو عدم سبق العدم
على الوجود (إتحاف.)2/95( :
3و ل0ك أن تق0رر دلي0ل الق0دم هك0ذا :ص0انع الع0الم 0واجب الوج0ود ،وك0ل واجب الوج0ود
فوجوده من ذاته ،وكل ما هو موجود من ذاته فعدمه محال ،وكل ما عدمه مح00ال ال يمكن عدم00ه
قط وكل ما ال يمكن عدمه قط فهو قديم ،فصانع العالم 0قديم.
100
وتوصف باألزلية ،بخالف الذات العلي0ة فإنه0ا توص0ف بك0ل منهم0ا ،وعلى الث0الث ك0ل من
الذات والصفات مطلقا ً يوصف بالقدم واألزلية فتدبر.1
{ -59البقاء هلل تعالى }
(قوله :كذا بقاء) التنوين للتنويع والتعظيم :2أي نوع من أنواع البق00اء عظيم مث00ل
المذكور من الوجود والقدم في الوجوب له تعالى ،فاسم اإلش00ارة عائ00د على الم00ذكور من
الوجود والقدم ،والجامع هو الوجوب له تعالى ،والمراد به في حقه تعالى :ع00دم اآلخري00ة
للوجود ،وإن شئت قلت :عدم اختتام الوجود؛ ودليل البقاء ل0ه تع00الى :أن0ه ل0و ج00از علي00ه
العدم الستحال عليه القدم ،لما تقدم في كالم المصنف من قوله:
وكل ما جاز عليه العدم ##عليه قطعا ً يستحيل القدم
كيف وقد سبق قريبا ً وجوب القدم له تعالى ،وكل ما ثبت قدمه استحال عدمه ،وقد
اتفق العقالء على ه00ذه القض00ية كم00ا في العك00اري على الك00برى ،وأورد عليه00ا ع00دمنا في
األزل فإنه قديم ،بناء على الق00ول ب00ترادف الق00ديم واألزلي فه00و كع00دم المس00تحيل فلم ج00از
انقطاعه بوجودنا فيما ال يزال؟ أجيب بأن هذه القاع00دة إنم00ا هي في الق00ديم الوج00ودي ،إذ
الدليل إنما قام فيه كما ذكره اإلمام ابن ذكري ،وقال الفهري إن اإليراد من أص00له م00دفوع
بأن وجودنا قطع عدمنا فيما ال يزال ال في األزل ،وإال لوج0دنا في األزل وه0و مح0ال ،ق0ال
العالمة اليوسي :وهو ظاهر ،لكن قال العالمة األمير :ولك أن تقول :لم يظه0ر ،لق0ولهم “
كل قديم فهو باق “ 3فانقطاع االستمرار فيما ال يزال مضر 4فالظ00اهر الج00واب األول اهـ.
ال يقال :أي فرق بين عدمنا وعدم المستحيل كالش00ريك ،ف00إن كالً منهم00ا واجب في األزل،
ألنا نقول :وجوب عدمنا مقيد باألزل فهو ممكن فيما ال يزال ،وأما عدم المستحيل فواجب
على اإلطالق.5
[تنبيه] علم مما تقدم أن هللا تعالى ال أول له وال آخر ،وإن ع00دمنا في األزل ال أول
له وله آخر ،وأما المخلوقات فلها أول وآخر ونعيم الجن00ة وع00ذاب الن00ار ل00ه أول وال آخ00ر
1الظاهر 0أن هذا الخالف اختالف في االصطالح 0ال طائل تحته وأما في اللغة فالق00دم ه00و
الزماني أو اإلضافي.
2المراد بالبقاء 0هنا المعنى االصطالحي الخاص 0باهلل تعالى وال معنى للتنوي00ع والتعظيم
فيه.
3
قوله "لقولهم كل قديم ..إلخ" معناه أن القديم ال ينقطع في األزل ،وال فيم00ا ال ي00زال،
وعلى هذا المعنى يحمل قولهم :كل ما ثبت قدمه استحال عدمه ،فمعناه أن القديم ال ينع00دم أص0الً
ال في األزل وال فيما ال يزال ،وحينئذ يرد عليه عدمنا األزلي النقطاعه بفراغ األزل ودخول ما ال
يزال ،والفهري يسلم هذا االنقطاع ألنه جعل وجودنا قاطعا ً لع00دمنا فيم00ا ال ي00زال ال00ذي ب00ه انتهى
عدمنا األزلي 0،وبهذا ظهر رد العالمة األمير علي الفهري .أجهوري.
4قوله" :فانقطاع االستمرار … إلخ" معناه أن العدم األزلي انقط00ع اس00تمراره بف00راغ
األزل ودخول ما ال يزال ،وخلقه العدم فيما ال يزال ،وقوله "مضر" أي م0ؤد إلى بق0اء اإلش0كال.
أجهوري.
5
وذلك ألن عدمه مقتضى ذاته كوجود الواجب فكما ال يجوز انقطاع وج00ود ال00واجب ال
يجوز انقطاع عدم الممتنع.
101
له ،فكل منهما باق لكن شرعا ً ال عقالً ،ألن العقل يجوز عدمهما ،فاألقسام أربع00ة (قول00ه:
ال يش00اب بالع00دم) أي ال يخل00ط بالع00دم ،والم00راد من ذل00ك أن00ه ال يلحق00ه ع00دم ،ألن حقيق00ة
المخالطة تقتضي االجتماع ،والبقاء ال يجتمع مع العدم إال أن يقدر مض00اف :أي ال يش00اب
بجواز العدم ،وهو معنى البطالن في قول لبيد:
أال كل شيء ما خال هللا باطل ##وكل نعيم ال محالة زائل.
أي من نعيم الدنيا كما يدل عليه بقية القصيدة ،فال يرد عليه نعيم الجنان ،واح00ترز
المصنف ب00ذلك من بقائن00ا فإن00ه يش00اب بالع00دم ويخل00ط ب00ه ألنه 1مقارن00ة اس00تمرار الوج00ود
زم00انين فص00اعداً ،وه00ذا مس00تحيل في حق00ه تع00الى ،ألن الزم00ان حرك00ة الفل00ك ،أو مقارن00ة
متج00دد موه00وم لمتج00دد معل00وم إزال00ة لإلبه00ام ،2كم00ا في قول00ك “ آتي00ك طل00وع الش00مس “
وق00د يع00بر االش00اعرة 0عن الزم00ان 0بتعب00ير 0آخ00ر .و الي00ك كالم المواق00ف م00ع ش00رحه (
( :)5/113وخامس00ها) اي خ00امس الم00ذاهب في حقيق00ة الزم00ان( 0م00ذهب االش00اعرة) وه00و ( أن00ه
متجدد) معلوم (يقدر به متجدد) مبهم إزالة إلبهامه (وقد يتعاكس) التقدير 0بين المتجدادت فيق00در
تارة هذا بذاك وأخرى ذاك بهذا ،و إنما يتعاكس ( بحس00ب م00ا ه0و متص00ور )ومعل00وم (للمخ00اطب
ف00اذا قي00ل) مثال (م00تى ج00اء زي00د يق00ال :عن00د طل00وع الش00مس اذا ك00ان) المخ00اطب ال00ذي ه00و
السائل( مستحضراً لطلوع 0الشمس) ولم يكن مستحضرا لمجيء زيد كما دل عليه س00ؤاله (ثم اذا
قال غيره :م00تى طل00وع الش00مس؟ يق00ال حين ج00اء زي00د لمن ك00ان مستحض00راَ لمجيء زي00د ) دون
طلوعها الذي س00أل عن00ه ( ول00ذلك اختل00ف الزم00ان ،بالنس00بة 0إلى األق0وام) فيق00در ك00ل واح00د منهم
المبهم بما هو معلوم عنده .انتهى.
وظاهر ه00ذا التعري00ف مخ00الف لم00ا ه00و المش00هور من م0ذهب االش00اعرة من ان الزم00ان
عندهم عبارة عن امر موهوم ،فإما ان يقال :ان مقصودهم بهذا التعبير ان الزم00ان ام00ر موه00وم
ينتزعه الوهم من تصور مقارنة الحوادث وتقدم بعضها على بعض وتأخره عن00ه ،وال س0بيل الى
فهمه وتعيينها اال باعتبار 0الحوادث التي يجعلها القوم أعالما له ،فيكون هذا التعريف موافقا لما
هو المشهور من مذهبهم ،او يقال :إن ما هو ظاهر هذا القول مذهب لبعضهم فقد جعل ابن سينا0
في الشفاء هذا المذهب مقابال لمذهب كونه أمراً وهميا ،وق00ال :إن أص0حاب 0ه0ذا الق0ول يجعل0ون
الزمان موجودا .ذكر هذين الوجهين السيلكوتي 0في تعليقه على شرح المواقف.
ويطلق الزمان 0في العرف على معنى آخ00ر ،وه00و م00رور األي00ام واللي00الي 0،وذل00ك ت00ابع
لحركات الفلك 0،والفلك 0مع حركاته حادث ،فالزمان حادث بالمعاني 0المذكورة كلها ،وكلها منتفي00ة
بالنسبة 0إلى الباري تعالى.
وبهذا البيان يتضح فساد ما قد يقال :القول بالقدم هلل تع00الى يل00زم من00ه وج00ود أزمن00ة ال
نهاية لها ،إذ ال يعقل استمرار وجود وبقاء إال بزمان ،وأنتم ال تقولون به.
وذلك ألن الزمان 0ال وجود له بدون وجود حوادث ،ومعية بينها وتق00دم وت00أخر لبعض00ها
عن البعض ،فهو مفقود قبل وجود الحوادث.
1هذا خطأ 0،بل الزمان هو وقت طلوع الشمس ،وه00ذا ال00وقت متج00دد موه00وم يح00دد ب00ه
اإلتيان 0الذي هو متجدد معلوم كما أن طلوع الشمس أيضا ً متجدد معلوم.
103
{ -60مخالفة هللا للحوادث }
وأنه لما ينال العدم ##مخالف ،برهان هذا القدم -24
(قوله :وأنه لما ينال العدم ##مخالف) أي وواجب له أنه تعالى مخالف للح00وادث
ال00تي يلحقه00ا الع00دم فه00و بفتح الهم00زة من “ أن “ واس00مها الض00مير العائ00د علي00ه تع00الى
وخبرها مخالف ،ويتعلق به الجار والمجرور قبله ،وإنما قدمه لضرورة النظم ،و “ ما “
واقعة على الحوادث ،وعائدها محذوف ،وأَنَّ وما دخلت عليه في تأوي00ل مص00در معط00وف
على الوجود ،والتقدير :وواجب له تع0الى مخالفت0ه للح0وادث ال0تي يلحقه0ا الع0دم ،وب0ذلك
يندفع ما في حاشية الشيخ العدوي من أن في كالم المصنف تسمحاً ،ألن الصفة مخالفت00ه
ال أنه مخالف ،ووجه اندفاع ذلك أن القاعدة سبك “ أن “ المفتوح00ة بمص00در من خبره00ا
وجعلن00ا ب00ذلك معطوف0ا ً على الوج0ود أولى من وهو شائع في العربية فال يقال فيه تس0محَ ،
جعله خ00براً لمبت0دأ مح0ذوف ،والتق0دير والص00فة الثالث0ة من الص0فات الس0لبية أن0ه ..الخ،
وكالم الشيخ عبد الس00الم في ه00ذا المق00ام ح00ل مع00نى ال ح00ل إع00راب ،وإن أوهمت عبارت00ه
خالف ذلك؛ وإنما أسند المخالفة له تعالى 1ألنها تنزيه ،والموصوف به هللا ال الح00وادث،2
وكما أنه تعالى مخالف للحوادث مخالف لألعدام األزلية كما علم من وص00فه ب00الوجود ،إذ
هي ليست موجودة؛ وقد ذكر الش00يخ عب00د الس00الم في ه00ذا المق00ام أن األع00دام األزلي00ة من
الحوادث ،وهو سهو ،ألن األعدام األزلية واجبة كما تقدم ،وقد ذكره00ا وال00ده مث00االً للع00دم
الس00ابق ،ولم يجعله00ا من الح00وادث ،والمخالف00ة لم00ا ذك00ر عب00ارة عن س00لب الجرمي00ة
والعرض00ية والكلي00ة والجزئي00ة ولوازمه00ا عن00ه تع00الى ،فالزم الجرمي00ة التح00يز ،والزم
العرضية القيام ب0الغير ،والزم الكلي0ة الك0بر ،والزم الجزئي0ة الص0غر ،إلى غ0ير ذل0ك ،ف0إذا
ألقى الش00يطان في ذهن00ك أن00ه إذا لم يكن الم00ولى جرم0ا ً وال عرض0ا ً وال كالً وال ج00زءاً فم00ا
1يعني كما أن هللا تعالى متص00ف بمخالف00ة الح00وادث ك00ذلك الح00وادث متص00فة بمخالفت00ه
تعالى فلم أسند المخالفة إليه تعالى.
2وكان األولى أن يقول ألن المقام مقام بيان 0صفاته تعالى ال بيان 0صفات 0الحوادث.
104
السِ 0مي ُع ا ْلبَ ِ
ص0ي ُر) 0و َّ س َك ِم ْثلِِ 0ه َ
شْ 0ي ٌء َو ُهَ 0 حقيقت00ه؟ فق00ل في رد ذل00ك :ال يعلم هللا إال هللا (لَ ْي َ
(الشورى :من اآلية.)11
(قوله :برهان هذا القدم) أي دليل م00ا ذك00ر من أن00ه مخ00الف للح00وادث :دلي00ل الق00دم
فكالم المصنف على تقدير مضاف ،وتقرير البرهان :أن تقول :لو لم يكن مخالفا ً للحوادث
لكان مماثالً لها ،ولو كان مماثالً لها لك00ان حادث0اً ،كي00ف وق00د ثبت قدم00ه بال00دليل الس00ابق،
ويصح إبقاء كالم المصنف على ظاهره ،فيكون نفس القدم هو الدليل على المخالف00ة؛ ألن
كل من وجب له القدم استحال عليه العدم ،وال شيء من الحوادث يستحيل عليه الع00دم فال
شيء منها بقديم ،فثبتت المخالفة.1
1فيكون قوله قيامه بالنفس في مقابلة ثالثة أمور ونافيا ً لها كله00ا ،افتق00اره إلى المح00ل
وإلى المكان وإلى الموجد ،لكن الحق كالمه يخالف هذا.
2ألن الص00فة حادث00ة ك00انت أو قديم00ة ،ال تتص00ف بص00فات المع00اني والمعنوي00ة ،وأم00ا
الصفات 0السلبية كالقدم والنفسية 0كالوجود ،فال ريب في اتص0اف الص0فة به0ا ،تق0ول مثال الق0درة
قديمة ..إلخ.
106
الوحدة نفسها ال ثبوت شيء منسوب إليها ،واختار جعله00ا للمص00در كم00ا في الض00اربية،3
وأجاب األولون بأن الشيء ينسب لنفسه مبالغة،
ومبحث الوحدانية أشرف مباحث هذا الفن ،ولذلك سمى باسم مشتق منها فقي00ل “
علم التوحيد “ ولعظم العناية به كثر التنبيه والثناء عليه في اآلي القرآنية ،فقال تع00الى:
اح ٌد ال إِلَهَ إِاَّل ه َُو ال َّر ْح َمنُ ال َّر ِحي ُم) (البقرة )163:إلى غ00ير ذل00ك من اآلي00ات،
( َوإِلَ ُه ُك ْم إِلَهٌ َو ِ
والمراد منها :وحدة الذات والصفات ،بمعنى عدم النظير فيهما؛ وأما وحدة ال00ذات بمع00نى
ع0دم ال00تركب من أج0زاء ،فس00بقت في المخالف00ة للح00وادث ،ووح00دة الص00فات بمع0نى ع0دم
تعددها من جنس واحد كقدرتين فأكثر وعلمين فأكثر وهك00ذا فس00تأتي في قول00ه “ ووح00دة
أوجب لها “ ووحدة األفعال بمعنى أنه ال تأثير لغيره في فعل من األفع00ال ،فس00تأتي أيض0ا ً
في قوله “ :فخالق لعبده وما عمل “
{ -63الوحدانية تنفى كموما خمسة }
والحاصل أن الوحداني0ة الش00املة لوحداني00ة ال00ذات ووحداني00ة الص0فات ووحداني0ة
األفعال تنفي كموما ً خمسة:الكم المتصل في الذات وهو تركبهامن أجزاء ،1والكم المنفصل
فيها وهو تعددها بحيث يكون هناك إله ثان فأكثر ،وهذان الكمان منتفي00ان بوح00دة ال00ذات،
والكم المتصل في الصفات وهو التعدد في صفاته تعالى من جنس واح00د كق00درتين ف00أكثر،
وبحث في هذا بأن 2الكم المتصل مداره على شيء ذي أجزاء وال كذلك الص00فات ،ويج00اب
بأنهم نزلوا كونها قائمة بذات واحدة منزلة التركب ،3والكم المنفصل في الصفات وهو أن
يكون لغير هللا صفة تشبه صفته تعالى ،كأن يكون لزيد قدرة يوجد بها ويعدم بها كقدرت00ه
3أقول :لم يقصد أحد بالوحدانية إال المعنى المصدري وهو كونه تعالى واح00داً منف00رداً
ليس له شريك ال في ذاته وال في ص00فاته 0وال في أفعال00ه ،ومثل00ه الص00مدانية وال أح00د يقص00د به00ا
معنى النسبة 0على أنه ال يصح إرادته.
الوح0د فإم0ا مص0در بمع0نى َ وأم0ا للمبالغة، والنون واأللف والوجه أن الياء للمصدرية،
المنفرد مجازاً كما في جاء زيد وحده ،وإما مخفف َو ََِِ0ح َد بفتح الح00اء أو كس00رها كحس00ن أو ف00رح
بمعنى منفرد ،وال يجوز حمل الوحد هنا على المع0نى المص0دري ألن ي0اء المص0درية إنم0ا ت0دخل
على غير المصادر من الجوامد والمشتقات ،وتجعلها مصدراً كالحجرية 0والضاربية 0وتسمى هذه
مصادر جعلية ،وال تدخل على المصادر 0إال إذا أريد به00ا غ00ير المع00نى المص00دري مج00ازاً ،وبه00ذه
القاعدة علم خطأ بعض الكتاب المعاصرين 0في استعمالهم كلمة االستمرارية ونحوها.
-1ومن الدليل على نفي هذا التركب 0:أن ذاته تع00الى ل00و ت00ركبت من أج00زاء لك00انت تل00ك
األج00زاء متماثل00ة 0،وال يخل00و إم00ا أن يق00وم وص00ف األلوهي00ة ب00البعض دون البعض فيل00زم علي00ه
الترجيح بال مرجح ،وإما أن يقوم بمجم00وع األج00زاء فيل00زم علي00ه انقس00ام األلوهي00ة لقيامه0ا 0بم00ا
ينقسم مع أن األلوهية معنى ال يقبل االنقسام 0،أو يقوم بكل واحد من األجزاء ،فيل00زم علي00ه تع00دد
اآللهة ،ألنه يلزم حينئذ أن يكون كل واحد من األجزاء إلهاً.
2أي في تسمية العدد في الصفات 0كما ً متصالً وإال فالوحدانية تنفي التعدد في الص00فات
مطلقاً.
3
هذا الجواب غير مالق للسؤال والجواب الصحيح أن يقال أن الص00فات ن00زلت منزل00ة
ما يقبل التجزئ.
107
تعالى ،أو إرادة تخصص الشيء ببعض الممكنات ،أو علم محيط بجميع األش00ياء ،وه00ذان
الكمان منفيان بوحدانية الصفات ،والكم المنفصل في األفعال وهو أن يكون لغ00ير هللا فع00ل
من األفعال على وجه اإليجاد ،وإنما ينسب الفعل 0ل00ه على وج00ه الكس00ب واالختي00ار ،وه00ذا
الكم منفي بوحدانية األفعال،
وفي ذلك رد على المعتزلة القائلين بأن العبد يخلق أفعال نفسه االختياري00ة ،وإنم00ا
لم يكف00روا ب00ذلك الع00ترافهم ب00أن إق00داره عليه00ا من هللا تع00الى ،وبعض00هم كف00رهم وجع00ل
المجوس أسعد حاالً منهم ،إذ المجوس قالوا بمؤثرين 1وهؤالء أثبتوا ما ال حصر له ،لكن
الراجح عدم كفرهم ،وأما الكم المتصل في األفعال فإن صورناه بتعدد األفعال فهو ث00ابت ال
يصح نفيه ،ألن أفعاله كثيرة من خلق ورزق وإحياء وإماتة ،إلى غير ذلك ،وإن ص00ورناه
بمشاركة غير هللا له في فعل من األفعال فهو منفي أيضا ً بوحدانية األفعال،
ودليل الوحدانية بالمعنى المراد هنا وهو وحدة الذات والصفات بمعنى عدم النظير
فيهما :أنه لو تعدد اإلله كأن يكون هناك إلهان لما وجد شيء من العالم ،لكن ع0دم وج00ود
شيء من العالم باطل ألنه موجود بالمشاهدة ،فما أدى إليه وه0و التع0دد باط0ل ،وإذا بط0ل
التعدد ثبتت الوحدانية وهو المطلوب،
وإنما لزم من التعدد كأن يكون هناك إلهان :عدم وجود شيء من العالم ألنهما إما
أن يتفقا وإما أن يختلفا فان اتفقا فال جائز أن يوجداه معاً؛ لئال يلزم اجتماع مؤثرين على
أثر واحد ،2وال ج00ائز أن يوج00داه مرتب0ا ً ب00أن يوج00ده أح00دهما ثم يوج00ده اآلخ00ر ،لئال يل00زم
تحص00يل الحاص00ل ،وال ج00ائز أن يوج00د أح00دهما البعض واآلخ00ر البعض ،لل00زوم عجزهم00ا
حينئذ ،ألنه لما تعلقت قدرة أحدهما ب00البعض س00د على اآلخ00ر طري00ق تعل00ق قدرت00ه ب00ه فال
يقدر على مخالفته ،وهذا عجز ،وهذا يسمى بره00ان الت00وارد لم00ا في00ه من تواردهم00ا على
ش00يء ،وإن اختلف00ا ب00أن أراد أح00دهما إيج00اد الع00الم واآلخ00ر إعدام00ه فال ج00ائز أن ينف00ذ
مرادهما ،لئال يلزم عليه اجتم00اع الض0دين ،وال ج00ائز أن ينف00ذ م00راد أح0دهما دون اآلخ00ر؛
لل00زوم عج0ز من لم ينف00ذ م0راده ،واآلخ00ر مثل0ه النعق00اد المماثل0ة بينهم00ا ،ويحكى عن ابن
1أثبت المجوس إلها ً للخ0ير ،وس00موه ي0زدان ،ويع0برون عن00ه ب0النور ،ومن أج00ل ذل00ك
استداموا وقود النار وعبدوها ،وإلها ً للشر وس00موه أه00رمن ،وعن00وا ب00ذلك الش00يطان ،ويع00برون
عنه بالظلمة.
2فإنه ال يجوز توارد علتين مستقلتين 0أي تامتين على معلول واحد كما ال يج00وز ن00زول
مطرقتين على محل واحد.
وذل00ك ألن00ه يل00زم اجتم00اع 0النقيض00ين ،ف00إن وص00ف العلي0ة 0يقتض00ي حاج00ة المعل00ول إلى
العلتين ،ووصف االستقالل الموجود في كل من العلتين 0يقتضي عدم حاجة المعلول إلى إح00داهما
الكتفائه بواحدة منهما ،فيلزم حاجة المعلول إلى إحدى العلتين 0وعدم حاجته إليها.وهو جمع بين
النقيضين.
1فيه أن برهان التمانع هو مجم00وع الش00قين 0:ف00رض االتف00اق و ف00رض االختالف ،ف00إن
مجموعهما دليل واح00د على وحدانيت00ه تع00الى 0،وال تثبت الوحداني00ة إال بمجموعهم00ا ،ه00ذا تقري0ر0
لبرهان 0التمانع 0على الترديد بين االتفاق واالختالف.
وأكثر المتكلمين 0قرروه بناء على جواز االختالف ،واختلفوا في وجه التقرير ،من ه00ذه
األوجه ما يلي:
ً
لوجاز كونه اثنين 0،لجاز 0أن يريد أح00دهما ش00يئا واآلخ00ر ض00ده ال00ذي ال ض00د ل00ه غ00يره،
كحرك00ة زي00د وس00كونه ،فيمتن00ع وق00وع الم00رادين وع00دم وقوعهم00ا ،المتن00اع 0ارتف00اع 0الض00دين0
المذكورين واجتماعهما ،فيتعين وقوع أحدهما فيك00ون مري00ده ه00و اإلل00ه دون اآلخ00ر لعج00زه ،فال
يكون اإلله إال واحداً ،فجواز تعدد اإلله مستلزم لجواز المحال الذي هو إما اجتماع 0النقيض00ين أو
ارتفاعهما 0أو عجز اإللهين ،وجواز المحال مح00ال ،فم00ا اس00تلزمه وه00و ج00واز التع00دد مح00ال ،فال
يع00ترض على ه00ذا ال00دليل بإمك00ان اتفاقهم00ا قال00ه العط00ار في حواش00يه على ش00رح المحلى لجم00ع
الجوامع (:)2/448
وما يقال زيادة على ما هنا :وم00ا ج00از على أح00د المثلين 0ج00از على اآلخ00ر فيل00زم عج00ز
الثاني 0أيضا ً فيؤدي إلى عدم اإلله المؤدي إلى عدم العالم المشاهد ،زيادة في البيان .ومن ال00دليل
على وحدانيته تعالى ما ذكره تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (:)8/308
أنه رأي سيف الدين اآل ِمدي في المنام فقيل ل00ه م00ا فع00ل هللا ب00ك؟ ،فق00ال :أجلس00ني على
كرسي ،وقال :استدل على وحدانيتي بحضرة مالئكتي.
فقلت :لما كان الحادث 0المخترع 0على أحس منوال البد له من صانع.
وكان نسبة الثاني والثالث 0إلى الواحد نسبة الرابع 0والخامس منه.
وما وراء ذلك مما لم يقل به أحد ،وال ادعاه مخلوق ،بط0ل الجمي0ع وثبت الواح0د –ج0ل
جالله وعز سلطانه_ فقال لي :ادخل الجنة .رحمه هللا تعالى.
2قوله لم توجدا :حمل قوله فسدتا على معنى لم توجدا من أجل حمل اآلية على بره0ان
التمانع المذكور وهذا عدول عن الظاهر 0بدون داع إليه ويرده قوله تعالى فيهما فإنه يقتض00ي أن
يكون التعدد المفروض على تقدير وجودهما ال على تقدير عدمهما.
3واالستثناء 0فاسد من جهة العربية أيضاً ،ألن المستثنى في االستثناء المتصل الب00د أن
يك00ون داخالً في المس00تثنى 0من00ه قطع 0اً ،وفي االس00تثناء 0المنقط00ع الب00د أن يك00ون خارج 0اً 0قطع 0اً،
والمستثنى إذا كان تابعاً 0لجمع مذكور غير محصور كما هنا وهو اآللهة ليس دخوله في00ه قطعي 0ا ً
وال خروجه قطعيا ً فامتنع حمل إال على االستثناء فتعين حملها على أنها بمعنى غير.
109
فيهما آلهة فيهم هللا لم تفسدا ،وه00و باط00ل؛ والم00راد بالفس00اد :ع00دم الوج00ود كم00ا قررت00ه،
(وينبغي) على ذلك أن اآلية حجة قطعية وهو التحقيق ،خالفا ً لم0ا ج0رى علي0ه الس0عد من
أنها حج00ة إقناعي00ة :أي يقن00ع به00ا الخص00م ،م00ع ك00ون التالزم فيه00ا ليس عقلي0ا ً بن00اء على
تفسير الفساد فيها بالخروج عن النظام ،وإنما لم يكن التالزم فيها عقليا ً على هذا ،ألنه ال
يل00زم حص00ول الفس00اد بالفعل ،1وق00د ش00نعوا على الس00عد في ذل00ك ح00تى ق00ال عب00د اللطي00ف
الكرماني :إنه تعييب لبراهين القرآن وهو كفر.
وأجاب عالء الدين تلميذ السعد 2بأن القرآن محت00و على األدل00ة اإلقناعي00ة لمطابق00ة
حال بعض القاصرين،
وتجويز االتفاق إنما هو ببادئ الرأي ،وعن00د التأم00ل ال يص00ح ص00لح بين إلهين ،إذ
مرتبة األلوهية تقتضي الغلبة المطلقة ،كما يشير قوله تعالى( :إِذاً لَ َذه َ
َب ُك ُّل إِلَ ٍه بِ َما َخلََ 00
ق
ض)( 3المؤمنون :من اآلية)91 ض ُه ْم َعلَى بَ ْع ٍ
َولَ َعال بَ ْع ُ
قوله( :منزهاً) حال من الضمير في قول00ه “ :ف00واجب ل00ه … إلخ “ ف00المعنى أن00ه
تعالى وجبت له هذه الصفات حال كونه منزهاً ،فهي حال الزمة مث00ل :دع00وت هللا س00ميعاً،
وهي مؤكدة للصفات السابقة وكذلك جملة قوله “ :أوصافه سنيه “ فهي ح00ال أيض0ا ً من
الضمير المذكور فهي حال مترادف00ة ،ويج00وز أن تك00ون ح00االً من الض00مير في “ منزه0ا ً “
فهي حال متداخلة ،ومعنى قول00ه “ :س00نية “ أنه00ا تش00به الس00نا –بالقص00ر -وه00و الن00ور،
بجامع االهتداء فيهتدي به0ا أي بأثره0ا ألن0ه المش0اهد لن0ا ،كم0ا يهت0دي بالس0نا ال0ذي ه0و
النور ،فالنسبة على وجه التشبيه ،وليس المراد أنه قام بها السنا وهو الن00ور ،ألن الن00ور
1ألن حص00ول الفس00اد مب00ني على االختالف بين اإللهين وه00و أم00ر مظن00ون غ00ير قطعي
الوقوع لجواز أن يتفقا 0في كل شيء ،ألنه ال يلزم من هذا االتفاق أي محال .هذا ما أراده السعد.
2انظر قصة تشنيع عبد اللطيف الكرماني ورد عالء الدين البخاري عليه في المسامرة
شرح المسايرة وحاشية ابن قطلوبغا على المسايرة ص 46فما بعدها.
3التحقيق أن جواز االتفاق إنما ه00و بحس00ب العق00ل بمع00نى أن العق00ل ال ي00راه مح00االً وال
مستلزما ً للمحال ،وأما العادة المطردة فت00دل على امتن00اع 0االتف00اق ،وذل00ك ألن الع00ادة ع00دم اتف00اق
اثنين في كل صغير وكب00ير وحق00ير وجلي00ل فض0الً عن كب00يرين فض0الً عن اإللهين ال00ذين هم00ا في
أعلى مراتب العظمة والكبرياء المقتضين 0لحب االنفراد واالستبداد ،والعادة المطردة أحد أس00باب
العلم الثالثة ،فقد عرفوا العلم بأن00ه الج00زم المط00ابق للواق00ع لم00وجب من حس أو عق00ل أو ع00ادة،
ومن ثمة ق0الوا :إن التج0ويز العقلي ال ين00افي العلم اليقي00ني ،ف0رب أم0ر يج00وزه العق00ل بمع00نى أن
العقل ال يرى وجوده مح00االً وم00ع ذل00ك يقط00ع بع00دم وج00وده ك00انقالب 0البح00ر إلى حليب أو زئب00ق،
وكانعدام ما ورائنا من الجبال إلى غير ذلك فإن هذه األمور ال يراها العقل محالة ومع ذلك يقط00ع
بعدمها.
وكذلك اتفاق اإللهين في كل صغير وكبير وجليل وحقير ال يراه العقل محاالً ،وم00ع ذل00ك
يقطع بعدم وقوعه .وهللا تعالى أعلم.
110
عرض 4يستحيل قيام00ه بالص00فة ،أو معن00اه :رفيع00ة ،فيك00ون لف00ظ “ س00نية “ م00أخوذاً من
السناء بالمد بمعنى الرفعة ،والمراد الرفعة المعنوية.
1هذا هو أعلى درجات الصداقة وليس كلها كما يوهمه كالم الشارح.
2رواه الترمذي ( ) 3364 ( )5/450من حديث أبي بن كعب.
3إن أراد قلة الفضل فصحيح ،وإن أراد قلة الذات فاآلية ال تنفيه.
112
من باب الكناية على حد “ مثلك ال يبخل “ 1تريد :أنت ال تبخ00ل ،ووج00ه كونه00ا من ب00اب
الكناية أنه يلزم من نفي مثل المثل نفي المثل ،ألنه لو ف00رض وج00ود المث00ل لك00ان هللا مثالً
لذلك المثل ،وهو ال يصح نفيه لوجوب وجوده ،2وقد دلت اآلية على نفي مثل المث00ل فل00زم
من ذلك نفي المثل ،وهذا هو المراد ،فالقصد نفي مثله تعالى بأبلغ وج00ه ،إذ الكناي00ة أبل00غ
من التصريح لتضمنها إثبات الشيء بدليل.
4هذا الوجه ليس بشيء ،ألن المث0ل ال ي0أتي بمع0نى الص0فة واآلتي بمعناه0ا ه0و المث0ل
مفتوح الثاء.
1وذلك ألن المراد بمثلك من كان على ص00فتك ال00تي أنت عليه00ا وه00و على ص00فة نفس00ه
وتقرير الكناية 0في اآلية أنه لو فرض هلل تعالى مثل لما كان لذلك المث00ل مث00ل ألن ص00فته تقتض00ي
االنفراد وعدم المشاركة فيها وهذه الصفة موجودة فيه تع00الى فال يك00ون ل00ه مث00ل ،وه00ذا توجي00ه
للكناي00ة مخ00الف لتوجي00ه الش00ارح ،وه00ذا التوجي00ه للزمخش00ري 0،وال00ذي ذك00ره الش00ارح 0للس00عد
التفتازاني .وهو ال يجري في مثلك ال يبخل ،وكالم الشارح يفيد أنه بي00ان 0للكناي0ة 0في اآلي00ة بن00اء0
على أنها مثل قولك :مثلك ال يبخل وهو غير صحيح.
2فهو من باب 0نفي الشيء وهو المث00ل بنفي الزم00ه وه00و مث00ل المث00ل ،وذل00ك أن وج00ود
المثل يس00تلزم 0وج00ود مث00ل المث00ل وه00و هللا تع00الى فنفي الالزم ،وه00و مث00ل المث00ل وأري00د ب00ه نفي
الملزوم ،وهو المثل ،والقرينة على ذلك كون مثل المثل واجب الوجود والحاصل أن ثب0وت مثل0ه
تعالى يستلزم ثبوت مثل مثله وهو هللا تعال ،فنفي الالزم 0وجعل دليالً على انتفاء 0الملزوم.
3قوله للبيان 0وذلك بمالحظة أن المعاني صفات خاصة باهلل تع00الى ،والص00فات 0يش00ملها
وغيرها ،فتكون اإلض00افة من إض00افة الع00ام للخ00اص كش00هر رمض00ان وعلم الفق00ه وش00جر األراك
وإضافة العام للخ00اص 0المي00ة للبي00ان وأم00ا إذا ل00وحظت المع00اني 0من حيث هي وباعتب00ار 0ش00مولها
لص0فات 0هللا تع0الى 0وغيره0ا من ص0فات 0األجس0ام والم0راد من الص0فات المض0افة هي ص0فات هللا
فيكون المضاف إليه أعم من المضاف من وجه لشمول الصفات أيضا ً للمعاني وغيرها كالس00لبية
فاإلضافة بيانية 0على معنى من ،وهللا أعلم.
4ال من حيث إنها صفات 0هلل تعالى.
113
من صفات الق0ديم والح00ادث 1كالبي0اض ونح0وه ،ووق0ع في بعض العب0ارات :وال يص00ح أن
تكون على معنى “ من “ ،قال العالمة األمير :وال وجه له فلعله تحريف 2اهـ،
والمع00اني :جم00ع مع00نى ،وه00و لغ00ة :م00ا قاب00ل ال00ذات ،فيش00مل النفس00ية والس00لبية،
واصطالحاً :كل صفة قائمة بموصوف موجبة ل0ه حكم0اً ،ككون0ه ق0ادراً فإن0ه الزم للق0درة،
وفي الحقيقة 0المعاني والمعنوية متالزمان ،لكنهم الحظوا الوجودي أصالً لغيره،
وبدأ المصنف من صفات المع00اني بالق00درة لظه00ور تأثيره00ا فق00ال “ وق00درة “ أي
وواجب ل00ه ق00درة فه00و معط00وف على الوج00ود ،وهي لغ00ة :الق00وة واالس00تطاعة كم00ا قال00ه
المؤلف في كبيره ،وعرفاً “ :صفة أزلية قائم00ة بذات00ه تع00الى يت00أتى به00ا إيج00اد ك00ل ممكن
وإعدامه على وفق اإلرادة “ وهذا رسم ال حد حقيقي ،وهكذا سائر التعريف00ات الم00ذكورة
للصفات ،ألنه ال يعلم كنه ذاته وصفاته ،أي حقيقة ذلك ،إال هو ،وفي قولنا “ :يت00أتى به00ا
إيجاد كل ممكن وإعدام00ه “ إش00ارة إلى تعلقه00ا الص00لوحي الق00ديم ،ويق00ال ل00ه :الص00الحي
القديم وهو صالحيتها في األزل لإليج0اد واإلع0دام فيم0ا ال ي0زال ،3وتتعل0ق بع0دمنا فيم0ا ال
يزال قبل وجودنا ،وباس00تمرار الوج00ود بع00د الع00دم ،وباس00تمرار الع00دم بع00د الوج00ود تعل00ق
قبضة في هذه الثالثة ،بمعنى أن الممكن في قبضة القدرة ،فإن شاء هللا أبقاه على عدم00ه
أو على وجوده ،وإن شاء أوجده أو أعدمه ،وتتعلق بإيجادن00ا بالفع00ل بع00د الع00دم الس00ابق،
وبإعدامنا بالفعل بعد الوجود ،وبإيجادنا بالفع00ل حين البعث تعلق0ا ً تنجيزي0ا ً حادث0ا ً في ه00ذه
الثالث0ة ،فأقس00ام تعلق00ات الق0درة س0بعة تفص0يالً :ص0لوحي ق0ديم ،وتعلق0ات القبض0ة ثالث0ة
والتعلقات التنجيزية ثالثة؛ فالجملة ما ذكر –كما وضحه ش00يخنا في رس00الته -وأم00ا الع00دم
األزلي فال تتعلق به القدرة ألنه واجب،
وذهب األش00عري إلى أنه00ا ال تتعل00ق بإع00دامنا بع00د وجودن00ا ،ب00ل إذا أراد هللا ع00دم
الممكن قط00ع عن00ه اإلم00دادات فينع00دم بنفس00ه ،كالفتيل00ة إذا انقط00ع عنه00ا ال00زيت انطف00أت
بنفس0ها ،4وفي قولن00ا “ به0ا “ إش00ارة إلى أن الت00أثير حقيق00ة لل0ذات ،وإس00ناد الت00أثير إلى
1أي فتكون المعاني عامة والصفات 0خاص00ة فتك0ون اإلض00افة على مع00نى من وأم00ا ل00و
لوحظت المعاني بحسب الواقع وهي الصفات 0السبعة فتكون أخص من الصفات 0فتك00ون اإلض00افة
للبيان من إضافة العام للخاص 0كشجر األراك .أفاده األمير ص.78
2قوله" :وال وجه له وذلك أن شرط اإلض00افة على مع00نى من أن يك00ون المض00اف إلي00ه
أصالً للمضاف 0،أي مأخذاً اشتقاق له كخاتم فضة وباب ساج ،وههنا ليس األمر كذلك.
3متعلق باإليجاد 0واإلعدام وأما اإليجاد واإلعدام في األزل فمح00ال فال تتعل00ق ب00ه قدرت00ه
تعالى ،وذلك أن الفاعل المختار البد أن يقصد إلى إيجاد فعله والقصد إلى إيج00اد الموج0ود مح00ال
فالبد أن يتقدم القص ُد الفعل فالبد أن يسبق عد ُمه وجودَه ليصح القص00د إلى إيج00اده فيك00ون فعل00ه
تعالى حادثا ً فاإليجاد واإلعدام في األزل محال ،وبه0ذا ال0دليل يثبت أن ق0دم الع0الم 0مح0ال م0ع ق0دم
قدرته تعالى 0،ألن وجود العالم أثر تعلق قدرته تعالى ،والتعلق البد أن يكون مسبوقا ً بالقص00د إلى
الفعل فالتعلق ال يكون إال حادثاً 0،فالعالم ال يكون إال حادثاً.
4فعدم الحوادث عنده سواء كانت جواهر أو أعراض0ا ً وق0ع بنفس0ه ال بالق00درة ،ألن أث0ر
القدرة عنده البد أن يكون وجودياً ،وتقرير مذهبه :أن الحادث إما جرم وإم00ا ع00رض ،والع00رض
من ص00فاته النفس00ية 0انعدام00ه بمج00رد وج00وده من غ00يره فع00ل فاع00ل والج00وهر اس00تمرار وج00وده
114
القدرة مجاز لكونها سببا ً فيه ،ويحرم أن يقال :القدرة فعالة ،أو انظر فعل القدرة ،أو نحو
ذلك ،لما في00ه من إيه0ام أنه00ا الم0ؤثرة بنفس00ها ،ف0إن قص0د ذل0ك كف00ر والعي00اذ باهلل تع00الى،
ويخرج بقولنا “ :كل ممكن “ الواجب والمستحيل فال تتعلق بكل منهما ،ألنه00ا إن تعلقت
بالواجب فال يصح أن تعدمه ألنه ال يقبل العدم ،وال يصح أن توجده ألنه يلزم منه تحصيل
الحاصل ،وإن تعلق بالمستحيل فعلى العكس من ذلك،
وما في الي0واقيت للش0عراني عن ابن الع0ربي 1أن0ه تع0الى يق0در على خل0ق المح0ال
عقالً ،وأنه دخل األرض المخلوق00ة من بقي00ة خم00يرة طين00ة آدم ،وهي مدين00ة إنم00ا ت00دخلها
األرواح فرأى فيها ذلك بعينه –كالم ال يجوز اعتقاد ظاهره ،وقد نقل أنه مدسوس عليه،
وقد شنع السنوسي في شرح الصغرى على ابن حزم في قول0ه :هللا ق0ادر أن يتخ0ذ
ولداً وإال كان عاجزاً ،ولم يعقل أن العجز إنما يكون إذا ك00ان المتعل00ق من وظ00ائف الق00درة
بأن كان يقبل الوجود لذاته ،ويل00زم علي00ه أن الم00ولى ق00ادر على إع00دام قدرت00ه ،ب00ل وعلى
إعدام ذاته ،وفي ذلك غاية الفساد.
وق00د س00أل إبليس إدريس :ه00ل يق00در الم00ولى أن ي00دخل ال00دنيا في قش00رة البندق00ة؟
فنخسه في عينه ب00اإلبرة ففقأه00ا -ق00ال بعض00هم :وأرج00و أن تك00ون اليم00نى –وق00ال ل00ه :إن
المولى قادر على أن يدخل الدنيا في سم الخياط ،بمعنى أن00ه يص00غر ال00دنيا 2أو يوس00ع س00م
الخياط وإال كان محاالً “ ،فإن تداخل األجرام المتكاثفة واجتماعها في حيز واحد مستحيل
“ وإنم00ا لم يفص00ل س00يدنا إدريس الج00واب إلبليس ألن00ه متعنت ،وش00أن المتعنت الزج00ر،
وإنما فقأ عينه ألنه أراد بهذا السؤال إطفاء نور اإليمان ،فأطف00أ ن00ور بص0ره ،ألن الج00زاء
من جنس العم00ل ،ومع00نى قولن00ا “ :وف00ق اإلرادة “ أن م00ا خصص00ه هللا بإرادت00ه أب00رزه
بقدرت00ه ،فتعل00ق اإلرادة لكون00ه أزلي 0اً ،س00ابق على تعل00ق الق00درة لكون00ه تنجيزي 0ا ً حادث 0اً،
فالترتيب بين التعقلين ال بين الصفتين ،ألن القديم ال ترتيب فيه وإال ك00ان المت00أخر حادث0اً،
ودليل وجوب القدرة له تعالى أن تقول :هللا صانع قديم له مص0نوع ح0ادث ،وك0ل من ك0ان
كذلك تجب له القدرة ،فاهلل تجب له القدرة
1قوله" :ولها تعلق … إلخ" معنى ذل00ك أن هللا خص00ص في األزل وج00ود الش00يء على
عدم00ه :أي رجح وج00وده على عدم00ه ،وك00ان يت00أتي ل00ه في األزل أن ي00رجح بإرادت00ه عدم00ه على
وجوده ،لكنه ترك ترجيح العدم على الوجود ورجح في األزل الوجود على الع00دم ،وحاص00ل ذل00ك
أن إرادة هللا في األزل صالحة ل0ترجيح ك0ل من الوج0ود والع0دم ،وفي ح0ال تل0ك 0الص0الحية 0ث0ابت0
بالفعل ترجيح الوج00ود على الع00دم ،وال مناف00اة بين الص00الحية وبين ثب0وت ال0ترجيح بالفع0ل 0،ألن
معناها أنه تعالى كان يتأتى 0ل00ه أن ي0رجح الع0دم على الوج00ود ،وه0ذا الت0أتي 0ال يمن00ع من ت00رجيح
الطرف اآلخر بالفعل 0،وما تشعر به هذه العب00ارات .. 0من أن ال00ترجيح األزلي ح00ادث غ00ير م00راد.
أجهوري.
2قوله" :وبعضهم … إلخ" معنى ذلك أن هللا تعالى يخصص الشيء عند وجوده ،بأن
يرجح وجوده على عدمه ترجيحاً 0آخر غير الترجيح األزلي 0مع بقاء الترجيح األزلي ،ألن الق00ديم
ال ينعدم فاجتمع عند وج00وده ترجيح00ان 0،وه00ذا نظ00ير م00ا ق00الوه :من أن الموج00ودات منكش00فة هلل
116
الشيء بما تقدم عند إيجاده بالفعل ،لكن التحقيق 3أن هذا إظهار للتعل0ق التنج00يزي الق0ديم
ال تعلق مستقل،
وخ00رج ب00الممكن :ال00واجب والمس00تحيل ،فال تتعل00ق بهم00ا اإلرادة كالق00درة ،وش00مل
الممكن :الخير والشر ،خالفا ً للمعتزلة القائلين بأن إرادة هللا ال تتعلق بالشرور والقبائح،
وحكي أن القاض00ي عب00د الجب00ار الهم00داني دخ00ل على الص00احب ابن عب00اد وعن00ده
األستاذ أبو إسحاق اإلسفرايني ،فلما رأى األس00تاذ ق00ال :س00بحان من ت00نزه عن الفحش00اء،
فقال األستاذ :سبحان من ال يجري في ملكه إال ما يشاء ،فقال عبد الجبار :أفيريد ربنا أن
يعصي؟ فقال األس00تاذ :أفيعص00ى ربن0ا كره0اً؟ فق00ال عب00د الجب00ار :أرأيت إن منع00ني اله00دى
وقضى عل ّي بالردى ،أحسن إل ّي أم أساء؟ فقال األستاذ :إن منع00ك م0ا ه00و ل0ك فق0د أس00اء،
وإن منعك ما هو له فهو يختص برحمته من يشاء،
واختلف العلماء في جواز نسبة فعل الشرور والقبائح إليه تعالى ،وال00راجح ج00واز
ذلك في مقام التعليم ال غيره ،وه00ذا الخالف ج00ار أيض0ا ً في نس00بة األم00ور الخسيس00ة إلي00ه
تعالى واألصح الجواز في مقام التعليم ال في غيره ،فال يج00وز أن يق00ال :هللا خ00الق الق00ردة
والخنازير ،وسبحان من رزق الهدهد ومن دبب الشوك ،إن لم يكن في مقام التعليم.
والدليل على وجوب اإلرادة له تع00الى أن تق00ول :هللا ص00انع الع00الم باالختي00ار ،وك00ل
من ك00ان ك00ذلك تجب ل00ه اإلرادة ،فاهلل تجب ل00ه اإلرادة ،وأيض0ا ً فق00د اتف00ق ك00ل على إطالق
القول بأنه تعالى مريد ،وشاع ذل00ك في كالم00ه وكالم أنبيائ00ه عليهم الص00الة والس00الم ،وال
يفهم من قولن00ا “ :مري00د “ بحس00ب اللغ00ة إال ذات ثبت له00ا اإلرادة ،إذ ال يتعق00ل مري00د بال
إرادة ،وإن نازع في ذلك المعتزلة،
1تفسير الكف بالترك غير صحيح ،ألن الترك أمر عدمي ،وهو عدم الفعل ،وأما الكف
ففعل نفسي يتحقق عند توجه النفس نحو الفعل ،ومتعل00ق التكلي00ف ه00و ه00ذا الفع00ل النفس00ي ،ألن
التكليف –كما قالوا -ال يكون بالفعل ،وال يكون باألمر العدمي .نعم ع0دم الفع0ل الزم للك0ف ،وه0و
المقصود منه ،فمن فسر الكف بالترك فلعله أراد تفسيره بالزمه المقص00ود من00ه ،أو أراد ب00الترك0
الفعل النفسي العدم الفعل.
118
{ -70علم هللا تعالى }
وعلمه وال يقال مكتسب ##فاتبع سبيل الحق واطرح الريب -28
(قوله :وعلمه) معط0وف على الوج0ود :أي وواجب ل0ه علم0ه ،وم0ا قال0ه الش0ارح
فه00و ح00ل مع00نى ال ح00ل إع00راب –كم00ا تق00دم نظ00يره -وه00و “ ص00فة أزلي00ة متعلق00ة بجمي00ع
الواجبات والج00ائزات والمس00تحيالت على وج00ه اإلحاط00ة على م00ا هي به 1من غ00ير س00بق
خفاء “ وقولنا “ متعلقة بجميع … إلخ “ في00ه إش00ارة إلى تعل00ق العلم بجمي00ع األش00ياء
تعلقا ً تنجيزيا ً ق00ديماً ،فيعلم هللا س00بحانه وتع00الى األش00ياء أزالً على م00ا هي علي00ه؛ وكونه00ا
وجدت في الماضي أو موجودة في الحال أو توجد في المستقبل :أطوار في المعلوم00ات ال
توجب تغيراً في تعلق العلم ، 2فالمتغير إنما هو صفة المعلوم ال تعلق العلم وليس له تعل00ق
1قول00ه على م00ا هي ب00ه :فليس الم00راد من قولن00ا :إن العلم ال يخ00رج عن00ه ش00يء من
األقس00ام الثالث00ة –ال00واجب والج00ائز 0والممتن00ع -أن00ه يعلم نق00ائض 0ال00واجب ثابت00ة ويعلم مثالً نفي
الواجب ،ويعلم ثبوت الصاحبة والشريك أخذاً من عموم العلم 0،وذل00ك ألن العلم –كم00ا أش00ار إلي00ه
الشارح بقوله :على ما هي به –يتعل00ق بك00ل أم00ر على وجه00ه الالئ00ق ،وبنفي00ه على الوج00ه غ00ير
الالئق فالعلم ال يخرج عنه شيء ،لكن ذلك الشيء له جهة حق وجه00ة باط00ل ،فيعلم جه00ة الح00ق
أنها حق كثبوت ذاته وصفاته ،ويعلم جهة الباطل 0أنه00ا باطل0ة 0كنفيه00ا ،وال يعلم الثب00وت 0للش00ريك0
ألنها جهة باطل فيعلم أن ثبوته باطل ،ويعلم نفيه ألنه جهة حق.
2وذلك ألن للعلم تعلقا ً واحداً تنجيزي0اً 0على م00ا علي00ه المحقق00ون 0،فيتعل00ق ب00الممكن قب0ل
وجوده فيعلم وجوده في الوقت الذي يريد ،ثم من لوازم ذل00ك علم عدم00ه قب00ل وج00وده لكن مح00ط
119
ص000لوحي وال تنج000يزي ح000ادث ،وإال ل000زم الجه000ل ،ألن الص000الح ألن يعلم :ليس بع000الم
والتنجيزي الحادث يستلزم سبق الجهل ،هذا ما عليه السنوسي ومن تبعه وهو الصحيح،
وجعل بعضهم له ثالث تعلقات :تنجيزي قديم بالنسبة لذات هللا وص00فاته ،وص00لوحي ق00ديم
بالنسبة لغيره تعالى قبل وجوده ،فإن العلم صالح ألن يتعلق بوج00وده ولم يتعل00ق بوج00وده
بالفعل ،ألن علم وجود الشي قبل وجوده جهل؛ نعم علمه بأنه سيكون تنجيزي قديم ،وأما
ق00ول األولين :ل00و ك00ان ل00ه تعل00ق ص00لوحي ل00زم الجه00ل ألن الص00الح ألن يعلم ليس بع00الم،
فجوابه أن ثبوت الوج00ود لزي00د بالفع00ل ال يص00لح ألن يك00ون معلوم0ا ً قب00ل وج00وده بالفع00ل،
وعدم تعلق الشيء بش00يء ال يص00لح أن يك00ون معلوم0اً ،ال يع00د جهالً ،كم00ا أن ع00دم تعل00ق
القدرة بالمستحيل ال يعد عجزاً ،وتعلق تنجيزي حادث بالنس00بة لغ00يره تع00الى بع00د وج00وده
بالفعل ،لكن الحق أنه ليس له إال تعلق تنجيزي قديم،1
العلم الوجود ،وكل ما بقي من لوازمه ،وليس له تعلق صلوحي قديم ،فإن الصالح ألن يعلم ليس
بعالم ،وقيل :إن له تعلقين صلوحي وتنجيزي ،فيتعلق باألشياء قب00ل كونه00ا ،ويس00مى ه00ذا علم0ا ً
بما سيكون ،ثم يعلم عند كونها أنها كانت وذلك علم بما كان ،والعلم بم00ا س00يكون غ00ير العلم بم0ا
كان.
ورد بأن التعبير 0بما كان أو سيكون باعتبار المعلوم ال باعتبار العلم وتعلقه فإنه واحد،
فالمعلوم قبل كونه يعبر عنه بأنه سيكون ،وبعد كونه يعبر عنه بأن00ه ك00ان ،ومثّل00ه الشهرس00تاني
بما لو أخبر صادق بوقوع أمر علمنا كونه ال محالة ،لم يختلف علمنا قبل وقوعه وبعد وقوع00ه،
وإنم00ا االختالف في الواق00ع ،ووق00وع االختالف في علمن00ا باألش00ياء لتغ00ير علمن00ا بع00دم اليقين0
والثبات ،كذا في حاشية العطار)2/454( 0
إثبات 0هذا التعلق الصلوحي الجهل وإنم0ا يل0زم الجه00ل من إثبات00ه ب0المعنى 0ال00ذي نف00اه السنوس0ي
فالذي نفاه السنوسي عدم تعلق العلم بما سيكون بأنه سيكون وبص00فاته 0وأحوال00ه ،وال00ذي أثبت00ه
غيره هو عدم تعلق العلم حال عدم وجود الشيء بأنه موجود.
1قوله :فيعلم المولى األشياء أزالً إجماالً وتفصيالً.
{ -72هل العلم اإلجمالي 0ثابت 0هلل تعالى }
اعلم أن العلماء بعدما أجمعوا على أن العلم الحصولي ال يحصل إال عند حصول صورة
المعلوم في الذهن قسموا العلم إلى قسمين إجمالي وتفصيلي.
أما اإلجمالي 0فهو بأن يحصل األم00ور المتع00ددة في ال00ذهن بص00ورة واح00دة غ00ير متم00يز
األجزاء التي هي صور األمور المتعددة المخصوصة بها.
وأم000ا التفص000يلي فه000و ب000أن يحص000ل ك00ل من األم000ور المتع000ددة في ال 00ذهن بص 00ورته
المخصوصة به المميزة له عما عداه.
ونظير هاتين 0المرتبتين 0من اإلحساسات أن يرى جماعة دفع00ة ،ثم يح00دق النظ00ر إليه00ا0،
فإنا نجد في الحالة األولى حالة إجمالية ،وبع00د التح00ديق واإلمع00ان حال00ة أخ00رى تفص00يل األولى،
فالحال0ة 0األولى ش00بيهة ب00العلم اإلجم00الي 0،والثاني00ة بالتفص00يلي 0،ف00إن ح00ال البص00يرة بالنس00بة إلى
مدركاتها كحال البصر بالنسبة 0إلى إدراكاتها.
قال التفتازاني في شرح المقاصد :إن الحاصل في اإلجمالي 0صورة واحدة تط00ابق الك00ل
من غير مالحظة لتفاص00يل األج0زاء ،وفي التفص0يلي ص0ور متع0ددة يط00ابق ك0ل منه00ا واح0داً من
األجزاء على االنفراد.
ثم إنهم بع00دما أثبت00وا العلم اإلجم00الي اختلف00وا في أن00ه ه00ل يج00وز ثبوت00ه هلل تع00الى 0أم ال
يجوز؟ جوزه القاضي 0أبو بكر الباقالني 0والمعتزلة 0،ومنعه كثير من أه00ل الس00نة وأب00و هاش00م من
المعتزلة.
قال القاضي عضد الدين في المواقف :والحق أنه إن اشترط في العلم اإلجم00الي 0الجه00ل
بالتفصيل امتنع عليه تعالى 0،وإال فال يمتنع.
قال الدواني في شرح العقائد العضدية :وه00و –أي العلم اإلجم00الي 0-علم بالفع00ل بجمي00ع
المعلومات 0،ال بالقوة كما توهمه بعض المتأخرين ..قال الخي00الي :ض00رورة حص00ول ص00ورة ك00ل
واحدة منه00ا عن00د الم00درك في ض00من ص00ورة الك00ل المتألف00ة من ص00ورها .وانظ00ر ش00رح ال00دواني
بحاشية الكلنبوي عليه (.)56-2/54
وقال الذين منعوا ثبوت العلم اإلجمالي هلل تعالى 0:إن ثبوت الن00وعين 0من العلم هلل تع00الى
متناقض ،فإن العلم التفصيلي الذي أجمعوا على ثبوت00ه هلل تع00الى عب00ارة عن تعل00ق علم00ه تع00الى
بكل معلوم على الوجه الذي هو عليه 0،وهو حقيق0ة المعل0وم ،وه0ذا من0اقض لتعل00ق علم00ه تع0الى
بالمعلومات 0على وجه اإلجمال ،ألن العلم اإلجمالي إنما يحصل عند عدم العلم التفص00يلي ،وقبل00ه
121
بثالثة َكفَر الفالسفة العدا ##إذ أنكروها وهي حقا ً مثبتة
علم بجزئي ،حدوث عوالم ##حشر ألجساد وكانت ميتة
ويعلم س00بحانه وتع00الى م00ا ال نهاي00ة ل00ه ككماالت00ه ،وأنف00اس أه00ل الجن00ة ،فيعلمه00ا
تفصيالً ،ويعلم أنه ال نهاية لها ،وتوقف التفصيل على التن0اهي إنم0ا ه0و بحس0ب عقولن0ا،
ودخل في ذلك علمه ،فيعلم بعلمه أن له علماً،
والتعريف الذي ذكرناه أولى من التعريف الذي ذكره الشارح وغيره ،وه00و قول00ه:
“ ص00فة أزلي00ة قائم00ة بذات00ه تع00الى تنكش00ف به00ا المعلوم00ات عن00د تعلقه00ا به00ا “ ألن ه00ذا
التعري00ف مع00ترض من وج00وه ،منه00ا أن قول00ه “ :تنكش00ف “ يقتض00ي س00بق الجه00ل ،ألن
االنكشاف ظهور الشيء بعد الخفاء ،ومنها أن المعلوم00ات جم00ع معل00وم وه00و مش00تق من
العلم ،والمشتق متوقف على المشتق منه ،كما أن العلم متوقف على معرفة المعلوم ألن00ه
أخ00ذ في تعريف00ه ،فك00ل منهم00ا متوق00ف على اآلخ00ر فج00اء ال00دور ،ومنه00ا أن قول00ه“ :
المعلومات “ يقتضي أنها منكشفة قبل االنكش00اف ،فيل00زم تحص00يل الحاص00ل ،وأجيب عن
األول بأن المراد باالنكشاف هنا :ظهور الش00يء من غ00ير س00بق خف00اء ،وعن الث00اني ب00أن
المشتق منه هو العلم ال00ذي ه00و المص00در ،والمع00رف العلم بمع00نى الص00فة ،1وب00أن الجه00ة
منفكة ،ألن توقف العلم على المعل0وم من حيث المعرف0ة ،وتوق0ف المعل0وم 2على العلم من
حيث االشتقاق ،وعن الثالث ب0أن الم00راد بالمعلوم00ات األم00ور من غ00ير نظ00ر لوق00وع العلم
عليها وب00ه ين00دفع ال00دور أيض0اً ،وب00أن الم00راد بالمعلوم00ات م00ا من ش00أنها أن تعلم ،وك00ان
األولى حذف قوله (:عند تعلقها بها ) ألنه يقتضي أن العلم تارة يتعلق بالمعلومات وت00ارة
ال يتعلق بها وليس كذلك ألن علم هللا متعلق بالمعلومات أزالً وأبداً،
فال يجتمع00ان مع0اً ،وإنم00ا يحص00الن 0فيم00ا يوج00دان في00ه من العب00اد على س00بيل التع00اقب ،فيحص00ل
اإلجمالي 0،ثم التفصيلي 0،وعند حصول التفصيلي يرتفع اإلجمال ،ومن أجل ذلك قال الضرير0:
والعلم بالشيء 0على التفصيل ##يناقض العلم على التجميل
ولو سلمنا عدم تناقضهما فأي فائ0دة في ثب0وت العلم اإلجم0الي 0بع0د ثب0وت التفص0يلي!؟0
وهذا المذهب هو المذهب الحق الذي ندين هللا تعالى 0به.
2ق00ال العط00ار في حاش00يته 0على ش00رح المحلي 0لجم00ع الجوام00ع ( )2/455ق00ال الجالل
الدواني :اشتهر عنهم –أي عن الفالسفة 0المعتزلة 0-أنه سبحانه ال يعلم الجزئيات المادية بالوجه
الجزئي 0،بل إنما يعلمها بوجه كلي منحصر في الخارج 0في شخص واحد منه0ا ،وق0د ك0ثر تش00نيع
الطوائ00ف عليهم ،ثم ق00رر كالمهم على وج00ه ال يقتض00ي التكف00ير ،فراجع00ه إن ش00ئت ،وق00ال المال
جامي في الدرة الفاخرة :اشتهر عنهم أنهم ادع00وا انتف00اء علم00ه بالجزئي00ات 0،ولكن أنك00ره بعض
المتأخرين 0،وقال :نفي تعلق علمه تعالى بالجزئيات قد أحاله 0عليهم من لم يفهم كالمهم إلى آخ00ر
ما قال ،وأنا أقول :هم –وإن أول كال ُمهم في هذه المسألة 0على وجه ليس فيه كف00ر -فلهم عظ00ائم
أجم00ع على كف00رهم فيه00ا س00ائر العلم00اء نع00وذ باهلل تع00الى من عقائ00دهم الفاس00دة ،انتهى فأس00باب0
تكفيرهم غير منحصرة في الثالثة المذكورة في الشرح.
1هذا ال يدفع توقف معرفة كل منهما على اآلخر.
2هذا خطأ ال معنى له ألن توقف00ه علي00ه من ه00ذه الجه00ة ال ي00دفع توقف00ه علي00ه من حيث
المعرفة .والحق أن يقال :إن هذا التعريف إنما هو لمن يعرف مطلق العلم ويعرف المعل00وم لكن00ه
ال يعرف أن العلم من حيث كونه وصفا ً له تعالى عبارة عن أي شيء هو ،فال دور.
122
والدليل على وجوب العلم له تعالى أن تقول :هللا فاع00ل فعالً متقن0ا ً محكم0ا ً بالقص00د
واالختيار ،وكل من كان كذلك يجب له العلم ،فاهلل يجب له العلم ،فإن قي00ل :إن ه00ذا ال00دليل
إنما يفيد علمه بالجائزات فقط ،فما الدليل على علمه بالواجبات والمستحيالت؟ أجيب بأن
دليل ذلك دليل ع00دم افتق00اره للمخص00ص ،ألن00ه ل0و لم يعلم بالواجب00ات والمس00تحيالت لك00ان
محتاج0ا ً لمن يكمل00ه ،فيل00زم أن يك00ون حادث0ا ً فيفتق00ر للمخص00ص ،وق00د تق00دم ع00دم افتق00اره
للمخصص
(قوله :وال يقال مكتسب) أي وال يج0وز ش00رعا ً وال عقالً أن يطل00ق على علم0ه أن00ه
مكتسب ،وهذا ربما يوهم أن النهي عن القول واإلطالق م00ع ص00حة المع00نى وليس ك00ذلك،
ولعل تفسير القول باالعتقاد هن0ا أحس00ن ،وعلي0ه ف0المعنى :وال يج00وز أن يعتق0د أن علم0ه
مكتسب ،الستحالته ،ألن الكس00بي عرف0اً :ه00و العلم الحاص00ل عن النظ00ر واالس00تدالل ،ف00إذا
أقمت دليالً على ح00دوث الع00الم ب00أن قلت :الع00الم متغ00ير وك00ل متغ00ير ح00ادث ،ينتج :الع00الم
حادث ،فالعلم بحدوث العالم حاصل عن نظر واستدالل فهو كسبي ،وقيل :الكسبي ه00و م00ا
تعلقت به القدرة الحادثة وعلى هذا التعريف فيش00مل العلم الض00روري الحاص00ل ب00الحواس
كالعلم الحاصل باإلبصار أو بالشم ،بخالفه على التعري00ف األول؛ وعلى ك00ل من التع00ريفين
ال يقال لعلم هللا :كسبي ،ألنه يلزم منه قيام الحوادث بذاته تعالى ،ويل00زم من00ه أيض0ا ً س00بق
الجهل في حقه تعالى وهو محال؛ وما ورد مما يوهم اكتساب علمه تعالى كقول00ه ج00ل من
ص00ى( )1الكه00ف :من اآلية )12م00ؤول على أن ي ا ْل ِحْ 00زبَ ْي ِن أَ ْح َ
قائ00ل( :ثُ َّم بَ َع ْثنَ00ا ُه ْم لِنَ ْعلَ َم أَ ُّ
المراد –وهللا أعلم :ليظهر 2لهم متعل00ق علمن00ا ،أو أن الم00راد بـ “ نعلم “ مفت00وح الن00ون
والالم “ نعلم “ مضموم النون 3ومكسور الالم ،كما قاله الشيخ المل00وي ،ومم00ا ال يق00ال:
إنه من باب تنزيل المتكلم منزلة من لم يعلم وإن ذكره في الي00واقيت عن ابن الع00ربي ،وال
أظنه إال مدسوسا ً على الشيخ،
فإن قيل :ظاهر اآلي00ة التعلي00ل م00ع أن أفع00ال هللا ال تعل00ل أجيب بجع00ل الم00ه للعاقب00ة
والفائدة ،فاآلية أوهمت أن علم00ه مكتس0ب وق0د علمت جواب0ه ،وأوهمت تعلي00ل فعل00ه وق00د
علمت جوابه ،فالكالم في مقامين وإن أوهم كالم الشارح خالفه.
واعلم أن00ه كم00ا ال يق00ال :علم00ه مكتس00ب ،ال يق00ال :علم00ه ض00روري وال نظ00ري وال
بديهي ،أما الضروري فهو وإن كان يطلق على م0ا ال يتوق0ف على نظ0ر واس0تدالل ،وه0و
صحيح في حقه تعالى ،لكن يطلق أيضا ً على ما قارنته الضرورية فيمتنع أن يق00ال :علم00ه
ضروري خوفا من توهم هذا المعنى.وأماالنظري فهو م0ا توق0ف على النظ0ر واالس0تدالل،
فهو مرادف للكسبي على تعريفه األول ،فيمتنع أن يقال علمه نظري الس00تلزامه الح00دوث
كم00ا م00ر في الكس00بي ،وأم00ا الب00ديهي فه00و وإن ك00ان يطل00ق على م00ا ال يتوق00ف على نظ00ر
واستدالل ،فيكون مرادفا للضروري على أحد معنييه ،لكن يطلق أيضا على العلم الحاصل
1قوله" :ثم بعثن00اهم ..إلخ" في الجاللين أن (بعثن00اهم) 0بمع00نى أيقظن00اهم ،و(أحص00ى)
فعل ماض بمعنى ضبط.
2ال يخفى بعد الوجهين وركاكتهم00ا ،واألولى أن يق00ال الم00راد يتعل00ق علمن00ا بك00ون ه00ذا
األمر موجوداً ،وهذا ما سماه بعضهم بالتعلق التنجيزي 0الحادث وأما ما قبل00ه فك00ان العلم متعلق 0اً0
بأنه سيوجد ،وهللا أعلم.
3على ذكر السبب وإرادة المسبب ألن العلم سبب لإلعالم.
123
للنفس بغتة ،يقال :بده النفس األمر :إذا أتاها بغتة ،فيمتنع أن يقال :علمه بديهي إليهامه
هذا المعنى.
قوله( :فاتبع سبيل الح00ق) أي إذا علمت وج00وب الق00درة واإلرادة والعلم ل00ه تع00الى
فاتبع طريقا هو الحق وهو الحكم المطابق للواقع ،فالفاء فاء الفص00يحة ،والس00بيل بمع00نى
الطريق ،وإضافته للحق للبي00ان ،ويص00ح أن يك00ون في الكالم ح00ذف المض00اف ،والتق00دير:
سبيل أهل الحق ،أي طريقهم ،والمراد به:معتقد أهل السنة من وجوب صفات المعاني ل00ه
تعالى.
فالريَب جمع ريبة بمع00نى الش00بهة وقوله( :واطرح الريب) أي :وألق عنك الشبهِّ ،
ال00تى لم تعلم ص00حتها وال فس00ادها ،وه00ذا بحس00ب األص00ل ،وإال فالقص00د هن00ا ال00رد على
المعتزلة النافين لصفات المعاني لئال يلزم تعدد القدماء ،وهذه شبهة فاسدة ،ألنه ال يض00ر
إال تعدد ذوات القدماء ال تعدد الصفات مع اتحاد الذات ،ويصح أن يك00ون في الكالم ح00ذف
مضافين ،والتقدير :واط00رح س00بيل أه00ل ال00ريب وش00كوك الن00افين لص00فات المع00اني ،ألنهم
يقولون :قادر بذاته مريد بذاته ،وهكذا ،وهو هذيان ،ألن00ه ال يُعق00ل ق00ادر بال ق00درة ومري00د
بال إرادة وهكذا.
حياته كذا الكالم ،السمع ##ثم البصر بذي أتانا السمع -29
{ -73حياة هللا تعالى }
(قوله :حياته) معطوف على الوجود بحذف حرف العطف ،وما صنعه الشارح حل
مع00نى كم00ا تق00دم ،وق00د ع00رف الش00يخ السنوس00ي الحي00اة بتعري00ف يش00مل الحي00اة القديم00ة
والحادثة حيث قال :هي صفة تصحح لمن قامت به اإلدراك :أي تصحح لمن قامت ب00ه أن
يتصف بصفات اإلدراك 1وال يضره الجمع بين حقيقتين مختلفتين بالق00دم والح00دوث ،ألن00ه
رسم ال ح ّد ،2وعرف بعضهم كالً منهما بتعريف يخصه ،فعرف الحي00اة القديم00ة بقول00ه“ :
صفة أزلية تقتضي صحة العلم “ أي تقتضي ص00حة االتص00اف ب00ه ،وكم00ا تقتض00ي ص00حة
االتصاف بالعلم تقتضي صحة االتصاف بغ00يره من الص00فات الواجب00ة ،وإنم00ا اقتص00ر على
العلم ألنه شرط في غيره 3وش00رط الش00رط ش00رط ،وأقحم لفظ00ة “ ص00حة “ ألن الحي00اة ال
تستلزم العلم بالفعل ،لكن العلم واجب في حقه تع00الى لل00دليل الس00ابق ،وأم00ا في حقن00ا فق00د
1أي بصفات تصحح اإلدراك مثل القوة المودعة في العين واألذن واألنف والفم والبدن
إلدراك المرئي00ات 0واألص00وات وال00روائح والطع00وم والملموس00ات ،ف00إن الحي00اة ش00رط في اتص00اف
الموجود بهذه الصفات ،وقد توجد الحياة بدونها كاألعمى واألصم واألخشم.
2ألن الحد يك00ون بال00ذاتيات 0وذاتي00ات ك00ل ش00يء تخص00ه ال يش00اركه فيه00ا غ00يره بخالف
العرضيات التي يتألف منها الرسم.
3قول00ه" :ألن00ه ش00رط في غ00يره ،أي ألن العلم ش00رط في غ00يره من ب00اقي الص00فات 0من
القدرة واإلرادة .والحياة شرط فيه ،وشرط الشرط شرط.
124
ينتفي العلم مع وجود الحياة ،كما في المجن00ون فإن00ه حي م00ع انتف00اء العلم عنه ،1وع00رف
الحياة الحادثة بقوله “ :هي كيفية يلزمها قب00ول الحس والحرك00ة اإلرادي00ة “ أي ع00رض
يلزم00ه قب00ول اإلحس00اس وقب00ول الحرك00ة اإلرادي00ة ،بخالف الحرك00ة االض00طرارية كحرك00ة
الحجر بحركة محركه ،وحياة هللا لذاته ليست بروح ،وحياتنا ليست لذاتنا بل بسبب روح،
ودليل وجوب الحياة ل0ه تع0الى أن تق0ول :هللا المتص0ف بالق0درة واإلرادة والعلم ،وك0ل من
كان كذلك تجب له الحياة ،فاهلل تجب له الحياة
{ -74كالم هللا تعالى }
(قوله :كذا الكالم) “ كذا “ خبر مقدم ،و “ الكالم “ مبتدأ مؤخر والمعنى :الكالم
مثل ذا أي ما تقدم من الص00فات ،والتش00بيه ليس من ك00ل وج00ه ب00ل في مطل00ق الوج00وب هلل
تع00الى وإن خالفه00ا في ال00دليل ،ألن دليله00ا عقلي إم00ا وح00ده وإم00ا م00ع النقلي على وج00ه
التأكيد ،ودليله نقلي إما وحده أو مع العقلي على وجه التأكيد2؛ فالمعول عليه في00ه ال00دليل
السمعي 3كما سيذكره بقوله “ :بذي أتانا السمع “
وقد اختلف أهل المذاهب في مع00نى كالم00ه تع00الى ،فق00ال أه00ل الس00نة :ص00فة أزلي00ة
قائمة بذاته تعالى ليست بحرف وال صوت منزهة عن التقدم والتأخر واإلع00راب والبن00اء،
ومنزهة 4عن السكوت النفسي بأن ال يدبر في نفسه الكالم مع القدرة عليه ،ومنزه00ة عن
اآلفة الباطنية بأن ال يقدر على ذلك كما في حال الخرس 5والطفولية،
وق00الت الحش00وية وطائف00ة س00موا أنفس00هم 0الحنابل00ة :كالم00ه تع00الى ه00و الح00روف
واألصوات المتوالية المترتبة ويزعمون أنها قديمة ،وتغالى بعض0هم ح0تى زعم ق0دم ه0ذه
الحروف التي نقرؤها والرسوم 6بل تجاوز جهل بعضهم لغالف المصحف،
1هذا يدل على عكس ما ادعاه آنفا ً من أن العلم ش00رط في غ00يره ألن المجن00ون متص00ف
بالقدرة مع فقد العلم عنه فما قاله آنفا ً منقوض.
2قوله" :إم0ا وح0ده أو م0ع العقلي" معن0اه أن0ك بالخي00ار بين أن تس0تدل بال0دليل النقلي
وتقتصر علي0ه ،وبين أن تض0م إلي0ه ال0دليل العقلي للتأكي0د والتقوي0ة 0،وه0و م0ا ذك0ره السنوس0ي
بقوله "وأيضا ً لو لم يتص0ف به0ا ل0زم أن يتص0ف بأض0دادها وهي نق0ائص والنقص 0علي0ه تع0الى
محال" .أجهوري.
3وذلك ألن وجود اإلله ال يتوقف على كونه متكلم0ا ً كم00ا يتوق00ف على كون00ه حي0ا ً ق00ادراً
مريداً بل كونه تعالى 0متكلما ً ثابت بقول النبي 0:إن الرب قد أنزل علي كالما ً مثالً ،والنبي ق0د ثبتت
نبوته بالمعجزة التي ليست بكالم فكان ثبوت الكالم بالدليل السمعي.
4ك00ان األولى أن يق00ول :مض00ادة للس00كوت ..ومض00ادة لآلف00ة الباطني 0ة 0ألن الم00نزه عن
السكوت وعن اآلفة الباطنية هو هللا تعالى 0،ال الصفة المذكورة ،بل هي مضادة لهما.
5قول00ه" :كم00ا في ح00ال الخ00رس … إلخ" التش00بيه في مطل00ق اآلف00ة وإن ك00انت اآلف00ة
المش00بهة هي اآلف00ة الباطني00ة المانع00ة 0من الكالم النفس00ي ،واآلف00ة المش00به به00ا هي الخ00رس
والطفولية ظاهرية مانعة من الكالم اللفظي .أجهوري.
6يقصد الشارح 0الحروف التي تصدر من القارئ وك00ان علي00ه أن يق00ول نتلف00ظ به00ا ب00دل
نقرؤها ألن المقروء قديم والحادث هو القرائة وص00وت الق00ارئ 0وحروف00ه فإنه00ا حكاي00ة لكالم هللا
تعالى وليست نفسه كما قال اإلمام أبو حنيفة :ما قام باهلل قديم ،وما قام ب0الخلق مخل00وق ،أق0ول:
125
وقالت المعتزلة :كالمه هو الحروف واألصوات الحادث0ة وهي غ0ير قائم0ة بذات0ه،
فمع00نى كون00ه متكلم0ا ً عن00دهم :أن00ه خ00الق للكالم في بعض األجس00ام 1ل00زعمهم أن الكالم ال
يك00ون إال بح00روف وأص00وات ،وه00و م00ردود ب00أن الكالم النفس00ي ث00ابت لغ00ة كم00ا في ق00ول
األخطل:
إن الكالم لفي الفؤاد وإنما ##جعل اللسان على الفؤاد 0دليالً
وكالمه تعالى صفة واحدة ال تعدد فيها ،2لكن له اقسام اعتبارية ،فمن حيث تعلق00ه
بطلب فع00ل الص00الة مثالً :أم00ر ،ومن حيث تعلق00ه بطلب ت00رك الزن00ا مثالً :نهي ،ومن حيث
تعلقه بأن فرعون فعل كذا مثالً :خبر ،ومن حيث تعلقه بأن الطائع له الجن00ة :وع00د ،ومن
حيث تعلقه بأن العاصي يدخل الن00ار :وعي00د ،إلى غ00ير ذل00ك ،وتعلق00ه بالنس00بة لغ00ير األم00ر
والنهي :تعلق تنجيزي قديم ،وأم00ا بالنس00بة لألم00ر والنهي :ف00إن لم يش00ترط فيهم00ا وج00ود
المأمور والمنهي ،3فكذلك 4وإن اشترط فيهما ذلك كان التعلق فيهما ص00لوحيا ً قب00ل وج00ود
المأمور والمنهي ،وتنجيزيا ً حادثا ً بعد وجودهما.
واعلم أن كالم هللا يطلق على الكالم النفسي القديم ،بمعنى أن00ه ص00فة قائم00ة بذات00ه
تعالى ،وعلى الكالم اللفظي بمعنى أنه خلقه ،وليس ألحد في أصل 5تركيب00ه كس00ب ،وعلى
هذا المعنى 6يحمل قول السيدة عائش00ة :م00ا بين دف00تي المص00حف كالم هللا تع00الى وإطالق00ه
وهال قالت هذه الطائفة بقدم القارئ مثل ما قالت بقدم ألفاظه وحروفه!؟.
1كاللوح المحفوظ وجبريل والنبي وشجرة موسى.
2ه0ذا ه0و م0ذهب ابن كالب ،وتبع0ه علي0ه جمه0ور األش0اعرة والماتريدي0ة 0،وليس ه0و
مذهب جمهور السلف ،وانظر تفصيله وما يرد عليه في مقالتنا المفردة في مسألة الكالم.
وأما جمهور السلف فالقرآن 0عندهم عبارة عن األلف00اظ النفس00ية المرتب00ة م00ع معانيه00ا،
وانظر تفصيله هناك.
3يعني حال األمر ،وأما الوجود مطلقاً 0فال خالف فيه.
4قوله :فكذلك :أي اكتف00اء بوج0ود الم00أمور والمنهي في علم هللا وتق00ديره ،كم00ا ذك00ره
الشيخ األمير في حاشية عبد السالم ،أجهوري.
أقول :وهذا هو التحقيق فإن لألب مثالً أن يأمر ابنه الذي سيوجد –أي يطلب 0منه طلب00ا ً
جازماً -أن يفعل كذا عند وجوده وفهمه للخطاب 0وقدرته فهذا الطلب قد وجد مع فقد الم00أمور في
الخارج.
5قوله في أصل تركيبه :كلمة "األصل" حشو مفسد.
6أي على اللفظي 0المخلوق هلل تع00الى وذل00ك ألن الكالم الق00ديم الق00ائم باهلل تع00الى 0ال يق00ع
بين الدفتين.
126
عليهما ،قيل باالشتراك ،وقيل حقيقي في النفسي مج00از في اللفظي ،1وعلى كل 2من أنك00ر
أن ما بين دفتي المصحف كالم هللا فقد كفر ،إال أن يريد أنه ليس هو الصفة القائمة بذات00ه
تعالى،
ومع كون اللفظ الذي نق00رؤه حادث0ا ً ال يج00وز أن يق00ال :الق00رآن ح00ادث إال في مق00ام
التعليم ،ألنه يطلق على الصفة القائمة بذاته أيضا ً لكن مجازاً على األرجح ،فربم00ا يت00وهم
من إطالق أن القرآن حادث أن الصفة القائم00ة بذات00ه تع00الى حادث00ة ،ول00ذلك ض00رب اإلم00ام
أحمد بن حنبل وحبس على أن يقول بخلق القرآن فلم يرض،3
وقال السنوس00ي وغ00يره من المتق0دمين :إن األلف0اظ ال0تي نقرؤه00ا ت0دل على الكالم
القديم ،وهذا خالف التحقيق ،ألن بعض مدلوله قديم ،كما في قول00ه تع00الى( :هَّللا ُ ال إِلَ 0هَ إِاَّل
ُه َو ا ْل َح ُّي ا ْلقَيُّو ُم) (البقرة :من اآلية )255وبعض مدلوله حادث كما في قول00ه تع00الى( :إِنَّ
سى) (القصص :من اآلية )76والتحقيق أن هذه األلف00اظ ت00دل على قَارُونَ َكانَ ِمنْ قَ ْو ِم ُمو َ
4
بعض م00دلول الكالم الق00ديم ،ألن00ه ي00دل على جمي00ع الواجب00ات والج00ائزات والمس00تحيالت
فاأللفاظ التي نقرؤها تدل على بعض ه00ذا الم00دلول ،فل00و كش00ف عن00ا الحج00اب وفهمن00ا من
صالةَ) (األنع00ام: الكالم القديم طلب إقامة الصالة مثالً نفهم ذلك من قوله تعالى( :أَقِي ُموا ال َّ
من اآلية )72ويص00ح أن يك00ون الم00راد أن الكالم اللفظي ي00دل على الكالم النفس00ي دالل00ة
عقلية التزامية بحسب العرف ،فإن من أضيف له كالم لفظي دل عرفا ً أن له كالما ً نفس00ياً،
وقد أضيف له تعالى كالم لفظي كالقرآن ،فإنه كالم هللا قطعاً ،بمع00نى أن00ه خلق00ه في الل00وح
المحفوظ ،فدل التزاما ً على أن له تعالى كالم0ا ً نفس00ياً ،وه00ذا ه00و الم00راد بق00ولهم :الق00رآن
1هذا القول ضعيف ألن الش00ائع المس00تمر ه00و إطالق الكالم على اللفظي وإطالق00ه على
المعنى القائم 0ب0النفس 0ن0ادر وه0ذا دلي0ل على العكس من ه0ذا الق0ول أي كون0ه حقيقي0اً 0في اللفظي
مجازاً في المعنى كما قيل بهذا وهو قول قوي" ولعل ذلك القائل الح00ظ أن المع00نى لكون00ه وص00فا ً
له تعالى هو أولى بإطالق كالم هللا عليه 0،وهذا أمر ال عالق00ة ل00ه باللغ00ة والمس00ألة 0لغوي00ة ،ومم00ا
ينبغي التنبيه عليه أنه ليس المراد بالكالم 0النفس00ي عن00د جمه00ور األش00اعرة والماتريدي00ة األلف00اظ
النفسية مثل ما يرتبه اإلنسان في نفسه بعد حصول المعنى فيه وقب00ل التلف0ظ 0ب00الكالم اللفظي ألن
الكالم بهذا المع00نى مث00ل الكالم اللفظي 0ح00ادث عن00دهم لوج00ود ال00ترتيب 0في00ه ،ب00ل م00رادهم ب00الكالم
النفسي المعنى الذي ال يتغ00ير بتغ00ير التعب00يرات وال يختل00ف ب0اختالف اللغ0ات 0،مث00ل الطلب 0الق00ائم
بنفس اآلمر.
2قول00ه :وعلى ك00ل ب00التنوين أي ك00ل من اإلطالقين إطالق الق00رآن على الكالم النفس00ي
وإطالقه على الكالم اللفظي.
3أقول :امتنع اإلمام أحمد وغيره من أئم00ة أه00ل الس00نة عن الق00ول بخل00ق الق00رآن ألنهم
كانوا يرون أن القرآن بألفاظه 0ومعانيه قديم قائم بذاته تعالى وه0ذا ه0و م0ذهب جمه0ور الس0لف،
وأما ما ذكره الش00ارح هن00ا فه00و م00ذهب ابن كالب وجمه00ور المت00أخرين 0من أه00ل الس00نة 0،وانظ00ر
تحقيق المسألة في مقالتنا في المسألة.
4واأللف00اظ 0ال00تي نقرؤه00ا ال ت00دل على ه00ذا الجمي00ع ب00ل على بعض00ها ،واألولى أن يق00ول
الشارح 0:واأللفاظ التي نقرؤها بالواو بدل الفاء.
127
حادث ، 1ومدلوله قديم فأرادوا بمدلوله :الكالم النفسي ،وتكفي اإلضافة اإلجمالية 2وإن لم
يكن اللفظي قائما ً بالذات،
وفهم القرافي 3أن المراد المدلول الوضعي فقال :منه قديم وهو ذات هللا وص00فاته،
وحادث كخلق السموات ومستحيل (ات ََّخ َذ ال َّر ْح َمنُ َولَداً) (م00ريم :من اآلية )88كم00ا بس00طه
العالمة الملوي،
والحاصل أن لأللفاظ التي نقرؤها دالل00تين :أوالهم00ا التزامي00ة عقلي00ة عرف0ا ً كدالل00ة
اللف00ظ على حي00اة الالف00ظ ،والم00دلول به00ذه الدالل00ة ه00و الكالم الق00ديم ،وه00ذا محم00ل كالم
السنوسي ومن تبعه ،وثانيهما وضعية لفظية ،والمدلول بهذه الداللة بعضه قديم وبعض00ه
4
حادث ،وهذا محمل كالم الق00رافي وغ00يره ،فال تن00افي بين الق00ولين كم00ا يص00رح ب00ه بعض
حواشي الكبرى ،وهللا أعلم.
{ -75سمع هللا }
(قوله السمع) معطوف على الكالم بحذف حرف العطف :أي وكذا السمع فهو مثل
م00ا ذك00ر في وج00وب اتص00افه تع00الى ب00ه ،وه00و ص00فة أزلي00ة قائم00ة بذات00ه تع00الى تتعل00ق
بالموجودات :األصوات ،وغيرها كال00ذوات ،5كم00ا س00يأتي في قول00ه “ :وك00ل موج00ود أن00ط
للسمع به “ وهذه طريقة السنوسي ومن تبعه،
وقال السعد :تتعلق بالمسموعات ،فيحتمل أن م0راده بالمس00موعات في حقن00ا وهي
األصوات ،فيكون مخالفا ً لطريقة السنوسي ومن تبعه ،ويحتمل أن مراده المسموعات في
حقه تعالى وهي الموجودات األصوات وغيرها ،فيكون موافقا ً لطريقة السنوسي ،فيسمع
سبحانه وتعالى كالً من األصوات والذوات ،بمعنى أن كالً منهما منكشف هلل بسمعه،
ويجب اعتقاد أن االنكشاف بالس0مع غ0ير االنكش0اف بالبص0ر ،وأن كالمنهم0ا غ0ير
االنكشاف بالعلم ،ولكل حقيقة يفوض علمها هلل تعالى وليس األمر على م00ا نعه00ده من أن
البصر يفيد بالمشاهدة وضوحا ً فوق العلم ،بل جميع صفاته تام00ة كامل00ة ،يس00تحيل عليه00ا
الخفاء والزيادة والنقص إلى غير ذلك ،وما ذكر من التعريف للسمع القديم ،وأم00ا الس00مع
الحادث فهو :قوة مودعة في العصب المف00روش في مقع00ر الص00ماخ ت00درك به00ا األص00وات
قوله (أربعوا على أنفسكم) أشفقوا على أنفسكم فهو من معنى قوله تع00الى( :ا ْد ُع00وا َربَّ ُك ْم
َض ُّرعا ً َو ُخ ْفيَةً) (األعراف :من اآلية )55وقد أجمع أه00ل المل00ل واألدي00ان على أن00ه تع00الى ت َ
متكلم وسميع وبصير.
فإن قيل :المدعى أن له تعالى صفتين من صفات المع00اني وهم00ا الس00مع والبص00ر،
وما في اآلية والحديث وانعقد عليه اإلجماع أنه تع00الى س00ميع بص00ير وه00و غ00ير الم00دعى
أجيب بأن أهل اللغة ال يفهمون من سميع وبص00ير إال ذات0ا ً ثبت له00ا الس00مع والبص00ر ،ألن
إطالق المش00تق وص00فا ً لش00يء يقتض00ي ثب00وت مأخ00ذ االش00تقاق ل00ه فثبت الم00دعى باآلي00ة
والح00ديث واإلجم00اع م00ع اعتب00ار م00ا يفهم00ه أه00ل اللغ00ة ،وال يخفى أن00ه ال إيط00اء في كالم
الناظم ،بل فيه الجناس الت00ام؛ ألن الس00مع األول بمع00نى الص00فة القديم00ة ،والس00مع الث00اني
بمعنى الدليل السمعي ،على أنه تقدم أنها ليست من مشطور الرجز بل من كامله ،وحينئ00ذ
فال إيطاء أصالً.
1هذا من اإلسرائيليات.
2أخرجه البخاري ( )2992ومسلم ( )2704من حديث أبي موسى األشعري.
130
{ -77هل هلل تعالى صفة تسمى باإلدراك }
فهل له إدراك أوال ُخ ْلفُ ##وعند قوم ّ
صح فيه الوقفُ -30
(قوله فهل له … إلخ) التعبير بواو االستئناف أوضح من التعبير بالفاء ،ألن ه00ذا
ال يتفرع على م00ا قبل00ه ،ويمكن جع00ل الف00اء لالس00تئناف ،ويص00ح أن تجع00ل ف00اء الفص00يحة
فتكون في جواب شرط مقدر ،والتقدير :إذا أردت تحقيق مسألة اإلدراك فأقول لك :هل له
..إلخ ،وحاصل ما ذك00ره الن00اظم أن00ه قي00ل بثبوته00ا وقي00ل بانتفائه00ا ،وقي00ل ب00الوقف ،1فهي
أقوال ثالثة:
{ -78ثبوت صفة التكوين هلل تعالى وقيامها به تعالى}
1قال المحقق البياضي 0في إشارات 0الم00رام ( :)124اخت00ار عام00ة المتكلمين أن اإلدراك
ليس ص00فة زائ00دة ،ب00ل ه00و من العلم في ح00ق الب00اري خالف 0ا ً ألبي بك00ر الب00اقالني ومن تبع00ه من
األشاعرة متمسكين في كون إدراك الش00م وال00ذوق واللمس ص00فة هلل تع00الى مغ00ايرة للعلم بأن00ه ال
يتعلق بما مضى (أي يتعل00ق بالحاض00ر فق00ط) بخالف العلم ،وأن00ه إدراك س00ادس لمخالفت0ه 0لس00ائر
اإلدراكات ،وعدم قيامه مقام شيء منها فإن00ه إنم00ا (يثبت) ذل00ك (القي00ام) ل00و ك00ان م00ا ثبت لبعض
أنواع الجنس ثابتا ً لآلخر 0،وليس كذلك كما في المنائح ،وأجيب بمن00ع خروج00ه عن جنس العل00وم
ألنه ال انفكاك لإلدراك 0عن العلم ،وأن حكم العلم ،وهو عدم تأثيره في متعلقه ثابت ل00ه فك00ان ه00و
هو انتهى.
أقول :لم يرد السمع بثبوت اإلدراك هلل تعالى ،والعلم يغني عنه ،فكيف يقال به؟!.
{ - 79بيان أن التكوين الذي قال به الماتريدية بمعنى مبدأ األفعال ،ال بمع00نى الق00در
المشترك بين األفعال}
131
وقد اختلف أيضا ً في صفة التكوين فأثبتها الماتريدي00ة ،وعلي00ه فهي (ص00فة قديم00ة
قائمة بذاته تعالى يوجد بها ويعدم بها ،)1لكن إن تعلقت بالوجود تسمى إيجاداً وإن تعلقت
بالعدم تسمى إعداما ً ،2وإن تعلقت بالحياة تس00مى إحي00اء وهك00ذا ،فص00فات األفع00ال عن00دهم
قديم00ة ألنه00ا هي ص00فة التك00وين وهي قديم00ة ،وذهب بعض00هم إلى أن ه00ذه كله00ا ص00فات
متعددة ،وفيه تكثير للقدماء ج00داً؛ ونفاه00ا األش00اعرة وجعل00وا 0ص00فات األفع00ال هي تعلق00ات
القدرة التنجيزية الحادثة ،ف00إن قي00ل على طريق00ة الماتريدي00ة :م00ا وظيف00ة الق00درة عن00دهم؟
أجيب بأن وظيفتها تهيئة الممكن بحيث تجعله قابالً للوجود والع00دم ورد ب00أن قبول00ه ل00ذلك
1قوله يوجد بها ويعدم بها ،اعلم أنه قد اختلف القائلون 0ب00التكوين 0في أن التك00وين ه00ل
هو عبارة عن مبدأ األفعال أو عبارة عن القدر المشترك بين األفعال.
التحقيق ال00ذي علي0ه 0المحقق00ون منهم ه00و األول ،ألن األفع00ال نفس00ها ال خالف في أنه00ا
حادثة ،وإنما الخالف بين األشاعرة والماتريدية في أن0ه ه0ل هلل تع00الى ص0فة أزلي00ة قائم00ة بذات00ه
تعالى وراء القدرة هي مبدأ لألفعال أم ال حاجة إلى القول به00ا ألن الق00درة المتف00ق عليه00ا بينهم00ا
كافية ألن تكون مبدأ لألفعال بتعلقها بها ،وإذا قلنا بالتكوين 0بمعنى القدر المشترك يكون التكوين
بمعنى األفعال الحادثة 0،والمفروض أنه قديم ،هذا خلف ،فالقديم هو التكوين بمعنى مبدأ األفعال،
ويسمى صفة فعل على أن التكوين والفعل حقيقتان عرفيت00ان فيم00ا ب00ه التك00وين والفع00ل ،كم00ا أن
الم00راد بالفاع00ل في ق00ول من ق00ال" :إن هللا فاع00ل في األزل" من ش00أنه أن يفع00ل ،وأم00ا تعلق00ات
التك00وين فحادث00ة يتج00دد تعلق00ه بوج00ود الش00يء في وقت أراد هللا أن يوج00ده في00ه ،فال يل00زم ق00دم
المكون كما ظنه المخالف 0،وال يلزم كون اإليجاد قديما ً وأثره حادثا ً كجرح س00رى بع00د م00دة ،إذ ال
يصح أن يقال :إن00زال الق00رآن ليل0ة 0الق00در ق00ديم ،وألن فع00ل المخت00ار 0ال يك00ون إال حادث0اً ،قال00ه في
إشارات المرام.
وقال ( )214فبعض مشايخنا كصاحب التبصرة والتلخيص واإلرشاد وإن تسامحوا في
تعريف التكوين "بإخراج 0المعدوم من العدم إلى الوج00ود" كم00ا ه00و دأبهم من ع00دم االلتف00ات إلى
ج00وانب التعريف00ات بع00د االهتم00ام بتحقي00ق الم00رام ،فق00د نبه00وا على أن الم00راد في المق00ام مب00دأ
اإلخراج المذكور ببيان القيام بذاته تعالى .كسائر صفاته.انتهى.
وذهب األشاعرة 0إلى أن التكوين وسائر صفات 0األفعال ليس0ت 0ص00فات حقيقي00ة ،ب00ل هي
أموراعتبارية..
متمس00كين ب00أن مب00دأ اإلخ00راج من الع00دم إلى الوج00ود ليس غ00ير الق00درة المتعلق00ة بأح00د
طرفي الفعل والترك المقترنة بإرادته ،فإن القدرة ص00فة ت00ؤثر على وف00ق اإلرادة ،أي إنم00ا ت00ؤثر
في الفعل ،ويجب صدور الفعل عنها عند انضمام اإلرادة .إليها
وأما بالنظر إلى نفسها ،وعدم اقترانها باإلرادة المرجح00ة ألح00د ج00انبي الفع00ل وال00ترك،
فال تكون إال جائزة التأثير فلذا ال يلزم وجود جميع المقدورات قاله في شرح المقاصد.
2فالتكوين صفة واحدة تختلف أسمائه باختالف تعلقاته.
ومما ينبغي التنبي0ه 0علي00ه أن الج00اري في كالم الماتريدي00ة أن التك00وين يتعل00ق ب00الوجود
وفروعه وقد مثلوا ل00ه ب00ذلك فق00الوا :فمن حيث التعل00ق بحص00ول المخلوق00ات 0تخلي00ق ،وبحص00ول
األرزاق ترزيق ،وبحصول الصورة تصوير ،إلى غير ذلك ،ولم أر في كالم أحد منهم بع00د البحث
التصريح بأنه يتعلق بالعدم ،وأن تعلقه به يسمى إعداما ً مثل م00ا ق0ال الش00ارح غ0ير أن0ه وق0ع في
كالم بعضهم :وإن تعلق بالموت 0يس00مى إمات00ة ،وه00ذا الق00ول يص00لح مث00االً ل00ذلك على الق00ول ب00أن
الموت عدمي كما عليه البعض وأما على القول بأنه وجودي فال يصلح مثاالً له.
132
ذاتي له ،وأجيب بأن الذاتي إنما هو القبول اإلمكاني ،بخالف القب00ول االس0تعدادي 0الق0ريب
3
من الفعل
(قوله إدراك) هو في حق الحادث تصور حقيقة 0الشيء المدرك :أي تصور حقيقة
المدرك –بفتح الراء على صيغة اسم المفعول – 0عند المدرك -بكسرها على صيغة
َ الشيء
اسم الفاعل،
وأما في حقه تع00الى على الق00ول ب00ه فه00و ص00فة قديم00ة قائم00ة بذات00ه تع00الى تس00مى
اإلدراك ،ي00درك به00ا الملموس00ات كالنعوم00ة والخش00ونة ،والمش00مومات كالرائح00ة الطيب00ة،
والمذوقات كالحالوة ،من غير اتصال بمحالها التي هي األجسام ،وال تكي00ف بكيفيته00ا ألن
ذلك إنما هو عادي وقد ينفك ،وقيل :يدرك بها كل موجود،
والذي صرح ب00ه بعض المت00أخرين أنه00ا ص00فة واح00دة ،لكن الواق00ع في كتب الكالم
أنه00ا ثالث ص00فات :إدراك الملموس00ات وإدراك المش00مومات ،وإدراك الم00ذوقات ،واس00تدل
القائلون بإثباتها –وهم القاضي الباقالني وإمام الحرمين ومن وافقهما –بأنها كمال ،وكل
كمال واجب هلل ،ألنه لو لم يتصف بها التص00ف بض00دها وه00و نقص والنقص علي00ه تع00الى
محال ،فوجب أن يتصف بها على ما يليق به من غير اتصال باألجسام ومن غ00ير وص00ول
اللذات واآلالم له تعالى،
وقد تقدم قريبا ً أن في تعلق القدرة بالعدم عن0د األش0عرية خالف ،ف0ذهب األش0عري ومن
تبعه منهم إلى أن الممكن بعد وجوده ينعدم بنفسه ال تتعلق القدرة بعدمه ،وقدمنا في التعلي0ق أن
هذا القول مب00ني على الق00ول بتج00دد األع00راض 0وع00دم بقائه00ا 0،والمش00هور نس00بة ه00ذا الق00ول إلى
األشعري دون الماتريدية 0القائلين 0بالتكوين 0،فل0و ك0انت الماتريدي0ة 0ق0ائلين 0بع0دم بق0اء األع0راض
لصح لنا أن نق0ول على غ0رار ق0ول األش0عري :إن التك0وين عن0دهم ال يتعل0ق بالع0دم ،ب0ل الممكن
ينعدم بنفسه ،وأما إذا لم يكونوا قائلين به ،فاقتصارهم 0على التمثيل بالصور 0التي تعل0ق التك00وين
فيها بالموجودات ليس ألجل حصر تعلقه بها ،بل ألجل أن ذلك هو المتبادر إلى األذه0ان من لف00ظ
التكوين فاقتصروا على ذكر ما تبادر إلى أذهانهم ،وهللا تعالى 0أعلم.
3هذا كالم ال حاصل له ألنه يفيد أن القدرة عند تعلقها بحياة زيد تجعل الحياة المعدومة
الممكنة قريبة إلى الوجود ،وأما الوجود نفسه فإنما يكون بتعل0ق ص0فة التك0وين .وجع0ل الممكن
قريبا ً إلى الوجود شيء ال معنى له وقياسه على تحويل الموجود من صفة بعيدة عن الكم00ال إلى
صفة قريبة عنه غير صحيح ألن الصفة المتوس00طة هن00ا أم00ر موج00ود بخالف م00ا ادعى حص00وله
بتعلق القدرة فإنه أمر ال حاصل له ،وهللا أعلم.
واعلم أن الماتريدية قالوا :إن التكوين غير القدرة ،ألن القدرة أثرها الصحة ،والصحة
ال تستلزم الكون ،فحمل بعض الناس 0الصحة على الص00حة ال00تي ه00و وص00ف المق00دور ف00اعترض
عليهم بأن الصحة هي اإلمكان ،وإنه للممكن ذاتي فال يصلح أثراً للقدرة :فأج00ابوا به00ذا الج00واب
الذي ذكره الشارح 0،وقد علمت فساده ،والص00واب أن الم00راد بالص00حة الص00حة ال00تي هي وص00ف
القادر وهو صحة التأثير 0،ومرادهم أن القدرة صفة مصححة ال م00ؤثرة فإنه00ا عب00ارة عن التمكن0
من الفعل والترك ،عامة شاملة لما وقع ولم00ا لم يق00ع وأم00ا الص00فة الم00ؤثرة فهي ص00فة التك00وين0
على تفاصيلها 0من الخلق واإليجاد والترزيق وغير ذلك ،ف00التكوين متوق00ف على الق00درة وخ00اص
بما وقع.
133
وقول00ه “ أوال “ أي أوليس ل00ه إدراك :أي ص00فة تس00مى اإلدراك كم00ا ذهب إلي00ه
جمع؟ واستدلوا على ذلك بأنه لو اتصف تعالى بها لزم االتصال بمحالها تالزما ً عقلي00ا ً فال
يتصور انفكاكه ،والالزم مستحيل في حقه تعالى ،واستحالة الالزم وه00و االتص00ال ت00وجب
استحالة الملزوم وهو اتصافه تعالى بها ،ولكن األولون ال يسلمون أن بين االتص00اف به00ا
واالتصال بمحالها تالزما ً عقلياً؛ لما تقدم من أنه يجعل00ه عادي0ا ً ويقب00ل االنفك00اك ،ودع00وى
أنه تعالى لو لم يتصف بها التصف بضدها فاس00دة ،لمناف00اة العلم ال00واجب ل00ه تع00الى ل00ذلك
الضد ،ألن علمه تعالى محيط بمتعلقاتها؛ فهو كاف عنها حيث لم يرد س0مع وال دل عليه00ا
فعله تعالى كخلق العالم؛ ألنه ال يتوقف عليها،
وقوله “ خلف “ أي في جواب ذل00ك اختالف1؛ فه00و مبت00دأ خ00بره مح00ذوف وه00ذا
االختالف مبني على االختالف في دليل الصفات الثالثة الس00ابقة ال00تي هي الكالم والس00مع
والبصر ،فمن أثبتها بالدليل العقلي2وه00و أنه00ا ص00فات كم00ال فل00و لم يتص00ف به00ا التص00ف
بأض00دادها وهي نق00ائص والنقص علي00ه تع00الى مح00ال –أثبت ه0ذه الص00فة ال00تي هي ص00فة
اإلدراك ،ومن أثبتها بالدليل السمعي المتقدم :نفي الصفة المذكورة ألنه لم يرد بها سمع
(قوله :وعند قوم صح فيه الوق00ف) أي وص00ح التوق00ف عن الق00ول بإثب00ات اإلدراك
ونفي00ه عن00د ق00وم من المتكلمين ك00المقترح وابن التلمس00اني وبعض المت00أخرين ،لتع00ارض
األدلة فه0ؤالء الق00وم ال يجزم0ون بثب00وت اإلدراك كأه00ل الق0ول األول ،وال يجزم0ون بنفي00ه
كأه00ل الق00ول الث00اني .وه00ذا الق00ول أس00لم وأص00ح من الق00ولين األول00يين ،وكم00ا اختل00ف في
اإلدراك اختلف في الكون مدركا ً واألصح الوقف عن ذلك.
1األولى والمعنى بدل والتقدير 0ألنه ال حاجة إلى تقدير ذلك كله ب00ل يكفي تق00دير المبت00دأ
وحده مقرونا ً بالفاء أي فهو حي.
135
وأمور اعتبارية :1وهي قسمان :أمور اعتبارية انتزاعية كقيام 0زيد فه00و -4
2
أم00ر اعتب00اري ان00تزاعي ألن00ه ان00تزاع من الهيئ00ة الثابت00ة في الخ00ارج ،وأم00ور اعتباري00ة
اختراعية كبحر من زئبق ،فهو اعتباري اختراعي ألنه اخ00تراع الش00خص ،والقس 0م 0األول
ال يتوقف على اعتبار المعتبر وفرض الفارض ،والقس00م الث00اني يتوق00ف على ذل00ك؛ وعلى
الق00ول بنفي األح00وال تك00ون األم00ور ثالث00ة :موج00ودات ،ومع00دومات ،وأم00ور اعتباري00ة
بقسميها ،3وهذه الطريقة هي الراجحة،
ومع00نى إنك00ار المعنوي00ة إنك00ار زيادته00ا على المع00اني بحيث تك00ون واس00طة بين
الموجود والمعدوم ،ال إنكار كونه قادراً مثالً من أصله ،ألنه مجمع عليه فليس فيه خالف
1الجمهور من أهل الس00نة على أن00ه ال واس00طة بين الموج00ود والمع00دوم ،وأن المع00دوم
ليس بشيء فقالوا :ما من شأنه أن يعلم إم00ا أن يك0ون متحقق0اً 0في الخ00ارج 0،وه0و الموج00ود أوال
وهو المعدوم ،وال واسطة بينهما.
وذهب بعض األشاعرة 0،وهو أبو بكر الباقالني وإم00ام الح00رمين في قول00ه األول وبعض
المعتزلة إلى أن الواسطة بين الموجود والمعدوم أمر حق ،وهو الحال كالوجود ،وقالوا :م00ا من
شأنه أن يعلم إما أن ال يكون له تحقق في الخارج 0أصالً ال باعتبار 0نفسه وال باعتبار غيره ،وهو
المعدوم.
أو يكون له تحقق في الخارج باعتبار 0نفسه ال بتبعية الغ00ير وه00و الموج00ود أو باعتب00ار0
غيره وهو الحال ،وهذا التقسيم 0مبني على القول بالواسطة 0وهو الحال.
وعرفوا الحال بأنه صفة لموجود ال موجودة وال معدومة.
فقوله :صفة يخرج الذات ،وقول00ه :لموج00ود يخ00رج ص00فة المع00دوم ألن ص00فة المع00دوم
معدومة فال تكون حاالً ،وقوله :ال موجودة يخرج األعراض ألنها متحققة باعتب00ار 0ذواته00ا ،فهي
من قبيل الموجود دون الحال ،وقوله وال معدومة يخرج السلوب 0التي يتصف بها الموجود فإنها
معدومات ال أحوال ،وهي من األمور االعتبارية 0المحض00ة ،كم00ا يخ00رج األم00ور االختراعي00ة مث00ل
بحر من زئبق فإنها معدومة واعتباري00ة محض00ة أيض0اً 0،والح00ال أيض0ا ً أم00ر اعتب00اري لكن00ه غ00ير
محض.
فاالعتباريات 0قسمان:
قسم ال وجود له ال أصالً وال تبعاً ،وهذا معدوم محض ،كالسلوب 0واألمور االختراعي00ة،
وال يكون متعلقا ً للقدرة.
وقسم آخر يكون وجود متعلقه وج00وداً ل00ه بمع00نى أن هن00اك وج00وداً واح0داً منس00وبا ً إلى
شيء بنفسه 0،وإلى األمر االعتب00اري بتبع00ه 0،وه00ذا م00ا يس00مونه ب00األحوال واألم00ور باالنتزاعي00ة،
ولهذا صرحوا بأن وصفها بالوجود كوصف الشيء بح0ال متعلق0ه ومنه0ا اإليج0اد والت0أثير 0وه0و
كما بينه في شرح المواقف في مقدمة إبطال التسلسل 0كون العل00ة بحيث يتبعه00ا وج00ود المعل00ول،
وهو الذي يسمونه تعلق القدرة ،وهو أثر الفاعل المختار.
واألمور اإلنتزاعية 0أقرب إلى الموجودات الخارجي00ة ومن أج00ل ذل00ك ج00از التكلي00ف به00ا
ألنها وإن لم تكن موجودة في الخارج لكنها موجودة في حد ذاتها.
فاألمور االعتباري0ة 0عام00ة ش00املة للس00لوب واألم00ور االختراعي0ة 0واألم00ور االنتزاعي00ة،
والحال خاص باألمور االنتزاعية.
هذا عند القائلين بالحال 0،وأما النافون لها –وهم جمهور أهل السنة -فكله00ا عن00دهم من
قبيل المعدومات .وقسموها إلى القسمين المذكورين 0،وفرقوا بينهما بما ذكرناه.
136
إنما الخالف في زيادته على المعاني فالحاص00ل :أنهم اتفق00وا 0على الك00ون ق00ادراً مثالً ،لكن
على القول بثبوت األح0وال تك0ون واس0طة بين الموج0ود والمع0دوم 0الزم0ة للق0درة ،وعلى
القول بنفي األحوال تكون عبارة عن قيام القدرة بالذات فيكون أم00راً اعتباري0اً ،وه00ذا كل00ه
عند أهل السنة،
وأما عند المعتزلة فهي كناية عن القادرية ،أي كونه قادراً بذاته ،وكذا يق00ال في
2 1
الباقي ،3فهم وإن أنكروا المعاني لم ينكروا القادرية والعالمي00ة وغيرهم00ا ،فيقول00ون ق00ادر
بذاته ،وعالم بذاته ،إلى غير ذلك4؛ ولذلك يقولون ،5من أنكر المعاني ال يكف00ر إال إذا أثبت
ضدها ،ومن أنكر المعنوية بمعنى القادري00ة ونحوه00ا كف00ر ،ألن00ه يل00زم من إنك00ار القادري00ة
إثبات الضد وأما إنكار المعنوية بمعنى األحوال فهو الحق،
وحيث علمت أن المص00نف ص00رح بأن00ه أراد مج00رد بي00ان األس00ماء ولم ي00رد بي00ان
الص00فات المعنوي00ة :علمت أن حمل00ه على بي00ان المعنوي00ة ليس على م00ا ينبغي وإن ذك00ره
الشيخ عبد السالم وغيره ،خصوصا ً وقد عبر بالحي … الخ ،ولم يعبر بكونه حيا ً ..الخ،
وقد قالوا :صاحب البيت أدرى بالذي فيه،
وحقيقة 0الحي الذي له الحياة الحقيقي0ة 0ه00و ال00ذي تك00ون حيات00ه لذات00ه ،وليس ذل00ك
ألحد من الخلق ،فليست حياتهم لذاتهم
قوله (عليم) أي وحيث وجب له العلم فهو عليم ،فهو خبر لمبتدأ محذوف مق00رون
بالفاء كما تقدم ،وعليم بمعنى عالم :وه0و ال0ذي علم0ه ش0امل لك0ل م0ا من ش0أنه أن يعلم؛
فصيغة المبالغة باعتبار الكثرة في المتعلق ،وإن كانت صفة العلم واحدة ال تكثر فيها،
2وهو القيام بمعنى الحاصل بالمصدر 0فإن المعنى المص00دري أم00ر اعتب00اري من00تزع 0من
الحاصل بالمصدر الذي هو أمر موجود في الخارج 0ومتحقق فيه.
3بدخول القسم الذي يسمى حاالً في االنتزاعي منها .
1قوله "القادرية" هي تمكنه من اإليجاد واإلعدام بذاته أجهوري.
2أي وليس عبارة عن قيام وصف القدرة بال00ذات ألنهم ال يثبت00ون ه0ذه الص00فات 0قائم00ة
بالذات.
3
في غير اإلرادة والكالم ،فيقول00ون فيه00ا :مري00د ب00إرادة مخلوق00ة ال في مح00ل ،ومتكلم
بكالم مخلوق في محل مثل اللوح المحفوظ والنبي وجبريل وشجرة موسى عليه السالم.
{ -81معنى قول المعتزلة 0:إن صفات هللا تعالى عين ذاته }
4معنى قولهم هذا أن ذاته تع00الى 0ي00ترتب 0عليه0ا 0م00ا ي00ترتب 0على ذات وص00فة مع00ا ،مثال
ذاتك ليست كافية في انكشاف األشياء عليك 0،بل تحتاج في ذل00ك إلى ص00فة العلم ال00تى تق00وم ب00ك،
بخالف ذاته تعالى فإنه ال يحتاج 0في انكش00اف األش0ياء وظهوره0ا علي0ه إلى ص0فة تق00وم ب00ه ،ب00ل
المفهومات بأسرها 0منكشفة عليه ألجل ذاته ،فذات0ه به0ذا اإلعتب00ار 0حقيق0ة العلم .وك0ذا الح0ال في
القدرة ،فإن ذاته تعالى 0م0ؤثرة ب0ذاتها ال بص00فة زائ0دةعليها 0كم0ا في ذواتن0ا ،فهي به0ذا االعتب00ار0
حقيق00ة الق00درة .وبه00ذا المع00نى ق00الوا :إن ص00فات هللا تع00الى عين ذات00ه ،وعلى ه00ذا تك00ون ال00ذات
والصفات 0متحدة في الحقيقة متغايرة باالعتب00ار والمفه00وم .ومرجع00ه إذا حق00ق إلى نفي الص00فات
مع حصول نتائجها وثمراتها من الذات وحدها .قاله السيد الشريف في شرح المواقف (.)8/48
5أي العلماء من أهل السنة.
137
وقول00ه ( “ ق00ادر “ ) أي وحيث وجبت ل00ه الق00درة فه00و ق00ادر ،فه00و خ00بر لمبت00دأ
محذوف مقرون بالفاء كما مر ،والقادر :هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك فهو متمكن
من الفعل والترك فيصدر عنه كل من الفعل والترك بحس00ب مص00الح الخل00ق المترتب00ة على
ذلك
و(قول00ه “ مري00د “ ) أي وحيث وجبت ل00ه اإلرادة فه00و مري00د :وه00و ال00ذي تتوج00ه
إرادته إلى المعدوم فتخصصه بالوجود بدالً عن العدم مثالً،
و(قوله “ سمع “ ) بحذف الياء مع سكون العين للض00رورة :أي وحيث وجبت ل00ه
السمع فهو سميع.
وقوله( :بصير) أي وحيث وجب له البصر فهو بصير ،والسميع :هو الذي يس00مع
كل موجود ،والبصير :ه00و ال00ذي يبص00ر األش00ياء فيحي00ط بالمس00موعات والمبص00رات ،من
غير أن يشغله شأن عن شأن.
(قوله ما يش00اء يري00د) بقص00ر “ يش00ا “ لل00وزن :أي ال00ذي يش00اؤه يري00ده ،وأش00ار
المصنف بذلك إلى اختيار م00ذهب الجمه00ور من اتح00اد المش00يئة واإلرادة ،خالف0ا ً للكرامي00ة
حيث زعموا أن المشيئة ص00فة واح00دة أزلي00ة تتن00اول م00ا يش00اؤه هللا به00ا ،واإلرادة حادث00ة
متعددة بتعدد الم00رادات كم00ا قال00ه في ش00رحه الص00غير ،ومرادات00ه تع00الى :هي ش00ؤونه في
خلقه.
ش0أْ ٍن)
0و فِي َ وحكي أن ابن الشجري كان يقرر في درسه قوله تع00الىُ ( :كَّ 0ل يَْ 0
0و ٍم ُهَ 0
(الرحمن :من اآلية )29فسأله سائل وق00ال ل00ه :م00ا ش00أن رب00ك اآلن؟ ف00أطرق رأس00ه وق00ام
متحيراً ،فنام فرأى النبي صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم فس00أله عن ذل00ك ،فق00ال ل00ه ص00لى هللا
عليه وآله وسلم :السائل لك الخضر ،فإذا أتاك في غد وسألك فقل ل00ه :ش00ؤون يب00ديها وال
يبتديها ،يرفع أقواما ً ويخفض آخرين ،فلما أصبح أتاه وسأله فأجابه بم00ا ذك00ر ،فق00ال ل00ه:
ص ّل على من علمك ،ومشى مسرعاً ،ومعنى :شؤون يبديها وال يبتديها :أح00وال يظهره00ا
للناس وال يبتديها علما ً ،1ألنه تعالى يعلم األش00ياء أزالً ،خالف 0ا ً لمن ق00ال :األم00ر أن00ف ،أي
يستأنف هللا األشياء علماً ،وقد انقرض هؤالء الجماعة من قبل اإلمام الش00افعي وهم ق00وم
كفار ألنهم أنكروا القدر.2
1قوله :وال يبتديها علماً ،الصواب وال يبتديها إرادة ألن إرادته تعالى أزلية ،وذل00ك ألن
العلم كالسمع والبصر 0ليس من صفات 0التأثير بل من صفات 0الكمال واالنكشاف واإلرادة كالق00درة
من صفات التأثير 0ومرادنا بتأثيرها 0ترجيحها ألحد األمرين الفعل والترك ،والقوم ال يعبرون عنه
بالت00أثير 0فمن أج00ل ذل00ك ق00الوا :إن اإلرادة ليس ش00أنها الت00أثير ،وإن الت00أثير 0وص00ف الق00درة فق00ط
والكالم هنا على التأثير 0بنفي التأثير 0الحادث 0عن هللا تعالى الذي قد يوهمه قوله تعالى( :كل ي00وم
هو في شأن).
2قوله "ألنهم أنكروا القدر" الظاهر 0أن يقال :ألنهم أنكروا قدم العلم .أجهوري .أق00ول:
ما قاله الشارح هنا هو الظ00اهر والمخ00الف للظ00اهر 0إنم00ا ه0و قول00ه آنف0ا ً وال يبت0ديها علم0ا ًوك00ان
الصواب أن يقول هناك :إرادة بدل علما ً وكذلك في قوله :أي يستأنف هللا االشياءعلما.
138
متكلم ثم صفات الذات ##ليست بغير او بعين الذات -32
(قول00ه متكلم) بس00كون الت00اء لل00وزن :أي وحيث وجب ل00ه الكالم فه00و متكلم ،وال
خالف ألرباب المذاهب والملل في أنه تعالى متكلم ،وإنم00ا الخالف في مع00نى كالم00ه ،وق00د
تقدم معناه ،وقد اختلفوا 0في قدمه ،وقد تقدم بيانه أيضاً ،وسيأتي بيانه في قوله:
ونزه القرآن أي كالمه ##عن الحدوث واحذر انتقامه
1قوله "وال بغير الذات … .إلخ" ف00المراد من الغ00ير هن00ا :المنف0ك 0عن ال00ذات 0،فمع00نى
كونها ليست 0غير الذات :أنها ليست 0منفكة عنها ،وهذا يحتمل معنيين 0،المعنى األول :أنها ليست0
منفية عن الذات في حال ثابتة 0لها في حال آخر ،بل هي مالزمة للذات 0،وهذا المعنى هو المأخوذ
من كالم الشيخ عبد الس00الم ومن كالم المحش00ي آخ00راً حيث ق00ال :ليس0ت 0منفك00ة ب00ل هي مالزم00ة
لل0ذات 0،والمع00نى الث0اني :أنه0ا ليس0ت منف0ردة عن ال0ذات أي منفص00لة عنه00ا بحيث تك0ون قائم00ة
بنفسها ،بل هي قائمة بالذات ،وهذا المعنى هو المناسب لجعل كالم المصنف جواب0ا ً عن الش00بهة
139
فإن قيل :الشيء إما أن يكون غيراً ،وإما أن يكون عينا ،فال يعقل ق0ولهم( :ليس0ت
بغير الذات وال بعين الذات) أجيب بأن نفي العينية ظاهر ،إذ من المعلوم أن حقيق0ة 0ال00ذات
غ00ير حقيقي00ة الص00فات ،وإال ل00زم اتح00اد الص00فات والموص00وف وه00و ال يعق00ل ،وام00ا نفي
الغيري00ة ف00المراد ب00ه :نفي الغ00ير المص00طلح عليه 1وه00و الغ00ير المنف00ك ،ال مطل00ق الغ00ير،
فالمعنى أنها ليست بعين الذات وال بغ00ير ال0ذات غ0يراً منفك0اً ،فال ين00افي أن حقيقته00ا غ0ير
حقيقة الذات لكنها ليست منفكة عن ال0ذات ،وق0ال بعض0هم :إنه0ا غ0ي ٌر نظ0راً ل0ذلك وإن لم
تنفك ،قال الشمس السمرقندي :وهو خالف لفظي ،ألن القول بأنه00ا ليس00ت بغ00ير محم00ول
على نفي الغير المنفك وإن كانت غيراً في المفهوم ،والقول 0بأنها غير محمول على الغ00ير
في المفهوم ،وإن لم تنفك ،ولكون الص00فات ليس0ت غ00يراً ب00المعنى المتق0دم وق0ع التس00امح
بإضافة ما للذات إليها ،نحو “ :تواضع كل ش00يء لقدرت00ه “ والم00راد تواض00ع ك00ل ش00يء
لذاته ألجل قدرته وإال فعبادة مجرد الصفات كفر ،وعبادة مج00رد ال00ذات فس00ق ،فالمس00تقيم
عبادة الذات المتصفة بالصفات ،وخرج بإضافة صفات الذات :الصفات السلبية فإنها غير
بمعنى أنها ليست قائمة به ألنها أمور عدمية ،وص00فات األفع00ال كاإلحي00اء واإلمات00ة فإنه00ا
غ00ير أيض 0اً ،بمع00نى أنه00ا منفك00ة ألنه00ا هي تعلق00ات الق00درة التنجيزي00ة الحادث00ة ،والص00فة
النفس00ية وه00و الوج00ود فإنه00ا عين الموج00ود على كالم األش00عري ،وق00د تق00دم أن التحقي00ق
تأويله على معنى أنه ليس زائ00داً على ال00ذات بحيث ي0رى ،2فال ين0افي أن0ه أم0ر اعتب00اري،
وغير الموجود على كالم غير األشعري
(قول00ه ليس00ت بغ00ير) بال تن00وين لف00ظ “ غ00ير “ له ،إلض00افته تق00ديراً إلى مث00ل م00ا
3
أضيف إليه “ عين “ والتقدير :ليس0ت بغ00ير ال0ذات ،وق00د ع0رفت أن الم00راد ليس0ت بغ00ير
منفك ،فال ينافي أنها غي ٌر مالزم،4
التي أوردتها المعتزلة 0،كما يعلم ذلك مما نقله المحشي عن السعد فيما يأتي أجهوري.
1أقول :قد حققنا في مقالة لنا مفردة أن معنى قولهم :إن صفاته تعالى 0ليست عين00اً 0وال
غيراً له تعالى .أنها ليست عينا ً بحسب المفهوم ،وال غ00يراً بحس00ب الوج00ود والتحق00ق ،وه00ذا م00ا
اختاره القاضي 0عضد الدين ،كما حققنا فيه00ا أن الق00ول ب00أن الم00راد ب00الغير في ق0ولهم ه0ذا الغ00ير
المصطلح هو مذهب اإلمام الرازي ،وقد رده عليه كثير ممن أتى بعده من المحققين كالتفت00ازاني
والسيد الشريف الجرجاني 0والدواني والكلنبوي ،فراجع هذه المقالة.فإنها مهمة.
2األولى بحيث 0يتحقق وجود الموجود بدونها.
3قوله :له كذا في النسخ الموجودة عندنا وال يظهر لقوله":له" معنى.
4الصواب فال ينافي أنها غير مفهوما ً بدل مالزم وإال فال يستقيم التفريع 0،ألن المف00رع
بناء عليه عين المفرع 0عليه 0،والتفريع 0يقتضى المغايرة بين المفرع والمفرع عليه 0،بل الصواب
فال ينافي أنها غير بحسب الواقع على ما يقتضيه 0سابق كالم0ه ،لكن التحقي0ق أنه0ا ليس0ت غ0يرا
بحسب الواقع ،بل غيريتها بحسب المفهوم فقط كما قاله القاض0ي 0عض00د ال00دين :ألنه00ا ل00و ك00انت
غيرا بحسب الواقع لزم أن يكون لها وجود مستقل عن وجوده تعالى فيك0ون هن00اك وج0ود لذات00ه
تعالى و وجودات أخر للصفاته فتتكثر الواجبات وهذا مناف للتوحي00د 0،ف00التحقيق أن ذات00ه تع00الى
موجودة بصفاتها ،ألن المفروض وجود ذات اإلله وهو ال يوج00د إال بص00فات 0الكم00ال ،ف00المتحقق
هو وجود واحد لذات0ه تع0الى 0بص0فاتها ،فتك0ون مغ0ايرة الص0فات لل0ذات بحس0ب المفه0وم فق0ط ال
بحسب الواقع .وهللا أعلم.
140
وأش00ار المص00نف ب00ذلك إلى الج00واب عن الش00بهة ال00تي أورده00ا المعتزل00ة الن00افون
لصفات المعاني ،وتقريرها أن نقول :الصفات الوجودية إم00ا أن تك00ون حادث00ة فيل00زم قي00ام
الح00وادث بذات00ه تع00الى ،وإم00ا أن تك00ون قديم00ة فيل00زم تع00دد الق00دماء ،وه00و كف00ر بإجم00اع
المسلمين ،وقد كفرت النصارى بزي00ادة ق00ديمين على ال00ذات العلي00ة ،فكف00روا بإثب0ات آله00ة
ث ثَالثَ ٍة) (المائدة :من اآلية )73وإذا ثالثة ،كما قال تعالى( :لَقَ ْد َكفَ َر الَّ ِذينَ قَالُوا إِنَّ هَّللا َ ثَالِ ُ
كفرت النصارى بإثبات آله00ة ثالث00ة ،فكي00ف ب0األكثر وه00و ثماني00ة ق0دماء ال00ذات والص00فات
السبع ،أوتسع بزيادة التكوين ،أو عشر بزيادة اإلدراك؟ فيلزم على إثب00ات ذل00ك الكف00ر من
باب أولى ،وهذا 1توسيع في الدائرة ألن أهل السنة معترفون بقدم الصفات،
وحاصل الجواب كما أشار إليه العالمة السعد :أن المحظور المبط00ل للتوحي00د إنم00ا
هو تعدد القدماء المتغايرة المنفكة بحيث تك00ون ذوات مس00تقلة ،وليس00ت الص00فات مغ00ايرة
للذات بهذا المعنى ،فلم يلزم التعدد المبط00ل للتوحي00د ح00تى يل0زم الكف00ر ،فنفي الغيري00ة ه00و
الذي أشير به للجواب عن الشبهة الم00ذكورة ،وال م00دخل لنفي العيني00ة في الج00واب ،لكن00ه
تكميل للفائدة ،على أن الغرض األصلي –كما علمت بيان حكم الصفات :وهو أنه00ا ليس00ت
بغير الذات وال بعين الذات ،ولم يذكر المصنف مغايرة بعض الصفات لبعض لظهور ذلك،
وقوله “ أو بعين ال00ذات “ أي وليس00ت الص00فات عين ال00ذات ،فـ (أو) بمع00نى ال00واو ،ألن
القاعدة أنها تكون بمعنى الواو بعد النفي،
{ -83هل صفات هللا واجبة لذاتها أو ممكنة واجبة لذات هللا تعالى }
واعلم أن وجوب صفات المعاني ذاتي لها 2مثل وجوب الذات ،كما هو الحق ال00ذي
عليه السنوسي ومن تبعه ،وليست ممكنة لذاتها واجبة لغيرها بسبب اقتض00اء ال00ذات له00ا
كم00ا قال00ه العض00د ،وه00ذه نزع00ة من نزع00ات العض00د ،وس00رت ل00ه ه00ذه النزع00ة من كالم
الفالسفة ،فإنهم يقولون :إن العالم ممكن لذاته قديم لغيره بسبب كونه معلوالً لعلة قديم00ة
وهي ذاته تعالى ،وما كان معلوالً لعلة قديمة فهو قديم ،وهذا كالم باطل ،وكالم الس0عد في
موضع يوافق كالم العضد ،وفي موضع آخر يوافق كالم السنوس00ي ،وه00و ال00ذي نلقى هللا
عليه.3
1أي التقرير 0بهذا الوجه ،توسيع في الدائرة بإدخال احتمال ح00دوثها في00ه حيث قي00ل في
صدر التقرير 0:إما أن تكون حادثة… إلخ.
-2أي ذاتي للصفات 0بمع00نى أن وجوده00ا مقتض00ى ذاته00ا فتك00ون واجب00ة ل00ذاتها وليس00ت
بمقتضى ذاته تعالى حتى يكون واجبة لذاته وممكنة في ذاتها.
{ -84بيان 0فساد كل من القولين} 0
3أقول :ال يخفى أنه على كال المسلكين 0يلزم تع00دد الق00دماء 0،وتك00ثر الواجب00ات 0أم00ا على
المسلك الذي نسبه الشارح 0إلى القاضي عضد الدين –وهو مسلك الرازي ومن تبعه -فألنه هناك
واجب بذاته وهو هللا تع0الى .وواجب ل0ذات ال0واجب بذات0ه ،وهي ص0فات 0هللا تع0الى فص0ار هن0اك
نوعان من الواجب كما ذهب إليه الفالسفة 0من أن العقول العشرة و الهيولى قديمة لذاته تع00الى،
وأنه تعالى 0موجب بالذات بالنسبة 0إليها .فاهلل تعالى 0موجب بالذات بالنس00بة الى ص00فاته 0على ه00ذا
الرأي ،ولما لم يستطع أصحاب هذا الرأي التخلص من هذا الالزم تقبلوه بقبول سيء ،و حاولوا
الدفاع عنه بأنه ال بأس بان يكون هللا موجبا بالذات 0بالنسبة إلى صفاته وإنم00ا المح00ال أن يك00ون
موجبا لذاته بالنسبة 0إلى غير صفاته.
141
{ -85قدرة هللا تعالى تتعلق بالممكن فقط بال تناهي ما تعلقت به }
بمكن تعلقت ##بال تناهي ما به تعلقت
ٍ فقدرةٌ -33
(قوله فقدرة … إلخ) أي إذا أردت معرف00ة تعلق00ات الص00فات ف0أقول ل00ك :ق0درة …
إلخ ،فالفاء فاء الفصيحة ،ولما ط00وى ذي00ل مب00احث الص00فات 1ش00رع في نش00ر م00ا له00ا من
التعلقات،
وال000ذي اعتم000ده المحقق000ون أن التعل000ق للمع000اني فقط ،2وق000ال بعض المتكلمين:
للمعنوية ،ولم يقل أحد بأن التعلق للمعاني والمعنوية معاً ،وإال لزم اجتماع م00ؤثرين على
وأما على مسلك السنوسي ومن تبعه وقد ذهب إليه القرافي أيضا ً فألن0ه هن0اك 0واجب0ان0
كل منهما واجب بذاته ،وهما ذاته تعالى وصفاته 0،فصار هناك 0ف00ردان لل00واجب 0بذات00ه ،ومن ثم00ة
قال الكلنبوي في حاشية شرح الجالل للعضدية :)1/395(.وتع00دد الق00دماء الزم إلثب00ات الص00فات0
الحقيقية ألبتة 0،انتهى.
وال يخفى أن مسلك السنوسي ليس بأقل شناعة من مسلك القاضي 0فإنه كما لم يقل أحد
من سلف األمة :إن صفاته تعالى ممكنة ب0ذاتها واجب0ة لذات0ه تع0الى ،ك0ذلك لم يق0ل أح0د منهم إن
هناك واجبين بذاتهما ،بل هذا أشنع من األول ،فإن ال00ذي أجم00ع علي00ه س00لف األم00ة أن00ه ليس في
الوجود إال واجب واحد وقديم واحد وجوده مقتضى ذاته ،وكذلك وجوبه وقدمه ،وه00و هللا تع00الى
المتصف باألسماء 0الحسنى والصفات 0العلى.
وتحقيق ذلك أن المفروض هنا وجود اإلله ،وليس وجود ذات مطلقاً.
واإلله ال يكون إلها ً إال بهذه الصفات ،فهذه الص00فات من مقوم00ات اإلل00ه وغ00ير خارج00ة
عنه وال مغايرة ل00ه ،فليس هن0اك بالنس00بة إلى ذات هللا وص00فاته إال وج0ود واح0د ووج0وب واح0د
وقدم واحد ،فليس لذاته تعالى وجود ولكل واحد من صفاته 0وجود آخر حتى تك00ون ص0فاته ش0يئاً0
آخ00ر مغ00ايراً 0ل00ه كم00ا ذهب إلي00ه أه00ل المس00لكين حيث أثبت00وا االثنيني00ة بالنس00بة إلى ذات00ه تع00الى
وصفاته ،وجعلوا أح00دهما نوع0ا ً غ00ير الن00وع اآلخ00ر من ال00واجب أو ف00رداً غ00ير الف00رد اآلخ00ر من
الواجب ،وال هي عارضة لذات هللا تعالى كما ذهب إليه القائلون بانها واجبة لذاته تعالى 0،بل هي
موجودة بوجوده تعالى وواجبة بوجوبه وقديمة بقدمه ،وليس لها وج00ود آخ00ر وال وج00وب آخ00ر
وال ق00دم آخ00ر كم00ا ذهب إلي00ه أه00ل المس00لكين ،وانظ00ر التفص00يل في رس00التنا المف00ردة في مس00ألة
الصفات.
ثم إن نسبة القول بأن صفاته تعالى ممكنة واجبة لذاته تعالى إلى القاضي عضد الدين
غير صحيح ،وإنما هذا القول م00ذهب لإلم00ام ال00رازي ومن تبع00ه .وذل00ك ألن الق00ولين الم00ذكورين
كليهما مبنيان 0على القول بزيادة صفاته 0تعالى على ذات00ه والقاض00ي عض00د ال00دين ال يق00ول ب00ذلك،
ومن أجل ذلك فُسر قول أهل السنة :إن صفاته 0تعالى ليست 0عينه وال غيره بقول00ه :إنه00ا ليس00ت
عينه بحسب المفهوم وال غيره بحسب الوج00ود والهوي00ة ،فنفى عنه00ا الغيري00ة بحس00ب الوج00ود،
وجعل لها وللذات وجودا واحدا على ما فسرناه آنفا ،ومن أجل ذلك لم ينس00ب أح00د من المحققين0
ممن تكلم على ه00ذه المس00ألة كالس00عد وه00و تلمي00ذ العض00د والس00يد الجرج00اني 0ش00ارح المواق00ف
والدواني شارح الرسالة 0العضدية ومحشيه الكلنبوي ،لم ينس00ب أح00د من ه00ؤالء ه00ذا الق00ول إلى
العضد .والسنوسي نسب هذا القول في شرحه الكبير)234 ( 0نقال عن شرف الدين ابن التلمساني0
إلى اإلمام الرازي وشنع عليه بأن هذه النزعة 0سرت إليه من الفالسفة ،فيحتمل أن الشارح 0أخ00ذ
هذا الكالم عن السنوسي فسبق قلمه من الرازي إلى العضد ،وهذا هو الذي يترجح عن00دي .وهللا
تعالى أعلم
142
أثر واحد في القدرة والك00ون ق0ادراً ،واإلرادة والك00ون مري00داً ،ول0زم تحص00يل الحاص00ل في
العلم وكونه 1عالما ً وهكذا الباقي وعرفوا التعلق بأنه طلب الصفة أم00راً زائ00داً على ال00ذات
يصلح لها،
واعلم أن ص00فات المع00اني من حيث التعل00ق وعدم00ه ،ومن حيث عم00وم التعل00ق
للواجب00ات والج00ائزات والمس00تحيالت ،وخصوص00ه بالممكن00ات أو ب00الموجودات –أقس00ام
أربعة:
األول م00ا يتعل00ق بالممكن00ات وه00و الق00درة واإلرادة لكن تعل00ق األولى تعل00ق إيج00اد
وإعدام ،2وتعلق الثانية تعلق تخصيص،
والثاني :ما يتعلق بالواجب00ات والج00ائزات والمس00تحيالت ،وه00و العلم والكالم ،لكن
تعلق األول تعلق انكشاف ،وتعلق الثاني تعلق داللة،
والثالث :ما يتعلق بالموجودات ،وهو السمع والبصر واإلدراك -إن قيل به-
والرابع :ما ال يتعلق بشيء وهو الحياة،
وقد ذكرها المصنف على هذا الترتيب كما س00تراه ،ومعرف00ة التعلق0ات غ0ير واجب0ة
على المكلف ألنه00ا من غ00وامض علم الكالم كم00ا نقل00ه الش00يخ ال00براوي عن س00يدنا محم00د
الصغير وذكره الشيخ الشنواني.
(قوله بممكن تعلقت) الجار والمجرور متعلق بالفعل بعده ،وإنما قدمه عليه إلفادة
الحصر ،فكأن00ه ق0ال :ال تتعل0ق إال بممكن :أي بك00ل ممكن ،ف0المراد العم00وم ألن النك0رة في
س َم00ا أَ ْح َ
ضَ 0رتْ ) (التك00وير )14:أي سياق اإلثبات قد تعم ،كما في قوله تع00الىَ ( :علِ َمتْ نَ ْف ٌ
كل نفس ،فالقدرة متعلق00ة بجمي00ع الممكن00ات ،3ألن00ه ل00و خ00رج ممكن عن تعلقه00ا ل00زم من00ه
العجز وهو محال عليه تعالى،
والمراد بالممكن :ما ال يجب وجوده وال عدمه لذاته ،ولو وجب وج00وده أو عدم00ه
لغيره ،فالذي تعلق علمه تعالى بوجوده من الممكنات ،فهو وإن ك00ان ممكن0ا ً في ذات00ه لكن
1أقول :لم يطو بعد مباحث الصفات 0ألن بيان 0تعلقاتها من مباحثها.
2قوله للمعاني فقط األولى إسقاط قوله فق0ط ألن0ه ي0وهم أن المخ0الف قائ0ل ب0أن التعل0ق
لكليهما ولم يقل به أحد.
1إنما يلزم تحصيل الحاصل 0لو كان تعلقها على التوالي م00ع أن المف00روض أن تعلقهم00ا
على وجه المعية فالالزم هنا أيضاً 0هو اجتماع 0مؤثرين على أثر واح00د وذل00ك ألن العلم م00ؤثر في
إنكشاف المعلوم كالكون عالماً 0على القول به وهللا أعلم.
2هذا على قول األشاعرة النافين 0لصفة التكوين ،وأما على مذهب الماتريدية فإن تعلق
القدرة تعلق صلوح بمعنى أنها تجعل الباري متمكنا ً من أن يعلق صفة التك00وين ال00تي به00ا يوج00د
ويعدم ،فاإليجاد واإلعدام عندهم لصفة التكوين.
3فيه أنه ليس المقصود هنا بيان العم00وم ،ب00ل المقص00ود بي00ان 0خصوص00هما بالممكن00ات
وعدم عمومهما للواجبات والممتنعات 0،وأما عمومهما لكل الممكنات 0فأفاد بقوله :بال تن00اهي م00ا
به تعلقت.
143
وجب وجوده لغيره ،كإيمان من علم هللا إيمانه ،والذي تعل00ق علم00ه تع00الى بع00دم وج00وده،
فهو وإن كان ممكنا ً في ذاته لكن وجب عدم وجوده لغيره ،كإيمان من علم هللا عدم إيمانه
كأبي جهل ،لكن تعلق القدرة بالذي تعلق علم هللا بعدم وجوده تعلق ص00لوحي ال تنج00يزي،
وإال النقلب العلم جهالً وهو محال ،وبذلك يجم00ع بين الق00ولين ،ف00القول بأن00ه من متعلق00ات
القدرة محمول على أنه من متعلقاته00ا باعتب00ار التعل00ق الص00لوحي ،والق00ول بأن00ه ليس من
متعلقات القدرة محمول على أنه ليس من متعلقاتها باعتبار التعلق التنجيزي،
وعلم من ذلك أن للق00درة تعلقين :تعلق0ا ً ص00لوحيا ً ق00ديما ً وه00و ص00الحيتها في األزل
لإليجاد واإلعدام 0فيما ال يزال ،وتنجيزيا ً حادثا ً وه00و اإليج00اد واإلع00دام به00ا بالفع00ل ،وه00ذا
على سبيل اإلجمال؛ وأما على سبيل التفصيل فلها تعلقات سبعة ،وقد تقدم بيانها ،وخ00رج
بالممكن :الواجب والمستحيل ،فال تتعلق القدرة بهما ألنهما إن تعلقت بوجود الواجب لزم
تحصيل الحاصل ،وإن تعلقت بعدمه لزم انقالب حقيق0ة 0ال00واجب؛ ف00إن حقيقت00ه م00ا ال يقب00ل
العدم ،وإن تعلقت بالمستحيل فعلى العكس من ذلك
(قوله بال تن00اهي م00ا ب00ه تعلقت) 1أي الممكن ال00ذي تعلقت ب00ه الق00درة متلبس بع00دم
التناهي ،فمتعلقات القدرة ال تنتهي إلى حد ونهاية ،إذ منها نعيم الجنان وهو متجدد ش00يئا ً
فشيئا ً وهكذا ،وأما ما وجد في الخارج من الممكن فهو متناه ،ألن كل م0ا حص0ره الوج0ود
من الممكن فهو متناه الستحالة ح00وادث ال نهاي0ة له0ا ،وي00دل 2على ع00دم تن0اهي متعلق0ات
شْ 0ي ٍء قَِ 0دي ٌر) (البق0رة :من اآلية )284وقول0ه تع0الى:
(وهَّللا ُ َعلَى ُكِّ 0ل َ
القدرة قول0ه تع0الىَ :
َي ٍء فَقََّ 0د َرهُ تَ ْقِ 0ديراً) (الفرق0ان :من اآلية )2أي ك0ل ش0يء ممكن في اآلي0تين، ( َو َخلَ َ
ق ُك َّل ش ْ
واعلم أنه ال إيطاء في البيت ،ألن الص00حيح أنه00ا من كام00ل الرج00ز ،على أن00ه يص00ح حم00ل
األول على التنجيزي ،والثاني على الصلوحي ،وأما كون األول في ح00يز اإلثب00ات والث00اني
في حيز النفي ،فال يلتفت إليه وإن ذكره المصنف في شرحه.
1قول" :بال تناهي … إلخ" مشى الش00ارح على أن معن00اه أن المتعلق00ات ال نهاي00ة له00ا
في جانب المستقبل ،بمعنى أن ما من ممكن في المستقبل إال وبعده ممكن ،وهك0ذا من غ0ير آخ0ر
في االستقبال 0،وعلى هذا فاالستدالل باآليتين 0على عدم التناهي 0غير ظاهر ،ألنهم00ا إنم00ا دال على
تعلق القدرة بجميع الممكنات ،وأما أن الممكنات متناهية أو ال فال داللة لهم00ا على ذل00ك ،ومش00ى
الشيخ عبد السالم على أن معنى عدم التناهي عموم تعلق القدرة لجمي00ع الممكن00ات 0،حيث ص00ور
عدم التناهي 0بأن ال يخرج شيء من الممكنات 0عن القدرة ،وعلى هذا فاالستدالل باآليتين ظ00اهر،
ومعنى ع00دم التن00اهي حينئ00ذ كم00ا ذك00ره األم00ير في الحاش00ية أن الق00درة ال تنتهي عن00د طائف00ة من
الممكنات بأن تتعلق بها دون غيرها من الممكنات .أجهوري.
2قول00ه "وي00دل … إلخ" اآلي00ة األولى للتعل00ق الص00لوحي ،والث00اني 0للتعل00ق التنج00يزي.
أمير.
144
ووحدةً أوجب لها و ِمثل ذي ##إرادةٌ والعلم لكن ع َّم ذي. -34
(قوله ووحدة أوجب له00ا) أي أوجب للق00درة وح00دة ،بمع00نى :اعتق00د وجوبه00ا له00ا،
فيجب أن تعتقد أن قدرة هللا واحدة ،ألن تعددها ال يقتض00يه معق00ول وال منق00ول ،وألن00ه ل00و
كان ل00ه تع00الى ق00درتان ل00زم اجتم00اع م00ؤثرين على أث00ر واح00د ،فالق00درة واح00دة والمق00دور
متعدد ،كالحركة والسكون وغيرهما
{ -86ومثل القدرة فيما ذكر اإلرادة }
(قوله ومثل ذي إرادة) أي ومثل القدرة إرادة ،فاسم اإلشارة عائد للقدرة ،فالمعنى
أن إرادة هللا تعالى مثل قدرته في األم0ور الثالث0ة المتقدم0ة ال0تي هي :تعلقه0ا بك0ل ممكن،
وعدم تناهي متعلقاتها ،وإيجاب الوحدة لها بال تفاوت بينهما؛ فالمثلي00ة إنم00ا هي في ه00ذه
الثالثة وإن اختلفت جهة التعل00ق فيهم00ا ،ف00إن الق00درة إنم00ا تتعل00ق بالممكن00ات تعل00ق إيج00اد
وإعدام ،واإلرادة إنما تتعلق بها تعل00ق تخص00يص ،فتخص00ص ك00ل ممكن ببعض م00ا يج00وز
عليه من الممكنات المتقابالت :كالوجود أو العدم وكونه بهذه الصفة أو بصفة أخرى
وهك00ذا ،وي00دل على عم00وم تعل00ق اإلرادة :األدل00ة العقلي00ة ،ك00أن يق00ال :ل00و تعلقت
ب00البعض 1دون البعض لل00زم علي00ه ال00ترجيح بال م00رجح والالزم باطل ،2واألدل00ة الس00معية
1أي تعلقا ً صلوحياً :أي لو قلن0ا إن اإلرادة ص0الحة للتعل0ق به0ذا الممكن دون ذل0ك ل0زم
الترجيح بال مرجح الستواء الممكنات 0كلها بالنسبة إلى القدرة وإال فواضح أن إرادت00ه هللا تع00الى
إنما تتعلق تعلقاً 0تنجيزيا ً ببعض الممكنات 0ال بكلها.
2ه00ذا دلي00ل على عم00وم تعل00ق اإلرادة وأم00ا ال00دليل على وجوده00ا فه00و أن يق00ال إن
الموج00ودات توج00د على ص00فات معين00ة في أوق00ات معين00ة ك00انت يمكن أن توج00د على غ00ير تل00ك
145
شْ 0يئا ً أَنْ يَقُ00و َل َل0هُ ُكنْ فَيَ ُك00ونُ ) (يّـس )82:والم00راد من
كقوله تعالى( :إِنَّ َما أَ ْم ُرهُ إِ َذا أَ َرا َد َ
ذلك وهللا أعلم :أنه متى تعلقت إرادته وقدرت0ه بش0يء ب0رز ح0االً ،فه0و كناي0ة عن س0رعة
وجود مراده تعالى وعدم تخلفه ،وليس المراد من ذل00ك م0ا ه0و ظ00اهره من أن00ه تع0الى إذا
أراد شيئاً ،يصدر منه أمر للكائنات بلفظ “ كن “
واعلم أن لإلرادة تعلقين :تعلق00ا ً ص00لوحيا ً وه00و ص00الحيتها في األزل لتخص00يص
الممكن بالوجود أو بالعدم وبالغنى أو بالفقر وهكذا ،وتعلقا ً تنجيزيا ً قديما ً وهو تخص00يص
هللا بها أزالً الممكن ببعض ما يجوز عليه من الممكنات السابقة ،وزاد بعضهم تعلقا ً ثالثاً:
وهو تعلقها بالممكن حين وجوده بالفعل فيكون تعلقا ً تنجيزيا ً حادثاً ،والح00ق أن ه00ذا ليس
بتعلق ،وإنما هو إظهار للتعلق كما تقدم.
{ -87علم هللا تعالى يتعلق بالممكنات والواجبات والمستحيالت }
(قوله والعلم) معط00وف على قول00ه “ إرادة “ فه00و مث00ل الق00درة أيض0ا ً في األم00ور
الثالث00ة الس00ابقة :وهي تعلق00ه بالممكن00ات ،وع00دم تن00اهي متعلقات00ه ،وإيج00اب الوح00دة ل00ه
بإجماع من يعتد بإجماعه ،فإنه لم يذهب أحد إلى تعدد علمه تعالى بعدد المعلومات إال أبو
سهل الصلوكي فقال :بعلوم قديمة ال نهاية لها ،وال يرد عليه استحالة دخول م00ا ال نهاي00ة
له في الوجود ألن الدليل إنما قام على هذه االستحالة في الحادث دون القديم.
وقوله (لكن عم ذي) أي لكن عم العلم من حيث تعلق00ه ه00ذه الممكن00ات ال00تي أش00عر
به00ا عم00وم قول00ه “ بممكن “ ألن الم00راد ب00ه العم00وم 0كم00ا س00بق ،ودف00ع المص00نف به00ذا
االس00تدراك م00ا يوهم00ه تش00بيه العلم بالق00درة من قص00ره على الممكن00ات كم00ا في الق00درة
واإلرادة ،وليس كذلك ،ب00ل يتعل00ق أيض0ا ً بالواجب00ات والمس00تحيالت ،وال إيط00اء في كالم00ه
الختالف مرجعي اسمي اإلشارة ،على أنه00ا ليس00ت من مش00طور الرج00ز ب00ل من تام00ه كم00ا
تقدم غير مرة.
الصفات 0وفي غير تلك األوقات فالبد في وجودها على هذه الصفات 0وفي هذه األوقات من مرجح
وهي اإلرادة ،وإال لزم الترجح بال مرجح وهو محال.
146
وع َّم أيضا ً واجبا ً والممتنع ##ومثل ذا كالمه فلنتب ْع -35
وقوله (وعم أيضا ً واجبا ً والممتنع) أي وشمل العلم من حيث تعلقه الواجب العقلي
كذاته تعالى وصفاته ،والممتنع العقلي كشريكه تعالى واتخاذه ولداً أو صاحبة ،بمعنى أنه
يعلم اس00تحالة ذل00ك ،ويعلم أن00ه ل00و وج00د ل00ترتب علي00ه من الفس00اد ك00ذا وك00ذا “ ،وأيض0ا ً “
مص00در “ آض “ إذا رج00ع فمعن00اه رجوع 0ا ً إلى عم00وم العلم فه00و كم00ا ع ّم الممكن00ات ع ّم
(وهَّللا ُ بِ ُك ِّ 0ل َ
ش ْ 0ي ٍء َعلِي ٌم) الواجب00ات والممتنع00ات ،وي00دل على عم00وم تعلق00ه قول00ه تع00الىَ :
(البق00رة :من اآلية )282والم00راد بالش00يء مطل00ق األم00ر ال خص00وص الموج00ود ،وإال لم
ش َها َد ِة) (المؤمنون :من اآلية )92أي ما غاب عنا يطابق المدعي ،وقوله (عَالِ ِم ا ْل َغ ْي ِ
ب َوال َّ
وما حضر لنا ،فالمراد الغيب والشهادة بالنس00بة لن00ا ،وليس للعلم إال تعل00ق تنج00يزي ق00ديم
فقط على التحقيق.
{ -88الترتيب في تعلق العلم واإلرادة والقدرة }
واعلم أن تعلقات القدرة واإلرادة والعلم مرتبة عند أهل الحق باعتب00ار العق00ل فق00ط
في التعلقات القديمة ،وفي الحقيقة أيضا ً في الحادث منها م00ع الق00ديم ،ف00بين تعل00ق الق00درة
الصلوحي القديم وتعل00ق اإلرادة الص00لوحي الق00ديم والتنج00يزي الق00ديم ،وتعل00ق العلم وه00و
تنجيزي قديم ترتيب في التعقل ،فنتعقل أوالً تعلق العلم ثم تعلق اإلرادة ،ثم تعل00ق الق00درة،
فتعلق القدرة تابع لتعلق اإلرادة ،وتعلق اإلرادة تابع لتعلق العلم ،وليس بين هذه التعلقات
ترتيب في الخارج ألنها قديمة ،والقديم ال ترتيب فيه خارجاً ،وإال لزم أن المتأخر حادث.
وبين تعلق القدرة التنجيزي الح00ادث وتعل00ق اإلرادة التنج00يزي الق00ديم والص00لوحي
القديم وتعلق العلم وهو تنجيزي قديم كما مر :ترتيب في الخ00ارج وفي التعق00ل ،ألن تعل00ق
147
القدرة التنج0يزي الح0ادث مت00أخر عن ه0ذه التعلق00ات القديم00ة ض0رورة ت00أخر الح0ادث عن
القديم ،وأما تعلق القدرة التنجيزي الحادث وتعل00ق اإلرادة التنج00يزي الح00ادث على الق00ول
به ،فبينهما ترتيب في الخارج وفي التعقل ،فيكون تعلق القدرة التنجيزي الحادث مت00أخراً
عن تعلق اإلرادة التنجيزي الحادث على القول به ،وقي00ل بينهم00ا ت00رتيب في التعق00ل فق00ط،
ألنه ال يتأخر م0راد هللا عن إرادت00ه اهـ ملخص0ا ً من حاش00ية العالم00ة الش00نواني م00ع ش0رح
الشيخ عبد السالم ،فادع لي ولهم بحسن الختام.
{ -89كالم هللا تعالى متعلق بالممكنات والواجبات والمستحيالت }
(قوله ومثل ذا كالمه) أي ومثل علمه تعالى كالمه ،فاسم اإلشارة عائد على العلم،
و “ مثل “ خ00بر مق00دم ،و “ كالم00ه “ مبت00دأ م00ؤخر ،والتق00دير :وكالم00ه النفس00ي الق00ديم
القائم بذاته تعالى مثل العلم في األحكام 0الثالثة :وهي عموم تعلق00ه بالواجب00ات والج00ائزات
والمستحيالت ،وعدم تناهي متعلقاته ،وإيج0اب وحدت0ه ،فعم0وم تعلق0ه لص0لوحه للجمي0ع،
والقاعدة أن صفات المولى متى صلحت لشيء فال بد من ثبوت الجميع لها ،وعدم تن00اهي
متعلقاته المتناع التخصيص بش00يء يتن00اهى ألن00ه ت00رجيح بال م00رجح ،ومن متعلقات00ه نعيم
الجنان وهو ال يتناهى بل يتجدد شيئا ً فشيئا ً وهكذا،
وإيجاب وحدته ،ألنه لم يرد السمع بالتع00دد ب00ل انعق00د اإلجم00اع على نفي كالم ث00ان
قديم ، 1والمثلية إنما هي في الثالثة األحكام المذكورة وإن اختلفت جه00ة التعل00ق ألن تعل00ق
العلم تعلق انكشاف ،2وتعلق الكالم تعلق داللة وهو تعلق تنجيزي قديم بالنظر لغ0ير األم0ر
والنهي ،فهو يدل أزالً على أن ذاته وصفاته تعالى واجب00ة ،وعلى أن الش00ريك والص00احبة
والولد مستحيلة ،وأن ولد زيد ورزقه وعلمه ج00ائزة ،وي00دل أزالً أيض0ا ً على أن من أط00اع
فله الجنة ومن عصى فله النار ،واألول وع00د والث00اني وعي00د وهك00ذا ،وأم00ا ب00النظر لألم0ر
والنهي :فعلى اشتراط وجود المأمور والمنهي 3يكون له تعلق ص00لوحي ق00ديم قب00ل وج00ود
المأمور والمنهي ،وتنجيزي حادث بعده كما تقدم تحقيقه (قوله فلنتبع) ب00النون أو بالت00اء
أوله ،وفيه إشارة إلى غموض المحل وصعوبته ،فيشير إلى أن00ه ليس لن00ا في ه00ذا المق00ام
إال اتباع القوم ،خصوصا ً في إثبات التعلقات األزلية.
1إن كان مراده بالكالم 0مبدأ التكلم فصحيح أنه أم00ر واح00د ،لكن00ه مم00ا لم يتكلم علي00ه إال
قلة قليلة من العلماء 0فأين هذا اإلجماع ،وإن كان الم00راد ب00ه الكالم ب00المعنى 0الحاص00ل بالمص00در0،
وهو الذي يطلق عليه الكالم دائما ً فوحدته هو مذهب ابن كالب وجمهور األش00اعرة والماتريدي00ة
ولم يقل به معظم السلف .وعلى التقديرين 0ال إجماع.
2قوله" :انكشاف" أي هلل بمعنى أن جميع األشياء منكشفة هلل بعلمه ،وقوله "وتعل00ق
الكالم تعلق داللة" أي لغير هللا ،بمعنى أن غير هللا ل00و أزي00ل عن00ه الحج00اب واطل00ع على كالم هللا
لفهم منه جميع الواجبات 0والجائزات والمستحيالت 0أجهوري.
3قوله فعلى اشتراط وج00ود الم00أمور … إلخ التحقي00ق أن وج00ود الم00أمور والمنهي في
الخارج ليس بشرط لتحقق األمر والنهي فيه وذلك ألن األم00ر ه00و الطلب الج00ازم 0ولألب أن ي00أمر
ابنه الذي سيوجد –أي يطلب 0من00ه طلب0ا ً جازم0اً 0-قب0ل وج00وده أن يفع00ل ك0ذا عن0د وج0وده وفهم0ه
للخطاب 0وقدرته عليه 0،فقد تحقق هذا الطلب 0مع فقد المأمور في الخ00ارج نعم الطلب 0من المفق00ود
الذي لن يتحقق له وجود في الخارج 0ممتنع.
148
{ -90سمع هللا تعالى وبصره وإدراكه تتعلق بالموجودات فقط }
وكل موجود أنط للسمع به ##كذا البصر إدراكه إن قيل به -36
(قوله وكل موجود أنط للسمع به) أي وكل موج00ود عل0ق للس0مع ب00ه ،فـ “ أن00ط “
فعل أمر من اإلناطة وهي التعليق “ ،وكل “ مبت00دأ خ00بره جمل00ة “ أن00ط للس00مع ب00ه “ أو
مفعول لمحذوف يفسره المذكور من باب االشتغال على ح00د “ زي00داً ُمَّ 0ر ب00ه “ والتق00دير:
اقصد كل موجود ،والالم في قوله “ للسمع “ زائدة ،و “ السمع “ مفعول ألن00ط بمع00نى
علق ،أو ضمنه معنى اعترف فعداه بالالم ،وبالجملة فالمعنى :اعتقد تعل0ق الس0مع األزلي
بكل موجود ،وقوله “ :كذا البصر “ أي مثل السمع البصر في تعلقه بكل موجود ،فاس00م
اإلش00ارة راج00ع للس00مع ،و “ ك00ذا “ خ00بر مق00دم ،و “ البص00ر “ مبت00دأ م00ؤخر ،وقول00ه “
إدراكه “ أي وكذا إدراكه ،فهو معطوف على البص00ر بح00رف عط00ف مق00در ،وقول00ه “ إن
قيل به “ أي إن قيل بثبوته ،كما هو أحد األقوال الثالثة السابقة في قوله:
فهل له إدراك أو ال خلف ##وعند قوم صح فيه الوقف
فهذه الصفات الثالثة متحدة المتعلق ،وال يلزم من اتحاد المتعلق اتحاد الص00فة ب00ل
الصفة متعددة ،وكل منها له حقيقة 0من االنكش00اف ليس00ت عين حقيق00ة غ00يره ،ال يعلم تل00ك
الحقيقة إال هللا تعالى،
وما ذكره المصنف من أن سمعه وبصره تعالى يتعلقان بكل موج00ود ه00و م00ا ذك00ره
بعض المتأخرين كالشيخ السنوسي ومن تبعه ،وال00ذي في كالم الس00عد وغ00يره أن الس00مع
األزلي ص00فة تتعل00ق بالمس00موعات ،وأن البص00ر األزلي ص00فة تتعل00ق بالمبص00رات ،وه00و
محتمل للعموم والخصوص ،فيحتم00ل أن00ه أراد المس00موعات والمبص00رات في حق00ه تع00الى
149
وهي الموجودات ،فيكون موافقا ً لما تقدم ،ويحتمل أنه أراد المسموعات والمبص00رات في
حقنا وهي األصوات في األول ،والذوات واأللوان في الثاني ،فيكون مخالفا ً لما تقدم،1
وما ذكره المصنف أيضا ً من كون اإلدراك على القول به مث00ل الس00مع والبص00ر في
التعلق بكل موجود هو أح00د ق0ولين ق00د س00بق ذكرهم00ا ،وثانيهم00ا أن00ه يتعل00ق بالملموس00ات
والمشمومات والمذوقات من غير اتص00ال بمحاله00ا ،فهم00ا طريقت00ان للق00وم كم00ا يؤخ00ذ من
اليوسي وشرح الكبرى،
واعلم أن للسمع والبصر واإلدراك –على القول به والقول بأنه يتعلق بكل موجود
–ثالث تعلقات :تعلقا ً تنجيزيا ً قديما ً وهو التعلق بذات هللا وصفاته ،وص00لوحيا ً ق00ديما ً وه00و
التعلق بنا قبل وجودنا ،وتنجيزيا ً حادثا ً وهو التعلق بنا بعد وجودنا ،ووجوب التعلق لهذه
الصفات مستفاد من صيغة األمر في قوله “ أنط “ 2كما استفيد عدم تناهي متعلقاتها من
أداة العموم 0الداخلة على موجود ،وسكت المصنف عن وحدة ه00ذه الص00فات للعلم به00ا من
وجوبها لنظائرها كالقدرة واإلراة إذ ال فرق وال إيطاء في كالم المص00نف الختالف مرج00ع
الضميرين نظير ما تقدم في اسمي اإلش00ارة في قول00ه “ ومث00ل ذي إرادة ..إلخ “ وس00بق
ما في نحوه.
1أقول :التحقيق أن البصر والس00مع ص00فتان مغايرت00ان للعلم يتعل00ق الس00مع باألص00وات0
والبصر باأللوان 0واألشكال وذلك ألن كالم الشارع –إذا لم يكن عرف شرعي -يحمل على المعنى
اللغوي ،وهذا هو المع0نى اللغ0وي للس0مع والبص0ر ،وال دلي0ل على غ0يره من الش0رع 0،فال يوج0د
عرف شرعي يحمالن عليه ولعل هذا هو مراد السعد العالمة كما ه0و ظ0اهر كالم0ه وحمل0ه على
غيره صرف لكالمه عن ظاهره بال داع إليه وهللا أعلم.
2فيه أن معنى أنط اعتقد النوط ألن اإلنسان ال يق00در على إناط00ة ص00فاته تع00الى بش00يء
حتى يؤمر به فالذي تفيده صيغة األمر هو وجوب هذا االعتقاد ال وجوب التعلق.
150
وغي ُر ِع ٍلم هذه كما ثبت ##ثم الحياةُ ما بشيء تعلقت -37
(قوله وغير علم هذه) أي هذه الص00فات األرب00ع وهي :الكالم ،والس00مع ،والبص00ر،
واإلدراك –غير العلم فاسم اإلشارة مبتدأ مؤخر ،و “ غير علم “ خبر مقدم ،ودف00ع ب00ذلك
ما قد يتوهم من اتحادها مع العلم التحاد متعل00ق الكالم م00ع متعل00ق العلم ،وان00دراج متعل00ق
السمع والبصر واإلدراك في متعلقه ،ال س00يما وتعل00ق ه00ذه الثالث00ة تعل00ق انكش00اف كتعل00ق
العلم ،وكما أن هذه الصفات األربع مغايرة للعلم بعضها مغاير لبعض ،واتح00اد المتعل00ق ال
يوجب اتحاد الحقيقة،
{ -91ال000دليل على أن الس000مع والبص000ر ليس000ا عب000ارتين عن العلم بالمس000موعات
والمبصرات}
وقوله “ كما ثبت “ أي كالتغاير الذي ثبت عند الق00وم باألدل00ة الس00معية ،ألن ه00ذه
الصفات إنما ثبتت بالسمع ،والمدلول لغة لكل واحدة غير المدلول لألخ00رى ،ف00وجب حم00ل
ما ورد على ظاهره حتى يثبت خالفه ،وبيان كون المدلول لغة لك00ل واح00دة غ00ير الم00دلول
نفس0ها ،وم00ا وق00ر فيه00ا من ش00يء
ُ لألخرى :أن الس00مع حس األذن –أي حاس00تها ،واألُ ُذنُ
تسمعه ،والذكر المسموع ،1والبصر حس العين –أي حاستها ،والكالم :الق00ول ،وم00ا ك00ان
مكتفيا ً بنفسه ،والعلم هو المعرفة كما يؤخذ من الق00اموس في مواض00ع متع00ددة ،وإذا ثبت
أنها متغايرة لغة ك00انت متغ00ايرة ش00رعا ً ،2وبالجمل00ة فكن00ه ك0ل واح0دة غ0ير كن0ه األخ0رى،
ونفوض علم ذلك هلل تعالى.3
1أي الحسن الجميل (شرح القاموس) فهذه أربعة معان ذكرها الش00ارح للس00مع ونزي00د
خامسا ً وهو المعنى المصدري لسمع.
2أق00ول :وبه00ذا ال00دليل نثبت 0أن متعل00ق الس00مع األص00وات ،و متعل00ق البص00ر األل00وان
واألشكال ،وليس متعلقاتها 0كل الموجودات كما قيل.
3قال المحقق البياضي 0في إشارات 0المرام ( )138ما حاصله :السمع والبص0ر 0ص00فتان0
مغايرتان 0للعلم ..للفرق البديهي بين علمنا بشيء علماً 0تاما ً جلي0ا ً وبين إبص00ارنا إي00اه ،فإن00ا نعلم
151
(قول00ه ثم الحي00اة م00ا بش00يء تعلقت) بس00كون الي00اء وح00ذف الهم00زة لل00وزن ،وثم
لالس00تئناف ،والمع00نى أن الحي00اة ال تتعل00ق بش00يء أي أم00ر موج00ود أو مع00دوم ،ف00المراد
بالش00يء هن00ا المع00نى اللغ00وي الش00امل للموج00ود والمع00دوم 0،ويص00ح أن يك00ون الم00راد ب00ه
المعنى االصطالحي ،ويقال :إذا كانت ال تتعلق ب00الموجود ،ف00أولى أن ال تتعل00ق بالمع00دوم،
فليست الحياة من الصفات المتعلقة ألنها صفة مصححة لإلدراك :أي مصححة لمن ق00امت
به أن يتصف بصفات اإلدراك ،وال تقتضي أمراً زائداً على قيامه00ا بمحله00ا ،ومث00ل الحي00اة
الوجود والقدم والبقاء عند من يعدها من الصفات الذاتية.
أن االسم مغاير للمسمى مطلقاً .ورد قولهم ه0ذا ب00أن االس00م يتب0ادر من0ه ك0ل من ال00دال والم00دلول
س 0نَى)( 0األع00راف: بحسب المقام في نحو زيد الكاتب 0والمكتوب ،وقوله تعالىَ ( :وهَّلِل ِ اأْل َ ْ
س َما ُء ا ْل ُح ْ
من اآلية )180هذا هو التحقي00ق له00ذا المق00ام ،وق00د أخ00ذنا ه00ذا التحقي00ق من إش00ارات الم00رام من
عبارات 0اإلمام" للمحقق البياضي عند كالمه على قول اإلمام أبي حنيفة رض00ي هللا تع00الى 0عن00ه:
(وهللا لم يزل وال يزال بصفاته 0وأسمائه) (ص )115-114وما أورده الشارح 0من األقوال ظلمات
بعضها فوق بعض.
1قول00ه ش00رع في مبحث يجب اعتق00اده ه00ذا التعب00ير ي00وهم أن م00ا قبل00ه ليس مم00ا يجب
اعتقاده فكان عليه أن يقول بدله" :أتبعها بم00ا ه00و من متعلقاته00ا مم00ا يجب اعتق00اده مثله00ا" أو
نحو هذا الكالم.
2هذا ليس بص00حيح ألن00ه ل00و ك00ان ك00ذلك لك00ان 0المقص00ود باإلف00ادة ه00و الحص00ر ال الحكم
ويكون الحكم كأنه مسلم الثبوت وذلك ألن القاعدة أن الكالم إذا اشتمل على قيد زائ00د على أص00ل
الثبوت كان هذا القيد هو المقصود باإلف00ادة دون الثب00وت 0والح00ال أن المقص00ود باإلف00ادة هن00ا ه00و
الحكم فالتقديم للضرورة الشعرية وهللا أعلم.
3قوله" :فيما سبق" أي فيما سبق نقله عنهم :وه00و أن أس00ماءه تع00الى 0حادث00ة وأنه00ا
من وضع الخلق .أجهوري.
4مقصود هذا القائل كما يدل عليه كالم الشارح 0اآلتي من قوله :وال يرد أنهم لم يذكروا
… .إلخ أن من األقسام االعتبارية 0لكالمه القديم أسماء له تعالى قديمة كم00ا أن من تل00ك األقس00ام
أمر ونهي ،وعلى هذا كان على الشارح 0أن يقول بدل قوله :وعلى هذا فالمراد بالتسمية ...إلخ:
(وعلى هذا فأسمائه تعالى أقسام اعتباري00ة لكالم00ه الق00ديم) وذل00ك ألن ه00ذا الق00ول مب00ني على أن
الم00راد باألس00ماء مس00مياتها 0،وعلى أن مس00مياتها من الكالم الق00ديم وأقس00ام اعتباري00ة ل00ه وليس
مبنيا ً على أنها مدلولة للكالم القديم ،فقول الشارح :وعلى هذا فالمراد بالتسمية … 0إلخ مع أن00ه
فاسد في نفسه مناقض لالحق كالمه.
153
القديمة داللة الكالم أزالً على معاني األسماء من غير تبعيض وال تجزئة في الكالم ،وه00و
ال00ذي ينش00رح ل00ه الص00در ،وال ي00رد أنهم لم ي00ذكروا من أقس00ام الكالم االعتباري00ة األس00ماء
القديمة ،ألن تقسيمهم ليس حاصراً ،بل اقتصروا على األهم باعتب00ار م00ا ظه00ر لهم ،كي00ف
ومدلوله ال يدخل تحت حصر؟
وأشار العالمة الملوي في آخر عبارته إلى أن القدم هنا ليس بمع00نى ع00دم األولي00ة
بل بمعنى أنها موضوعة قبل الخلق ،فهي من وضعه تع00الى قب00ل خلق00ه ،ثم ألهمه00ا للن00ور
المحمدي ثم للمالئكة ،ثم للخلق ،خالفا ً للمعتزلة في ق00ولهم بأنه00ا من وض00ع البش00ر ،وفي
هذا الكالم تسليم بأن األسماء ليست أزلية كما ال يخفى،
وبالجملة فهذا المبحث لم يصف ،ونق0ل عن القرط0بي أن من ق0ال “ االس0م مش0تق
من السم ّو “ وهو العلو يقول :لم يزل هللا موص00وفا ً 1قب00ل وج00ود الخل00ق وعن00د وج00ودهم
وبعد فنائهم ،ألن00ه ال ت00أثير لهم في أس00مائه ،وه00ذا ق00ول أه00ل الس00نة ،ومن ق00ال “ :االس00م
مشتق من السمة “ يق00ول :ك00ان في األزل بال أس00ماء وال ص00فات ، “ 2فلم00ا خل00ق الخل00ق
الشَ 0منّي وه00و أقبح من
جعلوها له ،وبعد فنائهم تبقى ب00دونها ،وه00و ق00ول المعتزل00ة ،ق00ال ُ
القول بخلق القرآن .اهـ .أفاده العالمة األمير مع بعض زيادة.
(قوله أسماؤه) األسماء جمع اسم ،والمراد به ما دل على ال00ذات بمجرده00ا كاهلل و
“ خداي “ في اللغة الفارس00ية ،أو باعتب00ار الص00فة كالع00الم والق00ادر ،ثم إن “ أس00ماؤه “
مبت0دأ “ والعظيم0ة “ وص00ف كاشف 3والخ00بر “ قديم0ة “ وقول00ه “ ك0ذا ص0فات ذات0ه “
مبتدأ وخبر ،فـ “ كذا “ خبر مقدم و “ صفاته ذاته “ مبت00دأ م00ؤخر ،والجمل00ة معترض00ة
بين المبتدأ وخبره والتشبيه في القدم ،وأشار الشارح إلعراب آخ00ر ،فجع00ل خ00بر قول00ه “
أسماؤه “ محذوفاً ،دل علي00ه قول00ه فيم00ا بع00د “ :قديم00ة “ وجع00ل قول00ه اآلتي خ00براً عن
قوله “ :صفات ذات00ه “ فيك00ون المص00نف ح00ذف من األول لدالل00ة الث00اني ،كم00ا ح00ذف من
الثاني “ عظيمة “ لداللة األول عليه ،وحينئ00ذ ففي كالم00ه من المحس00نات البديعي00ة ن00وع
احتباك ،4وهو أن يحذف من كل نظ0ير م00ا أثبت0ه في اآلخ0ر ،وعلى ه00ذا فالتش00بيه للتأكي00د،
واألول هو المتبادر من كالم المصنف
1قوله "ألمر خارج" قال العالمة األمير 0:كالتخلق بمدلول االسم ،ك00أن يتخل00ق بم00دلول
كريم الذي هو الكرم ،وبمدلول حليم الذي هو الحلم .أجهوري.
2أقول ال يخفى أن سياق اآليتين 0يرد هذا المعنى 0،وهذا من المعاني 0الفاسدة التي يحمل
بعض الصوفية النصوص عليها.
3الصفات ضربان 0صفات 0الذات وهي كل ما وص00ف هللا ب00ه ذات00ه وال يج00وز أن يوص00ف
بضده كالصفات السبع.
وصفات الفع0ل وهي التك0وين وم0ا يرج0ع إليه0ا من الص0فات 0ك0التخليق وال0ترزيق على
القول بالتكوين 0،وأما على مذهب من لم يقل بالتكوين 0فصفات الفعل عبارة عن التعلقات 0الحادث00ة
للقدرة ،ومن صفات الفعل معظم األسماء الحس00نى 0ق00ال اإلم00ام محم00د أن00ور الكش00ميري في فيض
الباري (:)4/517
األسماء الحسنى عند األشاعرة عبارة عن اإلض00افات( 0يع00ني ب00ه تعلق00ات الق00درة) وأم00ا
عند الماتريدية فكلها مندرجة في صفة التكوين 0،انتهى.
وهذا الكالم بإطالقه غير ص0حيح ف00إن من األس00ماء الحس00نى م0ا ه0و راج0ع إلى ص00فات
الذات.كالعظيم والجليل والكبير
فإن الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل أن كل ما وصف هللا به نفس00ه وال يج00وز أن
يوصف بضده فهو من صفات الذات كالعلم والقدرة والقوة والعظمة وكل ما وصف هللا به نفس00ه
ويجوز أن يوصف بضده فه00و من ص00فات 0الفع00ل كالرأف00ة والرحم00ة والس00خط والغض00ب 0،فيف00رق
بينهم00ا بج00واز الس00لب 0وعدم00ه والف00رق بين الص00فة واالس00م أن الص00فة عب00ارة عن مج00رد العلم
والقدرة مثالً بدون الذات ،واالسم عبارة عن الذات فقط كاسم الجاللة 0،أو عن ال00ذات م00ع الص00فة
كالعالم والقادر.
155
شيء منها بقديم عند األشاعرة ،بخالفه عند الماتريدية :أي ولذلك قال ص00احب متن ب00دء
األمالي :ما نصه:
صفات الذات واألفعال طر ##قديمات .. .. ..إلخ.
وه00و موض00وع على م00ذهب الماتريدي00ة ،ألنه00ا عن00د األش00اعرة تعلق00ات الق00درة
التنجيزية الحادثة ،وعند الماتريدية هي عين صفة التكوين القديمة كما تقدم،
وأما الصفات السلبية فهي قديمة قطعا ً أو أزلية ،على الخالف في الق00ديم واألزلي،
ولعل الشارح جرى على القول بالفرق بين القديم واألزلي ،فقال :وخرج بإضافة الصفات
إلى الذات السلبية والفعلية ،فليس شيء منهما بقديم عند األشاعرة ،ق00ال الش00يخ األم00ير:
ورأيت بخط سيدي أحمد النفراوي أن ذكره00ا س00بق قلم :أي ذك00ر الص00فات الس00لبية س00بق
قلم ،وإال ففضل الشارح مشهور.
156
{ -93المختار أن إثبات األسماء والصفات هلل توقيفي }
واختي َر أن اسماهُ توقيفية ##كذا الصفات فاحفظ السمعية -39
(قوله واختير ..إلخ) أي واخت00ار جمه00ور أه0ل الس0نة أن أس0ماءه تع00الى توقيفي00ة
وكذا ص00فاته ،فال تثبت هلل اس00ما ً وال ص00فة إال إذا ورد ب00ذلك توقي00ف من الش00ارع ،وذهبت
المعتزلة إلى جواز إثبات ما كان متصفا ً بمعناه ولم ي00وهم نقص0ا ً 1وإن لم ي00رد ب00ه توقي00ف
من الشارع ،ومال إليه القاضي أب0و بك0ر الب00اقالني ،وتوق00ف في0ه إم00ام الح00رمين ،وفص00ل
الغزالي فج ّوز إطالق الصفة وهي ما دل على معنى زائد على ال0ذات ،ومن0ع إطالق االس0م
وهو ما دل على نفس الذات،
والحاص00ل أن علم00اء اإلس00الم اتفق00وا 0على ج00واز إطالق األس00ماء والص00فات على
الب00اري ع00ز وج00ل إذا ورد به00ا اإلذن من الش00ارع ،وعلى امتناع00ه إذا ورد المن00ع منه،2
واختلفوا حيث ال إذن وال منع ،والمختار منع ذلك وهو م00ذهب الجمه00ور اهـ مص00نف في
شرحه الصغير
(قوله أن أسماه) بدرج همزة أسماء األولى مع القصر للوزن ،والمراد باألسماء:
ما قابل الصفات ،بدليل قوله “ كذا الصفات “ فاالس00م م00ا دل على ال00ذات والص00فة م00ا دل
على معنى زائد على ال00ذات ،وليس الم00راد باالس00م م00ا قاب00ل الفع0ل 0والح00رف وال م00ا قاب00ل
الكنية واللقب،
وقوله “ توقيفيه “ أي يتوقف جواز إطالقها عليه تع0الى على وروده0ا في كت0اب
أو سنة صحيحة ،أو حسنة أو إجماع ،ألنه غير خارج عنها ،3بخالف السنة الض00عيفة إن
قلنا :أن المسألة من العلميات أي االعتقاديات بحيث يعتقد ان ذلك من اس0مائه تع0الى وإن
قلنا :إن المسالة من العمليات بحيث نستعمله ونطلقه عليه تعالى فالس00نة الض0عيفة 0كافي00ة
في ذلك ،ألنهم قالوا :الحديث الضعيف يعمل به في فضائل األعم00ال ،4وأم00ا القي00اس فقي00ل
كاإلجماع ما لم يكن ضعيفاً ،وعليه فيقاس “ واهب “ بناء على أنه لم يرد على “ وهاب
1البد من زيادة شرط ثالث وهو أن يكون ذلك اللفظ مشعراً بالكمال والعظمة.
2أقول :لم يرد –فيما أعلم 0-منع صريح في نصوص الكتاب 0والسنة من تس00ميته تع00الى0
باسم خاص ،نعم قد وردت النصوص بتسميته تعالى باألسماء الحس00نى فت00دل على من00ع تس00ميته
تعالى بغير الحسنى.
3ألن اإلجماع 0البد له من مستند وإن لم يعلم.
157
“ وأطلق بعضهم منع القياس ،قال المصنف في الشرح الصغير :وهو الظ00اهر ،الحتم00ال
إيهام أحد المترادفين دون اآلخ0ر كالع00الم والع00ارف ،والج0واد والس00خي ،والحليم والعاق0ل
اهـ ،وبالجملة فما أذن الشارع في إطالقه واستعماله ج00از وإن أوهم كالص00بور والش00كور
والحليم ،ف00إن الص00بور ي00وهم وص00ول مش00قة ل00ه تع00الى ،ألن الص00بر حبس النفس على
المشاق ،فيفسر في حقه تعالى بالذي ال يعجل بالعقوبة على من عص00اه ،والش00كور ي00وهم
وصول إحسان إليه ،ألن معناه كثير الشكر لمن أحسن إليه ،مع أن اإلحسان كل00ه من هللا،
فيفسر في حقه تعالى بالذي يجازي على يس00ير الطاع00ات كث00ير ال00درجات ،ويعطى بالعم00ل
في أي00ام مع00دودة نعم0ا ً في األخ00رى غ00ير مح00دودة ،وقي00ل :المج00ازي على الش00كر ،وقي00ل:
المث0ني على من أطاع00ه ،والحليم ي0وهم وص00ول أذى إلي0ه وه0و تع00الى ال يص00ل إلي00ه أح0د
ب00أذى ،فيفس00ر في حق00ه تع00الى بال00ذي ال يعج00ل بالعقوب00ة على من عص0اه ،ف00يرجع لمع00نى
الصبور ،وال يرد على قولنا “ وهو تعالى ال يصل إليه أحد بأذى “ قوله ص00لى هللا علي00ه
وآله وسلم (من آذى مسلما ً فقد آذاني ،ومن آذاني فقد آذى هللا) 1ألن معناه أن00ه فع00ل مع00ه
فعل المؤذي ،وقد تقدم ل0ك أن أس00ماء الن0بي ص00لى هللا علي00ه وآل0ه وس0لم توقيفي00ة اتفاق0اً،
وسبقت حكمة ذلك فتفطن لها (قوله كذا الصفات) أي مثل أسمائه تعالى صفاته في كونها
توقيفية ،فال يجوز إثب00ات ص00فة ل00ه تع00الى إال بتوقي00ف من الش00ارع لن00ا ،وقول00ه “ فاحف00ظ
الس00معية “ أي إذا ع0رفت أن إطالق األس00ماء والص00فات علي00ه تع00الى يتوق00ف على اإلذن
الشرعي فاحفظ األسماء والصفات الواردة بالسمع حقيق00ة ك00الواردة في الكت00اب والس00نة،
4فيه أن تسميته تعالى باسم ليس بعبادة حتى ي00دخل تحت فض00ائل األعم00ال ب00ل العب00ادة
هو ذكر اسمه تعالى بعد ثبوت كونه اسما ً ل00ه بطري0ق معت0د ب0ه في ه0ذا المق0ام 0،والض00عيف ليس
بمعتد به في هذا المقام ألن جنابه تعالى يُحتاط 0في حقه ما ال يحتاط في حق غيره .وهللا أعلم.
{ -94حكم إطالق الصانع والقديم والذات ونحوها على هللا تعالى} 0
1أخرجه الطبراني في األوسط ب00رقم ( )3607وفي الص00غير ب00رقم ( )468عن أنس بن
مالك رضي هللا عنه.
158
أو حكما ً 1كالثابتة باإلجماع كالصانع والموجود والواجب والقديم ،كم00ا ذك00ره المؤل00ف في
كبيره.
أوله أو ف ِّوض َور ْم تَ ْنزيها
وكل نص أوهم التشبيها ِّ ## -40
2
(قوله وكل نص ..إلخ) يص00ح ق00راءة “ ك00ل “ ب00الرفع مبت00دأ ،وجمل00ة “ أول00ه “
خبر ،وبالنصب مفعول لفعل محذوف يفسره المذكور من باب االش00تغال ،والم00راد ب00النص
هنا :ما قابل القياس واالستنباط 3واإلجماع ،وهو الدليل من الكتاب أو السنة ،س00واء ك00ان
1قوله أو حكما ً كالثابت باإلجماع … إلخ هذا اإلجم00اع 0الم00دعى غ00ير ث00ابت 0،وال يج00وز
إطالق هذه األسماء عليه تعالى على وجه التسمية 0به00ا لع0دم ورود نص ص0حيح بإطالقه00ا علي00ه
تعالى بهذا الوجه ،واما إطالق المتكلمين لها ولنحوها كاألزلي واألبدي على الباري تعالى فليس
على وجه تسميته تعالى 0بها ،وهذا هو الذي يحتاج 0إلى التوقيف واإلذن الشرعي ،وإنما إطالقهم
لها عليه تعالى بمعنى اتصافه تعالى بمعناها ،فيقولون :هللا قديم بمعنى ال ابتداء لوج00وده ،وه00ذا
من قبيل إطالق الكلي على بعض ما صدق عليه 0،كما نقول :زيد إنسان 0فإنك لم تقصد أنه مسمى
بلفظ اإلنسان ،وإنما تقصد أنه متصف بمعنى هذا اللفظ ،وأنه من أفراد اإلنسان 0،لكن معظم ه00ذه
األسماء الكلية المطلقة علي00ه تع00الى منحص00رة في ه00ذا الف00رد ،وال يوج00د له00ا ف00رد آخ00ر ،بخالف
إنسان ونحوه .وإطالق االسم عليه تعالى 0بهذا المعنى ال يحتاج 0إلى التوقيف واإلذن من الشارع0،
كم00ا أن إطالق الش00ارع لالس00م علي00ه تع00الى 0به00ذا المع00نى ال يك00ون إذن 0ا ً في اإلطالق على وج00ه
التسمية ،وذلك كإطالق الخادع 0في قوله تعالى( 0وه00و خ00ادعهم) وإطالق الرفي00ق في قول00ه علي00ه
الصالة والسالم (إن هللا رفيق يحب الرف00ق) ف00إن ه00ذا من اإلطالق بمع00نى اتص00افه تع00الى بمع00نى
االسم ،وليس على وجه التسمية به أفاده المحقق البياضي في إشارات المرام ص.150
وقد ادعى بعض العلماء التوقيف في القديم والصانع.
أما القديم فقد ورد ذكره في بعض األخبار 0التي ذكرت فيها األسماء الحسنى.
روى الخبر 0البيهقي في كتاب "األسماء والصفات"ص 7والزبيدي في شرح اإلحياء( 0
)2/21بسنديهما مرفوعا ً من طريق عبد العزيز بن الحصين 0عن أيوب السخنياني 0قال ال00بيهقي:
تفرد بهذه الرواية عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان ،وهو ضعيف الح0ديث عن0د أه0ل النق0ل،
ض00عفه يح00يى بن معين ،ومحم00د بن إس00ماعيل البخ00اري انتهى .فالح00ديث ض00عيف ،والح00ديث
الض00عيف ال يعم00ل ب00ه في األحك00ام وتس00ميته تع00الى باس00م حكم من األحك00ام ال يج00وز إال بتوقي00ف
صحيح عن الشارع.
َّ هَّللا
(ص ْ 0ن َع ِ ال ِذيوأما الصانع 0فقد استدلوا على جواز تسمية هللا تعالى 0به بقوله تع00الىُ :
أَ ْتقَنَ ُك َّل ش َْي ٍء) (النمل :من اآلية )88وقوله صلى هللا عليه 0وآله وسلم( :إن هللا ع00ز وج0ل ص00نع
كل صانع وصنعته) رواه ال00بيهقي في "األس00ماء والص00فات" ص 36والبخ00اري في خل00ق أفع00ال
العباد وهذا االستدالل إنما يص00ح على ق00ول من ق00ال باكتف00اء ورود مأخ00ذ االش00تقاق في التس00مية0
باالسم المشتق ،وهو قول مرجوح ،وبم00ا رواه مس00لم في كت00اب ال00ذكر وال00دعاء عن أبي هري00رة
رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم( :ال يق00ولن أح00دكم :اللهم اغف00ر لي
إن شئت ،اللهم ارحمني إن ش00ئت ،ليع00زم في ال00دعاء ف00إن هللا ص00انع م00ا ش00اء ال مك00ره ل00ه) لكن
الظاهر أن إطالق الصانع هنا علي0ه تع0الى 0ك0إطالق الرفي0ق في الح0ديث المتق0دم ليس على وج0ه
التسمية بل على معنى اتصافه تعالى 0بمعناه ويدل عليه عطف قوله( :ال مكره) عليه.
159
صريحا ً أو ظاهراً ،وليس المراد به ما قابل الظاهر وهو ما أفاد معنى ال يحتم00ل غ00يره ،إذ
لو كان هذا هو المراد لم يمكن تأويله،1
2
وقوله “ أوهم التشبيها “ أي أوق00ع في ال00وهم ص00حة الق00ول ب00ه بحس00ب ظ00اهره
والمراد من التش00بيه المش00ابهة ال فع00ل الفاع00ل ،وقول00ه “ أ ّول00ه “ أي احمل00ه على خالف
ظاهره مع بيان المعنى المراد ،فالمراد :أوله تأويالً تفصيليا ً بأن يك00ون في00ه بي00ان المع00نى
المراد كم0ا ه0و م00ذهب الخل00ف :وهم من ك0انوا بع00د الخمس0مائة ،وقي0ل :من بع0د الق0رون
الثالثة ،وقوله “ أو فوض “ أي بعد التأويل اإلجمالي الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره؛
قال علي القاري في ش00رح الفق00ه األك00بر عن00د الكالم على ق0ول اإلم00ام" :والق00رآن 0غ00ير
مخلوق" :أما القديم فليس من األسماء الحس00نى وإن أطلق00ه علي00ه علم00اء الكالم م00ع أن00ه أنك00ره
كثير من السلف الكرام وبعض من الخلق الفخام 0،ومنهم ابن حزم ذهاباً 0إلى الجزم بأن القديم في
لغة العرب التي نزل بها القرآن 0هو المتقدم على غيره.
فيقال :هذا قديم للعتيق 0،وهذا حديث للجديد ال القدم الذي لم يسبقه الع00دم ،ففي التنزي00ل
يم) (يّـس :من اآلية )39قي00ل :وه00و ال00ذي يبقى إلى حين (حتَّى عَا َد َكا ْل ُع ْر ُجو ِن ا ْلقَِ 0د ِ
قوله تعالىَ :
ْ َ ْ
وجود الثاني ،فإن وجد الجديد فاألول :قديم ،وقوله تعالىَ ( 0:وإِذ لَ ْم يَ ْهتَدُوا بِ ِه فَ َ
سيَقُولُونَ َهذا إِف ٌك
قَ ِدي ٌم) (األحقاف :من اآلية )11أي متقدم في الزمان.
ثم مما ال ريب فيه أنه إذا كان مس00تعمالً بمع00نى المتق00دم فمن تق00دم على الح00وادث كله00ا
فهو أحق بالتقدم من غيره ،لكن أسماء هللا تعالى هي األسماء الحسنى 0التي ت00دل على خص00وص
ما يمدح به ،والتقدم في اللغة مطلق ال يختص بالتقدم على الحوادث كلها فال يكون من األس00ماء
الحسنى ،وجاء الشرع باسمه األول وهو أحسن من القديم ألنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه وتابع
له بخالف القديم ،إال أنه لما كان هللا سبحانه وتعالى هو الفرد األكمل في مع00نى الق00ديم المتن00اول
لألول فأطلقه المتكلمون عليه فتأمل ،انتهى ومثله في شرح الطحاوية ()1/173
أقول :إطالق المتكلمين 0للقديم عليه تعالى ليس بمعناه اللغوي الم00ذكور كم00ا ي00دل علي00ه
كالم علي القاري وابن أبي الغر 0،بل بالمعنى الذي اصطلحوا عليه ،وه00و م00ا ال ابت00داء لوج00وده،
والذي لم يسبق وجوده العدم ،لكنه ال يخلو عن إيهام المعنى اللغوي وهو العتيق ،فمن أجل ذلك
نقول :ال يجوز تسمية هللا تعالى به ح00تى على الق00ول باالش00تقاق 0،ألن من ش00روط ج00واز اإلطالق
عند القائلين به أن ال يوهم اللف0ظ 0المطل00ق علي0ه تع0الى 0نقص0ا ً في حق0ه تع0الى 0،والق00ديم يوهم00ه،
والشرط الثاني 0عندهم أن يصح اتصافه تعالى بمعنى ذلك اللفظ ،والشرط الث00الث 0أن يك00ون اللف00ظ
مشعر بالجالل.
فهذه ثالثة شروط إلطالق األس00ماء ال00تي ليس فيه00ا توقي00ف عن الش00ارع 0عن00د العلم00اء
الذين لم يشترطوا في إطالق األسماء عليه تعالى التوقيف.
وهم قلة من العلماء 0منهم الغزالي والباقالني 0والراجح هو القول بالتوقيف.
وأما إطالق لفظ الذات عليه تعالى فهل يجوز أم ال؟
قال اإلمام محمد أنور الكشميري في فيض الباري شرح صحيح البخاري ( :)4/517قد
تردد بعضهم في إطالق الذات على هللا تعالى لكونه مؤنث ذو.
فأزاحه المص00نف (البخ00اري) 0وج00وزه س00واء قلت :إنه00ا م00ؤنث ذو ،أو قلت :إنه00ا اس00م
مستقل ،وعلى األول تكون منسلخة عن معنى التأنيث .انتهى .أق0ول :ال0ذات عن00د م0ا تطل00ق على
هللا تعالى أو على غيره لم يقصد أحد بها مؤنث ذو بمعنى صاحب أو معنى الذي ،وإنما يقصدون
بها مقابل الصفات 0واألعراض 0،أو معنى النفس والعين كما تقول جاء زيد ذات00ه أي نفس00ه ،ومن
160
فبعد هذا التأويل فوض المراد من النص الموهم إليه تعالى على طريقة الس00لف :وهم من
ك00انوا قب00ل الخمس00مائة ،وقي00ل :الق00رون الثالث00ة الص00حابة والت00ابعون وأتب00اع الت00ابعين ،1
وطريق00ة الخل00ف أعلم وأحكم ،لم00ا فيه00ا من مزي00د اإليض00اح وال00رد على الخص00وم ،وهي
األرجح ،ولذلك قدمها المصنف؛ وطريقة السلف 2أسلم :لما فيه00ا من الس00المة من تع00يين
معنى قد يكون غير مراد له تعالى،
و(قوله “ ورم ت ْنزيها َ “ ) أي واقصد تنزيها ً له تعالى عما ال يليق به مع تف00ويض
علم المعنى المراد؛ فظهر مما قررناه اتفاق السلف والخلف على التأويل اإلجم00الي ،ألنهم
أجل ذلك طولوا تائه في الكتابة .وهذا المعنى معنى مولد للفظ الذات ش00اع اس00تعماله 0على ألس00نة
العلماء 0،ومن أجل أنه مولد لم يعد النحاة لفظ ذات من ألفاظ 0التأكيد 0المعنوي كالنفس والعين.
{ -95الصفات 0المتشابهة }
2تحقيق مسألة الصفات
قال إم0ام الح0رمين 0في الرس0الة النظامي0ة ( :)33-32وق0د اختل0ف مس0الك العلم0اء في
الظواهر التي وردت في الكتاب 0والسنة ،وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواه00ا ،وإجراؤه00ا على
موجب ما تبتدره أفهام أرباب اللسان 0منه00ا ،ف0رأى بعض00هم تأويله00ا ،وال00تزم ه0ذا المنهج في آي
الكتاب 0وما يصح من سنن الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم.
وذهب أئم000ة الس00لف إلى االنكف00اف عن التأوي00ل 0،وإج000راء الظ000واهر على موارده 00ا،
وتفويض معانيها 0إلى الرب 0تعالى.
والذي نرتضيه رأياً ،وندين به عقداً ،اتباع 0سلف األمة ،فاألولى االتباع وترك االبتداع،
والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع األمة حجة متبعة ،وه00و مس00تند معظم الش00ريعة ،وق00د
جري صحب رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ،ورضي هللا عنهم –على ترك التع00رض
لمعانيها ودرك ما فيها ،وهم صفوة األمة والمستقلون بأعباء 0الش00ريعة ،وك00انوا ال ي00ألون 0جه00داً
في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها ،وتعليم الناس ما يحتاجون 0إليه منها ،فل0و ك0ان تأوي00ل
هذه اآليات والظواهر مسوغا ً ومحتوماً ،ال شك أن يكون اهتم0امهم به00ا ف0وق اهتم00امهم بف0روع
الشريعة .وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين على االضراب 0عن التأويل كان ذلك قاطع00ا بأن00ه
الوجه المتبع ،فحق على ذي دين أن يعتقد تنزه الب00اري عن ص00فات 0المح00دثين ،وال يخ00وض في
تأويل المشكالت ،ويكل معناها إلى الرب تبارك وتعالى .انتهى.
قال الحافظ ابن حجر بعد نقله لهذا الكالم :وقد تقدم النقل أي نقل االنكفاف عن التأوي00ل
–عن أه000ل العص000ر الث000الث ،وهم فقه000اء األمص000ار ك000الثوري واألوزاعي ومال000ك والليث ومن
عاصرهم ،وكذا من أخذ عنهم من األئمة ،فكيف ال يوث00ق بم00ا اتف00ق علي00ه الق00رون الثالث00ة 0،وهم
خير القرون بشهادة صاحب الشريعة (فتح الباري )13/407قال الزبيدي في اإلتحاف (-2/111
)112بع0د نقل00ه له00ذا الكالم عن الحاف00ظ :قلت :وإلى ه0ذا م00ال المص00نف –الغ00زالي -في "إلج00ام
العوام" فق0د عق0د في الك00ف عن التأوي00ل والخ00وض في0ه باب0اً ،وذك0ر في0ه ثالث أمثل00ة :مث00اال في
الفوقية ،ومثاال في االستواء ،ومثاال في النزول ،وقال في أول كتابه المذكور :إن الحق الصريح
الذي ال مراء فيه هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين .ثم قال الزبيدي:
وقال الحافظ ابن حجر :ألهل الكالم في هذه الصفات 0،كالعين 0والوجه واليد ثالثة أقوال:
أحدها :إنها صفات 0ذات أثبتها السمع ،وال يهتدي إليها العقل.
والثاني :أن العين كناية عن صفة البصر 0،والوجه كناية عن صفة الوجود.
والثالث 0:إمرارها على ما جاءت به مفوضا ً معناها إلى هللا تعالى .انتهى.
161
يصرفون الموهم عن ظاهره المحال عليه تعالى ،لكنهم اختلفوا بعد ذلك في تعيين الم00راد
اسُ 0خونَ فِي ا ْل ِع ْل ِم) (وال َّر ِ
من ذلك النص وعدم التعيين بن00اء على الوق00ف في قول00ه تع00الىَ :
(آل عمران :من اآلية )7فيكون معطوفا على لف00ظ الجالل00ة ،وعلى ه0ذا فنظم اآلي00ة هك00ذا:
(وما يعلم تأويله إال هللا والراسخون في العلم) وجملة (يَقُولُونَ آ َمنَّا بِ ِه) (آل عم00ران :من
(و َم00ا يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَ 0هُ إِاَّل 1
اآلية )7حينئذ مستأنفة لبيان سبب التماس التأويل ،أو على قول00هَ :
اسُ 000خونَ فِي ا ْل ِع ْل ِم… )إلخ (آل هَّللا ُ) (آل عم000ران :من اآلية )7وعلى ه000ذا فقول000هَ :
(وال َّر ِ
َ
عمران :من اآلية )7استئناف ،وذكر مقابله في قوله تع00الى( :فَأ َّما الَّ ِذينَ فِي قُلُ00وبِ ِه ْم زَ ْيٌ 0غ
أقول :إن االنكف00اف عن التأوي00ل المنس00وب إلى الس00لف يش00مل الق00ولين األول والث00الث،
فللسلف في المس00ألة ق0والن :بعض0هم ص0رح بكونه00ا ص0فات 0،منهم اإلم0ام أب00و حنيف0ة في الفق00ه
األكبر واإلمام أبو الحسن األشعري في اإلبانة 0،والبعض اآلخر لم يص00رح به00ذا كم00ا لم يتع00رض
للمعنى ،وقد بين السبكي القول الث00اني 0من األق00وال الثالث00ة المتقدم00ة وه0و الق00ول بالتأوي00ل بيان0اً0
واضحا وفصله ،فقال في شرحه لعقيدة ابن الحاجب :أهل التأويل اختلفوا على طريقين:
األول :طريق األقدمين كابن فورك بحملها على مجازاتها الراجعة إلى الص00فات الثابت00ة
عقالً وسمعاً.
الثاني :طريق المتأخرين ،وهي التي كانت مركوزة في قلوب السلف قبل دخول العجمة
برد هذه المتشابهات إلى التمثيل الذي يقص00د ب00ه تص00وير المع00اني العقلي0ة 0بإبرازه00ا في الص00ور
الحسية قصداً إلى كمال البيان .انتهى .نقله الزبيدي في اإلتحاف (.)2/112
وقد ذهب إلى هذا الطريق األخير كثير من المحققين منهم الس00عد التفت00ازاني في ش00رح
المقاصد والسيد الشريف الجرجاني 0قال في شرح المواقف ( :)8/114ومن ك00ان ل00ه ق00دم راس00خ
في علم البي00ان 0حم00ل أك00ثر م00ا ذك00ر من اآلي00ات 0واألح00اديث 0المتش00ابهة على التمثي0ل 0والتص00وير،
وبعض00ها على الكناي00ة ،وبعض00ها على المج00از مراعي0اً 0لجزال00ة المع00نى وفخامت00ه ،ومجانب0اً 0عم00ا
يوجب ركاكته ،فعليك بالتأمل فيها ،وحملها على ما يليق بها ،وهللا المستعان وعليه التكالن.
قال ابن أبي شريف في شرح المسايرة ( :)36ومال الشيخ ع00ز ال00دين بن عب00د الس00الم
إلى التأويل 0،فقال في بعض فتاواه" طريقة التأويل بشرطها أقربهما إلى الحق ،ويعني بش00رطها
أن يكون على مقتضى لسان 0العرب.
وتوسط ابن دقيق العيد ،فقال :يقبل التأويل إذا كان المعنى الذي أول به قريب 0ا ً مفهوم 0ا ً
من تخاطب العرب ،ويتوقف فيه إذا كان بعيداً انتهى ،يقصد اإلمام ابن دقيق رد هذه المتشابهات
إلى التمثيل الذي ذكره السبكي ،ويعني به الكناي00ة أو المج00از الم00ركب ال00ذي ذهب إلي00ه كث00ير من
المحققين منهم التفتازاني 0والسيد الشريف الجرجاني .ونقل بعض العلم00اء كالم ابن دقي00ق العي00د
بوجه مختصر محرر ،فقال :ق0ال اإلم0ام المجته0د ابن دقي0ق العي0د :إن ك0ان التأوي0ل من المج0از0
ال00بين الش00ائع ف00الحق س00لوكه من غ00ير توق00ف ،أو من المج00از 0البعي00د الش00اذ ف00الحق ترك00ه ،وإن
استوى األمران فاالختالف في جوازه وع00دم ج00وازه مس00ألة فقهي00ة اجتهادي00ة ،واألم00ر في00ه ليس
بالحظر 0بالنسبة إلى الفريقين انتهى .أق0ول:وه0و كالم نفيس م0تين ين0بئ عن علم جم ،وص0راحة
في بيان الحق ،وتوسط حكيم.
ثم أقول :مذهب اإلمام ابن دقيق العي0د ه0و الفيص0ل في المس0ألة 0،فإن0ه إذا ك0ان المع0نى
المجازي للنص 0مفهوما ً من تخاطب العرب 0بحيث ال يفهم العربي من ذل00ك النص إال ذل00ك المع00نى
المجازي ،كان ذلك النص من قبيل المجاز المش00هور ،والحقيق00ة المهج00ورة ،فيك00ون ص00رفه عن
ذلك المعنى المج00ازي تحريف0ا ً للكلم عن مواض00عه ،كي00ف وكث00ير من تل00ك النص00وص 0ل00و ت00رجمت
162
… ) الخ (آل عمران :من اآلية )7أي كالمجسمة فمنهم من ق00ال :إن00ه على ص00ورة ش00يخ
كبير ،ومنهم من قال :إنه على صورة شاب حسن ،تعالى هللا عن ذلك علواً كبيراً.
والحاصل أنه إذا ورد في القرآن أو السنة ما يشعر بإثب00ات الجه00ة أو الجس00مية أو
الصورة أو الجوارح ،اتفق أهل الحق وغيرهم م00ا ع00دا المجس00مة والمش00بهة على تأوي00ل
ذلك لوجوب تنزيهه تعالى عما دل عليه ما ذكر بحسب ظاهره:
فمما يوهم الجهة قوله تع00الى( :يَ َخ 0افُونَ َربَّ ُه ْم ِمنْ فَْ 0
0وقِ ِه ْم) (النح00ل :من اآلية)50
فالسلف يقولون فوقية ال نعلمها ،والخلف يقولون :المراد بالفوقي00ة التع00الي في العظم00ة،
ترجمة حرفية إلى لغة أخرى لما فهم منها أهل تلك 0اللغة إال المعاني 0المجازية 0لها ،فكي00ف يج00وز
إذن صرفها عن تلك 0المعاني؟ 0وه00ل ورد الق00رآن إال على أس00اليب 0لغ00ة الع00رب ،وذل00ك مث00ل قول00ه
ار َ0ك الَّ ِذي بِيَ ِد ِه ا ْل ُم ْل ُك)( 0الملك :من اآلية)1والملك 0بالض00م الملوكي00ة والس00لطنة 0،فإن00ه ال
تعالى( :تَبَ َ
أح0د يفهم من اآلي0ة إال إثب0ات 0الملوكي00ة والس0لطنة 0هلل تع00الى ،وال أح00د يفهم منه0ا إثب00ات الي0د هلل
تعالى ،وأن الملك متصل بها أو حال فيه0ا ،كي0ف والمل0ك 0أم0ر معن0وي ال يوص0ف بكون0ه متص0ال
باليد أو حاال فيها ،ومثل قوله ص0لى هللا تع0الى علي0ه وآل0ه وس0لم( :إن قل0وب ب0ني آدم كله0ا بين
أصبعين من أصابع 0الرحمن يقلبها كيف يشاء) فإنه ال أحد يفهم منه إال أن قل00وب ب00ني آدم ط00وع
إرادته تعالى وقدرته ال إثبات 0اإلصبعين 0له تعالى 0،وأنهما في جوف كل واحد من بني آدم آخذتين
قلوبهما ،وقد أشار الس00بكي إلى ه00ذا بقول00ه( :وهي ال00تي ك00انت مرك00وزة في قل00وب الس00لف قب00ل
دخول العجمة) كما أشار به إلى أنه ليس في حمله00ا على ه00ذه المع00اني مخالف00ة للس00لف ،ب00ل إن
حملها عليها حمل لها على معان كان يتذوقها السلف منها ،وإنما لم يصرحوا بها احتياطاً 0وس0داً
لباب 0التأويل لما في فتحه من خطر توسيعه إلى حد ليس بمقب00ول عن00دهم ،وألج00ل االحتي00اط ق00ال
ابن دقيق :يقبل التأويل 0،ولم يقل ويؤول.
وم00ا أحكم ق00ول ابن دقي00ق" :ويتوق00ف إن ك00ان بعي00داً" و ليت المت00أخرين 0من العلم00اء0
توقفوا عند هذا الحد الذي رسمه هذا اإلمام الجهب00ذ س00يد المحققين 0،ولم يغل00وا في التأوي00ل ،ولم
يجلبوا على أنفسهم النكير والشر المستطير فإن كثيراً من ت00أويالتهم ق00د أخ00ذوها عن المعتزل00ة.
وقد كان السلف ينكرونها عليهم ،ويبدعونهم من أجلها.
وراجع ما كتبه المتقدمون في هذا المجال ،كالفقه األكبر ألبي حنيفة والعقيدة المس00ماة
ببيان 0أهل السنة للطحاوي ،وكتب اإلمام أبي الحس00ن األش00عري ،ومن أج00ود الكتب المص00نفة في
هذا الباب 0كتاب "األسماء والصفات" للبيهقي.قال اإلمام أبو حنيفة في الفقه األكبر :ول00ه تع00الى
يد ووجه ونفس بال كيف كما ذكره هللا في القرآن ،ثم قال :وال يقال :يده قدرته أو نعمته ألن فيه
إبطال الصفة 0،وهو قول أهل القدر واالعتزال 0،ولكن يده صفته بال كيف.
وقال أيضاً 0:وغضبه ورضاه من صفاته بال كيف ،وال يق00ال :غض00به عقوبت00ه ،ورض00اه
ثوابه.
وقد ظهر بهذا التحقيق 0أن قول من ق00ال( :طريق00ة الس00لف أس00لم ،وطريق00ة الخل00ف أعلم
واحكم) ليس بصحيح على إطالقه ،وإنما يصح كما قال البياضي )193( 0فيم00ا ظه00ر تأويل00ه إذ ال
إحكام بدونه ،وهو ما جرى علي00ه ابن دقي00ق العي00د ،وفس00ر البياض0ي 0في موض00ع آخ00ر من كتاب00ه
قولهم( :اعلم) بأن مذهب الخلف يحتاج إلى مزيد من العلم.
كما ظه0ر أن الس0لف والخل0ف مجمع0ون على أن ظ0واهر ه0ذه النص0وص غ0ير م0رادة،
وأنها مصروفة عن هذه الظواهر إال أن السلف ال يعينون المعنى المراد وأم00ا الخل00ف فيعينون00ه،
ومن أجل ذلك قال كثير من العلماء إن السلف يؤولون ت0أويالً إجمالي0اً 0،والخل0ف يؤول0ون ت0أويالً
163
فالمعنى يخافون أي المالئكة ربهم من أجل تعاليه في العظم00ة ،أي ارتفاع00ه فيها ،1ومن00ه
ستَ َوى) (طـه )5:فالسلف يقولون :اس00تواء ال نعلم00ه، قوله تعالى (ال َّر ْح َمنُ َعلَى ا ْل َع ْر ِ
شا ْ
2
والخلف يقولون :المراد به االستيالء والملك ،كما قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق ##من غير سيف ودم مهراق
وسأل رجل اإلمام مالكا ً عن هذه اآلية ف0أطرق رأس0ه ملي0ا ً ثم ق0ال :االس0تواء غ0ير
مجهول ،والكيف غير معقول ،واإليم00ان ب00ه واجب ،والس00ؤال عن00ه بدع00ة ،وم00ا أظن00ك إال
ض00االً ،ف00أمر ب00ه ف00أخرج ،وس00أل الزمخش00ري الغ00زالي عن ه00ذه اآلي00ة فأجاب00ه بقول00ه :إذا
تفصيلياً.
وأما الذين يمتنعون عن التأويل رأساً ،ويجرون هذه النص00وص على ظواهره00ا تمس00كا ً
ش0ر ِ بأنه يجب األخذ بظ00واهر النص00وص 0،فيق00ال لهم :أليس هللا تع00الى 0يق00ول( :الَّ 0ر ْح َمنُ َعلَى ا ْل َعْ 0
ست ََوى) (طـه )5:ويقولَ ( :وه َُو َم َع ُك ْم أَيْنَ َم00ا ُك ْنتُ ْم) (الحدي00د :من اآلية )4ويق00ول( :أَال إِنَّهُ بِ ُكِّ 0ل ا ْ
ش َْي ٍء ُم ِحيط) (فصلت 0:من اآلية )54فإذا أخذنا بظاهر هذه اآلي00ات يك0ون هللا تع00الى على الع0رش ٌ
وعندنا ومعنا ومحيط بالعالم محدقا ً به بالذات في حالة واحدة ،والواح00د يس00تحيل أن يتص00ف في
حالة واحدة به0ذه الص00فات 0كله00ا لتنافيه00ا ،ف00إن ق00الوا :قول00ه تع00الى( 0:وه00و معكم) يع00ني ب00العلم.
وقوله تعالى ( :وهو بكل شيء محيط) المراد إحاطة العلم كما حملها عليه السلف ومنهم اإلم00ام
اس0تَ َوى) (طـه )5:عن ظ0اهره ش ْ 0ر ِ أحمد ،قلن00ا فك0ذلك يص00رف قول00ه تع00الى( :الَّ 0ر ْح َم ُ0ن َعلَى ا ْل َع ْ
ويؤول إما بالتأويل اإلجمالي أو بالتأويل التفصيلي 0المقبول.
قال اإلمام القشيري في التذكرة الشرقية عن هؤالء الذين يمتنع0ون عن التأوي0ل رأس0اً:
إن هؤالء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه ،غير أنهم يدلسون ويقول00ون :ي ٌ 0د
ال كاأليدي ،وقدم ال كاألقدام ،واستواء بالذات ال كما نعق00ل فيم00ا بينن00ا 0،فليق00ل المحق00ق :ه00ذا كالم
البد من استبيانه 0،فإن بين قولكم :نجري األمر على الظاهر 0وقولكم :ال يعقل معناه تناقض ،ف00إذا
اق) (القلم :من اآلية سٍ 0 ش0فُ عَنْ َ 0و َم يُ ْك َ
أجريت على الظاهر فظاهر "الساق" في قوله تعالى( :يَْ 0
)42هو العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والعص00ب والمخ ،ف00إن أخ00ذت به00ذا الظ00اهر،
والتزمت باإلقرار بهذه األعضاء 0فهو الكفر 0،وإن لم يمكنك األخذ بها فأين األخذ بالظاهر؟ 0ألس00ت
قد ذكرت الظاهر؟ 0وعلمت تقدس الرب عما ي00وهم الظ00اهر ،فكي00ف يك0ون أخ00ذاً بالظ00اهر؟ ثم ق00ال
القشيري:
وفي لغة الع0رب م0ا ش00ئت من التج0وز والتوس0ع في الخط00اب ،وك00انوا يعرف0ون م0وارد
الكالم ،ويفهمون المقاصد ،فمن تجافى عن التأويل فذلك لقلة 0فهمه بالعربية ،ومن أحاط بط00رف
من العربية هان عليه درك الحق00ائق 0،انتهى منق00والً عن إتح00اف الس00ادة المتقين)111-2/110 ( 0
مصححا ً ما وقع فيه من األخطاء المطبعية.
ق00ال اإلم00ام الغ00زالي 0في كتاب00ه "إلج00ام الع00وام عن علم الكالم" :ويجب اإلمس00اك عن
التصرف في األلفاظ الواردة في نصوص الصفات بالتصريف والتبديل بلغة أخ0رى والزي0ادة في0ه
والنقص من00ه والجم00ع ،والتفري00ق 0،ب00ل ال ينط00ق إال ب00ذلك اللف00ظ ،وعلى ذل00ك الوج00ه من اإلي00راد
واإلعراب والتصريف والصيغة
ش) 00ر ِ ْ َ
(اس00تَ َوى َعلى ال َع ْ ومع00نى اإلمس00اك عن التص00ريف أن00ه إذا ورد قول00ه تع00الىْ :
(األعراف :من اآلية )54فال ينبغي أن يقال :مستو ويستوي ألن المعنى يج00وز أن يختل00ف ،ف00إن
0رش) اس 0تَ َوى َعلَى ا ْل َعْ 0دالل00ة قولن00ا :مس00تو على الع00رش على االس00تقرار 0أق00وى من قول00ه (ثُ َّم ْ
(األعراف :من اآلية)54
164
استحال أن تعرف نفسك بكيفية أو أينية ،فكيف يلي0ق بعبوديت0ك أن تص0فه ب0أين أو كي0ف،
وهو مقدس عن ذلك1؟ ثم جعل يقول.
ثم قال الغزالي في بيان عدم الجمع بين متفرق :ولقد بعد عن التوفيق من صنف كتاباً0
في جمع هذه األخبار خاصة ،ورسم في كل عضو بابا ،فق00ال :ب00اب في إثب00ات 0ال00رأس 0،وب00اب في
إثبات 0اليد ،وباب في إثبات 0العين إلى غير ذلك وسماه كتاب الص00فات ،ف00إن ه00ذه كلم00ات ص00درت
عن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم في أوقات متفرقة متباعدة اعتماداً على قرائن مختلف00ة
تفهم الس00امعين 0مع00اني ص00حيحة ،ف00إذا ذك00رت مجموع00ة مث00ال خل00ق اإلنس00ان 0ص00ار جم00ع تل00ك
المتفرقات 0في السمع دفعة واحدة قرينة عظيمة في تأكيد الظاهر 0وإيهام التشبيه ،وصار اإلشكال
في أن رسول هللا صلى هللا تع00الى علي00ه وآل00ه وس00لم لِ َم نط00ق بم00ا ي00وهم خالف الح00ق؟ أعظم في
النفس وأوقع ..فلذلك ال يجوز جمع المتفرقات0،
ثم قال :وأما التفريق بين المجتمعات 0فإن00ه ك00ذلك ال يج00وز ،ألن ك00ل كلم00ة س00ابقة على
كلمة أو الحقة لها مؤثرة في تفهيم معناها 0،ومرجحة لالحتمال الضعيف فيه ،فإذا فرقت وفصلت
ق ِعبَا ِد ِه) (األنعام :من اآلية)18وال يسلط على سقطت داللتها 0،مثال ذلك قوله تعالى( 0:ا ْلقَا ِه ُ0ر فَ ْو َ
أن يقول القائل 0:وهو فوق مطلقا ً ألنه إذا ذكر القاهر قبله ظه00ر دالل00ة الف00وق على الفوقي00ة ال00تي
للقاهر 0مع المقهور ،وهي فوقية الرتب00ة 0،ولف00ظ الق00اهر 0ي00دل علي00ه 0،ب00ل ال يج00وز أن يق00ال :وه00و
القاهر فوق غيره ،بل ينبغي أن يقول :فوق عب00اده ،ألن ذك00ر العبودي00ة في وص00ف من هللا فوق00ه
يؤكد احتمال فوقية السيادة إذ يحس00ن أن يق00ال :الس00يد ف00وق عب00ده ،واألب ف00وق االبن 0،وال00زوج
فوق الزوجة ،وال يحسن أن يقول :زي00د ف00وق عم00رو قب00ل أن ي00بين تفاوتهم00ا في مع00نى الس00يادة
والعبودية ،أو غلبة القهر ،أو نفوذ األمر بالسلطنة أو ب00األبوة أو بالزوجي00ة 0،فه00ذه دق00ائق يغف00ل
عنها العلماء 0،فضالً عن العوام … وألجل هذه الدقائق بالغ السلف في الجم00ود واالقتص00ار 0على
موارد التوقيف كما ورد وعلى الوجه الذي ورد ،وباللفظ 0الذي ورد ،والحق ما قالوه ،والصواب
ما رأوه ،فأهم المواضع باالحتياط ما هو تصرف في ذات هللا وص00فاته ،وأح00ق المواض00ع بإلج00ام
اللسان ،وتقييده عن الجريان 0ما يعظم فيه الخطر ،وأي خطر أعظم من الكفر؟.
ومم000ا ينبغي التنبي000ه علي000ه أن الس000لف مجمع000ون على التأوي000ل التفص000يلي 0في بعض
النصوص كما تقدمت اإلشارة إليه 0،قال اإلمام الخطابي رحمه هللا تعالى:
الكالم عن الصفات 0ثالثة أقسام :قسم يحقق :كالعلم والقدرة ونحوها.
وقسم يحمل على ظاهره ،ويجرى بلفظه الذي جاء ب00ه من غ00ير تأوي00ل :كالي00د والوج00ه
ونحو ذلك ،فإنه00ا ص0فات 0ال كيفي00ة له0ا ،فال يق00ال :مع0نى الي00د النعم0ة والق00وة ،وال مع0نى الوج00ه
الذات ،على ما ذهب إليه نفاة الصفات.
ً
وقسم يؤول وال يجرى على ظاهره ،كقوله عليه الصالة والسالم إخبارا 0عن هللا تعالى:
(من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً) الحديث رواه الشيخان ،ال أعلم أحداً من العلم00اء أج00راه
على ظاهره ،بل كل منهم تأوله على القبول من هللا لعبده ،وحسن اإلقبال عليه 0،والرض 0ا 0بفعل00ه،
ومضاعفة 0الجزاء له على صنعه ،وذكر حديث (لما خلق هللا الرحم تعلقت بحقوي الرحمن) 0قال:
165
صر القو َل فذا شرح يطول قل لمن يفهم عني ما أقول ##قَ ِّ
ق الفحولصرت وهللا أعنا ُ ثَ َّم سر غامض من دونه ##قَ ُ
أنت ال تعرف إياك وال ##تُ ْد ِرك من أنت وال كيف الوصول
ت ركبت ##فيك حارت في خفاياها العقول ال وال تدري صفا ٍ
الروح في جوهرها ##هل تراها فترى كيف تجول ُ أين منك
صرها ##ال وال تدري متى عنك تزول األنفاس هل تح ُ
ُ وكذا
أين منك العق ُل والفه ُ0م إذا ##غلب النو ُم فقل لي يا جهول
ال أعلم أحداً من العلماء حمل الحقو على ظاهر مقتضاه في اللغة ،وإنما معناه اللياذ واالعتصام،
تمثيالً له بفعل من اعتصم بحبل ذي عزة ،واستجار بذي ملكة وقدرة.
وق00ال ال00بيهقي في األس00ماء والص00فات ( :)349ومعن00اه عن00د أه00ل النظ00ر :اس00تجارت
واعتصمت به انتهى.
وقال بعضهم :قوله :تعلقت 0بحقوى الرحمن (فأخذت بحقو ال0رحمن) 0معن0اه فاس0تجارت
بكنفي رحمته ،واألصل في الحقو معقد اإلزار 0،ولما كان من شأن المستجير أن يتمس00ك بحق00وي
المستجار 0به –وهما جانباه األيمن واأليسر استعير األخذ بالحقو في اللياذ بالشيء .تقول الع00رب
عذت بحقو فالن .أي استجرت ب00ه واعتص00مت ،نقل00ه الش00يخ م00رعي الحنبلي 0في كتاب00ه "أقاوي00ل
الثقات ،ثم قال:
ُ0و َم َع ُك ْم أَيْنَ َم00ا ُك ْنتُ ْم) (الحدي00د :من
ه
َ َ(و 0الى:
0 تع 0ه
0 قول .. 0
ه 0 تأويل على 0وا 0اتفق 0ا
0 ومم قلت
اآلية )4ونحوه مما مر ،فإن المعية محمولة على معية العلم واإلحاطة والمش00اهدة ،كم00ا ق00ال هللا
س َم ُع َوأَ َرى) (طـه :من اآلية )46وك0ذا قول00ه علي00ه الص0الة تعالى لموسى وهارون (إِنَّنِي َم َع ُك َما أَ ْ
والسالم( :الحجر األسود يمين هللا في األرض) أي محل عه0ده ال00ذي أخ00ذ ب00ه الميث00اق على ب00ني
آدم.
وكذا قوله عليه الصالة والسالم – حكاية عن هللا( :-عبدي مرضت فلم تعدني ،فيق00ول:
رب :كي00ف أع00ودك وأنت رب الع00المين؟ 0فيق00ول :أم00ا علمت 0أن عب00دي فالن0ا ً م00رض ،فل00و عدت00ه
لوجدتني عنده ،عبدي جعت فلم تطعمني ،فيقول :رب ،كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيق00ول:
أما علمت أن عبدي فالنا ً جاع 0،فلو أطمعته لوجدت ذلك عندي).
قال ابن تيمية رحمه هللا :فى تفسير 0هذا الحديث إنه تعالى إنما أراد بذلك مرض وجوع
عبده ،لقول00ه( :لَ َو َج 0دْتَ ذل00ك عن00دي) ولم يق00ل :لوج00دتني إي00اه ،ألن المحب والمحب00وب كالش00يء
الواحد من حيث يرضى أحدهما ويبغض أحدهما ما يرضاه اآلخر أو يبغضه ،وله00ذا ق00ال تع00الى:
(إِنَّ الَّ ِذينَ يُبَايِ ُعونََ 00ك إِنَّ َم00ا يُبَ00ايِ ُعونَ هَّللا َ) (الفتح 0:من اآلية( )10من أقاوي00ل الثق00ات )185-183
أقول :وهذا الذي نقلناه عن الخطابي 0وال00بيهقي والمقدس00ي وابن تيمي00ة يؤي00د ال00رأي ال00ذي ذهب
إليه ابن دقيق العيد رحمه هللا تعالى 0،وهللا أعلم.
وإتماما ً لهذا البحث 0ننقل ما يلي عن اإلحياء وشرحه للزبيدي.
قال اإلمام الغزالي( :وغال اآلخرون في حسم الباب) أي س00د ب00اب التأوي00ل مطلق0اً ،وهم
السلف (منهم اإلمام أحمد بن حنبل حتى منع تأويل قوله تعالى :كن فيكون) وهذا يعني س00د ب00اب
التأويل على اإلطالق وهو المفهوم من ظاهر مذهبه ،كما نقله الثقات 0عنه (وزعموا) أي اتباع00ه
ومقلدوه (أن ذلك خطاب) من هللا تعالى( 0بحرف وصوت يوجد من هللا تعالى في ك00ل لحظ00ة بع00دد
كون كل مكون ،حتى سمعت بعض أصحابه 0يقول :إنه حسم باب التأويل إال لثالثة ألفاظ) وردت،
أح00دهما( :قول00ه ص00لى هللا تع00الى علي00ه وآل00ه وس00لم :الحج 0ر 0األس00ود يمين هللا في أرض00ه) ق00ال
166
أنت أك َل الخبز ال تعرفه ##كيف يجري منك أو كيف تبول
فإذا كانت طواياك التي ##بين جنبيك كذا فيها ضلول
كيف تدري من على العرش استوى ##ال تقل كيف استوى كيف النزول
كيف يَ ْحكي الرب أم كيف يُرى ##فلعمري ليس ذا إال فضول
فهو ال أين وال كيف له ##وهو رب الكيف والكيف يحول
وهو فوق الفوق ال فوق له ##وهو في كل النواحي ال يزول
ج ّل ذاتا ً وصفا ٍ
ت وسما ##وتعالى قد ُره عما تقول
العراقي :أخرجه الحاكم ،وصححه من حديث عبد هللا بن عمر بلف00ظ الحج00ر يمين هللا في األرض
… ،ومعنى يمين هللا أنه بمنزلة يمينه 0،ولما كان كل ملك إذا قدم عليه 0الوفد قبل يمينه ،والح00اج
أول ما يقدم يسن له تقبيله ،فلذا نزل منزلة يمين الكعبة (كذا) (ولعل الصواب :منزلة يمين هللا).
والثاني( :قول00ه ص00لى هللا تع00الى علي00ه وس00لم( :قلب الم00ؤمن بين إص00بعين من أص00ابع
الرحمن) أخرجه مسلم من حديث عبد هللا بن عمر.
والثالث( 0:قوله صلى هللا تعالى عليه وآل00ه وس00لم( :إني ألج00د نفس ال00رحمن 0من ج00انب
اليمن) أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في حديث ق00ال في00ه :وأج00د نفس ربكم من قب00ل اليمن0،
ورجاله ثقات ،قاله العراقي.
(ومال إلى الحسم أرباب 0الظ00واهر .والظن بأحم00د بن حنب00ل أن00ه علم أن االس00تواء ليس
هو االستقرار 0على شيء ،والنزول ليس هو االنتقال) من مك00ان إلى مك00ان (ولكن00ه من00ع التأوي00ل
حسما ً للباب 0،ورعاية لصالح الخلق فإنه إذا فتح الب00اب اتس00ع الخ00رق ،وخ00رج عن ح00د الض00بط،
وجاوز) مرتبة االقتصاد ،إذ حد االقتصاد ال ينضبط بقاعدة (فال بأس به0ذا الزج0ر) 0والمن0ع وس0د
الباب( 0وتش00هد ل0ه س00يرة الس00لف ،ف0إنهم ك0انوا يقول00ون :أمروه0ا كم00ا ج0ائت) 0روى الحس00ن بن
إس00ماعيل الض00راب في من00اقب مال00ك من طري00ق الولي00د بن مس00لم ق00ال :س00ألت مالك0ا ً واألوزاعي
وسفيان وليثا ً عن هذه األحاديث التي ورد فيها ذكر الرؤية والصورة والنزول ،فقالوا :اوردوها
كما جائت … قال ابن اللبان :قد كان السلف الصالح نهوا الناس عن إتب00اع أرب00اب 0الب00دع ،وعن
اإلص00غاء إلى آرائهم ،وحس00موا م00ادة الج00دل في التع00رض باآلي00ات 0المتش00ابهة س00داً للذريع00ة،
واستغناء عنه بالمحكم 0،وأمروا باإليمان 0به وبإمراره كما جاء من غير تعطيل وال تشبيه.
(حتى قال مالك لما س00ئل عن) مع00نى (االس00تواء) في قول00ه تع00الى 0:ثم اس00توى ،وقول00ه
تعالى( :الرحمن على الع0رش اس0توى) وق0د ج0اء ذك0ره في س0ت آي0ات 0،فق0ال مال0ك( :االس0تواء
معلوم ،والكيفية مجهولة ،واإليمان 0به واجب ،والسؤال عنه بدعة) وه00ذا الق00ول من مال00ك ج00اء
بألفاظ 0مختلفة 0،وأسانيد متنوعة ..وقد أورده ابن اللبان 0في كتابه بلفظ أنه س00ئل كي00ف اس00توى؟
فقال :كيف غير معقول ،واالستواء غير مجهول ،واإليمان به واجب ،والسؤال عنه بدعة.
قال ابن اللبان في تفس00ير ق00ول مال00ك 0،قول00ه :كي00ف غ00ير معق00ول ،أي كي00ف من ص00فات
الحوادث ،وكل ما كان من صفات الحوادث فإثباته في صفات هللا تعالى ينافي ما يقتض00يه العق00ل،
فيجزم بنفيه عن هللا تعالى.
وقوله :واالستواء غير مجهول :أي إنه معلوم المعنى عند أهل اللغة واإليمان 0ب00ه على
الوجه الالئق به تعالى واجب ،ألنه من اإليمان باهلل تعالى 0وبكتبه ،والسؤال عنه بدعة أي حادث
ألن الصحابة 0كانوا عالمين بمعناه الالئق بحسب اللغة فلم يحتاجوا للسؤال عنه ،فلما جاء من لم
يحط بأوضاع لغتهم ،وال له نور كنورهم يهديه لصفات 0ربه ،شرع يس00أل عن ذل00ك فك00ان س00ؤاله
سببا ً الشتباهه على الناس وزيغهم عن المراد (اإلحياء 0وشرحه (.)82-80-2/79
167
ومما يوهم الجسمية قوله تعالى (وجاء ربك) وحديث الصحيحين “ ينزل ربنا ك00ل
ليلة إلى سماء ال00دنيا حيث يبقى ثلث اللي00ل األخ00ير ويق0ول من ي00دعوني فأس0تجيب ل0ه من
يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له “ 1فالسلف يقولون مجيء ون00زول ال نعلمهم00ا،
والخلف يقولون :المراد :وجاء عذاب ربك أو أمر رب00ك الش00امل للع00ذاب ،والم00راد :ي00نزل
ملك ربنا فيقول عن هللا … 2إلخ.
وفي المنن :أن الغالب أن الموكب اإللهي ينصب من الثلث األخ00ير ،وت00ارة ينص00ب
من أول النصف الثاني إال ليلة الجمعة فإنه ينصب من غروب الش00مس إلى خ0روج اإلم00ام
من صالة الصبح ،كما ورد في حديث مسلم،
قال اإلمام تقي الدين السبكي :وفي ذلك –أي كالم مالك 0-قطع ب00أن 0االس00تواء ليس على
ظاهره المعلوم عن0د الن0اس 0من أن0ه القع0ود ف0إن ذل0ك غ0ير معق0ول ،وليس في0ه تص0ريح بفوقي0ة
الذات ،وال يلزم من قولنا :اس00توى على الع00رش أن يك00ون ه00و على الع00رش إال بع00د أن نثبت أن
االستواء هو القعود والجلوس كما في المخلوق وجل هللا عن ذلك.
ومم00ا ينبغي التنبي 0ه 0علي00ه أن م00ا نقل00ه الغ00زالي عن اإلم00ام مال00ك بص00يغة (والكيفي00ة
مجهولة) غير صحيح ال من جهة الرواية 0،وال من جهة الدراية 0،أما من جهة الرواي00ة ف00المروي
عنه برواية صحيحة بصيغة( :الكيف غ00ير معق00ول) وبرواي00ة أخ00رى( :وال يق00ال كي00ف ،والكي00ف
عنه مرفوع) وقد روي هذا الكالم بصيغة (والكيف غير معق00ول) عن س00فيان بن عيين 0ة 0وربيع00ة
شيخ اإلمام مالك ،وانظر فتح الب00اري ( )407-406 0 /12وإتح00اف الس00ادة المتقين.)81-2/80( 0
واألسماء والص00فات ( )409-408ق00ال الزبي00دي:وأول من وف00ق له00ذا الج00واب الس00يدة أم س00لمة
رضي هللا عنها والكل تابعون على منهجها ،ثم ساق الزبيدي سنده إلى أم سلمة ،وذكر الخبر.
وقال الحافظ ابن حجر :وأخرج أبو القاسم 0الال لكائي في كتاب 0السنة من طريق الحسن
البصري عن أمه عن أم سلمة أنها قالت :االستواء غير مجهول ،والكيف غير معقول ،واإلق00رار
به إيمان ،والجحود به كفر .انتهى.
وأم00ا من جه00ة الدراي00ة فالن ه00ذه الص00يغة تثبت هلل تع00الى كيفي00ة لكنه00ا مجهول00ة لن00ا،
والكيفية مرفوعة عنه تعالى،
ونختم هذا البحث بإيراد نص لإلمام أبي الحسن األشعري في كتابه اإلبانة .قال رحم00ه
هللا تع00الى :وأن هللا تع00الى اس00توى على الع00رش على الوج00ه ال00ذي ق00ال ،وب00المعنى ال00ذي أراده
اس00تواء منزه0ا ً عن المماس00ة واالس00تقرار ،والتمكن والحل00ول واالنتق00ال ،ال يحمل00ه الع00رش ،ب00ل
العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ،ومقهورون في قبضته ،وهو فوق الع00رش ،وف00وق ك00ل
شيء إلى تخوم الثرى ،وه00و م00ع ذل00ك ق00ريب من ك00ل موج00ود ،وه00و أق00رب إلى العب00د من حب00ل
الوري00د ،وه00و على ك00ل ش00يء ش00هيد ،انتهى ،وه00ذا النص من اإلبان0ة 0ليس موج00وداً في النس00خ
المطبوعة المتداول00ة ،وه00و ث00ابت 0في مخطوط00ة نس00خة بلدي00ة اإلس00كندرية وق00د ق00امت بتحقيقه00ا
الدكتورة فوقية حسين محمود وطبعت بدار األنصار بالقاهرة 0الطبعة األولى 1397هـ.
3قول00ه "واالس00تنباط" 0في00ه خف00اء ،فل00و اقتص00ر على القي00اس واإلجم00اع لك00ان أولى.
أجهوري.
1
مراد الشارح :أن النص إنما يأتي في كالم العلم00اء ب00المعنيين 0الم00ذكورين 0،وليس ل00ه
معنى ثالث وهو الظاهر ،وال يجوز حمله على المعنى الثاني 0فتعين حمله على المع00نى األول ،إال
أنه يصرف إلى ما يقبل التأويل منه وهو الظاهر بقرينة المقام.
2واألولى :أي أوقع في الوهم مشابهة هللا تعالى 0بخلقه أي وجود هذه المشابهة.
168
ومما يوهم الصورة ما رواه أحم00د والش00يخان أن رجالً ض00رب عب00ده فنه00اه الن00بي
صلى هللا عليه وآله وسلم وقال( :إن هللا تعالى خلق آدم على صورته) 1فالس00لف يقول00ون
صورة ال نعلمها ،والخلف يقولون :المراد بالصورة الصفة من سمع وبصر وعلم وحياة،
فهو على صفته في الجملة وإن كانت صفته تع00الى قديم00ة وص00فة اإلنس00ان حادث00ة ،وه00ذا
بن00اء على أن الض00مير في ص00ورته عائ00د على هللا تع00الى كم00ا يقتض00يه م00ا ورد في بعض
الطرق (فإن هللا خلق آدم على صورة ال00رحمن) وبعض00هم جع00ل الض00مير عائ00داً على األخ
المصرح به في الطريق التي رواها مسلم بلفظ (فإذا قاتل أحدكم 0فليجتنب الوجه ،ف00إن هللا
خلق آدم على صورته) أي وإذا كانت كذلك فينبغي احترامه باتقاء الوجه
1المعروف في كالم العلماء 0أن السلف هم أهل القرون الثالثة ،ينته0ون بإنته0اء 0الق00رن
الثالث سنة ثلثمائة للهجرة وأنهم ال ينتهون بإنقراض 0أتباع التابعين ،فإنهم قد انقرضوا قبل هذا
التاريخ 0،وال يمتدون إلى رأس الخمسمائة وال إلى إنتهائها 0كما هو الظاهر 0من كالم الشارح ،وال
أدري من أين أخذ هذين القولين!.
2قال الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" ( :)2/112قول من ق00ال( :طريق00ة الس00لف
أسلم وطريقة الخلف أحكم) نقل الحاف00ظ ابن حج00ر عن بعض00هم أن00ه ليس بمس00تقيم 0،ألن00ه ظن أن
الطريقة السلف مجرد اإليمان 0بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه في ذل00ك ،وأن طريق00ة الخل00ف
هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقه00ا ب00أنواع 0المج00از 0،فجم00ع ه00ذا القائ00ل بين
الجهل بطريقة السلف والدعوى في طريقة الخلف ،وليس األم00ر كم00ا ظن ،ب00ل الس00لف في غاي00ة
المعرفة بما يليق باهلل تعالى ،وفي غاية التعظيم له ،والخض00وع ألم00ره والتس00ليم لم00راده .وليس
من سلك طريقة الخلف واثقا بأن الذي يتأوله هو المراد ،وال يمكن القطع بص00حة تأويل00ه انتهى.
قلت :وقد أشار إلى ذلك المصنف (الغزالي) في "إلجام العوام" بما ال مزيد على تحريره انتهى.
أقول :أصل التأويل مجمع عليه بين السلف والخلف ،فإن السلف بما فيهم اإلمام أحمد قد ت00أولوا
بعض النصوص كما تقدم آنفا في التعليق 0،وإنما الفرق بينهما 0بقلة التاويل 0وكثرت00ه ،فالس00لف لم
يتأولوا من النصوص إال القليل 0،ومعظم الخلف قد أكثروا منه ،وق00د تق00دم تفص00يل المس00ألة 0،وأن
أوسط المذاهب فيها مذهب اإلمام ابن دقيق العيد رحمه هللا تعالى.
1يعني أن الراسخين في العلم يقولون :من أجل أننا آمنا به علينا 0أن نعلم المراد منه.
1راجع مقالتنا في نفي الجهة عن هللا تعالى.
2
{ -96ال يجوز تأويل النصوص إال بأربعة 0شروط }
تفس00ير االس00تواء باالس00تيالء 0مم00ا أخ00ذه مت00أخرو األش00اعرة عن المعتزل00ة 0،وه00و من
التأويل الذي أنكر السلف على المعتزلة وعدوه من بدعهم ،ثم إن االستيالء موهم للمغالبة 0إن لم
يكن يفيدها ،تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
والتأويل إنما يجوز بشروط أربعة :أن يك00ون المع00نى ال00ذي حم00ل علي00ه النص ثابت0ا 0هلل
تعالى ،وأن يكون التأويل موافقا ً للغة العربية ولس00ياق الكالم ،وأن ال ي00وهم نقص0ا ً في جن00اب هللا
تع00الى وأن يك00ون مش00عراً بالعظم00ة ،واالس00تيالء 0م00وهم للنقص 0إن لم نق00ل إن00ه يفي00ده ،فال يج00وز
تفسير االستواء به.
1المعتزلة ومنهم الزمخشري يقدسون هللا تعالى 0عن األين والكيف ،وال يصفونه بهما،
فال وجه إلنكار 0الغزالي على الزمخش00ري وص00ف هللا تع00الى ب00األين 0والكي00ف ،ويظه00ر أن القص0ة0
موضوعة.
1
{ -97نزول هللا تعالى إلى السماء الدنيا} 0
169
(ويَ ْبقَى َو ْجهُ َربِّكَ ) (الرحمن :من اآلية )27و(يَ ُد
ومما يوهم الجوارح قوله تعالىَ :
ق أَ ْي ِدي ِه ْم) (الفتح :من اآلية )10وح00ديث (إن قل00وب ب00ني آدم كله00ا كقلب واح00د بين
هَّللا ِ فَ ْو َ
إصبعين من أصابع الرحمن) 1فالسلف يقولون :هلل وجه ويد وأصابع ال نعلمه00ا ،والخل00ف
يقولون :المراد من الوج00ه :ال00ذات وبالي00د :الق00درة ،والم00راد من قول00ه (بين أص00بعين من
أصابع الرحمن) بين صفتين من صفاته ،وهاتان الصفتان :القدرة واإلرادة.2
[لطيفة] سأل الشعراني شيخه الخواص :لم00اذا ي00ؤول العلم00اء الم00وهم الواق00ع من
الشارع ،وال يؤولون الموهم الواقع من الولي؟ فقال :لو أنصفوا ألولوا الواقع من ال00ولي
أخرجه البخاري ،-6494-1145ومسلم ،758من حديث أبي هريرة رضي هللا تعالى
عنه.
2
وقد ورد في الحديث بروايتين 0صحيحتين ما يدل على أن النازل هو الملك أما الرواية
األولى فقد روى النسائي 0في السنن 0الكبرى ( )6/124بإسناد ص00حيح ،وفي عم00ل الي00وم والليل00ة
برقم ( )472 0-340عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي هللا تعالى عنهما أنهم00ا ق00اال :ق00ال
رسول هللا صلى هللا تعالى عليه 0وآل00ه وس00لم (إن هللا ع00ز وج00ل يمه00ل ح00تى يمض00ي ش00طر اللي00ل
األول ،ثم يأمر مناديا ينادي يقول :هل من داع فيستجاب 0له؟ هل من مستغفر يغف00ر ل00ه؟ ه00ل من
سائل يعطي؟).
وأما الرواية الثانية 0فعن عثمان 0بن أبي الع00اص 0الثقفي ق00ال :ق00ال رس00ول هللا ص00لى هللا
تعالى عليه وآله وسلم( :تفتح أبواب السماء نصف الليل 0،فين00ادي من00اد :ه00ل من داع فيس00تجاب0
له؟ هل من مكروب فيفرج عنه؟ فال يبقى مس00لم ي00دعو ب00دعوة إال اس00تجاب هللا ع00ز وج00ل ل00ه إال
زاني00ة تس00عى بفرجه00ا أو عش00اراً) 0رواه أحم00د ( )317-33وال00بزار ( )4/44كش00ف األس00تار0،
والطبراني ( )9/51وغيرهم بأسانيد 0صحيحة.
فالرواية التي فيها (ينزل ربنا )..الفعل فيها مسند لآلمر مجازاً عقلياً 0أي أمر هللا بنزول
ملك فينادي … إلخ ألن الروايات 0يفسر بعضها بعضاً ،أو نزول هللا فيها مجاز عن بس00ط رحمت00ه
تعالى ،وقربه إلى عباده قربا ً خاصاً 0لمضاعفة ثواب أعمالهم واستجابة دعائهم.
قال البيهقي :قال أبو سليمان (الخطابي) في الكالم على حديث النزول :وإنما ينكر هذا
وما أشبهه من الحديث من يقيس األمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو نزلة من أعلى
إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت 0،وهذا صفة األجسام واألشباح 0،فأم00ا ن00زول من ال يس00تولي
عليه صفة األجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه ،وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعب00اده
وعطفه عليهم 0،واستجابته لدعائهم ،ومغفرته لهم يفعل ما يشاء ،ال يتوجه على ص00فاته 0كيفي00ة،
وال على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وقال أبو سليمان– 0رحمه هللا -في معالم الس00نن :وه00ذا من العلم ال00ذي أمرن00ا أن ن00ؤمن
بظاهره وأن ال نكشف عن باطنه ،وهو من جملة المتشابه الذي ذكره هللا تعالى في كتاب00ه فق00ال:
ب َوأُ َخ ُر ُمتَشَابِ َهاتٌ )( 0آل عمران 0:من ات ُم ْح َك َماتٌ هُنَّ أُ ُّم ا ْل ِكتَا ِ (ه َُو الَّ ِذي أَ ْنزَ َل َعلَ ْي َ0ك ا ْل ِكت َ
َاب ِم ْنهُ آيَ ٌ0
اآلية )7اآلية ،فالمحكم منه ما يقع به العلم الحقيقي والعم0ل ،والمتش0ابه 0يق0ع ب0ه اإليم0ان والعلم
(و َما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَهُ إِاَّل هَّللا ُ) (آل عمران :من الظاهر 0،ويوكل باطنه إلى هللا تعالى ،وهو معنى قولهَ :
ْ
اآلية )7وإنما حظ الراس00خين أن يقول00وا( :آ َمنَّا بِِ 0ه ُكٌّ 0ل ِمنْ ِعنِ 0د َربِّن00ا) (آل عم00ران 0:من اآلية )7
َ
وكذلك ما جاء من هذا الباب 0في القرآن ،كقوله عز وجلَ ( :ه ْل يَ ْنظُ ُرونَ إِاَّل أَنْ يَأْتِيَ ُه ُم هَّللا ُ فِي ظُلَ ٍل
ص0فّا ً (و َج 0ا َء َربُّ َك َوا ْل َملَ0ُ 0ك َ ضَ 0ي اأْل َ ْمُ 0ر) (البق00رة :من اآلية )210وقول0هَ : ِمنَ ا ْل َغ َم ِام َوا ْل َمالئِ َكةُ َوقُ ِ
صفّاً) (الفجر )22:والقول في جميع ذلك عند علماء السلف ما قلناه .وق0د زل بعض ش00يوخ أه00ل َ
170
باألولي ،ألنه معذور بضعفه في أحوال الحضرة ،بخالف الشارع فإنه ذو مقام مكين ،وقد
يقال :الشارع ينبغي المحافظة على الواقع منه ما أمكن ألنه يقت00دي ب00ه ،وال ك00ذلك ال00ولي
فإنه ال يحافظ على كالمه ألنه ال يقتدي به ،فإذا أوهم أهدر.
الح0ديث ممن يرج0ع إلى معرفت0ه بالح00ديث والرج0ال 0،فح0اد عن ه0ذه الطريق00ة حين روى ح0ديث
النزول ثم أقبل على نفسه فقال :إن قال قائل :كيف ينزل ربنا 0إلى الس00ماء؟ قي00ل ل00ه :ي00نزل كي00ف
يشاء ،فإن قال :هل يتحرك إذا نزل؟ فقال :إن شاء يتحرك 0،وإن شاء لم يتحرك.
وه00ذا خط00أ ف00احش عظيم ،وهللا تع00الى ال يوص00ف بالحرك00ة 0،ألن الحرك00ة والس00كون
يتعاقب00ان في مح00ل واح00د ،وإنم00ا يج00وز أن يوص00ف بالحرك00ة من يج00وز أن يوص00ف بالس00كون،
سوكالهما من أعراض المح0دث ،وأوص0اف المخل0وقين ،وهللا تب0ارك وتع0الى متع0ال عنهم0ا (لَ ْي َ
َك ِم ْثلِ ِه ش َْي ٌء) (الشورى :من اآلية.)11
فلو جرى هذا الشيخ على طريقة السلف الص00الح 0،ولم ي00دخل نفس00ه في م00ا ال يعني00ه لم
يكن يخرج به القول إلى مثل هذا الخطأ 0الفاحش 0،قال (الخطابي) 0:وإنم00ا ذك00رت ه00ذا لكي يت00وقى
الكالم فيم00ا ك00ان من ه00ذا الن00وع ،فإن00ه ال يثم00ر خ00يراً ،وال يفي00د رش00داً ،ونس00أل هللا العص00مة من
الضالل ،والقول بما ال يجوز من الفاسد المحال (األسماء 0والصفات)455-453 0
ومما يدل على أن النزول ليس نزول نقل00ة أن نص00ف اللي00ل األخ00ير ال ينتهي عن ال00دنيا
وهو موجود فيها دائما ً وإنما ينتقل عن قطر إلى آخر ،فل00و ك00ان ال00نزول ن00زول نقل00ة لم00ا تص00ور
نزوله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا 0بل يكون مستقراً فيها دائما ً لدوام نصف اللي00ل األخ00ير في
الدنيا 0،فمتى يستقر على عرشه بذاته كما يقولون!؟ .سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.
فالقول بأنه تعالى 0مستو على عرشه بذاته ،وبأنه تعالى ينزل إلى السماء الدنيا 0كل ليلة0
نزول نقله متنافيان! 0وهللا تعالى أعلم.
1أخرجه مسلم ( )2612عن أبي هريرة رضي هللا تعالى 0عنه.
1أخرج مسلم ( )2654عن عبد هللا بن عمرو بن العاص 0،قال :سمعت رسول هللا صلى
هللا تعالى 0عليه وآله وسلم يقول(( :إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع 0الرحمن كقلب
واحد ،يص ّرفه حيث شاء) ثم قال رسول هللا صلى هللا تعالى وآله وسلم(( :اللهم مصرف القل00وب
صرف قلوبنا على طاعتك)).
2تأويل اليد في هذه اآلي00ة بالق00درة واإلص00بعين بص00فتي 0الق00درة واإلرادة من الت00أويالت
السخيفة فإنه ال معنى لقولنا قدرة هللا فوق أيديهم ،وإنما اآلية تمثيل لبيعتهم هلل بالمبايع 0العظيم،
كما أنه ال أحد يفهم من األصبعين في الحديث المذكور معنى صفتي الق00درة واإلرادة والنص00وص
يجب حملها على المعنى الذي يفهمها المخاطب 0بها ،فإن كالم هللا تعالى 0وكالم رس00وله ليس 0ا 0من
قبي00ل األلغ00از 0واألح00اجي ،وإنم00ا ه00و كت00اب ع00ربي م00بين ،وبي00ان جلي ،والتحقي00ق ال00ذي علي00ه
المحققون أن النصوص المتشابهة من الكتاب 0والسنة واردة على التمثيل الذي يقصد به تصوير
المعاني العقلية بإبرازها 0في الصور الحس0ية قص0داً إلى كم0ال البي0ان 0،قال0ه ت0اج ال0دين الس0بكي،
وق00ال نح00وه س00عد ال00دين التفت00ازاني والس00يد الش00ريف الجرج00اني ،وذل00ك ألن الع00رب لم يكون00وا
يفهمون من قوله تعالى( 0:تَبَا َركَ الَّ ِذي بِيَ ِد ِه ا ْل ُم ْلكُ) (الملك 0:من اآلية )1إال ثبوت الملك والسلطنة0
171
{ -98القرآن كالم هللا قديم }
ون ِّزه القرآن أي كالمه ##عن الحدوث واحذر انتقامه -41
1
(قوله ونزه القرآن … إلخ) أي واعتقد أيها المكلف تنزه الق00رآن –بمع00نى كالم00ه
تعالى -عن الحدوث ،خالفا ً للمعتزلة القائلين بح0دوث الكالم ،زعم0ا ً منهم أن0ه من لوازم00ه
الحروف واألصوات ،وذلك مستحيل عليه تعالى؛ فكالم هللا تع00الى عن00دهم مخل00وق ألن هللا
والقهر والغلب0ة هلل تع0الى 0،دون إثب0ات الي0د ل0ه تع0الى .والتص0اق المل0ك 0به0ا ،كي0ف والمل0ك أم0ر
معنوي ال يلتصق باليد وال يحل فيها.
ولم يكونوا يفهمون من قوله صلى هللا تعالى 0عليه وآله وسلم( :إن قلوب بني آدم كله00ا
بين أصبعين 0من أصابع الرحمن) إال أن القل00وب ط00وع إرادت00ه تع00الى وقدرت00ه وأن00ه يقلبه00ا كي00ف
يشاء ،دون إثبات اإلصبعين واألصابع هلل تعالى ،وأنهما في جوف بني آدم آخذتان بقلوبهما.
هذا ما ال يخطر على قلب بشر عند سماع هذا النص 0،وقس على هذا غيره.
فحمل هذه النصوص على معانيها الحقيقي00ة مخ00الف ألس00اليب 0اللغ00ة العربي0ة 0كم00ا أن00ه
مخالف لما كان عليه السلف.
وق00د روى القاض00ي أب00و بك00ر بن الع00ربي في عارض 0ة 0األح00وذي والقاض 0ي 0عي00اض في
الشفاء عن اإلمام مالك بن أنس رضي هللا تعالى عنه أنه كان ي00رى قط00ع ي00د من أش00ار بي00ده إلى
عضو من أعضائه عند ذكر شيء ورد في هللا سبحانه وتعالى ،حيث أن اإلشارة إلى العضو عند
ذلك تشبيه ،تعالى هللا عن ذلك علواً كبيراً.
نقل ه00ذا الكالم الحص00ني 0في دف00ع ش00به التش00بيه ( )18والك00وثري في تكمل00ة ال00رد على
نونية ابن القيم (.)197
{ -991القرآن متلو بألسنتنا 0محفوظ في صدورنا مكتوب في مصاحفنا غير حال فيها}
ق00ال اإلم00ام الحاف00ظ الكب00ير ال00بيهقي في كت00اب "األس00ماء والص00فات" ص:359-358
القرآن الذي نتلوه كالم هللا ،وهو متلو بألسنتنا 0على الحقيقة ،مكتوب في مص0احفنا 0،محف0وظ في
صدورنا 0،مسموع بأسماعنا غير حال في شيء منه00ا ،إذ ه00و من ص00فات ذات00ه غ00ير ب00ائن من00ه،
وهو كما أن الباري –عز وجل -معل0وم بقلوبن0ا ،م0ذكور بألس00نتنا 0،مكت0وب في كتبن0ا 0،معب0ود في
مساجدنا ،مسموع بأسماعنا 0غير حال في شيء منها.
وأما قراءتنا وكتابتنا وحفظنا فهي من أكسابنا .وأكسابنا 0مخلوق00ة ال ش0ك في00ه ،ق0ال هللا
(وا ْف َعلُوا ا ْل َخ ْي َ0ر لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحونَ )( 0الحج :من اآلية )77وسمى رسول هللا صلى هللا تعالى
عز وجلَ :
عليه وآله وسلم تالوة القرآن فعالً ،انتهى وهو كالم مقرر عند علماء أهل السنة صرح به كث00ير
من أكابرهم.
وبيان ذلك أن المتلو في الحقيقة هو اللفظ ،والمكتوب هو أشكال الح00روف ،والمحف00وظ
هو الحروف المتخيلة 0،والمسموع هو الصوت ،فيجوز وصف القرآن 0بهذه األوصاف وبأنه غير
مخلوق –أي موجود أزالً وأبداً -باعتبار الوجودات األربعة ،فإن لكل موج00ود وج00واً في الخ00ارج
ووجواً في الذهن ،ووجوداً في العبارة ،ووجوداً في الكتاب00ة 0،فهي ت00دل على العب00ارة ،وهي على
ما في الذهن ،وهي على ما في الخارج.
فالكالم القديم القائم بذاته تع0الى 0المس0مى ب0القرآن إن ك0ان عب0ارة عن المع0نى النفس0ي
القائم بذاته تعالى الذي ال يختلف باختالف العب0ارات 0واللغ0ات– 0كم0ا ه0و م0ذهب ابن كالب وذهب
172
خلق00ه في بعض األج00رام ،وم00ذهب أه00ل الس00نة أن الق00رآن بمع00نى الكالم النفس00ي ليس
بمخلوق؛ وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلوق ،لكن يمتنع أن يق00ال :الق00رآن
مخلوق ويراد به اللفظ الذي نقرؤه إال في مقام التعليم ،ألنه ربما أوهم أن الق00رآن بمع00نى
كالمه تعالى مخلوق ،ولذلك امتنعت األئم0ة من الق0ول بخل0ق الق0رآن ،1وق0د وق0ع في ذل0ك
امتحان كبير لخلق كثير من أهل السنة ،2فخرج البخاري ف00اراً وق00ال :اللهم اقبض00ني إلي00ك
غير مفتون فمات بعد أربعة أيام ،وسجن عيسى بن دينار عش00رين س00نة؛ وس00ئل الش00عبي
فقال :أما التوراة واإلنجيل والزبور والفرقان فهذه األربع00ة حادث00ة ،وأش00ار إلى أص00ابعه،
فكانت سبب نجاته ،واشتهرت أيض0ا ً عن اإلم00ام الش00افعي رض00ي هللا تع00الى عن00ه ،وحبس
إليه جمهور األشاعرة والماتريدية 0-يكون وصف القرآن بهذه األوص00اف كله00ا حقيق00ة ال مج00ازاً0،
لكن هذه األوصاف ليست 0أوصافا ً حقيقية له ،ألن ما قام باهلل تعالى غير مباين ل00ه ،والموص00وف
بهذه األوصاف أمور مباينة له تعالى :بل هذه األوصاف له من قبيل األوصاف الجارية على غير
من هي له كما قاله السيلكوتي في حواشيه على شرح العقائد النسفية( 0ص )330وهذا نظ00ير أن
يقال :زيد متلو مكتوب محفوظ مسموع باعتبار 0وجودات00ه األربع00ة فه00ذه األوص00اف أوص00اف ل00ه
باعتبار األمور الدالة عليه ال باعتبار 0حقيقته كما قاله السيالكوتي 0،ومع ذلك يكون اتصافه به00ذه
األوصاف باعتبار 0الحقيقة ال المجاز 0ألن األوصاف الجارية 0على غير من هي له أوصاف حقيقية
وليست مجازية 0،وذلك ألن معنى أنه مكتوب كما قال المحقق البياضي أن له وجوداً في الكتاب00ة،
سواء كان ذلك الوجود حقيقياً 0أو مجازياً 0،وال شك أن الوصف بأن له وجوداً في الكتاب 0ة 0وص00ف
حقيقي ،إذ معنى أنه مكتوب أنه موجود بوجوده الكتابي 0،وهكذا يقال في محفوظ ومقروء
وأما إن كان القرآن 0اسما ً للنظم 0العربي الدال على معانيه الق00ائم بذات00ه تع00الى -كم00ا ه00و
مذهب السلف وبعض المتأخرين من األشاعرة -ومع ذلك يطلق على النظم القائم 0بالق00ارئ 0أيض 0ا ً
ألنه اسم للنظم 0ال من حيث تعيين المحل فيكون واحداً ب0النوع كم00ا ه0و التحقي00ق ،فيك0ون وص0ف
القرآن بالمتلو وصفا ً حقيقياً 0باعتبار 0من هوله ،فالمتلو هو هو بدون إشكال الحدوث والقدم ،فما
قام بالقديم قديم ،وما قام بالحادث ح00ادث ،وأم00ا وص00فه باألوص00اف األخ00رى فهي من األوص00اف
الجارية 0على غير من هي له أيضاً 0،وهللا أعلم.
1امتناعهم عن ذل00ك ليس لم0ا ذك00ره الش0ارح ،ب0ل ألن الق0رآن 0عن00د الس0لف عب00ارة عن
مجموع اللفظ 0النفسي ومعناه ،وهو بمعنى المجم00وع ق00ديم ،وه00ذا ه00و مح00ل الخالف بينهم وبين
المعتزلة 0،فالسلف على أن القرآن بمع0نى األلف0اظ والمع0اني ق0ديم وق0ائم بذات0ه تع0الى 0والمعتزل0ة
على أنه بمعنى األلفاظ حادث ويرون أنه غير قائم بذاته تعالى 0،بل يقولون :إنه قائم بغيره تعالى
كجبريل والنبي صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ،ومن أجل أنهم يقول0ون بقيام0ه بغ0ير هللا تع0الى0
لم يثبتوا المعاني 0هلل تعالى.
وجمهور األشاعرة توسطوا فوافقوا السلف في إثبات المعنى النفسي هلل تعالى والقول
بقدمه ،وخالفوهم ووافقوا المعتزلة في القول بحدوث األلفاظ .واألشاعرة في مسألة الكالم وسط
بين السلف والمعتزلة .وهللا أعلم .وراجع رسالتنا في مسألة الكالم.
2قوله :وقد وقع في ذلك إمتحان كبير لخلق كثير من أهل السنة… ..إلى قصة الرؤيا
أق11ول :ق11د إش11تمل كالم الش11ارح ه11ذا على جمل11ة من األخط11اء التاريخي11ة فنتع11رض أوال :لقص11ة
المحنة ممهداتها 1،وابتدائها ،وانتهائها ،وم11ا تبعه11ا من مس11ألة اللف11ظ على وج11ه االختص11ار والتلخيص ،ثم
نثنى ببيان ما احتواه كالم الشارح من األخطاء.
173
اإلمام أحمد وضرب بالسياط حتى غشي عليه ،ويذكر أن النبي صلى هللا عليه وآله وس00لم
قال لإلمام الشافعي في المنام “ :بشر أحمد بالجنة على بلوى تصيبه “ في خلق القرآن،
فأرسل له كتابا ً ببغداد ،فلما قرأه بكى ودفع للرسول قميصه الذي يلي جس00ده وك00ان علي00ه
قميصان ،فلما ُدفِ َع للشافعي غسله وادهن بمائه.
وهل القرآن بمعنى اللف00ظ المق00روء أفض00ل ،أو س00يدنا محم00د ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم؟ تمسك بعضهم بما يروى :كل حرف خير من محم0د وآل محم0د ،لكن0ه غ0ير محق0ق
الثبوت .1والحق أنه صلى هللا عليه وآله وسلم أفض00ل ،ألن00ه أفض00ل من ك00ل مخل00وق ،كم00ا
واس11تمرت ه11ذه الفتن11ة من بع11د عه11د الم11أمون إلى عه11د المعتص11م ،ثم إلى عه11د الواث11ق ،ثم إلى
أول عه11د المتوك11ل س11نة[ ،]232فلم11ا ت11ولى المتوك11ل الخالف11ة لم يتحمس للق11ول بخل11ق الق11رآن كم11ا
كان عليه أسالفه الخلفاء الثالثة ،بل ق1د نهى عن الق1ول بخل1ق الق1رآن في س1نة [ ،]234وكتب ب1ذلك
إلى اآلفاق ،فانطفأت الفتنة التي أقلقت الدولة والناس.
ولقي العلم11اء والمح11دثون ص11نوف اإلره11اق والع11ذاب ط11وال ه11ذه الم11دة15-س11نة -فمنهم من
أج111اب خوف111ا من الس111يف ،ومنهم من أج111اب مرغم 11ا من غ 11ير أن يعق 11ل المع 11نى ،ومنهم من ت111ورع عن
الخوض فيما لم يخض فيه السلف ،ومنهم من أبي أن يجيب وصمد وصرح ب11أن الق11رآن غ11ير مخل11وق1،
وصبروا على ما نالهم من العذاب وعلى الموت في سبيل اهلل ،وقتل في هذه المحنة ناس كثيرون كما
يراه المتتبع لتلك الحقبة من التاريخ.
وحبس اإلم11ام أحم11د في زمن المعتص11م [ 28ش11هرا] وض11رب بالس11ياط ،وخلعت ي11داه ،وأوذي
إيذاء شديدا فصبر على ذلك ،وعذب يوسف بن يحيي البويطي صاحب اإلم1ام الش1افعي وراوي مذهب1ه
فص11بر وق11ال :إلن أدخلت على الواث11ق ألَ ْ
صُ 1د َقنَّهُ وألم11وتَ َّن في حدي11دي ه11ذا –يع11نى الحدي11د ال11ذي ك11ان
مقيدا فيه -حتى يأتي ق1وم يعلم1ون أن1ه ق1د م1ات في ه1ذا الش1أن ق1وم في حدي1دهم! وق1د حم1ل من مص1ر
إلى بغداد ،ومات في سجنها في حديده [سنة ]231رحمه اهلل ورضي عنه.
قال تاج الدين السبكي في "طبقات الشافعية الك1برى" [ :]2/55وك1ان من األس1باب في رف1ع
الفتن11ة أن الواث11ق أوتي بش11يخ مقي11د ،فق11ال ل11ه ابن أبي دؤاد –وك11ان ه11و رأس المعتزل11ة في عص11ره وك11ان
يتولى استجواب علماء أهل السنة ،ويحملهم على القول بخلق القرآن :-ي11ا ش11يخ م11ا تق11ول في الق11رآن
أمخلوق هو؟ فقال له الشيخ لم تنصفني المسألة! أنا أسألك قب1ل الج1واب :ه1ذا ال1ذي تقول1ه 1ي1ا ابن أبي
دؤاد من خل11ق الق11رآن ش11يء علم11ه رس11ول اهلل ص11لى اهلل علي11ه وس11لم وأب11و بك11ر وعم11ر وعثم11ان وعلي أو
جهلوه؟ فقال :بل علموه ،فقال :ه1ل دع11وا الن11اس إلي11ه كم1ا دع1وت أنت أو س11كتوا؟ ق1ال :ب1ل س11كتوا،
فق 11ال :فهال وس 11عك م 11ا وس 11عهم من الس 11كوت؟! فس 11كت ابن أبي دؤاد وأعجب الواث 11ق كالم 11ه ،وأم 11ر
175
(قوله عن الحدوث) أي الوجود بعد العدم ،فليس مخلوقا ً بل هو صفة ذاته العلي00ة،
خالفا ً للمعتزلة في قولهم بأنه مخلوق وليس صفة ذاته العلية ،وإنم00ا ع00بر بالح00دوث م00ع
أن المشهور بين القوم التعب00ير ب00الخلق لض00رورة النظم ،أو لل00رد على محم00د البلخي 1من
المعتزلة القائل بأن كالم هللا تعالى مح00دث وليس بمخل00وق ،زعم0ا ً من00ه أن قولن00ا مخل00وق
يوهم بأنه كذب يتعالى هللا عنه ،ور ّد بأن الحدوث مثل الخلق ،فهو كمن ه00رب من المط00ر
ووقف تحت الميزاب ،اهـ مصنف في صغيره( ،قوله واحذر انتقامه) أي وخف انتق00ام هللا
منك إن قلت بحدوثه.
بإطالق سبيله ،وق1ام الواث1ق من مجلس1ه وه1و على م1ا حكي يق1ول :هال وس1عك م1ا وس1عهم؟! ويكرره1ا،
وكان ذلك من األسباب في خمود الفتنة ،وإن كان رفعها بالكلية إنما كان على يد المتوكل .انتهى.
هذه قصة المحنة على وجه التلخيص واالختصار.
وأم11ا الرؤي11ا ال11تي أش11ار إليه11ا الش11ارح فق11د أورده11ا معظم من ت11رجم لإلم11ام أحم11د من الم11ؤرخين
وق1د رواه11ا اإلم11ام ابن الج11وزي في كتاب11ه "من1اقب اإلم11ام أحم1د بن حنب1ل" [ ]609بس11نده المتص1ل عن
الربي11ع تلمي11ذ الش11افعي ق11ال :ق11ال لي الش11افعي :ي11ا ربي11ع خ11ذ كت11ابي وأمض ب11ه ،وس11لمه إلى أبي عب11د اهلل
أحمد بن حنب1ل ،وآت1ني ب1الجواب ،ق1ال الربي1ع :ف1دخلت بغ1داد ومعي الكت1اب ،فلقيت أحم1د بن حنب1ل،
فص 11ليت مع 11ه الفج 11ر ،فلم 11ا انفت 11ل من المح 11راب س 11لمت إلي 11ه الكت 11اب ،وقلت ل 11ه :ه 11ذا كت 11اب أخي 11ك
1رت في11ه؟ قلت ال ،فكس11ر أحم11د الخ11اتم وق11رأ الكت11اب ،فتغرغ11رت
الش11افعي من مص11ر ،فق11ال أحم11د :نظَ 1
عيناه بالدموع ،فقلت له :أي شيء فيه ي1ا أب1ا عب1د اهلل؟ فق1ال :ي1ذكر أن1ه رأى الن1بي ص1لى اهلل علي1ه وآل1ه
وس11لم في المن11ام فق11ال ل11ه :أكتب إلى أبي عب11د اهلل أحم11د بن حنب11ل ،واق11رأ علي11ه م11نى الس11الم ،وق11ل ل11ه:
إن11ك س11تمتحن وت11دعى إلى خل11ق الق11رآن ،فال تجبهم يرف11ع اهلل ل11ك َعلَم 1اً إلى ي11وم القيم11ة .ق11ال الربي11ع:
فقلت :البش111ارة ،فخل111ع قميص111ه ال111ذي يلي جل111ده ،فدفع 11ه إلي وخ 11رجت إلى مص 11ر ،وأخ111ذت ج111واب
الكتاب وسلمته إلى الشافعي فقال لي :ي1ا ربي1ع ،أي ش1يء ال1ذي دفع1ه إلي11ك؟ فقلت :قميص1ه ال1ذي يلي
جلده ،فقال لي الشافعي :لن نفجعك 1به ،ولكن ُبلَّهُ وادفع إلينا الماء حتى أشركك فيه.
وفي رواي11ة البن الج11وزي :ق11ال :فغس11لته ،فحملت مائ11ه إلي1ه ،فترك11ه في قِنِّينَ1ة ،وكنت أراه في
كل يوم يأخذ منه ،فيمسح على وجهه تبركا بأحمد بن حنبل.
{ - 101مسألة اللفظ}:
وبص11مود من ص11مد من العلم11اء في ه11ذه المحن11ة ال11تي أكلت رؤوس كث11ير من العلم11اء ومألت
بهم الس 11جون ظه 11ر الق 11ول ب 11أن الق 11رآن غ 11ير مخل 11وق ،واس 11تقر في األم 11ة 1،وص 11ار الق 11ول بخل 11ق الق 11رآن
مهج 11ورا من مخلف 11ات 1الت 11اريخ ،وص 11ار يع 11د وص 11مة ع 11ار على ص 11احبه ،وك 11ان اإلم 11ام أحم 11د ه 11و البط 11ل
176
فكل نص للحدوث دال ##احمل على اللفظ الذي قد دال -42
(قول00ه فك00ل نص ..إلخ) أي إذا تحققت م00ا س00بق فك00ل نص ..إلخ ،فالف00اء ف00اء
الفصيحة ،وهذا في الحقيق00ة ج00واب عم00ا تمس00ك ب00ه المعتزل00ة من النص00وص الدال00ة على
الحدوث مثل (إِنَّا أَ ْنزَ ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ِة ا ْلقَ ْد ِر…) (القدر( )1:إِنَّا نَ ْحنُ نَ َّز ْلنَا ِّ
ال0ذ ْكر) (الحج0ر :من
اآلية )9والمراد من النص :الظاهر من الكتاب أو السنة ،وقوله “ للح00دوث دال “ أي دل
وأما الكرابيسي ومن على طريقته فقد ابتلوا بمن يقول :أصوات العباد غ11ير مخلوق1ة 1ح11تى ب11الغ
بعض111هم فق111ال :الم111داد واألوراق ك111ذلك ،فاض111طر ه 11ؤالء إلى التفرق1 1ة 1بين اللف 11ظ والملف111وظ والتالوة
والمتلو ردا على هؤالء ،وبيانا لخطأهم.
{ما جرى بين محمد بن إسماعيل البخاري ومحمد بن يحيى الذهلي}
وفي هذه الفترة الحساسة قدم البخاري نيسابور ،وك11ان ذل11ك س11نة [ ]250وك11ان
محمد بن يحيى الذهلي شيخ خراسان ومحدثها األكبر ،فقال الذهلي في مجلس1ه من أراد
أن يس11 1تقبل البخ11 1اري غ11 1دا فليس11 1تقبله ،ف11 1إني أس11 1تقبله ،فاس11 1تقبله ال11 1ذهلي وعام11 1ة علم11 1اء
نيس 11ابور ،ف 11نزل البل 11د ،ف 11نزل في دار البخ 11اريين ،فق 11ال ال 11ذهلي :ال تس 11ئلوه عن ش 11يء من
الكالم ،فإن 11ه إن أج 11اب بخالف م 11ا نحن في 11ه وق 11ع بينن 11ا وبين 11ه ،وش 11مت بن 11ا ك 11ل ناص 11بي
ورافضي وجهمي ومرجئي بخراسان.
وأعلن ال111ذهلي :اذهب111وا إلى ه111ذا الرج 11ل الص 11الح الع 11الم ،فاس 11معوا من 11ه ،ف 11ذهب
الن 11اس ،ف 11أقبلوا على الس 11ماع من 11ه وص 11اروا يزدحم 11ون علي 11ه في درس 11ه ح 11تى تمتلئ ال 11دار
والسطوح.
واس11تمر ذل11ك ح11تى ظه11ر الخل11ل في مجلس محم11د بن يح11يى ال11ذهلي ،ف11دب إلى
ال 11 1ذهلي داء الحس 11 1د ،فق 11 1ال ألص 11 1حاب الح 11 1ديث :إن البخ 11 1اري يق 11 1ول( :لفظي ب 11 1القرآن
مخلوق) وك11ان البخ11اري ي1رى ه11ذا ال1رأي ب1دون أن يص11رح ب1ه مخاف11ة من ال1رأي الع11ام عن11د
كبار محدثي الوقت ،وصنف في ذلك كتابه "خلق أفعال العباد" قص11د بإثب11ات خل11ق أفع11ال
العب11اد التوس1ل إلى أن التلف11ظ ب1القرآن مخل1وق ألن11ه منه11ا ،وق1د ص1ح عن11ه أن1ه ق11ال :ك1ل من
نقل عنى أنى قلت :لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب علي ،وإنما قلت :أفعالنا مخلوقة.
178
من عن 00ده ،1لكن التحقيق 2األول ،ألن هللا خلق00ه أوالً في الل00وح المحف 00وظ ،ثم أنزل000ه في
صحائف إلى سماء الدنيا في محل يقال له “ بيت العزة “ في ليلة القدر ،كما قال تع00الى:
(إِنَّا أَ ْنزَ ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ِة ا ْلقَْ 0د ِر) (الق00در )1:ثم أنزل00ه :على الن00بي ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم
مفرقا ً بحسب الوقائع ،وقوله( :ال0ذي ق0د دال) ص0فة للف0ظ؛ واألل0ف في “ دال “ لإلطالق،
والمراد الذي قد دل على الصفة القديمة بطريق داللة االلتزام كما تقدم ،والحاص00ل أن ك00ل
ظاهر من الكتاب والسنة دل على حدوث القرآن ،فهو محمول على اللفظ المقروء ال على
الكالم النفسي ،3لكن يمنتع أن يقال :القرآن مخلوق ،إال في مقام التعليم كما سبق.
{ -103الممتنع على هللا تعالى }
فلم11ا حض11ر البخ11اري المجلس ق11ام إلي11ه رج11ل ،فق11ال :ي11ا أب11ا عب11د اهلل م11ا تق11ول في
اللفظ بالقرآن مخلوق ه1و أو غ1ير مخل11وق؟ ف11أعرض عن11ه البخ11اري ،ولم يجب1ه ثالث1ا ،ف11ألح
عليه،فقال البخاري :القرآن كالم اهلل غير مخل1وق ،وأفع1ال العب1اد مخلوق1ة ،والس1ؤال عن1ه
بدع11ة ،فش11غب 1الرج11ل فق11ال :ق11د ق11ال :لفظي ب11القرآن مخل11وق ،وق11ال البخ11اري :حرك11اتهم
وأصواتهم وكتابتهم مخلوقة ،فأما القرآن المثبت في المصاحف الموعى في القلوب فه11و
كالم اهلل غير مخلوق ،قال اهلل تعالى( :بل ه1و آي1ات بين1ات في ص1دور ال1ذين أوت1وا العلم)
[العنكبوت .]49
فكان محمد بن يحيى الذهلي يقول بعد ذلك :القرآن كالم اهلل غير مخلوق ،ومن
زعم :لفظي ب11القرآن مخل11وق فه11و مبت11دع وال يج11الَس وال يكلَم ،ومن ذهب بع11د ه11ذا إلى
البخاري فاتهموه ،فإنه ال يحضر مجلسه إال من كان على مذهبه.
ق11ال الح11اكم :ولم11ا وق11ع بين البخ11اري وبين ال11ذهلي في مس11ألة اللف11ظ انقط11ع الن11اس
عن البخ11اري إال مس11لم بن حج11اج ومحم11د بن س11لمة ،فق11ال محم11د بن س11لمة للبخ11اري :ي11ا
أبا عب1د اهلل إن ه1ذا رج1ل مقب1ول في خراس1ان خصوص1ا في ه1ذه المدين1ة ،وق1د 1لج في ه1ذا
األمر حتى ال يقدر أحد أن يكلمه فما ت11رى؟ فقبض البخ11اري على لحيت11ه ثم ق11ال :وأف11وض
أمري إلى اهلل إن اهلل بصير بالعباد ...فخرج البخاري من نيسابور عائ11دا إلى بل11ده بخ11ارى،
وك11ان ذل11ك -كم11ا ق11ال الخطيب البغ11دادي في "ت11اريخ بغ11داد" في ترجم11ة البخ11اري -بع11د
وف11 1اة أبي عثم11 1ان س11 1عيد بن م11 1روان بش11 1هر ،وك11 1انت وف11 1ات أبي عثم11 1ان كم11 1ا في "ت11 1اريخ
اإلس 11الم" لل 11ذهبي س 11نة [ ]252فتلق 11اه أه 11ل بخ 11ارى ،واس 11تقبله عام 11ة الن 11اس ،ونُثِ 11ر علي 11ه
179
1
ويستحيل ضد ذي الصفات ##في حقه كالكون في الجهات -43
(قوله ويستحيل … إلخ) هذا شروع في ثالث األقسام المتقدمة في قوله:
فكل من كلف شرعا ً وجبا ##عليه أن يعرف ما قد وجبا ##هلل والجائز والممعتنا
فهذا هو القسم الثالث في اإلجمال السابق وإن كان ثانيا ً في التفص00يل ،وإنم00ا أخ00ر
الجائز في التفصيل لطول الكالم عليه ،وال ش00ك في علم اس00تحالة ه00ذا القس00م من وج00وب
القسم األول له تع00الى ،وإنم00ا تع00رض ل00ه المص00نف على طري00ق الق00وم من ع00دم اكتف00ائهم
بداللة االلتزام ،وال بداللة التضمن ،بل مالوا إلى الداللة المطابقي00ة لخط00ر الجه00ل في ه00ذا
الدراهم والدنانير ،وبقي مدة يحدثهم في مسجده ،فس11أله أم11ير بخ11ارى خال11د بن أحم11د أن
يحض 11ر منزل 11ه فيق 11رأ الت 11اريخ والج 11امع على أوالده ،ف 11امتنع البخ 11اري من ذل 11ك ،وق 11ال :ال
يسعني أن أخص بالسماع قوما دون قوم آخرين فنفاه األمير عن البلد.
فس11مع ب11ذلك أه11ل س11مرقند ،فكتب11وا إلي11ه يخطبون11ه إلى بل11دهم ف11نزل في طريق11ه في
قرية خرتنك وكان له بها أقرباء ،فنزل عليهم وأق11ام به11ا أيام11ا فم11رض فيه11ا ،وفيه1ا 1وت11وفي،
وكان ذلك في سنة [.]256
هذا ما أردنا إيراده من قصة خلق الق1رآن ومق11دماتها ،وتوابعه1ا وآثاره1ا ،وبع11د ه1ذا
نعود إلى كالم الشارح ،ونبين ما حواه من األخطاء ،فنقول:
الخطأ األول:قوله( :فخرج البخاري فارا) حيث فرعه على مسألة المحنة ،وهي
مسألة خلق القرآن ،مع أن خروجه من نيسابور كان من أج00ل مس00ألة اللف0ظ بع00د انقض0اء
المحنة بنحو عشرين سنة.
الثاني :قوله( :فمات بعد أربعة أيام) والحال أن موته كان بعد نحو أربع سنين من
خروجه من نيسابور فقد كان خروجه سنة [ ]252ووفاته سنة [.]256
الثالث:قوله( :وسجن عيسى بن دينار عشرين سنة) وقد كان وفاة عيسى بن
دينار سنة [ ]212قبل ابتداء المحنة بأكثر من خمس سنين.
الرابع:قوله( :وسئل الشعبي ...آلخ) وقد توفي الشعبي سنة [ ]103قبل المحنة
بمائة وخمس عشرة سنة.
الخامس :قوله( :واشتهر أيضا عن اإلمام الشافعي) وقد كان وفاة الشافعي [
]204قبل المحنة بنحو أربع عشرة سنة .وهللا تعالى أعلم.
المنزل أيضا ً قديم ،وهو ما ذهب إليه القاضي عضد الدين اإليجي.
2هذا الفرق لعله عند األشاعرة ،وأما الس00لف فيطلق00ون كال منهم00ا على األلف00اظ الدال00ة
على المعاني 0،وال انفصال عندهم بين األلفاظ والمعاني 0بالنسبة إلى اتصاف هللا تعالى 0بها.
1محم00د البلخي ينس0ب 0إلى ه00ذا االس00م كث00ير من األق00وال في التوحي00د واألص00ول ،وه00و
مجهول من زمن بعيد ح0تى رجح الزركش0ي أن0ه الثلجي يع0ني محم0د بن ش0جاع الثلجي 0الحنفي،
ولكن أطبقت المراجع قديما ً وحديثا ً على نسبة األقوال إليه باس00م محم00د البلخي ،ف00إن ك00ان ك00ذلك
فلم يعثر له على ترجمة إلى اآلن –وهللا تعالى أعلم ،قاله الدكتور على جمعه.
1هذان القوالن ساقطان وكان على الشارح 0أن ال يحكيهما وذلك ألنه يلزم عليهما أن ال
يكون ألفاظ 0القرآن 0كالم هللا تعالى وهذا مصادم للنصوص 0القطعية كما أنه مخالف إلجماع األمة،
وليت شعري من هو القائل بهذين القولين 0الساقطين .ثم رأيت 0الزرقاني 0قال في مناهل العرف00ان:
هذان القوالن مدسوسان وليس لها قائل.
{ -102معنى إنزال القرآن }
2بل التحقيق أن الم00نزل اللف00ظ ال00دال على المع00نى ف00المعنى م00نزل وموص00ل إلى أذه00ان
المكلفين 0بإنزال اللفظ وليس له إنزال مس00تقل عن إن00زال اللف00ظ كم00ا يوهم00ه التعب00ير ب00أن الم00نزل
اللفظ والمعنى ،نعم المقصود بالذات 0باإلنزال واإليص0ال إلى األذه0ان ه0و المع0نى ألن0ه المقص0ود
بالذات إفادته ،وهذا ال ينافي أنه تابع للفظ في اإلنزال من حيث أنه مدلول له ،ومع00نى اإلن00زال –
كما قال المحقق البياضي 0في "إشارات المرام" (ص )178أن جبريل علي00ه الس00الم أدرك كالم00ه
تعالى ثم نزل إلى األرض وأفهم النبي عليه الصالة والسالم م00ا فهم00ه من غ00ير نق00ل ل00ذات الكالم
لعدم انتقال الصفة ،والستلزام االنتقال واالنفكاك للنقص00ان ،وبه0ذا يج0اب 0عن اس0تدالل المعتزل0ة
باآليات التي فيها اإلنزال وال0نزول على حدوث00ه ق00الوا :إن ال00نزول عب0ارة عن االنتق00ال وه0و من
صفات الحوادث.
3بل التحقيق أنه محمول على التلفظ الذي هو من فعل القارئ وعلى أصواته وحروف00ه
التي يحدثها كما قال المحققون من السلف :لفظي بالقرآن مخلوق ،وتحرج كثير من الس00لف عن
هذا التعبير ،وأنكره بعضهم على ال00ذين أطلق00وه إليهام00ه ح00دوث لف00ظ الق00رآن ،ولم يق00ل أح00د من
السلف إن لفظ القرآن 0مخلوق ،بل هذا مذهب المعتزلة .وراجع رسالتنا في تحقي00ق مس00ألة خل00ق
القرآن.
1من عقائد أهل السنة تنزه هللا تعالى 0عن الجهة والمكان وقد استدلوا على ذلك بما يلى
قال النسفي في شرح العمدة استدالال على ذلك :الص00ور والجه00ات مختلف00ة 0،واجتماعه00ا
عليه تعالى 0مستحيل لتنافيها 0في أنفسها 0،وليس البعض أولى من البعض الستواء الكل في إف00ادة
المدح والنقص وعدم داللة المحدثات عليه ،فلو اختص بجهة لك00ان بتخص00يص 0مخص00ص وه00ذا
من أمارات الحدوث.
181
وقوله “ في حق00ه “ أي على ذات00ه تع00الى ،ففي بمع00نى على و “ ح00ق “ بمع00نى
الذات ،واإلضافة للبيان ،ألن الحق 1اسم من أسمائه تعالى :أي حق ه0و ه0و ،ويحتم0ل أن
“ في “ باقي00ة على بابه00ا ،والم00راد من الح00ق الحكم ال00واجب ل00ه واإلض00افة حقيقي00ة،
والمعنى حال كون استحالة ما ذكر مندرجة في الحكم الواجب له تع00الى ،وه00ذا ه00و ال00ذي
اقتصر عليه الشارح،
وق00د أجم00ل المص00نف األض00داد ،ونحن ن00ذكرها تفص00يالً كم00ا ذكره00ا السنوس00ي:
فيستحيل عليه تعالى :العدم وهو ضد الوجود ،والح00دوث وه00و ض00د الق00دم ،وط00ر ّو الع00دم
وهو الفناء وهو ضد البقاء ،والمماثلة للحوادث وهو ضد المخالف00ة للح00وادث ،والمماثل00ة
مصورة بأن يكون جرما ً سواء كان مركبا ً –ويسمى حينئذ جسماً -أو غير مركب -ويسمى
حينئذ جوهراً فرداً –لكن المجسمة ال يكف0رون إال أن ق0الوا ،ه0و جس00م كاألجس0ام 2أو ب0أن
يكون عرضا ً يقوم بالجرم ،أو يكون في جه00ة للج00رم ،فليس ف00وق الع00رش وال تحت00ه ،وال
عن يمينه وال عن شماله ونحو ذلك ،أو يحل في المكان فالحلول هو الم00راد “ بالتقيي00د “
في عبارة من عبر به ،والمراد بالمكان :الفراغ الموه00وم على رأي المتكلمين ،والمحق00ق
على رأي الحكماء ،ومعنى كون00ه موهوم0ا ً عن00د المتكلمين :أن00ه يت00وهم أن00ه أم00ر وج00ودي
وليس كذلك ،بل هو أمر عدمي ،وقيل 3معنى كونه موهوماً :أن00ه يت00وهم أن00ه ف00راغ وليس
وق00ال الس00بكي :ص00انع الع00الم 0ال يك00ون في جه00ة ألن00ه ل00و ك00ان في جه00ة لك00ان في مك00ان
ضرورة أنها المكان أو المستلزمة له ،ولو كان في مكان لكان متح00يزاً 0،ول00و ك00ان متح00يزاً لك00ان0
مفتقراً إلى حيزه ومكانه ،فال يكون واجب الوجود ،وثبت أنه واجب الوجود ،وهذا خلف.
وأيضا ً لو كان في جهة فإما في كل الجهات ،وهو محال وشنيع ،وإما في البعض فيل00زم
االختص00اص المس00تلزم 0لالفتق00ار إلى المخص00ص المن00افي للوج00وب ،نق00ل كالم النس00في والس00بكي
الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين .)2/104
ومن ال00دليل على ت00نزه هللا تع00الى عن الجه00ة والمك00ان من الس00نة م00ا رواه مس00لم في
صحيحه ( )4/2804عن أبي هريرة رضي هللا تع00الى 0عن00ه أن رس00ول هللا ص00لى هللا تع00الى علي00ه
وآله وسلم كان يقول في دعائه:
((اللهم أنت األول فليس قبلك شيء ،وأنت اآلخر فليس بعدك شيء ،وأنت الظاهر 0فليس
فوقك ش0يء ،وأنت الب0اطن فليس دون0ك ش0يء ،اقض عن0ا 0ال0دين وأغنن0ا 0من الفق0ر) 0ق0ال اإلم0ام
الحافظ البيهقي في "األسماء الصفات" 0ص :41اس00تدل بعض أص00حابنا به00ذا الح00ديث على نفي
المكان عن هللا ،فإذا لم يكن فوقه شيء وال دونه شيء لم يكن في مكان.
1هذا ليس بصحيح بل الحق هنا ،بمعنى ال00ذات كم00ا تق00ول قلت في ح00ق زي00د ك00ذا وك00ذا
وأما الحق الذي هو من أسمائه تعالى فهو ضد الباطل ،ولو ك00ان ك0ذلك لل00زم إض00افة الش0يء إلى
نفسه وهي ممتنعة ،ولم تكن اإلضافة للبيان ألنها إضافة العام إلى الخاص ،كم00ا ل00و حم00ل الح00ق
على الذات ،بل التحقيق أن الحق في مثل هذا الكالم بمعنى الشأن ال بمعنى الذات فإن00ك ال تقص00د
بقولك قلت في حق فالن كذا إال معنى قلت في شأنه كذا.
2فإن قال جسم ال كاألجسام خطئ وأثم ألنه أطلق عليه تعالى م00ا ليس في00ه توقي00ف م00ع
أنه يُوهم أمراً ال يجوز عليه تعالى.
3هذا المعنى خط00أ ألن االص00طالح على المع00نى األول ،ويؤي00ده مقابلت00ه ب00المحقق فه00ذا
القائل لم يعلم معنى التوهم اصطالحاً.
182
كذلك ،بل هو مملوء بالهواء فليس فراغا ً محققاً ،أو يتقيد بالزم00ان ،1بحيث تك00ون حرك00ة
الفلك منطبقة عليه ،أو يكر عليه الجديدان الليل والنهار ،أو تتصف ذاته العلية ب0الحوادث
كالقدرة الحادثة واإلرادة الحادثة والحركة أو السكون والبياض أو السواد أو نحو ذلك،2
أو يتص00ف بالص00غر بمع00نى قل00ة األج00زاء ،أو ب00الكبر بمع00نى ك00ثرة األج00زاء ،فليس
صغيراً بمعنى قليل األجزاء وال كبيراً بمعنى كثير األجزاء وهذا ال ين00افي أن00ه تع00الى كب00ير
في المرتبة والشرف ،قال هللا تعالى( :ا ْل َكبِي ُر ا ْل ُمتَ َعا ِل) (الرعد :من اآلية)9
أو يتصف باألغراض في األفعال أو األحك00ام ،فليس فعل00ه كإيج00اد زي00د لغ00رض من
األغراض :أي مصلحة تبعثه على ذلك الفعل ،فال ينافي أنه لحكمة ،وإال لك00ان عبث 0ا ً وه00و
مستحيل في حقه تع00الى ،وليس حكم00ه كإيجاب00ه الص00الة علين00ا لغ00رض من األغ00راض أي
مصلحة تبعثه على ذلك الحكم ،فال ينافي أنه لحكمة كما علمت ،3فصور المماثلة عشرة،
ويستحيل علي00ه أيض0ا ً أن ال يك00ون قائم0ا ً بنفس00ه ب00أن يك00ون ص00فة يق00وم بمح00ل أو
يحتاج إلى مخصص ،وهذا ضد القيام بالنفس ،وأن ال يكون واح00داً ب00أن يك00ون مركب 0ا ً في
ذات00ه أو يك00ون ل00ه مماث00ل في ذات00ه ،أو يك00ون في ص00فاته تع00دد من ن00وع واح00د كق00درتين
وإرادتين وهكذا ،أو يكون ألحد صفة كصفته تعالى ،أو يك00ون مع00ه في الوج00ود م00ؤثر في
فعل من األفعال ،وهذا كل00ه ض00د الوحداني0ة ،وأن يك0ون ع0اجزاً عن ممكن م0ا ،وه0ذا ض0د
القدرة ،وأن يوجد شيئا ً من العالم مع كراهته لوجوده ،أو يعدم ش00يئا ً م0ع كراهت0ه لعدم00ه:
أي ع00دم إرادت00ه ل00ه ،أو م00ع ال00ذهول او الغفل00ة ،فال00ذهول :ذه00اب الش00يء من الحافظ00ة
والمدركة أو من أحدهما ،واألول نسيان والثاني سهو ،وأما الغفلة فهي السهو،
أو مع التعليل بأن يكون الباري علة تنشأ عنه الخالئق من غير اختيار ،وال توقف
على وجود شرط وانتفاء مانع ،كحرك00ة الخ00اتم ،فإنه00ا نش00أت عن00د الق00ائلين بالتعلي00ل عن
حركة اإلصبع ،فعندهم حركة اإلصبع علة في حركة الخ00اتم ،ونحن نق00ول الخ00الق لحرك00ة
األصبع ولحركة الخاتم هو هللا تعالى من غير تأثير لحرك00ة اإلص00بع في حرك00ة الخ00اتم ،أو
مع الطبع بأن يكون الباري طبيعة تنشأ عن00ه الخالئ00ق من غ00ير اختي00ار م00ع التوق00ف على
وجود الشروط وانتفاء الموانع ،كالنار فإنها تؤثر بطبعها عندهم في اإلح00راق م00ع وج00ود
شرط المماسة وانتفاء مانع البلل ،ونحن نق00ول :الم00ؤثر في اإلح00راق ه00و هللا تع00الى ،وال
تأثير للنار أصالً ،وهذا كله ض00د اإلرادة ،والجه00ل وم00ا في معن00اه ك00الظن والش00ك وال00وهم
والن00وم ،وه00ذا ض00د العلم ،والم00وت وه00و ض00د الحي00اة ،والبكم 0النفس00ي وه00و ض00د الكالم،
والعمى وهو ضد البصر ،وكونه عاجزاً … إلى آخرها على القول باألحوال.
1قوله أو يتقيد بالزمان 0:فهو تعالى مقارن للزمان 0وليس بمقيد به ألنه تع00الى 0ك00ان وال
زمان وبعد أن خلق الزمان 0صار مقارنا ً له ،وأما غ0يره تع0الى من الموج0ودات فكم0ا أن0ه مق0ارن
للزمان 0مقيد به ال ينفصل عن الزمان .وقد تقدم تحقيق معنى الزمان 0فراجعه.
2تقدم االستدالل على امتناع 0قيام الحوادث باهلل تعالى في التعليق.
3راجع مقالتنا المفردة في تحقيق مسالة تعليل أفعال هللا تعالى،وك00ان 0األولى أن يق00ول:
فال ينافي أنه تترتب عليه حكمة ألن هذا المذهب ال يقول :إن أفعال هللا تعالى 0لحكمة ،ب00ل يق00ول:
إنه تترتب عليها الحكم والمصالح .ولو قال :لحكمة لكان 0قائال بالتعليل.
183
(قوله كالكون في الجه00ات) أي ككون00ه تع00الى في جه00ة من الجه00ات الس00ت ،وه00ذا
مثال من أمثلة المماثل00ة للح00وادث ،ويق00اس علي00ه ب00اقي أمثل00ة المماثل00ة ب00ل وب00اقي ص00ور
المستحيل ،كما أشار إليه المصنف بالكاف.
واعلم أن معتقد الجهة ال يكفر كما قاله العز بن عبد السالم ،وقيده النووي بكون00ه
من العامة ،وابن أبي جمرة بعسر فهم نفيها ،وفصل بعضهم فق0ال :إن اعتق0د جه0ة العل0و
لم يكفر ،ألن جهة العلو فيها شرف ورفعة في الجملة ،وإن اعتقد جه00ة الس00فل كف00ر ،ألن
جهة السفل فيها خسة ودناءة.
185
(قول00ه فخ00الق … إلخ) 1ه00ذا تفري00ع على م00ا علم 2مم00ا تق00دم من انف00راده تع00الى
باإليج00اد ،فالف00اء للتفري00ع ،ويص00ح أن تك00ون ف00اء الفص00يح ،لكونه00ا أفص00حت عن ش00رط
محذوف ،والتقدير :إذا ثبت وج00وب انف00راده تع00الى باإليج00اد فخ00الق ..إلخ ،و “ خ00الق “
خ00بر لمبت00دأ مح00ذوف ،واألص00ل :فاهلل خ00الق ..إلخ ،وه00ذا يس00مى عن00د الع00ارفين بوح00دة
األفعال ،ومنها يعلم بطالن دعوى أن شيئا ً يؤثر بطبعه أو بقوة فيه،
فمن اعتق00د أن األس00باب العادي00ة كالن00ار والس00كين واألك00ل 0والش00رب ت00ؤثر في
مسبباتها كالحرق والقطع والشبع وال00ري بطبعه00ا وذاته00ا فه00و ك00افر باإلجم00اع ،أو بق00وة
خلقها هللا فيها ففي كفره قوالن ،واألصح أنه ليس بكافر بل فاسق مبتدع،3
1
{ -106القدرية إذا سلموا العلم خصموا }
قوله :فخالق لعبده وما عمل ..إلخ .قال اإلمام الشافعي رحم00ه هللا تع00الى 0:القدري00ة إذا
سلموا العلم خصموا كذا في شرح جمع الجوامع للع00راقي (يع00ني أنهم خص00موا في مس00ألة خل00ق
األفعال) وقال بعض أذكياء المعتزلة 0:الداعي الموجب ودليل العلم األزلي 0هما الع00دوان لالع00تزال
كذا في شرح المقاصد،
وذلك ألن المعتزلي إذا سلم علم هللا األزلي المحيط بكل الموجودات ومنها أفع00ال العب00اد
االختيارية ،ثم سلم عدم تغير هذا العلم اضطر إلى القول بعدم استقالل العبد بفعل00ه ألن00ه ل00و ك00ان
مستقالً لزم أن يجوز أن يقع منه خالف م00ا علم هللا وقوع00ه من00ه ،فل00زم تغ00ير العلم وانقالب00ه إلى
جهل ،كما يضطر إلى القول بأن الداعية الموجبة ليست من العبد ،بل هي تابعة إلرادة هللا تع00الى
وعلمه ،وقد وافقت إرادة العبد بطريق جري العادة .واإلل00زام ج00واز مخالف00ة داعي00ة العب00د لعلم00ه
تع00الى ،فال يق00ع م00ا علم هللا وقوع00ه ،فينقلب علم00ه تع00الى إلى جه00ل ،قال00ه اإلم00ام البياض00ي في
إشارات المرام ( )301-300ثم قال (:)307-304
قال اإلمام أب00و حنيف00ة رحم00ه هللا تع00الى 0:يق00ال ل00ه أي للق00دري :ه00ل علم هللا في س00ابق
علمه أن تك00ون ه00ذه األش00ياء من طاع00ات 0العب00اد ومعاص00يهم الص00ادرة عنهم باختي00ارهم وس00ائر
أفعالهم أن تكون على ما هي عليه أم ال؟ فإن قال :ال فقد كفر ،وإن قال :نعم قيل ل00ه :أراد هللا أن
تكون كما علم ،أو أراد أن تكون بخالف ما علم ،ف0إن ق00ال :أراد أن تك0ون كم0ا علم فق0د أق00ر أن0ه
أراد من المؤمن اإليمان 0ومن الكافر الكفر ،وإن قال :أراد أن تكون بخالف ما علم فقد جعل رب00ه
متمنيا ً متحس0راً ،ألن من أراد أن ال يك0ون فك0ان ،أو أراد أن يك0ون فلم يكن فه0و متمن متحس0ر،
ومن وصف ربه متمنياً 0متحسراً فهو كافر.
2قوله هذا تفريع على ما علم مما تقدم لعله أراد بما تقدم –كما صرح به عب00د الس00الم-
وجوب وحدانيته 0تعالى وعموم علمه للمعلومات 0وقدرته وإرادته لسائر الممكنات اهـ وفي00ه نظ00ر
من وجهين األول أن التفريع على ما ذكر غير ظاهر كم00ا ق00ال األم00ير ،والث00اني أن التفري00ع إنم00ا
يصح على ما ينفصل الكالم عنه ،وأما التفريع على البعيد الذي توس00ط بين00ه وبين األخ00ير أم00ور
أجنبية فغير صحيح ،فالصواب أن الفاء هنا فصيحة أي بعد ما عرفت أنه يجوز عليه تعالى فع00ل
كل ممكن وتركه إذا أردت أن تعرف أنه تعالى 0هل ه00و خ00الق لفع00ل عب00ده أم ال ف00أقول ه00و خ00الق
للعبد وفعله.
3أقول :ال وجه لتبديع هذا القائل فضالً عن تكفيره بعد ما اعتقد أن التأثير ال بالطبع بل
بقوة أودعها هللا تعالى فيها وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل السنة.
186
ومثل الق0ائلين ب00ذلك المعتزل00ة الق0ائلون ب0أن العب0د يخل0ق أفع00ال نفس00ه االختياري00ة
بقدرة خلقها هللا فيه ،فاألصح عدم كفرهم،
ومن اعتق0د أن الم0ؤثر ه0و هللا ،لكن جع0ل بين األس0باب ومس0بباتها تالزم0ا ً عقلي0ا ً
بحيث ال يصح تخلفها فه00و جاه00ل ،وربم00ا ج00ره ذل00ك إلى الكف00ر ،فإن00ه ق00د ينك00ر معج00زات
األنبياء لكونها على خالف العادة،
ومن اعتقد أن المؤثر هو هللا وجعل بين األسباب والمس00ببات تالزم 0ا ً عادي 0ا ً بحيث
يصح تخلفها فهو المؤمن الناجي إن شاء هللا تعالى ،فالفرق في ذلك أربعة كما يؤخ00ذ من
كتب السنوسي،
(قوله لعبده) الالم للتقوية والمراد من العبد كل مخل00وق يص00در عن00ه الفع00ل ع00اقالً
كان أو غيره ،خالفا ً لبعضهم حيث قصره على المكلف ،1ألن بعض األدلة التي ذكروه00ا ال
تجري في غير فعله ،وإنما ذكر المصنف العبد مع أنه متفق على خلق هللا إياه توصالً لما
بعده ،واقتداء بقوله تعالىَ ( :وهَّللا ُ َخلَقَ ُك ْم َو َما تَ ْع َملُونَ ) (الصافات)96:
و(قوله “ :وما عمل “ ) معطوف على عبده ،و “ ما “ مص00درية ،في00ؤول الفع00ل
بعدها بمصدر ،والتقدير :فخالق لعب00ده ولعمل00ه ،ويحتم0ل أن تك0ون موص0ولة “ وعم00ل “
صلة والعائد محذوف ،وعليه فالتقدير :فخالق لعبده ولل00ذي عمل00ه ،واألول أولى ،ألن00ه ال
(وهَّللا ُ
حذف عليه ،واألصل عدم الحذف ،ويجري االحتماالن الم00ذكوران في قول00ه تع00الىَ :
َخلَقَ ُك ْم َو َم00ا تَ ْع َملُ00ونَ ( )2الص00افات )96:وفي ذل00ك رد على المعتزل00ة في ق00ولهم ب00أن العب00د
يخلق أفعال نفسه االختيارية ،وأما األفعال االضطرارية كحركة المرتعش فهي مخلوقة هلل
تعالى اتفاقاً.
والحاصل أن الناس بعد اتف00اقهم على أن هللا خ00الق للعب00اد وألفع00الهم االض00طرارية
اختلفوا في أفعالهم االختيارية ،فنحن نقول :إن هللا خالق لها أيض 0اً ،والمعتزل00ة يقول00ون:
إن العبد خالق له00ا بق00درة خلقه00ا هللا في00ه ،ونق00ل عن األس00تاذ أنه00ا بالق00درتين :أي قدرت00ه
1أي قصر الكالم على المكلف ال قصر الحكم عليه فإن هذا ما لم يقل00ه أح00د .وي00دل على
هذا المراد قوله :ألن بعض األدلة التي ذكروها ال تجري في غير فعله.
2فإن حملت ما على الموصولة تكون عبارة عن الحاص0ل بالمص0در 0من عم0ل اإلنس0ان0
وهو الذي يطلق عليه المفعول المطلق ،فتجرى اآلية على كل من مذهب األش00اعرة والماتريدي00ة
وصدر الشريعة فإنهم متفقون على أن الحاصل بالمص00در مخل0وق هلل تع00الى 0،وأم0ا إن حملت م0ا
على المصدرية فالفعل مدلوله المعنى المصدري ال الحاصل بالمصدر كم00ا ق00ال العلم00اء 0،فتج00رى
اآلية إال على مذهب األشاعرة والماتريدية ،ألنهم يقول00ون :إن العم00ل ب00المعنى 0المص00دري ال00ذي
هو عبارة عن تعلق قدرة العبد بالمعمول مخلوق هلل ،كالحاصل 0بالمصدر 0،وال تأثير 0لق00درة العب00د
فيه .وأما صدر الشريعة فقال :إن العمل بالمعنى المصدري -ويسمى بالقدرة الجزئية 0-أث00ر ق00درة
العبد ،وأم0ا الحاص00ل بالمص0در 0فه0و مخل0وق هلل تع0الى .وعلى اإلحتم00الين تك0ون اآلي00ة ردا على
المعتزلة 0،فإنهم قالوا :إن عمل العبد بالمعنى 0المصدري وبالمعنى الحاص00ل بالمص00در أث00ر لق00درة
العبد بدون تأثير 0لقدرة هللا فيهما ،إال أن هللا تعالى قد خلق القدرة الكلية في العبد.
187
تعالى وقدرة العبد ، 1وفيه أن القدرة القديمة ال شريك لها وال معين ،ونقل عن القاضي أن
قدرة العبد أثرت في فعله لوصفه بالطاع00ة أو المعص00ية ،2قلن00ا ه00ذا ت00ابع لألم00ر والنهي،3
واضطرب النقل عن إمام الحرمين ،فمما نقل عنه :أنه لو لم تكن قدرة العبد مؤثرة لكانت
عجزاً .4والذي نعتقده كما قاله السنوسي تنزي00ه ه00ؤالء األئم00ة عن مخالف00ة مش00هور أه00ل
السنة ،5فهذه األقوال لم تص0ح عنهم ،وربم0ا هجس لبعض القاص0رين أن من حج0ة العب0د
أن يقول هلل :لم تعذبني والكل فعلك؟ وهذه مردودة بأن00ه ال يتوج00ه علي00ه تع00الى من غ00يره
سأ َ ُل َع َّما يَ ْف َع ُل) (األنبياء :من اآلية )23وكي00ف يك00ون للعب00د حج00ة
سؤال ،قال تعالى( :ال يُ ْ
1مراده أن قدرة هللا تكون معينة ومساعدة لقدرة العبد ،ويلزم على ه00ذا الق00ول م00ع م00ا
قاله الشارح تبعض قدرة هللا تعالى وتجزيها 0،وهو محال.
{ -107بيان مذهب الباقالني 0ومذهب الماتريدية }
2مذهب القاضي أبو بكر الب00اقالني 0أن ق0درة هللا تع00الى م0ؤثرة في أص00ل الفع0ل ،وق0درة
العبد مؤثرة في وصفه ،كلطم اليتيم 0،من حيث هو حركة مخلوق هلل تعالى ومن حيث كونه طاعة
ومعصية أثر لقدرة العبد ،فإن عزم التأديب فطاع00ة ،وإن ع00زم اإلي0ذاء فمعص00ية ،وه0ذا الم0ذهب
كما قال ابن أبي شريف في شرح المسايرة ( )111وغيره هو عين مذهب الماتريدية ،فإن ق00درة
العبد عندهم عبارة عن العزم المصمم ،وهو عب00ارة عن تعل00ق إرادة العب0د بالفع00ل ،وك0ون الفع00ل
طاع00ة أو معص00ية أثرللع00زم ،ألن العب00د ق00د ع00زم على أح00دهما ،فالفع00ل إنم00ا اكتس00ب أح00د ه00ذين
الوصفين من عزمه الذي هو أثر قدرته عنده ،فيكون الوصف أثر قدرت00ه ألن00ه أث00ر عزم00ه ال00ذي
هو أثر قدرته ،وأث0ر األث00ر أث00ر .والف00رق بين الم00ذهبين أن القاض00ي لم يص0رح ب0العزم المص0مم0،
وبكيفية تأثير 0قدرة العبد في وصف الفعل وهو على ما ذكرناه والماتريدي0ة 0لم يص00رحوا بالت00أثير
في وصف الفعل لكن لزمهم ذلك من قولهم بتأثير قدرة العبد في إرادة الجزئية.
والقاضي لم يقصد خصوص وصف الطاعة 0والمعصية ،بل أراد عموم وصف األفعال،
وذلك أن أفعال الجوارح كلها عبارة عن حركات متصفة بص00فات 0وإنم00ا تتم00ايز 0فيم00ا بينه00ا بتل0ك0
الصفات 0كالقيام والقعود والمشي والص00الة والزن0ا 0فالحرك00ات 0مخلوق0ة هلل تع0الى 0،والص00فات 0أث00ر
قدرة العبد عند القاضي ،ويق00ال مث00ل ه0ذا في أفع00ال النف00وس فإنه00ا حرك00ات نفس00ية م0ع ص00فات.
ص00رح به00ذا الس00يد الش00ريف في ش00رح المواق00ف ( )8/147حيث ق00ال ص00احب المواق00ف :وق00ال
القاضي على أنه تتعلق قدرة هللا بأصل الفعل وقدرة العبد بكونه طاع00ة ومعص00ية ،فش00رح الس00يد
هذا الكالم بقوله :بصفته أعنى بكونه طاعة ومعصية إلى غير ذلك من األوصاف التى ال يوصف
بها أفعاله تعالى ،فأضاف إلى كالم المتن قوله بصفته وقوله إلى غير ذلك من األوص0اف ال0تى ال
يوصف بها أفعاله تعالى.
3يعني أن هذا المذهب إنما يجري في فعل العبد بع00د ورود الش00رع 0وبلوغ00ه للعب00د ،وال
يجري في فعل العبد قبل بلوغ الشرع له ،مع أن الخالف في أفعال العباد مطلقا ال فيها بعد بل00وغ
الشرع .أقول وكذلك اليجرى في المباحات .وهذا اإلعتراض إنما يرد على القاض00ي ل00و ك00ان أراد
بوصف الفعل خص0وص وص0ف الطاع0ة والمعص0ية ،لكن0ك ق0د علمت 0أن م0راد القاض0ي بوص0ف
الفعل ليس خوصوص وصف الطاعة 0والمعصية بل وصفه مطلقا كما بين00اه آنف00ا .فيك00ون ذك00رهم
للطاعة 0والمعصية على سبيل المثال ال ألجل خصوص التأثير 0بهما .وهللا أعلم.
4أي والعاجز ال يصح تكليف0ه فال ب0د أن تك0ون ق0درة العب0د م0ؤثرة بن0وع م0ا من أن0واع
التأثير وال يخفى أنه كالم مجمل.
5ليس هذا بكالم علمي بل كالم عاطفي ،كيف وقد صح نقل مذاهبهم عنهم!.
188
وهلل الحجة البالغة ،فال يسعنا إال التسليم المحض ،ومع أن الفعل خيره وشره هلل ،ف00األدب
أن ال ينس0ب ل0ه إال الحس00ن فينس0ب الخ00ير هلل والش00ر للنفس كس0باً ،وإن ك0ان منس00وبا ً هلل
س0ك) س0يِّئَ ٍة فَ ِمنْ نَ ْف ِ
ص0ابَكَ ِمنْ َ س0نَ ٍة فَ ِمنَ هَّللا ِ َو َم00ا أَ َ إيج00اداً ،ق00ال تع00الىَ ( :م00ا أَ َ
ص0ابَكَ ِمنْ َح َ
ص0يبَ ٍة فَبِ َم00اص0ابَ ُك ْم ِمنْ ُم ِ (النساء :من اآلية )79أي كسباً ،كما يفسره قوله تعالىَ ( :و َم00ا أَ َ
سبَتْ أَ ْي ِدي ُك ْم)( 1الشورى :من اآلية )30وأما قوله تعالى( :قُل ُك ٌّل ِمنْ ِع ْن ِد هَّللا ) (النس00اء: َك َ
من اآلية )78فرجوع للحقيقة ،وانظر إلى أدب الخضر علي00ه الص00الة والس00الم حيث ق00ال:
ش َّد ُه َما …) اآلي00ة (الكه00ف :من اآلية)82وق00ال (فَ00أ َ َردْتُ أَنْ أَ ِعيبَ َه00ا) (فَأ َ َرا َد َربُّ َك أَنْ يَ ْبلُ َغا أَ ُ
(الكهف :من اآلية )79وتأمل قول إب00راهيم الخلي00ل علي00ه الص00الة والس00الم( :الَّ ِذي َخلَقَنِي
ضتُ …) (الش00عراء )80-78 :فلم يق00ل سقِي ِنَ ،وإِ َذا َم ِر ْ فَ ُه َو يَ ْه ِدي ِنَ ،والَّ ِذي ُه َو يُ ْط ِع ُمنِي َويَ ْ
أمرضني تأدباً ،وإال فالكل من هللا تعالى.
(وقوله موفق) معط00وف على “ خ00الق “ بح00رف عط00ف مق00در ،2كم00ا أش00ار إلي00ه
الشارح حيث قال “ وموف00ق “ فق00در ح00رف العط00ف “ وموف00ق “ م00أخوذ من التوفي00ق،
وهو لغة :التأليف بين األشياء،
{ -108معنى التوقيف والخالف فيه }
وشرعاً :خلق قدرة الطاعة في العبد ،وهل يحتاج لق00ولهم :وتس00هيل س00بيل الخ00ير
إليه ،أو قولهم :والداعية إليها :أي الميل النفساني إلى الطاعة ،أو ال يحتاج لذلك؟ خالف
مب00ني على الخالف في تفس00ير ق00درة الطاع00ة ففس00رها إم00ام الح00رمين بس00المة األس00باب
واآلالت ،والم00راد من األس00باب :3األش00ياء ال00تي تك00ون حامل00ة على الفع00ل ،والم00راد من
اآلالت :األشياء التي يحصل بها اإلعانة على الفعل ،فالماء الذي يتوض00أ ب00ه من األس00باب
العرفية للصالة ،واألعضاء التي تحاول بها الطاعة آالت لها ،وعلى هذا التفسير فيحت00اج
لما ذك00ر إلخ0راج الك00افر ،فإن00ه ليس موفق0اً ،م00ع أن هللا خل00ق في00ه ق0درة الطاع00ة ب00المعنى
السابق ،وفسرها األشعري بالعرض المقارن للطاعة ،وعلى هذا التفس00ير فال يحت00اج لم00ا
ذكر ألن الكافر خارج من أول األمر ،إذ لم يخلق هللا فيه قدرة الطاعة بهذا المعنى،
وأورد عليه أن الشخص مكلف قبل الطاع00ة ،م00ع أن00ه قبله00ا على كالم00ه ليس في00ه
قدرة ،فيلزم عليه تكليف العاجز وهو ممنوع ،وأجيب بأنه قادر بالقوة القريبة لما اتص00ف
ب00ه من س00المة األس00باب واآلالت 4وه00ذا بن00اء على م00ا قال00ه األش00عري من أن الع00رض
1فيه أن الكسب الذي في اآلية الكريم00ة ب00المعنى اللغ00وي و في كالم الش00ارح ب00المعنى
االصطالحي.
2ال حاجة إلى القول بالعطف ،بعدما كان الظاهر فيه االستئناف.
3التحقيق في تفس00ير األس00باب واآلالت أن األس00باب 0م00ا يتوق00ف عليه00ا الفع00ل ولم تكن
مؤثرة فيه مباشرة ،كالقدرة والداعية واآلالت هي الم00ؤثرة في الفع00ل مباش00رة وه00و الج00وارح.
ويرد على الشارح أن الماء ليس بحامل على الصالة كما أنه ال يوصف بالسالمة.
4الص00واب 0في الج00واب أن يق00ال إن الق00درة ال00تي هي ش00رط التكلي00ف هي ال00تي بمع00نى
سالمة األسباب واآلالت وهي متقدمة على الفعل ،أو يقال إن الذي هو شرط التكليف هو س00المة
األس0باب 0واآلالت س0واء س0ميناها ق0درة أم ال وكالم األش0عري إنم0ا ه0و في الق0درة ال0تي يتوق0ف
189
كالبياض ال يبقى زمانين ، 1بل العرض في هذا الزمان غير العرض في الزمان الذي قبله،
وهكذا فيكون كالماء الجاري ،والحق أن العرض يبقى زمانين ،وعليه فال م00انع من تق00دم
القدرة على الطاعة عليها،
فتحصل من ذلك أن في التوفيق قولين:
القول األول :أنه خلق قدرة الطاعة في العبد وتسهيل سبيل الخ00ير إليه00ا والداعي00ة
إليها وفي بعض العبارات :خلق الطاعة نفس00ها ،وه00و ظ00اهر ،والق00ول الث00اني :أن00ه خل00ق
قدرة الطاعة في العبد ،وهذان القوالن مبنيان على القولين في تفسير قدرة الطاعة؛
واقتصارهم على إخراج الكافر يقتضي أن الم00ؤمن العاص00ي موف00ق ،وه00و الحق،2
خالفا ً لمن قال :الموفق ال يعصي إذ ال قدرة له على المعصية ،كما أن المخذول ال يطيع إذ
ال ق00درة ل00ه على الطاع00ة ،ول00ك أن تق00ول :الموف00ق ال يعص00ي من حيث م00ا وف00ق في00ه،
والمخذول ال يطيع من حيث ما خذل فيه ،وقد سئل الجنيد :أيعصي الولي؟ فأطرق ثم رفع
(و َك000انَ أَ ْمُ 000ر هَّللا ِ قَ000دَراً َم ْق000دُوراً) (األح000زاب :من اآلية )38ومن كالم ابن
رأس000ه وق000الَ :
الفارض:
من ذا الذي ما ساء قط ##ومن له الحسنى فقط.
فأجابه الهاتف بقوله:
محمد الهادي الذي ##عليه جبريل هبط
(قوله لمن أراد أن يصل) أي للذي أراد وصوله لرضاه ومحبته ،ف00أن والفع00ل ،في
تأويل مصدر مفعول أراد ،والجار والمجرور ،متعلق بموفق ،وض00مير أراد عائ00د على هللا
تعالى ،وضمير “ يصل “ عائد على “ من “ فالمعنى إن هللا موفق للش00خص ال00ذي أراد
هللا أن يصل لرضاه عنه ومحبته له.
عليها الفعل ويحصل معها ،وهو مقارنة للفعل ال في القدرة التي هي مناط التكليف.
1الحق أنه ال عالقة للمسألة بتجدد األعراض 0وعدم تجددها ألن الق00درة عن00د األش00عري
مقيدة بكونها مع الفعل فالمتقدمة على الفعل ليس00ت بق00درة عن00ده وام00ا عن00د إم00ام الح00رمين فهي
عبارة عن سالمة األسباب 0واآلالت وهي بهذا المعنى موجودة قبل الفعل ومعه سواء قلنا بتج00دد
األعراض أم لم نقل فعلى الق00ول األول تتج00دد وقت الفع00ل وعلى الق00ول الث00اني 0تس00تمر إلى وقت00ه
وهللا أعلم.
2
الحق أن الكافر مثال وليس بقيد ومثله العاصي فإنه من حيث هو عاص غ00ير موف00ق
بل هو مخ00ذول وق00د يجتم00ع التوفي00ق والخ00ذالن في الش00خص الواح00د ،ك00المؤمن ال00ذي يق00ع من00ه
العصيان 0فيعتبر حينئذ في إطالق االسم الحالة 0الغالب0ة ،ف0الموفق من ك0ان غ00الب 0حاالت00ه الطاع00ة
كما أن المخذول من كان غالب حاالته المعصية اعتب00اراً 0للحال00ة الغالب00ة ،وهك00ذا ينبغي أن يف00رق
بين تفسير التوفيق والخذالن وبين إطالق اسم الموفق والمخذول ،وهللا أعلم.
190
وخاذ ٌل لمن أراد بُعده ##ومنجز لمن أراد وعده -46
ً
وقوله “ وخاذل “ من الخذالن ،معناه لغة :ترك النصرة واإلعانة ،وشرعا :خلق
المعص00ية في العب00د والداعي00ة إليه00ا ،أو خل00ق ق00درة المعص00ية على ال00رأيين في التوفي00ق،
وقوله “ :لمن أراد بعده “ أي للذي أراد بعده عن رضاه ومحبته كما تقدم نظيره( .قوله
ومنجز لمن أراد وعده) أي ومعطي للذي أراد به خيراً ما وعده به على لسان نبيه أو في
كتابه ،فمفعول “ أراد “ محذوف ،و “ وعده “ مفعول “ 0منجز “ والمراد به الموعود
به ،وأشار المصنف بذلك إلى أن وعد هللا المؤم0نين الجن0ة ال يتخل0ف ش0رعا ً قطع0ا ً لقول0ه
تعالىَ ( :و ْع َد هَّللا ِ ال يُ ْخلِفُ هَّللا ُ َو ْعَ 0دهُ) (ال00روم :من اآلية( )6إِنَّ هَّللا َ ال يُ ْخلِ00فُ ا ْل ِمي َع00ادَ) (آل
عمران :من اآلية )9أي الوعد كما قاله بعض المفسرين ،فلو تخلف إعطاء الموع00ود ب00ه
لزم الكذب والسفه والخلف ،والالزم باط00ل فك00ذا المل00زوم ،ف00الخلف في الوع00د نقص يجب
تنزيه هللا عنه ،وهذا متفق عليه عند األشاعرة والماتريدية،
191
{ -109الخالف في جواز تخلف الوعيد من هللا تعالى }
وأما الوعيد فيجوز الخلف فيه عند األشاعرة ،ألن الخلف فيه ال يعد نقصا ً ب0ل يع0د
كرما ً يمتدح به ،كما يشير له قول الشاعر:
وإني إن أوعدته أو وعدته ##لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وق0د اع0ترض ج0واز تخل0ف الوعي0د بل0زوم مفاس0د كث0يرة منه0ا :الك0ذب في خ0بره
تعالى ،وقد قام اإلجماع على تنزه خ00بره تع00الى عن الك00ذب ،ومنه00ا تب00دل الق00ول وق00د ق00ال
ي) (قّ :من اآلية )29ومنها تجويز ع00دم خل00ود الكف00ار في الن00ار تعالىَ ( :ما يُبَ َّد ُل ا ْلقَ ْو ُل لَ َد ّ
وهو خالف ما قامت عليه األدلة القطعية 0من خلودهم فيها،
وأجيب عن األول بأن الكريم إذا أخبر بالوعيد فالالئق بكرم0ه أن يب00ني إخب0اره ب00ه
على المشيئة وإن لم يصرح بها ،فإذا قال الكريم ألعذبن زيداً مثالً فنيته إن شئت ،بخالف
الوعد فإن الالئق به أن يبني إخب00اره على الج00زم ق00ال ص00لى هللا علي وآل00ه وس00لم “ :من
وعده هللا على عمل ثوابا ً فهو منج00ز ل00ه ،ومن أوع00ده على عم00ل عقاب0ا ً فه00و بالخي00ار إن
شاء عذبه ،وإن شاء غف00ر ل00ه) 1وعن الث00اني ب00أن الممن00وع إنم00ا تب00ديل الق00ول في وعي00د
ي) (قّ :من اآلية الكفار أو من لم يرد هللا عنه عفواً فاآلية أعني قولهَ ( :ما يُبَ َّد ُل ا ْلقَ ْو ُل لَ َ 0د ّ
)29محمولة على ذلك ،وعن الث0الث ب00أن ج00واز تخل00ف الوعي0د فيم0ا إذا ك00ان وارداً فيم0ا
يجوز العفو عنه ،فال ينافي خلود الكفار في النار فإنه ال يج00وز العف00و عن الكف00ر ،ق0ال هللا
ش0ا ُء) (النس00اء :من اآلية ش َر َك بِِ 0ه َويَ ْغفُِ 0ر َم00ا دُونَ َذلِ00كَ لِ َمنْ يَ َتعالى( :إِنَّ هَّللا َ ال يَ ْغفِ ُر أَنْ يُ ْ
وب َج ِميعاً) (الزمر :من اآلية)53 )48وهذه اآلية مقيدة لقوله تعالى( :إِنَّ هَّللا َ يَ ْغفِ ُر ُّ
الذنُ َ
وذهبت الماتريدية إلى أنه يمتنع تخلف الوعيد كما يمتن00ع تخل00ف الوع00د ،وال ي00رد
على ذلك أن الوعيد يتخلف في المؤمن المغف00ور ل00ه ،ألن اآلي00ات ال00واردة بعم00وم 0الوعي00د
مخرج منها الم0ؤمن المغف0ور ل0ه ،وأم0ا غ0ير المغف0ور ل0ه ،فالب0د من نف0وذ الوعي0د في0ه؛
فقولهم :ال بد من إنفاذ الوعيد ولو في واحد اآلتي في قوله:
وواجب تعذيب بعض ارتكب ##كبيرة … إلى آخره
إنما يظهر على كالم الماتريدية،
وينبني على الخالف بين األشاعرة والماتريدية أنه يص00ح على ق00ول األش00اعرة أن
تقول :اللهم اغفر لجميع المؤمنين جمي00ع ذن00وبهم ،وال يص00ح ذل00ك على كالم الماتريدي00ة،
فظهر أن الخالف حقيقي 2وإن جعله بعضهم لفظياً ،فتدبر.
1رواه البزار كما في كشف األستار )3235( 0وأبو يعلى ( )3316عن أنس وابن كثير
في التفسير 2/318 0والهيثمي في مجمع الزوائد (.)10/211
2قوله فظهر أن الخالف حقيقي :أقول :التحقيق أن الخالف لفظي ف00إن حاص00ل الخالف
يرجع إلى أن األشاعرة يقولون بجواز الخلف في الوعي00د المعل00ق وإن الماتريدي00ة يقول00ون بع0دم
جوازه في الوعيد المبرم 0،فلم يرد القوالن على محل واح00د ،وام00ا ق00ولهم :الب00د من نف00اذ الوعي00د
ولو في واحد ،فه0ذا أم0ر متف0ق علي0ه 0لقي0ام األدل0ة الس0معية علي0ه فه0و من قبي0ل تع0ذيب الك0افر
وتخليده في النار وال عالقة له بالخالف السابق ،ومثله الدعاء لجمي00ع المؤم00نين بمغف00رة جمي00ع
ذنوبهم .وهللا أعلم.
192
فو ُز السعيد عنده في األزل ##كذا الشقي ثم لم ينتقل -47
(قول00ه ف00وز الس00عيد عن00ده في األزل) “ ف00وز “ مبت00دأ ،و “ في األزل “ متعل00ق
بمحذوف خبر ،والظرف المضاف للض0مير العائ00د على هللا تع00الى متعل0ق بمح00ذوف ح00ال،
والتقدير :فوز السعيد مقدر في األزل حال كونه س00ابقا ً عن00ده تع00الى ،أيَ :علِ َم 0هُ ،ف00المراد
من العندية :العلم ،والفوز ،النجاة والظفر بالخير ،كما في الق00اموس ،واألزل :عب00ارة عن
عدم األولية ،أو عن استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهي00ة في ج00انب الماض00ي،
وإنما قلنا “ مقدرة “ ألنه ال أزمنة في األزل ،فهي مقدرة ال محققة،1
وقوله “ كذا الشقي “ أي شقاؤه عنده في األزل مثل ف00وز الس00عيد ،فليس ك00ل من
فوز الس00عيد وش00قاء الش00قي باعتب00ار الوص00ف الق00ائم ب00ه في الح00ال من اإليم00ان في األول
والكفر في الثاني ،بل باعتبار ما سبق أوالً في علمه تع00الى ،وقول00ه “ ثم لم ينتق00ل “ أي
لم يتحول كل واحد من السعيد والشقي عما سبق أزالً في علمه تعالى.
{ -111للعبد كسب غير مؤثر في فعله عند أهل السنة وبيان المذاهب في ذلك}
2
وعندنا للعبد كسب كلفا ##ولم يكن مؤثرا فلتعرفا -48
5فيه أنه قد منعه بعض العلماء عند قصد التبرك أيضاً ،وعلله ب00أن اإليم00ان ألهميت00ه ال
يجوز قرنه بم0ا ه0و تعلي0ق ص0ورة خوف0ا ً من أن يتع0دى المتم0رن 0علي0ه من ص0ورة التعلي0ق إلى
حقيقته.
1
أي في معنى لفظي السعادة والشقاوة.
{ -110مقالة تاج الدين السبكي في اثبات 0الكسب }
2قوله :وعندنا للعبد كسب كلفا ...الخ ،لإلمام أبي نصر عبد الوهاب تاج ال00دين الس00بكي
في إثبات 0الكسب على طريقة أهل السنة كالم قيم متين في كتابه ( رفع الحاجب عن مختصر ابن
الحاجب )1/462- 0فأردنا أن نورده هنا لنفاس00ته 0ق00ال رحم00ه هللا تع00الى :ولي هن00ا طريق00ة أراه00ا
الصواب ،فاقتصر على ذكرها قائال :ثبت لنا قاعدتان0:
إحديهما :أن العبد غير خالق ألفعال نفسه
والثاني00ة :أن هللا ال يع00اقب إال على م00ا فعل00ه العب00د ،والث00واب والعق00اب واقع00ان على
الجوارح ،فلزمت الواسطة بين القدر والجبر 0،وساعدنا عليها شاهد في الخ00ارج ،وه00و التفرق00ة
الضرورية بين حركة المرتعش والمريد ،فأثبتنا هذه الواسطة ،وسميناها بالكسب لقول0ه تع0الى0:
( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) 0وغير ذلك من اآلي واألخبار ،فإن سئلنا عن التعبير 0عن هذا
195
(قوله وعندنا ..إلخ) الظرف متعلق بالنسبة بين المبتدأ وهو “ كس00ب “ والخ00بر
ه00و الج00ار والمج00رور ،والض00مير في “ عن00دنا “ أله00ل الس00نة والح00ق ،بخالف الجبري00ة
والمعتزلة الم0ردود عليهم0ا فيم0ا س0يأتي ،وق0د أش0ار المص0نف في المتن إلى أن في ه0ذه
المسألة ثالثة مذاهب،1
األول مذهب أه00ل الس00نة ،وه00و أن00ه ليس للعب00د في أفعال00ه االختياري00ة إال الكس00ب،
فليس مجبوراً كما تقول الجبرية ،وليس خالقا ً لها كما تقول المعتزلة،
الكسب بتعريف جامع مانع قلنا 0:ال سبيل لنا إلى ذلك والسالم ،فرب ثابت 0ال تحي00ط ب00ه العب00ارات،
ومحسوس ال تكتنفه اإلشارات.
َ
ومن أصحابنا 0من أخذ يحقق الكسب فوقع في معضل أ ِرب ال قِبَ َل له به.
والصواب عندنا :أن0ه أم0ر ل0زم عن ح0ق فك0ان حق0ا 0،وعض0ده م0ا ذكرن0اه ،فعرفن0اه على
الجملة دون التفصيل.
وما أحسن قول علي بن موسى الرضا 0وقد سئل :أيكلف هللا العباد بم00ا ال يطيق00ون؟ ق00ال:
هو أعدل من ذلك.
قيل :أفيستطيعون أن يفعلوا ما يريدون ؟ قال :هم أعجز من ذلك.
وعلي الرضا هو ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الب00اقر بن زين العاب00دين0
بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب-رضي هللا تع00الى 0عنهم -وه0ذا ال00ذي قال00ه عين م0ذهبنا0
فافهمه.
وهو قبل األشعري وفاة بما ينيف على مائة وعشرين سنة ،فإن00ه م00ات بـ(ط00وس) س00نة
ثالث ومائتين– 0قبل الشافعي بسنة -واألشعري مات بعد العشرين 0وثلثمائة.
فإن قلت:وأي برهان قام على إبطال القدر والجبر.
قلت :نحن نشير إلى زب0دة الق0ول في0ه فنق0ول:ق0د تق0رر عن0د ك0ل ذي لب أن ال0رب تع0الى0
مط00الب عب00اده بأعم00الهم في ح00الهم،وم00ثيبهم ويع00اقبهم عليه00ا في م00آلهم ،وت00بين بالنص00وص
المترقية عن درجات التأويل أنهم من الوفاء بما كلفوه بسبيل.
ومن نظر في كليات 0الش00رائع ،وم00ا فيه00ا من اإلس00تحثاث على المكرم00ات والزواج00ر عن
الموبقات 0،وما اشتملت عليه من وعد الطائعين بالزلفى 0،ووعي0د العاص0ين بس0وء المنقلب 0،وم0ا
تضمنه قوله تعالى 0:تعديتم وعصيتم وأبيتم ،وقد أرخيت لكم الطول وفسحت لكم المهل؛ فأرسلت
الرسل وأوضحت السبل لئال يكون للن00اس 0على هللا حج00ة ،وأح00اط ب00ذلك كل00ه ،ثم اس00تراب 0في أن
القول بالجبر باطل فهو مصاب 0في عقله 0،أو ملقى من التقليد في وهدة من جهله.
فإن أخذ الجبري بقول ( :ال يسأل عما يفعل وهم يسألون ) [سورة األنبياء] 23 :
قيل له :كلمة حق أريد بها باطل ،نعم يفعل هللا ما يش00اء 0،ويحكم م00ا يري00د ،ولكن يتق00دس
عن الخلف ونقيض الصدق ،وقد فهمنا بضرورات 0العقول من الشرع 0المنق00ول أن0ه ع00زت قدرت0ه
طالب عباده بما أخبر أنهم متمكنون من الوفاء به ،فلم يكلفهم إال على مبلغ الطاقة والوسع ،فقد
الح إبطال القول بالجبر.
وأس00فه من00ه الق00ول بخل00ق األفع00ال ،ف00إن في00ه مروق00ا عم00ا درج علي00ه األول00ون ،واقتح00ام
ورطات الضالل 0،ولزوم ح0دوث الفع00ل الواح0د بق0ادرين ،وم0دانات 0الق00ول بش00ريك الب0اري ،ولق0د
أجمع المسلمون قاطبة قبل ظهور البدع واآلراء ،وإجتماع أصحاب 0األهواء على أنه ال خالق إال
هللا ،وفاهوا به كما فاهوا بقولهم :الإله إال هللا ،وتمدح الرب س00بحانه وتع00الى في آي من الكت00اب0
196
الثاني مذهب الجبري0ة :وه0و أن العب0د ليس ل0ه كس0ب ب0ل ه0و مجب0ور أي مقه0ور
كالريشة المعلقة في الهواء تقلبها الرياح كيف شاءت،
الثالث مذهب المعتزلة :وهو أن العب00د خ00الق ألفعال00ه االختياري00ة بق00درة خلقه00ا هللا
فيه ،ولقولهم بقدرة خلقها هللا فيه لم يكفروا على األص00ح ،فالجبري00ة أفرط00وا ،والمعتزل00ة
فرطوا ،وتوسط أهل السنة ،وخير األمور أوساطها ،فخرج مذهبهم من بين فرث ودم لبنا ً
خالصا ً سائغا ً للشاربين.
فإن قيل :قد قام البرهان على وجوب استقالله تعالى باألفعال والمق00دور الواح00د ال
يدخل تحت قدرتين 1كما يس00تلزمه إثب00اتكم للعب00د كس00باً :أجيب بأن00ه لم00ا ثبت بالبره00ان أن
الخ00الق ه00و هللا س00بحانه وتع00الى ،وبالض00رورة أن لق00درة العب00د م00دخالً في بعض األفع00ال
كحركة البطش ،دون البعض كحركة االرتعاش ،احتجنا في التخلص عن هذا المضيق بأن
هللا خالق للفعل ،لكن للعبد في االختياري منه كسب ،والمقدور الواحد يدخل تحت ق00درتين
بجهتين مختلف00تين ،في00دخل تحت ق00در هللا تع00الى بجه00ة الخل00ق ،وتحت ق00درة العب00د بجه00ة
الكسب.
(قوله للعبد) المراد به كل مخلوق يصدر عنه فعل اختياري ،قال المصنف :فيشمل
حنين الجذع بالمقدور ،2ومشي الشجر ،وتسبيح الحصى ،وهذا يقتض00ي أن مث00ل ذل00ك من
محل الخالف فلينظر،3
{ -112تعريف الكسب }
وقوله “ كسب “ هو “ تعلق القدرة الحادثة “ ،وقيل :هو اإلرادة الحادثة4؛ ف00إن
األم00ور األربع00ة :إرادة س00ابقة ،وق00درة وفع00ل مقترن00ان ،وارتب00اط بينهما ،5فعلى تفس00ير
بقوله ( :أفمن يخلق كمن ال يخل00ق) [ س00ورة النح00ل ( .]18 :ه00ل من خ00الق غ00ير هللا ) [ س00ورة
الفاطر ( ]30:وخلق كل شيء ) [ سورة األنعام.]101 :فال يشك لبيب أن من وصف نفسه بكون00ه
خالقا 0على الحقيقة 0فقد أعظم الفرية على ربه
فلقد وضح كالشمس أن الجبري مبط00ل ل00دعوة األنبي00اء عليهم الس00الم ،والق00دري مثبت
لربه شريكا .وهذه جملة ال يقنع بها الطالب 0للبسط ،وفيه00ا رم00ز إلى خالص00ة م00ا يقول00ه علمائن0ا0
رضي هللا تعالى عنهم.
1حيث صرح بمذهب أهل السنة ،وأشار بقوله :كسب إلى مذهب الجبرية القائلين بنفي
الكسب ،وبقوله :ولم يكن مؤثرا إلى مذهب المعتزلة القائلين بالتأثير.
1قد تقدم االستدالل على هذا في مبحث الوحدانية.
2قوله :بالمقدور .ال يظهر له معنى وهو غير موجود في حاشية األمير.
3قوله فلينظر 0:الذي ينظر يظهر له أنها ليست 0من محل الخالف وأن هللا تعالى قد خلق
هذه األمور على سبيل خرق العادة بدون كسب لمحل الفعل فيه.
4أي العزم على الفعل وتوجيه القصد إليه المقرون بالفعل ويسمى العزم المص َّمم وهذا
هو مذهب الماتريدية واألول مذهب األشاعرة وصدر الشريعة على أن تعلق القدرة أثر ق00درة هللا
عند األشاعرة ،وأثر قدرة العبد عند صدر الشريعة.
5وهو تعلق القدرة بالفعل.
197
الكس00ب به00ذا االرتب00اط وه00و تعل00ق الق00درة بالمق00دور 1ليس مخلوق00اً ،ألن00ه من األم00ور
االعتبارية ،وعلى تفسيره باإلرادة الحادثة يكون مخلوقاً .وقد عرف00وا الكس00ب بتع00ريفين،
األول :أنه ما يقع به المقدور من غ0ير ص0حة انف0راد الق0ادر به: “ 2أي ارتب0اط وتعل0ق أو
إرادة على ما سبق من القولين يقع المق00دور ،كالحرك00ة متلبس0ا ً ومص00حوبا ً به ،3من غ00ير
صحة كون القادر-وهو العبد-ينف00رد ب00ذلك المق00دور ،ب00ل ومن غ00ير ص00حة المش00اركة إذ ال
تأثير منه بوجه ما ،وإنما له مجرد المقارنة والخالق الحق منفرد بعموم التأثير.
الثاني “ :أنه ما يقع به المقدور في محل قدرته “ :4أي ارتب00اط وتعل00ق أو إرادة،
على ما م0ر من الق0ولين يق0ع المق0دور ،كالحرك0ة متلبس0ا ً ومص0حوبا ً ب0ه ،ح0ال ك0ون ه0ذا
المقدور في مح00ل قدرت00ه كالي00د ،وقول00ه “ :كلف00ا “ ألف00ه لإلطالق ،وه00و مب00ني للمفع00ول،
ونائب الفاعل ضمير يعود على العبد ،واألصل :كلفه هللا ،أي ألزمه ما فيه كلف00ة ،أو طلب
منه ما في00ه كلف00ة ،على الخالف من تفس00ير التكلي00ف؛ ويفهم من إثب00ات الكس00ب ال00ذي ه00و
سبب في التكليف :رد مذهب الجبرية
(قوله ولم يكن مؤثراً فلتعرفا) هذه النسخة هي التي أصلحها المص00نف رحم00ه هللا
ض ِة ،وهي أحسن من المتداولة التي كتبها أوالً في تأليفه وهي: تعالى في ال ُمبَيَّ َ
وعندنا للعبد كسب كلفا ##به ولكن ال يؤثر فاعرفا
ولما شرح هذا البيت شرح على النس00خة المتداول00ة لغيب00ة النس00خة ال00تي أص00لحها
عنه ،ولذلك ،قال :وما منعني أن أشرح عليها إال غيب00ة األص00ل ع00ني ،كم00ا نب00ه على ذل00ك
بِطَُّ 0ر ِة أص00له :أي إال غيب00ة األص0ل المص0لح عن00ه عن0د إرادت00ه لش0رح ه0ذا ال00بيت ،ووج0ه
األحسنية :أنه ال محل لالستدراك فإنه يساق ل00دفع م00ا يت00وهم ثبوت00ه أو إلثب00ات م00ا يت00وهم
نفيه كما في قولهم :زيد شجاع لكنه ليس بكريم ،وكما في قولهم :زيد جب00ان لكن00ه ك00ريم،
وهنا ال يتوهم ثبوت التأثير من التعبير بالكسب ،ألن اصطالحهم أن الكسب ال ت00أثير فيه5؛
1قوله" :بل له اختيار" أي ظاهراً كما يدل عليه ما بعده ،وهذا االختيار 0غ00ير الكس00ب،
ألن معناه ما سيأتي 0في الكالم على وجوب الصالح 0واألصلح :كونه إن شاء فعل وإن شاء ت00رك،
ومحصله أن االختيار 0هو التمكن من الفعل والترك ،وهذا غير الكسب قطعا ً إال أنه الزم ل00ه ،فمن
أثبت الكس000ب أثبت االختي000ار 0الظ000اهري ومن نف000اه –وهم الجبري000ة 0-نفي االختي000ار 0الظ000اهري.
أجهوري.
200
ما حيلة العبد واألقدار جارية ##عليه في كل حال أيها الرائي
ألقاه في اليم مكتوفا ً وقال له ##إياك إياك أن تبتل بالماء
وأجابه بعض أهل السنة بقوله:1
إن حفه اللطف لم يمسسه من بلل ##ولم يبال بتكتيف وإلقاء
وإن يكن قدر المولى بغرقته ##فهو الغريق ولو ألقي بصحراء
والواجب اعتقاده :أن بعض أفعاله صادر باختياره والبعض اآلخر باضطراره ،لما
يجده كل عاقل من الفرق الضروري بين حركة البطش وحركة المرتعش
(قوله وليس كالً يفعل اختياراً) أي وليس العبد يفعل كل فعل حال ك00ون ذل00ك الفع00ل
اختي00اراً ،فـ “ كال “ مفع00ول لـ “ يفع00ل “ مق00دم علي00ه ،و “ يفع00ل “ بمع00نى يخل00ق،
فالمعنى :ليس العبد يخلق كل فع00ل من أفعال00ه االختيارية ،2وظ00اهر ذل00ك أن00ه يخل00ق بعض
أفعاله االختيارية ،ألن القاعدة أن00ه إذا تق00دمت أداة الس00لب على أداة العم00وم أف00ادت س00لب
العموم ،كما في قولهم :لم آخ00ذ ك00ل ال00دراهم ،م00ع أن الم00راد أن00ه ال يخل00ق فعالً أب00داً ،وق00د
يق0ال :قول0ه “ ولم يكن م00ؤثراً “ قرين00ة على المع0نى الم0راد ،والقاع0دة أغلبي0ة ال كلي00ة،
0ال فَ ُخ 0و ٍر) (الحدي00د:
فالمراد هنا عموم السلب ،كما في قوله تعالىَ ( :وهَّللا ُ ال يُ ِح ُّب ُك َّل ُم ْختٍَ 0
من اآلية )23وغرض المصنف بذلك التصريح ب00الرد على المعتزل00ة في ق00ولهم :إن العب00د
يخلق أفعال نفسه االختيارية ،وإنما صرح بالرد على كل من الجبري00ة والمعتزل00ة في ه00ذا
البيت مع فهم ال0رد على ك0ل منهم من ال0بيت قبل0ه ،كم0ا تق0دم التنبي0ه علي0ه ،ألن الق0وم ال
يكتفون في مقام رد المذاهب الفاسدة إال بالتصريح
1قوله" :وأجابه بعض أهل السنة ..إلخ" وأجاب بعضهم أيضاً 0بقوله:
ال يسأل هللا عن أفعاله أبداً ##فهو الحكيم بحرمان 0وإعطاء
يخص بالفضل أقواما ً فيرحمهم ##وضد ذلك ال يخفى على الرائي
"قوله أيضا ً وأجابه بعض أه00ل الس00نة ..إلخ" ه0ذا الج00واب ال يظه00ر ب00ل ك00ان الظ00اهر
الج00واب بالتفرق00ة بين المكل00ف وبين من ألقى في اليم مكتوف0اً ،ونهي عن أن يبت00ل ب00أن للمكل00ف
اختياراً 0ظاهرياً 0وكسبا ً وال كذلك المكتوف .أجهوري.
2ه00ذا المع00نى مب00ني على أن الم00راد بقول00ه "كال" أفعال00ه اإلختياري0ة 0بقرين00ة أن الكالم
عليها 0،فقوله :يخلق مأخوذ من قول المصنف :اختيارا ً.وأما لو أريد بكال مطل00ق األفع00ال فيك00ون
المعنى وليس العبد يفعل كل أفعاله باختياره بل يفعل بعضها باختياره والبعض اآلخ00ر باض00طرار0
كحركة المرتعش 0،والمق0ام يعين المع0نى األول ألن الكالم على األفع0ال االختياري0ة 0ال على مطل0ق
األفعال .ومقصود المصنف أن يقول :إن العبد مع أنه مختار ليس خالقا ألفعاله اإلختياري00ة .وهللا
أعلم.
201
{ -113إثابة هللا تعالى الطائع بفضله وعقابه العاص بعدله }
50فإن يثبنا فبمحض الفضل ##وإن يعذب فبمحض العدل
(قوله فإن يثبنا … إلخ) مفرع على ما تقدم من وجوب انفراده تعالى بخلق أفع00ال
العب00اد ،وأن00ه ليس لهم فيه00ا س00وى الكس00ب ،ووج00ه التفري00ع أن00ه لم يحص00ل منهم خ00ير
يستحقون به ثواباً ،وال شر يستحقون ب00ه عقاب0اً ،فالف00اء للتفري00ع ،ويص00ح أن تك00ون ف00اء
الفصيحة ،ألنها أفص00حت عن ش00رط مح00ذوف ،والتق00دير :إذا علمت انف00راده تع00الى بخل00ق
أفعالنا خيراً كانت أو شراً فإن يثبنا ..إلخ.
{تنبيه} اتفقوا على أن بني آدم مث00ابون ومع00اقبون ،وأم00ا المالئك00ة فس00يأتي الكالم
في إثابتهم عند قول المصنف (بكل عبد حافظون وكلوا) وأما الجن فقد اتفق العلماء على
أن ك00افرهم مع00ذب في اآلخ00رة ،واختل00ف في م00ؤمنهم على أق00وال ،فقي00ل :إنهم ك00اإلنس
فيثابون على الطاعة ،ويعاقبون على المعصية ،وقي0ل :ال ث0واب لهم إال النج0اة من الن00ار،
ثم يقال لهم كونوا ترابا ً كالبهائم ،وقيل :يكون00ون في ربض الجن00ة ي00راهم اإلنس من حيث
202
ال ي00رونهم عكس م00ا ك00انوا علي00ه في ال00دنيا ،وقي00ل :يكون00ون في األع00راف ،ذك00ره الجالل
السيوطي مع ما يشهد لكل من األحاديث اهـ شنواني بتصرف.
(قول00ه فبمحض الفضل )1أي فإثابت00ه لن00ا إنم00ا هي بفض00له المحض :أي الخ00الص،
فاإلضافة في كالمه من إضافة الصفة للموصوف ،ومعنى الفض00ل المحض :اإلعط00اء عن
اختيار كامل ال عن إيجاب ،بحيث يثيبن00ا وال اختي00ار ل00ه في اإلثاب00ة أب00داً لكون00ه عل00ة تنش00أ
عنه0ا معلوالته00ا من غ0ير اختي0ار له00ا كم0ا يق00ول الحكم0اء ،وال عن وج00وب بحيث تص00ير
اإلثابة مستحقة الزمة يقبح علي00ه تع00الى تركه00ا ،فيثيبن00ا باختي00اره لكن م00ع الوج00وب كم00ا
يقوله المعتزلة ،فمذهب أه00ل الس00نة أن إثابت00ه تع00الى لن00ا بالفض00ل الخ00الص غ00ير مش00وبة
بإيجاب وال وجوب ،فقولنا “ بالفضل “ رد لكالم الحكماء وقولنا “ الخ00الص “ رد لكالم
المعتزلة ،ويدل لمذهب أهل السنة أن طاعات العبد وإن كثرت ال تفي بشكر بعض م00ا أنعم
هللا به عليه فكيف يتصور استحقاقه عوضا ً عليها؟.
1قوله :وإن يثبنا فبمحض الفضل...إلخ أقول :هذا األصل من األصول الص00حيحة ال00تي
أخذها األشاعرة من الكتاب 0والسنة
أما الكتاب فقوله تعالى( :يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء)
قال ابن كثير في التفسير ( )3/419وقوله تع00الى (يع00ذب من يش00اء ويغف00ر لمن يش00اء)
أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ال معقب لحكمه وال يسأل عما يفع00ل
وهم يسئلون 0،فله الحكم واألمر ،مهما فعل فعدل ألنه المالك الذي ال يظلم مثقال ذرة كما جاء في
الحديث الذي رواه أهل السنن( 0:إن هللا لو عذب أه00ل س00ماواته وأه00ل أرض00ه لع00ذبهم وه00و غ00ير
ظالم لهم) انتهى.
وأما السنة فقوله صلى هللا تعالى 0علي وآله وسلم فيم00ا رواه الش00يخان 0عن أبي هري00رة
رضي هللا تعالى عنه (لن ينجي أحدا منكم عمله) قالوا :وال أنت يا رسول هللا؟ قال (وال أنا إال أن
يتغمدني هللا برحمة .سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القص00د تبلغ00وا)
وكذلك الحديث الذي أورده ابن كثير
قال الحاف00ظ العس0قالني 0في الفتح الب0اري()11/2970تعليق00ا على قول0ه ص0لى هللا تع0الى0
عليه وآله وسلم( :لن ينجي أحدا منكم عمله) :قال الم00ازري :ذهب أه00ل الس00نة إلى أن إثاب00ة هللا
تعالى من أطاعه بفضل منه ،وك00ذلك انتقام0ه 0ممن عص00اه بع00دل من00ه ،وال يثبت 0واح00د منهم00ا إال
بالسمع ،وله سبحانه أن يعذب الطائع وينعم العاصي ،ولكنه أخبر أنه ال يفعل ذلك وخبره ص00دق
ال خل00ف في00ه وه00ذا الح00ديث يق00وي مق00التهم وي00رد على المعتزل0ة 0حيث أثبت00وا بعق00ولهم أع00واض
األعمال ،ولهم في ذلك خبط كثير وتفصيل طويل.
وقال الحافظ في الكالم على قوله صلى هللا عليه وسلم( :هذا أثنيتم عليه خ00يرا ف00وجبت
ل00ه الجن00ة) ( :)3/229والم00راد ب00الوجوب الثب00وت 0إذ ه00و في ص00حة الوق00وع كالش00يء ال00واجب
واألصل أنه ال يجب على هللا شيء ،بل الثواب 0فضله والعقاب عدله ال يسأل عما يفعل انتهى.
فهذه شواهد الكتاب 0والسنة وأقوال األئمة شاهدة لما قاله األشاعرة.
203
1
(قوله وإن يعذب فبمحض العدل) أي وإن يعذبنا فتعذيبه إنما ه00و بالع00دل المحض
أي الخالص ،فاإلضافة في كالمه من إض00افة الص00فة للموص00وف كم00ا في نظ00يره ،ومع00نى
العدل المحض :وضع الشيء في محله من غير اعتراض على الفاعل ضد الظلم الذي هو
وضع الشيء في غير محله مع االعتراض على فاعله.
حكي عن الشيخ عفيف الدين الزاه00د أن00ه ك00ان بمص00ر ،فبلغ00ه م00ا وق00ع ببغ00داد من
القتل ،فإنه وقع السيف فيها أربعين يوما ً فقتل ألف ألف ،وعلقت النصارى المصاحف في
أعن00اق الكالب ،وجعل00وا 0المس00اجد كن00ائس ،وألق00وا 0كتب األم00ة في الدجلة ،2ح00تى ص00ارت
كالجسر تمر الخيل عليها ،فأنكر الشيخ عفيف الدين ذل00ك وق00ال :ي00ا رب كي00ف ه00ذا وفيهم
األطفال ،ومن ال ذنب له؟ فرأى في النوم رجالً ومعه كتاب فأخذه فإذا فيه:
دع االعتراض فما األمر لك ##وال الحكم 0في حركات الفلك
وال تسأل هللا عن فعله ##فمن خاض لجة بحر هلك
وبالجملة فهو سبحانه وتعالى ال تنفع0ه طاع0ة وال تض0ره معص0ية ،والك0ل بخلق0ه،
فليس00ت الطاع00ة مس00تلزمة للث00واب ،وليس00ت المعص00ية مس00تلزمة للعق00اب ،3وإنم00ا هم00ا
أمارتان :تدالن على الثواب لمن أطاع ،والعقاب لمن عصى ،حتى لو َع َكس 4داللتهما بأن
قال :من أطاعني عذبته ومن عصاني أثبته لكان ذلك منه حسناً ،فال حرج عليه ،ال يس00أل
1قوله "بالعدل المحض" وصف العدل بأنه محض لبيان 0الواقع ،ألن عدل هللا ال يك00ون
إال محضاً ،وقوله" :ومعنى العدل المحض" األولى إسقاط "المحض" 0ألن ما ذكره معنى للع00دل
بقط00ع النظ00ر عن كون00ه محض 0ا ً وعب00ارة المص00نف في ش00رحه :ومع00نى الع00دل ،ولم ي00ذكر لف00ظ
المحض ،والمقصود بقول المصنف" وإن يعذب فبمحض العدل" الرد على المعتزل00ة في ق00ولهم
بوجوب تعذيب العاصي ،كقولهم بوج00وب إثاب00ة الط00ائع 0،وبن00وا ذل00ك على قاع00دتهم من أن العب00د
يخلق أفعال نفسه االختيارية التي منها الطاعة 0والمعصية ،وأما أهل السنة فقاعدتهم أن هللا ه00و
الخالق لألفعال كله00ا ومنه00ا الطاع0ة 0والمعص00ية ،وبن00وا على ذل00ك أن اإلثاب00ة بالفض00ل والتع00ذيب
بالعدل وليسا واجبين عليه تعالى .يفهم ذلك كله من شرح صاحب 0المتن .أجهوري.
2الصواب 0في دجلة بدون أل
3قول00ه" :فليس00ت 0الطاع00ة … 0إلخ" أي إن الطاع00ة 0ال ت00وجب على هللا إثاب00ة ،وك00ذا
المعصية ال توجب على هللا عقاباً 0،وهذا هو عين ما في المتن.
4قول0ه" :ح00تى ل0و عكس داللتهم00ا … إلخ" ه0ذا تفري00ع على قول00ه "فليس00ت الطاع0ة0
مس00تلزمة للث00واب … 0إلخ" وقول00ه "إنم00ا ه00و أمارت00ان … إلخ" جمل00ة معترض00ة بين التفري0ع0
والمفرع عليه ،ثم المتبادر من عكس الداللة أن هلل تعالى أن يرجع عن وعد المطيع بالثواب 0إلى
وعده بالعذاب ،وأن له أن يرجع عن وعده العاصي 0بالعقاب إلى وعده بالثواب ،وه00ذا م00ع كون00ه
غير ظاهر في نفسه ال يظهر تفريعه على ما تقدم من أن الطاعة ال تستلزم الثواب والمعص00ية ال
تستلزم العقاب 0،بل الظاهر أن يقال بدله ،حتى لو عذب هللا المطيع وأث00اب العاص00ي لك00ان 0حس00ناً0،
فإن كان هذا مراده بعكس الداللة كان التفريع 0ظاهراً أجهوري.
204
عما يفعل .وهذا كله بحسب العقل ،1وأما بحسب الشرع 2فال يجوز خلف الوعد ،ألنه سفه
وهو يستحيل عليه تعالى ،وأما الوعي00د فيج00وز الخل00ف في00ه ألن00ه ك00رم وفض00ل ،كم00ا تق00دم
تحقيق ذلك.
1قول00ه" :وه00ذا … إلخ" اإلش00ارة إلى م00ا قدم00ه من أن الطاع00ة ال تس00تلزم الث00واب0
والمعصية ال تستلزم العقاب مع ما فرعه عليه 0بقول00ه "ح0تى ل00و عكس داللتهم0ا" بن0اء 0على أن
المراد بعكس الداللة أن هلل تعالى أن يعذب المطيع ول00ه أن ي0ثيب العاص0ي 0وأم00ا قول00ه فيم00ا تق0دم
"وإنم00ا هم00ا أمارت00ان … 0إلخ" فليس بالعق00ل ب00ل ه00و أم00ر ش00رعي كم00ا ال يخفى ،ول00و أس00قطه
وأوصل التفريع بالمفرع 0عليه 0لكان أظهر ،والمحشي تابع في هذا كله للش00يخ عب00د الس00الم ،ه00ذا
ما ظهر بعد التأمل .أجهوري.
2قول00ه" :وأم00ا بحس00ب الش00رع ..إلخ" تلخص من أول كالم00ه إلى آخ00ره أن تع00ذيب
المطيع جائز عقالً أي بالنظر 0إلى الدليل العقلي ،وهو "أنه لم يخلق الطاعة 0حتى يس00تحق عليه0ا0
ثواباً" ممتنع شرعاً 0،ألن فيه خلف الوعد وهو نقص ،والنقص 0على هللا تعالى محال ،وأما إثاب0ة
العاصي فهو جائز :أي بالدليل العقلي 0،وهو أنه لم يخلق المعص00ية ح00تى يس00تحق عليه0ا 0عقاب0اً0،
وكذا شرعاً ،ألن خلق الوعيد جائز 0شرعاً 0،وهو صادق باإلثابة .أجهوري.
205
(قوله وقولهم ..إلخ) 1ه0ذا علم مم0ا تق0دم من أن0ه يج0وز في حق0ه فع0ل ك0ل ممكن
وتركه ،2لكن لما كان خطر الجهل في ه0ذا الفن عظيم0ا ً لم يكت00ف في00ه إال بالتص00ريح ،و “
قولهم “ مبت00دأ وخ00بره “ زور “ والض00مير عائ00د على المعتزل00ة وإن لم يتق00دم لهم ذك00ر
لشهرة هذا المذهب 3عنهم ،وجملة قوله “ إن الصالح واجب عليه مقول “ قولهم “
واعلم أن للمعتزلة عبارتين ،األول :وجوب الصالح ،والمراد ب00ه م00ا قاب00ل الفس00اد
كاإليمان في مقابلة الكفر ،فيقولون :إذا كان هنال00ك أم0ران أح00دهما ص0الح واآلخ0ر فس00اد
وجب على هللا أن يفعل الصالح منهما دون الفساد ،والثانية وجوب األصلح ،والم00راد ب00ه
هذا األصلح لهم وجب فوت األصلح له ،ولعله كان في نسله ص00لحاء 0ك00ان األص00لح ل00ه إيج00ادهم،
فلرعاية الكثيرين 0فات األصلح له.
وهذا القول مردود بأنه يلزم عليه منع النف00ع عمن ال جناي0ة 0ل00ه إلص00الح غ00يره ،وه00و
ظلم عنده ،فإن مذهبهم وجوب األصلح بالنسبة 0إلى الشخص ال بالنسبة 0إلى الك00ل من حيث الك00ل
كما ذهب إليه الفالسفة 0في "نظام العالم" كما في "شرح العضدية" وغيره.
وبه00ذا ين00دفع م00ا ح00اول أب00و الحس00ين البص00ري دف00ع اإلل00زام ب00ه عن الجب00ائي من أن
المعتزلة دفع اإللزام المذكور بأن 0إماتته للصغير في صغره للعلم بأنه لو بلغ لكف00ر وأض00ل غ00ير،
فإماتته لمصلحة 0الغير سيما إذ كان الغير 0كثيرا لظه00ور رجحان00ه 0،وليس في إبق00اء العاص00ي ذل00ك
ألن0ه لم يكن من المض0لين فيل0زم على م0ا س0وغ ب0ه إمات0ة الص0بي من0ع النف0ع 0عمن ال جناي0ة ل0ه
إلصالح غيره ،ويلزم عليه وعلى ما سوغ به إبقاء العاصي 0أنه ك00ان يجب على هللا تع00الى إمات00ة
أئمة الكفر الذين يسعون في إضالل الناس 0ونشر الفساد في األرض قبل البلوغ 0إلصالح كثير من
العالمين ،مع أن هللا تعالى 0قد أمهلهم وأملى لهم.
1هذا إنما يكون رداً على معتزلة البصرة ال على معتزلة بغداد.
2الح00ديث أخرج00ه مس00لم ب00رقم ( )2956والترم00ذي في الزه00د ب00رقم ( )2324عن أبي
هريرة وقال :حديث حسن صحيح ،وأخرجه البزار (.)3645
208
-52ألم يروا إيالمه األطفاال ##وشبهها فحاذر المحاال
(قوله :ألم يروا ..إلخ) هذا تنبيه على فساد م00ذهبهم والرؤي00ة بص00رية ،ويحتم00ل
أن تكون علمية واألول أبلغ لمزيد التشييع عليهم ،وهم حقيقون بذلك ،خصوص 0ا ً في ه00ذا
المقام فإن فيه غاي00ة إس00اءة األدب ،وقول00ه “ إيالم00ه “ مفع00ول “ ي0روا “ وعلى جعله00ا
209
علمية يكون المفعول الثاني محذوفا ً تقديره حاص0الً مثالً ،وعلى جعله00ا بص0رية ال تحت0اج
إلى مفعول ثان،
واعترض بأن اإليالم عبارة عن تعلق القدرة باأللم.
وهو ال يرى ،وأجيب بأنه على حذف مضاف ،والتق00دير :أث00ر إيالم00ه ،وذل00ك األث00ر
هو األلم ،وقوله “ األطفاال “ مفعول اإليالم ،ألن0ه مص0در مض0اف لفاعل0ه وه0و الض0مير
العائ0د على هللا ،فاألص0ل إيالم هللا األطف0ال ،وحكم0ة إيالم األطف0ال 1حص0ول الث0واب علي0ه
ألبويهم ،ألن ذلك من المصائب ال00تي يث00اب الش00خص عليه00ا ،وله00ذا ق00ال إم00ام الح00رمين:
شدائد الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها ،ألنها نعم حقيقة.
(قوله وشبهها) أي كالدواب والعجزة ،2ف00إنهم ال نف00ع لهم في إن00زال األس00قام بهم،
ش ِدي ُد ا ْل ِم َحا ِل)
(وه َُو َ
وقوله “ فحاذر المحاال “ بكسر الميم بمعنى العقاب ،قال هللا تعالىَ :
(الرعد :من اآلية )13ويصح قراءته بفتح الميم بمعنى الش00ك ،وبالض00م بمع00نى الممتن00ع،
ف00المعنى على األول :فاح00ذر عق00اب هللا الن00ازل بهم على إض00اللهم ،وعلى الث00اني :فاح00ذر
الشك في ذلك ،وعلى الثالث :فاحذر الممتنع ،وهو وجوب شيء عليه تعالى.
1قوله :وغرض المصنف إلخ قد اعتاد كث0ير من المت00أخرين حينم0ا يتكلم0ون على كالم
يصلح أن يكون رداً لرأي أو مذهب أن يقولوا والغرض ال00رد على ك00ذا وه00ذا ليس بص00حيح على
عمومه ألن معظم ه00ذا الن00وع من الكالم المقص00ود من00ه تقري0ر 0المس00ائل وبيانه00ا فالمقص00ود هن00ا
تقرير العقيدة اإلسالمية بالنسبة 0إلى القضاء والقدر نعم هذا التقرير يتضمن ال00رد على المخ00الف
وأما أن يكون المقصود من الكالم الرد عليه فليس بصحيح وهللا أعلم.
212
واإليمان بالقضاء والقدر يس00تدعي الرض00ا بهم00ا فيجب الرض00ا بالقض00اء والق00در،
واستشكل بأنه يلزم على ذلك الرضا بالكفر والمعاصي ،ألن هللا قضى بهما وق0درهما على
الشخص ،مع أن الرضا بالكفر كفر ،وبالمعاصي معصية ،وأجيب بم00ا قال00ه الس00عد من أن
الكفر والمعاصي مقضي ومقدر ال قضاء وال قدر ،وال0واجب الرض0ا ب0ه إنم0ا ه0و القض0اء
والق00در ال المقض00ي والمق00در ،وفي00ه أن00ه ال مع00نى 1للرض00ا بالقض00اء والق00در إال الرض00ا
بالمقضي والمقدر ،والذي حققه 0الخيالي في حاشيته :أن الكفر والمعاص00ي لهم00ا جهت00ان،
جهة كونهما مقضيين ومقدرين هلل ،وجهة كونهما مكتسبين للعبد ،فيجب الرضا بهما من
الجهة األولى ال من الثانية.
{ -119االحتجاج بالقضاء والقدر }
واعلم أن00ه وإن وجب اإليم00ان بالق00در ولكن ال يج00وز االحتج00اج ب00ه قب00ل الوق00وع
توصالً إليه بأن قال شخص :قدر هللا علي الزنا ،مثالً؛ وغرضه بذلك التوصل إلى الوقوع
في الزنا ،أو بعد الوقوع تخلصا ً من الحد ،أو نحوه بأن وقع شخص في الزنا مثالً ،وقال:
قدر هللا عل ّي ذلك ،وغرضه به التخلص من الح00د ،وأم00ا االحتج00اج ب00ه بع00د الوق00وع ل00دفع
الل00وم فق00ط فال ب00أس 2ب00ه ،ففي الح00ديث الص00حيح( :إن روح آدم التقت م00ع روح موس00ى
عليهما الصالة والسالم فقال موسى آلدم :أنت أبو البشر الذي كنت س00ببا ً إلخ00راج أوالدك
من الجنة بأكلك من الشجرة فقال آدم :يا موسى ،فأنت الذي اصطفاك هللا بكالمه وخط لك
التوراة بيده تلومني على أمر قد قدره هللا عل ّي قب00ل أن يخلق00ني ب00أربعين أل00ف س00نة ،ق00ال
النبي صلى هللا عليه وآله وسلم :فحج آدم موسى “ 3أي غلبه بالحجة،
{ -120تعريف كل من القضاء والقدر }
( 1قوله" :وفيه أنه ال معنى … إلخ") :هذا اإلشكال غير ظ00اهر ،ألن الرض00ا بالقض00اء
والقدر غير الرضا 0بالمقضي والمقدر ،ألن معنى الرضا بالقضاء والقدر ،أن ال يع00ترض على هللا
في قضائه وقدره ،ويعتقد أن00ه لحكم00ة وإن كن00ا ال نعلمه00ا ،وذل00ك يج00امع ع00دم الرض0ا 0بالمقض0ي0
والمقدر بأن يعترض على الكافر في اختياره الكفر واكتسابه له ،فه00ذا الج00واب عن00د التأم00ل ه00و
عين جواب الخيالي اآلتي ،فالتفرقة بينهما غير ظاهرة .أجهوري.
"قول00ه :وفي00ه أن ال مع00نى …إلخ" :في00ه أن الرض00ا بالقض00اء والق00در غ00ير الرض00ا
بالمقضي 0والمقدر فإن معناه أن ال يعترض على قضائه وقدره العتق0اده أنهم0ا موافق0ان لحكمت0ه
تعالى ،نعم هذا يستلزم الرضا بالمقضي والمقدر لكن من حيث أنهما مقض00ي ومق00در ال من حيث
ذاتهما واإلشكال وارد على الرضا بهما من حيث ذاتهما ،وهذا الالزم ه00و م00ا أج00اب 0ب00ه الخي00الي0
فجواب السعد يستلزم جواب الخيالي 0ال أنه هو كما قال األجهوري في تعليقه وهللا أعلم.
2وال سيما إذا كان في عالم الحقيقة 0ال في عالم االبتالء كما في الحديث.
3أخرج البخاري في كتاب 0القدر برقم ( )6614ومس00لم في كت00اب الق00در ب00رقم ()2652
واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه عن النبي صلى هللا تعالى 0عليه وآله وس00لم
قال( :احتج آدم وموسى ،فقال له موسى :يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجن00ة! فق00ال ل00ه
آدم :يا موسى اصطفاك هللا بكالمه ،وخط لك بيده ،أتلومني على أمر ق00دره عل ّي قب00ل أن يخلق00ني
بأربعين 0سنة؟ فحج آدم موسى).
213
(قول00ه :بالق00در ##وبالقض00ا) اعلم أن األش00اعرة والماتريدي00ة اختلف00وا في ك00ل من
القدر والقضاء:
فالقدر عند األشاعرة “ :إيجاد هللا األشياء على قدر مخصوص ووج00ه معين أراده
“ تعالى ،فيرجع عندهم لصفة فعل ،ألنه عبارة عن اإليجاد وهو من صفات األفعال،
وعند الماتريدية “ :تحديد هللا أزالً كل مخلوق بحده الذي يوجد عليه “ من حسن
وقبح ونفع وضر إلى غير ذلك :أي علمه 1تعالى أزالً صفات المخلوق00ات ،ف00يرجع عن00دهم
لصفة العلم وهي من صفات الذات،
والقضاء عند األشاعرة “ :إرادة هللا األش00ياء في األزل على م00ا هي علي00ه فيم00ا ال
يزال “ ،فهو من صفات الذات عندهم.
وعند الماتريدية “ :إيجاد هللا األشياء مع زي0ادة اإلحك00ام 0واإلتق00ان “ ،فه00و ص00فة
فعل عندهم ،فالقدر حادث والقضاء قديم عند األشاعرة ،وال كذلك عند الماتريدية.
وقد حمل الشارح كالم المصنف على م0ذهب الماتريدي0ة في الق0در والقض0اء دون
مذهب األشاعرة ألن القضاء في اللغة له نحو مع00ان س00بعة ،أش00هرها الحكم ،وه00و يرج00ع
للفعل ،فناس00ب أن يفس00ر في االص00طالح بالفع00ل ،وأم00ا الق00در فلم ي00رد أن معن00اه في اللغ00ة
الفعل ،فناسب أن ال يفسر في االصطالح بالفع0ل ب00ل ب0العلم ،وق00د نظم العالم0ة األجه0وري
معنى القضاء والقدر ،وحكى فيه الخالف على غير هذا الوجه فقال:
إرادة هللا مع التعلق ##في أزل قضاؤه فحقق
والقدر اإليجاد لألشيا على ##وجه معين أراده عال
وبعضهم قد قال معنى األول ##العلم مع تعلق في األزل
والقدر اإليجاد لألمور ##على وفاق علمه المذكور
فأنت تراه جعل القض00اء ه0و اإلرادة م0ع التعل00ق األزلي على الق00ول األول ،أو العلم
مع التعلق األزلي على القول الثاني ،وعلى كل من الق00ولين فه00و ق00ديم ،وجع00ل الق00در ه00و
اإليجاد على وفق اإلرادة على القول األول أو اإليجاد على وف00ق العلم على الق00ول الث00اني،
وعلى كل من القولين فهو حادث ،وبعد ه00ذا كل00ه فالقض00اء والق00در راجع00ان لم00ا تق00دم من
العلم واإلرادة وتعلق القدرة ،لكن لما كان خطر الجهل في هذا الفن عظيما ً صرحوا بهما.
(قول00ه :كم00ا أتى في الخ00بر) أي لم00ا ورد في الخ00بر ،فالك00اف للتعلي00ل والم00راد من
الخبر :الحديث ألن الخبر والحديث مترادفان على األصح ،ولذلك قال العالمة الص00بان في
منظومته التي في المصطلح:
والخبر المتن الحديث األثر ##ما عن إمام المرس00لين ي00ؤثر ##أو غ00يره ال ف00رق
فيما اعتمدا
1قوله :أي علمه تفسير التحديد ب0العلم 0غ00ير ص0حيح ألن التحدي00د وص0ف اإلرادة وليس
صفة العلم ألن العلم تابع 0للمعلوم فال يحدد المعلوم وهللا أعلم ،فالقدر عن00د الماتريدي00ة راج00ع إلى
اإلرادة ال إلى العلم كالقضاء عند األشاعرة.
214
وأشار المصنف بذلك إلى أن دليل ذلك سمعي؛ فمن جمل00ة ذل00ك م00ا روي عن علي
كرم هللا وجهه أنه قال :قال رسول هللا صلى هللا تع00الى علي00ه وس00لم ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم( :ال يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة :يشهد ب00أن ال إل00ه إال هللا وأني رس00ول هللا بعث00ني
بالحق ،ويؤمن بالبعث بع00د الم00وت ،وي00ؤمن بالق00در خ00يره وش00ره حل00وه وم0ره “ ،1ومن
جملة ذلك أيضا ً حديث األربعين (اإليمان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتب00ه ورس00له ،وت00ؤمن
بالقدر خيره وشره وحل00وه وم00ره) ،2وإنم00ا عول00وا على ال00دليل الس00معي هن00ا ألن00ه أس00هل
للعامة ،وإال فقد علمت مما مر أن القضا والقدر يرجعان للص00فات ال00تي عول00وا فيه00ا على
الدليل العقلي.
1ال مع00نى له00ذه الحوال00ة ألن ه00ذا من المق00ررات الواض00حات والحوال00ة إنم00ا تك00ون في
األمور الخفية وفي نسبة اآلراء واألقوال إلى أصحابها.
2واستدل أهل السنة على ذلك برؤيته تع00الى لن0ا 0م00ع أنن00ا لس00نا 0في جه00ة بالنس00بة 0إلي00ه
تعالى وال مقابلين له ،فإنا لو كنا في جهة بالنسبة إليه تع00الى 0لك00ان ه0و أيض0ا ً في جه00ة بالنس00بة0
إلينا 0فهذا أقوى دليل على أن المقابلة والجهة ليستا بشرط في الرؤية.
217
1
لجماعة سموا هواهم سنة ##وجماعة حمر لعمري موكفة
قد شبهوه بخلقه فتخوفوا ##شنع الورى فتستروا بالبلكفة
ورد عليه السيد البليدي 2بقوله:
هل نحن من أهل الهوى أو أنتم ##ومن الذي منا حمير موكفة0
صب فالوصفُ فيكم ظاه ٌر ##كالشمس فارجع عن مقال الزخرفة اعكس تُ ِ
سفَةَ س ْف َ
يكفيك في ردي عليك أننا ##نحتج باآليات ال بال َ
وبنفي رؤيته فأنت َح ُر ْمتَها ##إن لم تقل بكالم أهل المعرفة
ارتسام للصفة
ٍ فنراه في األخرى بال كيفية ##وكذاك من غير
وقال بعضهم في الرد عليه:
شبهت جهالً صدر أمة أح َم َد ##وذوي البصائر بالحمير الموكفة0
صفَة
وجب الخسار عليك فانظر منصفا ً ##في آية األعراف 3فهي ال ُم ْن ِ
شيوخك ما أتَوا عن مع ِرفَة ُ أترى الكلي َم أتى بجه ِل ما أتى ## 4وأتَى
إن الوجوه إليه ناظرة بذا ##جاء الكتاب فقلتُ ُم هذا سف ْه
الكتاب وأنت تنطق بالهوى ##ف َه َوى ال َه َوى بك في المها ِوي ال ُم ْتلِفَه ُ نطق
وقد شنعوا في الرد عليه بغير ذلك،
5
وقول00ه “ وال انحص00ار “ أي وال انحص00ار للم00رئي عن00د ال00رائي بحيث يحي00ط به ،
الستحالة الحدود والنهايات عليه تعالى،
وغرض المصنف بذلك الجواب عن شبهة المعتزلة النقلي00ة ال00تي تمس00كوا به00ا في
صا ُر) (األنعام :من اآلية )103فإنه قولهم بإحالة الرؤية ،وهي قوله تعالى( :ال تُ ْد ِر ُكهُ اأْل َ ْب َ
ي0دل على أن0ه تع0الى ال ي0درك بالبص0ر ،واإلدراك ه0و الرؤي0ة فال ي0رى بالبص0ر ،وحاص0ل
الجواب :أن ال نسلم أن اإلدراك بالبصر ه00و مطل00ق الرؤي00ة ،ب00ل رؤي00ة مخصوص00ة ،وهي
التي تكون على وجه اإلحاطة بحيث يكون الم0رئي منحص0راً بح0دود ونهاي0ات ،6ف0اإلدراك
المنفي في اآلي0000ة الكريم0000ة أخص من الرؤي0000ة ،وال يل0000زم من نفي األخص نفي األعم،
والحاصل أنه تعالى يرى من غير تكيف بكيفية من الكيفي0ات المعت0برة في رؤي0ة األجس0ام
س ْوفَ تَ َرانِي فَلَ َّما ت ََجلَّى َربُّهُ لِ ْل َجبَ ِ 0ل َج َعلَ 0هُ َد ّك 0ا ً َ َ َ َ
ستَق َّر َمكانهُ ف َ لَنْ ت ََرانِي َولَ ِك ِن ا ْنظُ ْر إِلَى ا ْل َجبَ ِل فإ ِ ِن ا ْ
َ
س ْب َحانَكَ تُ ْبتُ إِلَ ْي َ0ك َوأَنَا أَ َّو ُل ا ْل ُمؤْ ِمنِينَ )( 0األعراف.)143: ق قَا َل ُ ص ِعقا ً فَلَ َّما أَفَا َ
سى َ َو َخ َّر ُمو َ
4
وذلك عند طلب الكليم الرؤية من هللا تعالى بقوله( :رب أرني أنظ00ر إلي00ك) 0فل00و ك00انت0
الرؤية مستحيلة لم00ا طلبه00ا الكليم من رب00ه ،وه00ل الكليم 0ينقص ش00يوخ المعتزل0ة 0علم0ا ً ومعرف00ة
بذات هللا تعالى وصفاته!؟.
5أي بحيث يحيط الرائي بالمرئي رؤيةً.
6واألولى أن يق00ول بحيث ت0درك حقيقت00ه وماهيت0ه ألن الظ0اهر 0أن الم00راد بنفي اإلدراك
عنه نفي إدراك أمر موجود فيه تعالى 0ال نفي إدراك أمر منفي عنه تعالى.
218
ومن غير إحاطة ،بل يَحار العبد في العظمة والجالل حتى ال يع00رف اس00مه وال يش00عر بمن
حول00ه من الخالئ00ق ،ف00إن العق00ل يعج00ز هنال00ك عن الفهم ويتالش00ى الك00ل في جنب عظمت00ه
تعالى.
219
احتماالن ،قال :واألظهر مساواتهم لهذه األمة في الرؤية ،ويشمل أيضا ً أه00ل الف00ترة على
القول بنجاتهم وإن غيروا وبدلوا ويخرج بالمؤمنين الكفار والمنافقون ،فال يرونه تع00الى
على الراجح لقوله تعالى( :كَاَّل إِنَّ ُه ْم عَنْ َربِّ ِه ْم يَ ْو َمئِ ٍذ لَ َم ْح ُجوبُونَ ) (المطففين )15:وألنهم
ليسوا من أهل اإلكرام والتشريف؛ وقيل :إنهم يرونه ثم يحجبون ،فتكون الحجب00ة حس00رة
عليهم ،قال الجالل :وله شواهد رويناها عن الحسن البصري ،وال ي00راه س00ائر الحيوان00ات
غير العقالء حتى الحيوانات التي تدخل الجنة مثل ناق00ة ص00الح وكبش إس00ماعيل كم00ا ه00و
ظاهر كالمهم،
{ -123محل رؤية هللا تعالى الجنة وعرصات القيامة }
ومح00ل الرؤي00ة الجن00ة بال خالف ف00يراه أهله00ا في مث00ل ي00وم الجمع00ة والعي00د وي00راه
خواصهم كل يوم بكرة وعشياً ،وبعضهم ال يزال مستمراً في الشهود ح00تى ق00ال أب00و يزي00د
البسطامي :إن هلل خواصا ً من عباده لو حجبهم في الجنة عن ؤريته ساعة الس00تغاثوا من
الجنة ونعيمها كما يستغيث أهل النار من النار وعذابها،
وأما في عرصات القيامة كالموقف ،فالصحيح وقوعها أيضاً ،ألنه ورد في الس00نة
ما يقتضي وقوعها لهم فيها ،ففي الحديث( :ين00ادى إذا ك00ان ي00وم القيام00ة ،لتل00زم ك00ل أم00ة
معبودها ،فتقول هذه األمة :هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ،فيظهر لهم (أي على الوجه ال00ذي
ال يعرفونه بأن يدخل عليهم غلطا ً في كشفهم 0وإال فهو تعالى م00نزه عن أن يتص00ف بم00ا ال
يليق به) فيقول :أنا ربكم ،فيقولون :نعوذ باهلل من00ك لس00ت ربن00ا ،فيتجلى لهم تجلي0ا ً الئق 0ا ً
بحال المقام ويكشف عن الساق ،ويقول :أنا ربكم ،فيراه المؤمنون كم00ا يعلم00ون أي على
ش0فُ عَنْ 0و َم يُ ْك َ
وفق ما يعتقدون ،فيخرون سجداً إال المنافق) اهـ .وه00ذا مع00نى قول00ه( :يَْ 0
1
اق … اآلي0ة) (القلم :من اآلية )42وكش0ف الس0اق عن0د الخل0ف بمع0نى رف0ع الحج0اب، س ٍ
َ
والسلف يفوضون ،انظر شرح البخاري.
(قوله :إذ بجائز علقت) بسكون الزاي للوزن ،وإذ تعليلي00ة داخل00ة على “ علقت “
و “ بجائز “ متعلق به ،فكأنه قال :حكمنا بجواز الرؤية عقالً ألن هللا تعالى علقه00ا ب00أمر
جائز عقالً وهو استقرار الجبل حين سأله موسى على نبينا وعليه أفضل الصالة والسالم
0ل فَ0إِ ِن ْ
اس0تَقَ َّر َم َكانَ0هُ 0ر إِلَى ا ْل َجبَِ 0 (ر ِّب أَ ِرنِي أَ ْنظُ ْر إِلَ ْيكَ قَ00ا َل لَنْ تََ 0
0رانِي َولَ ِك ِن ا ْنظُْ 0 حيث قالَ :
س ْوفَ تَ َرانِي) (األعراف :من اآلية )143واالستدالل باآلية من وجهين ،األول :ما أش00ار فَ َ
إليه المصنف وحاصله قياس اقتراني أشار إلى صغراه وحذف كبراه للعلم به00ا كالنتيج00ة،
وتقري00ره أن تق00ول :رؤي00ة الب00اري علقت على أم00ر ممكن ،وك00ل م00ا عل00ق على الممكن ال
يكون إال ممكناً ،فرؤية الباري ال تكون إال ممكنة ،ومنعت المعتزل00ة الص00غرى ق00ائلين :إن
المراد :فإن استقر مكانه حال تحركه وهو مستحيل فالرؤية معلق00ة على مس00تحيل فتك00ون
0و ٌل ال دلي00ل علي00ه وال داعي ي00دعو إلي00ه ،كق00ولهم 0إن “ لن “ في قول00ه مستحيلة ،وهو تَقَُّ 0
0رانِي) (األع00راف :من اآلية )143للتأبي00د ،والث00اني س00كت عن00ه المص00نف تع00الى( :لَنْ تََ 0
وحاصله قياس استثنائي ،وتقريره هك00ذا :ل00و ك00انت الرؤي00ة ممتنع00ة في ال00دنيا م00ا س00ألها
1أخرج00ه مس00لم في كت00اب اإليم00ان ب00رقم ( )183عن أبي س00عيد الخ00دري وروى نح00وه
البخاري في التفسير 0برقم ( .)4581و(.)7439
220
موسى على نبينا وعليه أفضل الصالة والسالم ،ألن00ه ن00بي يعلم م00ا يجب في ح00ق هللا وم00ا
يستحيل وما يجوز ،إذ ال يجوز على أحد من األنبياء الجه00ل بش00يء من أحك00ام 0األلوهي00ة،
لكنه سألها موسى عليه الصالة والسالم فدل على أنه00ا ج00ائزة ،وق00ول المعتزل00ة “ س00ألها
ألجل جهلة قومه “ مردود بأن سياق اآلية حيث قال( :أرني أنظر إليك) ص00ريح في ح00ال
1
نفسه.
(قوله :هذا) أي افهم هذا فه00و مفع00ول لمح00ذوف ،أو ه00ذا كم00ا علمت ،فه00و مبت00دأ
خبره محذوف أو نحو ذلك ،وهذا تخلص من بحث إلى بحث آخر ،2ألن الكالم السابق كان
متعلقا ً بجواز رؤيته تعالى فانتقل عنه إلى اإلخبار بوقوعها في الدنيا.
{ - 124المختار أن النبي صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم رأى ربه ليلة اإلسراء}
(قول00ه :وللمخت00ار دني00ا ثبتت) أي وقعت رؤيت00ه تع00الى في ال00دنيا ليل00ة اإلس00راء
للمختار الذي هو نبينا صلى هللا علي0ه وآل0ه وس0لم ،وفي التعب0ير بالمخت0ار مناس0بة ،ألن0ه
اختير لهذا المقام ،والراجح عند أك0ثر العلم0اء أن0ه ص0لى هللا علي0ه وآل0ه وس0لم رأى رب0ه
سبحانه وتعالى بعيني رأسه وهما في محلهم00ا ،خالف0ا ً لمن ق00ال ح00وال لقلب00ه ،لح00ديث ابن
عباس 3وغيره ،وق0د نفت الس0يدة عائش0ة رض0ي هللا عنه0ا ،وقوعه0ا له 4ص0لى هللا علي0ه
وآله وسلم ،لكن قدم عليها ابن عباس ألنه مثبت ،والقاع00دة أن المثبت مق00دم على الن00افي
حتى قال معمر بن راشد :5ما عائشة عندنا ب00أعلم من ابن عب00اس ،وك00ان ص00لى هللا علي00ه
وآله وسلم يراه تعالى في كل مرة من مرات المراجعة.
1قال األمير ( :)110وق00ولهم :س00ألها ألج00ل جهل00ة قوم00ه م00ردود ب00أن الن00بي ص00لى هللا
تعالى عليه وآله وسلم ال يجوز له تأخير رد الجاهل في مثل هذا كما ق00ال( :إنكم ق00وم تجهل00ون)،
مع أن سياق االية في (أرني انظر) صريح في حال نفسه.انتهى
وأقول :ال وجه لقولهم :سألها 0ألجل جهلة قومه ،وال معنى له ،وهل يجوز لن00بي ك00ريم
أن يوافق الجاهلين 0في جهلهم ،وال سيما في ما يتعلق باهلل تع0الى وبم0ا يج0وز علي0ه وم0ا يمتن0ع
عليه تعالى .سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
2المناسب بكونه تخلصا ً أن يقدر انقضى هذا ونحوه مما يفيد انتهاء الموضوع السابق
واالنتقال عنه إلى موضوع آخر ،وقد انتقل هنا من موض00وع ج00واز رؤيت00ه تع00الى إلى موض00وع
وقوعها .ولم أر أحدا نبه على هذه النكتة.
3أخرج البخاري في كتاب 0التفسير 0برقم ( )4716عن ابن عب00اسَ ( :و َم00ا َج َع ْلنَ00ا ُّ
الرؤْ ي00ا
الش َ 0ج َرةَ ا ْل َم ْل ُعونَ 0ةَ) (اإلس00راء :من اآلية )60ق00ال :هي رؤي00ا عين الَّتِي أَ َر ْينَ00اكَ إِاَّل فِ ْتنَ 0ةً لِلنَّا ِ
س َو َّ
أريها رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ليلة اإلسراء به ،والشجرة الملعونة شجرة الزقوم.
4أخرج مسلم في كتاب االيمان برقم ( )177عن مسروق قال :كنت متكئا ً عند عائش00ة،
فقالت يا أبا عائشة 0،ثالث من تكلم بواحدة منها فقد أعظم على هللا تع00الى الفري00ة ،قلت :م00ا هن؟
قالت :من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على هللا الفرية ،قال :وكنت متكئا ً فجلس00ت ،وقلت:
ين)( 0التك00وير0: (ولَقَ ْد َرآهُ بِ0اأْل ُفُ ِ
ق ا ْل ُمبِ ِ يا أم المؤمنين أنظريني 0وال تعجليني 0،ألم يقل هللا عز وجلَ :
(ولَقَ ْد َرآهُ نَ ْزلَةً أُ ْخ َرى) (النجم)130:؟ فقالت :أنا أول هذه األمة سأل ذل00ك رس00ول هللا ص00لى َ ،)23
هللا تعالى عليه وآله وسلم ،فقال :إنما ه00و جبري00ل ،لم أره على ص00ورته ال00تي خل00ق عليه00ا غ00ير
هاتين المرتين 0رأيته منهبطا ً من السماء ساد ِعظَم خلقه ما بين السماء إلى األرض … الحديث.
221
ومن كالم ابن وفا :إنما كان ترجيع موسى عليه الصالة والس00الم للن00بي ص00لى هللا
عليه وآله وسلم في شأن الصلوات ليتكرر مشاهدة أنوار المرات ،وأنشد يقول:
قول موسى إذ يُ َرا ِج ُعه ##ليجتلِي النو َر فيه حيث يش َه ُدهُ
والس ُر في ِ
رسول إذ ير ِّد ُدهُ
ٍ سناه على وجه الرسول فيا ##هلل حسنُ يبدو َ
فالحكمة الباطنية :اقتباس النور من وجه00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم؛ ففي ك00ل
مرة يزداد نوراً ،والحكمة الظاهرية :التخفيف،
واختلف في وقوعها لألولياء على قولين لألشعري :أرجحهما المنع ،ف00الحق أنه00ا
لم تثبت في الدنيا إال له صلى هللا عليه وآله وسلم؛ ومن ادعاها غيره في الدنيا يقظة فهو
ضال بإطباق المشايخ ،حتى ذهب بعضهم إلى تكف00يره ،ق0ال العالم00ة القون00وي :ف0إن ص00ح
عن أحد من المعتبرين وقوع ذل00ك أمكن تأويل0ه ،وذل0ك أن غلب0ات األح00وال تجع00ل الغ0ائب
كالشاهد ،حتى إذا كثر اشتغال السر بش00يء ص00ار كأن00ه حاض00ر بين يدي00ه كم00ا ه00و معل00وم
بالوجدان لك0ل أح0د اهـ ،وعلى ه0ذا يحم0ل م0ا وق0ع في كالم ابن الف0ارض ،وه0ذا كل0ه في
رؤيته تعالى يقظة،
وأم00ا رؤيت00ه تع00الى منام 0ا ً فنق00ل عن القاض00ي عي00اض أن00ه ال ن00زاع في وقوعه00ا
وصحتها ،فإن الشيطان ال يتمثل به تعالى كاألنبياء عليهم الص00الة والس00الم ،وذك00ر غ00يره
الخالف ،وقال بعض00هم :إن الش00يطان يتمث00ل ب00ه دون الن00بي ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم،
والفرق أن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم بشر ،فيلزم التمثيل به اللبس ،بخالف المولى
فأمره معل0وم ،وق0ال بعض00هم :وال يتمث0ل بالمالئك0ة وال بالش0مس وال ب0القمر وال ب00النجوم
المضيئة وال بالسحاب الذي فيه الغيم،
وحكي أن اإلمام أحمد رأى المولى سبحانه وتعالى في المنام تسعا ً وتسعين مرة.
وقال :وعزته إن رأيته تمام المائة ألسألنه؛ فرآه فقال :س00يدي وم00والي م00ا أق00رب
ما يتقرب به المتقربون إليك؟ قال :تالوة كالمي ،فقال :بفهم أو بغير فهم؟ فقال :ي0ا أحم00د
بفهم وبغير فهم،
والم00رئي إن ك00ان بوج00ه ال يس00تحيل علي00ه تع00الى فه00و ه00و تع00الى ،وإال ب00أن ك00ان
بصورة رجل مثالً فليس هو هو تعالى بل خلق من خلقه تعالى ،ويقال حينئذ إنه رأى ربه
في الجملة لحكمة تظهر عند المعبرين ب00أن يقول00وا :ت00دل على ك00ذا وك00ذا ،وقي00ل :ه00و ه00و
أيضا ً وكونه به00ذا الوج00ه إنم00ا ه00و باعتب00ار ذهن ال00رائي ،وأم00ا في الحقيق00ة فليس تع00الى
كذلك ،وقد قال بعض الصوفية :أنه رأى ربه في منامه على وصفه ،فقيل له :كيف رأيت00ه
فقال :انعكس 0بصري في بصيرتي فصرت كلي بصراً فرأيت من ليس كمثله شيء.
5معمر بن راشد األزدي أبو عروة فقيه حافظ متقن ثقة ولد بالبصرة سنة ( )95ت00وفي
سنة (.)153
222
القسم الثالث من الفن النبويات
{-125من الجائز على هللا تعالى إرسال الرسل }
ومنه إرسال جميع الرسل ##فال وجوب بل بمحض الفضل -57
لكن بذا إيماننا قد وجبا ##فدع هوى قوم بهم قد لعبا -58
(قوله :ومنه إرسال جميع الرسل) أي ومن الجائز العقلي في حق00ه تع00الى إرس00اله
لجميع الرسل من آدم إلى سيدنا محمد صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم ب00دخول المب00دأ والغاي00ة
عليهم الصالة والسالم ،خالفا ً لمن أوجبه ولمن أحاله.
223
فاألولى :أعني من أوجبه المعتزلة والفالسفة ،فقد اتفقت الطائفتان على الوج00وب
وزادت الفالسفة اإليجاب.
ومب00ني كالم المعتزل00ة على قاع00دة وج00وب الص00الح واألص00لح ،فيقول00ون :النظ00ام
المؤدي إلى صالح حال النوع اإلنساني على العموم في المع00اش والمع00اد ال يتم إال ببعث00ة
الرسل ،وكل ما هو كذلك فهو واجب على هللا تعالى ،1وقد مر هدم تلك القاعدة.
ومبنى كالم الفالسفة على قاع00دة التعلي00ل أو الطبيعة ،2فيقول00ون :يل0زم من وج00ود
هللا وجود العالم بالتعليل أو بالطبع ،ويلزم من وجود العالم وجود من يص00لحه ،وق00د تق00دم
أنه تعالى فاعل باالختيار ال بطريق اإلجبار ،وذكر بعض00هم الش00يعة ب00دل الفالس00فة ،وذك00ر
شمس الدين السمرقندي أن الفالسفة ينك0رون اإلرس00ال لنفيهم كون0ه تع0الى مخت00اراً ،لكن
في المقاصد وغيرها نحو ما تقدم.
والثاني :أعني من إحالة كالسمنية 3والبراهم00ة زعم00وا أن إرس00ال الرس00ل عبث ال
يليق بالحكيم؛ ألن العقل يغني عن الرسل ،فإن الشيء إن كان حسنا ً عند العقل فَ َعلَهُ ،وإن
لم تأت به الرسل وإن ك00ان قبيح0ا ً عن00ده ترك00ه وإن لم ت00أت ب00ه الرس00ل ،وإن لم يكن عن00ده
حسنا ً وال قبيحاً :فإن احتاج إليه فعله وإال تركه ،ونعوذ باهلل من تلك العقائد.
1لكونه00ا لطف 0ا 0وص00الحا للعب00اد وه00ذا منهم مب00ني على أص00لهم الفاس00د أع00ني قاع00دة
التحسين 0والتقبيح العقليين ،وما يتف00رع عليه0ا 0من اعتب00ار الغ0رض ووج0وب اإل لط00اف ورعاي0ة
األصلح فيكون فاسدا أيضا .وانظر شرح المواقف (.)8/230
2قوله:أو الطبيعة 0:الصواب 0والطبيعة بالواو بدل أو ،ومرادهم بالطبيعة وجود النظ00ام
الكامل في العالم قاله في شرح المقاص00د ( .)5/25وم00رادهم أن وج00ود النظ00ام 0الكام00ل في الع00الم0
يقتضى إرسال الرسل وبيان ذلك كما في شرح المقاصد ( )5/24أن العناي00ة اإللهي00ة بمخلوقات00ه،
أعنى إحاطة علمه السابق بنظام الموجودات على الوجه األليق في األوقات المرتبة التى يقع كل
موجود منها في واحد من تلك األوقات 0،يقتضى افاضة ذلك النظام على ذل00ك ال00ترتيب والتفص00يل
الذي من جملته وجود الشرع 0والشارع 0ووجوب ما به يكون النظام على وج00ه الص00واب 0،فيجب
ذلك عنه وعن إحاطته بكيفية الصواب في ترتيب وجود الكل ليكون الموجود على وفق المعلوم،
وعلى أحسن النظ00ام .ق0ال الس0يد الش00ريف في ش00رح المواق0ف ( :)7/222والحاص0ل :أن وج0ود
النبي س0بب للنظ00ام 0في المع00اش والمع0اد فيجب ذل00ك في العناي0ة 0اإللهي00ة المقتض00ية ألبل0غ وج0وه
اإلنتظام لمخلوقاته ،فهذه طريقة إثبات 0النبوة على مذهب الحكماء.
وقال :في ش00رح المقاص0د )5/25( 0ففي الجمل00ة ق00الوا (أي الفالس00فة) 0:بوج00وب البعث00ة
ولزوم النبوة.
فمن قال :هي واجبة في الحكمة أراد تبقي00ة النظ00ام على الوج00ه الالئ00ق ،ومن ق00ال :في
العناية أراد تمثل النظام 0في علمه الشامل 0،ومن قال :في الطبيعة أراد وجود النظام الكامل.
3قوله" :كالسمنية" بضم السين وفتح الميم المخففة :نس00بة إلى بل00د بالهن0د يق0ال له00ا
سومنات ،وهم فرقة يعبدون األصنام اهـ ،مصباح بالمعنى 0،والبراهمة 0:نسبة إلى رئيسهم برهام
وهم قوم كفار اهـ دسوقي علي المصنف .أجهوري ،وفي كش00اف اص00طالحات 0الفن00ون 0:الس00منية0
نسبة إلى سومنان اسم لصنم عظيم من أصنام 0الهنود معناه صاحب 0القمر.
224
(قول00ه :فال وج00وب) أي إذا علمت أن إرس00ال الرس00ل من الج00ائز العقلي في حق00ه
تع00الى ف00اعلم أن00ه ال وج00وب علي00ه خالف 0ا ً للمعتزل00ة والفالس00فة أي :وال اس00تحالة ،خالف 0ا ً
للسمنية والبراهمة ،كما يعلم مما تقدم.
فالتفريع فيه قصور ،ولعله لم يعتد بالقول باالستحالة ،وقوله “ بل بمحض الفضل
“ أي ب00ل إرس00ال الرس00ل إنم00ا ه00و بإحس00انه الخ00الص ،فإض00افة محض بمع00نى الخ00الص
للفضل بمعنى اإلحسان من إضافة الصفة للموصوف ،فقولنا “ :بإحسانه “ في00ه رد على
الفالس00فة ،وقولن00ا “ :الخ00الص “ في00ه رد على المعتزل00ة ،و “ ب00ل “ هن00ا لإلض00راب
االنتقالي.
(قوله :لكن بذا إيماننا قد وجبا) لما ك00ان ق00د يت00وهم من ك00ون اإلرس00ال من الج00ائز
العقلي أن اإليمان بوقوعه ليس واجباً ،استدرك عليه بقوله “ لكن بذا إيمان00ا ق00د وجب00ا “
ب00ألف اإلطالق ،والمتب00ادر من كالم المص00نف أن اس00م اإلش00ارة عائ00د على اإلرس00ال ،لكن
جعله الشارح عائداً على المذكور من اإلرسال والمرسلين.
فإن قلت :يلزم من التصديق بوق00وع إرس00ال الرس00ل التص00ديق بهم ،فال حاج00ة إلى
ذلك ،قلت :فيه زيادة البيان كما هو المطل00وب في عقائ00د اإليم00ان ،وق00د س00بق أول الكت00اب
بيان من يجب اإليمان بهم تفصيالً ومن يجب اإليمان بهم إجم00االً ،واألولى ع00دم حص00رهم
في عدد كما يشعر به قوله المصنف جميع الرسل ،فإنه يؤذن بعدم معرفة عددهم،
(قول00ه :ف00دع ه00وى ق00وم) أي :إذا ع00رفت أن اإلرس00ال من الج00ائز العقلي في حق00ه
تعالى ،وأن اإليمان به واجب؛ فدع عنك هوى قوم ،والمراد به00واهم :مه00ويهم :وه00و م00ا
اعتق00دوه من االعتق00ادات الباطل00ة ،ال00تي زينه00ا الش00يطان لهم ،واله00وى –بالقص00ر -عن00د
(ص :من ّ 0ع ا ْل َهَ 0
0وى) اإلطالق ينص00رف إلى المي00ل إلى خالف الح00ق غالب0اً ،نح00وَ :
(وال تَتَّبِ ِ
اآلية )26سمي هوى ألنه يهوي بصاحبه في النار .1ومن غير الغالب قول السيدة عائشة
له صلى هللا عليه وآله وسلم “ :م00ا أرى رب00ك إال يس00ارع في ه00واك “ 2وق00د يطل00ق على
مطل00ق المي00ل فيش00مل المي00ل للح00ق وغ00يره ،3وأم00ا بالم00د فه00و م00ا بين الس00ماء واألرض،
وقوله( :بهم قد لعبا) بألف اإلطالق :أي قد تالعب بهم ال بغ00يرهم ح00تى أوقعهم في الب00دع
1الصواب 0االقتصار على قوله :ألنه يهوي بصاحبه بدون قوله في الن00ار 0ألن األوض00اع
اللغوية لم تالحظ فيها األمور الشرعية.
2أخرجه البخاري في التفسير برقم ( )4510عن عائشة رضي هللا تعالى عنها.
3ومنه حديث( :ال يؤمن أحدكم حتى يك00ون ه00واه تبع0ا ً لم00ا جئت ب00ه) رواه البغ00وي في
شرح السنة برقم ( )104وقال النووي في األربعين( :)41هذا حديث ص00حيح روين00اه في كت00اب0
"الحجة" بإسناد صحيح .قال في الفتح ( )13/289أخرج00ه الحس00ن بن س00فيان وغ00يره ورجال00ه
ثقات وقد صححه النووي في آخر األربعين 0ونازع0ه ابن رجب الحنبلي في ج0امع العل0وم والحكم
( )281وقال :إن تصحيحه بعيد إلنفراد نعيم به وهو ضعيف.
225
والمعاص00ي أو الكف00ر ،ف00أوجب اإلرس00ال بعض00هم كالمعتزل00ة والحكم00اء ،4وأحال00ه بعض00هم
كالسمنية والبراهمة.
4قوله :والحكماء .األولى أن يعبر عنهم بالفالسفة ال بالحكم00اء 0،ألن من أوتي الحكم00ة
فقد أوتي خيرا كثيرا ،وهؤالء لم يؤتوا إال شرا مستطيرا.
226
(قوله :وواجب … إلخ) .لما تمم الكالم على 1ما يجب في حقه تعالى وما يستحيل
وما يجوز ،شرع في الكالم على ما يجب في حق الرسل وم00ا يس00تحيل وم00ا يج00وز مق00دما ً
الواجب لشرفه ،والمراد بالوجوب هنا :عدم قب00ول االنفك0اك ب00النظر للش0رع ،ألن م00ا ذك0ر
من الواجبات سمعى ،ولذا قال المصنف فيما سيأتي( :ويستحيل ضدها كم00ا رووا) فأش0ار
ب00ذلك إلى أن اس00تحالة ض00دها بال00دليل الش00رعي فيك00ون وجوبه00ا بال00دليل الش00رعي ،نعم
تصديق المعج0زة لهم في دع0وى الرس0الة قي0ل وض0عي 2لتنزيله0ا منزل0ة الكالم ،وداللته0ا
وضعية ،فكذا ما نزل منزلته ،وقيل عادي ألنه بقرائن عادية ،3وقيل عقلي لتنزه00ه تع00الى
عن تصديق الكاذب؛ وبذلك تعلم أن جعل الشارح الوجوب هنا عقليا ً فيه نظر.
وقوله( :في حقهم) أي لذاتهم ،4فـ (في) بمع00نى الالم ،و(ح00ق) بمع00نى ال00ذات كم00ا
تقدم ،والمتبادر من كالم المصنف أن الضمير عائد على الرسل وفسره الش00ارح باألنبي00اء
ق0ائالً :ألن معظم 0ه0ذه األحك00ام 0ال يختص بالرس00ل ،وك00أن الش00ارح أش00ار إلى اس00تخدام 0في
المتن ،وإال فالسابق في كالمه الرسل ،ومراده بمعظم ه0ذه األحك0ام م0ا ع0دا التبلي0غ ،ف0إن
التبليغ خاص بالرسل ،وبعض00هم عمم00ه لألنبي00اء ألن00ه يجب على الن00بي أن يبل00غ أن00ه ن00بي
ليحترم.
{ -127يجب لألنباء األمانة }
(قوله األمانة) بالنقل والدرج 5للوزن :وهي حفظ ظواهرهم وب00واطنهم 0من التلبس
بمنهي عنه ولو نهى كراه0ة أو خالف األولى ،فهم محفوظ0ون ظ00اهراً من الزن0ا ،وش0رب
الخمر ،والكذب ،وغير ذلك من منهيات الظاهر ،ومحفوظ00ون 0باطن0ا ً من الحس00د ،والك00بر،
والرياء وغير ذلك من منهيات الباطن ،والمراد المنهي عنه ولو صورة 6فيش00مل م00ا قب00ل
النبوة ولو في حال الصغر وال يقع منهم مكروه وال خالف األولى ،بل وال مباح على وجه
1كان األنس00ب أن يق0ول :لم0ا أنهى الكالم على اإللهي00ات وه00و القس00م األول من العقائ0د
شرع في القسم الثاني منها وهي النبويات.
2قول00ه" :قي00ل وض00عي … إلخ" وعلى األق00وال الثالث 0ة 0ف00دليل الص00دق ش00رعي ،ألن00ه
المعجزة نازلة منزلة قوله تعالى 0:صدق عبدي فيما يبلغ عني ،وهذا الق00ول على ف00رض وقوع00ه
يكون دليالً شرعياً 0،فكذا ما نزل منزلته ،أجهوري.
3ألن عادته تعالى قد جرت بتصديق مدعي النب00وة ص00ادقا ً بإظه00ار المعج00زة على يدي00ه
وعدم إظهارها على يد مدعيها كاذبا ً مع جوازه عليه تع00الى عقال ًوقي00ل إن00ه ممتن00ع علي00ه تع00الى
عقالً ألنه سفه وهللا تعالى منزه عنه عقالً.
4قد تقدم أن قلنا 0:إن الحق في مثل هذا المقام بمعنى الشأن ،فإنك لم تقصد بقول00ك قلت
في ح0ق فالن ك0ذا إال أن0ك قلت في ش0أنه ك0ذا وفي على معناه0ا من الظرفي0ه إال أن الظرفي0ة هن0ا
مجازية ،وهللا تعالى أعلم.
5أي بنقل حركة الهمزة إلى الالم ودرج الهمزة.
6قوله :ولو صورة ،أشار بهذا الكالم إلى سؤال وجواب ،تقرير الس00ؤال أن00ه ال تكلي00ف
قبل البعثة ،واألعمال قبلها على البراءة األصلية فال معصية قبلها فال يص00ح ق00ولهم :إن األنبي00اء
معصومون قبل البعثة من المعاصي ،والج0واب أن م0رادهم أن الص0ورة ال0تي يحكم عليه0ا بأنه0ا
معصية بعد البعثة ال تقع منهم قبل البعثة.
227
كونه مكروه0ا ً أو خالف األولى أو مباح0اً ،وإذا وق00ع ص00ورة ذل00ك فه00و للتش00ريع 1فيص00ير
واجب000ا ً أو من000دوبا ً 2في حقهم ،فأفع000الهم عليهم الص000الة والس000الم دائ000رة بين ال000واجب
والمندوب ،ب00ل في األولي00اء ال00ذين هم أتب00اعهم من يص00ل لمق00ام تص00ير حركات00ه وس00كناته
طاعة بالنيات ،وبهذا اندفع ما يقال :قد ثبت أنه صلى هللا عليه وآله وسلم توضأ مرة مرة
ومرتين مرتين ،3وبال قائم0ا ً 4وش00رب قائم0ا ً ،5وأم00ا المح00رم فلم يق00ع منهم إجماع0اً؛ وم00ا
أوهم المعصية 6فمؤول بأنه من باب حسنات األبرار سيئات المقربين ،7وال يج00وز النط00ق
به في غير مورده إال في مقام البيان ،وما وقع من آدم فه00و معص00ية ال كالمعاص00ي ،ألن00ه
تأول األمر لسر بينه وبين سيده وإن لم نعلمه ،حتى نقل في اليواقيت عن أبي م00دين :ل00و
كنت بدل آدم ألكلت الشجرة بتمامها ،8فهو –وإن كان منهيا ً ظ00اهراً -م00أمور باطن 0اً ،وك00ذا
يقال فيما وقع من إخوة يوسف على القول بأنهم أنبياء.
ودليل وجوب األمانة لهم عليهم الص0الة والس00الم :أنهم ل00و خ0انوا بفع0ل مح00رم أو
مك00روه أو خالف األولى لكن00ا م00أمورين ب00ه ،ألن هللا تع00الى أمرن00ا باتب00اعهم في أق00والهم
وأفعالهم وأحوالهم من غير تفص00يل ،9وه00و تع00الى ال ي00أمر بمح00رم وال مك00روه وال خالف
األولى ،فال تكون أفعالهم محرم00ة وال مكروه00ة وال خالف األولى ،وه00ذا ال00دليل وإن ك00ان
1الصوا أن يقول :فهو مقرون بنية حسنة تجعله واجبا أو مندوبا ،وذل00ك ألن التش00ريع
ال يتصور في كثير من أفعاله صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم كاألفعال الجبلية.
2قوله "فيصير واجبا ً ومندوباً" الظاهر أن00ه واجب ،ألن التش00ريع 0واجب في حقهم في
جميع ما أمروا بتبليغه 0إلى الخلق أجهوري .أق00ول :نعم ق00د يتعين 0لتش00ريع بعض األحك00ام طري00ق
واحد فيكون ذلك الطريق واجبا ً وقد يكون لتشريع بعضها ط00رق فحينئ00ذ ق00د يك00ون بعض00ها أولى
من بعض بحس00ب الرجح00ان 0فمن ه00ذه الجه00ة ق00د يك00ون ه00ذا البعض األولى من00دوبا ً باعتب00ار
خصوصه وواجبا ً باعتبار أداء الواجب به وهو التشريع.
3أخرج البخاري في كتاب 0الوضوء ،الوض00وء م00رة م00رة عن ابن عب00اس ب00رقم ()157
والوضوء مرتين مرتين عن عبد هللا بن زيد برقم (.)158
4أخرج البخاري في الوضوء ب00رقم ( )226ومس00لم( )266عن حذيف00ة ق00ال :أتى الن00بي0
صلى هللا عليه وآله وسلم سباطة قوم فبال قائما ً والسباطة المزبلة.
5أخرجه البخاري في كتاب 0األشربة ( )1637برقم ()5617
6أي والنص الذي أوهم صدور المعصية منهم.
7قول00ه" :ألن00ه من ب00اب حس00نات .. 0إلخ" فيك00ون من قبي00ل خالف األولى بالنس00بة 0إلى
مقامهم ،وإن ك0ان حس0نة بالنس0بة إلى غ0يرهم ،وم0ا تق0دم من أنهم م0نزهون عن خالف األولى:
محمول على ما هو خالف األولى في حق غيرهم ،وأما هنا فهو خالف األولى بالنس00بة لمق00امهم
خاصة ،وأما بالنسبة لغيرهم فهو مستحسن .أجهوري.
8
َص0ى آ َد ُم (وع َ هذا من كالم المغلوبين الذي يطوى وال يروى لمصادمته لقول0ه تع0الىَ 0:
َربَّهُ فَ َغ َوى) (طـه :من اآلية )121وإليهامه أن آدم لم يفعل تمام ما كان ينبغي أن يفعله وأن00ه ل00و
كان موضعه لفعل أفضل مما فعل آدم.
هَّللا
َ ْ َ ُ و م ُ
ك ب0و
0 ُ نذُ م ُ
ك َ ل 0ر
0 فغْ يو هَّللا م
ِ ُ ِ ُ ْ ِْ ُ ُ َ َ ِ ْ ْ ُ
ك ببح ي ي نو ع بَّ ت0ا
0 َ ف َ هَّللا ُّونَ ب 9قال هللا تع00الى( :قُْ 0ل إِنْ ُك ْن ْ ِ
ُح ت مُ ت
سو َل فَإِنْ ت ََولَّ ْوا فَإِنَّ هَّللا َ ال يُ ِح ُّب ا ْل َكافِ ِرينَ )( 0آل عمران)32-31 : َغفُو ٌر َر ِحي ٌم ،قُ ْل أَ ِطي ُعوا هَّللا َ َوال َّر ُ
سو ُل فَ ُخ ُذوهُ َو َما نَ َها ُك ْم َع ْنهُ فَا ْنتَ ُهوا) (الحشر :من اآلية.)7 (و َما آتَا ُك ُم ال َّر ُ
وقال تعالىَ :
228
على ص00ورة ال00دليل العقلي ه00و في الحقيق00ة دلي00ل ش00رعي ،ألن دلي00ل المالزم00ة ش00رعي،
وبطالن التالي بدليل شرعي وهو أن هللا ال يأمر بالفحشاء.
{ -128يجب لألنباء الصدق }
(قول00ه :وص00دقهم) معط00وف على األمان00ة :أي وواجب في حقهم 0ص00دقهم وه00و
مطابقة خبرهم للواقع ولو بحسب اعتق00ادهم ،كم0ا في قول0ه ص0لى هللا تع0الى علي00ه وس00لم
(كل ذلك لم يكن) لما قال له ذو اليدين :أقصرت الصالة أم نس00يت ي00ا رس00ول هللا ص00لى هللا
عليه وآله وسلم؟ حين سلم من ركعتين.1
فإن قيل :قد مر النبي صلى هللا عليه وسلم صلى هللا عليه وآله وسلم على جماعة
يُؤَ بِّرون النخ َل وقال لهم( :لو تركتموها لصلحت) فتركوها فشاصت :2أجيب ب00أن ه00ذا من
قبيل اإلنشاء ،ألن المع00نى :ك0ان في رج00ائي ذل00ك ،واإلنش00اء ال يتص00ف بص0دق وال ك00ذب،
وعدم وقوع المترجى ال يعد نقصا ً ،3ودليل وجوب ص00دقهم عليهم الص00الة والس00الم :أنهم
لو لم يصدقوا للزم الكذب في خبره تع00الى ،لتص00ديقه تع00الى لهم ب00المعجزة النازل00ة منزل00ة
قوله تعالى ،صدق عبدي في كل ما يبلغ عني ،وتصديق الكاذب كذب وهو محال في حق00ه
تعالى ،فملزومه –وهو عدم صدقهم -محال ،وإذا استحال عدم صدقهم وجب صدقهم وهو
المطل00وب ،لكن ه00ذا ال00دليل إنم00ا ي00دل على ص00دقهم في دع00وى الرس00الة وفي األحك00ام0
الشرعية ،ألن ذلك هو الذي بلغوه عن هللا تعالى ،وال يدل على صدقهم في غير ذلك كـ “
قام زيد ،وقعد عمر “ ولكن يدل عليه دليل األمان00ة ،ألن00ه داخ00ل فيه00ا ،ول00و التفت لعم00وم
األمانة لتضمنت جميع ما بعدها ،4وعلم من ذلك أن أقسام الصدق ثالثة ،5والمقص00ود هن00ا
األوالن ،6وأما الثالث فهو داخل في األمانة كما علمت.
1الصواب 0لجاز لنا كتم العلم ،ألن كتمهم ذلك دلي00ل على ج0وازه لهم ،فيك0ون ج0ائزا 0لن00ا
أيضا 0،وال يدل على وجوبه عليهم حتى نكون مامورين به.
ْ 2قال هللا تعالى( :إِنَّ الَّ ِذينَ يَ ْكتُ ُمونَ َما أَ ْن َز ْلنَا ِمنَ البَيِّنَا ِ
ت َوال ُهدَى ِمنْ بَ ْع ِد َما بَيَّنَّاهُ لِلنَّا ِ0
س ْ
ب أُولَئِ َك يَ ْل َعنُ ُه ُم هَّللا ُ َويَ ْل َعنُ ُه ُم الاَّل ِعنُونَ ) (البقرة.)159: فِي ا ْل ِكتَا ِ0
ضى زَ ْي ٌد ِم ْن َها َوطَراً زَ َّو ْجنَا َك َه00ا لِ َك ْي ال يَ ُك00ونَ َعلَى ا ْل ُم00ؤْ ِمنِينَ َحَ 0ر ٌج تمام اآلية( :فَلَ َّما قَ َ 3
َ
ض ْوا ِم ْن ُهنَّ َوطَراً َو َكانَ أ ْم ُر هَّللا ِ َم ْف ُعوالً) (األحزاب :من اآلية.)37 اج أَد ِ
ْعيَائِ ِه ْم إِ َذا قَ َ فِي أَ ْز َو ِ4
أخرجه الطبري في التفسير )22/11( 0والبيهقي في دالئل النبوة()3/466
231
{ -132ما يجوز على األنبياء }
-61وجائز في حقهم كاألكل ##وكالجماع للنسا في الح ّل
(قوله :وجائز … إلخ) لم00ا ق00دم الكالم على ال00واجب في ح00ق الرس00ل والمس00تحيل
كذلك ،شرع في الكالم على الجائز في حقهم؛ ألنه كالمركب من الواجب والمس00تحيل فإن00ه
ما يجوز وجوده لهم وعدمه ،وقوله “ :في حقهم “ 0أي على ذاتهم1؛ فـ “ في “ بمع0نى
“ على “ و “ ح00ق “ بمع00نى ال00ذات ،والض00مير للرس00ل وك00ذا األنبي00اء عليهم الص00الة
والسالم ،وقوله “ :كاألكل “ أي مثل األكل ،فالك00اف اس00م بمع00نى مث00ل ،مبت00دأ م00ؤخر ق00د
تقدم خبره وهو “ جائز “ ويص00ح أن يك00ون ف00اعالً ب00ه س00د مس00د الخ00بر على رأي من ال
2
يشترط االعتماد على استفهام أو نحوه ،كما في قوله “ :خبير بنو لهب“ .
وقوله “ :وكالجماع للنسا “ بالقصر للوزن ،وإنما كرر المث00ال إش00ارة إلى أن00ه ال
فرق بين أن يكون الجائز في حقهم 0من توابع الصحة التي ال يستغنى عنها ع00ادة كاألك00ل،
1أخرجه الطبراني 0في األوسط ب00رقم ( )8062عن ابن عب00اس رض00ي هللا تع00الى عن00ه،
قال الهيثمي في مجمع الزوائد كتاب الطهارة رقم ( )1446فيه عبد العزيز بن ثابت ،وهو مجمع
على ضعفه.
2العمى ليس من األمور المنفرة كما تقدم في صدر الكتاب.
3المختار أنه ال يجوز عليهم السهو في األفعال البالغية وهي ما فعل من العبادات 0على
وجه البالغ 0قبل أن تستقر عند الناس وأما بعد االستقرار فتخ0رج عن أن تك0ون بالغي0ة 0،ب0ل هي
عبادات محضة ،فيجوز فيها السهو.
233
غافل اله
ٍ ب
يا سائلي عن رسول هللا كيف سها ##والسه ُو من ك ِّل قل ٍ
س ُّرهُ فسها ##عما سوى هللاِ فالتعظي ُم هلل قد غاب عن كل شيء ِ
وأما النسيان فهو ممتنع في البالغيات قبل تبليغها ،قولية كانت أو فعلية ،فالقولية
كالجنة أعدت للمتقين ،والفعلية كصالة الضحى إذا أمرهم هللا بفعلها ليقت0دي بهم فيه0ا فال
يجوز نسيان كل منهما قبل تبليغ األولى بالقول والثانية بالفعل ،وأم00ا بع00د التبلي00غ فيج00وز
نسيان ما ذكر من هللا تعالى،
وأم00ا نس00يان الش00يطان فمس00تحيل عليهم ،إذ ليس للش00يطان عليهم س00بيل ،وق00ول
الشْ 0يطَانُ ) (الكه00ف :من اآلية )63تواض00ع من00ه ،أو قب00ل نبوت00ه َّ يوش00ع ( َو َم00ا أَ ْن َ
س0انِيهُ إِاَّل
0غ) (الكه00ف :من اآلية)64 وعلمه بحال نفسه ،وإال فهو رحماني بش00هادة ( َذلِ00كَ َم00ا ُكنَّا نَ ْبِ 0
ووسوسة الشيطان آلدم بتمثيل ظاهري ،والممنوع لعبه ببواطنهم،
وبالجملة فيجوز على ظواهرهم ما يجوز على البشر مما ال يؤدي إلى نقص ،وأما
بواطنهم فمنزهة عن ذل00ك متعلق00ة ب00ربهم ،وفي المنن :ك00ان مع00روف الك00رخي يق00ول :لي
ثالثون سنة في حضرة هللا تعالى ما خرجت ،فأنا أكلم هللا والناس يظنون أني أكلمهم اهـ،
فإذا كان هذا حال أح00د األتب00اع ،فم00ا بال00ك باألنبي00اء؟ خصوص0ا ً رئيس00هم األعظم ص00لى هللا
عليه وآله وسلم.
1قوله العتماده … إلخ" فيه نظر ،ألن هذا كاف في مطل00ق العم00ل ال في عم00ل المبت00دأ
المكتفي بمرفوعه عن الخبر 0،إذ هذا البد فيه من االعتماد على نفي أو استفهام كم00ا ه00و م00ذكور
في كتب النحو ،فكان األولى إجراءه على طريقة من ال يشترط االعتم0اد ،كم0ا س0بق ل0ه في ق0ول
المصنف" :وجائز في حقهم كاألكل" أجهوري.
2أي ليست للبيان لكن المعروف استعمال اإلضافة الحقيقي00ة بمع00نى اإلض00افة المعنوي00ة
ويقال للفظية غير الحقيقية.
234
و “ المع00نى “ :م00ا يع00ني من اللفظ 1ويس00مى مفهوم0ا ً باعتب00ار كون00ه يفهم من00ه،
ومدلوالً باعتبار كون اللفظ يدل عليه ،وقوله “ شهادتا اإلسالم “ أي الشهادتان الدالتان
على اإلسالم الذي هو االنقياد الظاهري كما تق00دم ،فاإلض00افة في كالمه 2من إض00افة ال00دال
للمدلول :أو اللتان هما سبب في اإلسالم ،فاإلضافة في كالمه من إضافة السبب للمسبب،
أو اللتان هما الجزء األعظم من مسمى اإلسالم ،بناء على أنه الهيئة المركبة من األركان
الخمس00ة الم00ذكورة في ح00ديث “ ب00ني اإلس00الم على خمس “ 3فاإلض00افة في كالم00ه من
إضافة الجزء للكل.
والجامع لما تقدم من العقائد إنما هو معنى الشهادتين ال لفظهم00ا ،فكالم المص00نف
على حذف مضاف أي معنى شهادتي اإلسالم كما أشار إليه الشارح ،ومع00نى جمع00ه له00ا:
استلزامه لها ألن الملزوم يصح وصفه بجمعه للوازم00ه ب00النظر لداللت00ه عليه00ا ،وقول00ه “
فاطرح المرا “ تكملة :إذا علمت أن كلمتي الشهادتين جمعتا جميع م00ا تق00رر من العقائ00د
اإليمانية ،فاترك الجدال في صحة جمعهما لما ذكر.
وبي00ان م00ا ذك00ره :أن الجمل00ة األولى نفت األلوهي00ة عن غ00يره تع00الى وأثبتته00ا ل00ه
تعالى ،وحقيقة األلوهية العبادة بحق ،4ويلزم منها استغناء اإلله عن كل ما سواه وافتقار
كل ما عداه إليه ،فحقيقة اإلله المعب00ود بح0ق ،ويل0زم من00ه أن00ه مس00تغن عن ك00ل م0ا س0واه
ومفتقر إليه كل ما عداه فمعنى “ ال إل00ه إال هللا “ الحقيقي :ال معب00ود في الواق00ع إلى هللا،
ومعناها بطريق اللزوم :ال مستغنيا ً عن ك0ل م0ا س0واه ومفتق0راً إلي0ه ك0ل م0ا ع0داه إال هللا،
فتفسير الشيخ السنوسي الذي ذكره في الصغرى بالالزم ال بالحقيقة.
وإنما اختاره لكون استلزامه للعقائد المتقدمة أظه00ر من اس00تلزام المع00نى الحقيقي
لها.
ف00إذا علمت ذل00ك ف00اعلم أن االس00تغناء يس00تلزم وج00وب وج00وده ،وقدم00ه ،وبقائ00ه،
ومخالفت00ه للح00وادث ،وقيام00ه بنفس00ه ،وتنزه00ه عن النق00ائص ،وي00دخل في ذل00ك الس00مع،
والبص00ر ،والكالم ،ولوازمه00ا :وهي كون00ه س00ميعاً ،وبص00يراً ،ومتكلم0اً ،بن00اء على الق00ول
باألحوال إذ لو لم تجب له هذه الصفات لكان محتاج 0ا ً إلى المح00دث أو المح00ل أو من ي00دفع
عن00ه النق00ائص ،فه00ذه إح00دى عش00رة عقي00دة من الواجب00ات ،وإذا وجبت ه00ذه الص00فات
استحالت أضدادها فهذه إحدى عشرة عقيدة من المستحيالت.
1التحقيق أن المعنى ما يعنى من لفظ أو ال من لف00ظ فالتقي00د بقول00ه :من اللف00ظ ليس في
محله.
2
التحقيق أن اإلضافة للمالبس0ة 0واالختص0اص 0أي الش0هادتان المتعلقت00ان والمالبس0تان
لإلسالم لكن لك أن تقول إن هذا التعلق والمالبسة إما على هذا الوجه أو على ذلك الوجه.
3الحديث أخرجه البخاري في كتاب اإليمان برقم ( )8ومسلم في كت00اب اإليم00ان 0ب00رقم (
)16عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما.
4قوله العبادة بح00ق .األولى اس00تحقاق العب00ادة فالعب00ادة في كالم الش00ارح مص0در مب00ني
للمجهول أي كونه معبوداً بحق.
235
ويستلزم أيضا ً نفي وجوب فعل شيء من الممكنات أو تركه ،وإال لزم افتقاره إلى
فعل ذلك الشيء أو تركه ليتكمل ب0ه فه0ذه عقي0دة الج0ائز ،فجمل0ة م0ا اس0تلزمه االس0تغناء
ثالثة وعشرون عقيدة.
وأما االفتقار فيستلزم الحياة والقدرة واإلرادة والعلم ،ولوازمه00ا :وهي كون00ه حي0ا ً
وقادراً ومريداً وعالما ً بناء على القول باألحوال ،ويستلزم أيض0ا ً الوحدانية ،1فه0ذه تس00عة
من العقائ00د الواجب00ات ،وم00تى وجبت ه00ذه الص00فات اس00تحالت أض00دادها فه00ذه تس00عة من
العقائد المستحيالت ،فجملة ما استلزمه االفتقار ثمان عشرة عقي00دة ،ف00إذا ض00مت للثالث00ة
والعش00رين الس00ابقة ك00ان المجم00وع واح00داً وأربعين :ال00واجب هلل تع00الى منه00ا عش00رون،
والمستحيل عليه عشرون ،والجائز عليه واحد ،فق00د اش00تملت الجمل00ة األولى على أقس00ام
الحكم العقلي الثالثة الراجعة 0له تعالى.
والجمل00ة الثاني00ة فيه00ا اإلق00رار برس00الته ص00لىاهلل علي00ه ويلم ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم ،ويلزم منه تصديقه في كل ما جاء به ،ويندرج فيه وجوب صدق الرس00ل وأم00انتهم
وفطانتهم وتبليغهم لما أمروا بتبليغه للخلق ،ويندرج فيه أيضا ً اس00تحالة الك00ذب والخيان00ة
والغفلة والكتمان عليهم ،ويندرج فيه أيضا ً جواز جميع األعراض البشرية التي ال ت00ؤدي
إلى نقص في مراتبهم العلية ،وه00ذه جمل00ة أقس00ام الحكم العقلي الثالث00ة المتعلق00ة بالرس00ل
عليهم الصالة والسالم،
فقد بان لك تضمن كلمتي الشهادة لجميع العقائد المتقدم00ة ،ولعلهم00ا له00ذا المع00نى
مع اختص00ارهما جعلهم00ا الش00ارع ترجم00ة عم00ا في القلب من اإليم00ان ،ولم يقب00ل من أح00د
اإليمان إال بهما مع القدرة عليهما وقد نص العلم00اء على أن00ه الب00د من فهم معناهم00ا ول00و
إجماالً ،وإال لم ينتفع الناطق بهما،
وقال بعضهم :األوسع للذاكر أن يالحظ أخذهما من الق00رآن ليث00اب عليهم00ا مطلق0اً،
وقد اختلف العلماء هل األفضل المد أو القص00ر ،فمنهم من اخت00ار الم00د ليستش00عر المتلف00ظ
بهما بنفي األلوهية عن كل موج00ود س00واه تع00الى ،ومنهم من اخت00ار القص00ر لئال تخترم00ه
المنية قبل التلفظ بذكر هللا تعالى ،وفصل بعضهم بين أن يك00ون أول كالم00ه بهم00ا فيقص00ر،
وإال فيمد ،وأما حذف ألف هللا فهو لحن ال يصح معه ذكر وال تنعقد معه يمين.
واعلم أن النفي منص00ب على المعب00ود بح00ق في الواق00ع ،ف00المعنى :انتفى المعب00ود
بحق في الواقع إال هللا ،كما يص00ح جعل00ه منص00با ً على م00ا في ذهن الم00ؤمن ،ألن00ه يتص00ور
أفراد المعبود بحق على سبيل الفرض ،ثم يحكم عليها بالنفي إال هللا ،2لكن ال يحصل ال00رد
على الكفار إال باعتبار الواقع ،وال يصح أن يكون منصبا ً على ما في ذهن الكافر ،ألن م00ا
في ذهنه من األصنام ثابت ال يصح نفيه.
1ألنه لو كان معه آخر لما احتاج ذلك اإلله إليه تعالى.
2أي غير هللا أي فينفي عن هذا األفراد الذهنية الموجو َد في الواقع ،وأما المش0رك فم0ا
في ذهنه من األفراد وهي صور األصنام 0لها وج00ود في الواق00ع ،فال يص00ح نفي الوج00ود ال00واقعي
لها فال يصح الرد عليهم إال بأن يراد مع00نى ال معب00ود بح00ق في الواق00ع إال هللا تع00الى .ه00ذا مع00نى
كالم الشارح.
236
والتحقيق أن الكلمة المشرفة من قبيل عموم السلب أي السلب العام لجمي00ع أف00راد
اإلله ما ع00دا المس00تثنى ،ألن00ه يجب على المتكلم به00ذه الكلم00ة أن يالح00ظ أن الحكم 0ب00النفي
منصب على جميع أفراد اإلله غير المستثنى؛ ألنه لو جعله شامالً للمستثنى لكف00ر؛ فقول00ه
“ إال هللا “ قرينة على م00ا أراده أوالً ،لكن جعله00ا من عم00وم الس00لب على خالف القاع00دة
من أنه إذا تقدمت أداة السلب على أداة العموم كان الكالم من سلب العموم 10كما في قولهم
“ لم آخذ كل الدراهم “ فإن الحق أنها قاعدة أغلبية ،وال يصح أن تكون الكلمة المش00رفة
من سلب العموم على القاعدة ،ألنها حينئذ ال تفيد التوحيد ،وقول بعضهم :إنه0ا من س0لب
العم00وم ،محم00ول على أنه00ا س00لبت عم00وم 2األلوهي00ة لغ00ير المس00تثنى وقص00رتها على
المستثنى ،لكن ال يفيد ذلك جوهر الكلمة المشرفة.3
1أقول الكلمة الطبية 0ليست من أفراد هذه القاع0دة ألن0ه ال يوج0د فيه0ا أداة عم0وم دخ0ل
عليه النفي 0والعموم الواقع فيها مفاد ال التي لنفي الجنس أو مفاد وقوع النك00رة في س00ياق النفي
فهو من مفاد ال كالنفي 0وهللا أعلم.
2أي كون األلوهية عامة موجودة في غيره تعالى ،وقصرتها عليه تعالى.
3وذلك ألن مدلول الكلمة الطيبة الس00لب الع00ام لجمي00ع أف00راد اإلل00ه م00ا ع00دا هللا ال س00لب
عموم األلوهية لغيره تعالى 0وقصرها عليه وإن كان هذا الزما ً لألول.
4هذا مبني على الفرق بين الن0بي والرس0ول ب0األمر 0ب00التبليغ وعدم00ه والمحقق00ون على
خالفه.
5
أقول بل الخالف في معناها 0مبني على الخالف في أنها مكتسبة أو غير مكتسبة .وهو
واضح.
237
والسنة ،فقد ق00ال تع00الىَ ( :و َخ 0اتَ َم النَّبِيِّينَ ) (األح00زاب :من اآلية 1)40وق00ال علي00ه الص00الة
والسالم( :ال نبي بعدي) 2وأجمعت األمة على إبقائه على ظاهره،
وأما الوالية ففيها طريقتان ، 3واألظهر التفصيل ،فمنها ما هو مكتسب وهو امتثال
المأمورات واجتناب المنهيات ،وتسمى الوالية العامة ،ومنها ما هو غ00ير مكتس00ب :وه00و
العطايا الربانية كالعلم اللدني ورؤية اللوح المحفوظ وغير ذلك.
(قوله :ولو رقى في الخير أعلى عقبة) أي ولو فعل العبد في الخير أشق العب00ادات
فشبه أش00ق العب00ادات ب00أعلى عقب00ة ،وهي في األص00ل الطري00ق الص00اعد في الجب00ل بج00امع
المشقة في كل ،واستعير لفظ المشبه به للمشبه على طريق االستعارة التص00ريحية ورقى
ترشيح لالستعارة ،ألن الرقى معناه الصمود وهو مناسب للمشبه به.
بل ذاك فضل هللا يؤتيه لمن ##يشاء جل هللا واهب المنن -64
(قوله بل ذاك فضل هللا) هذا إضراب انتقالي ال إبط0الي ،واس0م اإلش0ارة عائ0د على
المذكور من النبوة .والفضل إعطاء الشيء لغير عوض ال عاجل وال آج00ل ،ول00ذا ال يك00ون
لغيره تعالى ،وفي الكالم حذف مضاف ،والتقدير :بل المذكورة من النبوة أث00ر فض00ل هللا،4
وقد فسر الشارح اسم اإلشارة باالصطفاء ب00النبوة واالختي00ار للرس00الة ،وعلي00ه فال حاج00ة
لتق00دير المض00اف الم00ذكور ،وإن ق00دره الش00ارح م00ع ذل0ك التفس00ير :ألن االص00طفاء للنب00وة
واالختيار للرسالة جزئي من جزئيات فضل هللا ال أثره ،وقوله “ :يؤتيه لمن يشاء “ أي
آتاه وأعطاه لمن شاء ،وأراده في األزل 5لذلك ممن كان مستجمعا ً لشروط النبوة ،فالمراد
بالمضارع الماضي فيهما ،وإنما عبر بالمضارع استحضاراً للصورة العجيبة 6وإنم00ا ك00ان
المضارع بمعنى الماضي في األول ،ألن إيتاء النبوة قد انقطع بع00ده ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم فإنه خاتم النبيين ،وفي الثاني ألن مشيئته وإرادته تعالى لذلك ثابتة في األزل ،وإن
تأخر اإليتاء بالفعل فيما ال يزال ،والض00مير المنص00وب في “ يؤتي00ه “ عائ00د على الفض00ل
1اآلية بتمامهاَ ( :ما َكانَ ُم َح َّم ٌد أَبَا أَ َح ٍد ِمنْ ِر َجالِ ُك ْم َولَ ِكنْ َر ُ
سو َل هَّللا ِ َو َخاتَ َم النَّبِيِّينَ َو َكانَ
هَّللا ُ بِ ُك ِّل ش َْي ٍء َعلِيماً)( 0األحزاب.)400:
2أخرجه مسلم في كتاب اإليمان برقم( )1842عن جب00ير بن مطعم وأخرج00ه البخ00اري
برقم (.)3455
َّ
3التحقي0ق أن الوالي0ة مكتس0بة ألن هللا تع0الى 0ق0د ع0رف األولي0اء 0بقول0ه( :ال ِذينَ آ َمنُ0وا
َو َكانُوا يَتَّقُونَ )( 0يونس )63:فالوالية هي اإليمان 0والتقوى ولكن للتقوى مراتب بحسبها تتف00اوت
مراتب الوالية 0،نعم قد يتبع الوالية أمور كالكشوف والكرامات والعلم الل00دني لكنه00ا أم00ور تابع00ة
للوالية وليست من مقوماتها وال مالزمة لها وهللا أعلم.
4ال حاجة إلى هذا التقدير فإن المتعارف في الكالم أن الفضل بمعنى المتفضل به.
5قوله :في األزل متعلق بأراده واسم اإلشارة إشارة للنبوة وقوله ممن ك00ان بي00ان لمن
في من شاء.
6و لك أن تقول المضارع على معناه من االستقبال لكن االستقبال بالنسبة 0إلى المشيئة0
ال بالنسبة 0إلى زمن التكلم.
238
بمعنى المتفضل به ال بالمعنى الس0ابق ،ففي الكالم اس0تخدام ،وإنم0ا قلن0ا ذل0ك ألن الفض0ل
بالمعنى السابق ال يتصف بذلك
(قول00ه ج00ل هللا) أي ت00نزه هللا عن أن يُن00ال ش00يء لم يكن أراد إعط00اءه ،وقول00ه “
واهب المنن “ أي معطي العطايا بدون عوض ،ف0الواهب بمع0نى المعطي ب00دون ع00وض،
والمنن بمعنى العطايا أي األم00ور ال0تي ت00ؤول إلى كونه00ا عطاي0ا ففي كالم00ه مج00از األول،
وإال لزم تحصيل الحاصل ،كما في قوله ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم( :من قت00ل ق00تيالً فل00ه
1
سلبه)
أي من قتل شخصا ً يؤول أمره إلى كونه قتيالً فله سلبه ،كذا قيل ،والحق أن00ه ليس
من المجاز في شيء وال يلزم تحص00يل الحاص00ل ألن الم00راد :من قت00ل ق00تيالً به00ذا القت00ل ال
بغيره ، 2حتى يلزم ما ذكر ،ولذلك شنع السبكي في عروس األفراح على من جعل الح00ديث
3
المذكور من مجاز األول ،فالمراد هنا العطايا بهذا اإلعطاء.
قال الشارح :وظاهر السياق أن المراد بالمنن الكاملة ك00النبوة :أي فتك00ون “ أل “
للعهد 4والمعهود النوع الكامل منه0ا ،واألحس0ن أن تك0ون لالس0تغراق ،فإن0ه تع0الى واهب
لجميع المنن جليلها وحقيرها.
بقي أنه قد تقرر أن أسماء هللا تعالى توقيفية ،5مع أن “ الواهب “ لم يرد ،وإنم00ا
الوارد في األسماء الوهاب ،وحينئذ فكيف يطلق المصنف الواهب عليه تعالى؛ وقد يق00ال:
إن المصنف جار على طريقة من يكتفي ب00ورود الم00ادة ،أو على طريق00ة من يج00وز إطالق
كل ما يدل على الكمال ،وإن لم يرد ،وهذا على تسليم عدم ورود “ ال00واهب “ وأم00ا على
وروده كما عزاه بعضهم البن حجر في شرحه على المنهاج في باب العقيقة فال إشكال.
1ال وجه له0ذا التعميم ألن الفض0ل ال يحتم00ل الخص0وص بال00دنيا أو ب0اآلخرة ح0تى يعمم
إليهما والتعميم إنما يفيد فيما يحتمل الخصوص.
2لعل وج0ه األولوي0ة أن نبين0ا 0ذات وأفض0ل وص0ف وه0و أح0ق بالخبري0ة والتحقي0ق أن
العكس هو األولى ألن المقام مقام بيان 0أن أفضل الخل00ق من ه00و ال مق00ام بي00ان 0ص00فاته ص00لى هللا
عليه وآله وسلم.
3عموم بعثته ب00المعنى اآلتي ال ين00افي االختص00اص 0ال00واقعي الواق00ع في ع00الم 0الش00هادة
فاإلضافة لالختصاص 0،بل األولى أنها لمطلق المالبسة والمقصود منها تعريف المضاف.
4األولى عبارة عن هذه األمة ألن الرجوع إنما يستعمل في ضمير الغائب.
240
عليه وآله وسلم مستثنى من الخالف اآلتي في التفضيل بين المالئك0ة والبش0ر ،وال ع0برة
بما زعمه الزمخشري من تفضيل جبريل عليه صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم مس00تدالً بقول00ه
يم … اآلي0ة) (التك0وير) حيث ع0د من فض0ائل جبري0ل ،فإن0ه ول َكِ 0ر ٍ
سٍ 0 تعالى( :إِنَّهُ لَقَ ْ
0و ُل َر ُ
ين) (التك00وير )21:واقتص00ر على نفي الجن00ون َ
وصف فيه بأنه رسول كريم إلى قوله( :أ ِم ٍ
0ون) (التك00وير )22:وق00د احبُ ُك ْم بِ َم ْجنٍُ 0
ص ِ(و َما َ
عنه صلى هللا عليه وآله وسلم بقوله تعالىَ :
خرق في ذلك اإلجم00اع ،وال دالل00ة في اآلي00ة لم00ا ادع00اه ،ألن المقص00ود منه00ا نفي ق00ولهم:
ش ٌ 0ر) (النح00ل :من اآلية )103وق00ولهم (أَ ْفتَ َ 0رى َعلَى هَّللا ِ َك ِ 0ذبا ً أَ ْم بِ ِ 0ه ِجنَّةٌ) (إِنَّ َم00ا يُ َعلِّ ُم 0هُ بَ َ
(سـبأ :من اآلية)8؟ وليس المقصود المفاضلة بينهما ،وإنما هو شيء اقتضاه الح00ال وال
عبرة بما قد يتوهم من تفضيل جبريل عليه ،لكونه كان يعلمه صلى هللا عليه وآله وس00لم،
فكم من معلم –بالفتح -أفضل من معلم –بالكسر ،على أنه ق0د ذك0ر الش0يخ ابن الع0ربي في
الفتوحات أن القرآن أنزل عليه صلى هللا عليه وآله وسلم قبل نزول جبريل به علي00ه ،لكن
قال الشيخ الشعراني بعد أن نقل ذلك عنه ،وفيه نظر ،ولم أطلع على ذل0ك في ح00ديث وهللا
أعلم،1
وما ورد من النهي عن تفضيله صلى هللا عليه وآله وسلم ،كقوله صلى هللا علي00ه
وآل00ه وس00لم( :ال تفض00لوني على األنبي00اء) ،2وقول00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم( :ال
تفضلوني على يونس بن متَّى) 3والتحقيق إن “ َمتَّى “ اسم أبيه ،خالفا ً لعبد الرزاق كما
رجح ابن حجر ،4وقوله صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم( :ال تخ00يروني على موس00ى) 5ونح00و
ذلك ،فمحمول على تفضيل يؤدي إلى تنقيص غيره من األنبياء ،أو أن00ه قال00ه قب00ل أن يعلم
أنه أفضل.
ويحتمل أنه قال تأدبا ً وتواضعاً ،وقيل :معنى ال تفض00لوني على ي00ونس بن م00تى ال
تعتق00دوا أني أق00رب إلى هللا من ي00ونس في الحس ،حيث ن00اجيت هللا من ف00وق الس00موات
السبع وهو ناجى ربه في بطن الحوت في قاع البحر لتنزه0ه تع0الى عن الجه00ة والمك00ان،
فيستوي في حقه من فوق السموات ومن في قاع البحار ،وعدم التفضيل بهذا االعتبار ال
أولي الع00زم بقي00ة الرس00ل ،ثم األنبي00اء غ00ير الرس00ل م00ع تف00اوت م00راتبهم عن00د هللا تع00الى؛
1أقول :كالم الناظم ليس إال إخباراً عن الواقع ال بي00ان 0لم00ا ه0و ال00واجب لك00ل واح00د من
األنبياء 0من عدد المعجزات 0،والواقع أن كل واحد منهم قد أيد بمعجزات كثيرة وهي س0نة هللا م0ع
أنبيائه.
245
وقوله “ تكرما ً “ أي تفضالً وإحسانا ً من غ00ير إيج00اب وال وج00وب ،وأش00ار ب00ذلك
إلى الرد على من أوجب عليه تعالى المعجزة كما أوجب عليه اإلرس00ال ،وإال لبطلت فائ00دة
اإلرسال ،وذلك مبني على قولهم بوجوب الصالح واألصلح المبني على قاع00دتهم الباطل00ة
وهو قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين ،فالحق أنه ال يجب على هللا شيء ألحد من خلقه
سأَلُونَ ) (األنبياء)23:
سأ َ ُل َع َّما يَ ْف َع ُل َو ُه ْم يُ ْ
(ال يُ ْ
{ -140تعريف المعجزة والفرق بينها وبين غيرها من خوارق العادات }
واعلم أن المعجزة لغة مأخوذة من العجز وهو ضد القدرة( ،وعرف 0اً :أم00ر خ00ارق
للعادة مقرون بالتحدي ،الذي هو دعوى الرسالة أو النب0وة ،م0ع ع0دم المعارض0ة) :وق0ال
السعد( :هي أمر يظه00ر بخالف الع00ادة على ي00د م00دعي النب00وة عن00د تح00دي المنك00رين على
وجه يعجز المنكرين عن اإلتيان بمثله)،
وقد اعتبر المحققون فيها سبعة قيود:
األول :أن تكون قوالً أو فعالً أو تركاً ،فاألول كالقرآن ،والثاني كنبع الم00اء من بين
أصابعه صلى هللا عليه وآله وسلم ،1والثالث كع0دم 0إح0راق الن00ار لس00يدنا إب0راهيم ،وخ00رج
بذلك الصفة القديمة ،كما إذ قال :آية صدقي كون اإلله متصفا ً بصفة االختراع،2
الثاني :أن تكون خارقة للعادة وهي م00ا اعت00اده الن00اس واس00تمروا علي00ه م00رة بع00د
أخرى ،وخرج بذلك غير الخارق ،كما إذا قال :آية ص00دقي طل00وع الش00مس من حيث طل00ع
وغروبها من حيث تغرب،
الثالث :أن تكون على يد مدعي النبوة أو الرسالة ،وخرج ب00ذلك الكرام00ة وهي م00ا
يظهر على يد عبد ظاهر الصالح ،والمعون0ة 0وهي م0ا يظه0ر على ي0د الع0وام 0تخليص0ا ً لهم
من شدة ،واالستدراج وهو ما يظهر على يد فاسق خديعة ومك00راً ب00ه ،واإلهان00ة وه00و م00ا
يظهر على يده تكذيبا ً له كما وقع لمسيلَمة الك00ذاب فإن0ه تف00ل في عين أع0ور لت0برأ فعميت
الصحيحة.
الرابع :أن تكون مقرونة بدعوى النبوة أو الرس00الة حقيق00ة أو حكم0ا ً ب00أن ت00أخرت
بزمن يسير ،3وخ0رج ب0ذلك اإلره0اص :وه0و م0ا ك0ان قب0ل النب0وة والرس0الة تأسيس0ا ً له0ا
كإظالل الغمام له صلى هللا عليه وآله وسلم قبل البعثة،4
1أخرج حديث نب0ع الم0اء البخ0اري في كت0اب الوض0وء ب0رقم ( )169ومس0لم في كت0اب
الفضائل برقم (.)2279
2األولى بصفة اإلبداع أو بصفة الخلق ألنهم00ا التعب00يران ال00واردان في الكت00اب والس00نة
وأما االختراع فمن تعبيرات 0الفالسفة التي سرت إلى المتكلمين.
3أق00ول :الن00بي والرس00ول م00دعيان للنب00وة والرس00الة في ك00ل آن من آن00ات عمره00ا 0،وال
ينفكان عن هذه الدعوى في أي زمن من األزمان ،فال وجه لقول الشارح هذا.
4راجع دالئل النبوة لألصبهاني )1/45( 0برقم ( )19وتاريخ الط00بري ( .)1/519ورواه
الترمذي ( )3620وقال حسن غريب.
246
الخامس :أن تكون موافقة للدعوى ،وخرج بذلك المخالف له00ا ،كم00ا إذا ق00ال :آي00ة
صدقي انفالق البحر فانفلق الجبل،
السادس :أن ال تكون مكذبة له ،وخرج بذلك ما إذا كانت مكذبة ل0ه ،كم0ا إذا ق0ال:
آية صدقي نطق هذا الجماد فنطق بأنه مفتر كذاب ،بخالف ما ل00و ق00ال :آي00ة ص00دقي نط00ق
هذا اإلنسان الميت وإحياؤه فأحيي ونطق بأنه مفتر ك00ذاب ،والف00رق أن الجم00اد ال اختي00ار
له ،فاعتبر تكذيبه ألنه أمر إلهي ،واإلنسان مختار فال يعتبر تكذيبه ألنه ربما اختار الكف00ر
على اإليمان،
السابع :أن تتعذر معارضته ،وخ00رج ب00ذلك الس00حر ومن00ه الش00عبذة ،وهي خف00ة في
اليد يرى أن لها حقيقة وال حقيقة لها كما يقع للحواة،1
وزاد بعضهم :ثامناً :وهو أن ال تكون في زمن نقض العادة كزمن طل00وع الش00مس
من مغربها ،وخرج بذلك ما يقع من الدجال كأمره للسماء أن تُ ْم ِطَ 0ر فَتُ ْم ِطُ 0ر ،ولألرض أن
تُ ْنبِتَ فتنبت ،وقد نظم بعضهم أقسام األمر الخارق للعادة ،فقال:
صدَر إذا ما رأيت األم َر يخ ُرق عادةً ##فمعجزةٌ إن ِمنْ نبي لنا َ
وإن بان منه قبل وصف نبوة ##فاإلرهاص سمه تتبع القوم في األثر
وإن جاء يوما ً من ولي فإنه الـ ##كرامة في التحقيق عند ذوي النظر
وإن كان من بعض العوام صدوره ##ف َكنّوه حقا ً بالمعونة واشتهر
س َّمى باالستدراج فيما قد استقر ومن فاسق إن كان وفق مراده ##يُ َ
وإال فيدعى باإلهانة عندهم ##وقد تمت األقسام عند الذي اختبر
وزاد بعضهم السحر ،وقيل :إنه ليس من الخوارق ألنه معتاد عند تعاطي أسبابه،
{ - 142محمد صلى هللا تعالى عليه وسلم خاتم األنبياء ومرسل إلى الناس كافة}
ص خي ُر الخلق أن قد تمما ##به الجمي َع ربنا و َع َّمما َ ُ
وخ ّ -69
(قوله وخص خير الخلق) ببناء الفع00ل للمفع00ول ،و “ خ00ير الخل00ق “ ن00ائب فاع00ل
الذي هو هللا ،واألصل :وخص هللا خير الخلق أي أفضلهم وهو نبينا محمد صلى هللا عليه
وآله وسلم ،و “ خير “ أفعل تفضيل أصله “ أخير “ كأكرم ،ح00ذفت من00ه الهم00زة لك00ثرة
االستعمال ،وقوله “ :أن قد تمما ##ب0ه الجمي0ع ربن0ا “ أي ب0أن ختم ربن0ا ب0ه ص0لى هللا
عليه وآله وسلم جميع األنبياء ،فالباء مق00درة وهي داخل00ة على المقص00ور ،فتتميم جمي00ع
األنبياء مقصور عليه صلى هللا عليه وآله وسلم ال يتعداه إلى غيره ،ق00ال تع00الىَ ( :و َخ 0اتَ َم
النَّبِيِّينَ ) (األحزاب :من اآلية )40ويلزم منه ختم المرسلين ،ألنه يل00زم من ختم األعم ختم
األخص من غير عكس ،وال يشكل ذلك بنزول سيدنا عيسى عليه الصالة والسالم في آخر
الزمان ،ألنه إنما ينزل حاكما ً بش00ريعة نبين00ا ومتبع0ا ً ل00ه ،وال ين00افي ذل00ك أن00ه حين نزول00ه
يحكم برفع الجزية عن أهل الكتاب ،وال يقبل منهم إال اإلسالم أو الس00يف ،ألن نبين00ا أخ00بر
أنها مغياة إلى نزول عيسى ،فحكمه بذلك إنما هو بشريعة نبينا.
248
وخصائصه صلى هللا عليه وآله وسلم ال تنحصر ح00داً وال ع00داً ،ولكن المهم منه00ا
ما ذكره المصنف (قوله وعمما بعثته) أي وخص أيضا ً بأن عمم ربنا بعثته ،فالباء مقدرة
وهي داخلة على المقصور كما في الذي قبله ،فتعميم البعثة مقصور عليه صلى هللا علي00ه
وآله وسلم ال يتعداه إلى غيره ،فأرسله هللا إلى جمي0ع المكلفين من الثقلين إرس0ال تكلي00ف
اتفاقاً.
وأما المالئكة فقد تقدم فيهم الخالف ،واألصح 1أن0ه مرس00ل إليهم إرس0ال تش0ريف،
وبعضهم اعتمد أنه مرسل إليهم إرسال تكليف بما يلي00ق بهم ،ف00إن منهم الراك00ع والس00اجد
إلى يوم القيامة.
وما كلف به اإلنس تفصيالً وإجماالً ،فقد كلف ب00ه الجن ك00ذلك وش00مل ذل00ك ي00أجوج
ومأجوج –بالهمز وتركه -وهم أوالد يافث بن نوح ،وقي00ل :جي00ل من ال00ترك ،وقي00ل :غ00ير
ذلك.
والتحقيق أنه صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم مرس00ل لجمي00ع األنبي00اء واألمم الس00ابقة،
لكن باعتب000ار ع000الم األرواح ،ف000إن روح000ه خلقت قب000ل األرواح وأرس000لها هللا لهم فبلغت
الجميع ، 2واألنبياء نوابه في عالم األجسام ،فهو صلى هللا عليه وآله وسلم مرسل لجمي00ع
الناس من لدن آدم إلى يوم القيامة حتى إلى نفس00ه ،ل00دخول الجمي00ع تحت قول00ه ص00لى هللا
س) (و َم00ا أَ ْر َ
سْ 0لنَاكَ إِاَّل َكافَّةً لِلنَّا ِ
3
عليه وآله وسلم( :بعثت إلى الن00اس كافة )وقول00ه تع00الىَ :
(سـبأ :من اآلية )28فمن نفى عموم بعثته صلى هللا عليه وآله وسلم فق0د كف0ر ،وفي ذل0ك
رد على العيسوية وهم فرقة من اليهود زعم00وا تخص00يص رس00الته ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم بالعرب.
ال يقال :تعميم البعثة ليس خاصا ً بنبينا صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ب00ل مثل00ه ن00وح
فإنه كان مبعوثا ً لجميع من في األرض بعد الطوفان ،ألنا نقول :تعميم بعثة ن00وح ليس من
أصل البعثة بل أمر اتفاقي ،ألن00ه لم يس00لم من الهالك إال من ك00ان مع00ه في الس00فينة ،وأم00ا
تعميم بعثة سيدنا محمد صلى هللا عليه وآله وسلم فهو من أصل البعثة ،ومقتضى ما ذك00ر
" 1واألص000ح ..إلخ" ال000ذي في ش000رح المص000نف الخالف في أن000ه أرس000ل إليهم أوال،
فبعضهم جعله مرسالً إليهم ،وبعضهم نف00اه انتهى خالص00ة كالم00ه ،والظ00اهر 0أن ه00ذا الن00افي ه00و
عين القائل 0بأنه أرسل إليهم إرسال تشريف ،فالمراد بإرساله إليهم إرسال تشريف :أنهم ش00رفوا
ببعثته من غير أن يأمرهم بشيء ،أو ينهاهم عنه .أجهوري.
2هذا ما ال دليل عليه نعم قرر اإلمام السبكي عم0وم بعثت0ه ص00لى هللا علي0ه وآل00ه وس00لم
بوجه آخر في رسالة له سماها "التعظيم 0والمن00ة في لت00ؤمنن ب00ه ولتنص00رنه" وهي مدرج00ة في
فتاويه.
3
أخرج البخاري في كتاب 0ال0تيمم الح0ديث الث0اني ب0رقم ( )3122)338)335عن ج0ابر
بن عبد هللا أن النبي صلى هللا تعالى 0عليه وآله وسلم قال( :أعطيت 0خمس 0ا ً لم يعطهن أح00د قبلي،
نصرت بالرعب 0مسيرة شهر ،وجعلت لي األرض مسجداً وطهوراً ،فأيما رجل من أم00تي أدركت00ه
الصالة فليصل ،وأحلت لي الغن0ائم ،ولم تح00ل ألح00د قبلي ،وأعطيت 0الش00فاعة 0،وك0ان الن0بي يبعث
إلى قومه خاصة ،وبعثت إلى الناس عامة ،ورواه مسلم في كتاب المساجد برقم (.)521
249
أن بعثة نوح لم تكن عامة قبل الطوفان ،فيكون بعض المغرقين لم يرسل إليهم فيق00ال :لم
س0والً) يرسل إليهم فم0ا م0وجب غ0رقهم؟ وق0د ق0ال تع0الىَ ( :و َم0ا ُكنَّا ُم َع ِّ
0ذبِينَ َحتَّى نَ ْب َع َث َر ُ
(اإلسراء :من اآلية )15ولذلك قي00ل إنه00ا عام00ة قب00ل الطوف00ان ،ولع00ل األول تمس00ك بقول00ه
اص0ةً) (األنف00ال :من اآلية )25وعلى تعالىَ ( :واتَّقُوا فِ ْتنَ0ةً ال ت ِ
ُص0يبَنَّ الَّ ِذينَ ظَلَ ُم00وا ِم ْن ُك ْم َخ َّ
القول بعموم بعثته قبل الطوفان فالتعميم خاص بزمنه فقط ،وتعميم رسالة نبينا ص00لى هللا
عليه وآله وسلم لزمنه وللزمن الذي بعده بل والذي قبله كما تقدم ،ف00أين التعميم الخ00اص
من التعميم الع00ام؟ على أن س00يدنا نوح0ا ً لم يرس00ل إلى الجن ،فإن00ه لم يرس00ل لهم إال نبين00ا
محمد صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ،1وأم00ا تس00خير الجن لس00ليمان علي00ه الص00الة والس00الم
فتسخير سلطنة وملك ال تسخير نبوة.
{ -143شريعة محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ال تنسخ بغيرها}
سخ ##بغيره حتى الزمان ينسخ بِ ْعثَتَهُ فشرعُه ال يُ ْن َ -70
(قوله فشرعه ال ينسخ ##بغيره) مفرع على ختم النبوة به وتعميم بعثته ،فالف00اء
للتفريع ،ويص0ح أن تك0ون ف0اء الفص0يحة ألنه0ا أفص0حت عن ش0رط مق0در ،والتق0دير :إذا
علمت أن00ه خ00اتم النب00يين وأن بعثت00ه عام00ة فش00رعه ال ينس00خ بغ00يره2؛ ال كال وال بعض 0اً،
والشرع -لغة :البيان ،واصطالحاً :األحكام الشرعية .والنسخ -لغة :اإلزال00ة والنق00ل ،من00ه
1ما هو الدليل على هذا؟
2ال يخفى أنه ال يصح ربط كون شرعه ال ينسخ بعلم أنه خاتم النب00يين 0،ب00ل إنم00ا يص00ح
ربطه بكونه خاتم النبيين فال وجه للحمل على الفصيحة.
250
نسخت الشمس الظل أي أزالته ،ونسخت الكتاب أي نقلته ،وهل هو حقيقة في المعن00يين،
أو حقيق00ة في األول مج00از في الث00اني ،أو ب00العكس؟ أق00وال ،وخ00ير األم00ور أوس00اطها،
فالص00حيح أن00ه حقيق00ة في األول مج00از في الث00اني ،واص00طالحاً :رف00ع حكم ش00رعي ب00دليل
شرعي ،والمراد برفع الحكم الشرعي انقطاع تعلقه بالمكلفين ألنه خطاب هللا تعالى ،وهو
يستحيل رفعه ألنه قديم ،بخالف التعلق فال يستحيل رفعه ألنه حادث.
وقوله “ حتى الزمان ينسخ “ أي فشرعه صلى هللا عليه وآله وسلم مس00تمر إلى
نسخ الزمان ،فالمراد بـ “ حتى “ الغاية مع كونها ابتدائية ،و “ الزم00ان “ مبت00دأ خ00بره
“ ينسخ “ والمراد بالنسخ هنا :المعنى اللغوي وهو اإلزالة ،فالمعنى :حتى الزمان يزال
ويرفع بحضور يوم القيامة ،لقوله صلى هللا عليه وآله وسلم( :لن تزال هذه األم00ة قائم00ة
على أم00ر هللا –يع00ني ال00دين الح00ق -ال يض00رهم من خ00الفهم ح00تى ي00أتي أم00ر هللا “ 1أي
الساعة؛ وهو على حذف مضاف :أي قربه00ا ،ألن المؤم00نين يموت00ون قب00ل الس00اعة ب00ريح
لينة ، 2والمراد بالنسخ في آخر الشطر األول :المعنى الشرعي؛ ففي كالمه الجن00اس ،وق00د
تقدم الكالم في اإليطاء فال حاجة إلى اإلعادة.
ونسخه لشرع غيره وقع ##حتما ً أذ َّل هللا من 3له منع -71
غض
ِّ ونسخ بعض شرعه بالبعض ##أجز وما في ذا له من -72
{ -144شريعة محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم قد نسخت الشرائع المتقدمة
عليها}
1أخ00رج البخ00اري في كت00اب 0العلم ب00رقم ( )71عن معاوي00ة رض00ي هللا تع00الى عن00ه ق00ال
سمعت رسول هللا صلى هللا تعالى 0عليه وآله وسلم يقول( :من يرد هللا به خيراً يفقهه في ال00دين،
وإنما أنا قاسم وهللا يعطي ،ولن تزال هذه األمة قائمة على أم00ر هللا ال يض00رهم من خ00الفهم ح00تى
يأتي أمر هللا) وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (.)1037
2أخرج حديثا ً بمعناه ابن حبان في صحيحه في كتاب الت00اريخ ب00رقم ( )6797وأحم00د (
)3/431قال الهيثمي ( )8/12رواه أحمد والبزار 0ورجاله رجال الص00حيح إال أن نافع 0ا ً لم يس00مع
من عياش.
ً
3قوله :من له منع .األولى أن يقال إن ضمير له عائد على النس00خ مطلق0ا ال على نس00خ
شرعه إلخ ألن اليهود والنصارى 0منع00وا النس00خ مطلق0ا ً توس0الً إلى الق00ول بنفي نبوت00ه ص00لى هللا
عليه وآله وسلم ال أنهم منعوا نسخ شرعه لغيره من الشرائع فإن ذلك يوهم أنه قد قبلوا ش0رعه
ونبوته ولكنهم لم يقبلوا نسخ شرعه لشرائعهم.
251
(قوله ونسخه لشرع غيره وقع ##حتماً) أي ونسخ شرع نبين00ا محم00د ##لش00رع
كل نبي غيره وقع وحصل حال كونه محتما ً فـ “ حتما ً “ بمعنى متحتما ً ح0ال من فاع0ل “
1
الم ِدين00اً) (آل عم00ران)85 :
سِ 00 َ00غ َغ ْي َ
00ر اإْل ِ ْ وق00ع “ وي00دل ل00ذلك قول00ه تع00الىَ ( :و َمنْ يَ ْبت ِ
واألحاديث في ذلك كثيرة بلغت جملتها مبلغ التواتر ،فنس00خ ش00رعه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم لشرع غيره واقع سماعا ً بإجماع المسلمين ،خالفا ً لليهود والنصارى ،حيث زعموا
أن شرع نبينا صلى هللا عليه وآل0ه وس0لم لم ينس0خ ش0رع أح0د من األنبي0اء توس0الً للق0ول
بنفي نبوته 2صلى هللا عليه وآله وسلم ،واحتجوا على ذلك بأنه يل00زم على الق00ول بالنس00خ
ظهور مصلحة كانت خفي0ة على هللا تع0الى ،ورد ب0أن المص0لحة تختل0ف بحس0ب األزمن0ة،
فالمص00لحة في زمن األمم الس00ابقة اقتض00ت تكليفهم بش00رائعهم ،والمص00لحة في زمانن00ا
اقتضت تكليفنا بشريعتنا ،وقوله “ :أذل هللا من له منع “ أي ألحق ال00ذل بمن من00ع نس00خ
شرع نبينا لغيره ،وهذه جملة دعائية على اليهود والنصارى المانعين لذلك.
{ -145يجوز نسخ بعض شرع نبينا بالبعض }
(قول00ه ونس00خ بعض ش00رعه ب00البعض##أج00ز) ال يخفى أن “ نس00خ “ بالنص00ب
مفعول مقدم “ ألجز “ الواقع بعده :أي اعتقد جواز نس00خ بعض ش00رعه ص00لى هللا علي00ه
وآله وسلم بالبعض اآلخر جوازاً وقوعياً ،ألن ذلك وقع بالفعل ،نعم وجوب معرفته تع00الى
وتحريم الكفر نسخه غير واقع ،وإن ك00ان ج0ائزاً 3كم0ا ه0و م0ذهب أه00ل الحق 4خالف0ا ً لمن
س0نٌ عقلي ،والكف00ر ق00بيح عقلي ،فوج00وب المعرف00ة وتح00ريم الكف00ر ال
ق00ال :إن المعرف00ة َح َ
يجوز نسخهما ،ونحن نقول :الحسن ما حسنه الشرع ،والقبيح ما قبحه الشرع :فلو جعل
المعرفة من القبيح ،والكفر من الحسن فال حرج عليه.
5
وشمل البعض المنسوخ البعض القرآني خالفا ً لمن منعه كأبي مس00لم األص00فهاني
محتجا ً بقوله تعالى( :ال يَأْتِي ِه ا ْلبَا ِط ُل ِمنْ بَ ْي ِن يَ َد ْي ِ 0ه َوال ِمنْ َخ ْلفِ ِ 0ه) (فص00لت :من اآلية)42
فلو نسخ بعضه لتطرق إليه البطالن.
س ِرينَ )( 0آل عمران.)85 : 1تمام اآلية( :فَلَنْ يُ ْقبَ َل ِم ْنهُ َوه َُو فِي اآْل ِخ َر ِة ِمنَ ا ْل َخا ِ
2بل هذا القول منهم مفرع على قولهم بنفي نبوته صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم.
3أي جائزاً عقلياً 0ألن وجوب معرفته تعالى وحرمة الكفر كل منهما حكم شرعي أوجبه
الشرع ولم يوجبه العقل حتى يمنع رفعه بل العقل يجوز رفع0ه ه0ذا ه0و م0ذهب األش0اعرة خالف0ا ً
للماتريدي00ة والمعتزل 0ة 0حيث ذهب00وا إلى أنهم00ا عقلي00ان بن00اء على قولهم00ا بالتحس00ين والتق00بيح
العقليين ،وقد تقدم تفصيل مذهبهما في التعليق.
4قوله كما هو مذهب أهل الحق هذا التعبير 0ليس على م00ا ينبغي ف00إن المخ00الفين فئت00ان
عظيمتان 0وهم الماتريدية والمعتزلة والمس00ألة 0ليس00ت من مس00ائل األص00ول ال00تي يكف00ر المخ00الف
فيها أو يبدع فكان عليه أن يقول كما هو مذهب األشاعرة.
5المخالف هو أبو مسلم األصفهاني فقط ،فقيل إنه نفي أصل النسخ ،وقيل :نفي النسخ
في القرآن 0،وقيل :إنما نفي اسم النسخ دون حقيقته وسماه تخصيصا ً واختار 0ه00ذا الق00ول األخ00ير0
تاج الدين الس0بكي في جم0ع الجوام00ع وأي0ده ش00ارحه المحق00ق المحلي 0وعلى ك0ل ح0ال ال اعت0داد
بخالفه ألنه مصادم لإلجماع 0الواقع قبله ،على أن النقل عنه مضطرب غير محرر.
252
وأجاب األولون بأن الضمير لمجموع القرآن وهو ال ينس00خ اتفاق 0اً ،وخ00رج بتقيي00د
المصنف البعض نسخ الجميع ،فهو وإن كان جائزاً لكنه غير واقع.
فالحاصل أن الكالم في مقامين :مقام جواز ومقام وقوع ،فمن حيث الجواز يج00وز
نسخ الشريعة كالً أو بعضاً ،وأما من حيث الوقوع فال يجوز نسخ الجميع جوازاً وقوعياً،
وقول00ه “ :وم00ا في ذا ل00ه من غض “ أي وم00ا في ه00ذا الحكم وه00و تج00ويز نس00خ
بعض شرعه بالبعض اآلخر من نقص له يقتضي امتناعه
{ -146أقسام النسخ}
(والَّ ِذينَ يُت ََوفَّ ْونَ ِم ْن ُك ْموشمل م0ا ذك0ر نس0خ الكت0اب بالكت0اب كم0ا في قول0ه تع0الىَ :
اج) (البق00رة :من اآلية)240 اج ِه ْم َمتَاعا ً إِلَى ا ْل َح ْو ِل َغ ْي َر إِ ْخَ 0ر ٍصيَّةً أِل َ ْز َو ِ َويَ َذرُونَ أَ ْز َواجا ً َو ِ
سِ 0هنَّ أَ ْربَ َع0ةَ ص0نَ بِأ َ ْنفُ ِفإنه نسخ بقوله تعالىَ ( :والَّ ِذينَ يُتَ َوفَّ ْونَ ِم ْن ُك ْم َويَ َذرُونَ أَ ْز َواج0ا ً يَتَ َربَّ ْ
َش 0راً) (البق00رة :من اآلية )234لت00أخره ن00زوالً ،وإن تق00دم تالوة ونس00خ الس00نة ش ُ 0ه ٍر َوع ْ أَ ْ
1
بالسنة كما في حديث (كنت نهيتكم عن زيارة القب00ور فزوروه0ا) فإن00ه نس0خ النهي ال0ذي
وقع منه صلى هللا عليه وآله وسلم أوالً باألمر في هذا الحديث ،ونسخ السنة بالكتاب كم00ا
في استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة ،2فإنه نسخ باستقبال الكعبة الثابت بقوله تع00الى:
س ِج ِد ا ْل َح َر ِام) (البقرة :من اآلية )149ونسخ الكتاب بالسنة كم00ا في ش ْط َر ا ْل َم ْ
(فَ َو ِّل َو ْج َه َك َ
ص00يَّةُ لِ ْل َوالَِ 00د ْي ِن00وتُ إِنْ تََ 00ركَ َخ ْي00راً ا ْل َو ِ ضَ 00ر أَ َحَ 00د ُك ُم ا ْل َم ْ
قول00ه تع00الىُ ( :كتِ َب َعلَ ْي ُك ْم إِ َذا َح َ
َواأْل َ ْق َربِينَ ) (البقرة :من اآلية )180فإنه نس00خ بح00ديث (ال وص00ية ل00وارث) وش00مل أيض0ا ً
3
نسخ التالوة والحكم 0جميعا ً كما في نحو (عشر رضعات معلومات يحرمن) فإن00ه ك00ان مم00ا
يتلى ،فنسخ بـ (خمس معلومات يحرمن) ثم نسخ هذا الناسخ عندنا تالوة ال حكماً ،وعن00د
المالكية تالوة وذحكماً ،ونسخ التالوة دون الحكم كما في نحو( :الشيخ والشيخة إذا زني00ا
فارجموهما ألبتة نكاالً من هللا وهللا عزيز حكيم) فإنه كان مم00ا يتلى فنس00خ تالوة وحكم 0اً،
ص00يَّةً ونس00خ الحكم دون التالوة كم00ا في آي00ةَ ( :والَّ ِذينَ يُت ََوفَّ ْونَ ِم ْن ُك ْم َويََ 00ذرُونَ أَ ْز َواج00ا ً َو ِ
شُ 0ه ٍر اج ِه ْ0م َمتَاعا ً إِلَى ا ْل َح ْو ِل) (البقرة :من اآلية )240فإنه نسخ حكم0ا ً بآي00ة (أَ ْربَ َع0ةَ أَ ْ أِل َ ْز َو ِ
َو َعشْراً) (البقرة :من اآلية )234وبقي تالوة ،والحق أن النسخ ال يك00ون إال إلى ب00دل كم00ا
قاله اإلمام الشافعي رضي هللا تعالى عن00ه ،خالف0ا ً لمن ق00ال :ت00ارة يك00ون إلى ب00دل كم00ا في
{ -147ومعجزات نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم كثيرة}
ومعجزاته كثيرة ُغرر ##منها كالم هللا معجز البشر -73
(قول00ه ومعجزات00ه كث00يرة غ00رر) لم00ا ذك00ر فيم00ا تق00دم تأيي00د هللا تع00الى لألنبي00اء
بالمعجزات نبه هنا على كثرتها ووضوحها لنبينا دون غ0يره؛ ف0الغرض اآلن التنبي0ه على
كثرة معجزاته ووضوحها ،لكن المراد من معجزاته :األمور الخارقة للعادة الظ00اهرة على
ص َدقَةً َذلِكَ َخ ْيٌ 0ر لَ ُك ْم َوأَ ْط َهُ 0ر فَ0إِنْ لَ ْم تَ ِج 0دُوا فَ0إِنَّ 1تمام اآلية( :فَقَ ِّد ُموا بَيْنَ يَد ْ
َي نَ ْج َوا ُك ْم َ
هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم) (المجادلة 0:من اآلية.)12
2المراد االستحباب 0من حيث أنها مقدمة للمناجاة وهذا أمر زائد على االستحباب 0الع00ام
للتصدق وأما على القول بالجواز فالموجود هو االستحباب العام فق00ط ويبقى النس00خ بال ب00دل وال
يخفى ضعف الجواب .ألنه ال دلي00ل على ه00ذا االس00تحباب 0الخ00اص 0،وال يع00د الج00واز واالس00تحباب
العام بدال.
254
يده صلى هللا عليه وآله وس00لم ،س00واء ك00انت مقرون00ة بالتح00دي أم ال ،1فه00و من اس00تعمال
اللفظ في حقيقته ومج00ازه ،أو من عم00وم المج00از ،وإنم0ا وص00فها ب0الكثرة المطلق0ة إيم00اء
للعجز عن اإلحاطة بها ،والغرر :جمع غ00رة ،وهي في األص00ل :بي00اض في جبه00ة الف00رس
فوق الدرهم ،وتطلق على خيار الشيء ،ثم اس00تعملت في ك00ل واض00ح مع00روف على وج00ه
الحقيقة العرفية ،2وهو المراد هنا ،فـ “ غرر “ بمعنى واضحات مشهورات،
واعلم أن ما كان منها معلوما ً بالقطع منق00والً ب00التواتر ك00القرآن ،فال ش00ك في كف00ر
منكره ،وما لم يكن منها كذلك ،ف00إن اش00تهر كنب00ع الم00اء من بين أص00ابعه ص00لى هللا علي00ه
وآله وسلم فسق منكره ،وإن لم يشتهر وثبت بطريق صحيح أو حسن عزر منكره.
{ -148جملة من معجزات نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم}
(قوله منها كالم هللا) قد تقدم أن كالم هللا يطل00ق على الص00فة القديم00ة وعلى اللف00ظ
المنزل على النبي صلى هللا عليه وآله وسلم ،المتعبد بتالوته المتحدي بأقصر سورة من00ه
كما يطل00ق عليهم00ا الق00رآن لكن ق00د غلب كالم هللا في الص00فة القديمة ،3والق00رآن في اللف00ظ
الحادث ،والمص00نف أراد هن00ا بكالم هللا :اللف00ظ ،وإنم00ا نص علي00ه بخصوص00ه ألن00ه أفض00ل
معجزاته صلى هللا عليه وآله وسلم وأدومها لبقائه إلى يوم القيامة ،وال يخرج عنه شيء
من معجزاته غالباً ،وإال فبعضها لم يذكر فيه بطريق الصراحة وإن ك00ان داخالً في عم00وم
شْ 0ي ٍء قَِ 0دي ٌر) (آل عم00ران :من اآليةَ ( ،)165م00ا فَ َّر ْطنَ00ا فِي
قوله تع00الى( :إِنَّ هَّللا َ َعلَى ُكِّ 0ل َ
َيء) (األنعام :من اآلية.)38 ا ْل ِكتَا ِ
ب ِمنْ ش ْ
وذلك كانشقاق القم00ر؛ فعن ابن مس00عود رض00ي هللا عن00ه أن00ه ق00ال :بينم00ا نحن م00ع
رسول هللا صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم إذا انش00ق القم00ر فلق00تين ،فك00انت فلق00ة وراء الجب00ل
وفلقة دونه ،فقال لنا رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم( :أشهدوا) وقال كف00ار ق00ريش:
هذا سحر فابعثوا إلى أهل اآلفاق ح00تى تنظ00روا أرأوه مث00ل ه00ذا أم ال؟ ف00أخبر أه00ل اآلف00اق
1قوله سواء كانت مقرون00ة بالتح00دي أم ال ،التح00دي ه00و جع00ل الرس00ول األم00ر الخ00ارق
للعادة بينة على صدقه فيما ينقل عن هللا ،قال ابن الهمام في المسايرة وقول الس00هيلي 0في بعض
هذه الخوارق أنها عالمة للنب0وة ال معج0زة أي ال تس0مى ب0ذلك بن0اء على ع0دم اقترانه0ا ب0دعوى
النبوة ليس بذلك فإنه صلى هللا عليه وآله وس00لم منس00حب علي00ه دع00وى النب00وة من حيث ابت00داء
الدعوة إلى أن توفاه هللا تعالى كأنه في كل س0اعة يس0تأنفها 0فك0ل م0ا وق0ع ل0ه من الخ0وارق ك0ان
معجزة القترانها بدعوى النبوة حكما ً وكأنه يقول في كل س00اعة إني رس00ول هللا وكأن00ه يق00ول في
كل وقت وقع فيه خارق للعادة هذا دليل صدقي اهـ .مع شرح المس00امرة ص 306وبه00ذا تعلم م00ا
في كالم الشارح ،وما قاله ابن الهمام أيضاً 0ليس بذاك ألن دعوى النبوة وصف قائم بنفس النبي
ال ينفك عنه في وقت من األوقات نعم قد يذهل النبي عن هذا الوصف كما في حال الن00وم كم00ا ق00د
يذهل المؤمن عن إيمانه حينئذ وال يعد مع ذلك غير مؤمن ،وهللا أعلم.
2الظاهر 0أن هذا االستعمال على سبيل المجاز.
3لعل هذه الغلبة 0في كالم متأخري المتكلمين 0ال في كالم الش00ارع .وال في كالم الس00لف،
فإنهم كانوا يطلقون كال منهما على الكالم النفس0ي الق0ائم باهلل تع0الى 0ولم يقول0وا باللف0ظ 0الح0ادث
كما تقدم بيانه.
255
بأنهم رأوه منشقاً ،فقال كفار ق00ريش :ه00ذا س00حر مس00تمر ،1فق00د انش00ق نص00فين وه00و في
السماء وإن كان قد يسبق إلى الوهم أنه نزل منها إلى الجبل.
وكتسليم الحجر والشجر عليه صلى هللا عليه وآله وسلم ،فعن عل ّي رضي هللا عنه
أنه قال “ :كنت مع النبي صلى هللا عليه وآله وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيه00ا فم00ا
استقبله حجر وال شجر إال وهو يقول :السالم عليك يا رسول هللا “ .2
وكتسبيح الحصى في كفه صلى هللا عليه وآله وس0لم ،فق0د روى ث0ابت بن أنس بن
مالك قال :كنا جلوسا ً عن00د رس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ،فأخ00ذ كف0ا ً من حص00ى
فسبحن في يده حتى س00معنا التس00بيح ثم ص00بهن في ي00د أبي بك00ر فس00بحن ثم في ي00د عم00ر
فسبحن ثم في يد عثمان فسبحن ثم صبهن في أيدينا فما سبحن.3
وحنين الجذع الذي هو ساق النخلة وحديثه مشهور متواتر :وهو أن00ه ك00ان ص00لى
هللا عليه وآله وسلم قبل أن يصنع له المنبر يخطب عنده ،فلما صنع له المنبر انتق00ل إلي00ه
فسمع له كل من كان في المسجد حنينا ً وصوتا ً عظيما ً ح00تى ك00اد ينش00ق أس00فا ً على فراق00ه
صلى هللا عليه وآله وس00لم ،فض00مه إلي00ه فص00ار يئن أنين الص00بي ال00ذي تض00مه أم00ه إليه00ا
وتسكته عن بكائه ثم قال( :إن شئت أردك إلى الحائط أي البستان الذي كنت فيه تنبت ل00ك
عروقك ويكمل لك خلقك ويتجدد ل00ك خ00وص وثم00ر ،وإن ش00ئت أغرس00ك في الجن00ة فيأك00ل
أولياء هللا من ثمرك) ،ثم أصغى إليه ليسمع ما يق00ول فق00ال بص00وت يس00معه من يلي00ه :ب00ل
تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء هللا وأكون في مكان ال بالء فيه ،فق00ال :ق00د فعلت ،ثم
قال صلى هللا عليه وآله وسلم( :اختار دار البق0اء على دار الفن0اء) ،وأم00ر ب00ه ف0دفن تحت
المنبر ،وكان الحسن إذا ح00دث به00ذا الح00ديث بكى ،وق00ال :ي0ا عب0اد هللا :الخش0بة تحن إلى
رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه.4
1انشقاق القمر رواه البخاري في التفسير برقم ( )4867عن أنس رضي هللا عنه قال:
سأل أهل مكة أن يريهم آية ،فأراهم انشقاق القمر و ب00رقم ( )4864عن ابن مس00عود رض00ي هللا
عنه قال :انشق القمر على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فرق00تين فرق0ة ف0وق الجب00ل
وفرقة دونه ،فقال رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم( :اشهدوا).
والحديث عند مسلم في كتاب ص00فات المن00افقين 0ب00اب انش00قاق القم00ر ب00رقم ()2800عن
عبد هللا بن مسعود.
2أخرجه الترمذي في المناقب 0برقم ( )3626وق00ال :ح00ديث غ00ريب 0،وأخ00رج مس00لم في
الفضائل برقم ( )2277عن جابر بن سمرة رضي هللا عنه قال :ق00ال رس00ول هللا ص00لى هللا تع00الى
عليه وآله وسلم( :إني ألعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث وإني ألعرفه اآلن).
3أخرجه الط00براني 0في األوس00ط ب00رقم ( )1266ورقم ( )4097ق00ال الهيثمي في مجم00ع
الزوائد ( )5/179عن الرواية الثانية :فيه محمد بن أبي حميد وه00و ض00عيف وق00ال :ول00ه طري00ق
أحسن من هذا في ب00اب 0عالم00ات النب00وة وإس00ناده ص00حيح وانظ00ر ( )8/299وأخرج00ه ال00بزار 0في
مس00نده ( )9/434/9( 0)431/9وأخ00رج البخ00اري ح00ديثاً 0في00ه :ب00رقم (( )3579ولق00د كن00ا نس00مع
تسبيح الطعام وهو يؤكل) ،قال ابن حجر في فتح الباري ( )6/592أي في عهد رسول هللا ص00لى
هللا عليه وآله وسلم غالباً.
256
وكر ّد عين قتادة حين سالت على خ00ده ،وذل00ك أن00ه ك00ان يتقي بوجه00ه الس00هام عن
رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم في غزوة أحد ،فأصاب عينه سهم فسالت على خده،
فأخذها بيده وس00عى به0ا إلى رس0ول هللا ص0لى هللا علي0ه وآل00ه وس00لم ،فلم00ا رآه00ا في كف00ه
دمعت عيناه وقال :إن شئت ص00برت ول00ك الجن00ة ،وإن ش00ئت رددته00ا ودع00وت هللا ل00ك فلم
تفقد منها شيئاً ،فقال :يا رسول هللا إن الجن00ة لج00زاء جمي00ل وعط00اء جلي00ل ،ولك00ني رج00ل
مبتلى بحب النساء وأخاف أن يقلن أعور فال يردن00ني ،ولكن ترده00ا وتس00أل هللا لي الجن00ة
فرده00ا في موض00عها وق00ال( :اللهم ق قت00ادة كم00ا وقى وج00ه نبي00ك فاجعله00ا أحس00ن عيني00ه
وأحدها نظراً) وكان كذلك وكانت ال ترمد إذا رمدت األخرى.1
وكشهادة الضب بنبوته :روي أن رسول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ك00ان في
محفل من أصحابه إذ جاءه أعرابي وقد صاد ضباً ،فقال األع00رابي :من ه00ذا؟ ق00الوا :ن00بي
هللا ،فقال :والالت والعزى ،ال آمنت به ،إال أن يؤمن هذا الضب ،وطرحه بين يدي00ه ص00لى
هللا عليه وآله وسلم ،فق00ال :ي0ا ض0ب ،فأجاب00ه بلس0ان م00بين ،يس00معه الق00وم جميع0اً :لبي0ك
وس0عديك ي0ا زين من وافى القيام0ة ،ق0ال :من تعب0د؟ ق0ال :ال0ذي في الس0ماء عرش0ه وفي
األرض سلطانه ،وفي البحر سبيله ،وفي الجنة رحمته ،وفي النار عقابه ،ق00ال :فمن أن00ا؟
4حديث حنين الجذع قد جاء بروايات متعددة مختلفة ،ولم يجتمع ما أورده الشارح 0في
واحدة منها ،وإنما هو مجموع ومؤلف من مجموع الروايات .أخرج البخاري عن جابر 0بن عب00د
هللا برقم ( )2095أن امرأة قالت لرسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآل00ه وس00لم :ي00ا رس00ول هللا أال
أجعل لك شيئا 0تقعد عليه؟ فإن لي غالما نجارا قال( :إن شئت) فعملت ل00ه المن00بر،فلم0ا 0ك00ان ي00وم
ص0نِع فص00احت النخل0ة ال0تى 0ك00ان الجمعة قعد النبي 0صلى هللا تعالى وآله وسلم على المنبر ال0ذي ُ
يخطب عندها حتى كادت أن تنشق ،فنزل الن00بي ص00لى هللا تع00الى علي00ه وآل00ه وس00لم ح00تى أخ00ذها
فضمها إليه فجعلت تَئِنُّ أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت ،قال( :بكت على ما كانت تس00مع
من الذكر ) .قال البيهقي في دالئل النبوة ( )2/563بعد أن روى جملة من أحاديث حنين الجذع:
هذه األحاديث 0التى ذكرناها 0في أم00ر الحنان00ة كله00ا ص0حيحة 0،وأم0ر الحنان0ة من األم0ور الظ0اهرة
واألعالم النيرة التى أخذها الخلف عن الس00لف ،ورواي00ة األح00اديث 0في00ه ك00التكليف ( يع00نى وردت
تواترا ورود التكليف باألحكام الشرعية).
وأخرج البخاري 0في كتاب الجمع0ة ب00رقم ( )918عن ج0ابر بن عب00د هللا رض00ي هللا عن00ه
قال :كان جذع يقوم إليه النبي صلى هللا تعالى 0علي00ه وآل0ه وس0لم ،فلم0ا وض00ع ل00ه المن0بر 0س00معنا
للجذع مثل أصوات العشار 0،حتى نزل النبي صلى هللا تعالى 0عليه وآله وسلم فوضع يده عليه.
والحديث أخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصالة برقم ( )1414والدارمي في المقدمة
وراجع مجمع الزوائد كتاب الصالة (.)3/401
1أصل الحديث في مس0ند أبي يعلى ب0رقم ( )1549عن قت00ادة بن النعم0ان :أن0ه أص00يبت
عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته ،فأرادوا أن يقطعوها فسأل النبي 0صلى هللا تع00الى علي00ه
وسلم :فقال( :ال) ،فدعا به فغمز حدقته براحته 0،فكان ال يدري أي عينيه أصيبت ،وانظ00ر مجم00ع
الزوائد كتاب عالمات النبوة ( )8/535وأما هذا الخبر 0باللفظ الذي أورده الشارح 0فلم نعثر عليه.
يراجع الطبري ()8/19
257
قال :رسول رب العالمين ،وخاتم النبيين ،وقد أفلح من ص00دقك ،وخ00اب من ك00ذبك ،فأس00لم
األعرابي.1
وأما حديث الظبية فالحق أن0ه موض0وع ال أص00ل ل00ه ولفظ0ه :ك0ان الن00بي ص0لى هللا
علي00ه وآل00ه وس00لم في ص00حراء ،فنادت00ه ظبي00ة :ي00ا رس00ول هللا ،فق00ال :م00ا حاجت00ك؟ ق00الت:
صادني ه00ذا األع00رابي ولي خش00فان –بكس00ر الخ00اء وتس00كين الش00ين -أي ول00دان في ذل00ك
الجب00ل ف00أطلقني ح00تى أذهب أرض00عهما وأرج00ع ،فق00ال :وتفعلين؟ ق00الت :نعم ،ع00ذبني هللا
عذاب ال َعشَّا ِر إن لم أفعل ،فأطلقها ،فذهبت ورجعت ،فأوثقها ،فانتبه األع0رابي ،وق0ال :ي0ا
رسول هللا ألك حاج0ة؟ ق0ال( :تطل0ق ه0ذه الظبي0ة) فأطلقه0ا ،فخ0رجت تع0دو في الص0حراء
وتقول :أشهد أن ال إله إال هللا ،وأنك رسول هللا ،لكن الحديث موضوع كما علمت.
(قوله معجز البشر) أي يصيرهم عاجزين عن معارضته ،واإلتيان بمثل00ه ،ب00ل ك00ل
س َوا ْل ِجنُّ َعلَى أَنْ يَأْتُوا بِ ِم ْث ِل َه َذا ا ْلقُ0ْ 0ر ِ
آن ال ت اأْل ِ ْن ُ المخلوقات كذلك إجماعا ً (قُ ْل لَئِ ِن ْ
اجتَ َم َع ِ
ض ظَ ِه00يراً) (اإلس00راء )88:أي معين0اً ،وخص اإلنس ضُ 0ه ْم لِبَ ْع ٍ يَ00أْتُونَ بِ ِم ْثلِِ 0ه َولَْ 0
0و َك00انَ بَ ْع ُ
والجن مع أن سائر المخلوق00ات ك00ذلك ،ألنهم00ا الل00ذان يتص00ور منهم00ا المعارض00ة ،بخالف
غيرهما كالمالئكة لعصمتهم ،واقتصار الناظم على البشر ألنهم الذين تصدوا لذلك بالفعل،
و “ البشر “ هم بنو آدم “ ،سموا بذلك لبدو بشرتهم التي هي ظاهر الجلد،
وال خالف في أن القرآن بجملته معجز ،وإنما الخالف في أقل ما يق00ع ب00ه اإلعج00از
من أبعاضه ،واختار جمهور أهل التحقيق أن أقله أقصر سورة من00ه أو ثالث آي00ات ،وق00ال
0وثَ َر) (الك00وثر )1:أو آي00ة أو آي0ات فيالقاض0ي عي00اض :إن أقل0ه س00ورة (إِنَّا أَ ْعطَ ْينَ0اكَ ا ْل َكْ 0
قدرها ،وظاهر األول أن اآلي00ة أو اآلي00تين ليس معج00زاً وإن ع00ادل الثالث00ة أو الس00ورة في
الطول كآية الكرسي وال َد ْين ،والظاهر خالفه ،فالمعتمد أن اآلية الطويلة معجزة كالثالث00ة:
واختلف في وجه إعجازه ،فقيل كون هللا صرفهم عن اإلتي00ان بمثل00ه ،م00ع ك00ونهم 0ق00ادرين
ص ْرفة ،والذي ذهب إليه الجمه00ور ،أن وج00ه إعج00ازه على ذلك ،وهذا القول يسمى قول ال َ
كونه في أعلى طبقات البالغ00ة والفص00احة م00ع اش00تماله على اإلخب00ار بالمغيب00ات ودق00ائق
العلوم وأحوال المبدأ والمع00اد ،وغ00ير ذل00ك مم00ا ال يحص00ى ،وه00ذا ه00و الص00حيح في وج00ه
اإلعجاز.
واجزم بمعراج النبي كما رووا ##وبرئن لعائشة مما رموا -74
{-149اإلسراء والمعراج}
1قال الهيثمي في مجمع الزوائ00د ( )8/518كت00اب عالم00ات النب00وة :رواه الط00براني 0في
الص00غير ب00رقم ( )948واألوس00ط عن ش00يخه محم00د بن علي بن الولي00د البص00ري 0،ق00ال ال00بيهقي0:
والحمل في هذا الحديث عليه 0،قلت :وبقية رجال00ه رج00ال الص00حيح .وق00ال ال00ذهبي في الم00يزان( 0
)3/651خبر باطل.
258
(قوله واجزم بمعراج النبي كما رووا) بسكون الياء من النبي مخفف 0ة 0لل00وزن ،أي
واعتقد اعتقاداً جازما ً بعروج نبين0ا ص0لى هللا علي0ه وآل0ه وس0لم وص0عوده إلى الس0ماوات
الس00بع إلى س00درة المنتهى 1إلى حيث ش00اء هللا بع00د اإلس00راء على ال00براق –وجبري00ل عن
يمينه وميكائيل عن يساره -من المسجد الحرام إلى المس00جد األقص00ى ح00ال ك00ون الع00روج
2
الذي جزمت به مثل الذي رواه أهل الحديث والتفسير والسير
وكان على الناظم التع0رض لإلس0راء أيض0ا ً لكن اس0تغنى عن ذك0ره ب0ذكر المع0راج
لشهرة إطالق أحد االسمين –أع00ني اإلس00راء والمع00راج -على م00ا يعمم م00دلوليهما ،وه00و
سيره صلى هللا عليه وآله وسلم ليالً إلى أمكنة مخصوصة على وجه خارق للع00ادة ،فه00ذا
أمر كلي يشمل مدلوليهما 3والحق أنه كان يَقَظَةً ب00الروح والجس00د ،كم00ا أجم00ع علي00ه أه00ل
الق00رن الث00اني ومن بع00ده من األم00ة ،خالف0ا ً لبعض الق00رن األول ،القائ00ل بأن00ه ك00ان منام0اً،
ولبعضه القائل بأنه كان بالروح فقط لكن يقظة فاألقوال ثالثة.
فإن قيل :فما الف0رق بين كون0ه منام0ا ً وبين كون00ه ب00الروح؟ أجيب بأن00ه على كون00ه
مناما ً يكون في حالة النوم ،وعلى كونه بالروح ال ن00وم أص0الً ،ب00ل ال0روح ت00ذهب لألمكن00ة
المخصوصة والجسد في هذه الحالة يكون كالغافل،
واإلسراء من المسجد الحرام إلى المسجد األقصى :ثابت بالكتاب والسنة وإجم00اع
المسلمين ،فمن أنكره كفر ،والمعراج من المس00جد األقص00ى إلى الس00ماوات الس00بع :ث00ابت
باألحاديث المشهورة ،ومنها إلى الجنة ،ثم إلى المستوى أو الع00رش أو ط00رف الع00الم من
فوق العرش ،على الخالف في ذلك ث00ابت بخ00بر الواح00د ،فمن أنك00ره ال يكف00ر لكن يفس00ق،
والتحقيق أنه لم يصل إلى العرش كما نصوا عليه في موارد القصة.
1أي أم أبيه.
2كانت في شهر شعبان 0من السنة السادسة للهجرة ومريسيع اسم ماء ك00ان علي00ه بن00و
المصطلق أثناء 0الغارة عليهم 0،فأضيفت إليه الغزوة.
260
ضِ 0ل ِم ْن ُك ْم َو َّ
السَ 0ع ِة … اآلي00ة) (وال يَأْتَِ 0
0ل أُولُ00و ا ْلفَ ْ اإلف00ك حل00ف ال ينف00ق علي00ه ،ف00أنزل هللاَ :
(النور :من اآلية 1)22فأعاد أبو بكر النفقة كما كانت .
2
1قال الهيثمي في مجمع الزوائد ( :)10/16رواه البزار 0عن جابر بن عبد هللا ،ورجاله
ثقات 0،وفي بعضهم خالف.
2قد جمع الشارح 0هنا بين حديثين:
الحديث األول أخرجه الترمذي في كتاب المناقب باب ( )59برقم ( )3862عن عب00د هللا
بن مغفل قال :قال رسول هللا صلى هللا تعالى عليه 0وآله وس00لم( :هللاَ هللاَ في أص00حابي 0،هللاَ هللا في
أص00حابي ال تتخ00ذوهم غرض00ا ً من بع00دي ،فمن أحبهم فبح00بي أحبهم ،ومن أبغض00هم فببغض00ي
أبغض00هم .ومن آذاهم فق00د آذاني ،ومن آذاني فق00د آذى هللا ،ومن آذى هللا يوش00ك أن يأخ00ذه" ق00ال
الترمذي :حديث غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه.
وأخرج الحديث اإلمام أحمد في المسند (.)5/54
والحديث الثاني أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة ب00رقم ( .)3673ومس00لم في
فضائل الصحابة 0برقم ( )2540واللفظ 0له عن أبي هريرة رضي هللا تعالى 0عنه ق00ال :ق00ال رس00ول
هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم( :ال تسبوا أصحابي ،ال تسبوا أصحابي ،فوالذي نفسي بي00ده
لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ً ما أدرك مد أحدهم وال نصيفه).
3أي يقرن األمة بعض00ها ببعض ه00ذا إذا ك00ان اس00ما ً للزم00ان وأم00ا إذا ك00ان اس00ما ً ألهل00ه
فسموا بذلك القتران بعضهم ببعض في أمر.
262
والطريقة المشهورة :أنه يش00ترط التمي00يز في الت00ابعي دون الص00حابي ،والمعتم00د عن00دنا:
عدم اشتراطه في التابعي كما ال يشترط في الصحابي.
وأفضل التابعين :أويس القرني ،1كم00ا أن أفض00ل التابعي00ات :حفص00ة بنت س00يرين،
على خالف في المسألة.
وقوله “ :فتابع لمن تب00ع “ يفي00د أن رتب00ة أتب00اع الت00ابعين تلي رتب00ة الت00ابعين من
غير ت00راخ كب00ير كم00ا م00ر في ال00ذي قبل00ه ،وفي كالم00ه إظه00ار في مق00ام اإلض00مار ،إذ ك00ان
مقتض00ى الظ00اهر أن يق00ول فت00ابع ل00ه ،ويك00ون الض00مير عائ00داً على الت00ابعي ،واألص00ل في
الترتيب الذي أفاده كالم المصنف قوله صلى هللا عليه وآله وسلم( :خير أمتي القرن الذي
2
يلونني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)
وظاهره أن ما بعد القرون الثالثة س00واء في الفض00يلة ،وذهب جماع00ة إلى تف00اوت
بقية القرون بالسبقية ،3فكل قرن أفضل من الذي بع0ده إلى ي00وم القيام00ة ،لح00ديث (م00ا من
يوم إال والذي بعده شر منه ،وإنما يس00رع بخي00اركم) 4لكن ق00د ورد (مث00ل ه00ذه األم00ة مث00ل
المطر ال يدري أوله خير أو آخره) ،5والعيان قاض بذلك.
1أخ00رج مس00لم في فض00ائل الص00حابة ب00رقم ( )2542عن عم00ر بن الخط00اب 0ق00ال :إني
سمعت رس0ول هللا ص0لى هللا تع0الى 0علي0ه وآل0ه وس0لم يق0ول( :إن خ0ير الت0ابعين رج0ل يق0ال ل0ه:
أويس ،وله والدة ،وكان به بياض ،فمروه فليستغفر لكم).
2أخرجه مسلم في فضائل الصحابة برقم ( )2534واللفظ ل00ه ،وأخ00رج نح00وه البخ00اري
في كتاب الشهادات 0برقم (.)2652
3الصواب 0بالسبق ألن الياء والتاء لجعل غير المصدر مصدرا ،ويس00مى الملح00ق بهم00ا
مصدرا جعليا ،والسبق مصدر بنفسه.
4أخرجه البخاري في كتاب 0الفتن 0ب00رقم ( )7068عن الزب00ير 0بن ع00دي ق00ال :أتين00ا أنس
بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج 0،فقال :اصبروا ،فإنه ال ي00أتي عليكم زم00ان إال وال00ذي
بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم ،سمعته من نبيكم.
5الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم ( )7226عن عمار بن ياس00ر بلف00ظ (مث00ل
أمتي) وأخرجه الترمذي في كتاب األمثال برقم ( )2869عن أنس بن مالك 0،وقال :ح00ديث حس00ن
غريب من هذا الوجه.
وأخرجه اإلمام أحمد ( )4/319قال الهيثمي في مجمع الزوائد في كتاب المن00اقب رقم (
)16706رواه أحمد والبزار والطبراني ورج00ال ال00بزار رج00ال الص00حيح غ00ير الحس00ن بن قزع00ة
وعبيد بن سليمان اإل ّر ،وهما ثقتان ،وفي عبيد خالف ال يضر.
263
{ -153أفضل الصحابة الخلفاء الراشدون}
وخيرهم من ولي الخالفة ##وأمرهم في الفضل كالخالف ْه -76
(قوله وخيرهم من ولي الخالفة) أي وأفض00ل الص00حابة النف00ر ال00ذي ولي الخالف00ة
العظمى وهي النيابة عن النبي صلى هللا عليه وآله وس00لم في عم00وم مص00الح المس00لمين،
وقد قدر صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم م00دتها بقول00ه (الخالف00ة بع00دي ثالث00ون –أي س00نة -ثم
تصير ملكا ً عضوضاً) 1أي ذا عض وتضييق ،ألن المل00وك يض00رون بالرعي00ة ح00تى ك00أنهم
يعضون عضاً ،فالمراد أن0ه ذو تض0ييق ومش0قة على الرعي0ة ،والنف0ر ال0ذي ولي الخالف0ة
العظمى :الخلفاء األربعة ،فتوالها أبو بكر رضي هللا عنه سنتين ،وثالث00ة أش00هر وعش00رة
أيام ،وتوالها عمر رضي هللا عنه عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام ،وتواله00ا عثم00ان
رضي هللا عنه إحدى عشرة سنة ،وأحد عشر شهراً وتسعة أيام ،وتوالها علي رض00ي هللا
عنه وكرم هللا وجهه ،أربع سنين وتسعة أشهر وسبعة أيام ،فالمجموع تس00عة وعش00رون
سنة وستة أشهر وأربعة أيام ،فلم تكمل المدة التي قدرها النبي صلى هللا عليه وآله وسلم
إال بأيام الحسن بن علي رضي هللا عنهما ،كذا حرره السيوطي ،لذا ق0ال معاوي00ة :أن00ا أول
الملوك ،وإلى هذا التفصيل ذهب الجمهور خالف0ا ً لم00ا نقل00ه الم00ازري عن طائف00ة من ع00دم
المفاضلة بين الصحابة.
(قوله وأم00رهم في الفض00ل كالخالف00ة) أي وش00أن الخلف00اء األربع00ة في ت00رتيبهم في
الفضل بمعنى كثرة الثواب على حسب ترتيبهم في الخالفة عند أهل السنة ،فأفض00لهم أب00و
بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رض00ي هللا عنهم ،وي00دل ل00ذلك ح00ديث ابن عم00ر :كن00ا نق00ول
ورسول هللا صلى هللا عليه وآله وس00لم يس00مع :خ00ير ه00ذه األم00ة بع00د نبيه00ا ،أب00و بك00ر ،ثم
عمر ،ثم عثمان ،ثم علي ،فلم ينهنا ،2وقد قال السعد :على ه00ذا وج00دنا الس00لف والخل00ف،
والظاهر أنه لو لم يكن لهم دليل على ذلك لما حكموا به ،وفي ذلك رد على الخطابي0ة وهم
فرقة تنسب البن الخطاب األسدي تقول بتقديم عمر ،وفيه رد على الراوندي00ة ،وك00انوا في
األصل يقال لهم العباسية ،يقولون بتقديم العباس ابن عبد المطلب ،وإنما غير اسمهم لئال
يتوهم أنهم أوالد العباس.
1قوله أي يلي آخرهم بل يلي مجموعهم كما هو المتب00ادر فال حاج00ة إلى الق00ول بح00ذف
المضاف.
2
أخرج00ه الترم00ذي في كت00اب المن00اقب ب00رقم ( )3747وابن حب00ان في ص00حيحه ب00رقم (
،)7002واإلمام أحمد في المسند (.)1/193
266
فأهل بدر العظيم الشان ##فأهل أحد فبيعة الرضوان -78
{ -155فضل أهل بدر}
(قوله فأهل بدر) بتحريك التنوين للوزن :1أي فأهل غ0زوة ب00در؛ ففي الكالم تق00دير
مض00اف ،ف00رتبتهم تلي رتب00ة الس00تة من العش00رة ،وال ف00رق بين من استش00هد فيه00ا –وهم
أربعة عشر رجالً ستة من المهاجرين وثمانية من األنصار -وبين من لم يستشهد به00ا .و
“ بدر “ اسم لل0وادي أو لب0ئر في0ه بناه0ا رج0ل في الجاهلي0ة يق0ال ل0ه ب0در ،وفي الس0يرة
الشامية :بدر قرية مشهورة على نحو أربع مراحل من المدينة،
{ -156قصة غزوة بدر}
وكان أهل غزوة بدر ثلثمائة وس0بعة عش0ر رجالً ،وفي رواي0ة “ وثالث0ة عش0ر “
ويؤيد هذه الرواية أنه صلى هللا عليه وآله وسلم أمر بعدّهم ف00أخبر ب00أنهم ثلثمائ00ة وثالث00ة
عشر ،ففرح بذلك وقال :عدة أصحاب طالوت ،2وكان معهم فرسان فقط :إحداهما للمق00داد
بن األسود والثانية للزبير بن العوام ،وفي عبارة بعضهم :ثالثة أفراس وكان معهم أيضا ً
س00بعون بع00يراً ،وك00ان المش00ركون ألف00ا ً ومعهم مائ00ة ف00رس وس00بعمائة بع00ير ،وس00بق
المشركون إلى ماء ب00در ف00أحرزوه ولم يص00ل إلي00ه المس00لمون ،فعطش00وا وأص00بح غ00البهم
جنبا ،فوسوس الش0يطان لبعض00هم وق00ال :تزعم0ون أنكم 0على الح0ق وفيكم ن00بي هللا وأنكم
أولياء هللا وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم عطاش وتصلون محدثين مجنبين ،وم00ا
ينتظر أعداؤكم إال أن يقطع العطش رقابكم وي00ذهب ق00واكم فيتحكم00ون فيكم كي00ف ش00اؤوا،
فأرسل هللا عليهم مطراً وسال من00ه ال00وادي ،فاغتس00لوا وش00ربوا وش00ربت دوابهم وملئ00وا
األسقية وثَبَّتَ المط ُر رم َل األرض ،ورس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم يص00لي تحت
شجرة حتى أصبح ،وصنعوا عريشا ً له صلى هللا عليه وآله وسلم فكان فيه هو وأبو بكر،
وقام سعد بن معاذ على بابه متوش00حا ً بالس00يف ،ومش00ى رس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم في موضع المعركة وجعل يشير بيده :هذا مصرع فالن وهذا مصرع فالن إن ش00اء
هللا تعالى ،فما تعدى أحد منهم موضع إش00ارته ،وس00وى رس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم الصفوف وخطب خطبة يحثهم فيها على الثبات ،وابتهل صلى هللا عليه وآله وس00لم
في الدعاء حتى قال :اللهم إن تهلك هذه العصابة الي00وم ال تعب00د في األرض ،اللهم أنش00دك
عهدك ووعدك ،اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك وال يقوم ل00ك دين ،ورك00ع
ركعتين ،وكان كثيراً ما يقول في سجوده إذ ذاك :يا حي يا قيوم ،يكررها مدة وهو س00اجد
حتى سقط رداؤه من كثرة ما ابتهل ،فألقاه عليه أب0و بك0ر وق0ال :ي0ا ن0بي هللا كف0اك تناش0د
ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ،ثم قاتل رسول هللا صلى هللا عليه وآله وس0لم بنفس0ه قت0االً
شديداً وحرض المسلمين على القتال فقال :قَدِّموا إلى جنة عرض00ها الس00ماوات واألرض،
وك00انوا إذا اش00تد الب00أس اتق00وا برس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم فك00ان أق00ربهم
1روى الطبراني في المعجم الكبير برقم ( )3128عن حكيم بن حزام قال :لما كان ي00وم
بدر أمر رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم فأخ0ذ كف0ا ً من الحص0ى فاس0تقبلنا 0ب00ه ،ف0رمى
(و َم00ا َر َميْتَ إِ ْذ َر َميْتَ َولَ ِكنَّ هَّللا َ َر َمى) (األنف00ال:
بها ،وقال :شاهت الوجوه ،فأنزل هللا عز وج00لَ :
من اآلية )17ق00ال الهيثمي في مجم00ع الزوائ00د كت00اب المغ00ازي ب00رقم ( )6/84رواه الط00براني0
وإسناده حسن وعن ابن عباس أن النبي صلى هللا عليه وآله وس00لم ق00ال لعلي( :ن00اولني 0كف0ا ً من
حصى) فناول0ه ،ف0رمى ب0ه وج0وه الق0وم ،فم0ا بقي أح0د من الق0وم إال امتألت عين0اه من الحص0ا0،
(و َم00000ا َر َميْتَ إِ ْذ َر َميْتَ َولَ ِكنَّ هَّللا َ َر َمى) (األنف00000ال 0:من اآلية )17ق00000ال الهيثمي رواه
ف00000نزلتَ 0:
الطبراني 0:ورجاله رجال الصحيح.
2روى الطبراين 0في المعجم الكبير برقم ( )4550عن رفاعة بن رافع األنص00اري ق00ال:
لما رأى إبليس ما تفعل المالئكة بالمشركين 0أشفق أن يخلص القتل إليه ،فتشبث ب00ه الح00ارث بن
هشام وهو يظن أنه سراقة بن مالك 0،فوكز في صدر الح00ارث 0فألق00اه 0،ثم خ00رج هارب0ا ً ح00تى ألقى
نفسه في البحر 0،فرفع يديه فق00ال :اللهم إني أس00ألك نظرت00ك إي00اي … الح00ديث ،ق00ال الهيثمي في
مجمع الزوائد كتاب المغازي برقم ( )9956رواه الطبراني ،وفيه عبد العزي00ز بن عم00ران ،وه00و
ضعيف.
3
رواه أب00و يعلى في مس00نده ب00رقم ( )2060عن ج00ابر بن عب00د هللا ،ق00ال الهيثمي رقم (
:)9992وفيه الوازع بن نافع وهو متروك.
268
والحكم00ة في قت00ال المالئك00ة وحض00ورهم م00ع المس00لمين –م00ع أن المل00ك الواح00د
كجبريل يق00در على رف0ع الكف00ار ب00ل على اقتالع األرض –أن تك00ون المالئك00ة ع0دداً وم0دداً
لجيش المسلمين على عادة مدد الجي00وش رعاي00ة لص00ورة األس00باب ال00تي أجراه00ا هللا بين
عباده.
قال ابن عباس ولم تقاتل المالئك00ة إال ي00وم ب00در ،1ولكنه00ا تحض00ر في ك00ل قت00ال من
قتال الكفار إلى يوم القيامة لتكثير سواد المسلمين.
ثم إن م00ا اقتض00اه كالم الن00اظم –من أن األربع00ة الخلف00اء والس00تة ال00ذين هم تم00ام
العشرة أفضل من المالئكة الذين حضروا بدراً -محمول على غير رؤسائهم ،لما تق00دم من
أن رؤساءهم أفضل من عوام البشر ،وقد علمت أن المراد بهم أوليائهم كأبي بكر وعمر،
ثم المالئكة الذين شهدوا بدراً أفض00ل ممن لم يش00هدها منهم ،وقياس00ه أن يق00ال :ك00ذلك في
مؤم00ني الجن( .قول00ه العظيم 0الش00أن) ص00فة لب00در من حيث غزوته00ا ،واح00ترز ب00ذلك عن
غزوتيها األخيرتين ،فإن غزواتها ثالث :األولى لم يقع فيها قت00ال ب00ل ك00انت لطلب إنس00ان
أغار على مواش00ي المدين00ة وخرج00وا في طلب00ه فلم يج00دوه ،2والث00الث ق00د تواع00د له00ا أب00و
سفيان مع النبي ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم وتخل00ف أب00و س00فيان خوف0اً ،والوس00طى هي
العظمى لحضور المالئكة والجن فيها 3مع اإلنس.
{ -157فضل أهل أُ ُحد وقصة وقعته}
(قوله فأهل أحد) بدرج هم0زة “ أح0د “ وتس0كين دال0ه لل0وزن ،و “ أح0د “ جب0ل
معروف بالمدينة أي فأه00ل غ00زوة أح00د ف00رتبتهم تلي رتب00ة أه00ل غ00زوة ب00در ،والم00راد من
شهدها من المسلمين سواء استشهد بها كالسبعين أم ال.
وكان أهلها ألفاً ،منهم ثالثمائة من المنافقين ال00ذين رج00ع بهم عب00د هللا بن أُبَ ّي بن
سلول ،وكان المشركون ثالثة آالف رجل ،واص00طف المس00لمون بأص00ل أح00د والمش00ركون
بالسبخة ،وجعل الن00بي ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم عب00د هللا بن جب00ير أم00يراً على الرم00اة
بالنب00ل وهم خمس00ون وق00ال :احم00وا ظهورن00ا واثبت00وا مك00انكم ،فلم00ا التحم الح00رب ش00رع
المسلمون في أخذ الغنائم فقال الرماة :غلب أصحابكم فما تنظرون؟ فقال أميرهم :أنس00يتم
ق00ول رس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ،فق00الوا :وهللا لن00أتين الن00اس ونص00يب من
الغنيمة ،وحملوا كالمه صلى هللا عليه وآله وس0لم على أن الم0راد :م0ا دام الح0رب قائم0اً،
1رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم ( )11377وانظر مجمع الزوائد كتاب المغازي
(.)6/109
2ملخص القص 0ة 0أن ك00رز بن ج00ابر الفه00ري أغ00ار على إب00ل المدين00ة وغنمه00ا ،فخ00رج
رسول هللا صلى هللا تعالى عليه 0وآله وسلم في طلبه 0،حتى بلغ واديا ً يق00ال ل00ه س00فوان في ناحي00ة
بدر ،فلم يدركه فع00اد علي00ه الص00الة والس00الم ،ويس00مى ابن هش00ام ه0ذه الغ00زوة بغ00زوة س00فوان (
)2/238ثم إن كرز بن ج00ابر أس00لم وه00اجر إلى المدين00ة ،وحس00ن إس00المه ،قات00ل م00ع رس00ول هللا
صلى هللا تعالى 0عليه وآله وسلم ،وقتل يوم فتح مكة ،وكان في خيل خالد بن الوليد.
3األولى أن يقول :النتصار اإلسالم وظه0ور ش0وكته فيه00ا وتق0رر أم0ره كق0وة سياس0ية0
وعسكرية في الجزيرة العربية 0وهو ما أشار إليه تعالى بقوله (يوم الفرقان 0يوم التقى الجمعان).
269
فلما أتوهم رجع الكفار عليهم ووقع القتال ،وأشاع إبليس في ذلك الوقت أن محم00داً قت00ل،
فقتل من المسلمين سبعون ،ومن الكفار نيف وعش0رون ،وقي00ل س00بعون أيض0اً ،منهم أُبَ َّي
بن خلف قتله المصطفى بيده الكريمة ،ولم يقتل بيده الشريفة غيره وكان ص00لى هللا علي00ه
وآله وسلم البسا ً درعين ،فأراد أن ينهض وهما عليه ليص00عد ص00خرة هن00اك ف00برك طلح00ة
فصعد على ظهره واستوى عليها ،1وقد أصيب طلحة حينئذ ببضع وسبعين م00ا بين طعن00ة
بالرمح وضربة بالسيف ورمية بالسهم وقطعت أصابعه ،ورسول هللا صلى هللا عليه وآل0ه
وسلم يقول :قد أوجب طلحة –أي الجنة -وفيها استشهد حمزة :قتله وحشي ،وشج وج00ه
رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ،ورماه عتبة بن أبي وق00اص لعن00ه هللا بحج00ر فكس00ر
رباعيته فلم يولد من نسله ولد إال اهتم أبخر ،2ودخل حلقتان من المغفر في وجنته ص00لى
هللا عليه وآله وسلم فأخرجهما أبو عبي00دة بأس00نانه فس00قطت ثنيت00اه ،فك00ان أحس00ن الن00اس
هتماً.
{ -158فضل أهل بيعة الرضوان وقصتها}
(قوله فبيعة الرضوان) أي فأه00ل بيع00ة الرض00وان ،ف00رتبتهم تلي رتب00ة أه00ل غ0زوة
أحد ،واإلضافة في “ بيعة الرضوان “ من إضافة السبب للمسبب ،وس00ميت ب00ذلك لقول00ه
ض َ 0ي هَّللا ُ َع ِن ا ْل ُم00ؤْ ِمنِينَ ..اآلي00ة) (الفتح :من اآلية 3)18وك00ان أه00ل بيع00ة
تع00الى( :لَقَ ْ 0د َر ِ
الرضوان ألفا ً وأربعمائة ،وقيل وخمسمائة ،وخرج بهم النبي صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم
ع00ام س00ت من الهج00رة لزي00ارة ال00بيت الح00رام واالعتم00ار ب00ه ،ولم يكن معهم س00الح إال
الس00يوف ،ف00نزلوا بأقص00ى الحديبي00ة مح00ل مع00روف ،فص00ده المش00ركون عن دخ00ول مك00ة،
فأرسل إليهم عثمان بكتاب ألشراف قريش يعلمهم أنه إنما قدم معتم0راً ال مق0اتالً ،فق0الوا:
ال يدخل مكة هذا العام ،فشاع أنهم قتلوا عثمان :أشاع ذلك إبليس ورفع صوته ب00ه ،فق00ال
عليه الصالة والسالم عند ذلك :ال نبرح حتى نناجزهم الحرب ،ودعا الناس عن00د الش00جرة
للبيع00ة على الم00وت ،أو على أال يف00روا ،ب00ل يص00برون على الح00رب ،فب00ايعوه على ذل00ك،
ووضع صلى هللا عليه وآله وسلم شماله في يمينه ،وق00ال :ه00ذه عن ي00د عثم00ان :أي على
الج 0د بن قيس –بفتح الجيم -اختب00أ تقدير حياته ،أو نظ00راً للحقيق00ة ،ولم يتخل00ف عنه00ا إال َ
تحت بطن ناقته وكان منافقاً ،ويقال :إنه تاب وحسن إسالمه ،ثم تبينت حياة عثمان.
فصالحهم النبي صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم على ش00روط وهي :أن يوض00ع الح00رب
بينه وبينهم عشر سنين ،وأن يؤمن بعضهم بعضاً ،وأن يرجع في هذا العام ويأتي للعمرة
في العام القابل ،وأن من جاء ممن تبعه ال يردوه ومن جاء من قريش مؤمنا ً يرده ،وك00ره
المسلمون ذلك فقالوا :يا رسول هللا إنا نرد وال يردون ،قال :نعم ،ومن ذهب إليهم فأبع00ده
هللا ،ومن جاء منهم فسيجعل هللا له مخرجاً ،حتى أسلم أبو جندل وجماعة وانحازوا بجبل
1أخرجه الترمذي في المناقب 0برقم ( )3738وقال حسن صحيح غريب 0،وأخرجه أحمد
(.)1/165
2األهتم من انكسرت ثناياه واألنثى هتماء والبخر نتن الفم.
ين إِ ْذ يُبَايِ ُعونَ00كَ ت َْحتَ َّ
الشَ 0ج َر ِة فَ َعلِ َم َم00ا فِي ضَ 0ي هَّللا ُ َع ِن ا ْل ُم00ؤْ ِمنِ َ0
3اآلية بتمامها( :لَقَْ 0د َر ِ
س ِكينَةَ َعلَ ْي ِه ْم َوأَثَابَ ُه ْم فَ ْتحا ً قَ ِريباً)( 0الفتح.)180:
قُلُوبِ ِه ْم فَأ َ ْن َز َل ال َّ
270
يقطعون الطريق على قريش ،فأرسلوا له صلى هللا عليه وآله وسلم بإسقاط الشروط وأن
يأخذهم عنده.
وقد كتب عل ّي :هذا ما صالح عليه محمد رس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم،
فقالوا :لو سلمنا أنك رسول هللا صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم م00ا خاص00مناك ،ف00أبى عل ّي أن
يمحوها ،فقال صلى هللا عليه وآله وس00لم :أرنيه0ا ،فمحاه0ا وق0ال :اكتب لهم كم0ا ق0الوا “
محمد بن عبد هللا “ ف00إني رس00ول هللا وابن عب00د هللا ،وتحلل00وا ب00الحلق وال00ذبح ،ورجع00وا
المدينة.
271
والسابقون فضلهم نصا ً عُرفْ ##هذا وفي تعيينهم قد اختلف -79
{ -159فضل السابقين األولين ،ومن هم}
(قوله والسابقون فضلهم نصا ً عرف) هذه جمل0ة مس0تأنفة ،وله0ذا لم ي0أت بح0رف
الترتيب “ ،والسابقون “ مبتدأ أول ،و “ فضلهم “ مبتدأ ثان ،وجملة قول00ه “ ع00رف “
خبر المبتدأ الثاني ،وهو وخبره خبر عن المبتدأ األول؛ و “ نص 0ا ً “ منص00وب على ن00زع
الخ00افض ،وفي عب00ارة بعض00هم :منص00وب على التمي00يز ،والمع00نى والمتق00دمون األول00ون
فضلهم –بمعنى كثرة ث00وابهم 0على غ00يرهم ممن لم يش00ركهم في ه00ذه الص00فة –ع00رف من
سابِقُونَ اأْل َ َّولُ00ونَ ِمنَ ا ْل ُم َهِ 0
0اج ِرينَ (وال َّ
نص القرآن أو من جهة نص القرآن ،كقوله تعالىَ :
صا ِر… اآلية) (التوبة :من اآلية 1)100وقوله “ هذا “ أي افهم ه00ذا ،فه00و مفع00ول َواأْل َ ْن َ
لمحذوف ،ويصح غير ذلك.
وقوله “ :وفي تعيينهم قد اختلف “ أي وفي تعيين السابقين ق00د اختل0ف العلم0اء:
فقال أبو موسى األش00عري وغ00يره من األك00ابر :ال00ذين ص00لوا إلى القبل00تين –أي قبل00ة بيت
المق00دس والكعب00ة ،وه00ذا ه00و ق00ول األك00ثر وه00و األص00ح ،وق00ال محم00د بن كعب الق00رظي
وجماعة :هم أهل بدر ،وقال الش00عبي :هم أه00ل بيع00ة الرض00وان ،ف00األقوال ثالث00ة أرجحه00ا
أوله0ا ،وق0د علم من كالم الن0اظم أن التفض0يل ت0ارة يك0ون باعتب0ار األف0راد ،وت0ارة يك0ون
باعتبار األصناف.
ف00األول كتفض00يل أبي بك00ر ثم عم00ر ثم عثم00ان ثم عل ّي ،والث00اني كتفض00يل الخلف00اء
األربعة ،ثم الستة الباقية من العشرة ،ثم أهل ب00در ثم أه00ل أح00د ،ثم أه00ل بيع00ة الرض00وان،
وبعض أهل هذه المراتب ربما دخل في بعضها ،وربما دخل في الجميع ،فقد يك00ون س00ابقا ً
خليفة بدريا ً أحديا ً رضوانيا ً كالمشايخ األربع00ة لكن عثم00ان ب00دري أج00راً ال حض00وراً ،ألن00ه
صلى هللا عليه وآله وسلم خلفه على بنته َرقَيَّةَ يمرضها وماتت في غيبته صلى هللا علي00ه
وآله وسلم وقال :لك أجر رجل وسهمه ،وكان عثمان يلقب بذي الن00ورين لتزوج00ه ببنتي00ه
صلى هللا عليه وآله وسلم رقية وأم كلثوم ،ولم يعلم من تزوج ببنتي نبي غيره.
ت َْج ِري ت َْحتَ َها اأْل َ ْن َها ُر َخالِ ِدينَ فِي َها أَبَداً َذلِكَ ا ْلفَ ْو ُز ا ْل َع ِظي ُم) (التوبة :من اآلية.)100
272
وأول التشاجر الذي ور ْد ##إن خضتَ فيه واجتنب داء الحسد
ِّ -80
{ -160يجب تأويل التشاجر الذي جرى بين الصحابة عند الخوض فيه}
(قوله وأول التشاجر الذي ورد )1لما ذك00ر أن ص00حبه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم
خير القرون احتاج للجواب عما وق00ع بينهم من المنازع00ات الموهم00ة ق00دحا ً في حقهم م00ع
أنهم ال يصرون على عمد المعاصي وإن لم يكونوا معصومين.
وقد وقع تشاجر بين علي ومعاوية رضي هللا عنهما ،وق0د اف0ترقت الص0حابة ثالث
فرق ،فرقة اجتهدت فظهر لها أن الحق مع علي فقاتلت معه ،وفرقة اجته00دت فظه00ر له00ا
أن الحق مع معاوية فق0اتلت مع0ه ،وفرق0ة ت0وقفت ،وق0د ق0ال العلم0اء :المص0يب ب0أجرين
والمخطئ بأجر ،وقد شهد هللا ورسوله لهم بالعدالة.
والمراد من تأويل ذلك أن يصرف إلى محمل حسن لتحس00ين الظن بهم ،فلم يخ00رج
واحد منهم عن العدالة بما وقع بينهم ألنهم مجتهدون.
قوله “ :إن خضت فيه “ أي إن قدر أنك خضت فيه فأوله وال تنقص أح00داً منهم،
وإنما قال المصنف ذلك ألن الشخص ليس مأموراً بالخوض فيما ج00رى بينهم ،فإن00ه ليس
من العقائد الدينية وال من القواعد الكالمية 2وليس مما ينتفع به في ال00دين ب00ل ربم00ا ض00ر
في اليقين ،فال يباح الخوض فيه إال للرد على المتعصبين أو للتعليم كت00دريس الكتب ال00تي
تشتمل على اآلثار المتعلقة بذلك ،وأم00ا الع00وام فال يج00وز لهم الخ00وض في00ه لش00دة جهلهم
وعدم معرفتهم بالتأويل.
1قوله "الذي ورد" أي ثبت باألحاديث المتصلة األسانيد كما يؤخذ من شرح المصنف
الشيخ عبد السالم ،والمراد أنه ثبت بتلك األحاديث عند األئمة ،وأما ما لم يثبت 0عند األئم00ة فه00و
م00ردود باط00ل ال يحت00اج إلى تأويل00ه 0،وقول00ه اآلتي إن خض00ت في00ه" أي اطلعت علي00ه وعلمت00ه،
والفرض أنه ث00ابت 0عن00د األئم00ة باألح00اديث المتص00لة األس00انيد ،والحاص00ل أن التأوي00ل ال يجب إال
بشرطين 0،األول :أن يكون التشاجر ثابتاً 0عن األئم00ة باألح00اديث المتص00لة 0األس00انيد 0،والث00اني :أن
يخوض الشخص فيه بأن 0يطلع على ما جرى بينهم ،وخرج باألول م00ا لم يثبت 0عن00د األئم00ة فه00و
مردود باطل ،فنحكم عليه بأنه مردود باطل وال نحتاج إلى تأويل00ه 0،وخ00رج بالث00اني م00ا ثبت عن00د
األئمة لكن لم نطلع عليه فال يجب تأويله أيضاً 0ألن تأويل الشيء فرع عن العلم به ،والفرض أنه
غير معلوم .أجهوري.
2لعله أراد أن الخوض المذكور ليس من مقتضى العقائد الدينية وال القواعد الكالمي00ة،
وإال فالخوض من األعمال وظاهر أنه ليس من العقائد والقواعد التي هي أمور قلبية عقلية.
273
(قوله واجتنب داء الحسد )1أي واترك وجوبا ً في خوضك فيما شجر بينهم داء هو
الحسد ،فاإلضافة للبيان إن أريد الداء المعنوي ،أو الحس00د الش00بيه بال00داء ،فاإلض00افة من
إضافة المشبه به للمشبه ،إن أريد الداء الحسي ،والمراد داء الحس00د الحام00ل على المي00ل
مع أحد الطرفين على وجه غير مرضي ،2وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم:
هللا هللا في أصحابي ال تتخ00ذوهم غرض0ا ً من بع00دي ،من آذاهم فق00د آذاني ،ومن آذاني فق00د
آذى هللا ومن آذى هللا يوش000ك أن يأخ 00ذه ،3أي اتق 00وا هللا ثم اتق 00وا 0هللا ،أو أنش000دكم هللا ثم
أنشدكم هللا في حق أص00حابي وتعظيمهم التتخ00ذوهم ك00الغرض ال00ذي ي00رمي إلي00ه بالس00هام
فترموهم بالكلمات التي ال تناسب مقامهم ،فمن آذاهم فق00د آذاني ومن آذاني فق00د آذى هللا:
أي تعدى حدوده وخالفه :ففيه مشاكلة وإال فحقيقة اإليذاء على هللا محال00ة ،ومن آذى هللا
يوشك أن يأخذه أي يقرب أن يعذب00ه وفي رواي00ة (ال تس00بوا أص00حابي فمن س00ب أص00حابي
فعليه لعنة هللا والمالئكة والناس أجمعين ال يقبل هللا منه صرفا ً وال عدالً) 4ومعل00وم ج00واز
لعن غير المعين من العصاة ،والصرف :الفرض ،والعدل :النفل.
وقيل بالعكس ،وقيل غير ذل00ك ،وه00ذا في المس00تحل أو خ00ارج مخ00رج المبالغ00ة في
الزجر.5
1قول00ه" :واجتنب داء الحس00د" أي :حس00د أح00د الف00ريقين المتش00اجرين 0،الحام00ل ذل00ك
الحسد على الميل للفريق 0اآلخر على وجه غير مرضي ،بأن يشتمل ذلك الميل على س00ب غ00يره،
هذا ما أراده المحشي ،ثم الظاهر أن الحسد بمعناه األصلي الذي هو تمني زوال نعمة الغير ليس
مراداً هنا 0،بل المراد به هنا مطلق اإليذاء والسب والمعنى حينئ00ذ :واجتنب س00ب الص00حابة 0،ه00ذا
ما ظهر .أجهوري.
2فيه أن الحامل إلى هذا الميل هو الجهل والتعصب 0وليس الحسد فذكر الحسد ليس في
محله.
3
أخرجه الترمذي في كتاب المناقب برقم ( )3862عن عبد هللا بن مغفل وأخرجه أحمد
في المسند (.)5/54
4أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عويلم بن ساعدة (.)3/632
5قد جرى العلماء على مثل هذا التعبير في مثل هذا المقام وظاهره مشكل ،فإن ظ00اهره
يفيد أن هذا الكالم مخالف للواق00ع لكن00ه ق0د أتى للمبالغ0ة 0في الزج00ر 0،وه00و غ00ير ص00حيح .وال00ذي
يظهر لي أن مرادهم أن مثل هذا مما يذكر عقاباً 0على األعمال مقيد بعدم العف00و عن00ه لكن00ه كث00يراً
يذكر مطلقا ً محذوفا ً منه القيد إخراجا ً له في صورة القط0ع وع0دم التقيي0د مبالغ0ة في الزج0ر وهللا
أعلم.
274
ومال ٌك وسائر األئمة ##كذا أبو القاسم هداةُ األمة -81
(قوله ومالك) مبتدأ؛ وقوله “ وسائر األمة “ عطف عليه والخبر قوله “ هداة األمة “
وأما قوله “ كذا أبو القاسم “ فجملة معترضة بين المبتدأ والخبر.
{ -161ما ورد من األحاديث في األئمة األربعة}
واعلم أنه لم يصح في األئمة األربع00ة ح00ديث بالخص00وص ،وإنم00ا ورد (يوش00ك أن
تض00رب أكب00اد اإلب00ل يطلب00ون العلم فال يج00دون أح00داً أعلم من ع00الم المدين00ة) 1فحم00ل على
اإلمام مال00ك ،فك00انوا يزدحم00ون على باب00ه لطلب العلم ،وقي00ل :ه00و ك00ل ع00الم منه00ا ،وورد
(ع00الم ق00ريش يمأل طب00اق األرض علم 0اً) 2فحم00ل على اإلم00ام الش00افعي ،وقي00ل :ه00و ابن
عب00اس ،وورد (ل00و ك00ان العلم بالثري00ا لنال00ه رج00ال من ف00ارس) 3فحم00ل على أبي حنيف00ة
وأصحابه ،وكل من هذه األحاديث ظني.
وقوله( :وسائر األئمة) أي باقيهم ،وأل في “ األئم00ة “ للعه00د ،والمعه00ود األئم00ة
األربعة فقط ،واألولى جعلها للكمال ال بقيد عهد األربعة فقط ،فيدخل اإلم00ام الش00افعي أب00و
عبد هللا محمد بن إدريس ،واإلمام أبو حنيفة النعم0ان بن ث0ابت ،واإلم00ام أحم00د بن حنب00ل،
واإلم00ام الليث بن س00عد ،وداود الظ00اهري ،فإن00ه ك00ان جبالً في العلم ،وم00ا نق00ل عن إم00ام
الح000رمين من أن000ه ال يؤخ000ذ بكالم الظاهري000ة وال يع000ول عليهم ،فمحم000ول على طائف000ة
مخصوصة كابن ح00زم ،وي00دخل أيض0ا ً س00فيان الث00وري ،وك00ان يس00مى أم00ير المؤم00نين في
الح00ديث ،وإس00حاق بن راهوي00ه ،ومحم00د بن جري00ر الط00بري ،وس00فيان بن عيين00ة ،وك00ان
يقول :إذا كانت نفس المؤمن محبوسة عن مكانها في الجنة بدينه حتى يقضي عنه فكيف
بصاحب الغيبة ف00إن ال00دين يقض00ي والغيب00ة ال تقض00ي ،وعب00د ال0رحمن بن عم00ر األوزاعي
وكان يقول :ليس ساعة من ساعات الدنيا إال وتع00رض على العب00د ي00وم القيام00ة فالس00اعة
التي ال يذكر هللا فيها تتقطع نفسه عليها حسرات ،فكيف إذا مرت ساعة مع س00اعة وي00وم
مع يوم ،واإلمام أبو الحسن األشعري وأبو منصور الماتريدي.
1أخرجه ابن حبان في ص00حيحه في كت00اب الحج ب00رقم ( )3736عن أبي هري00رة رض00ي
هللا تعالى عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا تعالى 0عليه وآل00ه وس00لم( :يوش00ك أن يض00رب 0الرج00ل
أكباد اإلبل في طلب العلم فال يجد عالما ً أعلم من عالم المدينة) وأخرجه الترمذي في كت00اب العلم
برقم ( )2680واإلمام أحمد ( )2/299وغيرهم.
2قال في كشف الخفاء ( )2/54رقم ( )1701رواه أحمد بصيغة التمريض .. 0للش00ك في
ضعفه فإن إسناده ال يخلو عن ضعيف ،وقد جمع الحافظ ابن حج00ر طرق00ه في كت00اب .. 0وب00ه يعلم
أنه حسن انتهى .وأسنده البيهقي في مناقب الشافعي ( )1/54ورواه أبو داو الطيالس00ي ()1/39
رقم ( )309والديلمي ( )1/502رقم (.)1701
3أخرجه البخاري في كتاب 0التفسير 0برقم ( )4897ومسلم في فضائل الص00حابة 0ب00رقم (
)2546وأحمد ( )2/297وابن حبان في صحيحه برقم ( )7265عن أبي هريرة رضي هللا تعالى0
عنه باختالف يسير في األلفاظ.
275
وقوله “ كذا أبو القاسم “ كذا :خبر مقدم ،و “ أب00و القاس00م “ مبت00دأ م00ؤخر :أي
مثل من ذكر في الهداية واستقامة الطريق أبو القاسم محم0د الجني0د س0يد الص0وفية علم0ا ً
وعمالً ،ولعل المصنف رأى شهرته بهذه الكنية ،ولو قال “ :جنيدهم أيضا ً ه00داة األم00ة “
لكان أوضح.
وقد اختلف العلماء في التكني بأبي القاسم ،فقال اإلمام الشافعي :ال يج00وز مطلق0اً،
أي :س0واء ك0ان اس0مه محم0داً أو ال ،قب0ل مفارقت0ه ص0لى هللا علي0ه وآل0ه وس0لم لل0دنيا أو
بعدها ،وقال األئمة الثالثة :يجوز بعد مفارقت0ه ص0لى هللا علي0ه وآل0ه وس0لم ال0دنيا ،وك0ان
الجنيد رض00ي هللا عن00ه على م00ذهب أبي ث00ور ص00احب اإلم00ام الش00افعي فإن00ه ك00ان مجته00داً
اجتهاداً مطلقا ً كاإلمام أحمد.
ومن كالم الجنيد :الطريق إلى هللا مسدود على خلقه إال على المقتفين آثار رس00ول
هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ،ومن كالمه أيضاً :لو أقبل صادق على هللا أل00ف أل00ف س00نة
ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله ،ومن كالمه أيضاً :إن ب00دت ذرة من عين
الكرم والجود ألحقت المسيء بالمحسن ،وبقيت أعمالهم فضالً لهم.
ودخل عليه إبليس في صورة فقير يريد خدمة الشيخ فخدمه مدة طويلة ثم أخ00بره
بنفسه وقال له :خ00دمتك م00دة ولم يخت00ل من عمل00ك ش00يء ،فلم ي00رتض قول00ه لم00ا في00ه من
الدخيل 1وقال له :أنا عارف بك من أول ما دخلت ،وقد استخدمتك عقوبة ل00ك لعلمي أن ال
أجر لك في الخدمة ،ثم خرج خاسئاً.
وقوله( :هداة األمة) أي هداة هذه األمة التي هي خير األمم بش00هادة قول00ه تع00الى:
س) (آل عمران :من اآلية )110فهم خيار الخيار ،لكن بعد من ( ُك ْنتُ ْم َخ ْي َر أُ َّم ٍة أُ ْخ ِر َجتْ لِلنَّا ِ
ذكر من الصحابة ومن معهم.
والحاصل أن اإلمام مالكا ً ونحوه ه00داة ه00ذه األم00ة في الف00روع ،واإلم00ام األش00عري
ونح00وه ه00داة األم00ة في األص00ول أي العقائ00د الديني00ة –والجني00د ونح00وه ه00داة األم00ة في
التصوف ،فجزاهم هللا عنا خيراً ونفعنا بهم.
1قوله لما فيه من الدخيل ظاهره أن الضمير عائد على ق0ول الش00يطان 0والمع00نى أن0ه لم
يرتض قول الشيطان 0لما يعلم أن الشيطان 0إنما قال ل00ه ذل00ك ليوقع00ه في العجب بعمل00ه ،وق00د ك00ان
هذا آخر سهم في كنانته 0،ويحتمل أن الضمير راجع إلى عمل00ه والمع00نى لم00ا ي00رى في عمل00ه من
الدخيل وعدم الخلوص.
276
فواجب تقليد َح ْب ٍر منهم ##كذا حكى القوم بلفظ يُفهم -82
{ -162يجب على غير المجتهد تقليد أحد األئمة ،وبيان شرائط االجتهاد}
(قوله فواجب … إلخ) لما قدم أن األئمة المذكورين هداة هذه األمة –ولم يكن ك00ل
واحد من الناس قادراً على االجتهاد المطلق -ذكر هن00ا أن00ه يجب على ك00ل من لم يكن في00ه
أهلية االجتهاد المطلق -ولو كان مجتهد مذهب أو فتوى -تقليد إمام من األئمة األربعة في
األحكام الفرعية ،وما جزم به الناظم هو مذهب األصوليين وجمهور الفقهاء والمح00دثين:
اس0أَلوا أَ ْهَ 0ل ال0ِّ 0ذ ْك ِر إِنْ ُك ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُم00ونَ ) (النح00ل :من اآلية )43
واحتج00وا 0بقول00ه تع00الى( :فَ ْ
فأوجب السؤال على من لم يعلم ،ويترتب عليه األخذ بقول الع00الم ،وذل00ك تقلي00د ل00ه ،وق00ال
بعضهم :ال يجب تقليد واحد بعينه ،بل له أن يأخذ فيما يقع له بهذا الم00ذهب ت00ارة وبغ00يره
أخ00رى ،فيج00وز ص0الة الظه00ر على م00ذهب الش00افعي ،وص00الة العص00ر على م00ذهب مال0ك،
وهكذا ،وخرج بقولنا “ من لم يكن فيه أهلي00ة االجته00اد المطل00ق “ من ك00ان في00ه أهليت00ه،
فإنه يحرم عليه التقليد فيما يقع له عند األكثر ،واختاره اآلمدي وابن الح00اجب والس00بكي،
لتمكنه من االجتهاد الذي هو أصل التقليد وأما التقليد في العقائد فقد علمته في صدر هذه
المنظومة.
وقوله “ حبر منهم “ بفتح الحاء وكس00رها :أي ع00الم ح00اذق من األئم00ة األربع00ة،
وال يجوز تقليد غيرهم ول00و ك00ان من أك00ابر الص00حابة ،ألن م00ذاهبهم لم ت00دون ولم تض00بط
كمذاهب هؤالء ،لكن جوز بعضهم ذلك في غير اإلفتاء 1كما قال:
وجائز تقليد غير األربعة ##في غير إفتاء وفي هذا سعة
وقول00ه( :ك00ذا حكى الق00وم بلف00ظ يفهم) أي حكى األص00وليون وجمه00ور الفقه00اء
والمحدثين بلفظ يفهمه السامع لوضوحه حكما ً مثل هذا الحكم الذي هو وجوب تقليد إم00ام
من األئمة األربع00ة ،واختل00ف المش00به والمش00به ب00ه باالعتب00ار ،ف00إن الق00ول باعتب00ار كون00ه
ص00ادراً من المص00نف ،غ00ير نفس00ه باعتب00ار كون00ه ص00ادراً من الق00وم ،وليس م00راد المتن
التبري من ذلك ،بل مجرد ال َع ْز ِو.
1قوله لكن جوز بعضهم ذلك في غير اإلفتاء يرد على هذا القول أن00ه إن نقلت المس00ألة0
مع كل معتبراتها بطريق صحيح فال وجه للق00ول بع00دم اإلفت00اء به00ا ،وإن لم تنق00ل ك00ذلك فال وج00ه
لجواز العمل بها.
ق00ال اإلم00ام ع00ز ال00دين بن عب00د الس00الم :إن تحق00ق ثب00وت م00ذهب واح00د منهم –أي من
الصحابة 0-جاز تقليده وفاقا ً وإال فال ،انتهى والتقليد شامل للتقليد ألجل العمل والتقليد للفتوى.
نعم نقل مذهبهم مع كل معتبراته 0بطريق صحيح قلي00ل ج0داً ،ق00ال ابن المن00ير 0:ق00د يك00ون
اإلسناد إلى ذلك المجتهد ال على شروط الصحة ،وقد يكون اإلجماع قد انعقد بعد ذلك الق0ول على
قول آخر .انتهى.
وبالجملة 0إن القول بجواز تقليد غير المذاهب األربع00ة مب00ني على ش00روط قلم00ا تت00وفر،
فمن أجل ذلك أطلق كثير من العلماء 0القول بالمنع.
277
فإن قلت :هل يجوز االنتقال من مذهب إلى مذهب؟ قلت :في00ه أق00وال ثالث00ة ،فقي00ل:
يمتن00ع مطلق0ا ً وقي00ل :يج00وز مطلق0ا ً وقي00ل :إن لم يجم00ع بين الم00ذهبين على ص00فة تخ00الف
اإلجماع كمن تزوج بال صداق وال ولي وال شهود؛ ف00إن ه00ذه الص00ورة ال يق00ول به00ا أح00د،
وهذا شرط من شروط التقليد المنظومة في قول بعضهم:
عدم التتبع رخصة وتركب##لحقيقة ما إن يقول بها أحد
وكذاك رجحان المقلَد يعتقد ##ولحاجة تقليده تم العدد
وقد أملى شيخنا على هذين البيتين رسالة لطيفة ينبغي االطالع عليها.
278
من المذاهب األربعة قول بنفيها بعد الموت ،ب00ل ظهوره00ا حينئ00ذ أولى ،ألن النفس حينئ00ذ
صافية من األكدار ،ولذا قيل :من لم تظهر كرامت0ه بع0د موت0ه كم0ا ك0انت في حيات0ه فليس
بصادق ،وق0ال الش00عراني :ذك0ر لي بعض المش00ايخ أن هللا تع0الى يوك0ل بق0بر ال00ولي ملك0ا ً
يقضي الحوائج ،وتارة يخرج الولي من قبره ويقضيها بنفسه.
واستدلوا على الجواز بأنه ال يلزم من فرض وقوعه00ا مح00ال ،وك00ل م00ا ك00ان ك00ذلك
فهو جائز.
(وأَ ْنبَتَ َه0ا نَبَات0ا ً
وعلى الوقوع بما جاء في الكتاب العزيز من قصة مريم قال تعالىَ :
س0نا ً … اآلي0ة) (آل عم0ران :من اآلية )37أي أنش0أها إنش00اء حس0نا ً ب0أن س0وى خلقه0ا َح َ
1
وجعلها تنبت في اليوم كما ينبت المولود في العام ،وكفلها زكريا ،وك00ان ال ي00دخل عليه00ا
غيره ،وكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.2
وقص00ة أص00حاب الكه00ف وهم س00بعة من أش00راف ال00روم خ00افوا بع00د عيس00ى على
إيمانهم من ملكهم فخرجوا ودخلوا غاراً فلبثوا في00ه بال طع00ام وال ش00راب ثالثمائ00ة وتس00ع
سنين نياما ً بال آفة.
وقصة “ آصف “ بالمد وفتح الصاد وزير س0ليمان .وك0ان يع0رف االس0م األعظم،
فقال لسليمان :انظ00ر إلى الس00ماء ،فنظ00ر إليه00ا ،ف00دعا آص00ف باالس00م األعظم أن ي00أتي هللا
بعرش بلقيس فأتى به ،فرد سليمان طرفه فوجده بين يديه.
وما وقع من كرامات الص00حابة والت00ابعين إلى وقتن00ا ه00ذا ،فق00د روي أن عم00ر بن
الخطاب رأى العدو من مسافة شهر فقال :يا سارية الجب00ل فس00مع س00ارية ص00وته فانح00از
بالناس إلى الجبل وقاتلوا العدو فنصرهم هللا تعالى.3
وروي أن عبد هللا الشقيق كان إذا مرت عليه سحابة يقول لها :أقسمت عليك باهلل
إال أمطرت ،فتمطر في الحال.
1قوله :وجعلها تنبت 0في اليوم كما ينبت 0المولود في العام ،هذا ما ال دليل علي00ه 0،وه00ل
كانت قد بلغت الحلم بعد خمسة عشر يوماً!؟.
قال ابن كثير في التفسير ( :)1/359يخبر ربنا 0أنه تقبلها 0من أمها نِ00ذيرة ،وأن00ه أنبته00ا
نباتاً 0حسناً 0،أي جعلها شكالً مليحاً 0ومنظراً بهيجاً 0،ويسر لها أسباب 0القبول ،وقرنه00ا بالص00الحين
من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين ،ولهذا قال( :وكفلها زكريا).
2قوله :وكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء… الخ.
قال ابن كثير ( )1/360قال مجاهد وعكرمة وس00عيد بن جب00ير وأب00و الش00عثاء 0وإب00راهيم
النخعي والضحاك 0وقتادة والربيع بن أنس وعطي00ة الع00وفي والس00دي :يع00ني وج00د عن00دها فاكه00ة
الصيف في الشتاء 0وفاكهة الشتاء في الصيف.
وعن مجاه0د (وج0د عن0دها رزق0ا) أي علم0ا ،أو ق0ال :ص0حفا ً فيه0ا علم ،رواه ابن أبي
حاتم ،واألول أصح وفيه داللة على كرامات األولياء وفي السنة لها نظائر كثيرة.
3انظره سير أعالم النبالء المجلد الخاص بسيرة الخلفاء 0الراشدين )136( 0واإلصابة (
)2/3الترجمة رقم ( .)3034وأخرجه ال00بيهقي في دالئ00ل النب00وة .ونق00ل الس00خاوي في المقاص00د
الحسنة ( )474عن الحافظ ابن حجر أن إسناده حسن.
279
واألولياء جمع ولي وهو العارف باهلل تع00الى وبص00فاته حس00ب اإلمك00ان ،الم00واظب
على الطاعة المجتنب للمعاصي بمعنى أنه ال ي00رتكب معص00ية ب00دون توب00ة ،وليس الم00راد
أنه ال تقع منه معصية بالكلية إذ ليس معصوماً ،وقولهم “ :ال يكذب ال0ولي “ أي بلس0ان
حاله بأن يُظهر خالف ما يبطن ،المعرض عن االنهم00اك في الل00ذات والش00هوات المباح00ة،
وأما أصل التناول فال مانع منه ال سيما إذا كان بقصد التقوى على العبادة وس00مي “ ولي0ا ً
“ ألن هللا تولى أمره فلم يكله إلى نفسه وال إلى غيره لحظة ،وألنه يتولى عبادة هللا على
الدوام من غير أن يتخللها عصيان ،وكال المعنيين واجب تحققه 0حتى يك00ون ال00ولي عن00دنا
وليا ً في نفس األمر.
والكرامة :أمر خارق للعادة يظهر على يد عبد ظاهر الصالح ملتزم لمتابع00ة ن00بي
كلف بشريعته مصحوب بصحيح االعتقاد والعمل الصالح ،علم بها أو لم يعلم ،وس00بق م00ا
يتعلق بخوارق العادة عند المعجزات.
(قوله ومن نفاها انبذن كالمه) أي ومن نفى الكرامة وقال بعدم جوازه00ا كاألس00تاذ
أبي عبد هللا الحليمي من أهل الس00نة وجمه00ور المعتزل0ة اط0رحن كالم00ه وال تع00ول علي00ه،
وأتى المص00نف بهم00زة الوص00ل للض00رورة ،فتك00ون مكس00ورة وليس هم00زة قط00ع كم00ا ق00د
يتوهم :فإن الذي في الق00رآن العظيم ثالثي ،ق00ال تع00الى( :فَا ْنبِ0ْ 0ذ إِلَ ْي ِه ْم) (األنف00ال :من اآلية
.)58
وتمسك من نفي الكرامة بأنه لو ظهرت الخوارق من األولياء اللتبس النبي بغ00يره
ألن الخارق إنما هو المعجزة ،1وبأنها ل00و ظه00رت على أي00ديهم لك00ثرت بك00ثرتهم وخ00رجت
عن كونها خارقة للعادة والف00رض أنه00ا ك00ذلك ،ورد األول بأن00ه ليس في وقوعه00ا التب00اس
النبي بغيره للفرق بين المعجزة والكرامة ،بدعوى النبوة في األولى وعدمها في الثاني00ة،
ورد الثاني بأن00ا ال نس0لم أنه0ا تخ00رج بكثرته0ا عن كونه0ا خارق0ة للع00ادة ،ب0ل غاي0ة األم00ر
استمرار خرق العادة ،وذلك ال يوجب كونه عادة.
وس00ئل بعض00هم :ألي ش00يء ك00ثرت الكرام00ات في الزم00ان المت00أخر عن الزم00ان
المتقدم؟ فأجاب بأن ذلك لضعف اعتقاد المتأخرين ،ف00احتيج لت00أليفهم بالكرام00ات ليعتق00دوا
في الصالحين ،وأما المتقدمون فاعتقادهم تابع لميزان الشرع.
1ال يظهر لهذا التعليل 0وجه ،وفي شرح عبد السالم الفارق بدل الخارق وهو الصحيح،
ولعل ما في الشرح من تحريف النساخ ،والمراد ب00المعجزة الخ00ارق ال خص00وص المعج00زة ح00تى
يصح التعليل.
280
وعندنا أن الدعاء ينفع ##كما من القرآن وعداً يُسمع -83
{ -164مذهب أهل السنة أن الدعاء ينفع}
(قوله وعندنا أن الدعاء ينفع) أي وعندنا معاشر أهل السنة أن ال00دعاء ال00ذي ه00و
الطلب على س00بيل التض00رع ،وقي00ل :رف00ع الحاج00ات إلى راف00ع ال00درجات ينف00ع األحي00اء
واألموات إن دعوت لهم ،ويض00رهم إن دع00وت عليهم وإن ص00در من ك00افر على ال00راجح،
لحديث أنس رضي هللا عنه (دعوة المظلوم مستجابة ولو كافراً) وأما قوله تع0الىَ :
1
(و َم0ا
الل) (الرع00د :من اآلية )14فمعن00اه أن00ه ال يس00تجاب لهم في ُدعَ00ا ُء ا ْل َك00افِ ِرينَ إِاَّل فِي َ
ضٍ 00
1أخرج القضاعي في مسند الشهاب 0برقم ( )960عن أنس بن مال0ك 0ق00ال :ق00ال رس00ول
هللا صلى هللا تع0الى علي0ه وآل0ه وس0لم( :إي0اكم ودع0وة المظل0وم وإن ك0ان ك0افراً فإنه0ا ليس له0ا
حجاب دون هللا تعالى).وأخرجه أحمد ()3/152
281
خصوص الدعاء بتخفيف ع00ذاب جهنم عنهم ي00وم القيام00ة ،وروى الح00اكم وص00ححه :أن00ه
صلى هللا عليه وآله وسلم قال( :ال يغ0ني ح0ذر من ق0در وال0دعاء ينف0ع مم0ا ن0زل ومم0ا لم
ينزل وإن البالء لينزل ويتلقاه الدعاء فيتعالجان إلى يوم القيامة).1
والدعاء ينفع في القض00اء الم00برم والقض00اء المعل00ق ،أم00ا الث00اني فال اس00تحالة في
رفع ما علق رفعه منه على الدعاء ،وال في نزول ما علق نزوله من00ه على ال00دعاء ،وأم00ا
األول فالدعاء وإن لم يرفعه لكن هللا تعالى ينزل لطفه بالداعي ،كما إذا قضى عليه قض00اء
مبرما ً بأن ينزل عليه صخرة ف00إذا دع00ا هللا تع00الى حص00ل ل00ه اللط00ف ب00أن تص00ير الص00خرة
مفتت00ة كالرم00ل وت00نزل عليه ،2وانقس00ام القض00اء إلى م00برم ومعل00ق ظ00اهر بحس00ب الل00وح
المحفوظ ،وأما بحسب العلم فجميع األشياء مبرمة ،ألنه إن علم هللا حصول المعلق علي00ه
حصل المعلق والبد ،وإن علم هللا ع00دم حص00وله لم يحص00ل والب00د ،لكن ال ي00ترك الش00خص
الدعاء اتكاالً على ذلك كما ال يترك األكل اتكاالً على إبرام هللا األمر في الشبع.
وأم00ا عن00د المعتزل00ة فال00دعاء ال ينف00ع ،وال يكف00رون ب00ذلك ألنهم لم يك00ذبوا الق00رآن
كقول00ه تع00الى( :ا ْد ُع00ونِي أَ ْ
س0تَ ِج ْب لَ ُكم) (غ00افر :من اآلية )60ب00ل أول00وا ال00دعاء بالعب00ادة،
واإلجابة بالثواب.
{ -165شروط الدعاء وآدابه}
واعلم أن للدعاء شروطا ً وآداباً :فمن شروطه أكل الحالل ،وأن يدعو وه00و م00وقن
باإلجابة ،وأال يكون قلبه غافالً ،وأال يدعو بما فيه إثم أو قطيع00ة رحم ،أو إض00اعة حق00وق
المسلمين ،وأال يدعو بمحال ولو عادة ،ألن الدعاء به يشبه التحكم 0على الق00درة القاض00ية
بدوامها ،وذلك إساءة أدب على هللا تعالى.
ومن آداب00ه :أن يتح00رى األوق0ات الفاض00لة ،ك0أن ي00دعو في الس00جود ،وعن00د األذان
واإلقام00ة ،ومنه00ا :تق00ديم الوض00وء والص00الة ،واس00تقبال القبل00ة ،ورف00ع األي00دي إلى جه00ة
السماء ،وتقديم التوبة ،واالعتراف بالذنب ،واإلخالص ،وافتتاح00ه بالحم00د والص00الة على
النبي صلى هللا عليه وآله وسلم وختمه بها ،وجعلها في وسطه أيضاً.
(قوله كما من القرآن وعداً يسمع) أي ألج00ل ال00ذي 3يس00مع دال0ه من ألف00اظ الق00رآن
حال كونه موعوداً به ،فالكاف للتعليل ،و “ ما “ اسم موصول ،و “ يسمع “ ص00لته ،و
“ وعداً “ بمعنى موعوداً به حال ،والمسموع إنم00ا ه00و ال00دال والموع00ود ب00ه الم00دلول ال
س0ت َِج ْب لَ ُك ْم) (غ00افر :من اآلية )60وق00ال تع00الى:(وقَ00ا َل َربُّ ُك ُم ا ْد ُع00ونِي أَ ْ
الدال ،قال تعالىَ :
َان) (البق00رة :من اآلية)186 َ يب َد ْع َوةَ الد ِ
َّاع إِذا َدع ِ ُ سأَلَ َك ِعبَا ِدي َعنِّي فإِنِّي ق ِر ٌ
يب أ ِج ُ َ َ ( َوإِ َذا َ
1أخرجه الحاكم في كتاب ال00دعاء ب00رقم ( )1813إال أن في00ه :فيعتلج00ان ،وق00ال :ح00ديث
صحيح اإلسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بأن فيه مجمع على ضعفه.
2هذا النوع من هذه الجهة راجع إلى القضاء 0المعلق ،وذلك أن ن00زول الص00خرة قض00اء
مبرم ،وأما تفتتها فمعلق بالدعاء.
3قوله ألجل الذي .ال0ذي هن0ا كلف0ظ م00ا في المتن عب0ارة االس0تجابة 0ف00إن المس0موع من
القرآن دالها.
282
وتخصيص القرآن لتواتره ال لقصر الداللة علي00ه ،وإال في00دل على أن ال00دعاء ينف00ع الس00نة
واإلجماع ،فقد دعا صلى هللا عليه وآله وسلم ربه في مواطن كثيرة كيوم بدر ،وقد أجم00ع
عليه السلف والخلف.
واعلم أن اإلجابة تتنوع فتارة يقع المطلوب بعين00ه على الف00ور ،وت00ارة يق00ع ولكن
يتأخر لحكمة فيه ،وتارة تقع اإلجابة بغير المطل0وب حيث ال يك0ون في المطل0وب مص0لحة
ناجزة ،وفي ذلك الغير مص00لحة ن00اجزة ،أو يك00ون في المطل00وب مص00لحة وفي ذل00ك الغ00ير
أصلح منها ،على أن اإلجاب0ة مقي0دة بالمش0يئة كم0ا ي0دل علي0ه قول0ه تع0الى( :فَيَ ْك ِ
ش0فُ َم0ا
ش00ا َء) (األنع00ام :من اآلية )41فه00و مقي00د إلطالق اآلي00تين الس00ابقتين؛ تَْ 00دعُونَ إِلَ ْيِ 00ه إِنْ َ
فالمعنى :ادعوني أستجب لكم إن شئت وأجيب دعوة الداعي إن شئت.
283
وهذا الخالف 1مبني على العطف في قول0ه “ وك0اتبون “ ف0إن جع00ل للتغ00اير -كم00ا ذك0ره
المصنف في شرحه الص0غير -ك0ان الم0راد بالح0افظين المع0نى األول ،وإن جع0ل للتفس0ير
-كما ذكره في شرحه الكبير -كان المراد بالحافظين المعنى الثاني ،وال00راجح األول ،فق0د
ذكر بعضهم أن المعقبات في قوله تعالى( :لَهُ ُم َعقِّبَاتٌ ِمنْ بَ ْي ِن يَ َد ْيِ 0ه َو ِمنْ َخ ْلفِِ 0ه يَ ْحفَظُونَ0هُ
ِمنْ أَ ْم ِر هَّللا ِ) (الرعد :من اآلية )11غير الك00اتبين ،ويقوي00ه -كم00ا قال00ه القرط00بي -أن00ه لم
ينقل أن الحفظة 0يفارقون العبد بل يالزمونه أبداً ،بخالف الكتبة فإنهم يفارقون العب00د عن00د
ثالث حاجات :عند قضاء حاجة اإلنسان بوالً أو غائطاً ،وعند الجماع ،وعند الغس00ل ،كم00ا
جاء في حديث ابن عباس رض00ي هللا عنهما ،2وال يمن00ع ذل00ك من كتب م00ا يص00در من00ه في
هذه األح00وال ،ألن هللا يجع00ل لهم عالم00ة على ذل00ك كم00ا م00ر في االعتق00اد ،وفي غ00ير ه00ذه
األحوال ال يفارقونه ولو كان بيت00ه في00ه ج00رس أو كلب أو ص00ورة ،وأم00ا ح00ديث (ال ت00دخل
المالئكة بيتا ً فيه جرس) 3ونحوه فالمراد مالئكة الرحمة ،وقد ورد أن عثم0ان س0أل الن0بي
صلى هللا عليه وآله وسلم عن عدد المالئكة الموكلين باآلدمي ،فق00ال( :لك00ل آدمي عش00رة
بالليل وعشرة بالنهار :واحد عن يمينه ،وآخر عن شماله ،واثن00ان بين يدي00ه ومن خلف00ه،
واثن00ان على جنبي00ه،وآخ00ر ق00ابض على ناص00يته ،ف00إن تواض00ع رفع00ه ،وإن تك00بر وض00عه،
واثنان على شفتيه ليس يحفظان عليه إال الصالة على النبي صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم،
والعاشر يحرسه من الحية أن تدخل فاه) ،4وفي بعض الرواي00ات أن0ه ذك0ر عش0رين ملك0اً،
وذكر األب ّي أنه يحفظ البن عطية أن كل آدمي يوكل ب00ه من حين وقوع00ه نطف00ة في ال00رحم
إلى موته أربعمائة ملك؛ وحفظهم للعبد إنما هو من المعلق ،وأما المبرم فالب00د من إنف00اذه
فيتنحون عنه حتى ينفذ.
(قوله وكاتبون خيرة) أي مختارون ،ألن هللا تعالى اختارهم لذلك ،وق00د علمت أن00ه
وق00ع خالف في ه00ذا العط00ف ،فقي00ل :للتغ00اير ،وقي00ل :للتفس00ير ،والح00ق األول ،والم00راد
بالجمع :ما فوق الواحد ،ألن كل واحد من العباد إنما عليه ملكان ،وك00ل منهم00ا رقيب :أي
حافظ وعتيد :أي حاضر ،ال كما يتوهم من أحد أن أح00دهما رقيب واآلخ00ر عتي00د ،وهم00ا ال
يتغيران ما دام حيا ً ،فإذا مات يقومان على قبره يسبحان ويهلالن ويكبران ويكتبان ثوابه
له إلى يوم القيامة إن كان مؤمناً ،ويلعنانه إلى يوم القيامة إن كان كافراً.
وقيل :لكل يوم وليلة ملكان ،فلليوم ملكان ،ولليلة ملك00ان ،فتك00ون المالئك00ة أربع00ة
يتعاقبون عن00د ص00الته العص00ر وص00الة الص00بح ،ويؤرخ00ون م00ا يكتب00ون من أعم00ال العب00اد
1األولى أن يقول بدله :وتعين أحد االحتمالين ،فإن الموجود هو احتماالن ال الخالف.
2روى الترم00ذي في كت00اب األدب ب00رقم ( )2800عن ابن عم00ر رض00ي هللا عنهم00ا أن
رسول هللا صلى هللا تعالى عليه 0وآله وسلم قال( :إياكم والتعري فإن معكم من ال يفارقكم إال عن00د
الغائط 0،وحين يفضي الرجل إلى أهله ،فاستحيوهم وأكرموهم) .وقال حديث غ00ريب .ال نعرف00ه إال
من هذا الوجه.
3أخرج الطبراني في األوسط ب00رقم ( )4699عن أنس بن مال0ك 0رض00ي هللا تع00الى 0عن00ه
قال :قال رسول هللا صلى هللا تعالى 0عليه وآله وسلم( :ال تقرب المالئك00ة ع00يراً فيه00ا ج00رس ،وال
بيتا ً فيه جرس ،قال الهيثمي :رجاله ثقات .وأخرجه أبو داود برقم (.)4231
4قال في فتح الباري ( )8/222أخرجه الطبري من طريق كنانة العدوي.
284
باأليام والجمع واألعوام 0واألماكن ،وملك الحسنات من ناحية اليمين ،ومل00ك الس00يئات من
ناحية اليسار ،واألول أمين أو أمير على الثاني ،ف0إذا فع0ل العب0د حس0نة ب0ادر مل0ك اليمين
إلى كتبها ،وإذا فعل سيئة قال ملك اليسار لمل00ك اليمين :أأكتب؟ فيق00ول :ال ،لعل00ه يس00تغفر
ويتوب ،فإذا مضى ست ساعات فلكية من غير توبة قال له :اكتب أراحن00ا هللا من00ه ،وه00ذا
دعاء عليه بالموت ليتحوال عن مشاهدة المعصية ألنهما يتأذيان بذلك ،وفي بعض اآلث00ار
أن كتب المباحات على القول به لكاتب السيئات ،وقد اعتمد بعضهم أن المباح ال يكتب.
وهذه الكتاب00ة مم00ا يجب اإليم00ان به00ا فيكف00ر منكره00ا لتكذيب00ه الق00رآن الك00ريم ،ق00ال
تعالىِ ( :ك َراما ً َكاتِبِينَ ،يَ ْعلَ ُمونَ َما تَ ْف َعلُونَ ) (االنفطار )12-11 :لكنها ليست لحاج00ة دعت
إليها؛ وإنما فائدتها أن العبد إذا علم بها استحيا وترك المعصية.
والكتب حقيقي بآلة وقرطاس وم00داد يعلمه00ا هللا س00بحانه وتع00الى حمالً للنص00وص
على ظواهره00ا ،خالف 0ا ً لمن ق00ال :إن00ه كناي00ة عن الحف00ظ والعلم ،وفي بعض األح00اديث أن
لسانه قلمهما وريقه مدادهما ،1والتفويض أولى ،واختلف في محلهما من الشخص فقيل:
ناجذاه ،أي :آخر أضراسه األيمن واأليسر ،وقي00ل :عاتق00اه ،وقي00ل :ذقن00ه ،وقي00ل :ش00فتاه،
وقيل :عنفقته ،وروي عن مجاه00د أن00ه ك00ان إن قع00د ك00ان أح00دهما عن يمين00ه واآلخ00ر عن
يساره ،وإن مشى كان أحدهما أمام00ه واآلخ00ر وراءه ،وإن رق00د ك00ان أح00دهما عن00د رأس00ه
واآلخر عند رجليه ،ويجمع بين هذه األقاوي00ل بأنهم00ا ال يلزم00ان محالً واح00داً واألس00لم في
أمثال ذلك الوقف.
(قوله :لن يهملوا ##من أمره ش00يئا ً فع00ل) أي لن ي00تركوا من ش00أنه وحال00ه ش00يئا ً
فعله بال كتابة بل يكتبونه قوالً أو غيره ،فليست الكتابة مختص00ة ب00األقوال وإن ك00ان قول00ه
يب َعتِي0دٌ) (قّ )18:في خص0وص األق0وال ،وك0ذلك تع0الىَ ( :م0ا يَ ْلفِ0ظُ ِمنْ قَ ْ
0و ٍل إِاَّل لَ َد ْيِ 0ه َرقِ ٌ
حديث ابن عباس 2رضي هللا تعالى عنهما في تفسير اآلية المذكورة ،فإنه ق00ال :يكتب ك00ل
ما يتكلم به من خ00ير أو ش0ر ،ح00تى إن00ه ليكتب قول00ه :أكلت ،ش00ربت ،ذهبت ،جئت ،رأيت،
حتى إذا كان يوم الخميس ويوم االثنين عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان خيراً أو شراً
وألغى سائره –أي باقيه وهو المباح والمكروه فتلتقم00ه حيت00ان البح00ر فتم00وت من00ه لنتن00ه
فيخرج منه دود يأكل الزرع ،وهذا صريح في كتب المباحات ،فيؤيد الق00ول بكتابته00ا ،لكن
تق00دم أن بعض00هم اعتم00د ع00دم كتابته00ا ،وظ00واهر اآلث00ار أن الحس00نات تكتب مم00يزة عن
السيئات ،فقيل :إن سيئات المؤمن أول كتابه ،وآخره :هذه ذنوبك ق00د س00ترتها وغفرته00ا،
وحسنات الكافر أول كتابه وآخره :هذه حسناتك قد رددتها عليك وما قبلتها.
(قوله ولو ذهل) أي ولو غفل ونسي؛ فالذهول عن الشيء نس00يانه والغفل00ة عن00ه،
فيكتب ما فعله نسيانا ً وإن ك00ان ال يؤاخ00ذ ب00ه ألن00ه ليس الغ00رض من الكتاب00ة المعاقب00ة وال
اإلثاب00ة ،وقول00ه “ ح00تى األنين في الم00رض “ أي ح00تى يكتب00ون األنين الص00ادر من00ه في
1أخ00رج ابن أبي ال00دنيا في الص00مت ( )81/82عن علي رض00ي هللا تع00الى 0عن00ه ق00ال:
"لسان اإلنسان 0قلم الملك 0وريقه مداده" وأخرجه عن الحسن برقم ( .)579وأحرج00ه الس00يوطي
في الدر المنثور ( )6/103عن أبي نعيم ،وقال في مقدمة الجامع الكبير :ضعيف.
2أخرجه السيوطي في الدر المنثور ( )6/103عن ابن جرير وابن أبي حاتم.
285
المرض ،واألنين مصدر أنّ الرجل يئن إذا ص ّوت ،وينبغي للمريض أن يقول “ آه “ ألنه
ورد أنه من أسمائه تعالى1وال يقول “ آخ “ ألنه اسم من أسماء الشيطان.
(وقوله كما نقل) أي كما نقله أئمة الدين وعلم00اء المس00لمين ومن أعظمهم اإلم00ام
مال00ك رض00ي هللا عن00ه ،فإن00ه ق00ال :يكتب00ون على العب00د ك00ل ش00يء ح00تى أنين00ه في مرض00ه،
وتمسكوا بقوله تعالىَ ( :ما يَ ْلفِظُ ِمنْ قَ ْو ٍل إِاَّل لَ َد ْي ِه َرقِ ٌ
يب َعتِيدٌ) (قّ )18:ألن وقوع “ ق00ول
“ في سياق النفي يقتضي العموم.
1أخرجه بن أبي شيبة في المصنف رقم ( )16306عن عم00ر بن الخط00اب أن00ه ق00ال في
خطبته( :حاس00بوا أنفس00كم قب0ل أن تحاس00بوا ،وزن00وا أنفس00كم قب00ل أن توزن00وا ،وتزين00وا للع00رض
األكبر يوم تعرض00ون ال تخفى منكم خافي00ة) وأخرج00ه ابن المب00ارك في الزه00د ( )306وأحم00د في
الزهد ( )631وغيرهم كلهم من كالم عمر ،ال من كالم النبي 0صلى هللا عليه وآله وسلم.
2أخرج00ه ابن ماج00ه في الزه00د ( )4114عن ابن عم00ر ق00ال :أخ00ذ رس00ول هللا ص00لى هللا
تعالى عليه وآله وسلم ببعض جسدي فقال( :يا عبد هللا كن في الدنيا 0كأنك غريب أو كأن00ك ع00ابر0
سبيل ،وعد نفسك من أهل القبور) وأخرج00ه الترم00ذي في كت00اب الزه00د رقم ( )2333والبخ00اري
في الرقاق رقم ( )6412دون قوله( :وعد نفسك من أهل القبور).
3الدهرية فرقة ذهبت إلى قدم الدهر وإس00ناد الح00وادث إلي00ه كم00ا أخ00بر هللا تع00الى 0عنهم
(وقَالُوا َما ِه َي إِاَّل َحيَاتُنَا ال ُّد ْنيَا نَ ُم00وتُ َونَ ْحيَ00ا َو َم00ا يُ ْهلِ ُكنَ00ا إِاَّل الَّ 0د ْه ُر) (الجاثـية :من اآلية
بقولهَ :
.)24
287
ويجب التصديق أيضا ً بأنه على الوج00ه المعه00ود ش00رعا ً من ف00راغ اآلج00ال المق00درة خالف0ا ً
للحكماء في قولهم بأنه بمجرد اختالل نظام الطبيع00ة فم00راد المص0نف ب0ذلك ال0رد على من
ُذ ِك َر ،وأما أصل وقوع الموت فال حاجة للنص عليه ألنه ال يشك فيه عاقل لكونه مشاهداً،
ويدل على ذل00ك قول00ه تع00الى( :إِنَّكَ َميِّتٌ َوإِنَّ ُه ْم َميِّتُ00ونَ ) (الزم00ر )30:وقول00ه تع00الىُ ( :كُّ 0ل
ت) (آل عم00ران :من اآلية )185واألح00اديث في00ه كث00يرة ،وق00د اختل00ف في س َذائِقَةُ ا ْل َم ْو ِ
نَ ْف ٍ
الموت ،هل هو وجودي أو عدمي؟ ف0ذهب األش0عري رحم0ه هللا تع0الى إلى األول ،وعرف0ه
بأن00ه كيفي00ة أي ص00فة وجودي00ة تض00اد الحي00اة ،فالتقاب00ل بينهم00ا تقاب00ل التض00اد ،وذهب
اإلسفرايني والزمخشري إلى الثاني ،وعرف00اه بأن00ه ع00دم الحي00اة عم00ا من ش00أنه أن يك00ون
0وتَق ا ْل َمْ 0
حياً ،فالتقابل بينهما تقابل الع00دم والملك00ة ،وي00دل لألول قول00ه تع00الى( :الَّ ِذي َخلََ 0
َوا ْل َحيَاةَ) (الملك :من اآلية )2وتأوي00ل الخل00ق بالتق00دير كم00ا قال00ه من ذهب إلى أن00ه ع0دمي
خالف الظاهر ،وفي بعض األحاديث أن هللا خلق الموت في صورة كبش ال يمر بش0يء إال
مات ،كما أن في بعض األحاديث أن الحياة خلقها هللا على صورة فرس ال تم00ر بش00يء إال
حيي ،1وهذا إنم00ا ه00و باعتب00ار التمثي00ل ،وإال ف00الموت ص00فة الميت ،كم00ا أن الحي00اة ص00فة
الحي ،واألولى التفويض في أمثال هذه المقامات.
(قوله ويقبض الروح رسول الموت) أي يخرجها من مقرها الملك الموكل بالموت
وهو عزرائيل عليه السالم ،ومعناه عبد الجبار ،وهو ملك عظيم هائل المنظر مفزع ج00داً،
رأسه في السماء العلي00ا ورجاله في تخ00وم األرض الس00فلى :أي منتهاه00ا ،ووجه00ه مقاب00ل
اللوح المحفوظ ،والخلق بين عينيه ،وله أعوان بعدد من يموت ،يترفق بالمؤمن ويأتي00ه
في ص00ورة حس00نه دون غ00يره ،وفي ح00ديث ابن مس00عود وابن عب00اس أن إب00راهيم علي00ه
الصالة والسالم قال :يا ملك الموت ،أرني كيف تقبض أنفاس الكفار؟ ق00ال :ي00ا إب00راهيم ال
تطيق ذلك ،قال :بلى ،قال :أعرض ،فأعرض ،ثم نظ0ر ف0إذا ه0و برج0ل أس0ود ين0ال رأس0ه
السماء يخرج من فيه لهب النار ،فغشي على إبراهيم ثم أفاق وقد تحول مل00ك الم00وت في
الصورة األولى ،وقال :يا ملك الموت ،ل00و لم يل00ق الك00افر من البالء والح00زن إال ص00ورتك
هذه لكفاه ،فارني كي00ف تقبض أنف00اس المؤم00نين؟ ق0ال :أع00رض ،ف00أعرض ثم التفت ف0إذا
برجل شاب أحسن الناس وجها ً وأطيبهم ريحا ً في ثياب بيض ،فقال :يا ملك الموت ل00و لم
ير المؤمن عند الموت من قرة العين والكرامة إال صورتك هذه لكان يكفيه.2
وفي النظم إف000ادة جوهري000ة ال000روح ،وإال لم تقبض ،وم000ذهب أه000ل الس000نة من
المتكلمين والمحدثين والفقهاء والصوفية :أنها جسم لطيف مشتبك بالبدن اش00تباك الم00اء
بالعود األخضر ،وبهذا جزم النووي ،ومذهب جماعة من الصوفية والمعتزلة أنه00ا ليس00ت
بجسم وال عرض ،بل جوهر مجرد متعلق بالبدن للتدبير غير داخل فيه وال خارج عنه :و
“ أل “ في الروح لالستغراق ،فهي دالة على العموم ،والمراد جمي0ع أرواح الثقلين ول0و
أرواح الشهداء براً وبحراً ،وأرواح المالئكة حتى روح نفس00ه على أح00د الق00ولين ،وقي00ل:
1ذكر األثر السيوطي في رس0الته (رف00ع الص00وت ب0ذبح الم00وت) وع00زاه للكل00بي ومقات0ل
انظر الحاوي للفتاوى ( )2/99والدر المنثور ( )6/248
2الحديث أورده الطبري في التفس00ير ( )3/48دار الفك00ر .وع00زاه الس00يوطي في ش00رح
الصدور()45البن أبي الدنيا 0عن ابن مسعود وابن عباس.
288
القابض لروحه هو هللا عز وجل وأرواح البهائم والطيور وغيرهم ولو بعوضة كم00ا ذهب
إليه أهل الحق ،خالفا ً للمعتزلة حيث ذهبوا إلى أن00ه ال يقبض أرواح البه00ائم ،ب00ل يقبض00ها
أعوانه ،وقد أشار المص00نف لل00رد على الجمي00ع ب00أل الدال00ة على العم00وم ،ولمباش00رة مل00ك
الموت لذلك أسند إليه التوفي كما في قوله تعالى( :قُ ْل يَت ََوفَّا ُك ْم َملَ ُك ا ْل َم ْو ِ
ت الَّ ِذي ُو ِّك َل بِ ُك ْم)
(الس000جدة :من اآلية )11كنس000بته إلى أعوان000ه لمع000الجتهم نزعه000ا من العص000ب والعظم
سلُنَا) (األنعام :من اآلية )61وأم00ا إس00ناد الت00وفي إلي00ه والعروق في قوله تعالى( :تَ َوفَّ ْتهُ ُر ُ
س ِحينَ َم ْوتِ َه00ا) (الزم00ر :من اآلية )42فألن00ه َ00وفَّى اأْل َ ْنفُ َ
تع00الى في قول00ه تع00الى( :هَّللا ُ يَت َ
الخالق لذلك حقيقة الموجد له.
(فائدة) مجيء الموت والعبد على عمل صالح يسهل الموت ،وكذلك الس00واك فيم00ا
ذكره جماعة ،ومما يسهل الموت وجميع ما بعده من األهوال ما ذك00ره السنوس00ي وغ00يره
من صالة ركعتين ليلة الجمعة بعد المغرب يقرأ بعد الفاتحة الزلزل00ة خمس عش00رة م00رة،1
وروى أن سورتها تعدل نصف القرآن.2
1ذكر الحافظ ابن حجر في أمالي0ه 0ح00ديث ص00الة ه00اتين الركع00تين وق00ال غ00ريب وس00نده
ضعيف فيه من ال يعرف (انظر ص 156ج 6من الدين الخالص).
2أخرج الترمذي في فض00ائل الق00رآن 0رقم ( )2893عن أنس بن مال00ك رض00ي هللا تع00الى
عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم( :من قرأ إذا زلزلت ع00دلت ل00ه بنص00ف
القرآن).
289
ال00رحم يزي00د في العمر 1ألن00ه خ00بر آح00اد ،أو أن الزي00ادة في00ه بحس00ب الخ00ير والبرك00ة ،أو
بالنسبة لما ثبت في صحف المالئكة ،فقد يثبت الشي فيها مطلق 0ا ً وه00و في علم هللا تع00الى
مقيد كأن يكون في صحف المالئكة :إن عمر زيد خمس00ون مثالً مطلق 0اً ،وه00و في علم هللا
تعالى مقيد 2بأن ال يفعل كذا من الطاعات ،وإن فعلها فله ستون فإن سبق في علمه تعالى
أنه يفعلها فال يتخلف عن فعلها وكان عمره ستين ،فالزي00ادة بحس00ب الظ00اهر على م00ا في
صحف المالئك00ة ،وإال فال ب00د من تحق00ق م0ا في علم00ه تع00الى كم00ا يش00ير ل00ه قول00ه تع00الى:
ب) (الرعد )39:أي أصل اللوح المحفوظ 0وهو (يَ ْم ُحوا هَّللا ُ َما يَشَا ُء َويُ ْثبِتُ َو ِع ْن َدهُ أُ ُّم ا ْل ِكتَا ِ
علمه تعالى الذي ال محو فيه وال إثبات ،وأما اللوح المحفوظ 0فالحق قبول م00ا في00ه للمح00و
واإلثبات كصحف المالئكة ،وبعضهم فسر أم الكتاب باللوح المحفوظ؛ ألنه ما من كائن إال
وه00و مكت00وب في00ه ،وال00راجح األول ،وبالجمل00ة فمخت00ار 3أه00ل الس00نة أن ك00ل مقت00ول ميت
بانقضاء عمره وحضور أجله في الوقت الذي علم هللا حصول موته فيه أزالً بخلقه تع00الى
من غير مدخلية للقاتل فيه ،وإنم0ا وجب علي0ه القص0اص نظ0راً للكس0ب فق0ط؛ وعن0د أه0ل
السنة أنه لو لم يقتل لجاز أن يموت في ذل00ك ال00وقت وأن ال يم00وت في00ه ألن00ه ال اطالع لن00ا
على ما في علم هللا ،فيحتمل أنه لو لم يقتل أن يموت في ذلك الوقت إن لم يكن عم00ره في
علم هللا أكثر من ذلك ،ويحتمل أن ال يموت فيه إن ك00ان عم00ره في علم هللا أك00ثر من ذل00ك،
وهذا التجويز ذاتي على فرض عدم قتله 4كما هو ظاهر ،وإال فق00د ب00ان بقتل00ه أن هللا علم
موته في ذلك الوقت فال خلف.
(قوله وغير هذا باطل ال يقبل) أي وغير ما ذكر من مذاهب المخالفين ألهل السنة
غير مطابق للواقع ال يقبل عند العقالء المتمسكين بالحق.
1أخ00رج البخ00اري ( )5985ومس00لم ( )2557عن أنس بن مال00ك رض00ي هللا عن00ه ق00ال
سمعت رسول هللا صلى هللا تعالى 0عليه وآله وسلم يقول( :من س0ره أن يبس00ط ل00ه في رزق0ه وأن
ينسأ له في أثره ،فليصل رحمه).
2قوله "وهو في علم هللا مقيد ..إلخ" بيان ذلك أن هللا تع00الى يعلم أزالً أن زي00داً يطي00ع
وأن له بسبب 0ذلك من العمر ستين سنة ،ويعلم أيضاً 0أنه لو لم يط00ع لك00ان 0عم00ره خمس00ين س00نة،
وهذا هو معنى ك00ون م00ا في ص00حف المالئك00ة مقي00داً في علم هللا ب00أن ال يفع00ل ك0ذا من الطاع00ات،
وليس المراد من التقييد التعليق ،بل المراد منه ما تقدم من أنه يعلم أنه لو لم يط00ع لك00ان عم00ره
خمسين سنة مثالً ،وبحمل التقييد على هذا المعنى اندفع م00ا ي00تراءى من العب00ارة من أن علم هللا
مشوب بالتردد .أجهوري.
3التعبير بالمختار 0ليس بجيد ألن أهل السنة قد ذهبوا إلى هذا على سبيل القطع ال على
سبيل االختيار 0والترجيح.
4يعني أنه لو فرض عدم قتله وصرف النظر عن تعلق علم00ه تع00الى بأح00د الط00رفين 0أو
األطراف لحكم بأن 0الموت جائز أن يوجد قبل زمان القتل وحاله وبعده وه00ذا الج00واز ذاتي يع00ني
أن الموت بحد ذاته يجوز عليه األمور الثالثة 0وأم00ا إذا لوح00ظ علم هللا تع00الى بوقوع00ه على أح00د
الوجوه فيكون الموت واجب الوقوع بحسبه لكن هذا الوجوب وجوب بالغير وليس وجوب0ا ً ذاتي0ا ً
وهللا أعلم.
290
وأشار المصنف بذلك للر ّد على أهل االعتزال ،فإن لهم مذاهب ثالثة ،األول مذهب
الكعبي :وهو أن المقتول ليس بميت؛ ألن القتل فعل العبد ،والموت فعل00ه تع00الى ،واس00تدل
على ذل00ك بقول00ه تع00الىَ ( :ولَئِنْ ُمتُّ ْم أَ ْو قُتِ ْلتُ ْم) (آل عم00ران :من اآلية )158ف00إن العط00ف
يقتضي المغايرة ،وأهل السنة يقولون المعنى ،ولئن متم من غير س00بب أو قتلتم ب00أن متم
بسبب؛ فعند الكعبي أن المقتول له أجالن أجل بالقتل ،وأجل ب00الموت ،فل00و لم يقت00ل ع00اش
إلى أجله بالموت ،والثاني :م00ذهب جمه00ورهم وه00و أن القات00ل قط00ع على المقت00ول أجل00ه،
فعندهم أن المقتول له أجل واحد وهو الوقت ال0ذي علم هللا موت0ه في0ه ل0وال القت0ل ،فل0و لم
يقتل لعاش إليه قطعاً ،والثالث :مذهب أبي الهذيل وهو أن المقت00ول أجل00ه في ذل00ك ال00وقت
فقط ،فعنده أن المقتول له أجل واحد وهو الوقت ال00ذي قت00ل في00ه ،فل00و لم يقت00ل لم00ات ب00دل
القتل قطعا ً ،وبهذا التقرير ظهر الفرق بين مذاهب المعتزلة ومذهب أهل السنة فتدبر.
291
كاألنبي00اء عليهم الص00الة والس00الم ،إال من ش00اء هللا كالمالئك00ة األربع00ة الرؤس00اء والح00ور
العين وموس00ى علي00ه الص00الة والس00الم ألن00ه ص00عق في ال00دنيا م00رة فج00وزي به00ا ،فجمي00ع
األنبياء بعد الموت تعود إليهم أرواحهم ثم يغشى عليهم عند النفخة األولى إال موسى لم00ا
حص00ل ل00ه في ال00دنيا ،ثم ينفخ إس00رافيل في الص00ور النفخ00ة الثاني00ة وتس00مى نفخ00ة البعث
فيجمع هللا األرواح في الصور عند النفخة الثانية وفيه ثقب بعددها ،فتخ00رج من00ه األرواح
إلى أجس0ادها ،فال تخطئ روح جس00دها ،وبين النفخ00تين أربع00ون عام0ا ً على م00ا في بعض
الطرق.1
(قوله واستظهر السبكي بقاها اللذ عرف) بتخفيف الياء وتسهيل الهمزة وتس00كين
الذال لغة في “ الذي “ أي اختار اإلمام تقي الدين الس00بكي –في تفس00يره المس00مى بال00در
النظيم -من هذا االختالف الق00ول ببقائه00ا ال00ذي عه00د س00ابقا ً ألنهم اتفق00وا 0على بقائه00ا بع00د
الموت لسؤالها في القبر وتنعيمها أو تعذيبها فيه ،واألص00ل في ك00ل ب00اق اس00تمراره ح00تى
يظهر ما يصرف عنه ،فالدليل على بقائها االستصحاب ،فتكون من المستثنى بقوله تعالى
(إِاَّل َمنْ شَا َء هَّللا ُ) (النمل :من اآلية 2)87وما قاله الس00بكي ه00و المخت00ار عن00د أه00ل الح00ق،
وإنما خصه المصنف بالذكر لتبحره في الفنون حتى أحاط بالمعقول 0والمنقول
1أخرج البخاري في كت00اب التفس0ير 0رقم ( )4814عن أبي هري0رة عن الن00بي ص0لى هللا
عليه وآله وسلم قال( :ما بين النفختين 0أربعون) قالوا :يا أبا هري0رة أربع00ون يوم0اً؟ ق00ال :أبيتُ ،
قال :أربعون سنة؟ قال :أبيتُ 0،قال :أربعون شهراً؟ قال :أبيتُ 0،وسيبلى كل شيء من اإلنسان 0إال
عجب الذنب 0،فيه يركب الخلق قال في فتح الباري ( )8/552أخرج ابن مردويه من طريق سعيد
بن الصلت 0عن األعمش في هذا اإلسناد "أربعون سنة" وهو ش00اذ .ومن وج00ه ض00عيف عن ابن
عباس قال( :ما بين النفخة والنفخة أربعون سنة).
ض إِاَّل ر
ْ ِ َ أْلا ي ف نْمو تااوم
َّ َ َ ِ َ َ ِالس0 يف َ َ
الص0و ِر ِ َ ِ
نْم ع
َ ز0 ف ف 0و َم يُ ْنفَ ُخ ِفي ُّ
(ويَ ْ
اآلية بتمامه0اَ :
2
َاخ ِرينَ )( 0النمل.)87: َمنْ شَا َء هَّللا ُ َو ُك ٌّل أَت َْوهُ د ِ
3أي المغرز بكسر الراء ألنه من باب 0ضرب.
292
قولين ،والمشهور منهما أنه ال يفنى لكن ال بقيد بوقت النفخ وإن كان الخالف في المشبه
به مقيداً به كما صرح به المصنف في قوله “ :وفي فناء النفس لدى النفخ اختلف “ .
(قوله لكن صححا المزني للبلى) أي لكن صحح اإلمام إسماعيل بن يح00يى الم00زني
–وهو منسوب لمزينة اسم قبيلة -القول بأن عجب الذنب يبلى ويفنى ،تمسكا ً بظاهر قوله
0ان) (ال00رحمن )26:وفن00اء الك00ل يس00تلزم فن0اء الج00زء ،وقول00ه“ : تعالىُ ( :ك ُّل َمنْ َعلَ ْي َها فٍَ 0
ووضحا “ أي بين ص00حة م00ا ذهب إلي00ه ووافق00ه ابن قتيب00ة وق00ال :إن00ه آخ00ر م00ا يبلى من
الميت ،واألقوى في النظ00ر أن00ه ال يبلى لح00ديث الص00حيحين( 1ليس من اإلنس00ان ش00يء إال
يبلى إال عظما ً واحداً وهو عجب الذنب منه خلق الخلق يوم القيامة) ولحديث مسلم( :ك00ل
ابن آدم يأكله التراب إال عجب الذنب منه خلق ومنه ي00ركب) 2وفي حديث00ه اآلخ00ر( :إن في
اإلنسان عظما ً ال تأكله األرض أب00داً) 3واختل00ف ه00ل بق00اؤه تعب00دي أو معل00ل ،واألرجح أن00ه
تعبدي لضعف ما علل به القائل بأنه معلل ،فإنه علله بج00واز كون00ه جع00ل عالم00ة للمالئك00ة
الموكلين باإلعادة على إحياء كل إنسان بجواهره التي كانت في ال00دنيا ،ووج00ه ض00عفه أن
المالئكة ال يخفى عليهم هذا األمر مع أنهم يعيدون كل إنسان بجواهره ب00أمر هللا على أن00ه
يجوز اللبس فيه نفسه.
294
وح ِمنْ أَ ْمِ 0ر َربِّي)
0ر ُ وح قُِ 0
0ل الُّ 0 س 0أَلونَكَ ع َِن الُّ 0
0ر ِ ب00أكثر من أنه00ا موج00ودة ق00ال تع00الىَ ( :ويَ ْ
(اإلسراء :من اآلية )85وفي ذلك إظهار لعجز المرء حيث لم يعلم حقيقة نفس00ه ال00تي بين
جنبيه مع القطع بوجودها ،ولم يخرج الن00بي ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم من ال00دنيا ح00تى
أطلعه هللا تعالى على جميع ما أبهمه عنه من الروح وغيرها مما يمكن علم البشر ب00ه ،ال
على جميع معلوماته تعالى ،وإال لزم مساواة الح00ادث للق00ديم ،وم00ا خ00الف ذل00ك نح00و ( َوال
أَ ْعلَ ُم ا ْل َغ ْي َب) (األنعام :من اآلية )50محمول على أنه كان قبل أن يكشف له عن ذلك ،وم00ا
ذكره عن عدم الخوض في الروح هو المختار ول00ذلك ص00در الن00اظم ب00ه فنمس00ك عن بي00ان
حقيقتها وبيان مق ّرها من الجسد ،والمشهور عدم تعدّد الروح في كل جسد ،وصرح الع00ز
بن عبد السالم بأن في كل جسد روحين إحداهما :روح اليقظة التي أجرى هللا العادة بأنها
إذا ك00انت في الجس00د ك00ان اإلنس00ان مس00تيقظا ً ف00إذا خ00رجت من00ه ن00ام ،ورأت تل00ك ال00روح
المنامات ،واألخرى :روح الحياة ال00تي أج00رى هللا الع00ادة بأنه00ا إذا ك00انت في الجس00د ك00ان
حيا ً ،فإذا فارقته مات ،وهاتان الروحان في باطن اإلنسان ال يعرف مقرهما إال من أطلع00ه
ستُ بِ َربِّ ُك ْم) (األعراف :من اآلية )172مقبالً هللا على ذلك ،وقد كان بعض األرواح يوم (أَلَ ْ
على بعض بالوجه ،وبعضها موليا ً ظه00ره لبعض ،وبعض00ها ج00اعالً جنب00ه لبعض فاإلقب00ال
بالوجه غاية في المودة وعكس00ه ب00الظهر وب00الجنب بين ذل00ك كم00ا في الي00واقيت ،ويكش00ف
لكث00ير عن ذل00ك كس00هل بن عب00د هللا ح00تى إنهم يعرف00ون تالم00ذتهم إذ ذاك ،وفي الح00ديث
(األرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختل00ف)( 1قول00ه إذ م00ا وردا
##نص عن الشارع) أي ألنه لم يرد دليل عن هللا تعالى ببيانها وكل ما هو كذلك فاألولى
عدم الخوض فيه ،وهذا تعليل للنهي عن الخوض في الروح على الطريقة المختارة .
1راجع كتاب الجنائز 0من مصنف عبد الرزاق برقم (.)6739 ،67380 ،6737
2أخرجه البخاري في كت00اب 0الجن00ائز ب00رقم ( )1374( 0)1338ومس00لم في كت00اب الجن00ة
وصفة نعيمها برقم (.)2870
3أخرجه البخاري ( )86ومسلم (.)905
299
من غ00ير تعظيم وتفخيم ليتم00يز الص00ادق في اإليم00ان من المرت00اب ،فيجيب األول ،ويق00ول
الثاني :ال أدري فيشقي شقاء األبد؛ وهذا السؤال خاص بهذه األم00ة ،وقي00ل :ك00ل ن00ب ّي م00ع
أمته كذلك؛ وهذا السؤال هو عين فتنة القبر ،وقيل :هي التلجلج في الج00واب؛ وقي00ل :هي
ما ورد من حضور إبليس في زاوية من زوايا القبر مشيراً إلى نفس00ه بأن00ه أن00ا عن00د ق00ول
الملك للميت :من ربك؟ مستدعيا ً منه جوابا ً بهذا ربي ،ولم يثبت حض00ور الن00بي ص00لى هللا
عليه وآله وسلم وال رؤية الميت له عند السؤال.
{ -177من اليسأل في قبره}
ويستثنى من عموم قول الناظم “ سؤالنا “ من ورد األثر بعدم س00ؤاله كاألنبي00اء،
فالحق أنهم ال يسألون ،وقيل :يسألون عن جبريل وال00وحي ال00ذي أن00زل عليهم ،وال ينبغي
أن يكون سيدهم األعظم محل خالف ،وكالص00ديقين والش00هداء ،والم00رابطين ،والمالزمين
لقراءة تبارك الملك كل ليلة 1من حين بلوغ الخبر لهم ،والمراد بالمالزمة :اإلتيان بها في
غالب األوقات ،فال يضر الترك مرة بع00ذر ،س00واء قرأه00ا عن00د الن00وم أو قب00ل ذل00ك ،وهك00ذا
ُ000و هَّللا ُ أَ َح 00دٌ)
س00ورة الس 00جدة فيم00ا ذك 00ره بعض00هم ،وك 00ذا من ق00رأ عن 00د موت00ه (قُْ 00ل ه َ
(اإلخالص 2)1:ومريض البطن ،3والميت بالطاعون أو بغيره في زمنه ص00ابراً محتس00با ً،4
والميت ليلة الجمعة أو يومها ،5إلى غير ذلك ،والراجح أن غير األنبياء وشهداء المعركة
يسئلون سؤاالً خفيفا ً وبعضهم 0أخذ بظاهر ذلك 6،والظاهر –كم00ا ج00زم ب00ه جالل الس00يوطي
وغيره -اختصاص السؤال بمن يكون مكلفا ً بخالف األطف00ال ،والظ00اهر أيض0ا ً ع00دم س00ؤال
المالئكة ،وأم0ا الجن فج0زم الجالل بس0ؤالهم لتكليفهم وعم0وم أدل0ة الس0ؤال لهم ،وحكم0ة
1أخرج الترمذي في فضائل القرآن 0برقم ( )2890عن ابن عب00اس عن الن00بي ص00لى هللا
عليه وآله وسلم أنه ق00ال في س00ورة المل00ك( 0:هي المانع00ة هي المنجي00ة تنجي00ه من ع00ذاب الق00بر)
وقال حديث غريب من هذا الوجه ،وراجع ابن حبان كتاب الرقاق برقم (.)788 ،787
2قال القرطبي في التذكرة ( :)110روى أب00و نعيم من ح00ديث أبي العالء يزي00د بن عب00د
هللا بن الشخير 0عن أبيه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم (من قرأ (قل هو هللا أح00د)
في مرضه ال00ذي يم00وت في00ه لم يفتن في ق00بره وأمن من ض00غطة الق00بر .… 0الح00ديث) وق00ال ه00ذا
حديث غريب.
3أخرج الترمذي في الجنائز 0برقم ( )1064عن النبي صلى هللا تعالى عليه وآل00ه وس00لم
قال( :من قتله بطنه لم يعذب في قبره)
4أخرج البخاري في الطب 0برقم ( )5734عن عائشة رضي هللا عنها أنها سألت 0الن00بي
صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم عن الط00اعون ،فأخبره00ا( 0:أن00ه ك00ان ع00ذابا ً يبعث00ه هللا على من ش00اء
فجعله هللا رحم0ة للمؤم0نين 0،فليس عب0د يق0ع في ا لط0اعون فيمكث في بل0ده ص0ابراً يعلم أن0ه لن
يص00يبه إال م00ا كتب هللا ل00ه إال ك00ان ل00ه مث00ل أج00ر الش00هيد) .وب00رقم (( )5733ال َم ْبطُ00ونُ ش00هيد،
والمطعون شهيد).
5أخرج الترمذي في الجنائز برقم ( )1074عن عبد هللا بن عمر ق00ال :ق00ال رس00ول هللا
صلى هللا عليه وآله وسلم( :ما من مسلم يم00وت ي00وم الجمع00ة أو ليل00ة الجمع00ة إال وق00اه هللا فتن00ة
القبر) وقال حديث غريب وإسناده غير متصل.
6وهو عدم السؤال في جميع من تقدم.
300
الس00ؤال :إظه00ار م00ا كتم00ه العب00اد من إيم00ان أو كف00ر أو طاع00ة أو عص00يان؛ ف00المؤمنون
الطائعون يباهي هللا بهم المالئكة ،وغيرهم يفضحون عند المالئكة.
(قول00ه ثم ع00ذاب الق00بر) عط00ف على قول00ه “ س00ؤالنا “ لمش00اركته ل00ه في حكم00ه
اآلتي وهو الوجوب ،وإنما أضيف إلى الق00بر ألن00ه الغ00الب ،وإال فك00ل ميت أراد هللا تعذيب00ه
عذب ،قبر أو لم يقبر ولو صلب أو غ0رق في بح00ر أو أكلت00ه ال00دواب أو ح00رق ح00تى ص0ار
رماداً وذرى في الريح ،وال يمن00ع من ذل00ك ك00ون الميت تف00رقت أج00زاؤه ،والمع00ذب الب00دن
والروح جميعا ً باتف00اق أه0ل الح00ق ،وخ0الف محم00د بن جري0ر الط0بري وعب0د هللا بن كّ 0رام
وطائف00ة وق00الوا :المع00ذب ا لب00دن فق00ط ،ويخل00ق هللا في00ه إدراك0ا ً بحيث يس00مع ويعلم ويلت00ذ
ويتألم.
ويك00ون للك00افر والمن00افق وعص00اة المؤم00نين ،وي00دوم على األولين ،وينقط00ع عن
بعض عصاة المؤمنين وهو من خفت جرائمهم من العصاة ف00إنهم يع00ذبون بحس00بها ،وق00د
يرفع عنهم بدعاء أو صدقة أو غ00ير ذل00ك كم00ا قال00ه ابن القيم ،وك00ل من ك00ان ال يس00ئل في
قبره ال يعذب فيه أيضاً.
ومن عذاب الق00بر :م00ا أخرج00ه ابن أبي ش00يبة وابن ماج00ه عن أبي س00عيد الخ00دري
رضي هللا عنه قال :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم يق00ول( :يس00لط هللا على
الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا ً تنهشه وتلدغه حتى تقوم الس00اعة ،ل00و أن تنين0ا ً منه00ا
نفخ على األرض ما أنبتت خض0راء) 1والت0نين –بكس0ر المثن0اة الفوقي0ة وتش0ديد الن0ون –
وهو أكبر الثعابين ،قي00ل :وحكم00ة ه00ذا الع00دد أن00ه كف00ر بأس00ماء هللا الحس00نى ،وهي تس00عة
وتسعون ،ومن عذابه أيضا ً ضغطته ،وهي التقاء حافتي00ه ،وورد أن األرض تض00مه ح00تى
تختلف أضالعه وال ينجو منه أحد ولو صغيراً ،سواء كان صالحا ً أو طالح 0ا ً 2إال األنبي00اء،
وإال فاطمة بنت أسد ،3وإال من قرأ سورة اإلخالص في مرض00ه ،ول00و نج00ا من0ه أح00د لنج00ا
منه سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمن لموته.4
(قوله نعيمه) أي ونعيم القبر ،فهو معطوف على ما تق00دم بإس00قاط ح0رف العط00ف،
ويكون للمؤمنين لما ورد في ذلك من النصوص البالغة مبل00غ الت00واتر ،وإنم00ا أض00يف إلى
القبر ألنه الغالب ،وإال فال يختص بالقبور وال يختص بمؤمني ه00ذه األم00ة وال ب00المكلفين،
ومن نعيم00ه توس00يعه س00بعين ذراع0ا ً عرض0ا ً وك00ذا ط00والً ،ومن00ه أيض0ا ً فتح طاق00ة في00ه من
1أخ00رج أص00ل الح00ديث أب00و يعلى في مس00نده ب00رقم ( )1329عن أبي س00عدي الخ00دري
موقوفا ً وأخرجه أحمد ( )3/38وال00دارمي في الرق00اق ب00رقم ( )2815والترم00ذي في كت00اب ص00فة
يوم القيامة 0برقم ( )2460وغيرهم .وفيه سبعون تنينا.
2أخرج أحمد ( )6/55عن عائشة عن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم ق00ال( :إن للق00بر
ضغطة ،لو كان أحد نجى منها نجى منها سعد بن عبادة) قال العراقي في تخريج أحاديث اإلحياء
( )5/359إسناده جيد.
3روى حديث التخفيف عنها من ضغطة الق00بر 0الط00براني في األوس00ط قال00ه الهيثمي في
مجمع الزوائد في كتاب المناقب برقم ( )15400وقال في00ه س00عد ابن الولي00د ولم أعرف00ه ،وبقي00ة
رجاله ثقات.
4أخرج البخاري في مناقب الصحابة 0برقم ( )3592عن جابر قاله سمعت الن00بي ص00لى
هللا عليه وآله وسلم ،يقول( :اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ.
301
الجنة ،وامتالؤه بالريحان ،وجعله روضة من رياض الجنة ،وجعل قنديل –بفتح الق00اف-1
فيه فين ِّور له قبره كالقمر ليل00ة الب00در ،2وق00د ورد أن هللا تع00الى أوحى إلى موس00ى “ :تعلم
3
الخير وعلمه للناس فإني من ّور لمعلم العلم ومتعلمه قبورهم حتى ال يستوحشوا لمك00انهم
“ وعن عمر مرفوعاً( :من ن ّور في مساجد هللا ن ّور هللا له في ق0بره) 4وك00ل ه0ذا محم00ول
على حقيقته عند العلماء.
(قوله واجب) بسكون الباء للوزن ،وهو خبر قوله “ سؤالنا “ وما عطف عليه،
فكل واحد من الثالثة المذكورة واجب سمعا ً ألنه أمر ممكن أخبر به الصادق ،وكل ما ه00و
كذلك فهو واجب وهذا ما عليه أهل الس00نة وجمه00ور المعتزل00ة ،وأنك00رت الملح00دة كالً من
هذه الثالثة.
(قوله كبعث الحشر) أي بعث الناس للحشر؛ فاإلض00افة على مع00نى الالم والتش00بيه
في الوجوب .والبعث عبارة عن إحياء الموتى وإخراجهم 0من قب00ورهم بع0د جم0ع األج00زاء
5قوله بعد جمع األجزاء األصلية ،وهي التي من شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره.
يعني أن بدن اإلنسان 0يركب يوم القيام00ة من أجزائ00ه األص00لية 0ال00تي ك00انت في بدن00ه في
الدنيا من أول خلقه إلى آخر عمره ،وليس تركبه من كل أجزاء البدن األصلية 0والفضلية.
وقضية التركب من األجزاء األصلية قال بها المتكلمون تخلصا ً من اإلشكال الذي أورده
عليهم الفالسفة القائلون 0بأن 0الحشر روحاني وليس بجسماني 0،فأوردوا على المسلمين الق00ائلين
بأن الحشر 0روحاني جس00ماني إش00كاالً قوي0ا ً لم يس00تطع المتكلم00ون التخلص عن00ه إال ب00القول ب00أن
المعاد هو األجزاء األصلية 0فقط.
ً ً
صورة اإلشكال أنه إذا فرضنا أن إنسانا أكل إنسانا 0آخر بجميع أجزائه وصارت أجزائه
جزءاً من اآلكل ،فأجزاء المأكول التي صارت أج00زاء من اآلك00ل أين تع00اد إن قلن00ا تع00اد في األك00ل
بقي المأكول بدون أج0زاء يع0اد به0ا ،وإن قلن0ا يع0اد في الم0أكول فلم يع0د اآلك0ل بجمي0ع أجزائ0ه،
فأجاب المتكلمون 0عن هذا اإلشكال بأن 0المعاد للحشر ليس كل أجزاء الميت 0بل أجزائه األص00لية،
واألجزاء األصلية للمأكول يحفظها هللا عن أن تصير أجزاء أَصلية 0لآلكل فاألجزاء األص00لية لك00ل
إنسان معلومة هلل تعالى ومتمايزة عنده عن األجزاء األصلية لم00ا ع00داه من الن00اس 0،يحفظه00ا هللا
تعالى عن أن تصير أجزاء أص00لية إلنس00ان 0آخ00ر .ولع00ل ه00ذا ه00و ال00ذي قص00ده المتكلم00ون إي إن
األجزاء األصلية 0لواحد ال تصير 0أجزاء أصلية آلخر وال تع00اد في آخ00ر ،ولم يقص00دوا أن اإلنس00ان0
يعاد بأجزائه 0األصلية فقط ولم يضم إليها 0أجزاء أخر ،وذلك لمخالفة 0هذا األخير 0لما ورد في كثير
من األحاديث الصحيحة 0من عظم أبدان أهل الجنة والنار.
ثم رأيت تاج الدين السبكي صرح بهذا ،ق00ال في ش00رحه لعقي00دة ابن الح00اجب 0:ال يق00ال:
األجزاء األصلية 0ال يفي مقدارها بمقدار ما يكون عليه اإلنسان 0من المقدار عن00د الم00وت ،م00ع أن
المعلوم قطعا ً باإلجماع هو أنه البد أن تكون اإلعادة على الهيئة التي فارق عليها اإلنسان الدنيا.
ألنا نقول :األجزاء األصلية هي المعادة لكن القادر المختار كم00ا أن00ه بقدرتِ00ه م00د مق00دار
اإلنسان بزيادة تلك األج00زاء الغذائي00ة (في ال00دنيا) ،فه00و ق00ادر على أن يم00د مق00داره ي00وم القيام00ة
بأجزاء اختراعية حتى تحصل الهيئة.
ثم أورد السبكي إشكاالً آخر وأجاب عنه ،فقال:
فإن قيل :الشيء مع الشيء غيره مع شيء آخر ،وعلى ما ذكر ال يك00ون الب00دن المع00اد
هو بعينه الكائن 0يوم الفراق ،بل هو مثله ال عينه ،مع أن اإلجماع على إعادة العين.
قلن0ا :ه0و مثل0ه من حيث المق0دار ،عين0ه باعتب0ار 0تل0ك 0األج0زاء األص0لية ،وه0و الم0راد
بالعينية 0إذ لو لم يُ َرد بالعينية 0ذلك لم يكن المعذب والمنعم هو عين اإلنس00ان المف00ارق ،ب00ل مثل00ه،
لما ثبت أن الكافر يكون ضرسه في النار كجبل أحد ،وأن المؤمن يدخل في الجنة على طول أبيه
آدم عليه السالم 0،وهو صحيح.
303
وإن ألقي قبل نفخ الروح فيه كان كسائر األجسام التي ال روح فيه00ا ك00الحجر ،فيحش00ر ثم
يصير تراباً.
1
وأول من تنشق عنه األرض نبينا صلى هللا عليه وآله وس00لم ؛ فه00و أول من يبعث
وأول وارد المحشر ،كما أنه أول داخ00ل الجنة ،2وبع00ده س00يدنا ن00وح كم00ا ورد لكن ورد أن
بعده صلى هللا عليه وآله وسلم أبا بكر ،وحمل على أنه بعد األنبياء.
ومراتب الناس في الحش00ر متفاوت00ة ،فمنهم ال0راكب وه00و المتقي ،ومنهم الماش00ي
على رجليه وهو قليل العمل ،ومنهم الماشي على وجهه وهو الكافر.3
وهذا الحش0ر الم0ذكور هن0ا ه0و أح0د أن0واع الحش0ر من حيث هو .4ثانيه0ا :ص0رف
الناس من الموقف إلى الجنة أو النار ،وهذان النوعان في اآلخرة ،ثالثها :إخراج اليه00ود
ُ0و الَّ ِذي أَ ْخَ 0ر َج الَّ ِذينَ َكفَُ 0روا
من جزيرة العرب إلى الشام وهو المذكور في قوله تعالى( :ه َ
ش0ر) (الحش0ر :من اآلية )2رابعه00ا س00وق الن0ار ال0تي ب ِمنْ ِديَا ِر ِه ْم أِل َ َّو ِل ا ْل َح ْ
ِمنْ أَ ْه ِل ا ْل ِكتَا ِ
تخرج من أرض عدن اليمن للكفار وغيرهم من كل حي قرب قي00ام الس00اعة إلى المحش00ر،
يفت0بيت معهم حيث ب0اتوا ،وتقي0ل معهم حيث ق0الوا ،فت0دور ال0دنيا كله0ا وتط0ير وله0ا دو ٌّ
ي الرعد القاصف ،5وحكمتها االمتحان واالختبار ،فمن علم أنه0ا مرس0لة من عن0د هللا كدو ّ
وانساق معها سلم منها ،ومن لم يكن كذلك أحرقته وأكلته ،وبعد سوقها لهم إلى المحش00ر
يموت00ون بالنفخ00ة األولى بع00د م 0دّة ،وه00ذان النوع00ان في ال00دنيا ،ف00أنواع الحش00ر أربع00ة،
0ربِّ ُك ْم) وجعله00ا الش00يخ مح00يي ال00دين كث00يرة ج00داً ،وع ّ 0د منه00ا حش00ر ال00ذ ّر ي00وم (أَلَ ْ
س 0تُ بَِ 0
(األعراف :من اآلية )172وغير ذلك ،انظر :اليواقيب للشعراني.
وبهذا التحقيق صح ما يؤخذ من إطالق بعض أهل السنة كحجة اإلسالم والع0ز بن عب0د
السالم من أن المعاد مثل البدن 0،مع اتفاق أه00ل الس00نة على أن المع00اد ه00و ب00دن اإلنس00ان بعين00ه،
وأن المراد بكون ذلك البدن عينا ً هو البدن الم00ركب من األج00زاء األص00لية 0الباقي00ة من أول تعل00ق
الروح إلى انفصالها في الدنيا 0،والمراد بالمثل هو البدن الم00ركب من تل00ك األج00زاء األص00لية م00ع
األجزاء المزادة عليه االختراعية فال تعارض 0،انتهى .نقله الزبيدي في اإلتحاف .2/215
1أخرج مسلم في الفضائل برقم ( )2278عن أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه قال :قال
رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم( :أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ،وأول من ينشق عنه الق00بر،
وأول شافع وأول مشفع).
2أخرج مسلم في اإليمان 0برقم ( )197عن أنس بن مالك قال :قال رسول هللا ص00لى هللا
عليه وآله وسلم( :آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح ،فيقول الخازن 0:من أنت؟ فأقول :محمد،
فيقول :بك أمرت ال أفتح ألحد قبلك.
3أخرج الترمذي في التفس0ير ب0رقم ( )3142عن أنس بن مال0ك رض0ي هللا تع0الى عن0ه
قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه 0وآله وسلم( :يحشر الناس يوم القيامة 0ثالث00ة أص00ناف :ص00نفاً0
مشاة ،وصنفا ً ركباناً ،وصنفا ً على وجوههم…) الحديث 0،وقال حديث حسن.
4أي من حيث هو حشر بصرف النظر عن كونه في اآلخرة أو في الدنيا.
5ح00ديث خ00روج الن00ار من قع00ر ع00دن وحش00رها الن00اس رواه مس00لم في الفتن وأش00راط
الساعة برقم ( )2901وابن ماجه في الفتن برقم ( )4055وأبو داود في المالحم ب00رقم ()4311
وغيرهم بألفاظ 0متقاربة.
304
{ -178هل يعاد البدن عن عدم أو عن تفريق}
وقل يعاد الجسم بالتحقيق ##عن عدم وقيل عن تفريق -97
(قوله وق0ل) أي ق0والً نفس0يا ً أو عقلي0ا ً كم0ا قال0ه في كب0يره ،وق0ال الش0ارح :ق0والً
1
مطابقا ً العتقادك ويغني عنه ما تقدم ،فالمراد بالقول هنا :االعتقاد ،وقوله “ يع00اد الجس00م
“ أي يعيده هللا تعالى بعينه فالجسم الثاني المع00اد ه00و الجس00م األول بعين00ه ال مثل00ه ،وإال
لزم أن المثاب أو المعذب غير الجسم الذي أطاع أو عصى ،وهو باطل باإلجماع .وقول00ه:
“ بالتحقيق “ متعلق “ بقل “ أو “ بيعاد “ فالمعنى على األول :قوالً ملتبسا ً ب00التحقيق
الذي هو إثبات الحكم بالدليل في أشهر إطالقاته ،ففيه إشارة إلى أن ه00ذا الق00ول عن دلي00ل
ال من قبي00ل ال00رأي :والمع00نى على الث00اني :إع00ادة ملتبس00ة ب00التحقيق أي إع00ادة محقق00ة ال
مشكوكا ً فيها.
وقوله “ عن عدم “ أي بعد ع0دم؛ فـ “ عن “ بمع0نى “ بع00د “ وق0ال الش00ارح:
إع00ادة ناش00ئة عن ع00دم؛ لكن ال مع00نى لك00ون اإلع00ادة ناش00ئة عن الع00دم ،2فيص00ير الجس00م
معدوما ً بالكلية إال عجب الذنب ،ثم يعيده هللا تعالى كما أوجده أوالً .قال تعالىَ ( :ك َما بَ0دَأَ ُك ْم
تَ ُعودُونَ ) (األعراف :من اآلية )29وقوله “ وقيل عن تفريق “ أي بعد تفريق ،فـ “ عن
“ بمعنى “ بع0د “ كم0ا تق0دم ،فعلى الق00ول األول ي00ذهب هللا العين واألث0ر جميع0ا ً ثم يعي00د
الجسم كما كان ،وعلى القول الثاني يف ّرق هللا أج00زاء الجس00م بحيث ال يبقى في00ه ج00وهران
ف00ردان على االتص00ال ،3والص00حيح الق00ول األول ول00ذا قدّم00ه المص00نف جازم 0ا ً ب00ه ،وحكى
مقابله بصيغة التمريض.
1لع00ل الم00راد ب00القول النفس00ي األلف00اظ 0المتخيل 0ة 0في النفس 0أو حص00ول معانيه 0ا 0فيه00ا
وبالقول العقلي االعتقاد .وعلى األول المراد أيضاً 0االعتقاد كما سيأتي عن الشارح.
2أقول له معنى ،وأي معنى ،وهو أن اإلعادة عن العدم ال عن مادة سابقة.
3الظاهر 0أن القائل 0ب0التفريق يق0ول ب0التفريق الع0رفي ال0ذي يفهم0ه أه0ل اللغ0ة من لف0ظ
التفريق 0،وهذا ال يلزم فيه أن ال يبقى فيه جوهران فردان على االتصال.
305
-98محضين لكن ذا الخالف خصا ##باألنبياء ومن عليهم نُ ّ
صا
وقوله “ محضين “ صفة “ ع00دم ،وتفري00ق “ أي ع00دم محض وتفري00ق محض،
فمعنى محضية العدم :خلوصه من ش00ائبة الوج00ود لج00زء م00ا ،ومع00نى محض00ية التفري00ق:
خلوصه من شائبة االتصال في أجزائه .دفع المص0نف ب0ذلك ت0وهم أن الم0راد بالع0دم عن00د
القائلين به العدم العرفي الصادق بوجود جزء ما من أجزائ00ه ،وأن الم00راد ب00التفريق عن00د
القائلين به التفريق العرفي الصادق باتصال بعض أجزائه.
{ -179ال تأكل األرض أجسام األنبياء والشهداء والعلماء العاملين}
(قوله ولكن ذا الخالف خصا) ب00ألف اإلطالق ،وه00ذا اس00تدراك على إطالق الخالف
السابق؛ وفي التعبير بالتخصيص تسمح ،ألن التخص00يص من ع00وارض العم00وم والتقيي00د
من عوارض اإلطالق؛ فالمعنى :لكن هذا الخالف قيد العلماء إطالقه .وقول00ه “ باألنبي00ا “
1
أي بس00ب إخ00راج األنبي00اء من00ه؛ ف00إن األرض ال تأك00ل أجس00امهم وال تبلى أب00دانهم اتفاق 0ا ً
ف00الخالف في غ00يرهم وغ00ير من الح00ق بهم ممن س00يأتي .وقول00ه “ ومن عليهم نص 0ا ً “
ب000ألف اإلطالق :أي ومن نص الش000ارع على أن األرض ال تأك000ل أجس000امهم كالش000هداء،
والمراد بهم :كل مقتول على الحق ولو لم يكن من شهداء المعركة وكالمؤذنين احتس00اباً:
أي ادخ00اراً لث00واب ذل00ك عن00د هللا تع00الى ال ألج00رة ،وكالعلم00اء الع00املين ،وحمل00ة الق00رآن
المالزمين لتالوته العاملين بما فيه المعظمين له بض00بط لس00انهم وطه00ارتهم وآدابهم ،إلى
غير ذلك مما نقل عن الشارع فإن المسألة توقيفية.
1أخرج ابن حبان في صحيحه في كتاب الرقائق ب00رقم ( )900عن أوس بن أوس ق00ال:
قال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وس0لم( :إن من أفض0ل أي0امكم ي0وم الجمع0ة في0ه خل0ق هللا آدم
وفيها قبض ،وفيه النفخة 0،وفيه الصعقة ،فأكثروا علي من الص0الة في0ه ف0إن ص00التكم معروض00ة
علي) قالوا :وكيف تعرض صالتنا عليك وقد أرمت؟ فق00ال( :إن هللا ج00ل وعال ح00رم على األرض
أن تأك00ل أجس00امنا) وأخرج00ه أب00و داود في كت00اب الص00الة ب00رقم ( )1046واإلم00ام أحم00د ()4/8
وغيرهم.
306
{ -180في إعادة األعراض قوالن}
وفي إعادة العرض قوالن ##ورجحت إعادة األعيان -99
(قوله وفي إعادة العرض ق00والن) لم00ا اختل00ف الق00ائلون بإع00ادة الجس00م في إع00ادة
العرض الذي كان قائما ً به في الدنيا أشار إلى ذلك االختالف بقوله “ وفي إعادة الع00رض
قوالن “ فالقول األول وهو م00ذهب األك00ثرين وإلي00ه م00ال إمامن00ا األش00عري أن00ه يع00اد حين
إع00ادة الجس00م ،ال ف00رق في ذل00ك بين الع00رض ال00ذي يط00ول بق00اؤه كالبي00اض؛ وبين غ00يره
كالصوت .وال فرق في ذلك أيضا ً بين ما هو مقدور للعبد كالضرب،وبين غيره كالعلم ،وال
يلزم أن تكون إعادته بالتلبس به كما كان في الدنيا ،ب0ل م0ا ك0ان من األع0راض المالزم0ة
للذات من بياض ونح00وه وط00ول ونح00وه ،فإن00ه يع00اد متعلق0ا ً به00ا وم00ا ك00ان من غ00ير ذل00ك
كضرب وكفر وبقية المعاصي وصالة وصوم وبقية الطاع0ات فإن0ه يع0اد مصّ 0وراً بص0ورة
جسمية ،لكن الحسنات في صورة حسنة والسيئات في صورة قبيحة ،هذا هو الظاهر.
فإن قيل :يلزم على ذلك اجتماع المتنافيات كالطول والقصر والكبر والصغر .أجيب
بأن إعادة العرض ليست دفعية ب0ل على الت0درج حس0بما ك0انت في ال0دنيا ،لكن يمّ 0ر علي0ه
جميع األعراض كلمح البصر ،وربك على كل شيء قدير.
والقول الثاني :امتناع إعادته مطلقاً ،فيوجد الجسم بعرض آخر فإنه ال ينف00ك عقالً
عن ع00رض ،وإلى ه00ذا ذهب بعض أص00حابنا أيض 0ا ً (قول00ه ورجحت إعادت00ه األعي00ان) أي
ورجح جماعة من العلم00اء إع00ادة األع00راض بأعيانه00ا .أي بأشخاص00ها وأنفس00ها ف00المراد
باألعيان :األشخاص واألنفس :أي شخص العرض ونفسه ،فيعاد الع00رض ال00ذي ك00ان في
الدنيا ال عرض آخر مغاير له ،بل يعاد بعينه.
307
-100وفي الزمن قوالن 1والحساب ##حق وما في حق ارتياب
(قوله وفي الزمن قوالن) أي وفي إع00ادة ال00زمن ق00والن ،أح00دهما –وه00و األرجح:
أنه يعاد جميع أزمنة األجسام التي مرت عليها في الدنيا لتشهد لإلنسان وعلي00ه بم00ا وق00ع
فيه من الطاعات واآلثام وثانيهما امتن00اع إعادت00ه الجتم00اع المتنافي00ات كالماض00ي والح00ال
واالستقبال .2وأج0اب عن ذل0ك الق0ائلون ب0القول األول ب0أن إعادت0ه ليس0ت دفعي0ة ب0ل على
التدريج حسبما كانت عليه في الدنيا ،لكن في أسرع وقت
{ -181الحساب حق}
(سِ 0ري ُع
(قوله والحساب حق) أي ث00ابت بالكت00اب والس0نة واإلجم0اع ،ففي الكت0اب َ
ب) (البقرة :من اآلية )202وفي السنة (حاسبوا أنفسكم 0قبل أن تحاسبوا) .3وأجمع ا ْل ِح َ
سا ِ
المسلمون عليه ،وهو لغ00ة :الع00دد ،واص00طالحاً :توقي00ف هللا الن00اس على أعم00الهم خ00يراً
4
1قوله :وفي الزمان 0قوالن :انظر ما معنى إعادة الزمان .فإن الزمان 0كما تقدم تحقيقه
إما أمر اعتباري انتزاعي كما عليه المتكلمون أو حركات الفل00ك كم00ا علي00ه الفالس00فة ،أو عب00ارة
عن الليل والنهار 0كما هو العرف ،وعلى القول األول ليس ه00و أم00راً موج00وداً ح00تى يع00اد ،وعلى
الوجهين األخيرين 0موجود لكن بدون مادة وقد عدم ،وال يمكن إعادت00ه ،فل00و أعي00د فالمع00اد مثل00ه
وليس عينه ،فال يظهر وجه للقول بإعادته .ويق0ال مث0ل ه0ذا في إع0ادة األع0راض ب0ل في إع0ادة
الجسم عن عدم أيضاً ،ألن المعدوم ال يعاد ،ولو وقعت اإلع0ادة فالمع00اد مثل0ه وليس عين00ه ،ومن
أجل ذلك قال المتكلمون 0إن البعث يكون بجم0ع األج0زاء األص0لية ولم يقول0وا :إن0ه يك0ون بإع0ادة
األجزاء األصلية 0بعد إعدامها ،هذا ما ظهر لي .وهللا تعالى أعلم.
2لعل مراده ما كان ماضياً 0وحاالً واستقباالً ،وإال فحين اإلعادة قد صارت هذه األزمن00ة
كلها ماضية فالمراد حينئذ اجتماع 0األزمنة المختلفة وهي متنافية.
3هذا من كالم عمر رضي هللا تعالى 0عنه رواه عنه ابن أبي شيبة في المصنف ب00رقم (
)16307وابن المبارك 0في الزهد برقم ( )306وأحمد في الزهد برقم ( )631وغيرهم.
4هكذا في النسخ والصواب :العدّ.
5أقرب الروايات 0إلى ما أورده الشارح 0ما أخرجه الترمذي في كتاب صفة يوم القيام00ة
الباب )13( 0ب0رقم ( )2437عن أبي أمام0ة ق0ال :س0معت رس0ول هللا ص0لى هللا علي0ه وآل0ه وس0لم
بقول( :وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي بغير حساب سبعين ألفاً 0ال حساب عليهم وال عذاب
مع كل ألف سبعون ألفاً ،وثالث حثي0ات 0من حثيات0ة) 0وقض0ية إدخ0ال طائف0ة من المؤم0نين الجن0ة
308
من غير عدد ،فهؤالء يدخلون الجنة بغير حساب ،وإذا كان من المؤمنين من يك00ون أدنى
إلى الرحمة فيدخل الجنة من غير حساب ،وكان من الكافرين من يكون أدنى إلى الغض00ب
فيدخل الن0ار من غ0ير حس0اب ،فطائف0ة ت0دخل الجن0ة بال حس00اب ،وطائف0ة ت0دخل الن0ار بال
حساب ،وطائفة توقف للحساب ،فال تنافي بين النصوص في مثل ذلك.
وقد اختلف في المراد بتوقيف هللا الناس على أعمالهم :فقيل الم00راد ب00ه أن يخل00ق
هللا في قلوبهم علوما ً ضرورية بمقادير أعمالهم من الثواب والعق00اب ،وه00ذا ق00ول الفخ00ر.
وقيل :المراد به أن ي0وقفهم بين يدي0ه وي00ؤتيهم كتب أعم00الهم فيه0ا س00يئاتهم وحس00ناتهم؛
فيقول :هذه سيئاتكم وقد تجاوزت عنها ،وهذه حسناتكم وق00د ض00اعفتها لكم؛ وه00ذا الق00ول
نقل عن ابن عباس وفيه قصور؛ ألن الحساب غير قاصر على هذا المق00دار ،وق00د ورد أن
الكافر ينكر فتشهد جوارحه ،1وقيل :المراد به أن يكلمهم في شأن أعمالهم وكيفي00ة ماله00ا
من الث00واب وم00ا عليه00ا من العق00اب فيس00معهم كالم00ه الق00ديم ،وه00ذا ه00و ال00ذي تش00هد ل00ه
األحاديث الصحيحة ،2وال يشغله تعالى محاسبة أحد عن أحد بل يحاسب الناس جميعا ً معا ً
حتى إن ك00ل أح00د ي0رى أن00ه المحاس00ب وح00ده وكيفيت00ه مختلف00ة :فمن00ه اليس00ير ،والعس00ير،
والس00ر ،والجه00ر ،والت00وبيخ ،والفض00ل ،والع00دل ،وحكمت00ه :إظه00ار تف00اوت الم00راتب في
الكمال ،وفضائح أهل النقص؛ ففيه ترغيب في الحسنات وزج00ر عن الس00يئات (قول00ه وم00ا
في حق ارتياب) أي وليس في وقوع حق شك؛ أي ال ينبغي أن يقع فيه ذلك.
بغير حساب قد ورد فيه0ا أح00اديث مخرج00ة في الص0حيحين منه0ا م00ا أخرج0ه البخ00اري في كت0اب0
الطب برقم ( )5705ومسلم في كتاب اإليمان 0برقم ( )316والشارح 0رحم00ه هللا ق00د أورد الح00ديث
بالمعنى أو جمع بين عدة من األحاديث.
1أخرجه مسلم ( )2969عن أنس بن مالك.
2منها ما أخرجه البخاري 0في التفسير بابَ ( :ويَقُو ُل اأْل َ ْ
ش َ 0ها ُد َه0ؤُال ِء الَّ ِذينَ َكَ 0ذبُوا َعلَى
َربِّ ِه ْم أَال لَ ْعنَةُ هَّللا ِ َعلَى الظَّالِ ِمينَ )( 0هود :من اآلية .)18برقم ( )4685عن ابن عمر ق00ال :س00معت
النبي صلى هللا عليه وآله وسلم يقول( :ي00دنى الم00ؤمن من رب00ه ح00تى يض00ع علي0ه 0كنف00ه فيق00رره
بذنوبه :تعرف ذنب كذا؟ يقول :أعرف رب ،يقول :أع0رف ،م0رتين 0،فيق0ول :س0ترتها في ال00دنيا،
وأغفرها لك اليوم ،ثم تط00وى ص00حيفة حس00ناته ،وأم00ا اآلخ00رون أو الكف00ار فين00ادى على رؤوس
األشهاد ،هؤالء الذين كذبوا على ربهم).
309
{ -182يجزى العبد على السيآت بالمثل ،وتضاعف له الحسنات}
-101فالسيئات عنده بالمثل ##والحسنات ضوعفت بالفضل
1
(قول0ه فالس0يئات عن0ده بالمث0ل) أي جزاؤه0ا عن0ده تع0الى مق0دّر بمثلها إن ج0ازاه
عليها ،وله أن يعفو عنه0ا إن لم تكن كف0راً ،وإال خل00د في الن0ار ،والس00يئات :جم0ع س00يئة:
وهي ما يذم فاعله شرعاً ،صغيرة كانت أو كبيرة ،وس0ميت س0يئة ألن فاعله0ا يس0اء عن0د
المقابلة عليها يوم القيامة ،والمراد التي عملها العبد حقيق00ة أو حكم0ا ً ب00أن ط00رحت علي00ه
لظالمة الغير بعد نفاد حسناته فإنه يؤخذ من حسنات الظالم ويعطي للمظل00وم ،ف00إذا نف00دت
حس00نات الظ00الم ط00رح علي00ه من س00يئات المظل00وم ثم ق00ذف بالظ00الم في الن00ار ،2وقول00ه“ :
والحس000نات ض000وعفت بالفض000ل “ أي ض000اعفها هللا تع000الى بفض000له ال وجوب000ا ً علي000ه،
والحس00نات :جم00ع حس00نة :وهي م00ا يم00دح فاعل00ه ش00رعاً ،وس00ميت حس00نة لحس00ن وج00ه
صاحبها عند رؤيتها يوم القيامة.3
والمراد بالحسنات :المقبولة األصلية المعمولة للعبد ،أو ما في حكمها بأن عمله00ا
عن00ه غ00يره كم00ا إذا تص00دق غ00يرك عن00ك بص00دقة ال الم00أخوذة في نظ00ير ظالم00ة ،فخ00رج
4
بالمقبولة :المردودة بنحو رياء فال ثواب فيه00ا أص0الً ،وباألص00لية :الحاص00لة بالتض00عيف
فال تضاعف ثانياً؛ وبالمعمولة أو ما في حكمه0ا :الحس0نة ال0تي هم به0ا فتكتب واح0دة من
غير تضعيف ،وكذلك من إذا صمم على المعصية ثم تركها فله حسنة من غ00ير مض00اعفة.
1قوله "بمثلها" أي بعقاب يليق بتلك السيئة 0،هذا هو الم00راد من المماثل00ة ،أجه00وري.
سيِّئَةٌ ِم ْثلُ َها)( 0الشورى :من اآلية.)40 قال هللا تعالىَ ( 0:و َجزَ ا ُء َ
سيِّئَ ٍة َ
2أخرج مسلم في كتاب البر والص00لة 0ب00اب تح00ريم الظلم ب00رقم ( )2581عن أبي هري00رة
رضي هللا تعالى عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم قال( :أتدرون ما المفلس)؟ 0ق00الوا:
المفلس فين0ا من ال درهم ل0ه وال مت0اع ،فق0ال( :إن المفلس من أتى ي0وم القيام0ة بص0الة وص0يام
وزكاة ،ويأتي قد شتم هذا ،وقذف هذا ،وأكل مال هذا ،وسفك دم هذا ،وض00رب ه00ذا ،فيعطي ه00ذا
من حسناته ،وهذا من حسناته 0،فإن فنيت حس00ناته قب00ل أن يقض00ي م00ا علي00ه أخ00ذ من خطاي00اهم0،
فطرحت عليه ثم طرح في النار".
3األولى لحسنها 0في نفسها وحسن ما ي00ترتب 0عليه0ا 0من اآلث00ار 0،وذل00ك ألن التس00مية ال
تالحظ فيها أمور اآلخرة.
4قوله "وباألصلية الحاصلة بالتضعيف" هذا غ0ير ظ0اهر؛ 0ألن تض00عيف الحس00نة ال0تي
هي الطاعة 0إكثار ثوابه00ا ب00أن يعطي هللا العب00د ق00دراً من الث00واب 0زائ00داً على الث00واب 0الالئ00ق بتل00ك
الطاعة؛ 0فالحاصل بالتضعيف إنما هو مقدار من الثواب زائد على المقدار الالئ00ق بتل00ك الطاع00ة0،
وأما الطاع0ة 0نفس00ها فلم تق00ع فيه00ا زي0ادة أص0الً؛ 0فقول0ه" :وباألص00لية 0الحاص00لة 0بالتض0عيف" 0ال
يظه00ر ،ألن00ه ليس لن0ا 0حس00نة حاص00لة بالتض00عيف أص0الً ،لم00ا علمت من أن التض00عيف في ث00واب
الطاعة ال في نفسها .أجهوري.
310
وبقولنا “ ال المأخوذة في نظير ظالم00ة “ الحس00نة ال00تي يأخ00ذها المظل00وم من ظالم00ه فال
تض00اعف والتض00عيف من خص00ائص ه00ذه األم00ة .وأم00ا غيره00ا من األمم فك00انت حس00نتهم
بواحدة ،وأقل مراتب التضعيف عشرة ،وقد تضاعف إلى سبعين إلى سبعمائة أو أكثر من
غير انتهاء إلى ح ّد تقف عنده ،وتفاوت مراتب التضعيف بحس0ب م0ا يق0ترن بالحس0نة من
اإلخالص وحسن النية.
311
{ -183تغفر صغائر المؤمن بإجتنابه للكبائر}
-102وباجتناب للكبائر تغفر ##صغائر وجا الوضو يكفر
(قوله وباجتناب للكبائر بسكون الراء ألنه رجز ،والمراد باجتناب الكب00ائر :م00ا يعم
التوبة منها بع00د فعله00ا ،ال م00ا يخص ع0دم ارتكابه00ا ب0المرة ،بخالف التلبس به0ا من غ0ير
توبة؛ والكبائر :هي الذنوب العظيمة من حيث المؤاخذة بها .وقوله “ تغفر صغائر “ أي
تكفر الذنوب الصغائر .قال تعالى( :إِنْ ت َْجتَنِبُوا َكبَائِ َر َما تُ ْن َه ْونَ َع ْن 0هُ نُ َكفِّ ْر َع ْن ُك ْم َ
س 0يِّئَاتِ ُك ْم)
(النساء :من اآلية )31أي الصغائر .وقال صلى هللا عليه وآله وسلم( :ما من عب00د م00ؤمن
يؤدي الصوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إال فتحت له ثمانية أب00واب
الجنة يوم القيامة حتى إنها لتصفق (أي يضرب بعضها بعضا ً من خلوها -فال يدخلها أح00د
حتى يدخلها) 1والسبع ليست بقيد بل غيرها كذلك ،والم00راد به00ا الموبق00ات الس00بع وهي:
الشرك باهلل ،والسحر ،وقتل النفس بغير حق ،وأكل مال الييتيم ،وأكل الربا والت00ولي ي00وم
الزحف وقدف المحص00نات الغ00افالت .وفي ح00ديث آخ00ر( :الص00لوات الخمس والجمع00ة إلى
الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).2
وقد اتفقوا 0على ترتب التكفير على االجتناب ،ثم اختلفوا :هل ه00و قطعي أو ظ00ني؟
فذهب جماعة من الفقهاء والمحدثين والمعتزلة إلى األ ّول ،وذهب أئم00ة الكالم إلى الث00اني
وهو الحق .واعلم أن غفر الذنب العفو 0عنه :أي عدم المؤاخ00ذة ب00ه إم00ا بس00تره عن أعين
المالئك00ة م00ع بقائ00ه في الص00حيفة ،وإم00ا بمح00وه من ص00حف المالئك00ة .وحكى بعض00هم أن
األ ّول هو الصحيح عند المحققين.
(قول00ه وج00ا الوض00و) بالقص00ر لل00وزن .وقول00ه “ يكف00ر “ أي الص00غائر .وم00راد
المصنف أنه جاء في السنة أن الوضوء يكفر الذنوب؛ ففي الحديث عن عثم00ان بن عف00ان
قال :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يقول( :ال يس00بغ أح00د الوض00وء إال غف00ر
له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر) 3وفي الحديث ايضاً( :من توضأ نحو وض00وئي ه00ذا ثم ق00ام
فركع ركعتين ال يحدث فيهما نفسه –يعني بسوء -غفر له ما تقدم من ذنبه) 4وفي رواية:
(ال يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء فيصلي صالة إال غف00ر ل00ه م00ا بينه00ا وبين الص00الة
التي تليها) 5وذكر الصالة في ه00ذين الح00ديثين لل0ترغيب في س0نة الوض0وء ليزي0د ثواب00ه،
1أخرجه اإلمام أحم00د عن أبي أمام00ة ( )5/351ق00ال الهيثمي في مجم00ع الزوائ00د :طري00ق
أحمد صحيحة.
2أخ00رج أب00و نعيم في الحلي00ة ( )6/235والط00براني 0في األوس00ط ب00رقم ( )103عن أبي
هريرة رضي هللا تعالى عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم( :إن من ال00ذنوب ال
يكفرها الصالة وال الصيام 0وال الحج وال العمرة) قالوا :فما يكفرها يا رس00ول هللا؟ ق00ال( :الهم00وم
في طلب المعيش00ة) ق00ال الهيثمي في مجم00ع الزوائ00د كت00اب ال00بيوع رقم ( :)4/64( 0)6239في00ه
محمد بن سالم المصري قال الذهبي حدث عن يحيى بن بكير بخبر موضوع ،قلت :وهذا الحديث
رواه عن يحيى بن بكير.
3نقله الزبيدي في إتح0اف الس0ادة المتقين )3/294( 0عن ت0اريخ ق0زوين لل0رافعي بلف0ظ
(من قرأ قل هو هللا أحد أل0ف م0رة فق0د اش0ترى نفس00ه من هللا) ونق0ل أيض0ا 0من ح0ديث أنس (من
قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه من الجنة.
4أخرجه البخاري في أبواب العمرة برقم ( )1773ومسلم في كتاب الحج برقم (.)1349
5أقرب حديث وقفت عليه 0إلى ما أورده الش0ارح م0ا أخرج0ه ابن ماج0ة في كت0اب الجه0اد
برقم ( )2778والطبراني في الكبير رقم ( )7716برواي00ة قيس بن محم00د الكن00دي عن عف00ير بن
معدان من حديث أبي أمامة رض0ي هللا ت0الى عن0ه ق0ال :س0معت رس0ول هللا ص0لى هللا علي0ه وآل0ه
وسلم يقول …( :ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إال الدين ،ولشهيد البحر الذنوب كلها والدين.
قال الزين العراقي :عفير بن معدان ضعيف جداً.
وأخرج نحوه أبو نعيم في الحلية ( )4/167وفيه يزي0د الرقاش00ي م00تروك فالح0ديث منك0ر
لمخالفته 0لم00ا أخرج00ه مس00لم في كت00اب اإلم00ارة رقم ( )1886عن عب00د هللا بن عم00رو بن الع00اص
313
{ -184اليوم اآلخر وهول الموقف حق}
-103واليوم اآلخر ثم هول الوقف ##حق فخفف يا رحيم واسعف
(قوله واليوم اآلخر :بدرج الهمزة وتسكين الراء؛ و “ اليوم “ مبتدأ ،و “ اآلخر
“ صفته و “ حق “ خبره .واليوم اآلخر :هو يوم القيام00ة ،وأ ّول00ه من وقت الحش00ر إلى
ما ال يتناهى على الص00حيح .وقي00ل :إلى أن ي00دخل أه00ل الجن00ة الجن00ة وأه00ل الن00ار والن00ار،
وسمي باليوم اآلخر النه آخر أيام الدنيا ،بمعنى أنه متصل بآخر أيام الدنيا ألنه ليس منها
حتى يكون آخرها ،وسمي بيوم القيامة لقيام الناس من قبورهم وقيامهم بين يدي خالقهم
وقيام الحجة لهم وعليهم ،وله نحو ثلثمائة اسم.
و(قوله ثم هول الموقف) أي الهول الحاصل في الموقف ،فهو من إض00افة الش00يء
إلى مكانه ،والمراد بهول الموقف :ما ينال الن00اس في00ه من الش00دائد لط00ول الموق00ف ،قي00ل
(س 0أ َ َل) (المع00ارج:
ألف سنة كما في آية السجدة ،1وقيل :خمسين ألف سنة ،كم00ا في آي00ة َ
2)1وال تنافي ألن العدد ال مفهوم له ،وهو 3مختلف باختالف أحوال 0الن00اس ،فيط00ول على
الكف00ار ،ويتوس00ط على الفس00اق ،ويخ00ف على الط00ائعين ح00تى يك00ون كص00الة ركع00تين،4
وكإلجام الناس ب00العرق ال00ذي ه00و أنتن من الجيف00ة ح00تى تعل00و آذانهم وي00ذهب في األرض
سبعين ذراعا ً والناس يكونون فيه على قدر أعمالهم؛ ففي ح00ديث مس00لم( :ت00دنو الش00مس
يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل ،فيكون الناس على ق00در أعم00الهم من
الع00رق :فمنهم من يك00ون إلى كعب00ه ،ومنهم من يك00ون إلى ركبت00ه ،ومنهم من يك00ون إلى
حقويه ،ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ً –وأشار عليه الص00الة والس00الم إلى في00ه) 5وفس00ر
الميل بمرود المكحلة ،وبالمس00احة المخصوص00ة .ق0ال س00ليم بن ع00امر :وهللا م00ا أدري م00ا
يعني الميل :أمس00افة األرض أو المي00ل ال00ذي يكحت00ل ب00ه؟ واأل ّول أق00رب .6وحقوي00ه :تثني00ة
حق00و ،وه00و الكش00ح ال00ذي بين الخاص00رة إلى الض00لع الخل00ف ،وكس00ؤال المالئك00ة لهم عن
رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم قال( :يغفر للشهيد كل ذنب إال الدين).
الس َ 0ما ِء إِلَى اأْل َ ْر ِ
ض ثُ َّم يَ ْعُ 0ر ُج إِلَ ْي ِ 0ه فِي يَْ 0
0و ٍم َك00انَ 1وهي قول00ه تع00الى( :يُ َ 0دبِّ ُر اأْل َ ْمَ 0ر ِمنَ َّ
سنَ ٍة ِم َّما تَ ُعدُّونَ ) (السجدة.)5: ِم ْقدَا ُرهُ أَ ْلفَ َ
س00نَ ٍة) ْ َ
سينَ ألفَ َ وح إِلَ ْي ِه فِي يَ ْو ٍم َكانَ ِم ْقدَا ُرهُ َخ ْم ِ الر ُ ُ ْ
2وهي قوله تعالى( :تَ ْع ُر ُج ال َمالئِ َكة َو ُّ
(المع0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000ارج0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000)40:
.
قول00ه "وه00و" ال00واو بمع00نى أو؛ ألن00ه ج00واب آخ00ر عن التن00افي الواق00ع بين اآلي00تين. 3
أجهوري.
4أخرج ابو يعلى في مسنده رقم ( )1386عن أبي سعيد الخ00دري رض00ي هللا تع00الى عن00ه
قال :قيل :يا رسول هللا يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول ه00ذا! فق00ال رس00ول هللا ص00لى
هللا عليه وآله وسلم( :والذي نفس محمد بيده إنه لتخفف على الم00ؤمن ح00تى يك00ون أخ00ف علي0ه0
من صالة مكتوبة يصليها في الدنيا) 0قال الهيثمي في مجمع الزوائ00د كت0اب 0البعث 0،إس00ناده حس00ن
على ضعف راويه.
5أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم ( )2864عن المقداد بن األسود.
6والظاهر أنه كناية عن شدة قربها وحرارتها.
314
سؤُولُونَ ) (الصافات )24:وكش00هادة (وقِفُو ُه ْم إِنَّ ُه ْم َم ْ
أعمالهم وتفريطهم فيها .قال تعالىَ :
األلس00نة واألي00دي واألرج00ل والس00مع والبص00ر والجل00د واألرض واللي00ل والنه00ار والحفظ0ة0
الكرام.
0ائر الص00لحاء ،لقول00ه تع00الى( :ال
وال ينال شيء مما ذكر األنبي00اء واألولي00اء وال سَ 0
ع اأْل َ ْكبَ ُر) (األنبياء :من اآلية )103فهم آمنون من عذاب هللا ،لكنهم يخ00افون
يَ ْح ُزنُ ُه ُم ا ْلفَ َز ُ
ربهم خوف إجالل وإعظام.
(قول00ه ح00ق) أي ث00ابت ال محال00ة ،فيجب اإليم00ان ب00ه ل00وروده في الكت00اب والس00نة
وإجماع المسلمين عليه.
{ -185عالمات الساعة ووجوب اإليمان بها}
وكذا يجب اإليمان بعالماته المتواترة؛ فمن عالماته الصغرى ما قد وقع ومنها م00ا
لم يقع ،وعالماته الكبرى عش0رة ،1أوله00ا :ظه00ور المه00دي ،ثم خ00روج ال00دجال ،ثم ن0زول
عيس00ى ابن م00ريم ،ثم خ00روج ي00أجوج وم00أجوج ،وخ00روج الداب00ة ال00تي تكتب بين عي00ني
المؤمن مؤمنا ً فيضيئ وجهه ،وبين عيني الكافر ك00افراً فيس ّ 0ود وجه 0هُ ،وطل00وع الش00مس
من مغربها ،وظهور الدخان يمكث في األرض اربعين يوما ً يخرج من أنف الكافر وعيني0ه
وأذنيه ودبره حتى يصير كالسكران ،ويصيب المؤمن منه كهيئ00ة الزك00ام .وخ00راب الكعب00ة
على أيدي الحبشة بعد موت عيسى ،ورفع القرآن من المصاحف والصدور .ورجوع أه00ل
األرض كلهم كفاراً ،و(قوله فخفف يا رحيم واسعف) بوصل الهمزة للضرورة فإنها همزة
قطع :أي خفف يا رحيم هوله وأعن00ا علي00ه .ومن أس0باب تخفيف0ه واإلعان00ة علي0ه :قض00اء
الحوائج للمسلمين وتفريج الكرب عنهم ،وإشباع الجائع ،وإيواء ابن السبيل.
1لم أجده.
2أخرجه العقيلي 0في الضعفاء )4/466( 0من طريق نعيم بن سالم عن أنس قال ابن حيان
في المج00روحين ( )3/145نعيم بن س00الم يض00ع الح00ديث عن أنس بن مال00ك 0،وروي عن00ه نس00خة
موضوعة.
316
اضيَةَ) (الحاقة )27-25 :فيقول األول أله00ل المحش0ر فرح00اَ ( :ه00اؤم) أي خ00ذوا، ت ا ْلقَ َِكانَ ِ
َ َ ْ
فهو اسم فع00ل لجماع00ة ال00ذكور (اقَ 0رأوا ِكتَابِيَْ 0ه ،إِنِّي ظنَ ْنتُ ) أي علمت ،ألن00ه ج00ازم( :أنِّي
سابِيَ ْه) ويقول الثاني لما يرى من سوء عاقبته (يَ00ا لَ ْيتَنِي لَ ْم أُوتَ ِكتَابِيَ ْ 0هَ ،ولَ ْم أَ ْد ِر الق ِح َ
ُم ٍ
اض 0يَة) أي القاطع 0ة 0ألم00ره فلم يبعث سابِيَ ْه ،يَا ل ْيتَها) أي الموتة التي ماتها ( َكانَت القَ ِ َما ِح َ
ص0لَى ُ
سْ 0وفَ يَْ 0دعُو ثبُ00وراًَ ،ويَ ْ َ َ ُ َ
بعدها ،وكقوله تعالىَ ( :وأ َّما َمنْ أوتِ َي ِكتَابَهُ َو َرا َء ظ ْهِ 0ر ِه ،ف َ
س ِعيراً) (االنشقاق )12-9 :وظاهر كالمهم أن القراءة حقيقة 0وه00و ال00راجح ،وقي00ل مج00از َ
عن علم كل أحد بما له وعليه ،ويقرأ كل أحد كتابه ولو كان أمياً ،لكن من اآلخذين من لم
يق00را كتاب00ه ذه00والً ودهش00ة الش00تماله على القب00ائح ،والم00ؤمن يأتي00ه كتاب00ه أبيض بكتاب00ة
بيضاء ويأخذه بيمينه فيقرئه في0بيض وجه0ه ،والك0افر يأتي0ه كتاب0ه أس0ود بكتاب0ة س0وداء
فيقرؤه فيس ّود وجهه كما ذكره المصنف في كب0يره ،وال0ذي ذك0ره الش0يخ عب0د الس0الم أن
ابيض وجه00ه والك00افر بضّ 0د ذل00ك .انتهى، ّ أول سطر من صحيفة المؤمن أبيض فإذا ق00رأه
ويمكن ترجيع كالمه لكالم والده بأن يقال :ال مفه0وم 0لقول0ه :أ َّول س0طر ،ب0ل مثل0ه الب0اقي
فتأمل.
317
{ -187الوزن والميزان حق}
(قول00ه ومث00ل ه00ذا ال00وزن والم00يزان) أي ومث00ل أخ00ذ العب00اد الص00حف في الوج00وب
السمعي :وزن أفعال العباد والميزان .وهو م00يزان واح00د على ال00راجح ل00ه قص00بة وعم00ود
وكفتان كل واحدة منهما أوسع من طباق السموات واألرض ،وجبريل آخذ بعموده الناظر
إلى لسانه وميكائيل أمين عليه ،ومحله بعد الحساب .وقيل :لكل عامل موازين يوزن بك00ل
(وا ْل َو ْزنُ يَ ْو َمئِ ٍ 0ذ ا ْل َح 0قُّ) (األع00راف: منها صنف من عمله ،ويدل على الوزن قوله تعالىَ :
ْ
سط لِيَ ْو ِم القِيَا َمِ 0ة) (األنبي00اء: َ ض ُع ا ْل َم َوا ِزينَ القِ ْ
ْ من اآلية )8وعلى الميزان قوله تعالىَ ( :ونَ َ
من اآلية )47وقول000ه تع000الى( :فَ َمنْ ثَقُلَتْ َم َوا ِزينُ000هُ فَأُولَئِ000كَ ُه ُم ا ْل ُم ْفلِ ُح 000ونَ َ ،و َمنْ َخفتَّْ
س ُه ْم) (المؤمن00ون )103-102 :وخف00ة الم00وزون وثقل00ه َم َوا ِزينُهُ فَأُولَئِكَ الَّ ِذينَ َخ ِ
س ُروا أَ ْنفُ َ
على صورته في الدنيا ،وقيل على عكس ص00ورته في ال00دنيا ،فالثقي00ل يص00عد إلى األعلى،
الص0الِ ُح يَ ْرفَ ُع0هُ) (ف00اطر :من اآلية)10 (وا ْل َع َمُ 0ل َّ والخفيف ينزل إلى أسفل ،لقول00ه تع00الىَ :
والجم00ع فيم00ا ذك00ر للتعظيم ،على المش00هور من أن00ه م00يزان واح00د لجمي00ع األمم ولجمي00ع
األعمال؛ وقد بلغت أحاديثه مبلغ التواتر ،فيجب اإليم00ان ب00ه ونمس00ك عن تع00يين حقيقت00ه،
وال يكون الوزن في حق كل أحد ،ألنه ال يكون لألنبياء والمالئكة ومن ي00دخل الجن00ة بغ00ير
حساب ،فإنه فرع عن الحساب ،وال مانع من وزن سيئات الكفار ليجازوا عليها بالعق00اب،
فقوله تعالى (فَال نُقِي ُم لَ ُه ْم يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة َو ْزن0اً) (الكه00ف :من اآلية )105معن00اه :ال نقيم لهم
يوم القيامة وزنا ً نافعا ً.1
فإن قيل وزن أعمال المؤمنين وجهه ظاهر إذ له من الحسنات ما يقاب00ل الس00يئات،
وأم00ا الكف00ار فليس لهم حس00نات ح00تى تقاب00ل بهم س00يئاتهم! أجيب بأن00ه يك00ون منهم ص00لة
الرحم ومواساة الناس وعتق المماليك ونحوها من األعمال ال00تي ال تتوق00ف ص00حتها على
نية ،فتُجعل هذه األمور –إن صدرت منهم -في مقابل00ة س00يئاتهم غ00ير الكفر ،2أم00ا ه00و فال
فائدة في وزنه ،ألن عذابه دائم ،وفي كالم القرطبي ما يصرح بوزنه حيث قال :فتجمع له
هذه األمور وتوضع في ميزانه –يعني الكافر -فيرجح الكفر بها.3
{ -188والموزون قيل هي كتب األعمال ،وقيل هي األعمال نفسها}
(قول00ه فت00وزن الكتب أو األعي00ان) أش00ار ب00ذلك إلى اختالف العلم00اء في الم00وزون،
فذهب جمهور المفسرين إلى أن الموزون الكتب ال00تي اش00تملت على أعم00ال العب00اد ،بن00اء
على أن الحس00نات مم00يزة بكت00اب والس00يئات ب00آخر ،ويش00هد ل00ه ح00ديث البطاق00ة –بكس00ر
1التحقيق أن عدم إقامة ال00وزن كناي00ة عن الحق00ارة 0وع00دم المب00االة 0،يق00ال :ال يق00ام لفالن
وزن ،أو ال يقام لكالمه وزن كناية عن الحقارة وعدم االعتداد والمباالة به أو بكالمه ويؤيده م00ا
أخرجه البخاري في التفسير 0رقم ( )4729ومسلم في كت00اب ص00فات المن00افقين رقم ( )2785عن
أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم قال( :إنه ليأتي 0الرجل
العظيم السمين يوم القيامة 0ال يزن عند هللا جناح بعوضة) وقال( :اقرؤوا إن ش00ئتم (فَال نُقِي ُم لَ ُه ْم
يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِ0ة َو ْزناً) (الكهف :من اآلية.)105
2فيخفف عنهم بذلك .راجع تفصيل المسألة 0والخالف فيها فتح الباري (.)9/49
3راجع التذكرة للقرطبي.)240-239( 0
318
الموحدة -وهي :ورقة صغيرة .وحديثها :ما روي عن عبد هللا بن عم00رو بن الع00اص عن
رسول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم أن00ه ق00ال( :إن هللا يس00تخلص رجالً من أم00تي على
ش ُر عليه تسعة وتسعون سجالً كل سجل منه00ا م00د البص00ر رؤوس الخالئق يوم القيامة فيُ ْن َ
ثم يقول :أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول :ال يا رب ،فيقول :ألك عذر
فيقول :ال يارب ،فيقول :ألك حسنة؟ فيقول :ال ي00ا رب ،فيق00ول :بلى إن ل0ك عن0دنا لحس0نة
وإنه ال ظلم عليك؛ فتخ0رج ل00ه بطاق00ة كاألنمل00ة فيه00ا “ أش00هد أن ال إل00ه إال هللا وأش00هد أن
محمداً رسول هللا “ فيقول :يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجالت؟ فيقال :إنك ال تظلم،
فتوضع السجالت في كفة والبطاقة في كفة ،فطاشت الس00جالت وثقلت البطاق00ة ،وال يثق00ل
مع اسم هللا شيء)1وهذا ليس لكل عبد بل لعبد أراد هللا به خيراً.
وذهب بعضهم إلى أن الموزون أعيان األعمال ،فتص ّور األعمال الصالحة بص00ورة
حسنة نوارنية ،ثم تطرح في كف0ة الن00ور وهي اليم00نى المع0دّة للحس00نات فتثق0ل بفض0ل هللا
سبحانه وتعالى ،وتص ّور األعمال السيئة بصورة قبيحة ظلمانية ثم تطرح في كفة الظلمة
وهي الشمال المعدّة للسيئات فتخف ،وهذا في المؤمن .وأما الكافر فتخف حسناته وتثق00ل
سيئاته بعدل هللا سبحانه وتعالى.
وال يرد أن في ذل00ك قلب الحق00ائق ،وه00و ممتن00ع ألن امتن00اع قلب الحق00ائق مختص
بأقسام الحكم العقلي ،فال ينقلب الواجب جائزاً مثال ،وأما انقالب المعنى جرم0ا ً فال يمتن00ع.
وقي00ل :يخل00ق هللا أجس00اما ً على ع00دد تل00ك األعم00ال من غ00ير قلب له00ا ،قي00ل :وق00د ي00وزن
الشخص نفس00ه ،لح00ديث ابن مس00عود( :2رجل00ه في الم00يزان أثق00ل من جب00ل أح00د) .وفائ00دة
الوزن :جعله عالمة ألهل السعادة والشقاوة ،وتعريف العباد ما لهم وما عليهم من الخ00ير
والشر ،وإقامة الحجة عليهم.
1أخرجه ابن حبان في صحيحه كتاب اإليمان 0رقم ( )225والترم00ذي في كت00اب العلم رقم
)2639وابن ماجة في الزهد رقم ( )4300واإلمام أحمد (.)2/213
2أخرج00ه أحم00د ( )1/421وأب00و يعلى في مس00نده من طري00ق عاص00م بن أبي النج00ود ق00ال
الهيثمي :وهو حسن على ضعفه وبقية رجالها 0رجال الصحيح.
319
-106كذا الصراط فالعباد مختلف ##مرورهم فسالم ومنتلف
(قوله كذا الصراط) ك00ذا :خ00بر مق00دم ،والص00راط :مبت00دأ م00ؤخر :أي الص00راط مث00ل
المذكور من أخذ العباد الصحف وال00وزن والم00يزان في الوج00وب الس00معي –وه00و بالص00اد
أوبالسين أو بالزاي المحض00ة أو باإلش00مام ،وق00رئ في الس00بع بم00ا ع00دا ال00زاي المحض00ة-
ومعناه لغة :الطريق الواضح ،مأخوذ من صرطه يصرطه إذا ابتلع00ه ،ألن00ه يبتل00ع الم00ارة.
وش00رعاً :جس00ر مم00دود على متن جهنم ي00رده األ ّول00ون واآلخ00رون ح00تى الكف00ار ،خالف 0ا ً
للحليمي حيث ذهب إلى أنهم ال يمرون عليه ،ولعله أراد الطائفة التي ترمى في جهنم من
الموقف بال صراط :وشمل ما ذكر ،النبيين والصديقيين ومن ي00دخل الجن00ة بغ00ير حس00اب،
وكلهم ساكتون إال األنبياء فيقولون :اللهم سلم سلم؛ كما في الصحيح.1
وفي بعض الرواي00ات :أن00ه أدق من الش00عرة وأح ّ 0د من الس00يف؟ وه00و المش00هور،
ونازع في ذلك العز بن عبد الس00الم والش00يخ الق00رافي وغيرهم00ا كالب00در الزركش00ي ق00الوا:
وعلى فرض صحته فهو محمول على غير ظاهره بأن يؤول بأنه كناية عن ش00دة المش00قة
وحينئ00ذ فال ين00افي م00ا ورد من األح00اديث الدال00ة على قي00ام المالئك00ة على جنبي00ه وك00ون
الكالليب فيه .زاد القرافي :والص00حيح أن00ه ع00ريض وفي00ه طريق00ان يم00نى ويس00رى ،فأه00ل
السعادة يسلك بهم ذات اليمين وأه00ل الش00قاوة يس00لك بهم ذات الش00مال ،وفي00ه طاق00ات ك00ل
طاقة تنفذ إلى طبقة من طبقات جهنم ،وقال بعضهم :إنه يدق ويتسع بحسب ض00يق الن00ور
وانتشاره ،فعرض صراط كل أحد بقدر انتش00ار ن00وره ،ف00إن ن00ور ك00ل إنس00ان ال يتع00داه إلى
غيره ،فال يمشي أحد في نور أح0د ،ومن هن0ا ك0ان دقيق0ا ً في ح0ق ق0وم وعريض0ا ً في ح0ق
آخرين ،وطوله ثالث00ة آالف س00نة :أل00ف ص00عود ،وأل00ف هب00وط ،وأل00ف اس00تواء .وفي كالم
الشيخ األكبر ما يفيد عدم التعويل على ظاهر هذه اآلالف ،مع أن مآله االمتداد للعل ّو ح0تى
يوصل للجن00ة فإنه00ا عالي00ة ج00داً؛ وأف00اد الش00عراني أن00ه ال يوص00ل له00ا حقيق00ة ،ب00ل يوص00ل
لمرجها الذي فيه الدرج الموصل لها .قال :يوض00ع لهم هن00اك مائ00دة .ق00ال :ويق00وم أح00دهم
فيتناول مما تدلي هناك من ثمار الجنة.
ص َراط) (يّـس :من اآلية )66والس00نة: وقد ورد به الكتاب :قال تعالى( :فَا ْ
ستَبَقُوا ال ِّ
قال صلى هللا عليه وآله وسلم( :يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول
من يجوز) واتفقت الكلمة عليه في الجملة .أي بقط00ع النظ00ر عن إبقائ00ه على ظ00اهره كم00ا
هو مذهب أهل السنة ،وصرفه عنه كما هو مذهب كثير من المعتزلة؛ فإنهم ذهبوا إلى أن
المراد به طريق الجنة وطريق النار .وقيل :المراد به األدلة الواضحة ،وجبري00ل في أول00ه
وميكائيل في وسطه يسأالن الناس عن عمرهم فيما أفنوه وعن شبابهم فيم00ا أبل00وه وعن
علمهم ماذا عملوا به ،وفي حافتيه كالليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به.
(قوله فالعباد مختلف مرورهم) أي إذا علمت أن الص0راط واجب؛ ف0اعلم أن العب0اد
متفاوت م00رورهم علي00ه في س00رعة النج00اة وع00دمها ،فليس00وا في الم00رور علي00ه على حّ 0د
1حديث الصراط والمرور عليه –وهو حديث طويل -أخرجه البخاري في كتاب اإليمان0
( )806ومسلم في كتاب اإليمان 0برقم ( )182وأحمد (.)534-533-276-3/275
320
سواء( .1قول00ه فس00الم ومنتل00ف) أي فمنهم فري00ق س00الم من الوق00وع في ن00ار جهنم ومنهم
فريق منتلف بالوقوع فيه00ا إم00ا على ال00دوام والتأبي00د كالكف00ار والمن00افقين ،وإم00ا إلى م00دة
يري00دها هللا تع00الى ،ثم ينج00و كبعض عص00اة المؤم00نين ممن قض00ى هللا عليهم بالع00ذاب،
والفريق األ ّول هم السالمون من السيئات وأهل رجحان األعمال الصالحة ممن خصهم هللا
بس00ابقة الحس00نى وه00ؤالء يج00وزون كط00رف العين ،2وبع00دهم ال00ذين يج00وزون ك00الجواد
السابق ،وبعدهم الذين يجوزون سعيا ً ومشياً ،وبع00دهم ال00ذين يج00وزون حب00واً ،وتف00اوتهم
في المرور بحسب تفاوتهم في اإلع00راض عن حرم00ات هللا تع00الى؛ فمن ك00ان منهم أس00رع
إعراض 0ا ً عم00ا ح00رم هللا ك00ان أس00رع م00روراً في ذل00ك الي00وم ،والحكم 0ة 0في م00رورهم على
الصراط ظهور النج00اة من الن00ار ،وأن يتحس00ر الكف00ار بف00وز المؤم00نين بع00د اش00تراكهم 0في
المرور.
1ال أدري من هو ال00ذي لم يل0تزم 0الحكم00ة في أفع00ال هللا تع0الى ومخلوقات00ه نعم ق0د وق0ع
الخالف في تعليل أفعاله تعالى 0،والذين ال يقولون بالتعليل وهم جمه00ور األش00اعرة متفق00ون على
أن أفعال00ه تع00الى ال تخل00و عن الحكم والمص00الح ،ف00القول بع00دم خل00و أفعال00ه تع00الى عن الحكم
والمصالح مجمع عليه بين الفريقين 0،وال أعلم فيه خالفا ،وكي0ف يت0أتى لواح0د أن يخ0الف في0ه،
ومن أسماه الحسنى الحكيم.
322
(وقوله ال ال حتياج) أي ك ٌل مخلوق لحكمة ال الحتياجه تعالى إلى ش00يء منه00ا ،فلم
يخلق الع00رش لالرتق00اء وال الكرس00ي للجل00وس وال القلم الستحض00ار م00ا غ00اب عن علم00ه
تعالى ،وال الكاتبين وال اللوح لضبط ما يخاف نسيانه ،وقوله “ وبها اإليم00ان يجب علي00ك
0الح ُجب
أيها اإلنسان “ أي بهذه المذكورات كغيرها من ك00ل م00ا ثبت بص00حيح األح00اديث كُ 0
واألن00وار ،التص00ديق يجب علي00ك أيه00ا اإلنس00ان المكل00ف ،فيجب اإليم00ان بوجوده00ا ش00رعا ً
حسبما علم ،تفصيالً أو إجماالً ،غاية األمر أن اإليمان بها تعبدي.
323
أوجدَت كالجنة ##فال تمل لجاحد ذي ِجنَّ ٍة
-109والنار حق ِ
(قوله والنار حق أوجدت كالجن00ة) أي والن00ار ال00تي هي دار الع00ذاب ثابت00ة بالكت00اب
والسنة واتفاق علم0اء األم0ة ،أوج0دها هللا فيم0ا مض0ى ،كالجن0ة ال0تي هي دار الث0واب في
كونه00ا حق 0ا ً وأنه00ا أوج00دت فيم00ا مض00ى ،ور ّد المص00نف بحقيتهم00ا على منكرهم00ا ب00المرة
كالفالسفة ،وبإيجادها فيما مضى على منكر وجودهما فيما مض00ى ،وأنهم00ا إنم00ا يوج00دان
يوم القيامة كأبي هاشم وعبد الجبار المعتزليين.
ويدل لنا قصة آدم وحواء عليهما السالم على ما ج00اء ب00ه الق00رآن والس00نة وانعق0د0
عليه اإلجماع قبل ظهور المخ0الف؛ ف0ذلك ي0دل على ثب0وت الجن00ة ،وال قائ0ل بثبوته00ا دون
النار فهي ثابتة أيضاً ،واآليات صريحة في ذاك .وق00د أجم00ع العلم00اء على أن تأويله00ا من
غير ضرورة إلحاد في الدين ،كما قيل :آدم كان رجالً في جنة أي بستان ل00ه ،على رب00وة:
أي محل مرتفع؛ فعصى ربه فأنزله لبطن الوادي.
ولم ي00رد نص ص00ريح في تع00يين مك00ان الجن00ة والن00ار كم00ا في ش00رح المقاص00د،
واألكثرون على أن الجنة فوق السموات السبع وتحت العرش؛ وأن الن00ار تحت األرض00ين
السبع ،والحق تفويض علم ذلك إلى اللطيف الخبير كما في شرح المصنف.
وطبقات النار سبع :أعاله00ا جهنم وهي لمن يع00ذب على ق00در ذنب00ه من المؤم00نين،
وتصير خرابا ً بخروجهم منها؛ وتحتها لظى وهي لليه00ود ثم الحطم00ة وهي للنص00ارى ،ثم
السعير وهي للص00ائبين وهم فرق00ة من اليه00ود ،ثم س00قر وهي للمج00وس ،ثم الجحيم وهي
لعبدة األصنام ،ثم الهاوية وهي للمنافقين.
وذكر ابن العربي أن هذه النار التي في الدنيا ما أخرجه00ا هللا إلى الن00اس من جهنم
حتى غمست في البحر مرتين ،ولو ال ذلك لم ينتفع بها أح0د من ح ّره0ا وكفى به0ا زاج0راً،
وبعد أخذ نار الدنيا منها أوقد عيها ألف سنة حتى اببيضت ،ثم ألف سنة حتى احم ّرت ،ثم
ألف سنة حتى اسودّت ،فهي سوداء مظلمة،1وح ّرها هواء محرق وال جمر لها سوى بني
آدم واألحجار المتخ00ذة آله00ة من دون هللا .ق00ال تع00الى( :يَ00ا أَيُّ َه00ا الَّ ِذينَ آ َمنُ00وا قُ00وا أَ ْنفُ َ
سُ 0ك ْ0م
شدَا ٌد ال يَ ْعصُونَ هَّللا َ َم00ا أَ َمَ 0ر ُه ْم ارةُ َعلَ ْي َها َمالئِ َكةٌ ِغالظٌ ِ َوأَ ْهلِي ُك ْم نَاراً َوقُو ُدهَا النَّ ُ
اس َوا ْل ِح َج َ
َويَ ْف َعلُونَ َما يُؤْ َمرُونَ ) (التحريم.)6:
واختلف في الجنة هل هي سبع جنات متجاورة أفضلها وأوسطلها الفردوس وهي
أعالها –والمجاورة ال تنافي العلو -وفوقها عرش ال00رحمن ،ومنه00ا تنفج00ر أنه00ار الجن00ة،
ويليها في األفضلية جنة عدن ،ثم جنة الخلد ،ثم جنة النعيم ،جنة الم00أوى ،ودار الس00الم،
1أخ00رج الترم00ذي كت00اب ص00فة جهنم رقم ( )2591عن أبي هري00رة رض00ي هللا عن00ه عن
النبي صلى هللا عليه وآله وسلم قال( :أوقد على الن00ار 0أل00ف س00نة ح00تى احم00رت ،ثم أوق00د عليه00ا
ألف سنة حتى ابيضت ،ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ،فهي سوداء مظلمة).
وأخ00رج مس00لم في كت00اب الجن00ة وص00فة نعيمه00ا رقم ( )2843عن أبي هري00رة رض00ي هللا
تعالى عنه أن النبي ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ق00ال( :ن00اركم ه00ذه ال00تي يوق00د بن آدم ج00زء من
سبعين جزءاً من حر جهنم) قالوا :وهللا إن كانت لكافية يا رسول هللا ،قال( :فإنها فض00لت عليه 0ا0
بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها).
324
ودار الجالل ،والجنان كلها متصلة بمقام الوسيلة ليتنعم أه00ل الجن00ة بمش00اهدته ص00لى هللا
عليه وآله وس00لم لظه00وره ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم لهم منه00ا ألنه00ا تش00رق على أه00ل
الجنة ،كما أن الشمس تشرق على أه00ل ال00دنيا ،وه00ذا م0ا ذهب إلي0ه ابن عب00اس .أو أرب0ع
(ولِ َمنْ َخ 0افَ َمقَ00ا َم َربِّ ِه َجنَّتَ00ا ِن) (ال00رحمن )46:جن00ة النعيم ورجحه جماعة لقوله تع00الىَ :
َان (الرحمن )62:جنة عدن وجنة الفردوس كما وجنة المأوى ،ثم قالَ ( :و ِمنْ دُونِ ِه َما َجنَّت ِ
قاله بعض المفسرين ،وهذا ما ذهب إليه الجمه00ور؛ أو جن00ة واح00دة وه00ذه األس00ماء كله00ا
جارية عليها لتحق00ق معانيه00ا فيه00ا ،إذ يص00دق على الجمي00ع جن00ة ع00دن أي إقام00ة ،وجن00ة
المأوى :أي مأوى المؤمنين ،وجنة الخلد ودار السالم ،ألن جميعها للخلود والس0المة من
كل خوف وحزن ،وجنة النعيم ألنه00ا كله00ا مش00حونة بأص00نافه (قول00ه فال تم00ل لجاح00د) أي
ُص ِغ لقول منكر لهما بالم ّرة لكفره كالفالسفة ،أو منكر لوجودها فيما مضى لبدعته كأبي ت ْ
هاشم وعبد الجبار المعتزل0يين وق0ول “ ذي جن0ة “ أي ص00احب جن0ون :ألن إنكارهم0ا ال
يصدر عن ذي عقل فإنه يؤدي إلى إحالة ما علم من الدين بالضرورة.
1في مجم0ع الزوائ0د كت0اب البعث 0رقم ( )18461عن س0مرة بن جن0دب رض0ي هللا تع0الى
عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ق00ال( :إن األنبي00اء يتب00اهون 0أيهم أك00ثر أص00حاباً 0من
أمته ،فأرجو أن أكون يؤمئذ أك00ثرهم كلهم واردة ،ف00إن ك00ل رج00ل منهم يؤمئ00ذ ق00ائم على ح00وض
مآلن معه عصا يدعو من عرف من أمت00ه ولك00ل أم00ة س00يما يع00رفهم به00ا ن00بيهم) رواه الط00براني
وفيه مروان بن جعد السمري وثقه ابن أبي حاتم وقال األزدي يتكلمون فيه ،وبقية رجاله ثقات.
وأخرجه الترمذي مختصرا )2443( 0وقال :حديث غريب.
2أخرجه البخاري في الرقاق رقم ( )6579ومسلم في الفضائل رقم (.)2299
3المسند ( )5/250من حديث أبي أمامة.
4أخرجه البخاري في الرقاق رقم ( )6592ومسلم في الفضائل رقم (.)2298
5رواه أحمد ( )3/345قال الهيثمي ( :)18467رواه أحمد مرفوع 0ا ً وموقوف 0ا ً في إس00ناد
المرفوع ابن لهيعة ورجال الموقوف رجال الصحيح.
6أخ00رج ابن ماج00ة في الزه00د رقم ( )4301عن أبي س00عيد الخ00دري أن الن00بي ص00لى هللا
عليه وآله وسلم قال( :إن لي حوضا ً ما بين الكعبة وبيت المقدس ،أبيض مثل اللبن ،آنيت00ه ع00دد
النجوم ،وإني ألكثر األنبياء تبعا ً يوم القيامة) وفي إسناده عطية العوفي وهو ضعيف .فالم00ذكور
في هذا الحديث الكعبة بدل المدينة.
328
بالمسافة القصيرة أوالً ثم أخبر بالمسافة الطويلة ،واالعتماد على م00ا ي00دل على أطولها،7
كما أشار إليه النووي ،وفيما أوحى هللا تعالى إلى عيسى عليه الصالة والس00الم من ص00فة
نبينا صلى هللا عليه وآله وسلم( :له ح00وض أبع0د من مك0ة إلى مطل0ع الش0مس ،في00ه آني0ة
ب الجن00ة وطعم ك00ل ثماره00ا) وقول00ه في ه00ذه مثل عدد نجوم الس00ماء ،ول00ه ل00ون ك00ل ش00را ِ
الرواية “ مثل عدد نجوم السماء “ ال ينافي قوله في الرواية الس0ابقة “ أك0ثر من نج0وم
السماء “ الحتمال أنه أُخبر أوالً بأنها مثل ،ثم أخ00بر ثاني0ا ً بأنه00ا أك00ثر ،ومع00نى كون00ه ل00ه
لون كل شراب الجنة أن بعضه لونُ00ه أحم0ر وبعض0ه لون0ه أبيض وهك00ذا ،فال ي0رد أن في00ه
الجمع بين األضداد ،وهو ممتن0ع ،ومع00نى كون0ه ل0ه طعم 0ك0ل ثماره0ا :أن ل0ه طعم الخ00وخ
والموز والمشمش وغيرها ،فمن يشرب منه يجد طعم ثمار الجنة.
واختلف في محله :فقيل قبل الصراط وهو ق00ول الجمه00ور وص00ححه بعض00هم ،ألن
الناس يخرجون من قبورهم عطاشا ً فيردون الحوض للش0رب من0ه .وقي0ل بع0ده وص0ححه
بعض0هم ،ألن0ه ينص0ب في0ه الم00اء من الك00وثر وه00و النه0ر ال00ذي في داخ0ل الجن0ة ،فيك00ون
الحوض بعد الصراط بج0انب الجن00ة ،ول00و ك0ان قبل0ه لح00الت الن00ار بين0ه وبين الم00اء ال00ذي
ينصب فيه من الكوثر ،وأورد عليه أن الحوض إذا كان عند الجنة لم يُحتج للش00رب من00ه،
وأجيب بأنهم يحبسون هناك ألجل المظالم التي بينهم ح00تى يتحلل00وا منه00ا ،وه00و المس00مى
بموقف القصاص .وقيل :له ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم حوض00ان :ح00وض قب00ل الص00راط
وحوض بعده وصححه القرطبي ،وهذا كله ال يجب اعتقاده ،وإنما يجب اعتقاد أن00ه ص00لى
هللا عليه وآله وسلم له حوض وال يضر الجهل بكونه قبل الصراط أو بعده.
7قوله "واالعتماد على م00ا ي00دل على أطواله00ا" أي على الح00ديث ال00دال على أط0ول تل00ك
النواحي مسافة .وهو أن الحوض ما بين صنعاء والمدينة.
329
-112ينال شربا ً منه أقوام وفوا ##بعهدهم وقل يذاد من طغوا
(قوله ينال شربا ً منه أقوام) أي يتعاطى الشرب من ذل00ك الح00وض أق00وام ،والم00راد
بهم م00ا يش00مل ال00ذكور واإلن00اث ،وأح00والهم 0في الش00رب مختلف00ة فمنهم من يش00رب ل00دفع
العطش ،ومنهم من يشرب للتلذذ ،ومنهم من يشرب لتعجيل المس00رة ،وأطف00ال 0المس00لمين
ذكورهم وإناثهم حول الحوض وعليهم أقبية ال00ديباج ومنادي00ل من ن00ور وبأي00ديهم أب00اريق
الفضة وأقداح الذهب يسقون آباءهم وأمهاتهم إال من س00خط في فق00دهم فال ي00ؤذن لهم أن
يس00قوه .وقول00ه “ وف00وا بعه00دهم “ وص00ف ألق00وام :أي وف00وا هللا تع00الى بعه00دهم :وه00و
(وأَ ْ
ش َ 0ه َد ُه ْم َعلَى الميث00اق ال00ذي أخ00ذه عليهم حين أخ00رجهم من ظه00ر آدم علي00ه الس00المَ :
ستُ بِ َربِّ ُك ْم) (األعراف :من اآلية 1)172قالوا :بلى :أي أنت ربنا ،وأول من ق00ال س ِه ْم أَلَ ْ
أَ ْنفُ ِ
بلى :النبي صلى هللا عليه وآله وسلم .ومعنى وفائهم بعهدهم :أنهم لم يغيروه ولم يب00دلوه
ح00تى م00اتوا ،وه00ذا الوص00ف وإن ش00مل جمي00ع مؤم00ني األمم الس00ابقة لكن00ه خالف ظ00اهر
األحاديث من أنه ال يرده إال مؤمنوا هذه األمة ،ألن كل أمة إنما ترد حوض نبيها.
(قوله وقل يذاد من طغوا) أي وقل قوالً باطني0ا ً -وه0و االعتق0اد -يط0رد عن0ه أق0وام
ظلموا انفسهم 0بأن غيروا وبدلوا عهدهم الذي أخذه هللا عليهم ،فالمرت00د من المط00رودين،
ومن أحدث في الدين م0ا ال يرض0اه هللا تع00الى ،ومن خ00الف جماع0ة المس00لمين ك0الخوارج
وال000روافض والمعتزل000ة على اختالف ف000رقهم ،والظلم000ة الج000ائرون ،والمعلن بالكب000ائر
المستخف بالمعاصي ،وأهل الزيغ والبدع ،لكن المبدل باالرتداد مخل00د في الن00ار ،والمب00دل
بالمعاصي في المشيئة ،فإن شاء هللا عفا عنه وإن شاء عاقبه.
وظ00اهر ذل00ك أن جمي00ع من ذك00ر ال يش00رب من00ه أب00داً ،وال00ذي علي00ه المحقق00ون أن
المطرودين عن الحوض قسمان :قسم يط0رد حرمان0ا ً وهم الكف0ار فال يش0ربون من0ه أب0داً،
وقسم يطرد عقوبة له ثم يشرب وهم عصاة المؤمنين فيش0ربون قب0ل دخ0ولهم الن0ار على
الصحيح.
{ -194شفاعة نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم حق}
-113وواجب شفاعة المشفع ##محم ٍد مقدما ً ال تمنع
(قوله وواجب شفاعة المشفع) أي وواجب سمعا ً عند أهل الح00ق ش00فاعة المش00فع
بفتح الف00اء -وه00و ال00ذي تقب00ل ش00فاعته ،وأم00ا بكس00رها فه00و ال00ذي يقب00ل ش00فاعة غ00يره.
والشفاعة لغة :الوسيلة والطلب .وعرفاً :سؤال الخير من الغير للغير.
1اآلية بتمامهاَ ( :وإِ ْذ أَ َخ َذ َربُّ َك ِمنْ بَنِي آ َد َم ِمنْ ظُ ُهو ِر ِه ْم ُذ ِّريَّتَ ُه ْم َوأَ ْ
ش َ 0ه َد ُه ْم َعلَى أَ ْنفُ ِ
س ِ 0ه ْم
ش ِه ْدنَا أَنْ تَقُولُوا يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة إِنَّا ُكنَّا عَنْ َه َذا َغافِلِينَ )( 0األعراف.)172: أَلَ ْ
ستُ بِ َربِّ ُك ْم قَالُوا بَلَى َ
330
وشفاعة المولى :1عبارة عن عف00وه؛ فإن00ه تع00الى يش00فع فيمن ق00ال :ال إل00ه إال هللا
وأثبت الرسالة للرسول الذي أرسل إليه ولم يعمل خيراً قط فيتفضل هللا تع00الى علي0ه بع0دم
دخوله النار بال شفاعة أحد.
وقوله “ محمد “ بدل من المشفع ،دفع ب00ه إبهام00ه ،وقول00ه “ مق00دما ً “ أي ح00ال
كونه مقدّما ً على غيره من األنبياء والمرسلين والمالئكة المقربين ،فه00و ال00ذي يفتح ب00اب
الشفاعة لغيره كما قال ابن العربي .وفي الصحيحين( :أنا أول شافع وأول مشفع).2
وفي كالم المصنف إشارة إلى واجبات ثالثة؛ ف00األول :كون00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم شافعاً .والثاني :كونه مشفعا ً أي مقبول الشفاعة .والثالث :كونه مقدّما ً على غيره؛
فإن00ه حين يش00ت ّد اله00ول ويتم00نى الن00اس االنص00راف ول00و للن00ار يلهم00ون أن األنبي00اء هم
الواسطة بين هللا وخلقه ،فيذهبون إلى آم فيقولون له :أنت أب00و البش00ر اش00فع لن00ا فيق00ول:
لست لها لست له00ا ،نفس00ي نفس00ي ،ال أس00أل الي00وم غيره00ا ،ويعت00ذر باألك00ل من الش00جرة؛
فيذهبون إلى نوح ويسألونه الشفاعة ،فيعتذر لهم؛ وهكذا ،وبين كل نب ّي ونب ّي ألف سنة؛
فلما يذهبون إلى سيدنا محمد صلى هللا عليه وآله وس00لم ويس00ألونه الش00فاعة فيق00ول :أن00ا
لها أنا لها ،أمتى أمتى؛ فيسجد تحت العرش فينادي من قب00ل هللا :ي00ا محم00د ارف00ع رأس00ك،
واشفع تشفع؛ فيرفع رأسه ويشفع في فصل القضاء .3وحينئذ يفتح باب الش00فاعة لغ00يره؛
وهذه هي الشفاعة العظمى ،وهي مختصة به صلى هللا عليه وآله وس0لم قطع0اً ،وهي أول
سى أَنْ يَ ْب َعثَكَ َر ُّبكَ َمقَاما ً َم ْح ُموداً) (اإلس00راء:
المقام المحمود المذكور في قوله تعالىَ ( :ع َ
من اآلية 4)79أي يحمدك فيه األ ّولون واآلخرون ،وآخره اس00تقرار أه00ل الجن00ة في الجن00ة
وأهل النار في النار.
وله صلى هللا عليه وآله وسلم شفاعات أخر ،منها ش0فاعته في إدخ0ال ق0وم الجن0ة
بغير حساب ،ومنها شفاعته في عدم دخول النار لقوم استحقوا دخوله00ا ،ومنه00ا ش00فاعته
في إخ00راج الموح00دين من الن00ار ،ومنه00ا ش00فاعته في زي00ادة ال00درجات في الجن00ة ألهله00ا،
ومنها غير ذلك كما ذكره السيوطي وغيره.
(قوله ال تمنع) أي ال تعتق00د امتن00اع ش00فاعته ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم في أه00ل
الكبائر وغيرهم ،ال قبل دخولهم النار وال بعده ،وقصد المصنف بذلك ال00رد على المعتزل00ة
ومن وافقهم في إنك00ارهم ش00فاعته ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم فيمن اس00تحق الن00ار أن ال
1قوله "وشفاعة المولى" محل هذه العبارة عن00د ق00ول المص00نف "وغ00يره من مرتض00ى
األخي00ار ## 0يش00فع" ف00إن الش00ارح 0عب00د الس00الم ذك00ر أن الغ00ير يش00مل الم00ولى س00بحانه وتع00الى
أجهوري .أق00ول :ه00ذا خط00أ ف00احش ف00إن المص00نف ق00د فس00ر الغ00ير بمرتض00ى األخي00ار ومن ال00ذي
ارتضى هللا تعالى للشفاعة أو لغيرها 0تعالى هللا عن ذلك.
2أخرجه البخاري ( )4712ومسلم ( )194من حديث أبي هريرة.
3حديث الشفاعة 0طويل أخرجه البخاري 0في كتاب األنبياء رقم ( )4712ومسلم في كتاب
اإليمان رقم (.)193
َس0ى أَنْ يَ ْب َعثَ0كَ َربُّ َك َمقَام0ا ً َم ْح ُم0ودا)ً َ ً َ َ َ َ
0ل فت َه َّج ْد بِِ 0ه نافِل0ة ل0كَ ع َ َّ
4اآلية بتمامه0اَ ( :و ِمنَ الل ْي ِ
(اإلسراء.)79:
331
يدخلها وفيمن دخلها أن يخرج منها .وأما الشفاعة العظمى فال ينكرونها ،وك00ذا الش00فاعة
في زيادة الدرجات وحديث( :ال تن0ال ش0فاعتي أه00ل الكب0ائر من أم00تي) موض00وع باتف0اق،
وبتقدير صحته فهو محمول على من ارتد منهم.
332
{ -195ويشفع غير نبينا محمد -صلى هللا تعالى عليه وسلم -من األخيار}
-114وغيره من مرتضى األخيار ##يشفع كما قد جاء في األخبار
(قوله وغيره من مرتض0ى األخي00ار ##يش00فع) بس00كون العين لل00وزن :أي وغ00يره
ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ممن ارتض00اه هللا تع00الى من األخي00ار كاألنبي00اء والمرس00لين
والمالئكة والصحابة والشهداء والعلماء العاملين واألولياء يشفع في أرباب الكب00ائر على
قدر مقامه عند هللا تعالى ،وشفاعة المالئكة على ال00ترتيب؛ ف00أولهم في الش00فاعة جبري00ل،
وآخرهم فيها التس00عة عش00ر ال00ذين على الن00ار .وقول00ه “ كم00ا ق00د ج00اء في األخب00ار “ أي
للنص الذي قد جاء في األخبار الدالة على ذلك كما أجمع عليه أهل السنة ،وال يشفع أح00د
ممن ذكر إال بعد انتهاء مدة المؤاخذة.1
فإن قيل :ال فائدة في الشفاعة حينئذ .أجيب بأن فائدتها أظه00ار مزي00ة الش00افع على
غيره ،على أنه لوال الشفاعة لجوزنا البقاء وعدمه بحسب الظاهر لنا .وبالجملة فذلك من
باب القضاء المعلق.
1المراد منها انتهائها 0في علم هللا تعالى كما يدل عليه الكالم اآلتي.
333
-115إذ جائز غفران غير الكفر ##فال نكفّر مؤمنا ً بالوزر
(قوله إذ جائز غفران غير الكفر) هذا تعليل للشفاعة ،فكأنه قال :ألنه يجوز عقالً
وسمعا ً غفران غير الكفر من ال00ذنوب بال ش00فاعة ،فبالش00فاعة أولى ،وأم00ا غف00ران الكف00ر
فهو وإن جاز عقالً ممتنع سمعاً .قال تعالى( :إِنَّ هَّللا َ ال يَ ْغفِ ُر أَنْ يُش َْركَ بِِ 0ه َويَ ْغفُِ 0ر َم00ا دُونَ
ش00ا ُء) (النس00اء :من اآلية )48وعلم مم00ا تقّ 00رر أن الم00راد ب00الجواز في كالم َذلِ00كَ لِ َمنْ يَ َ
المصنف الجواز العقلي والسمعي معاً ،ول00ذلك قي00د بغ00ير الكف00ر ألن غف00ران الكف00ر ممتن00ع
س00معا ً وإن ج00از عقالً .والحكم00ة في غف00ران ال00ذنوب دون الكف00ر أنه00ا ال تنف00ك عن خ00وف
عقاب ورجاء عف00و ورحم00ة بخالف الكف00ر ،وذل00ك أن ص00احب ال00ذنوب مس00لم يعتق00د نقص
نفسه فيخاف العقاب ويرجو العف00و والرحم00ة ،بخالف ص00احب الكف00ر فإن00ه ال يعتق00د نقص
نفسه فال يخاف العقاب وال يرجو العف00و والرحم00ة .وال يخفى أن ه00ذا التعلي00ل ال00ذي ذك00ره
المص00نف في00ه قص00ور ،ألن الش00فاعة ش00املة للش00فاعة في فص00ل القض00اء وللش00فاعة في
غفران الذنوب ،وهذا التعليل خاص بالشفاعة في غفران ال00ذنوب فتأمل00ه (قول00ه فال نكف00ر
مؤمنا ً بالوزر) مفرع على م0ا ذك00ر ،أي فال نكف00ر –ب0النون– أي معاش00ر أه00ل الس00نة أو –
بالتاء -أي أيها المخاطب أحداً من المؤمنين بارتكاب الذنب صغيرة كان ال00ذنب أو كب00يرة،
عالما ً كان مرتكبه أو جاهالً ،بش00رط أن ال يك00ون ذل00ك ال00ذنب من المكف00رات كإنك00ار علم00ه
تعالى بالجزئيات ،وإال كفر مرتكبه قطعاً ،وبشرط أن ال يكون مستحالً له .وهو معل00وم من
الدين بالضرورة كالزنا ،وإال كفر باستحالله لذلك.
وخالفت الخوارج فكفروا مرتكب الذنوب وجعلوا جميع الذنوب كبائر كم0ا س0يأتي،
ولم يكفروا بتكفير مرتكب الذنوب ،م0ع أن من كف0ر مؤمن0ا ً كف0ر؛ ألنهم ق0الوا ذل0ك بتأوي0ل
واجتهاد .وأما المعتزلة فأخرجوا م00رتكب الكب00يرة من اإليم00ان ،ولم ي00دخلوه في الكف00ر إال
باستحالل ،فجعلوه منزلة بين المنزلتين ،فمرتكب الكبيرة مخل00د عن00د الف00ريقين في الن00ار،
ويعذب عند الخوارج عذاب الكفار ،وعند المعتزلة عذاب الفساق.
334
{ -196مذهب 0أهل السنة أن العاصي مفوض إلى ربه}
-116ومن يمت ولم يتب من ذنبه ##فأمره مفوض لربه
(قوله ومن) اسم شرط جازم مبتدأ ،و “ يمت “ فع00ل الش00رط مج00زوم بالس00كون،
وجملة فعل الشرط في محل رفع خبر المبت00دأ على ال00راجح “ ولم يتب من ذنب00ه “ جمل00ة
حالية مرتبطة بالواو ،وجملة “ فأمره مف ّوض لربه “ في محل ج00زم ج00واب الش00رط :أي
ومن يمت بعد أن ارتكب ذنبا ً من الكبائر غير المكفرة بال استحالل والحال أن00ه لم يتب من
ذنبه إلى هللا فأمره وشأنه مفوض وموكل إلى ربه فال نقطع بالعفو عنه لئال تكون الذنوب
في حكم المباحة وال بالعقوبة ،ألنه تعالى يجوز عليه أن يغفر ما عدا الكفر؛ وعلى تق00دير
وقوع العقاب نقطع ل0ه بع00دم الخل00ود في الن0ار ،كم0ا أش00ار إلي0ه بقول0ه اآلتي “ ثم الخل0ود
مجتنب “ وهذا هو مذهب أهل الحق ،واستدلوا عليه باآلي00ات واآلح00اديث الدال00ة على أن
المؤمنين يدخلون الجنة البت00ة .كقول00ه تع00الى( :فمن يعم00ل مثق00ال ذرة خ00يراً ي00ره) وقول00ه
عليه الصالة والسالم( :من قال ال إله إال هللا دخل الجنة “ 1وال يص0ح أن ي00دخل الجن00ة ثم
يدخل الن0ار؛ ألن من دخ0ل الجن0ة ال يخ0رج منه0ا .ق0ال تع0الىَ ( :و َم0ا ُه ْم ِم ْن َه0ا بِ ُم ْخَ 0ر ِجينَ )
(الحجر :من اآلية )48فتعين أن يكون دخوله الجنة بدون دخول الن00ار ب0المرة ،وه0ذا ه0و
العفو التام .أو بعد دخول النار بقدر ذنبه ،وهذا هو عدم الخلود في النار
1أخرج مس00لم في كت00اب اإليم00ان ب00رقم ( )94عن أبي ذر رض00ي هللا عن00ه ق00ال :أتيت إلى
النبي صلى هللا عليه وآله وسلم وهو نائم علي00ه ث00وب ابيض ،ثم أتيت00ه وه0و ن0ائم 0،ثم أتيت0ه وق0د
استيقظ ،فجلست إليه فقال( :ما من عبد قال :ال إله إال هللا ثم مات على ذلك إال دخل الجنة) 0قلت:
وإن زنى وإن س00رق؟ ق00ال( :وإن زنى وإن س00رق) قلت :وإن زنى وإن س00رق؟ ق00ال( :وإن زنى
وإن سرق) ثالثاً 0ث قال في الرابعة( 0:على رغم أنف أبي ذر).
335
{ -197يجب تعذيب بعض العصاة}
-117وواجب تعذيب بعض ارتكب ##كبيرة ثم الخلود مجتنب
(قوله :وواجب تعذيب بعض ارتكب ##كبيرة) “ واجب “ خبر مقدم و “ تع00ذيب
“ مبتدأ مؤخر :أي وتعذيب بعض غير معين من عصاة هذه األمة ارتكب كبيرة من غ00ير
تأويل يعذر به ومات بال توبة واجب؛ أي ثابت وواق00ع ش00رعاً ،بخالف من ارتكب ص00غيرة
أو ارتكب كبيرة بتأويل كما يقع من البغاة المتأ ّولين ،أو ارتكبها من غير تأويل ،لكن مات
بعد التوبة .وهل المراد بهذه األم00ة أم00ة ال00دعوة فتش00مل الكف00ار فيج00وز أن يك00ون البعض
المع00ذب على الكب00ائر غ00ير الكف00ر بعض الكف00ار؛ وعلى ه00ذا يج00وز طلب المغف00رة لجمي00ع
المس00لمين؛ أو أم00ة اإلجاب00ة ،فال تش00مل الكف00ار فال يج00وز أن يك00ون البعض المع00ذب على
الكبائر بعض الكفار ،بل ال بد أن يكون من المسلمين؟ ق00والن ،ج00رى الش00يخ عب00د الس00الم
على األ ّول ،والمعتمد الثاني ،والمراد بالبعض المذكور :طائفة ولو واح00داً من ك00ل ص00نف
من العصاة كالزناة وقتلة النفس وشربة الخمر وهكذا ،فال ب ّد من نفوذ الوعي00د في طائف00ة
من كل ص00نف أقله00ا واح00د ،لكن ه0ذه المس00ألة مبني00ة على طريق00ة الماتريدي00ة :من أن00ه ال
يجوز تخلف الوعيد ،وأما على طريق األش00اعرة من أن00ه يج00وز تخل00ف الوعي00د ألن00ه على
تقدير المشيئة كما هو عادة الكريم ،فإنه إذا ق0ال :إذا فع0ل زي00د ك0ذا أعاقب0ه .ك00ان الم0راد:
أعاقبه إن شئت ،فال يجب تعذيب بعض العصاة لجواز تخلف الوعي00د ،نعم ق00د ورد تع00ذيب
بعض الموحدين والشفاعة فيهم لكن ال يعم األنواع كلها.
(قول00ه ثم الخل00ود مجتنب) أي ثم خل00ود من أراد هللا تعذيب00ه من عص00اة المؤم00نين
مجتنب وقوعه فال نقول به .والحاص00ل أن الن00اس على قس00مين :م00ؤمن ،وك00افر ،فالك00افر
مخلد في النار إجماعا ً والمؤمن على قسمين :طائع وعاص؛ فالط00ائع في الجن00ة إجماع0اً،
والعاصي على قسمين ،تائب ،وغير تائب؛ فالت00ائب في الجن00ة إجماع0اً ،وغ00ير الت00ائب في
المشيئة ،وعلى تقدير عذابه ال يخلد في النار.
336
{ -198الشهداء أحباء عند ربهم يرزقون}
-118وصف شهيد الحرب بالحياة ##ورزقه من مشتهى الجنات
(قوله وصف شهيد الحرب بالحياة) أي اعتقد وجوبا ً اتصاف شهيد الحرب بالحياة
الكامل00ة وإن ك00انت كيفيته00ا غ00ير معلوم00ة لن00ا ،والم00وتى وإن ك00انوا كلهم أحي00اء التص00ال
أرواحهم بأجس00امهم ،لكن الش00هداء أكم00ل حي00اة من غ00يرهم ،واألنبي00اء أكم00ل حي00اة من
الشهداء ،وهي ثابتة للذات والروح جميعا ً فهي حي0اة حقيق00ة .وال يل0زم من كونه00ا حقيق00ة
أن تكون األبدان معها كما ك00انت في ال00دنيا من االحتي00اج للطع00ام والش00راب وغيرهم00ا من
صفات األجسام التي نشاهدها في الدنيا ،بل يكون لها حكم آخر ،فأكلهم وشربهم للتل00ذذ ال
لالحتياج.
ف00إن قي00ل :كي00ف تعق00ل حي00اتهم م00ع م00ا ورد من أن أرواحهم 0في حواص00ل طي00ور
خضر1؟ أجيب ب00أن أرواحهم متص00لة بأجس00امهم اتص00االً قوي 0ا ً وإن ك00ان مق ّره00ا حواص00ل
الطيور ،على أنها أمور خارقة للعادة 2فال يقاس عليها غيرها.
وقوله “ ورزقه “ بفتح ال00راء :مص00در مض00اف لمفعول00ه بع00د ح00ذف الفاع00ل ،أي
رزق هللا إي0اه أي ش0هيد الح0رب ،وقول0ه “ من مش0تهى الجن0ات “ أي من محب0وب نعيم
س 0بَنَّ الَّ ِذينَ قُتِلُ00وا فِي
(وال ت َْح َ
الجنات من مأكول ومشروب وملبوس وغيرها .قال تع00الىَ :
يل هَّللا ِ أَ ْم َوات0ا ً بَْ 0ل أَ ْحيَ00ا ٌء ِع ْنَ 0د َربِّ ِه ْم يُ ْر َزقُ00ونَ ) (آل عم0ران )169:وال ي0رد على ك00ونهم0
سب ِ ِ
َ
مرزوقين متنعمين ما ورد من أن أرواحهم 0في حواصل طيور خضر كم00ا م ّ 0ر ،م00ع أن في
هذا ضرراً عليهم وحبسا ً لهم؛ ألن أجواف الطيور ش00فافة ال تحجبه00ا فال تتض00رر به00ا ،أو
أنه كناية عن سرعة قطع المسافة البعيدة كالطير.
والمراد بش0هيد الح00رب ش0هيد ال0دنيا واآلخ00رة ،وه00و ال0ذي قات00ل إلعالء كلم00ة هللا
تعالى؛ بخالف شهيد الدنيا وهو الذي قاتل ألجل الغنيمة فإن00ه ليس ل00ه الث00واب وإن ج00رت
عليه أحكام 0الشهداء في الدنيا ،وأما شهيد اآلخرة فقط ك00المطعون والمبط00ون ونحوهم00ا،
فهو كاأل ّول في الثواب ،لكنه دونه في الحياة والرزق ،وال تجري عليه أحكام 0الشهداء في
الدنيا فإنه يغسل ويصلى عليه ،فظهر أن الشهداء ثالثة :ش00هيد ال00دنيا واآلخ00رة ،وش00هيد
الدنيا فقط ،وشهيد اآلخرة فقط ،واألول هو المراد هن00ا ،خالف0ا ً لم00ا وق00ع في كالم الش00ارح
في آخ00ر عبارت00ه من أن الم00راد األوالن؛ فإن00ه خالف م00ا ص00رح ب00ه أوالً من التخص00يص
باألول ،وهو الموافق للنصوص ،وس00مي ش00هيداً الن هللا ومالئكت00ه يش00هدون ل00ه بالجن00ة،
1أخرج مسلم في كتاب اإلمارةرقم ( )1887حديثا ً فيه( :ارواحهم في ح0وف ط0ير خض0ر
لها قناديل معلقة بالعرش 0تسرح من الجنة حيث ش00اءت ثم ت00أوي إلى تل0ك 0القنادي00ل…) الح00ديث
وأخرج نحوه الترمذي في كتاب الجهاد رقم (.)1641
2أي لعادته تعالى في الدنيا وإال فله تعالى في ذلك العالم 0ع00ادات تخ00الف عادات00ه في ه00ذا
العالم فكان األولى أن يقول ألنها أمور مناسبة لذلك العالم فال تقاس بما في هذا العالم.
337
فهو فعيل بمعنى مفعول؛ وألنّ روحه شهدت دار السالم ،فه00و أيض0ا ً3فعي00ل بمع00نى فاع0ل،
بخالف غيره فإنه ال يشهدها إال يوم القيامة .واستشكل 0بأن أرواح المسلمين تدخل الجن00ة
اآلن كما دلت عليه األح0اديث ،وأجيب ب0أن غ0ير الش0هيد إن دخلت روح0ه الجن0ة ال يك0ون
كالشهيد في الحياة والرزق ،بل ال يأكل فيها وال يتمتع كما قاله النسفي.
3األولى حذف كلمة أيضاً 0،وعلى وجودها هي مرتبطة بفعي0ل فق0ط ب0دون مالحظ0ة كون0ه
بمعنى فاعل.
338
{ -199والرزق عند أهل السنة ما انتفع المرأ به وإن كان حراما}
-119والرزق عند القوم ما به ا ْنتُفِ ْع ##وقيل ال بل ما ُملك وما اتُّبِع
(قوله والرزق عند القوم ما به انتفع) أي وال00رزق –بكس00ر ال0راء بمع00نى الش0يء
المرزوق -عند أهل الس00نة :م00ا س00اقه هللا إلى الحي00وان ف00انتفع ب00ه بالفع00ل ،وال ي00رد قول00ه
تعالىَ ( :و ِم َّما َر َز ْقنَا ُه ْم يُ ْنفِقُونَ ) (البقرة :من اآلية )3فإنه يقتضي أنه ال يعت00بر في ال00رزق
االنتفاع بالفع00ل ،ألن الم00راد ب00ه المع00نى اللغ00وي؛ ف00المعنى :ومم00ا أعطين00اهم ينفق00ون ،أو
المراد به ما هيئ لكونه رزقاً ،ودخل في الرزق على هذا التعريف رزق اإلنسان والدواب
وغيرهما ،وشمل المأكول وغيره مما انتفع به؛ و خرج ما لم ينتفع به بالفع00ل؛ فمن مل00ك
شيئا ً وتمكن من االنتفاع به ولم ينتفع به بالفعل فليس ذلك الشيء رزقا ً ل00ه ،وإنم00ا يك00ون
رزقا ً لمن انتفع به بالفعل؛ وبهذا ظهر قول أكابر أهل السنة :أن كل أح00د يس00توفي رزق00ه،
وأنه ال يأكل أح ٌد رزق غيره وال يأكل غيره رزقه ،وفي الخبر عن ابن مسود مرفوعاً :إن
روح القدس نفث في روعي :1لن تموت نفس حتى تس00تكمل رزقه00ا ،ف00اتقوا هللا وأجمل00وا
في الطلب ،وال يحملن أحدكم 0اس0تبطاء ال0رزق أن يطلب0ه بمعص0ية هللا ف0إن هللا ال ين0ال م0ا
عنده إال بطاعته) 2أي أن جبريل ألقى في قلبي :لن تموت نفس… إلخ.
{فائ00دة} األرزاق نوع00ان :ظ00اهرة لألب00دان ك00األقوات ،وباطن00ة للقل00وب ك00العلوم
والمعارف.
وقوله “ وقيل ال ب00ل م00ا مل00ك “ أي وق00ال جماع00ة من المعتزل00ة :ليس ال00رزق م00ا
انتفع به بل هو ما مل0ك ،فال يعت00بر في0ه االنتف00اع ،ويعت0بر في00ه المملوكي0ة انتف00ع ب0ه أم ال.
ويلزم على هذا أن الشخص قد ال يستوفي رزقه وأن00ه ق00د يأك00ل رزق غ00يره ويأك00ل غ00يره
رزقه .وقوله “ وما اتبع “ أي ولم يتبع هذا القول أئمتنا لفساده ط00رداً وه00و التالزم 3في
الثبوت ،وعكسا ً وهو التالزم في النفي؛ أما األ ّول فألنّ هللا تعالى مالك لجميع األش00ياء وال
يسمى ملكه رزقا ً اتفاقاً ،وإال لكان هللا تعالى مرزوقاً .وأم00ا الث00اني فلخ00روج رزق ال00دواب
والعبيد واإلماء عند بعض األئم00ة كالش00افعي رض00ي هللا تع00الى عن00ه ،فإن00ه يق00ول :ال مل00ك
للعبيد واإلماء أصالً .وقال اإلمام مالك :يملكون ملكا ً غير تام.
1قول00ه "في روعي" ال00روع -بض00م ال00راء كم00ا في المص00باح :0-ه00و القلب 0كم00ا س00يقول
المحشي .أجهوري
2أخرجه البيهقي في ش00عب اإليم00ان رقم ( )1185وال00بزار في مس00نده عن حذيف00ة رقم (
)2914وابن أبي شيبة رقم ( )34332وأخرجه أحمد عن أبي أمام00ة .والح00اكم في المس00تدرك (
)2/4من حديث جابر وصححه وأقره الذهبي.
3قوله "وهو التالزم" 0بأن 0يقال :كل م0ا مل0ك فه0و رزق ،والتالزم في االنتف0اء أن يق0ال:
كل ما لم يملك فليس برزق .أجهوري
339
-120فيرزق هللا الحالل فاعلما ##ويرزق المكروه والمحرما
(قوله فيرزق هللا الحالل) مفرع على مذهب أهل السنة ،والحالل :م00ا ك00ان مباح 0ا ً
بنص أو إجماع أو قياس جل ّي ،وال ينبغي اليوم أن يسأل عن أصل الشيء ،ألن الحالل ما
جهل أصله ،واألصول قد فسدت واستحكم فسادها ،فأخذ الشيء على ظ00اهر الش00رع أولى
من السؤال عن شيء يتبين تحريمه .قال القزويني :ومن ق00ال :إن الحالل ليس بموج00ود،
فقط طعن في الشريعة ،وهو أحمق حصل له ذلك من جهله؛ فإن هللا لم يكلف الخل00ق عين
الحالل في علم هللا تع00الى ،ب00ل كلفهم 0أن يص00يبوا الحالل في اعتق00ادهم وظنهم .قول00ه “
فاعلما “ –بنون التوكيد الخفيفة 0المنقلبة ألفاً -وك00ان حق00ه الت00أخير عن قول00ه “ وي00رزق
المكروه والمحرما “ لكنه قدّمه للضرورة ،ونب0ه ب0ه على أن0ه تع0الى ي0رزق ك0ل أح0د من
األقسام الثالثة اجتماعا ً وانفراداً ،كذا ق00ال الش00ارح تبع0ا ً لوال00ده ،وفي00ه خف00اء؛ ألن ذل00ك ال
يش00عر ب00ه قول00ه “ فاعلم00ا “ وإنم00ا يس00تفاد ذل00ك من ذك00ره األقس00ام الثالث00ة م00ع جع00ل
الواوبمعنى “ أو “ التي لمنع الخلو .وقوله “ ويرزق المك00روه والمحرم00ا “ ف00األ ّول م00ا
نهى عنه نهيا ً غير أكيد كما في خبر ابن عمر( :وهو أنه صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم نهى
الجاللة وشرب لبنها حتى تعل00ف أربعين ليلة .1والث00اني م00ا نهى عن00ه نهي0ا ً أكي00داً عن أكل ُّ
ور ّد المصنف بذلك على المعتزلة القائلين بأن الحرام ال يكون رزق0اً ،بن00اء على التحس00ين
والتقبيح العقليين.
1أخرج00ه الترم00ذي في كت00اب األطعم00ة عن ابن عم00ر رقم ( )1824وق00ال :ح00ديث حس00ن
غريب ورواه برقم ( )1825عن ابن عباس وقال :حس00ن ص00حيح ،وأخرج00ه أب00و داود في كت00اب0
األطعم00ة رقم ( )3785عن ابن عم00ر ورقم ( )3786عن ابن عب00اس كلهم ب00دون قول00ه( :أربعين
ليلة) فهذه الزيادة ال أصل لها.
340
{ -200اختلف في أيهما أفضل االكتساب أو التوكل}
-121في االكتساب والتوكل اختلف ##والراجح التفصيل حسبما عرف
(قوله في االكتساب والتوكل اختل00ف) أي في أفض00لية االكتس00اب وأفض00لية التوك00ل
اختل00ف العلم00اء ،ف00الخالف إنم00ا ه00و في األفض00لية ،ف00رجح ق00وم االكتس00اب وه00و مباش00رة
األسباب باالختيار كالبيع والشراء ألجل الربح ،ومثله تعاطي الدواء ألج00ل الص00حة ونح00و
ذلك؛ وإنما رجحوه لما فيه من كف النفس عن التطل0ع لم00ا في أي00دي الن00اس ،ومنعه00ا من
الخضوع لهم والت0ذلل بين أي00ديهم ،م0ع حي00ازة منص0ب التوس00عة على عب0اد هللا ومواس00اة
المحتاجين وصلة الرحم بتوفيق هللا تعالى .ورجح قوم التوكل وهو االعتم00اد علي00ه تع00الى
وقطع النظر عن األسباب مع التمكن منها ،وإنما رجحوه لما في00ه من ت00رك م00ا يش00غل عن
هللا تعالى واالتصاف بالرغبة إلى هللا تعالى والوثوق بما عن00ده م00ع حي00ازة مق00ام الس00المة
من فتنة المال والمحاسبة عليه .وقد أخرج القضاعي (من انقط00ع إلى هللا تع00الى كف00اه هللا
كل مؤنة ورزقه من حيث ال يحتسب ،ومن انقطع إلى الدنيا وكله هللا إليها) 1ق00ال س00ليمان
الخواص :لو أن رجالً توكل على هللا بصدق النية الحتاج إليه األمراء ومن دونهم ،وكيف
يحتاج هو إلى أحد ومواله هو الغني الحميد؟ وفي شرح المص00نف ت00رجيح تفض00يل الغ00ني
الشاكر على الفقير الصابر.
وقوله “ والراجح التفصيل حسبما عرف “ أي والراجح القول بالتفص00يل حس00بما
ع00رف من كتب الق00وم 0كاإلحي00اء للغ00زالي ،والرس00الة للقش00يري .وحاص00ل التفص00يل أنهم00ا
يختلف00ان ب00اختالف أح00وال الن00اس ،فمن يص00بر عن00د ض00يق معيش00ته بحيث ال يتس00خط وال
يتطلع لسؤال أحد فالتوكل في حقه أرجح ،لما فيه من مجاهدة النفس على ترك ش00هواتها
ول00ذاتها والص00بر على ش00دتها ومن لم يكن ك00ذلك فاالكتس00اب في حق00ه أرجح ح00ذراً من
التسخط وعدم الصبر ،بل ربما وجب االكتساب في حقه ،وه00ذا كل00ه إنم00ا يتمش00ى على أن
التوكل ينافي الكسب كما هو طريقة أبي جعفر الط00بري ومن وافق00ه ،بخالف00ه على طريق00ة
الجمهور :وهو أن التوكل ال ينافي الكسب ،فق00د يك00ون مت00وكالً وه00و يكتس00ب :ألن حقيق00ة
التوكل على هذه الطريقة الثقة باهلل تعالى واالعتم00اد علي00ه واعتق00اد أن األم00ر من00ه وإلي00ه
ولو مع مباشرة االسباب كما كان يفعله صلى هللا عليه وآله وسلم.2
{فائدة} قال الغزالي :أخذ الزاد في السفر بنية عون المسلم أفضل ،واألفضل تركه
ي القلب يشغله الزاد عن عبادة هللا .وق00د ك00ان المص00طفى ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
لمنفرد قو ّ
وسلم وأصحابه والسلف الصالح يحملون الزاد بنيات الخير ال لميل قلوبهم إلى ال00زاد عن
1أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ،وابن أبي الدنيا 0،ومن طريق00ه ال00بيهقي في ش00عب
اإليمان من رواية الحسن 0عن عمران بن حصين ،ولم يسمع منه ،وفيه إبراهيم بن األشعث تكلم
فيه أبو حاتم .قاله العراقي في تخريج أحاديث اإلحياء 0كتاب التوحيد (.)4/301
2وكذلك كان يأمر أصحابه 0به أخرج الترمذي في كت00اب ص00فة ي0وم القيام0ة رقم ()2517
عن أنس قال رجل :يا رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم أَعقله 0اَ 0وأَت ََو َّك ُل ،أو أُ ْطلِقُ َه00ا َوأَتَ َو َّك ُل؟
قال( :ا ْعقِ ْل َها 0وتو َك ْل).
341
هللا تعالى ،والمعتبر القصد ،فكم حامل زاد وقلبه م00ع هللا وكم ت00ارك زاد وقلب00ه م00ع ال00زاد،
والدخول في الب00وادي بال زاد ت00وكالً :بدع00ة لم تنق00ل عن أح00د من الس00لف ،ألن00ه مخ00اطرة
بالروح ،وقد قال تعالىَ ( :وال تُ ْلقُوا بِأ َ ْي ِدي ُك ْم إِلَى التَّ ْهلُ َك ِة) (البقرة :من اآلية.)195
342
{ -201مذهب أهل السنة أن المعدوم ليس بشيء وال تقرر له في الخارج}
-122وعندنا الشيء هو الموجود ##وثابت في الخارج الموجود
(قوله وعندنا الشيء ه00و الموج00ود )1أي عن00دنا معش00ر أه00ل الح00ق من األش00اعرة
وغيرهم الشيء هو الموجود ،فإن األمر باعتبار تحققه في نفسه يقال له شيء وباعتب00ار
تحققه في الخارج يقال له موجود ،فهما متساويان ما صدقا ،فكل ما صدق علي00ه الش00يء
1قوله :وعندنا الشيء هو الموجود :هذه المسألة 0متعلقة بمسالة 0أن الماهيات ه00ل هي
مجعولة أم ال ،و مسألة ه00ل وج0ود الش00يء عين0ه أم ال ،فال ب0د من بي00ان ه0اتين 0المس00ألتين أوال،
وننق00ل في بيانهم00ا كالم المحق00ق عب00د الحكيم الس00يالكوتي ،ونتب00ع كالم00ه بكالم العط00ار .ق00ال
السيالكوتي 0:بعد اتفاق الكل على أن الماهيات الممكن00ة محتاج00ة في كونه00ا موج00ودة إلى الفاع00ل
اختلفوا في أن الماهيات 0في حد ذاتها -مع قطع النظر عن الوجود وما يتبعه والعدم وم00ا يلزم00ه-
أثر الفاعل 0،ومعنى التأثير استتباع 0المؤثر األثر حتى لو ارتفع المؤثر ارتفع األثر ب00المرة 0،ال م00ا
يتبادر إلى الوهم أعنى إيجاد األثر ،فيكون الوجود انتزاعيا 0محض00ا 0،واالتص00اف ب00ه غ00ير حقيقي
بأن ال يكون زائدا ،وإليه ذهب األشعري واإلشراقيون القائلون 0بعينة الوجود.
أم ال ،بل الماهيات في حد ذواتها ماهي00ات ،والت00أثير 0والجع00ل بإعتب00ار كونه00ا موج00ودة
وما يتبع الوجود ،ومعنى التاثير جعل الشيء شيئا 0،فيكون االتصاف بالوجود حقيقيا 0،بأن يك00ون
الوجود أمرا زائدا على الماهية 0تتصف الماهية به س00واء ك00ان موج00ودا أو مع00دوما ،وإلي00ه ذهب
جمهور المتكلمين 0القائلين بزيادة الوجود وحينئذ فالنزاع معنوي.
والخالف في أن الماهيات نفس00ها أث00ر الفاع00ل ،وك00ون الماهي00ة موج00ودة أم00ر ان00تزاعي0
محض ،أو أن الماهي00ات في نفس00ها ماهي00ات ،وت00أثير الفاع00ل في اتص00اف الماهي00ة ب00الوجود،
فالقائلون 0بعينية الوجود قائلون باألول ،والقائلون 0بزيادته يقولون بالثانى ،أي ألال يل00زم أن00ه إذا
ارتفع الجعل ارتفعت الماهية عن نفسها 0،وهو باطل.
ورد بأنه ال مانع من ارتفاعه0ا 0عن نفس0ها بع00دمها كالمع00دوم انتهى .نقل00ه الش00ربيني 0في
تعليقاته 0على شرح المحلي 0لجمع الجوامع (. )2/470
وقال العطار 0في حواشي شرح المحلي 0لجمع الجوامع :المراد بالماهية هنا ما به الشيء
هو هو ،وهذا المعنى يقال له بإعتبار تشخصه هوية ،ومع قطع النظر عن ذلك ماهية ،وباعتبار
تحققه حقيقة ...والنزاع في أن أثر الفاع00ل نفس الماهي00ات ،أو الماهي00ات 0باعتب00ار الوج00ود ،فمن
ذهب إلى األول يقول :إنها أثر مترتب على تأثير 0الفاعل 0،ثم العقل ينزع منه0ا الوج0ود ،ويص0فها
ب00ه ،ف00الوجود اعتب00اري عقلي ان00تزاعي 0،وعلى ه00ذا يك00ون وج00ود ك00ل ش00يء عين00ه وإلي00ه ذهب
األشعري وق00ال ب00ه الحكم00اء اإلش00راقيون ،ومن ذهب إلى الث0اني 0يق00ول :إن أث00ر الفاع00ل الماهي0ة
باعتبار الوج00ود أي أث00ر الفاع00ل ثبوته00ا في الخ00ارج ووجوده00ا في00ه ،بمع00نى أن00ه يجع00ل الماهي00ة
متصفة بالوجود في الخارج 0،فالماهية أث0ر ل0ه باعتب00ار الوج0ود ،ال من حيث هي هي ب00أن تك0ون
نفسها صادرة عنه ،وال من حيث كونها تلك الماهية بان يجع00ل الماهي00ة ماهي00ة ،وإلى ه00ذا ذهب
المش0ائون وعلى كال التق00ديرين0 ّ المعتزلة القائلون 0بأن 0للماهية 0ثبوتا في الق00دم ،وك00ذلك الحكم00اء
أثر الفاعل هو الشيء الموجود في الخارج 0إما بنفسه وإما باعتب00ار الوج00ود ولم ي00ذهب أح00د إلى
أن الماهيات مجعولة بمعنى ك0ون الماهي0ة 0ماهي0ة ،إذ ال مع0نى ل0ه ه0ذا ه0و تحري0ر 0مح0ل ال0نزاع
حسبما حققه الجالل الدواني في حواش الزوراء.)2/471( ،
343
صدق عليه الموجود وبالعكس ،فكل شيء موجود ،وك00ل موج00ود ش00يء ،والمع00دوم 0ليس
بشيء سواء كان ممكنا ً أو ممتنعا ً ،1ألن األمور قبل وجودها ال ثبوت لها في نفس األمر،
خالفا ً للمعتزلة ،فالمعدوم عندهم ش00يء ألن األش00ياء قب00ل وجوده00ا ثابت00ة في نفس00ها ،2إال
أنها مستترة كاستتار الثوب في الصندوق ولذلك يقولون إن الحقائق ليس00ت بجع00ل جاع00ل
ولم تتعلق القدرة إال بظهورها الستتارها قبل ذلك .وأما أه00ل الس00نة فيقول00ون إنه00ا بجع00ل
جاع00ل تعلقت الق00درة بوجوده00ا لع00دم ثبوته00ا قب00ل ذل00ك ،وه00ذا كل00ه إنم00ا ه00و في الش00يء
اصطالحا ً ،3وأما لغة :فالشيء هو األمر مطلقا ً موجوداً أو معدوماً.
{ -202حقائق األشياء ثابتة}
ومحل النزاع 0كما في شرح المواقف وشرح المحلي لجم00ع الجوام00ع الماهي00ات الممكن00ة،
قال الشربيني في حواشيه على شرح المحلي :إنه مح00ل ال00نزاع في أن الماهي00ات له00ا تق00رر قب00ل
الوجود أوال المبني عليه أن الماهيات مجعولة أوال .أما الماهيات الممتنع0ة فليس متق0ررة اتفاق00ا
كما في عبد الحكيم (.)2/470
وبعد بيان هاتين المسألتين نقول :من قال :الماهيات 0مجعولة ،وقال :إن وج00ود الش00يء
عينه قال :المعدوم الممكن الوجود ليس في الخارج بشيء وال ذات وال ثابت أي ال حقيقة له في
الخارج 0،وإنما يتحقق بوجوده في0ه أي وج0وده االن0تزاعي ه0و ال0ذي منش0أ ذات0ه ول0ذا ق0الوا :إن
وجوده عين ذاته ال أمر زائد ،وذلك لما عرفت أن الماهي00ات عن00د ه00ؤالء نفس00ها مجعول00ة أي أن
أثر الفاعل ه0و نفس الماهي0ات 0،وين0تزع العق0ل منه0ا الوج0ود فليس له0ا تق0رر قب0ل وجوده0ا ،ال
اتصافها بالوجود حتى يكون لها تقرر قبله.
وأما من قال :إن الماهيات 0غير مجعولة فذهب أكثرهم إلى أن المعدوم ليس بشيء وذلك
بناء على أن الوجود والثبوت والتقرر 0شيء واحد زائد على الذات فلو كان المعدوم متقررا ثابتا
كان موجودا معدوما.
وذهب كثير منهم ،وهم طائفة من المعتزلة 0إلى أنه شيء أي حقيقة متقررة ،ألنه متم00يز
في نفسه وكل متميز ثابت متقرر في الخارج 0منفك عن صفة الوجود.
ومعنى أنه حقيقة متقررة كما قال الشربيني )2/472( 0أن شيئية الماهيات هو كونها تلك
الماهية مع التميز عن غيرها ثابت حال العدم ،بمع0نى أن هن0اك أم0را في نفس0ه يتعل0ق ب0ه العلم.
وهذا التق0رر 0واس00طة بين الوج0ود والع00دم المحض ،إذ الموج0ود ي0ترتب 0علي00ه آث00اره ،والمع00دوم
المحض ال يتميز وال يتعلق به العلم ،وبعد هذا البيان.
أقول :أشار المصنف بقوله :وعندنا الش00يء ه00و الموج00ود إلى أن المع00دوم ليس بش00يء
عندنا أهل السنة في الخارج 0أي ال حقيقة له في الخارج ،وإنما يتحق00ق بوج00وده في00ه ،وذل00ك إم00ا
ألن الماهيات نفسها مجعولة أي أثر الفاعل ال اتصافها بالوجود حتى يكون لها تقرر في الخارج0
قبل الوجود ولذا قالوا :إن وجودها عينها ،أو ألن الوج00ود والثب00وت والتق00رر ش00يء واح00د زائ00د
على الذات ،فلو كان المعدوم متقررا ثابتا 0كان موجودا معدوما.
فالخالف مبني على أنه هل للماهيات 0تقرر في الخارج قبل وجوده00ا فمن ق00ال نعم -وهم
المعتزلة -قال المعدوم شيء أي متقرر في الخارج وإن كان معدوما فيه ومن ق00ال:ال –وهم أه00ل
السنة -قال :المعدوم ليس بشيء والشيء عندهم هو الموجود في الخارج.
ومن أجل أن المسألة متعلقة بأن وجود الشيء هل هو عين00ه أو غ0يره عقب ه0ذا ال00بيت
بقوله :وجود الشيء عينه.
344
وقوله “ وث00ابت في الخ00ارج الموج00ود “ جمل00ة من مبت00دأ وخ00بر ،فـ “ ث00ابت في
الخارج “ خبر مقدم و “ الموج00ود “ مبت00دأ م00ؤخر ،يع00ني أن الث00ابت في الخ00ارج بحيث
تصح رؤيته هو الموجود 1وغرضه بذلك ،الرد على السوفسطائية ال0ذين ينك0رون حق0ائق
األشياء ويزعمون أنها خياالت ،ولذلك قال في أول العقائد “ حقائق األش0ياء ثابت0ة والعلم
بها متحقق خالفا ً للسوفسطائية “ وقد حكى أن سوفسطائيا ً أتى على بغلة إلى اإلمام أبي
حنيفة ليناظره؛ فأمر اإلم00ام بعض تالمذت00ه أن ي00ذهب بالبغل00ة ،فلم00ا خ00رج الس00وفطائي لم
يجدها فطلبها ،فقال له اإلمام :أنت تزعم أنه لم يكن لبغلتك حقيقة فال تطلبه00ا ،فرج00ع عن
معتقده وردّت إليه بغلته.
1كان عليه 0أن يقول :والمعدوم الممكن ليس بشيء ألن خالف المعتزلة في الممكن فقط،
وأما الممتنع فقد وافقوا أهل السنة في أنه ليس متقررا في الخارج وأنه ليس بشيء.
2قالوا :ألنها متميزة في نفسها ،وكل متميز ثابت.
3قوله :وهذا كله إنما ه0و في الش0يء اص0طالحا...الخ ه0ذا الكالم ليس بس0ديد وذل0ك أن
هاهنا بحثان األول معنوي وهو أنه هل للمعدوم ثبوت وتقرر حال العدم أم ال وهذا ما بيناه آنفا،
والثاني بحث لفظي لغوي متعلق باللغة أي متعلق ببيان ما وضع له لفظ الشيء لغة ،ه00ل وض00ع
للموجود فقط أو لما يعمه والمع00دوم؟ أه00ل الس00نة على األول والمعتزل00ة على الث00اني ،ومن أج00ل
ذل00ك ق00ال القاض00ي عض00د ال00دين في المواق00ف( :وال00نزاع 0لفظي .والح00ق م00ا يس00اعد علي00ه اللغ00ة
والظاهر معنا) وقال السيد الش00ريف ش00ارحا 0له00ذا الكالم( :وال00نزاع 0لفظي) متعل00ق بلف00ظ الش00يء
وأنه على ماذا يطلق (والحق ما يساعد عليه 0اللغ0ة) والنق0ل إذ ال مج0ال للعق0ل في إثب0ات اللغ0ات0
(والظاهر معنا) فإن أهل اللغة في كل عصر يطلقون لفظ الشيء على الموجود .ش00رح المواق00ف
(.)213-2/211
ه00ذا م00ا ذهب إلي00ه القاض 0ي 0عض00دالدين 0والس00يد الش00ريف من أن هن00اك بحث00ان معن00وي
ولفظي .ورد عليهم00ا المحق00ق الكب00ير 0موالن00ا الش00يخ خال00د البغ00دادي في تعليقات 0ه 0على حواش00ي
السيالكوتي 0على شرح العقائد 0النسفية 0بأن00ه ليس هن00اك خالف لفظي بين أه00ل الس00نة والمعتزل00ة
وال بحث لفظي ،وإنما الخالف والبحث 0معنويان فق00ط ،وبين أن م00راد أه00ل الس00نة بق00ولهم" :إن
الش00يء ه00و الموج00ود" أن المع00دوم ليس ل00ه ثب00وت وتق00رر في الخ00ارج 0،ألن الماهي00ات عن00دهم
مجعولة .وأما المعتزلة 0فالماهيات 0عندهم غير مجعولة ،أي إنها قبل وجودها متقررة وثابت00ة في
الخارج ،فمن أجل ذلك قالوا :إن المعدوم شيء بمعنى أنه أمر متقرر وثابت في الخارج.
قال موالنا الشيخ خال00د ص :94إن قلت :النص00وص إنم00ا تص00رح بإحاط0ة 0علم00ه تب00ارك
وتعالى بكل شيء ،والشيء عن00دنا بمع00نى الموج0ود كم00ا س0بق التص0ريح ب00ه من الش00ارح وفاق00ا
للمحققين ،والمعدوم عن00دنا ليس بش00يء فكي00ف ت00دل النص00وص على علم00ه تع00الى بنعيم الجن00ان0
الغير المتناهي قبل وجودها مثال؟.
قلت :معنى كون المعدوم ليس بش00يء عن00دنا أن00ه ليس ل00ه ول00و ممكن00ا ثب00وت وتق00رر في
الخارج منفكا عن صفة الوجود بخالفه عند المعتزلة 0،ال أنه ال يطلق عليه لفظ الشيء لغة ،ف00إن
مفهومه اللغوي – وهو ما يمكن اإلخبار عنه – يتناول حتى الممتنع كما ص00رح ب00ه في الكش00اف
وتبعه الشارح 0والسيد في شرحيهما عليه ومحققواالمحشين للبيضاوي
وال يوهمنك ظاهر عبارة البيضاوي وشرحي المواقف والمقاصد الدال على خالف ذل00ك،
فإن المتبادر منها غير مراد ،أو معترض كم00ا نب00ه على بعض ذل00ك بعض المحققين في حواش00ي
ش00رح المواق00ف ،وأش00ار إال بعض من00ه الش00هاب الخف00اجي 0في حواش00ي البيض00اوي ( )1/412
345
-123وجود شيء عينه والجوهر ##الفرد حادث عندنا ال ينكر
{ -203وجود الشيء عينه}
(قوله وجود شيء عينه) أي إن وجود شيء من الموجودات عين حقيقته كما قال
األشعري ومن تبعه .وقال اإلمام الرازي :وجود الشيء ليس عين حقيقت00ه ،وفس00ره بأن00ه
الحال الثابتة لل0ذات م0ا دامت ال00ذات ،وه0ذه الح00ال غ00ير معلل00ة بعل0ة ،ثم إن بعض0هم أبقى
عبارة األشعري على ظاهره0ا ،وجع0ل في عّ 0د الوج0ود ص0فة تس0امحا ً وأوله0ا المحقق0ون
كالسعد ب00أن الم00راد أن وج00ود الش00يء ليس زائ00داً في الخ00ارج ي00رى كالق00درة واإلرادة فال
ينافي أنه أمر اعتباري ،وهو ثب00وت الش00يء؛ وه00ذا ه00و التحقي00ق وإن ك00ان ظ00اهر عب00ارة
.فليراجع.
أقول :قد تكلم اآللوسي في تفسيره ( )1/178على المسألة 0بكلم متين ،قال :إن الش00يء
في اللغة بمعنى ما يصح أن يعلم ويخبر عنه كما نص على ذلك س00يبويه ،وه00و ش00امل للمع00دوم،
والموجود ،وال00واجب ،والممكن ،وتختل00ف إطالقات00ه ،ويعلم الم00راد من00ه ب00القرائن 0،فيطل00ق ت00ارة
ويراد منه جميع أفراده كقول00ه تع0الى ( 0:وهللا بك0ل ش0يء عليم) ...وق0د يطل0ق وي00راد ب00ه الممكن
الخارجي الموجود في الذهن كما في قوله تعالى ( :وال تقولن لشيء إني فاعل ذل00ك غ00دا إال أن
يشاء هللا ) بقرينة كونه متصورا مشيئا فعله غدا ،وقد يطلق ويراد ب00ه الممكن المع00دوم كم00ا في
قوله تعالى( :إنما قولن00ا لش00يء إذا أردن00اه أن نق0ول ل00ه كن فيك0ون) بقرين00ة أرادة التك00وين ال00تي
تختص بالمعدوم ،وقد يطلق ويراد به الموجود الخارجي 0كما في قوله تع00الى ( 0:وق00د خلقت 0ك 0من
قبل ولم تك شيئا) أي موجود خارجيا ...وشيوع إستعماله في الموج00ود ال ينهض ص00ارفا 0إذ ذاك
إنما هو لكون تعلق الغرض في المحاورات بأحوال الموجودات أكثر ،ال إلختصاصه به لغة.
ثم رد اآللوس00ي على الق00ائلين 0باختصاص00ه ب00الموجود ومنهم البيض00اوي في تفس00يره
والسعد التفتازاني 0والسيد الشريف الجرجاني في شرحي المقاصد والمواقف.
أقول :اتفقت معظم المصادر اللغوية الموثوقة على نقل كالم سيبويه المتقدم على وجه
اإلرتض00اء واإلستش00هاد ،فليكن ه00و الفيص00ل 0في المس00ألة 0،ثم إن س00ياق كالم المتكلمين 0عن00دما
يتكلم00ون على أن الماهي00ات 0ه00ل هي ثابت00ة أم ال ي00دل على أنهم أرادوا م00ا ذك00ره المحق00ق الش00يخ
خالد ،ولم يريدوا بيان المعنى اللغوي للفظ الشيء ،وال بيان الخالف فيه.
1قوله "يع00ني أن الث00ابت ..إلخ" ه00ذا التفس00ير باعتب00ار الظ00اهر من كالم المص00نف من أن
مقصوده تفسير الموجود بأنه ما ثبت خارجاً ،وهذا ليس مراداً للمصنف أصالً ،ب00ل مقص00وده أن
الحقائق التي نتعقله00ا ونس00ميها باألس00ماء كمس00مى اإلنس00ان 0ومس00مى الحي00وان ومس00مى األرض
والس00ماء ثابت00ة في الواق00ع رداً على السوفس00طائية 0في ق00ولهم :إنه00ا تخيالت 0ال ثب00وت له00ا في
الواقع ،فمراده بالموجود تلك الحقائق ،يؤخذ هذا من عبارة الشيخ عبد السالم .أجهوري أق00ول:
المناسب 0بوقوع هذا الشطر 0بين ق0ول المص00نف :وعن00دنا الش00يء ه0و الموج00ود ،وقول00ه :وج00ود
الشيء عينه ،أن يحمل هذا الكالم على ما هو الظاهر منه.
346
المصنف يفيد أن الوجود عين الموجود حقيقة كما هو ظاهر عبارة األش00عري ،وق00د تق00دم
توضيح ذلك
{ -204الجوهر الفردموجود حادث}
(قول0ه والج00وهر الف0رد ح00ادث) 1بس00كون المثلث00ة لض0رورة ال0وزن :أي والج0وهر
الفرد هو الجزء الذي ال يتجزأ ،بحيث ال يقبل القسمة أصالً ال قطع0ا ً 2وال كس00راً وال وهم0ا ً
وال فرضا ً مطابقا ً للواقع ،وإال فقد يفرض العقل المحال ،ومعنى كونه حادث 0ا ً أن00ه مس00بوق
بالعدم؛ ألنه ال معنى للحادث إال ما كان مسبوقا ً بالعدم ،وجميع األجسام متركبة من00ه فهي
حادثة ،والعالم بجميع أجزائه حادث ،وهذا مذهب المسلمين.
وقالت الفالسفة :جميع األجسام متركبة من الهيولى ،أي المادة ،ك00الطين بالنس00بة
لإلبريق ،ومن الصورة وهي عندهم ج00وهر ح00ا ّل في غ00يره كاإلبريقي00ة الحال00ة في الطين.
وأما عندنا فهي عرض ال جوهر .قوله “ عندنا ال ينكر “ أي عندنا معاشر المس0لمين ال
ينكر ثبوته وتق00رره في الوج00ود ،ألن هللا تع00الى ق00ادر على تفري0ق األجس00ام 0بحيث ال يبقى
جزء على جزء ،وغرضه بذلك الرد على الفالسفة المنكرين للجوهر الفرد ،ويترتب على
الخالف في ثبوت0ه وعدم0ه الق0ول بح0دوث الع0الم وقدم0ه ،وإذا علمت ذل0ك علمت أن ه0ذه
المسألة ينبغي معرفتها واالعتناء بها فتفطن.
1قوله "حادث" أي موجود بعد عدم ،والمقصود بال00ذات 0الحكم علي00ه ب00الوجود رداً على
من أنكر وجوده وهم الفالسفة ،وأما حدوثه فهو معلوم من حدوث العالم .أجهوري
2قول00ه "ال قطع00ا ً … إلخ" القط00ع :م00ا يحت00اج 0إلى آل00ة نف00اذة كالس00كين ،أو إلى ج00ذب
الطرفين أي ش00دهما ،والكس00ر ال يحت00اج إلى ش00يء من ذل00ك ،وال00وهم والف00رض قي00ل مترادف00ان،
والمراد منهما على هذا اعتق0اد قب0ول القس0مة اعتق0اداً مطابق0اً 0للواق0ع ،وإنم0ا كان0ا به0ذا المع0نى
منفيين؛ 0ألن اعتقاد قبول القسمة ال يكون مطابقاً 0للواق00ع إال فيم00ا ل00ه امت00داد ،والج00وهر الف00رد ال
امتداد فيه ،وقيل :متغايران 0،والمراد بالوهم على هذا؛ اإلدراك بالقوة الواهم00ة المع00دودة إلدراك
الجزئيات .والمراد بالفرض :اإلدراك بالقوة العاقلة المع0دودة إلدراك الكلي00ات 0،وال يص0ح نفيهم0ا
بهذا المع00نى أيض0اً 0إال إذا قي00دا بالمطابق00ة للواق00ع .ه00ذا م00ا تلخص من حاش00ية األم00ير م00ع ش00رح
المصنف .أجهوري
347
لو رام أن يصليك نار جهنم ##ما كان ألهم قلبك التوحيدا
وخالفا ً للخوارج حيث ذهبوا إلى أنه0ا كلمه0ا كب0ائر ،وأن ك0ل كب0يرة كف00ر ،وخالف0ا ً
لمن ذهب إلى أنها كلها كبائر نظراً لعظمة من عصي به00ا ،ولكن ال يكف00ر مرتكبه00ا إال بم00ا
هو كفر منها :كسجود لصنم ورمي مصحف في قاذورة ونحو ذلك.
قوله “ صغيرة كبيرة “ بدل من قوله “ قسمان “ للتفصيل ،وفيه حذف العطف،
واألصل :صغيرة وكبيرة ،وليست الكيبرة منحصرة في عدد.
وهي كما ق00ال ابن الص00الح :ك00ل ذنب َكبُ00ر ِكبَ00راً يص00ح مع00ه أن يطل00ق علي00ه اس00م
الكبيرة؛ ولها أمارات :منها إيج00اب الح0دّ ،ومنه00ا اإليع00اد عليه00ا بالعق00اب ،ومنه00ا وص00ف
فاعلها بالفسق ،ومنها اللعن كلعن هللا السارق ،وأكبرها الشرك باهلل ،ثم قتل النفس ال00تي
حرم هللا قتلها إال بالحق؛ وما سوى هذين منها كالزنا واللواط وعقوق الوال00دين والس00حر
والق0ذف والف00رار ي0وم الزح0ف وأك0ل الرب0ا وغ00ير ذل0ك فمختل00ف أم0ره ب00اختالف األح0وال
والمفاس00د المترتب00ة علي00ه؛ فيق00ال لك00ل واح00دة من00ه :هي من أك00بر الكب00ائر ،وإن ج00اء في
موضع أنها أكبر الكبائر كان المراد منه أنها من أكبر الكبائر كما قاله النووي.
ومن أكبر الكبائر أيضا ً الكذب على رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ،ب00ل ق00ال
الشيخ أبو محمد الجويني :إن من تعمد الكذب عليه صلى هللا عليه وآله وسلم يكف00ر كف00راً
يخرجه عن الملة ،وتبعه على ذلك طائفة وهو ضعيف.
وكل ما خرج عن ح ّد الكبيرة وضابطها فه00و ص00غيرة ،وق00د تعطى حكم الكب00يرة ال
أنه00ا تنقلب كب00يرة كم00ا قال00ه ابن حج00ر في ش00رح األربعين النووي00ة وإن وق00ع في عب00ارة
بعضهم أنها تنقلب كبيرة باإلصرار عليها :وه0و مع00اودة ال00ذنب م0ع ني00ة الع0ود إلي00ه عن0د
الفعل؛ فإن ع0اوده من غ00ير ني00ة الع00ود لم يكن إص00راراً على األص00ح .وق00ال بعض00هم :ه00و
تكرير الذنب سواء عزم على العود أو ال ،وبالتهاون بها وهو االستخفاف 0وع00دم المب00االة
بها ،وبالفرح واالفتخار بها وصدورها من عالم يقتدى به فيها.
348
وتأخير التوبة من هذين في الثانية ،وإن أخر لحظة أخرى فثمانية .وهكذا ،وإنم00ا اقتص00ر
المص00نف على الث00اني ألن00ه األهم ،وإال ف00األول وه00و الص00غائر ك00ذلك ،وعب00ارة الن00ووي “
واتفقوا 0على أن التوبة من جيمع المعاصي واجب0ة على الف0ور وال يج0وز تأخيره0ا س0واء
كانت المعصية صغيرة أو كبيرة “ انتهت.
والمراد بالمت00اب :التوب00ة ،فه00و مص00در ميمي بمع00نى التوب00ة :وهي –لغ00ة -مطل00ق
الرجوع .وشرعاً :ما استجمع ثالثة أركان :اإلقالع من الذنب فال تصح توبة المكاس مثالً
إال إذا أقلع عن المكس .والندم على فعلها لوجه هللا تع00الى فال تص00ح توب00ة من لم ين00دم أو
ندم لغير وجه هللا تعالى كأن ندم ألج00ل مص00يبة حص00لت ل00ه .والع00زم على أن ال يع00ود 1إلى
مثله00ا أب00داً فال تص00ح توب00ة من لم يع00زم على ع00دم الع00ود .وه00ذا إن لم تتعل00ق المعص00ية
باآلدمي؛ فإن تعلقت به فلها شرط رابع :وهو ر ّد الظالمة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة
منه تفصيالً عندنا معاشر الشافعية وأما عند المالكية فيكفي تحصيل البراءة إجماالً ،وفيه
فسحة ،فإن لم يقدر على ذلك بأن كان مس00تغرق ال00ذمم ،ف00المطلوب من00ه اإلخالص وك00ثرة
التضرع إلى هللا لعله يُرضي عنه خصماءه يوم القيام00ة .ومن ش00روطها أيض0اً :ص00دورها
قبل الغرغرة وهي حالة النزع ،وقبل طل00وع الش00مس من مغربه00ا؛ ففي حال00ة الغرغ00رة ال
3
تقبل توبة وال غيرها 2وكذلك إذا طلعت الشمس من مغربها فإنه حينئذ يغل00ق ب00اب التوبة
ويسمع له دوي،4فتمنع التوب00ة على من لم يكن ت00اب قب00ل ذل00ك ،وال ف00رق في ع00دم ص00حة
التوبة في حال الغرغرة عند األشاعرة بين الكافر والمؤمن العاصي ،وأما عند الماتريدية
فال تصح من الكافر في حال الغرغرة ،وتصح من المؤمن حينئذ ،وبعض00هم يعكس م00ذهب
الماتريدية ،وعلى كل حال هو بعيد.
وال خالف في وجوب التوبة عيناً؛ وإنما الخالف في دلي00ل الوج00وب ،فعن00دنا دليل00ه
سمعي كقوله تعالىَ ( :وتُوبُوا إِلَى هَّللا ِ َج ِميعا ً أَ ُّي َها ا ْل ُمؤْ ِمنُ0ونَ ) (الن0ور :من اآلية )31وعن0د
1قوله "والعزم على أن ال يعود ..إلخ" رخص ابن الع00ربي في ه00ذا ال00ركن فق00ال :يكفي
الندم وال يشترط العزم على أن ال يعود بل التفويض 0أولى كما وق00ع آلدم علي00ه الص00الة والس00الم.
ذكره األمير في الحاشية .أجهوري
2قوله "ففي حالة الغرغرة ال تقبل توبة وال غيرها" لم يظهر لهذا وجه ،فإن00ه إذا ص00لى
في تلك الحالة باإليماء كانت صالته صحيحة ،وكذا إذا كان صائماً 0وصادف ص00ومه تل0ك 0الحال00ة،
إلى غير ذلك من العبادات .ويمكن أن يحمل كالم المحشي على م00ا إذا زال عقل00ه وقت الغرغ00رة0،
وإن ك00ان بعي00داً .أجه00وري .أق00ول لع00ل الش00ارح أراد بالتوب0ة 0التوب00ة من المعاص0ي 0غ00ير الكف00ر،
وبغيرها اإلسالم وهو التوبة من الكفر 0،أخرج الترمذي في كتاب الدعوات رقم ( )3537عن ابن
عمر رضي هللا عنه عن النبي 0صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ق00ال( :إن هللا يقب00ل توب00ة العب00د م00ا لم
يغرغر) وقال :حديث حسن غريب .وأخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد رقم (.)4253
3أخرج مسلم في كتاب الذكر والدعاء رقم ( )2703عن أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه
قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه 0وآله وسلم( :من تاب 0قبل أن تطلع الش00مس من مغربه00ا ت00اب0
هللا عليه).
4وذلك تمثيالً لغلق بابها كما يسمع دوي للباب 0حين رده.
349
المعتزلة دليله عقلي ،ألن العقل يدرك حس00نها ،وم00ا أدرك العق00ل حس00نه فه00و واجب بن00اء
على مذهبهم الفاسد من أن األحكام تابعة للتحسين والتقبيح العقليين.
(قوله وال انتقاض إن يعد للحال) أي وال انتق00اض لتوب00ة الت00ائب الش00رعية إن يع00د
للحال التي كان عليها من التلبس بالذنب ،فال يعود ذنبه ال00ذي ت00اب من00ه بع00وده ل00ه خالف0ا ً
للمعتزلة في قولهم بانتقاض التوبة بعوده للذنب فيعود ذنبه الذي تاب منه بعوده ل00ه ،ألن
من شروط التوبة عندهم أن ال يعاود الذنب بعد التوبة ،وعند الصوفية معاودة الذنب بع00د
التوبة أقبح من سبعين ذنبا ً بال توبة.
350
كان كلما وقع في معصية تاب منه00ا .ق00ال هللا تع00الى( :إِنَّ هَّللا َ يُ ِح ُّب التَّ َّوابِينَ ) (البق00رة :من
اآلية )222وهم الذين كلما أذنبوا تابوا .وفي الحديث (التائب من الذنب كمن ال ذنب له).1
{ -208هل قبول التوبة قطعي أو ظني}
وقوله “ وفي القب0ول رأيهم ق0د اختل0ف “ أي وفي قب0ول التوب0ة رأي العلم0اء ق0د
اختلف ،فقال إمامنا أبو الحسن األشعري بأنها تقبل قطعا ً بدليل قطعي ،كم00ا ي00دل ل00ه قول00ه
تعالىَ ( :و ُه َو الَّ ِذي يَ ْقبَ ُل التَّوبَةَ عَنْ ِعبَا ِد ِه) (الشورى :من اآلية )25والدعاء بقبولها لعدم
الوثوق بشروطها ،وقال إمام الحرمين والقاضي بأنها تقب00ل ظن0ا ً ب00دليل ظ00ني لكن00ه ق0ريب
0و الَّ ِذي يَ ْقبَُ 0ل التَّوبَ0ةَ عَنْ ِعبَ00ا ِد ِه) (و ُهَ 0
من القطعي إذ يحتمل أن يكون مع00نى قول00ه تع00الىَ :
(الشورى :من اآلية )25أنه يقبلها إن شاء ،وهذا الخالف في غير توبة الكافر ،وأم00ا هي
فمقبولة قطعا ً بدليل قطعي اتفاقا ً لقوله تعالى( :قُ ْل لِلَّ ِذينَ َكفَ ُروا إِنْ يَ ْنتَ ُهوا يُ ْغفَ ْر لَ ُه ْم َم00ا قَ ْ 0د
سلَفَ ) (األنفال :من اآلية )38وهل توبة الكافر نفس إسالمه ،أو ال بد م00ع ذل00ك من الن00دم َ
علىكفره؟ فأوجبه إمام الحرمين .وقال غيره :يكفيه إيمانه ،ألن كفره ُمحي بإيمانه.
1أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد رقم ( )4250عن عبد هللا بن مس00عود ق00ال الس00خاوي
في المقاصد الحسنة ( )153رجاله ثقات 0،بل حسنه شيخنا يعني لشواهده.
351
بالكليات الست ،وإنما سميت بالكليات ألنه يتفرع عليه00ا أحك00ام كث00يرة؛ وألنه00ا وجبت في
كل ملة فلم تبح في ملة من الملل.
فإن قيل :يرد عليه أن ش00رب الخم00ر ك00ان ج0ائزاً في ص0در اإلس0الم ب0وحي وتك0رر
النس00خ ل00ه .أجيب ب00أن الم00راد أن المجم00وع لم يبح في مل00ة من المل00ل أو أن00ه باعتب0ار م00ا
استقر عليه أمر ملتنا.
وآكد هذه األمور الدينُ ،ألن حفظ غيره وس00يلة لحفظ00ه ،ثم النفس ألن قت00ل النفس
يلي الكفر كما تقدم ،ثم النسب ،ثم العقل ،وبعضهم 0قدّم العق00ل على النس00ب ،واألول أولى؛
ألن الزنا أشد تحريما ً من شرب الخم00ر ،ثم الم00ال وفي مرتبت00ه الع00رض إن لم ي00ؤد الطعن
فيه إلى قطع نسب؛ فإن أدّى إلى ذلك كأن قذف زوجت00ه بالزن00ا ونفى ول00دها عن00ه فه00و في
مرتبة النسب ،ومنهم من يقدم العرض على المال .قال السنوسي :والذي يظهر –ل00و قي00ل
به 1-عكسه ،ألن العقوبة المترتبة على أخذ األموال كما في السرقة وقطع الطريق ،أعظم
من العقوبة المترتبة على الخوض في األعراض كما في القذف.
وقول00ه “ دين “ أي م00ا ش00رعه هللا تع00الى لعب00اده من األحك00ام،والم00راد بحفظ00ه
ص00يانته عن الكف00ر وانته00اك حرم00ة المحرم00ات ووج00وب الواجب00ات؛ فانته00اك حرم00ة
المحرمات :أن يفعل المحرمات غير مبال بحرمتها؛ وانتهاك وج0وب الواجب0ات :أن ي00ترك
الواجب00ات غ00ير مب00ال بوجوبه00ا؛ ولحف00ظ ال00دين ش00رع قت00ال الكف00ار الحرب00يين وغ00يرهم
كالمرتدين.
وقول00ه “ ثم نفس “ أي عاقل00ة ول00و بحس00ب الش00أن في00دخل الص00غير والمجن00ون،
وتخرج البهيمة فيتصرف الشخص فيها بالوجه الشرعي كالذبح وغيره إن كانت له ،فإن
كانت لغيره فهي داخلة في المال؛ ولحفظ النفس شرع القصاص في النفس والطرف ألن00ه
ربما أدّى إلى النفس.
وقوله “ مال “ يقرأ بسكون الالم وحذف األلف:أي ومال ،فهو على حذف ح00رف
العطف ،والمراد به :كل ما يح ّل تملكه شرعا ً وإن ق00ل ،ولحفظ00ه ش00رع حّ 0د الس00رقة وحّ 0د
قطع الطريق.
وقوله “ نسب “ أي ونسب ،فه00و على ح00ذف ح00رف العط00ف ،والم00راد االرتب00اط
الذي يكون بين الوالد وولده ،ولحفظه شرع ح ّد الزنا.
وقوله “ ومثلها عقل “ أي ومثل الم00ذكورات عق00ل في وج00وب الحف00ظ ،ولحفظ00ه
شرع ح ّد الخمر والدية ممن أذهبه بجناية.
وع 0رض “ أي ومثله00ا ع00رض في وج00وب الحف00ظ ،وه00و بكس00ر العين: وقول00ه “ ِ
موضع المدح والذم من اإلنسان ،وهو وصف اعتباري تقويه األفعال الحميدة وتُ0زري ب0ه
األفعال القبيحة ،ولحفظه شرع ح ّد القذف للعفيف والتعزير لغيره ،فيح ّد من ق00ذف عفيف 0اً،
353
(قوله من لمعلوم ضرورة جحد ##من ديننا يقتل كفراً ليس حد) “ من “ مبتدأ،
و “ لمعلوم “ معمول مقدّم لجحد ،والالم زائدة لتقوية العامل فإنه ض00عف بالت00أخير ،و “
ض00رورة “ منص00وب ب00نزع الخ00افض :أي بالض00رورة ،أو على التمي00يز :أي من جه00ة
الضرورة ،و “ جحد “ صلة “ من “ و “ من ديننا “ متعلق بـ “ معل00وم “ وجمل00ة “
يقتل “ ..خبر ،و “ كفرا “ منصوب على أنه مفعول ألجله ،و “ ليس حد “ معلوم مم00ا
قبل00ه ،لكن00ه أتى ب00ه توض00يحاً ،والمع00نى :من جح00د أم00راً معلوم 0ا ً من أدل00ة ديننا 1يش00به
الضرورة بحيث يعرف0ه خ0واص المس0لمين وع0وامهم كوج0وب الص0الة والص0وم وحرم0ة
الزنا والخمر ونحوها ،يقتل ألجل كفره ،ألن جحده لذلك مس00تلزم لتك00ذيب الن00بي ص0لى هللا
عليه وآله وس0لم وليس قتل00ه حّ 0داً وال كف00ارة لذنب0ه كم00ا في س0ائر الح0دود فإنه00ا كف0ارات
للذنوب.
1قوله "من أدلة ديننا" األولى أن يقال .الم00راد أن كون00ه من ال00دين وج00زءاً من اإلس00الم
معلوم بالضرورة بحيث ال يتشكك أحد في أنه جز ٌء من الدين سواء كان دليالً أو مدلوالً أي حكما ً
فإن مراد العلماء بقولهم هذا األمر معلوم من الدين بالضرورة ه00و ه00ذا المع00نى ال المع00نى ال00ذي
ذكره الشارح ،وهللا أعلم.
354
-129ومثل هذا من نفي لمجمع ##أو استباح كالزنا فلتسمع
(قول00ه ومث00ل ه00ذا من نفي لمجم00ع) أي ومث00ل من جح00د أم00راً معلوم 0ا ً من ال00دين
بالضرورة :من نفى حكما ً مجمعا ً عليه إجماعا ً قطعياً ،وهو ما اتفق المعتبرون على كونه
إجماع 0ا ً بخالف اإلجم00اع الس00كوتي فإن00ه ظ00ني ال قطعي ،وظ00اهر كالم الن00اظم أن من نفى
مجمعا ً عليه يكفر وإن لم يكن معلوما ً من الدين بالضرورة كاس00تحقاق بنت االبن الس00دس
مع بنت الصلب ،وهو ضعيف وإن جزم به الناظم ،والراجح أن00ه ال يكف00ر من نفى المجم0ع
عليه إال إذا كان معلوما ً من الدين بالضرورة.
وقوله “ :أو استباح كالزنا “ أي أو اعتقد إباح00ة مح00رم مجم00ع علي00ه معل00وم من
1
الدين بالضرورة ولو صغيرة سواء كان تحريمه لعينه كالزنا وشرب الخمر ،أو لع00ارض
كصوم يوم العيد فإن تحريمه لعارض وهو اإلعراض عن ضيافة هللا تعالى ،خالف00ا ً لبعض
الماتريدية حيث قال :من اعتقد حل محرم فإن ك00ان تحريم00ه لعين00ه كالزن00ا وش00رب الخم00ر
كفر ،وإال فال ،كما إذا اس0تحل ص0وم ي00وم العي00د وال يخفى أن0ه يل00زم من اس0تباحة المح0رم
المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة أنه نفى مجمعا ً عليه فهو داخل فيما قبله ،فم00ا
ذكره المصنف صريحا ً إال تبعا ً للقوم وتنصيصا ً على أعيان المسائل وزيادة في اإليض00اح.
وقوله “ فلتسمع “ تكملة.
{ -212يجب على األمة نصب إمام عادل وما يتعلق بذلك}
1لعل00ه أراد ب00المحرم 0لعين00ه م00ا لم يبح في ش00رع من ش00رائع األنبي00اء 0،والم00راد ب00المحرم
لعارض ما كان بأصله مباحا ً أو مطلوبا ً فعرض له التحريم لسبب من األسباب.
355
-130وواجب نصب إمام عدل ##بالشرع فاعلم ال بحكم العقل
(قوله وواجب نصب إمام عدل) “ واجب “ خبر مقدم و “ نصب “ مبتدأ مؤخر:
أي ونص00ب إم00ام ع00دل واجب على األم00ة عن00د ع00دم النص من هللا أو رس00وله على معين
وعدم االستخالف 1من اإلمام السابق بخالفه عند النص من هللا ،كما في قوله تع00الى( :يَ00ا
(ص :من اآلية )26أو من رسوله أو االس00تخالف من ض) ّ دَا ُو ُد إِنَّا َج َع ْلنَا َك َخلِيفَةً فِي اأْل َ ْر ِ
اإلمام السابق كما وقع من ابي بكر ،فإنه أوصى بالخالفة بعده لعم00ر رض00ي هللا عن00ه ،وال
فرق في وجوب نصب اإلمام بين زمن الفتن00ة وغ00يره كم00ا ه00و م00ذهب أه00ل الس00نة وأك00ثر
المعتزلة .وقيل يجب لتسكين الفتنة وقيل في غيرها ألنه زمن الطاعة .وقيل ال يجب أصالً
والمراد بالعدل هنا :عدل الشهادة 2وال يتحقق إال بشروط خمس00ة :اإلس00الم ،ألن الك00افر ال
يراعي مصلحة المسلمين .والبلوغ والعقل ،ألن الصبي والمجن00ون ال يلي00ان أم00ر نفس00هما
فال يليان أمر غيرهم00ا .والحري00ة ،ألن الرقي0ق مش00غول بخدم00ة س00يده وألن00ه مس00تحقر في
أعين الناس فال يهاب وال يمتثل أمره .وع00دم الفس00ق ،ألن الفاس00ق ال يوث00ق ب00ه في أم00ره
ونهيه والمراد كونه عدالً ولو ظاهراً ،ألنه الذي كلفنا به؛ فال يش00ترط العدال00ة الباطن00ة .ثم
إن هذه الشروط إنما هي في االبتداء وحالة االختيار؛ وأما في الدوام فال يشترط كم00ا يعلم
مم00ا ي00أتي؛ ول00و تغلب عليه00ا ش00خص قه00راً انعق00دت ل00ه وإن لم يكن أهالً كص00بي وام00رأة
وفاسق ،ويجب طاعته فيما أمر به أو نهى عنه كالمستوفي للشروط.
(قوله بالشرع فاعلم ال بحكم العقل) أي إن وجوب نصب اإلمام بالش00رع عن00د أه00ل
السنة فاعلم ذل0ك .ور ّد بقول00ه “ ال بحكم العق00ل “ على بعض المعتزل00ة كالجاح00ظ وغ00يره
حيث ذهب00وا إلى أن ذل00ك بالعق00ل ال بالش00رع ،بن00اء على قاع00دتهم من التحس00ين والتق00بيح
العقليين ،ومن الوجوه الدالة على وجوب00ه بالش00رع :أن الش00ارع أم00ر بإقام00ة الح00دود
وس ّد الثغور وتجه00يز الجي00وش وذل00ك ال يتم إال بإم00ام يرجع00ون إلي00ه في أم00ورهم .وق00د
أجمعت الصحابة عليه بعد مفارقته الدنيا صلى هللا عليه وآله وسلم واشتغلوا 0به عن دفنه
صلى هللا عليه وآله وسلم؛ ألنه توفي ي00وم االث00نين عن00د ال00زوال فمكث ذل00ك الي00وم وليل00ة
الثالثاء،ودفن صلى هللا عليه وآله وسلم في آخر ليلة األربعاء .وق00ال أب00و بك00ر رض00ي هللا
عنه :وال ب ّد لهذا األمر ممن يقوم ب00ه ،ف00انظروا وه00اتوا آراءكم رحمكم هللا تع00الى ،فق00الوا
من ك00ل ج00انب من المس00جد :ص00دقت ص00دقت ،ولم يق00ل أح00د منهم ال حاج00ة بن00ا إلى إم00ام،
واجتمع المهاجرون يتشاورون في شأن الخالفة فقالوا ألبي بكر :انطل00ق بن00ا إلى إخوانن00ا
األنصار ندخلهم معنا في أمر الخالفة ،فقال األنصار :من00ا أم00ير ومنكم أم00ير؛ فق00ال عم00ر:
من ثبت له مثل هذه الفضائل التي ألبي بكر؟ قال تع00الى( :ثَ00انِ َي ا ْثنَ ْي ِن إِ ْذ ُه َم00ا فِي ا ْل َغ00ا ِر إِ ْذ
احبِ ِه ال ت َْح َزنْ ) (التوبة :من اآلية )40فأثبت صحبته بذلك ،وأثبت له معية كمعية يَقُو ُل ِل َ
ص ِ
1قوله "عند عدم النص من هللا أو رسوله على معين وعدم االس0تخالف" ال مع00نى له0ذا
الكالم ألن الكالم في وج00وب نص00ب اإلم00ام على ه00ذه األم00ة ولم ينص هللا وال رس00وله على معين
واإلمام عندما يستخلف إنما يفعل ذلك نيابة عن األمة بحكم القوامة والوص00اية عليه00ا ف00الوجوب
على األمة واإلمام ينوب عنها في نصب 0اإلمام بعده ،وابن تيمية يرى هذا النصب 0ترشيحاً 0لل00ذي
أراده لإلمامة.
2ال عدل الرواية الشامل للعبد والمرأة.
356
نبيه بقوله تعالى( :إِنَّ هَّللا َ َم َعنَا) (التوب0ة :من اآلية )40ثم مّ 0د ي0ده فب0ايع أب0ا بك0ر وبايع0ه
الناس ،ثم أمرهم بجهاز رسول هللا ص0لى هللا علي0ه وآل00ه وس00لم ،ف0اختلفوا ه0ل يغس00ل في
ثياب00ه أو يج00رد منه00ا؟ ف00ألقى هللا عليهم الن00وم وس00معوا من ناحي00ة ال00بيت ق00ائالً يق00ول :ال
تغسلوه فإنه طاهر ،فقال العباس :ال نترك سنة لصوت ال ندري ما ه00و ،فغش00يهم النع00اس
فسمعوا قائالً يقول غسلوه وعليه ثيابه فإن ذلك إبليس وأنا الخضر؛ فغس00له علي وعلي00ه
قميصه ،والعباس وابنه الفضل يعينانه ،وقثم وأسامة وشقران مولى المص00طفي يص00بون
الماء وأعينهم معصوبة ،وكفن في ثالثة أثواب بيض قطن ،ولم يكن في كفن00ه قميص وال
عمامة ،وصلوا عليه فرادى :يدخل جماعة ويخرج جماعة ،واختلف00وا في الموض00ع ال00ذي
يدفن فيه فقال أبو بكر :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وآله وس00لم يق00ول :ال ي00دفن ن00ب ّي
إال حيث قبض ،فدفن في بيت عائشة .1ذكره الشنواني في حاشيته.
1الحديث أخرجه مسلم في كتاب اإلمارة رقم ( )1835بلفظ00ه عن أبي هري00رة رض00ي هللا
تعلى عنه ،وأخرجه البخاري بلفظ مقارب في كتاب الجهاد رقم (.)7137
358
{ -213يجب على األمة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر}
(قوله وأمر بعرف) أي وا ْنه عن منكر ،ففيه حذف الواو مع ما عطفت ،وإنما ترك
المصنف النهي عن المنكر الس00تلزم األم0ر ل00ه .والع0رف بض0م العين :لغ00ة في المع0روف،
وهو ما عرفه الشرع وهو الواجب والمندوب .والمنكر :م00ا أنك00ره الش00رع ،وه00و الح00رام
والمكروه؛ فيندب األمر بالمندوب والنهي عن المكروه ويجب األمر ب00الواجب والنهي عن
الحرام وجوبا ً كفائياً ،فإذا قام به البعض س00قط الطلب عن الب00اقين ،وه00و ف00وري إجماع0اً،
وال يختص وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمن ال ي00رتكب مثل00ه ،ب00ل من رأى
منكراً وهو يرتكب مثله فعليه أن ينهى عنه؛ ولهذا قال إمام الحرمين :يجب على متعاطي
الكأس أن ينكر على الجالس.
وقال الغزالي :يجب على من زنى بامرأة أمرها بستر وجهها عنه.
وال00دليل على وج00وب األم00ر ب00المعروف والنهي عن المنك00ر “ :الكت00اب والس00نة
(و ْلتَ ُكنْ ِم ْن ُك ْم أُ َّمةٌ يَْ 0دعُونَ إِلَى ا ْل َخ ْيِ 0ر َويَ00أْ ُمرُونَ
واإلجم00اع “ أم00ا الكت00اب فكقول00ه تع00الىَ :
َن ا ْل ُم ْن َك00ر) (آل عم00ران :من اآلية )104وأم00ا الس00نة فكح00ديث أبي 0ونَ ع ِ بِ00ا ْل َم ْع ُر ِ
وف َويَ ْن َهْ 0
سعيد الخدري رضي هللا تعالى عنه :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم يق00ول:
(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ،ف00إن لم يس00تطع فبقلب00ه وذل00ك
أضعف اإليمان) 1أي أق0ل ثمراته 2لداللت0ه على ع0دم انتظام0ه ،وإال فال يكل0ف هللا نفس0ا ً إال
وس0عها فم0راتب اإلنك00ار ثالث ،أقواه00ا :أن يغ00ير بي0ده ،ويليه00ا التغي0ير ب00القول وأض00عفها
اإلنكار بالقلب بأن يكرهه بقلبه وال يرضى به .وأما اإلجم00اع فألن المس00لمين في الص00در
األ ّول وبعده كانوا يتواص00ون ب00ذلك ويوبخ00ون تارك00ه م00ع االقت00دار علي00ه ،وال يش00كل على
وج00وب األم00ر ب00المعروف والنهي عن المنك00ر قول00ه تع00الى( :يَ00ا أَيُّ َه00ا الَّ ِذينَ آ َمنُ00وا َعلَ ْي ُك ْم
ض َّل إِ َذا ا ْهتَ َد ْيتُ ْم) (المائ00دة :من اآلية )105ألن المع00نى إذا فعلتم م00ا ض ُّر ُك ْم َمنْ َ أَ ْنفُ َ
س ُك ْ0م ال يَ ُ
كلفتم به –ومنه األمر ب00المعروف والنهي عن المنك00ر -ال يض00ركم فع00ل غ00يركم للمعص00ية،
فصارت اآلية دالة على وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر :قال ابن مس00عود :إن
من أكبر الذنوب عند هللا أن يقال للعبد :اتق هللا فيقول :عليك بنفسك .3وفي الحديث( :من
قيل له اتق هللا ،فغضب وقف يوم القيامة فلم يبق ملك إال مر به وق0ال ل00ه :أنت ال0ذي قي00ل
لك اتق هللا فغضبت )4يعني يوبخونه.
1وذلك ألن اإلنكار باليد واللسان يؤدي إلى رفع المنكر ويؤدي إلى دفع اإلثم عن الفاع00ل
وأما اإلنكار بالقلب 0فيؤدي إلى دفع اإلثم فقط .والحديث أخرجه مس00لم في كت00اب اإليم00ان عن أبي
سعيد الخدري رقم (.)49
2قوله "أي أقل ثمراته" عبارة الشيخ األمير :المراد باإليمان هنا :األعمال كما في قوله
(و َم00ا َك00انَ هَّللا ُ لِيُ ِ
ض0ي َع إِي َم00انَ ُك ْم) (البق00رة :من اآلية )143ومع00نى ض00عف اإلنك00ار ب00القلب: تعالىَ :
داللته على غرابة اإلسالم وعدم انتظامه 0،وهي أظهر من هذه العبارة .أجهوري
3ق00ال الهيثمي في مجم00ع الزوائ00د كت00اب الفتن 0رقم ( )12162رواه الط00براني ورجال00ه
رجال الصحيح.
4لم نجد هذا الحديث.
359
{ -214شرائط األمر بالمعروف والنهي عن المنكر}
واعلم أن لوجوب األمر ب00المعروف والنهي عن المنك00ر ش00روطاً ،أح00دها أن يك00ون
المتولي لذلك عالما ً بما يأمر به وينهى عنه ،فالجاهل بالحكم 0ال يحل ل00ه األم00ر وال النهي،
فليس للعوام أمر وال نهي فيما يجهلونه؛ وأما ال00ذي اس00توى في معرفت00ه الع00ام والخ00اص
ففيه للعالم وغيره األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وثانيها أن يأمن أن يؤدي إنك00اره
إلى منكر أكبر منه ،كأن ينهى عن شرب الخمر فيؤدّي نهيه عنه إلى قتل النفس أو نحوه
فعدم ه00ذين الش00رطين ي00وجب التح00ريم .وثالثه00ا :أن يغلب على ظن00ه أن أم00ره ب00المعروف
مؤثر في تحصيله ونهيه عن المنكر مزيل له ،وع00دم ه00ذا الش00رط يس00قط الوج00وب ويبقى
الجواز إذا قطع بع0دم اإلف0ادة ،والن0دب إذا ش00ك فيه00ا .قال00ه الق0رافي وغ00يره .وق00ال الس0عد
واآلمدي بالوجوب فيما لو ظن عدم اإلفادة أو شك فيها بخالف م00ا إذا قط00ع بع00دم اإلف00ادة.
ولفظ السعد من الش0روط تج0ويز الت0أثير ب0أن ال يعلم قطع0ا ً ع0دم الت0أثير ،لئال يك0ون عبث0ا ً
واشتغاالً بما ال يعني .ونحوه قول اآلم0دي :من ش0روط الوج0وب أن ال يي0أس من إجابت0ه.
وقال أكثر العلم0اء كالش00افعية :ال يش0ترط ه0ذا الش0رط ،ألن ال0ذي علي00ه :األم0ر والنهي ال
غ) (المائ00دة :من اآلية )99وق00ال تع00الى: ول إِالَّ ا ْلبَال ُ
س ِالقبول ،كما قال تعالىَ ( :ما َعلَى ال َّر ُ
( َو َذ ِّك ْر فَإِنَّ ِّ
الذ ْك َرى تَ ْنفَ ُع ا ْل ُمؤْ ِمنِينَ ) (الذاريات )55:ولذلك قال الن00ووي :ق00ال العلم00اء :وال
يسقط عن المكلف األم00ر ب00المعروف والنهي عن المنك00ر لكون00ه ال يفي00د في ظن00ه ب00ل يجب
عليه فعله .انتهى ملخصا ً من شرح المصنف ومن حاشية الشنواني.
{ -215ذم النميمة}
(قول00ه واجتنب نميم00ة) أي انف00ر منه00ا وتباع00د عنه00ا ،واألم00ر في ذل00ك للوج00وب
العي00ني .والنميم00ة :نق00ل كالم الن00اس بعض00هم إلى بعض على وج00ه اإلفس00اد بينهم كقول00ه:
فالن يقول فيك كذا ،لكن قال أبو حامد الغزالي :وليست النميمة مختصة ب00ذلك؛ ب00ل ح 0دّها
كشف ما يكره سواء ك00ان الكش00ف ب0القول أو بالكتاب00ة أو الرم0ز أو نحوه00ا ،وس00واء ك00ان
المنقول من األعمال أو من األحوال ،وس00واء ك00ان عيب0ا ً أو غ00يره .ق00ال الن00ووي :فحقيق00ة
النميمة ،إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه.
قال :وكل من ُح ِملت إليه نميم0ة لزم0ه س0تة أم0ور ،األول أن ال يص0دّقه ألن النم0ام
فاسق والفاسق مردود الخبر .الثاني :أن ينهاه عن ذلك وينصحه .الثالث :أن يُبغضه فإنه
بغيض عن00د هللا ويجب بغض من أبغض00ه هللا تع00الى .الراب00ع :أن ال يظنّ ب00المنقول عن00ه
ض الظَّنِّ إِ ْث ٌم “ (الحج00رات :من
اجتَنِبُ00وا َكثِ00يراً ِمنَ الظَّنِّ إِنَّ بَ ْع َ
الس00وء ،لقول00ه تع00الىْ “ :
اآلية .)12الخامس :أن ال يحمله ما حكى له على التجسس والبحث عن تحقيق ذل00ك .ق00ال
سوا “ (الحجرات :من اآلية )12السادس :أن ال يحكي نميمة عن00ه س ُ
هللا تعالىَ “ :وال ت ََج َّ
فيقول :فالن حكى لي كذا ،فيصير بذلك نماماً.
360
والنميمة محرمة باإلجماع ،والمذاهب متتفقة على أنها كبيرة ،لحديث الصحيحن:
“ ال يدخل الجنة نمام “ وفي رواية مسلم “ :قتات “ 1بتاءين أوالهما مشددة :أي نمام،
َ
الحديث :نمه ،والمراد :ال يدخلها مع السابقين ،إال إن غفر له. من قتّ
وكل ذلك ما لم تدّع الحاجة إليها وإال جازت ،ألنها حنئيذ ليست نميمة بل نصيحة،
كما إذا أخبرك شخص ب00أن فالن0ا ً يري00د البطش بمال00ك أو بأهل00ك أو نح00و ذل00ك لتك00ون على
حذر ،فليس ذلك بحرام لما فيه من دف00ع المفاس00د ،وق00د يك00ون بعض00ه واجب0ا ً كم00ا إذا تيقن
وقوع ذلك لو لم يخبرك بهذا الخبر ،وقد يكون بعضه مستحبا ً كما إذا شك في ذل00ك؛ ذك00ره
النووي .أفاده المصنف في شرحه.
(وغيب0ة) أي واجتنب غيب0ة ،واألم0ر في0ه للوج0وب العي0ني كم0ا في س0ابقه. قول0ه ِ
والغيبة –بكسر الغين :-ذك00رك أخ0اك بم00ا يك0ره ول00و بم0ا في0ه ول00و بحض00وره ،لكن ظ00اهر
المادة يؤيد ما قيل من أن ما في الحضور ال يسمى غيب0ة ب0ل بهتان0اً ،وإذا ذك0ره بم0ا ليس
فيه فقد زاد إثم الكذب .ومن الضالل ق00ول بعض العام00ة :ليس ه00ذا غيب00ة إنم00ا ه00و إخب00ار
بالواقع ،فربما ج ّره ذلك لكفر االستحالل –والعياذ باهلل.-
بالذ ْك ِر ،بل ضابطها كل ما أفهمت ب0ه غ0يرك نقص0ان مس0لم وليست الغيبة مختصة ِّ
بلفظك أو كتابك ،أو أشرت إليه بعينك أو يدك أو رأسك أو نحو ذل0ك ،س0واء ك0ان ذل0ك في
بدن00ه أو دين00ه أو ول00ده أو وال00ده أو زوجت00ه أو خادم00ه أو حرفت00ه أو لون00ه أو مركوب00ه أو
عمامته أو ثوبه أو غير ذلك مما يتعلق به.
ومن ذلك قول المصنفين في كتبهم :قال فالن كذا ،وهو غلط أو خطأ أو نحو ذل00ك،
فه00و ح00رام إال إن أرادوا بي00ان غلط00ه أو خطئ00ه ،لئال يقل00د؛ ألن ذل00ك نص00يحة ال غيب00ة.
وقولهم :قال مصنف ،أو قال قوم أو جماعة ك00ذا وه00و غل00ط أو خط00أ ،أو نح00و ذل00ك :ليس
غيبة ،ألن الغيبة ال تكون إال في إنسان معين أو جماعة معي0نين .وقول0ك :فع00ل ك00ذا بعض
الناس أو بعض الفقهاء أو من يدعي العلم أو بعض المفتين أو نح00و ذل00ك :غيب00ة محرم00ة
إذا ك00ان المخ00اطب يفهم00ه بعين00ه ،وقض00ية ذل00ك أن00ك إذا ذك00رت شخص 0ا ً تعرف00ه أنت دون
المخاطب ال يكون غيبة ،ويشكل عليه حرم00ة الغيب00ة في الخل00وة دون حض00ور أح00د ،وك00ذا
بالقلب فقط فإنها بالقلب محرمة كهي باللسان .ومح00ل ذل00ك في غ00ير من ش00ا َهدَ .وأم00ا من
شاهد فيعذر في االعتقاد حينئذ ،نعم ينبغي أن يحمله على أنه تاب .وذك00ر بعض00هم أن00ه إن
كان معينا ً عند الذاكر والسامع حرمت ،وإن كان مبهما ً عن00دهما ج00ازت ،وإن ك00ان مبهم 0ا ً
عند السامع دون الذاكر حرمت على الذاكر دون السامع.
وذكر األخ في التعريف السابق لذكره في بعض األحاديث ،وقد أخذ به جمع وقالوا
ال غيبة في الكافر .والحق أنه إن كان حريبا ً فال غيبة فيه ،وإن كان ذمي 0ا ً ح00رمت غيبت00ه،
وتخصيص المسلم بالذكر في األحاديث لشرفه.
1أخرج مسلم الروايتين في كتاب اإليم00ان رقم ( )105وأخ0رج البخ00اري الرواي0ة الثاني00ة
في كتاب األدب رقم (.)6056
361
وحكم 0الغيبة التحريم باإلجماع ،وفي الكتاب العزي00ز “ :أَيُ ِح ُّب أَ َحُ 0د ُك ْم أَنْ يَأْ ُكَ 0ل لَ ْح َم
أَ ِخي ِه َم ْيتا ً “ (الحجرات :من اآلية )12اآلية وفي هذه اآلي00ة تنف00ير ش00ديد ،ألنه00ا اش00تملت
على خمس00ة أم00ور وهي كون00ه لحم 0ا ً وميت00ا ً ونيئ 0ا ً ومن آدمي وأخ .وفي س00نن أبي داود
والترمذي عن عائشة رضي هللا عنه0ا أنه00ا ق0الت :قلت للنبيص0لى هللا علي00ه وآل0ه وس0لم:
ت كلم00ة ل00و م00زجت بم00اء البح00ر صفَيَّةَ كذا وكذا ،تعني قصيرة؛ فقال “ :لقد قل ِ
حسبك من ُ
لمزجته “ .1قال النووي :معنى مزجته :خالطت00ه بحيث يتغ00ير به00ا طعم00ه أو ريح00ه لش0دّة
نتنها وقبحها .وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة وأعمها.
وقد اختل00ف العلم00اء في مرتبته00ا من التح00ريم؛ فق00ال القرط00بي من المالكي00ة :إنه00ا
كبيرة بال خالف يعني في الم00ذهب ،وإلي00ه ذهب كث00ير من الش00افعية ،وذك00ر ص00احب الع00دة
عنهم أنها صغيرة وأقره عليه الرافعي ومن تبعه لعموم البلوى بها ،فق ّل من يس00لم منه00ا،
وفي التعليل نظر ال يخفى ،ألن ذل0ك ال يقتض0ي كونه0ا من الص0غائر ،وال0ذي ج0زم ب0ه ابن
حجر الهيتمي في شرح الشمائل أن غيب00ة الع00الم وحام00ل الق00رآن كب00يرة ،وغيب00ة غيرهم00ا
صغيرة ،وهو المعتمد.
وكم00ا يح00رم على المغت00اب ذك00ر الغيب00ة يح00رم على الس00امع اس00تماعها وإقراره00ا؛
فيجب على كل من سمع إنسانا ً يذكر غيب00ة محرم00ة أن ينه00اه إن لم يخ00ف ض00رراً ظ00اهراً.
وقد ورد( :من ر ّد غيبة مسلم ر ّد هللا عن وجهه النار يوم القيامة).2ف00إن لم يس00تطع بالي00د
وال باللس00ان ف00ارق ذل00ك المجلس ،وال يُخلِّص اإلنك00ا ُر بحس00ب الظ00اهر .ف0إن ق00ال بلس00انه:
اسكت ،وهو يشتهي بقلب00ه اس00تمراره ،ف00ذلك نف00اق كم00ا قال00ه الغ00زالي فال ب00د من كراهت00ه
مجلس الغيبة بمظّان اإلجابة 3فيق00ول :هللا يلط00ف بن00ا وبفالن فع00ل ك00ذا
ُ بقلبه ،وربما أُل ِح َ
ق
وكذا؛ ومن ذلك غيبة المتفقهين والمتعبدين فيق0ال ألح0دهم :كي0ف ح0ال فالن؟ فيق0ول :هللا
يصلحنا ،وهللا يغفر لنا ،هللا يصلحه ،نسأل هللا العافية ،هللا يتوب علينا ،وما أشبه ذلك مما
يفهم منه تنقيصه ،فكل ذلك غيبة محرمة ،وكذلك إذا قال :فالن ما له حيلة كلنا نفعل ذلك.
1الحديث أخرجه بلفظه أبو داود في كتاب األدب رقم ( )4842والترمذي نحوه في كت00اب
صفة يوم القيامة 0رقم (.)2502
2أخرج الترمذي في كت00اب ال00بر والص00لة رقم ( )1931عن أبي ال00درداء رض00ي هللا عن00ه
عن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم قال( :من رد عن عرض أخيه رد هللا عن وجه00ه الن00ار 0ي00وم
القيامة) 0وقال :حديث حسن.
3أي الدعاء بظهر الغيب.
362
{ -216الصور التى تباح فيها الغيبة}
واعلم أن العلم0اء ذك0روا أن الغيب0ة تب0اح في أح0وال للمص0لحة ،ب0ل وربم0ا وجبت؛ وتل0ك
األحوال ستة نظمها الجوجري -بجيمين على الصواب -في قوله:
ستٍّ ِغ ْيبَةً َك ِّر ْر َو ُخ ْذهَا ##منظمة كأمثا ِل الجواه ِر لِ ِ
ق ال ُم َجا ِه ْرواذكرنْ فس َ
َ ِّ
تَظل ْم واست ِعن واستفت َحذ ْر ##وع َِّرف ّ َ
فاألول التظلم ،ك00أن يق00ول المظل00وم لمن ل00ه الوالي00ة كالقاض00ي :فالن ظلم00ني مثالً،
والثانية :االستعانة على تغير المنكر ،كأن يقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر :فالن
يعمل كذا ف0أعني على منع0ه ،بش0رط أن يك0ون قص0ده التوص0ل إلى إزال0ة المنك0ر ،ف0إن لم
يقصد ذلك كان حراماً .والثالثة :االستفتاء ،كأن يقول للمفتي :ظلمني فالن ،فهل له ذل00ك؟
وم00ا ط00ريقي في الخالص من00ه .والرابع00ة التح00ذير ك00أن ت00ذكر عي00وب ش00خص لمن يري00د
االجتماع عليه إذا لم ينكف بدون ذكرها وإال حرم ،والخامسة التعريف ،ك00أن يق00ول :فالن
األعمش أو األعرج ،أو نحو ذلك فيمن كان معروفا ً بذلك ،بشرط أن يكون بنية التعري00ف،
فإن كان بقصد التنقيص حرم .السادسة أن يكون مجاهراً بفسقه كالمجاهر بش00رب الخم00ر
ق به ال بغيره من العيوب ،بش00رط أن يقص00د وأخذ المكس وغير ذلك ،فيجوز ذكره بما فَ َ
س َ
أن تبلغه لينزجر .وحديث) :ال غيبة في فاس00ق) غ00ير ث00ابت الص00حة عن00د أه00ل العلم ،1ول00و
سلمت صحته وجب تقييده بما إذا اغتابه بما فسق به بعد مجاهرته به بالشرط المذكور.
والتوبة تنفع في الغيبة من حيث اإلقدام عليه00ا .وأم00ا من حيث الوق00وع في حرم00ة
من هي له فال بد فيها مع التوبة من طلب عفو صاحبها عنه إذا بلغته ،وإذا لم تبلغ00ه كفى
االستغفار له ،وإن بلغته بعد ذلك بلغتة ممح ّوة ،وال يصح إبراء ص00احبها م00ع الجه00ل بم00ا
قاله ،كأن يق00ول ل00ه :أن00ا قلت في حق00ك كالم0ا ً فس00امحني من00ه ،ب00ل ال ب00د من التع00يين على
األصح من وجهين عندنا معاشر الش00افعية ،ك00أن يق00ول ل00ه :قلت في حق00ك ك00ذا وك00ذا عن00د
فالن وفالن فسامحني ،ويكفي اإلبراء م00ع الجه00ل عن00د المالكي00ة كم00ا ه00و ث00اني ال00وجهين
عندنا.
ومما يعين على ترك الغيب00ة ش00هود أن ض0ررها عائ00د على النفس؛ فإن00ه ورد أن0ه
تؤخذ حسنات المغت00اب لمن اغتاب00ه وتط00رح علي00ه س00يئاته ،2وعن ابن المب00ارك :ل00و كنت
ي ألنهما أحق بحسناتي؛ فالعاقل من اشتغل 0بعيوب نفسه .فإن قال :ال مغتاباً؛ الغتبت وال ّد َّ
أعلم لي عيبا ً فهذا أعظم عيب .ومما يرجى بركته االستغفار ألرباب الحق00وق؛ ومن أوراد
ي وألص000حاب الحق000وق عل ّي س000يدي أحم000د زروق “ :أس000تغفر هللا العظيم لي ولوال000د ّ
وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمس00لمات األحي00اء منهم واألم00وات “ خمس م00رات
بعد كل فريضة ،ملخصا ً من شرح المصنف بزيادة.
1قوله "عدم قبوله" أي عدم الميل إليه بأن يحصل له في نفسه ضيق منه فليس الم00راد
برده على قائله تكذيبه باللسان ألن الكبر قلبي .أجهوري
2أخرج مسلم في كتاب البر والص00لة رقم ( )2620عن أبي س00عيد الخ00دري وأبي هري00رة
رضي هللا تعالى عنهما قال :ق00ال رس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم :عن هللا تع00الى( :الع00ز
إزاري ،والكبرياء 0ردائي ،فمن نازعني 0عذبته).
366
{ -220ذم الحسد}
(قول00ه وداء الحس00د) أي داء ه00و الحس00د؛ فاإلض00افة للبي00ان ،وه00ذا إن أري00د ال00داء
المعنوي ،فإن أريد الداء الحسي كان من إض00افة المش00به ب00ه للمش00به .أي الحس00د الش00بيه
بالداء :وهو تمني زوال نعمة الغير ،س00واء تمناه00ا لنفس00ه أو ال ،ب00أن تم00نى انتقاله00ا عن
غيره لغيره ،وهذا أخس األخساء؛ ألنه باع آخرته بدنيا غ00يره؛ بخالف م00ا إذا تم00نى مث00ل
نعمة الغير فإنه غبطة محمودة في الخير كما ورد( :ال حسد إال في اثنتين… الحديث).1
اسٍ 0د إِ َذا َح َ
س0دَ) شِّ 0ر َح ِ
(و ِمنْ َ
ودليل تحريمه الكتاب والسنة واإلجماع .ق00ال تع00الىَ :
2
(الفلق )5:وشره كثير ،فمنه ما هو غير مكتسب وهو إصابة العين .ومنه ما هو مكتسب
كسعيه في تعطيل الخير عنه وتنقيص00ه عن00د الن00اس ،وربم00ا دع00ا علي00ه أو بطش ب00ه ،إلى
غير ذلك .وقال صلى هللا عليه وآله وسلم( :إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحس00نات كم00ا
تأكل النار الحطب –أو العشب).3
{ -221دواء الحسد}
ودواء الحس00د النظ00ر للوعيد م00ع أن00ه إس00اءة أدب م0ع هللا تع00الى كأن00ه ال يس00لم ل00ه
حكمه ،ولذلك قال بعضهم:
أال قل لمن بات لي حاسداً ##أتدري على من أسأت األدب
أسأت على هللا في فعله ##كأنك لم ترض لي ما وهب
فكان جزاؤك أن خصني ##وس ّد عليك طريق الطلب
ومن الحكم :الحسود ال يسود :أي كثير الحسد ال تحصل ل00ه س00يادة .ومن كالم أبي
حنيفة رضي هللا تعالى عنه:
إن يحسدوني فإني غير الئمهم ##قبلي من الناس أهل الفضل قد ُحسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ##ومات أكثرنا غيظا ً بما يجد
أنا الذي يجدوني في صدورهم ##ال أرتقي صدراً منها وال أرد
ويروى أن إبليس قال لسيدنا نوح عليه الصالة والسالم :خذ مني خمساً ،ق00ال :ال
أصدّقك ،فأوحى هللا إليه أن صدّقه ،فقال :ق00ل؛ فق00ال :إي00اك والك00بر ف00إني إنم00ا وقعت فيم00ا
وقعت فيه بالكبر ،وإياك والحسد فإن قابيل قتل أخاه هابي00ل بالحس00د ،وإي00اك والطم00ع ف00إن
1أخرج البخاري في كتاب 0العلم رقم ( )73عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا تع00الى عن00ه
قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه 0وآله وسلم( :ال حسد إال في اثنتين 0:رجل آتاه هللا ماالً فس00لطه
على هلكته في الحق ،ورجل آتاه هللا الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) .وأخرجه مسلم في ص00الة
المسافرين رقم (.)816
2قوله "وهو إصابة العين" في جعل هذا تابعاً 0للحسد نظر ظاهر؛ ألن اإلنسان 0قد يصيب
بالعين 0نفسه وماله ،ومعلوم أنه ال حس00د حينئ00ذ .أجه00وري.أق00ول مقص00ود الش00ارح أن من آث00اره
إصابة العين ،ال أن اصابة 0العين ال تكون إال أثرا له.
3أخرجه أبو داود في كتاب األدب عن أبي هريرة برقم (.)4903
367
آدم ما أورثه هللا ما أورثه إال بالطمع ،وإي0اك والح0رص ف0إن ح0واء م0ا وقعت فيم0ا وقعت
فيه إال بالحرص ،وإياك وطول األمل فإنهما ما وقعا فيما وقعا فيه إال بطول األمل.
{ -222ذم المراء}
(قوله وكالمراء) هو لغة :االس00تخراج ،يق00ال :م00ارى فالن فالن0اً :إذا اس00تخرج م00ا
عنده ،وعرفاً :منازعة الغير فيم00ا ي00دعي ص00وابه ،ومح00ل كون00ه م00ذموما ً إذا ك00ان لتحق00ير
غ00يرك وإظه00ار مزيت00ك علي00ه .وق00د ورد في الح00ديث( :هل00ك المتنطع00ون… ثالث 0اً) 1أي
المتعمق0ون في البحث .وأخ0رج الط0براني عن ثوب0ان مرفوع0اً( :س0يكون في أم0تي أق0وام
يغلّطُون فقهاءهم بعضل المس00ائل –بض00م العين وفتح الض00اد :أي ص00عابها -أولئ00ك ش00رار
أمتي) 2وأما إذا كان إلحقاق ح0ق وإبط00ال باط00ل :أي إلظه00ار حقي0ة الح00ق وإظه0ار بطالن
الباطل فممدوح شرعا ً ولو من ولد لوالده؛ فيكون عقوقا ً محموداً
{ -223ذم الجدل}
(قوله والجدل) بسكون آخره للوزن :وهو دفع الش0خص خص0مه عن إفس0اد قول00ه
بحجة قاصداً به تصحيح كالمه ،كذا عرفه الشارح ،وعليه فالفرق بين00ه وبين الم00راء :أن
الج00دال يك00ون من قب00ل ص00احب الق00ول ي00دفع عن قول00ه اإلفس00اد .والم00راء يك00ون من قب00ل
الخصم؛ وإذا حققت النظ00ر وج00دتهما بمع00نى واح00د ،وحينئ00ذ تق00ول في تعريفهم00ا :مقابل00ة
الحجة بالحجة .ومحل حرمته إذا كان إلفساد قول الغير ،بخالف م00ا إذا ك00ان إلحق00اق ح00ق
أو إبطال باطل .قال اإلمام الشافعي :ما ذاكرت أحداً وقصدت إفحامه ،وإنما أذاكره إلظهار
الحق من حيث هو حق.
(قوله فاعتمد) المقصود منه التكملة ،وأشار به المصنف إلى انقضاء فن العقائد،
أي فاعتمد في العقائد على ما ذكرته ألنه مذهب أهل السنة والجماعة.
1هذا االعتقاد شرط لصحة اإليمان فليس هو الم0راد باالحتق0ار ،ب0ل الم0راد ب0ه أن يك0ون
المرء شاعراً باعتقاده هذا دائما ً في كل األحوال.
2والقواعد المخصوصة متعلقة به وبكيفية تحصيله فتسمى تصوفا ً مجازاً.
3ال يخفى بعد هذا الوجه فإن مجيء الك0اف بمع0نى الب0اء يحت0اج إلى إثب0ات ويل0زم علي0ه
حذف متعلقه وهو متصفاً 0وحذف الج00ار والمج00رور ال00ذي ه00و عائ00د الموص00ول وليس الكالم من
مظانه.
4
ولفظ الخيار يصلح للمفرد وغيره.
369
ثبتت له الخيري00ة ول00و بالنس00بة لمن دون00ه ،فيش00مله ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ويش00مل
األنبياء والعلم00اء والش00هداء واألولي00اء والزه00اد والعب00اد ،ويك00ون الكالم موزع0ا ً باعتب00ار
األشخاص وأنواع الخير؛ فمن الناس من له ق0درة على ص0ورة مجاهدت0ه ص00لى هللا علي00ه
وآل00ه وس00لم ومنهم من ل00ه ق00درة على ص00ورة مجاه00دة العلم00اء وهلم ج00را؛ وإذا ك00انت
المجاهدة على يد شيخ من العارفين كانت أنفع لقولهم :حال رجل في ألف رج00ل أنف00ع من
َو ْعظ ألف رجل في رجل؛ فينبغي للشخص أن يلزم شيخا ً عارفا ً على الكت00اب والس0نة ب0أن
يزنه قبل األخذ به ،فإن وجده على الكتاب والسنة الزمه وتأدب مع00ه ،فعس00اه يكتس00ب من
حاله ما يكون به صفاء باطنه وهللا يتولى هداه.
(قوله حليف حلم) أي وكن حليف حلم ،فه00و خ00بر ث00ان ،لكن في قول00ه “ وكن كم00ا
كان خيار الخلق “ والحليف بمعنى المحالف والمالزم فهو فعيل بمع00نى مفاع00ل ،والحلم
بمعنى تحمل مشاق عباد هللا بحيث ال يستفزك الش00يطان وال اله00وى وال يحرك00ك الغض00ب؛
ص َرعَة وإنما الشجاع من يملك نفسه عن00د الغض00ب ،وإنم00ا خص الن00اظم فالشجاع ليس بال ُ
الحلم بالذكر مع دخوله في عموم ما ك00ان علي00ه خي00ار الخل00ق اهتمام0ا ً ب00ه ،وألن00ه وص00ف
غضب هللا مذموم.
جامع ألوصاف الخير ،لكن الحلم فيما يُ ِ
(قول00ه تابع 0ا ً للح00ق) أي وكن تابع 0ا ً للح00ق ،فه00و خ00بر ث00الث “ لِ ُكنْ “ المتقدم00ة،
والمراد بالحق :هللا تعالى ،ألن الحق اسم من أسمائه .وفي الكالم حذف مضاف :أي لدين
الحق ،ويحتمل أن المراد به ألحكام الحقة ،وحينئذ فال حاج00ة لتق00دير المض00اف .وال يخفى
عليك أيها الموفق أنك ال تكون تابعا ً للحق إال إذا كنت متمس00كا ً ب00ه ص00لى هللا تع00الى علي00ه
س0و ُل فَ ُخُ 0ذوهُ َو َم00ا وآله وسلم متمثالً ألوامره مجتنبا ً لنواهيه .ق0ال تع00الىَ :
(و َم0ا آتَ00ا ُك ُم ال َّر ُ
نَ َها ُك ْم َع ْنهُ فَا ْنتَ ُهوا) (الحشر :من اآلية )7فزن جميع أقوالك وأفعال00ك واعتقادات00ك بم00يزان
الشريعة ،وعليك بحفظ الحواس وضبط األنفاس.
370
{ -225طلب اتباع السلف واجتناب ابتداع الخلف}
َاع َمنْ َخلَفْ سلَفْ َ ##و ُك ُّل َ
ش ٍّر فِي ا ْبتِد ِ -137فَ ُك ُّل َخ ْي ٍر فِي ا ْتبَ ِ
اع َمنْ َ
(قوله فكل خير في اتباع من سلف) هذا عل0ة لألم0ر الس0ابق في قول0ه “ وكن كم0ا
ك00ان خي00ار الخل00ق …إلخ “ ف0المعنى :ألن ك00ل خ00ير حاص00ل في اتب00اع من س00لف ،فالف00اء
بمع00نى الم التعلي00ل ،والم00راد بمن س00لف :من تق00دّم من األنبي00اء والص00حابة والت00ابعين
وتابعيهم ،وخصوصا ً األئمة األربعة المجتهدون الذي انعقد اإلجماع على امتناع الخ00روج
عن مذاهبهم في اإلفتاء والحكم .وأما عمل الشخص في نفسه فيجوز تقليد غيرهم فيه.
(قوله وكل ش ّر في ابتداع من خلف) هذا علة لما تضمنه األمر الس00ابق من النهي،
والتقدير :وال تكن كما كان عليه شرار الخلق ،ألن كل شر حاصل في ابتداع من خلف أي
من تأخر من الخلف السيئ الذين أضاعوا الصلوات واتبعوا 0الشهوات.
واعلم أن البدعة تعتريها األحك00ام الخمسة1فت00ارة تك00ون واجب00ة كض00بط المص00حف
والش00رائع إذا خي00ف عليه00ا الض00ياع؛ وت00ارة تك00ون محرم00ة ،ك00ال ُم ُكس وس00ائر المح00دثات
المنافية للقواع00د الش00رعية ،وت00ارة تك00ون مندوب00ة كص00الة ال00تراويح جماعة 2ول00ذلك ق00ال
س00يدنا عم00ر رض00ي هللا عن00ه في ال00تراويح :نعمت البدع00ة هي؛ وت00ارة تك00ون مكروه00ة
كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف ،وتارة تك0ون مباح0ة كاتخ0اذ المناخ0ل لل0دقيق؛ ففي
اآلث00ار :إن أول ش00يء أحدث00ه الن00اس بع00د رس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم اتخ00اذ
المناخل ،وإنما كانت مباحة ألن لين العيش وإصالحه من المباحات فوسائله مباحة.
1قوله "واعلم أن البدعة ..إلخ" كالمه في البدعة اللغوية؛ أم00ا البدع00ة في الش00رع فهي
منهي عنها لقول رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم "كل بدعة ضاللة" فتدبر الف00رق بينهم00ا.
أجهوري
2قوله "كص0الة ال0تراويح جماع0ة" اعلم أن ص0الة ال0تراويح جماع0ة س0نة وق0د ثبت أن
النبي صلى هللا عليه وآله وسلم صالها في جماعة .أجهوري
أقول :المبتدع هو جمع الناس 0عليها 0وإقامتها بجمع عظيم ،وهو ما فعله عمر رضي هللا
تعالى عنه.
371
-و ُك ُّل َهدْي لِ ْلنَّبِ ِّي قَ ْد َر َج ْح ##فَ َما أُبِ ْي َح ا ْف َع ْل َو َد ْع َما لَ ْم يَبُ ْح
َ 138
َ
ب البِ ْد َعة ِم َّمنْ َخلَفَا سلَفَا َ ##و َجانِ ِ صالِ َح ِم َّمنْ َ -139فَتَابِ ِع ال َّ
ص
الخال ِ الريَا ِء ثُ َّم فِي َ ص ِ ##منَ ِّ َ -140ه َذا َوأَ ْر ُجو هللاَ فِي ا ِإل ْخال ِ
(قوله وكل هدي للنبي قد رجح) أي وكل هدي منسوب للنبي صلى هللا علي00ه وآل00ه
وس00لم ق00د رجح على م00ا لم ينس00ب ل00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم من األق00وال واألفع00ال
واالعتقادات فأفضل األح00وال أحواله 1ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ال00تي لم تنس00خ ،وليس
المقصود بها بي0ان الج0واز ،وال م0ا ق0ام ال0دليل على اختصاص0ه ب0ه ص0لى هللا علي0ه وآل0ه
وسلم ،بخالف ما نسخ كقيام الليل كله ،وما قصد به مجّ 0رد بي00ان الج00واز كوض00وئه ص00لى
هللا عليه وآله وسلم مرة مرة ،وما كان مختصا ً ب0ه علي00ه الص0الة والس00الم كتزوج00ه أك00ثر
من أربع.
(قوله فما أبيح افعل) أي فما لم يُنه عنه ولو تنزيها ً افعل ،فالمراد بما أبيح :م00ا لم
ينه عنه فيشمل الواجب والمندوب والمباح – وهو م00ا اس00توى طرف00اه -أي فعل00ه وترك00ه،
وقول00ه “ ودع م00ا لم يبح “ أي وات00رك م00ا لم يبح ل00ك فعل00ه وه00و المنهي عن00ه ب00أن ك00ان
محرما ً أو مكروها ً أو خالف األولى.
قول00ه فت00ابع الص00الح ممن س00لفا) أي فت00ابع في عقائ00دك وأقوال00ك وأفعال00ك الفري00ق
الصالح ممن سلف كقوله عليه الصالة والسالم( :عليكم بسنتي وسنة الخلف00اء الراش00دين
من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)2وهذا كناية عن شدّة التمسك بها ،والصالح :ه00و الق00ائم
بحقوق هللا وحقوق العباد ،وهذا أندر من الكبريت األحمر ،ويطلق الصالح على النبي كما
يطلق على الولي إال أن الصالح في األنبياء أكمل منه في األولياء.
(قول00ه وج00انب البدع00ة ممن خلف00ا) أي وات00رك البدع00ة المذموم00ة ممن ج00اء بع00د
خواص الصحابة وعلمائهم .وقد علمت أن البدعة تعتريها األحكام 0الخمسة .والحاصل أن
كل ما وافق الكتاب والسنة أو اإلجماع أو القياس فهو سنة .وما خرج عن ذلك فهو بدعة
مذمومة.
(قوله هذا) مفعول لمحذوف أي افهم هذا أو مبتدأ والخبر محذوف ،والتق00دير ه00ذا
ال00ذي ذكرت00ه ل00ك في ه00ذه المنظوم00ة م00ذهب أه00ل الس00نة ،أو نح00و ذل00ك ،وه00ذا من ب00اب
التخلص 3وهو االنتق00ال من غ0رض –وه00و هن00ا األم00ر بمتابع00ة الس00لف الص00الح ومجانب00ة
1أخرج00ه مس00لم في الزه00د والرق00اق رقم ( )2985عن أبي هري00رة إال أن00ه ق00ال( :تركت00ه
وشركه).
374
-141من الرجيم ثم نفسي والهوى ##فمن يمل لهؤالء قد غوى
(قوله من الرجيم) أي من الوقوع في مكايد الشيطان .وال00رجيم بمع00نى المرج00وم،
أي المطرود عن رحمة هللا تعالى؛ أو بمعنى الراجم للناس بوسوسته ،فـ “ رجيم “ فعيل
بمعنى مفعول أو فاعل ،والمراد بالشيطان الرجيم :ما يش00مل إبليس وأعوان00ه وهم أوالده
من ظهره ،فإنه لما هبط من الجنة الط بنفس00ه لكون00ه ال زوج00ة ل00ه فب00اض خمس بيض00ات
فكانت أصل ذريته ،فه0و أول من الط ،كم0ا روي عن0ه ،وه0و أب0و الش0ياطين ،كم0ا أن أب0و
اإلنس ،والعداوة بين الثقلين – أع00ني اإلنس والجن -ف00رع من الع00داوة 0بين األب00وين .ق00ال
ش ْيطَانَ لَ ُك ْم َع ُد ٌّو فَات َِّخ ُذوهُ َع ُد ّواً (فاطر :من اآلية )6أي في عقائ00دكم وأق00والكم0
تعالى :إِنَّ ال َّ
وأفعالكم ،وكونوا على حذر منه في جميع أحوالكم.
(قول00ه ثم نفس00ي) أي أرج00و هللا في الخالص من مكاي00د نفس00ي ال00تي هي أش00د من
الشيطان في الكيد ،ولذلك قال بعضهم:
فالنفس أخبث ِمنْ سبعين شيطاناُ س َك ال تَأْ َمنَ َغوائِلَها ##
ق نَف َ تَ َو ّ
والمراد بالنفس هنا :األمارة وهي التي ت00أمر بالس00وء وال ت00أمر ب00الخير إال ن00ادراً،
بخالف اللوامة :وهي التي تغلب صاحبها ثم ترجع عليه باللوم على ما وق00ع من00ه لكونه00ا
أذعنت للح00ق بس00بب المجاه00دة ،وال ُم ْل َهم00ة :وهي ال00تي ألهمت فجوره00ا وتقواه00ا بس00بب
المجاه00دة ،والمطمئن00ة :وهي ال00تي اطم00أنت إلى مك00ارم األخالق ،والراض00ية :وهي ال00تي
رضيت باهلل ربا ً من غير منازعة باطنية بس00بب المجاه00دة ،والمرض00ية :وهي ال00تي تجلى
هللا عليها بالرضا والعف0و عم0ا مض0ى ،والكامل0ة :وهي ال0تي ص0ارت الكم0االت له0ا طبع0ا ً
وسجية ،ومع ذلك تترقى في الكمال ،ثم بع00د كم00ال النفس ال يج00وز للش00خص أن يتص00دى
لإلرش00اد إال ب00إذن ص00ريح ،لكن ال00وقت ق00د ت00أخر ،فقّ 0ل من يتنب00ه من غفلت00ه ويص00دق في
رغبته .فعلى العاقل بالجد واالجتهاد حتى يسير في طريق الرشاد.
(قوله والهوى) أي أرجو هللا في الخالص من الهوى ،وه00و بالقص00ر :مي00ل النفس
إلى مرغوبها ولو كان فيه هالكها ،وإذا أطلق انصرف إلى الميل إلى خالف الح00ق غالب 0اً،
(ص :من اآلية )26وقد يستعمل في الميل للحق كما في قول الس00يدة ّ نحو َوال تَتَّبِ ِع ا ْل َه َوى
1
عائشة رضي هللا تعالى عنها “ :ال أرى ربك إال يسارع في ه00واك “ تخاطب00ه لم00ا ن00زل
قوله تعالى :ت ُْر ِجي َمنْ تَشَا ُء ( ..األحزاب :من اآلية )51اآلية .وس00مى األول ه00وى ،ألن00ه
يهوي بصاحبه إلى النار ،وأما الهواء – بالمد -فه00و م00ا بين الس00ماء واالرض من ال00ريح
الذي تسير به السفن .قال الشاعر:
1أخرج البخاري في التفسير رقم ( )4788عن عائشة رضي هللا تعالى عنها ق00الت :كنت
أغار على الالتي وهبن أنفس0هن لرس0ول هللا ص0لى هللا علي0ه وآل0ه وس0لم ،وأق0ول :أتهب الم0رأة
َش0ا ُء َو َم ِن ا ْبتَ َغيْتَ ِم َّمنْ َش0ا ُء ِم ْن ُهنَّ َوتُ00ؤْ ِوي إِلَ ْي0َ 0
0ك َمنْ ت َ نفسها؟ فلما أنزل هللا تعالى( 0:تُ0ْ 0ر ِجي َمنْ ت َ
00اح َعلَ ْي00كَ )( 0األح00زاب 0:من اآلية )51قلت :م00ا أرى رب00ك إال يس00ارع 0في ه00واك. ت فَال ُجنَ َ
َع00زَ ْل َ0
وأخرجه مسلم في كتاب الرضاع رقم (.)1464
375
جمع الهواء مع الهوى في أضلعي ##فتكاملت في مهجتي ناران
فقصرت بالممدود عن نيل المنى ##ودرجت بالمقصور في أكفاني
ومعنى كالمه أنه اجتمع في00ه المم0دود والمقص0ور فبالمم00دود قص0ر عن ني00ل من0اه
لكونه ألف الريح اللينة وأحب الراحة ففاته خير كثير ،وبالمقصور مات ودرج في أكفان00ه
ألنه تبع هوى نفسه فتمكن منه العشق فقتله (قوله فمن يمل لهؤالء قد غوى) أي ألن كل
مكل00ف يمي00ل ألح00د ه00ذه الثالث00ة ال00تي هي منش00أ ك00ل فتن00ة ،فق00د ف00ارق الرش00د وخ00رج عن
االستقامة ،فهذا تعليل لقوله “ ثم الخالص… إلخ “ .
376
-142هذا وأرجو هللا أن يمنحنا ##عند السؤال مطلقا ً حجتنا
(قوله هذا) مبتدأ والخبر محذوف أو بالعكس :أي هذا مطل0وبي أو المطل0وب ه0ذا،
أو مفعول لمحذوف :أي اسأل هذا أو نحو ذلك ،وهذا من باب التخلص كما مر في نظيره.
(قول00ه وأرج0و هللا) ال يخفى أن التعب0ير بالمض00ارع يش0عر بالتج00دد ،ف0المعنى :وأرج00و هللا
رجاء متجدداً بتجدد األحوال؛ واألزمنة واألمكنة 0.وقوله “ أن يمنحنا “ أي يعطينا .يقال:
َمنَ َح 0هُ إذا أعط00اه .والمنح00ة :العطي00ة ،و “ ن00ا “ ه00و المفع00ول 0ال00ول ،و “ حجتن00ا “ ه00و
الث00اني ،ألن ه00ذا الفع00ل يتع00دى إلى مفع00ولين .واألولى بمق00ام ال00دعاء أن يك00ون الم00راد
بالضمير الذي هو المفعول 0األول معاشر المسلمين أو أهل العلم ،لح00ديث( :إذا دع00وتم هللا
فاجمعوا ،فلعل فيمن تجمعون من تنالون بركته) ويحتمل أن المراد به خص00وص الن00اظم،
ويكون تعبيره بضمير العظمة حيث قال “ يمنحنا “ ولم يقل “ يمنحني “ إلظه00ار س00بب
(وأَ َّما
العظمة وهو تأهيل هللا إياه لطلب الدعاء أو لطلب العلم تحدثا ً بالنعم00ة .ق00ال تع00الىَ :
ِّث)(الضحى )11:وهذا ال ين00افي أن00ه مت00ذلل متخاض00ع لم00واله ،فال ي00رد أن بِنِ ْع َم ِة َربِّ َك فَ َحد ْ
مقام الدعاء مقام ذلة وخضوع والعظمة تنافي ذلك.
و(قول0ه عن00د الس0ؤال مطلق0اً) أي عن0د ورود الس00ؤال علين00ا من الغ0ير ح00ال ك0ون
السؤال مطلقا ً أي في الدنيا وفي القبر وفي القيامة كما يفهم ذلك من المقام وإن لم يفس00ر
اإلطالق هنا سابق وال الحق.
وق00ول العلم00اء “ اإلطالق يفس00ره س00ابق والح00ق “ أم00ر أغل00بي كم00ا قال00ه بعض
المحققين .قوله “ حجتنا “ أي ما نحتج 1به على جواب السؤال احتجاجا ً صحيحا ً شرعيا ً
بحيث ال طعن فيه وال امتناع من قبول00ه .ق00ال بعض الع00ارفين :من لُ ْطِ 0
0ف 2منح هللا الحج00ة
لإلنسان عند السؤال قوله تعالى( :يَا أَ ُّي َها اإْل ِ ْن َ
س0انُ َم00ا َغَّ 0ركَ بِ َربِّكَ ا ْل َكِ 0ر ِ
يم) (االنفط00ار)6:
فإنه ألهمه الحجة بأن يقول :غرني كرمك يا رب.
1قول00ه "أي نحتج على ج00واب… إلخ" ه00ذا ظ00اهر في الس00ؤال ال00وارد في ال00دنيا ،ألن
السائل في الدنيا يطلب دليالً على الجواب .وأما جواب الس0ؤال ال0وارد في اآلخ00رة فاحتياج0ه 0إلى
دليل يدل عليه 0غير ظاهر 0،ألنه لم يرد أن المالئكةو يطلبون من الميت 0بعد جواب00ه دليالً يثبت 0ب00ه
جوابه ،بل متى وفقه هللا وأجابهم انصرفوا عنه وقالوا له :نم نومة العروس ،فكان الظاهر حمل
الحجة على نفس الجواب .هذا ما ظهر .أجهوري
2قوله "من لطف" عبارة األمير :من لطيف .أجهوري
377
-143ثم الصالة والسالم الدائم ##على نبي دأبه المراحم
-144محمد وآله وعترته ##وتابع لنهجه من أمته
(قول00ه ثم الص00الة والس00الم) “ ثم “ لالس00تئناف ال للعط00ف ،وق00د تق00دمت مب00احث
الصالة والسالم في أول الكتاب وإنما أتى المصنف بهم00ا في أول كتاب00ه وفي آخ00ره رج00اء
لقبول ما بينهما ،ألن الصالة على النبي ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم مقبول00ة ال م00ردودة.
وهللا أك00رم من أن يقب00ل الص00التين وي00رد م00ا بينهم00ا .وق00د ورد في الح00ديث (ال00دعاء بين
الصالتين عل ّي ال يرد) 1ويق00اس على ال00دعاء نح00و الت00أليف ،واعلم أن00ه إذا أورد اإلنس00ان
الصالة والسالم في آخر عمله ال ينبغي أن يريد بهم00ا اإلعالم بتمام00ه ،ب00ل ينبغي ل00ه أن ال
يقص00د إال تحص00يل فض00يلتهما وإال وق00ع في الكراه00ة ،وك00ذا ق00ولهم “ وهللا أعلم “ عن00د
التمام ،فينبغي أن ال يقصدوا ب00ذلك اإلعالم باالنته00اء ،ب00ل ينبغي أن يقص00دوا ب00ه تف00ويض
العلم إليه تع00الى( .قول00ه ال00دائم) أي ك00ل منهم00ا ،ويحتم00ل أن يك00ون ص00فة للس00الم ويك00ون
المصنف حذف من الصالة نظيره ،والتقدير :ثم الصالة الدائمة والسالم الدائم .فيكون في
كالم0ه الح0ذف من األول لدالل0ة الث0اني ،وإن ك0ان خالف الغ00الب وه0و الح0ذف من الث00اني
لداللة األول .وال يخفى 2أن الدوام باعتبار فضلهما وثمرتهم0ا ال باعتب0ار لفظهم0ا ،ألنهم0ا
عرضان ينقضيان بمجرد النطق بهما( .قوله على نبي) أي كائنان على ن00بي .قول00ه (دأب00ه
المراحم) جملة من مبتدأ و خبر صفة لن00بي :أي على ن00بي موص00وف ب00أن دأب00ه الم00راحم.
ومعنى الدأب :العادة والمراحم جمع مرحمة بمعنى الرحم00ة ،ف00المعنى :عادت00ه المس00تمرة
(و َما أَ ْر َ
سْ 0لنَاكَ إِاَّل َر ْح َم 0ةً لِ ْل َع00الَ ِمينَ ) (األنبي00اء: الرحمة للعالمين .ففيه تلميح لقوله تعالىَ :
)107وقوله “ محمد “ بدل من “ نبي “ أو عطف بيان عليه زاده هللا تشريفا ً وتكريما ً
لديه ،وإنما ترك الناظم وصفه صلى هللا عليه وآل00ه وس00لم بالس00يادة لض00رورة النظم ،وإال
فيستحب وصفه بالس00يادة اس00تعماالً لألدب كم00ا قال00ه الجالل المحلي في الص00الة وغيره00ا.
وأما حديث( :ال تسيدوني في صالتكم) فقال السيوطي :ال أصل له.
(قوله وآله) أي والصالة والس00الم ال00دائم على آل00ه ،وق00د تق00دم الكالم على اآلل في
أول هذه الكتابة .وقوله “ وعترته “ بالمثناة الفوقية هم أهل بيته وقيل :زوجاته ،وقيل:
نسله ورهطه األدنون .وقوله “ وتابع لنهجه “ أي وك00ل متب00ع لطريقت00ه ص00لى هللا علي00ه
وآله وسلم ولو في اإليمان فقط ،فدخل عصاة المؤمنين والقصد بهذا :التعميم في ال00دعاء
ألنه أفضل .وقوله “ من أمته “ أي من أم00ة إجابت00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم ،وه00ذا
القيد 3لبيان الواقع ال لالحتراز عن المتبع لطريقته صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم وليس من
أمت00ه ألن المتب00ع لش00ريعته ال يك00ون إال من أمت00ه لعم00وم بعثت00ه ،ال يق00ال ق00د يك00ون المتب00ع
1قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث اإلحياء ( :)1/309لم أجده مرفوعا،وإنما 0ه00و
موقوف على أبي درداء وروى أبو داود ( )1481من حديث فضالة بن عبيد عن النبي 0صلى هللا
عليه وىله وسلم (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثن00اء علي00ه ثم يص00لى على الن00بي 0ثم ي00دع
بما شاء).
2قول000ه "وال يخفى ..إلخ" ال حاج000ة إلى ه000ذا ألن الص000الة في كالم المص000نف بمع000نى
الرحمة ،والسالم في كالمه بمعنى التحي00ة وهم00ا موص00وفان بال00دوام .ومع00نى كالم المص00نف 0،ثم
الرحمة والتحية الدائمان على نبي أفاده األمير .أجهوري
378
لشريعته صلى هللا عليه وآله وسلم من غير أمته كما في سيدنا عيسى حين ينزل في آخر
الزمان ،ألنا نقول :هو حينئذ من أمته صلى هللا عليه وآل0ه وس0لم ،وفائ0دة القي0د الم0ذكور
التنصيص على العموم ،لئال يتوهم إرادة خصوص القرون الثالثة نظير ما قالوه في قوله
اح ْيِ 0ه إِاَّل أُ َم ٌم أَ ْمثَ00الُ ُك ْم َم0ا فَ َّر ْطنَ00ا فِي تع0الىَ ( :و َم00ا ِمنْ دَابَّ ٍة فِي اأْل َ ْر ِ
ض َوال طَ00ائِ ٍر يَ ِط 0ي ُر بِ َجنَ َ
َي ٍء) (األنعام :من اآلية )38كما أفاد السعد وهللا أعلم. ب ِمنْ ش ْ ا ْل ِكتَا ِ
وهذا آخر ما يسره هللا تعالى من غير حش00و وال تعقي00د على “ ج00وهرة التوحي00د “
وهللا أسأل وبنبيه أتوسل :أن يجع00ل ه00ذه الكتاب00ة خالص00ة لوجه00ه الك00ريم ،وأن ينف00ع به00ا
النفع العميم ،والمرجو من صاحب العقل السليم والخلق الق00ويم أن يقب00ل ع00ثراتي ويس00تر
هف00واتي ،وال ح00ول وال ق00وة إال باهلل العلي العظيم ،وص00لى هللا وس00لم وش00رف وك00رم على
النبي الرؤوف الرحيم وعلى آله وصحبه أجميعن ،وسالم على المرس00لين والحم00د هلل رب
العالمين.
وقد وافق الكمال ليلة الخميس المبارك من أوائل ش00هر ص00فر المب00ارك من ش00هور
سنة ألف ومائتين وأربعة وثالثين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصالة وأزكى
التحي00ة ،على ي00د جامعه00ا “ إب00راهيم ال00بيجوري “ ذي التقص00ير ،غف00ر ل00ه ولوالدي00ه
وللمسلمين الخبير البصير وص0لى هللا على س0يدنا محم0د وعلى آل0ه وص0حبه وس0لم كلم0ا
ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون .آمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى ما أردنا القيام به من التعلي00ق على ش00رح الب00اجوري على ج00وهرة التوحي00د
وكان االنتهاء من التعليق في جمادى اآلخ00رة من س00نة 1425هـ المواف00ق 24تم00وز من
سنة 2004م.
3هذا التعبير ليس على ما ينبغي ألن من للبيان 0ال للتبعيض حتى يكون قيداً إال أن يك00ون
قد أطلق عليه من حيث وروده بعده كما أن القيد يرد بعد المقيد فاألولى أن يق00ول ومن للبي00ان ال
للتبعيض.
379
380
رسائل
متعلقة بأصول الدين
-1حكم تعلم علم الكالم ،والسبب في نهي السلف عنه
-2تحقيق مسألة أن صفات اهلل ليست عينه وال غيره
-3تعليل أفعال اهلل عز وجل وأحكامه
-4تحقيق مسألة كالم اهلل تعالى
-5مسألة العلو والفوقية 1هلل تعالى:
-6مسألة الكسب وخلق أفعال العباد
-7التقسم الثالثي للتوحيد بين األشاعيرة وابن تيمية
-8متشابه الصفات بين التأويل واإلثبات
تأليف
محمد صالح بن أحمد الغرسي
381
بسم هللا الرحمن الرحيم
حكم تعلم علم الكالم ،والسبب في نهي السلف عنه
خير ما نفتتح به هذه المقالة كالم إمام جليل عليم بالكالم خبير وهو حجة اإلس00الم
الغزالي.
382
قال اإلمام الغزالي في إحياء علوم الدين
فإن قلت :تعلم الجدل والكالم مذموم كتعلم 0النجوم ،أو ه00و مب00اح أو من00دوب إلي00ه؟
فاعلم أن للناس في هذا غلوا وإسرافا في أطراف.
فمن قائ00ل :إن00ه بدع00ة وح00رام ،وأن العب00د ألن يلقى هللا ع00ز وج00ل بك00ل ذنب س00وى
الشرك خير له من أن يلقاه بعلم الكالم.
ومن قائ00ل :إن00ه واجب وف00رض إم00ا على الكفاي00ة أو على األعي00ان ،وإن00ه أفض00ل
األعمال وأعلى القربات ،فإنه تحقيق لعلم التوحيد ،ونضال عن دين هللا تعالى.
وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أه00ل الح00ديث
من السلف ،ق00ال ابن عب00د األعلى رحم00ه هللا تع00الى :س00معت الش00افعي -رض00ي هللا تع00الى
عنه -يوم ناظر حفصا الفرد -وكان من متكلمي المعتزلة -يقول :ألن يلقى هللاَ العب ُد بكل
ذنب م00ا خال الش00رك باهلل خ00ير ل00ه من أن يلق00اه بش00يء من علم الكالم ،ولق00د س00معت من
حفص الفرد كالما ال أقدر أن أحكيه ،وقال أيضا :قد اطلعت من أهل الكالم على ش00يء م00ا
ظننته قط ،وأن يبتلي هللا العبد بكل ما نهى هللا تعالى عنه ما ع00دا الش00رك خ00ير ل00ه من أن
ينظر في الكالم ،وقال :لو علم الن00اس م00ا في الكالم من األه00واء لف00روا من00ه ف00رارهم من
األس00د .وق00ال :حكمي في أص00حاب الكالم أن يض00ربوا بالجري00د ويط00اف بهم في القبائ00ل،
ويقال :هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة ،وأخذ في الكالم.
وق00ال أحم00د بن حنب00ل :ال يفلح ص00احب الكالم أب00دا ،وال تك00اد ت00رى أح00دا نظ00ر في
الكالم إال وفي قلبه دغل ،وبالغ في ذمه ،حتى هجر الحارث المحاسبي مع زه00ده وورع00ه
بسبب تصنيفه كتابا في الرد على المبتدعة ،وق00ال ل00ه ويح00ك تحكي ب00دعتهم أوال ،ثم ت00رد
عليهم ألس00ت تحم00ل الن00اس بتص00نيفك على مطالع00ة البدع00ة ،والتفك00ر في تل00ك الش00بهات،
1
فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث ،وقال أحمد –رحمه هللا تعالى :-علماء الكالم زنادقة...
وق00د اتف00ق أه00ل الح00ديث من الس00لف على ه00ذا ،وال ينحص00ر م00ا نق00ل عنهم من
التشديدات فيه.
وقالوا :ما سكت عنه الصحابة مع أنهم أعرف بالحقائق ،وأفصح ب00ترتيب األلف00اظ
من غيرهم إال لعلمهم بما يتولد منه من الشر ،ولذلك قال النبي صلى هللا تعالى عليه وآله
وسلم (هلك المتنطعون ،هلك المتنطعون ) أي المتعمقون في البحث واالستقصاء.
أما الفرقة األخرى فاحتجوا بأن ق00الوا :ال نع00نى ب00ه-أي ب00الكالم-إال معرف00ة ال00دليل
على حدوث العالم ووحدانية الخالق وصفاته كما جاء في الش00رع ،فمن أين تح00رم معرف00ة
هللا تعالى بالدليل؟ وكيف يكون ذكر الحجة والمطالبة بها ،والبحث عنه00ا محظ00ورا؟ وق00د
قال هللا تعالى ( قل ه00اتوا بره00انكم إن كنتم ص00ادقين) فطلب منهم البره00ان ،وق00ال تع00الى
(ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة ) وقال تعالى ( قل فلل00ه الحج00ة البالغ00ة)
وقال تعالى ( ألم تر إلى الذي ح00اج إب00راهيم في رب00ه إلى قول00ه فبهت ال00ذي كف00ر ) إذ ذك00ر
سبحانه احتجاج إبراهيم ،ومجادلته وإفحامه خصمه في معرض الثناء عليه ،وق00ال ع00ز
1قد أورد اإلم00ام ابن عس00اكر م00ا ذكرناه00ا من أق00وال الس00لف في ذم الكالم وغيره00ا في
كتابه (تب00يين ك00ذب المف00ترى فيم00ا نس00ب ألبي الحس00ن األش00عري) باألس00انيد المتص00لة ،فمن أراد
النظر في أسانيدها فليرجع إليه ( ص )333فما بعدها.
383
وجل ( وتلك حجتنا آتيناها إب0راهيم على قوم0ه) وق0ال تع00الى ( ق0الوا ي00ا ن0وح ق0د جادلتن0ا
فأكثرت جدالنا) وقال تعالى في قصة موسي علي0ه الس0الم ومباحثت0ه م0ع فرع0ون ( :وم0ا
رب العالمين إلى قوله :أو لو جئتك بشيء مبين )
وبالجملة فالقرآن من أوله إلى آخ0ره محاج0ة م0ع الكف0ار ممل0وء ب0الحجج واألدل0ة
وال00براهين في مس00ائل التوحي00د ،وإثب00ات الب00اري وال َمع00اد ،وإرس00ال الرس00ل ،فال ي00ذكر
المتكلمون وغيرهم دليال ص0حيحا على ذل0ك إال وه0و في الق0رآن بأفص0ح عب0ارة وأوض0ح
بيان ،وأتم معنا ،وأبعد عن اإليراد واألسئلة ،وقد اعترف بهذا حذاق المتكلمين.
فعمدة المتكلمين في التوحيد قوله تعالى ( لو كان فيهما آلهة إال هللا لفسدتا ) وفي
النبوة ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ) وفي البعث ( ق00ل
يحييها الذي أنشأها أول مرة ) إلى غير ذلك من اآليات واألدل00ة ،ولم ت00زل الرس00ل عليهم
الصالة والسالم يحاجون المنكرين ويجادلونهم ،قال تعالى ( وجادلهم بالتي هي أحسن )
والصحابة رضي هللا تعالى عنهم أيضا كانوا يحاجون المنكرين ،ويج00ادلون ،ولكن عن00د
الحاجة ،وكانت الحاجة إليه قليلة في زمانهم فلذا كان الخوض فيه قليال.
فإن قلت :فم00ا المخت00ار عن00دك في00ه ف00اعلم أن إطالق الق00ول بذم00ه في ك00ل ح00ال ،أو
بحمده في كل حال خطأ ،بل البد فيه من تفصيل.
فنقول :إن فيه منفعة ،وفيه مضرة فهو باعتبار منفعته في وقت االنتف00اع حالل أو
من0دوب إلي00ه أو واجب كم00ا يقتض00يه الح00ال ،وه0و باعتب0ار مض0رته في وقت االستض00رار
ومحله حرام.
أما مضرته فإثارة الشبهات ،وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم ،ف00ذلك
مما يحصل في االبتداء ،ورجوعها بالدليل مشكوك في00ه ،ويختل00ف في00ه األش00خاص ،فه00ذا
ضرره في االعتقاد الحق .
وأم00ا منفعت00ه فق00د يظن أن فائدت00ه كش00ف الحق00ائق ،ومعرفته00ا على م00ا هي علي00ه
وعمارة القلب بنور اليقين ،وهيهات ،فليس في الكالم وفاء بهذا المطلب الش00ريف ولع00ل
التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف.
وهذا الكالم إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء لم00ا
جهلوا فاسمع هذا الكالم ممن خبر ه00ذا الكالم ،ثم قاله بع00د حقيق00ة الخ0برة ،وبع0د التغلغ00ل
فيه إلى منتهى درجة المتكلمين ،وج00اوز ذل00ك إلى التعم00ق في عل00وم أخ00رى تناس00ب ن00وع
الكالم ،وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود .
ولعم00ري ال ينف00ك الكالم عن كش00ف وتعري00ف ،وإيض00اح لبعض األم00ور ولكن على
الندور ،وفي أمور جلية تكاد تفهم قبل التعمق في صنعة الكالم.
بل منفعته شيء واحد وهو حراس00ة العقي00دة على الع00وام وحفظه00ا عن تشويش00ات
المبتدعة بأنواع الجدل ،فان العامي ضعيف يستفزه جدل المبتدع وان كان فاسدا.
وإذا وقعت اإلحاط00ة بض00رره ومنفعت00ه ،فينبغي أن يك00ون الن00اظر في00ه ك00الطبيب
الحاذق في استعمال الدواء الخط00ر ،إذ ال يض00عه إال في موض00عه ،وذل00ك في وقت الحاج00ة
وعلى قدر الحاجة .
384
وتفصيله أن العوام المشتغلين بالحرف والص00ناعات يجب أن ي00تركوا على س00المة
عقائ00دهم ال00تي اعتق00دوها ،ف0ان تعليمهم الكالم ض0رر محض في حقهم ،إذ ربم00ا يث00ير لهم
شكا ،ويزلزل عليهم االعتقاد ،وال يمكن القيام بعد ذلك باإلصالح.
وأم00ا الع00امي المعتق00د للبدع00ة فينبغي أن ي00دعى إلى الح00ق ب00التلطف ال بالتعص00ب،
وبالكالم المقنع للنفس المؤثر في القلب القريب من سياق أدلة القرآن والحديث الممزوج
بفن من الوعظ والتحذير ،فان ذل00ك انف00ع من الج00دل الموض00وع على ش00رط المتكلمين ،إذ ٍ
العامي إذا سمع ذلك اعتقد أنه نوع صنعة من الجدل تعلمها المتكلم ليس00تدرج الن00اس إلى
اعتقاده ،فإن عجز عن الجواب قََّ 0د َر أن المج0ادلين من أه00ل مذهب00ه يق00درون على دفعه00ا،
فالج00دل م00ع ه00ذا وم00ع األول ح00رام ،وك00ذا من وق00ع في ش00ك إذ يجب إزال00ة ش00كه ب00اللطف
والوعظ ،واألدلة القريبة المقبولة ،البعيدة عن تعمق الكالم واستقصاء الجدل....
فان كانت البدعة شائعة وكان يخاف على الصبيان أن يخدعوا فال بأس أن يعلم00وا
الق0در ال0ذي أودعن0اه كت0اب ( الرس0الة القدس0ية) ليك0ون ذل0ك س0ببا ل0دفع ت0أثير مج0ادالت
المبتدعة إن وقعت.
فإن كان فيه ذكاء وتنبه لموضع السؤال ،أو ثارت في نفسه شبهة ،فقد بدت العلة
المحذورة ،وظهر الداء ،فال بأس أن يرقي منه إلى القدر الذي ذكرناه في كتاب (االقتصاد
في االعتقاد) وهو قدر خمسين ورقة ،وليس فيه خروج عن النظر في قواعد العقائ00د إلى
غير ذلك من مباحث المتكلمين.
وأما الزيادة على ذلك القدر بإيراد أسئلة وأجوب00ة وش00ب ٍه تنبعث من األفك00ار ،فه00و
استقص00اء ال يزي00د إال ض00الالً وجهال في ح00ق من لم يقنع00ه ذل00ك الق00در ،ف00رب كالم يزي00ده
اإلطناب والتقرير غموضاً.
فقد عرفت بهذا القدر المذموم والقدر المحمود من الكالم ،والحال التي ي00ذم فيه00ا،
والحال التي يحمد فيها ،والشخص الذي ينتفع به ،والشخص الذي ال ينتفع به.
واتض00ح ل00ك أن المحم00ود من الكالم م00ا ه00و من جنس حجج الق00رآن من الكلم00ات
اللطيفة الم00ؤثرة في القل00وب المقنع00ة للنف00وس ،دون التغل00ل في التقس00يمات و الت00دقيقات
التي ال يفهمها أكثر الناس ،وإذا فهموها اعتقدوا أنها شعوذة وصناعة تعلمه00ا ص00احبها
للتلبيس ،فإذا قابله مثله في الصناعة قاومه.
وعرفت أن الشافعي وكافة السلف إنما منعوا عن الخوض فيه والتجرد له لما فيه
من الضر ّر الذي نبهنا عليه ،وأن ما نق00ل عن ابن عب00اس $من من00اظرة الخ00وارج ،وم00ا
نقل عن علي $من المناظرة في القدر ،وغيره ،كان من الكالم الجلي الظاهر ،وفي مح00ل
الحاجة ،وذلك محمود في كل حال .
نعم قد تختلف األعصار في كثرة الحاجة وقلتها ،فال يبع00د أن يختل00ف الحكم ل00ذلك.
انتهى كالم الغزالي .ملخصا
أقول :نهي السلف عن الكالم محمول على أوجه :
الوجه األول :أنهم نهوا عن كالم أهل الب00دع واأله00واء ،فان00ه ك00ان في الق00ديم إنم00ا
يع00رف ب00الكالم أه00ل الب00دع واأله00واء ،وأم00ا أه00ل الس00نة فمع00ولهم فيم00ا يعتق00دون الكت00اب
والسنة ،وكانوا قلما يخوضون في الكالم قاله اإلمام ال00بيهقي ،نقل00ه عن00ه ابن عس00اكر في
385
تبيين كذب المفتري ( )334ثم قال :وناهي0ك بقائل00ه أبي بك00ر ال00بيهقي ،فق00د ك00ان من أه00ل
الرواية والدراية.
ثم قال ابن عساكر ( :)345وإنما يع00ني الش00افعي -وهللا أعلم -بقول00ه “ :من ابتلي
ب00الكالم لم يفلح “ كالم أه00ل األه00واء ال00ذين ترك00وا الكت00اب والس00نة ،وجعل00وا مع00ولهم
عقولهم ،وأخذوا في تسوية الكتاب عليها ،وحين حملت عليهم السنة بزي00ادة بي00ان لنقض
أقاويلهم اتهموا رواتها ،وأعرضوا عنه00ا ،فأم00ا أه00ل الس00نة فم00ذهبهم في األص00ول مب00ني
على الكتاب والسنة ،وإنما أخذ من أخذ منهم في العق00ل إبط00االً لم00ذهب من زعم أن00ه غ00ير
مستقيم على العقل ،وباهلل التوفيق .انتهى.
أق0ول :وعلى ه0ذا يحم0ل تش0ديدات الس0لف الغليظ0ة في النهي عن الكالم كم0ا ي0دل
عليه سياق كالم الشافعي المتقدم بعدما ناظر حفصا ً الفرد القدري ،وقد ج00اء مص00رحا ً في
بعض الروايات عنه ،روى عنه ابن عس00اكر بس00نده المتص00ل ( )337أن00ه ق00ال( :ألن يلقى
هللا عز وجل العبد بكل ذنب خال الشرك خير له ثم أن يلقاه بشيء من األهواء)
قال الشافعي هذا الكالم حينما رأى قوما ً يتج00ادلون في الق00در بين يدي00ه.وع00بر عن
كالمهم باألهواء.
وروى البيهقي أنه دخل حفص الفرد على الشافعي ،فقال :الشافعي بعد خروجه:
(ألن يلقى العب ُد هللاَ بذنوب مثل جبال تهامة خير له من أن يلقاه باعتقاد حرف مما
عليه هذا الرجل وأصحابه) وكان حفص يقول بخلق القرآن ،نقله ابن عساكر في التب00يين
()341
الوج00ه الث00اني :أن النهي محم00ول على الخ00وص في الكالم لمعرف00ة المجادل00ة م00ع
الخصوم واإلحاطة بمناقضة أدلتهم ،والتشدق بتكثير األس00ئلة واألجوب00ة الدقيق00ة ،وإث00ارة
الشبه واللوازم البعيدة مما لم يكن يعرف شيء منه في العصر األول ،ب00ل ك00انوا يش00ددون
النكير على من يفتح باب الجدل والممارات ،ولذلك قال النبي ص00لى هللا تع00الى علي00ه وآل00ه
وس00لم( :هل00ك المتنطع00ون) أي المتعمق00ون في البحث واالستقص00اء ،وذل00ك الش00تمال ه00ذا
النوع من الكالم ،على ما أشار إلي00ه الغ00زالي رحم00ه هللا على كث00ير من الخب00ط والتض00ليل،
وعدم وفائه بما هو المقصود من كشف الحقائق وعم00ارة القلب ب00اليقين ،ب00ل إن00ه م00ورث
بالعكس من ذلك زعزعة في العقيدة ،ووهنا ً في التصميم.
قال الغزالي :وما أحدثه المتكلمون من تفسير وسؤال وتوجيه إشكال ثم االش00تغال
بحل00ه فه00و بدع00ة ،وض00رره في ح00ق عم00وم الخل00ق ظ00اهر ،فه00ذا ال00ذي ينبغي أن يت00وقى،
والدليل على تضرر الخلق به المشاهدة والتجربة ،وما ثار من الفتن بين الخلق من00ذ نب00غ
المتكلمون وفشي صناعة الكالم مع سالمة العصر األول عن مثل ذلك.
وق00ال الغ00زالي أيض0اً :فقس عقي00دة أه00ل الص00الح والتقى من ع00وام الن00اس بعقي00دة
المتكلمين والمجادلين فترى اعتقاد العامي في الثبات كالطود الشامخ ال تحرك00ه ال00دواهي
والصواعق ،وعقيدة المتكلم الحارس اعتقاده بتقسيمات الجدل كخي00ط مرس00ل في اله00واء
الرياح مرةً هكذا ومرةً هكذا.
ُ تفَيئهه
الوجه الثالث :ما في التغلغل في الكالم من خطر الدخول في البدعة أو الكفر وذلك
ألن الباحث فيه قد يخطئ ،والخطأ فيه ال يخلو عن أحد الخط00رين الم00ذكورين .وق00د أش00ار
386
إلى هذا اإلمام الشافعي رحمه هللا في م00ا رواه عن00ه ابن عس00اكر في التب00يين ( )343ق00ال:
وأما استحبابه أي الشافعي ترك الخوض فيه ،واإلعراض عن المناظرة في00ه م00ع معرفت00ه
به ،فأخبرنا أبو عبد هللا الحافظ ق00ال :س00مت أب00ا الفض00ل الحس00ن بن يعق00وب الع00دل يق00ول:
سمعت أبا أحمد محمد بن روح يقول :كنا عند باب الشافعي نتناظر في الكالم فخرج إلين00ا
الشافعي رحمه هللا فسمع ببعض ما كنا فيه فرجع عنا فما خرج إلين00ا إال بع00د س00بعة أي00ام،
ثم خرج فقال :ما منع0ني من الخ0روج إليكم ِعلّ0ةٌ عرض0ت ،ولكن لِ َم0ا س0معتكم 0تتن0اظرون
فيه ،أتظنون أني ال أحسنه؟ لقد دخلت في00ه ح00تى بلغت في00ه مبلغ0اً ،وم00ا تع00اطيت ش00يئا ً إال
وبلغت فيه مبلغا ً حتى الرمي ،كنت أرمي بين الغرض00ين ،فأص0يب من عش0ر تس0عة ،ولكن
الكالم ال غاية له ،تناظروا في شيء إن أخط00أتم في00ه يق00ال لكم :أخط00أتم ،وال تن00اظروا في
شيء إن أخطأتم فيه يقال :كفرتم.
الوجه الرابع :ما اشتمل عليه علم الكالم من حكاية مذاهب أه00ل الب00دع واأله00واء،
وذكر الشبه الواردة على اعتقاد أه00ل الس00نة ،وه00ذا مفض إلى نش00ر ه00ذه الم00ذاهب ،وق00د
أمرنا بإخمادها ،وموجب لتمكن هذه الشبه في القلوب.
فإن الشبهة كثيراً ما تكون واضحة ويكون الجواب عنها خفياً ،ثم إن هذا يجر إلى
الرأي والجدل والممارات في دين هللا تعالى ،وقد علمت إنكار السلف ل00ه ،وه00ذا م00ا أش00ار
إليه اإلمام أحمد رحمه هللا تع0الى حينم0ا أنك0ر على الح0ارث المحاس0بي تص0نيفه كتاب0ا ً في
الرد على المبتدعة ،فقال له :ويحك تحكي بدعتهم أوالً ثم ترد عليهم! ألست تحمل الناس
بتص00نيفك على مطالع00ة البدع00ة ،والتفك00ر في تل00ك الش00بهات؟ في00دعوهم ذل00ك إلى ال00رأي
والبحث ،وقد أشار إلى هذا الغزالي بقوله :أما مضرته فإثارة الشبهات وتحري00ك العقائ00د،
وإزالتها عن الجزم والتصميم ،فذلك مما يحصل في االبت00داء ورجوعه00ا بال00دليل مش00كوك
فيه.
الوجه الخامس :إن النهي محمول على االقتصار على الكالم لما في00ه من زعزع00ة
العقيدة وسقوط هيبة ال00رب من القلب ،ق00ال ابن عس00اكر في التب00يين ( :)334ويحتم00ل أن
يكون مرادهم من النهي عن الكالم أن يقتصر عليه ،وي00ترك تعلم الفق00ه ال00ذي يُتوص00ل ب00ه
إلى معرفة الحالل والحرام ،ويرفض العمل بما أمر بفعل00ه من ش00رائع اإلس00الم ،وال يل00تزم
فعل ما أمر به الشارع ،وترك ما نهى عنه من األحكام.
وقد بلغني عن حاتم بن عنوان األص00م وك00ان من أفاض00ل الزه00اد وأه00ل العلم –أن00ه
قال :الكالم أصل الدين ،والفقه فرعه والعمل ثمره ،فمن اكتفى بالكالم دون الفقه والعم00ل
تزن000دق ،ومن اكتفى بالعم000ل دون الكالم والفق000ه ابت000دع ،ومن اكتفى بالفق000ه دون الكالم
والعمل تفسق ،ومن تفتن في األبواب كلها تخلص .انتهى.
والسبب فيما قاله حاتم األصم من أن المكتفي بالكالم يتزندق أن الخ00ائض في علم
الكالم المقتصر عليه تتزعزع عقيدته ،وتسقط هيبة الرب من قلبه.
وذلك ألن عمل المتكلم هو الكالم على ذات هللا تعالى وصفاته وإيراد األدلة العقلية
على إثباتها ،ثم إيراد الشبه على تلك األدلة ثم الجواب عنها ،ثم الكالم على م00ا ي00رد على
الج00واب من النقض ،واإلجاب00ة عن00ه وهلم ج00راً ،وه00ذا العم00ل ي00وجب وهن00ا في العقي00دة،
ويفضي إلى سقوط هيبة ال00رب س00بحانه وتع00الى عن القلب ومن أج00ل ذل00ك ك00ان كث00ير من
387
المتكلمين المقتص00رين على الكالم رقيقي ال00دين ،ح00تى نق00ل عن بعض00هم الته00اون بإقام00ة
الصالة.
الوجه السادس :أن النهي محمول على الدخول في الكالم والخوض فيه عند ع00دم
الحاجة إليه ،وذلك ألن أدلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع بها قليل من الناس ،ويتضرر بها
اآلخرون ،فينبغي االقتصار منها على قدر الحاجة وعلى وقت الحاجة .قال اإلمام الغ00زالي
في “ إلجام العوام عن علم الكالم “ :إن األدلة تنقسم إلى ما يحتاج فيه إلى تفكر وتدقيق
خارج عن تدقيق العامي وقدرته ،وإلى ما هو جلي سابق إلى اإلفهام ببادئ ال00رأي ،واق00ل
النظر ،بل يشترك فيها كافة الناس بسهولة ال خط00ر في00ه ،وم00ا يحت00اج إلى الت00دقيق فليس
على قدر وسعه.
فأدلة القرآن مثل الغذاء ينتفع به كل إنسان ،وأدلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع ب00ه
آحاد الناس ،ويستضر به األك00ثرون ،ب00ل أدل00ة الق00رآن كالم00اء ينتف00ع ب00ه الص00بي والرج00ل
القوي ،وسائر األدلة كاألطعمة ،ينتفع بها األقوياء مرة ،ويمرضون بها أخرى ،وال ينتفع
بها الصبي أصالً.
وأما معرفة الكالم الذي ال يخالف الكتاب والس00نة ،واس00تعماله عن00د الحاج00ة فليس
بمذموم ،وقد اشتهر غير واحد من علماء اإلسالم ومن أهل السنة قديما ً بالكالم .قال00ه ابن
عساكر ( )352وقدمنا أن اإلمام الشافعي كان ضليعا ً منه.
قال ابن عساكر ( )339والكالم المذموم كالم أصحاب األهوية ،وما تزخرفه أرباب
البدع المردية ،فأما الكالم الموافق للكتاب والسنة الموضح لحقائق األص00ول عن00د ظه00ور
س0نه ،ويَ ْفهم00ه ،وق00دالفتنة ،فهو محمود عند العلماء ومن يعلم00ه ،وق00د ك00ان الش00افعي يُ ْح ِ
تكلم مع غير واحد ممن ابتدع ،وأقام الحجة عليه حتى انقطع ،ثم أورد ابن عساكر جمل00ة
من مناظرات الشافعي للمبتدع0ة الدال0ة على أن0ه ك0ان متض0لعا ً من ه0ذا العلم ،ثم ق0ال ص
:351فأم00ا الكالم ال00ذي يواف00ق الكت00اب والس00نة ،وي00بين بالعق00ل والع00برة ،فإن00ه محم00ود
مرغوب فيه عند الحاجة ،تكلم فيه الشافعي وغيره من أئمتنا رضي هللا تع00الى عنهم عن00د
الحاجة كما سبق ذكرنا له.
وقال اإلمام تقي الدين السبكي في نق0ده لنوني0ة ابن القيم :ال تش0تغل من العل0وم إال
بما ينفع ،وهو القرآن والس00نة والفق0ه 0وأص00ول الفق00ه والنح00و ،وبأخ00ذها عن ش00يخ س00الم
العقي00دة ،وبتجنب علم الكالم والحكم00ة اليوناني00ة ،واالجتم00اع بمن ه00و فاس00د العقي00دة ،أو
النظر في كالم00ه ،وليس على العقائ00د أض00ر من ش00يئين :علم الكالم ،والحكم00ة اليوناني00ة،
وهم00ا في الحقيق00ة علم واح00د ،وه00و العلم اإللهي ،لكن اليون00ان طلب00وه بمج00رد عق00ولهم،
والمتكلمون طلبوه بالعقل والنقل ،وافترقوا ثالث فرق:
إحداها غلب عليها جانب العقل ،وهم المعتزلة.
والثانية غلب عليها جانب النقل ،وهم الحشوية.
والثالثة استوى األمران عندهم ،وهم األشعرية.
وجميع الف00رق الثالث في كالمه00ا مخ00اطر ،إم00ا خط00أ في بعض00ه ،أو س00قوط هيب00ة،
والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون على الفطرة
388
الس00ليمة ،وله00ذا ك00ان الش00افعي رحم00ه هللا تع00الى ينهى الن00اس عن االش00تغال بعلم الكالم،
ويأمرهم باالشتغال بالفقه وهو طريق السالمة.
ولو بقي الناس على ما ك0انوا علي0ه في زمن الص0حابة ك0ان األولى للعلم0اء تجنب
النظر في علم الكالم جملة ،لكن حدثت بدع أوجبت للعلماء النظر فيه لمقاومة المبتدعين،
ودفع شبههم عن أن تزيغ بها قلوب المهتدين .انتهى.
والحاصل أن المتكلمين قد وع00روا الطري00ق إلى تحص00يل العقي00دة وح00اولوا أثباته00ا
ودف00ع الش00به عنه00ا بكالم خفي دقي00ق طوي00ل مب00ني على مق00دمات فلس00فية غ00ير واض00حة
محتاج00ة ألى األثب00ات ب00دالئل ركيك00ة ص00عبة الفهم عس00يرة الهض00م ،قابل00ة ل00ورود الش00به
والشكوك واألنتقادات عليها ،فبعد تقرير هذه ال00دالئل يش00تغلون ب00دفع اإلنتق00ادات ال00واردة
عليها ،وكثيرا ما يك00ون ال00دفع أيض00ا م00وردا لالنتق00اد ،فيح00اولون دفع00ه ،وهك00ذا ...فص00ار
الكالم الذي مارسوه ووسعوا الكالم فيه قلي00ل النف00ع ك00ثر الض00رر مخلف00ا ورائ00ه ش00بها في
العقول ووهنا في العقيدة ،بدال عن إيراثه الطمأنينة في الصدور والثلج في القل00وب ،فه00و
كلحم جم00ل غث على رأس جب00ل وع00ر ال س00هل ف00يرتقي ،وال س00مين فينتقي ،وأحس00ن م00ا
عندهم فهو في القرآن أصح تقريراً ،وأحسن تفسيراً ،وليس عندهم إال التكل0ف والتطوي0ل
والتعقيد كما قيل:
لوال التنافس في الدنيا لما وضعت ##كتب التناظر ال المغني وال ال َع َمد
يحللون بزعم منهم عقدا ##وبالذي وضعوه زادت العقد
فهم يزعمون أنهم يدفعون بالذي وضعوه الش0به والش0كوك ،والفاض0ل ال0ذكي يعلم
أن الشبه والشكوك زادت بذلك.
ومن طريف ما بلغني أن بعض األساتذة -وكان المق0رر في قط0رهم ت0دريس ش0رح
العقائد النسفية للتفت00ازاني -ك00ان عقب اإلنته00اء من ت00دريس ه00ذا الكت00اب ي00درس تالمذت00ه
كت00اب الش00فاء للقاض00ي عي00اض إص00الحا لم00ا أفس00ده الش00رح الم00ذكور وتالفي00ا لم00ا أورث00ه
تدريسه من زعزعة في العقيدة ومن الوهم في التصميم.
وهذا ما أشار إليه اإلمام الرازي في وصيته حيث قال فيها :ولقد اخت00برت الط00رق
الكالمية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في الق00رآن،
ألن00ه يس00عى في تس00ليم العظم00ة والجالل هلل ،ويمن00ع عن التعم00ق في إي00راد المعارض00ات
والمناقضات ،وما ذلك إال للعلم بأن العقول البش00رية تتالش00ى في تل00ك المض00ايق العميق00ة،
والمناهج الخفية ،فلهذا أقول:
كل ما ثبت بالدالئل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته وبرائته عن الشركاء كم00ا
في القدم واألزلية ،والتدبير والفعالية فذلك هو الذي أقول به ،وألقى هللا به.
وأم00ا م00ا ال ينتهي األم00ر في00ه إلى الدق00ة والغم00وض ،وك00ل م00ا ورد في الق00رآن
والصحاح المتعين للمعنى الواحد فهو كما قال.
والذي لم يكن كذلك أقول :يا إله العالمين :إني أرى الخلق مطبقين على أن00ك أك00رم
األكرمين ،وأرحم الراحمين ،فكل ما مده قلمي أو خطر ببالي فاستشهد وأق00ول :إن علمت
مني أني أردت به تحقيق الباطل ،أو إبطال حق ،فافع0ل بي م0ا أن0ا أهل0ه ،وإن علمت م0ني
389
أني ما سعيت إال في تقديس ما اعتقدت أنه الحق ،وتص00ورت أن00ه الص00دق فلتكن رحمت00ك
مع قصدي ال مع حاصلي فذلك جهد المقل …
وقد أورد الوصية بتمامها تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى .8/91
390
هذا هو النوع المحمود من الكالم والنوع األول هو المذموم منه،
لكنه ال يخفى أن مجموعة كبيرة من علماء أهل السنة والجماعة من ل00دن عه00د
السلف قد اشتغلوا بالنوع األول منه ،واعتنوا به ووس00عوا الكالم في00ه كالح00ارث بن أس00د
ب ،وحس00ين بن علي الكرابس00ي ،واإلم0امين :أبي الحس0ن األش00عري المحاس0بي ،وابن ُكالَ ٍ
وأبي منص00ور الماتري00دي ،والقاض00ي أبي بك00ر الب00اقالني ،وأبي المعين النس00في ،وإم00ام
الحرمين ،والغزالي ،وفخرالدين الرازي ،والشهر س00تاني ،واآلم00دي ،والقاض00ي عض00دين
اإليجي ،وسعد الدين التفتازاني ،والسيد الشريف الجرجاني ،وغيرهم.
والعذر لألوائل من هؤالء العلماء في ذلك أنه قد نجم على عه00دهم ش00به مص00درها
الفلس00فة ،ق00د أورده00ا أص00حابها على عقائ00د اإلس00الم وأص00وله ،وظه00رت ب00دع وأه00واء
منشؤها كالم أهل البدع واألهواء ،فرأى هؤالء العلماء أن00ه من ال00واجب عليهم – حفاظ00ا
على أص00ول اإلس00الم أن تتط00رق إليه00ا الش00به ،وعلى عقي00دة المس00لمين أن ت00تزعزع وأن
تشوبها البدع -أن يدفعوا تلك الشبه ،ويردوا على تلك البدع واألهواء ،ويبن00وا بطالنه00ا،
ورأوا أن أفضل أسلوب لدفع تلك الشبه وللرد على تلك الب00دع ه00و األس00لوب كالمي ال00ذي
هو منشئها كي يكون ال00رد أق00وى وأش00د إلزام00ا ألص00حابها .وه00ذا م00ا أش00ار إلي00ه الغ00زالي
بقول00ه “ :فه00و باعتب00ار منفعت00ه في وقت االنتف00اع حالل أو من00دوب إلي00ه أو واجب كم00ا
يقتضيه الحال “ ،ونبه عليه السبكي بقوله “ :ول00و بقي الن00اس على م00ا ك00انوا علي00ه في
زمن الصحابة لك0ان األولى للعلم0اء تجنب النظ00ر في علم الكالم جمل0ة ،ولكن ح00دثت ب00دع
أوجبت للعلم00اء النظ00ر في00ه لمقاوم00ة المبت00دعين ودف00ع ش00بههم عن أن يزي00غ به00ا قل00وب
المهتدين“ .
ثم بع00د م00وت تل00ك الش00به وان00دثار تل00ك الب00دع اس00تمر علم الكالم حي00ا على أي00دي
مجموعة من المتأخرين من علماء األمة ،فصاروا يقارعون عدوا ميت00ا ،وي00دفعون ش00بها
ويبطلون بدعا ال وجود لها في عالم العقول 0الحية ،وإنما مثواها بطون الكتب والزبر.
نعم بع00د م00ا دون ه00ذا العلم واس00تقر كأح00د عل00وم اإلس00الم ص00ار الع00الم اإلس00المي
الموسوعي بحاج00ة ماس00ة إلى معرفت00ه أو اإللم00ام ب00ه لم00ا ل00ه من العالق00ة القوي00ة ب00العلوم
اإلسالمية األخرى ،والشتباك مصطالحاته ومسائله بكثير من تلك العلوم.
فمن أجل ذلك إستمر اإلعتناء بهذا العلم في األوساط العلمية ،وتت00ابع تدريس00ه في
المدارس اإلسالمية.
وق00د ص00ار المس00لمون الي00وم بحاج00ة ماس00ة إلى علم كالم جدي00د ي00دلل العقائ00د
اإلسالمية بدالئل تتناسب مع عقول الناس اليوم وتت00وائم م00ع ثق00افتهم ،وي00رد على الش00به
التي انتجتها عقول أعداء اإلسالم الذين يكيدون ل00ه ،ويتربص00ون بالمس00لمين ال00دوائر من
المالحدة والمستشرقين وغيرهم ،وقد تكفل هللا بالحفاظ على هذا الدين بقول0ه( :إن0ا نحن
نزانا الذكر وإنا له لح00افظون) ،ونحم00د هللا تع00الى على أن أنج00ز وع00ده بتنش00ئة نخب00ة من
العلماء الربانيين النابغين في ش00تى المج00االت العلمي00ة المتحمس00ين ل00دينهم المض00حين في
سبيله بالنفس والنفيس قاموا بالذود عن حمى اإلسالم وحماي00ة حقيقت00ه ،وبالت00دليل على
عقائده وأصوله ،وبإثبات حقائقه وحقانيته ،وبإبط00ال الش00به ال00تي أثاره00ا أع00داء اإلس00الم
391
ضد عقائده وأسسه ومقرراته ،فأنشئوا بذلك علم كالم جديد يناس00ب عق00ول أه00ل العص00ر،
ويتوائم مع ثقافتهم .ولهم في ذلك اتجاهات مختلفة.
فمنهم من اعت00نى بش00رح حجج الق00رآن ال00تي اس00تدل هللا به00ا على عقائ00د اإلس00الم
وحقائق00ه ،فأخ00ذ يفس00رها ويفص00لها ويض00رب له00ا األمث00ال.وه00ذه الطريق00ة أفض00ل الط00رق
وأجداها وأقصرها .وذلك لوضوح هذه األدلة وجالئه00ا وأليراثه00ا ثلج الص00دور وطمأنين00ة
القلوب للناس كافة عامتهم وخاصتهم،األميين منهم والفالسفة ،وفي مقدمة من سلك هذا
المنهج العالم الرباني نابغة العصر اإلمام الملهم بديع الزمان سعيد النورسي في مؤلفات00ه
المبارك00ة المس00ماة برس00ائل الن00ور ،فق00د أنش00أ في رس00ائله ه00ذه علم كالم جدي00د على ه00ذا
المنهج القويم ،ومن أجل ذلك لقبه بعض العلماء بمتكلم العصر.
ومنهم من اس00تدل على عقائ00د اإلس00الم وحقائق00ه بم00ا اكتش00فه عق00ول العلم00اء في
العصر الحديث وتوصل إليه تج00اربهم المس00تندة إلى التكنولوجي00ا الحديث00ة المتقدم00ة تق00دم
هائال في شتى المجاالت.
ومنهم من اعتنى بما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن ،والقرآن ال تنقضي عجائب00ه،
وبتفسير مجموعة من آيات0ه الكوني0ة بم0ا يواف0ق المكتش0فات العلمي0ة ال0تي توص0لت إلي0ه
عقول العلماء وتج0اربهم ،وب0ذلك دعم0وا إيم0ان المؤم0نين وق0ووا نفوس0هم 0وزادوا ثقتهم
بدينهم وكتابهم ،وجذبوا إلى اإليم00ان مجموع00ة كب00يرة من العلم00اء والمتعلمين والمثقفين
من غير المؤمنين وهذه الطريقة طريقة محمودة نافعة إذا خلت عن التكلف والتعسف في
تفسير آي الذكر الحكيم ،إلى غير ذلك من اإلتجاهات.
وهذه اإلتجاهات كلها تصب في مصب واحد ،وهو مصب اثبات العقائ00د اإلس00المية
وبيان حقانيته ،والدفاع عن حياضه بطريقة تناسب العصرالحديث.
وهذا العلم قد ول0د وتك00ون -كم00ا ه0و ع0ادة اإلبتك00ار والتك00ون -مفرق0ا مش0تتا ك00ل
مجموعة منه في كتاب ،وهو بحاجة إلى من يقوم بجمعه في كت00اب واح00د يرتب00ه وينس00قه
فيه.
وهللا نسأل أن يقيض لهذه االمة من يقوم بهذ العبأ ،ويقدم له00ا ه00ذه الخدم00ة .وم00ا
ذلك على هللا بعزيز.
وأخيرا نود أن ننبه على أمرين:
األول :أن أئمة علم الكالم ق0د عرف00وه بتعريف0ات مختلف00ة ش0املة لكال الن00وعين من
الكالم ،ونورد منها ثالثة تعريفات لثالثة من فحول علم الكالم :اإليجي والتفت00ازاني وابن
الهمام.
قال القاضي عضد الدين اإليجي في المواقف :والكالم :علم يقتدر معه على إثب00ات
العقائد الدينية بإيراد الحجج والدفع الشبه.
وقال التفتازاني في المقاصد :الكالم :هو العلم بالعقائد الدينية عن األدلة اليقنية.
وق00ال ابن الهم00ام في المس00ايرة :والكالم معرف00ة النفس م00ا عليه00ا من العقائ00د
المنسوبة إلى دين اإلسالم عن األدلة علما ( في أكثر العقائد) وظنا في البعض منها.
فأنت ترى أن هذه التعريف00ات ش00املة لكال الن00وعين من الكالم حيث عمم00وا األدل00ة
ولم يخص00وها ب00الواردة على أس00لوب الفالس00فة ،ولعلهم الحظ00وا 0أن علمهم ال يخل00وا عن
392
األدلة الواضحة ال00تي هي من جنس حجج الق0رآن فمن أج00ل ذل0ك عمم00وا األدل00ة وعمم00وا
التعريفات لتشمل كال النوعين من الكالم.
الثاني :أن علماء الكالم بعد أن عرفوه بتلك التعريفات وما هو قريب منها قالوا:
إن العلم المع000رف به000ا يس000مى علم الكالم ،وعلم أص000ول ال000دين ،وعلم التوحي000د
والصفات ،فجعلوا الثالثة أسماء مترادفة لمسمى واحد مع أن السلف قد ذم00وا علم الكالم
ونهوا عن اإلشتغال به ،ولم يذم أحد منهم علم أصول الدين ،وعلم التوحيد والصفات ،بل
قد ألف فيه بعض من ذم علم الكالم ،وكيف يذم00ه مس00لم وه00و علم األص00ول ال00دين ،وعلم
التوحيد والصفات ،وهو من آكد الواجب00ات أو آك00دوها؟! فينبغي أن يف00رق ب00أن علم الكالم
إسم للنوع المذموم ،وعلم أصول الدين وعلم التوحيد والصفات إسم لن00وع المحم00ود .نعم
علم الكالم علم متعلق بأصول ال00دين وبالتوحي00د والص00فات لكن وج00ه التس00مية ال يقتض00ي
التسمية ،وذم السلف لعلم الكالم يقتضي ما ذكرناه من التفرقة .وهللا تعالى أعلم.
393
تحقيق مسألة أن صفات هللا ليست عينه وال غيره
بسم هللا الرحمن الرحيم
اتفق المتكلمون والفالسفة على أنه تعالى عالم قادر سميع بص00ير ،لكنهم اختلف00وا
في أن صفاته تعالى التي هي مأخذ اشتقاق ه00ذه األس00ماء ومبادئه00ا –وهي العلم والق00درة
والعلم والسمع والبصر -هل هي غيره تعالى أو عينه ،أو ليست عينه وال غيره.
فذهب فريق من المتكلمين –وهم الكرامية وبعض الحنابلة -إلى أنها غيره تع00الى،
وذهب الفالسفة إلى أنها عينه تعالى ،ووافقهم على ذل0ك مت00أخروا المعتزل00ة من ل0دن أبي
الحسين البصري ،وأم00ا متق00دموا المعتزل00ة ف00ذهب أب00و علي الجب00ائي وأص00حابه إلى أنه00ا
أمور اعتبارية ،وذهب مثبتوا األح00وال منهم –وهم أب00و هاش00م وأتباع00ه -إلى أنه00ا أح00وال
متوسطة بين الموجود والمع00دوم فتك0ون الص0فات عن00د ه0ذين الف0ريقين مغ00ايرة لل00ذات ال
محالة ،ألن الذات موجودة في الخارج ،والصفات عندهم ليست موجودة في الخارج ،لكن
ال يلزم عندهم تعدد الق00دماء الموج00ودة في الخ00ارج ،وه00و م00ا ف0روا من00ه.و من أج00ل ذل00ك
ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه.
وذهب اإلمام األشعري وأتباعه والحنفية والماتريدية إلى أنها ليس00ت عين00ه تع00الى
وال غيره.
{-1بي0ان أن ص0فات هللا تع0الى ليس0ت عين0ه وال غ0يره على حس0ب بي0ان مت0أخرى
األشاعرة والماتريدية}
وقبل الدخول في تفاصيل المس0ألة ينبغي أن ن0بين مع0نى الغ0ير ،ف0إن االختالف في
معنى الغير هو منشأ الخالف بين المتكلمين القائلين بنفي العينية والغيرية وبين الق00ائلين
بالغيرية.
فالغير عند القائلين بالغيرية عبارة عما ليس بعين ،فه00و به00ذا المع00نى نقيض ه00و
هو ،وال واسطة بين العين والغير بهذا المعنى.
وأما القائلون بأنها ليس00ت بعين وال غ00ير فق00د أثبت00وا الواس00طة بين العين والغ00ير،
وأما تعريف الغير عندهم فق00ال أب00و المعين النس00في في التبص00رة ( :)1/245ح00د الغ00يرين
عند أصحابنا –رحمهم هللا تعالى -أنهما الموجودان اللذان يصح وج00ود أح00دهما م00ع ع00دم
اآلخر ..ثم قال :وإذا صح هذا الحد –والعدم على القديم محال -فال يتص00ور وج00ود ال00ذات
مع عدم علمه ،وال وجود علمه تعالى مع عدم قدرته ،دل على أنهما ليسا غيرين ،وق00ال:
( ) 1/200وهذه الصفات ال يقال لكل صفة منها :إنها الذات ،وال يقال :غير الذات ،وكذلك
كل صفة مع ما ورائها كالعلم ال يقال :إنه غير القدرة ،وال إنه عينها.
وقال الجالل الدواني في شرح العقائ00د العض00دية ( :)1/277وق00د َع 0رَّفَ األش00عري
الغيرين بأنهما موجودان يصح عدم أحدهما مع وجود اآلخر.
ثم قال ( :)282-1/281المراد أنه يجوز ع0دم ؛أح0دهما م0ع وج00ود اآلخ00ر النتف0اء
عالقة بينهما توجب عدم االنفكاك ،وحاصله نفي اللزوم بينهما ...
394
ثم قال :وال شبهة في أن هذا المعنى هو الم00راد من التعري00ف ،ف00إن عالق00ة الل00زوم
عندهم هي التي تنافي الغيرية لقرب أحدهما من اآلخر ال مجرد مصاحبتهما دائماً .انتهى.
وإذا كان الخالف بين هذين الفريقين مبنيا ً على الخالف في تفسير الغير فال يخفى
أن الخالف بينهما يعود إلى اللفظ ،وإلى أنه هل يجوز إطالق الغير على صفاته تعالى لغة
وشرعا ً أم ال يجوز.
القائلون بالغيرية قالوا بجواز اإلطالق ،والنافون لها منعوا اإلطالق.
وإال فالفريقان متفقان على أن صفاته تعالى ليست عين ذات00ه ،بمع00نى أنه00ا ليس00ت
هي ،كما أنها متفقان على أنهما الزمة لذاته تعالى يمتنع وجود ذات00ه تع00الى ب00دونها ،كم00ا
يمتنع وجودها بدون ذاته تعالى.
ويمتنع عدمها مع وجود ذاته تعالى كما يمتنع عدمه تعالى مع وجودها.
لكن المتقدمين قد امتنعوا 0عن إطالق الغير عليها كما سيأتي.
وإذا كان هذان الفريقان متفقين على نفي العينية ،وكان الخالف بينهم00ا في إثب00ات
الغيرية ونفيها راجعا ً إلى اللفظ ،فالبد أن يك00ون الفريق00ان متفقين في االس00تدالل على نفي
العينية ضد الفالسفة ومن وافقهم 0من المعتزلة.
{-2االستدالل على أن صفات هللا تعالى ليست عينه}
وقد استدلوا على ذلك بوجوه:
منها أن النصوص قد وردت بكونه تعالى عالما ً حيا ً قادراً ونحوها ،وكون الش00يء
عالما ً معلل بقيام العلم به في الشاهد فكذا في الغائب ،فيكون العلم قائما ً بالع00الم فه00و ليس
عينه ضرورة أن القائم بالشيء ليس عين ذلك الشيء.
وتحقيق ذلك أن العلم إنما يوجب كون الشخص عالما ً من حيث كونه علما ً قطعا ً ال
من حيث كونه حادثا ً أو قديما ً أو عرضا ً إلى غير ذل00ك ،فال تق00دح ه00ذه الف00روق في ص00حة
هذا القياس كما قيل ألنه ال تأثير لها في العلة ،فإن العلم إنما يوجب كون الشخص عالم00ا ً
من حيث كونه علما ً كما قلنا ،ثم إن العلة في المقيس عليه منصوصة فيفيد القي00اس العلم
اليقيني كما ذكره أهل األصول ،فال ي00رد أن ه00ذا قي00اس فقهي مفي00د للظن ،وال يفي00د اليقين
المطلوب في المطالب الكالمية ،وذلك ألن عل00ة عالمي00ة الش00اهد وقادريت00ه مثالً هي علم00ه
وقدرته قطعاً.
ومنها أن هللا تعالى أثبت هذه الصفات لنفسه في كتابه العزي00ز ف00وجب الق00ول به00ا،
ويس00تحيل إثب00ات موج00ود به00ذه الص00فات م00ع نفي ه00ذه الص00فات ،وإذا ل00زم إثبات00ه به00ذه
األوصاف لزم إثبات هذه األوصاف ،قال هللا تعالى( :وال يحيطون بش00يء من علم00ه إال ...
بما شاء) ،وقال( :وسع كل شيء علما) وقال( :أنزله بعلم00ه) وق0ال( :إن هللا ه00و ال00رزاق
ذوالقوة المتين) فأثبت هللا لنفسه القوة وهي القدرة ،وأثبت العلم فدل على أنه تعالى عالم
بعلمه وقادر بقدرته.
وإذا ثبت هذا في العلم والقدرة وجب مثله في باقي الصفات إذ ال قائل بالفرق.
ومنها أن أئمة اللغة العربية اتفق00وا على أن مع00نى اس00م الفاع00ل من ثبت ل00ه مأخ00ذ
االشتقاق أي من ثبت له مدلول المصدر ،فمعنى العالم من ثبت له العلم ومعنى الق00ادر من
ثبت له الق0درة ،والثب0وت ه0و القي0ام ،ومن الض0روري أن الق0ائم بالش0يء ليس عين ذل0ك
395
الشيء ،وقد أثبت هللا تعالى لنفسه في كتاب00ه العزي00ز المش00تق من ه00ذه الص00فات من نح00و
العالم والقادر وهذا يقتضي ثبوت هذه األوصاف له تعالى ،وأنها ليست عينه تعالى.
والفرق بين هذا الدليل والدليل األول أن األول هو استدالل بالنص00وص عن طري00ق
العقل ،وهذا استدالل بها عن طريق اللغة.
ومنها أنه يلزم على مذهب المعتزلة أن يصح أن يق00ال :إن هللا تع00الى ع00الم بم00ا ال
علم له به ،وقادر على ما ال ق00درة ل00ه علي00ه ،وه00و كالم مح00ال متن00اقض ال يخفى تناقض00ه
على أغبى خليقة هللا تعالى.
ومنها :أنه ال فرق عند أهل اللغة بين قول القائل :هللا تعالى ليس بعالم.
وقوله :هللا تعالى ال علم له بشيء ،واألول فاسد فك00ذا الث00اني ،وك00ذلك ال ف00رق بين
قوله :هللا تعالى ليس بقادر على شيء ،وقوله :ال قدرة له على شيء.
فما ذهب إليه المعتزلة من جملة اآلراء المستشنعة المس00ترذلة ال00تي يتس00ارع ك00ل
سامع إلى نسبته إلى التناقض ،ويستحيل أن يختاره عاقل ،فضالً عن أن يعيب غيره.
قال أبو معين النسفي في التبصرة ( :)1/202وهذا النوع من االستدالل سمي عند
أرباب المنطق االستشهاد بشهادات المعارف ،ويعن00ون بالمع00ارف العل00وم األولي00ة الثابت00ة
في أص00ل خلق00ة ك00ل مم00يز وجبلت00ه ،وله00ذا يقول00ون :إن من تمس00ك به00ذا ال0رأي ينبغي أن
تصور عقيدته للدهماء ليقابلوه بالطنز واالستهزاء ،ويسمى هذا االس0تدالل عن0دهم أيض0ا ً
االستدالل باآلراء الذائعة.
{-3بيان مذهب الفالسفة والمعتزلة في أن صفات هللا تعالى عينه}
وأم00ا م00ذهب الفالس00فة ومن وافقهم 0من المعتزل00ة فننق00ل في بيان00ه كالم الس00يد
الش0ريف في ش0رح المواق0ف ثم ن0ورد دالئلهم ال0تي اس0تدلوا به0ا على م0ذهبهم م0ع بي0ان
زيفها قال رحمه هللا تعالى)8/48( :
فإن قلت كيف يتصور كون صفة الشيء عين حقيقته 0مع أن كل واح00د من الص00فة
والموصوف يشهد بمغايرته لصاحبه ،هل هذا الكالم مخيل ال يمكن التص00ديق ب00ه كم00ا في
سائر القضايا المخيلة التي يمتنع التصديق بها ،فال حاجة إلى االستدالل على بطالنه؟.
قلت :ليس مع00نى م00ا ذك00روه أن هن00اك ذات ول00ه ص00فة وهم00ا متح00دان حقيق00ة كم00ا
تخيلته ،بل معناه أن ذاته تعالى يترتب عليها ما ي00ترتب على ذات وص00فة مع0اً ،مثالً ذات00ك
ليست كافية في انكشاف األشياء عليك ،بل تحتاج في ذلك إلى صفة العلم التي تق00وم ب00ك،
بخالف ذاته تعالى فإنه ال يحتاج في انكشاف األشياء ،وظهورها عليه إلى صفة تقوم به،
بل المفهومات بأسرها منكشفة عليه ألجل ذاته تعالى ،فذاته به00ذا االعتب00ار حقيق00ة العلم،
وكذا الحال في القدرة ،فإن ذاته تعالى مؤثرة بذاتها ال بصفة زائدة عليها كما في ذواتن00ا،
فهي بهذا االعتبار حقيقة القدرة ،وعلى ه00ذا تك00ون ال00ذات والص00فات متح00دة في الحقيق00ة
متغايرة باالعتبار والمفهوم.
ومرجع00ه إذا حق00ق إلى نفي الص00فات م00ع حص00ول نتائجه00ا وثمراته00ا من ال00ذات
وحدها ،انتهى.
{-4دالئل المعتزلة على مذهبهم واألجوبة عنها}
واستدلت المعتزلة على مذهبهم بأمور:
396
منها :أنه لو كان هللا تعالى عالما ً بعلم لك00ان محتاج 0ا ً إلى العلم واالحتي00اج على هللا
تعالى محال ألنه موجب لالستكمال بالغير.
وأجيب عنه أوال :ب00أن الحاج00ة ال تك00ون إال بين متغ00ايرين ،وال تغ00اير بين ذات هللا
تعالى وصفاته.
وثانياً :بأن الحاجة نقص يوجد ويتحقق ثم يرتفع بوجود ما به دفعها.
ولم يكن ال0000ذات متعري0000ا ً عن العلم ،ولم يكن العلم مع0000دوما ً لتتص0000ور الحاج0000ة
واندفاعها.
ومنها :أنه لو كانت للواجب صفات موجودة فإما حادثة فيلزم قيام الحوادث بذات00ه
تعالى وخلوه عنها في األزل ،وإما قديم00ة فيل0زم تع00دد الق00دماء والنص00ارى كف00رت بإثب00ات
ثالثة من القدماء فما ظنك بإثبات األكثر وأجيب عن هذه الشبهة بأجوبة:
األول أن األشعري يجيب عن لزوم تعدد القدماء ،بنفي التعدد ،ويقول :إن الصفات
وإن كانت قديمة لكنها ليست متعددة ،وإنما تك0ون متع0ددة ل0و ك0انت مغ0ايرة للموص0وف،
وليست كذلك.
الثاني أن تكفير النصارى إلثباتهم قدماء متغايرة مستقلة بذواتها.
وهي الوج00ود والعلم والحي00اة وس00موها األب واالبن وروح الق00دس ،ول00ذا ج00وزوا
انتقال بعضها وهي صفة العلم إلى بدن عيسى وبعضها وهي صفة الحي00اة إلى ب00دن م00ريم
فجوزوا االنفكاك واالنتقال فكانت ذواتا ً متغايرة ،لكن ح0ديث االنتق00ال ال يس0تقيم على زعم
النسطورية منهم القائلين باتحاد أقنوم العلم بجسد المسيح بطري00ق اإلش00راق كم00ا تش00رف
الشمس من كوة على بلور.
الثالث أن تكفير النصارى إلثباتهم آلهة ثالثة هم هللا تعالى والمسيح علي00ه الس00الم
ومريم سواء كان ذلك بطريق الحلول واالتحاد أو بطريق االمتزاج كامتزاج الخمر بالم00اء
أو بطريق اإلشراق ،أو بطريق االنقالب لحما ً ودم0اً ،أو بطري00ق آخ00ر كم00ا يزعم00ون ،كم00ا
يدل عليه قوله تعالى( :لقد كفر الذين ق00الوا إن هللا ث00الث ثالث00ة وم00ا من إل00ه إال إل00ه واح00د
واحد) وقول00ه تع00الى خطاب0ا ً لعيس00ى علي00ه الص00الة والس00الم( :أأنت قلت للن00اس اتخ00ذوني
وأمي إلهين من دون هللا.
{- 5استدالل الفالسف على العينية بأن الصفات لو كانت غيره تعالى لكانت مفتقرة
إليه ممكنة}
واستدلت الفالسفة بأنه لو وجدت الصفات لكانت غير الذات.ولو كانت غير ال00ذات
لزم أن تكون ممكنة الفتقارها واحتياجها في وجودها إلى الذات الموصوفة بها الس00تحالة
قيام الصفة بنفسها ،والفتقار بعضها إلى بعض ألن بعضها وهي الحياة شرط في الب00اقي،
وهي العلم والقدرة واإلرادة ..الخ ،والمشروط مفتقر إلى الشرط ،واالفتقار ينافي وجوب
الوجود ،إذ الواجب مستغن على اإلطالق فتكون ممكنة ،ويمتنع قيام الممكن بذات00ه تع00الى
واتصافه تعالى به ،ألن صفاته مث00ل ذات00ه الب00د أن تك00ون واجب00ة الوج00ود فثبت أن ص00فاته
تعالى عين ذاته.
وقد سلك متأخروا األشاعرة في اإلجابة على هذه الشبهة مسلكين:
{-6مسلك اإلمام الرازي في الجواب عن شبهة الفالسفة بتسليم أمكان الصفات}
397
األول :مس00لك اإلم00ام فخ00ر ال00دين ال00رازي وتبع00ه معظم من أتى بع00ده من متكلمي
األعاجم مثل س00عد ال00دين التفت00ازاني والس00يد الش00ريف الجرج00اني وجالل ال00دين ال00دواني،
وعبد الحكيم السيالكوني ،والكلنبوي ،والبياضي.
وهؤالء سلموا أن صفاته تعالى ممكن0ة لكنهم ق0الوا :إنه0ا ممكن00ة قديم00ة ،وليس0ت
ممكنة حادثة فت00ابعوا الفالس00فة في الق00ول ب00الممكن الق00ديم كم00ا ق00ال الفالس00فة :إن الع00الم
ممكن قديم وأن العقول 0العشرة ممكن0ة قديم0ة ،وذل0ك بن0اء على أص0ل الفالس0فة :أن عل0ة
اإلمكان هي االفتقار.
وبيان مذهبهم أنهم قالوا :إن ص00فاته تع00الى واجب00ة لذات00ه تع00الى أي ص00ادرة عن00ه
تعالى بطريق اإليجاب فيكون تعالى موجبا ً بالذات بالنسبة إليها.
وليس00ت واجب0ة ل00ذاتها ب0أن يك0ون وجوده0ا مقتض00ى ذاته0ا كم0ا أن وج0وده تع0الى
مقتضى ذاته ،وقالوا في بيان ذلك :إنه لما ثبت زيادة الص00فات الحقيقي00ة على ال00ذات فهي
إما مستندة إليه وجوداً أوالً ،والثاني يستلزم كون الصفات واجب00ات بال00ذات غ00ير مفتق00رة
إلى الذات ،وهو باطل ،ضرورة افتقار الصفة وجودا إلى الموصوف ،واألول إما أن يكون
استنادها إليه تعالى باإليج00اب أو باالختي00ار ،والث00اني يس00تلزم ح00دوث الص00فات ،ومحليت00ه
تع00الى للح00وادث ،ض00رورة مقارن00ة االختي00ار لع00دم م00ا تعل00ق االختي00ار بإيج00اده ،ويس00تلزم
التسلسل أو ال00دور ألن اإليج00اد باالختي00ار يس00تلزم س00بق الحي00اة والق00درة والعلم واإلرادة،
فتعين األول وهو أنها مستندة إليه تعالى باإليجاب.
{-7مسلك التلمساني والقرافي والسنوسي في الج00واب عن ش00بهة الفالس00فة بنفي
اإلمكان}
والمسلك الثاني مسلك القرافي وشرف الدين ابن التلمساني والسنوس00ي ،وه00ؤالء
قالوا :إن صفاته تعالى واجبة بذاتها مثل ذاته تعالى ،وقالوا بثب00وت واج00بين ب00ذاتهما :هللا
تعالى ،وصفاته ،وسلموا افتقارها لذات00ه تع00الى ،لكنهم منع00وا اس00تلزام االفتق00ار للح00دوث،
وقالوا :ليس كل افتقار مستلزما ً للحدوث ،بل المستلزم له هو االفتقار في الوجود ،وليس
االفتق00ار في القي00ام ،وص00فاته تع00الى إنم00ا تفتق00ر إلى ذات00ه تع00الى في القي00ام ال في الوج00ود
وانظر شرح السنوسي لعقيدته الكبرى ( )233-232طباعة مصطفى البابي.
قال القرافي في تعليقه على المسائل األربعين للرازي:
الص00فات يجب قيامه00ا بالموص00وف ،ويس00تحيل عليه00ا القي00ام بنفس00ها ،ف00إن ع00نيتم
باالفتقار هذا القدر فمسلم ،لكن العبارة رديئة ،وال يلزم منه اإلمكان ،إذ االفتقار على ه00ذا
التقدير في القيام ال في الوجود ،وال يلزم من االفتقار في القيام االفتقار في الوج00ود ،ف00إن
العرض مفتقر إلى الجوهر في قيامه ومستغن عنه في وجوده ،فإنه من هللا تعالى.
فال يل00زم من مطل00ق االفتق00ار اإلمك00ان فبط00ل قول00ه –أي ق00ول ال00رازي -ك00ل مفتق00ر
ممكن ،بل المفتقر يكون افتقاره باعتبار تركيبه 1وباعتبار قيام00ه ،وإن افتق00ار الص00فة إلى
موص00وفها باعتب00ار قيامه00ا ال باعتب00ار وجوده00ا كافتق00ار األث00ر إلى الم00ؤثر ،وه00ذا ه00و
المقتضى لإلمكان ،فاالفتقار أعم ،واإلمكان أخص ،واالستدالل باألعم غير مستقيم انتهى.
1
هكذا في إشارات المرام ،والسياق يقتضي أن يقال بدله :باعتبار 0وجوده.
398
وتحرير محل النزاع أنه هل مطلق االحتياج للغ00ير مس00تلزم لإلمك00ان ،أو االحتي00اج
في الوجود فقط؟ فالرازي ومن تبعه على األول ،والق00رافي ومن نح00ا نح00وه على الث00اني،
وشنعوا على األولين ،وانظر (إشارات المرام ص.)147
{-8تشنيع التلمس00اني وغ00يره على ال00رازي فيم00ا ذهب إلي00ه من إمك00ان ص00فات هللا
تعالى}.
قال السنوسي في شرح عقيدته الكبرى ( :)234قال شرف الدين ابن التلمساني:
ولما اعتقد الفخر صحة هذه الحجة يع00ني ش00بهة الفالس00فة “ :أن االفتق00ار بمع00نى
مطلق التوقف يوجب اإلمكان “ و “ أن كل مركب يفتقر إلى جزئه “ و “ جزئه غيره “
و “ المفتقر إلى الغير ال يكون إال ممكنا ً “ و “ توهم ال00تركيب باعتب00ار الص00فات “ (أي
ت0وهم أن0ه ل00و أثبتن0ا الص0فات الحقيقي00ة هلل تع0الى ل0زم ت0ركب ذات0ه تع0الى ،وه00و مس0تلزم
لالفتقار المستلزم لإلمك00ان) ،واس00تعمل ه00ذه المق00دمات في االس00تدالل على إمك00ان ك00ل م00ا
سوى هللا تعالى ،استشعر النقض بصفات هللا تعالى ،فقال مرة :هذا مما نستخير هللا تعالى
فيه ،يعني القول بإمكانها باعتبار ذاته00ا ،وج00زم أخ00رى وص00رح –والعي00اذ باهلل -بكلم00ة لم
يسبق إليها فقال:
هي ممكنة باعتبار ذاته00ا واجب00ة بوج00وب ذات00ه –ج00ل وعال -وض00اها في -1
ذلك قول الفالسفة :إن الع00الم ممكن باعتب0ار ذات00ه ،واجب بوج00وب مقتض00يه ،ونع00وذ باهلل
من زلة العالم.
قلت وأشنع من هذا ونعوذ باهلل تعالى -تصريحه بأن الذات قابلة لصفاتها -2
فاعلة لها (يعني ألن الصفات على هذا حادثة ،وأما على األول فهي ممكنة لكنها قديمة).
ومن شنيع مذهبه أيضا ً رد الصفات إلى مجرد نسب وإضافات. -3
وتسميته لها في بعض المواضع :مغايرة للذات ،مع ما علم من أن أئم00ة -4
السنة يمنعون إطالق الغيري00ة في ص00فاته تع00الى لم00ا ي00ؤذن ب00ه من ص00حة المفارق00ة ،كم00ا
يمنعون أن يقال :هي هو ،لما يؤذن به من معنى االتحاد والذي قاده إلى أكثر ه00ذه اآلراء
الفاسدة بإجماع فراره من التركيب الذي توهمته الفالسفة الزما ً لثب00وت الص00فات ،وألج00ل
ذلك نفوها ،ه0ذا م0ع أن الش0يء ال يتك00ثر بتكث0ير ص00فاته كم00ا ال يتك00ثر بتكث0ير اعتبارات0ه.
انتهى.
وممن شنع على الرازي العالمة المرجاني في حاشيته على شرح الجالل ال00دواني
للعقائد العض00دية ق00ال ( :)1/260( 0، 0)1/277أم00ا الحنفي00ة وغ00يرهم من أع00اظم الفقه00اء
وكبار مشايخ الصوفية فمذهب المتقدمين منهم في صفات هللا تعالى وأسمائه العلى ..هو
الثبات على بيان الشرع ،والتقيد بقيوده ،وع00دم التع00دي عن ح00دوده ،فال يتكلم00ون فيه00ا،
وال يخوضون في البحث عنه0ا ،ب0ل يفوض0ونها إلى هللا س0بحانه وتع0الى ،ويص0دقون به0ا
على مراد هللا ومراد رسوله صلى هللا عليه وآله وسلم وال يتجاوزون عن إثبات ما أثبته،
شبَه التي أحدثها أرباب المقاالت ونفي ما نفاه ،ويسكتون عما عداه ،وإذا عرض عليهم ال ُ
في صفاته تعالى يقولون :ال هو وال غيره بمعنى إنا ال نقول بهما ،وال نخوض في البحث
عن ذلك لعدم الحاجة ،وإنما الواجب علينا توصيفه سبحانه بما وصف به نفس00ه وس00ماه،
399
واعتقاد أنه حق ثابت له بالمعنى الذي عناه ،وان الزيادة عليه بدعة يشترك فيها الس00ائل
لتعاطيه ما ليس له ،والمجيب لتكلفه ما ليس عليه.
وأم00ا المت00أخرون من أتب00اعهم فم00ذهبهم نفي العيني00ة والغيري00ة على الحقيق00ة ال
بمحض االصطالح على الوجه الذي أثبته بعض األشعرية.
والحق أنه لم يقل أحد ممن ينتمي إلى السنة بزيادة الص00فات وإمكانه00ا ومغايرته00ا
على الذات إال ابن الخطيب الرازي من أرجاف أتباع األشعرية في أواخر المائة السادس00ة
مخافة تكثر الواجبات وتعدد القدماء بالذات ،إال أنه كان في بدأ حدوث ه0ذه المقال0ة الغث0ة
والعقي00دة الرث00ة يتج00افى عن إطالق أنه00ا ممكن00ة ،ويتحاش00ى عن مخالف00ة الس00لف بعض
حشية ،وال يرفض لفظ الوجوب ،بل يطلقه عليها ،ويكتفي بالتأويل ،ويقول :المع00نى أنه00ا
واجبة بذات ال00واجب ،أو بم00ا ليس عينه00ا وال غيره0ا ،أو واجب00ة له00ا (أي لل00ذات) إلى أن
تجاس000ر التفت000ازاني من مقلدي000ه وص000رح باإلمك000ان ،ولم يخش من ال000رحمن في جعل000ه
العوارض الضعيفة الرقيقة الق00وام( 0وهي الص00فات الممكن00ة) ص00فات كمالي00ة للحي القي00وم
الملك المنان ،وتهالك في إذاعة ذلك التعليم وإشاعته ،فتبعهما من أهل القرن الثامن وم00ا
بعده كل ذي عقل سقيم ورأي عقيم ،وصار ذلك مذهبا ً يتداوله في هذه األزمن00ة عام00ة من
ينتمي إلى السنة وينتسب إلى الجماعة وهو أرك المذاهب المحدثة في اإلسالم ،وإنما هو
مذهب هذين الرجلين واتباعهما..
ولما لزمهم حدوث الصفات التجئوا إلى الفرق بين معنى القديم وال00واجب بال00ذات،
ومنعوا استحالة تعدد القديم على اإلطالق.
ولما لزمهم المغايرة تستروا بما ابتدعوه من مع00نى الغ00ير (يع00ني ق0الوا :إن الغ00ير
هو المنفك) سبحانه وتعالى عما يصفون.
وقد أكثر المرجاني في التشنيع على الرازي في مواضع كثيرة من حاشيته وانظ00ر
( )1/47و( )1/271و( )1/278و( )1/296به0000امش حاش0000يته الكلنب0000وي على ش0000رح
الدواني .للعقيدة العضدية.
قال :ولم يذهب أحد إلى الزيادة واإلمك00ان (يع00ني زي00ادة ص00فاته تع00الى على ذات00ه،
وكونها ممكنة) إلى أن ظهر فخر ال00دين ال00رازي ،واش00تهر ب00العلم ،فأح00دث ه00ذه الداهي00ة،
وأم00ا من قبل00ه فك00انوا مطبقين على نفي اإلمك00ان والزي00ادة ،والمتق00دمون منهم ،وإن لم
يصرحوا بالوجوب لعدم هذا االص00طالح فيم00ا بينهم حيث لم يطلق00وه على ال00ذات أيض 0ا ً إال
أنهم نص00وا عن آخ00رهم على أن ص00فات هللا تع00الى قديم00ة ،وأنه00ا ليس00ت عين ال00ذات وال
غيره00ا ،وك00انوا ال يري00دون من الق00ديم إال مع00نى ال00واجب ،ول00ذلك ق00ال بعض00هم إن الق00دم
والوجوب مترادفان.
وك00ذلك جماع00ة ممن ت00أخر عن ال00رازي ك00انوا على ه00ذه الطريق00ة ،ق00د حفظهم هللا
تعالى عن البدعة والوقوع في هذه الورطة كالبيضاوي وحاف00ظ ال00دين النس00في وغيرهم00ا
من أهل البصيرة ،فلنورد في هذا المقام بعض عباراتهم ليكون ذلك طريق 0ا ً مؤدي 0ا ً إلى م00ا
طوين000ا عن إي000راده ،ثم نق000ل المرج000اني عن كث000ير من األئم000ة المتق000دمين على ال000رازي
والمتأخرين عنه ما يدل على ما قاله ،أو ما هو صريح فيه ،وأطال في ذلك فراجعه.
400
وقال :)1/298( :والزيادة الموجبة للغيرية مستحيلة قطعا ً الستلزامها:
النقص بال00ذات والع00رو عن الكم00االت واالس00تكمال ب00األمور العرض00ية -1
الضعيفة القوام 0الرقيقة الوجود (يعني الصفات الممكنة بالذات) وهو معنى قولهم :إن هللا
فقير ونحن أغنياء.
وتعدد القدماء -2
-3وتكثر الواجبات ،أو حدوث الصفات ،وانظر (.)1/271
وق00ال ( )1/227والح00ق أن ص00فاته تع00الى واجب00ة بال00ذات فال تحت00اج إلى عل00ة وال
تستند إلى جاعل ،وال يلزم التعدد لكونها غ00ير متغ00ايرة ،وال مغ00ايرة ل00ه ،وال زائ00دة علي00ه
على الحقيقة ،ال بالمعنى الذي يتداوله إحداث األشعرية .انتهى.
{-9بيان فساد كال المسلكين}
أقول :ال يخفى أنه على كال المسلكين يلزم تعدد القدماء وتكثر الواجب00ات أم00ا على
مسلك الرازي فألنه هناك واجب بذاته ،وهو ذات هللا تعالى ،وواجب ل00ذات ال00واجب بذات00ه
وهي صفات هللا تعالى فص00ار هن00اك نوع00ان من ال00واجب كم00ا ذهب إلي00ه الفالس00فة من أن
العقول العشرة والهيولي قديمة واجبة لذاته تعالى.
وأم00ا على مس00لك ابن التلمس00اني والق00رافي والسنوس00ي فألن00ه هن00اك واجب00ان ك00ل
منهما واجب بذاته ،وهما ذاته تعالى وصفاته ،فصار هناك فردان للواجب بذاته ومن ثمة
قال الكلنبوي ( :)1/295تعدد القدماء الزم إلثبات الصفات الحقيقية البت00ة انتهى ،وانتق00اد
المرجاني وتشنيعه وارد على كال المسلكين ال على مسلك ال00رازي فق00ط وإن ك00ان ه00و ق00د
وجهه إلى الرازي فقط وال يخفى أن المسلك الث00اني ليس أق00ل ش00ناعة من المس00لك األول،
فإنه كما لم يقل أحد من سلف األمة ،إن صفاته تعالى ممكنة بذاتها واجبة لذاته تعالى.
كذلك لم يقل أحد منهم :إن هناك واجبان بذاتهما ،بل هذا أشنع من األول.
فإن ال0ذي أجم0ع علي0ه س0لف األم0ة :أن0ه ليس في الوج0ود إال واجب واح0د وق0ديم
واحد وجوده مقتضى ذاته ،وكذلك وجوبه وقدمه ،وه00و هللا المتص00ف باألس00ماء الحس00نى
والصفات العلى ،أي هو هللا تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
{-10تحقي00ق أن00ه ليس في الوج00ود إال واجب واح00د وق00ديم واح00د وه00و هللا تع00الى
بأسماه الحسنى وصفاته العلى}.
ً
وتحقي00ق ه00ذا أن المف00روض هن00ا وج00ود إل00ه ،وليس وج00ود ذات مطلق0ا ،واإلل00ه ال
يكون إلها ً إال بهذه الصفات ،فهذه الصفات من مقومات اإلله وغ00ير خارج00ة عن00ه فليس00ت
الصفات شيئا ً آخر كما ذهب إليه أهل المسلكين حيث أثبتوا اإلثنيني00ة بالنس00بة إلى ذات هللا
تعالى وصفاته ،وجعلوا أح00دهما نوع0ا ً غ0ير الن00وع اآلخ00ر أو ف0رداً غ00ير الف00رد اآلخ00ر من
الواجب ،وال هي عارضة لذات اإلله كما ذهب إلي00ه أه00ل المس00لك األول ،ب00ل هي موج00ودة
بوجوده تعالى ،وليس لها وجود غير وجوده تعالى ،وليس لها وجوب آخ00ر وال ق00دم آخ00ر
غير وجوبه وقدمه تعالى.
ونظير هذا في الشاهد أنه يوج00د للموج00ودات أوص00اف ذاتي00ة ،وأوص00اف عرض00ية
وذاتيات الشيء عبارة عما ال يتكون الشيء وال يدخل في الوجود إال به00ا ،فهي موج00ودة
بوجود الشيء ألنها داخلة في قوامه ،وغير خارجة عنه ،وأما العرضيات فهي ما يتك00ون
401
الشيء ب00دونها ،وليس00ت بداخل00ة في قوام00ه ،ب00ل هي خارج00ة عن00ه الحق00ة ب00ه بع00د تقوم00ه
وتكونه.
ونحن ال نطلق اسم الذاتيات على صفاته تعالى كما ال نطلق عليها اسم العرض00يات
لع0دم ورود الش0رع به00ذا اإلطالق وألن ه0ذه التس00مية اص00طالحية من اص00طالح المناطق00ة
والفالسفة ،والشرع لم يرد على وف0ق االص0طالحات وإنم0ا ورد على وف0ق اللغ0ة العربي0ة
وقبل تقرر هذه االصطالحات.
لكننا نقول :إن ص00فاته تع00الى من قبي00ل ال00ذاتيات ،وإن نس00بتها إلي00ه تع00الى كنس00بة
الذاتيات إلى ما هي ذاتية له.
فصفاته تعالى موج00ودة بوج00وده تع00الى وواجب00ة بوجوب00ه ،وقديم00ة بقدم00ه ،فليس
هناك إال وجود واحد ،ووجوب واحد ،وقدم واحد بالنس00بة إلى هللا تع00الى وص00فاته ،وليس
هناك وج0ودان وج0ود لذات0ه تع0الى ووج0ود لص0فاته ح0تى يك0ون هن0اك وجوب0ان وق0دمان
وواجبان وقديمان كما هو شأن الغيرين ،وذل0ك ألن المف0روض -كم0ا قلن0ا -وج0ود إل0ه،
وليس وجود ذات مطلق0اً ،واإلل00ه ال يك00ون إله0ا ً إال به00ذه الص00فات ال00تي يس00مونها ص00فات
الذات ،وصفات ذاتية.
فليس لهذه الصفات وجود آخر غير وجود ذاته تعالى ،كما ذهب إلي00ه من ق00ال :إن
صفاته تع00الى غ00ير ذات00ه ،وه00ذه الغيري00ة هي ال00تي اتف00ق على الق00ول به00ا أه00ل المس00لكين
السابقين ،فإن الغيرية به00ذا المع00نى بين ذات00ه تع00الى وص00فاته الزم00ة لهم ،وال ينفعهم في
نفيها تحاشيهم عن إطالق لفظ الغير ،وتجنبهم إياه.
وليست هذه الصفات عارضة لذاته تعالى كما ذهب إليه أهل المسلك األول.
وتعبير أهل المسلكين باالفتقار بالنسبة إلى صفاته إيضا ً غير سديد ،نعم إذا أرادوا
بافتقار صفاته تعالى إلى ذاته قيام صفاته بذاته ،واتصاف ذاته بها ف00المعنى ص00حيح ،لكن
التعبير غير صحيح ،ألن االفتقار بمعنى االحتياج ،وهو بالنسبة إلى ذات00ه تع00الى وص00فاته
محال ،وألن التعبير مشعر بالمغايرة بين ذاته تعالى وصفاته ،وهو أيضا ً ممتنع.
وما ذكرناه من المعنى هو الذي قصده المتقدمون بقولهم :صفات هللا تعالى ليست
عينه وال غيره ،فنفوا الغيرية بالمعنى الذي ذكرن00اه ،وأثتبه00ا ب00المعنى الم00ذكور الق00ائلون
بالغيرية فكان الخالف بينهما معنوياً ،وليس الخالف بينهم00ا لفظي0ا ً كم00ا قررن00اه في ص00در
ه00ذا البحث ،ف00إن م00ا قررن00اه هن00اك مب00ني على م00ذهب المت00أخرين من المتكلمين ،ونق00ل
لمذهبهم ،ومقصودنا هنا الرد على هذا المذهب .وبيان خطأه وتعريف األش00عري للغ00يرين
محمول على هذا المعنى ،وذل00ك ب00أن يق00ال :مع00نى قول00ه :الغ00يران موج00ودان يص00ح ع00دم
أحدهما مع وجود اآلخر ،أن00ه يص00ح انفك00اك أح00دهما عن ص00احبه بحس00ب الوج00ود ب00أن ال
يوجد بوجود صاحبه ،بل يوجد بوجود آخر ،فيكون لهذا وجود ،ولذلك وجود آخ00ر،وله00ذا
النكتة عبر اإلمام بقوله :موجودان يصح عدم أحدهما م00ع وج00ود اآلخ00ر ،المقتض00ي لع00دم
اقتضاء وجود الغير وجود الغير ،وه0ذا ه0و المقص0ود باإلف0ادة في ه0ذا المق0ام ،ولم يع0بر
بموجودان يصح وجود أحدهما مع عدم اآلخر ،المقتض00ي لع00دم اقتض00اء ع0دم الغ00ير ع00دم
الغير ،فإن هذا المعنى ليس مقصوداً باإلفادة ،وإن كان راجعا ًإلى المع00نى األول ،فإن00ه إذا
لم يقتض عدم هذا عدم ذاك فال يقتضي وجوده وجوده.
402
{-11تحقيق قيم للمسألة إلبن تيمية}
ثم رأيت كالما ً لإلمام ابن تيمية يؤيد ما حققناه فرأينا إيراده هنا.
قال رحمه هللا تعالى في “ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح “ م00ا ملخص00ه:
من الناس من يقول :كل صفة للرب عز وجل غير األخرى ،ويقول :الغيران ما ج00از العلم
بأحدهما مع الجهل ب0اآلخر ،ومنهم من يق00ول :ليس0ت هي غ0ير األخ0رى وال هي هي ،ألن
الغيرين ما جاز وجود أحدهما مع عدم اآلخر ،أو ما جاز مفارقة أحدهما اآلخر بزم00ان أو
مكان أو وجود ،والذي عليه سلف األمة وأئمته00ا إذا قي00ل لهم :علم هللا وكالم هللا ه00ل ه00و
غير هللا أم ال لم يطلقوا النفي وال اإلثبات.
فإنه إذا قيل :هو غير أوهم أنه مباين له ،وإذا قيل :ليس غيره أوهم أن00ه ه00و ،ب00ل
يستفصل السائل ،فإن أراد بقوله :غيره أنه مباين له منفصل عنه فص00فات الموص00وف ال
تكون مباينة له منفصلة عنه وإن كان مخلوق0اً ،فكي00ف بص00فات الخ00الق ،وإن أراد ب00الغير
أنها ليست هي هو فليست الصفة هي الموصوف ،فهي غيره بهذا االعتبار.
واسم الرب إذا أطلق يتناول الذات المقدسة بما تستحقه من صفات الكمال ،فيمتنع
وجود ال0ذات عري0ة عن ص0فات الكم0ال ،فاس0م هللا –ع0ز وج0ل-يتن0اول ال0ذات الموص0وفة
بصفات الكمال ،وهذه الصفات ليست زائدة على هذا المسمى ،بل هي داخلة في المسمى،
ولكنها زائدة على الذات المجردة التي تثبتها نفاة الصفات.
فأولئك لما زعموا أنه ذات مجردة ،قال هؤالء (المثبتون للصفات) :الصفات زائدة
على ما أثبتموه من الذات ،وأما في نفس األم00ر فليس هن00اك ذات مج00ردة تك00ون الص00فات
زائدة عليها ،بل ال00رب تع00الى ه00و ال00ذات المقدس00ة الموص00وفة بص00فات الكم00ال ،وص00فاته
داخلة في مسى أسمائه تعالى .انتهى.
نقله السفاويني في “ لوامع األنوار البهية )219-1/218ثم قال :وهذا تحقي00ق ال
مزيد عليه ،فاحفظه فإنه مهم وباهلل التوفيق.
{-12إشارة القاضي عضد الدين اإليجي إلى تحقيق المسألة}
أقول:وإلى ه00ذا التحقي00ق أش00ار اإلم00ام القاض00ي عض00د ال00دين في المواق00ف ،فق00ال:
والحق أن م00رادهم :أي م00راد أه00ل الس00نة من ق00ولهم :إن ص00فاته تع00الى ليس00ت عين00ه وال
غيره تعالى أنها ال هو بحسب المفهوم ،وال غيره بحسب الوجود والهوي00ة ،كم00ا يجب أن
يكون في الحمل انتهى .وقصد بقوله :وال غ0يره بحس00ب الوج00ود م00ا قلن00اه من أن ص00فاته
تعالى موجودة بوجوده ،وليس لها وجود مس00تقل عن وج00وده ح00تى تك00ون غ00يره بحس00ب
الوجود ،وأراد بالهوي00ة الوج00ود الخ00ارجي ،وأراد بقول00ه :كم00ا يجب أن يك00ون في الحم00ل
التنظير ،أي كما يجب أن يكون المحم00ول والمحم00ول علي00ه في نح00و :زي00د ع00الم مختلفين
بحس00ب المفه00وم 0متح00دين بحس00ب الوج00ود ح00تى يص00ح حم00ل أح00دهما على اآلخ00ر ،ك00ذلك
الموج00ود هن00ا االختالف بين هللا وص00فاته بحس00ب المفه00وم ،واتحادهم00ا بحس00ب الوج00ود
فالتنظير إنم0ا ه0و باعتب0ار االختالف بحس00ب المفه0وم ،واالتح00اد بحس0ب الوج00ود ،وليس
التنظير باعتبار الحمل لبداهة أن0ه ال يج0وز الحم0ل بين هللا تع0الى وص0فاته ،فال يق0ال :هللا
تعالى علم أو قدرة ،فال يرد على القاضي ما أورده التفتازاني في شرح المقاصد ،والس00يد
الشريف الجرجاني في شرح المواقف والدواني في شرح العقائد العضدية من أن ما قال00ه
403
القاضي العضد إنما يصح في المشتقات مثل العالم والقادر ،ال في مبادئها والكالم إنما هو
في مبادئها ،فإن األش00عري وغ00يره من أه00ل الس00نة يثبتونه00ا ،والمعتزل00ة ينفونه00ا ،إنتهى
وذلك ألن القاضي لم يقصد التنظير بحسب الحمل حتى ي00رد علي00ه م00ا ق00الوه ،وإنم00ا قص00د
التنظير باعتبار االختالف بحسب المفهوم ،واالتحاد بحسب الوجود.
{-13بيان أن المتقدمين من المتكلمين كانوا يتحرجون عن اطالق كل عبارة فيه00ا
شائبة إيهام التغاير واإلثنينية بالنسبة إلى هللا تعالى وصفاته}
وإكم00االً له00ذا التحقي00ق أورد هن00ا م00ا ي00دل على أن المتق00دمين من المتكلمين ك00انوا
يتحرجون عن إطالق كل عبارة فيها شائبة إيهام التغاير واإلثنينية بالنسبة إلى هللا تع00الى
وصفاته ،ومن ثمة امتنعوا عن إطالق مثل القديم والباقي على ص00فاته تع00الى على س00بيل
االستقالل ،وإنما أطلقوها عليها في ضمن إطالقها على الذات ،وهذا يدل على أنهم أرادوا
بنفي الغير ما ذكرناه من نفي اإلثنينية والتغاير بحسب الوجود.
قال أبو المعين النسفي في التبصرة ( :)1/210إن قدماء أص00حابنا ..امتنع00وا عن
إطالق اسم القديم على الصفات ،وإن كانت أزلية ،ويقولون :إن هللا تعالى قديم بصفاته.
وقال ( :)1/211إن قدماء أصحابنا امتنعوا عن القول بأن شيئا ً من ص00فاته تع00الى
باق ،بل يقولون :إن هللا تعالى باق بصفاته.
وقال ( :)1/258واعلم أنه ال يق00ال :إن علم00ه تع00الى مع00ه ،ألن00ه (أي علم00ه) ليس
بقائم بنفسه فيكون معه ،وال يق00ال :ه00و في00ه ،ألن00ه تع00الى ليس بظ00رف للعلم ،والعلم ليس
متمكنا ً فيه ،وال يقال :إنه مجاور له ،ألنه غير مم0اس ل0ه ،وال إن0ه مب0اين ل0ه ،لم0ا أن0ه ال
يقبل المفارقة ،ولما أن هذه األلفاظ مستعملة في المتغايرات ،وال تغاير في ما نحن فيه.
ثم قال :ثم اعلم أن عبارة عامة متكلمي أهل الحديث في هذه المس00ألة أن يق00ال:إن
هللا تعالى عالم بعلم،وكذا فيما وراء ذلك من الصفات.
وأكثر مشايخنا امتنعوا عن هذه العبارة احتراز عما ي00وهم أن العلم آل00ة وأداة (أي
فيك00ون مغ00ايرا لل00ذات) فيقول00ون :هللا تع00الى ع00الم ،ول00ه العلم ،وك00ذا فيم00ا وراء ذل00ك من
الصفات.
ثم قال :والشيخ اإلمام أبو منصور الماتريدي يقول :إن هللا تعالى عالم بذات00ه ،حي
بذاته قادر بذاته ،وال يريد به نفي الصفات ،ألنه أثبت الص00فات في جمي00ع مص00نفاته،وأتى
بالدالئل إلثباتها ،ودف0ع ش0بهاتهم على وج0ه ال مخلص للخص0وم عن ذل0ك ،غ0ير أن0ه أراد
بذلك دفع وهم المغايرة،وأن ذاته يستحيل أن ال يكون عالماً ،انتهى.
فهذه التحرجات من المتقدمين من المتكليمن ،وهذه التعب00يرات واإلطالق00ات منهم،
وال سيما إطالق اإلمام أبي منصور تكاد تكون نص0ا ً فيم00ا قلن00اه من أنهم لم يقص00دوا بنفي
الغيرية إال المعنى الذي ذكرناه.
{-14بيان فساد قول من قال :المراد ب00الغير في ق00ولهم (ص00فات هللا ليس00ت غ00يره)
الغير االصطالحي}
واعلم أنه قد وق00ع في كالم كث00ير من المت00أخرين أن إطالق اإلم00ام األش00عري الغ00ير
على المنفك في قوله :صفات هللا تعالى ليست عينه وال غيره ،اص00طالح من00ه ،وأن00ه إنم00ا
نفى الغيري00ة عنه00ا ب00المعنى ال00ذي اص00طلح علي00ه للف00ظ غ00ير ،ولم ين00ف الغيري00ة ب00المعنى
404
اللغوي وبحسب الشرع ،وأول من قال ه00ذا الق00ول ه00و اإلم00ام ال00رازي ،نقل00ه عن00ه الجالل
الدواني في شرح العقائد العضدية ( )1/295ثم قال :رداً عليه :وأنت خبير بأن الغرض –
وهو نفي لزوم تع00دد الق00دماء -ال ي00ترتب على ذل00ك ،فال فائ00دة في00ه ،وال وج00ه إلدخال00ه في
المسائل االعتقادية.
ورده السعد التفتازاني في شرح المقاصد بما حاصله :إنه لو ك00ان األم00ر كم00ا ق00ال
لكان الحكم بعدم مغايرة الصفات لل0ذات ب0ديهيا ً مس0تغنيا ً عن ال0دليل م0ع أن من األش0اعرة
من استدل عليه.
ورده السيد الشريف الجرجاني في شرح المواقف بأنه غ00ير مرض00ي ألنهم ذك00روا
ذلك في االعتقادات المتعلق00ة ب00ذات هللا تع00الى وص00فاته ،فكي00ف يك00ون أم00را لفظي00ا محض0ا ً
متعلقا ً بمج0رد االص0طالح م0ع أن بعض0هم ق0د تص0دى لالس0تدالل علي0ه ،والح0ق أن0ه بحث
معنوي.
قال الكلنبوي بعد نقله لرد السعد والس00يد( :)1/295أق00ول :وي00دل على كون00ه بحث0ا ً
معنوي0ا ً قطع0ا ً اس00تداللهم الس00ابق –يع00ني في كالم الش00ارح ال00دواني –ألن00ه ص00ريح في أن
األشاعرة قصدوا إثبات معنى الغير في الشرع والعرف واللغة ،ال إثبات مع00نى اص00طلحوا
عليه وهو ظاهر.
{-15خالصة البحث}
أقول:أن هؤالء العلم00اء التفت00ازاني ،والس00يد الش00ريف ،وال00دواني ،والكلنب00وي ق00د
أصابوا في قولهم بأن البحث معنوي بمعنى أنه ليس راجعا ً إلى االص00طالح لكنهم أخط00أوا
في تقريرهم الخالف على الوجه الذي قررناه في صدور هذا البحث ،وهو بن00ائهم الخالف
في أن صفاته تعالى هل هي غير له تعالى أم ال ،على الخالف في تفسير الغير لغة هل هو
نقيض هو هو ،فال يكون بينه وبين العين واسطة ،فتكون الصفات على هذا التفسير غ00ير
هللا تعالى.
أو هو بمعنى غير المالزم الذي يجوز انفكاكه 0،فتثبت الواسطة على هذا بين العين
والغير ،فال تكون الصفات على ه0ذا غ0ير هللا تع0الى لمالزمته00ا ل0ه وع0دم ج0واز انفكاكه0ا0
عنه.
ً
ف00إن تقري00ر الخالف على ه00ذا الوج00ه ،وإن لم يكن راجع0ا إلى االص00طالح ،لكن00ه ال
يخفى أنه ال يخرج عن أن يكون لفظياً ،عائ00داً إلى أن00ه ه00ل يج00وز إطالق لف00ظ الغ00ير علي
صفات هللا تعالى لغة أم ال؟ مع اتفاق الفريقين في المعنى وه0و أنه0ا ليس00ت عين0ه تع00الى،
وال يجوز انفكاكها عنه.
ً
والصواب في تقرير الخالف ما قررناه أخيرا ،وهو أن من قال :إنه00ا ليس00ت عين00ه
وال غيره ،أراد كما قال القاض00ي عض00د ال00دين :ليس00ت عين00ه بحس00ب المفه00وم ،وال غ00يره
بحسب الوجود ،وأرادوا نفي اإلثنيني00ة بين ال00ذات والص00فات بحس00ب الوج00ود ،ومن ق00ال:
إنها غ0يره أثبت اإلثنيني00ة ،وق0ال :إنه0ا غ0يره بحس00ب الوج00ود ،ف0الخالف معن00وي بحت ال
عالقة له ال باالصطالح وال باللفظ ،وهللا تعالى أعلم.
محمد صالح بن أحمد الغرسي
ذي الحجة 1424هـ قونيه
405
406
تعليل أفعال هللا عز وجل وأحكامه
بسم هللا الرحمن الرحيم
اختل00ف العلم00اء في أن أفع00ال هللا تع00الى وأحكام00ه ه00ل هي معلل00ة أو غ00ير معلل00ة،
والمسألة من عويص مسائل علم الكالم ،ويب00دوا أن الس00لف لم يتكلم00وا في ه00ذه المس00ألة
إثباتا ً وال نفياً ،وقد اختلف فيها من جاء بعدهم من العلماء:
فمنهم من نفى التعليل عن أفعاله تع0الى وأحكام0ه ،وق0ال :إن أفعال00ه تع0الى ليس0ت
معللة بالعل00ل واألغ00راض لكنه00ا ليس00ت خالي00ة عن الحكم والمص00الح الراجع00ة إلى العب00اد،
وه00ؤالء هم جمه00ور األش00اعرة ،ومنهم من ق00ال :بتعلي00ل أفعال00ه تع00الى وأحكام00ه ،وهم
جمهور الماتريدية ،وكثير من غيرهم.
واستدل القائلون بنفي التعليل بدليلين:
األول :أنه يلزم على التعليل أن تكون إرادته تعالى متأثرة :ب00أمر خ00ارج ،وه00و م00ا
يترتب على الفعل 0من المصلحة ،وهللا تعالى منزه عن أن يؤثر في إرادته أمر خارج عن00ه
تعالى.
حاجتَ0ه تع0الى إلى المص0لحة ال0تي ت0ترتب على الفع0ل، الثاني :أن التعلي0ل يس0تلزم َ
وتشريع الحكم ،واس00تكمالَهُ به00ا ،وهللا تع00الى غ00ني عن الع00المين ،وكام00ل بذات00ه ،وكمال00ه
مقتضى ذاته ،وهذا مناف للحاجة واالستكمال بالغير ،تعالى هللا عن ذلك علواً كبيراً!
واستدل القائلون بالتعليل أيضا ً بدليلين:
األول :أن ظ00واهر النص00وص من الكت00اب والس00نة مفي00دة للتعلي00ل ،وص00رف ه00ذه
النصوص الكثيرة كلها عن ظواهرها بحمل الالم في مثل قوله تعالى( :الذي خل00ق الم00وت
والحي00اة ليبل00وكم أيكم أحس00ن عمالً) على مع00نى العاقب00ة ال على مع00نى التعلي00ل ،مخ00الف
ألساليب اللغة العربية ال يجوز المصير إليه.
الثاني :أن نفي التعليل يستلزم العبث ،وهو في حقه تعالى مستحيل.
أقول –ومن هللا التوفيق -أن هناك أمر مجمعا ً عليه من الفريقين ،وه0و أن00ه تع00الى
متصف بالكمال الذاتي ،والحكمة البالغة الدال عليها اس00مه تع00الى “ الحكيم “ ،ومتص00ف
بالعلم واإلرادة والقدرة ،فاهلل تعالى يعلم بعلمه األزلي أن هذا الفع00ل أو ه00ذا الحكم ت00ترتب
عليه المصلحة الفالنية ،وإرادته تعالى وقدرته كل منهما ص00الح للض00دين؛ أي لتوجههم00ا
إلى هذا الفعل ،ولعدم توجههما إليه وللتوج0ه ،إلى ض00د ه0ذا الفع00ل ،ألن0ه تع00الى ال يحج0ز
إرادتَه وقدرتَه شي ٌء.
لكن كماله المطلق وحكمته البالغة يقتضيان توجه إرادت00ه وقدرت00ه تع00الى إلى ه00ذا
الفعل الذي يعلم ترتب المصلحة عليه ،ويرجحان هذا التوجيه ،فالمقتض00ي لتوج00ه إرادت00ه
وقدرته تعالى نحو الفعل 0الذي تترتب عليه المصلحة والم00رجح له00ذا التوج00ه ،ه00و كمال00ه
تعالى وحكمته اللذان هما وصفان ذاتيان له ،وليس شيئا ً آخر خارجا ً عن ذاته تعالى.
وقريب من هذا أن إرادته تعالى وقدرته صالحتان للتوجه نحو ضد الصدق ،ونحو
تأييد مدعي النبوة كذبا ً بالمعجزات ،لكن كمال00ه تع00الى وحكمت00ه يقتض00يان ع00دم توجههم00ا
نحو ذلك ألن الكذب نقص يجب تنزه هللا تعالى عنه ،وكذلك تصديق الك00اذب ،ألن تص00ديق
407
الكاذب من الكذب ،هذا ما ظهر لي أنه الحق في المسألة سواء سميناه تعليالً أم لم نسمه،
لكنه أقرب إلى أن يسمى تعليالً.
وقول القائلين بع00دم التعلي00ل “ :إن أفعال00ه تع00الى ال تخل00و عن الحكم والمص00الح “
مبني على مالحظة ما قلنا:من أن هذا مقتضى كماله وحكمته.
قال سعد الدين التفتازاني في شرحه للعقائد النس00فية تعليق0ا ً على ق00ول النس00في“ :
وفي إرسال الرسل حكمة “ :أي مصلحة وعاقبة حميدة ،وفي هذا إش00ارة إلى أن إرس00ال
الرسل واجب ال بمعنى الوجوب على هللا ،بل بمعنى أن قضية الحكمة تقتضيه لما فيه من
الحكم والمص00الح ،وليس بممتن00ع كم00ا زعمت الس00منية والبراهم00ة ،وال بممكن يس00توي
طرفان كما ذهب إليه بعض المتكلمين ،انتهى يعني أن00ه ممكن ت00رجح ج00انب وج00وده على
عدمه ،والمرجح لذلك هو حكمته تعالى.
وعلق المحقق عبد الحكيم السيلكوتي على كالم التفتازاني بقوله ص:317
ليس الم00راد باقتض00اء الحكم00ة أنه00ا تقتض00يه بحيث ال يمكن ترك00ه ،ب00ل الم00راد أن
الحكمة ترجح جانب وق00وع اإلرس00ال ،وتخرج00ه عن ح00د المس00اواة ،م00ع ج00واز ال00ترك في
نفسه ،وهذا هو الوجوب العادي ،بمعنى أنه يفعله ألبتة ،وإن كان تركه ج0ائزاً في نفس0ه،
كعلمنا بأن جبل أحد لم ينقلب ذهبا مع جوازه ،وليس من الوجوب الذي زعمت00ه المعتزل00ة
بحيث يك00ون ترك00ه موجب00ا ً للس00فه والعبث ،انتهى يع00ني أن المعتزل00ة الق00ائلين بالتعلي00ل
يقولون بوجوب فعله تعالى لمقتضى الحكمة بمع00نى أن00ه ال يمكن ترك00ه ألن ترك00ه م00وجب
للسفه والعبث وهما عليه تعالى محال بإجماع المسلمين فيكون تركه محاالً.
فالفريقان اتفقا على وجوب فعله تعالى لمقتضى الحكمة ،وإنما اختلفا في نوع هذا
الوجوب هل هو وجوب عادي أو وج00وب عقلي ،فاألش00اعرة الن00افون للتعلي00ل على األول،
والمعتزلة القائلون به على الثاني.
وعند ما ندقق النظر في قول األشاعرة بوجوب فعل مقتض0ى الحكم00ة علي00ه تع0الى
وإن كان هذا الوجوب عاديا ً ،وفي قولهم :إن المرجح لهذا الفعل هو حكمته تعالى ،نراهم
قائلين بالتعليل من حيث ال يشعرون ،ألن هذا الق00ول يع00ود إلى أن00ه تع00الى من أج00ل علم00ه
بأن الفعل 0الفالني تترتب عليه المصلحة الفالنية يجب علي00ه فعل00ه ،والم00رجح له00ذا الفع0ل0
هو كماله المطل00ق وحكمت00ه البالغ00ة ،وه00ذا ه00و نفس الق00ول بالتعلي00ل ،وال ينفعهم 0في نفي
التعليل قولهم بأن هذا الوجوب عادي ،وليس بعقلي ،وهذا هو الرأي الذى نريد أن نقرره
هنا.
وال ي00رد على ه00ذا ال00رأي م00ا ي00رد على نف00اة التعلي00ل من ص00رف النص00وص عن
ظواهرها ،والعبث ،وال ما يرد على القائلين بالتعلي00ل من ت00أثر إرادت00ه تع00الى ب0أمر خ00ارج
عن ذاته تعالى ،والحاجة واالستكمال ب00الغير ،ألن ه00ذا الفع00ل على ه00ذا التحقي00ق مقتض00ى
كماله تعالى وحكمته ال مقتضيا ً لحاجته واستكماله ،وقد أشار إلى هذا التحقيق ابن الهمام
في (التحرير) في مبحث العلة ،والكشميري في (فيض الباري .)1/55
وال يعترض على هذا التحقيق بأنه يلزم علي0ه أن يك0ون الفع0ل ال0ذي ت0ترتب علي0ه
المصلحة واجبا ً عليه تعالى.
408
ألنا نق00ول :نعم يل00زم علي00ه ذل00ك ،لكن ه00ذا الوج00وب ليس خاص0ا ً به00ذا ال00رأي ،ب00ل
الوجوب الزم لكل من قولي التعليل ونفيه ،كما قدمناه ،وه00ذا الوج00وب من ن00وع الوج00وب
الجائز عليه تع00الى – س00واء قلن00ا إن00ه وج00وب ع00ادي ،أو قلن00ا :إن00ه وج00وب عقلي –وه00و
الوجوب الذي ال يسلب إرادته تعالى وقدرته الص00الحتين للض00دين ،ألن الك00ل ق00ائلون بأن00ه
يجب عليه تعالى أن يفعل هذا الفعل 0باختياره وإرادته ،بدون جبر وال اضطرار.
ومن الوجوب الجائز عليه تع00الى وج00وب م00ا أوجب00ه على نفس00ه تع00الى مم00ا وع00د
بفعله من تخليد المؤمنين في الجنة ،وتخليد الكافرين في الن00ار ،وغ00ير ذل00ك مم00ا ورد في
بعض األحاديث من قوله صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم...( :حق على هللا أن يفعل كذا.
ومنه أيضا ً وجوب الصدق عليه تعالى ،ووجوب تنزهه عن السفه والعبث.
وأما الوجوب الممتنع في حقه تعالى فهو الوجوب الذي قالت به الفالسفة من أن00ه
تعالى موجب بالذات وليس فاعالً باالختيار ،فسلبوا عنه تعالى وصف االختيار.
وكذلك الوجوب الذي قالت به المعتزلة ،وهو :أنه يجب عليه تعالى ما هو األصلح
بالنسبة إلى كل فرد من أفراد الناس ،ويل00زم علي00ه ع00دم قدرت00ه تع00الى على هداي00ة الك00افر
وإصالح الفاسق ،تعالى هللا عن ذلك علواً كبيراً! وهذا مخالف لنصوص الكت00اب والس00نة،
كقوله تعالى( :ولو شاء ربك آلمن من في األرض كلهم جميعاً).
وأما الحكمة التي يقول بها أهل الس00نة فهي الحكم00ة المطلق00ة العام00ة بالنس00بة إلى
نظام العالم ،ال بالنسبة إلى الدنيا فقط ،وال بالنسبة إلى اإلنسان فقط وهي قد تكون مفسدة
بالنسبة إلى بعض الن0اس ،وق0د يطل0ع عليه0ا الن0اس كلهم أو بعض0هم ،وق0د تخفى عليهم،
وهذا ما يقتضيه اسمه تعالى الحكيم.
قال المحقق الكبير عبد الحكيم السيلكوتي في حاشيته على ش00رح العقائ00د النس00فية
(ص:)218
وأما نحن أهل السنة فال نقول باستحالة ترك م00ا تقتض00يه الحكم00ة ،وال باس00تلزامه
نقصاً ،لجواز أن يكون في تركه ِح َك ٌم ومصالح أخرى ال نطلع عليها ،وإن كان يجب علي00ه
رعاية مطلق الحكمة ،انتهى.
وك00ذلك ال يع00ترض على ه00ذا التحقي00ق بأن00ه مب00ني على الق00ول بالحس00ن والقبح
العقليين ،وذلك ألنه مبني على الحس00ن والقبح العقل00يين ب00المعنى المقب00ول عن00د الف00ريقين
أهل السنة والمعتزل00ة ،وه0و الحس00ن بمع00نى ص0فة الكم0ال ،والقبح بمع0نى ص00فة النقص،
كحسن الصدق والع0دل والج0ود والش0جاعة ،وقبح أض0دادها ،ف0إن الحس0ن والقبح به0ذين
المعنيين اتفق الفريقان على أنه مما يستقل العقل بإدراكه ورد به الش00رع أم لم ي00رد ،كم00ا
اتفقا على أن العقل مستقل بإدراك الحسن والقبح بمع0نى مالئم0ة الطب0ع ومنافرت0ه ويع0بر
بعضهم عنه بالمصلحة والمفسدة كحسن إنقاذ الغريب ،وقبح اتهام البريء.
وأما الحسن والقبح المختلف فيه الذي قالت به المعتزل0ة ونف0اه أه00ل الس00نة ،فه0و
أنه هل للفعل في نفسه بقطع النظر عن ورود الشرع بحكم فيه صفة حسن أو قبح ذاتيين
أو لصفة فيه توجبهما له قد يستقل العق00ل بإدراكهم00ا ،فيعلم باعتبارهم00ا حكم هللا في ذل00ك
الفعل من طلبه أو حظره ،ويعلم ترتب الثواب أو العق0اب علي0ه قب0ل ورود الش0رع أم ليس
له صفة كذلك؟
409
قالت المعتزلة :نعم ،وقال أهل السنة :ال ،وقالوا :الحسن ما ورد الش00رع بحس00نه،
والقبيح ما ورد الش00رع بقبح0ه ،وقب00ل ورود الش0رع ال يتص00ف الفع0ل بش00يء من الحس00ن
والقبح بهذا المعنى.
ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أن التعليل الذي يقول به األصوليون والفقهاء ،وبنوا
عليه القياس ليس هو التعليل الذي اختل00ف في00ه المتكلم00ون ،فال يل00زم من الق00ول بالتعلي00ل
الفقهي القول بالتعليل الكالمي ،وذلك ألن العلة عند األصوليين والفقهاء بمع00نى الوص00ف
المعرف للحكم الذي يكون عالمة على الحكم 0أي جعله هللا عالم00ة علي00ه ،ولم يعت00بروا في
العلة أن تكون باعثة على تشريع الحكم ،وأما العلة عند المتكلمين النافين للتعليل فبمعنى
الب0اعث على الفع0ل ،فال يل0زم من الق0ول بالتعلي0ل ب0المعنى األول الق0ول بالتعلي0ل ب0المعنى
الثاني ،وقد خفي هذا على بعض الناس فظن اللزوم ،وجعل من القول بالتعليل في األحكام
دليالً على التعليل في األفعال.
نعم الذين يقولون بالتعلي0ل في األفع0ال يقول0ون بالتعلي0ل في األحك0ام 0أيض0ا بمع0نى
البعث على التشريع ،فكما يقولون :إن علل األحكام 0بمعنى األوص00اف المعرف00ة له00ا الدال00ة
عليها ،كذلك يعتبرون فيها أنها باعثة على تشريع تلك األحكام.
وتعليل األفعال كما قلنا عبارة عن الحكمة المطلقة العام00ة ال00تي راعاه00ا هللا تع00الى
في خلق العالم ،وخلق ما أودعه فيه من النظام من0ذ أن خل0ق هللا الع00الم إلى م00ا ال يتن0اهى
من الجنة ونعيمها والجحيم وعذابه.
ويدخل فيه خلق المنافع والمضار وخلق اإليمان والكفر ،وقد تك00ون الحكم00ة به00ذا
المعنى مفسدة بالنسبة إلى بعض الناس.
وهذه الحكم00ة على م0راتب في الوض0وح والخف0اء ،منه00ا م0ا يش00ترك في معرفته00ا
العام00ة والخاص00ة ،ومنه00ا م00ا يختص بمعرفته00ا العلم00اء والحكم00اء ،ومنه00ا م00ا يخص هللا
بمعرفتها بعض أصفيائه ومنها ما استأثر هللا تعالى بعلمه ولم يظهر عليه أحداً من خلقه.
وأم00ا تعلي00ل األحك00ام على ه00ذا الم00ذهب فعب00ارة عم00ا راع00اه هللا تع00الى في أحكام00ه
التكليفي00ة والوض00عية من المص00الح بالنس00بة إلى المكلفين ومن ه00و تب00ع لهم كص00بيانهم
وأنعامهم.
والنافون للتعليل يوافقون القائلين به في ترتب المصالح على األحكام التش00ريعية،
وإنم000ا يخ000الفوهم في ك000ون ه000ذه المص000الح باعث000ة على التش000ريع ،فهم ينف000ون البعث،
والمعللون يقولون به ،وأما الترتب فمتفقون عليه ،وهذه المصالح أيضا ً على م00راتب في
الوضوح والخفاء كما قلنا آنفاً.
وم00ا قررن00ا ب00ه م00ذهب األش00اعرة من أن00ه ليس فع00ل من أفع00ال هللا تع00الى معلال
باألغراض هو المشهور من مذهبهم ،وقد أبدى التفت00ازانى في م00ذهبهم وجه00ا أخ00ر :ق00ال
في شرح المقاصد ( :)157-2/156ما ذهب إليه األشاعرة من أن أفعال هللا تعالى ليس00ت
معللة باألغراض يفهم من بعض أدلتهم عموم السلب ولزوم النفي ،بمعنى أن0ه يمتن0ع أن
يكون شيء من أفعاله معلال بالغرض ،ومن بعضها سلب العموم 0ونفي اللزوم ،بمع00نى أن
ذلك ليس بالزم في كل فعل.
410
وبعد أن أورد التفتازاني األدلة الدالة على الوجه األول واألدلة الدال00ة على الوج00ه
الثاني قال :والحق أن تعليل بعض األفعال سيما شرعية األحكام بالحكم والمص00الح ظ00اهر
كإيجاب الحدود والكفارات ،و تحريم المسكرات ،وما أشبه ذلك ،والنصوص أيضا ش00اهدة
بذلك كقول00ه تع00الى( :وم00ا خلقت اإلنس والجن إال ليعب00دون) و(ومن ذل00ك كتبن00ا على ب00ني
إسرائيل) أآلية ( ،فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي ال يكون على المؤمنين ح00رج
في أزواج أدعيائهم) .ولهذا كان القياس حجة أال عند شرذمة ال يعتد بهم .أم00ا تعميم ذل00ك
بأن ال يخلو فعل من أفعاله عن غرض فمحل بحث.
هذا ما تحرر لنا في هذه المسألة .وهللا تعالى أعلم بالصواب.
411
412
تحقيق مسألة كالم هللا تعالى
بسم هللا الرحمن الرحيم
اف00ترق المس00لمون في مس00ألة كالم هللا تع00الى ه00ل ه00و ق0ديم أو مخل00وق ،وإذا ك00ان
قديما ً فما هو حقيقته إلى مذاهب شتى نبينها فيما يلي:
( -1إجمال المذاهب في مسألة خلق القرآن).
أجمع أهل الس00نة س00لفهم وخلفهم على أن كالم هللا تع00الى وص00ف ق00ديم ق0ائم بذات00ه
تعالى.
وذهبت المعتزل00ة إلى أن كالم هللا تع00الى مخل00وق ،وأن00ه ليس بق00ائم بذات00ه تع00الى،
وقالوا :إن كالم هللا تعالى مؤلف من أصوات وح00روف مترتب00ة ،وه00و ق00ائم بغ00يره تع00الى،
وأن معنى كونه متكلما ً كونه موجداً لتلك الحروف واألصوات في جسم ك00اللوح المحف00وظ0
أو جبريل أو النبي أو غيرها كشجرة موسى عليه الصالة والسالم ،ف0أثبتوا هلل تعالى00الكالم
اللفظي فقط ،ونفوا عنه الكالم النفسي ،كما نفوا قي00ام الكالم بذات00ه تع00الى ،وم00ذهبهم ه00ذا
مردود بأمور:
منها ،أن0ه مخ0الف للغ0ة ف0أن هللا تع0الى وص0ف نفس0ه في كتاب0ه ب0الكالم ،ووص0فه
أنبيائه بكونه متكلما ً والمتكلم في اللغة من قام به الكالم ال من أوج0د الكالم في غ0يره كم0ا
أن العالم والضارب من قام به العلم والضرب ال من أوجد العلم والضرب في غيره.
ومنه00ا :أن هللا تع00الى آم00ر ن00اه مخ00بر واألم00ر والنهي واإلخب00ار من أن00واع الكالم،
واآلمر الناهي المخبر من قام به األمر والنهي والخبر ،فقام الكالم بذاته تعالى وما قام به
تعالى قديم فكالم هللا تعالى قديم.
ومنها :أن هذا المذهب مستلزم للتسلسل ،وقد أوضحه اإلمام البيهقي في كتاب00ه “
األسماء والصفات “ ( )226بقوله :قال هللا تعالى( :إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول
له كن فيكون ) فوكد القول بالتكرار ،ووكد المعنى بإنما ،وأخ00بر أن00ه إذا أراد خل00ق ش00يء
قال له :كن ،ولو كان قوله( :كن) مخلوقا ً لتعلق بقول آخر ،وك00ذلك حكم ذل00ك الق00ول ح00تى
يتعلق بما ال يتناهى ،وذلك يوجب استحالة الق00ول ،وذل00ك مح00ال .ف00وجب أن يك00ون الق00ول
آمرا أزليا متعلقا بالمكون فيما ال يزال ،فال يكون ال يزال إال وهو كائن على مقتضى تعلق
األمر به ،وهذا كما أن األمر من جهة صاحب الشرع متعل0ق اآلن بص0الة غ0د ،وغ0د غ0ير
موجود ،ومتعلق بمن لم يخلق من المكلفين إلى يوم القيام00ة ،وبعُ 0د لم يوج00د بعض00هم ،إال
أن تعلقه بها وبهم على الشرط الذي يصح فيما بعد ،كذلك قول00ه تع00الى في التك00وين ،وهللا
أعلم .انتهى.
وذهبت الكرامي00ة إلى أن كالم00ه تع00الى ص00فة ل00ه مؤلف00ة من الح00روف واألص00وات
الحادثة .وقائمة بذاته تعالى ،فجوزوا قيام الح00وادث بذات00ه تع00الى ،وه00ذا الم00ذهب م00ردود
بدليل امتناع قيام الحوادث بذات هللا تعالى.
ف00الكالم على ه00ذين الم00ذهبين الق00ائلين بحدوث00ه عب00ارة عن األص00وات والح00روف
والكلمات اللفظية.
413
هذا هو الخالف اإلجمالي بين الفرق اإلسالمية في مسألة الكالم.
وقد اختلف أهل السنة في أن كالم هللا القديم القائم بذاته تعالى ما ه00و إلى م00ذاهب
شتى ونبين هذه المذاهب فيما بعد إن شاء هللا تعالى.
{-2نظرة إلى مسألة خلق القرآن من الجهة التاريخية}
وقبل ذل0ك نري0د أن نتع0رض للمس0ألة من الجه0ة التاريخي0ة ،م0تى نش0أت؟ وممن؟
وكيف تطورت وص0ارت م0دار للص0راع الع0نيف بين الف0رق اإلس0المية؟ كم0ا ص0ارت أح0د
أسباب الجرح والتعديل بين المحدثين ،فنقول وباهلل التوفيق:
مس00ألة خل00ق الق00رآن لم تكن معروف00ة على عه00د الص00حابة رض00وان تع00الى عليهم
أجمعين ،وإنما حدثت بعد انقضاء عصرهم.
قال البيهقي في “ األسماء والصفات “ ( )244قال أبو أحمد بن عدي الحاف00ظ :ال
يعرف للصحابة رضي هللا تعالى عنهم الخوض في القرآن ،قلت :إنما أراد ب0ه أن0ه لم يق0ع
في الصدر األول وال الث0اني من ي0زعم :أن الق0رآن مخل0وق ،ح0تى يحت0اج إلى إنك0اره ،فال
يثبت عنهم شيء بهذا اللفظ الذي روينا (يعني أن كالم هللا غير مخلوق).
{-3أول من بخل00ق الق00رآن الجع00د بن درهم ،وأول من ق00ال :الق00رآن غ00ير مخل00وق
اإلمام جعفر الصادق}
أم000ا أول من ق000ال بخل000ق الق000رآن فه000و الجع000د بن درهم ،وتابع000ه عليهم جهم بن
صفوان ،ثم بشر المريسي ،ثم سائر المعتزلة.
وأول من حفظ أنه قال :القرآن غير مخل00وق ه00و اإلم00ام جعف00ر الص00ادق بن اإلم00ام
محمد الباقر ،وتابعه عليه علماء األمصار.
قال البيهقي ( )253أخبرنا محمد بن عبد الحافظ ق0ال س00معت أب00ا جعف0ر محم00د بن
ص00الح بن ه00انئ يق00ول :س00معت محم00د بن علي المش00يخاني يق00ول :س00معت محم00د بن
إسماعيل البخاري يقول :القرآن كالم هللا غير مخلوق ،علي00ه أدركن0ا علم00اء الحج00از أه0ل
مكة والمدينة ،وأهل الكوفة والبصرة ،وأهل الشام ومصر ،و علماء أهل خراسان.
ثم قال البيهقي ( :)254وحدثني أبو جعفر محمد بن عبد هللا قال حدثني محم00د بن
قدامة الدالل األنصاري :قال سمعت وكيع0ا ً يق00ول :ال تس00تخفوا بق00ولهم :الق00رآن مخل00وق،
فإنه من شر قولهم ،وإنما يذهبون إلى التعطيل.
قلت (القائ00ل ه00و ال00بيهقي) :وق00د روين00ا نح00و ه00ذا عن جماع00ة آخ00رين من فقه00اء
األمصار وعلمائهم رضي هللا تعالى عنهم،ولم يصح عندنا خالف ه0ذا الق0ول عن أح0د من
الناس في زمن الصحابة والتابعين رضي هللا تعالى عنهم أجمعين.
وأول من خالف الجماعة في ذل00ك الجع00د بن درهم ،ف00أنكر علي00ه خال00د بن عب00د هللا
القسري وقتله (بواسط).
وقال البيهقي ( :)247أخبرن00ا أب00و عب00د هللا الحاف00ظ :أخ00برني أحم00د بن محم00د ابن
عبدوس :قال :سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول :سمعت علي 0ا ً –يع00ني ابن الم00ديني-
يقول في حديث جعفر بن محمد :ليس القرآن بخ0الق وال مخل00وق ،ولكن00ه كالم هللا تع00الى:
قال علي :ال أعلم أنه تكلم بهذا الكالم في زمان أقدم من هذا ،قال علي :هو كفر ،ق00ال أب00و
سعيد :يعني من قال :القرآن مخلوق فهو كافر.
414
قال الكوثري في تأنيب الخطيب ( :)108-107-106قال ابن أبي حاتم في كتاب “
الرد على الجهمي00ة “ س00معت أبي يق00ول :أول من أتى بخل00ق الق00رآن الجع00د بن درهم في
سنة ني00ف وعش00رين ومائ00ة ،ثم جهم بن ص00فوان ثم بع00دهما بش00ر بن غي00اث (المريس00ي)
وق00ال الاللك00ائي في “ ش00رح الس00نة “ :وال خالف بين األم00ة أن أول من ق00ال :الق00رآن
مخلوق ،الجعد بن درهم في سنة نيف وعشرين ومائة ،انتهى.
وألقي القبض على جعد في سنة 128هـ ،وكان قتله أيضا ً في تل00ك الس00نة على م00ا
يذكره ابن جرير.
ولم يح00ل قت00ل جع00د دون ش00يوع رأي00ه في الق00رآن ،ف00افتتن ب00ه أن00اس وش00ايعه
مشايعون ،ونافره منافرون ،فحصلت الحي00دة عن الع00دل إلى إف00راط وإلى تفري00ط من غ00ير
معرفة كثير منهم لمغزى هذا المبتدع ،أناس جاروه في نفي الكالم النفسي ،وأناس ق00الوا
في معاكسته :بقدم الكالم اللفظي.
ولما رئي أبو حنيفة ذلك تدارك األمر وأبان الحق ،فقال:
ما قام باهلل غير مخلوق ،وما قام بالخلق مخلوق.
يريد أن كالم هللا باعتبار قيامه باهلل صفة له كباقي صفاته في القدم.
وأم00ا م00ا في ألس00نة الت00الين وأذه00ان الحف00اظ والمص00احف من األص00وات والص00ور
الذهني00ة والنق00وش فمخلوق00ة كخل00ق حامله00ا ،فاس00تقرت آراء أه00ل العلم والفهم على ذل00ك
بعده ،انتهى كالم الكوثري.
(مسألة اللفظ)
وهكذا مضى السلف على القول بأن الق00رآن غ00ير مخل00وق ،وعلى تب00ديع أو تكف00ير
من ق00ال بخل00ق الق00رآن ،وك00ان ذل00ك منهم ب00دون بحث وتنقيب عن األش00ياء الغامض00ة في
المسألة ،وبدون تشقيق لها على طريق0ة علم00اء الكالم .ق0ال اإلم00ام البخ0اري في كتاب0ه “
خلق أفعال العباد “ (.)62
المع00روف عن أحم00د وأه00ل العلم أن كالم هللا غ00ير مخل00وق ،وم00ا س00واه مخل00وق،
وأنهم كره00وا البحث والتنقيب عن األش00ياء الغامض00ة ،وتجنب00وا أه00ل الكالم والخ00وض
والتنازع إال فيما جاء فيه العلم،وبينه رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم .انتهى.
وهكذا مضى السلف على القول بأن القرآن غير مخلوق ،ولم ينق00ل عن أح00د منهم
أنه فرق بين المتلو والتالوة ،وق0ال ب0أن المتل0و ق0ديم والتالوة حادث0ة إال م0ا نق0ل عن أبي
حنيفة رضي هللا عنه من اإلشارة إلى ذلك بقوله( :ما ق00ام باهلل تع00الى غ00ير مخل00وق ،وم00ا
قام بالخلق مخلوق) ،وهو كالم يستحق أن يكتب بماء الذهب.
{-4أول من قال :لفظي بالقرآن مخلوق الحسين بن علي الكرابيسي}
واستمر الحال على ذلك إلى أن جاء الحسين بن علي الكرابيسي ،وكان –كما قال
تاج الدين السبكي في (طبقات الشافعية ( )119-2/118من متكلمي أهل السنة أستاذاً في
علم الكالم ،كما هو أستاذ في الحديث والفقه ،ول00ه كت00اب في المق00االت ه00و عم00دة من أتى
بعده في معرفة الفرق اإلسالمية.
وق00ال ال00ذهبي في “ س00ير أعالم النبالء “ ( )82-12/80وك00ان الكرابيس00ي من
بحور العلم ذكيا ً فطنا ً فصيحا ً لسنا ،تصانيفه في الفروع واألصول تدل على تبحره.
415
فأظهر الكرابيس مسألة اللفظ ،وف00رق بين المتل00و والتالوة ،وق00ال :لفظي ب00القرآن
مخلوق ،قال الذهبي في تاريخ اإلسالم ( :)18/84وأول من أظهر اللفظ الحس00ين بن علي
الكرابيسي ،وكان ذلك في سنة أربع وثالثين ومائتين .انتهى.
وتابع الكرابيسي في مقالته ه00ذه كث00ير من األئم00ة :عب00د هللا بن كالب ،وأب00و ث00ور،
وداود بن علي و طبقاتهم ،قاله ابن عبد البر في االنتفاء ( ،)106وقال تاج الدين السبكي
في طبقات الش0افعية ( :)119-2/118ومقال0ة الحس0ين ه0ذه ق0د نق00ل مثله00ا عن البخ00اري
والحارث بن أسد المحاسبي ،ومحمد بن نصر ال َم ْر َوزي وغيرهم.
فلما بلغت مقالة الكرابيسي هذه اإلمام أحمد أنكرها وهجره من أجل ذلك ،فكان كل
واحد منهما يتكلم في اآلخر ،فتجنب الناس أخذ الحديث عن الكرابيسي لهذا الس00بب ،فع00ز
حديثه.
قال الذهبي في السير ( )82-12/81ق00ال الحس00ين في الق00رآن :لفظي ب00ه مخل00وق،
فبلغ قوله أحمد فأنكره ،وقال :هذه بدعة ،فأوضح حسين المسألة ،وقال :تلفظ0ك ب0القرآن
غير الملفوظ ،وق00ال في أحم00د :أي ش00يء نعم00ل به00ذا الف00تى؟ إن قلن0ا مخل00وق ق0ال: يعني َ
بدعة ،وإن قلنا :غير مخلوق ،قال :بدع00ة ،فغض00ب ألحم00د أص00حابه ون00الوا من الحس00ين،
وقال أحمد إنما بالؤهم من هذه الكتب التي وضعوها ،وتركوا اآلثار.
ق00ال ابن ع00دي :س00معت محم00د بن عب00د هللا الص00يرفي الش00افعي يق00ول لتالمذت00ه:
اعتبروا بالكرابيسي وأبو ثور ،فالحسين في علمه وحفظ0ه ال يعش0ره أب00و ث00ور فتكلم في00ه
أحمد بن حنبل في باب مسألة اللفظ فسقط ،وأثنى على أبي ثور فارتفع للزومه السنة.
مات الكرابيسي سنة ثمان وأربعين ،وقيل :خمس وأربعين ومائتين.
ثم قال الذهبي :وال ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وح00رره في مس00ألة اللف00ظ ،وأن00ه
مخلوق هو حق لكن أباه اإلمام أحمد لئال يتذرع به إلى الق00ول بخل00ق الق00رآن ،فس00د الب00اب
ألنك ال تق0در أن تف0رز اللف0ظ من الملف0وظ ال0ذي ه0و كالم هللا إال في ذهن0ك .أق0ول :الف0رق
بينهما ليس ذهنيا فقط ألن ما قام باهلل تعالى أمر مغاير في الخ0ارج لم0ا ق0ام باإلنس0ان من
اللفظ
ً
وقال الذهبي أيضا في السير (:)290-11/288
قلت :الذي استقر عليه الحال أن أبا عبد هللا (أحمد بن حنبل) كان يقول :من ق00ال:
لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع ،وأن0ه ق0ال :من ق0ال :لفظي ب0القرآن مخل0وق فه0و
جهمي ،فكان رحمه هللا ال يقول هذا وال هذا.
وربما أوض00ح ذل00ك فق00ال :من ق00ال :لفظي ب00القرآن مخل00وق يري00د ب00ه الق00رآن فه00و
جهمي ،قال البيهقي في األسماء والصفات ( :)266ه00ذا تقيي00د حفظ00ه عن00ه ابن00ه عب00د هللا
وه0و قول0ه :يري0د ب0ه الق0رآن ،فق0د غف0ل عن0ه غ0يره ممن حكي عن0ه في اللف0ظ خالف م0ا
حكيناه ،حتى نسب إليه ما يتبرأ منه فيما ذكرناه.
ثم قال الذهبي :فقد كان ه00ذا اإلم00ام ال ي00رى الخ00وض في ه00ذا البحث خوف0ا ً من أن
يتذرع به إلى القول بخلق القرآن ،والكف عن هذا أولى ...
ومعلوم أن التلفظ شيء من كس0ب الق0ارئ غ00ير الملف00وظ ،والق00راءة غ0ير الش0يء
المقروء ،والتالوة وحسنها وتجويدها غير المتلو ،وصوت القارئ من كسبه ،فهو يحدث
416
التلفظ والصوت والحرك0ة والنط0ق ،وإخ0راج الكلم0ات من أدواته0ا المخلوق0ة ،ولم يح0دث
كلمات القرآن وال ترتيبه ،وال تأليفه وال معانيه.
فلقد أحسن اإلمام أبو عبد هللا حيث منع من الخ00وض في المس00ألة من الط00رفين إذ
كل من إطالق الخلقية وعدمها على اللفظ موهم ولم يأت ب00ه كت00اب وال س00نة ،ب00ل ال00ذي ال
نرتاب في00ه أن الق00رآن كالم هللا م00نزل غ00ير مخل00وق .وق00ال في ت00اريخ اإلس00الم (:)18/86
اللفظ قدر مشترك بين هذا وهذا أي بين الملفوظ الذي هو كالم هللا والتلفظ الذي هو كسب
الق00ارئ –ول00ذا لم يج00وز اإلم00ام أحم00د لفظي ب00القرآن مخل00وق وال غ00يرمخلوق إذ ك00ل من
اإلطالقين موهم.
وقال تاج الدين السبكي في الطبقات (:)119-2/118
وال00ذي عن00دنا أن أحم00د رض00ي هللا عن00ه أش00ار بقول00ه ه00ذه بدع00ة إلى الج00واب عن
مسألة اللفظ ،إذ ليس مما يعني المرء ،وخوض المرء فيما ال يعنيه من علم الكالم بدعة،
فكان السكوت عن الكالم فيه أجمل وأولى ،وال يظن بأحمد أنه يدعي أن اللفظ الخارج من
الشفتين قديم ..ثم قال:
وبما قال أحمد نقول ،فنقول :الصواب عدم الكالم في المسألة رأسا ً ما لم ت00دع إلى
الكالم حاجة ماسة.
وأما البخاري فكان يرى ما ذهب إليه الكرابيسي من غ00ير أن يص00رح ب00ه ب00ل ك00ان
يش00ير إلي00ه بقول00ه :أفع00ال العب00اد مخلوق00ة ،وك00ان ذل00ك من00ه خوف 0ا ً من ال00رأي الع00ام عن00د
المحدثين المنكرين على من يتكلم بمثل هذا الكالم.
وقال الذهبي في السير ( :)11/510وأما البخاري فكان من كبار األذكياء فقال :ما
قلت :ألفاظنا ب00القرآن مخلوق00ة ،وإنم00ا حرك00اتهم وأص00واتهم وأفع00الهم مخلوق00ة ،والق00رآن
المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كالم هللا غير مخل00وق ،وص00نف في ذل00ك
كتاب “ أفعال العباد “ مجلد ،فأنكر عليه طائفة وما فهموا مرامه كالذهلي ،وأبي زرعة،
وأبي حاتم ،وأبو بكر األعين وغ0يرهم ،ومث0ل م0ا قال00ه ال0ذهبي مم00ا نقلن0اه عن0ه هن0ا ق0ال
البيهقي في كتابه األسماء والصفات ،انظر (.)266-260
وأما اإلمام مسلم بن الحجاج فكان يظهر ه00ذا الق00ول وال يكتم00ه (انظ00ر س00ير أعالم
النبالء .)12/572
[مذاهب فرق أهل السنة في الكالم القديم]
وقد اختلف علماء أهل السنة في أن القرآن الق00ديم الق00ائم بذات00ه تع00الى عب00ارة عن
أي شيء هو؟.
(مذهب جمهور السلف في الكالم القديم)
فالسلف الذين تقدم ذكرهم ونقلن00ا كالمهم آنف0ا ً على أن الق00رآن ال00ذي ق00الوا بقدم00ه
عبارة عن اللفظ العربي المنزل على محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ،فهم على أن
القديم القائم بذاته تعالى هو لفظ الق00رآن ،وقي00ام لفظ00ه يس00تلزم قي00ام معن00اه ب00ه تع00الى ألن
المعنى ه0و األص0ل ،ب0ل الق0رآن عب0ارةعن اللف0ظ والمع0نى مع0اً ،لكنهم لم يص0رحوا بقي0ام
المعنى به تعالى لظهوره ،وألنه لم يكن من عادتهم تشقيق الكالم،
417
وليس القرآن عند هؤالء السلف عبارة عن المعنى النفسي فقط كما ذهب إليه عبد
هللا بن سعيد بن كالب وجمهور األشاعرة ،والدليل على ذلك أمور.
األول :أنه عندما ن00دقق النظ00ر في تعب00يراتهم وفي س00ياق كالمهم ن00رى أنهم ك00انوا
يقصدون القرآن المنزل على محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم وهو اللفظ العربي.
الثاني :أن إنكار بعضهم كاإلمام أحمد رضي هللا عنه على من ق00ال :لفظي ب00القرآن
مخلوق ،وتحرج بعضهم عن ذلك كان ألجل إيهام ه00ذا الكالم أن الملف00وظ مخل00وق ،وألن00ه
قد يتذرع به إلى القول بخلق الملفوظ ،مع أن الملف00وظ عن00دهم ق00ديم ،والملف00وظ إنم00ا ه00و
الكالم اللفظي ،وأما الكالم النفسي الذي هو عبارة عن معنى الملفوظ فال يمكن التلفظ به،
وكذلك قول من قال :لفظي بالقرآن مخلوق حيث قال ذلك ،وتحرج عن أن يقول :ملفوظي
مخلوق ليس إال ألن الملفوظ عنده غير مخلوق.
الثالث :أنه لم تجر المحنة التاريخية المعروفة بمحنة خلق القرآن على أهل السنة
إال المتناعهم عن القول بخلق القرآن بمعنى اللفظ المنزل ،ف0إن ذل0ك ه0و ال0ذي ك0ان يري0د
المعتزلة من أهل السنة القول به ،ألن المعتزلة لم يقولوا إال بالكالم اللفظي دون النفسي،
فلو كان السلف قائلين بقدم الكالم النفسي ،وحدوث اللفظي كم00ا علي00ه جمه00ور األش00اعرة
لكانوا موافقين للمعتزلة في حدوث الكالم اللفظي ،ولم00ا ج00رت عليهم المحن00ة المعروف00ة.
وليس الكالم عند السلف عب00ارة عن الح00روف واألص00وات ح00تى يل00زم حدوث00ه ،وذل00ك ألن
الحروف واألصوات البد فيها من الترتيب والتقدم والتأخر واالبتداء واالنقضاء ،وه00ذه ال
تكون إال في الحادث ،بل الكالم عندهم عبارة عن األلف00اظ النفس00ية ب00ترتيب وتق00دم وت00أخر
ذاتي ال زماني ،وبدون ابتداء وال انقضاء ،وبدون أصوات
ق000ال العالم000ة المحق000ق البياض000ي في “ إش000ارات الم000رام “ ( :)169ق000ال بعض
المحققين :ليس معناه أنه ليس بين أجزائه ترتب وضعي ،وهيئة تأليفية ،كيف والحروف
بدون00ه ال تك00ون كلم00ة ،والكلم00ة بدون00ه ال تك00ون كالم0اً ،والدالل00ة على المع00اني الوض00عية
والمزايا الخطابية ال يتم بدونه ،بل معن00اه أن0ه ليس بينه0ا ت0رتيب في الوج0ود ،وال تع0اقب
فيه حتى يكون وجود بعضها مشروطا ً بانقضاء البعض كما في القراءة ،فإن00ه ال يمكن أن
يتلفظ ببعض الحروف ما لم يفرغ من بعضها لعدم مساعدة اآلالت للتلفظ بجميع الحروف
معاً ،بخالف وجوده00ا في ذات الب00اري تع00الى ،ف00إن وج00ود جميعه00ا هن00اك مع0ا ً الزم لذات00ه
تعالى دائم بدوامه ،فال يلزم حدوث شيء منه00ا ،ومم00ا يح00اكي ذل00ك محاك00اة بعي00دة وج00ود
األلف00اظ في نفس الحاف00ظ ،ف00إن جمي00ع الح00روف بهيئاته00ا التأليفي00ة العارض00ة لمواده00ا
ومركباتها المحفوظ0ة 0في نفس00ه مجتمع00ة الوج00ود فيه00ا ،وليس وج00ود بعض00ها مش00روطا ً
بانقضاء البعض وانعدامه عن نفسه ..فبطل ما يت00وهم من أن00ه إذا لم يكن ت00رتيب ال يبقى
فرق بين ملع ولمع ونظائرهما.
وقال اإلمام البيهقي في كتاب “ األسماء والصفات “ (:)273
الكالم هو نطق نفس المتكلم بدليل م00ا روين00ا عن أم00ير المؤم00نين عم00ر رض00ي هللا
عنه في حديث السقيفة :فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر رضي هللا تع00الى عنهم00ا ،فك00ان
عمر يقول :وهللا ما أردت بذلك إال أني قد هيأت كالما ً أعجبني.
418
وفي رواية أخرى :وكنت زودت مقال00ة أعجبت00ني ،فس00مى تزوي00ر الكالم في نفس00ه
كالما ً قبل التلفظ به.
ثم إن كان المتكلم ذا مخ00ارج س00مع كالم00ه ذا ح00روف وأص00وات ،وإن ك00ان المتكلم
غير ذي مخارج سمع كالم0ه غ0ير ذي ح0روف وأص00وات ،والب00اري ج0ل ثنائ0ه ليس ب00ذي
مخارج وكالمه ليس بحروف وأصوات ،فإذا فهمناه ثم تلوناه تلوناه بحروف وأصوات.
(مذهب اإلمام أحمد في الكالم القديم)
وأما مذهب اإلمام أحمد فقد ثبت عنه بطرق ص00حيحة أن00ه ك00ان يق00ول :الق00رآن من
(ولَئِ ِن اتَّبَعْتَ أَ ْهَ 0
0وا َء ُه ْم بَ ْعَ 0د الَّ ِذي علم هللا ،واس00تدل على ذل00ك بالكت00اب مث00ل قول00ه تع00الىَ :
اجكَ فِي ِه ِمنْ بَ ْع ِد َما َج 0ا َءكَ َجا َء َك ِمنَ ا ْل ِع ْل ِم) (البقرة :من اآلية )120وقوله تعالى( :فَ َمنْ َح َّ
ِمنَ ا ْل ِع ْل ِم) (آل عم0000ران :من اآلية )61وق0000ال :الق0000رآن من علم هللا فمن زعم أن علم هللا
مخلوق فهو كافر باهلل العظيم ،وانظ00ر الش00ريعة لآلج00ري ( )72-71وحلي00ة األولي00اء ألبي
نعيم ( )9/219وت00اريخ بغ00داد للخطيب البغ00دادي )4/375( 0ومن00اقب اإلم00ام أحم00د البن
الجوي ( ،)435-433وسير أعالم النبالء للذهبي ( )286-245-11/243وتاريخ اإلسالم
للذهبي ( )101-99-18وطبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي.
قال الذهبي في س00ير أعالم النبالء ( :)11/286ق00ال اإلم00ام أحم00د في آخ00ر رس00الة
أمالها على ابنه عبد هللا ..القرآن من علم هللا ..وقد روي عن غير واحد ممن مضى من
سلفنا أنهم ك00انوا يقول00ون :الق00رآن كالم هللا غ00ير مخل00وق ،وه00و ال00ذي أذهب إلي00ه ،لس00ت
بصاحب كالم ،وال أدري الكالم في شيء من ه00ذا إال م00ا ك00ان في كت00اب هللا ،أو في ح00ديث
رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين ،فأما غير ذلك ف00إن
الكالم فيه غير محمود ،ثم قال الذهبي :فهذه الرسالة إسنادها كالشمس.
وقال في تاريخ اإلسالم (:)386-18
قلت :رواة هذه الرسالة عن أحمد أئمة أثب00ات ،أش00هد باهلل أن00ه أماله00ا على ول00ده،
ورواها أبو نعيم في حلية األولياء وابن الجوزي في مناقب اإلمام أحمد ،انتهى.
وقد تابع اإلمام أحمد على أن الق00رآن من علم هللا تع00الى ابن ح00زم في “ الفص00ل “
وفي “ الدرة “ .
وإذا ك00ان الق00رآن عن00د اإلم00ام أحم00د من علم هللا ،وال ريب أن علم هللا تع00الى ليس
عب00ارة عن الح00روف واألص00وات ،ف00القرآن عن00ده على ه00ذا ليس عب00ارة عن الح00روف
واألصوات والقرآن من كالم هللا تعالى ،فكالم هللا ليس عبارة عن الحروف واألصوات.
لكنه قد جاء عن اإلمام أحمد أن هللا يتكلم بصوت ،قال الذهبي في ت00اريخ اإلس00الم
( :)18/88قال عبد هللا بن اإلمام أحمد في كتاب “ ال00رد على الجهمي00ة “ تأليف00ة :س00ألت
أبي عن قوم يقولون :لما كلم هللا موسى لم يتكلم بصوت ،فقال أبي :بل تكلم –ج00ل ثنائ00ه-
بصوت ،هذه األحاديث نرويها كما جائت،وقال أبي :حديث ابن مسعود :إذا تكلم هللا س00مع
له صوت كمر السلسلة على ص00فوان ،ق00ال :وه00ذه الجهمي00ة تنك00ره ،وه00ؤالء يري00دون أن
يموهوا على الناس ،ثم ق0ال :ح00دثنا المح0اربي عن األعمش عن مس00لم عن مس0روق عن
عبد هللا قال :إذا تكلم هللا بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجداً،
419
هكذا روي عن اإلمام أحمد أن هللا يتكلم بصوت وهو مناقض لما ثبت عنه أن كالم
هللا تع00الى من علم00ه .وم00ا قال00ه اإلم00ام أحم00د من أن الق00رآن من علم هللا ،وأن هللا يتكلم
بصوت -إن ثبت ه00ذا عن00ه -ج00ار على مذهب00ه من الوق00وف في ب00اب العقي00دة عن00د ظ00واهر
النصوص ،وعدم تجاوزها وكراهة البحث والتنقيب عن األمور الغامض00ة ،كم00ا ق00ال فيم00ا
نقلنا ،عن0ه آنف0اً :لس0ت بص0احب كالم ،وال أدري الكالم في ش0يء من ه0ذا إال م0ا ك0ان في
كتاب هللا أو حديث رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين،
فأما غير ذلك فإن الكالم فيه غ00ير محم00ود ،وكم00ا ق00ال اإلم00ام البخ00اري عن00ه :في “ خل00ق
أفع00ال العب00اد “ ( :)62المع00روف عن أحم00د وأه00ل العلم أن كالم هللا غ00ير مخل00وق ،وم00ا
سواه مخلوق ،وأنهم كرهوا البحث والتنقيب عن األشياء الغامض00ة ،وتجنب00وا أه00ل الكالم
والخوض والتنازع إال فيما جاء ب00ه العلم ،وبين00ه رس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم
انتهى فإن اإلمام أحمد ظاهري المذهب في العقيدة كما أن مذهبه في الفقه أقرب المذاهب
إلى الظاهر ،ومن أجل ذلك لم يعده بعض العلم00اء من المجته00دين وع00دوه من المح00دثين،
ومن أجل ذلك اختار ابن حزم مذهبه أن القرآن من علم هللا.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن اإلمام أحمد قال بالص00وت ل00ورود ظ00اهر الخبري00ة ولم
يقل بالحرف أي بأن هللا تعالى يتكلم بالحروف لعدم ورود الخبر بذلك ،وقد أخطأ من نسب
القول بأن هللا يتكلم بالحروف وتعاقب الكلمات إلى اإلمام أحمد أو غيره ،وممن نسب ه00ذا
القول إليه ابن القيم قال في نونيته :وآخرون كأحمد (بن حنبل) ومحمد (البخاري) ق00الوا:
لم يزل متكلما ً بمشيئة وإرادة وتعاقب كلمات.
قال اإلمام تقي الدين السبكي في تعليق00ه على النوني00ة :ه00ذا ه00و ال00ذي ابتدع00ه ابن
تيمية ،والتزم به حوادث ال أول لها ،والعجب قوله مع ذلك :إنه قديم.
وحين النطق بالباء لم تكن السين موجودة ،فإن قال :النوع ق00ديم ،وك00ل واح00د من
الحروف حادث عدنا إلى الكالم في كل واحد من حروف القرآن ،فيلزم ح00دوثها وحدوث00ه،
فالذي التزمه من قيام حوادث بذات الرب ال ينجيه بل يرديه.
وهذا آفة التخليط ،والتطفل على العلوم ،وعدم األخذ عن الشيوخ .انتهى.
أي ويلزم هذا الق00ول أن يك00ون هللا محالً للح00وادث ،وابن تيمي00ة ت00ابع الكرامي00ة في
ذلك ،وأربى عليهم بدعوى القدم النوعي في الكالم كما ق00ال الفالس00فة بالق00دم الن00وعي في
دورات الفلك ،مع أنه ال وجود للكلي إال في ض00من أف00راده ،فال وج00ه للوص00ف بالق00دم بع00د
االعتراف بحدوث كل فرد من أفراده بل هما ،دعوي00ان متناقض00تان ،فه00ذا الم00ذهب ينقض
نفسه بدون أن ينقضه أحد.
ً
ومعنى قول أحمد( :إن هللا لم ي00زل متكلم0ا إن ش00اء) أن الكالم ص00فة قديم00ة قائم00ة
بذاته تعالى وأن هللا تعالى يكلم أنبيائه متى شاء بالوحي أو من وراء الحجاب ،أو بإرسال
ب أَ ْو
شٍ 0ر أَنْ يُ َكلِّ َم 0هُ هَّللا ُ إِاَّل َو ْحي0ا ً أَ ْو ِمنْ َو َرا ِء ِح َج 0ا ٍ
(و َما َك00انَ لِبَ َ
الرسل كما قال هللا تعالىَ :
سوالً فَيُو ِح َي بِإِ ْذنِ ِه َما يَشَا ُء) (الشورى :من اآلية.)51 س َل َر ُ
يُ ْر ِ
420
وقد كان هللا تعالى متكلما ً قب00ل أن يكلم األنبي00اء كم00ا أن00ه ك00ان خالق0ا ً قب00ل أن يخل0ق
الخلق.
وأما الصوت فلم يثبته هلل تعالى جمهور علماء األمة ،وإنما أثبتوا هلل تع00الى الكالم
الذي هو نطق نفس المتكلم كما قدمنا بيانه ،قال البيهقي :إن كان المتكلم ذا مخارج سمع
كالمه ذا حروف وأصوات ،وإن كان المتكلم غير ذي مخارج سمع كالمه غير ذي حروف
وأصوات ،والباري جل ثنائه ليس بذي مخارج ،وكالمه ليس بحرف وصوت ،فإذا فهمناه
ثم تلون00اه تلون00اه بح00روف وأص00وات ،ثم ق00ال ال00بيهقي ( :)276 00،273ولم يثبت ص00فة
الصوت في كالم هللا عز وجل أو في حديث صحيح عن النبي صلى هللا تعالى علي00ه وس00لم
غير حديثه (أي غير حديث عبد هللا بن أنيس) وليس بنا ضرورة إلى إثباته (ألنه قد نق00ده
قبل هذا الكالم) وحديثه هو قوله صلى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم( :يحش00ر هللا العب00اد -أو ق00ال
الناس -عُراة ُغ ْرالً بُ ْهما ،ثم يناديهم بصوت يسمعه من بَ ُع َد كما سمعه من قَ ُر َب أن00ا المل00ك
الديان).
وقد يجوز أن يكون الصوت فيه إن كان ثابتا ً راجعا ً إلى غيره كم00ا روين00ا عن عب00د
هللا بن مسعود موقوفاً ،وموقف الصحابي في ما ال مجال للرأي فيه من المرفوع حكم00ا “
إذا تكلم هللا بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفاء “ وفي ح00ديث
أبي هريرة( :إذا قضى هللا األمر في السماء ضربت المالئكة بأجنحتها خصعانا ً لقوله كأنه
سلس00لة على ص00فوان) ففي ه00ذين الح00ديثين الص00حيحين دالل00ة على أنهم يس00معون عن00د
الوحي صوتا ً لكن للسماء وألجنحة المالئكة ،تعالى هللا عن شبه المخلوقين علواً كب00يراً ..
وكما روينا عن نبينا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم( :أنه ك00ان يأتي00ه ال00وحي أحيان 0ا ً في
مثل صلصلة الجرس) وكل ذلك مضاف إلى غير هللا سبحانه .وذكر البيهقي هنا جملة من
األحاديث التي ورد فيها ثبوت الصوت هلل تعالى ،وبين ضعف جملة منها ،وما ك00ان منه00ا
صحيحا ً حمله على إضافة الصوت فيها إلى غيره تعالى.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في “ عارضة األحوذي ش00رح الترم00ذي :ال يح00ل
لمس00لم أن يعتق00د أن كالم هللا تع00الى ص00وت وح00رف ال من طري00ق العق00ل وال من طري00ق
الشرع ،فأما طريق العقل فألن الصوت والحرف مخلوقان محصوران وكالم هللا يج00ل عن
ذلك كله ،وأما من طريق الشرع فألنه لم يرد في كالم هللا وكالم رسول هللا صلى هللا عليه
وآله وسلم صوت وحرف من طريق صحيحة ،ولهذا لم نج00د طريق0ا ً ص00حيحة لح00ديث ابن
أنيس ،وابن مسعود.
(مذهب جمهور األشاعرة والماتريدية في الكالم القديم)
وذهب جمهور األشعرية والماتريدية إلى أن كالم هللا القديم القائم بذاته عبارة عن
المع00نى النفس00ي فق00ط ،ولم يثبت00وا الكالم اللفظي الق00ديم هلل تع00الى ال اللفظي النفس00ي ،وال
اللفظي المؤل00ف من الح00روف واألص00وات ،وق00الوا :إن الق00رآن يطل00ق على اللف00ظ وعلى
المعنى النفسي والقائم باهلل تعالى هو المعنى النفسي وأما اللفظ فمخلوق هلل تع00الى انف00رد
هللا بخلقه بدون كسب من أحد فيه ،وبهذا المع00نى يض00اف إلى هللا تع00الى ويق00ال :إن00ه كالم
هللا ،لكنهم منعوا إطالق الح00ادث علي00ه إال في مق00ام التعليم إليهام00ه ح00دوث الق00رآن الق00ائم
بذاته تعالى الذي هو المعنى النفسي.
421
وشبهتهم في ذلك هي شبهة المعتزلة من أن اللفظ الب00د في00ه من ال00ترتيب والتق00دم0
والتأخر واالبتداء واالنقضاء ،وهذا ال يكون إال في الحادث.
وهذا منهم قياس للغائب على الشاهد ومن المقرر أنه غ00ير مقب00ول ،ف00إن ال00ترتيب
المذكورة إنما هو في كالم المخلوق لعدم مساعدة اآلالت ،وأما كالم هللا تعالى فه00و اللف00ظ
مع المعنى وهو لفظ نفسي كالمعنى قائم بذاته تعالى بترتيب وتقدم وتأخر ذاتي ال زماني،
وبدون ابتداء ،وال انقضاء ،وقد قدمنا بيانه .ومن نظائره التي تقربه إلى األفهام أننا حين
نكتب بالقلم فالبد –من أج00ل وج00ود الكتاب00ة -من ال00ترتيب الزم00ني ،وأم00ا حينم00ا نستنس00خ
المكتوب بآلة االستنساخ ونطبعه فال يوجد في االستنساخ والطباعة ت00رتيب زم00ني ال بين
الكلمات وال بين الحروف مع وجود الترتيب الذاتي فيها ،وإال لم00ا ك00انت كلم00ات وال جمالً
وال كالماً.
وأول من ذهب إلى هذا القول من قدماء أهل السنة هو أبو محمد عبد هللا بن سعيد
القطان المعروف بابن ُكالّب من متكلمة أهل السنة وأبو العباس القالنسي وق00اال :إن كالم
هللا القائم بذات00ه ص00فة واح00دة في األزل ال يتص00ف ب00األمر والنهي والخ00بر في األزل ،إنم00ا
يتصف بذلك ويصير أحد ه00ذه األش00ياء فيم00ا ال ي00زال بحس00ب التعل00ق ،فهي ليس00ت أنواع0ا ً
حقيقية للكالم حتى يرد م00ا اع00ترض ب00ه على ه00ذا الم00ذهب من أن الجنس ال يوج00د إال في
ضمن شيء من أنواعه ،وأن القدر المشترك ال يوجد إال بواحد من خصوص00ياته ،ب00ل هي
أنواع اعتبارية تحصل فيه بحسب تعلقه باألشياء ،فجاز أن يوجد جنس00ها ب00دونها ومعه00ا
أيضاً.
قالوا :وهذا المعنى إن عبر عنه بالعربية فهو القرآن ،وإن عبر عنه بالعبرية فهو
توراة ،وإن عبر عنه بالسريانية فهو إنجيل ،قالوا :واختالف العبارات ال يس0تلزم اختالف
الكالم.
قال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية ( :)2/300ابن كالب مع أهل السنة في
أن صفات ال00ذات ليس00ت هي ال00ذات وال غيره00ا ،ثم زاد ه00و وأب00و العب00اس القالنس00ي على
سائر أهل السنة ف00ذهبا إلى أن كالم هللا تع00الى ال يتص00ف ب0األمر والنهي والخ00بر في األزل
لحدوث هذه األمور وقدم الكالم النفسي وإنما يتصف بذلك فيما ال يزال.انتهى
ه00ذا ه00و الكالم النفس00ي عن00د ابن كالب والقالنس00ي واخت00اره اإلم00ام أب00و الحس00ن
األشعري فيما هو المشهور عنه وكثير من األشاعرة.
وذهب بعض األش00اعرة إلى أن الكالم النفس00ي عب00ارة عن الخ00بر فق00ط ،وأن األم00ر
والنهي راجعان إليه ألن الطلب من هللا تعالى يرجع إلى الخبر بوصول الثواب أو العق00اب،
ونسبه اآلمدي إلى اإلمام األشعري كما في “ إشارات المرام “ .
وذهب بعضهم إلى انقسامه إلى األمر والنهي والخبر
وذهب بعضهم إلى انقسامه في األزل إلى األقسام الخمس00ة :األم00ر والنهي ،الخ00بر
واالستخبار والنداء.
وهؤالء كلهم متفقون على نفي قي00ام الكالم اللفظي باهلل تع00الى وإثب00ات قي00ام الكالم
النفسي فقط باهلل تعالى.
422
وقد فسر التفتازاني في شرح المقاصد الكالم النفس00ي بقول00ه :المع00نى ال00ذي يج00ده
اإلنس00ان في نفس00ه ،وي00دور في َخلَِ 0ده ،وال يختل00ف ب00اختالف العب00ارات بحس00ب األوض00اع
واالصطالحات ،ويقصد المتكلم حصوله في نفس السامع ليجري على موجب00ه ،ه00و ال00ذي
نسميه كالم النفس.
وقال المحقق الكبير عبد ال00رحمن الش00ربيني في تعليق00ه على ش00رح المحلي لجم00ع
الجوامع ( )1/110الكالم النفس0ي على م0ا قال0ه الس00عد والعض00د والس0يد والخي0الي وعب00د
الحكيم ،ه00و المع00نى ال00ذي نج00ده في أنفس00نا عن00د إخبارن00ا عن قي00ام زي00د ،أع00ني النس00بة
اإليجابية بينهما.
وهو الذي ال يتغير بتغير العبادات ومدلوالتها المتغ00يرة بتغيره00ا أع00ني الم00دلوالت
اللغوي00ة ال00تي يس00مونها في االص00طالح مع00اني أول ،فه00و غ00ير الكالم اللفظي ومدلوالت00ه
المتغ000يرة ،فه000و األص000ل بالنس000بة إلى األلف000اظ المع000بر عن000ه بالمع000اني الثاني000ة في
االصطالح.انتهى
وهذا التفسير للكالم النفسي ال ينطبق على ما ذهب إليه ابن كالب وأكثر األشاعرة
والمشهور عن اإلمام األشعري ألن الكالم النفسي عندهم أمر واحد بسيط ليس فيه تك00ثر،
وعلى هذا التفسير الكالم النفسي هو المع0اني الثاني0ة للمركب0ات والجم0ل ،وه0ذه المع0اني
تتكثر بتكثر الجمل والمركبات.
ويرد على ما ذهب إليه ابن ُكالّب أمور :األول :أن ما ذهب إليه من المع00نى الغ00ير
المنقسم إلى ما ذكر من األقس00ام أم00ر غ00ير معق00ول ،وق00د اع00ترف بأن00ه غ00ير معق00ول إم00ام
الحرمين ،نقله عنه التفتازاني في شرح المقاصد ( )3/119-2/106وأقره عليه.
0زنَى) (اإلس00راء :من (وال تَ ْق َربُ00وا الِّ 0الثاني :أنه يلزم علي00ه أن مع00نى قول00ه تع00الىَ :
الص0الةَ) (البق00رة :من اآلية )43ومع00نى آي00ة الكرس00ي (وأَقِي ُموا َّ اآلية )32هو معنى قولهَ :
َب) (المس00د: هو معنى آية الدين ،ومعنى سورة اإلخالص هو معنى (تَبَّتْ يَ 0دَا أَبِي لَ َه ٍ
ب َوت َّ
.)1
ً
الث00الث :يل00زم علي00ه أن تك00ون الق00رآن والت00وراة واإلنجي00ل والزب00ور أم00ورا متح00دة
بالذات مختلفة باالعتبار ،وهذا ما ال يقوله عاقل.
ْ َ َ
ت َربِّي لنفِ َ 0د البَ ْحُ 0ر الرابع :أنه مخالف لقوله تعالى( :قُ ْل لَ ْو َكانَ البَ ْح ُر ِمدَادا لِكلِ َم00ا ِ
َ ً ْ
0و أَنَّ َم00ا قَ ْب َل أَنْ تَ ْنفَ َد َكلِ َماتُ َربِّي َولَ ْو ِج ْئنَا بِ ِم ْثلِ ِه َمدَداً) (الكهف )109:وقول00ه تع00الىَ ( :ولَْ 0
س ْب َعةُ أَ ْب ُح ٍر َم00ا نَفِ 0دَتْ َكلِ َم00اتُ هَّللا ِ إِنَّ هَّللا َ
ض ِمنْ ش ََج َر ٍة أَ ْقال ٌم َوا ْلبَ ْح ُر يَ ُم ُّدهُ ِمنْ بَ ْع ِد ِه َ
فِي اأْل َ ْر ِ
َع ِزي ٌز َح ِكي ٌم) (لقمان )27:ف00إن اآلي00تين ت00دالن على ك00ثرة كالم00ه تع00الى ك00ثرة خارج00ة عن
الحصر.
والحاص00ل أن جمه00ور األش00اعرة والماتريدي00ة على نفي قي00ام الكالم اللفظي بذات00ه
تعالى وإثبات قيام الكالم النفسي فقط بذاته تعالى.
(مذهب بعض متأخري األشاعرة)
بعض المحققين من المت00أخرين منهم ،وذهب00وا إلى م00ا ُ 0ور األش00اعرة وخالف جمهَ 0
ذهب إليه جمهور السلف من أهل السنة من قدم الكالم اللفظي الحاصل في النفس.
423
وفي مقدم00ة ه00ؤالء اإلم00ام محم00د بن عب00د الك00ريم الشهرس00تاني في كتاب00ه نهاي00ة
األق00دام( ،وراجع00ه )313-312واستحس00ن رأي00ه كث00ير ممن أتى من بع00ده من المحققين،
منهم القاضي عضد الدين اإليجي في مقالة مف00ردة ل00ه أورده00ا الس00يد الش00ريف في ش00رح
المواقف ( )104-8/103ومنهم سعد الدين التفتازاني والس00يد الش00ريف الجرج00اني ،وق00د
علق السعد التفتازاني القول به على إمكان تصور وجود األلفاظ بدون ترتيب ،وق00د ق00دمنا
بيان إمكانه
ومحصل كالم العضد :أن لفظ المعنى يطلق تارة على م00دلول اللف00ظ ،وأخ00رى على
األمر القائم بالغير ،فاإلمام األشعري لما قال في بعض كالمه( :الكلم هو المع00نى النفس00ي)
فهم األصحاب منه أن مراده مدلول اللفظ وح00ده ،وأن00ه ه00و الق00ديم عن00ده ،وأم00ا العب00ارات
فإنما تسمى كالما ً مجازاً لداللتها على ما هو كالم حقيقة 0ح00تى ص00رحوا ب00أن اللف00ظ ح00ادث
على مذهبه لكونه ليس كالمه حقيقة0.
وهذا الذي فهموه من كالم اإلمام له لوازم كثيرة فاس0دة :كع00دم إكف0ار من أنك0ر أن
ما بين دفتي المصحف كالم هللا مع أنه قد علم من الدين بالضرورة كونه كالم هللا حقيقة،
وكعدم كون التحدي بكالم هللا الحقيقي ،وكعدم كون المقروء المحفوظ كالم هللا حقيق00ة إلى
غير ذلك مما ال يخفى على المتفطن في األحكام 0الدينية ،فوجب حمل كالم الشيخ على أن00ه
أراد بالمعنى األمر القائم بالغير ،وهو شامل للف00ظ والمع00نى ،فيك00ون الكالم النفس00ي عن00ده
أمراً شامالً للفظ والمعنى جميعا ً قائما ً بذات00ه تع00الى وه00و مكت00وب في المص00احف ،مق00روء
باأللسن ،محفوظ في الصدور ،وهو غير الكتابة والقراءة والحفظ الحادثة.
وما يقال من أن الحروف واأللف00اظ مترتب00ة متعاقب00ة فهي حادث00ة ،فجواب00ه أن ذل00ك
الترتب إنما هو في التلفظ بسبب عدم مساعدة اآللة ،فالتلفظ حادث.
واألدلة الدالة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث اللف00ظ جمع0ا ً بين
األدلة.
وهذا المعنى الذي ذكرناه وإن كان مخالفا ً لم00ا علي00ه مت00أخرو ،أص00حابنا لكن00ه بع00د
التأمل يعرف حقيته .هذا هو محصل كالم القاضي عضد الدين.
قال السيد الشريف في شرح المواقف بعد إيراده لكالم العضد :وهذا المحم00ل لكالم
الشيخ مما اختاره محمد الشهرستاني في كتابه المس00مى “ نهاي00ة األق0دام “ وال ش00ك في
أنه أقرب إلى األحكام 0الظاهرية المنسوبة إلى قواعد الملة .انتهى.
أق00ول :وم00ا حم00ل القاض00ي علي00ه كالم الش00يخ األش00عري ال ينطب00ق علي00ه م00ا ه00و
المشهور عنه من أن مذهب00ه في الكالم الق00ديم ه00و م00ذهب ابن ُكالّب من أن كالم00ه تع00الى
واحد ليس بأمر وال نهي وال خبر ،وإنما يصير أحد هذه األشياء بحسب التعلق ،فإن ه00ذه
األوصاف ال تنطبق على الكالم اللفظي ،كما ال ينطب00ق علي00ه م00ا نس00ب إلي00ه من أن كالم00ه
تع00الى عب00ارة عن الخ00بر فق00ط ،فإن00ه من الب00ديهي أن الكالم اللفظي منقس00م إلى الخ00بر
واإلنشاء واألمر والنهي إلى غير ذلك ،وليس خبرا فقط .فهذا الحمل غير صحيح.
وقد أجاب العلماء عما قاله القاضي عضد الدين من لزوم المفاسد المذكورة بأنها
إنما تلزم إذا أنكر أن القرآن الملف00وظ كالم هللا ،واعتق00د أن00ه من مخترع00ات البش00ر أم00ا إذا
اعتقد أنه كالم هللا بمعنى أنه المنفرد بخلقه بدون مداخلة كسب من أحد في وجوده ،لكن00ه
424
ليس وصفا ً قديما ً قائما ً بذاته تعالى ،فال يلزم شيء مما ذك00ره من المفاس00د ،لكن00ه مخ00الف
لما عليه سلف األمة كما ق00دمنا كم00ا أن00ه مخ00الف لظ00واهر النص00وص من الكت00اب والس00نة
الصريحة في نسبة الكالم إلى هللا تعالى ،ف00إن المتب00ادر من الكالم ه00و الكالم اللفظي ،دون
المعنى النفسي بدون اللفظ والظاهر من ه0ذه النس0بة ه0و النس0بة على وج0ه القي0ام بذات0ه
تعالى.
وقد كان شيخنا المحقق الكبير ،والمربي العظيم الشيخ محمد العربكندي ،يؤيد م00ا
ذهب إليه القاضي عضد الدين ،ويذهب إلى ما ذهب إليه.
والف0رق بين ه0ذا الم0ذهب وم0ذهب الحش0وية أن أه0ل ه0ذا الم0ذهب يقول0ون بق0دم
الكالم النفسي وقيامه بذاته تعالى بمعنى اللفظ النفسي من نوع ما يعبر عن00ه بالنس00بة إلى
اإلنسان بحديث النفس ،وهو يكون بدون صوت كما يفيده وصف الكالم بالنفسي.
وأما الحشوية فقد ذهبوا إلى أن كالمه تعالى مؤلف من أصوات وحروف مترتب00ة،
وأنها قائمة بذاته تعالى.
(حاصل الكالم)
وحاصل الكالم أن في هذا المقام قياسين متعارضي النتيجة
أولهما :كالم هللا صفة له ،وكل ما هو صفة له فهو قديم ،فكالم هللا قديم.
وثانيهما :كالم هللا مؤلف من ح00روف مترتب00ة متعاقب00ة في الوج00ود ،وك00ل م00ا ك00ان
كذلك فهو حادث ،فكالم هللا حادث.
فاضطر كل طائفة إلى القدح في أح00د القياس0ين ض0رورة امتن00اع حقي0ة النقيض0ين،
ألن المراد بالكالم في صغرى القياسين ما كان هللا متكلما ً به ،فالمناف00اة ليس00ت منفي00ة بين
النتيجتين كما ظنه البعض.
فمنع كل طائفة بعض المقدمات:
أما أهل السنة من السلف والماتريدية واألشعرية فمنعوا ص00غرى القي00اس الث00اني،
(وه00و أن كالم هللا مؤل00ف من ح00روف مترتب00ة متعاقب00ة في الوج00ود) ،وأثبت00وا هلل الكالم
النفسي.
واختلفوا 0في تعيينه كما تقدم آنفاً.
وأما الحشوية من المحدثين والحنابلة فمنعوا كبرى القياس الثاني ،وه00و (أن ك00ل
ما هو مؤلف من حروف وأص00وات مترتب00ة فه00و ح00ادث) ،وذهب00وا إلى أن كالم هللا تع00الى
مؤلف من أصوات وحروف مترتبة ،وأنها قائمة بذاته تعالى وقديمة.
وأما المعتزلة فمنعوا صغرى القياس األولى ،وهو (أن كالم هللا صفة له) ،وذهبوا
إلى أن كالم هللا تعالى مؤلف من أصوات وحروف مترتب0ة ،وه0و ق0ائم بغ0يره تع0الى ،وأن
معنى كونه متكلما ً كونه تعالى خالقا ً لتلك الحروف واألصوات في مح00ل ك00اللوح المحف00وظ0
وجبريل.
وأما الكرامية فمنعوا كبرى القياس األول ،وهو (ك0ل م0ا ه0و ص0فة هلل تع0الى فه0و
قديم) ،وذهب00وا إلى أن كالم00ه تع00الى ص00فة ل00ه مؤل00ف من الح00روف واألص00وات الحادث00ة،
وقائمة بذات هللا تعالى.
425
ويلزم على مذهب الكرامية كونه تعالى محالً للحوادث ،وعلى مذهب الحشوية قدم
الحروف واألصوات مع بداهة تعاقبها وتجددها المستلزم لحدوثها.
ويل00زم على م00ا ذهب إلي00ه جمه00ور األش00اعرة والماتريدي00ة ك00ون األلف00اظ المترتب00ة
ليست كالم هللا تعالى ،بل كالم هللا تعالى هو المعنى فقط على اختالفهم في المعنى.
ويلزم على مذهب المعتزلة كون كالمه تعالى لفظا ً قائما ً بغيره تعالى.
وال يلزم على م00ذهب المتق00دمين ش00يء من المفاس00د ألنهم ق00ائلون ب00أن الكالم ه00و
المعاني المدلولة والعبارات المترتبة بترتيب ذاتي من غير أصوات ،ومن غير ت00رتيب في
الوجود الخارجي.
ولما لم يكن هن0اك ع0برة بكالم الكرامي0ة والحش0وية لكون0ه في مقابل0ة الض0رورة،
يبقى النزاع بين جمهور متأخري أهل السنة والمعتزلة ،وهو في التحقيق عائد إلى إثبات
الكالم النفس00ي ونفي00ه ،وأن الق00رآن ه00ل ه00و النفس00ي ،أو الحس00ي المؤل00ف من الح00روف
المترتب000ة؟ وإال فجمه000ور أه000ل الس000نة علي ح000دوث الكالم الم000رتب الحس000ي ،وال خالف
للمعتزلة في ق00دم الكالم النفس00ي ل00و ثبت عن00دهم لكنهم ال يثبتون00ه .كم00ا يبقى الخالف بين
هؤالء والسلف ،فالسلف يثبتون الكالم اللفظي النفسي القديم هلل تعالى ،وهؤالء ينفونه.
هذا ما تحرر لنا في هذه المسألة التي هي من أعوص مسائل الكالم.
والحمد هلل رب العالمين ،وصلى هللا تع00الى على س00يدنا محم00د وعلى آل00ه وص00حبه
وسلم.
426
427
مسألة العلو والفوقية هلل تعالى:
بسم هللا الرحمن الرحيم
من عقائد أهل السنة أن هللا تعالى منزه عن الجهة والمكان،
فنورد أوال م00ا اس0تدلوا ب00ه على المس0ألة ،ثم نش0رح س0ت كلم00ات متعلق0ة به00ا ،ثم
نحقق المسألة ،ونحاول بذلك الجمع بين ق00ول الق00ائلين بالجه00ة وق00ول الق00ائلين بت00نزه هللا
تعالى عنها.
[ الدالئل على أن هللا تعالى منزه عن الجهة ]
-1قال النسفي في ش00رح العم00دة اس00تدالال على ذل00ك :الص00ور والجه00ات مختلف00ة،
واجتماعه00ا علي00ه تع00الى مس00تحيل لتنافيه00ا في أنفس00ها ،وليس البعض أولى من البعض
الستواء الكل في إفادة الم00دح والنقص وع00دم دالل00ة المح00دثات علي00ه ،فل00و اختص بجه00ة
لكان بتخصيص مخصص وهذا من أمارات الحدوث.
-2وقال السبكي :صانع العالم ال يك00ون في جه00ة ألن00ه ل00و ك0ان في جه0ة لك0ان في
مكان ضرورة أنها المكان أو المستلزمة له ،ولو ك00ان في مك00ان لك00ان متح00يزاً ،ول00و ك00ان
متح00يزاً لك00ان مفتق00راً إلى ح00يزه ومكان00ه ،فال يك00ون واجب الوج00ود ،وثبت أن00ه واجب
الوجود ،وهذا خلف.
-3وأيضا ً لو كان في جه0ة فإم0ا في ك0ل الجه0ات ،وه0و مح0ال وش0نيع ،وإم0ا في
البعض فيلزم االختصاص المستلزم لالفتق00ار إلى المخص00ص المن00افي للوج00وب .نق00ل كالم
النسفي والسبكي الزبيدي في “ إتحاف السادة المتقين .)2/104
-4ومن الدليل على تنزه هللا تعالى عن الجهة والمك00ان من الس00نة م00ا رواه مس00لم
في ص00حيحه ( )4/2804عن أبي هري00رة رض00ي هللا تع00الى عن00ه أن رس00ول هللا ص00لى هللا
تعالى عليه وآله وسلم كان يقول في دعائه:
((اللهم أنت األول فليس قبلك شيء ،وأنت اآلخر فليس بعدك شيء ،وأنت الظاهر
فليس فوقك شيء ،وأنت الباطن فليس دونك ش00يء ،اقض عن00ا ال00دين وأغنن00ا من الفق00ر)
قال اإلمام الحافظ البيهقي في “ األسماء الصفات “ ص :41استدل بعض أص00حابنا به00ذا
الح00ديث على نفي المك00ان عن هللا ،ف00إذا لم يكن فوق00ه ش00يء وال دون00ه ش00يء لم يكن في
مكان.
[ الكلمات المتعلقة بالمسألة ]
ونشرح هنا ست كلمات متعلقة بهذه المسألة يكثر دورانها ويقع االش00تباه والزل00ل
فيها ،يك00ون ش0رحها مس00اعدا لتحقي0ق المس0ألة وفهمه00ا وهي “ لف0ظ الجه0ة “ و “ أن00ه
تعالى فوق عرش00ه “ وأن00ه “ ب00ائن عن خلق00ه “ و “ أن00ه تع00الى ليس ب00داخل الع00الم وال
خارجه “ و “ أنه استوى على العرش “ .و “ أنه تعالى في السماء “ .
أما لفظ الجهة فلم يقع ذكره في حق هللا تعالى في كت00اب هللا وال في س00نة -1
رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وس00لم ،وال في لف00ظ ص00حابي أو ت00ابعي ،وال في كالم
أحد ممن تكلم في ذات هللا تعالى وصفاته سوى إقحام المجسمة ،قاله الك00وثري في تكمل00ة
الرد على نونية ابن القيم ( )117وقال في صفحة (.)54
428
وأم00ا لف00ظ أن00ه تع00الى ف00وق عرش00ه فلم ي00رد مرفوع0ا ً إال في بعض ط00رق -2
حديث األوعال من رواية ابن منده في كتاب التوحي00د وأس00انيده مثخن00ة ب0الجراح ب00ل خ0بر
األوع00ال ملف00ق من اإلس00رائيليات كم00ا نص علي00ه أب00و بك00ر بن الع00ربي في ش00رح س00نن
الترمذي.
وأما أنه تعالى بائن عن خلقه فقد نقل البيهقي في “ األس00ماء والص00فات -3
“ 411عن أبي الحسن األشعري أنه قال :إن هللا مستو على عرشه ،وأنه فوق األش00ياء
بائن منها بمعنى أنها ال تحله وال يحلها ،وال يمسها وال يشبهها ،وليست البينونة بالعزلة
تعالى هللا عن الحلول والمماثلة علواً كبيراً.
يعني أن البينونة ال0تي أثبته0ا اإلم0ام أب0و الحس0ن هلل تع0الى بمع0نى نفي الممازج0ة
واالختالط وليست بمعنى االعتزال والتباعد ،ألن المماسة والمباينة التي هي ضدها –كما
قال -من أوصاف األجسام ،وهللا عز وجل أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
فال يجوز عليه ما يجوز على األجسام.
وقال العالمة المحقق محمد زاهد الكوثري في تكمل00ة ال00رد على نوني00ة ابن القيم (
:)54-53
ولفظ “ بائن عن خلقه “ لم يرد في كت00اب وال س00نة ،وإنم00ا أطلق00ه من أطلق00ه من
الس00لف بمع00نى نفي الممازج00ة رداً على جهم( ،يع00نى في قول00ه :إن هللا في ك00ل مك00ان) ال
بمعنى االبتعاد بالمسافة تعالى هللا عن ذلك ،ذكره البيهقي في األسماء والصفات.
أقول :وهذا معنى ق00ول المتكلمين( :إن هللا تع00الى ال يك00ون داخ00ل الع00الم) -4
قصدوا به نفي الممازجة لتعاليه تع00الى عن الحل00ول واالتح00اد ،وأم00ا ق00ولهم( :وال خارج0ا ً
عنه) فقد قصدوا به نفي الجهة ونفي االبتعاد بالمسافة ،أشار إلي00ه البياض00ي في إش00ارات
المرام ( )197وإال فمن الضروري أن الذي ال يكون داخل العالم يكون بائنا ً عنه وخارج00ا ً
عنه.
وأم00ا أن00ه تع00الى اس00توى على الع00رش فق00د ق00ال ال00بيهقي في األس00ماء -5
والصفات ( )397-396وليس معنى قول المسلمين :إن هللا استوى على الع00رش ه00و أن00ه
مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته لكنه ب00ائن من جمي00ع خلق00ه ،وإنم00ا
خبر جاء به التوقيف .فقلنا به ،ونفينا عنه التك00ييف ،إذ ليس كمثل00ه ش00يء وه00و الس00ميع
البصير .وسننقل كالم اإلمام األشعري في االستواء في آخر هذه المقالة.
وأما أن هللا تعالى في السماء فقد قال ابن تيمية :ومن توهم أن ك00ون هللا -6
تعالى في السماء بمعنى أن السماء تحيط به أو تحوي00ه أو أن00ه محت00اج إلى مخلوقات00ه ،أو
أنه محصور فيها ،فهو مبطل كاذب إن نقله عن غيره ،وضال إن اعتقده في رب00ه فإن00ه لم
يقل به أحد من المسلمين ،بل ل0و س0ئل الع0وام 0ه0ل تفهم0ون من ق0ول هللا تع0الى ورس0وله
صلى هللا عليه وآله وسلم :إن هللا في الس00ماء أن الس00ماء تحوي00ه؟ لب00ادر ك00ل واح00د منهم
بقوله :هذا شيء لم يخطر ببالنا ،بل عند المسلمين أن مع00نى ك00ون هللا تع00الى في الس00ماء
وكونه على العرش واحد ،بمعنى أن هللا تعالى في العلو ال في السفل.
نقل ه0ذا الكالم عن ابن تيمي0ة زين ال0دين م0رعي بن يوس0ف الك0رمي في كتاب0ه “
أقاويل الثقات ()94
429
[ شرح المسألة وإيضاحها ]
ونتكلم هنا على المسألة من ثالث جهات :من جهة التحقيق ،فنحقق المسألة ،ثم
نتكلم عنها من جهة حكم الوهم فيها ،ثم نتكلم عليها من جهة العرف
[ تحقيق المسألة ] -1
أقول :قد شرح العالمة زين الدين الكرمي في كتابه (أقاويل الثقات) قول الق00ائلين
بالجهة والعلو بوجه جيد ال يخالف مذهب النافين لهما من أهل السنة ،فقال:
القائل بالجهة يقول :إن الجهات تنقطع بانقطاع العالم ،وتنتهي بانتهاء آخ00ر ج00زء
من الكون ،واإلشارة إلى الفوق تقع على أعلى جزء من الكون حقيقة.
ومما يحقق هذا أن الكون الكلي ال في جهة ألن الجهات عبارة عن المكان.
والمكان الكلي ال في مكان ،فلما عدمت األماكن من جوانبه لم يقل :إن00ه يمين ،وال
يسار ،وال قدام ،وال وراء ،وال فوق وال تحت.
وقالوا :إن ما عدى الك00ون الكلي وم00ا خال ال00ذات القديم00ة ليس بش00يء ،وال يش00ار
إلي00ه ،وال يع00رف بخالء وال مالء ،وانف00رد الك00ون الكلي بوص00ف التحت ،ألن هللا تع00الى
وصف نفسه بالعلو وتمدح به.
وقالوا :إن هللا أوجد األك00وان ال في مح00ل وح00يز ،وه00و في قدم00ه تع00الى م00نزه عن
المحل والحيز ،فيستحيل شرعا ً وعقالً عند حدوث العالم أن يح0ل في0ه ،أو يختل0ط ب0ه ،ألن
القديم ال يحل في الحادث وليس محالً للحوادث ،فيلزم أن يكون بائنا ً عنه ،فإذا ك00ان بائن 0ا ً
عن00ه ،يس00تحيل أن يك00ون الع00الم من جه00ة الف00وق وال00رب في جه00ة التحت ،ب00ل ه00و فوق00ه
بالفوقية الالئقة التي ال تكيف وال تمثل ،ب00ل تعلم من جه00ة الجمل00ة والثب00وت ،ال من جه00ة
التمثيل والكيف ،فيوصف الرب بالفوقي00ة كم00ا يلي00ق بجالل00ه وعظمت00ه ،وال يفهم منه00ا م00ا
يفهم من صفات المخلوقين.
وقالوا :إن الدليل القاطع دل على وجود الباري وثبوت ذاته بحقيقة الثبوت .وأن00ه
ال يصلح أن يماس المخلوقين أو تماسه المخلوقات ،ح00تى إن الخص00م يس00لم أن00ه تع00الى ال
يماس الخلق .انتهى.
وهذا التوجيه الذي ذكره الكرمي ناسبا ً له إلى القائلين بالجه0ة توجي0ه جي0د يجم0ع
بين قول القائلين بالجهة ،وقول القائلين بت00نزه هللا تع00الى عن00ه ،ويرتف00ع ب00ه م00ا وق00ع بين
الفرق اإلسالمية من الخالف والنزاع الذي أدى بها إلى الفرقة والشحناء والبغضاء.
وقد أشار إلى هذا الوج00ه القاض00ي عض00د ال00دين اإليجي في كتاب00ه المواق00ف .ق00ال:
ومنهم –أي القائلين بالجهة -من قال ليس كون0ه في جه0ة كك0ون األجس0ام في جه0ة .ق0ال
السيد الشريف الجرجاني في شرحه (.)8/19
والمنازعة مع هذا القائل راجعة إلى اللفظ دون المعنى ،واإلطالق اللفظي متوق00ف
على ورود الشرع به .انتهى.
وحاصل هذا التوجيه أن هللا تعالى ليس داخل العالم مختلطا ً ب00ه ممازج0ا ً إي00اه ،كم00ا
أن العالم ليس بداخل فيه ألن هللا تعالى لم يخلق العالم في نفسه وإنما خلق الع00الم خارج0ا ً
430
عن نفس00ه ،كم00ا أن00ه تع00الى لم يح00ل في00ه بع00د أن خلق00ه ،واال ل00زم الممازج00ة والمخالط00ة
والحلول واالتحاد وقيام الحوادث به تعالى وهذه األمور منتفية عن هللا تعالى باإلجماع.
بل هللا تعالى بائن عن العالم ليس داخالً فيه ،وليس في جهة منه.
وذل00ك ألن الجه00ات تنقط00ع بانقط00اع الع00الم ،وتنتهي بانته00اء آخ00ر ج00زء من00ه ،فال
يوصف العالم –وهو الكون الكلي بجملته -ب00أن ل00ه يمين0ا ً وال يس00اراً ،وال ق0داما ً وال خلف0اً،
وال فوقا ً وال تحتاً ،كما ال يوصف هللا تعالى بذلك ،فال يكون هللا في جهة منه كم00ا ال يك00ون
هو في جهة من هللا تعالى.
وقد وصف هللا تعالى نفسه بالعلو والفوقية وتمدح بهما ،فنثبتهم00ا ل00ه تع00الى على
أنهما وصف مدح له تعالى ،وبالمعنى الالئق ب00ه تع00الى ال00ذي ال يمث00ل وال يكي00ف ،ونعتق00د
العلو والفوقية هلل تع0الى من جه0ة الجمل0ة والثب0وت ،م0ع نفي التمثي0ل والتك0ييف ،فنعتق0د
وصف الرب بالعلو والفوقية كما يليق بجالله وعظمته ،ب00دون أن نفهم منه0ا م00ا يفهم من
ص00فات المخل00وقين .ق00ال الحاف00ظ ابن حج00ر في فتح الب00اري( :)6/136وال يل00زم من ك00ون
جهتي العلو والسفل محاال على هللا تعالى أن ال يوصف بالعلو ألن وصفه بالعلو من جه00ة
المع00نى والمس00تحيل ك00ون ذل00ك من جه00ة الحس ،ول00ذلك ورد في ص00فته الع00الي والعلي
والمتعالي ولم يرد ضد ذلك .إنتها .هذا بحسب التحقيق.
[ -2حكم الوهم بالعلو والفوقية هلل تعالى ]
وأما الوهم فيحكم بأن م00ا وراء الع00الم ف00وق ل00ه ،وهللا تع00الى ب00ائن عن خلق00ه ليس
بداخل فيه ،فيحكم الوهم بأنه فوقه ،فالفوقية بحسب حكم الوهم ت00ؤول إلى البينون00ة ال00تي
أثبتها العلماء هلل تعالى ،وهذه الفوقية الوهمية هي المركوزة في فطرة كل إنسان.
ال يذكر أحد من بني آدم هللا تعالى إال وهو يشعر بفوقيته تعالى.
وهي فوقية يحكم به00ا ال00وهم مخالف0ا ً لحكم العق00ل كم00ا ه00و الح00ال في معظم 0أحك00ام
الوهم ،فإن معظم أحكامه مخالفة لحكم العقل ،ومن أجل ذلك عد المناطقة القياس المؤلف
من القض00ايا الوهمي00ة من األقيس00ة ال00تي ال تفي00د اليقين ،وس00موا ه00ذا القي00اس بالمغالط00ة
والسفسطة.
وقالوا :إن النفس أطوع للوهميات منها لليقينيات :مث00ال ذل0ك أن العق00ل يحكم ب00أن
الميت ال يخاف منه ألن0ه جم0اد وك0ل جم0اد ال يخ0اف من0ه ،وأم0ا ال0وهم فيحكم ب0أن الميت
يخاف منه مخالفا ً للعقل فاإلنسان مع تيقنه بحكم العقل ال يطيعه وال ينقاد له ،وإنم00ا ينق00اد
لحكم الوهم فيخاف من الميت،
وكث00يراً م00ا تلتبس الوهمي00ات باليقيني00ات عن00د اإلنس00ان فيعتق00د الوهمي00ات يقيني00ات
ويجزم بها كجزمه باليقينيات حتى يتبين ل00ه بال00دليل بطالنه00ا ،فيحكم ببطالنه00ا وم00ع ذل00ك
يبقى منقاداً لها .ومن هذا القبيل الفوقية هلل تعالى ،فإن معظم بني آدم جازمين بها اتباع00ا ً
لحكم ال00وهم وانقي00ادا ل00ه وعن00دما يت00بين لبعض العلم00اء بال00دليل القطعي بطالنه00ا يحكم0
ببطالنها ومع ذلك يبقى شاعراً بها في قرار نفسه.
ومن أجل ص0عوبة التخلص من ه0ذا الحكم ال0وهمي رخص الن0بي ص0لى هللا تع0الى
عليه وآله وسلم في اعتقاد الجه00ة في ح00ديث الجاري00ة حينم00ا س00ألها أين هللا؟ فق00الت :في
431
السماء ،فقال :صلى هللا تعالى عليه وسلم ،إنها مؤمنة ،ولم ينك00ر عليه00ا ،ولكن00ه لم يق0ل:
إنها صادقة ،أو إنها على الحق ،أو نحو هذا الكالم مما يفيد أن ما اعتقدته حق.
ومن أجل ذلك لم يحكم علماء أهل السنة بكفر معتق00د الجه00ة هلل تع00الى ،وق00الوا إن
هذا االعتقاد معفو للعوام
وأما امتناعه ص0لى هللا تع0الى علي0ه وس0لم عن بي0ان بطالن ه0ذه العقي0دة للجاري0ة
وعن بيان الحق في المسألة لها فألن بيان الحق فيه0ا يحت0اج إلى فلس0فة لم تكن الجاري0ة
أهالً ألن تفهمها ،كما أنها لم تكن مكلفة باعتقاد نفي الجهة عن هللا تعالى ،وقد أمر صلى
هللا عليه وسلم أن يكلم الناس على قدر عقولهم ،فلم يكن ه00ذا االمتن00اع من ت00أخير البي00ان
عن وقت الحاجة ،وهو ليس بجائز عليه صلى هللا تعالى عليه وسلم ،ألن هذا البيان ليس
من البيان الواجب عليه صلى هللا تعالى عليه وسلم حتى يك00ون ت00أخيره عن وقت الحاج00ة
ممتنعا ً عليه صلى هللا تعالى عليه وسلم.
[ -3الفوقية العرفية هلل تعالى ]
ثم إننا إذا صرفنا النظر عن التدقيق الفلس00في ال00ذي قررن00ا ب00ه نفي الجه00ة عن هللا
تعالى فمما ال ريب فيه وال ينبغي أن يختلف فيه اثن00ان أن م00ا وراء الع00الم ف00وق لب00ني آدم
كلهم بحسب العرف ،ألنه مقابل لرؤسهم كما أن األرض تحت لهم ألنه00ا مقابل00ة ألرجلهم،
وإن لم يكن فوقا ً لهم بحسب التحقيق ال00ذي نقل00ه الك00رمي عن الق00ائلين بالجه00ة ،النقط00اع
الجهات بانقط00اع الع00الم ،والع00رف ه00و ال00ذي يق00ع ب00ه التخ00اطب في اللغ00ة بين أهله00ا دون
التدقيقات الفلسفية؛ وهللا تعالى بائن عن خلقه فهو فوقه بحسب العرف ،فالفوقية العرفية
أيضا تؤل إلى البينونة التي أثبتها العلماء هلل تعالى.
وبهذا المعنى قال اإلمام أبو الحسن األشعري :فيما نقله عنه البيهقي( :وإنه ف00وق
األشياء بائن منها) ومن أجل ذلك لم ينك00ر الن00بي ص00لى هللا تع00الى علي00ه وآل00ه وس00لم على
الجارية إشارتها إلى فوق.
وبهذا المعنى جاء إثبات العلو والفوقية هلل في نصوص الكتاب والسنة مما يصعب
حصره ،فتثبت العلو والفوقية هلل تعالى بهذا المعنى ،بدون كيف وال تمثيل ونتوقف عنده،
وال نتجاوزه إلى التفاصيل التي لم يرد بها شيء من الكتاب والسنة ونعترف بالعجز عم00ا
وراء ذلك.
ون00ورد هن00ا جمل00ة من نص00وص الكت00اب والس00نة ال00تي ورد فيه00ا إثب00ات الفوقي00ة
والعلوهلل تع00الى ،ق00ال هللا تع00الى( :يخ00افون ربهم من ف00وقهم) ،وق00ال( :إلي00ه يص00عد الكلم
الطيب).
وق00ال( :اأمنتم من في الس00ماء أن يخس00ف بكم األرض ف00إذا هي تم00ور أم أمنتم من
في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) وق00ال ( :تع00رج المالئك00ة وال00روح إلي00ه في ي00وم ك00ان
مقداره خمسين ألف سنة).
وقال النبي صلىاهلل عليه وسلم( :الراحمون يرحمهم الرحمن ،ارحموا أهل األرض
يرحمكم 0من في السماء) أخرجه الترمذي وقال :حسن.
وق00ال ( :من اش00تكى منكم ش00يئا أو اش00تكى أخ ل00ه فليق00ل :ربن00ا أل00ذي في الس00ماء
تقدس اسمك )...أخرجه أبو داود.
432
وقال( :اآل تأمنوني وأنا أمين من في السماء ي00أتيني خ00بر من في الس00ماء ص00باحا
ومساء) أخرجه البخاري ومسلم.
وقال( :والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرائت00ه إلى فراش00ها فت00أبى علي00ه إال
كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها) أخرجه الشيخان.
وقال( :إن هللا كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فه00و عن00ده
فوق العرش) .أخرجه الشيخان ،إلى غ00ير ذل00ك من نص00وص الكت00اب والس00نة ال00واردة في
ذلك.
وقد تقدم قول ابن تيمية أن معنى كون هللا تع00الى في الس00ماء وكون00ه على الع00رش
واحد .وهو أن هللا تعالى في العلو ال في السفل .وتقدم أن قلنا :إن وصف العل00و هلل تع00الى
يؤل إلى البينونة التي أثبتها العلماء هلل تعالى.
ونختم بحثنا هذا بإيراد نص لإلمام أبي الحسن األشعري قال رحم00ه هللا تع00الى في
كتاب “ اإلبانة “ ( )71وأن هللا استوى على الع00رش على الوج00ه ال00ذي قال00ه ،وب00المعنى
الذي أراده استواء منزها ً عن المماسة واالستقرار والتمكن والحلول واالنتقال ،ال يحمل00ه
العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرت00ه ،ومقه00ورون في قبض00ته ،وه00و ف00وق
العرش وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى فوقية ال تزيده قربا ً إلى الع0رش والس00ماء ،وه00و
رفيع الدرجات عن العرش كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى ،وهو مع ذلك ق00ريب من ك00ل
موجود ،وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد ،وهو على كل شيء شهيد.
وهذا النص من اإلبانة ليس بموجود في النسخ المطبوع00ة المتداول00ة ،وه00و ث00ابت
في مخطوط00ة نس00خة بلدي00ة اإلس00كندرية ،وق00د ق00امت بتحقيقه 0ا 0ال00دكتورة فوقي00ة حس00ين
محمود ،وطبعت الطبعة األولى منها بدار األنصار بالقاهرة ،والطبعة الثانية ب00دار الكت00اب
للنشر والتوزيع بالقاهرة.
وهللا تع0الى أعلم ،والحم0د هلل رب الع0المين ،والص00الة والس0الم على س00يدنا محم0د
وعلى آله وصحبه وسلم.
433
434
مسألة الكسب وخلق أفعال العباد
بسم هللا الرحمن الرحيم
الحم00د هلل ،والص00الة والس00الم على رس00ول هللا ،وعلى ال00ه وص00حبه ومن اهت00دى
بهداه.
أم00ا بع00د فنح0اول أن نحق0ق في ه0ذا البحث مس0ألة خل00ق أفع0ال العب0اد عن00د الف0رق
اإلسالمية ،ونبين ما عندهم من اإلش00تراك واالف00تراق في المس00ألة ال00تي هي من اع00وص
مسائل علم الكالم ،فنقول وباهلل التوفيق.
{تمهيد}
وقبل الخوض في المقصود نمهد له ببيان ثالثة مسائل متعلقة به .فنقول:
-1اعلم أن العبد متصف بنوعين من القدرة .
النوع األول :القدرة الكلية :وهي صفة خلقها هللا في العبد صالحة للتعلق بك00ل من
الفعل والترك به0ا يتمكن العب00د من الفع00ل وال0ترك ،ومن ش0أنها الت00أثير في الفع0ل 0وإن لم
تكن مؤثرة فيه بالفعل ،و هي متقدمة على الفعل 0مخلوقة هلل تعالى بال اختيار للعبد فيها
النوع الثاني :القدرة الجزئي0ة :وهي عب0ارة عن تعل0ق الق0درة الكلي0ة بأح0د ط0رفي
الفع00ل وال00ترك ،وعن ص00رف اآلالت إلى أح00دهما .وه00ذه الق00درة مقارن00ة للفع00ل وهي من
األمور االعتبارية االنتزاعية ،وليس من الموجودات الخارجية ،بخالف القدرة الكلية،
كما أن العبد متصف بنوعين من اإلرادة:
النوع األول :اإلرادة الكلية وهي صفة خلقها هللا في العبد ،صالحة للتعلق بك0ل من
طرفي الفعل والترك ،والصرف إلى أحدهما وهذه اإلرادة خلقها هللا في العبد بدون اختي00ار
منه وال دخل للعبد في وجودها كالقدرة الكلية.
النوع الثاني :اإلرادة الجزئية والقصد الج00زئي ، :وهي تعل00ق اإلرادة الكلي00ة بأح00د
طرفي الفعل والترك وصرفها إلى أحدهما ،وهي من األمور االعتبارية كالقدرة الجزئية.
وهذا التعلق عب00ارة عن ت00رجيح أح00د الج00انبين _ الفع00ل وال00ترك_ على اآلخ00ر الن
اإلرادة شأنها الترجيح فقط وال تأثير لها،
ويتفرع على هذه اإلرادة الجزئية القدرة الجزئية التي هي عبارة عن تعلق الق00درة
الكلي00ة بأح00د الج00انبين وص00رف اآلالت إلي00ه ،بمع00نى أن تعل00ق اإلرادة يص00ير س00ببا عادي0ا ً
لتحقق صفة في العبد متعلقة بالفعل ،وهي القدرة الجزئية المقارن00ة للفع00ل بحيث ل00و ك00ان
لها ت00أثير باالس00تقالل ألوج00دت الفع00ل ،وليس مع00نى التف00رع أن اإلرادة أث00رت في ص00رف
القدرة الن اإلرادة شأنها الترجيح ال التأثير.
ويترتب على اإلرادة الجزئية والقدرة الجزئية تعلق ق0درة هللا تع0الى بخل0ق الفع00ل،
بمعنى أن هللا تعالى اج00ري عادت00ه أن ال يخل00ق الفع00ل االختي00اري في العب00د إال عقب تعل00ق
إرادة العبد وقدرته بالفعل وصرف اآلالت إليه فهما شرطان لخلق هللا الفعل ال سببان له.
435
وهذا الترتب والتعقيب ذاتيان وليسا زمانيين التحاد زم00ان تعل00ق اإلرادة والق00درة وزم00ان
1
خلق هللا الفعل ،كما أنهما عاديان يجوز تخلفهما كما في خرق العادة
-2أن المفهومات المتصورة في العقل إما أن يكون إلفرادها وج00ود في الخ00ارج أو
ال وتسمى هذه باألمور االعتبارية.
واالعتباريات قسمان:
القسم األول ال وج00ود ل00ه ال أص00ال وال تبع00ا وه00و مع00دوم 0محض كبح00ر من زئب00ق،
وجبل من ذهب ،وشريك الباري تعالى ،وتسمى هذه ب00األمور االختراعي00ة الخ00تراع العق00ل
إياها بدون أن ينتزعها من الموجودات الخارجية ،وهذه معدومات محضة .
القسم الث00اني من االعتباري00ات موج00ود بوج00ود متعلق00ه ،بمع00نى أن وج00ود متعلق00ه
وجود له ،أي أن هناك وجودا واحداً منس00وبا إلى المتعل00ق بنفس00ه وإلى األم00ر االعتباري00ة
بتبعه ،وتسمى هذه باألمور االعتبارية االنتزاعي00ة ،الن00تزاع العق00ل إياه00ا من الموج00ودات
الخارجية .والوهم يحكم بوجودها في الخارج حكما خطأ ً ككثير من أحكامه مخالفا في ذلك
لحكم العقل.
1وههن00ا ينبغي التنبي00ه على أم00رين مهمين :األول :أن00ه ليس الم00راد بكلي00ة الن00وعين0
األولين من القدرة واإلرادة وجزئية النوعين 0األخرين 0ما هو متعارف المناطقة ،وذل00ك ألن الكلي
المنطقي من المفهومات العقلية التى ال وجود لها في الخ00ارج 0المنتزع00ة من أفراده00ا الموج00ودة
فيه ،والقدرة واإلرادة بالمعنيين 0األولين من الموجودات الخارجية وذلك ألنهما معرفتان (بص00فة
خلقها هللا في العبد )...وألن الجزئي المنطقي من أفراد المفهوم الكلي ومشموالته وتعلق الق00درة
واإلرادة ليس من مشموالت القدرة واإلرادة ،بل هما مباينان 0لهما ،فاطالق الكلية على المعن00يين
األولين بمع00نى ع00دم تعلقهم00ا بط00رف معين من الفع00ل وال00ترك ،واطالق الجزئي00ة على المعن00يين
األخيرين 0بمعنى تعلقها بطرف معين ،وبهذا اندفع اعتراض شيخ اإلسالم مص00طفى ص00بري على
الماتريدية 0في كتابه "موقف البشر تحت سلطان 0القدر" صـ [ ]80بأن الكليات 0ال وج00ود له00ا في
الخارج 0،وهم قد اعتبروا اإلرادة الكلية من الموجودات الخارجية ،وإعتراضه وارد -على حسب
ما فهمه -على القدرة الكلية أيضا 0لكنه لم يورده عليها.
الثاني :أن اثبات 0اإلرادة الكلية وجعل اإلرادة الجزئية عبارة عن تعلقها وص00رفها ال00ذي
ه00و أم00ر اعتب00اري 0،م00ذهب الماتريدي00ة .وبن00وا على ذل00ك ق00ولهم :إن الكس00ب عب00ارة عن اإلرادة
الجزئية وقولهم :إنها أثر قدرة العبد ،وقالوا :من أجل أنها من األمور االعتبارية 0غير الموجودة
في الخارج ال يلزم أن يكون أثر قدرة العبد الخلق الذي هو من خص00ائص هللا تعال00ة .ف00إن الخل00ق
عبارة عن إيجاد الموجود الخارجي 0،وأثر قدرة العبد هو الت00أثير في األم00ر االعتب00اري ،ف00االرادة
الكلية عند الماتريدية صفة خلقها هللا في العباد 0،وجعلها مبدأ لإلرادات 0الجزئية 0الصادرة عنهم.
وأما األشعرية فلم يقولوا بوجود اإلرادة الكلية للعبد ح00تى يقول00وا ب00أن اإلرادة الجزئي0ة0
عبارة عن تعلقها وصرفها وإنها من األمور االعتبارية 0،بل ق00الوا :بوج00ود اإلرادة الجزئي0ة 0فق00ط
على أنها من األفعال القلبية 0ومن األعراض 0العارضة للعبد ،وأفعال العباد كلها سواء كانت قلبية
أوظاهري00ة مخلوق00ة هلل تع00الى عن00د أه00ل الس00نة ،وك00ذلك األع00راض 0من الموج00ودات الخارجي00ة
المنقس00م إليه00ا وإلى ال00ذات مطل00ق الموج00ود .ف00اإلرادة الجزئي 0ة 0عن00دهم ليس من جنس التعل00ق
والصرف ح00تى تك00ون من األم00ور االعتباري00ة 0،ب00ل هي من جنس المتعلِ00ق –بالكس00ر -وه00ذا أح00د
أوجه االفتراق بين المذهبين.
436
وصرحوا بان وصف هذا القسم بالوجود الخارجي من قبي00ل وص00ف الش00يء بح00ال
متعلقه،
وهذا القسم 0وان كان غير موجود في الخارج لكنه متحقق في نفس األم00ر .بمع00نى
أنه مع تحققه في نفس األمر ال وجود له في الخارج .وأما القس00م األول فال تحق00ق ل00ه في
نفس األمر أيضا.
والذين اثبتوا األحوال 0من المتكلمين -أي األمور التي ليست موجودة وال معدومة-
أرادوا بها هذه األمور االعتبارية االنتزاعية.
ومن هذا القسم األخير اإليجاد والتأثير وهما عبارة عن صرف إرادة العب00د قدرت00ه
إلى أحد األمرين دون اآلخر ،فان ه00ذا الص00رف أم00ر اعتب00اري ال وج00ود ل00ه في الخ00ارج ،
تابع في الكون والتحقق لوجود متعلقه ،وه0و الحاص00ل بالمص00در ،ويك0ون وج0ود متعلق0ه
وجودا له ،بمعنى أن العقل 0ينتزع وجوده وتكون00ه من وج00ود متعلق00ه ،لكن وج00ود متعلق00ه
موقوف على تحققه ،وكونه أمراً اعتباريا ال ينافي هذا التوق00ف إذ الوج00ود ب00دون اإليج00اد
محال.
وهذا القسم 0األخير أقرب إلى الموجودات الخارجي00ة من الع00دم لم00ا ع00رفت من أن00ه
متحقق في نفس األمر ،وأنه أثر صادر عن الفاعل ،وأنه يوصف بالوجود الخ00ارجي تبع00ا
فصح التكليف به دون المعدوم.ّ لمتعلقه وان لم يوجد في الخارج إال وهما،
المصدر يطلق باالشتراك ،وقيل بالحقيقة والمجاز على أمرين: -3
على تعلق القدرة وهو اإليجاد والتأثير وهو متعلق بالفاع00ل ووص00ف ل00ه ويس00مى
بالمعنى المصدري .
وعلى األثر الناشئ عن00ه كالحرك00ات والس00كنات في الض00رب وه00و متعل00ق بالفاع00ل
باعتبار الصدور عنه ،وبالمفعول باعتبار الوقوع عليه ،ويسمى بالحاصل بالمصدر.
والمع00نى المص00دري أم00ر اعتب00اري ان00تزاعي غ00ير موج00ود في الخ00ارج ،وه00و من
األحوال عند القائلين بها ،وكونه أمراً اعتباريا ال ينافي كونه صادرا عن الفاعل المختار،
غايت00ه ان00ه ت00ابع في الك00ون والتحق00ق لغ00يره ،وه00و الحاص00ل بالمص00در ،وان لم يوج00د في
الخارج إال وهما
وأما الحاصل بالمصدر فمن الموجودات الخارجية متعلَق للفعل بالمعنى المصدري
ومتوقف وجوده في الخارج على تحقق المعنى المصدري إذ الوجود بدون اإليجاد محال.
[مذهب 0المعتزلة والجبرية]
-4ذهبت المعتزل00ة إلى أن أفع00ال اإلنس00ان االختي00ارة ب00المعنى المص00دري وبمع00نى
الحاصل بالمصدر أثر قدرة العبد التى خلقه00ا هللا تع00الى في00ه وليس00ت أث00ر ق00درة هللا تع00الى
مباشرة ،بل هي أثرها بواسطة قدرة العب00د ال00تى هي أثره00ا .ويل00زم علي00ه أن يك00ون العب00د
شريكا هلل في الخلق .تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا.
437
وذهبت الجبرية إلى أنه ال فعل للعبد وال قدرة وال إرادة له ،وإلى أن هذه كلها أثر
قدرة هللا تعالى ،وأن العبد بالنسبة إلى قدرة هللا تعالى كالريشة في اله00واء تقلبه00ا الري00اح
كيف شائت ،فيكون تكليف العبد بناء على هذا المذهب من قبيل قول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له ::إياك إياك أن تبتل بالماء
[مذهب اإلمام األشعري في الكسب]
-5أن الكسب عند اإلمام األشعري عبارة عن تعلق قدرة العبد بالمق00دور م00ع ع00دم
ت00أثير لقدرت00ه عن00ده ال في أص00ل الفع0ل 0وال في وص00فه ،ال في الفع00ل وال في تعل00ق اإلرادة
والقدرة به .وتعلق القدرة تابع لتعلق اإلرادة كم00ا ق00دمنا ،فص00ار م00دار الكس00ب على تعل00ق
اإلرادة
فعند األشعري ال تأثير لقدرة العبد في الفعل أصال ال في وجود نفسه وال في وجود
وصفه وال في تعلق كل من اإلرادة والقدرة به ،بل كلها من هللا تعالى وأث00ر قدرت00ه تع00الى
عنده ،لكن لها دخل في الفعل باعتبار السببية العادية أي كون قدرته الجزئية -وهو تعل00ق
قدرته الكلية بالفعل -سببا عاديا لتأثير قدرة هللا تعالى في الفعل.
والمش00هور من م00ذهب األش00عري أن ق00درة العب00د كم00ا أنه00اغير م00ؤثرة في ش00يء
بالفعل ،غير مؤثرة في0ه ب0القوة أيض0ا ،لكن ذهب اآلم0دي في “ أبك0ار األفك0ار “ والس0عد
التفتازاني في “ شرح المقاصد “ والسيد الشريف في “ شرح المواقف “ إلى أنها عند
األشعري مؤثرة بالقوة ،بمعنى أنه لوال تعلق قدرة هللا تعالى بالفعل ألثرت ق00درة العب00د في
إيجاده ،لكن تعلق قدرة هللا تع00الى بالفع00ل حين تعل0ق ق0درة العب0د جعلت ق00درة العب00د غ00ير
مؤثرة فيه ،فاختطفت قدرة هللا تعالى الفعل واس00تبدت بالت00أثير في00ه لقوته00ا ولع00دم قبوله00ا
الشريك والتبعيض ،فلم يبقى لقدرة العبد شيء من التأثير.
واستدل اإلمام األشعري واألشاعرة على مذهبهم بالنصوص الكثيرة التى يص00عب
حصرها من الكتاب والسنة الصريحة في أن كل شيء مخلوق هلل تعالى ،وأن كل أمر أث00ر
عن قدرته ،وإذا سلمنا تخصيص الشيء ال00وارد في جمل00ة من تل00ك النص00وص ب00الموجود
الخارجي دون األم00ر االعتب00اري ،وس00لمنا تخص00يص الخل00ق ال00وارد فيه00ا بإيج00اد الموج00د
الخارجي ،فال سبيل لنا إلى مثل ذلك التخصيص في النص00وص الص00ريحة في أن ك00ل أم00ر
سواء كان من الموجودات الخارجية أو من األمور االعتبارية أث00ر ق00درة هللا تع00الى ال أث00ر
لقدرة العبد فيه.
لكن ذلك التخصيص غير مس00لم ،ف00إن الش00يء في اللغ00ة بمع00نى م00ا يص00ح اإلخب00ار
عنه ،وهو شامل لألمور االعتبارية والمع00دومات والممتنع00ات مث00ل ش00موله للموج00ودات
الخارجية.
وأما قول أهل السنة" :إن الشيء هو الموج0ود" فليس م0رادهم ب0ه أن الش0يء ال
يطلق لغة على المعدوم ،بل مرادهم به أن المعدوم 0ليس له تق0رر وثب0وت في الخ0ارج ألن
الماهيات عن00دهم مجعول00ة ،وق00الت المعتزل00ة :إن الماهي00ات غ00ير مجعول00ة فمن أج00ل ذل00ك
438
قالوا :إن المعدوم 0ش00يء بمع00نى أن00ه ل00ه تق00رر وثب00وت في الخ00ارج ،فليس خالفهم في م00ا
يطلق عليه لفظ الشيء ،بل خالفهم إنما هو في أن الماهيات هل هي مجعولة أم ال.
وإذا كان الشيء بمعنى ما يصح اإلخب00ار عن00ه لم يكن الخل00ق خاص0ا بإيج00اد الموج0ود
الخ00ارجي ،ألن هللا تع00الى خ00الق ك00ل ش00يء ،والش00يء ليس مخصوص00ا ب00الموجود
الخارجي بل شامل لألمر االعتباري ،فيشمل الخلق التأثير فيه أيضا.
فمن النوع األول من النصوص قول هللا تعالى( :أهلل خالق كل شيء) وقوله( :ه00ل
من خالق غير هللا) وقوله( :وهللا خلقكم وم00ا تعمل00ون) ف00إن الم00راد بم00ا تعمل00ون الحاص00ل
بالمصدر دون األصنام ودون المعنى المصدري ،وذل00ك ألن الحاص00ل بالمص00در ه00و ال00ذي
يعمله العبد ويوجده دون األصنام ،وألنه الموجود الخارجي الذي يتعل00ق ب00ه الخل00ق ،دون
المعنى المصدري.
ومن النوع الثاني من النصوص قول هللا تعالى( :قل إن األمر كله هلل) وقوله( :بل
هلل األم00ر جميع00ا) واألم00ر أعم من الش00يء وش00امل لألم00ور االعتباري00ة كم00ا ه00و ش00امل
للموجودات الخارجية ،وقوله تعالى( :قل كل من عند هللا) ولفظ الك00ل من غ00ير تع00يين م00ا
يضاف إليه تدخل فيه األمور االعتبارية أيضا ،وقوله( :وربك يخلق ما يش00اء ويخت00ار م00ا
كان لهم الخيرة) وقوله تع00الى( :ول00و ش00اء هللا لجعلكم أم00ة واح00دة ولكن يض00ل من يش00اء
ويهدى من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون).
وقول النبي صلى هللا تعالى علي00ه وآل00ه وس00لم( :ال ح00ول وال ق00وة إال باهلل) وتعل00ق
القدرة واإلرادة وصرفهما من الحول المنفي عن العب0د المحص0ور في هللا تع0الى ،وقول0ه:
(ما شاء هللا كان وما لم يشأ لم يكن) ولفظ ما من ألفاظ العموم تش00مل األم00ور االعتباري00ة
كاإلرادة الجزئية عند الماتريدية والقدرة الجزئية ،والجمل00ة األولى تقتض00ى دخوله00ا تحت
مشيئة هللا تع00الى ،والجمل00ة الثاني00ة تقتض00ى ع00دم تحققه00ا على تق00دير ع00دم دخوله00ا تحت
مشيئة هللا تعالى ،فهذا الحديث يدل على أن كل م00ا ش00اء هللا واق00ع ،والنص00وص المتقدم00ة
دالة على أن كل ما هو واقع فهو أثر قدرة هللا تعالى ،فينتج أن ك00ل م00ا ش00اء هللا فه00و أث00ر
قدرته إلى غير ذلك من النصوص التى ال مجال هنا اليرادها ويصعب حصرها.
واستدل األشاعرة على أن العبد كاسب ألفعاله وليس بخالق لها من المعق00ول 0ب00أن
الخلق يقتضى العلم التفصيلي بالمخلوق دون الكس00ب ق00ال هللا تع00الى( :أال يعلم من خل00ق)
واإلنسان ليس بعالم بتفاصل أفعاله وإذا تأم00ل اإلنس00ان في حرك00ات أعض00ائه في المش00ي،
واألخذ ،والبطش ونحو ذلك مما يحتاج إلى تحريك العضالت وتمديد األعصاب وغير ذل00ك
ظهر له جهله بتفاصيلها ظهورا جليا.
قال السيالكوتي في حاشيته على شرح العقائ0د النس0فية [ ]245في بي0ان ذل0ك :إن
الخلق إفاضة الوجود فهو موقوف على العلم التفصيلي ،ألن األزيد واألنقص مما أتى ب00ه
ممكن ،وكذلك كل فعل من أفعاله يمكن وقوعه على وجوه مختلفة وأنح00اء ش00تى ،فوق00وع
ذلك المعين ألجل القصد إليه بخصوصه .والقصد إلي00ه بخصوص00ه موق00وف على العلم ب00ه
كذلك ألن القصد الجزئي ال ينبعث عن العلم الكلي كما تشهد ب00ه البديه00ة ،والخل00ق إعط00اء
439
الوجود ألمر جزئي ،فما لم يتصور بوجه جزئي ال تتعلق اإلرادة به ،بخالف الكس00ب فإن00ه
عبارة عن صرف اإلرادة والق00درة نح00و المق00دور من غ00ير أن يك00ون ل00ه ت00أثير في إيج00اده
فيكفيه العلم اإلجمالي .إنتهى.
وإذا كانت قدرة العبد عند األشعري غير مؤثرة ال في الفعل 0وال في وص00فه وال في
تعلق كل من اإلرادة والقدرة به ،فما معنى كون العبد مختارا عن00ده؟وم00ا ه00و الف00رق بين
هذا المذهب ومذهب الجبرية؟
والجواب :أن معنى كونه مختارا عنده كون فعله اختياري00ا مس00بوقا بالقص00د ،فلم00ا
كان الفعل مسبوقا بالقصد كان اختياريا بهذا المعنى ،ولما لم يكن قبل القصد قصد آخ00ر ال
ن القصد مخل00وق هلل تع00الى في العب00د ب00دون ت00أثير لقدرت00ه في00ه ،وه00ذا القص00د عب0ارة عن
اإلرادة الجزئي00ة لم يكن القص00د مس00بوقا بالقص00د ،فلم يكن اختياري00ا ،وه00ذا مع00نى ق00ول
األش00عري( :أن العب00د مخت00ار في أفعال00ه مض00طر في اختي00اره أو في إرادت00ه) قال00ه موالن00ا
الشيخ خالد .وقريب منه ما قاله شيخ اإلسالم مصطفى صبري في كتابه “ موق00ف البش00ر
“ [صـ :]175إن الجبر بمعنى كون اإلنسان يت0ابع إرادة هللا تع0الى وال يخالفه0ا مطلق0ا –
وهو م0ذهب األش0عرية -من حيث كون0ه ج0برا معنوي0ا ،وع00دم مش00ابهته الج0بر المتع00ارف
بمعنى اإلكراه ،ال يمنع مختارية العباد ،وتصح معه مسؤليتهم ،فإذا كانت إرادة هللا تع00الى
تميل إرادة البشر إلى متعلقها من غير تضييق وإرهاق ،بل بطريق اإلقناع واإلرض00اء ب00ه
وتزيينه له وتحبيبه إليه ،وك00ان اإلنس00ان يعم00ل على وف00ق إرادت00ه وقناعت00ه ،فليس هن00اك
جبر ،وال مخلص عن المسؤلية.
وق00ال :صـ[ ]55وتلخيص م00ا يف00ترق ب00ه م00ذهب األش00اعرة عن م00ذهب الج00بر أن
الجبرية ال قدرة عندهم لإلنسان وال إرادة ،حتى وال فعل ،وعند األشاعرة ل00ه ق00درة لكن ال
تأثير لقدرت0ه في جنب ق0درة هللا تع0الى ،ول0ه أفع0ال وهللا خالقه0ا ،ول0ه إرادة أيض0ا تس0تند
أفعاله إليها ،ولذا يعد مختارا في أفعال00ه ،ويكفي في00ه وفي تس00مية أفعال00ه أفع00اال اختياري00ة
استناد تلك األفعال إلى إرادته واختياره.
هذا هو مذهب األشاعرة في المسألة،وأما غيرهم من علماء الكالم من أهل الس00نة
الذين اعترفوا بأن هللا تعالى خالق كل شيء ،وأرادوا مع ذل00ك تخليص العب00اد في أفع00الهم
من الجبر ،فلم يروا ما ذهب إليه األشاعرة كافي00ا في ذل00ك ،فاحت00اجوا إلى البحث عن أم00ر
يصدر منهم عند أفعالهم ويكون لهم تأثير فيه من غير أن ي00رتقي ذل00ك الت00أثير إلى درج00ة
الخل0ق واإليج0اد ،وس0موا ه0ذا الت0أثير كس0با اص0طالحا منهم على ه0ذا اللف0ظ دون الخل0ق
وااليجاد والفعل ،فالتزموا أن يكون ذلك األمر دون الموجود لئال يبلغ التأثير المتعل00ق ب00ه
مبلغ الخلق ،فال مانع عندهم أن يصدر من العباد ما ال يجعلهم ش00ركاء هلل في خلق00ه ،فاهلل
يخلق واإلنسان يكسب.
ثم اختلفوا 0في تعيين ما هو مكسوب للعبد عند أفعاله ،فنشده الماتريدية في إرادته
الجزئي00ة ،والقاض00ي أب00و بك00ر في وص00ف الفع00ل،وص00در الش00ريعة في الفع00ل ب00المعنى
المصدري .ونتكلم فيما يلى على هذه المذاهب ،فنقول:
440
{مذهب الماتريدية في الكسب}
-6وأما الكسب عند الماتريدية فه00و عب0ارة عن اإلرادة الجزئي00ة ال00تى هي عن0دهم
عبارة عن تعلق إرادته الكلية بالفعل وص0رفها إلي0ه ،وهي عن0دهم من األم0ور االعتباري0ة
وقد ع00بر عنه00ا ابن الهم00ام في المس00ايرة ب00العزم المصَّ 0مم ،وفس00ره بتوج00ه العب00د توجه00ا
صادقا للفعل طالبا إياه ،لكن مقتضى سياق كالم ابن الهمام أنه يرى أن العزم المصمم من
الموجودات الخارجية كما ذهب إلي00ه األش00اعرة .ومغ00ايرة اإلردة الجزئي00ة للفع00ل ب00المعنى
المصدري وب0المعنى الحاص0ل بالمص0در بديهي0ة ،ألنه0ا أم0ر متق0دم عليهم0ا ذات0ا ومت0أخر
عنهما وصفا ،بمعنى انها ال تسمى كسبا إال بع00د خل00ق هللا تع00الى الفع00ل ،وإن ك00ان الخل00ق
متفرع00ا عليه00ا ع00ادة ،ك00الرمي ال يس00مى قتال إال عقب خل00ق هللا تع00الى الم00وت وإن ك00ان
الموت ناشئا عنه.
والماتريدية ذهبوا إلى أن اإلرادة الجزئية التى هي الكسب عندهم أثر قدرة العب00د،
وأما المعنى المصدري والحاصل بالمصدر فهما عندهم مخلوقان هلل تعالى .قالوا:
إن هللا تعالى خلق للعبد إرادة كلية ومكنه من أن يعلقها بك00ل من األم00رين _ الفع00ل
والترك_ وأن يص00رفها إلي00ه على الب00دل باختي00ار من00ه من غ00ير وج00وب علي00ه الن00ه ين00افي
االختي00ار ،فتعلي00ق العب00د ه00ذه اإلرادة الكلي00ة بواح00د معين وص00رفها إلي00ه فع00ل للعب00د وأث00ر
لقدرته ،ال مخلوق هلل تعالى.
قالوا :وال يلزم من هذا أن يكون هن00اك موج00ود مخل00وق لغ00ير هللا تع00الى ،الن ه00ذا
التعلق والص00رف ال00ذي ه00و أث00ر ق00درة العب00د أم00ر اعتب00اري ال وج00ود ل00ه في الخ00ارج كم00ا
عرفت .والخلق إعطاء الوجود للموجود الخ00ارجي كالحاص00ل بالمص00در وه00و مخص00وص
باهلل تعالى.
والف00رق بين م00ذهب الماتريدي00ة وم00ذهب ابن الهم00ام أن الماتريدي00ة جعل00وا اإلرادة
الجزئية من األمور االعتبارية ،وأما ابن الهمام ف00يرى –كم00ا ه00و مقتض00ى س00ياق كالم00ه-
أنها من األمور الموجودة في الخ00ارج ذاهب00ا إلى تخص00يص النص00وص الدال00ة على أن هللا
تعالى خالق كل شيء بما عدى العزم المصمم وذلك لدفع الجبر وتصحيح التكليف.
والفرق بين مذهبه ومذهب المعتزلة أن المعتزلة يقولون :إن العب00د خ00الق ألفعال00ه
األختيارية كلها ،وهو يقول :إنه خالق للعزم المصمم فقط .
ونود أن ننقل هنا كالما قيما للمحقق الكبير الشيخ خالد البغ00دادي في بي00ان م00ذهب
الماتريدية في الكسب .قال في رسالته العقد الج00وهري في الف00رق بين كس0بي الماتري00دي
واألشعري وهي مدرجة ضمن مكتوباته:
واعلم أن اإلرادة الجزئية عند الماتريدية صادرة عن العبد باختي00اره واث00ر لقدرت00ه
عندهم ،ألنهم مع منعهم أن يكون العبد موجدا إجماعا من محققيهم يجوزون أن يكون له
قدرة ما تختلف بها النسب واإلضافات 1على وجه ال يلزم منه وجود أمر حقيقي أصال كما
1وهي من األم00ور اإلعتباري00ة ال00تى ليس00ت 0بموج00ودة في الخ00ارج .والم00راد بالنس00ب
واإلضافات أمور تقتضى النس00بة 0واإلض00افة ل00ذاتها بمع00نى ك00ون مفهومه00ا معق00وال بالقي00اس 0إلى
441
صرح به ص00در الش00ريعة في التوض00يح ،ونس00به إلى مش00ايخ الماتريدي00ة ،وأف00اده الم00ولى
حسن الجلبي في حاشية شرح المواقف،
وهي شرط أو سبب ع0ادي لخل00ق هللا تع00الى الفع00ل ،وتتعل00ق بوص00ف الفع00ل أع00ني
كونه طاعة أو معصية ،كلطم اليتيم إن أريد به تأديبه فطاعة أو إهانته فمعصية ،فهي أي
اإلرادة الجزئية اثر لقدرة العبد.
ووصفُ الفعل الذي هو أيضا أمر اعتباري عدمي كما تدل عليه الكلية الم00ارة عن
أهل الحق -أي أن الموجود ال يكون إال اثر ق00درة هللا تع00الى -وص00رح ب00ه غ00ير واح00د من
فضالء المذهبين - ،أثر لها أي لإلرادة الجزئية واثر األث0ر اث00ر ،واألم00ر الع00دمي -وه0و
الكسب هنا_ يجوز أن يتوقف عليه األمر الموجود وهو الحاصل بالمصدر كعدم 0الموانع
فاندفع بهذا أمور :
احدها :كيف يترتب الموجود في الخارج على غير الموجود فيه
ص َّم َم … ينافي قولهم هو ك00ون الفع00ل والثاني :أن قولهم :اثر القدرة هو العزم الم َ
طاعة أو معصية
والثالث :أن معنى كون القدرة مؤثرة عندهم إن كان أنها من الشروط العادية مثال
فه00و عين م00ذهب األش00عري ،أو أنه00ا م00ؤثرة باإليج00اد في أص00ل الفع00ل فه00و عين م00ذهب
االعتزال إن أريد التأثير باالستقالل ،وعائد إلى مذهب االستاذ إن أريد على جه00ة اإلعان00ة
1
واإلسعاد …
ووج00ه االن00دفاع أنه00ا _ أي ق00درة العب00د_ ال ت00أثير له00ا في أص00ل الفع00ل كم00ا عن00د
المعتزلة واألس00تاذ ،وم00ؤثرة في أم00رين اعتب00اريين هم00ا اإلرادة ووص00ف الفع00ل بالطاع00ة
والمعصية ،بخالف مذهب األشعري ،فإنها ال تأثير لها عنده حتى فيهما.
وزعم بعضهم أن العدم ال يصير أثرا للقدرة وال مع00نى لت00أثير الق00درة في ش00يء إال
إخراج00ه إلى الوج00ود .ومنش00أه ع00دم الف00رق بين األع00دام األزلي00ة ،واألع00دام الحادث00ة بع00د
الوجود ،واألمور االعتبارية المتجددة ،فإن األولى ال تصير أثر للقدرة … واألخيرين ال
خالف في جواز صيرورتهما أثر القدرة كالحوادث الموجودة ،والمنكر له00ذا مع00ذور لع00دم
إطالعه بشرط أن ال ينازع فيه
الغير ،وليس المراد بها النس0ب 0المتك00ررة بمع00نى أن تك00ون النس00بة 0معقول00ة بالقي00اس 0إلى نس00بة
أخرى تكون هي أيضا معقولة بالقياس إلى األولي كاألبوة والبن00وة ،ف00إن ه00ذا المع00نى أخص من
المعنى األول ،وقد يخص بإسم اإلضافة.
1ذهب األس00تاذ أب00و إس00حاق اإلس00فراييني إلى أن فع00ل العب00د االختي00اري موج00ود بكال
القدرتين 0:قدرة العبد ،وقدرة هللا تع00الى على جه00ة اإلعان0ة 0واإلس00عاد لق00درة العب00د على أن ت00ؤثر
كالهما في الفعل بالمعنى المصدري وبمعنى الحاصل 0بالمصدر .ويل00زم على ه00ذا الم00ذهب تبعض
قدرة هللا ،أي تعلق بعضها ال كلها بفعل العبد ،بأن يمسك بعضها ويصرف بعض00ها اآلخ00ر ،ألنه00ا
لو تعلقت 0كلها ب00ه ال س00تبدت ب0ه واحتطفت00ه من العب0د ،ولم0ا أبقت لق0درة العب0د ش00يئا من الت00أثير
لقوتها وعدم قبولها الشريك .والتبعض على قدرة هللا تعالى محال ،كم00ا يل00زم على ه00ذا الم00ذهب
قبول قدرة هللا تعالى للشريك،
442
وقوله ( :ال معنى لتأثير القدرة في ش00يء إال إخراج00ه إلى الوج00ود) ال مع00نى ل00ه،
الن من جملة مع00اني ت00أثير الق00درة في ش00يء إخراج00ه إلى نفس األم00ر ،ومنه00ا إعدام00ه،
ومنها إفاضة الوجود عليه.
أن قلت :فهال ل00زمت الش00ركة ال00تي ب00الغت في الف00رار عنه00ا وم00ا الف00رق بين ه00ذا
التأثير والت00أثير ال00ذي انكرت00ه على اإلم00ام ابن الهم00ام (وه00و ت00أثير ق00درة العب00د في إيج00اد
الموجود الخارجي )؟
قلت بينهما فرق عقال ونقال .
أما األول فألن إفاضة الوجود أتم وابل00غ من تف00رع األم00ر االعتب00اري ،ب00ل ال نس00بة
بينهما ،ومن ثمة رتب الحق تعالى على الخلق ال00ذي ه00و عين إفاض00ة الوج00ود اس00تحقاق
العبدية في آيات شتى
وأما الثاني فألنه تبارك وتع00الى أطل00ق م00رارا على نفس00ه المقدس00ة أن00ه خ00الق ك00ل
شيء ،والخلق بمعنى اإليجاد ،والشيء باصطالح أهل الس00نة بمع00نى الموج00ود ،واألم00ر
االعتباري والحال ليسا بموج00ودين ،فجع00ل الموج00ود أث00ر ق00درة العب00د يص00ادم النص00وص
بخالف األمر االعتباري والحال.1
وبه يندفع استعظام بعضهم أيضا مطلق تأثير القدرة ،ألنه ناشئ عن ع00دم الف00رق
بين اإليجاد وبين التأثير في األمر االعتباري .انتهى كالم الشيخ خالد.
{مذهب القاضي 0أبي بكر الباقالني}0
-6مذهب القاضي 0أبي بكر الباقالني 0أن قدرة هللا تعالى مؤثرة في أصل الفع00ل ،وق00درة
العبد مؤثرة في وصفه ،كلطم اليتيم 0،من حيث هو حركة مخلوق هلل تعالى ومن حيث كونه طاعة
ومعصية أثر لقدرة العبد ،فإن عزم التأديب فطاع00ة ،وإن ع00زم اإلي0ذاء فمعص00ية ،وه0ذا الم0ذهب
-كما قال ابن أبي شريف في ش00رح المس00ايرة ( )111وغ00يره-ه00و عين م00ذهب الماتريدي00ة 0،ف00إن
قدرة العبد عندهم مؤثرة في العزم المص00مم ،وه00و عب00ارة عن تعل00ق إرادة العب00د بالفع00ل ،وك00ون
الفعل طاعة أو معصية أثرللعزم ،ألن العبد قد عزم على أحدهما ،فالفعل إنما اكتس00ب أح00د ه00ذين
الوصفين من عزمه الذي هو أثر قدرته عنده فيكون الوصف أثر قدرته ألنه أثر عزمه الذي ه00و
أثر قدرته ،وأثر األثر أثر .والفرق بين المذهبين أن القاضي لم يصرح بالعزم المصمم ،وبكيفي00ة
تأثير 0قدرة العبد في وص0ف الفع0ل ،وه0و على م0ا ذكرن0اه .والماتريدي0ة لم يص0رحوا بالت00أثير في
وصف الفعل ،لكن لزمهم ذلك من قولهم بتأثير قدرة العبد في اإلرادة الجزئي00ة ألن وص00ف الفع00ل
أثر عنها.
والقاضي 0لم يقصد خصوص وصف الطاعة والمعصية 0،بل أراد عموم وص00ف األفع00ال،
وذلك أن أفعال الجوارح كلها عبارة عن حركات متصفة بص00فات 0وإنم00ا تتم00ايز 0فيم00ا بينه00ا بتل0ك0
الصفات 0كالقيام والقعود والمشي والص00الة والزن0ا 0فالحرك00ات 0مخلوق0ة هلل تع0الى 0،والص00فات 0أث00ر
1أقول :صحيح أن جعل األمر االعتباري أثر قدرة العبد ال يصادم النصوص الدالة على
أن هللا تعالى خالق كل شيء إذا سلمنا أن الشيء في اللغة بمعنى الموجود الخارجي 0وس00لمنا أن
الخلق بمعنى إيجاد الموجود الخارجي ،لكنه يصادم النصوص األخرى من الكتاب والسنة الدال00ة
على أن كل أمر أثر قدرة هللا تعالى كما تقدم في بيان مذهب األشاعرة.
وهذا االعتراض 0كم00ا ي00رد على م00ذهب الماتريدي00ة ي00رد على م00ذهب القاض0ي 0الب00اقالني
ومذهب صدر الشريعة 0أيضا.
وأما مذهب المعتزلة ،ومذهب ابن الهمام فيصادمان كال النوعين من النصوص.
443
قدرة العبد عند القاضي ،ويق00ال مث00ل ه0ذا في أفع00ال النف00وس فإنه00ا حرك00ات نفس00ية م0ع ص00فات.
صرح به0ذا العم0وم الس0يد الش00ريف في ش00رح المواق0ف ( )8/147حيث ق0ال ص0احب المواق0ف:
(وقال القاضي 0على أنه تتعلق قدرة هللا بأصل الفعل وقدرة العبد بكونه طاعة ومعص00ية) 0،فش00رح
السيد هذا الكالم بقوله( :بصفته أعنى (بكونه طاعة ومعصية) إلى غير ذلك من األوص0اف ال0تى
ال يوصف بها أفعاله تعالى) 0،فأض00اف إلى كالم المتن قول00ه :بص00فته 0،وقول00ه :إلى غ00ير ذل00ك من
األوصاف التى ال يوصف بها أفعاله تعالى .ف00ذكر المتكلمين للطاع0ة 0والمعص00ية في بي00ان 0م00ذهب
القاضي إنما هو على سبيل المثال ،ال ألن التأثير خاص بهما كما توهمه البعض ،وذلك ألن كالم
القاض 0ي 0كغ00يره مف00روض في األفع00ال اإلختياري00ة كله00ا ،وال توص00ف كله00ا بالطاع00ة والمعص00ية
كالمباحات وكاألفعال قبل ورود الشرع.
1أراد صدر الشريعة أن الذي هو أثر قدرة العب00د ه00و تعلي00ق قدرت00ه ،وتعلي00ق الق00درة ال
يستلزم وجود ما تعلقت به كما في تعليق العبد قدرته بما ه00و ف00وق طاقت00ه كتعليقه00ا برف00ع مت00اع
ثقيل ،فهو يرى أن هذا التعليق غير مؤثر بحسب التحقيق فيما هو تحت طاقته أيضا مع وج00وده
عند تعليق قدرته به ،وإنما هو أث0ر ق0درة هللا تع0الى لتعل0ق ق0درة هللا تع0الى ب0ه ح0ال تعل0ق ق0درة
العبد ،فتختطفه قدرة هللا تعالى ،وتستبد به لقوتها ،ولعدم قبولها الشريك ،ولم تب00ق لق00درة العب00د
شيئا من التأثير.
وأما تس00مية ه00ذا التعلي0ق 0إيقاع00ا وإيج00ادا وفعال ب00المعنى 0المص00دري ،وتس00مية متعلق00ه
حاصال بالمصدر ،فغير منظور فيه إلى التحقيق؛ بل هي تسمية له بما يسمى به بحسب الظ00اهر
وفي العرف ،كما يس00مى العب00د ف00اعال للحاص00ل بالمص00در عرف00ا م00ع أن00ه ليس بفاع00ل ل00ه بحس00ب
التحقيق.
وبهذا التقرير يندفع ما أورده شيخ اإلسالم مصطفى صبري على مذهب صدر الشريعة
في كتاب00ه "موق00ف البش00ر" ]66-65[ 0من أن00ه ال مع00نى إليق00اع 0الفع00ل إال إيج00اده وك00ون موقع00ه
خالقه ،وأن الفعل بالمعنى 0المص00دري أع0نى اإليق0اع مس0تلزم للفع00ل ب00المعنى الحاص0ل بالمص0در0
ومحصل له ،فإذا كان األول من العبد فال جرم يكون الث0انى أيض0ا من0ه ،ب0ل المع0نى األول عب0ارة
عن إصدار المعنى الثانى وإيقاعه ،وال معنى إليقاع العبد ما يخلقه هللا تعالى.
444
بواسطة تأثير إيجاد آخر وإيجاده ،و اال لزم أن يصدر منا حال صدور األثر ت00أثيرات غ00ير
متناهية ،كما يلزم نظيره في الوجود .والوجدان يكذب ذلك.
( مناط التكليف في المكلف )
-8ومن هذا التفص00يل ظه00ر أن م0راد أه00ل الس00نة بالكس00ب في ق00ولهم ( :أن للعب00د
كسبا كلف به) هو اإلرادة الجزئية عند الماتريدية والفعل بالمعنى المصدري ،وه00و تعل00ق
قدرة العبد الكية بأمر معين عند األشاعرة وصدر الشريعة ،لكن األش00اعرة ي00رون أن ه00ذا
التعلق أثر قدرة هللا تعالى ،ال أثر قدرة العبد ،ويرى ص00در الش00ريعة أن00ه أث00ر ق00درة العب00د،
وليس المراد بالكسب الفعل بالمعنى الحاصل بالمصدر ،فالذي كل00ف ب00ه العب00د ه00و اإلرادة
الجزئية أو المعنى المصدري ،ال الحاصل بالمصدر كم00ا ه00و ظ00اهر كال م التفت00ازاني حيث
قال( :أن مناط التكليف هو المعنى الحاصل بالمص00در) ،على أن الحاص00ل بالمص00در ليس
باختياري فال يكون مناطا للتكليف ،بخالف المعنى المص00دري ،أو اإلرادة الجزئي00ة إال أن
يفسر االختياري بالحاصل باالختيار ،بان يكون موقوفا على أمر اختياري،
نعم الفع0ل ب0المعنى الحاص0ل بالمص0در ه0و المقص0ود ب0التكليف ،لكن0ه ليس مناط0ا
للتكليف وال متعلَقا له ،أي إن هللا تعالى كلف العبد بصرف إرادت00ه أوقدرت00ه ألم00ر معين -
وهو الكسب -ليترتب على هذا الصرف ذلك المعين الذي هو الحاصل بالمصدر ،ف00المكلف
به هو هذا الصرف ،والمقصود بالتكليف ه00و الحاص0ل بالمص00در ،وه0و م00ترتب على ه0ذا
الصرف ،ولعل هذا مراد التفتازاني بقوله اآلنف.
( حاصل ماتقدم )
-9والحاصل أن الكس00ب عن00د االش00اعرة وص00در الش00ريعة عب00ارة عن تعل00ق ق00درة
العبد بالفعل ،على أنه أثر قدرة هللا عند األشاعرة ،وأثر قدرة العب00د عن00د ص00در الش00ريعة،
وعند الماتريدية عبارة عن تعلق إرادته بالفعل.
وهذا التعلق عند الماتريدية أثر لقدرة العبد وهو األثر الوحيد لها عن0دهم ،وب0ذلك
يكون الماتريدية وصدر الشريعة قد تخلصوا من الجبر تخلصا جلي00ا ،ألن00ه إذا ك00ان تعل00ق
اإلرادة الذي هو منشأ تعلق قدرته وهو منشأ األفع00ال االختياري00ة أث0ر ق00درة العب00د أو ك00ان
تعلق القدرة نفسه أثر قدرة العبد فقد انتفى الجبر تماما ،وثبت االختيار ثبوتا جليا.
وأما األشاعرة فتعلق اإلرادة عندهم كتعلق القدرة وهو الفع00ل ب00المعنى المص00دري
وكالفعل بمعنى الحاصل بالمصدر أثر لقدرة هللا تعالى ،ال تأثير لقدرة العبد في شيء منه00ا
ومن أجل ذلك قيل :إن مذهب األشاعرة جبر خفي ،وق00الوا :إن العب00د عن00دهم مض00طر في
صورة مختار ،وصار الكسب عن00د األش00عري مض00رب المث00ل في الخف00اء ،فق00الوا :الش00يء
1
الفالني أخفى من كسب األشعري.
1تحصل لنا 0أن الفرق بين األشاعرة والماتريدية في مسألة الكسب من ثالثة أوجه:
-1أن الكسب عند األشاعرة عب0ارة عن تعل0ق ق0درة العب0د بالمق0دور 0،وعن0د الماتريدي0ة
عبارة عن اإلرادة الجزئية 0للعبد.
445
لكن األشاعرة مع ذلك قالوا أن للعبد إختيارا به ص00ار محال للتكلي00ف ،وذل00ك لقي00ام
الدالئل القطعية 0علي هذا االختيار.
منها دفع الجبر المصحح للتكليف ولورود األمر والنهي.
ومنها التفرقة الضرورية بين حركتي البطش واالرتعاش
ومنها الشعور النفسي الذي ال يخالطه شك باالختيار
ومنها ظواهر النصوص من الكتاب والسنة حيث نس0بت أفع0ال العب0اد إليهم ،مث0ل
قول00ه تع00الى ( :م00ا رميت إذ رميت ولكن هللا رمى) حيث أثبت هللا تع00الى للن00بي $م00ا ه00و
باختي00اره وداخ00ل تحت قدرت00ه وه00و أص00ل ال00رمي ،ونفى عن00ه م00ا ه00و خ00ارج عن قدرت00ه
واختياره ،وه00و إيص00ال الرم00ل الم00رمي إلى أعين األع00داء.إلى غ00ير ذل00ك من النص00وص
يصعب حصرها.
وقالت االشاعرة في بيان مذهبهم :قد وردت النصوص بأن كل أمر أثر لق00درة هللا
تعالى ،وأنه ال أثر لقدرة العبد في شيء منها ،مثل قول0ه تع0الى (هللا خ0الق ك0ل ش0يء) و
(وهللا خلقكم وما تعملون) و(هل من خالق غ00ير هللا) و(ق00ل إن األم00ر كل00ه هلل) و(هلل األم00ر
من قبل ومن بع00د) ومث00ل قول00ه ص00لى هللا علي00ه وس00لم (ال ح00ول وال ق00وة إال باهلل) وتعل00ق
اإلرادة والقدرة من الح00ول المنفي عن العب00د المحص00ور في هللا تع00الى .إلى غ00ير ذل00ك من
النصوص الكثيرة التي يصعب إحصائها.
وكذلك قامت الدالئل القطعية 0على أن العبد مختار في أفعال00ه ،من ه00ذا ال00دالئل م00ا
ذكرناه آنفا .قالوا :فنقول :بمقتضى كل من النصوص ومن الدالئل المذكورة ،ونق00ول :إن
العبد مختار لقيام الدالئل عليه ،وال علينا أن ال نستطيع اإلفص00اح عن اختي00اره ف00ان العلم
بالشيء ال يستلزم العلم بكيفية ذل0ك الش0يء ،ونق0ول :إن الجم0ع بين ه0ذين األم0رين س0ر
القدر ،ووراء طور العقل .
وقالوا :إن غموض المذهب دليل على كون00ه األق00رب إلى الص00واب ،وال00دليل على
ذلك نهي السلف عن الخوض في القدر ،وقولهم :إنه سر هللا تعالى
قال اإلمام الغزالي :لم00ا بط00ل الج00بر المحض ببداه00ة الف00رق بين حرك00ة الم00رتعش
وحرك00ة المخت00ار ،وبطلت خالقي00ة العب00د باألدل00ة العقلي00ة والنقلي00ة المبس00وطة في الكتب
الكالمية ،وجب اعتقاد أن فعل العبد مقدور بق00درة هللا تع00الى اختراع00ا وبق00درة العب00د على
وج00ه آخ00ر مع00بر عن00ه بالكس00ب انتهى .ق00ال موالن00ا الش00يخ خال00د بع00د نقل00ه له00ذا الكالم:
وحاصله :أن للقدرة الحادثة عالقة بالمقدور عليها مدار التكليف والث00واب ،ووج00ود ه00ذه
العالقة بديهي ،وهي المسماة بالكسب ،وال يلزم أن نعلم حقيقتها وكيفيتها .وهو في غاية
-2أن الكس00ب عن00د األش00اعرة أث00ر ق00درة هللا تع00الى 0ال ت00أثير 0لق00درة العب00د في00ه ،وعن00د
الماتريدية 0أثر قدرة العبد.
-3أن اإلرادة الجزئية 0من الموجودات الخارجية عند األشاعرة ،ومن األمور االعتبارية
عند الماتريدية 0،ومن أجل ذلك جوزوا أن تكون أثر قدرة العبد .ويتفرع عن هذه الف00روق ف00روق
أخ00رى أورده00ا وأورد الوج00وه ال00تى به00ا االش00تراك موالن00ا الش00يخ خال00د في رس00الته "العق00د
الجوهري".
446
الحسن و مالئم لقواعد السنة السنية الغراء إذ المسألة مما ال ب00د فيه00ا من ن00وع تف00ويض
في الكيفية مع االعتقاد الراسخ في أصله.
ومذهب األشاعرة أوفق بالنص00وص ،وم00ذهب الماتريدي00ة وص00در الش00ريعة أوف00ق
بالمعقول،
فمن أراد إبقاء النص0وص على ظواهره0ا ب0دون تخص0يص له0ا اض0طر إلى الق0ول
وتخصيص هذه النصوص الكثيرة التي لم يرد واح00د منه00ا خاص00ا ليس ُ بمذهب األشاعرة.
باألمر الهين
ومن أراد ح00ل المس00ألة بطري00ق معق00ول اض00طر إلى الق00ول بم00ذهب الماتريدي00ة ،أو
مذهب صدر الشريعة وإلى تخصيص النصوص الصريحة في أن كل أمر أثر عن قدرة هللا
تعالى بما عدى تعليق العبد أرادته أو قدرت00ه بالفع00ل ،وإلى إخ00راج ه00ذا التعلي00ق عن ه00ذه
العمومات.
هذا ما تحرر لنا في بيان هذه المسألة .وهللا تعالى اعلم بالصواب
447
448
التقسم الثالثي للتوحيد بين األشاعيرة وابن تيمية
بسم هللا الرحمن الرحيم
قسم األشاعرة التوحيد إلى ثالثة اقسام :توحيد الذات ،و توحيد الصفات ،وتوحيد األفعال.
وك00ذلك قس00م ابن تيمي00ة التوحي00د إلى ثالث00ة أقس00ام :توحي00د الربوبي00ة ،وتوحي00د األلوهي00ة
أي التقسيمين أق00رب إلى وتوحيد األسماء والصفات .ومقصدنا في هذا البحث أن نبين أن ُّ
الصواب ،وأولى بالقبول.
فننقل أوال كالم األشاعرة في التوحيد وأقسامه ،ثم كالمهم على الكفر وأس0بابه وأقس0امه،
وبعد ذلك ننثنِّي على تقسيم ابن تيمية للتوحيد ونتكلم عليه ،فنقول:
قد قسم األش00اعرة التوحي00د إلى ثالث00ة أقس00ام :توحي00د ال00ذات ،وتوحي00د الص00فات ،وتوحي00د
األفعال .قال كمال الدين ابن أبي شريف في المسامرة شرح المسايرة ( :)43التوحيد ه00و
اعتقاد الوحدانية في الذات والصفات واألفعال .أي إنه ثالثة أقسام :توحيد الذات ،وتوحيد
الصفات ،وتوحيد األفعال.
وقد يختصر األشاعرة :فيقولون :التوحيد اعتقاد عدم الشريك في األلهية وخواصها .ق00ال
سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد (:)3/27
حقيقة التوحيد اعتقاد عدم الشريك في األلهية وخواصها ،وال ن0زاع أله00ل اإلس00الم في أن
ت00دبير الع00الم ،وخل00ق األجس00ام ،واس00تحقاق العب00ادة ،وق00دم م00ا يق00وم بنفس00ه ،كله00ا من
الخواص...
وبالجملة فنفي الشريك في األلهية ثابت عقال وشرعا ،وفي استحقاق العبادة شرعا (وم00ا
أمروا إال ليعبدوا إلها واحدا ال إله إال هو سبحانه عما يشركون) [التوبة .]31
وقال ابن الهمام في المسايرة( :لما ثبت وحدانيت0ه في األلهي0ة ثبت اس0تناد ك0ل الح0وادث
إليه).
وق0ال ابن أبي ش0ريف في ش0رحه :األلهي0ة االتص0اف بالص0فات ال0تي ألجله0ا اس0تحق أن
يكون معبودا ،وهي صفاته التى توحد بها سبحانه فال شريك له في شيء منه00ا ،وتس00مى
خواص األلهية ،ومنها اإليجاد من العدم وتدبير العالم والغنى المطلق (المسامرة )58
449
وقال أيضا( :صـ :)43واعلم أن الوح00دة تطل00ق بمع00نى انتف00اء قب00ول اإلنقس00ام ،وبمع00نى
انتف00اء الش00بيه ،والب00اري تع00الى واح00د بك00ل من المعن00يين أيض00ا .أم00ا األول :فلتعالي00ه عن
الوصف بالكمي00ة وال00تركيب من األج00زاء والح00د والمق00دار .وأم00ا الث00اني :فحاص00له انتف00اء
المشابه له تعالى بوجه من الوجوه.
وأما كالم األشاعرة على الكفر وأسبابه وأقسامه فننقل فيه كالم ابن الهمام في المسايرة
مع شرحه البن أبي شريف وذلك لما اش0تمل علي0ه كالمهم0ا من بيان0ات تتعل0ق بموض0وع
التوحيد والشرك ،ومن االستدالل على وجود هللا تعالى باألدلة القرآنية وبشهادة الفط00رة.
وابن الهم0ام وإن ك0ان حنفي الم0ذهب لكن0ه ج0ار على منهج األش0اعرة في العقي0دة ،وأم0ا
كمال الدين ابن أبي شريف فهو شافعي أشعري .وإليك كالمهما
(األصل األول العلم بوجوده) تعالى ،وأولى ما تستضاء به من األنوار ،ويس00لك من ط00رق
االعتبار ما اشتمل عليه القرآن ،فليس بعد بيان هللا تعالى بيان ( وقد أرشد سبحانه إلي00ه)
أي إلى وجوده تعالى (بآيات نحو) قوله تعالى( :إن في خلق السموات واألرض واختالف
الليل والنهار والفلك التى تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل هللا من السماء فأحي00ا
به األرض بعد موته00ا وبث فيه00ا من ك00ل داب00ة وتص00ريف الري00اح والس00حاب المس00خر بين
الس00ماء واألرض آلي00ات .و) نح00و (قول00ه) ( :أف00رأيتم م00ا تمن00ون أأنتم تخلقون00ه أم نحن
الخالقون .و) قوله تعالى( :أفرايتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء
لجعلناه حطاما) أي متحطما وهو المتكس00ر ليبس00ه (و) قول00ه تع00الى (أف00رايتم الم00اء ال00ذي
تشربون أأنتم 0أنزلتم0وه من الم0زن) أي :الس0حاب (أم نحن الم0نزلون) ل0و نش0اء لجعلن0اه
أجاجا .أي شديد الملوحة ال يمكن ذوقه (و) قوله تعالى ( :أفرئيتم النار التي تورون أأنتم
أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون).
فمن أدار نظ00ره في عج00ائب تل00ك الم00ذكورات من األرض00ين والس00ماوات وب00دائع فط00رة
الحيوان والنبات ،وسائر م00ا اش00تملت علي00ه اآلي00ات (اض00طره) ذل00ك (إلى الحكم ب00أن ه00ذه
األمور مع هذا الترتيب المحكم 0الغريب ال يستغنى كل) منها ( عن صانع أوجده) من العدم
(وحكيم رتبته) على قانون أوضع في0ه فنون0ا من الحكم (وعلى ه0ذا درجت ك0ل العقالء إال
من ال عبرة بمكابرتهم) وهم بعض الدهرية.
(وإنما كفروا باإلشراك) حيث دعوا مع هللا إلها آخر.
(ونسبة) أي بنسبة (بعض الح00وادث إلى غ0يره تع00الى وإنك00ار) أي وبإنك00ار (م0ا جع00ل هللا
تعالى إنكاره كفرا كالبعث وإحياء الموتى) .
ومث00ل المص00نف ال00ذين أش00ركوا بقول00ه( :ك00المجوس بالنس00بة إلى الن00ار) حيث عب00دوها،
فدعوها إلها آخر ،تعالى هللا عن ذلك (والوثنيين باألصنام) أي بسببها فإنهم عبدوها.
(والصائبئة بالكواكب) أي بسبب الكواب حيث عبدوها من دون هللا تعالى.
وأما نسبة الحوادث إلى غ00يره تع00الى ف00المجوس ينس00بون الش00ر إلى أه00رمن ،والوث00نيون
ينسبون بعض اآلثار إلى األصنام كما أخبر هللا تعالى عنهم بقول00ه( :إن نق00ول إال اع00تراك
بعض آالهتن00ا بس00وء) ،والص00ابئون ينس00بون بعض اآلث00ار إلى الك00واكب ،تع00الى هللا عم00ا
يشركون.
450
(واعترف الكل بأن خلق السماوات واألرض واأللوهية األصلية هلل تعالى .قال هللا تع00الى:
(ولئن سألتهم من خل00ق الس00ماوات واألرض ليق00ولن هللا) (فه00ذا) أي اإلع00تراف بم00ا ذك00ر
(كان) ثابتا (في فطرهم) من مبدأ خلقهم ،قد جبلت علي00ه عق00ولهم .ق00ال هللا تع00الى( :ف00أقم
وجهك للدين حنيفا فطرة هللا التي فطر الناس عليها ال تبديل لخل00ق هللا ذال00ك ال00دين القيم،
ولكن أكثر الناس ال يعلمون).
(ول00ذا) أي لك00ون اإلع00تراف بم00ا ذك00ر ثابت00ا في فط00رهم (ك00ان المس00موع من األنبي00اء)-
المبعوثين عليهم أفض00ل الص00الة والس00الم( -دع00وة الخل00ق إلى التوحي00د) والم00راد ب00ه هن00ا
إعتقاد ع0دم الش0ريك في األلوهي0ة وخواص0ها كت0دبير الع0الم ،واس0تحقاق العب0ادة ،وخل0ق
األجس00ام ،ب00دليل أن00ه بين التوحي00د بقول00ه( :ش00هادة أن ال إل00ه إال هللا ،دون أن يش00هدوا أن
للخلق إلها) لما مر من أن ذلك كان ثابت00ا في فط00رهم ،ففي فط00رة اإلنس00ان وش00هادة آي00ات
القرآن ما يغنى عن إقامة البرهان .انتهى كالم المسايرة مع شرحها المس00امرة (-16-15
.)17
هذا هو كالم األشاعرة في التوحيد وفي الشرك حيث فسروا التوحيد بإعتقاد الوحدانية هلل
تعالى في الذات والصفات واألفعال ،أي اعتقاد أنه ال يوجد ذات مثل ذاته ،وال يوجد لغيره
صفات مثل صفاته وأنه المتفرد بخلق األش0ياء وإيجاده0ا وليس لغ0يره أي دخ0ل في خل0ق
األشياء وإيجادها.
وبعبارة أخ0رى :التوحي00د :اعتق0اد ع0دم الش00ريك في اإللوهي00ة وخواص0ها .واإللوهي00ة هي
اإلتصاف بالصفات التى ألجلها استحق أن يكون معبودا.
وهذه الصفات هي المسمات بخ00واص اإللوهي00ة ،وهي خل00ق الع00الم ،وت00دبيره واس00تحقاق
العبادة ،والتفرد بحق التشريع ،والغنى المطلق عن غيره.
وقد يعبرون عن هذا التوحيد بنفي التشبيه أي :اعتقاد أنه ال مش00ابه ل00ه تع00الى بوج00ه من
الوجوه ال في ذاته وال في صفاته وال في أفعاله ( ليس كمثله شيء وهو السميع العليم).
هذا هو معنى التوحيد ،وهو الذي به بعثت األنبياء ،ويقابله الشرك ،وهو اعتقاد الش00ريك
هلل تعالى في ذاته ،أو في صفاته أو في أفعاله.
وبعبارة أخرى هو اعتقاد الشريك في اإللهية وخواصها أو شيء من خواصها.
وبعباة أخرى هو اعتقاد المشابه هلل تعالى في ذاته أو في صفاته أو في أفعاله.
وقد يطلق التوحيد على نفي قبول االنقسام 0لتعاليه تعالى عن الوص00ف بالكمي00ة وال00تركيب
من األجزاء والحد والمقدار.
هذا حاصل كالم األشاعرة في التوحيد والشرك ،وهو كالم دقيق محقق ال غبار عليه.
وأما التقسيم الثالثي للتوحيد الذي قرره ابن تيمية فنتكلم عليه بش00يء من التوس00ع ونب00دأ
أوال بالكالم على توحيد الربوبية وتوحيد األلوهية.
وقبل الخوض في ذلك نتكلم على كلمتي الربوبية واأللوهية .فنقول وباهلل التوفيق:
الربوبية :اسم موضوع للداللة على الصفات التى يتصف بها ال00رب الخ00الق ج00ل وعال أي
الصفات التى يقتضيها كونه تعالى ربا.
ُ ًّ
ب فالنٌ الولد أو الصبي أو المهر يَ ُرًبّ0هُ رب00ا،ب يَ ُر ُّب ،يقالَ :ر َّ
والرب :في األصل مصدر َر ّ
كما يقال :رباه يربيه تربية ،والتربية –كما يقولون -تبليغ الشيء إلى الكمال شيئا فشيئا.
451
ثم نقلت كلمة الرب من مع0نى المص0در إلى مع0نى الم0ربي ،ثم توس0ع في معناه0ا ف0أطلقت
على الس00يد واألم00ير ،ومال00ك الش00يء ،والمنعم 0إلى غ00ير ذل0ك من المع00اني القريب00ة ألص00ل
معن00اه .ولم00ا ك00انت التربي00ة الحقيقي00ة لك00ل المخلوق00ات بخلقه00ا ابت00داء ،وإم00دادها بالبق00اء
ورعايتها وتنميتها ،صفة من صفات الرب جل وعال كان سبحانه هو رب العالمين ،ورب
كل شيء فالربوبية هي الوصف الجامع لكل صفات هللا ذات العالق00ة واألث00ر في مخلوقات00ه
واسم الرب هو اإلسم الدال على كل هذه الصفات.
وأما كلمة األلوهية فبمعنى العبادة ،ويقال فيها :ألوهة وإلهة ،وقال أهل اللغة :التأل00ه ه00و
التعبد والتنسك ،والتأليه هو التعبيد ،وقالوا :إله على وزن فعال ه00و بمع00نى مفع00ول ،أي:
مألوه بمعنى معبود ،سواء كان معبودا بحق أم بباط00ل ،فاإلل00ه ه00و المعب00ود(.انظ00ر لس00ان
العرب والقاموس المحيط).
فظهر من هذا أن األلوهية بمعنى العبادة ،وليس بمعنى الكون إلها ،وأن إطالقه على ه00ذا
المعنى في كالم كثير من العلماء لحن ،وإنما الذي يصح إطالقه على هذا المعنى هو كلمة
اإللهية مصدر جعلي من كلمة اإلله ،وهو الذي استعمله المحققون من العلماء ،فمع00نى ال
إله إال هللا ال معبود بحق إال هللا ،بمعنى ال متصف بالصفات التي ألجلها استحق أن يك00ون
معبودا إال هللا ،وهذه الصفات هي المسماة بخواص اإللوهي0ة ،وهي خل0ق الع0الم وت0دبيره
وتربيته أي تبليغه إلى الكمال شيئا فشيئا ،والغنى المطل00ق عن غ00يره ،وافتق00ار م00ا س00واه
إليه وتفرده بحق التشريع ،ويتفرع عن هذه الصفات وينبنى عليها استحقاق العبادة.
فظهر من هذا أن توحيد اإللهية أي إفراد هللا تع00الى بالعب0ادة متف0رع عن توحي00د الربوبي00ة
ومنبن عليه ومالزم له ،فالناس إنما يعب00دون من يعتق00دون في00ه الربوبي00ة س00واء اعتق00دوا
فيه ربوبية كب0يرة مطلق0ة ،وه0ذا م0ا أثبت0ه المت0ألهون هلل تع0الى ،أم اعتق0دوا في0ه ربوبي0ة
محدودة صغيرة مستمدة من الرب األكبر ،وهذا ما كان يعتقده معظم أصناف ال00ذين ك00انوا
يعبدون إلها أو آلهة من دون هللا في معبوديهم ،ف00إن معظمهم ك00انوا يعب00دونهم بن00اء على
اعتق00ادهم أن هللا تع00الى ق00د ف00وض إليهم التص00رف في بعض األم00ور ،وتخلى لهم عنه00ا
بمع00نى أن هللا تع00الى ق00د خ00ولهم ربوبي00ة ص00غيرة مح00دودة فاس00تحقوا 0ب00ذلك أن يُ ْعبَ00دُوا
اس 00تعطافا ل 00رحمتهم ،وابتع 00ادا عن غض 00بهم وس 00خطهم 0.فمن أج 00ل أنهم اعتق000دوا فيهم
الربوبية اعتقدوا فيهم اإللهية.
والذين يعبدون إلها أو آلهة من دون هللا أصناف:
الصنف األول :هم الذين تحدث هللا عنهم بقوله( :أال هلل الدين الخالص والذين اتخ00ذوا 0من
دون00ه أولي00اء م00ا نعب00دهم إال ليقربون00ا إلى هللا زلفى إن هللا يحكم بينهم فيم00ا ك00انوا في00ه
يختلفون إن هللا ال يهدى من هو كاذب كفار) [الزمر .]3
فهذا الصنف من المشريكين يؤمنون باهلل تعالى ،وال يعتق0دون فيم0ا يعبدون0ه من دون هللا
مشاركة هلل ال في الخلق وال في التصرف في أحوال أهل األرض من رزق وص00حة وحم00ل
ووالدة وكون الجنين ذكرا أو سليما ،ونحو ذلك.
وإنما يعتقدون فيهم أن هللا تعالى قد جعلهم وسطاء بين00ه وبين عب00اده ،وأن00ه ال يتم تق00رب
العبد إلى هللا تعالى إال بواسطتهم 0وعن طريق تقريب هذا الوسيط لهم إلى هللا تعالى
452
والصنف الثاني :هم الذين تحدث هللا تعالى عنهم بقول00ه( :فمن أظلم ممن اف00ترى على هللا
كذبا أو كذب بآياته إنه ال يفلح المجرمون ص00لى هللا علي00ه وآل0ه وس0لم ويعب0دون من دون
هللا ما ال يضرهم وال ينفعهم ويقولون هؤالء ش00فعائنا عن00د هللا ق00ل أتنب00ؤن هللا بم00ا ال يعلم
في السماوات واألرض سبحانه وتعالى عما يشركون) [يونس .]18-17
فهذا الصنف من المشركين لم يكونوا 0يعبدون آلهتهم ألجل أن تنفعهم 0في أمور دنياهم وال
ألجل أن ال تضرهم فيها بل كانوا يعبدونهم ألنهم ك00انوا يعتق00دون في آلهتهم أنهم يملك00ون
الش00فاعة عن00د هللا ب00دون إذن من هللا ،أو أن هللا ق00د خ00ولهم ه00ذا التص00رف الخ00اص وه00و
التص00رف في الش00فاعة ،وأنهم يتص00رفون في الش00فاعة على حس00ب م00ا يش00اءون ال على
حسب ما يشاء هللا تعالى.
وقد أشار هللا تعالى إلى هذا المعنى بقوله تعالى( :أم اتخذوا من دون هللا شفعاء ق00ل أول00و
كانوا ال يملكون شيئا وال يعقلون صلى هللا عليه وآله وسلم قل هلل الشفاعة جميعا له مل0ك
الس00ماوات واألرض ثم إلي00ه ترجع00ون) [الزمر ]44-43ف00رد هللا تع00الى عليهم ب00أمرين:
األول :أنهم اليملكون شيئا ال الشفاعة وال غيره0ا .وه00ذا رد على اعتق0ادهم أنهم يملك0ون
الشفاعة عند هللا بدون إذن من هللا ،فإن الملك يقتضى تص00رف ص00احبه فيم0ا ملك00ه ب00دون
إذن من أحد .واألمر الثاني :أن الشفاعة كلها هلل فم0ا من ش0افع يش0فع إال بإذن0ه ،وليس0ت
الش00فاعة وح00دها هلل ،ب00ل ل00ه مل00ك الس00ماوات واألرض وإلي00ه ترجع00ون ،فيفص00ل بينكم
ويجازيكم على وعقائدكم ،أعمالكم.
فالمش00ركون من ه00ذا الص00نف ك00انوا يعتق00دون في آلهتهم مل00ك الش00فاعة والتص00رف فيه00ا
حسب ما شاءوا ال حسب ما ش00اء هللا ،وك00ان المش00ركون يعب00دونهم اس00تعطافا لهم وجلب00ا
لرحمتهم أن يشفعوا 0لهم عند هللا.
والصنف الثالث من المشركين :كانوا يعتقدون في آلهتهم النفع والضر ،وإنه00ا تجلب لهم
الخيرات وتدفع عنهم الباليا وتنصرهم على أعدائهم ،ويعتقدون أن هللا تع00الى ق00د خ00ولهم
هذه الربوبية الصغيرة وتخلى لهم عنها كما يولي الملوك الوالة على المن00اطق الص00غيرة،
فك00ان ه00ذا الص00نف يعتق00دون في آلهتهم ه00ذه الربوبي00ة الص00غيرة ومن أج00ل ذل00ك ك00انوا
يعبدونهم ويألهونهم.
وقد ذكر هللا تعالى هذا الصنف بقوله( :واتخذو من دون هللا آله00ة لعلهم ينصرونص0لى هللا
عليه وآله وسلم ال يس00تطيعون نص00رهم وهم لهم جن00د محض00رون) [يس .]75-74وقول00ه
تع00الى( :واتخ00ذوا من دون هللا آله00ة ليك00ون لهم ع00زا ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لمكال
سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) [مريم .]82-81أي واتخذ المش00ركون من دون
هللا آله00ة يعب00دونها لتج00ازيهم على عب00ادتهم ب00أن تك00ون بتأثيراته00ا الغيبي00ة س00ببا لع00زهم
وغلبتهم على أعدائهم.
وه00ذه األن00واع الثالث00ة من الش00رك هي ال00تي ك00ان عليه00ا معظم المش00ركين من الع00رب في
جاهليتهم .وربما كانوا يعتقدون في آلهتهم مجموع هذه المعاني الثالثة أو اثنين منها.
والصنف الرابع من المشركين :كانوا يعطون ح00ق التش00ريع ال00ذي ه00و خ00اص باهلل تع00الى
لغيره من األحب00ار والرهب00ان وق00د ذك00ر هللا تع00الى ه00ذا الص00نف بقول00ه( :اتخ00ذوا أحب00ارهم
ورهبانهم أرباب00ا من دون هللا) [التوب00ة ]31وأش00ار إلي00ه بقول00ه( :واليتخ00ذ بعض00نا بعض00ا
453
أربابا من دون هللا )[آل عمران ]64فأعطى هذا الصنف من المشركين األحب00ار والرهب00ان
حق التشرع وهو من خ00واص الربوبي00ة وص0فاتها ،فاتخ0ذوهم ب0ذلك أرباب0ا ،ثم أط00اعوهم
فيما شرعوا من األحكام ،وبذلك كانوا ق00د عب00دوهم وأله00وهم؛ ف00إن اإلطاع00ة في التش00ريع
نوع من العبادة.
والص00نف الخ00امس :هم ال00ذين يعتق00دون فيمن يعب00دونهم أنهم هم األرب00اب وأن00ه ال خ00الق
للسماوات واألرض وال متصرف فيها إال أرابابهم التى يعبدونها .وه00ؤالء أص00ناف كث00يرة
فمنهم أهل التثنية وأهل التثليث ومنهم من يعددون اآللهة فوق ذلك.
وأهل هذا الشرك لهم أرباب يجعلونه00ا مش00تركة فيم00ا بينه00ا في الربوبي00ة وتص00اريفها في
الكون ،وقد يجسدونها في أجسام مادية ،أو يعتقدون أنه00ا ق00د تح00ل في أجس00ام مادي00ة ،أو
تظهر بصور بشرية.
وه00ذه األص00ناف الخمس00ة من المش00ركين هم ال00ذين ك00انوا يعب00دون آله00ة من دون هللا عن
اقتناع ،وكانوا يألهونها بناء على اعتقادهم فيه00ا الربوبي00ة إم00ا ربوبي00ة ص00غيرة مح00دودة
مس00تمدة من ربوبي00ة هللا تع00الى كم00ا ه00و ح00ال األص00ناف األربع00ة األول ،وه00و ح00ال معظم
مشركي العرب في جاهليته ،أو ربوبية حقيقية كبيرة كما هو حال الصنف الخامس.
الصنف السادس من المشركين :ن0اس ك0انوا ال يعتق00دون في معب00وداتهم ش00يئا من مع00انى
الربوبية فلم يكونوا يعبدونها عن عقيدة واقتناع بل كانوا يعب00دونها ويألهونه00ا بن00اء على
مصلحة اجتماعية وهو الحفاظ على الوحدة القومية ،وعدم تفريق الكلمة فيها حيث كانت
آلهتهم التي يعبدونها ويقدسونها بمثابة رم0وز رب0اط وح0دة قومي0ة ،تجم0ع أف0رادهم على
مودة تسوقوهم على التع00اون والتناص00ر وعلى ك00ل م00ا تقتض00يه األخ00وة بين جماع00ة ذات
كيان واحد.
وهذا ما كشفه إبراهيم عليه السالم لقومه .قال هللا تعالى في معرض ذكر لقطات من قصة
إبراهيم وقومه( :وقال إنما اتخذتم من دون هللا أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم ي00وم
القيامة يكف00ر بعض00كم ببعض ويلعن بعض00كم بعض00ا وم0أواكم 0الن0ار وم0ا لكم من ناص0رين)
[العنكبوت .]25
من هذا التصنيف للمشركين ،ومما تق00دم س0رده من النص0وص القرآني00ة ،وهي غيض من
فيض وقليل من كثير من النصوص المتعلقة بالموض00وع ،من ه00ذا ظه00ر لن00ا أن الربوبي00ة
هي األساس الذي تنبني عليه اإللهية ،فمن كانت له الربوبية فمن حق00ه على مربوبي00ه أن
يؤلهوه ،وظهر أن المشركين الذين ك00انوا يعب00دون من دون هللا آله00ة عن عقي00دة واقتن00اع
إنما كانوا يعب00دونهم وي00ألهونهم بن00اء على اعتق00ادهم فيهم الربوبي00ة إم00ا ربوبي00ة ص00غيرة
محدودة أو ربوبية أصلية مطلقة.
ومن هذا ظهر خط0أ ال0ذين ي0رون أن جمي00ع الع0رب في ج0اهليتهم ك00انوا يؤمن0ون بتوحي00د
الربوبية هلل عز وجل ،إال أنهم كانوا يعبدون مع هللا آلهة أخرى فيتخذونها ش00ركاء هلل في
إلهيته دون أن يجعلوها شركاء هلل في ربوبيته.
وذلك ألن النصوص القرآنية ومنها ما أوردناه آنفا تبين أن أكثر العرب كانوا يجعلون مع
هللا ش00ركاء في بعض ص00فات ربوبيت00ه ال في كله00ا ،ومن أج00ل ذل00ك ك00انوا يطلب00ون من
شركائهم الرحمة والرزق والنصر ،وكثيرا من مطالبهم الدنيوية ،وك00انوا يعب00دون آلهتهم
454
طمعا في أن يحققوا 0لهم ما يرجون بمعونات غيبية هي من خصائص الرب الخ00الق ال00ذي
بيده مقاليد كل شيء ،وهو على كل شيء قدير.
ولما كانت اإللهية هي الالزم العقلي المباشر للربوبية ،وك00انت الربوبي00ة في الوج00ود كل00ه
هلل وحده ال شريك له فيها وجب عقال وجوبا حتميا أن تكون اإللهية خاص00ة باهلل وح00ده ال
يشاركه فيها أحد.
ومن أج00ل ه00ذه الحقيق0ة 0ك00ان منهج الق00رآن الك00ريم لإلقن00اع بتوحي00د اإللهي00ة هلل وح00ده ال
شريك له ،يعتمد على تذكير ذوى الفكر بتوحيد الربوبية هلل عز وج00ل ،وأن00ه ال ش00ريك ل00ه
في الربوبي00ة ،أو على تن00بيههم على ه00ذه الحقيق00ة ،ويعتم00د في بعض النص00وص على
استئناف عرض أدلة تثبت أن الربوبية في الوجود كل00ه هلل وح00ده ال ش00ريك ل00ه ،وت00راعى
في هذا التنويع مقتضيات أحوال المخاطبين إبّان نزول النص.
ومن هذه النصوص القرآنية ما يلى( :يا أيها الناس اعبدوا ربكم ال00ذي خلقكم وال00ذين من
قبلكم) [البقرة( ]21وما لي ال أعبد الذي فط00رني وإلي00ه ترجع00ون ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وس00لم أأتخ00ذ من دون00ه آله00ة إن ي00ردن ال00رحمن بض00ر ال تغ00ني ع00نى ش00فاعنهم ش00يئا وال
ينقذونصلى هللا عليه وآله وسلم إني إذا لفي ضالل مبين ص00لى هللا علي00ه وآل00ه وس00لم إني
آمنت ب00ربكم فاس00معون) [يس ( ]25-22رب الس00موات واألرض وم00ا بينهم00ا فاعب00دوه
واصطبر لعبادت0ه ه0ل تعلم ل0ه س0ميا) [م0ريم( ]65واتخ0ذوا من دون هللا آله0ة ال يخلق0ون
ش0يئا وهم يخلق0ون وال يملك0ون ألنفس00هم ض0را وال نفع0ا وال يملك00ون موت00ا وال حيات0ا وال
نشورا) [الفرقان( ]3يا أيها الناس اذكروا نعمة هللا عليكم هل من خالق غ00ير هللا ي00رزقكم
من السماء واألرض ال إله إال هو فأنى تؤفكون) [الفاطر ( ]3أال يسجدوا هلل ال00ذي يخ00رج
الخبأ في السموات واألرض) [النمل ( ]25قل أعوذ برب الناس مل00ك الن00اس إل00ه الن00اس)
[الناس ]3-1جاء البيان في هذه السورة مرتبا ترتيب00ا عقلي00ا منطقي00ا ،فإثب00ات ربوبي00ة هللا
للناس يلزم منه لزوما عقليا منطقيا إثبات كونه مالكا لهم فهم عبيده وكون00ه ملك00ا عليهم،
ويلزم منهما لزوما عقليا منطقيا إثبات إلهيته لهم ،وبما أنهم ال رب لهم غيره فال إله لهم
غيره.
والحاصل أنه قد استقر في عقول بني آدم أن من ثبتت له الربوبية فمستحق للعب00ادة ومن
انتفت عن00ه الربوبي00ة فه00و غ00ير مس00تحق للعب00ادة ،فثب00وت الربوبي00ة واس00تحقاق العب00ادة
متالزمان فيما شرع هللا من شرائعه ،وفي عقول الناس.
وعلى أساس اعتقاد الشركة في الربوبية بنى المشركون استحقاق العبادة لمن اعتقدوهم
أربابا من دون هللا تعالى ،ومتى انهدم هذا األساس من نفوسهم تبعه انهدام 0ما بني علي00ه
من استحقاق غير هللا للعبادة ،وال يسلم المش00رك ب00إنفراد هللا س00بحانه بإس00تحقاق العب00ادة
حتى يسلم بإنفراده عز وجل بالربوبية ،وما دام في نفسه اعتقاد الربوبية لغيره عز وجل
استتبع ذلك اإلعتقاد في هذا الغير اإلستحقاق للعبادة.
ولذلك كان من الواضح عند أولى األلباب أن توحيد الربوبية وتوحيد اإللهية متالزم00ان ال
ينفك أحدهما عن اآلخر ال في اإلعتقاد وال في الوجود ،وك00ان تقس00يم التوحي00د إلى توحي00د
الربوبية وتوحيد األلوهية بناء على انفصال أحدهما عن اآلخ00ر وع00دم التالزم بينهم00ا من
الخطأ الواض0ح ،فإن0ه من اع0ترف أن0ه ال رب إال هللا ك0ان معترف0ا بأن0ه ال يس0تحق العب0ادة
455
غيره ،ومن أقر بأنه ال يستحق العبادة غيره كان مذعنا بأن00ه ال رب س00واه وه00ذا مع00نى ال
إله إال هللا في قلوب جميع المسلمين.
ول00ذلك ن00رى الق00رآن في كث00ير من المواض00ع يكتفي بأح00دهما عن اآلخ00ر ،وي0رتب الل00وازم
المترتبة على انتفاء أحدهما على انتفاء اآلخر ليستدل بذلك على ثبوته ،ف00انظر إلى قول00ه
تعالى( :لو كان فيهما آلهة إال هللا لفسدتا) [األنبياء ]22وقوله تعالى( :وما كان مع00ه من
إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعال بعضهم على بعض) [المؤمن00ون ] 91حيث رتب على
تعدد اإلله ما يترتب على تعدد الرب من فس00اد الس00موات واألرض ليثبت ب00ذلك ع00دم تع00دد
الرب ووحدانيته.
هذا وقد اشتمل تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد اإللهية على أخطاء:
األول :تخصيص الربوبية بالخالقية مع أنها تشمل كل خص00ائص األلوهي00ة وهي الص00فات
التى من أجلها استحق الرب أن يكون معب00ودا من خل00ق الع00الم وت00دبيره وتص00ريفه وح00ق
التشريع والغنى المطلق عن غيره.
الثاني :التعبير عن الكون إلها باأللوهية فإن األلوهية هي العب00ادة والتعب00ير الص00حيح عن
الكون إلها هو اإللهية ،وليس األلوهية.
الث00الث :ادع00اء أن توحي00د الربوبي00ة منفص00ل عن توحي00د اإللهي00ة وغ00ير مالزم ل00ه يتحق00ق
توحيد الربوبية مع الشرك في اإللهية ،وقد حققنا أنه مالزم له.
الرابع :ما بنى صاحب هذا التقسيم عليه من أن المشركين من العرب كانوا في ج00اهليتهم
يوحدون هللا تعالى توحيد الربوبية ،ولكنهم لم يكونوا يوحدونه توحيد اإللهية.
والخطأ الخامس :وهو األدهى واألمر ،وهو الذي كان يه00دف إلي00ه ص00احب التقس00يم ،ه00و
حكمه على كثير من المسلمين بمثل ما حكم ب00ه على المش00ركين من الع00رب في ج00اهليتهم
الجهالء .وبنائه هذا على التقسيم المذكور.
فظهر بهذا حطأ هذا التقسيم وخطأ ما بناه عليه صاحبه.
وأما التقسيم الصحيح للتوحي00د فه00و تقس00يم األش00اعرة ،وه00و تقس00يم التوحي00د إلى توحي00د
الذات ،وتوحيد الصفات ،وتوحيد األفعال .وهللا سبحانه وتعالى أعلم.
وأما ثالث األقسام من التقسيم الثالثي وهو توحيد األسماء والصفات فقد قصد به ص00احب
التقسيم أن يثبت هلل من األسماء والصفات ما أثبته لنفسه ب00دون إهم00ال ش00يء مم00ا أثبت00ه
لنفس0ه ب0أن ينفي عن هللا تع0الى بعض م0ا أثبت0ه لنفس0ه ،وال أن ي0زاد عليه0ا ب0أن يثبت هلل
تع00الى من األس00ماء والص00فات م00ا لم يثبت إطالق00ه على هللا تع00الى في الكت00اب والس00نة
الصحيحة .هذا هو الذي قرره صاحب التقسيم وسماه توحيد األسماء والصفات.
أما تقرير المسألة فهو تقرير غير مح00رر أدى ع00دم تحري00ر التقري00ر بص00احبه إلى أخط00اء
عقدية جسيمة.
والتحرير أن يقال :يجب أن يثبت هلل تعالى من األسماء والصفات ما ورد إطالق00ه على هللا
تعالى في الكتاب والسنة الصحيحة مما كان إطالقه علي00ه تع00الى على وج00ه الحقيق00ة دون
المجاز والكناية ،وتحرير المسألة بهذا الوج00ه ثم تطبيقه00ا على نص00وص الكت00اب والس00نة
تطبيقا صحيح هو الذي يقي الوالج في المسألة من الخطأ ،ويجنبه من اإللحاد في أس00ماء
هللا تع00الى وص00فاته ،وأم0ا ع0دم تحري0ر المس00ألة أو تحريره0ا ثم تطبيقه00ا على النص0وص
456
تطبيقا غير صحيحا فيورط صاحبه في األخطاء العقدية الجسيمة ،وفي اإللحاد في أسماء
هللا تعالى وصفاته .وهذا ما تورط فيه صاحب التقسيم الثالثي.
وبعد هذه المقدمة نقول :قد تورط صاحب التقس00يم الثالثي بالنس00بة إلى القس0م 0الث00الث في
أخطاء.
الخطأ األول :في العنوان حيث عنون المسألة بتوحيد األسماء والص00فات ،وإنم00ا المس00ألة
مسألة إثبات األسماء والصفات .وقد عبر بهذا التعبير في كتابه منهاج السنة.
الثاني :عدم تحرير تقرير المسألة.
الثالث :أن صاحب التقسيم لم يثبت هلل تع00الى كث00يرا مم00ا ورد في الكت00اب والس00نة إطالق00ه
على هللا تعالى مما هو داخل تحت القاعدة غير المح00ررة .وذل00ك مث00ل النس00يان ال00وارد في
قوله تعالى( :نسوا هللا فنسيهم) [ ]67وكذلك ورد في األحاديث الصحيحة إثبات الهرول00ة
والضحك والمرض والج00وع هلل تع00الى ،ولم يثبته00ا ص0احب التقس00يم هلل تع00الى ،وذل00ك من
أجل اعتقاده أن هذه اإلطالقات إنما وردت على سبيل المجاز ال على سبيل الحقيقة بسبب
اعتقاده استحالة ثبوت هذه األمور هلل تعالى على سبيل الحقيقة ،وهو اعتقاد صحيح.
الرابع :إن صاحب التقس0يم ق0د أثبت هلل تع0الى أم0ورا لم ي0رد به0ا الكت0اب وال الس0نة حيث
أثبت هلل تعالى ما يلى:
-1الحد .انظر (موافقة صريح المفعول 0لصحيح المنقول) ()2/29
-2الجل000وس على الع000رش ق000ال في مجم000وع الفت000اوى ( :)4/374ح000دث العلم000اء
المرضيون واألولياء المتقون أن محم00دا رس00ول هللا ص00لى هللا تع00الى علي00ه وآل00ه
وسلم يجلسه ربه على العرش معه ...وقد أشار إليه ابن القيم في ب00دائع الف00واد (
.)4/39
-3يقول بجواز اطالق أن هللا تعالى جسم قال في التأسيس في رد (أساس التق00ديس)
( ( )1/101وليس في كت0اب هللا وال س00نة رس0وله وال ق00ول أح0د من س0لف األم00ة
وأئمتها أن00ه ليس بجس00م وأن ص00فاته ليس00ت أجس00اما وال أعراض00ا) وس00يأتى عن
اإلمام أحمد نفي الجسمية عن هللا تعالى.
-4ويقول في كتابه التأسيس ( :)1/568ولو شاء –هللا – الستقر على ظهر بعوضة
فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم.
-5ويقول في كتابه (بي00ان تل00بيس الجهمي00ة) ( :)1/109م00ا نص00ه( :فاس00م المش00بهة
ليس له ذكر ب00ذم في الكت00اب والس00نة ،وال في كالم أح00د من الص00حابة والت00ابعين)
ومعنى هذا أن التشبيه ليس به بأس .هذا ما يراه ابن تيمية مخالفا لقوله تع00الى:
(ليس كمثله شيء) وقوله( :ولم يكن له كفوا 0أحد) ومخالفا األمة وس00يأتى قريب00ا
نقل جملة من أقوالهم في ذلك.
-6والس00ادس :وه00و بيت القص00يد من ذك00ر توحي00د األس00ماء والص00فات ،أن ص00احب
التقسيم قد أثبت هلل تعالى أمورا ورد في الكت00اب والس00نة إطالقه00ا على هللا تع00الى
على سيل المجاز أو الكناية فأثبتها هلل تعالى على سبيل الحقيقة 0فأدى به ذلك إلى
التشبيه الذي ال يرى به بأسا ،ويكون ب0ذلك مخالف0ا لكت00اب هللا ولس00نة رس0ول هللا
ولسلف األمة.
457
وننق00ل هن00ا مجموع00ة من أق00وال علم00اء األم00ة وأئمته00ا من الس00لف والخل00ف في نفي
التشبيه عن هللا تعالى.
فنقول :نقل الذهبي (في سير أعالم النبال ) ( )7/202عن اإلمام أبو حنيفة رضي هللا
تعالى عنه أنه قال( :أتان00ا من المش00رق رأي00ان خبيث00ان :جهم معط00ل ومقات00ل مش00به).
وذك00ر ابن جري00ر الط00بري في تفس00ير س00ورة اإلخالص عن أبي العالي00ة وغ00يره من
السلف( :أن هللا تعالى ليس له شبيه وال مثيل).
ونقل اإلمام البيهقي في كتابه مناقب اإلمام أحمد عن اإلمام أحمد ما نصه:
(أنكر أحمد على من قال بالجس00م ،وق00ال :إن األس00ماء م00أخوذة من الش00ريعة واللغ00ة،
وأه00ل اللغ00ة وض00عوا ه00ذا االس00م على ذي ط00ول وع00رض وس00مك وت00ركيب وص00ورة
وتأليف .وهللا سبحانه خ00ارج عن ذل00ك كل00ه ،فلم يج00ز أن يس00مى جس00ما لخروج00ه عن
معنى الجسمية ،ولم يجىء في الشريعة ذلك فبطل) انتهى بنصه.
وورد في طباق00ات الحنابل00ة البن أبي يعلى الحنبلي ( )2/394في ذك00ر عقي00دة اإلم00ام
أحمد رضي هللا تعالى عنه( :كان اإلم00ام أحم00د – رحم00ه هللا – يق00ول :هلل تع00الى ي00دين
وهما صفة له في ذاته ،ليستا بجارحتين ،وليستا بمركب00تين ،وال جس00م وال من جنس
األجس00ام ،وال من جنس المح00دود وال00تركيب واألبع00اض والج00وارح ،وال يق00اس على
ذلك ،وال له مرفق ،وال له عضد ،وال فيما يقتضى ذلك من اطالق ق0ولهم “ ي0د “ إال
ما نطق به القرآن الكريم)
وفي الطبقات أيضا ( )2/297أن اإلمام أحم00د ك00ان يق0ول :وهللا تع00الى لم يلحق00ه تغ0ير
وال تبدل ،وال يلحقه الحدود قبل خلق العرش وال بعد خلق العرش).
وقال اإلمام الطحاوي في عقيدت0ه ال0تي هي بي0ان أه0ل الس0نة والجماع0ة باتف0اق أه0ل
السنة (وتعالى –أي هللا -عن الح00دود والغاي00ات ،واألرك00ان واألعض00اء واألدوات ،وال
تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات).
وقال اإلمام أبو سليمان الخط0ابي في (أعالم الح0ديث ش0رح البخ0اري) ( :)2/147م0ا
نصه :وليس معنى قول المسلمين إن هللا على الع00رش ه00و أن00ه تع00الى مم00اس ل00ه ،أو
متمكن فيه ،أو متحيز في جهة من جهاته ،لكنه بائن من جميع خلقه ،وإنما هو خ00بر
جاء به التوقيف ،فقلنا به ونفين00ا عن00ه التك00ييف إذ (ليس كمثل00ه ش00يء وه00و الس00ميع
البصير).
وقال اإلمام ابن الج00وزي في مجالس00ه في المتش00ابهات (ص ( )54وليس الخالف في
الي000د ،وإنم000ا الخالف في الجارح000ة ،وليس الخالف في الوج000ه ،وإنم000ا الخالف في
الصورة الجسمية ،وليس الخالف في العين ،وإنما الخالف في الحدقة).
وق00ال اإلم00ام ع00ز ال00دين بن عب00د الس00الم( :ليس – هللا – بجس00م مص00ور ،وال ج00وهر
محدود مقدر ،وال يش00به ش00يئا وال يش0بهه ش0يء ،وال تحي0ط ب0ه الجه00ات ،وال تكتنف00ه
األرضون والسموات ،كان قبل أن كون المكان ودبر األزمان ،وهو اآلن على ما عليه
كان) (طبقات الشافعية الكبرى .)8/219
458
وقال الحاف00ظ العس00قالني في فتح الب00اري ( :)6/136وال يل00زم من ك00ون جه00تي العل00و
والس00فل مح00اال على هللا أن ال يوص00ف ب00العلو ،ألن وص00فه ب00العلو من جه00ة المع00نى،
والمستحيل كون ذلك من جهة الحس.
وقال أيضا عند شرح حديث ال00نزول (( :)3/30اس00تدل ب00ه من أثبت الجه00ة وق00ال هي
جهة العلو ،وأنكر ذلك الجمهور ،ألن الق00ول ب00ذلك يفض00ي إلى التح00يز ،تع00الى هللا عن
ذلك) .
وقال أيضا ( :)7/124فمعتم00د س00لف األم00ة وعلم00اء الس00نة من الخل00ف أن هللا تع00الى
منزه عن الحركة والتحول والحلول ،ليس كمثله شيء.
فظهر بهذا التحقيق أن التقسيم الثالثي للتوحيد الذي اخترعه ابن تيمية تقس00يم فاس00د
في التعبير ،وفاسد في مضمونه ،وفاسد فيما قصد منه.
والتقسيم الص00حيح للتوحي00د ه00و تقس00يم الثالثي ال00ذي ذك00ره األش00اعرة ،وه00و توحي00د
الذات ،وتوحيد الصفات ،وتوحيد األفعال.
أما توحيد الذات فمأخوذ من قوله تعالى( :قل هو هللا أحد) وغيرها من اآلي00ات ،وأم00ا
توحيد الصفات فمأخوذ من قوله تعالى( :ليس كمثله شيء) وقول00ه تع00الى( :ولم يكن
له كف0وا أح0د) وأم0ا توحي0د األفع0ال فم0أخوذ من قول0ه تع0الى( :هللا خ0الق ك0ل ش0يء)
وقوله( :وهللا خلقكم 0وم0ا تعمل00ون) إلى غيره00ا من اآلي00ات الكريم0ة .وهللا تع00الى أعلم
بالصواب.
459
460
متشابه الصفات بين التأويل واإلثبات
بسم هللا الرحمن الرحيم
الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا ،وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد :فنريد أن نحقق في هذا البحث مسألة صفات هللا المتشابهة الواردة في الكتاب
والسنة ،وقبل الدخول في المسألة البد أن نقرر أمورا:
األول :أنَّ النصوص الشرعية إذا كان ظاهرها مخالف00ا لص0رائح العق00ول ومقرراته0ا
وجب أن يحكم أن ظاهرها غير مراد.
الثاني :أن النصوص الشرعية منها ما هو محكم 0ومنها ما هو متشابه كم00ا ق00ال هللا
تع00الى( :ه00و ال00ذي أن00زل الكت00اب من00ه آي00ات محكم00ات هن أم الكت00اب وأخ00ر متش00ابهات)
والنص 00وص المحكم 00ات هي األص000ول الث 00وابت لإلس000الم ،وأم 00ا المتش 00ابهات ف000ترد إلى
المحكمات ويحكم بأن ظاهرها غير مراد.
الث00الث :أن الكت00اب والس00نة ق00د وردا على أس00اليب اللغ00ة العربي00ة ،واللغ00ة العربي00ة
كس00ائر اللغ00ات ق00د وردت على ثالث00ة أن00واع من األس00اليب :أس00لوب الحقيق00ة ،وأس00لوب
المجاز ،وأسلوب الكناية ،وذلك ألن كل كلمة من كلمات اللغة العربي00ة ق00د وض00عت لمع00نى
معين ،وكذلك كل مركب منه00ا ،وه00ذه الكلم00ات والمركب00ات ق00د تس00تعمل في المع00نى ال00ذي
وضعت له ،وقد ال تستعمل فيه ،ب00ل تس0تعمل في مع0نى يناس0ب المع0نى ال00ذي وض00عت ل00ه
بإحدى المناسبات ،وذلك كاألس00د ق00د يس00تعمل في المع00ني ال00ذي وض00ع ل00ه وه00و الحي00وان
المفترس المع00روف ،وق00د يس00تعمل في الرج00ل الش00جاع لمناس00بته للحي00وان المف00ترس في
الشجاعة ،ولمشابهته ل00ه فيه00ا .وه00ذا م00ا ال ينبغي أن يختل00ف في00ه أح00د من العقالء .ف00إذا
استعمل اللفظ في المعني الذي وضع له سمى في اصطالح علماء البالغة بالحقيق00ة ،وإذا
استعمل في غير ما وضع له إلحدى المناسبات مع قرينة ت00دل علي ه0ذا االس0تعمال س00مي
مجازا أو كناية.
الرابع :الكالم على التأويل وبي00ان معن00اه ،وننق00ل هن00ا كالم00ا البن القيم وتعلي00ق تقي
الدين السبكي عليه .قال ابن القيم في النونية :التأويل الصحيح هو تفسيره وظهور معناه
461
كقول عائشة :يتأول الق00ران .وحقيق00ة التأوي00ل معن00اه الرج00وع إلي الحقيق00ة .ال خل00ف بين
أئمة التفسير في هذا .تأويله عندهم تأويله بالظاهر .م0ا ق0ال منهم ش00خص واح0د :تأويل00ه
صرفه عن الرجحان.
قال تقي الدين السبكي تعليقا علي هذا الكالم (السيف الص00قيل :158ق0ال هللا تع0الي
في المتش000ابه( :وم000ا يعلم تأويل000ه اال هللا) آل عم000ران .فكي000ف يك000ون تأويل000ه بالظ000اهر،
والمتشابه ال ظاهر له .وقوله( :ما قال منهم أحد إن التأوي00ل ص00رف عن الرجح00ان) ك00ذب
بل خلق قالوا به .ويطلق التأويل أيضا علي تدبر القرآن وتفهم 0معناه.
يقصد اإلمام التقي الس0بكي أن حم00ل التأوي00ل على مع00نى التفس0ير بالظ00اهر في ب00اب
المتشابهات غ0ير ص0حيح ،وذل0ك ألن المتش0ابه مدلول0ه خفي غ0ير واض0ح ،وإال لم0ا ك0ان
متشابها ،والظاهر في اللغة يقابل الخفي ،فال يجوز أن يقال في المتشابه ال00ذي ه00و غاي00ة
في الخفاء :إن تأويله تفسيره بالظاهر ،فإنه كالم متناقض ينقض نفسه .وأما الظ00اهر في
أصول الفقه 0فبمعني الراجح من االحتمالين بالوضع أو بالدليل ،وه00و من أقس00ام الواض00ح
المقابل للخفي الذي من أقسامه المتشابه ويقابل الظاهر المؤول ،فال يتص00ور اجتماعهم00ا
في لفظ أيضا.
وإذا تقرر هذا فنقول :إنه من األم00ور المجم00ع عليه00ا بين علم00اء المس00لمين أن من
نصوص الكتاب والسنة ما إذا قطع عن سياقه وسباقه ،ولوح00ظ ب00المعنى ال00ذي وض00ع ل00ه
في اللغة وهو المعنى الحقيقي كان إما مخالفا لصرائح العق0ول ،أو مخالف0ا للمحكم0ات من
نصوص الكتاب والسنة .وهذه النصوص هي النصوص المتش00ابهات الم00ذكورة في اآلي00ة
الكريمة.
وهذه النصوص المتشابهات ق00د أجمعت األم00ة على س00بيل اإلجم00ال على أن معناه00ا
الموض00وع ل00ه ليس بم00راد منه00ا .ه00ذا إجم00اع على س00بيل اإلجم00ال ،وأم00ا إذا أتين00ا إلى
التفاصيل وإلى جزئيات هذه النصوص فقد يجري فيها الخالف.
ثم اختلفت األمة فذهب معظم السلف في معظم هذه النصوص إلى التوقف عن00د ه00ذا
الحد ،وهو أن المعنى الموضوع له لهذه النصوص غير مراد ،بدون أن يتجاوز هذا الح00د
إلى تعيين المعنى المجازي ،أو الكنائي لها ،وذلك تورعا منهم ،ومخاف00ة أن يفس00روا كالم
هللا تعالى وكالم رسوله على خالف مرادهما .وهذا يسمى بالتأويل اإلجمالي.
وذهب معظم الخلف إلى جواز تأويلها وص00رفها إلى مع00ان تناس00ب المع00ني الحقيقي
لهذه النص0وص ،وذل0ك بمعون00ة الق0رائن والس00ياق والس0باق واأللف00اظ المقرون0ة به0ا لكن
بدون قطع بالمعنى المؤول به ،بل يكون الصرف على س00بيل االحتم00ال والرجح00ان .وذل00ك
بشروط.
األول :أن يكون المعنى الذي حمل عليه النص ثابتا هلل تعالى.
الثاني :أن ال يكون حمل النص على المعنى الذي صرف إليه مخالفا ألس00اليب اللغ00ة
العربية.
الثالث :أن ال يكون مخالفا لسياق النص بل يكون مناسبا له.
الرابع :أن ال يكون المعنى الذي صرف إليه النص مشعرا ب00النقص بالنس00بة إلى هللا
تعالى.
462
الخامس :أن يكون مشعرا بالعظمة.
وههنا نكتة نبه عليها اإلمام الغزالي في كت00اب (ق00انون التأوي00ل)-وه00و كت00اب ج00دير
بالعناية بقرائته -وهي أنه ال يجوز بالنسبة إلى ه00ذه النص00وص تفري00ق مجتم00ع وال جم00ع
متفرق ،وذلك ألن كل واحد من ه00ذه النص00وص في س00ياقه وس00باقه م00ا ي00دل علي المع00نى
المجازي أو الكنائي الذي اس00تعمل في00ه ،ف0إذا قط00ع من س00ياقه وأف0رد عن س00ابقه والحق00ه
فاتت هذه الداللة ،وكذالك إذا جمعت ه0ذه النص0وص على ص00عيد واح00د عض00دت الظ0واهر
بعضها البعض ،فيترجح بقاؤها على ظواهره0ا المفي00د للتش00بيه .وذل00ك كم00ا أل00ف بعض00هم
مؤلفات فذكر فيها باب ما ورد في العين ،وباب ما ورد في اليد ،وباب م00ا ورد في الوج00ه
إلي غير ذلك
وقريب من هذا الكالم ما قاله اإلمام تقي الدين السبكي في الس00يف الص00قيل(:)169
حيث قال:
وانظر إلى هذه الصفات التي يثبتها هذا المبتدع لم تجيء قط في الغ00الب مقص00ودة،
وإنم00ا في ض00من كالم يقص00د من00ه أم00ر أخ00ر ،وج00اءت لتقري00ر ذل00ك األم00ر ،وق00د فهمه00ا
الصحابة ،ول00ذلك لم يس00ألوا عنه00ا الن00بي ص00لي هللا تع00الي علي00ه وآل00ه وس00لم ألنه00ا ك00انت
معقولة عندهم بوضع اللسان وقرائن األحوال ،وسياق الكالم ،وسبب النزول.
ومض00ت األعص00ار الثالث00ة ال00تي هي خي00ار الق00رون على ذل00ك ،ح00تى ح00دثت الب00دع
واألهواء ،فيجيء مث00ل ه00ذا المتخل00ف بجم00ع كلم00ات وقعت في أثن00اء آي00ات أو أخب00ار فهم
الموفق00ون معناه00ا بانض00مامها م00ع الكالم المقص00ود ،فجعله00ا ه00ذا المتخل00ف في أمثال00ه
مقصودة ،وبالغ فيها ،فأورث الريب في قلوب المهتدين.
وانظر إلى أكثرها ال تجده مقصودا بالكالم ،بل المقصود غيره إم00ا بس00ياق قبل00ه ،أو
بسباق بعده ،أو يكون المحدث عنه معنى آخر ...ويكون ذلك م00ذكورا على جه00ة الوص00ف
المقوي لمعنى ما سيق الكالم ألجله .إنتهى كالم السبكي. ِّ
وتوسط اإلمام تقي الدين ابن دقيق العيد بين م00ذهب الس00لف والخل00ف ،فق00ال :نق00ول
في الصفات المشكلة :إنها ح00ق وص00دق على المع00نى ال00ذي أراده هللا تع00الى .ومن تأوله00ا
نظرنا فإن كان تأويله قريبا على مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه ،وإن كان بعيد توقفنا
عنه ،ورجعنا إلى التصديق مع التنزيه.
وما كان منها معناه ظاهرا مفهوما من تخاطب الع00رب حملن00اه علي00ه كقول00ه تع00الى:
(على ما فرطت في جنب هللا) فإن المراد به في اس00تعمالهم الش00ائع ح00ق هللا ،فال يتوق00ف
في حمله عليه ،وكلك قوله صلي هللا عليه وآله وسلم( :إن قلب ابن آدم بين إص00بعين من
أصابع ال00رحمن) ف00إن الم00راد ب00ه إرادة قلب ابن آدم مص00رفة بق00درة هللا وم00ا يوقع00ه في00ه،
وكذلك قوله تعالى( :فأتى هللا بنيانهم من القواعد) معناه خ00رب هللا بنيان00ه ،وقول00ه( :إنم00ا
نطعمكم لوجه هللا) معناه ألجل هللا ،وقس على ذل00ك .وه00و تفص00يل ب00الغ ق00ل من تيق00ظ ل00ه.
انتهى.
وهلل در ابن دقيق العيد ما أدق نظره وأسده ،فإن00ه إذا ك00ان المع00نى المج00ازي للنص
مفهوما من تخاطب العرب بحيث ال يفهم العربي من ذلك النص إال المعنى المجازي ،ك00ان
ذلك النص من قبيل المجاز المشهور والحقيقة 0المهجورة ،فيكون صرفه عن ذلك المع00نى
463
المجازي إلحادا في آيات هللا وتحريفا للكلم عن مواضعه 0.كيف وكثير من ذل00ك النص00وص
لو ترجمت ترجمة حرفية إلى لغة آخري لما فهم منها أهل تلك اللغة إال المعني المجازي،
فكيف يجوز إ ًذا صرفها عن تلك المعاني ،وهل نزل الق00رآن إال على أس00اليب اللغ00ة الع00رب
وذلك كقوله تع00الى (تب00ارك ال00ذي بي00ده المل00ك) فإن00ه ال أح00د يفهم من00ه إال إثب00ات المل00ك هلل
تعالى ،ال إثبات اليد هلل ،كيف والملك بالضم هو السلطنة ،وه00و أم00ر معن00وي ال يك00ون في
الي00د وال ملتص00قا به00ا ،وكقول00ه ص00لى هللا تعلى علي00ه وآل00ه وس00لم ( :إن قلب ابن آدم بين
إصبعين من أصابع الرحمن) ال يفهم منه أحد إال أن قلوب ب00ني آدم ط00وع إرادت00ه وقدرت00ه
تعالى ال إثبات اإلصبعين هلل تعالى ،كيف وال يوجد في داخل أح00د إص00بعان مكتنف00ان بقلب00ه
وهذا أمر معلوم لكل عاقل،
وقد نقل بعضهم كالم ابن دقيق بوجه مختصر محرر ،فقال :قال اإلمام المجته00د ابن
دقيق العيد :إن كان التأويل من المجاز ال0بين الش0ائع ف0الحق س00لوكه من غ0ير توق0ف ،أو
من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه ،وإن اس00توى األم00ران ف00االختالف في ج00وازه وع00دم
جوازه مسألة فقهية اجتهادية ،واألمر فيها ليس بالخطر بالنسبة إلى الفريقين .انتهى.
وهو كالم نفيس ينبئ عن علم جم ،وصراحة في بيان الحق ،وتوسط حكيم.
وههنا نريد أن نركز على تحقيق أمرين:
األول :تحقيق أن السلف قد توقفوا عند حد أن المعنى الموضوع له لهذه النصوص
غير مراد بدون أن يتجاوزوا هذا الحد إلى تعيين المعنى المج00ازي أو الكن00ائي له00ا .وه00ذا
ما سماه العلماء بالتفويض ،وتحقيق هذا إنما يكون بنقل كالم السلف المتعلق بذلك.
فنقول :قال اإلم00ام الحاف00ظ ال00بيهقي في الس00نن الك00برى( :)3/3أخبرن00ا عب00د هللا بن
محمد الحافظ ،ثنا أبو بكر محمد بن احمد بن با لوي00ه ،ثن00ا محم00د بن بش00ير بن مط00ر ،ثن00ا
الهيثم بن خارجه،ثن0ا الولي00د بن مس0لمه ،ق0ال :س0ئل األوزاعي ومال0ك وس0فيان الث0وري
والليث بن سعد عن هذه األحاديث التي جاءت ،فقالوا :أمروها كما جاءت بال كيفية.
وقال الحاف00ظ في فتح الب00اري ( :)13/342وأخ00رج أب00و القاس00م الاللك00ائي في كت00اب
الس00نة من طري00ق الحس00ن البص00ري عن أم00ه عن أم س00لمة أنه00ا ق00الت :اإلس00تواء غ00ير
مجهول ،والكيف غير معقول ،واإلقرار به إيمان ،والجحود به كفر.
وقال اإلمام الترمذي في سننه ( :)598وق00د ق00ال غ00ير واح00د من أه00ل العلم في ه00ذا
الحديث -حديث الصدقة – وما يشبه هذا من الروايات في الصفات ،ونزول ال00رب تب00ارك
وتعالى كل ليلة إلى الس00ماء ال00دنيا ،ق00الوا :ق00د ثبتت الرواي00ات في ه00ذا ،وي00ؤمن به00ا ،وال
يتوهم ،وال يق0ال :كي0ف؟ هك0ذا روي عن مال0ك وس0فيان بن عيين0ة وعب0د هللا بن المب0ارك
أنهم ق00الوا في ه00ذه األح00اديث :أمروه00ا بال كي00ف ،وهك00ذا ق00ول أه00ل العلم من أه00ل الس00نة
والجماعة.
وق00ال ال00ذهبي في س00ير أعالم النبالء ( :)8/105والمحف00وظ 0عن مال00ك رحم00ه هللا
رواية الوليد بن مسلم أنه سأله عن أحاديث الصفات فقال :أمروها كما جائت بال تفسير.
وقال الحافظ في فتح الباري ( :)13/343وأسند البيهقي بسند صحيح عن أحمد بن
الحواري عن سفيان بن عيينة قال :كل ما وصف هللا به نفسه في كتابه فتفس00يره تالوت00ه
والسكوت عنه.
464
وقال الترمذي عند الكالم على حديث (يمين الرحمن مألى سخاء) :وهذا ح00ديث ق00د
روته األئمة ،نؤمن به كما ج00اء من غ00ير أن يفس00ر أو يت00وهم ،هك00ذا ق00ال غ00ير واح00د من
األئمة .منه الثوري ،ومالك بن أنس ،وابن عيينة ،وابن المبارك أنه ت00روى ه00ذه األش00ياء
ويؤمن بها فال يقال كيف .انتهى.
ونق00ل ابن أبي يعلى في طبق00ات الحنابل00ة ( )2/23عن أبي محم00د البربه00اري ش00يخ
الحنابلة في بغداد (ت )329وكان معاصرا لإلمام أبي حسن األشعري .أنه ق00ال :وك00ل م00ا
سمعت من اآلثار شيئا لم يبلغ0ه عقل0ك نح00و ق0ول رس00ول هللا ص00لي هللا تع0الى علي00ه وآل00ه
وسلم( :قلوب العباد بين إص00بعين من أص00ابع ال00رحمن) وقول00ه (:إن هللا ي00نزل الي س00ماء
الدنيا .وينزل يوم عرفة .وينزل يوم القيامة) .و(إن جهنم ال يزال يطرح فيه00ا ح00تى يض00ع
عليها قدمه جل ثناءه) وقول هللا تعالي للعبد (إن مشيتَ إل َّي ه َْر َو ْلتُ إليك) وقول00ه( :خل00ق
هللا آدم علي ص00ورته) وق00ول رس00ول هللا ص00لي هللا علي00ه وس00لم( :رأيت ربي في أحس00ن
صورة) وأشباه هذه األحاديث ،فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض والرضاء وال تفس00ر
شيئا من هذه بهواك ،فإن االيمان بها واجب ،فمن فس00ر ش00يئا من ه00ذه به00واه ورده فه00و
جهمي .انتهي.
وقال البيهقي في السنن الكبرى( )2/3أخبرنا أبو عبد هللا الحافظ ،ق00ال :س00معت أب00ا
محمد أحمد بن عبد هللا المزني يقول :حديث النزول قد ثبت عن رسول هللا صلى هللا عليه
وآله وسلم من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى( :وجاء رب00ك
والملك صفا صفا) والنزول والمجيء ص00فتان منفيت00ان عن هللا تع00الى من طري00ق الحرك00ة
واالنتقال من حال إلى حال ،بل هما صفتان من صفات هللا تعالى بال تشبيه ج00ل هللا تع00الى
عما تقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا .قلت -القائل ال00بيهقي : -وك00ان أب00و
سليمان الخطابي رحمه هللا تعالى يقول :إنما ينكر هذا وما أش00بهه من الح00ديث من يقيس
األمور في ذلك بم0ا يش0اهده من ال0نزول ال0ذي ه0و ت0دل من أعلى إلى أس0فل ،وانتق0ال من
فوق إلى تحت ،وهذه صفة األجسام واألشباح.
فأما نزول من ال تستولي علي00ه ص00فات األجس00ام ف00إن ه00ذه المع00اني غ00ير متوهم00ة،
وإنم00ا ه00و خ00بر عن قدرت00ه تع00الى ورأفت00ه بعب00اده ،وعطف00ه عليهم ،واس00تجابته دع00ائهم،
ومغف00رتهم 0لهم .يفع00ل م00ا يش00اء .ال يتوج00ه على ص00فاته كيفي00ة ،وال على أفعال00ه كمي00ة.
سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.
ه00ذه النص00وص ال00واردة عن س00لف األم00ة وهي غيض من فيض وقلي00ل من كث00ير
بعضها ظاهر ،وبعضها اآلخر صريح في أن السلف كان مذهبهم التفويض .وهو الصرف
عن المعنى الحقيقي بدون تعيين للمعنى المجازي أو المعنى الكنائي ،فإن ما نقله ال00ذهبي
عن اإلمام المالك من أنه قال ( :أمروها كما جاءت بال تفسير) صريح في ذلك .وكذلك م00ا
نقله الحافظ العسقالني عن سفيان بن عيينة أنه قال :ك00ل م00ا وص00ف ب00ه نفس00ه في كتاب00ه
فتفسيره تالوته ،والسكوت عنه ،ومثل00ه كالم البربه00اري ،وذل00ك ألن00ه حكم أوال ب00أن ه00ذه
النصوص ال تبلغها العق0ول ،ثم حكم بوج0وب التص0ديق والتف0ويض له0ا ،وع0دم تفس0رها.
وكذلك ما نقله ال00بيهقي عن أحم00د بن عب00د هللا الم00زني ،وذل00ك حيث نفي المع00نى الحقيقي0
لل00نزول والمجيء بقول00ه :وال00نزول والمجيء ص00فتان منفيت00ان عن هللا تع00الى من طري00ق
465
الحركة واالنتقال من حال إلى حال ،ثم فوض المعني المراد إلي هللا تعالى بقوله :ب00ل هم00ا
صفتان من صفات هللا تعالى بال تشبيه.
وتعبير البربهاري عن كل من المجيء والنزول بالصفة جار على طريقة فري00ق من
السلف منهم اإلمام أبو حنيفة في “ الفقه األك00بر “ واإلم00ام أب00و الحس00ن األش00عري في “
اإلبانة “ يعبرون عن مثلها بالصفات ،فيقولون :يد هللا صفة له وعينه صفة ل00ه ،وهك00ذا
كل ما ورد في الكتاب والسنة مم00ا يك00ون حمل00ه على حقيقت00ه مفض00يا إلى التش00بيه المنفي
بقوله تعالى (ليس كمثله شيء) ،فمن ق0ال من الس0لف إن العين والي0د ص0فتان ت0برأ به0ذا
القول عن القول بالجارحة ،بل يكون ق0ائال ب0أن الم0راد مع00نى ق0ائم باهلل ،وك00ذلك الي00د لكن
يقول ال أعين ذلك المعنى المراد ،بأن أق00ول :إن00ه الحف00ظ أو الق00درة أو النعم00ة ،أو العناي00ة
الخاص00ة ،لك00ون تع00يين الم00راد من بين المحتمالت الموافق00ة للتنزي00ه تحكم على م00راد هللا
تعالى.
وتسميته لهما صفتين يدل على أنه جازم بأنهما ليسا من قبيل أجزاء ال00ذات تع00الى
هللا عن ذلك
وأما من قال :له ي0د يبطش به00ا ،وعين ي0رى به0ا فق00د جعلهم0ا من قبي00ل الج0وارح،
وخالف السلف الصالح.
نعم قد يقع في كالم من يميل إلى التش00بيه ذك00ر الوج00ه والعين والي00د وغيره00ا بأنه00ا
صفات ،لكن السياق والسباق في كالمه يناديان أنهم أرادوا به00ا أج00زاء ال00ذات ال المع00اني
القائمة باهلل تعالى كما يقول السلف .يقول ابن تيمية في األجوبة المص00رية :إن هللا يقبض
السموات واألرض باليدين اللتين هما اليدان .فما يجدي بعد هذا التصريح أن يس00مى الي00د
صفة ،وذلك أنه حمل القبض على القبض الحسين ،وذلك من لوازم الجارحة والتجسيم.
وأم00ا م00ا نقل00ه ال00بيهقي عن الخط00ابي فج00ار على طريق00ة الت00أول حيث عين المع00نى
المجازي بقوله :وإنما هو خبر عن قدرته تعالى ورأفته بعباده وعطفه عليهم واس00تجابته
دع00ائهم .وه00ذا م00ا ذهب إليهم فري00ق من المحققين كت00اج ال00دين الس00بكي وس00عد ال00دين
التفتازاني والسيد الشريف الجرجاني من أن هذه النصوص من قبي00ل االس00تعارة المركب00ة
ويسمونها باالستعارة التمثيلي00ة ،وبالتمثي00ل ،وي00دل علي00ه كالم اإلم00ام تقي ال00دين الس00بكي
الذي أوردناه آنفا.
وأم00ا م00ا ذهب إلي00ه بعض من يمي00ل إلى التش00بيه من أن م00ذهب الس00لف في ه00ذه
النصوص هو بقاؤها على معانيها الحقيقي00ة م00ع نفي الكيفي0ة 0عنه00ا .فه00ذا الق00ول مخ00الف
لصريح كالم السلف .ثم إنه كالم فاسد في نفسه ومتناقض.
وذلك ألن المعاني الحقيقية 0لهذه النصوص هي المعاني المعروف00ة المكيف00ة .ف00القول
ببقائها على معانيها الحقيقية مع نفي الكيفية عنها كالم متناقض ينقض نفسه بنفسه.
قال اإلمام تقي الدين السبكي في السيف الصقبل ( )167في مع0رض ال0رد على من
قال إن هذه النصوص مع بقائها على معانيها الحقيقي 0ة 0هي أوص00اف وليس00ت عب00ارة عن
األجزاء والجوارح :
466
قال :وهذه األش00ياء ال00تى ذكرناه00ا (من الوج00ه ،والي00د ،والس00اق ،والق00دم ،والجنب،
والعين) هي عند أهل اللغة أجزاء ال أوصاف ،فهي صريحة في ال00تركيب لألجس00ام ،ف00ذكر
لفظ األوصاف تلبيس ،وكل أهل اللغة ال يفهمون من الوجه ،والعين ،والق00دم إال األج00زاء،
وال يفهم من االس00تواء بمع00نى القع00ود إال أن00ه هيئ00ة المتمكن ،وال من المجيء واإلتي00ان
والنزول إال الحركة الخاصة بالجسم.
وأم00ا المش00يئة والعلم والق00درة ونحوه00ا فهي ص00فات ذات ،وهي فين00ا ذات أم00رين:
أحدهما عرض قائم بالجس00م ،وهللا تع00الى م00نزه عن00ه والث00اني :المع00اني المتعلق00ة ب00المراد
والمعل00وم 0والمق00دور ،وهي الموص00وف به00ا ال00رب س00بحانه وتع00الى ،وليس00ت مختص00ة
باألجسام .فظهر الفرق .انتهى.
فالقول بأن هذه النصوص باقية على معانيها الحقيقية يلزمه التجس00يم لزوم00ا بين00ا،
وال ينجي صاحبه من التجسيم القول بنفي الكيفية ،وال القول بأنها صفات وليس00ت عب00ارة
عن الجوارح واألبعاض ألنه بعد القول ببقائها على معانيها الحقيقية 0لم يبق مع0نى للق00ول
بنفي الكيفية وال للقول بأنها صفات .وحينئذ ينطبق على ه00ذا الق00ول م00ا قال00ه اإلم00ام فخ00ر
الدين الرازي في تفسيره ( )7/148حيث قال :من قال :إنه مركب من األعضاء واألجزاء
فإما أن يثبت األعضاء التي ورد ذكرها في القرآن ،وال يزيد عليه00ا ،ف00إن ك00ان األول ل00زم
إثبات صورة ال يمكن أن ي00زاد عليه00ا في القبح ،ألن00ه إثب00ات وج00ه بحيث ال يوج00د من00ه إال
رقعة الوجه لقوله تعالى ( كل شيء هالك إال وجهه) (القصص .)88ويلزمه أن يثبت في
تلك الرقعة عيونا كثيرة لقول00ه تع0الى( :تج00ري بأعينن00ا) ( القم0ر )14وأن يثبت ل0ه جنب0ا
واحدا لقوله تعالى( :يا حسرتا على ما ف00رطت في جنت هللا) (الزم00ر .)56وأن يثبت على
ذلك الجنب أيدي كث00يرة لقول0ه تع0الى( :مم0ا عمل00ة أي0دينا أنعام00ا) (يس .)71وبتق0دير أن
يكون له يدان فإنه يجب أن يك00ون كالهم00ا على ج00انب واح00د لقول00ه ص00لى هللا علي00ه وآل00ه
وسلم ( :وكلتا يديه يمين) وأن يثبت له ساقا واحدا لقوله تعالى( :يوم يكش00ف عن س00اق)
(القلم .)42فيكون الحاصل من هذه الصورة مج00رد رقع00ة الوج00ه ،ويك00ون عليه00ا عي00ون
كثيرة وجنب واحد ويكون عليها أيد كثيرة وساق واحد.
ومعلوم أن هذه الصورة أقبح الصور ،ولو كان هذا عبدا لم يرغب أح00د في ش00رائه.
فكيف يقول عاقل :إن رب العلمين موصوف بهذه الصورة؟
وإن ك00ان الث00اني وه00و أن ال تقتص00ر على األعض00اء الم00ذكورة في الق00رآن ب00ل يزي00د
وينقص على وفق التأويالت ،فحينئذ يبطل مذهبه في الحمل على مجرد الظ00واهر ،وال ب00د
له من قبول دالئل العقل .انتهى.
فالحق هو التوسط بين الظاهرية والغلو في التأويل .قال اإلمام ابن عقي00ل الحنبلي:
هل00ك اإلس00الم بين ط00ائفتين الباطني00ة والظاهري00ة ،والح00ق بين المنزل00تين .وه00و أن نأخ00ذ
بالظاهر ما لم يصرف عنه دليل ،ونرفض كل باطن ال يشهد به دليل من أدلة الشرعي.
467
األمر الثاني :بيان أن التأويل ليس خاصا بمذهب الخلف وبي00ان أن فريق00ا من س00لف
األم00ة ق00د أول مجموع00ة من النص00وص إم00ا لمخالفت00ه لص00رائح العق00ول ،أو لمخالفت00ه
للنصوص المحكمات.
وذلك ألن أصل التأويل أمر ضرري ال بد منه ف00إن من النص00وص م00ا ال يمكن حمل00ه
على المعنى الذي وضع اللفظ له إما لمخالفت00ه لص00رائح العق00ول ،أو لمخالفت00ه للنص00وص
المحكمات ،وقد اقترن به قرينة تعين المعنى المستعمل في00ه المناس00ب للمع00نى الموض00وع
له ،فمثل هذه النصوص ال وج00ه للتوق00ف فيه00ا ويتعين حمله00ا على المع00اني ال00تي تعينه00ا
القرائن ،وهذا هو مع00نى ق00ول اإلم00ام ابن دقي00ق العي00د الس00ابق( :وم00ا ك00ان منه00ا –أي من
النصوص – معناه ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب حملناه علي00ه ،كقول00ه تع00الى ( :على
ما فرطت في جنب هللا) فإن معناه في استعمالهم الش00ائع :ح00ق هللا ،فال يتوق00ف في حمل00ه
عليه) إلى آخر كالمه.
فالتأويل قد يكون متعينا كما قد يكون جائزا وقد يكون ممتنعا ،وق00د ذكرن00ا ش00رائطه
آنفا.
وقد غال في باب التأويل فريقان :فريق غلق باب التأويل وسد الطري00ق على العق00ل
وهم المشبهة ظاهرية العقيدة ،وفريق آخر غال في التأويل ،وقلد المعتزل00ة في ت00أويالتهم
التي بدَّعهم السلف من أهل الس00نة من أجله00ا ،وهم كث00ير من مت00أخري األش00اعرة ،وخ00ير
األمور أوسطها وهو ما ذهب إليه اإلمام ابن دقيق العيد.
ومن أجل أن أصل التأويل أمر ض00روري الب00د من00ه أول فري00ق من س00لف األم00ة بم00ا
فيهم بعض الصحابة والتابعين مجموعة من نصوص الكتاب والسنة وإليك مجموع00ة من
هذه التأويالت.
تأويل حبر األمة عبد هللا بن عباس رض0ي هللا تع0الى عنهم0ا :أول ابن عب0اس قول0ه
تعالى( :يوم يكشف عن ساق) القلم .42فقال :يكشف عن شدة ،فأول الكشف عن الس0اق
بكشف الشدة ،نقل ذلك عنه بسند صحيح الحافظ العس00قالني في فتح الب00اري (.)13/428
واإلمام الطبري في تفسيره ( .)29/38وقال في صدر كالمه على هذه اآلية :قال جماع00ة
من الصحابة والتابعين من أهل التأويل :يبدو عن أمر ش00ديد .فنس00ب التأوي00ل إلى جماع00ة
من الصحابة والتابعين.
وأ َّول ابن عباس رضي هللا تعالى عنهما األيد في قوله تعالى (والسماء بنيناها بأي00د
وإنا لموسعون) الذاريات .47بالقوة نقله الطبري في التفسير ( )27/7ونقل هذا التأوي00ل
عن جماعة من أئمة السلف منهم مجاهد وقتادة ومنصور وابن زيد وسفيان فالي00د مف00ردا
كان أو مثنى كما في قوله تعالى( :لما خلقت بيدي) أو جمعا كما هنا يفسر بالقوة والقدرة
مف00ردا .وال يفس00ر المث00نى بالق00درتين وال الجم00ع بالق00درات كم00ا قي00ل ،فق00د ورد في ح00ديث
يأجوج وماجوج( :ال يدان ألحد بهم) ومعناه ال قوة ألحد بقتالهم ومقاومتهم0.
468
وأول ابن عباس رضي هللا عنهما النسيان ال00وارد في قول00ه تع00الى (ف0اليوم ننس00اهم
كما نسوا لقاء يومهم هذا )األعراف .15بالترك في الع00ذاب .نقل00ه الط00بري في تفس00يره (
)8/201وروى هذا التأويل بأسانيده عن مجاهد وغيره.
روي األمام البيهقي في كتابه من0اقب اإلم0ام أحم0د وه0و كت0اب مخط0وط وعن0ه نق0ل
الحافظ ابن الكثير في البداية والنهاية :فقال :روي البيهقي عن الح00اكم عن أبي عم00ر بن
السماك عن حنبل ان أحمد بن حنبل تأول قوله تع00الي ( :وج00اء رب00ك) أن00ه ج00اء ثوب00ه ،ثم
قال البيهقي :وهذا إسناد ال غبار عليه (.)10/327
وقال ابن الكثير في البداية والنهاية ( :)10/327ومن طريق أبي الحسن الميم00وني
عن أحمد ين حنبل أنه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى( :ما يأتيهم من ذك00ر
من ربهم محدث إال استمعوه 0وهم يلعبون) قال :يحتمل أن يكون تنزيله إلينا ه00و المح00دث
ال الذكر نفسه هو المحدث.
وهو اإلمام الحافظ اللغوي من رجال الستة .ولد (122هـ) ذك00ر الحاف00ظ ال00ذهبي في
األسماء والصفات ( )444أن النضر بن شميل قال :إن معنى حديث( :ح00تى يض00ع الجب00ار
قدمه فيها) من سبق في علمه أنه من أهل النار.
ذك0ر ال0ذهبي في س0ير أعالم النبالء ( :)7/274أن مع0دان س0أل اإلم0ام الث0وري عن
قوله تعالى( :وهو معكم 0أينم00ا كنتم) فق00ال :علم00ه ،وس00ئل س00فيان عن أح00اديث الص00فات،
فقال :أمروها كما جاءت.
روى البخاري عن سفيان بن محرز عن ابن عمر رضي هللا عنهم00ا ق00ال :بينم00ا أن00ا
أمشى معه إذ جاء رجل فقال :يا ابن عمر كيف س00معت رس00ول هللا ص00لى هللا علي00ه وس00لم
ي00ذكر في النج00وى؟ ق00ال :س00معته يق00ول :ي00دنو من رب00ه ح00تى يض00ع علي00ه كنف00ه...ثم 0ق00ال
البخاري :قال ابن المبارك كنفه يعنى س00تره .رواه البخ00اري في خل00ق أفع00ال العب00اد ()61
ونقله الحافظ في فتح الباري (.)13/477
469
روى الترمذي في جامعه الحديث المشهور( :أنا عن00د ظن عب00دي بي ....وإن أت00اني
يمشي أتيته هرولة) ثم قال :هذا ح00ديث حس00ن ص00حيح ،وي00روى عن األعمش في تفس00ير
هذا الحديث (من تقرب منى شبرا تق00ربت من00ه ذراع00ا) يع00نى ب00المغفرة والرحم00ة ،وهك00ذا
فسر بعض أهل العلم هذا الحديث ،قالوا :إنما معناه :يق00ول :إذا تق00رب إلي العب00د بط00اعتى
وبما أمرت ،تسارع إليه مغفرتي ورحمتي (تحفة األحوذي .)10/64
وما ذكرناه هنا هو حاصل مذاهب علماء األمة وأئمتها من السلف والخلف في ب00اب
الصفات وباب التأويل محققا محررا.
470
مقدمة المعلق
ترجمة مؤلف جوهرة التوحيد الشيخ إبراهيم اللقاني -2
ترجمة الشارح الشيخ إبراهيم الباجوري -3
مقدمة المؤلف -4
ما يتعلق بالبسملة -5
ما يتعلق بالحمد والصالة والسالم -6
الالم في الحمد هلل هل هي للجنس أو لالستغراق -7
هل ينتفع األنبياء بالصالة عليهم -8
مجيء النبي على فترة من الرسل -9
تعريف النبي والرسول والكالم عليهما -10
تعريف التوحيد لغة واصطالحا وشرعا -11
مبادي علم التوحيد -12
أئمة علم التوحيد،وبيان أن أهل السنة متفقون في أصول العقائد -13
وأن معظم علماء األمة من األش00اعرة والماتري00دة وأول من ص0نف
في علم التوحيد
تعريف الدين -14
أمهات أمور الدين أربعة -15
تعريف الحق والباطل -16
معاني لفظ الرب -17
471
تعريف الصحابي -18
معنى كلمة (وبعد) وأحكامها -19
وجوب معرفة العقيدة بالدليل اإلجمالي أو التفصيلي -20
تحقيق دليل االمكان ودليل الحدوث -21
مسمى أسما الكتب والتراجم -22
مقدمة الكتاب
وهي القسم األول من مباحث الفن
وجوب معرفة ما يجب هلل تعالى وما يجوز عليه وما يمتنع عليه -23
تعريف التكليف -24
شروط التكليف -25
هل يكفي في التكليف بالعقائد بلوغ دعوة أي نبي؟ -26
نجاة والدي المصطفي واالستدالل على ذلك -27
وجوب معرفة هللا تعالى بالشرع ال بالعقل -28
تحقيق مسالة تحكيم العقل ومسألة الحسن والقبح -29
تقسيم صفات هللا باعتبار دليلها إلى ثالثة أقسام -30
حكم التقليد في العقيدة -31
الخالف في حكم إيمان المقلد -32
المراد بالتقليد هنا مقابل النظر في الدليل -33
تحقيق مسألة أول الواجبات على المكلف -34
أول الواجبات على المكلف هو المعرفة -35
أقوال العلماء في أول الواجبات على المكلف -36
االستدالل على وجود هللا تعالى بالنظر في اآلفاق وفي األنفس -37
تعريف النظر -38
دالئل امتناع قيام الحوادث باهلل تعالى وما هو الح00ادث ال00ذي يمتن00ع -39
قيامه باهلل تعالى؟
دالئل حدوث العالم -40
472
اإليمان هو التصديق القلبي -41
اإليمان باألنبياء والمالئكة إجماال وتفصيال -42
الخالف في النطق بما يدل على التصديق القلبي -43
هل يشترط في النطق لفظ الشهادتين وترتيبهما؟ -44
اشتراط النطق هل هو في صحة اإليمان أم في اجراء األحكام -45
الدنيوية
مذهب 0المعتزلة والخوارج في العمل -46
االستدالل لمذهب 0أهل السنة -47
معنى اإل سالم ،والنسبة بينه وبين اإليمان -48
هل يزيد اإليمان وينقص -49
القسم الثاني من مباحث الفن اإللهيات -50
الصفة النفسية هلل تعالى ،وهي الوجود -51
حقيقة الدور والتسلسل وبيان استحالتهما -52
تقرير برهان التطبيق وإيراد دالئل أخرى على بطالن التسلسل -53
وحدة الوجود -54
-55بيان مذهب من قال بعدم زيادة الوجود على الذات ،ومذهب من قال
بزيادته
الصفات السلبية هلل تعالى -56
القدم هلل تعالى -57
القديم واألزلي -58
البقاء هلل تعالى -59
مخالفة هللا للحوادث -60
قيام هللا تعالى بنفسه -61
وحدانية هللا تعالى -62
الوحدانية تنفى كموما خمسة -63
تقرير برهان التمانع -64
473
تنزه هللا تعالى عن الضد والشبه والشريك والوالدين واألصدقاء -65
صفات المعاني هلل تعالى -66
قدرة هللا تعالى -67
إرادة هللا تعالى -68
مغايرة اإلرادة لألمر والعلم والرضى -69
علم هللا تعالى -70
بيان قول الفالسفة إن هللا ال يعلم الجزئيات -71
هل العلم اإلجمالي ثابت هلل تعالى -72
حياة هللا تعالى -73
كالم هللا تعالى -74
سمع هللا -75
بصر هللا تعالى -76
هل هلل تعالى صفة تسمى باإلدراك -77
ثبوت صفة التكوين هلل تعالى وقيامها به تعالى -78
بيان أن التكوين الذي قال به الماتريدية بمعنى مبدأ األفعال ،ال -79
بمعنى القدر المشترك بين األفعال
الحال واألمور االعتبارية -80
معنى قول المعتزلة :إن صفات هللا تعالى عين ذاته -81
صفات هللا الثبوتية ليست عينه وال غيره -82
هل صفات هللا واجبة لذاتها أو ممكنة واجبة لذات هللا تعالى -83
بيان فساد كل من القولين -84
قدرة هللا تعالى تتعلق بالممكن فقط بال تناهي ما تعلقت به -85
ومثل القدرة فيما ذكر اإلرادة -86
علم هللا تعالى يتعلق بالممكنات والواجبات والمستحيالت -87
الترتيب في تعلق العلم واإلرادة والقدرة -88
كالم هللا تعالى متعلق بالممكنات والواجبات والمستحيالت -89
474
سمع هللا تعالى وبصره وإدراكه تتعلق بالموجودات فقط -90
الدليل على أن السمع والبصر ليسا عبارتين عن العلم بالمسموعات -91
والمبصرات
أسماء هللا تعالى وصفاته قديمة -92
المختار أن إثبات األسماء والصفات هلل توقيفي -93
حكم إطالق الصانع والقديم والذات ونحوها على هللا تعالى -94
الصفات المتشابهة -95
ال يجوز تأويل النصوص إال بأربعة شروط -96
نزول هللا تعالى إلى السماء الدنيا -97
القرآن كالم هللا قديم -98
القرآن متلو بألسنتنا محفوظ في صدورنا مكتوب في مصاحفنا -99
غير
حال فيها
محنة خلق القرآن وممهداتها -100
- 101مسألة اللفظ:
-102معنى إنزال القرآن
الممتنع على هللا تعالى -103
الجائز على هللا تعالى -104
-105هللا تعالى خالق للعبد ولعمله
القدرية إذا سلموا العلم خصموا -106
-107بيان مذهب الباقالني ومذهب الماتريدية
-108معنى التوقيف والخالف فيه
الخالف في جواز تخلف الوعيد من هللا تعالى -109
-110مقالة تاج الدين السبكي في اثبات الكسب
-111للعبد كسب غير مؤثر في فعله عند أهل السنة وبيان المذاهب
في ذلك
475
-112تعريف الكسب
إثابة هللا تعالى الطائع بفضله وعقابه العاص بعدله -113
-114ال يجب على هللا تعالى الصالح واألصلح للعباد
-115ما يجوز على هللا تعالى
قال أهل السنة إن هللا تعالى يريد الخير والشر ،وقالت المعتزلة -116
ال يريد إال الخير
-117وجوب اإليمان بالقضاءوالقدر
-118الرضا بالقضاء والقدر
-119االحتجاج بالقضاء والقدر
-120تعريف كل من القضاء والقدر
-121من الجائز على هللا تعالى أن ينظر باألبصار
-122يرى هللا تعالى بال كيفية وال تحيز وال انحصار
-123محل رؤية هللا تعالى الجنة وعرصات القيامة
- 124المختار أن النبي صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم رأى ربه ليلة
اإلسراء
القسم الثالث من الفن النبويات
-125من الجائز على هللا تعالى إرسال الرسل
-126ما يجب لألنباء من الصفات
-127يجب لألنباء األمانة
-128يجب لألنباء الصدق
-129وجوب الفطانة لألنبياء
-130يجب لألنباء التبليغ
الممتنع على األنبياء -131
-132ما يجوز على األنبياء
-133ما يجوز ويمتنع على األنبياء من األعراض البشرية
476
جمع الشهادتين لعقائد اإلسالم وبيان ذلك -134
النبوة غير مكتسبة -135
أفضل الخلق نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم -136
-137أفضل الخلق بعد نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم
األنبياء ،ويليهم المالئكة
طريقة الماتريدية في التفاضل بين البشر والمالئكة -138
-139قد أيد هللا تعالى أنبيائه بالمعجزات
- 140تعريف المعجزة والفرق بينها وبين غيرها من خوارق العادات
-141يجب لألنبياء والمالئكة العصمة
-142محمد صلى هللا تعالى عليه وسلم خاتم األنبياء ومرسل إلى الناس
كافة
-143شريعة محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ال تنسخ بغيرها
-144شريعة محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم قد نسخت
الشرائع المتقدمة عليها
-145يجوز نسخ بعض شرع نبينا بالبعض
أقسام النسخ -146
ومعجزات نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم كثيرة -147
جملة من معجزات نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم -148
-149اإلسراء والمعراج
-150تبرئة أم المؤمنين عائشة من اإلفك
القسم الرابع من الفن السمعيات وتوابعها
أفضل القرون قرن الصحابة -151
أفضل األمة بعد الصحابة التابعون فتابعوهم -152
أفضل الصحابة الخلفاء الراشدون -153
-154فضل العشرة المبشرة
477
-155فضل أهل بدر
-156قصة غزوة بدر
-157فضل أهل أُ ُحد وقصة وقعته
-158فضل أهل بيعة الرضوان وقصتها
-159فضل السابقين األولين ،ومن هم
-160يجب تأويل التشاجر الذي جرى بين الصحابة عند الخوض فيه
-161ما ورد من األحاديث في األئمة األربعة
- 162يجب على غير المجتهد تقليد أحد األئمة ،وبيان شرائط االجتهاد
-163يجب اعتقاد ثبوت الكرامات لألولياء
-164مذهب أهل السنة أن الدعاء ينفع
-165شروط الدعاء وآدابه
-166وكل بكل عبد مالئكة حافظون وكاتبون ألعماله
-167محاسبة النفس
اإليمان بالموت -168
المقتول ميت بإنقضاء عمره -169
-170هل تفنى النفس عند النفخ
-171هل يفنى عجب الذنب عند النفخ
االمساك عن الخوض في الروح -172
االمساك عن الخوض في العقل -173
أنواع العقل -174
-175يجب اإليمان بالسؤال في القبر وبنعيمه وعذابه وبالبعث
-176كيفية السؤال في القبر
-177من اليسأل في قبره
-178هل يعاد البدن عن عدم أو عن تفريق
-179ال تأكل األرض أجسام األنبياء والشهداء والعلماء العاملين
478
-180في إعادة األعراض قوالن
الحساب حق -181
-182يجزى العبد على السيآت بالمثل ،وتضاعف له الحسنات
-183تغفر صغائر المؤمن بإجتنابه للكبائر
اليوم اآلخر وهول الموقف حق -184
-185عالمات الساعة ووجوب اإليمان بها
أخذ العباد الصحف حق -186
الوزن والميزان حق -187
-188والموزون قيل هي كتب األعمال ،وقيل هي األعمال نفسها
الصراط حق والناس مختلفون في المرور عليه -189
-190والعرش والكرسي والقلم والكاتبون واللوح حق
الجنة والنار حق ،وهما موجوداتان اآلن -191
الجنة والنار دارا خلود -192
-193يجب اإليمان بالحوض
-194شفاعة نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم حق
-195ويشفع غير نبينا محمد -صلى هللا تعالى عليه وسلم -من األخيار
-196مذهب أهل السنة أن العاصي مفوض إلى ربه
-197يجب تعذيب بعض العصاة
الشهداء أحباء عند ربهم يرزقون -198
- 199والرزق عند أهل السنة ما انتفع المرأ به وإن كان حراما
اختلف في أيهما أفضل االكتساب أو التوكل -200
-201مذهب أهل السنة أن المعدوم ليس بشيء وال تقرر له في الخارج
حقائق األشياء ثابتة -202
-203وجود الشيء عينه
الجوهر الفردموجود حادث -204
479
الذنوب قسمان كبائر وصغائر -205
-206تجب التوبة من الذنوب
-207يجب على العائد إلى الذنب الذي تاب منه تجديد توبته
-208هل قبول التوبة قطعي أو ظني
حفظ الكليات الست -209
حفظ الكليات الست -209
-210يكفر من أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة
-211يكفر من جحد أمرا مجمعا له معلوم من الدين بالضرورة
-212يجب على األمة نصب إمام عادل وما يتعلق بذلك
-213يجب على األمة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر
-214شرائط األمر بالمعروف والنهي عن المنكر
-215ذم النميمة
الصور التى تباح فيها الغيبة -216
-217ذم العجب
-218ذم الكبر
-219دواء الكبر
-220ذم الحسد
-221دواء الحسد
-222ذم المراء
-223ذم الجدل
طلب التخلق باألخالق الحميدة -224
طلب إتباع السلف واجتناب ابتداع الخلف -225
480