You are on page 1of 480

‫شرح‬

‫جوهرة التوحيد‬
‫للعالمة الشيخ إبراهيم اللقاني‬

‫المسماة‬
‫تحفة المريد‬
‫تأليف العالمة‬
‫الشيخ إبراهيم بن محمد الباجوري‬

‫تعليق‬
‫محمد صالح بن أحمد الغرسي‬

‫‪1‬‬
‫‪{ -1‬مقدمة المعلق}‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل رب الع‪0‬المين‪ ،‬والص‪0‬الة والس‪0‬الم على س‪0‬يدنا محم‪0‬د وعلى آل‪0‬ه وص‪0‬حبه‬
‫أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فهذه تعليقات على شرح العالمة الب‪00‬اجوري لج‪00‬وهرة التوحي‪00‬د ‪ ،‬معظمه‪00‬ا‬
‫تحقيقات لمسائل عويصة من مس‪00‬ائل علم الكالم‪ ،‬وق‪00‬د أتت مجموع‪00‬ة من ه‪0‬ذه التحقيق‪00‬ات‬
‫ففض‪0‬لنا أن ال ن‪00‬درجها ض‪00‬من الكت‪00‬اب‪ ،‬ورأين‪00‬ا أن‬
‫ّ‬ ‫مطولة بصورة رسائل وأبحاث مستقلة‪،‬‬
‫نجعلها مالحق تلحق بآخر الكتاب‪.‬‬
‫وقسم من هذه التعليقات انتقادات لكالم الباجوري‪.‬‬
‫ثم أض‪00‬فت إلى عملي ه‪00‬ذا تخ‪00‬ريج األح‪00‬اديث ال‪00‬واردة في الكت‪00‬اب وجعلت ألبحاث‪00‬ه‬
‫عناوين‪.‬‬
‫ون‪00‬ود أن ننب‪00‬ه هن‪00‬ا على أن الن‪00‬اظم ‪-‬كغ‪00‬يره من الم‪00‬ؤلفين في العقائ‪00‬د‪ -‬ق‪00‬د قس‪00‬م‬
‫المقصود من هذه المنظومة إلى أربعة أقسام‪ ،‬لكن ب‪00‬دون أن يعن‪00‬ون له‪00‬ا بعن‪00‬اوين‪ :‬مبحث‬
‫اإللهيات‪ ،‬ومبحث النبويات‪ ،‬ومبحث السمعيات وتوابعها‪ ،‬والقسم الآلخ‪00‬ر مس‪00‬ائل متعلق‪00‬ة‬
‫بالعقيدة ال تخص قسما من األقسام الثالثة كمسألة وجوب معرفة م‪00‬ا ه‪0‬و واجب هلل تع‪00‬الى‬
‫وما هو ممتنع عليه وما هو جائز عليه‪ ،‬ومثل ذلك لرس‪00‬له‪ ،‬ومس‪00‬ألة التقلي‪00‬د في العقي‪00‬دة‪،‬‬
‫ومسألة أول الواجبات على المكلف ما هو‪ ،‬وتعريف اإليم‪00‬ان واإلس‪00‬الم‪ ،‬وأن اإليم‪00‬ان ه‪00‬ل‬
‫يزيد وينقص‪ ،‬فجعل الناظم هذه المسائل قسما على حدة‪ ،‬وجعله‪00‬ا مقدم‪00‬ة لكتاب‪00‬ه‪ ،‬وبعض‬
‫المؤلفين في العقيدة جعلها خاتمة لكتابه‪،‬‬
‫فعملت لهذه األقسام األربعة عناوين أصلية تتفرع عنها العناوين األخرى‪ ،‬وبهذا يكون‬
‫الكتاب ما عدى ديباجته منقسما إلى أربعة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬المقدمة‪.‬‬
‫القسم الثانى‪ :‬مبحث اإللهيات‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬مبحث النبويات‪.‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬مبحث السمعيات وتوابعها‪.‬‬
‫هذا هو عملي المتواضع الذي قمت به في خدمة هذا الكتاب الذي كتب له االنتشار‬
‫والنفع في العالم اإلسالمي عامة‪.‬‬
‫ومن أجل أنه عمل إنساني‪ ،‬الب‪00‬د أن ال يخل‪00‬و من العي‪00‬وب والنق‪00‬ائص‪ ،‬ف‪00‬إن الكم‪00‬ال‬
‫المطلق إنما هو هلل تعالى ولكتابه‪ ،‬والعصمة لرسله وأنبيائه‪.‬‬
‫من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط‪.‬‬
‫عليه جبريل هبط‬ ‫محمد الهادي الذي‬
‫ويوج‪00‬د على النس‪0‬خ المطبوع‪0‬ة ق‪0‬ديما من ه‪00‬ذا الش‪0‬رح تعليق‪00‬ات لألجه‪0‬وري‪ ،‬وق‪00‬د‬
‫أبقيت قسما منها مع نسبتها إليه‪.‬‬
‫وق‪00‬د اتفقت م‪00‬ع األخ النبي‪00‬ل‪ :‬راتب موف‪00‬ق قنط‪00‬ار ص‪00‬احب دار الف‪00‬ارابي للنش‪00‬ر‬
‫والتوزيع في دمشق الشام ‪-‬وفقه هللا تعالى إلى ما فيه خ‪0‬ير ال‪00‬دنيا واآلخ‪0‬رة‪ -‬على طباع‪0‬ة‬
‫هذا الكتاب ونشره‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وهللا تعالى أس‪00‬أل أن يوفق‪00‬ه إلخراج‪00‬ه بأحس‪00‬ن ص‪00‬ورة‪ ،‬وأبهى حل‪00‬ة‪ ،‬وأن يعمم ب‪00‬ه‬
‫النفع‪.‬‬
‫وأن يوفق‪00‬ني لم‪00‬ا يحب‪00‬ه ويرض‪00‬اه وأن يرزق‪00‬ني الني‪00‬ة الطيب‪00‬ة والعم‪00‬ل الص‪00‬الح‪،‬‬
‫والخاتمة الحسنة‪ ،‬إنه على كل شيء قدير وباإلجابة جدير‪ ،‬وهو حسبي ونعم الوكيل‪.‬‬
‫محمد صالح بن أحمد الغرسي‪ /‬دمشق‬
‫‪ 7‬شهر جمادى اآلخرة سنة ‪1425‬هـ‬
‫الموافق ‪ 24‬تموز سنة ‪2004‬م‬

‫‪3‬‬
‫‪{ -2‬ترجمة مؤلف جوهرة التوحيد الشيخ إبراهيم اللقاني}‬
‫هو أبو األمداد برهان الدين إب‪00‬راهيم بن حس‪00‬ن بن علي بن عب‪00‬د الق‪00‬دوس الم‪00‬الكي‬
‫اللقاني نسبة إلى “لقانة “ قرية من قرى مصر مركز شبراخيت مديرية البحيرة‪.‬‬
‫كان أحد األعالم‪ ،‬وأئم‪00‬ة اإلس‪00‬الم‪ ،‬المش‪00‬ار إليهم بس‪00‬عة االطالع‪ ،‬وط‪00‬ول الب‪00‬اع في‬
‫علم الحديث‪ ،‬والتبحر في األحكام‪ ،‬وإليه يرجع في المشكالت والفتاوى‪ .‬وك‪00‬ان من أرب‪00‬اب‬
‫األحوال والكشف‪ ،‬وكان مهابا ً جداً ال يكلمه إال القلي‪00‬ل من الن‪00‬اس م‪0‬ع انقط‪0‬اع ت‪0‬ردده على‬
‫الحكام‪ ،‬وكانت له مزايا وكرامات باهرة‪.‬‬
‫أخ‪00‬ذ عن أعالم‪ :‬منهم‪ :‬ص‪00‬در ال‪00‬دين المين‪00‬اوي‪ ،‬وعب‪00‬د الك‪00‬ريم ال‪00‬برموني‪ ،‬وس‪00‬الم‬
‫السنهوري‪ ،‬ويحيى القرافي‪ ،‬وأبو العب‪00‬اس أحم‪00‬د ع‪00‬رب الش‪00‬رنوبي‪ ،‬وك‪00‬ان ش‪00‬يخ التربي‪00‬ة‬
‫والتصوف‪ .‬أخذ عنه الكثير منهم‪:‬ابنه عبد السالم‪،‬والخرشي‪،‬وعبد الباقي‪ ،‬والشبراخيتي‪،‬‬
‫ويوسف الفيشي‪ ،‬وتاج الدين المكي‪.‬‬
‫له تآليف نافعة منها‪:‬‬
‫جوهرة التوحيد أنشأها ليالً بإشارة من ش‪00‬يخه الش‪00‬رنوبي؛ وأوص‪00‬اه لم‪00‬ا‬ ‫‪-1‬‬
‫ف‪00‬رغ منه‪00‬ا أال يعت‪00‬ذر ألح‪00‬د عن ذنب أو غيب بلغ‪00‬ه عن‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل يع‪00‬ترف ل‪00‬ه ب‪00‬ه‪ ،‬ويظه‪00‬ر ل‪00‬ه‬
‫التص‪00‬ديق على طري‪00‬ق التوري‪00‬ة مذل‪00‬ة للنفس‪ ،‬فم‪00‬ا خالف‪00‬ه بع‪00‬د ُكتِ َب منه‪00‬ا في ي‪00‬وم واح‪00‬د‬
‫خمسمائة نسخة‪ ،‬وش ََر َحها بثالثة شروح‪.‬‬
‫نصيحة اإلخوان باجتن‪00‬اب ال‪00‬دخان‪ :‬أوله‪00‬ا الحم‪00‬د هلل واهب العق‪00‬ول‪ ،‬ول‪00‬ه‬ ‫‪-2‬‬
‫المنة على فتحه لنا بابي المعقول والمنقول‪.‬‬
‫حاشية على مختصر خليل‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫قض‪00‬اء ال‪00‬وطر‪ ،‬من نزه‪00‬ة النظ‪00‬ر‪ ،‬في توض‪00‬يح نخب‪00‬ة الفك‪00‬ر‪ ،‬للحاف‪00‬ظ ابن‬ ‫‪-4‬‬
‫حجر‪.‬‬
‫بهجة المحافل بالتعريف بروايات الشمائل‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫منار أصول الفتوى وقواعد اإلفتاء األقوى‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫عقد الجمان في مسائل الضمان‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫التحفة في أسانيد حديث الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم وغير ذلك‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫ونظم المنجيات فقال‪:‬‬
‫والملك‪ ،‬واإلنسان نعم الشافعة‬ ‫يس تنجي من دخان الواقـعة‬
‫سبع وهي المنجيات النافعة‬ ‫ثم البروج لـها انشراح هذه‬
‫توفي منصرفا ً من الحج بالشرفة ليلة األحد قبيل العشاء األخ‪0‬ير ث‪0‬الث ش‪0‬هر ص‪0‬فر‬
‫سنة إحدى وأربعين بعد األلف عن نيف وسبعين سنة‪ ،‬حمل إلى عقبة (أيلة)‪ ،‬فدفن بمحل‬
‫عال مجاور آلخر بساتينها على يمين الراجع تجاه البحر األحم‪00‬ر‪ ،‬نفعن‪00‬ا هللا ب‪00‬ه وبآث‪00‬اره‪،‬‬
‫ورضي هللا عنه وعنا به‪.‬‬
‫‪{ -3‬ترجمة الشارح الشيخ إبراهيم الباجوري}‬
‫هو الشيخ العالم العالمة إبراهيم بن محمد بن أحمد الشافعي الب‪00‬اجوري نس‪00‬بة إلى‬
‫باجور مركز بمدينة المنوفية بمص‪0‬ر‪ ،‬ول‪0‬د به‪0‬ا س‪0‬نة ‪ 1198‬هجري‪0‬ة س‪0‬نة ثم‪0‬ان وتس‪0‬عين‬
‫ومائة بعد األلف‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫نشأ في حجر والده‪ ،‬وقرأ عليه‪ ،‬وق‪00‬دم األزه‪00‬ر في طلب العلم س‪00‬نة ‪ 1212‬هجري‪00‬ة‬
‫وهو ابن أربع عشرة سنة‪ ،‬ولم‪0‬ا دخ‪00‬ل الفرنس‪00‬يون مص‪0‬ر س‪00‬نة ‪ 1213‬هجري‪0‬ة خ‪00‬رج إلى‬
‫الجيزة‪ ،‬وأقام بها‪ ،‬ولما خرج الفرنسيون من مصر سنة ‪ 1216‬هجري‪00‬ة‪ ،‬رج‪00‬ع‪ ،‬واش‪00‬تغل‬
‫بالعلم‪.‬‬
‫أخ‪00‬ذ عن‪00‬ه كب‪00‬ار العلم‪00‬اء األعالم كالش‪00‬يخ محم‪00‬د األم‪00‬ير الكب‪00‬ير‪ ،‬والش‪00‬يخ عب‪00‬د هللا‬
‫الشرقاوي‪ ،‬والسيد داود القلع‪00‬اوي‪ ،‬والش‪0‬يخ محم‪0‬د الفض‪0‬الي‪ ،‬والش‪0‬يخ حس‪00‬ن القويس‪0‬ي‪،‬‬
‫وغيرهم ممن كان في عصره‪ ،‬وفي مدة قليلة ظهرت عليه آي‪00‬ات النجاب‪00‬ة‪ ،‬فَ‪00‬د َّرس‪ ،‬وألَّف‬
‫التآليف العديدة الجامعة المفيدة‪.‬‬
‫تقل‪0‬د رئاس‪0‬ة األزه‪0‬ر س‪0‬نة ‪ ،1263‬ولم ي‪0‬زل مس‪0‬تمراً على الدراس‪0‬ة ب‪0‬ه م‪0‬ع قيام‪0‬ه‬
‫بشؤون المشيخة‪ ،‬وكان عباس باشا األول ي‪00‬زوره في درس‪00‬ه ب‪00‬األزهر‪ ،‬فال يق‪00‬وم ل‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل‬
‫يجلسه على كرسي من جريد خارج الدرس‪.‬‬
‫وقرأ وهو شيخ األزهر تفسير الفخر الرازي‪ ،‬وتلقاه علي‪00‬ه أفاض‪00‬ل العلم‪00‬اء وكب‪00‬ار‬
‫األعيان‪ ،‬ولكن لضعفه لم يتمكن من إكماله؛ وكان مهيبا ً بين األنام وعند الوالة والحكام‪.‬‬
‫ولما كبر س‪00‬نه وح‪00‬دث ب‪00‬األزهر ح‪00‬وادث أقيم مقام‪00‬ه أربع‪00‬ة وكالء للقي‪00‬ام بواجب‪00‬ات‬
‫المشيخة تحت رئاسة الشيخ مص‪00‬طفى العروس‪00‬ي ال‪00‬ذي أس‪00‬ندت إلي‪00‬ه رئاس‪00‬ة األزه‪00‬ر بع‪00‬د‬
‫الشيخ الباجوري‪.‬‬
‫وهاك مؤلفاته مرتبة حسب تأليفها‪:‬‬
‫حاش‪00‬ية الب‪00‬اجوري على رس‪00‬الة في “ ال إل‪00‬ه إال هللا “ لشيخـه محم‪00‬د‬ ‫‪-1‬‬
‫الفضالي ألفها سنة ‪.1222‬‬
‫تحقي‪00‬ق المق‪00‬ام حاش‪00‬ية على “ كفاي‪00‬ة الع‪00‬وام فيم‪00‬ا يجب عليهم من علم‬ ‫‪-2‬‬
‫الكالم “ للعالمة الشيخ محمد الفضالي‪ .‬أولها‪ :‬الحمد هلل العالم بالكليات والجزئيات أتمها‬
‫سنة ‪.1223‬‬
‫فتح الق‪000‬ريب المجي‪000‬د ش‪000‬رح “ بداي‪000‬ة المري‪000‬د في التوحي‪000‬د “ للش‪000‬يخ‬ ‫‪-3‬‬
‫السباعي‪ .‬ألفها سنة ‪.1224‬‬
‫حاشية على مولد اإلمام ابن حجر الهيتمي ألفها سنة ‪.1225‬‬ ‫‪-4‬‬
‫حاشية على شرح السنونسية في علم المنطق ألفها سنة ‪.1225‬‬ ‫‪-5‬‬
‫حاشية على متن “ السلم المرون‪00‬ق “ في المنط‪00‬ق للعالم‪00‬ة األخض‪00‬ري‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫ألفها سنة ‪.1226‬‬
‫حاش‪00‬ية على متن الس‪00‬مرقندية في االس‪00‬تعارات “ بالغ‪00‬ة “ أتمه‪00‬ا س‪00‬نة‬ ‫‪-7‬‬
‫‪.1226‬‬
‫فتح الخبير اللطيف بشرح متن “ الرص‪0‬يف “ للش‪0‬يخ عب‪0‬د ال‪0‬رحمن بن‬ ‫‪-8‬‬
‫عيسى‪ .‬ألفه سنة ‪.1227‬‬
‫حاشية على “ أم البراهين في العقائد “ للعالمة السنوسي‪ .‬ألفه‪00‬ا س‪00‬نة‬ ‫‪-9‬‬
‫‪.1227‬‬
‫حاشية على مولد الشيخ أحمد الدردير رحمه هللا‪ .‬ألفها سنة ‪.1227‬‬ ‫‪-10‬‬

‫‪5‬‬
‫فتح رب البري‪0000‬ة على “ ال‪0000‬درة البهي‪0000‬ة “ نظم األجرومي‪0000‬ة للعالم‪0000‬ة‬ ‫‪-11‬‬
‫العمريطي‪.‬ألفها سنة ‪.1229‬‬
‫حاشية على متن “ البردة “ للبوصيري‪ .‬ألفها سنة ‪.1229‬‬ ‫‪-12‬‬
‫حاشية على “ بانت سعاد “ في مديح المصطفى عليه الصالة والسالم‪.‬‬ ‫‪-13‬‬
‫ألفها سنة ‪.1234‬‬
‫تحفة المري‪00‬د على “ ج‪00‬وهرة التوحي‪00‬د “ لبره‪00‬ان ال‪00‬دين اللق‪00‬اني‪ .‬ألفه‪00‬ا‬ ‫‪-14‬‬
‫سنة ‪.1234‬‬
‫منح الفتاح على نور المصباح في أحكام النكاح‪ .‬ألفها سنة ‪.1234‬‬ ‫‪-15‬‬
‫التحفة الخيرية على “ الفوائد الشنشورية “ “ ميراث “ أولها‪ :‬الحمد‬ ‫‪-16‬‬
‫هلل الذي يرث األرض ومن عليها وهو خير الوارثين‪ .‬أتمها سنة ‪.1236‬‬
‫الدرر الحسان على “ فتح الرحمن “ فيما يحص‪0‬ل ب‪0‬ه اإلس‪00‬الم واإليم‪00‬ان‬ ‫‪-17‬‬
‫للعالمة الزبيدي سنة ‪.1238‬‬
‫رسالة صغيرة في علم التوحيد سنة ‪.1238‬‬ ‫‪-18‬‬
‫المواهب اللدني‪00‬ة على الش‪00‬مائل المحمدي‪00‬ة للحاف‪00‬ظ الترم‪00‬ذي‪ .‬أتمه‪00‬ا س‪00‬نة‬ ‫‪-19‬‬
‫‪.1251‬‬
‫حاشية على شرح العالمة ابن قاسم الغ‪00‬زي على متن الش‪00‬يخ أبي ش‪00‬جاع‬ ‫‪-20‬‬
‫(فق‪00‬ه الش‪00‬افعي رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه)‪.‬أتمه‪00‬ا س‪00‬نة ‪ 1258‬وهي آخ‪00‬ر م‪00‬ا أتم تأليف‪00‬ه‪ ،‬وهي في‬
‫جزءان كبيران‪.‬‬
‫وله مؤلفات أخر لم تكمل منها‪:‬‬
‫حاشية على شرح جمع الجوامع إلى آخر المقدمة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫حاشية على شرح السعد على العقائد النسفية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫حاشية على “ المنهج “ إلى كتاب الجنائز‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫حاشية على شرح منظومة الشيخ البخاري في التوحيد‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وكان ديدنه رحمه هللا تعالى التعلم واالستفادة والتعليم واإلف‪00‬ادة‪ ،‬وك‪00‬ان ل‪00‬ه حس‪00‬ب‬
‫جسيم ألهل بيت النبي‪ ،‬صلى هللا عليه وآله وسلم وكان لسانه رطب‪0‬ا ً بتالوة الق‪00‬رآن وذك‪00‬ر‬
‫هللا تعالى‪ .‬وبالجملة فكان رحمه هللا صارفا ً زمنه في طاعة مواله شاكراً ل‪00‬ه على م‪0‬ا أواله‬
‫ولذا حصل االنتفاع بتأليفه في حياته وبعد مماته‪.‬‬
‫ثم انتقل طيب هللا ثراه إلى رحمة هللا مواله سنة ‪ 1277‬س‪00‬بع وم‪00‬ائتين بع‪00‬د األل‪00‬ف‬
‫بعد أن عاش نحواً من ثمانين سنة‪ ،‬عمه هللا تعالى بالرحمة والرضوان‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪{-4‬مقدمة المؤلف}‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل المنفرد باإلعدام واإليجاد‪ ،‬المنزه عن شوائب النقص واألضداد‪.‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له القديم المخالف لم‪00‬ا ع‪00‬داه من الكائن‪00‬ات‪،‬‬
‫الباقي وهالك كل من عداه من المخلوقات‪.‬‬
‫ُ‬
‫وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الصادق األمين‪ ،‬المبل‪00‬غ ك‪00‬ل م‪00‬ا أم‪00‬ر‬
‫بتبليغه من رب العالمين‪ .‬صلى هللا عليه وعلى آل‪00‬ه وص‪00‬حبه ج‪00‬واهر المع‪00‬ارف‪ ،1‬وأزه‪00‬ار‬
‫رياض الفصاحة والعوارف‪.2‬‬
‫{أما بع‪0‬د} فيق‪00‬ول أفق‪0‬ر ال‪00‬ورى إلى رب‪00‬ه الق‪0‬دير‪ ،‬إب‪00‬راهيم بن محم‪0‬د الب‪0‬اجوري ذو‬
‫التقصير‪ :‬إنه لما ك‪00‬ان نظم‪ 3‬الع‪00‬الم العالم‪00‬ة‪ ،‬والح‪00‬بر البح‪00‬ر الفهام‪00‬ة‪ ،‬ذي الفيض ال‪00‬داني‪،‬‬
‫الشيخ إبراهيم اللقاني‪ ،‬الموسوم‪ 0‬بجوهرة التوحيد‪ ،‬قد نظم فرائد هذا الفن في عقد نضيد‪،‬‬
‫وحوى من نفائس الدرر ومحاسن الغرر ما يدهش األلباب‪ ،‬ويقضي بالعجب العجاب‪ ،‬وقد‬
‫ولع الناس بالدخول في رياض فوائده‪ ،‬واألخذ من ثمار موائده‪ ،‬سألني وفد من اإلخ‪00‬وان‪،‬‬
‫أصلح هللا لي ولهم الحال والشأن‪ :‬أن أكتب عليه حاشية تس‪00‬فر عن مطوي‪00‬ات م‪00‬ا في‪00‬ه من‬
‫الرموز واألسرار‪ ،‬وتكشف عن سدول النقاب واألستار‪ ،‬فلما انش‪00‬رح ص‪00‬دري ل‪00‬ذلك‪ ،‬وهللا‬
‫أعلم بما هنالك‪ :4‬صرفت زمام الع‪00‬زم نح‪00‬و رياض‪00‬ه‪ ،‬وأوردت الفك‪00‬ر في عبق‪00‬ري حياض‪00‬ه‪،‬‬
‫وقد تيسر لي إذ ذاك بعض شراح‪ 5‬الناظم الهمام‪ ،‬مع حواشي النظم وش‪00‬رحه للش‪00‬يخ عب‪00‬د‬
‫السالم‪ ،‬ومع ما كتبه عليه السادة األعالم‪ ،‬وغير ذلك مما فتح به الس‪00‬الم‪ ،‬ف‪00‬التقطت منه‪00‬ا‬
‫درراً نفيسة‪ ،‬ومحاسن شريفة‪ ،‬ونظمتها في س‪00‬لك التحب‪00‬ير والتص‪00‬نيف‪ ،‬وجعلته‪00‬ا حاش‪00‬ية‬
‫على هذا المتن الشريف‪ ،‬وقد سميتها‪{ :‬تحفة المري‪00‬د‪ ،‬على ج‪00‬وهرة التوحي‪00‬د} جعله‪00‬ا هللا‬
‫خالصة لوجهه الكريم‪ ،‬ونفع بها كل من تلقاها بقلب سليم‪ ،‬والمرجو ممن اطلع عليه‪00‬ا أن‬
‫ينظر إليها نظر اعتذار ويجر على ما فيها من الهف‪00‬وات أذي‪00‬ال األس‪00‬تار‪ ،‬فالس‪00‬تر من ش‪00‬يم‬
‫الكرام‪ ،‬وإذاعة العورات من دأب اللئام‪ ،‬وهللا أسأل وبنبيه أتوسل‪ :‬أن تح‪00‬ل مح‪00‬ل القب‪00‬ول‪،‬‬
‫إنه خير مأمول وأكرم مسؤول‪.‬‬
‫وها أنا أشرع في المقصود‪ ،‬بعون هللا المعبود‪ ،‬فأقول وباهلل التوفيق‪:‬‬

‫‪1‬المراد بالجواهر مقابل األعراض أي الذين قامت بهم المعارف‪.‬‬


‫‪ 2‬قوله والعوارف جمع عارفة بمعنى المعروف كالعرف بالضم‪ .‬قاموس‪.‬‬
‫‪ 3‬أي منظومته‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله وهللا أعلم بما هنالك‪،‬أي بما في ضمن هذه المنظومة من الرموز واألس‪00‬رار وه‪00‬ذا‬
‫دفع لما يوهمه كالمه السابق من وفائه ببيان ما فيه من األسرار‪.‬‬
‫‪ 5‬لعل الصواب شروح الناظم فإنه له على نظمه ثالثة شروح كبير وصغير ووسيط‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪{-5‬ما يتعلق بالبسملة}‬
‫(قوله بسم هللا الرحمن الرحيم) افتتح الن‪00‬اظم كتاب‪00‬ه بالبس‪00‬ملة ثم بالحمدل‪00‬ة اقت‪00‬داء‬
‫بالكتاب العزيز في ابتدائه بهما في الترتيب التوقيفي‪ ،‬ال أنهما أول ما أنزل فإنه خالف م‪00‬ا‬
‫‪0‬ر ْأ) (العل‪00‬ق‪ :‬من اآلية‬ ‫في صحيح البخاري وغيره في بدء الوحي‪ :‬من أن أول ما أنزل (ا ْق‪َ 0‬‬
‫‪ ) 1‬وقد نقل أبو بكر التونسي إجماع علماء الملة على أن هللا سبحانه وتعالى افتتح جميع‬
‫كتب‪00‬ه ببس‪00‬م هللا ال‪00‬رحمن ال‪00‬رحيم‪ ،1‬وعمالً بخ‪00‬بر‪( :‬ك‪00‬ل أم‪00‬ر ذي ب‪00‬ال ال يب‪00‬دأ في‪00‬ه ببس‪00‬م هللا‬
‫الرحمن الرحيم فهو أبتر أو أجذم‪ ،2‬أو أقطع) روايات‪ :3‬أي ناقص وقليل البركة‪ ،‬فهو وإن‬
‫تم حسا ً ال يتم معن ًى‪ ،‬م‪0‬ع خ‪0‬بر‪( :‬ك‪0‬ل أم‪0‬ر ذي ب‪0‬ال ال يب‪0‬دأ في‪0‬ه بالحم‪0‬د هلل… إلخ والم‪0‬راد‬
‫باألمر‪ :‬ما يعم القول كالقراءة‪ ،‬والفعل‪ 0‬؛ ومعنى “ ذي بال “ أي صاحب ح‪0‬ال بحيث يهتم‬
‫به شرعاً‪ ،‬أي بأن ال يكون من سفاسف األمور‪ ،‬وليس محرما ً أو مكروهاً‪ ،‬ويشترط أيضا ً‬
‫أن ال يك‪0‬ون ذك‪0‬راً محض‪0‬اً‪ ،‬وال جع‪0‬ل الش‪0‬ارع ل‪0‬ه مب‪0‬دأ غ‪0‬ير البس‪0‬ملة والحمدل‪0‬ة‪ ،‬فخ‪0‬رجت‬
‫سفاسف األمور كلبس النعال والبصاق والمخ‪0‬اط‪ ،‬فال تس‪0‬ن البس‪0‬ملة وال الحمدل‪0‬ة عليه‪0‬ا‪،‬‬
‫وخرج المحرم لذاته كالزنا‪ ،‬والمكروه لذاته كالنظر لفرج زوجت‪00‬ه بال حاج‪00‬ة‪ ،‬فتح‪00‬رم على‬
‫األول وتكره على الثاني‪ ،‬بخالف المح‪00‬رم لع‪00‬ارض كالوض‪00‬وء بم‪00‬اء مغص‪00‬وب‪ ،‬والمك‪00‬روه‬
‫لعارض كأكل البصل‪ ،‬فال تحرم على األول وال تكره على الثاني‪ ،‬وخرج ال‪00‬ذكر المحض ك‬
‫“ ال إله إال هللا “ فال تسن التس‪00‬مية علي‪00‬ه‪ ،‬بخالف غ‪00‬ير المحض ك‪00‬القرآن الش‪00‬تماله على‬
‫غير الذكر كاألخبار والمواعظ‪ ،‬وخرج ما جعل الش‪00‬ارع ل‪00‬ه مب‪0‬دأ غ‪0‬ير البس‪0‬ملة والحمدل‪00‬ة‬
‫كالصالة فال يبدأ بالبسملة وال بالحمدلة بل بالتكبير مثالً‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬بين الخبرين المذكورين تعارض‪ ،‬فكيف يمكن العم‪00‬ل بهم‪00‬ا؟ قلت‪ :‬أجيب‬
‫عن ذل‪00‬ك بأجوب‪00‬ة أش‪00‬هرها‪ :‬أن االبت‪00‬داء‪ 4‬نوع‪00‬ان‪ :‬حقيقي وه‪00‬و االبت‪00‬داء بم‪00‬ا تق‪00‬دم أم‪00‬ام‬
‫المقصود ولم يس‪00‬بقه ش‪00‬ي‪ ،‬وإض‪00‬افي وه‪00‬و االبت‪00‬داء بم‪00‬ا تق‪00‬دم أم‪00‬ام المقص‪00‬ود وإن س‪00‬بقه‬

‫‪ -1‬من أين أتى بهذا اإلجماع؟!‪0‬‬


‫‪ -2‬قوله "أجذم" يق‪00‬ال‪ :‬ج‪00‬ذم الرج‪00‬ل يج‪00‬ذم‪ ،‬بمع‪00‬نى قطعت ي‪00‬ده‪ ،‬والمص‪00‬در الج‪00‬ذم‪ ،‬أف‪00‬اده‬
‫صاحب المصباح‪ 0،‬وعلى هذا فاألجذم بمعنى األقطع‪ ،‬وأما من أصابه‪ 0‬داء الجذام فيقال له مج‪00‬ذوم‬
‫ال أجذم‪ ،‬كما تدل عليه عبارة المصباح‪ 0‬أيضاً‪ ،‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ - 3‬أخرجه أبو داود (‪ )4840‬وابن ماج‪00‬ه (‪ )1894‬والنس‪00‬ائي‪ 0‬في عم‪00‬ل الي‪00‬وم واليل‪0‬ة‪( 0‬‬
‫‪ )2497/50‬وابن حب‪00‬ان (اإلحس‪00‬ان‪ )102/‬وال‪00‬دار قط‪00‬ني (‪ )1/229‬من ح‪00‬ديث أبي هري‪00‬رة‪ ،‬ق‪00‬ال‬
‫الحاف‪00‬ظ العس‪00‬قالني‪ 0‬في "فتح الب‪00‬اري" [‪ :]8/220‬الح‪00‬ديث أخرج‪00‬ه أب‪00‬و عوان‪00‬ه في ص‪00‬حيحه‪،‬‬
‫وصححه ابن حبان أيضا‪ 0‬وفي اسناده مقال‪ .‬وعلى تقدير ص‪00‬حته فالرواي‪00‬ة المش‪00‬هورة في‪00‬ه بلف‪00‬ظ‬
‫حمد هللا‪ ،‬وما عدى ذلك من األلفاظ‪ 0‬وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية‪.‬‬
‫‪ -4‬قول‪00‬ه أش‪00‬هرها أن االبت‪00‬داء‪ ..‬إلخ أق‪00‬ول وأس‪00‬دها أن يحم‪00‬ل االبت‪00‬داء في الح‪00‬ديثين على‬
‫الع‪00‬رفي وذل‪00‬ك ألم‪00‬ور‪ :‬األول أن الح‪00‬ديثين‪ 0‬س‪00‬يقا في مس‪00‬اق واح‪00‬د فينبغي أن يحمال على مع‪00‬نى‬
‫واحد‪ ،‬والثاني‪ 0:‬أن اإلضافي يالحظ فيه اإلضافة إلى شيء معين وح‪0‬ديث الحمدل‪0‬ة لم يالح‪0‬ظ في‪0‬ه‬
‫ذلك أي لم يالحظ فيه أن كل أمر ذي بال لم يُقدم فيه الحمد على األمر الفالني‪ 0‬فهو أب‪00‬تر‪ 0،‬كم‪00‬ا أن‬
‫حديث البسملة لم يالحظ فيه ذلك‪ ،‬والث‪00‬الث‪ :‬أن ه‪0‬ذا المع‪00‬نى ه‪0‬و المتب‪00‬ادر من لف‪00‬ظ االبت‪0‬داء عن‪0‬د‬
‫إطالقه‪ .‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫شيء‪ ،‬فبينهما العموم والخصوص المطلق‪ ،‬فحمل خبر البسملة على النوع األول‪ ،‬وخ‪00‬بر‬
‫الحمدلة على الثاني‪ ،‬وإنما لم يعكس للكتاب واإلجماع‪.‬‬
‫ال يقال إن هذا المؤلف شعر على ال‪00‬راجح خالف‪0‬ا ً لمن ق‪00‬ال إن الرج‪00‬ز ليس ش‪00‬عراً‪،‬‬
‫وقد ق‪0‬ال العلم‪0‬اء ال يب‪00‬دأ الش‪00‬عر بالبس‪0‬ملة؛ ألن‪0‬ا نق‪00‬ول الش‪0‬عر ال‪0‬ذي ال يب‪0‬دأ بالبس‪00‬ملة ه‪0‬و‬
‫المحرم‪ ،‬كهج‪0‬و من ال يح‪0‬ل هج‪0‬وه‪ ،‬أو المك‪0‬روه ك‪0‬التغزل في غ‪0‬ير معين‪ ،‬وأم‪0‬ا م‪0‬ا يتعل‪0‬ق‬
‫بالعلوم كهذه المنظومة فيبدأ بالبسملة اتفاقاً‪ ،‬وإنما لم يأت بها‪ 1‬نظم‪0‬ا ً كم‪00‬ا فع‪00‬ل الش‪00‬اطبي‬
‫حيث قال‪:‬‬
‫بدأت ببسم هللا في النظم أوالً……… الخ‬
‫ألنه خالف األولى‪.2‬‬
‫ثم اعلم أن الباء في البسملة إما للمصاحبة على وجه التبرك‪ ،‬أو لالستعانة ك‪00‬ذلك‪،‬‬
‫وال مانع من االستعانة باسمه تع‪00‬الى كم‪00‬ا يس‪00‬تعان بذات‪00‬ه‪ ،‬واألولى جعله‪00‬ا للمص‪00‬احبة ألن‬
‫جعلها لالستعانة فيه إساءة أدب‪ ،‬ألن باء االس‪00‬تعانة ت‪00‬دخل على اآلل‪00‬ة فيل‪00‬زم عليه‪00‬ا جع‪00‬ل‬
‫اسم هللا مقصوداً لغيره ال لذاته‪ ،‬إال أن يقال إن من جعلها لالستعانة نظر إلى جهة أخرى‪:‬‬
‫وهي أن الفعل المشروع فيه ال يتم على الوجه األكمل إال باسمه تعالى‪ ،‬لكن قد يقال مظنة‬
‫اإلساءة ما زالت موجودة‪ ،3‬ومعناها اإلشاري‪ :‬بي ك‪00‬ان م‪00‬ا ك‪00‬ان‪ ،‬وبي يك‪00‬ون م‪00‬ا يك‪00‬ون‪،4‬‬
‫وحينئذ يكون في الباء إشارة إلى جميع العقائد؛ ألن المراد‪ :‬بي وجد ما وجد‪ ،‬وبي يوج‪00‬د‬
‫ما يوجد‪ ،‬وال يكون كذلك إال من اتصف بصفات الكمال وت‪00‬نزه عن ص‪00‬فات النقص‪00‬ان‪ ،‬كم‪00‬ا‬
‫ذكره بعض أئمة التفسير‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫واالسم مشتق عن‪00‬د البص‪00‬ريين من الس‪00‬مو وه‪00‬و العل‪00‬و ألن‪00‬ه يعل‪00‬و مس‪00‬ماه ‪ ،‬وعن‪00‬د‬
‫الكوفيين من “ وسم “ بصيغة الماض‪0‬ي‪ :‬أي علم‪6‬بص‪0‬يغة الماض‪0‬ي أيض‪0‬اً؛ ألن االش‪0‬تقاق‬
‫عندهم من األفعال‪ ،‬فق‪00‬ول بعض العلم‪00‬اء “ وعن‪00‬د الكوف‪00‬يين من الوس‪00‬م بمع‪00‬نى العالم‪00‬ة “‬
‫فيه تسمح‪ ،‬ومعناه‪ :‬ما دل على مسمى‪ ،‬وأما قولهم “ كلمة دلت على معنى في نفسها…‬
‫الخ “ فهو اصطالحي نحوي‪ ،‬وعلم من التعريف المذكور أن االس‪00‬م غ‪00‬ير المس‪00‬مى وه‪00‬و‬
‫التحقيق؛ نعم إن أريد به المدلول كان عين المسمى‪ ،‬وبهذا يجمع بين القولين‪.‬‬

‫‪ -1‬األولى بالتسمية‪ 0‬بدل بها ألن الذي يؤتى به في النظم هو التس‪00‬مية وليس البس‪00‬ملة الن‬
‫البسملة اسم لبسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬منحوت منها‪ .‬والضمير في بها عائد على البسملة‪.‬‬
‫‪ -2‬وأولى منه أن يقال‪ :‬ألنه يفوت العمل ببعض روايات الخبر وهي رواية‪( :‬كل أم‪00‬ر ذي‬
‫بال لم يبدأ ببسم هللا الرحمن الرحيم فهو أبتر) كما أنه يكون مخالفا ألسلوب الكتاب المجيد ولِ َم‪00‬ا‬
‫درج عليه سلف األمة‪ ،‬وال بأس بأن يجعل هذا وجها ً لكونه خالف األولى‪.‬‬
‫‪ 3‬كي‪00‬ف تك‪00‬ون موج‪00‬ودة وق‪00‬د ق‪00‬ال رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬إذا اس‪00‬تعنت‬
‫فاستعن باهلل) واالستعانة باهلل تعالى‪ 0‬وباسمه مشعرة بكمالهما وجاللتهما وماذا يقول ه‪0‬ذا القائ‪00‬ل‬
‫في قوله تعالى‪( 0:‬وإياك نستعين)‪.‬‬
‫‪ -4‬هذا كالم ال معنى له‪.‬‬
‫‪ -5‬أي يكون داالً عليه فإن الدال يعلو المدلول علواً معنوياً‪.‬‬
‫‪ 6‬بفتح الالم كنصر بمعنى وسم‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫و “ هللا “ علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد‪.‬‬
‫وقولنا “ الواجب الوجود… الخ “ تعيين للمسمى‪ ،‬ال أنه من جملة المسمى على‬
‫ما هو التحقيق‪ ،‬وإال لكان كلياً‪ ،‬وهو علم شخصي بمع‪00‬نى أن مدلول‪00‬ه معين في الخ‪00‬ارج ال‬
‫بمعنى أنه قامت به‪ 1‬مشخص‪00‬ات كالبي‪00‬اض والط‪00‬ول وهك‪00‬ذا الس‪00‬تحالة ذلك‪ ،2‬وال يج‪00‬وز أن‬
‫يقال ذل‪00‬ك إال في مق‪00‬ام التعليم لم‪00‬ا في‪00‬ه من إيه‪00‬ام م‪00‬ا ال يلي‪00‬ق‪ ،‬وب‪00‬ذلك تعلم أن‪00‬ه ليس علم‪00‬ا‬
‫بالغلبة خالفا لمن زعم ذلك‪ .‬وهو اسم هللا األعظم عند الجمهور‪ ،‬واخت‪00‬ار الن‪00‬ووي أن‪00‬ه “‬
‫الحي القي‪00‬وم “ وإنم‪00‬ا تخلفت اإلجاب‪00‬ة عن‪00‬د ال‪00‬دعاء ب‪00‬ه من بعض الن‪00‬اس لتخل‪00‬ف ش‪00‬روط‬
‫اإلجابة التي أعظمها أكل الحالل‪.‬‬
‫و “ الرحمن الرحيم “ ص‪00‬فتان مأخوذت‪00‬ان من الرحم‪00‬ة بمع‪00‬نى اإلحس‪00‬ان أو إرادة‬
‫اإلحس‪00‬ان‪ ،‬ال بمعناه‪00‬ا األص‪00‬لي ال‪00‬ذي ه‪00‬و رق‪00‬ة في القلب تقتض‪00‬ي التفض‪00‬يل واإلحس‪00‬ان‪،‬‬
‫الس‪00‬تحالة ذل‪00‬ك في حقه‪ 3‬تع‪00‬الى‪ ،‬ف‪00‬الرحمن ال‪00‬رحيم في حق‪00‬ه بمع‪00‬نى المحس‪00‬ن أو مري‪00‬د‬
‫اإلحس‪00‬ان‪ ،‬لكن األول بمع‪00‬نى المحس‪00‬ن بجالئ‪00‬ل النعم أي ب‪00‬النعم الجليل‪00‬ة‪ ،‬والث‪00‬اني بمع‪00‬نى‬
‫المحسن بدقائق النعم أي النعم الدقيقة‪ ،4‬ألن زيادة المبني تدل على زي‪00‬ادة المع‪00‬نى غالب ‪0‬اً؛‬
‫وإنما جمع بينهما إشارة إلى أنه ينبغي أن يطلب منه تع‪0‬الى النعم الحق‪00‬يرة‪ 5‬كم‪0‬ا ينبغي أن‬
‫يطلب منه النعم العظيمة؛ ألن الكل منه وحده س‪0‬بحانه وتع‪0‬الى‪ ،‬ويتعل‪0‬ق بالبس‪0‬ملة أبح‪0‬اث‬
‫كثيرة فال نطيل بذكرها‪.‬‬

‫‪ 1‬قوله ال بمعنى أنه قامت به مشخصات‪ .‬أقول هو بهذا المع‪00‬نى‪ ،‬ومشخص‪00‬اته‪ 0‬تع‪00‬الى هي‬
‫خصائص ربوبيته تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬المحال إنما هو قيام المشخص‪00‬ات الحادث‪00‬ة ب‪00‬ه تع‪00‬الى كالبي‪00‬اض وأم‪00‬ا قي‪00‬ام المشخص‪00‬ات‪0‬‬
‫القديمة به أي ما يتصف به تعالى وينفرد به من الصفات‪ 0‬القديم‪00‬ة ف‪00‬واجب‪ ،‬إال أن يق‪00‬ال الص‪00‬فات‬
‫الخاصة بالشخص إنما تعتبر مشخصة له إذا كان ذلك الشخص مش‪00‬اركا ً لغ‪00‬يره في الماهي‪0‬ة‪ 0‬وهللا‬
‫تعالى منفرد بماهيته‪ 0‬ال شريك له فيها فال تكون صفاته مشخصة له ‪ ،‬أي مميزة له عما يش‪00‬اركه‬
‫في ماهيته لكن كالم الشارح ال يشعر بهذا الوجه والمتبادر من كالم‪00‬ه أن المحالي ‪0‬ة‪ 0‬من جه‪00‬ة أن‬
‫المشخصات‪ 0‬ال بد أن تكون عارضة وحادثة‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬ألن الرقة انفعال وتغ‪00‬ير وه‪00‬و على هللا تع‪00‬الى مح‪00‬ال‪ ،‬وق‪00‬د اس‪00‬تدل العلم‪00‬اء على ح‪00‬دوث‬
‫العالم بتغيره‪ ،‬وليست المحالي‪0‬ة‪ 0‬من جه‪0‬ة ع‪0‬دم وج‪0‬ود القلب‪ 0‬ل‪0‬ه تع‪0‬الى ألن القلب‪ 0‬غ‪0‬ير داخ‪0‬ل في‬
‫مفهوم الرحمة‪ ،‬ومعناها الرقة وذكر القلب‪ 0‬لبيان محلها‪.‬‬
‫‪ 4‬فيه أن أوزان المبالغة تدل على الكثرة والكثرة إنم‪00‬ا تعت‪00‬بر باعتب‪00‬ار الكمي‪00‬ة واألف‪00‬راد ال‬
‫باعتبار الكيفية‪.‬إال إن يقال إن المبالغة قد تعتبر باعتبار‪ 0‬الكيفية أيضا‬
‫‪ 5‬التعبير عن النعم الدقيقة بالحقيرة تعبير حقير‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪{-6‬ما يتعلق بالحمد والصالة والسالم}‬
‫صالته‬
‫ثم سالم هللا مع َ‬ ‫صالته‬
‫‪ -1‬الحمد هلل على ِ‬
‫(قوله الحمد هلل …الخ) قال الن‪0‬ووي رحم‪0‬ه هللا تع‪0‬الى‪ :‬يس‪0‬تحب الحم‪0‬د في ابت‪0‬داء‬
‫الكتب المصنفة وكذا في ابت‪00‬داء دروس المدرس‪00‬ين وق‪00‬راءة الط‪00‬البين بين ي‪00‬دي المعلمين‪،‬‬
‫سواء قرأ حديثا ً أو فقها ً أو غيرهما‪ ،‬وأحسن العبارات في ذل‪00‬ك “ الحم‪00‬د هلل رب الع‪00‬المين‬
‫“ ‪ .‬أهـ وإنم‪00‬ا لم ي‪00‬أت بح‪00‬رف العط‪00‬ف إش‪00‬ارة إلى أن كالً من البس‪00‬ملة والحمدل‪00‬ة محص‪00‬ل‬
‫للمقصود في االبتداء‪ ،1‬أو الحتمال أن تكون إحداهما خبرية واألخرى إنشائية‪ ،‬والصحيح‬
‫أنه ال يجوز عطف اإلنشاء على األخبار وعكسه‪.‬‬
‫والحمد لغة‪ :‬الثناء بالكالم على الجمي‪00‬ل االختي‪00‬اري على جه‪00‬ة التبجي‪00‬ل والتعظيم‪، 0‬‬
‫سواء كان في مقابلة نعمة أم ال‪ ،‬فمثال األول ما إذا أكرمك زيد فقلت “ زيد كريم “ فإن‪00‬ه‬
‫في مقابلة نعمة؛ومثال الثاني م‪00‬ا اذا وج‪00‬دت زي‪00‬دا يص‪00‬لي ص‪00‬الة تام‪00‬ة‪ ،‬فقلت‪ :‬زي‪00‬د رج‪00‬ل‬
‫صالح فانه ليست في مقابلة نعمة والثناء –بتقديم المثلثة على النون‪ :‬هو اإلتيان بما يدل‬
‫على التعظيم‪ .‬وقيل‪ :‬هو ال‪00‬ذكر بخ‪00‬ير‪ ،‬وض‪00‬ده النث‪00‬اء –بتق‪00‬ديم الن‪00‬ون على المثلث‪00‬ة‪ ،‬وإنم‪00‬ا‬
‫الح ْم َد الق‪00‬دي َم وه‪00‬و حم‪00‬د‬
‫عبرنا بالكالم كما عبر به بعض المحققين ليشمل التعريف حينئذ َ‬
‫هللا نفسه وحمده ألنبيائه وأوليائه وأصفيائه‪ ،‬والحمد الحادث وهو حمدنا هلل تعالى وحم‪00‬د‬
‫بعضنا لبعض‪ ،‬فدخلت أقس‪00‬ام الحم‪00‬د األربع‪00‬ة وهي حم‪0‬د ق‪0‬ديم لق‪00‬ديم وحم‪0‬د ق‪0‬ديم لح‪00‬ادث؛‬
‫وحمد حادث لقديم وحمد ح‪00‬ادث لح‪00‬ادث؛ وأم‪00‬ا تعب‪00‬ير بعض‪00‬هم باللس‪00‬ان فيل‪00‬زم علي‪00‬ه أن ال‬
‫يكون التعريف ش‪00‬امالً للق‪00‬ديم‪،‬إال أن ي‪0‬راد باللس‪0‬ان الكالم على س‪0‬بيل المج‪0‬از المرس‪00‬ل من‬
‫إطالق السبب وهو اللسان وإرادة المسبب وهو الكالم‪ ،‬وال ي‪00‬رد أن التع‪00‬اريف تص‪00‬ان عن‬
‫المج‪00‬از‪ ،‬ألن مح‪00‬ل ذل‪00‬ك م‪00‬ا لم يكن المج‪00‬از مش‪00‬هوراً كم‪00‬ا هن‪00‬ا‪ .‬وقولن‪00‬ا “ على الجمي‪00‬ل‬
‫االختي‪00‬اري “ أي ألج‪00‬ل الجمي‪00‬ل االختي‪00‬اري ول‪00‬و ك‪00‬ان جميالً في اعتق‪00‬اد المحم‪00‬ود ب‪00‬زعم‬
‫الحامد وإن لم يكن جميالً شرعا ً كنهب األموال؛ وخرج بقيد االختياري‪ :‬االضطراري‪ ،‬فإن‬
‫الثناء عليه يسمى مدحا ً ال حمداً‪ ،‬تقول‪ :‬مدحت اللؤلؤة على حسنها‪ ،‬دون حم‪00‬دتها‪ .‬وق‪00‬ال‬
‫الزمخشري‪ :‬الحمد والمدح أخوان بمعنى أنهما مترادف‪00‬ان‪ ،‬واالختي‪00‬اري إنم‪00‬ا ه‪00‬و قي‪00‬د في‬
‫المحم‪00‬ود علي‪00‬ه ال في المحم‪00‬ود به‪ ،2‬فق‪00‬د يك‪00‬ون المحم‪00‬ود علي‪00‬ه اختياري‪0‬اً‪ ،‬والمحم‪00‬ود ب‪00‬ه‬
‫اض‪00‬طرارياً‪ ،‬كم‪00‬ا إذا أكرم‪00‬ك زي‪00‬د فقلت “ زي‪00‬د حس‪00‬ن “ وأرك‪00‬ان الحم‪00‬د خمس‪00‬ة‪ :‬حام‪00‬د‪،‬‬
‫ومحمود‪ ،‬ومحمود به‪ ،‬ومحمود له‪ ،‬وصيغة‪ ،‬ثم اعلم أن المحمود به والمحمود علي‪00‬ه ق‪00‬د‬

‫‪ 1‬أقول‪ :‬ال وجه لهذه اإلشارة وال أحد يقصد بترك العطف هذه اإلشارة وه‪00‬ذا من تقع‪00‬رات‬
‫أرب‪00‬اب الحواش‪00‬ي ال‪00‬تي أغرم‪00‬وا به‪00‬ا‪ .‬والتحقي‪00‬ق أن ت‪00‬رك العط‪00‬ف ألن المقص‪00‬ود من البس‪00‬ملة‪0‬‬
‫االستعانة باسمه تعالى أو التبرك‪ 0‬به فيما يبتدأ بها وهو ما بعدها‪ ،‬فهي ليست من نوع م‪00‬ا بع‪00‬دها‬
‫فكان بينها وبين ما بعدها كمال االنقطاع وهو مانع من العطف‪ ،‬ومن أجل ذلك كان ت‪00‬رك العط‪00‬ف‬
‫هو الوارد في الكالم المبين‪ 0‬ثم في كالم العلماء‪.‬‬
‫‪ 2‬أقول‪:‬المحمود به ال بد أن يكون مفيداً للمحمود عليه فيكون هوأيضاً‪ 0‬اختياري ‪0‬اً‪.‬والمث‪00‬ال‬
‫الذي ذكره الشارح‪ 0‬من المدح ال من الحمد وكذلك ما أورده مثاال لالختالف ذاتا واعتبارا‪ 0‬فدعوى‬
‫االختالف ذاتا ال اعتبارا‪ 0‬غير مسلمة‬
‫‪11‬‬
‫يتحدان ذاتا ً ويختلفان اعتباراً‪ ،‬كم‪00‬ا إذا أكرم‪00‬ك زي‪00‬د فقلت “ زي‪00‬د ك‪00‬ريم “ ف‪00‬إن الك‪00‬رم من‬
‫حيث كونه باعثا ً على الحمد يقال له محمود عليه‪ ،1‬ومن حيث كونه مدلول الص‪00‬يغة يق‪00‬ال‬
‫له محمود به‪ ،‬وقد يختلفان ذاتا ً واعتباراً‪ ،‬كم‪0‬ا إذا أكرم‪0‬ك زي‪0‬د فقلت “ زي‪0‬د ع‪0‬الم “ ف‪0‬إن‬
‫المحمود عليه ه‪00‬و الك‪00‬رم والمحم‪00‬ود ب‪00‬ه ه‪00‬و العلم‪ ،‬ف‪00‬إن قلت‪ :‬التقيي‪00‬د باالختي‪00‬اري يخ‪00‬رج‬
‫الحمد على ذاته تعالى وصفاته فظاهره أنه ال يسمى حمداً‪ ،‬والتزمه بعض‪00‬هم فق‪00‬ال يس‪00‬مى‬
‫مدحاً‪ .‬قلت‪ :‬أجيب عن ذلك بأن المراد ما يشمل االختي‪00‬اري حقيق‪00‬ة وه‪00‬و ظ‪00‬اهر‪ ،‬أو حكم‪0‬ا ً‬
‫والمراد به ما كان منش‪00‬أ لألفع‪0‬ال االختياري‪0‬ة كال‪0‬ذات وص‪00‬فات الت‪00‬أثير‪ 2‬أو مالزم‪0‬ا ً للمنش‪00‬أ‬
‫كصفات غير التأثير‪ 3‬وقولنا “ على جهة التبجيل والتعظيم “ أي على جه‪00‬ة هي التبجي‪00‬ل‬
‫والتعظيم‪ ،‬فاإلضافة للبيان‪ ،‬وعط‪00‬ف التعظيم على التبجي‪00‬ل للتفس‪00‬ير؛ وخ‪00‬رج ب‪00‬ذلك م‪00‬ا إذا‬
‫ق إِنَّ َك أَ ْنتَ‬ ‫ك‪00‬ان على جه‪00‬ة االس‪00‬تهزاء والس‪00‬خرية‪ ،‬كم‪00‬ا في ق‪00‬ول المالئك‪00‬ة ألبي جه‪00‬ل ُ‬
‫(ذ ْ‬
‫ا ْل َع ِزي‪ُ 000000000000000000000000000000000‬ز ا ْل َك‪ِ 000000000000000000000000000000000‬ري ُم) (ال‪000000000000000000000000000000000‬دخان‪.)49:‬‬
‫أي بزعمك عند قومك‪ ،‬وعبارة الخازن ما نصه‪( :‬ذق)‪ :‬أي هذا العذاب‪( ،‬إنك أنت العزي‪00‬ز‬
‫الكريم)‪ :‬أي عند قومك بزعمك‪ ،‬وذلك أن أبا جهل لعنه هللا ك‪00‬ان يق‪00‬ول‪ :‬أن‪00‬ا أع‪00‬ز الب‪00‬وادي‬
‫وأكرمهم‪ ،‬فتقول خزنة النار له ذلك على طريق االس‪00‬تخفاف والت‪00‬وبيخ اهـ‪ .‬وفي الحقيق‪00‬ة‬
‫هذا خارج من أول األمر‪ ،‬ألن‪00‬ه ليس ثن‪00‬اء إال بحس‪00‬ب الص‪00‬ورة‪ ،‬فه‪00‬ذا القي‪00‬د عن‪00‬د التحقي‪00‬ق‬
‫لإليضاح‪.‬‬
‫وأما الحمد اصطالحا ً ‪ :‬فهو فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث كونه منعما ً على‬ ‫‪4‬‬

‫الحامد أو غيره‪ ،‬سواء كان ذلك قوالً باللسان أو اعتقاداً بالجن‪00‬ان أو عمالً باألرك‪00‬ان ال‪00‬تي‬
‫هي األعضاء‪ ،‬كما قال القائل‪:‬‬
‫والضمير المحجبا‬
‫َ‬ ‫أفادتكم النعما ُء مني ثالثةً يدي ولساني‬
‫وإنما كان االعتقاد فعالً ألنه التصميم بالقلب‪ .‬وأما قولهم “ التحقيق أنه كي‪00‬ف‪ :‬أي‬
‫الصورة الحاصلة في النفس “ ‪ 5‬فهو تدقيق كالمي ال ينظر إليه هنا‪.6‬فإن قيل‪ :‬االعتق‪00‬اد ال‬
‫ين‪00‬بئ عن تعظيم المنعم‪ ،‬أجيب بأن‪00‬ه ين‪00‬بئ ل‪00‬و اطل‪00‬ع علي‪00‬ه‪ ،‬أو أن‪00‬ه يس‪00‬تدل علي‪00‬ه ب‪00‬القول‪،‬‬
‫ويتحقق حينئذ حمدان‪ :‬أحدهما بالقول‪ ،‬واآلخر باالعتقاد المأخوذ منه‪.7‬‬
‫والشكر لغة‪ :‬هو الحمد اصطالحاً‪ ،‬لكن بإبدال الحامد بالشاكر‪ .‬واصطالحاً‪ :‬ص‪00‬رف‬
‫العبد جميع ما أنعم هللا به عليه فيما خلق ألجله‪.‬‬

‫‪ -1‬األولى إسقاط قوله‪ :‬يقال في الموضعين‬


‫‪ 2‬وهي القدرة واإلرادة والتكوين على القول به‪.‬‬
‫‪ 3‬كالسمع والبصر‪ 0‬والعلم والكالم والحياة‪.‬‬
‫‪ 4‬من الذي اصطلح على هذا‪.‬هذا ما لم نجد الج‪00‬واب الش‪00‬افي علي‪00‬ه‪ ،‬ونق‪00‬ول مث‪00‬ل ه‪00‬ذا في‬
‫الشكر‪.‬‬
‫فاالعتقاد‪ 0‬على األول مصدر وعلى الثاني حاصل بالمصدر‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 6‬ذلك ألننا‪ 0‬نأخذ االعتقاد ب‪0‬المعنى‪ 0‬المص‪00‬دري‪ ،‬وأه‪0‬ل الكالم ق‪0‬د أخ‪0‬ذوا ب‪00‬المعنى الحاص‪0‬ل‪0‬‬
‫بالمصدر‪.‬‬
‫‪ 7‬األولى المدلول عليه به‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪{-7‬الالم في الحمد هلل هل هي للجنس أو لالستغراق}‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫ثم اعلم أن “ أل “ في الحم‪00‬د إم‪00‬ا لالس‪00‬تغراق أو للجنس أو للعهد ‪ .‬والالم في “‬
‫هلل “ إما لالستحقاق أو لالختصاص أو للملك‪ ،‬فتحصل من هذا احتماالت تسعة قائمة من‬
‫ض‪00‬رب ثالث‪00‬ة في ثالث‪00‬ة يمتن‪00‬ع منه‪00‬ا جع‪00‬ل الالم للمل‪00‬ك م‪00‬ع جع‪00‬ل “ أل “ للعه‪00‬د إذا جع‪00‬ل‬
‫المعهود هو الحمد القديم فقط؛ ألن القديم ال يملك‪ ،‬بخالف م‪00‬ا إذا جع‪00‬ل المعه‪00‬ود حم‪00‬د من‬
‫يعتد بحمده كحمده تعالى وحمد أنبيائه وأوليائه وأصفيائه؛ ألن المعهود حينئذ هو الجملة‬
‫المركبة من القديم والحادث‪ .‬والقاعدة أن المركب من القديم والح‪00‬ادث ح‪00‬ادث‪ 3‬فيص‪00‬ح أن‬
‫يملك‪.‬‬
‫ص‪00‬الته) أي ألج‪00‬ل ص‪00‬الته؛ فعلى للتعلي‪00‬ل على ح‪00‬د قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪:‬‬ ‫قول‪00‬ه‪( :‬على ِ‬
‫( َولِتُ َكبِّ ُروا هَّللا َ َعلَى َما َهدَا ُك ْم) (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )185‬والجار والمج‪00‬رور متعل‪00‬ق بالحم‪00‬د‪.‬‬
‫واغتف‪00‬ر الفص‪00‬ل بين المص‪00‬در ومعمول‪00‬ه ب‪00‬الخبر‪ ،‬ألن ذل‪00‬ك يغتف‪00‬ر في الج‪00‬ار والمج‪00‬رور‪،‬‬
‫وبعضهم جعله خبراً بعد خبر فيكون المصنف قد حمد أوالً في مقابلة الذات‪ 4‬ثم حمد ثانية‬
‫صالت بكسر الص‪0‬اد جم‪00‬ع ص‪0‬لة وهي العطي‪0‬ة بمع‪00‬نى الش‪0‬يء‬ ‫صالت‪ ،‬ثم إن ال ِ‬ ‫في مقابلة ال ِ‬
‫المعطى كما هو المتبادر‪ ،‬أو بمعنى اإلعطاء وهو أولى‪ ،‬ألنه حم‪00‬د على ص‪00‬فة الم‪00‬ولى بال‬
‫واس‪00‬طة‪ ،‬والحم‪00‬د على الش‪00‬يء المعطى حم‪00‬د على الص‪00‬فة بواس‪00‬طة؛ وإنم‪00‬ا اخت‪00‬ار الحم‪00‬د‬
‫المقيد على المطلق‪ 5‬ألن المقيد أفضل من المطلق؛ فإنه يث‪00‬اب على المقي‪00‬د ث‪00‬واب ال‪00‬واجب‬

‫‪ 1‬القائل‪ 0‬بكون أل للجنس الزمخشري‪ ،‬وهو المتذوق ألساليب‪ 0‬اللغة العربي ‪0‬ة‪ 0‬وه‪00‬و الث‪00‬اني‪0‬‬
‫في هذا األمر لإلمام عبد القاهر‪ 0‬الجرجاني‪ 0،‬ومن ثمة قالوا‪ :‬لم يذق بالغ‪00‬ة الق‪00‬رآن إال األعرج‪00‬ان‪0‬‬
‫أحدهما من زمخشر واآلخر من جرج‪00‬ان‪ .‬وحم‪00‬ل أل على الجنس أبل‪00‬غ في الم‪00‬دح ألن اختص‪00‬اص‬
‫األفراد ق‪0‬د يك‪00‬ون اتفاقي‪0‬اً‪ 0‬م‪00‬ع اس‪00‬تحقاق الغ‪0‬ير‪ 0‬للجنس‪ 0،‬وأم‪00‬ا اختص‪0‬اص‪ 0‬الجنس فينفي اس‪0‬تحقاق‬
‫الغير لفرد من األفراد‪.‬‬
‫‪ 2‬قول‪00‬ه‪ :‬أو للعه‪00‬د‪ .‬كي‪00‬ف يحم‪00‬ل على العه‪00‬د وال عه‪00‬د‪ ،‬فمن أج‪00‬ل ه‪00‬ذا لم يحمل‪00‬ه أح‪00‬د من‬
‫المحققين على العهد‪ ،‬وإنما اختلفوا في أنه هل هو للجنس أو لالستغراق؛‪ 0‬ومثل هذا في الفساد‪0،‬‬
‫قوله‪ :‬أو للملك فإن الملك مخصوص باألعيان‪ 0‬والمنافع وأم‪0‬ا األح‪0‬داث فال تمل‪0‬ك ب‪0‬ل تس‪0‬تحق أو‬
‫تختص‪.‬‬
‫‪ -3‬إن ك‪00‬ان إطالق الح‪00‬ادث‪ 0‬علي‪00‬ه باعتب‪00‬ار وص‪00‬ف الك‪00‬ل بص‪00‬فة جزئ‪00‬ه مج‪00‬ازا ف‪00‬اإلطالق‬
‫ص‪00‬حيح لكن المعت‪00‬بر في القواع‪00‬د ه‪00‬و اإلطالق الحقيقي‪ 0،‬وإن ك‪00‬ان اإلطالق على س‪00‬بيل الحقيق ‪0‬ة‪0‬‬
‫فظاهر أن اإلطالق غير صحيح‪ .‬نعم لو قررت القاعدة هكذا‪ :‬إن المركب من القديم والحادث غير‬
‫قديم‪ ،‬لكانت‪ 0‬صحيحة‪ ،‬فإن المركب من القديم والحادث ال يوص‪00‬ف ال بالق‪00‬دم وال بالح‪00‬دوث لكن ال‬
‫يصح تفريع قوله‪ :‬فيصح أن يملك عليها‪ .‬وهللا تعالى أعلم‬
‫‪ 4‬قوله‪ :‬في مقابلة الذات أي باعتبار‪ 0‬استلزامها لص‪00‬فات الجالل والجم‪00‬ال وإال فالحم‪00‬د هلل‬
‫على الذات البحت ال يصح‪.‬‬
‫‪ 5‬قوله‪" :‬المطلق" المراد بالمطلق ما كان في مقابلة‪ 0‬جميل غير نعمة‪ ،‬وليس الم‪00‬راد ب‪0‬ه‬
‫ما ال مقابل له‪ ،‬ألن حقيقة الحمد‪ :‬الثناء‪ 0‬ألجل جميل اختياري‪ ،‬فال بد من مقابل‪ ،‬أجهوري‪ .‬أقول‪:‬‬
‫إن المراد بالحمد المطلق ما لم يذكر له مقابل‪ ،‬ولو حملناه على هذا لدخل في المقيد م‪00‬ا ك‪00‬ان في‬
‫مقابلة جميل غير نعمة واصلة من المحمود إلى الحامد‪ 0،‬وكالم الش‪00‬ارح‪ 0‬ي‪00‬أبى‪ 0‬ه‪00‬ذا ألن ه‪00‬ذا ليس‬
‫‪13‬‬
‫لكونه في مقابلة نعمة‪ ،‬فهو كأداء الديون‪ ،‬وبعضهم ذهب إلى أن المطلق أفضل‪ .‬قوله (ثم‬
‫سالم هللا … إلخ) يحتمل أن تكون ثم لالستئناف‪ ،‬ويحتمل أن تكون للعطف؛ وعلى الثاني‬
‫فيحتم‪00‬ل أن تك‪00‬ون لل‪00‬ترتيب ال‪00‬ذكري وأن تك‪00‬ون لل‪00‬ترتيب الرت‪00‬بي؛ ألن رتب‪00‬ة م‪00‬ا يتعل‪00‬ق‬
‫بالمخلوق من الصالة والسالم متأخرة ومتراخية عن رتبة ما يتعلق بالخالق من البس‪00‬ملة‬
‫والحمدلة‪ ،‬ومعنى سالم هللا تحيته الالئقة به صلى هللا عليه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم بحس‪0‬ب م‪0‬ا عن‪0‬ده‬
‫تعالى تشعر به إضافته له تعالى‪ ،‬فالمطلوب تحي‪00‬ة عظمى بلغت الدرج‪00‬ة القص‪00‬وى فتك‪00‬ون‬
‫أعظم التحيات ألنه صلى هللا عليه وآله وسلم أعظم المخلوقات؛ والمراد بالتحية في حق‪00‬ه‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم كما أفاد السنوسي في شرح الجزائرية أن يسمعه كالمه الق‪00‬ديم‬
‫ال‪00‬دال على رفع‪00‬ه مقام‪00‬ه العظيم‪ 0.‬ولم ي‪00‬رتض بعض‪00‬هم تفس‪00‬ير الس‪00‬الم باألم‪00‬ان وإن ذك‪00‬ره‬
‫السنوسي وغيره؛ ألنه ربما أشعر بمظنة الخوف مع أن النبي صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫بل وأتباعه ال خوف عليهم‪ ،‬نعم يخاف خوف مهاب‪00‬ة وإجالل‪ ،‬ول‪00‬ذلك ق‪00‬ال ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم‪( :‬إني ألخوفكم من هللا‪.1‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن السالم يؤخر عن الصالة كما جرى به عرف االستعمال آلية (يَ‪00‬ا أَ ُّي َه‪00‬ا‬
‫سلِيماً) (األحزاب‪ :‬من اآلية‪ )56‬فما بال المص‪00‬نف قدم‪00‬ه‬ ‫سلِّ ُموا تَ ْ‬
‫صلُّوا َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫الَّ ِذينَ آ َمنُوا َ‬
‫عليها؟ أجيب بأن ذلك لضرورة النظم‪ ،‬على أن‪0‬ه أش‪0‬ار بلط‪0‬ف إلى أن رتبت‪0‬ه الت‪0‬أخير حيث‬
‫أدخل “ مع “ على الصالة وهي تدخل على المتبوع‪ ،‬يقال “ جاء الوزير مع الس‪00‬لطان “‬
‫دون العكس‪.‬‬
‫قول‪00‬ه (م‪00‬ع ص‪00‬الته) بإس‪00‬كان العين هن‪00‬ا على اللغ‪00‬ة القليل‪00‬ة ألج‪00‬ل ال‪00‬وزن وإن ك‪00‬ان‬
‫األفصح فتحها‪ .‬ومع‪00‬نى ص‪00‬الته‪ :‬رحمت‪00‬ه المقرون‪00‬ة ب‪00‬التعظيم كم‪00‬ا تش‪00‬عر ب‪00‬ه اإلض‪00‬افة إلى‬
‫ضميره تعالى‪ ،2‬وهذا هو الالئق بالمقام‪ .‬وقيل‪ :‬هي مطلق الرحمة سواء قرنت ب‪00‬التعظيم‪،‬‬
‫أم ال‪ ،‬لكن ه‪00‬ذا بي‪00‬ان للص‪00‬الة في ح‪00‬د ذاته‪00‬ا بقط‪00‬ع النظ‪00‬ر عن المق‪00‬ام‪ .‬وينب‪00‬ني على ه‪00‬ذا‬
‫الخالف‪ 3‬العطف في قوله تعالى‪( :‬أُولَئِ‪َ 0‬ك َعلَ ْي ِه ْم َ‬
‫ص‪0‬لَ َواتٌ ِمنْ َربِّ ِه ْم َو َر ْح َم‪ 0‬ةٌ) (البق‪00‬رة‪ :‬من‬
‫اآلية‪ )157‬فعلى األول يك‪00‬ون من عط‪00‬ف الع‪00‬ام على الخ‪00‬اص‪ ،‬وعلى الث‪00‬اني من عط‪00‬ف‬
‫التفسير؛ وقد فسر الجمهور الصالة بأنه‪00‬ا من هللا الرحم‪00‬ة ومن المالئك‪00‬ة االس‪00‬تغفار ومن‬
‫غيرهم ولو حجراً وشجراً ومد ًر التضرع وال‪00‬دعاء‪ ،‬فق‪00‬د ورد أنه‪00‬ا ص‪00‬لت علي‪00‬ه كم‪00‬ا رواه‬
‫من قبيل أداء الديون‪ ،‬فمن أجل ذلك حمل األجهوري المطلق على ما ك‪0‬ان في مقاب‪0‬ل جمي‪0‬ل غ‪0‬ير‬
‫نعمة‪ ،‬لكن التعبير‪ 0‬بالمطلق‪ 0‬يأبى هذا الحمل‪ ،‬فاألولى أن يحمل اإلطالق على ما هو متب‪00‬ادر من‪00‬ه‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬إنما قصد الشارح‪ 0‬بيان‪ 0‬المفاضلة بينه وبين م‪00‬ا ك‪0‬ان في مقابل‪0‬ة النعم‪0‬ة‪ ،‬ولم يقص‪00‬د بي‪0‬ان‪0‬‬
‫المفاضلة‪ 0‬بين المقيدين‪ .‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫‪ 1‬أخرجه البخاري (‪ )5063‬من حديث أنس بلفظ ( إني ألخشاكم هلل)‪.‬‬
‫‪ 2‬لو أفادت اإلض‪00‬افة ش‪00‬يئا ً ألف‪00‬ادت عظم‪00‬ة الص‪00‬الة وال تفي‪00‬د عظم‪00‬ة المص‪00‬لى علي‪00‬ه إال أن‬
‫يدعي أن عظمة الص‪00‬الة تقتض‪00‬ي عظم‪00‬ة المص‪00‬لى‪ 0‬علي‪00‬ه‪ ،‬ثم إن كالم‪00‬ه يفي‪00‬د أن ك‪00‬ون الم‪00‬راد من‬
‫الصالة الرحمة المقرونة ب‪0‬التعظيم‪ 0‬مف‪0‬اد اإلض‪0‬افة وعلى ه‪0‬ذا ال يص‪0‬ح مقابل‪0‬ة ه‪0‬ذا الكالم بقول‪0‬ه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو مطلق الرحمة التحاد القولين‪ ،‬ولعل مراده أن مفاد اإلضافة مق‪0‬و للمع‪00‬نى ال‪00‬ذي وض‪00‬ع‬
‫له اللفظ‪ 0،‬لكن الوارد في كتب اللغة أنها بمعنى الرحمة‪.‬‬
‫‪ 3‬ال خالف هنا حتى ينبني عليه شيء‪ ،‬ألنه قد أفاد أن الصالة بمعنى مطلق الرحمة وأم‪00‬ا‬
‫التعظيم فهو مفاد القرائن من اإلضافة والمقام وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫الحلبي في السيرة وإن اشتهر أنها سلمت عليه فقط‪ ،4‬وإن شئت قلت وه‪0‬و األخص‪0‬ر‪ :‬هي‬
‫من هللا الرحمة ومن غيره الدعاء؛ وحينئذ يك‪00‬ون ش‪00‬امالً لالس‪00‬تغفار وغ‪00‬يره؛ واخت‪00‬ار ابن‬
‫هشام في مغنيه أنها العطف بفتح العين وهو بالنسبة هلل الرحمة…إلخ‪ .‬ويترتب على هذا‬
‫الخالف أنها من قبيل المشترك اللفظي على األول وضابطه أن يتحد اللفظ ويتعدد المع‪00‬نى‬
‫والوض‪00‬ع ومن قبي‪00‬ل المش‪00‬ترك المعن‪00‬وي على الث‪00‬اني‪ ،‬وض‪00‬ابطه ان يتح‪00‬د ك‪00‬ل من اللف‪00‬ظ‬
‫والمعنى والوضع‪ ،‬والتحقيق‪ :‬الثاني وإن رجح بعضهم األول‪.‬‬
‫‪{-8‬هل ينتفع األنبياء بالصالة عليهم}‬
‫والصحيح أنه ينتفع بصالتنا عليه كباقي األنبياء‪ ،‬لكن ال ينبغي التص‪00‬ريح ب‪00‬ذلك إال‬
‫في مقام التعليم‪ ،‬كما أشار إلى ذلك بعضهم بقوله‪:‬‬
‫بذي الصالة شأنه مرتفع‬ ‫وصححوا بأنه ينتفع‬
‫لنا بذا القول وذا صحيح‬ ‫لكنه ال ينبغي التصريح‬
‫وقيل المنفعة عائدة على المصلي ليس إال؛ ألن‪00‬ه ق‪00‬د أف‪00‬رغت علي‪00‬ه الكم‪00‬االت‪ .‬ور ّد‬
‫بأنه ما من كمال إال وعند هللا أكمل منه‪ ،‬والكامل يقب‪00‬ل الكم‪00‬ال؛ لكن ال ينبغي للمص‪00‬لي أن‬
‫يالحظ ذلك‪ ،‬بل يالحظ أنه يتوسل به صلى هللا عليه وآله وسلم عند ربه في نيل مقصوده‪.‬‬
‫وفي كالم المصنف نوع من المحسنات البديعية يسمى بالجناس المحرف‪ :‬وهو ما‬
‫بص‪0‬الته بكس‪00‬ر الص‪00‬اد‪ ،‬ثم ع‪00‬ير‬ ‫تماثل ركن‪00‬اه في الح‪00‬رف ال في الحرك‪00‬ات؛ فإن‪00‬ه ع‪00‬بر أوالً ِ‬
‫بصالته بفتحها‪ ،‬وفي هذا البيت مع ما بعده التضمين‪ ،‬وهو كم‪00‬ا في ش‪00‬رح ش‪00‬يخ اإلس‪00‬الم‬ ‫َ‬
‫على الخزرجية تعلق قافية البيت بما بعدها‪ ،‬وهو مغتفر للمولدين عند بعضهم‪،‬‬
‫وإثبات الصالة والسالم في صدر الكتب والرسائل ح‪0‬دث في زمن والي‪0‬ة هش‪0‬ام‪ ،‬ثم‬
‫مض‪00‬ى العم‪00‬ل على اس‪00‬تحبابه‪ ،‬ومن العلم‪00‬اء من يختم بهم‪00‬ا كتاب‪00‬ه أيض ‪0‬ا ً كم‪00‬ا في ش‪00‬رح‬
‫المصنف الصغير‪.‬‬

‫‪ 4‬أخرجه الترم‪00‬ذي (‪ )3626‬وق‪00‬ال‪ :‬ح‪00‬ديث غ‪00‬ريب‪ ،‬وص‪00‬ححه الح‪00‬اكم (‪ )63013‬ووافق‪00‬ه‬


‫الذهبي‪ .‬وأخرجه مسلم في الفضائل‪ )2277( 0‬عن جابر بن سمرة رضي هللا تعالى عنه قال‪ :‬ق‪00‬ال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬إني ألع‪00‬رف حج‪00‬راً بمك‪00‬ة ك‪00‬ان يس‪00‬لم علي قب‪00‬ل أن أبعث‪،‬‬
‫وإني ألعرفه اآلن)‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ {-9‬مجيء النبي على فترة من الرسل}‬
‫‪ -2‬على نبي جاء بالتوحيد ‪ ##‬وقد خال الدين عن التوحيد‬
‫(قوله‪( :‬على نبي) أي كائنان على نبي‪ ،‬فالجار والمج‪00‬رور متعل‪00‬ق بمح‪00‬ذوف خ‪00‬بر‬
‫‪2‬‬
‫المبتدأ‪ ،‬وليس من باب التنازع ألن بعضهم منعه في الجوامد‪،1‬وإنم‪00‬ا ع‪00‬دى ال‪00‬دعاء بعلى‬
‫مع أن الدعاء إن كان بخير تعدى بالالم وإن ك‪0‬ان بش‪0‬ر تع‪0‬دي بعلى‪ ،‬ألن مح‪0‬ل ذل‪0‬ك م‪0‬ا لم‬
‫يكن بعنوان الصالة والسالم‪ 3‬للف‪00‬رق الظ‪00‬اهر بين “ ص‪00‬لى علي‪00‬ه “ و “ دع‪00‬ا علي‪00‬ه “ إذ‬
‫األول ال يفهم إال المسرة‪ ،‬والثاني ال يفهم منه إال المضرة‪ ،‬وأيضا ً في التعبير بعلى إشارة‬
‫إلى شدة التمكن‪.‬‬
‫والنبيء ‪-‬ب‪00‬الهمز وترك‪00‬ه‪ -‬م‪00‬أخوذ من النب‪00‬أ وه‪00‬و الخ‪00‬بر‪ ،‬ألن‪00‬ه “ مخ‪00‬بر “ بكس‪00‬ر‬
‫الباء‪ ،‬فإنه يخبرنا باألحكام عن هللا تعالى إن كان رسوالً أيضاً‪ ،‬فإن كان نبي ‪0‬ا ً فق‪00‬ط أخبرن‪00‬ا‬
‫بأنه نبي ليحترم‪ ،‬أو “ مخبر “ بفتحها‪ ،‬لأن جبريل يخ‪00‬بره عن هللا تع‪00‬الى‪ ،‬أو م‪00‬أخوذ من‬
‫النبوة وهي الرفعة‪ :‬ألنه مرفوع الرتبة فإنه ما من نبي إال وهو أفض‪00‬ل من أمت‪00‬ه أو راف‪00‬ع‬
‫رتبة من اتبعه‪ ،‬فعلى كل “ فعيل “ صالح السم الفاعل واسم المفعول‪،4‬وعبر بالنبي‬
‫ولم يعبر بالرس‪00‬ول إش‪00‬ارة إلى أن‪00‬ه يس‪00‬تحق الص‪00‬الة والس‪00‬الم بوص‪00‬ف النب‪00‬وة كم‪00‬ا‬
‫ص ‪0‬لُّونَ َعلَى النَّبِ ِّي)‬
‫يستحقها بوصف الرسالة‪ ،‬وموافقة لقوله تع‪00‬الى‪( :‬إِنَّ هَّللا َ َو َمالئِ َكتَ ‪0‬هُ يُ َ‬
‫(األحزاب‪ :‬من اآلية‪.)56‬‬
‫‪{-10‬تعريف النبي والرسول والكالم عليهما}‬
‫وعرفوا النبي بأنه إنسان ذك‪0‬ر ح‪ّ 0‬ر من ب‪0‬ني آدم س‪0‬ليم عن ك‪0‬ل منف‪0‬ر طبع‪0‬اً‪ ،‬أوحي‬
‫إليه بشرع يعمل به‪ ،‬وإن لم يؤمر بتبليغه‪ ،‬وأما الرسول فيعرف بما ذك‪00‬ر لكن م‪00‬ع التقيي‪00‬د‬
‫بقولنا “ وأُمر بتبليغه “ فبينهما العم‪00‬وم والخص‪00‬وص المطل‪00‬ق‪ ،‬ألن ك‪00‬ل رس‪00‬ول ن‪00‬بي وال‬
‫عكس‪ ،‬وجعل بعضهم الرسول أعم‪ ،‬ق‪00‬ال‪ :‬ألن الرس‪00‬ل تك‪00‬ون من المالئك‪00‬ة‪ ،‬وق‪00‬ال العالم‪00‬ة‬
‫الس‪0‬عد التفات‪0‬ازاني‪ :‬هم‪0‬ا متس‪0‬اويان‪ ،‬وقي‪0‬ل‪ :‬بينهم‪0‬ا العم‪0‬وم والخص‪0‬وص ال‪0‬وجهي ألن “‬
‫النبي “ فقط‪ :‬من أوحي إليه بشرع يعمل به واختص به و “ الرسول “ فقط‪ :‬من أوحي‬
‫إليه بش‪00‬رع يعم‪00‬ل ب‪00‬ه ويبلغ‪00‬ه لغ‪00‬يره ولم يختص بش‪00‬يء من‪00‬ه‪ .‬ف‪0‬إن اختص ب‪00‬البعض وبل‪00‬غ‬
‫البعض فهو نبي ورسول؛ وخرج باإلنسان بقية الحيوانات‪ ،‬وكفر من قال‪ “ :‬في ك‪00‬ل أم‪00‬ة‬

‫‪ 1‬فيه أن عدم كونه من باب التنازع ألن الج‪00‬ار‪ 0‬والمج‪00‬رور خ‪00‬بر للمبت‪00‬دأ‪ 0،‬ول‪00‬و حم‪00‬ل على‬
‫التنازع لبقي المبتدأ بدون خبر‪ ،‬وأيضا ً مراد من منع التن‪0‬ازع في الجوام‪0‬د األفع‪0‬ال الجام‪0‬دة مث‪0‬ل‬
‫نعم وبئس وعسى وليس‪ ،‬وليس منها المصدر نعم الجمهور على منع التن‪00‬ازع‪ 0‬في المص‪00‬در لكن‬
‫هذه مسألة أخرى‪ ،‬والخالف فيها غير الخالف في الجوامد‪.‬‬
‫‪ 2‬فيه أن المعدى‪ ،‬هو المتعلق المحذوف من نحو كائنان‪ 0‬أو نازالن ال الدعاء‪،‬‬
‫‪ -3‬أقول‪ :‬بل ذلك مخصوص بلفظ‪ 0‬الدعاء ومشتقاته فال محل للسؤال وأم‪00‬ا تع‪00‬دي الص‪00‬الة‬
‫بعلى فلعل‪00‬ه مب‪00‬ني على تض‪00‬منها مع‪00‬نى ال‪00‬نزول‪ ،‬تق‪00‬ول‪ :‬ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه أي أن‪00‬زل علي‪00‬ه الرحم‪00‬ة‬
‫وصلت عليه المالئكة أي دعت بنزول الرحمة عليه‪.‬‬
‫‪ -4‬فيه أن فعيالً ال يكون بمعنى مفعل بكسر العين أوفتحها‪ ،‬وإنم‪00‬ا يك‪0‬ون بمع‪00‬نى فاع‪00‬ل أو‬
‫مفعول‪ ،‬وما ذكره العلماء‪ 0‬هنا إنما هو لبيان‪ 0‬مناسبة االشتقاق‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫(وإِنْ ِمنْ أُ َّم ٍة‬ ‫نذير “ بمعنى أنه في كل جماعة من الحيوانات رسول‪ .‬وأم‪00‬ا قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫إِاَّل َخال فِي َه‪00‬ا نَ‪ِ 0‬ذي ٌر) (ف‪00‬اطر‪ :‬من اآلية‪ )24‬فه‪00‬و في أمم البش‪00‬ر الماض‪00‬ية؛ وخ‪00‬رج بال‪00‬ذكر‪:‬‬
‫األنثى‪ ،‬بناء على أنه يقال لها إنسان‪ .‬وقال بعضهم‪ :1‬يقال لها إنسانة‪ ،‬كما قال قائل‪:‬‬
‫بدر الدجى منها خجل‬ ‫إنسانة فتانة‬
‫وعليه فتكون األنثى خرجت باإلنسان‪ ،‬والقول‪ 0‬بنبوة مريم وآسية وام‪00‬رأة فرع‪00‬ون‬
‫وحواء وأم موسى واسمها “ يوحانذ “ بالذال المعجمة‪– 0‬وهاجر وسارة‪ ،‬فه‪00‬و مرج‪0‬وح‪،‬‬
‫قال صاحب بدء األمالي‪:‬‬
‫وما كان نبيا ً قط أنثى وال عبد وشخص ذو فعال‬
‫أي فعل قبيح‪ ،‬وخرج بالحر‪ :‬الرقيق‪ ،‬وال يرد لقمان ألنه لم يكن نبيا ً بل كان تلميذاً‬
‫لألنبي‪00‬اء‪ ،‬ألن‪00‬ه ورد أن‪00‬ه ك‪00‬ان تلمي‪00‬ذاً ألل‪00‬ف ن‪00‬بي‪ ،‬وخ‪00‬رج بقولن‪00‬ا “ من ب‪00‬ني آدم “ الجن‬
‫والمالئكة‪ ،‬بناء على أن اإلنسان مأخوذ من النوس وهو التح‪00‬رك‪ ،‬يق‪00‬ال ن‪00‬اس إذا تح‪00‬رك‪،‬‬
‫فيشمل الجن والملك فيحتاج إلخراجهما بما ذكر‪ ،‬وأما على أنه مأخوذ من األنس فيختص‬
‫س أَلَ ْم‬
‫ش َر ا ْل ِجنِّ َواأْل ِ ْن ِ‬ ‫ببني آدم‪ ،‬فال يحتاج إلخراجهما بما ذكر‪ ،‬وال يرد قوله تعالى‪( :‬يَا َم ْع َ‬
‫س‪ٌ 00‬ل ِم ْن ُك ْم) (األنع‪00‬ام‪ :‬من اآلية‪ )130‬ألن معن‪00‬اه ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬ألم ي‪00‬أتكم رس‪00‬ل من‬ ‫يَ‪00‬أْتِ ُك ْم ُر ُ‬
‫بعضكم وهم اإلنس‪ ،‬أو المراد برسل الجن الس‪00‬فراء منهم أي الن‪00‬واب منهم عن الرس‪00‬ل ال‬
‫س‪0‬الً)‬ ‫ص‪0‬طَفِي ِمنَ ا ْل َمالئِ َك‪ِ 0‬ة ُر ُ‬ ‫رسل من عن‪0‬د هللا تع‪0‬الى‪ ،‬وال ي‪0‬رد أيض‪0‬ا ً قول‪0‬ه تع‪0‬الى‪( :‬هَّللا ُ يَ ْ‬
‫(الحج‪ :‬من اآلية‪ )75‬ألن معن‪00‬اه ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أنهم س‪00‬فراء بين هللا وبين أنبيائ‪00‬ه ليبلغ‪00‬وهم‬
‫عن هللا تعالى الشرائع‪ .‬وخرج بالسليم عن المنفر‪ :‬غير السليم عنه‪ ،‬فمن ك‪00‬ان في‪00‬ه منف‪00‬ر‬
‫كعمى‪2‬وبرص وجذام لم يكن نبيا ً وال رس‪00‬والً‪ ،‬وال ي‪00‬رد بالء أي‪00‬وب وعمى يعق‪00‬وب؛ “ ألن‪00‬ه‬
‫أمر ظاهري وليس حقيقيا ً‪،3‬وال يرد أيضا ً بناء على أنه حقيقي لطروه بعد تقري‪0‬ر النب‪00‬وة‪،4‬‬
‫والكالم فيما قارنها‪ .‬وقد اختلف في عدد األنبياء‪ :‬فقيل مائة ألف وأربعة وعش‪00‬رون ألف‪00‬ا‪،‬‬
‫وقيل مائتا ألف وأربعة وعشرون ألفاً‪ .‬واختلف أيضا ً في عدد الرسل منهم‪ :‬فقيل ثالثمائة‬
‫وثالثة عشر‪ ،‬وقيل وأربعة عشر‪ ،‬وقيل وخمسة عشر‪ ،‬واألسلم اإلمس‪00‬اك عن ذل‪00‬ك لقول‪00‬ه‬
‫ص‬ ‫ص‪ْ 0‬‬ ‫ص‪0‬نَا َعلَ ْي‪00‬كَ َو ِم ْن ُه ْم َمنْ لَ ْم نَ ْق ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫تعالى لنبيه صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ِ ( :‬م ْن ُه ْم َمنْ قَ َ‬

‫‪ 1‬هذا ليس بقول قائل‪ ،‬وإنما اإلنسانة‪ 0‬بالتاء لغة رديئة‪.‬‬


‫‪ 2‬ال يخفى أن العمى ليس من المنفر‪ 0‬وقد جزم به البيضاوي عن‪00‬د تفس‪00‬ير قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪$ 0:‬‬
‫(وإنا لنراك‪ 0‬فينا ضعيفا)‪.‬‬
‫‪ 3‬ال معنى لكون العمى ظاهريا ال حقيقا‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله‪ :‬بعد تقرير‪ 0‬النبوة‪ .‬األولى بعد تقرر النبوة‪ ،‬وقوله‪ :‬والكالم فيما قارنها‪ .‬أي فيما‬
‫قارن ابتداء النبوة وهذا الكالم قد أخذه الش‪00‬ارح من تحف‪00‬ة المحت‪00‬اج‪ 0‬إلبن الحج‪00‬ر الهيتمي‪ .‬ونص‬
‫كالم ابن حجر هكذا‪ :‬وال يرد علينا‪ 0‬نحو بالء أيوب وعمى يعقوب بناءعلى‪ 0‬أنه حقيقي لطروه بعد‬
‫االنباء‪ 0،‬والكالم فيما قارنه‪ ،‬والفرق أن هذا منفر‪ ،‬بخالفه فيمن اس‪00‬تقرت نبوت‪00‬ه‪ .‬انتهى‪ .‬وم‪00‬راده‬
‫باالنباء إنباء‪ 0‬هللا إياه أي جعله نبيا‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫َعلَ ْي َك) (غافر‪ :‬من اآلية‪5)78‬واعلم أن التنوين في “ نبي “ للتعظيم‪ ،‬واإلبهام فيه يرفع‪00‬ه‬
‫ما يأتي في كالمه بعد إن شاء هللا تعالى‪.‬‬
‫قول‪00‬ه (ج‪00‬اء…إلخ) ه‪00‬ذه الجمل‪00‬ة ص‪00‬فة لن‪00‬بي كم‪00‬ا ه‪00‬و القاع‪00‬دة من أن الجم‪00‬ل بع‪00‬د‬
‫المنكرات صفات‪ ،‬وقد قيد الناظم هذه الجملة بقوله‪:‬‬
‫وقد خال الدين عن التوحيد‬
‫ألنه حال من فاعل “ جاء “ والحال قيد في عاملها فصارت الصفة بهذا االعتب‪00‬ار‬
‫مخصصة للموصوف وقاصرة له على نبينا صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬ألن‪00‬ه لم ي‪00‬أت ن‪00‬بي‬
‫بالتوحيد في حال خلو الدين عن التوحيد إال نبين‪00‬ا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،1‬والم‪00‬راد‬
‫بالمجيء‪ :‬اإلرسال فتفسيره به تفس‪00‬ير م‪00‬راد‪ ،‬ألن‪00‬ه تفس‪00‬ير بالس‪00‬بب‪ ،‬ف‪00‬إن اإلرس‪00‬ال س‪00‬بب‬
‫للمجيء‪.‬‬
‫وقد أرسله هللا تعالى على رأس األربعين سنة إلى جمي‪00‬ع المكلفين من الثقلين‪ :‬أي‬
‫اإلنس والجن‪ ،‬س‪00‬ميا ب‪00‬ذلك ألنهم‪00‬ا أثقال األرض‪ ،‬وقي‪00‬ل لثقلهم‪00‬ا بال‪00‬ذنوب‪ ،‬وقي‪00‬ل لثق‪00‬ل‬
‫ميزانهما بالحسنات‪ .2‬وخرج بالثقلين المالئكة فإنه لم يرسل إليهم إرسال تكليف بل أرسل‬
‫إليهم إرسال تشريف؛ ألن طاعتهم جبلية ال يكلفون بها‪ ،‬وه‪00‬ذا ه‪00‬و ال‪00‬ذي اعتم‪00‬ده ال‪00‬رملي‬
‫في شرح المنهاج وخالفه الشيخ ابن حجر‪ ،3‬وعبارته بعد قول المصنف “ عبده ورسوله‬
‫“ ‪ :‬لكافة الثقلين اإلنس والجن‪ ،‬إجماعا ً معلوما ً من الدين بالضرورة فيكف‪00‬ر منك‪00‬ره وك‪00‬ذا‬
‫المالئكة كما رجحه جمع محققون كالسبكي ومن تبعه وردوا على من خ‪00‬الف ذل‪00‬ك… إلى‬
‫آخر عبارته‪ .‬والتعبير ب‪00‬رأس األربعين يفي‪00‬د أن‪00‬ه بعث عن‪00‬د اس‪00‬تكمالها من غ‪00‬ير زي‪00‬ادة وال‬
‫نقص وهو الصحيح الذي عليه الجمه‪0‬ور‪ ،‬ولكن ه‪00‬ذا ال يتم إال ل‪0‬و ك‪00‬انت البعث‪0‬ة في ش‪0‬هر‬
‫ال‪00‬والدة م‪00‬ع أن المش‪00‬هور أن‪00‬ه ول‪00‬د في ربي‪00‬ع األول وبعث في رمض‪00‬ان‪ .‬فل‪00‬ه حين البعث‬
‫أربعون سنة ونصف سنة إن كان البعث في رمضان الواقع بعد السنة المتمم‪00‬ة لألربعين‪،‬‬
‫او تسع وثالثون سنة ونصف إن كان البعث في رمضان الواقع في أثن‪00‬اء الس‪00‬نة المتمم‪00‬ة‬
‫لألربعين‪ ،‬فمن ق‪00‬ال أربع ‪00‬ون س ‪00‬نة ألغى الكس ‪00‬ر على األول وج‪00‬بره على الث‪00‬اني‪ .‬وق‪00‬ال‬
‫بعضهم‪ :‬كان ابتداء الوحي بالمنام في ربيع األول ومكث ستة أشهر كذلك‪ .‬ومن قال‪ :‬كان‬

‫‪ 5‬االستدالل بهذه اآلية غير تام ألن معنى اآلية أن هللا تعالى لم يقص عليه صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم قصصهم‪ ،‬وهذا ال يستلزم‪ 0‬عدم إعالمه إياه بعددهم‪.‬‬
‫‪ 1‬هذه الدعوى تحتاج‪ 0‬إلى اإلثبات ودونه خرط القتاد‪ ،‬ألنه إن كان المراد بخلو ال‪00‬دين عن‬
‫التوحيد وجود الشرك‪ 0‬فالشرك‪ 0‬كان موجوداً حال بعثة جمي‪00‬ع األنبي‪00‬اء غ‪00‬ير آدم‪ ،‬وإن ك‪00‬ان الم‪00‬راد‬
‫منه انقطاع التوحيد عن وجه األرض فالتوحيد في بعض األفراد كان موج‪00‬وداً وقت بعثت‪00‬ه علي‪00‬ه‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬فالتحقيق أن القيد واقعي وليس لالحتراز‪ 0،‬وكون المراد من لفظ نبي نبينا عليه‬
‫السالم معلوم من المقام وبما سيأتي حيث أبدل محمداً من نبي‪.‬‬
‫‪ 2‬الوجه‪00‬ان األخ‪00‬يران ليس‪00‬ا بص‪00‬حيحين‪ 0‬ألن التس‪00‬مية اللغوي‪00‬ة ال تالح‪00‬ظ فيه‪00‬ا األم‪00‬ور‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫‪ 3‬الذي عليه الرملي‪ 0‬أنه عليه الصالة والسالم لم يرسل إلى المالئكة أص‪0‬الً‪ ،‬وال‪0‬ذي علي‪0‬ه‬
‫ابن حجر أنه أرسل إليهم إرسال تشريف‪ .‬انظر شرحيهما على المنهاج؛‪ 0‬وكالم الش‪00‬ارح‪ 0‬يفي‪00‬د أن‬
‫الرملي قائل باإلرسال للتشريف وابن حجر قائل باإلرسال للتكليف وهو غير صحيح‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫ابتدائه في رمضان أراد مجيء جبريل يقظة؛ فرجع الخالف لفظيا ً وال كسر‪ .‬والصحيح أن‬
‫نبوته صلى هللا عليه وآله وسلم ورسالته مقترنتان‪ .‬وق‪00‬ال ابن عب‪00‬د ال‪00‬بر وغ‪00‬يره‪ :‬أرس‪00‬له‬
‫‪0‬ر ْأ) (العل‪00‬ق‪ :‬من اآلية‪)1‬‬ ‫هللا لما بلغ ثالث‪0‬ا ً وأربعين س‪00‬نة فك‪00‬انت النب‪00‬وة س‪00‬ابقة ب‪00‬نزول (ا ْق‪َ 0‬‬
‫وكانت الرسالة ب‪0‬أمره باإلن‪0‬ذار لم‪0‬ا ن‪0‬زلت آي‪00‬ة الم‪00‬دثر فه‪00‬و في زمن ف‪0‬ترة ال‪0‬وحي ن‪0‬بي ال‬
‫‪0‬ر ْأ) (العل‪00‬ق‪ :‬من‬‫رسول‪ .‬وأجاب القائلون باألول بأن آية المدثر بيان للمراد من س‪00‬ورة (ا ْق‪َ 0‬‬
‫اآلية‪ )1‬ألن المع‪00‬نى‪ :‬اق‪00‬رأ على قوم‪00‬ك م‪00‬ا س‪00‬نبينه ل‪00‬ك‪ ،‬وإنم‪00‬ا ك‪00‬ان اإلرس‪00‬ال على رأس‬
‫األربعين ألن‪00‬ه الع‪00‬ادة المس‪00‬تمرة في معظم األنبي‪00‬اء‪ 1‬أو جميعهم‪ 0‬كم‪00‬ا ج‪00‬زم ب‪00‬ه أي بالث‪00‬اني‬
‫كثيرون منهم شيخ اإلسالم في حواشي البيضاوي‪ .‬وإنم‪0‬ا اس‪0‬تدلوا بالع‪0‬ادة المس‪0‬تمرة ولم‬
‫يس‪00‬تدلوا بح‪00‬ديث‪( :‬م‪00‬ا ن‪00‬بئ ن‪00‬بي إال على رأس األربعين س‪00‬نة) لع‪00‬د ابن الج‪00‬وزي ل‪00‬ه في‬
‫الموضوعات؛ وذكر العالمة الش‪00‬يخ األم‪00‬ير والعالم‪00‬ة الش‪00‬يخ الش‪00‬نواني أن الح‪00‬ق أن ه‪00‬ذا‬
‫السن غ‪00‬الب فق‪00‬ط في النب‪00‬وة‪ ،‬وإال فق‪00‬د نب‪00‬أ عيس‪00‬ى ورف‪00‬ع إلى الس‪00‬ماء وك‪00‬ان عم‪00‬ره ثالث‪0‬ا ً‬
‫وثالثين سنة‪ ،‬ونبئ يحيى صبيا ً بناء على أن الحكم الذي أوتيه ص‪00‬بياً‪ :‬النب‪00‬وة آهـ؛ ولكن‬
‫ذكروا في حواشي التفسير نقالً عن المواهب أن هذا خالف التحقيق‪ ،‬وقالوا‪ :‬الصحيح أن‬
‫عيسى ما رفع إال بعد مضي ثمانين سنة من النبوة وبعد نزوله من الس‪00‬ماء يعيش أربعين‬
‫ص ‪0‬بِيّاً) (م‪00‬ريم‪ :‬من اآلية‪ )12‬ألن‬ ‫(وآتَ ْينَاهُ ا ْل ُح ْك َم َ‬
‫سنة‪ ،‬وال يرد قوله تعالى في حق يحيى‪َ :‬‬
‫المراد ب‪00‬الحكم العلم والمعرف‪00‬ة ال النب‪00‬وة‪ ،‬وال ي‪00‬رد أيض‪0‬ا ً قول‪00‬ه تع‪00‬الى حكاي‪00‬ة عن عيس‪00‬ى‪:‬‬
‫َاب َو َج َعلَنِي نَبِيّاً) (مريم‪ :‬من اآلية‪ )30‬ألنه من التعبير بالماضي عن المستقبل‬ ‫(آتَانِ َي ا ْل ِكت َ‬
‫على ح‪00‬د قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬أَتَى أَ ْم‪ُ 0‬ر هَّللا ِ) (النح‪00‬ل‪ :‬من اآلية‪ )1‬أو المع‪00‬نى‪ :‬وجعل‪00‬ني نبي ‪0‬ا ً في‬
‫علمه ه‪0‬ذا‪ .‬ووق‪0‬ع في كالم س‪0‬يدي على الخ‪0‬واص‪ :‬أن الن‪0‬بي ن‪0‬بئ من ص‪0‬غره‪ ،‬ولعل‪0‬ه أراد‬
‫الكمال والتهيؤ كما ذكره العالمة األمير‪ ،‬وهللا أعلم بالحقيقة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬بالتوحيد) أي بطلبه وفيه براعة استهالل‪ :‬وهي أن يأتي المتكلم في طالعة‬
‫كالمه بما يشعر بمقصوده‪.‬‬

‫‪{-11‬تعريف التوحيد لغة واصطالحا وشرعا}‬


‫والتوحيد لغة‪ :‬العلم بأن الشيء واحد؛ وشرعا ً‪ :2‬بمعنى الفن المدون فيما س‪0‬يأتي‪،‬‬
‫وهو علم‪ 3‬يقتدر به على إثبات العقائد الدينية مكتسب‪ 4‬من أدلتها اليقينة‪.‬‬

‫‪ - 1‬من أين لنا العلم بهذه العادة بدون وجود دليل نقلي عليها‪ ،‬وهذه المسألة‪ 0‬مما يتوقف‬
‫ثبوتها على السمع والنقل‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله ش‪00‬رعا ً الص‪00‬واب اص‪00‬طالحاً‪ 0‬ألن ه‪00‬ذا اإلطالق ه‪00‬و اص‪00‬طالح العلم‪00‬اء وأم‪00‬ا المع‪00‬نى‬
‫الشرعي فسيأتي قريباً‪.‬‬
‫‪ 3‬وقول‪00‬ه (وه‪00‬و علم …إلخ) ه‪00‬ذا يقتض‪0‬ي‪ 0‬أن العلم غ‪00‬ير العقائ‪00‬د وأن‪00‬ه مكتس‪00‬ب من أدل‪00‬ة‬
‫العقائد‪ ،‬والظ‪00‬اهر أن العلم ه‪0‬و نفس العقائ‪00‬د فال مع‪00‬نى لكون‪00‬ه يقت‪00‬در ب‪00‬ه على إثباته‪00‬ا‪ 0،‬وال مع‪00‬نى‬
‫الكتسابه من أدلتها مع المغايرة بين‪0‬ه وبينه‪0‬ا‪ ،‬فيل‪0‬زم من اكتس‪0‬ابه‪ 0‬من أدلته‪0‬ا أن يك‪0‬ون ه‪0‬و عين‬
‫العقائد‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 4‬الص‪00‬واب‪ 0‬ب‪00‬دل مكتس‪00‬ب المكتس‪00‬بة على أنه‪00‬ا ص‪00‬فة للعقائ‪00‬د‪ ،‬ألن المكتس‪00‬ب من ال‪00‬دالئل‬
‫اليقينية‪ 0‬إنم‪00‬ا هي العقائ‪00‬د‪ 0،‬وليس العلم بمع‪00‬نى الفن‪ 0‬الم‪00‬دون‪ ،‬نعم العلم به‪00‬ذه العقائ‪00‬د –بمع‪00‬نى م‪00‬ا‬
‫‪19‬‬
‫والمراد به هنا الشرعي ال بمعنى الفن المدون فيم‪00‬ا س‪00‬يأتي وه‪00‬و‪ :‬إف‪00‬راد المعب‪00‬ود‬
‫بالعبادة مع اعتقاد وحدته والتص‪00‬ديق به‪00‬ا ذات‪0‬ا ً وص‪00‬فات وأفع‪00‬االً‪ ،‬فليس هن‪00‬اك ذات تش‪00‬به‬
‫ذاته تعالى وال تقبل ذاته االنقسام‪ 1‬ال فعالً وال وهما ً وال فرض ‪0‬ا ً مطابق ‪0‬ا ً للواقع‪ ،2‬وال تش‪00‬به‬
‫صفاته الصفات‪ ،‬وال تعدد فيها من جنس واحد بأن يكون له تعالى قدرتان مثالً‪ ،‬وال يدخل‬
‫أفعاله االشتراك إذ ال فعل لغيره سبحانه خلقا ً وإن نسب إلى غيره كسباً‪ .‬وقيل‪ :‬هو إثب‪00‬ات‬
‫ذات غير مشبهة لل‪00‬ذوات وال معطل‪00‬ة عن الص‪00‬فات‪ ،‬خالف‪0‬ا ً للمعتزل‪00‬ة المعطلين لل‪00‬ذات عن‬
‫الصفات الوجودية‪ ،‬فإن قيل‪ :‬قد جاء صلى هللا عليه وآله وسلم بغير التوحيد‪ ،‬فلم اقتص‪00‬ر‬
‫الناظم على التوحيد؟ أجيب‪ :‬بأنه خصه ألنه أشرف العبادات‪3‬ويليه الصالة كما في ح‪00‬ديث‬
‫أبي سعيد‪( :‬إن هللا تع‪00‬الى لم يف‪00‬رض ش‪00‬يئا ً أفض‪00‬ل من التوحي‪00‬د والص‪00‬الة ول‪00‬و ك‪00‬ان ش‪00‬يء‬
‫أفضل منه الفترضه على مالئكته‪ :‬منهم راكع ومنهم ساجد)‪.4‬‬

‫يجب اعتقاده‪ -‬مكتسب منها‪ ،‬وفيه أيضا ً أن المدون فيما سيأتي‪ 0‬هو علم التوحيد بمع‪00‬نى القض‪00‬ايا‪0‬‬
‫التي يجب اعتقادها‪ 0،‬والتعريف المذكور ليس له بل هو تعري‪00‬ف للكالم أو للتوحي‪00‬د بمع‪00‬نى يش‪00‬مل‬
‫الكالم‪ ،‬وقد التبس األمر على الشارح‪ .‬وقد عرف القاض‪00‬ي عض‪00‬د ال‪00‬دين في المواف‪0‬ق الكالم بان‪00‬ه‬
‫علم يقت‪0‬در مع‪0‬ه على إثب‪0‬ات العقائ‪0‬د الديني‪0‬ة ب‪0‬إيراد الحجج ودف‪0‬ع الش‪0‬به‪ .‬وعرف‪0‬ه التفتن‪0‬ازني في‬
‫المقاصد بأنه‪ 0‬العلم بالعقائد الدينية عن األدلة اليقينية فاألصوب إسقاط الشارح قوله مكتسب عن‬
‫التعريف‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله وال تقبل ذاته االنقس‪00‬ام؛‪ 0‬ه‪00‬ذا ص‪00‬حيح ولكن إرادت‪00‬ه من المع‪00‬نى الش‪00‬رعي‪ 0‬للتوحي‪00‬د‬
‫غير ص‪0‬حيح ف‪0‬إن التوحي‪0‬د في لس‪0‬ان‪ 0‬الش‪0‬ارع‪ 0‬ليس إال بمع‪0‬نى نفي الش‪0‬ريك في ال‪0‬ذات والص‪0‬فات‪0‬‬
‫واألفعال‪.‬‬
‫‪ 2‬قي‪00‬ده بالمط‪00‬ابق للواق‪00‬ع ألن الف‪00‬رض هن‪00‬ا بمع‪00‬نى تق‪00‬دير العق‪00‬ل‪ ،‬وه‪00‬و يج‪00‬ري ح‪00‬تى في‬
‫المحاالت‪ 0‬فقد يكون مطابقا ً للواقع وقد ال يكون‪ ،‬وق‪00‬د ي‪00‬أتي الف‪00‬رض بمع‪00‬نى تج‪00‬ويز العق‪00‬ل‪ ،‬وه‪00‬و‬
‫يجري في الجائزات دون المحاالت‪.‬‬
‫‪ 3‬أقول‪ :‬خصه ألنه موضوع الكتاب‪ 0،‬وليشتمل الكالم على براعة االستهالل‪.‬‬
‫‪ 4‬أخرجه الديلمي في الفردوس (‪ )610‬والسيوطي في الجامع الكبير‪)1/175( 0‬‬
‫‪20‬‬
‫‪{-12‬مبادي علم التوحيد}‬
‫والحد السابق هو أحد المبادئ العشرة المنظومة في قول بعضهم‪:‬‬
‫إن مبادئ كل فن عشرة ‪ ##‬الحد والموضوع ثم الثمرة‬
‫وفضله ونسبة والواضع ‪ ##‬واالسم االستمداد حكم الشارع‬
‫مسائل والبعض بالبعض اكتفى ‪ ##‬ومن درى الجميع حاز الشرفا‬
‫فحد هذا الفن‪ 1‬لغة واصطالحا ً تقدم‪.‬‬
‫وموضوعه‪ :‬ذات هللا تعالى من حيث ما يجب ل‪00‬ه وم‪00‬ا يس‪00‬تحيل وم‪00‬ا يج‪00‬وز‪ ،‬وذات‬
‫الرسل كذلك‪ ،‬والممكن‪ 2‬من حيث أنه يتوصل به إلى وجود ص‪00‬انعه‪ ،‬والس‪00‬معيات من حيث‬
‫اعتقادها‪.‬‬
‫وثمرته‪ :‬معرفة هللا بالبراهين القطعية والفوز بالسعادة األدبية‪.‬‬
‫وفضله‪ :‬أنه أشرف العلوم‪ 3‬لكونه متعلقا ً بذاته تعالى وذات رس‪0‬له وم‪0‬ا يتب‪0‬ع ذل‪0‬ك‪،‬‬
‫والمتعلق –بكسر الالم‪ -‬يشرف بشرف المتعلق –بفتحها‪.-‬‬

‫‪ 1‬والص‪00‬واب‪ :‬فح‪00‬د التوحي‪00‬د بإس‪00‬قاط‪ 0‬قول‪00‬ه لغ‪00‬ة واص‪00‬طالحا ً ألن ح‪00‬د الفن ال يك‪00‬ون إال‬
‫اص‪00‬طالحاً‪ 0‬وأولى من‪00‬ه‪ ،‬أم‪00‬ا ح‪00‬ده فق‪00‬د تق‪00‬دم آنف ‪0‬اً‪ ،‬ويوج‪00‬د في بعض النس‪00‬خ وش‪00‬رعا ً ب‪00‬دل قول‪00‬ه‬
‫واصطالحا ً وهو أيضاً‪ 0‬غير صحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬في‪00‬ه أن الممكن من ه‪00‬ذه الحيثي‪00‬ة‪ 0‬من موض‪00‬وع علم الكالم‪ ،‬وليس من موض‪00‬وع علم‬
‫التوحيد الذي جوهرة التوحيد فيه نعم هو منه إن ع َّممنا علم التوحيد لعلم الكالم‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا إنما يصح إن أريد بعلم التوحيد ما تذكر فيها األدلة القرآنية وما هو قريب منها من‬
‫األدلة الجلية القريبة التي هي كالغذاء أو كالماء يصلح لكل الناس‪ ،‬وأما إن أريد من‪00‬ه علم الكالم‬
‫على طريقة الفالسفة‪ 0‬فقد ذمه السلف ونهوا عنه أشد النهي‪.‬‬
‫‪{-13‬أئمة علم التوحيد‪،‬وبيان أن أهل السنة متفقون في أصول العقائد وأن معظم علماء‬
‫األمة من األشاعرة والماتريدية وأول من صنف في علم التوحيد}‬
‫‪21‬‬
‫ونسبته‪ :‬أنه أصل العلوم الدينية وما سواه فرع‪ ،‬وما أحسن قول القائل‪:‬‬
‫أيها المغتدي لتطلب علما ً ‪ ##‬كل علم عبد لعلم الكالم‬
‫تطلب الفقه كي تصحح حكما ً ‪ ##‬ثم أغفلت منزل األحكام‬
‫‪1‬‬
‫وواضعه‪ :‬أبو حسن األشعري‪ ،‬ومن تبعه‪ ،‬وأبو منص‪00‬ور الماتري‪00‬دي ‪ ،‬ومن تبع‪00‬ه‪:‬‬
‫بمعنى أنهم دونوا كتبه وردوا الشبه التي أوردتها المعتزل‪00‬ة‪ ،‬وإال فالتوحي‪00‬د ج‪00‬اء ب‪00‬ه ك‪00‬ل‬
‫نبي من لدن آدم إلى يوم القيامة‪.2‬‬
‫واسمه‪ :‬علم التوحي‪00‬د؛ ألن مبحث الوحداني‪00‬ة أش‪00‬هر مباحث‪00‬ه‪ ،‬ويس‪00‬مى أيض‪0‬اً‪ :‬علم‬
‫الكالم ألن المتقدمين كانوا يقولون في الترجمة عن مباحث‪00‬ه‪ :/‬الكالم في ك‪00‬ذا‪ ،‬أو ألن‪00‬ه ق‪00‬د‬

‫‪ 1‬هؤالء أئمة لعلم الكالم‪ ،‬وليس‪00‬وا بواض‪00‬عين ل‪00‬ه وال لعلم التوحي‪00‬د‪ ،‬وذل‪00‬ك ألن علم الكالم‬
‫كان موجوداً قبلهم بكثير‪ ،‬وأما علم التوحيد فإما عبارة عن القض‪00‬ايا‪ 0‬ال‪00‬تي يجب اعتقاده‪00‬ا‪ 0،‬وإم‪00‬ا‬
‫عبارة عن معرفة هذه القضايا‪ 0‬عن أدلتها اليقينية‪ 0،‬وكالهما قد تكفل هللا تع‪00‬الى ببيانه‪00‬ا في كتاب‪00‬ه‬
‫المجيد‪ ،‬وجاء بها كل نبي من لدن آدم إلى محمد صلى هللا عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬قال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب‪ 0:‬اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا‬
‫على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل (على هللا) واختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة‬
‫لذلك‪ ،‬أو في لمية ما هنالك‪ ،‬وبالجملة فهم باالستقراء ثالث طوائف‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أهل الحديث‪ ،‬ومعتمد مبادئهم األدلة السمعية –أعني الكتاب‪ 0‬والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫الثانية‪ 0:‬أهل النظر‪ 0‬العقلي والصناعة‪ 0‬الفكرية‪ 0:‬وهم األشاعرة والحنفية‪.‬‬
‫وشيخ األشعرية أبو الحسن‪ 0‬األشعري‪ ،‬وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي‪.‬‬
‫وهم متفق‪00‬ون في المب‪00‬ادئ العقلي‪00‬ة في ك‪00‬ل مطلب يتوق‪00‬ف الس‪00‬مع علي‪00‬ه وفي المب‪00‬ادئ‬
‫الس‪00‬معية فيم‪00‬ا ي‪00‬درك العق‪00‬ل ج‪00‬وازه فق‪00‬ط‪ ،‬والعقلي‪00‬ة والس‪00‬معية في غيرهم‪00‬ا‪ ،‬واتفق‪00‬وا في جمي‪00‬ع‬
‫المطالب‪ 0‬االعتقادية إال في مسألة التكوين ومسألة التقليد‪.‬‬
‫الثالثة‪ 0‬أهل الوجدان والكشف‪ ،‬وهم الصوفية‪ ،‬ومبادئهم مبادئ أه‪00‬ل النظ‪0‬ر‪ 0‬والح‪00‬ديث في‬
‫البداية‪ ،‬والكشف واإللهام في النهاية‪.‬اهـ‬
‫نقله الزبيدي في شرح اإلحياء (‪ )7-3/6‬ثم قال الزبيدي‪:‬‬
‫وليعلم أن كال من اإلمامين أبي الحس‪00‬ن وأبي منص‪00‬ور رض‪00‬ي هللا عنهم‪00‬ا‪ 0،‬وجزاهم‪00‬ا عن‬
‫اإلسالم خيراً‪ ،‬لم يبدعا من عند هما رأياً‪ ،‬ولم يشتقا‪ 0‬مذهباً‪ 0،‬وإنما هما مق‪00‬رران لم‪00‬ذهب الس‪00‬لف‪،‬‬
‫مناضالن‪ 0‬عما كان عليه‪ 0‬أصحاب‪ 0‬رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فأح‪00‬دهما (ه‪00‬و األش‪00‬عري)‬
‫ق‪0‬ام بنص‪0‬رة نص‪0‬وص م‪0‬ذهب الش‪0‬افعي وم‪0‬ا دلت علي‪0‬ه‪ .‬والث‪0‬اني (وه‪0‬و الماتري‪0‬دي) ق‪0‬ام بنص‪0‬رة‬
‫نص‪00‬وص م‪00‬ذهب أبي حنيف‪00‬ة‪ ،‬وم‪00‬ا دلت علي‪00‬ه‪ .‬ون‪00‬اظر ك‪00‬ل منهم‪00‬ا ذوي الب‪00‬دع والض‪00‬الالت ح‪00‬تى‬
‫انقطعوا وولوا منهزمين‪ ،‬وهذا في الحقيقة‪ 0‬هو أصل الجه‪00‬اد الحقيقي… فاالنتس‪00‬اب‪ 0‬إليهم‪0‬ا‪ 0‬إنم‪00‬ا‬
‫هو باعتبار أن كالً منهما عقد على طريق السلف نطاقاً‪ 0،‬وتمسك وأقام الحجج وال‪00‬براهين علي‪00‬ه‪،‬‬
‫فصار المقتدى به في تلك المسالك يسمى أشعريا ً وماتريدياً‪0‬‬
‫وذكر العز بن عبد السالم أن عقيدة األشعري أجمع عليها الش‪00‬افعية والمالكي‪00‬ة والحنفي‪0‬ة‬
‫وفض‪00‬الء الحنابل‪00‬ة‪ 0،‬ووافق‪00‬ه على ذل‪00‬ك من أه‪00‬ل عص‪00‬ره ش‪00‬يخ المالكي‪0‬ة‪ 0‬في زمان‪00‬ه أب‪00‬و عم‪00‬ر بن‬
‫الحاجب‪ 0،‬وشيخ الحنفية جمال الدين الحصيري‪ 0،‬وأقره على ذلك التقي الس‪00‬بكي‪ ،‬فيم‪00‬ا نقل‪00‬ه عن‪00‬ه‬
‫ولده التاج‪.‬‬
‫ثم قال الزبيدي‪ :‬وفي كالم عبد هللا الميورقي ما نصه‪ :‬أهل السنة من المالكية‪ 0‬والشافعية‬
‫وأكثر الحنفية بلسان أبي الحسن األشعري يناض‪00‬لون‪ ،‬وبحجت‪00‬ه يحتج‪00‬ون‪ ،‬ثم ق‪00‬ال (المي‪00‬ورقي)‪:‬‬
‫‪22‬‬
‫كثر االختالف في مسألة الكالم‪ ،‬وذكر بعضهم أن له ثمانية أسماء‪ .‬واستمداده‪ :‬من األدلة‬
‫العقلية والنقلية‪ .‬وحكم‪ 0‬الشارع فيه‪ :‬الوجوب العيني على كل مكلف من ذكر وأنثى‪.1‬‬
‫ومسائله‪ :‬قضاياه الباحثة عن الواجبات والجائزات والمستحيالت‪ .2‬وهذه المب‪00‬ادئ‬
‫هي التي تسمى مقدمة العلم ألنها اسم لمعان يتوقف عليها الشروع في المقص‪00‬ود‪ .3‬قول‪00‬ه‬
‫(وقد خال… إلخ) أي والحال أنه قد خال… إلخ‪ ،‬ف‪00‬الواو للح‪00‬ال‪ ،‬وعبارت‪00‬ه تقتض‪00‬ي أن م‪00‬ا‬
‫عليه عبدة األصنام يسمى دينا ً وهو كذلك‪ ،‬ألن الدين ما يتدين ب‪00‬ه ول‪00‬و ب‪00‬اطالً فه‪00‬و يطل‪00‬ق‬
‫الم‬
‫س‪ِ 0‬‬‫‪0‬غ َغ ْي‪َ 0‬ر اإْل ْ‬
‫(و َمنْ يَ ْبتَ‪ِ 0‬‬
‫على الدين الحق وعلى الدين الباطل‪ ،‬كما يدل ل‪00‬ه قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫ِدينا ً فَلَنْ يُ ْقبَ َل ِم ْنهُ) (آل عمران‪ :‬من اآلية‪ )85‬وقد وقع في بعض النسخ “ عرا “ ب‪00‬دل “‬
‫خال “ وفيه نظر؛ ألنه يقال‪ :‬عرا يعرو كعال يعلو‪ ،‬بمعنى أصاب؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬

‫ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلس‪00‬ان أه‪00‬ل الس‪00‬نة إنم‪00‬ا ج‪00‬رى على س‪00‬نن غ‪00‬يره‪ ،‬أو على نص‪00‬رة‬
‫مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيان‪0‬اً‪ 0،‬ولم يبت‪00‬دع مقال‪00‬ة اخترعه‪00‬ا‪ ،‬وال م‪00‬ذهبا ً انف‪00‬رد ب‪00‬ه‪ ،‬أال‬
‫ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك‪ 0،‬ومن كان على مذهب أه‪0‬ل المدين‪0‬ة يق‪0‬ال ل‪0‬ه م‪0‬الكي‪،‬‬
‫ومالك‪ 0‬إنما جرى على سنن من قبله‪ ،‬وكان كثير اإلتباع‪ 0‬لهم‪ ،‬إال أنه لما زاد المذهب بيانا ً وبسطا ً‬
‫ي إلي‪00‬ه‪ ،‬ك‪00‬ذلك أب‪00‬و الحس‪0‬ن‪ 0‬األش‪00‬عري ال ف‪00‬رق‪ ،‬ليس ل‪00‬ه في م‪00‬ذهب الس‪00‬لف أك‪00‬ثر من بس‪00‬طه‬ ‫ُع‪ِ 0‬ز َ‬
‫وشرحه‪ ،‬في نصرته‪.‬‬
‫وأول من صنف في علم الكالم – كما قال السفاريني‪ 0‬في " لوامع األنوار البهية" ( ‪-)12‬‬
‫هو واصل بن عط‪0‬اء وه‪0‬و أول من س‪0‬مي معتزلي‪00‬ا ألن‪0‬ه اع‪0‬تزل مجلس الحس‪0‬ن البص‪0‬ري فس‪0‬مي‬
‫بذلك‪ .‬له كتاب‪" 0‬المرجئة"‪ 0،‬وكتاب‪ " 0‬التوبة"‪ ،‬وكتاب‪" 0‬المنزلة‪ 0‬بين المنزلتين"‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وأما واضع مسائله على مذهب أه‪00‬ل الس‪00‬نة ال‪00‬ذي رتبه‪00‬ا ووض‪00‬عها في مص‪00‬نفات‪ 0‬خاص‪00‬ة‬
‫بهذا العلم‪ ،‬فه‪00‬و في م‪00‬ا نعلم اإلم‪00‬ام أب‪00‬و حنيف‪00‬ة رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى عن‪00‬ه‪ ،‬وبع‪0‬ده اإلم‪00‬ام ابن كالب‪،‬‬
‫وعلى مذهبه كان البخ‪00‬اري‪ ،‬كم‪00‬ا نص على ذل‪00‬ك الحاف‪00‬ظ ابن حج‪00‬ر في الفتح (‪ ،)1/243‬ثم ج‪00‬اء‬
‫اإلمام البخاري‪ 0‬فصنف فيه كتاب "خلق أفعال العباد" ثم صنف في‪00‬ه جماع‪00‬ة من أئم‪00‬ة المعتزل‪00‬ة‪،‬‬
‫ثم جاء اإلمام أبو الحسن األشعري واإلمام أبو منصور الماتريدي فألفا في‪00‬ه‪ ،‬وص‪00‬نفا المص‪00‬نفات‬
‫في الرد على المش‪00‬بهة والمجس‪00‬مة والجهمي‪00‬ة‪ ،‬وردا على المعتزل‪00‬ة‪ 0،‬وأوردا شُـبَهَ خص‪00‬وم أه‪00‬ل‬
‫السنة وردا هليها‪.‬‬
‫‪ 1‬فيه أن الواجب عينيا‪ 0‬على كل مكلف إنما هو معرفة العقائ‪0‬د اإلس‪0‬المية واعتقاده‪0‬ا‪ ،‬إم‪0‬ا‬
‫بدون دليل عند البعض‪ ،‬أو م‪00‬ع ال‪00‬دليل اإلجم‪00‬الي‪ 0‬عن‪00‬د اآلخ‪00‬رين‪ 0،‬والمبح‪00‬وث عن‪00‬ه في علم الكالم‬
‫العقائ‪0‬د اإلس‪0‬المية م‪0‬ع أدلته‪0‬ا التفص‪00‬يلية‪ ،‬ودف‪0‬ع الش‪0‬به عنه‪0‬ا‪ ،‬إال أن يك‪0‬ون الش‪0‬ارح‪ 0‬ق‪0‬د أراد أن‬
‫الواجب عينيا ما هو الوارد في المتن من العقائد لكنه يأباه قوله‪ :‬ويسمى علم الكالم‪،‬‬
‫‪ -2‬إن كان مراده مطلق الواجبات والمستحيالت والجائزات فليس القضايا‪ 0‬الباحثة عنها‬
‫قضايا علم الكالم وإن أراد الواجبات والجائزات‪ 0‬والمستحيالت‪ 0‬هلل تعالى‪ 0‬فإنم‪00‬ا يج‪00‬ري ه‪00‬ذا الكالم‬
‫على قول من قال إن موضوع علم الكالم هو ذات هللا فقط وهو القاضي األرم‪00‬وي (وانظ‪00‬ر الكالم‬
‫علي‪00‬ه في ش‪00‬رح المقاص‪00‬د (‪ )1/180‬وق‪00‬ال في المقاص‪00‬د‪ :‬ومس‪00‬ائله القض‪00‬ايا النظري‪00‬ة الش‪00‬رعية‪0‬‬
‫االعتقادية‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬مراده أنه يتوقف عليها‪ 0‬الشروع على وجه البصيرة والنش‪00‬اط‪ ،‬وإال فأص‪00‬ل الش‪00‬روع‬
‫ال يتوقف عليها‪ 0‬فكم شارع في علم بدون معرفته بها‬
‫‪23‬‬
‫وإني لتعروني لذكراك هزة ‪ ##‬كما انتفض العصفور بلله القطر‬
‫ي يع‪00‬رى كعلم يعلم بمع‪00‬نى خال‪ ،‬والمناس‪00‬ب هن‪00‬ا الث‪00‬اني ال األول‪ ،‬إال أن‬
‫ويق‪00‬ال َع‪ِ 0‬ر َ‬
‫يوجه بأن “ عرا “ في كالم‪00‬ه بفتح ال‪00‬راء المقل‪00‬وب عن كس‪00‬رها‪ ،‬واألص‪00‬ل‪ :‬ع‪00‬ري كعلم‪،‬‬
‫قلبت الكسرة فتحة لمناسبة الوزن فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ً فص‪00‬ار‪ :‬ع‪00‬را‬
‫كرأى‪ ،‬ول‪0‬ذلك ق‪0‬ال المص‪0‬نف في ش‪0‬رحه الص‪0‬غير بع‪0‬د أن ش‪0‬رح على نس‪0‬خة “ خال “ م‪0‬ا‬
‫نصه‪ :‬هذه النس‪00‬خة الواقع‪00‬ة هن‪00‬ا أخ‪00‬برني بعض أص‪00‬حابنا الموث‪00‬وق بهم أن‪00‬ه أخ‪00‬ذها ع‪00‬ني‬
‫ك‪00‬ذلك‪ ،‬و ض‪00‬من “ خال “ مع‪00‬نى “ تج‪00‬رد “ فع‪00‬داه بعن‪ ،1‬ووجهن‪00‬ا نس‪00‬خة (ع‪00‬را) في‬
‫الشرحين أي الكبير والمتوسط‪ ،‬وم‪00‬راده ببعض األص‪00‬حاب الش‪00‬يخ اليوس‪00‬ي كم‪00‬ا وج‪00‬د في‬
‫بعض الهوامش الصحيحة‪.‬‬
‫‪{ -14‬تعريف الدين}‬
‫قوله (الدين) يطلق لغة على عدة معان‪ ،‬منها الطاعة والعبادة والجزاء والحساب‪،‬‬
‫ولهم فيه اصطالحا ً تعريفان‪ :‬أحدهما مختصر‪ :‬وهو ما شرعه هللا تعالى على لس‪00‬ان نبي‪00‬ه‬
‫من األحكام‪ ،‬وسمي شرعا ً وشريعة من حيث إن هللا ش‪00‬رعه لن‪00‬ا‪ :‬أي بين‪00‬ه لن‪00‬ا على لس‪00‬ان‬
‫النبي ؛ فاهلل هو الشارع حقيقة‪ ،‬والنبي شارع مجازاً‪ ،2‬وثانيهما مطول‪ :‬وهو وضع إلهي‬
‫سائق لذوي العقول السلمية باختيارهم المحمود إلى ما هو خير بالذات‪ ،‬فق‪00‬ولهم “ وض‪00‬ع‬
‫“ أي موضوع‪ ،‬فهو مصدر بمعنى اسم المفعول‪ :‬أي شيء موضوع بقطع النظ‪00‬ر عن أن‬
‫يكون حكما ً أو غيره ألجل اإلخراجات اآلتية‪ ،‬ودخل المج‪00‬از التعري‪00‬ف لش‪00‬هرته وق‪00‬ولهم “‬
‫إلهي “ أي منس‪00‬وب لإلل‪00‬ه وه‪00‬و هللا تع‪00‬الى‪ ،‬وخ‪00‬رج ب‪00‬ه الوض‪00‬ع البش‪00‬ري ظ‪00‬اهراً‪ ،‬وإال‬
‫فالواضع لجميع االشياء هو هللا في الحقيقة‪ ،‬وذل‪00‬ك نح‪00‬و الرس‪00‬وم السياس‪00‬ية أي الق‪00‬وانين‬
‫التي ترجع اليها سياسة العالم كعلم إصالح المنزل وحسن العش‪00‬رة م‪00‬ع األه‪00‬ل واإلخ‪00‬وان‪،‬‬
‫واألوضاع الصناعية كالتجارة والقزازة وغير ذلك‪ ،‬وقد ك‪00‬انت الحكم‪00‬اء الق‪00‬دماء يؤلف‪00‬ون‬
‫كتبا ً في سياسة الرعية وإصالح المدن فيحكم بها مل‪00‬وك من ال ش‪00‬رع لهم‪ ،‬فإن‪00‬ه وإن ك‪00‬ان‬
‫الخالق لكل األشياء هو هللا تعالى إال أن البشر لهم في هذه كسب‪.‬‬
‫وال يقال يلزم على ذلك أن أحكام الفق‪00‬ه االجتهادي‪00‬ة ليس‪00‬ت من ال‪00‬دين ألن البش‪00‬ر –‬
‫أعني المجتهدين‪ -‬لهم فيها كسب وإنما من‪00‬ه (أي من ال‪00‬دين) م‪00‬ا ورد نص‪0‬ا ً ال خالف في‪00‬ه‪،‬‬
‫‪ -1‬قوله ضمن خال إلخ ال حاجة إلى القول بالتضمين‪ 0‬ألن تعدي خال يكون بعن تقول خلت‬
‫الداد عن زيد كما تقول خلت منه‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله "مجازاً"‪ 0‬المراد بالحقيقة والمجاز هنا العقليان‪ ،‬ألن إسناد الشرع بمعنى التب‪00‬يين‬
‫إلى هللا تعالى من باب إسناد الشيء لما هو له فهو حقيقة عقلي‪00‬ة‪ 0،‬وإس‪00‬ناده إلى الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وس‪00‬لم من ب‪00‬اب‪ 0‬إس‪00‬ناد الش‪00‬يء لغ‪00‬ير م‪00‬ا ه‪00‬و ل‪00‬ه‪ ،‬فه‪00‬و مج‪00‬از عقلي ألن بي‪00‬ان األحك‪00‬ام‬
‫بالقرآن‪ 0‬ومنزله هو هللا تعالى فهو مبين حقيقة‪ ،‬ولما كان القرآن‪ 0‬منزالً على النبي صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم كان طريقا ً في البيان‪ 0،‬فأس‪00‬ند الي‪00‬ه الش‪00‬رع بمع‪00‬نى ت‪00‬بين األحك‪00‬ام لكون‪00‬ه طريق‪0‬ا ً فيه‪00‬ا‪.‬‬
‫أجهوري‬
‫التحقيق أن الشرع‪ 0‬الذي اشتق منه الشارع‪ 0‬بمعنى وضع األحك‪00‬ام‪ ،‬وال يخفى أن إس‪00‬ناده‬
‫بهذا المعنى إلى هللا حقيقة وإلى النبي مجاز وأم‪00‬ا في ق‪00‬ول الش‪00‬ارح‪ :‬وس‪00‬مي ش‪00‬رعا ف‪00‬المراد ب‪00‬ه‬
‫المشروع كما قال‪ :‬هو ما شرعه هللا من األحك‪00‬ام‪ .‬فق‪00‬ول الش‪00‬ارح‪ :‬فاهلل ه‪00‬و الش‪00‬ارع‪ 0‬الخ‪ .‬مف‪00‬رع‬
‫على قوله‪ :‬إن هللا شرعه لنا‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫ألن‪00‬ا نق‪00‬ول هي من ال‪00‬دين قطع‪00‬ا ً وهي موض‪00‬وع إلهي‪ ،‬غاي‪00‬ة األم‪00‬ر أن‪00‬ه يخفى علينا‪،1‬‬
‫والمجته‪00‬دون يع‪00‬انون إظهاره‪00‬ا واالس‪00‬تدالل عليه‪00‬ا بقواع‪00‬د الش‪00‬رع‪2‬وال م‪00‬دخل لهم في‬
‫وضعها‪ ،‬وقولهم “ سائق “ أي باعث وحامل‪ ،‬ألن المكلف إذا سمع ما ي‪00‬ترتب على فع‪00‬ل‬
‫الواجب من الثواب أو على فعل الح‪0‬رام من العق‪00‬اب انس‪00‬اق إلى فع‪0‬ل األول وت‪0‬رك الث‪00‬اني‪،‬‬
‫هكذا قالوا‪ .‬وخرج به الوضع اإللهي غير السائق‪ 3‬كإنبات األرض وإمطار السماء‪ ،‬وبحث‬
‫في ذلك بأنه سائق إلصالح المعاش‪ ،4‬فاألحسن التمثيل لغير السائق بالوضع اإللهي الذي‬
‫ال اطالع لنا عليه‪ ،‬كالذي تحت األرض‪00‬ين ف‪00‬إن م‪00‬ا ال نعرف‪00‬ه ال يس‪00‬وقنا لش‪00‬يء‪ .‬وق‪00‬ولهم “‬
‫لذوي العقول السليمة “ أي أصحاب العقول السلمية من الكفر‪ ،‬والمراد لهم فقط‪ ،‬وخرج‬
‫به ما يسوقهم وغيرهم من الحيوان‪00‬ات كاألوض‪00‬اع الطبيعي‪00‬ة ال‪00‬تي يهت‪00‬دي به‪00‬ا الحيوان‪00‬ات‬
‫وهي اإللهامات التي تسوق الحيوانات لفعل منافعها كنسج العنكبوت واتخاذ النحل بيوت ‪0‬اً‪،‬‬
‫واجتناب مضارها كنف‪00‬ر الش‪00‬اة من ال‪00‬ذئب وغ‪00‬ير ذل‪00‬ك‪ .‬وق‪00‬ولهم “ باختي‪00‬ارهم المحم‪00‬ود “‬
‫خ‪00‬رج ب‪00‬ه األوض‪00‬اع الس‪00‬ائقة لهم ال باختي‪00‬ارهم‪ ،‬أو باختي‪00‬ارهم الم‪00‬ذموم؛ ف‪00‬األولى ك‪00‬اآلالم‬
‫السائقة لألنين رغماً‪ ،‬وكالوجدانيات كالجوع والعطش فإنهما يسوقان إلى األكل والش‪00‬رب‬
‫قهراً‪ ،‬والثانية كحب الدنيا‪ ،‬فإنه وضع إلهي يبعث ذوي العقول إلى ترك الزكاة باختي‪00‬ارهم‬
‫المذموم‪ ،‬ومتى كان االختيار محموداً ال يس‪00‬وق إال إلى خ‪00‬ير؛ فق‪00‬ولهم “ إلى م‪00‬ا ه‪00‬و خ‪00‬ير‬
‫لهم “ إنما ذكروه توص‪0‬الً لق‪00‬ولهم “ بال‪00‬ذات “ فه‪00‬و متعل‪00‬ق بخ‪00‬ير‪ ،‬وذل‪00‬ك الخ‪00‬ير ال‪00‬ذاتي‬
‫عبارة عن السعادة األبدية والق‪0‬رب من رب البري‪0‬ة‪ ،‬وخ‪0‬رج ب‪0‬ذلك ص‪0‬نعتا الطب والفالح‪0‬ة‬
‫فإنهما وإن تعلقتا بوضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود‪ ،‬لكن ال إلى الخ‪00‬ير‬
‫الذاتي بل إلى صنف من الخ‪00‬ير وه‪00‬و حف‪00‬ظ ص‪00‬حة أب‪00‬دانهم بالحكم‪00‬ة والعق‪00‬اقير أي أج‪00‬زاء‬
‫األدوي‪00‬ة وبنح‪00‬و األغذي‪00‬ة‪ ،‬وحاص‪00‬ل ه‪00‬ذا التعري‪00‬ف م‪00‬ع طول‪00‬ه أن ال‪00‬دين ه‪00‬و األحك‪00‬ام ال‪00‬تي‬
‫وضعها هللا باعثة للعباد إلى الخير الذاتي‪.‬‬

‫‪{-15‬أمهات أمور الدين أربعة}‬


‫‪5‬‬
‫{فائ‪0‬دة} أم‪0‬ور ال‪00‬دين أربع‪0‬ة كم‪0‬ا ق‪0‬ال الن‪0‬ووي‪ :‬أي عالم‪0‬ات وج‪0‬وده ‪.‬وق‪00‬د نظمه‪0‬ا‬
‫بعضهم فقال‪:‬‬

‫‪ 1‬الظاهر‪ 0:‬أنها أي األحكام االجتهادية تخفى علينا‪.‬‬


‫‪ 2‬هذا الجواب إنما يجري على قول المصوبة القائلين بأن كل مجتهد مصيب وهو م‪00‬ذهب‬
‫ضعيف‪،‬واألولى أن يقال في الجواب المراد بالوضع اإللهي ما وضعه هللا تعالى مباشرة ك‪00‬األمور‬
‫المنصوصة المتفق عليها‪ ،‬وما استند اليه استنباطا ً واجته‪00‬اداً كاألموراالجتهادي‪0‬ة‪ 0‬فيش‪00‬مل جمي‪00‬ع‬
‫األحكام االجتهادية سواء أصاب المجتهد فيها أم لم يصب‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا الكالم مبني على اشتباه الوضع بالخلق‪.‬‬
‫‪ -4‬فيه ان هذه االمور سبب إلصالح المعاش ال سائقة إليه‬
‫‪ 5‬الصواب‪ 0:‬أي أمهات أموره المندرج فيها غيرها‪ 0،‬وذل‪00‬ك ألن ال‪00‬دين إن ك‪00‬ان عب‪00‬ارة عن‬
‫صحة االعتقاد فهو الدين نفسه وليس عالمة عليه‪ 0،‬وإن كان الدين صحة االعتق‪00‬اد م‪00‬ع األعم‪00‬ال‬
‫فمجموع هذه األمور هي الدين وليست عالمة عليه‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫أمور الدين صدق قصد وفا العهد ‪ ##‬وترك لمنهي كذا صحة العقد‬
‫فصدق القصد‪ :‬أداء العبادة بالني‪00‬ة واإلخالص؛ ووف‪00‬اء العه‪00‬د‪ :‬اإلتي‪00‬ان ب‪00‬الفرائض‪.‬‬
‫وترك المنهي‪ :‬اجتناب المحرمات‪ .‬وص‪00‬حة العق‪00‬د‪ :‬جزم‪00‬ه بعقائ‪00‬د أه‪00‬ل الس‪00‬نة‪ .‬قول‪00‬ه (عن‬
‫التوحيد) متعلق بـ “ خال “ والمراد بالتوحيد هنا‪ :‬التوحيد اللغوي وهو العلم بأن الشيء‬
‫واحد‪ ،‬وبحمل التوحيد هنا على اللغوي وفيما مر على الشرعي اندفع اإليطاء وهو اتح‪00‬اد‬
‫الق‪00‬افيتين لفظ‪00‬ا ومع‪00‬نى دون س‪00‬بعة أبي‪00‬ات‪ ،‬ورد ذل‪00‬ك ب‪00‬أن ال‪00‬دين إنم‪00‬ا ع‪00‬را عن التوحي‪00‬د‬
‫الشرعي؛ فالحق أن التوحيد في الموض‪00‬عين ش‪0‬رعي‪،‬وال ي‪0‬رد أن في كالم‪0‬ه إيط‪0‬اءاً إال إذا‬
‫كانت هذه المقدمة من مشطور الرجز‪ .‬أما إذا كانت من تامة فال إيطاء‪ ،‬لما علمت من أنه‬
‫اتحاد القافيتين‪ ،‬وقافية البيت ال تكون إال آخره‪ ،‬أما آخر الش‪00‬طر فليس بقافي‪00‬ة‪ .‬ق‪00‬ال ش‪00‬يخ‬
‫اإلسالم‪ :‬خرج بتكرير القافي‪00‬ة تكري‪00‬ر غيره‪00‬ا كتكري‪00‬ر آخ‪00‬ر النص‪00‬ف األول من آخ‪00‬ر ال‪00‬بيت‬
‫فليس بإيطاء‪ ،‬ولو سلم أن في كالم المص‪00‬نف إيط‪00‬اء فه‪00‬و ج‪00‬ائز للمول‪0‬دين كم‪00‬ا ه‪0‬و ج‪00‬ائز‬
‫لغيرهم‪ ،‬وعلى اختالف التوحيد في الموضعين يكون في الكالم الجناس الت‪00‬ام وه‪00‬و اتف‪00‬اق‬
‫الكلمتين لفظا ً ال معنى‪.‬‬

‫‪ -3‬فأرشد الخلق لدين الحق ‪ ##‬بسيفه وهديه للحق‬


‫قوله (فأرشد الخلق… إلخ) معطوف على “ جاء بالتوحي‪00‬د “ فيقتض‪00‬ي أن الن‪00‬بي‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم أرشد الخلق بالسيف عقب اإلرسال‪ ،‬ألن الفاء تقتض‪00‬ي التعقيب‬
‫مع أن الجهاد لم يشرع بف‪00‬ور اإلرس‪00‬ال ب‪00‬ل بع‪00‬د الهج‪00‬رة بس‪00‬نة‪ ،‬ألن‪00‬ه ش‪00‬رع في ص‪00‬فر من‬
‫السنة الثانية من الهجرة كم‪00‬ا نب‪00‬ه علي‪00‬ه الحل‪00‬بي في الس‪00‬يرة‪ ،‬وق‪00‬د يق‪00‬ال‪ :‬التعقيب في ك‪00‬ل‬
‫شيء بحسبه‪ ،‬ونوقش في ذلك بأنه ال يقال ذلك إال إذا كان الم‪00‬ذكور ال يمكن وج‪00‬وده قب‪00‬ل‬
‫مضي المدة التي بينه وبين المعطوف‪ 0‬عليه‪ ،‬كما في “ تزوج زيد فولد له “ وهنا الجهاد‬
‫يمكن حصوله قبل هذه المدة‪ ،‬وأجاب بعضهم بأن الجه‪0‬اد غ‪0‬ير ممكن قب‪0‬ل ه‪0‬ذه الم‪00‬دة من‬
‫حيث عدم اإلذن فيه‪.1‬قال الشهاب الملوي‪ :‬ويمكن التعقيب الحقيقي بالنظر لقوله “ هدي‪00‬ه‬
‫للحق “ ألن اإلرشاد بالهدى كان عقب اإلرس‪00‬ال‪ ،‬فلم يت‪00‬أخر ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫عن اإلرشاد لحظة ما‪ . 2‬ومعنى اإلرشاد الحقيقي‪ :‬تصييرهم راشدين أي مهديين‪ .‬وفسروه‬
‫مجازاً بالداللة‪ ،‬فإن حمل على األول كان خاصا ً بمن آمن‪ ،‬وإن حمل على الثاني كان عاما ً‬
‫لمن آمن ولمن كفر‪.‬‬
‫ً‬
‫وقوله “ الخلق “ أي جميع الثقلين اإلنس والجن إجماعا‪ ،‬وكذا المالئكة بن‪00‬اء‬
‫على أنه مرسل إليهم إرسال تكليف‪ ،‬والراجح أنه مرسل إليهم إرس‪00‬ال تش‪00‬ريف كم‪00‬ا تق‪00‬دم‬
‫ل‪00‬ك تحري‪00‬ره وإن رجح بعض‪00‬هم هن‪00‬ا خالف‪00‬ه‪ .‬وأم‪00‬ا إرس‪00‬اله إلى س‪00‬ائر الحيوان‪00‬ات فإرس‪00‬ال‬

‫‪ 1‬فيه أن اللغة العربية ال تنظ‪0‬ر إلى مث‪0‬ل ه‪0‬ذه األم‪0‬ور‪ ،‬ب‪0‬ل الج‪0‬واب الس‪0‬ديد أن الف‪0‬اء‪ 0‬هن‪0‬ا‬
‫واردة موضع ثم‪.‬‬
‫‪ 2‬فيه أن الفاء ال تأتي لتعقيب جزأ ما بعدها وإنما تأتي لتعقيب‪ 0‬كله‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫تشريف قطعا ً‪ .1‬فإن قلت كيف يستقيم العموم‪ 0‬في الخلق مع أنه صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم‬
‫لم يرش‪00‬د من لم يجتم‪00‬ع ب‪00‬ه؟ قلت‪ :‬اإلرش‪00‬اد أعم من أن يك‪00‬ون بنفس‪00‬ه كمن اجتم‪00‬ع ب‪00‬ه‪ ،‬أو‬
‫بواسطة كمن جاء بعده أو كان في زمانه ولم يجتم‪00‬ع ب‪00‬ه‪ ،‬وق‪00‬د ق‪00‬ال ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم‪( :‬ليبلغ الشاهد منكم الغائب‪ ،‬فرب مبلغ أوعى من سامع)‪.2‬‬
‫وقوله‪ “ :‬لدين الحق “ متعلق بأرشد‪ ،‬وم‪00‬ادة اإلرش‪00‬اد تتع‪00‬دى ب‪00‬الالم كم‪00‬ا تتع‪00‬دى‬
‫بعلى‪ 3‬والدالل‪000‬ة تتع‪000‬دى بعلى‪ ،‬فمن فس‪000‬ر اإلرش‪000‬اد بالدالل‪000‬ة فس‪000‬ر الالم بعلى‪ ،‬ومن أبقى‬
‫اإلرشاد على معناه الحقيقي أبقى الالم على حقيقتها‪ .‬فإنه يقال‪ :‬أرشدني لكذا‪.‬‬
‫والمراد من الحق هنا‪ :‬هللا تعالى؛ ألنه اسم من أسمائه تع‪00‬الى ومعن‪00‬اه المتحق‪00‬ق‬
‫وجوده دائما ً وأبداً‪ ،‬بحيث ال يسبقه عدم وال يلحقه ع‪00‬دم‪ ،‬ويص‪00‬ح أن ي‪00‬راد ب‪00‬الحق هن‪0‬ا م‪00‬ا‬
‫طابقه الواقع‪ ،‬وإضافة الدين للح‪00‬ق على األول على مع‪00‬نى الالم وعلى الث‪00‬اني للبي‪00‬ان‪ :‬أي‬
‫لدين هو األحكام‪ 0‬الحقة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬بسيفه) يحتمل أن يكون متعلقا ً بمح‪0‬ذوف ح‪0‬ال من فاع‪0‬ل أرش‪00‬د‪ :‬أي أرش‪00‬د‬
‫لجئ ‪0‬ا ً لهم بس‪00‬يفه‪ ،‬ألن اإلرش‪00‬اد‬‫الخلق لدين الحق حال كونه ملتبسا ً بسيفه أو حال كون‪00‬ه ُم ِ‬
‫والداللة ليسا بالسيف ح‪0‬تى تك‪0‬ون الب‪0‬اء للتعدي‪0‬ة ب‪0‬ل باللس‪0‬ان قطع‪0‬ا ً وه‪0‬ذا إذا جع‪0‬ل أرش‪0‬د‬
‫بمعنى دل‪ ،‬أما إذا جعل بمعنى صيرهم راشدين على أن المراد بالخلق أمة اإلجاب‪00‬ة فالب‪00‬اء‬
‫للسببية‪ 4‬وإضافة س‪0‬يف للض‪0‬مير ألدنى مالبس‪0‬ة‪ ،‬ألن الم‪0‬راد بالس‪0‬يف الس‪0‬يف ال‪0‬ذي ج‪0‬اء‬
‫بمشروعية مقاتلة أعداء هللا به س‪00‬واء ك‪00‬ان بي‪0‬ده أو بي‪0‬د من تبع‪0‬ه ول‪0‬و إلى ي‪00‬وم القيام‪00‬ة‪،‬‬
‫والمراد بالسيف آلة الجهاد التي يباح قتال الحربيين بها‪ ،‬حتى الحج‪00‬ارة‪ ،‬فق‪00‬د رمى ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ب‪00‬الحجر في ي‪00‬وم أح‪00‬د‪ ،‬ففي كالم المص‪00‬نف مج‪00‬از مرس‪00‬ل من إطالق‬
‫الخ‪00‬اص وإرادة الع‪00‬ام‪ ،‬فه‪00‬و من ب‪00‬اب عم‪00‬وم المج‪00‬از‪ :‬أي المج‪00‬از الع‪00‬ام الش‪00‬امل للحقيق‪00‬ة‬
‫والمجاز‪.5‬‬
‫وقد كان له صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم س‪00‬يوف متع‪00‬ددة‪ :‬منه‪00‬ا “ الم‪00‬اثور “ وه‪00‬و‬
‫أول سيف ملكه ألنه ورثه عن أبيه‪ ،‬ومنه‪00‬ا “ القض‪00‬يب “ بالق‪00‬اف والض‪00‬اد‪ ،‬ومنه‪00‬ا “ ذو‬
‫الفَقار “ بفتح الف‪0‬اء وكس‪0‬رها‪ ،‬ومنه‪0‬ا غ‪0‬ير ذل‪0‬ك‪ ،‬وق‪0‬د دف‪0‬ع ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‬
‫لعكاشة جزل‪ 6‬حطب حين انكس‪00‬ر س‪00‬يفه ي‪00‬وم ب‪00‬در وق‪00‬ال‪ :‬اض‪00‬رب ب‪00‬ه‪ ،‬فع‪00‬اد في ي‪00‬ده س‪00‬يفا ً‬
‫صارما ً طويالً أبيض شديد المتن فقاتل به‪.7‬‬

‫‪ 1‬ال معنى إلرساله‪ 0‬إليهم كما أنه ال معنى لتشريفهم‪.‬‬


‫‪ 2‬هو قطعة من حديث أخرجه البخاري‪ 0‬من حديث أبي بكر رضي هللا عن‪00‬ه في كت‪00‬اب الحج‬
‫باب الخطبة أيام منى رقم (‪.)1741‬‬
‫‪ 3‬فيه أن اإلرشاد يتعدى بإلى‪ 0‬ال بعلى تقول أرشدته إليه‪ 0،‬وال تقول أرشدته عليه‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله فالباء‪ 0‬للس‪00‬ببية‪ .‬والكالم على التوزي‪00‬ع يع‪00‬ني أن‪00‬ه أرش‪00‬د بعض‪00‬هم بس‪00‬يفه وبعض‪00‬هم‬
‫بهديه للحق‪.‬‬
‫‪ 5‬فيه أن عموم المجاز غير ذكر الخاص‪ 0‬وإرادة العام‪ ،‬وإنما هو إطالق اللف‪0‬ظ‪ 0‬على مع‪00‬نى‬
‫مجازي عام شامل للمعنى الحقيقي‪ 0‬ومعنى مجازي آخر‪.‬‬
‫‪ 6‬الجزل ما غلظ من الحطب ويبس‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫قول‪0‬ه (وهدي‪0‬ه للح‪00‬ق) عط‪00‬ف على “ س‪00‬يفه “ فيص‪0‬ير التق‪0‬دير‪ :‬وأرش‪00‬دهم بهدي‪00‬ه‬
‫للحق‪ ،‬لكن يلزم عليه تهافت‪ ،‬إذ التقدير‪ :‬ودلهم بداللته‪ ،‬إال أن تجعل الباء للتصوير‪،1‬‬
‫فتحص‪00‬ل أن الب‪00‬اء من حيث دخوله‪00‬ا على الس‪00‬يف للمالبسة‪ 2‬أو للس‪00‬ببية كم‪00‬ا تق‪00‬دم‬
‫بيان‪00‬ه‪ ،‬ومن حيث دخوله‪00‬ا على هدي‪00‬ه للتص‪00‬وير‪ ،‬وبعض‪00‬هم حم‪00‬ل اله‪00‬دى على الق‪00‬رآن‬
‫والسنة‪ ،3‬فقد كان صلى هللا عليه وآله وسلم يرسل الناس أوالً بالقرآن والدعوة لإلس‪00‬الم‪،‬‬
‫فإن أجابوا لإلس‪00‬الم فظ‪00‬اهر‪ ،‬وإال أعلمهم ب‪00‬التهيؤ للجه‪00‬اد‪ ،‬وهك‪00‬ذا خلف‪00‬اؤه وأص‪00‬حابه من‬
‫بعده‪4‬؛ والمراد بالحق هنا ما طابقه الواقع إن أريد ب‪00‬الحق األول هللا تع‪00‬الى‪ ،‬أو الم‪00‬راد ب‪00‬ه‬
‫هنا هللا تعالى إن أريد به في األول ما طابقه الواق‪00‬ع‪ ،‬فليس في كالم المص‪00‬نف إيط‪00‬اء‪ ،‬ب‪00‬ل‬
‫فيه الجناس التام‪ ،‬وفيه ما تقدم من أنها ليست من المشطور‪.‬‬
‫‪{-16‬تعريف الحق والباطل}‬
‫‪5‬‬
‫واعلم أنهم فسروا الحق بأنه الحكم الذي طابقه الواقع‪ ،‬وض‪00‬ده الباط‪00‬ل‪ ،‬وفس‪00‬روا‬
‫الصدق بأنه الحكم الذي طابق الواقع‪ ،‬وضده الكذب‪ ،‬فأسندوا المطابق‪00‬ة في تفس‪00‬ير الح‪00‬ق‬
‫إلى الواق‪00‬ع‪ ،‬وفي تفس‪00‬ير الص‪00‬دق إلى الحكم‪ ،‬وذل‪00‬ك أن المطابق‪00‬ة وإن ك‪00‬انت مفاعل‪00‬ة من‬

‫‪ 7‬كان ذلك السيف يسمى بالعون‪ 0،‬ولم يزل عند عكاشة يشهد به المش‪0‬اهد م‪0‬ع رس‪0‬ول هللا‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم حتى قتل رضي هللا عنه أثناء حروب الردة وه‪00‬و عن‪00‬ده‪( .‬انظ‪00‬ر س‪00‬يرة‬
‫ابن هشام ‪.)278-3/277‬‬
‫ي للحق‪.‬‬‫ُ‬ ‫الهد‬ ‫وهو‬ ‫أنواعه‪،‬‬ ‫بأحد‬ ‫‪ 1‬أي تصوير العام‬
‫‪ 2‬قول‪00‬ه "للمالبس‪00‬ة" والمع‪00‬نى على المالبس‪00‬ة‪ 0:‬أرش‪00‬د الخل‪00‬ق أي دلهم ملتبس‪0‬اً‪ 0‬عن‪00‬د ذل‪00‬ك‬
‫بسيفه إرشاداً مصوراً بهديه‪ ،‬ويرد عليه أن الواو حينئذ ال تكون لتشريك‪ 0‬ما بعدها مع م‪00‬ا قبله‪00‬ا‬
‫في الحكم‪ ،‬ألن حكم ما قبلها كونه متلبسا ً به عند اإلرشاد وما بعدها ليس بهذا الحكم بل تص‪00‬وير‬
‫لإلرشاد‪ ،‬والمعنى على جعلها للسببية‪ 0:‬أرشد الخل‪0‬ق أي ص‪0‬يرهم راش‪0‬دين بس‪0‬بب س‪0‬يفه إرش‪0‬اداً‬
‫مصوراً بهديه‪ ،‬ويرد عليه ما تقدم بعينه‪ ،‬وي‪00‬رد علي‪00‬ه أيض‪0‬اً‪ 0‬أن اإلرش‪00‬اد حينئ‪00‬ذ بمع‪00‬نى التص‪00‬يير‪0‬‬
‫راشدين‪ ،‬وهو بهذا المعنى ال يصور بالهدى‪ ،‬فتعين حم‪00‬ل اله‪00‬دى على الق‪00‬رآن والس‪00‬نة‪ 0،‬وحينئ‪00‬ذ‬
‫تكون الباء‪ 0‬للسببية بالنظر‪ 0‬إلى السيف والهدى جميعاً‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 3‬وذلك بحمل الهدي على ما به الهدى أي الداللة وهو الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ 4‬أخرج مسلم ما يدل على ذلك في كتاب الجهاد (‪.)1731‬‬
‫‪ 5‬قول‪00‬ه "وفس‪00‬روا" الم‪00‬ذكور في علم المع‪00‬اني‪ 0‬أن ص‪00‬دق الخ‪00‬بر مطابق‪00‬ة حكم‪00‬ه للواق‪00‬ع‬
‫فالصدق هو مطابقة الحكم‪ ،‬ال الحكم المطابق للواقع‪ .‬وفرق بين مطابقة الحكم والحكم المط‪00‬ابق‪،‬‬
‫والمناسب له‪00‬ذا حم‪00‬ل الح‪00‬ق ال‪00‬ذي أري‪00‬د الف‪00‬رق بين‪00‬ه وبين الص‪00‬دق على معن‪00‬اه المص‪00‬دري وه‪00‬و‬
‫المطابقة‪ 0،‬ألن الحق يستعمل مصدراً‪ ،‬والش‪0‬ارح‪ 0‬حمل‪0‬ه على أن‪0‬ه اس‪0‬م فاع‪00‬ل وفس‪00‬ره بم‪00‬ا طابق‪00‬ه‬
‫الواقع وهما معنيان صحيحان‪ 0،‬إال أن المناس‪0‬ب‪ 0‬منهم‪00‬ا هن‪00‬ا األول‪ .‬ليتح‪00‬د م‪0‬ع الص‪00‬دق في ان كال‬
‫منهما مطابقة وان كانت المطابقة‪ 0‬في جانب‪ 0‬الصدق تسند الى الحكم‪ ،‬فيقال‪ :‬مطابق‪00‬ة حكم الخ‪00‬بر‬
‫للواقع والحق مطابقة الواقع للحكم – اجهوري ‪.-‬‬
‫‪28‬‬
‫‪1‬‬
‫الجانبين إال أنه لما كان الحق مأخوذاً من ح‪00‬ق الش‪00‬يء ثبت –والث‪00‬ابت إنم‪00‬ا ه‪00‬و الواق‪00‬ع‪-‬‬
‫ناسب أن تنسب المطابقة في جانب الحق إلى الواقع‪ ،‬بخالفه في الصدق‪.2‬‬
‫واختار بعض المحققين أن الحق والصدق شيء واحد وهو مطابقة الخبر الواق‪00‬ع؛‬
‫ألن الواقع شيء ثابت في نفسه يقاس عليه غيره‪ ،‬والمراد بالواقع علم هللا تع‪00‬الى‪ ،‬وقي‪00‬ل‬
‫اللوح المحفوظ‪،3‬وقيل غير ذلك‪ .‬فإن قيل‪ :‬لم قدم الناظم السيف على الهدى مع أن اله‪00‬دى‬
‫سابق على الجهاد ألنه لم يشرع إال بعد الهجرة كما علمته مما سبق‪ ،‬وال ش‪00‬ك أن‪00‬ه ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم هدي قبلها؟ أجيب بأنه قدم السيف اهتماما ً بالجه‪00‬اد‪ ،‬وإش‪00‬ارة إلى أن‬
‫ما جاء به ال يظهر إال بالجهاد خصوصا ً في مبدأ دعوته على أن الواو ال تفيد ترتيب ‪0‬ا ً على‬
‫الصحيح‪.‬‬

‫‪ -4‬محمد العاقب لرسل ربه ‪ ##‬وآله وصحبه وحزبه‬


‫قوله (محمد) بح‪0‬ذف تنوين‪00‬ه لل‪0‬وزن كتس‪0‬كين ب‪0‬اء “ الع‪00‬اقب “ ويج‪0‬وز في اللف‪0‬ظ‬
‫الشريف أوجه اإلعراب الثالثة‪ ،‬الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف‪ :‬أي هو محمد‪ ،‬وه‪00‬ذا‬
‫األولى من جهة التعظيم؛ ليكون االسم الشريف مرفوعا ً وعمدة‪ ،4‬كما أن مدلول‪00‬ه مرف‪00‬وع‬
‫الرتبة وعمدة الخلق‪ ،‬والنص‪00‬ب على ان‪00‬ه مفع‪00‬ول لفع‪00‬ل مح‪00‬ذوف والتق‪00‬دير‪ :‬أع‪00‬ني محم‪00‬داً‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬لكن النصب ال يس‪00‬اعده الرس‪00‬م إال على طريق‪00‬ة من يرس‪00‬م المنص‪00‬وب بص‪00‬ورة‬
‫المرف‪00‬وع والمج‪00‬رور؛ والج‪00‬ر على أن‪00‬ه ب‪00‬دل أو عط‪00‬ف بي‪00‬ان‪ ،‬لكن ي‪00‬رد على أن‪00‬ه ب‪00‬دل‪ :‬أن‬
‫القاعدة أن المبدل منه في نية الطرح والرمي‪ ،‬فيقتضي جعله ب‪00‬دالً‪ :‬أن وص‪00‬ف النب‪00‬وة في‬
‫ني‪00‬ة الط‪00‬رح وال‪00‬رمي م‪0‬ع أن‪00‬ه مقص‪00‬ود‪ ،5‬ويج‪00‬اب عن‪00‬ه ب‪00‬أن القاع‪00‬دة أغلبي‪00‬ة أو “ أن ذل‪0‬ك‬

‫‪ 1‬الذي ال يتغير هو الواقع بخالف االعتقاد فإنه قد يتغ‪00‬ير‪ ،‬وفي‪00‬ه أن ه‪00‬ذا الق‪00‬ول ي‪00‬دل على‬
‫نقيض المدعي وإن المطابقة‪ 0‬تعتبر من جانب‪ 0‬الحكم وذلك ألن المعتبر ثابتاً‪ 0‬هو الواقع والثابت‪ 0‬ال‬
‫تعتبر المطابقة من جانبه بل تعتبر مطابقة الجانب اآلخر له‪ ،‬فالصواب أن يقول‪ :‬إن‪00‬ه لم‪00‬ا اعت‪00‬بر‬
‫الحق وصفا ً للحكم اعتبر هو ثابتا فال يناس‪00‬ب اعتب‪00‬ار المطابق‪0‬ة‪ 0‬من جانب‪0‬ه‪ 0‬ب‪00‬ل يعت‪00‬بر أن الواق‪00‬ع‬
‫مطابق له‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله بخالفه في الصدق‪ .‬فإنه لم يعتبر فيه مع‪0‬نى الثب‪0‬وت فينبغي هن‪0‬ا مالحظ‪0‬ة الواق‪0‬ع‪،‬‬
‫والثابت‪ 0‬في الواقع هو الواقع فيعتبر هو ثابتاً‪ 0‬وتعتبر المطابقة من جانب‪ 0‬الحكم‪.‬‬
‫‪ 3‬والحق أنه هو الخارج الذي للنسبة الخبرية‪.‬‬
‫‪ 4‬في‪00‬ه أن األولوي‪00‬ة في الكالم ال تالح‪00‬ظ باعتب‪00‬ار‪ 0‬المناس‪00‬بة باالص‪00‬طالحية الحادث ‪0‬ة‪ 0‬وإنم‪00‬ا‬
‫تالحظ باعتبار‪ 0‬المدلوالت اللغوية‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫بالنظر‪ 1‬لعمل العامل “ ‪2‬؛ ويرد على أنه عطف بي‪00‬ان أن‪00‬ه يش‪00‬ترط أن يك‪0‬ون عط‪0‬ف البي‪00‬ان‬
‫موافقا ً للمتبوع تعريفا ً وتنكيراً‪ ،‬ويجاب عنه بأنه جرى على رأي الزمخشري القائل بع‪00‬دم‬
‫اشتراط ذلك‬
‫و “ محم‪00‬د “ علم منق‪00‬ول من اس‪00‬م مفع‪00‬ول‪ 0‬الفع‪00‬ل المض‪00‬عف العين‪ :‬أي المك‪00‬رر‬
‫العين‪ ،‬ولذلك كان أبلغ من محم‪00‬ود‪ ،‬فه‪00‬ذا االس‪00‬م يفي‪00‬د المبالغ‪00‬ة في المحمودي‪00‬ة كم‪00‬ا أن “‬
‫أحمد “ يفيد المبالغة في الحامدية بحسب أصله‪ ،‬ألنه ك‪0‬ان أفع‪00‬ل تفض‪00‬يل‪ ،‬فه‪0‬و ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم أج‪00‬ل من ُحم‪00‬د وأعظم من َح ِم‪00‬د‪ ،‬بالبن‪00‬اء للمفع‪00‬ول في األول وللفاع‪00‬ل في‬
‫الثاني‪ ،‬وهذا االسم أشرف أسمائه صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ .‬ق‪00‬ال ابن الع‪00‬ربي نقالً عن‬
‫بعضهم‪ :‬إن هلل تعالى ألف اسم‪ ،‬وللنبي عليه أفضل الصالة والسالم ك‪00‬ذلك‪ ،‬وهي توقيفي‪00‬ة‬
‫باتفاق ‪ ،‬وأما أس‪0‬ماؤه تع‪0‬الى ففيه‪0‬ا خالف‪ ،‬وال‪00‬راجح أنه‪00‬ا توقيفي‪00‬ة‪ ،‬والف‪0‬رق بينهم‪00‬ا أن‪0‬ه‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم بشر‪ ،‬فربما تسوهل في شأنه فأطلق علي‪00‬ه م‪00‬ا ال يلي‪00‬ق‪ ،‬فس‪00‬دت‬
‫الذريعة باتفاق‪ .‬وأما مقام األلوهية فال يتجاسر عليه‪ ،‬فلذلك قيل بعدم التوقيف‪ ،‬والمسمي‬
‫له صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪0‬لم به‪00‬ذا االس‪00‬م ج‪0‬ده على الص‪00‬حيح‪ ،‬وقي‪00‬ل أم‪0‬ه‪ ،‬وجم‪00‬ع بأنه‪0‬ا‬
‫أشارت عليه بتسميته محم‪00‬داً بس‪00‬بب م‪00‬ا رأت‪00‬ه أن شخص‪0‬ا ً يق‪00‬ول له‪00‬ا‪ :‬ف‪0‬إن ولدت‪00‬ه فس‪00‬ميه‬
‫محمداً‪ .‬فلما أخبرته بذلك سماه محمداً رجاء أن يحمد في السماء واألرض‪ ،‬وقد حق‪00‬ق هللا‬
‫رجاءه كما سبق في علمه‪ ،‬والمسمي له به في الحقيقة‪ 0‬هو هللا تع‪00‬الى‪ ،‬ألن‪00‬ه أظه‪00‬ر اس‪00‬مه‬
‫قبل والدته صلى هللا عليه وآله وسلم في الكتب وألهم جده بذلك فهو بتوقيف شرعي‪.3‬‬
‫قوله (العاقب) نعت لمحمد وهو الذي يأتي في العقب‪ ،‬وفسروه بأنه ال‪00‬ذي يحش‪00‬ر‬
‫الناس على قدمه‪ :‬أي على طريقه وشرعه‪ ،‬ففي الحديث‪( :‬أنا العاقب فال نبي بع‪00‬دي)‪ 4‬أي‬
‫تبتدأ نبوته‪ ،‬فال ينافي نزول عيسى في آخر الزمان ووجود الخضر وإلي‪00‬اس اآلن‪ ،5‬وإنم‪00‬ا‬
‫‪ 5‬قوله‪ :‬مع أنه مقصود‪ .‬فيه أن مقصودهم بذلك أن المبدل منه ليس بمقص‪00‬ود أص‪00‬لي ب‪00‬ل‬
‫المقصود االصلي هو البدل ال إنه ليس بمقصود أصالً فإنه مقصود‪ ،‬لكنه أتى توطئة ل‪00‬ذكر الب‪00‬دل‬
‫والمقصود هنا الصالة على محمد فوصفه بالنبوة قبل ذكر اسمه توطئة لذلك وال بأس في هذا‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله "أو أن ذلك بالنظر‪… 0‬إلخ" معناه أن عامل المبدل من‪00‬ه ال توج‪00‬ه ل‪00‬ه على الب‪00‬دل‪،‬‬
‫بل للبدل عامل آخر نظير عامل المبدل منه على الراجح عن‪00‬د النح‪00‬اة فعم‪00‬ل عام‪00‬ل المب‪00‬دل من‪00‬ه ال‬
‫ارتباط له بالبدل أصالً‪ ،‬هذا م‪00‬ا ظه‪00‬ر اهـ‪ .‬أي ف‪00‬المطروح ه‪00‬و عم‪00‬ل عام‪00‬ل المب‪00‬دل من‪00‬ه ال نفس‬
‫المبدل منه بل هو مقصود –أجهوري‪ -‬اقول‪ :‬ال وجه لما قاله الشارح‪ 0‬وال لما وجه به االجهوري‬
‫قوله فالصواب ما قلنا من أن المبدل منه ليس بمقصود أصلي‪ ،‬ال أنه ليس بمقصود أصال‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬من حيث أن‪00‬ه أظه‪00‬ر اس‪00‬مه في الكتب الس‪00‬ابقة ال من حيث اإلله‪00‬ام ألن‪00‬ه ليس من ط‪00‬رق‬
‫التوقيف‪.‬‬
‫‪ 4‬أخرجه مسلم في كتاب الفضائل برقم (‪ )2354‬بلفظ (وأنا العاقب الذي ليس بعده ن‪00‬بي)‬
‫والبخاري في كت‪00‬اب المن‪00‬اقب‪ 0‬رقم (‪ )3339‬ب‪00‬دون قول‪00‬ه‪( :‬ال‪00‬ذي ليس بع‪00‬ده ن‪00‬بي) والترم‪00‬ذي في‬
‫كتاب األدب رقم (‪ )2840‬بلفظ (وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي) كلهم عن جبير بن مطعم‪.‬‬
‫‪ 5‬قد اختلف في نس‪00‬ب الخض‪0‬ر‪ 0‬و في كون‪00‬ه نبي‪0‬ا ً وفي بقائ‪00‬ه حي‪0‬ا ً ح‪00‬تى اآلن‪ ،‬وعلى تق‪00‬دير‬
‫بقائه حيا ً فهو داخل في تعريف الصحابي‪ 0،‬وبناء على ذلك ذكره الحافظ العسقالني في اإلصابة‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫كان صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ه‪00‬و الع‪00‬اقب ليك‪00‬ون ش‪00‬رعه ناس‪00‬خا ً لغ‪00‬يره من الش‪00‬رائع ال‬
‫العكس‪ ،‬وألنه الثمرة العظمى‪ ،‬إذ هو المقصود من ه‪0‬ذا الع‪00‬الم والثم‪00‬رة في األش‪00‬ياء ت‪0‬أتي‬
‫آخرها‪ ،‬وأنشدوا‪:‬‬
‫ُ‬
‫نعم ما قال سادتنا األ َول ‪ ##‬أول الفكر آخر العمل‬
‫فإن قلت‪ :‬حاصل معنى العاقب أن‪00‬ه الخ‪00‬اتم للرس‪00‬ل وحينئ‪00‬ذ يل‪00‬زم التك‪00‬رار م‪00‬ع ق‪00‬ول‬
‫المصنف “ لرسل ربه “ ألن التقدير الخاتم للرسل لرسل رب‪0‬ه‪ .‬قلت‪ :‬ي‪0‬دفع ذل‪0‬ك بارتك‪0‬اب‬
‫التجريد بأن يراد بالعاقب الخاتم فقط‪.1‬‬
‫قوله (لرسل) بسكون السين للوزن‪ ،‬وإن جاز في غير م‪00‬ا هن‪00‬ا الض‪00‬م أيض‪0‬ا ً‪ .2‬ف‪00‬إن‬
‫قي‪00‬ل‪ :‬كم‪00‬ا أن‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم خ‪00‬اتم للرس‪00‬ل ه‪00‬و خ‪00‬اتم لألنبي‪00‬اء‪ ،‬فلم اقتص‪00‬ر‬
‫المصنف على األول مع أنه ال يلزم من ختم‪00‬ه للرس‪00‬ل ختم‪0‬هُ لألنبي‪00‬اء‪ ،‬إذ ال يل‪00‬زم من ختم‬
‫األخص ختم األعم‪3‬؟ أجيب بثالث‪0‬ة أج‪0‬وب‪ :‬األول‪ :‬أن الم‪0‬راد بالرس‪0‬ل األنبي‪0‬اء‪ ،‬فق‪0‬د أطل‪0‬ق‬
‫الخاص وأراد الع‪00‬ام مج‪00‬ازاً مرس‪0‬الً‪ .‬الث‪00‬اني‪ :‬أن في الكالم اكتف‪00‬اء‪ ،‬والتق‪00‬دير‪ :‬لرس‪00‬ل رب‪00‬ه‬
‫(س‪َ 0‬رابِي َل تَقِي ُك ُم ا ْل َح‪َّ 0‬ر) (النح‪0‬ل‪ :‬من اآلية‪ )81‬أي وال‪0‬برد‪.‬‬
‫وأنبيائه‪ ،‬على حد قول‪0‬ه تع‪0‬الى‪َ :‬‬
‫الثالث‪ :‬ما قاله الش‪00‬يخ المل‪00‬وي من حمل‪00‬ه على م‪00‬ا تق‪00‬دم عن الس‪00‬عد من تس‪00‬اوي الرس‪00‬ول‬
‫والنبي‪،‬وإنما اختار التعبير بالرسل ألنه أمدح؛ فإن الرسالة أشرف من النبوة لجمعها بين‬
‫الح‪00‬ق والخل‪00‬ق‪ ،‬خالف ‪0‬ا ً للع‪00‬ز بن عب‪00‬د الس‪00‬الم في قول‪00‬ه إن النب‪00‬وة أفض‪00‬ل معلالً ب‪00‬أن فيه‪00‬ا‬
‫االنصراف من الخلق إلى حضرة الحق‪ ،‬والرسالة فيها االنص‪00‬راف من حض‪00‬رة الح‪00‬ق إلى‬
‫الخلق‪ ،‬ور ّد بأن الرسالة فيها الجمع بينهما كما علمت‪.‬‬

‫وأم‪00‬ا إلي‪00‬اس فال خالف في كون‪00‬ه نبي‪0‬اً‪ 0‬لقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( 0:‬وإن إلي‪00‬اس لمن المرس‪00‬لين)‪ 0‬وأم‪00‬ا‬
‫حياته وحياة الخضر فقد روى ابن شاهين بسند ض‪00‬عيف إلى خص‪00‬يف ق‪00‬ال‪ :‬ق‪00‬ال الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا‬
‫علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬أربع‪00‬ة من األنبي‪00‬اء‪ 0‬أحي‪00‬اء اثن‪00‬ان في الس‪00‬ماء عيس‪00‬ى وإدريس‪ ،‬واثن‪00‬ان‪ 0‬في‬
‫األرض الخضر وإلياس‪ ،‬فأما الخضر فإنه في البحر وأما صاحبه فإنه في البر‪.‬‬
‫وروى الحافظ في اإلصابة في ذلك حديثا ً مرفوعا ً إلى الن‪0‬بي ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‬
‫بس‪0‬ند ض‪00‬عيف‪ :‬أن‪00‬ه يلتقي الخض‪0‬ر وإلي‪0‬اس‪ 0‬ك‪0‬ل ع‪0‬ام في الموس‪00‬م فيحل‪00‬ق ك‪0‬ل واح‪0‬د منهم‪00‬ا رأس‬
‫صاحبه‪ ،‬ويتفرقان…) انظر الخالف في حياتهما‪ 0‬في اإلصابة‪.)137-3/114( 0‬‬
‫‪ 1‬قول‪00‬ه "ي‪00‬دفع ذل‪00‬ك…إلخ" أولى من‪00‬ه حم‪00‬ل الع‪00‬اقب على معن‪00‬اه اللغ‪00‬وي وه‪0‬و اآلتي في‬
‫العقب‪ .‬أجهوري‪ .‬أقول كون العاقب بمعنى الخاتم للرسل هو بحسب المراد ال بحسب الوض‪00‬ع فال‬
‫حاج‪00‬ة إلى التجري‪00‬د والم‪00‬راد بالتجري‪0‬د‪ 0‬هن‪00‬ا تجري‪00‬د اللف‪00‬ظ عن ج‪00‬زأ من معن‪00‬اه‪ ،‬وليس الم‪00‬راد ب‪00‬ه‬
‫التجريد باصطالح أهل علم البديع‪ ،‬وهو‪ :‬أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثل‪00‬ه فيه‪00‬ا مبالغ‪00‬ة في‬
‫كمال‪00‬ه فيه‪00‬ا‪ .‬كم‪00‬ا في قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( 0:‬لق‪00‬د ك‪00‬ان لكم في رس‪00‬ول هللا أس‪00‬وة حس‪00‬نة) على أن الم‪00‬راد‬
‫باألسوة القدوة أي المقتدى به فهو صلى هللا عليه وآله وسلم أسوة حسنة وقد انتزع منه أس‪00‬وة‬
‫حسنة أخرى مبالغة في كماله في هذه الصفة‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا الكالم يدل على جواز السكون‪ ،‬وهو صحيح كما في لسان الع‪00‬رب وت‪00‬اج الع‪00‬روس‪،‬‬
‫فال حاجة لحمل السكون على أنه ألجل الوزن‪.‬‬
‫‪ 3‬أق‪00‬ول المص‪00‬نف ليس بمكل‪00‬ف بالتنص‪00‬يص‪ 0‬على أن‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم خ‪00‬اتم‬
‫لألنبياء حتى يحتاج إلى ما ذكره الشارح‪ 0‬من األجوبة الباردة‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪{-17‬معاني لفظ الرب}‬
‫قوله (ربه) أي خالق‪00‬ه ومالك‪00‬ه أو نح‪00‬و ذل‪00‬ك من مع‪00‬اني ال‪00‬رب المنظوم‪00‬ة في ق‪00‬ول‬
‫الشيخ السجاعي‪:‬‬
‫قريب‪ ،‬محيط‪ ،‬مالك‪ ،‬ومدبر ‪ ##‬مرب‪ ،‬كثير الخير‪ ،‬والمولي للنعم‬
‫وخالقنا‪ ،‬المعبود‪ ،‬جابر كسرنا‪ ## ،‬ومصلحنا‪ ،‬والصاحب الثابت القدم‪،‬‬
‫وجامعنا‪ ،‬والسيد‪ ،‬احفظ فهذه ‪ ##‬معان أتت للرب فادع لمن نظم‬
‫ووقع في عبارة كثير من العلماء أنه مص‪00‬در بمع‪00‬نى التربي‪00‬ة‪ :‬وه‪00‬و تبلي‪00‬غ الش‪00‬يء‬
‫شيئا ً فشيئا ً إلى الحد الذي أراده المربي‪ ،‬أطلق عليه تعالى مبالغة‪ :‬أي بدعوى أن‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫هو عين التربية‪ ،‬وال يخفى ما فيه من البشاعة؛ فاألولى أنه اسم فاعل‪ ،‬فأصله “ رابب “‬
‫ثم خفف بحذف األلف‪ ،‬وإدغام أحد المثلين في اآلخر‪.1‬‬

‫‪1‬والحق أنه جامد بمعنى المعبود أو الم‪00‬ربي‪ .‬وال‪00‬ذي يظه‪00‬ر لي أن ال‪00‬رب ك‪00‬ان في األص‪00‬ل‬
‫مصدر رب الصبي يربه ربا ً بمع‪00‬نى ولي‪00‬ه وأحس‪00‬ن القي‪00‬ام‪ 0‬علي‪00‬ه‪ 0،‬ثم نق‪00‬ل عن ه‪0‬ذا المع‪00‬نى وجع‪0‬ل‬
‫‪32‬‬
‫قوله (وآله‪..‬إلخ) أي وسالم هللا مع صالته على آل‪00‬ه…إلخ‪ ،‬فه‪00‬و معط‪00‬وف على “‬
‫نب ّي “ كما هو متعين‪ .‬وأما عطفه على “ محمد “ فال يخفى فساده وإن ذك‪00‬ره المص‪00‬نف‬
‫في شرحه؛ ألن “ محمد “ بدل من “ نبي “ والمعط‪00‬وف على الب‪00‬دل ب‪00‬دل‪ ،‬وال يص‪00‬ح أن‬
‫يك‪00‬ون اآلل ومن ذك‪00‬ر معهم ب‪00‬دالً من “ ن‪00‬بي “ وفي كالم‪00‬ه الص‪00‬الة على غ‪00‬ير األنبي‪00‬اء‬
‫والمالئكة تبعاً‪ ،‬وهي ج‪00‬ائزة اتفاق‪0‬اً‪ ،‬ب‪00‬ل هي مطلوب‪0‬ة لقول‪0‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪:‬‬
‫(اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)‪ 1‬وللنهي عن الصالة البتراء‪ :‬وهي ال‪00‬تي لم ي‪00‬ذكر‬
‫فيه‪00‬ا اآلل‪ ،‬وأم‪00‬ا اس‪00‬تقالالً فقي‪00‬ل بأنه‪00‬ا ممنوع‪00‬ة‪ ،‬وقي‪00‬ل مكروه‪00‬ة‪ ،‬وقي‪00‬ل خالف األولى‪،‬‬
‫واألص‪00‬ح الكراه‪00‬ة‪ .‬وألح‪00‬ق أب‪00‬و محم‪00‬د الجوي‪00‬ني الس‪00‬الم بالص‪00‬الة ب‪00‬النظر للغ‪00‬ائب‪ .‬وأم‪00‬ا‬
‫المخ‪00‬اطب فيخ‪00‬اطب بالس‪00‬الم علي‪00‬ك‪ ،‬أو عليكم أو نح‪00‬وه‪ .‬وأص‪00‬ل آل‪ :‬أَ َول‪َ 2‬‬
‫كج َم‪00‬ل‪ ،‬ب‪00‬دليل‬
‫تصغيره على أويل‪ .‬وقيل‪ :‬أصله أه‪00‬ل‪ ،‬ب‪00‬دليل تص‪00‬غيره على أهي‪00‬ل‪ ،‬وإض‪00‬افته للض‪00‬مير في‬
‫كالم المصنف جائزة خالفا ً لمن منعها‪ .3‬قال عبد المطلب‪:‬‬

‫وانصر على آل الصليـ ‪ ##‬ـب وعابديه اليوم آلك‬


‫واعلم أن اآلل له معان باعتبار المقامات‪ ،4‬وربما جعلت أقواالً وليس بحسن‪ ،‬ففي‬
‫مقام الدعاء كما هنا‪ :‬كل مؤمن ولو عاصياً‪ ،‬ألن العاصي اشد احتياجا ً لل‪00‬دعاء من غ‪00‬يره‪،‬‬
‫وفي مقام المدح‪ :‬كل مؤمن تقي‪ ،‬أخ‪00‬ذاً مم‪00‬ا ورد (آل محم‪00‬د ك‪00‬ل تقي)‪ 5‬وإن ك‪00‬ان ض‪00‬عيفاً‪،‬‬
‫وأما (أنا جد كل تقي) فلم يرد‪ ،‬وفي مقام الزكاة‪ :‬بن‪00‬و هاش‪00‬م وبن‪00‬و المطلب عن‪00‬دنا معاش‪00‬ر‬
‫الشافعية‪ ،‬وبنو هاشم فقط عند السادة المالكية كالحنابلة‪ ،‬وخصت الحنفي‪00‬ة فِ َرق ‪0‬ا ً خمس‪00‬ة‪:‬‬
‫آل علي‪ ،‬وآل جعفر‪ ،‬وأل عقيل‪ ،‬وآل العباس‪ ،‬وآل الحارث‪.‬‬
‫‪{-18‬تعريف الصحابي}‬
‫قول‪00‬ه (وص‪00‬حبه) خص‪00‬هم م‪00‬ع دخ‪00‬ولهم في اآلل ب‪00‬المعنى األعم لمزي‪00‬د االهتم‪00‬ام‪.‬‬
‫والتحقيق أن “ صحبا ً “ ليس جمعا ً لصاحب بل اس‪00‬م جم‪00‬ع وإن ك‪00‬ان ل‪0‬ه واح‪00‬د من لفظ‪00‬ه‬

‫بمعنى المربي‪ ،‬وليس النقل على سبيل المجاز‪ 0‬والمبالغ‪00‬ة ألن ذل‪00‬ك غ‪00‬ير ملح‪00‬وظ في لف‪00‬ظ ال‪00‬رب‪،‬‬
‫وكونه مخففا ً من راب ال دليل عليه‪ 0‬ويرده القياس‪.‬‬
‫‪ 1‬أخرجه البخاري في كتاب‪ 0‬الدعوات باب‪ 0‬الصالة على النبي صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫رقم (‪ )6357‬ومسلم رقم (‪ .)406‬من حديث كعب بن عجرة‪.‬‬
‫‪ 2‬فيكون من آل إليه أي رجع وآل الرج‪00‬ل يرجع‪00‬ون إلي‪00‬ه بقراب‪0‬ة‪ 0‬أو رأي وال يخفى أن‪00‬ه ال‬
‫األول أي الرجوع وإنما يقصد بها األهل‪ ،‬فاألصل هو أهل‪.‬‬ ‫أحد يالحظ عند إطالق لفظ اآلل معنى ْ‬
‫‪ 3‬أي لغة ال شرعاً‪.‬‬
‫‪ 4‬مراده معنى واحد صالح للمعاني‪ 0‬اآلتية‪ 0‬يراد منه أحدها بمعون‪00‬ة المق‪00‬ام وذل‪00‬ك لوض‪00‬وح‬
‫أنه ليس من األلفاظ المشتركة‪.‬‬
‫‪ 5‬أخرج‪00‬ه ال‪00‬ديلمي عن أنس مرفوع ‪0‬ا ً رقم (‪ )1693‬وروي عن غ‪00‬يره ق‪00‬ال في المقاص ‪0‬د‪0‬‬
‫الحسنة (ص‪ )5‬وأسانيده ضعيفة‪ .‬وقال الزرقاني في مختصر المقاصد‪ 0:‬هو حس‪00‬ن لغ‪00‬يره (انظ‪00‬ر‬
‫كشف الخفاء ‪.)19-1/18‬‬
‫‪33‬‬
‫وهو ص‪0‬احب‪ ،‬وه‪0‬و لغ‪0‬ة‪ :‬من ط‪0‬الت عش‪0‬رتك به‪ ،6‬والم‪0‬راد ب‪0‬ه هن‪0‬ا الص‪0‬حابي‪ :‬وه‪0‬و من‬
‫اجتمع بنبينا صلى هللا عليه وآله وسلم مؤمنا ً به بعد البعثة في محل التع‪00‬ارف ب‪00‬أن يك‪00‬ون‬
‫على وجه األرض وإن لم يره أو لم يرو عنه شيئا ً أو لم يميز على الصحيح‪ ،‬وأم‪00‬ا ق‪00‬ولهم‬
‫“ ومات على اإلسالم “ فه‪00‬و ش‪00‬رط ل‪00‬دوام الص‪00‬حبة ال ألص‪00‬لها‪ ،‬ف‪00‬إن ارت‪00‬د والعي‪00‬اذ باهلل‪،‬‬
‫ومات مرتداً فليس بصحابي كعبد هللا بن خطل‪ ،‬وأما من عاد إلى اإليمان كعب‪00‬د هللا بن أبي‬
‫سرح فتعود له الصحبة لكن مجردة عن الثواب عندنا معاش‪0‬ر الش‪0‬افعية‪ ،‬واش‪0‬تهر أنه‪0‬ا ال‬
‫تعود عند المالكية لكن المص‪00‬رح ب‪00‬ه في كتبهم ال‪00‬تردد‪ ،‬وحينئ‪00‬ذ فال م‪00‬انع من الرج‪00‬وع في‬
‫ذل‪00‬ك لم‪00‬ذهب الش‪00‬افعية على م‪00‬ا ك‪00‬ان يرتض‪00‬يه بعض أش‪00‬ياخهم‪ ،‬وفائ‪00‬دة عوده‪00‬ا التس‪00‬مية‬
‫والكف‪00‬اءة؛ فيس‪00‬مى ص‪00‬حابيا ً ويك‪00‬ون كف‪00‬ؤاً لبنت الص‪00‬حابي‪ ،‬وي‪00‬دخل في الص‪00‬حابي ابن أم‬
‫مكتوم ونحوه من العميان‪ ،‬و ُكنِّيت أمه به لكتم بصره‪ ،‬واسمه عبد هللا‪ :‬أحد الم‪00‬ؤذنين ل‪00‬ه‬
‫ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم وي‪00‬دخل عيس‪00‬ى والخض‪00‬ر وإلي‪00‬اس عليهم الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪،‬‬
‫وتدخل المالئكة الذين اجتمعوا به ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم في األرض‪ ،‬فعيس‪00‬ى علي‪00‬ه‬
‫السالم آخر الصحابة من البش‪00‬ر الظ‪00‬اهرين‪ ،‬وأم‪00‬ا المالئك‪00‬ة فب‪00‬اقون إلى النفخ‪00‬ة والخض‪00‬ر‬
‫يموت عند رفع القرآن وقيل بل مات‪ .‬والحاصل أن الخض‪00‬ر وإلي‪00‬اس حي‪00‬ان على المعتم‪00‬د‪،‬‬
‫س‪0‬لِينَ ) (الص‪00‬افات‪:‬‬ ‫‪0‬اس لَ ِمنَ ا ْل ُم ْر َ‬
‫(وإِنَّ إِ ْليَ‪َ 0‬‬
‫ولكن إلي‪00‬اس رس‪00‬ول بنص الق‪00‬رآن ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫‪ )123‬وأما الخضر فقيل‪ :‬ول ّي‪ ،‬وقيل‪ :‬نبي ‪ ،‬وقيل‪ :‬رسول‪ ،‬وخير األمور أوساطها‪.‬‬
‫(قوله وحزبه) أي جماعته صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬والح‪00‬زب الجماع‪00‬ة ال‪00‬ذين‬
‫أَ ْم ُرهم واحد في خير وشر‪ ،‬ومنه‪ُ ( :‬ك ُّل ِح‪ْ 0‬ز ٍ‬
‫ب بِ َم‪00‬ا لَ‪َ 0‬د ْي ِه ْم فَ ِر ُح‪ 0‬ونَ ) (المؤمن‪00‬ون‪ :‬من اآلية‬
‫‪ )53‬والظاهر أن المراد به هنا من غلبت مالزمت‪00‬ه ل‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬فه‪00‬و‬
‫خ‪00‬اص الخ‪00‬اص ألنهم أخص من الص‪00‬حب ال‪00‬ذين هم أخص من اآلل‪ ،‬ويحتم‪00‬ل أن ي‪0‬راد ب‪00‬ه‬
‫أتباعه مطلقا ً سواء كانوا في عصره أم ال‪ ،‬وهو أولى لما فيه من التعميم‪ ،‬وال يغ‪00‬ني عن‪00‬ه‬
‫اآلل لتخصيص بعضهم له باألتقياء‪.‬‬

‫‪ 6‬األولى‪ :‬عشرته بك ألن وصف الصحبة‪ 0‬معتبر بالنسبة إليه‪.‬‬


‫‪34‬‬
‫‪{ -19‬معنى كلمة (وبعد) وأحكامها}‪0‬‬
‫‪ -5‬وبعد فالعلم بأصل الدين‪ ##‬محتم يحتاج للتبيين‬
‫‪1‬‬
‫(قوله وبعد) بالبناء على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه ‪ ،‬والتق‪00‬دير‪ :‬وبع‪00‬د‬
‫البس‪00‬ملة‪2‬والحمدل‪00‬ة والص‪00‬الة والس‪00‬الم على الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وس‪00‬لم وآل‪00‬ه وص‪00‬حبه‬
‫وحزبه‪ ،‬ويحتمل أن يكون بالنصب من غير تنوين لحذف المضاف إلي‪00‬ه وني‪00‬ة لفظ‪00‬ه‪ ،‬لكن‬
‫المشهور على األلسنة األول‪ ،‬وهي كلمة يؤتى بها لالنتقال من أسلوب إلى أس‪00‬لوب آخ‪00‬ر‪:‬‬
‫أي نوع من الكالم إلى نوع آخر‪ ،‬والنوع المنتقل منه ه‪0‬و البس‪0‬ملة وم‪0‬ا بع‪0‬دها‪ ،‬والمتنق‪0‬ل‬
‫‪ 1‬قوله (ونية معناه) إنما بنيت عند نية المعنى ألن بناءها لمشابهتها أحرف الج‪00‬واب في‬
‫االستغناء بها عما بعدها‪ ،‬وهذه المشابهة ال تثبت لها إلى عند نية مع‪00‬نى المض‪00‬اف إلي‪00‬ه‪ 0،‬بخالف‬
‫ما لو ن‪00‬وى لفظ‪00‬ه لع‪0‬دم االس‪0‬تغناء به‪0‬ا عم‪00‬ا بع‪0‬دها حينئ‪00‬ذ؛ ألن اللف‪0‬ظ المن‪0‬وي بمنزل‪00‬ة الم‪0‬ذكور‪.‬‬
‫أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله "بعد البسملة"‪ 0‬أي بعد مدلول جملتها وهو اإلخبار‪ 0‬بالت‪00‬أليف مس‪00‬تعاناً‪ 0‬في‪00‬ه باس‪00‬م‬
‫هللا‪ ،‬وقول‪00‬ه "والحمدل‪00‬ة" أي بع‪00‬د م‪00‬دلولها وه‪00‬و الثن‪00‬اء على هللا باس‪00‬تحقاقه الحم‪00‬د‪ ،‬وقول‪00‬ه‬
‫"والصالة والسالم" أي الواقعين من المصنف وهم‪00‬ا طلب‪00‬ه من هللا ص‪00‬الته وس‪00‬المه على نبي‪00‬ه‪،‬‬
‫وهذا الطلب‪ 0‬معنى جملة الصالة والسالم‪ ،‬وإنما قدرنا هذا المضاف وهو قولنا‪" 0‬مدلول" ليطابق‪0‬‬
‫ما قاله أوالً من أن المنوي هو معنى المضاف إليه ال لفظه‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫إليه هو بيان السبب الحامل على التأليف‪ ،‬وأصلها الثاني “ أما بعد “ ب‪00‬دليل ل‪00‬زوم الف‪00‬اء‬
‫في حيزها غالباً‪ ،‬وهذا األصل هو السنة؛ فقد كان صلى هللا عليه وآله وسلم يأتي به‪00‬ا في‬
‫‪2‬‬
‫خطب‪00‬ه ومراس‪00‬الته‪1‬؛ وص‪00‬ح أن‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم خطب فق‪00‬ال “ أم‪00‬ا بع‪00‬د “‬
‫واألصل األصيل‪ :‬مهما يكن من ش‪0‬يء بع‪00‬د‪ .‬فـ “ مهم‪0‬ا “ اس‪0‬م ش‪0‬رط مبت‪00‬دأ‪ ،‬و “ يكن “‬
‫فعل الشرط‪ ،‬وهو مضارع “ كان “ التامة‪ ،‬وفاعله ضمير مستتر تقديره “ ه‪00‬و “ يع‪00‬ود‬
‫على “ مهما “ و “ من شيء “ بيان لمهما‪ ،‬وإن كان شأن البيان التخصيص فقد يكون‬
‫مس‪00‬اويا ً إش‪00‬ارة إلى أن الم‪00‬راد الجنس بتمامه‪ ،3‬فح‪00‬ذفت “ مهم‪00‬ا “ و “ يكن “ و “ من‬
‫شيء “ وأقيمت “ أما “ مقام ذلك‪ ،‬ثم إن بعضهم ينطق بذلك ويقول “ أم‪00‬ا بع‪00‬د “ كم‪00‬ا‬
‫هو السنة‪ ،‬وبعضهم يحذف “ أما “ وي‪00‬أتي ب‪00‬الواو‪ ،‬فيق‪00‬ول “ وبع‪00‬د “ كم‪00‬ا هن‪00‬ا؛ ف‪00‬الواو‬
‫نائبة النائب‪ ،‬وه‪00‬ل الظ‪00‬رف من معم‪00‬والت الج‪00‬زاء؟ خالف‪ ،‬وال‪00‬راجح كون‪00‬ه من معم‪00‬والت‬
‫الجزاء ليكون المعلق عليه مطلقا ً‪ ،4‬وه‪00‬و أبل‪00‬غ في التحقي‪00‬ق؛ ألن المع‪00‬نى علي‪00‬ه‪ :‬إن وج‪00‬د‬
‫شيء في الدنيا مطلقا ً فأقول بعد …إلخ‪ ،‬وال ي‪0‬رد أن الف‪0‬اء ال يعم‪00‬ل م‪0‬ا بع‪0‬دها فيم‪0‬ا قبله‪0‬ا‬
‫لتوسعهم في الظروف‪.‬‬
‫و “ بعد “ ظ‪0‬رف زم‪0‬ان كث‪0‬يراً ومك‪0‬ان قليالً‪ ،‬وهي هن‪0‬ا ص‪0‬الحة للزم‪0‬ان باعتب‪0‬ار‬
‫النطق‪ ،‬وللمكان باعتبار الرقم‪ ،5‬واختلف في أول من نط‪00‬ق به‪00‬ا على أق‪00‬وال‪ :6‬أقربه‪00‬ا أن‪00‬ه‬
‫‪ 1‬األولى ورسائله‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج مسلم في كتاب الجمعة باب تخفيف الص‪00‬الة (‪ )867‬عن ج‪00‬ابر بن عب‪00‬د هللا‪ ،‬ك‪00‬ان‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وآل‪0‬ه وس‪00‬لم إذا خطب احم‪0‬رت عين‪0‬اه…‪ 0،‬ويق‪00‬ول‪ (:‬أم‪00‬ا بع‪0‬د ف‪0‬إن خ‪00‬ير‬
‫الحديث كت‪0‬اب هللا… ) وأم‪0‬ا مراس‪0‬الته فق‪0‬د روى البخ‪0‬اري‪ 0‬في كت‪0‬اب ب‪0‬دء ال‪0‬وحي(‪ )7‬أن‪0‬ه علي‪0‬ه‪0‬‬
‫الصالة والسالم أرسل كتابا ً إلى هرقل يدعوه إلى اإلسالم قال‪( :‬في‪00‬ه بع‪00‬د البس‪00‬ملة‪ 0‬والس‪00‬الم‪ :‬أم‪00‬ا‬
‫بعد فإني أدعوك…) الحديث‪ ،‬وفي المتناثرصـ(‪ : )94‬إن أحاديث أنه عليه الصالة والس‪00‬الم ك‪0‬ان‬
‫يقول في خطبه أما بعد متواترة‪.‬‬
‫‪ 3‬األولى أن يقول للتنصيص على العموم‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله "مطلقاً"‪ 0‬أي عن التقييد بكونه بع‪00‬د البس‪00‬ملة وم‪00‬ا بع‪00‬دها‪ ،‬وه‪00‬ذا اإلطالق باعتب‪00‬ار‪0‬‬
‫ظاهر اللفظ وأما باعتبار‪ 0‬الواقع فالمعلق عليه هو وجود شيء في الدنيا‪ 0‬مقيد بكونه بعد البسملة‬
‫وم‪00‬ا بع‪00‬دها ألن الف‪00‬رض أن‪00‬ه أتى من أول األم‪00‬ر بالبس‪00‬ملة‪ 0‬وم‪00‬ا بع‪00‬دها‪ ،‬والمض‪00‬ارع‪ 0‬الواق‪00‬ع بع‪00‬د‬
‫"مهما" التي هي األصل لالستقبال‪ 0،‬كما هو ش‪00‬أن األفع‪0‬ال الواقع‪0‬ة بع‪0‬د أدوات التعلي‪00‬ق‪ ،‬وحينئ‪0‬ذ‬
‫فقوله "وبعد" معناه‪ :‬مهم‪0‬ا يكن من ش‪0‬يء في المس‪0‬تقبل فتعين أن يك‪0‬ون وج‪0‬ود الش‪0‬يء مقي‪0‬داً‬
‫بكونه بعد البسملة وما بعدها باعتبار الواقع‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪5‬هذا مما ال محل له في اعتبارات األدباء والملحوظ إنما هو المعنى أو التلفظ‪.‬‬
‫‪ 6‬قيل أول من نطق به‪00‬ا قس بن س‪00‬اعدة األي‪00‬ادي أح‪00‬د حكم‪00‬اء الع‪00‬رب‪ ،‬وخطب‪00‬ائهم الكب‪00‬ار‬
‫توفي (‪ )23‬قبل الهجرة‪ ،‬وقيل سحبان بن وائل خطيب يضرب به المثل في البيان‪ 0‬أسلم وتوفي (‬
‫‪)54‬هـ‪ ،‬وقي‪00‬ل كعب بن ل‪00‬ؤي من خطب‪00‬اء الع‪00‬رب ت‪00‬وفي ( ‪ )173‬قب‪00‬ل الهج‪00‬رة‪ ،‬وقي‪00‬ل يع‪00‬رب بن‬
‫قحطان‪ 0،‬وهو أبو العرب العارب‪00‬ة‪ ،‬وأقربه‪00‬ا أن‪00‬ه داود علي‪00‬ه الس‪00‬الم لح‪00‬ديث ورد في‪00‬ه أخرج‪00‬ه ابن‬
‫عاصم في األوائ‪00‬ل (‪ )191‬والط‪00‬براني‪ 0‬في أوائل‪00‬ه (‪ )40‬عن أبي موس‪00‬ى األش‪00‬عري‪ ،‬وفي إس‪00‬ناده‬
‫متروك‪ .‬ويرد عليه أن داود لم يكن عربيا‪ 0،‬وأما بعد من أساليب‪ 0‬اللغة العربية إال أن يراد أنه أول‬
‫من تكلم بمرادفها من لغته وهو بعيد‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫داود وكانت له فصل الخطاب‪ :1‬أي يفصل بها بين الحق والباط‪00‬ل‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬يُ ْفص‪ُ 0‬ل به‪00‬ا بين‬
‫نوع من الكالم ونوع آخر منه‪.2‬‬
‫(قوله فالعلم…إلخ) أي فأقول لك العلم ‪..‬إلخ‪ ،‬ألن ك‪00‬ون العلم بأص‪00‬ل ال‪00‬دين محتم‪0‬ا ً‬
‫أمر متحقق في نفسه وجد شيء في الدنيا أم ال‪ ،‬فال يص‪00‬ح جعل‪00‬ه ج‪00‬واب الش‪00‬رط‪ ،3‬فال ب‪00‬د‬
‫من تق‪00‬دير الق‪00‬ول‪ .‬ف‪00‬إن قلت‪ :‬إذا ح‪00‬ذف الق‪00‬ول وجب ح‪00‬ذف الف‪00‬اء مع‪00‬ه كم‪00‬ا نص علي‪00‬ه‬
‫األشموني‪ .‬قلت‪ :‬المسألة خالفية‪ ،‬ألن هناك قوالً بجواز ذك‪00‬ر الف‪00‬اء م‪00‬ع ح‪00‬ذف الق‪00‬ول كم‪00‬ا‬
‫ذك‪00‬ره الس‪00‬يوطي في جم‪00‬ع الجوام‪00‬ع‪ ،‬والف‪00‬اء واقع‪00‬ة في ج‪00‬واب “ أم‪00‬ا “ المق‪00‬درة‪ ،‬أو في‬
‫جواب “ الواو “ النائبة عنها‪.‬‬
‫والعلم إدراك الشيء بحقيقته كما قال ال‪00‬راغب‪ ،‬وه‪00‬و كق‪00‬ول ش‪00‬يخ اإلس‪00‬الم‪ :‬إدراك‬
‫الشيء على ما هو ب‪0‬ه‪ ،‬ويطل‪0‬ق حقيق‪0‬ة عرفي‪0‬ة على القواع‪0‬د المدون‪0‬ة وعلى الملكة‪4‬ال‪0‬تي‬
‫يقتدر بها على إدراكات جزئية‪ ،5‬والمراد هنا األول‪ ،‬ب‪00‬دليل الحكم علي‪00‬ه ب‪00‬التحتم‪ ،‬ومقابل‪00‬ه‬
‫الجه‪00‬ل وه‪00‬و إم‪00‬ا بس‪00‬يط وإم‪00‬ا م‪00‬ركب‪ ،‬ف‪00‬األول‪ :‬ع‪00‬دم العلم بالش‪00‬يء عم‪00‬ا من ش‪00‬أنه العلم‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬إدراك الشيء على خالف ما هو عليه في الواقع‪ ،‬وإنما س‪0‬مي مركب‪0‬ا ً الس‪0‬تلزامه‬
‫جهلين‪ ،‬جهله بالشيء وجهله بأنه جاهل‪6‬؛ وفي ذلك قيل‪:‬‬

‫‪ 1‬يعني فصل الخطاب‪ 0‬الوارد في قول‪0‬ه تع‪0‬الى‪( 0:‬وآتين‪00‬اه الحكم‪00‬ة وفص‪0‬ل الخط‪0‬اب) (ص‪:‬‬
‫‪ )20‬والتحقيق الذي يدل عليه‪ 0‬سياق اآلية وهو التنويه بشأن داود أن فصل الخطاب‪ 0‬الذي أوتي‪00‬ه‬
‫هو العلم الذي يفصل بين الحق والباطل عن طريق الخطاب وأما أما بعد فال يفصل بها بين الحق‬
‫والباطل ألنها ال عالقة لها بذلك وإنما يفصل بها بين ن‪0‬وعين من الكالم وي‪0‬ؤتى به‪0‬ا لالنتق‪00‬ال من‬
‫أس‪00‬لوب إلى أس‪00‬لوب آخ‪00‬ر‪ ،‬ثم إن داود علي‪00‬ه الس‪00‬الم لم يكن عربي‪0‬اً‪ 0‬وأم‪00‬ا بع‪00‬د من أس‪00‬اليب اللغ‪00‬ة‬
‫العربية‪.‬‬
‫هذا الوجه هو الصحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬أقول يصح تقييد التحتم بوجود شيء في الدنيا تأكيداً له لكن‪00‬ه ليس مقص‪00‬وداً من الكالم‬
‫وال يصح تقييده ببعد فالحاجة‪ 0‬إلى تقدير القول لهذا وليتحقق كون الجزاء مستقبالً‪.‬‬
‫‪ 4‬الملكة‪ :‬الهيئة الراسخة في النفس كأنها ملكها صاحبها‪ 0،‬وتسمى عقالً بالفعل‪.‬‬
‫‪ 5‬هذا إذا كان العلم عبارة عن القواعد الكلية ك‪0‬النحو‪ 0،‬وأم‪0‬ا إذا ك‪0‬ان عب‪0‬ارة عن المس‪0‬ائل‬
‫الجزئية كالفقه‪ ،‬فالعلم إما عبارة عن هذه المسائل‪ 0‬أو عن العلم بها‪.‬‬
‫‪ 6‬األولى أن يق‪00‬ال في وج‪00‬ه تركيب‪00‬ه‪ ،‬ع‪00‬دم العلم ب‪00‬ه‪ ،‬وإدراك‪00‬ه على خالف م‪00‬ا ه‪00‬و ب‪00‬ه في‬
‫الواقع‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫جهلت وما تدري بأنك جاهل ‪ ##‬ومن لي بأن تدري بأنك ال تدري‬
‫(قوله بأصل الدين) أي بأصوله‪1‬وقواعده‪ ،2‬فهو مفرد مضاف يع ّم ‪ ،‬وإفراد األص‪00‬ل‬
‫‪3‬‬

‫مع أن هذا الفن ملقب بأصول الدين لضرورة النظم‪ ،‬فهو من التصرف في العلم لم‪0‬ا ذك‪00‬ر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه ليس إشارة للمعنى العلمي واإلضافة في أصول الدين من إض‪0‬افة الج‪00‬زء للك‪0‬ل‪،‬‬
‫ألن الدين هو األحكام‪ 0‬أصلية كانت أو فرعي‪0‬ة‪ ،‬وه‪0‬ذا اللقب يش‪0‬عر بم‪0‬دح ه‪0‬ذا الفن البتن‪0‬اء‬
‫الدين عليه‪ ،4‬ولما الحظ المصنف في العلم معنى الجزم عداه بالباء‪.‬‬

‫‪{ -20‬وجوب معرفة العقيدة بالدليل اإلجمالي أو التفصيلي}‬


‫(قول‪00‬ه محتم) أي حتم‪00‬ه الش‪00‬ارع وأوجب‪00‬ه ولم ي‪00‬رخص في ترك‪00‬ه‪ ،‬لقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪:‬‬
‫(فَ‪00‬ا ْعلَ ْم أَنَّهُ ال إِلَ ‪0‬هَ إِاَّل هَّللا ُ) (محم‪00‬د‪ :‬من اآلية‪ )19‬فيجب على ك‪00‬ل مكل‪00‬ف من ذك‪00‬ر وأن‪00‬ثى‬
‫وجوبا ً عينيا ً معرفة كل عقيدة بدليل ولو اجماليا‪ ،5‬وأما معرفتها بالدليل التفصيلي ففرض‬
‫كفاية‪ ،‬فيجب على أهل كل قطر –أو ناحية‪ -‬يشق الوصول منها إلى غيرها أن يك‪00‬ون فيهم‬
‫من يعرفها بالدليل التفص‪0‬يلي؛ ألن‪00‬ه ربم‪0‬ا ط‪0‬رأت ش‪0‬بهة في‪00‬دفعها‪ ،‬وبعض‪00‬هم أوجب ال‪0‬دليل‬
‫التفصيلي وجوبا ً عينيا ً‪ 6‬وردوه بأنهم ضيقوا رحمة هللا الواس‪00‬عة وجعل‪00‬وا الجن‪00‬ة مختص‪00‬ة‬

‫‪ 1‬قوله "بأصوله" هذا مبني على أنه ليس من التصرف في العلم وهو ما ي‪00‬أتي في آخ‪00‬ر‬
‫القولة‪ .‬أجهوري‪ ،‬وأما قوله‪ :‬وإفراد األصل ‪..‬إلخ فإنه مبني على التصرف في العلم‪.‬‬
‫‪ 2‬المراد باألصول والقواعد هنا المعنى اللغوي وهو ما ينبني عليه غ‪00‬يره‪ ،‬وليس الم‪00‬راد‬
‫بهما المعنى اإلصطالحي‪ 0،‬وهي القواعد الكلية‪ 0‬المشتملة على جزئياتها‪ 0،‬وذل‪00‬ك ألن الم‪00‬راد بهم‪00‬ا‬
‫العقائد اآلتي بيانها‪ 0،‬وهي قضايا‪ 0‬جزئية ليست قواعد كلية‪ ،‬لكنها أصول لل‪00‬دين ينب‪00‬ني عليه ‪0‬ا‪ 0‬م‪00‬ا‬
‫عداها من الدين‪.‬‬
‫‪ 3‬وذلك ألن المفرد المضاف يصلح للواحد والمثنى والمجموع‪.‬‬
‫‪ 4‬األولى أن يقول‪ :‬بابتناء ما ع‪0‬داه من ال‪0‬دين علي‪0‬ه؛‪ 0‬ألن‪0‬ه من ال‪0‬دين وأص‪0‬لُهُ ولع‪0‬ل م‪0‬راد‬
‫الشارح ذلك‪.‬‬
‫‪ 5‬مما يجدر التنبيه‪ 0‬عليه أن وجوب النظر‪ 0‬واالستدالل على كل واحد بحسب م‪00‬ا تيس‪00‬ر من‬
‫دليل دون األدلة المشهورة للمتكلمين‪.‬‬
‫‪ 6‬لعله يقصد بهذا البعض أبا هاشم من المعتزلة‪ 0‬والسنوسي كما يدل علي‪00‬ه ال‪00‬رد‪ .‬ونس‪00‬بة‬
‫ه‪00‬ذا الق‪00‬ول إليهم‪00‬ا غ‪00‬ير ص‪00‬حيح؛ فإنهم‪00‬ا إنم‪00‬ا يق‪00‬والن ب‪00‬أن التقلي‪00‬د ال يكفي في ص‪00‬حة اإليم‪00‬ان‪0،‬‬
‫والمستدل ولو بدليل إجمالي‪ 0‬غير مقلد‪ ،‬فال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب‪ :‬أما التقلي‪00‬د…‬
‫فقد كان أبي رحمه هللا تعالى يقول‪ :‬لم يقل أح‪00‬د من علم‪00‬اء اإلس‪00‬الم‪ :‬إن‪00‬ه ال يكفي في اإليم‪00‬ان إال‬
‫أبو هاشم من المعتزلة‪ 0،‬ثم قال‪ :‬وأنا أقول‪ :‬إن هذا ال يتصور فإن اإلنسان إذا مر عليه زمن ال بد‬
‫أن يحصل عنده دليل‪ ،‬وإن لم يكن على طريقة أهل الجدل‪ ،‬فإن فرض مصمم جازم ال دليل عنده‪،‬‬
‫فهو ال‪00‬ذي يكف‪00‬ره أب‪00‬و هاش‪00‬م‪ ،‬ولعل‪00‬ه المنس‪00‬وب الى االش‪00‬عري‪ ،‬والص‪00‬حيح ان‪00‬ه ليس بك‪00‬افر‪ ،‬وان‬
‫االشعري لم يقل ذلك‪ ،‬نعم اختلف أهل الس‪00‬نة في أن‪00‬ه ه‪00‬ل ه‪00‬و ع‪00‬اص‪ 0،‬واألص‪00‬ح عن‪00‬د أبي حنيف‪00‬ة‬
‫رحمه هللا تعالى أنه مطيع‪ ،‬وعند آخرين أنه عاص‪ 0،‬وهو الخالف في وجوب النظر فاعرفه‪ .‬وإن‬
‫قلنا أنه عاص وأن النظر‪ 0‬واجب‪ ،‬فالواجب نظر ما‪ ،‬وليس يش‪00‬ترط نظ‪00‬ر على طريق‪00‬ة المتكلمين‪0،‬‬
‫وهذا ال خالف فيه نعلمه ثابتا ً عن أحد من سلف األم‪00‬ة‪ .‬نقل‪00‬ه الش‪00‬ربيني في تعليقات‪0‬ه‪ 0‬على ش‪00‬رح‬
‫المحلى لجمع الجوامع‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫بطائفة يسيرة‪ ،‬فالحق أن الواجب وجوبا ً عينيا ً إنم‪00‬ا ه‪00‬و ال‪00‬دليل اإلجم‪00‬الي وه‪00‬و المعج‪00‬وز‬
‫عن تقريره‪ 1‬وحل شبهه‪ ،2‬وأما الدليل التفصيلي فهو المقدور على تقريره‪ 3‬وح‪00‬ل ش‪00‬بهه؛‬
‫فإذا قيل لك‪ :‬ما الدليل على وجود هللا تعالى؟ فقلت‪ :‬العالم‪ ،‬ولم تعرف جه‪0‬ة الداللة‪ ،4‬فه‪0‬و‬
‫دليل جملي‪ ،‬ويقال ل‪0‬ه دلي‪00‬ل إجم‪0‬الي‪ ،‬وك‪00‬ذلك إذا ع‪0‬رفت جه‪00‬ة الدالل‪00‬ة ولم تق‪00‬در على ح‪0‬ل‬
‫الش‪00‬به ال‪00‬واردة علي‪00‬ه‪ ،‬وأم‪00‬ا إذا ع‪00‬رفت جه‪00‬ة الدالل‪00‬ة وق‪00‬درت على ح‪00‬ل الش‪00‬به فه‪00‬و دلي‪00‬ل‬
‫تفصيلي‪ ،‬فإذا قيل لك ‪ :‬م‪00‬ا ال‪0‬دليل على وج‪0‬وده تع‪0‬الى؟ فقلت‪ :‬ه‪0‬ذا الع‪0‬الم‪ ،‬وع‪00‬رفت جه‪00‬ة‬
‫الداللة‪ :‬وهي الحدوث أو اإلمكان أو هما‪ ،‬والثاني‪ 5‬شرط أو شطر وقدرت على حل الش‪00‬به‬
‫فهو دليل تفصيلي‪ ،‬فتقول في تقري‪00‬ره على األول‪ :‬الع‪00‬الم ح‪00‬ادث وك‪0‬ل ح‪0‬ادث ال ب‪0‬د ل‪0‬ه من‬
‫‪ 1‬أي بيانه واإلفصاح به مع معرفتك في نفسك بالدليل وبجهة داللته‪.‬‬
‫‪ 2‬األولى هنا وفيما سيأتي‪ 0:‬ودفع شبهه‪.‬‬
‫‪ 3‬المراد بتقريره بيانه‪ 0‬واإلفصاح به‪ ،‬وأما ذك‪00‬ره على الوج‪00‬ه المعت‪00‬بر عن‪00‬د المناطق‪00‬ة من‬
‫تكرير الحد األوسط وتقديم الصغرى على الكبرى فليس ش‪00‬رط في معرف‪00‬ة ال‪00‬دليل التفص‪00‬يلي‪ ،‬وال‬
‫في التقرير ألن هذه صنعة يختص بها المناطقة‪ 0،‬ومعرفة الدليل على وجه التفصيل وغير ذلك ال‬
‫يختص بهم‪ ،‬وكم ورد في الق‪00‬رآن من ال‪00‬دالئل على العقائ‪00‬د‪ ،‬ولم ي‪00‬ذكر واح‪00‬د منه‪00‬ا على طريق‪00‬ة‬
‫المناطقة‪.‬‬
‫‪ -4‬لعل مراده ولم تعرف تقرير جهة الداللة وبيانها‪ 0‬واإلفصاح به‪00‬ا‪ ،‬م‪00‬ع ش‪00‬عورك به‪00‬ا في‬
‫نفس‪00‬ك‪ 0،‬وإال فليس معرف‪00‬ة ال‪00‬دليل إال معرف‪00‬ة جه‪00‬ة الدالل‪00‬ة‪ 0،‬وب‪00‬دونها ال تتحق‪00‬ق معرف‪00‬ة ال‪00‬دليل ال‬
‫معرفة تفصيلية‪ 0‬وال معرفة إجمالية‪.‬‬

‫‪ { -21‬تحقيق دليل االمكان ودليل الحدوث}‬


‫‪ -5‬قول‪00‬ه‪ :‬وهي الح‪00‬دوث أو اإلمك‪00‬ان أو هم‪00‬ا والث‪00‬اني ش‪00‬رط أو ش‪00‬طر‪ ،‬ه‪00‬ذا الكالم خط‪00‬أ‪.‬‬
‫والصواب أن يقول‪ :‬وهي الحدوث وحده أو اإلمكان وحده أو اإلمك‪00‬ان م‪00‬ع الح‪00‬دوث على اعتب‪00‬ار‪0‬‬
‫الحدوث شطراً أو شرطا ً لكون اإلمكان دليالً‪ ،‬فهذه أقوال أربعة‪.‬‬
‫وذلك أن في االستدالل على وجود الباري تعالى وكونه خالقا ً للعالم‪ 0،‬ومغيراً لم‪00‬ا في‪00‬ه من‬
‫األحوال طريقين‪:‬‬
‫األول‪ :‬طريق الحدوث أي حدوث الجواهر واألعراض‪ 0،‬ووجودها بعد أن كانت معدوم‪00‬ة‪،‬‬
‫فجهة داللة العالم‪ 0‬على وجود الباري تعالى على هذا الطريق هو حدوثه وهذا هو مذهب جمهور‬
‫المتكلمين‪.‬‬
‫والثاني‪ : 0‬طريق اإلمكان أي إمكان الجواهر واألعراض‪ 0،‬وجواز ك‪00‬ل من الوج‪00‬ود والع‪00‬دم‬
‫بالنسبة‪ 0‬إليها فجهة داللة العالم‪ 0‬على وج‪0‬ود الب‪0‬اري‪ 0‬تع‪0‬الى على ه‪0‬ذا الطري‪0‬ق إمكان‪0‬ه‪ ،‬وه‪0‬ذا ه‪0‬و‬
‫مذهب الفالسفة وبعض المتكلمين‪ ،‬ودالئل الفريقين‪ 0‬والكالم عليها‪ 0‬مفصلة في كتب الكالم (راجع‬
‫شرح الموافق ‪.)8/2-135-3/159‬‬
‫قال التاج السبكي في جمع الجوام‪00‬ع‪( :‬عل‪00‬ة احتي‪00‬اج‪ 0‬األث‪00‬ر) أي الممكن في وج‪00‬وده (إلى‬
‫المؤثر) أي العلة التي يالحظها العقل في ذلك‪( ،‬اإلمكانُ )‪ 0‬أي استواء الطرفين بالنظر إلى ال‪00‬ذات‪،‬‬
‫الحدوث) أي الخروج من الع‪0‬دم إلى الوج‪0‬ود‪( ،‬أو هم‪0‬ا) على أنهم‪0‬ا (ج‪0‬زءآ عل‪0‬ة أو اإلمك‪0‬ان‬ ‫ُ‬ ‫(أو‬
‫بشرط الحدوث‪ ،‬وهي أقوال) أربعة‪ .‬انتهى مع شرح المحلى‪)503-2/502( .‬‬
‫وأشار السبكي بقول‪00‬ه‪ :‬أو هم‪00‬ا على أنهم‪00‬ا ج‪00‬زءا العل‪00‬ة … إلخ إلى م‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه بعض‬
‫المتكلمين‪ 0‬من أن المحوج إلى المؤثر هو اإلمكان مع الحدوث إم‪00‬ا على أنهم‪00‬ا ج‪00‬زءان من العل‪00‬ة‬
‫‪39‬‬
‫محدث‪ ،‬وعلى الثاني‪ :‬العالم ممكن وكل ممكن ال بد له من صانع‪ ،1‬وعلى الثالث والراب‪0‬ع‪:‬‬
‫العالم حادث ممكن‪ 2‬وكل حادث ممكن ال بد له من مح‪0‬دث ويق‪0‬وم‪ 0‬مق‪0‬ام ذل‪0‬ك م‪0‬ا ل‪0‬و ع‪0‬رف‬
‫العقائد بالكشف‪ ،‬وأما من حفظ العقائد بالتقليد فقد اختلف فيه‪ ،‬واألصح أنه مؤمن ع‪00‬اص‬
‫إن قدر على النظر‪ ،‬وغير عاص إن لم يقدر على النظر‪ ،‬وقيل‪ :‬مؤمن غير عاص مطلق ‪0‬اً‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه عاص مطلقاً‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه كافر‪ ،‬وجرى على القول األخير‪ :‬السنوس‪00‬ي في ش‪00‬رح‬
‫الكبرى وشنع على القول بكفاية التقليد‪ ،‬لكن حكي عنه أن‪00‬ه رج‪00‬ع عن‪00‬ه إلى الق‪00‬ول بكفاي‪00‬ة‬
‫التقليد‬

‫المحوجة‪ ،‬أو أن المحوج هو اإلمك‪00‬ان بش‪00‬رط الح‪00‬دوث فيك‪00‬ون اإلمك‪00‬ان عل‪00‬ة محوج‪00‬ة والح‪00‬دوث‬
‫شرطا لعليتها‪ 0‬وتأثيرها‪ .‬هذان قوالن لهم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬دليل الفريقين السابقين يقتضي اعتبار كل من اإلمكان والحدوث‪ ،‬فاعتبر الح‪00‬دوث‬
‫إما شرطا ً أو شطراً‪.‬‬
‫قال عبد الحكيم السيلكوتي في تعليقه على شرح المواقف‪ :‬وهذا إنما يتم لو لم يكن دلي‪00‬ل‬
‫أحد الفريقين نافيا ً لما يثبته دليل اآلخر‪.‬‬
‫قال العطار‪ :‬وبقي احتم‪0‬ال خ‪0‬امس وه‪0‬و الح‪0‬دوث بش‪0‬رط اإلمك‪0‬ان‪ 0،‬ولم يق‪0‬ل ب‪0‬ه أح‪0‬د ألن‬
‫الحادث ال بد وأن يكون ممكنا ً فهذا الشرط الغ غير معتبر‪.‬‬
‫قال المحلي‪ :‬فعلى أولها (وهو االمكان) يحتاج الممكن في بقائه إلى المؤثر ألن اإلمك‪00‬ان‬
‫ال ينفك عنه‪ ،‬وعلى جميع باقيها ال يحتاج اليه ألن المؤثر إنما يحتاج إليه على ذلك في الخ‪00‬روج‬
‫من العدم إلى الوجود ال في البقاء‪ .‬انتهى‬
‫قال العطار‪ :‬قال السيد في حاشية شرح التجريد‪ :‬من قال علة حاج‪00‬ة الممكن إلى الم‪00‬ؤثر‬
‫هي الحدوث وحده أو مع اإلمكان أو قال‪ :‬العلة اإلمكان بشرط الحدوث‪ ،‬يلزمه أن يك‪00‬ون الممكن‬
‫حال بقائه مستغنياً‪ 0‬عن المؤثر‪ 0،‬إذ ال حدوث حال البق‪00‬اء‪ 0،‬فال حاج‪00‬ة‪ ،‬وق‪00‬د التزم‪00‬ه جماع‪00‬ة منهم‪،‬‬
‫قالوا إن العالم بالنسبة‪ 0‬إلى هللا تعالى‪ 0‬كالبناء إلى بانيه‪..‬‬
‫ولما كان هذا أم‪0‬راً ش‪0‬نيعاً‪ ،‬ق‪0‬ال بعض‪0‬هم ‪-‬وهم األش‪0‬عري ومن تبع‪0‬ه‪ -‬إن األع‪0‬راض غ‪0‬ير‬
‫باقي‪00‬ة‪ ،‬ب‪00‬ل هي متج‪00‬ددة دائم ‪0‬اً… فهي محتاج‪00‬ة إلى الص‪00‬انع احتياج ‪0‬ا ً مس‪00‬تمراً‪ ،‬وأم‪00‬ا الج‪00‬واهر‬
‫فيستحل خلوها من األكوان –أي األعراض‪ 0-‬المتجددة المحتاجة إلى الصانع‪ 0،‬فهي أيضا ً محتاجة‬
‫إليه دائماً‪.‬‬
‫وأما القائلون ب‪00‬أن العل‪00‬ة هي اإلمك‪00‬ان وح‪00‬ده‪ ،‬ف‪00‬ذهبوا إلى أن الممكن الب‪00‬اقي محت‪00‬اج إلى‬
‫المؤثر حال البقاء‪ 0،‬ألن علة حاجته إلى المؤثر هي اإلمكان‪ )2/503( .‬وقال العط‪00‬ار أيض‪0‬اً‪ :‬ذهب‬
‫األشعري وتبعه بعض المتكلمين‪ 0‬إلى أن العرض ال يبقى زمانين‪ 0‬وهو مذهب ضعيف‪ ،‬ح‪00‬تى قي‪00‬ل‪:‬‬
‫إن الق‪00‬ول ب‪00‬ذلك سفس‪00‬طة‪ ،‬وإنم‪00‬ا دع‪00‬اهم إلى ذل‪00‬ك جعلهم عل‪00‬ة احتي‪00‬اج الممكن إلى الفاع‪00‬ل هي‬
‫الح‪00‬دوث‪ ،‬فل‪00‬زمهم انتف‪00‬اء‪ 0‬االحتي‪00‬اج‪ 0‬بع‪00‬د حدوث‪00‬ه‪ ،‬فق‪00‬الوا‪ :‬إن بق‪00‬اء الج‪00‬وهر مش‪00‬روط ب‪00‬العرض‪0،‬‬
‫والعرض ال يبقى زمانين‪ 0‬فالحاجة باقية‪.‬‬
‫وقال المحقق عبد الرحمن الش‪0‬ربيني‪ 0:‬إن اس‪0‬تغناء‪ 0‬الح‪0‬ادث ح‪0‬ال بقائ‪0‬ه عن الم‪0‬ؤثر إنم‪0‬ا‬
‫يلزم القول بأن المحوج هو الحدوث إن ك‪00‬ان مع‪00‬نى الح‪00‬دوث ه‪00‬و الخ‪00‬روج من الع‪00‬دم‪ ،‬وأم‪00‬ا على‬
‫التحقيق من أن المراد ب‪0‬ه مس‪0‬بوقية الوج‪0‬ود بالع‪0‬دم فال ش‪0‬ك في اتص‪0‬اف الع‪0‬الم‪ 0‬ب‪0‬ه ح‪0‬ال بقائ‪0‬ه‪،‬‬
‫فيكون محتاجا ً إلى المؤثر حال البقاء‪ .‬وانظر العطار والشربيني (‪)500-2/499‬‬
‫وينبغي هنا التنبيه على أمرين مهمين‪:‬‬
‫‪40‬‬
‫(قول‪00‬ه يحت‪00‬اج للتب‪00‬يين) غرض‪00‬ه ب‪00‬ذلك بي‪00‬ان الس‪00‬بب الحام‪00‬ل ل‪00‬ه على وض‪00‬ع ه‪00‬ذه‬
‫المنظوم‪00‬ة في أص‪00‬ول ال‪00‬دين دون غ‪00‬يره من العل‪00‬وم‪،1‬والض‪00‬مير في “ يحت‪00‬اج “ للعلم ال‬
‫بمعنى اإلدراك بل بمعنى الفن المدون‪ ،‬ويص‪00‬ح أن يك‪00‬ون الض‪00‬مير عائ‪00‬داً ألص‪0‬ل ال‪0‬دين أي‬
‫للفن الملقب بأصول الدين‪ ،‬والتبيين‪ :‬التوضيح؛ وإنما احت‪00‬اج ه‪00‬ذا الفن للتب‪00‬يين ألنه‪ 2‬لم‪00‬ا‬
‫حدثت المبتدعة‪ 3‬بعد الخمسمائة‪4‬وكثر جدالهم مع علماء اإلس‪00‬الم وأوردوا ش‪00‬بها ً على م‪00‬ا‬
‫قرره األوائل‪5‬وخلطوا تلك الشبه بكثير من القواعد الفلسفية‪ ،‬قص‪00‬د المت‪00‬أخرون دف‪00‬ع تل‪00‬ك‬
‫الشبه فاحتاجوا إلى إدراجها في كالمهم ليتمكنوا من ردها‪ ،‬فما أدرجوه‪00‬ا إال لغ‪00‬رض مهم‬

‫األول‪ :‬أن مرادهم بكون اإلمكان أو الحدوث عل‪0‬ة االحتي‪0‬اج إلى الم‪0‬ؤثر إنم‪0‬ا ه‪0‬و بحس‪0‬ب‬
‫العقل بمعنى أن العقل يالحظ اإلمكان أو الحدوث‪ ،‬فيحكم باالحتياج‪ 0،‬كما يقال‪ :‬عل‪00‬ة الحص‪00‬ول في‬
‫الح‪00‬يز‪ 0‬ه‪00‬و التح‪00‬يز‪ ،‬ال بحس‪00‬ب الخ‪00‬ارج ب‪00‬أن‪ 0‬يتحق‪00‬ق اإلمك‪00‬ان أو الح‪00‬دوث فيوج‪00‬د االحتي‪00‬اج‪ .‬قال‪00‬ه‬
‫التفتازاني‪ 0‬في شرح المقاصد (‪ )1/137‬وأشار إليه الشارح‪ 0‬المحلي بقول‪00‬ه فيم‪00‬ا نقلن‪00‬اه آنف ‪0‬اً‪ :‬أي‬
‫العلة التي يالحظها العقل في ذلك‪.‬‬
‫وقال الدواني في حواشي التجريد‪ :‬م‪0‬راد المتكلمين‪ 0‬بالح‪0‬دوث‪ 0‬في ق‪0‬ولهم‪ :‬عل‪0‬ة االحتي‪00‬اج‬
‫إلى المؤثر هي الحدوث‪ ،‬كون الشيء في اعتب‪00‬ار العق‪00‬ل بحيث ل‪00‬و وج‪00‬د ك‪00‬ان مس‪00‬بوقا ً بالع‪00‬دم‪ ،‬ال‬
‫كون الوجود بالفعل مسبوقا ً بالعدم وال شك أن هذا المعنى متق‪00‬دم على الوج‪00‬ود‪ .‬انتهى أي فص‪00‬ح‬
‫كونه علة االحتياج‪ 0‬إلى العلة المؤثرة بخالف الحدوث بمعنى كون الوجود بالفعل مسبوقا ً بالعدم‪،‬‬
‫فإنه بهذا المعنى متأخر عن الوجود بالذات‪ ،‬ولهذا ال يوص‪00‬ف الش‪00‬يء بالح‪00‬دوث إال بع‪00‬د اتص‪00‬افه‬
‫بالوجود‪ ،‬فال يتصور أن يكون علة لمية لالحتياج‪ 0‬إلى العلة الموجودة‪ ،‬وهذا ما قصدوه بقولهم‪:‬‬
‫إن عل‪00‬ة االحتي‪00‬اج‪ 0‬إلى الم‪00‬ؤثر ه‪00‬و اإلمك‪00‬ان أو الح‪00‬دوث قص‪00‬دوا أن‪00‬ه عل‪00‬ة لمي‪00‬ة لالحتي‪00‬اج ‪ ،‬نعم‬
‫الحدوث بالمعنى األخير علة إنية لالحتياج‪ 0‬إلى المذكور ودليل وعالمة عليه‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬أن الخالف في أن عل‪00‬ة االحتي‪00‬اج إلى الم‪00‬ؤثر ه‪00‬ل هي اإلمك‪00‬ان أو الح‪00‬دوث‬
‫مبني على الخالف في مسألة أخرى‪ ،‬وهي أنه هل يوج‪00‬د ممكن ق‪00‬ديم أو ال يوج‪00‬د‪ ،‬ب‪00‬ل ك‪00‬ل ممكن‬
‫البد ان يكون حادثا‪ 0،‬فالفالسفة حينما قالوا بوج‪00‬ود الممكن الق‪00‬ديم ذهب‪00‬وا الى أن عل‪00‬ة االحتي‪00‬اج‬
‫هو اإلمكان ال الحدوث حيث قالوا بقدم السماوات بمواده‪00‬ا وص‪00‬ورها وأش‪00‬كالها‪ 0،‬وق‪00‬دم العناص‪00‬ر‬
‫بموادها وصورها لكن بالنوع بمعنى أنها ال تخلو عن صورة م‪0‬ا‪ ،‬نعم أطلق‪0‬وا الق‪0‬ول بح‪0‬دوث م‪0‬ا‬
‫سوى هللا تعالى‪ 0،‬لكن بمعنى االحتي‪00‬اج إلى الغ‪00‬ير‪ ،‬ال بمع‪00‬نى س‪0‬بق الع‪0‬دم علي‪0‬ه‪ 0،‬وأم‪00‬ا المتكلم‪0‬ون‬
‫فالجمهور منهم على أنه ال شيء من الممكن بق‪00‬ديم وب‪00‬العكس‪ ،‬ق‪00‬الوا القاب‪00‬ل للت‪00‬أثير‪ 0‬ال يك‪00‬ون إال‬
‫حادثا ً والقدم من‪00‬اف للت‪00‬أثير فمن أج‪00‬ل ذل‪00‬ك ق‪00‬الوا‪ :‬إن عل‪00‬ة االحتي‪00‬اج‪ 0‬الم‪00‬ذكور هي الح‪00‬دوث دون‬
‫اإلمكان‪ ،‬وذهب فريق من المتأخرين منهم وفي مقدمتهم اإلمام ال‪00‬رازي إلى أن الق‪00‬ديم ق‪00‬د يك‪00‬ون‬
‫ممكنا ً حيث ذهبوا إلى أن صفاته تعالى‪ 0‬ممكنة بذاتها واجبة لذات‪00‬ه تع‪0‬الى أي مس‪00‬تندة إلي‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫باإليجاب مثل ما قال الفالسفة‪ 0‬في األفالك والعناصر‪ 0‬واعتبروا هللا تع‪00‬الى موجب‪0‬ا ً بال‪00‬ذات بالنس‪00‬بة‪0‬‬
‫إلى صفاته فقط‪ ،‬وهذا الفريق من المتكلمين من أجل قولهم بالممكن القديم اضطروا إلى مخالف‪00‬ة‬
‫سلفهم‪ ،‬والقول بأن علة االحتياج‪ 0‬إلى المؤثر هي اإلمكان الشامل للصفات‪ 0‬القديمة والحوادث‪ ،‬ال‬
‫الحدوث المختص بالثانية‪ 0،‬فإن الحدوث كما قال التفتازاني‪ 0‬والدواني وغ‪00‬يرهم غ‪00‬ير ص‪00‬حيح م‪00‬ع‬
‫القول بالصفات القديمة الزائدة على الذات المستندة إلي‪00‬ه باإليج‪00‬اب ال باالختي‪00‬ار ق‪00‬ال الكلنب‪00‬وي (‬
‫‪":)1/231‬وكون الواجب تعالى موجبا ً بالنسبة‪ 0‬إلى صفاته‪ 0‬الذاتية ال ين‪00‬افي كون‪00‬ه ف‪00‬اعالً مخت‪00‬اراً‬
‫بالنسبة‪ 0‬إلى أفعاله" انتهى‪ ،‬وهذا المذهب فاسد الستلزامه‪ 0‬النقص‪ 0‬بالذات‪ 0‬والعرو عن الكم‪00‬االت‪،‬‬
‫واالستكمال باألمور العرضية الضعيفة القوام الرقيق‪00‬ة الوج‪00‬ود‪ ،‬وهي الص‪00‬فات‪ 0‬الممكن‪00‬ة بال‪00‬ذات‪،‬‬
‫‪41‬‬
‫بحيث ال يبع‪00‬د مع‪00‬ه الوج‪00‬وب‪ ،‬خالف‪0‬ا ً لمن ش‪00‬نع عليهم في ذل‪00‬ك‪ ،‬وق‪00‬د اف‪00‬ترقت األم‪00‬ة ثالث‪0‬ا ً‬
‫وسبعين فرقة منهم فرقة ناجية وهي التي على ما كان علي‪00‬ه الن‪00‬بي ص‪0‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم وأصحابه‪ ،‬واثنتان وسبعون في النار كما في الحديث‪( :‬افترقت األمم الس‪00‬ابقة على‬
‫اثنتين وسبعين فرقة وستفترقون ثالثا ً وس‪00‬بعين فرق‪00‬ة منهم فرق‪00‬ة واح‪00‬دة ناجي‪00‬ة واثنت‪00‬ان‬
‫وسبعون في النار‪.1‬‬

‫وهو معنى قولهم‪( :‬إن هللا فقير ونحن أغنياء)‪.‬‬


‫وأم‪00‬ا المتق‪00‬دمون من المتكلمين‪ 0‬فعلى أن ص‪00‬فاته تع‪00‬الى‪ 0‬واجب‪00‬ة وليس‪00‬ت ممكن‪00‬ة وليس‬
‫مرادهم أنها واجبة لذاتها حتى يلزم تعدد القدماء‪ ،‬ووجود واجبان ل‪00‬ذاتهما‪ ،‬هللا تع‪00‬الى‪ 0‬وص‪00‬فاته‪0،‬‬
‫بل مرادهم أنها واجبة بوجوبه تعالى كم‪00‬ا أنه‪00‬ا موج‪00‬ودة بوج‪00‬وده تع‪00‬الى‪ ،‬فليس هن‪00‬اك وج‪00‬ودان‬
‫وجود هلل تعالى ووجود لصفاته‪ ،‬وليس هناك أيضاً‪ 0‬وجوبان وجوب هلل تع‪00‬الى ووج‪00‬وب لص‪00‬فاته‪0،‬‬
‫بل هناك وجود واحد هلل تعالى‪ 0‬وصفاته ووجوب واحد هلل تع‪00‬الى وص‪00‬فاته‪ ،‬وذل‪00‬ك ألن المف‪00‬روض‬
‫هنا وج‪0‬ود إل‪00‬ه ووج‪00‬وب إل‪00‬ه‪ ،‬واإلل‪00‬ه ال يك‪00‬ون إله‪0‬ا ً إال بص‪00‬فات‪ 0‬الكم‪00‬ال فص‪00‬فاته تع‪00‬الى‪ 0‬موج‪00‬ودة‬
‫بوجوده وواجبة بوجوبه ألنها بمنزلة‪ 0‬الذاتيات له تعالى‪ ،‬وه‪00‬ذا ه‪00‬و مع‪00‬نى ق‪00‬ول أه‪00‬ل الس‪00‬نة‪ :‬إن‬
‫صفاته تعالى ليست‪ 0‬عينه تعالى‪ ،‬وال غيره‪ ،‬فإن مرادهم كما قال القاضي عضد الدين‪ :‬أنها ال هو‬
‫بحسب المفهوم وال غيره بحسب الوجود والهوية‪ ،‬ومن أجل لك امتن‪00‬ع الق‪00‬دماء من أه‪00‬ل الس‪00‬نة‬
‫عن إطالق اسم القديم والباقي ونحوهما على صفاته تعالى‪ 0‬على س‪00‬بيل االس‪00‬تقالل‪ 0،‬ب‪00‬ل يقول‪00‬ون‪:‬‬
‫إن هللا تعالى باق بصفاته وق‪00‬ديم بص‪00‬فاته‪ ،‬وامتن‪00‬ع أك‪00‬ثرهم عن أن يقول‪00‬وا‪ :‬هللا تع‪00‬الى ع‪00‬الم بعلم‬
‫وق‪00‬ادر بق‪00‬درة وك‪0‬ذا فيم‪00‬ا وراء ذل‪00‬ك من الص‪00‬فات اح‪00‬ترازاً عم‪00‬ا ي‪00‬وهم أن العلم آل‪00‬ة وأداة في‪00‬وهم‬
‫مغايرتها لذاته تعالى‪ ،‬بل يقولون هللا عالم وله العلم‪ ،‬وكذا فيما وراء ذلك من الصفات‪.‬‬
‫وانظر التبصرة ألبي معين النسفي‪.)1/210( 0‬‬
‫وقد حققنا هذه المسألة‪ 0‬في مقالة مفردة‪.‬‬
‫‪ 1‬كان عليه‪ 0‬أن يقول‪ :‬وكل ممكن ال بد له من مرجح يرجح وجوده على عدمه‪ ،‬وذلك ألن‬
‫االس‪00‬تدالل باإلمك‪00‬ان من حيث أن الممكن ال ب‪00‬د ل‪00‬ه من م‪00‬رجح ي‪00‬رجح وج‪00‬وده على عدم‪00‬ه وأم‪00‬ا‬
‫االحتياج إلى الصانع فإنما يجري على طريقة الحدوث ألن الصانع هو المحدث‪.‬‬
‫‪ 2‬الصواب‪ 0‬ممكن حادث‪ ،‬وكل ممكن حادث‪ ،‬وذلك ألن تقييد الحادث بالممكن‪ 0‬غير ص‪00‬حيح‬
‫فإن الحادث ال يكون إال ممكنا ً اتفاقا ً وأما الممكن فقد ذهب البعض إلى جواز كون‪0‬ه ق‪0‬ديما ً فيص‪0‬ح‬
‫تقييده بالحادث‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله دون غيره من العلوم‪ .‬ال وجه لهذا الكالم فالصواب حذفه‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله"ألنه" علة الحتياجه إلى التبيين باعتبار اشتمال التب‪00‬يين على رد الش‪00‬به ال‪00‬واردة‬
‫على األدلة؛ ألن المراد من التبيين‪ 0‬هنا ذكر العقائد مع أدلتها ورد الشبه الواردة على تلك األدلة؛‬
‫وهذا التعليل منظور فيه إلى رد الشبه فقط‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله‪ :‬المبتدعة "المراد من المبتدع‪00‬ة‪ 0:‬المعتزل‪00‬ة‪ 0،‬كم‪00‬ا أن الم‪00‬راد بأه‪00‬ل اإلس‪00‬الم‪ :‬أه‪00‬ل‬
‫السنة‪ ،‬يؤخذ ذلك من عبارة الشيخ أمير في حاشيته‪ 0‬على عبد السالم‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله "بعد الخمسمائة" الصواب قبل الخمسمئة‪ ،‬قال األم‪00‬ير تعليق‪0‬اً‪ 0‬على ق‪00‬ول الش‪00‬ارح‪0‬‬
‫اللق‪00‬اني "تص‪0‬دى ل‪00‬دفع تل‪0‬ك الش‪0‬به"‪ 0‬ورئيس ذل‪00‬ك أب‪00‬و الحس‪0‬ن األش‪0‬عري اهـ‪ .‬وه‪0‬و ع‪0‬اش قب‪00‬ل‬
‫‪42‬‬
‫‪ -6‬لكن من التطويل كلت الهمم ‪ ##‬فصار فيه االختصار ملتزم‬
‫(قول‪00‬ه لكن‪ ..‬إلخ) اس‪00‬تدراك على قول‪00‬ه “ يحت‪00‬اج للتب‪00‬يين “ ‪ 1‬ألن‪00‬ه يقتض‪00‬ي مزي‪00‬د‬
‫التطويل فدفع ذلك بقوله “ لكن… إلخ “ فكأنه قال‪ :‬هذا الفن وإن احتاج للتب‪00‬يين إال أن‪00‬ه‬

‫الخمسمئة‪ ،‬ولد سنة ‪ 260‬وتوفي ببغداد سنة ‪.324‬‬


‫‪ 5‬من علماء السنة‪.‬‬
‫‪ 1‬أخرجه أبو داود (‪ )4596‬والترمذي (‪ )2640‬وقال حسن صحيح‪.‬‬
‫‪ -1‬االستدراك دفع الوهم الناشئ‪ 0‬من الكالم السابق‪ 0،‬فإن قول الن‪00‬اظم‪" 0‬يحت‪00‬اج للتب‪00‬يين"‪0‬‬
‫يوهم انه البد فيه من التطويل‪ ،‬وان هذه المنظومة ستكون مطولة فدفع هذا الوهم بهذا الكالم‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫ال ينبغي المبالغة معه في تطويل العبارة ألنه‪00‬ا ت‪00‬ؤدي إلى المل‪00‬ل والس‪00‬آمة‪ .1‬وقول‪00‬ه “ من‬
‫التطويل “ أي من أجله وسببه‪ ،‬فـ “ من “ للتعليل‪،2‬والم‪00‬راد التطوي‪00‬ل الكام‪00‬ل‪ ،‬ف‪00‬أل في‪00‬ه‬
‫للكمال فالمحذور إنما هو المبالغة في التطويل‪ ،‬وأما أصل التطوي‪0‬ل فال يض‪0‬ر؛ والتطوي‪00‬ل‪:‬‬
‫أداء المقص‪00‬ود بلف‪00‬ظ زائ‪00‬د على المتع‪00‬ارف ألوس‪00‬اط الن‪00‬اس ال‪00‬ذين ليس لهم فص‪00‬احة وال‬
‫بالغة‪ ،‬وأما االختصار فهو أداء المقص‪0‬ود بأق‪0‬ل من العب‪0‬ارة المتعارف‪0‬ة‪ ،‬والمس‪0‬اواة‪ :‬أداء‬
‫المقص‪00‬ود بلف‪00‬ظ مس‪00‬او للمتع‪00‬ارف‪(.3‬قول‪00‬ه كلت الهمم)‪ 4‬أي تعبت أص‪00‬حابها‪ ،5‬ففي‪00‬ه مج‪00‬از‬
‫عقلي‪ .‬والهمم‪ :‬جمع همة وهي لغ‪0‬ة‪ :‬الق‪00‬وة‪ 6‬والع‪0‬زم‪ ،‬وعرف‪0‬اً‪ :‬حال‪0‬ة للنفس يتبعه‪00‬ا غلب‪0‬ة‬
‫انبعاث إلى نيل مقصود ما‪ ،‬ثم إن تعلقت بمعالي األمور فعليّ‪00‬ة‪ ،‬وإال فدني‪00‬ة‪ ،‬وإذا لم تتعل‪00‬ق‬
‫بواحد منها فليست علية وال دنية‪( .‬قوله فصار فيه االختصار ملتزم) ه‪00‬ذه الف‪00‬اء تفريعي‪00‬ة‬
‫على ما قبلها‪ ،‬والمعنى‪ :‬فصار في هذا الفن تأليفا ً وتدريسا ً االختصار ملتزم‪0‬ا ً تقريب‪0‬ا ً على‬
‫المتعلمين القاصرين‪،7‬وال يخفى أن االختصار اسم “ صار “ و متلزم خبره‪00‬ا‪ ،‬لكن وق‪00‬ف‬
‫عليه بالسكون على لغة ربيعة والملتزم إنما هو االختصار غير المخل‪ ،‬وإال فهو م‪00‬ذموم‪،‬‬
‫وقد كان األستاذ أبو اسحاق اإلسفراييني‪ :‬يقول‪ :‬جميع ما قاله المتكلمون في التوحي‪00‬د ق‪00‬د‬
‫جمعه أهل الحقيقة في كلمتين‪ :‬األولى‪ :‬اعتقاد أن كل ما تصور في األوه‪00‬ام فاهلل بخالف‪00‬ه؛‬
‫والثاني‪ :‬اعتقاد أن ذاته تعالى ليست مشبهة للذوات وال معطلة عن الصفات اهـ‪ .‬ملخص‪00‬ا ً‬
‫من حاشية الشيخ الشنواني‪.‬‬

‫‪ 1‬ألهل هذا العصر حتى يناسب قوله من التطويل‪ 0،‬كلت الهمم‪.‬‬


‫‪ 2‬فيه أن التعلي‪00‬ل إنم‪00‬ا يص‪00‬ح ل‪00‬و ك‪00‬ان الفت‪00‬ور‪ 0‬حاص‪0‬الً عن ق‪00‬راءة المط‪00‬والت أي بس‪00‬ببها‪0،‬‬
‫وليس ه‪00‬ذا م‪00‬راداً‪ ،‬ب‪00‬ل الم‪00‬راد أن الهمم ق‪00‬د كلت وتج‪00‬اوزت التطوي‪00‬ل فمن بمع‪00‬نى عن ال‪00‬تي هي‬
‫للمجاوزة‪.‬‬
‫‪ 3‬ليس المراد بالتطويل‪ 0‬واالختصار هنا‪ ،‬متعارف علماء البالغة كما حمله عليه الشارح‪،‬‬
‫وذلك ألن المعنى المؤدي بالكالم المطول والكالم الموجز واحد بناء علي‪00‬ه‪ 0،‬وليس ه‪00‬ذا مقص‪00‬وداً‬
‫للمصنف بل مقـصوده‪ ،‬أن همة أهل زمانه قد فترت عن قراءة وحفظ الكتب المطول‪00‬ة في أص‪00‬ول‬
‫الدين التي تتعرض للدالئل ورد الش‪00‬به ورد الم‪00‬ذاهب المخالف‪00‬ة وال‪0‬دخول معه‪0‬ا في ج‪0‬دل طوي‪00‬ل‪،‬‬
‫فصار الالزم في التأليف هو االختصار‪ 0‬واالقتصار‪ 0‬على المسائل‪ 0‬المقررة عن‪00‬د اه‪00‬ل الس‪00‬نة ب‪00‬دون‬
‫تعرض لما عداها وهذا المعنى هو ال‪0‬ذي قص‪00‬ده المص‪0‬نف من التطوي‪00‬ل واالختص‪0‬ار‪ ،‬ال مص‪0‬طلح‬
‫اهل البالغة‪ 0‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 4‬ليس الكالل بمع‪00‬نى التعب ألن التعب إنم‪00‬ا يحص‪00‬ل بع‪00‬د الجه‪00‬د ب‪00‬ل ه‪00‬و بمع‪00‬نى الفت‪00‬ور‪0،‬‬
‫والمقصود أن همة أهل هذا الزمان‪ 0‬قد فترت عن قراءة المطوالت فال حاجة إلى تقدير المضاف‪0،‬‬
‫وال إلى المجاز‪ 0‬العقلي‪.‬‬
‫‪ 5‬قوله "أي تعبت أص‪00‬حابها"‪ 0‬ليس غرض‪00‬ه أن العب‪00‬ارة على تق‪00‬دير مض‪00‬اف‪ ،‬وإال لم يكن‬
‫من المجاز العقلي‪ ،‬ألن المقدر كالملفوظ‪ ،‬بل غرضه بي‪00‬ان اإلس‪00‬ناد الحقيقي ليعلم أن اإلس‪00‬ناد في‬
‫كالم المصنف مجازي‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 6‬أي القوة النفسية‪.‬‬
‫‪ -7‬اي الذين كلت همتهم عن التطويل‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪ -7‬وهذه أرجوزة لقبتها ‪ ##‬جوهرة التوحيد قد ّ‬
‫هذبتها‬
‫(قوله وه‪00‬ذه) ال‪00‬واو اس‪00‬تئناف‪ ،‬والمش‪00‬ار إلي‪00‬ه به‪00‬ذه ه‪00‬و األلف‪00‬اظ المستحض‪00‬رة في‬
‫ال‪00‬ذهن باعتب‪00‬ار داللته‪00‬ا على المع‪00‬اني المخصوص‪00‬ة‪ ،‬س‪00‬واء ك‪00‬انت الخطب‪00‬ة متقدم‪00‬ة على‬
‫التأليف أو متأخرة عنه‪،1‬وما قيل من أنه إن ك‪00‬انت الخطب‪00‬ة س‪00‬ابقة على الت‪00‬أليف فالمش‪00‬ار‬

‫‪ 1‬إم‪00‬ا إذا ك‪00‬انت مت‪00‬أخرة فواض‪00‬ح‪ ،‬وأم‪00‬ا إذا ك‪00‬انت متقدم‪00‬ة فإش‪00‬ارة إلى األلف‪00‬اظ‪ 0‬ال‪00‬تي‬
‫ستستحضر تنزيالً لها منزلة المستحضر لقربها من االستحضار‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫إليه األلفاظ المستحضرة في الذهن وإن كانت متأخرة عنه فالمشار إليه األلفاظ الموجودة‬
‫في الخارج غير مستقيم؛ ألن األلفاظ أعراض تنقضي بمجرد النطق بها فال تبقى موجودة‬
‫في الخارج بل تنعدم حرفا ً بعد حرف وهكذا‪.1‬‬
‫‪{ -22‬مسمى أسما الكتب والتراجم}‬
‫وقد أبدى السيد الجوجاني في مسمى الكتب‪ 2‬والتراجم بالكسر احتماالت سبعة‪:‬هل‬
‫ه‪00‬و األلف‪00‬اظ فق‪00‬ط‪ ،‬أو المع‪00‬اني فق‪00‬ط‪ ،‬أو النق‪00‬وش فق‪00‬ط‪ ،‬أو األلف‪00‬اظ والمع‪00‬اني‪ ،‬أو األلف‪00‬اظ‬
‫والنق‪00‬وش‪ ،‬أو المع‪00‬اني والنق‪00‬وش‪ ،‬أو الثالث‪00‬ة؟ واخت‪00‬ار أن‪00‬ه األلف‪00‬اظ باعتب‪00‬ار داللته‪00‬ا على‬
‫المعاني‪ .3‬وهل هذا االحتمال من السبعة أو احتمال ثامن؟ قوالن؛ واألظهر أنه منها‪ ،‬غاية‬
‫األمر أنه مقي‪00‬د باعتب‪00‬ار المع‪00‬اني‪ .‬وأم‪00‬ا م‪00‬ا و ق‪00‬ع في عب‪00‬ارة بعض‪00‬هم من أن المخت‪00‬ار أن‪00‬ه‬
‫المعاني المستحضرة ذهنا ً فهو خالف المشهور‪ ،‬ووجه عدم اختي‪00‬ار ب‪00‬اقي االحتم‪00‬االت أن‬
‫المعاني غير مستقلة لتوقفها على األلف‪00‬اظ‪ 4‬فال تص‪00‬ح أن تك‪00‬ون م‪00‬دلوالً وال ج‪00‬زء م‪00‬دلول‪،‬‬
‫فبطل أرب‪00‬ع احتم‪00‬االت‪ :‬وهي أن المش‪00‬ار إلي‪00‬ه ه‪00‬و المع‪00‬اني وح‪00‬دها أو م‪00‬ع األلف‪00‬اظ أو م‪00‬ع‬
‫النقوش أو معهما‪ ،‬وأن النقوش ال تتيسر من كل أحد وال في كل وقت كتيسر األلف‪00‬اظ‪ ،‬فال‬
‫تصح أن تكون م‪00‬دلوالً وال ج‪00‬زء م‪00‬دلول‪ ،‬فبط‪00‬ل احتم‪00‬االن‪ :‬وهم‪00‬ا ك‪00‬ون المش‪00‬ار الي‪00‬ه ه‪00‬و‬
‫النقوش وحدها‪ ،‬أو مع األلفاظ؛ فبطلت احتم‪00‬االت س‪00‬تة وتعين االحتم‪00‬ال الس‪00‬ابع {وهاهن‪00‬ا‬
‫س‪00‬ؤاالن} أح‪00‬دهما‪ :‬أن األلف‪00‬اظ المستحض‪00‬رة في ال‪00‬ذهن مجمل‪00‬ة م‪00‬ع أن األرج‪00‬وزة اس‪00‬م‬
‫للمفصل‪ 5‬بابا ً باباً‪ ،‬فلم يحصل‪ 6‬التطابق بين المبتدأ والخبر‪ .‬وثانيهما‪ :7‬أن المشار اليه م‪00‬ا‬
‫‪ 1‬ويرد على الشق األول أنه إن كانت الخطبة سابقة فاأللفاظ لم تستحضر بعد إال أن يقال‬
‫نزلت منزلة المستحضرة لقربها من االستحضار‪.‬‬
‫‪ 2‬أي في مسمى أسماء الكتب‪.‬‬
‫‪ 3‬أي األلفاظ الذهنية‪ ،‬وذلك الن اسم الشيء عبارة عما يتك‪00‬ون ب‪00‬ه ذل‪00‬ك الش‪00‬يء‪ ،‬والكتب‬
‫إنم‪00‬ا تتك‪00‬ون باأللف‪00‬اظ‪ 0‬الذهني‪00‬ة وهي إنم‪00‬ا تك‪00‬ون الكت‪00‬اب الفالني باعتب‪00‬ار داللته‪00‬ا على معانيه ‪0‬ا‪0‬‬
‫المقصودة منها‪.‬‬
‫وأما التلفظ‪ 0‬بتلك‪ 0‬األلفاظ‪ 0‬فألج‪00‬ل إلقائه‪00‬ا إلى الغ‪00‬ير‪ 0،‬وإم‪00‬ا كتابته‪00‬ا فلحفظه‪00‬ا عن الض‪00‬ياع‪0،‬‬
‫ونظير ذلك أنك إذا نظمت في نفسك بيتاً‪- 0‬إذ ال فرق بين ال‪0‬بيت‪ 0‬والكت‪0‬اب‪ 0‬إال بالقل‪0‬ة والك‪0‬ثرة‪ -‬فل‪0‬ك‬
‫أن تقول‪ :‬نظمت بيتا ً وإن لم تتلفظ‪ 0‬به بعد ولم تكتبه‪ ،‬ولك أيضاً‪ 0‬أن تسميه باسم‪ .‬وأما قبل وج‪00‬ود‬
‫األلفاظ الذهنية في النفس فال وجود للكتاب‪ 0‬وال للبيت‪ ،‬وإن كان معانيهما‪ 0‬موجودة فيها‪.‬‬
‫‪ 4‬المراد من ذلك ع‪00‬دم االس‪00‬تقالل والتوق‪00‬ف من حيث ص‪00‬يرورتها كتاب‪0‬ا ً ومس‪00‬ماة بأس‪00‬ماء‬
‫الكتب؛ فإن الكتاب‪ 0‬إنما صار كتاباً‪ 0‬باعتبار‪ 0‬األلفاظ‪.‬كما‪ 0‬قلنا آنفا‪.‬‬
‫‪ 5‬قوله اسم "للمفصل" أي للمفصل خارج‪0‬ا ً ال ذهن‪0‬ا ً ألن الس‪0‬ؤال مب‪0‬ني على ان ال‪0‬ذهن ال‬
‫يقوم ب‪00‬ه اال المجم‪00‬ل‪ ،‬وقول‪00‬ه "باب‪0‬اً‪ 0‬باب‪0‬اً" األولى "بيت‪0‬ا ً بيت‪0‬اً"‪ 0‬كم‪00‬ا ي‪00‬أتي ل‪00‬ه‪ .‬أجه‪00‬وري‪ .‬في‪00‬ه أن‬
‫الملحوظ في التفصيل هي األبواب أو المسائل ال األبيات‪.‬‬
‫‪ 6‬قوله "فلم يحصل… إلخ" هذا بحسب الظاهر‪ .‬وأما في الحقيق‪00‬ة فالتط‪00‬ابق ظ‪00‬اهر؛‪ 0‬ألن‬
‫اإلجمال بحس‪0‬ب ال‪0‬ذهن والتفص‪0‬يل بحس‪0‬ب الخ‪0‬ارج؛ والمع‪0‬نى أن األلف‪0‬اظ المجمل‪0‬ة ذهن‪0‬ا ً مفص‪0‬لة‬
‫خارجا ً وهذا ال عيب فيه‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 7‬قوله "وثانيهما" حاصل هذا الس‪0‬ؤال أن المش‪00‬ار إلي‪00‬ه األلف‪00‬اظ‪ 0‬ال‪00‬تي في ذهن المص‪00‬نف‬
‫وهي أمر جزئي‪ ،‬واألرجوزة موضوعة لأللفاظ التي في الذهن مطلق‪0‬ا ً ال ف‪0‬رق بين ال‪0‬تي في ذهن‬
‫‪46‬‬
‫في ذهن المصنف فقط فهو جزئي‪ ،‬مع أن األرج‪00‬وزة‪ 1‬اس‪00‬م لأللف‪00‬اظ س‪00‬واء ك‪00‬انت في ذهن‬
‫المؤلف أو في ذهن غيره‪ ،‬فهي اسم للكلي ال للجزئي‪ ،‬وقد أجاب الش‪00‬يخ عب‪00‬د الس‪00‬الم عن‬
‫هذين السؤالين بتقدير مضافين حيث قال‪ :‬ومفصل نوع هذه‪ ،2‬وه‪00‬ذا بن‪00‬اء على أن م‪00‬ا في‬
‫الذهن ال يكون مجمالً؛ وعلى أن أسماء الكتب من قبيل علم الجنس‪3‬؛ ف‪0‬إن جرين‪00‬ا على أن‬
‫الذهن كما يقوم به المجمل يقوم به المفصل وه‪00‬و التحقي‪00‬ق‪ ،‬وعلى أنه‪00‬ا علم ش‪00‬خص‪ 4‬فال‬
‫يحتاج لتقدير شيء وكون األرجوزة اسما ً للمفصل وإن اشتهر ليس الزماً‪ ،‬إذ يص‪00‬ح أنه‪00‬ا‬
‫اسم للهيئة المجملة بل هو األقرب‪ ،‬إذ يبعد مالحظتها عند الوضع مفصلة بيتا ً بيت ‪0‬ا ً‪ 5‬مثالً‪،‬‬
‫على أنه‪ 6‬ال يضر االختالف باإلجمال والتفصيل‪ ،‬فال حاجة لتقدير مفصل‪ ،‬وبعد تسليم أن‪00‬ه‬
‫يضر االختالف المذكور فاألولى التقدير في الثاني بأن يق‪00‬ال‪ :‬وه‪00‬ذه مجم‪00‬ل أرج‪00‬وزة‪ ،‬ألن‬
‫التقدير في األول كنزع الخف قبل الوصول لشط النهر كما قال الخيالي‪.‬‬
‫واعلم أن اس‪000‬تعمال اس‪000‬م اإلش‪000‬ارة في األلف‪000‬اظ المستحض‪000‬رة في ال‪000‬ذهن مج‪000‬از‬
‫باالستعارة التص‪00‬ريحية األص‪00‬لية على األص‪00‬ح ال بالكناية‪ ،7‬خالف‪0‬ا ً لمن زعم ذل‪00‬ك‪ .‬وتقري‪00‬ر‬
‫االس‪00‬تعارة التص‪00‬ريحية أن تق‪00‬ول‪ :‬ش‪00‬بهت األلف‪00‬اظ المستحض‪00‬رة في ال‪00‬ذهن بمش‪00‬ار إلي‪00‬ه‬

‫المص‪00‬نف وال‪00‬تي في ذهن غ‪00‬يره‪ ،‬وبتقري‪00‬ر الس‪00‬ؤال الث‪00‬اني على ه‪00‬ذا الوج‪00‬ه ظه‪00‬ر أن‪00‬ه ال يج‪00‬امع‬
‫السؤال األول‪ ،‬ألن السؤال األول مش‪00‬تمل على أن األرج‪00‬وزة اس‪00‬م للمفص‪0‬ل‪ 0‬خارج‪0‬اً‪ 0،‬وق‪0‬د اش‪00‬تمل‬
‫السؤال الثاني‪ 0‬على أن األرجوزة اسم لأللفاظ‪ 0‬الحاضرة ذهنا ً مطلقاً‪ 0‬اهـ‪ ،‬ثم ظهر أن معنى السؤال‬
‫الثاني‪ 0‬أن هذه إشارة إلى ما في ذهن المص‪00‬نف وه‪00‬و أم‪00‬ر ج‪00‬زئي‪ ،‬واألرج‪00‬وزة موض‪00‬وع لأللف‪00‬اظ‬
‫الخارجي‪0‬ة‪ 0‬الدال‪00‬ة على المع‪00‬اني المخصوص‪00‬ة س‪00‬واء استحض‪00‬رها المص‪00‬نف أو غ‪00‬يره‪ ،‬فهي كلي‪00‬ة‬
‫بالنسبة‪ 0‬لما استحضره المصنف‪ ،‬وبهذا التقرير‪ 0‬الءم الس‪00‬ؤال الث‪00‬اني الس‪00‬ؤال األول‪ ،‬وتوافق‪00‬ا في‬
‫أن األرجوزة اسم لأللفاظ الخارجية‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 1‬األولي‪ :‬أن جوهرة التوحيد‪ ،‬ألن الكالم ال يزال على مسمى أس‪00‬ماء الكتب‪ 0،‬واالس‪00‬م ه‪00‬و‬
‫جوهرة التوحيد‪ ،‬نعم األرجوزة عبارة عن جوهرة التوحيد‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله "ومفصل" نوع هذه‪ :‬بتقدير "مفص‪00‬ل" ان‪00‬دفع الس‪00‬ؤال االول‪ ،‬ويتق‪00‬دير "ن‪00‬وع"‬
‫اندفع السؤال الثاني وظ‪00‬اهر ه‪00‬ذا أن الس‪00‬ؤال الث‪00‬اني‪ 0‬وارد بع‪00‬د تق‪00‬دير مفص‪00‬ل‪ ،‬ووج‪00‬ه وروده أن‬
‫مفصل ما في ذهن المصنف جزئي‪ ،‬كما أن نفس ما في ذهنه جزئي‪ 0،‬ألن مفصل ما في ذهنه هو‬
‫نفس األلفاظ التي نطق بها المصنف‪ ،‬وهذا أمر واحد غ‪00‬ير ش‪00‬امل لم‪00‬ا نط‪00‬ق ب‪00‬ه غ‪00‬يره‪ ،‬والم‪00‬راد‬
‫بنوع ما في ذهنه مطلق هذه األلفاظ الذهني‪00‬ة‪ .‬س‪00‬واء ك‪00‬انت في ذهن المص‪00‬نف او في ذهن غ‪00‬يره‬
‫أي هذه األلفاظ بدون مالحظة قيامها بذهن خاص‪.‬‬
‫‪ 3‬واسم الكتاب هنا هو جوهرة التوحيد وقوله أرجوزة عبارة عنه ألنها خ‪00‬بر لقول‪00‬ه ه‪00‬ذه‬
‫الذي ه‪00‬و إش‪00‬ارة إلى ج‪0‬وهرة التوحي‪00‬د فأخ‪00‬ذت حكم‪00‬ه فان‪00‬دفع م‪00‬ا يق‪00‬ال إن أرج‪00‬وزة ليس‪0‬ت‪ 0‬علم‪0‬ا ً‬
‫للكتاب‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫التحقي‪00‬ق أن أس‪00‬ماء الكتب أعالم أش‪00‬خاص وليس‪00‬ت أعالم أجن‪00‬اس‪ ،‬ألن علم الجنس‬
‫علميت‪00‬ه‪ 0‬ض‪00‬رورية مقص‪00‬ورة على الس‪00‬ماع أي يقتص‪00‬ر في‪00‬ه على جمل‪00‬ة من األلف‪00‬اظ وردت عن‬
‫العرب‪ ،‬وال يتجازها إلى غيرها‪ 0،‬ولو جعلنا‪ 0‬أسماء الكتب‪ 0‬منها لصار‪ 0‬قياسا طويال عريضا‪.‬‬
‫‪ 5‬األولى مسألة مسألة‪.‬‬
‫‪ 6‬قول‪00‬ه "على‪ 0‬أن‪00‬ه …إلخ" ألن اإلجم‪00‬ال ذه‪00‬ني‪ ،‬والتفص‪00‬يل خ‪00‬ارجي‪ 0،‬فكأن‪00‬ه قي‪00‬ل‪ :‬ه‪00‬ذه‬
‫األلفاظ المجملة ذهنا ً مفصلة خارجاً‪ ،‬وهذا ال عيب فيه كما تقدم‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫محسوس بحاس‪00‬ة البص‪00‬ر‪ ،‬بج‪00‬امع أن كال معين‪ ،1‬واس‪00‬تعير اس‪00‬م اإلش‪00‬ارة من المش‪00‬به ب‪00‬ه‬
‫للمشبه على طريق االستعارة التصريحية األصلية‪.‬‬
‫(قوله أرجوزة) أي منظومة من بح‪00‬ر الرج‪00‬ز ص‪00‬غيرة الحجم أبياته‪00‬ا مائ‪00‬ة وأربع‪00‬ة‬
‫وأربعون‪ ،‬بناء على أنها من كامل الرجز‪ ،‬ومائتان وثماني‪00‬ة وثم‪00‬انون بن‪00‬اء على أنه‪00‬ا من‬
‫مشطوره‪ ،‬ففيه ت‪00‬رغيب في تعاطيه‪00‬ا من جه‪00‬ة كونه‪00‬ا نظم‪0‬اً‪ ،‬ألن النظم أع‪00‬ذب وأحلى من‬
‫النثر؛ ومن جهة كونها من بحر الرجز ألنه أسهل من غيره من البحور‪ ،‬ومن جهة كونها‬
‫ص‪00‬غيرة الحجم‪ ،‬ف‪00‬إن لف‪00‬ظ “ أرج‪00‬وزة “ دال على القل‪00‬ة عرف ‪0‬ا ً‪( .2‬قول‪00‬ه لقبته‪00‬ا ج‪00‬وهرة‬
‫التوحيد) أي جعلت لها “ جوهرة التوحيد “ لقباً‪ :‬أي اسما ً مشعراً بم‪00‬دحها‪ ،‬وه‪00‬ذا الفع‪00‬ل‬
‫أعني “ لقب “ يتعدى لمفعولين‪ ،‬أما المفعول األول فبنفسه دائماً‪ ،‬وأم‪00‬ا المفع‪00‬ول الث‪00‬اني‬
‫فبنفسه تارة وبحرف الجر أخرى‪ ،‬تقول “ لقبت ابني س‪00‬عد ال‪00‬دين‪ ،‬وبس‪00‬عد ال‪00‬دين “ وق‪00‬د‬
‫تعدى هنا إلى مفعولين بنفسه‪ ،‬وفي تسميتها بهذا االس‪0‬م تأكي‪0‬د لل‪0‬ترغيب في تعاطيه‪0‬ا من‬
‫جهة كونه سماها باسم م‪0‬ؤذن بم‪00‬دحها‪ ،‬والج‪0‬وهرة في األص‪0‬ل‪ :‬اللؤل‪0‬ؤة النفيس‪00‬ة‪،‬فيك‪0‬ون‬
‫المصنف شبه األلفاظ الدالة على المسائل النفيسة باللؤلؤة النفيسة بجامع النفاسة في كل‬
‫واس‪00‬تعار الج‪00‬وهرة من المش‪00‬به ب‪00‬ه للمش‪00‬به‪ ،‬لكن ه‪00‬ذا بقط‪00‬ع النظ‪00‬ر عن العلمي‪00‬ة‪ ،‬وإال‬
‫فالجوهرة اآلن علم على هذه المقدمة حقيقة‪.‬‬
‫والتحقي‪00‬ق أن أس‪00‬ماء الكتب من قبي‪00‬ل علم الش‪00‬خص ألن الموض‪00‬وع ل‪00‬ه األلف‪00‬اظ‬
‫المشخصة وإن ك‪0‬انت في ذهن المص‪0‬نف وفي ذهن زي‪0‬د وعم‪0‬ر وهك‪0‬ذا ف‪0‬إن تع‪0‬دد الش‪0‬يء‬
‫بتعدد المحال تدقيق فلسفي ال تعتبره أرباب العربية؛ وكذلك أس‪00‬ماء العل‪00‬وم فهي من قبي‪00‬ل‬
‫علم الشخص على ما اختاره بعض المحققين وإن ك‪00‬ان المش‪00‬هور خالف‪00‬ه‪ ،‬ألن الموض‪00‬وع‬
‫له القواعد المعينة ذهناً‪ ،‬والفرق بين أسماء الكتب وأسماء العلوم تحكم‪.‬‬
‫{فائدة} ينبغي اجتناب تسمية الكتب المصنفة بما يضاهي الق‪00‬رآن وال‪00‬وحي‪ ،‬كق‪00‬ول‬
‫بعضهم “ كتاب اإلسراءات والمع‪00‬اريج “ أو “ مف‪00‬اتيح الغيب “ أو “ اآلي‪00‬ات البين‪00‬ات “‬
‫ألنها مزاحمة للنبي صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم في اإلس‪0‬راء والمع‪00‬راج‪ ،‬ومش‪00‬اركة الح‪0‬ق‬
‫سبحانه وتعالى في علم الغيب‪ :‬نقله بعض‪00‬هم عن المنن لس‪00‬يدي عب‪00‬د الوه‪00‬اب الش‪00‬عراني‪،‬‬
‫لكن الراجح الجواز‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه ق‪00‬د ه‪00‬ذبتها) أي ص‪00‬فيتها ونقحته‪00‬ا من الش‪00‬به والعقائ‪00‬د الفاس‪00‬دة والحش‪00‬و‬
‫والتطويل‪ ،‬وهذه الجملة كالتعليل لتسميتها جوهرة‪ ،‬ألنه ال يبقى بعد الته‪00‬ذيب اال الج‪00‬وهر‬

‫‪ 7‬قوله "ال بالكناية"‪ 0‬إجراؤها على هذا الق‪00‬ول أن يق‪00‬ال ش‪00‬بهت األلف‪00‬اظ‪ 0‬الذهني‪00‬ة الم‪00‬دلول‬
‫عليه بلفظ أرجوزة بشيء محسوس يشار‪ 0‬له باإلشارة‪ 0‬الحسية‪ 0،‬وطوى المشبه ب‪00‬ه وأثبت الزم‪00‬ه‬
‫وهو اإلشارة الحسية المدلول عليها بلفظ "هذه" للمشبه‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 1‬األولى‪ :‬بجامع أن كالً واض‪00‬ح غاي‪00‬ة الوض‪00‬وح بادع‪00‬اء أن المعق‪00‬ول من غاي‪00‬ة وض‪0‬وحه‬
‫صار بمنزلة‪ 0‬المحسوس‪.‬‬
‫‪ 2‬وذلك أن هذا االسم صار ال يستعمل عرفا ً إال فيما قل دون ما كثر‪ ،‬وهذا العرف المدعى‬
‫يحتاج إلى اإلثبات‪ ،‬ولو ك‪00‬ان حم‪00‬ل التن‪00‬وين على التقلي‪0‬ل‪ 0‬بقرين‪00‬ة قول‪00‬ه‪" :‬لكن من التطوي‪00‬ل كلت‬
‫الهمم فصار فيه االختصار‪ 0‬ملتزم" الستغنى عن هذه الدعوى التى‪ 0‬يصعب إثباتها‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫الخالص‪ ،‬ومدح اإلنسان كتابه مخ ّرج التحدث بالنعمة والنصح لمن يتعاطاه‪ ،‬م‪00‬ع أن م‪00‬دح‬
‫اإلنسان نفسه جائز في عدة مواضع‪.‬‬

‫‪-8‬وهللا أرجو في القبول نافعا ً ‪ ##‬بها مريداً في الثواب طامعا ً‬


‫(قوله وهللا أرجو) أي ال أرجو إال هللا؛ ألن تقديم المعم‪00‬ول يفي‪00‬د الحص‪00‬ر‪ ،‬و “ لف‪00‬ظ‬
‫الجاللة منصوب على التعظيم “ ‪1‬والرجاء بالمد لغة‪ :‬األمل؛ وأم‪00‬ا بالقص‪00‬ر فه‪00‬و الناحي‪00‬ة‪.‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪َ ( :‬وا ْل َملَ ُك َعلَى أَ ْر َجائِ َها) (الحاقة‪ :‬من اآلية‪ )17‬جمع “ رجا “ بالقصر‪،‬‬
‫وعرفاً‪ :‬تعل‪00‬ق القلب بمرغ‪0‬وب في‪0‬ه م‪00‬ع األخ‪0‬ذ في أس‪00‬بابه؛ وإال فه‪00‬و طم‪00‬ع وه‪00‬و م‪00‬ذموم‪،‬‬
‫فاألول كرج‪00‬اء الجن‪00‬ة م‪00‬ع ت‪00‬رك المعاص‪00‬ي وفع‪00‬ل الطاع‪00‬ات‪ .‬وق‪00‬د ذك‪00‬ر الش‪00‬يخ الخطيب في‬

‫‪ 1‬ال وجه لهذا الكالم ألن‪0‬ه منص‪00‬وب ب‪0‬أرجو المت‪0‬أخر عن‪0‬ه‪ ،‬وم‪00‬ا قال‪0‬ه إنم‪00‬ا يتج‪00‬ه ل‪0‬و ك‪0‬ان‬
‫منصوبا ً بفعل مقدر فيقدر حينئذ أُ َعظِّ ُم‪ ،‬فيصح القول بأنه منصوب على التعظيم‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫التفسير حديثا ً قدسيا ً وهو أن هللا تعالى قال‪( :‬ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫كيف أجود برحمتي على من بخل علي بطاعتي‬
‫(قوله في القبول) أي في حصول القبول فهو على تقدير مضاف‪ ،‬ومع‪00‬نى القب‪00‬ول‪:‬‬
‫اإلثابة على العمل الصالح وقيل‪ :‬الرضا بالشيء مع ترك االع‪00‬تراض علي‪00‬ه‪ .‬وإنم‪00‬ا قلن‪00‬ا “‬
‫مع ترك االعتراض عليه “ ألن الرضا قد يكون مع اعتراض‪ 2‬كما يقتضيه قول ابن مالك‬
‫“ وتقتضي الرضا بغير سخط “ نبه على ذلك الشيخ الملوي‪.‬‬
‫(قوله نافعاً) حال من االسم الكريم‪ ،‬وقول‪0‬ه “ به‪0‬ا “ أي األرج‪0‬وزة أو ب‪0‬الجوهرة‪،‬‬
‫وفي كالمه استخدام‪ 3‬حيث أطلق األرجوزة أو الجوهرة أوالً وأراد اللف‪00‬ظ‪ ،‬وأع‪00‬اد الض‪0‬مير‬
‫‪4‬‬
‫عليها وأراد المعنى‪ ،‬فاندفع النظر بأن النف‪00‬ع بمعناه‪0‬ا ال بلفظه‪00‬ا ال‪00‬ذي ه‪00‬و االس‪0‬م الم‪0‬راد‬
‫فيما تقدم‪ .‬واستشكل‪ 0‬جعل “ نافعا ً “ حاالً من االسم الكريم بأنه يقتضي أنه ل‪00‬و لم يحص‪00‬ل‬
‫نفع بهذه المقدمة ال يرجو هللا‪ ،‬وأجيب بأنه لما تقوى رجاؤه في النفع صار محقق ‪0‬ا ً فكأن‪00‬ه‬
‫موجود في سائر األحوال‪ ،‬وحينئذ فال ضرر في تقييد الرجاء ب‪00‬النفع‪ ،‬ويص‪00‬ح جعل‪00‬ه ح‪00‬االً‬
‫من فاعل “ أرجو “ لكنه بعيد‪ ،‬إذ فيه إساءة أدب حيث جعل نفسه نافعاً‪ ،‬وعلى ك‪00‬ل ح‪00‬ال‬
‫فهي حال مقدرة‪ ،‬ألن النفع بها متأخر عن زمن نط‪00‬ق المص‪00‬نف ب‪00‬ذلك‪ ،‬ال س‪00‬يما إن ك‪00‬انت‬
‫الخطبة متقدمة على التأليف‪5‬؛ وقوله “ مريداً “ أي شخصا ً مريداً‪ ،‬فهو صفة لموصوف‬
‫محذوف وذلك المحذوف مفعول لقوله “ نافعا ً “ ألنه اسم فاعل يعمل عمل الفع‪00‬ل‪ ،‬ولف‪00‬ظ‬
‫“ مريداً “ وإن كان نكرة في سياق اإلثب‪00‬ات الم‪00‬راد ب‪00‬ه ك‪00‬ل مري‪00‬د؛ ألن النك‪00‬رة في س‪00‬ياق‬
‫اإلثبات قد تعم‪ ،‬كم‪00‬ا ي‪00‬دل ل‪00‬ذلك المق‪00‬ام والس‪00‬ياق‪ ،‬والمتعل‪00‬ق بـ “ مري‪00‬داً “ مح‪00‬ذوف‪ :‬أي‬
‫مريداً لها القراءة أو الحفظ أو غير ذلك‪.‬‬
‫(قوله في الثواب طامعاً) الجار والمجرور متعلق بما بعده‪ ،‬قدم‪00‬ه علي‪00‬ه لض‪00‬رورة‬
‫النظم‪ ،‬و “ طامعا ً “ صفة لمريداً؛ ويصح أن يكون حاالً من فاع‪00‬ل “ أرج‪00‬و “ أي أرج‪00‬و‬
‫هللا في القبول ح‪00‬ال ك‪00‬وني طامع‪0‬ا ً في الث‪00‬واب‪ ،‬والم‪00‬راد ب‪00‬الطمع هن‪00‬ا‪ :‬الرج‪00‬اء على س‪00‬بيل‬
‫التجوز‪ ،‬ألن من أراد هذه األرجوزة وقصد بها وجه هللا تعالى كان راجيا ً للثواب ال طامعاً‪.‬‬
‫والثواب‪ :‬مقدار من األجزاء يعلمه هللا تعالى أعده لمن شاء من عباده في نظ‪00‬ير أعم‪00‬الهم‬

‫‪ 1‬ال وجود لهذا األثر في كتب الس‪00‬نة ومخاي‪00‬ل الوض‪00‬ع بادي‪00‬ة علي‪00‬ه‪ ،‬وقول‪00‬ه‪" :‬م‪00‬ا أق‪00‬ل"‪،‬‬
‫صيغة تعجب و"حياء" مفعوله‪ ،‬و"من" مضاف إليه‪.‬‬
‫‪ 2‬إن أراد مع اختالف جه‪00‬تي الرض‪00‬ى واالع‪00‬تراض‪ 0‬فص‪00‬حيح‪ ،‬وإن أراد م‪0‬ع اتح‪00‬اد الجه‪00‬ة‬
‫فغير صحيح‪.‬‬
‫‪ 3‬قول‪00‬ه "في كالم‪00‬ه اس‪00‬تخدام" ال حاج‪00‬ة إلى الق‪00‬ول باالس‪00‬تخدام؛ ف‪00‬إن كالً من األرج‪00‬وزة‬
‫وجوهرة التوحيد اسم لاللف‪00‬اظ الذهني‪0‬ة ال من حيث هي ألف‪0‬اظ‪ 0‬ب‪0‬ل من حيث داللته‪0‬ا على المع‪0‬اني‬
‫الخاصة فباعتبار‪ 0‬قيد الحيثية لم تبق حاجة إلى القول باالستخدام‪.‬‬
‫‪ 4‬ال يظهر لهذه الجملة مع‪00‬نى‪ ،‬ولع‪00‬ل الص‪00‬واب‪ :‬ال‪00‬ذي ه‪00‬و الم‪00‬راد باالس‪00‬م‪ .‬وإن ك‪00‬ان أراد‬
‫باالسم اسمها وهو جوهرة التوحيد فغ‪00‬ير ص‪00‬حيح الن االلف‪00‬اظ‪ 0‬ليس‪00‬ت لف‪00‬ظ ج‪00‬وهرة التوحي‪00‬د‪ ،‬ب‪00‬ل‬
‫ألفاظها الدالة على معانيها‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 5‬حمله على الحال المقدرة جيد جدا؛ لكن قوله فيما تق‪00‬دم‪ :‬لم‪00‬ا تق‪00‬وى رجائ‪00‬ه‪ ...‬إلخ إنم‪00‬ا‬
‫يناسب جعله حاالً مالزمة وال يخفى أنه من السماجة بمكان‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫الحسنة بمحض اختياره ال باإليجاب وال بالوجوب كما سيأتي التصريح به في قوله “ فإن‬
‫يثبنا فبمحض الفضل “ وفي قولنا “ ال بااليجاب “ رد على الفالسفة الق‪0‬ائلين باإليج‪0‬اب‬
‫أي التعليل؛ بمعنى أن الثواب ينشأ عن ذات هللا قهراً كحركة الخ‪00‬اتم؛ ف‪00‬إنهم يقول‪00‬ون إنه‪00‬ا‬
‫تنشأ عن حرك‪0‬ة األص‪0‬بع بطري‪0‬ق التعلي‪0‬ل‪ ،‬ف‪0‬إن قي‪0‬ل‪ :‬إن الفالس‪0‬فة ينك‪0‬رون الحش‪0‬ر “ من‬
‫أصله فال يثبتون ثوابا ً ال باإليجاب وال بغ‪00‬يره “ ‪.‬أجيب ب‪00‬أنهم وإن أنك‪00‬روا حش‪00‬ر األجس‪00‬ام‬
‫يقولون بحشر األرواح‪ ،‬وتثاب باللذات المعنوي‪0‬ة‪ .‬وفي قولن‪0‬ا “ وال ب‪0‬الوجوب “ رد على‬
‫المعتزلة القائلين بوجوب الصالح واألصلح؛ وسيأتي الرد عليهم بقوله‪:‬‬
‫“ وقولهم‪ :‬إن الصالح واجب عليه زور‪ ،‬ما عليه واجب “‬
‫وفي كالمه إشارة إلى أن العمل هلل مع إرادة الث‪00‬واب ج‪00‬ائز وإن ك‪00‬ان غ‪00‬يره أكم‪00‬ل‪،‬‬
‫ف‪00‬إن درج‪00‬ات اإلخالص ثالث‪ :‬علي‪00‬ا‪ ،‬ووس‪00‬طى‪ ،‬ودني‪00‬ا‪ ،‬فالعلي‪00‬ا‪ :‬أن يعم‪00‬ل العب‪00‬د هلل وح‪00‬ده‬
‫امتثاالً ألمره وقياما ً بحق عبوديته؛ والوسطى‪ :‬أن يعمل طلبا ً للثواب وهرب‪0‬ا ً من العق‪00‬اب ‪،‬‬
‫والدنيا‪ :‬أن يعمل إلكرام هللا له في الدنيا والسالمة من آفاتها‪ ،‬وم‪0‬ا ع‪0‬دا ه‪0‬ذه الثالث‪0‬ة فه‪0‬و‬
‫رياء وإن تفاوتت أفراده‪ ،‬ذكره شيخ اإلسالم في شرح الرسالة القشيرية‪ ،‬وقاله غيره من‬
‫العلماء أيضاً‪ ،‬ويفهم من قوله “ نافعا ً به‪00‬ا مري‪00‬داً في الث‪00‬واب طامع‪0‬ا ً “ أن‪00‬ه تع‪00‬الى يك‪00‬ون‬
‫نافع‪0‬ا ً به‪00‬ا مري‪00‬داً طامع‪0‬ا ً في ذات هللا تع‪0‬الى‪ ،‬ألن‪0‬ه إذا نف‪00‬ع به‪0‬ا المري‪00‬د الط‪0‬امع في الث‪0‬واب‬
‫فباألولى أن ينفع بها المريد الطامع في ذات هللا‪.‬‬

‫{مقدمة الكتاب}‬
‫{وهي القسم األول من مباحث الفن}‬
‫‪{ -23‬وجوب معرفة ما يجب هلل تعالى وما يجوز عليه وما يمتنع عليه}‬
‫‪-9‬فكل من كلف شرعا ً وجبا ‪ ##‬عليه أن يعرف ما قد وجبا‬
‫(قوله فكل من كلف … إلخ) الفاء فاء الفصيحة ألنه‪00‬ا أفص‪00‬حت عن ش‪00‬رط مق‪00‬در‪،‬‬
‫والتقدير‪ :‬إذا أردت بيان علم أصول الدين فأقول لك‪ :‬كل من كل‪00‬ف‪ ..‬إلخ‪ :‬أي ك‪00‬ل ف‪00‬رد من‬
‫المكلفين من اإلنس والجن ذكراً كان أو أنثى ولو من العوام والعبيد والنساء والخدم حتى‬

‫‪51‬‬
‫يأجوج ومأجوج‪ ،‬دون المالئكة ولو قلنا بأنهم مكلفون؛ ألن الخالف في تكليفهم إنم‪00‬ا ه‪00‬و‬
‫بالنسبة إلى غير معرفة هللا تعالى فإنه‪00‬ا جبلي‪00‬ة لهم‪ ،‬فليس فيهم من يجه‪00‬ل ص‪00‬فاته تع‪00‬الى‬
‫(ش‪ِ 0‬ه َد هَّللا ُ أَنَّهُ ال إِلَ ‪0‬هَ إِاَّل ُه‪َ 0‬‬
‫‪0‬و َوا ْل َمالئِ َك‪ 0‬ةُ) (آل‬ ‫كما في اإلنس والجن؛ ولذلك قال هللا تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫عمران‪ :‬من اآلية‪ )18‬ثم قال‪َ ( :‬وأُولُ‪00‬و ا ْل ِع ْل ِم) (آل عم‪00‬ران‪ :‬من اآلية‪ )18‬فلم يطل‪00‬ق األم‪00‬ر‬
‫كما أطلقه في المالئكة؛‬
‫‪{ -24‬تعريف التكليف}‬
‫ثم إن التكليف إل‪00‬زام م‪00‬ا في‪00‬ه كلف‪00‬ة؛ وقي‪00‬ل‪ :‬طلب م‪00‬ا في‪00‬ه كلف‪00‬ة؛ فعلى األول –وه‪00‬و‬
‫الراجح‪ -‬يكون قاصراً على الوجوب والحرمة دون الن‪00‬دب والكراه‪00‬ة واإلباح‪00‬ة إذ ال إل‪00‬زام‬
‫فيها‪ ،‬وعلى الثاني يشمل ما عدا اإلباحة إذ ال طلب فيها‪ ،‬فاإلباح‪00‬ة ليس‪00‬ت تكليف‪0‬ا ً عليهم‪00‬ا‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف هذا مع قولهم “ األحكام الش‪00‬رعية عش‪00‬رة‪ :‬خمس‪00‬ة وض‪00‬عية‪ :‬وهي خط‪00‬اب‬
‫هللا تعالى المتعلق بجعل الشيء سبباً‪ ،‬أو شرطا ً أو مانعاً‪ ،‬أو صحيحاً‪ ،‬أو فاس‪00‬داً‪ .‬وخمس‪00‬ة‬
‫تكليفية‪ :‬هي اإليجاب‪ ،‬والتحريم‪ ،‬والندب‪ ،‬والكراهة‪ ،‬واإلباحة “ ؟ أجيب بأن ذل‪00‬ك تغليب‪،‬‬
‫أو أن معنى كونها تكليفية أنها ال تتعلق إال بالمكلف‪ ،‬كما صرحوا به في أصول الفق‪00‬ه من‬
‫ان أفعال الصبي ونحوه كالبهائم مهملة؛ وال يقال إنها مباحة‪ ،‬ألن المباح ه‪00‬و ال‪00‬ذي ال إثم‬
‫له في فعله وال في تركه‪ ،‬وال ينفى الشيء إال حيث صح ثبوته‪،‬‬
‫‪{ -25‬شروط التكليف}‬
‫وشرط التكليف‪ :‬البلوغ‪ ،‬والعقل‪ ،‬وبلوغ الدعوة‪ ،‬وسالمة الحواس‪ ،‬فالمكلف ه‪00‬و‪:‬‬
‫البالغ العاقل الذي بلغته الدعوة سليم الحواس‪ ،1‬وهذا في اإلنس‪ ،‬وأما الجن فهم مكلف‪00‬ون‬
‫من أصل الخلقة فال يتوقف تكليفهم على البلوغ‪ ،‬وخرج بالبالغ الصبي فليس مكلف‪00‬اً‪ ،‬فمن‬
‫م‪0‬ات قب‪0‬ل البل‪0‬وغ فه‪0‬و ن‪0‬اج ول‪0‬و من أوالد الكف‪0‬ار وال يع‪0‬اقب على كف‪0‬ر وال غ‪0‬يره‪ ،‬خالف‪0‬ا ً‬
‫للحنفية حيث قالوا بتكليف الصبي العاقل باإليمان لوج‪00‬ود العق‪00‬ل وه‪0‬و ك‪00‬اف عن‪00‬دهم‪ ،‬ف‪0‬إن‬
‫اعتقد اإليمان أو الكفر فأمره ظاهر‪ ،‬وإن لم يعتقد واحداً منهما كان من أهل النار لوجوب‬
‫اإليمان عليه بمجرد العقل؛ وخرج بالعاق‪00‬ل المجن‪00‬ون فليس بمكل‪00‬ف‪ ،‬وك‪00‬ذا الس‪00‬كران غ‪00‬ير‬
‫المتعدي بخالف المتعدي‪ ،‬لكن محل ذلك إن بلغ مجنونا ً أو سكرانا ً واستمر على ذلك حتى‬
‫مات‪ ،‬بخالف ما لو بلغ عاقالً ثم جن أو سكر وكان غير مؤمن ومات كذلك فهو غير ناج‪،‬‬
‫وخرج بالذي بلغته الدعوة‪ :‬من لم تبلغ‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬أن نش‪00‬أ في ش‪00‬اهق جب‪00‬ل‪ ،‬فليس بمكل‪00‬ف على‬
‫األصح‪ ،‬خالفا ً لمن قال بأنه مكلف لوجود العقل الكافي في وجوب المعرفة عن‪00‬دهم وإن لم‬
‫تبلغه الدعوة‪،‬‬

‫‪{ -26‬هل يكفي في التكليف بالعقائد بلوغ دعوة أي نبي؟}‬


‫وعلى اشتراط بلوغ الدعوة فهل يكفي بل‪00‬وغ دع‪00‬وة أي ن‪00‬بي ول‪00‬و س‪00‬يدنا آدم؛ ألن‬
‫التوحيد ليس أمراً خاصا ً بهذه األمة‪ ،‬أو ال بدمن بلوغ دع‪00‬وة الرس‪00‬ول ال‪00‬ذي أرس‪00‬ل إلي‪00‬ه؟‬
‫والتحقيق كما نقله العالمة الملوي عن األبي في شرح مسلم خالفا ً للنووي‪ :2‬أنه ال بد من‬
‫بلوغ دعوة الرسول الذي أرسل إليه‪ ،‬فالم‪00‬ذهب الح‪00‬ق أن أه‪00‬ل الف‪00‬ترة –بفتح الف‪00‬اء‪ -‬وهم‬

‫‪ 1‬أي سليم احدى حاستي السمع والبصر‪ 0‬فإن فاقدهما معا غير مكلف‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫من كانوا بين أزمنة الرسل أو في زمن الرس‪00‬ول ال‪00‬ذي لم يرس‪00‬ل إليهم ن‪00‬اجون وإن ب‪00‬دلوا‬
‫وغيروا وعبدوا األصنام‪ .‬فإن قيل‪ :‬كيف هذا مع أن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم أخبر‬
‫‪3‬‬
‫بأن جماعة من أهل الفترة في النار كامرئ القيس‪ 1‬وحاتم الطائي‪ 2‬وبعض آباء الصحابة‬
‫فإن بعض الصحابة سأله صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم وه‪00‬و يخطب فق‪00‬ال‪ :‬اين ابي؟ فق‪00‬ال‪:‬‬
‫(في النار)‪ 4‬أجيب بأن أحاديثهم احاديث آحاد‪ ،‬وهي ال تعارض القطعي وهو قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪:‬‬
‫سوالً) (اإلسراء‪ :‬من اآلية‪ )15‬وبأنه يجوز أن يكون تعذيب‬ ‫( َو َما ُكنَّا ُم َع ِّذبِينَ َحتَّى نَ ْب َع َث َر ُ‬
‫من صح تعذيبه منهم ألمر يختص به يعلمه هللا تعالى ورس‪0‬وله‪ .‬وخ‪0‬رج بس‪0‬ليم الح‪0‬واس‪:‬‬
‫غيره‪ ،‬ولهذا قال بعض أئمة الشافعية‪ :‬لو خلق هللا إنسانا ً أعمى أص‪00‬م س‪00‬قط عن‪00‬ه وج‪00‬وب‬
‫النظر والتكليف‪ ،‬وهو صحيح كما في شرح المصنف؟‬
‫‪ { -27‬نجاة والدي المصطفي واالستدالل على ذلك }‬
‫{تنبيه} إذا علمت أن أه‪00‬ل الف‪00‬ترة ن‪00‬اجون على ال‪00‬راجح علمت أن أبوي‪00‬ه ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم نايجيان لكونهما من أهل الفترة‪ ،5‬ب‪00‬ل جمي‪00‬ع آبائ‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬

‫‪ 2‬أقول‪ :‬المختار‪ 0‬ما قاله اإلمام النووي من أنه يكفي في تكليف المكلف في باب العقي‪00‬دة‬
‫بلوغ دعوة أي نبي على وجهها الصحيح ألن األمر الذي اختلف فيها األنبي‪0‬اء‪ 0‬هي الش‪0‬رائع‪ 0‬فق‪0‬ط‬
‫وأما العقائد فهم متفقون فيها كما قال النبي‪ 0‬ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬األنبي‪00‬اء أبن‪00‬اءالعالة أب‪00‬وهم‬
‫واحد وأمهاتهم شتى‪ ،‬دينهم واحد وشرائعهم مختلفة) فمقتضى هذا أن يتف‪00‬ق المكلف‪00‬ون بالنس‪00‬بة‬
‫إلى التكليف بدعوة األنبياء فيما اتفق األنبياء فيه‪ ،‬ويختلفوا فيما اختلف األنبياء فيه‪ .‬وهللا تعالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول اللهص‪00‬لى‪ 0‬هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬ام‪00‬رأ‬ ‫‪1‬‬

‫القيس ص‪00‬احب‪ 0‬ل‪00‬واء الش‪00‬عراء إلى الن‪00‬ار)‪ 0‬أخرج‪00‬ه أحم‪00‬د في المس‪00‬ند (‪ )2/228‬وال‪00‬بزار‪ : 0‬كش‪00‬ف‬
‫األستار رقم (‪.)2091‬‬
‫‪ 2‬جاء عن عدي بن حاتم رضي هللا عنه قال‪ :‬قلت يا رسول هللا إن أبي ك‪0‬ان يص‪0‬ل ال‪0‬رحم‬
‫ويفعل كذا وكذا‪ ،‬قال (إن أباك أراد أمراً فأدركه) يعني الذكر‪ .‬أخرجه أحمد (‪.)377-4/258‬‬
‫‪ 3‬عن عائشة‪ 0‬رض‪00‬ي هللا عنه‪0‬ا ق‪0‬الت‪ :‬قلت‪ :‬ي‪00‬ا رس‪00‬ول هللا ابن ج‪0‬دعان‪ 0‬ك‪00‬ان في الجاهلي‪00‬ة‬
‫يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافع‪00‬ه؟ ق‪00‬ال‪( :‬ال ينفع‪00‬ه)‪ .‬إن‪00‬ه لم يق‪00‬ل يوم‪00‬ا‪ :‬رب اغف‪00‬ر لي‬
‫خطيئتي يوم الدين – اخرجه مسلم (‪)214‬‬
‫‪ 4‬أخرجه مسلم (‪ )203‬وابو داود (‪.)4718‬‬
‫‪ 5‬أقول أقوى المسالك‪ 0‬في إثبات‪ 0‬نجاة والدي المصطفى صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم أنهم‪00‬ا‬
‫من أهل الفترة‪ ،‬وال يجوز ألحد أن يخالف في نجاتهما إال من خالف في أصل المسألة‪ ،‬وذلك ألن‬
‫الظاهر من حالهما‪– 0‬كما قال السيوطي وغيره‪ -‬عدم بلوغ دعوة أحد من األنبياء‪ 0،‬وذلك لمجموع‬
‫أمور‪ :‬تأخر زمنهما‪ ،‬وبعد ما بينهما وبين األنبياء الس‪0‬ابقين‪ 0،‬ف‪00‬إن آخ‪0‬ر األنبي‪00‬اء‪ 0‬قب‪0‬ل بعث‪0‬ة نبين‪00‬ا‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم عيسى عليه‪ 0‬السالم‪ ،‬وكانت‪ 0‬الفترة بينه وبين بعثة نبين‪00‬ا نح‪00‬و س‪00‬تمائة‬
‫س‪00‬نة ثم إنهم‪00‬ا كان‪00‬ا في زمن جاهلي‪00‬ة‪ 0،‬وق‪00‬د طب‪00‬ق الجه‪00‬ل األرض ش‪00‬رقا ً وغرب‪0‬اً‪ 0‬وفق‪00‬د من يع‪00‬رف‬
‫الشرائع‪ 0،‬ويبل‪00‬غ ال‪00‬دعوة على وجهه‪00‬ا إال نف‪00‬راً يس‪00‬راً من أحب‪00‬ار أه‪00‬ل الكت‪00‬اب مف‪00‬رقين في أقط‪00‬ار‬
‫األرض كالشام وغيرها‪ ،‬ولم يعهد لهما تقلب‪ 0‬في األسفار‪ 0‬سوى المدينة‪ ،‬وال عم‪00‬را عم‪0‬راً ط‪0‬ويالً‬
‫بحيث يقع لهما فيه التنقيب والتفتيش‪.‬‬
‫وقد قسم األبي في شرح مسلم أهل الفترة إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪53‬‬
‫وسلم وأمهاته ناجون ومحكوم بإيمانهم لم يدخلهم كفر وال رجس وال عيب وال شيء مما‬
‫اج ِدينَ ) (الش‪00‬عراء‪)219:‬‬ ‫(وتَقَلُّبَ‪00‬كَ فِي َّ‬
‫الس‪ِ 0‬‬ ‫كان عليه الجاهلية بأدلة نقلية‪ ،‬كقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫وقول‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬لم أزل أتنق‪00‬ل من األص‪00‬الب الط‪00‬اهرات إلى األرح‪00‬ام‬
‫الزاكيات‪ 1‬وغير ذلك من األحاديث البالغة مبلغ التواتر‪.‬‬
‫وأما آزر فكان عم إبراهيم‪ ،‬وإنما دعاه باألب ألن عادة الع‪00‬رب ت‪00‬دعو العم ب‪00‬األب‪.2‬‬
‫وأم‪0‬ا م‪0‬ا نق‪0‬ل عن أبي حنيف‪0‬ة في الفق‪0‬ه األك‪0‬بر من أن وال‪0‬دي المص‪0‬طفى مات‪0‬ا على الكف‪0‬ر‬

‫األول‪ :‬من أدرك التوحي‪000‬د ببص‪000‬يرته‪ 0،‬ثم من ه‪000‬ؤالء من لم ي‪000‬دخل في ش ‪00‬ريعة كقس بن‬
‫ساعدة‪ ،‬وزيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬ومنهم من دخل شريعة حق قائمة الرسم كتُبَّع وقومه‪.‬‬
‫القس‪00‬م الث‪00‬اني‪ :‬من ب‪00‬دل وغ‪00‬ير وأش‪00‬رك ولم يوح‪00‬د‪ ،‬وش‪00‬رع لنفس‪00‬ه‪ 0،‬فحل‪00‬ل وح‪00‬رم‪ ،‬وهم‬
‫األك‪0‬ثر‪ ،‬كعم‪0‬رو بن لحي أول من س‪0‬ن للع‪0‬رب‪ 0‬عب‪0‬ادة األص‪0‬نام‪ ،‬وش‪0‬رع األحك‪0‬ام‪ 0،‬فبح‪0‬ر البح‪0‬يرة‪،‬‬
‫وس‪00‬يب الس‪00‬ائبة‪ ،‬ووص‪00‬ل الوص‪00‬يلة‪ ،‬وحمى الح‪00‬امي‪ 0،‬وزادت طائف‪00‬ة من الع‪00‬رب على ش‪00‬رعه أن‬
‫عبدوا الجن والمالئكة‪ ،‬وخرقوا البنين والبنات‪ 0‬واتخذوا بيوتا ً جعلوا لها سدنة وحجاباً‪ 0‬يض‪00‬اهون‬
‫بها الكعبة كالالت والعزى ومناة‪.‬‬
‫القس‪00‬م الث‪00‬الث‪ :‬من لم يش‪00‬رك ولم يوح‪00‬د‪ ،‬وال دخ‪00‬ل في ش‪00‬ريعة ن‪00‬بي‪ ،‬وال ابتك‪00‬ر لنفس‪00‬ه‬
‫شريعة‪ ،‬وال اخترع ديناً‪ ،‬بل بقي عمره على حال غفلة من هذا كله وفي الجاهلية‪ 0‬من كان كذلك‪.‬‬
‫قال األبي بعد ه‪0‬ذا التقس‪0‬يم‪ 0:‬ف‪0‬إذا انقس‪0‬م أه‪0‬ل الف‪0‬ترة إلى ثالث‪0‬ة اقس‪0‬ام‪ ،‬فيحم‪0‬ل من ص‪0‬ح‬
‫تعذيبه على أهل القسم الث‪0‬اني‪ 0‬لكف‪00‬رهم بم‪0‬ا ال يع‪00‬ذرون ب‪00‬ه‪ ،‬وأم‪0‬ا القس‪00‬م الث‪00‬الث‪ 0‬فهم أه‪0‬ل الف‪0‬ترة‬
‫حقيقة‪ ،‬وهم غير معذبين‪ ،‬وأما القسم األول‪ :‬فقد ق‪00‬ال ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬في ك‪00‬ل من‬
‫قس وزيد إنه يبعث أمة وحده‪ .‬وأما تبع ونحوه فحكمه حكم أه‪00‬ل ال‪00‬دين ال‪00‬ذين دخل‪00‬وا في‪00‬ه م‪00‬ا لم‬
‫يلحق أحد منهم اإلسالم الناسخ لكل دين‪ .‬انتهى كالم األبي‪.‬‬
‫فالظ‪00‬اهر من ح‪00‬ال وال‪00‬دي المص‪00‬طفى ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪00‬ه وس‪0‬لم أنهم‪0‬ا كان‪00‬ا من القس‪00‬م‬
‫الثالث‪.‬‬
‫ويلي هذا المسلك‪ 0‬في القوة القول بأنهم‪0‬ا كان‪0‬ا متحنفين‪ ،‬لم يثبت‪ 0‬عنهم‪0‬ا ش‪0‬رك‪ ،‬ب‪0‬ل كان‪0‬ا‬
‫على الحنفية‪ 0‬دين أبيهم إبراهيم عليه السالم كما كان على ذلك طائفة من العرب كزي‪00‬د بن عم‪00‬رو‬
‫بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما‪.‬‬
‫ً‬
‫ولنا أن نستنبط من هذين المسلكين‪ 0‬مسلكا ثالثا‪ ،‬فنقول‪ :‬لم يثبت عنهما الشرك فال يجوز‬
‫القول ب‪0‬ه‪ ،‬وبقي احتم‪0‬االن‪ 0‬إم‪0‬ا أنهم‪0‬ا كان‪0‬ا من القس‪0‬م الث‪0‬الث‪ 0‬من أه‪0‬ل الف‪0‬ترة وهم الغ‪0‬افلون عن‬
‫التوحيد والشرك‪ ،‬فهما على هذا االحتم‪0‬ال ناجي‪0‬ان‪ 0،‬وإن لم نق‪0‬ل بإس‪0‬المهما‪ 0،‬وإم‪0‬ا كان‪0‬ا متحنفين‬
‫مسلمين‪.‬‬
‫ً‬
‫وبفرض وقوع الشرك منهما فهما أيضا ناجيان‪ 0‬على القول بنجاة أهل الف‪00‬ترة‪ ،‬ألنهم‪00‬ا لم‬
‫يبدال ولم يغيرا‪ 0،‬وإنما وصلهما الدين مبدالً محرفا ً فاعتقداه الدين الحق لعدم بلوغ دعوة نبي من‬
‫األنبياء‪ 0‬لهما على الوجه الصحيح فليسا بداخلين‪ 0‬في القسم الثاني من أهل الفترة هذا‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا مس‪00‬لك االس‪00‬تدالل على نجاتهم‪00‬ا بنص‪00‬وص الكت‪00‬اب‪ 0‬والس‪00‬نة المتعل‪00‬ق بخص‪00‬وص‬
‫الموضوع فأضعف المسالك ألن النصوص متعارضة‪ 0،‬وترجيح طرف منها على اآلخر إنما يكون‬
‫باالجتهاد ثم إن االجتهاد قد تتحكم فيه الميول والتعصب للرأي ال‪00‬ذي اس‪00‬تقر في القلب‪ 0،‬من ذل‪00‬ك‬
‫ما قاله الشارح‪ :‬من أن األحاديث الواردة في نجاتهما بالغة مبلغ التواتر‪ ،‬م‪00‬ع أن‪00‬ه لم يص‪00‬ح في‪00‬ه‬
‫حديث واحد فقط فضالً عن التواتر‪ 0،‬ومنها ما ترج‪00‬اه الش‪00‬ارح‪ 0‬من ثب‪00‬وت ص‪00‬حة الح‪00‬ديث بطري‪00‬ق‬
‫‪54‬‬
‫فمدسوس عليه‪ ، 1‬وحاشاه أن يقول في وال‪00‬دي المص‪00‬طفى ذل‪00‬ك‪ ،‬وغل‪00‬ط مال علي الق‪00‬اري‬
‫يغفر هللا له في كلمة شنيعة قالها‪ ،‬ومن العجائب ما نسب له مع ذل‪00‬ك في إيم‪00‬ان فرع‪00‬ون؛‬
‫فالحق الذي نلقى هللا عليه أن أبويه صلى هللا عليه وآله وسلم ناجيان‪ ،‬على أنه قيل‪ :‬إن‪00‬ه‬
‫تعالى أحياهما حتى آمنا به ثم أماتهما‪ ،‬لحديث ورد في ذلك‪ :‬وهو ما روي عن عروة عن‬
‫عائشة أن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم (سأل رب‪00‬ه أي يح‪00‬يي ل‪00‬ه أبوي‪00‬ه فأحياهم‪00‬ا‬
‫فآمنا به ثم أماتهما)‪2‬قال السهلي‪ :‬وهللا ق‪0‬ادر على ك‪0‬ل ش‪0‬يء ل‪0‬ه أن يخص نبي‪0‬ه ص‪0‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم بما شاء من فضله وينعم عليه من كراماته اهـ‪ .‬وقد أنشد بعضهم فقال‪:‬‬
‫حبا هللا النبي مزيد فضل ‪ ##‬على فضل وكان به رؤوفا‬
‫فأحيا أمه وكذا أباه ‪ ##‬إليمان به فضالً منيفا‬
‫فسلم فالقديم بذا قدير ‪ ##‬وإن كان الحديث به ضعيفا‬
‫ولعل هذا الحديث صح عند أهل الحقيقة‪ 0‬بطريق الكش‪00‬ف‪ ،‬كم‪00‬ا أش‪00‬ار إلي‪00‬ه بعض‪00‬هم‬
‫بقوله‪:‬‬
‫أيقنت أن أبا النبي وأمه ‪ ##‬أحياهما الرب الكريم الباري‬
‫حتى له شهدا بصدق رسالة ‪ ##‬صدّق فتلك كرامة المختار‬
‫هذا الحديث ومن يقول بضعفه ‪ ##‬فهو الضعيف عن الحقيقة‪ 0‬عاري‬
‫وقد ألف الجالل السيوطي فيما يتعلق بنجاتهما مؤلفات كثيرة‪.‬‬

‫الكشف فإن الكشف ليس من طرق معرفة درجة األحاديث والحكم عليها كما أنه ليس طريقا ً إلى‬
‫معرفة شيء من األحكام الشرعية‪.‬‬
‫وبالجملة‪ 0‬إن المسألة‪ 0‬من المسائل التي وقع فيها الخالف بين العلماء قديما ً وح‪00‬ديثا ً وهي‬
‫من مسائل االجتهاد‪ ،‬وليست من مسائل االعتقاد التي يكفر المخالف فيها أو يب‪00‬دع‪ ،‬فينبغي ع‪00‬دم‬
‫التعصب فيها لآلراء‪ 0‬واألدب فيها ترك المراء‪.‬‬
‫ونسأل هللا تعالى أن نلقاه معتقدين نجاتهما‪.‬‬
‫‪ 1‬أخرجه أبو نعيم في دالئل النب‪00‬وة من ح‪00‬ديث عب‪00‬د هللا بن عب‪00‬اس‪ 0،‬وانظ‪00‬ر كت‪00‬اب مس‪00‬الك‬
‫الحنفاء للسيوطي ضمن كتاب الحاوي للفتاوى ‪.3/113‬‬
‫‪ 2‬فيه أن إبراهيم عليه الصالة والسالم لم يكن عربياً‪ 0‬حتى تجرى عليه عادات الع‪00‬رب‪ ،‬ثم‬
‫انه قد خاطب آزر فيما حكاه عنه تعالى‪ 0‬بقوله‪( :‬يا‪ 0‬أبتي لم تعبد ما ال يسمع…) فعبر عنه باألب‪0،‬‬
‫وقد عبر هللا تعالى عنه بأنه أبوه في قوله تعالى‪( :‬إذ قال إب‪00‬راهيم البي‪00‬ه آزر) فل‪00‬و س‪00‬لمنا دع‪00‬وة‬
‫العم باألب في كالم سيدنا إبراهيم عليه الصالة والسالم فال وج‪00‬ه لمث‪00‬ل ذل‪00‬ك في تعب‪00‬ير هللا تع‪00‬الى‬
‫عنه بأنه أبو إبراهيم عليه السالم‪ 0،‬فكون آزر عم إبراهيم عليه السالم دعوى ال دليل عليها‪.‬‬
‫‪ -1‬وقد جاء في بعض النسخ المخطوطة‪ :‬م‪0‬ا مات‪00‬ا على الكف‪0‬ر‪ 0،‬ب‪00‬النفي‪ 0‬فيحتم‪00‬ل س‪00‬قوط‬
‫حرف النفي من النسخ األخرى‬
‫‪ 2‬الحديث بهذا اللفظ‪ 0‬أورده السهلي في الروض اآلن‪00‬ف و في‪00‬ه مجهول‪00‬ون‪ ،‬وأخ‪00‬رج ابن‬
‫شاهين والخطيب‪ 0‬البغدادي وال‪00‬دارقطني وابن عس‪0‬اكر بس‪0‬ند ض‪00‬عيف عن عائش‪00‬ة ق‪0‬الت‪ :‬حج بن‪00‬ا‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وآله وس‪0‬لم حج‪0‬ة ال‪0‬وداع‪ ،‬فم‪0‬ر على عقب‪0‬ة الحج‪0‬ون وه‪0‬و ب‪0‬اك‪ 0‬ح‪0‬زين‬
‫مغتم‪ ،‬فنزل‪ ،‬فمكث عني طوالً‪ ،‬ثم عاد إلى وهو فرح مبتسم‪ ،‬فقلت ل‪00‬ه؟ فق‪00‬ال‪( :‬ذهبت لق‪00‬بر أمي‬
‫فسألت‪ 0‬هللا أن يحييها فأحياها‪ 0‬فآمنت بي ورده‪00‬ا هللا) وه‪00‬ذا الح‪00‬ديث ض‪00‬عيف باتف‪00‬اق الحف‪00‬اظ‪ ،‬ب‪00‬ل‬
‫قيل‪ :‬إنه موضوع‪ ،‬لكن الصواب ضعفه‪ ،‬انظر كشف الخفاء‪ 63-1/59 0‬الحديث(‪.)1500‬‬
‫‪55‬‬
‫‪ { -28‬وجوب معرفة هللا تعالى بالشرع ال بالعقل}‬
‫(قوله شرعاً) األولى أنه منصوب على التمييز‪ ،‬وإن ذك‪0‬ر الش‪0‬يخ عب‪0‬د الس‪0‬الم أن‪0‬ه‬
‫منصوب على نزع الخافض ألن‪00‬ه س‪00‬ماعي؛ لكن أجيب عن‪00‬ه بأن‪00‬ه ك‪00‬ثر في كالم المؤلف‪00‬يين‬
‫حتى صار كالقياسي‪ ،‬وعلى كل فهو متعلق بقوله “ وجبا “ وقيل متعلق “ بكلف “ لكن‬
‫األظهر األول‪ ،‬ألن المقصود أن المعرفة وجبت بالشرع ال بالعق‪0‬ل‪ ،‬وليس المقص‪0‬ود تقيي‪00‬د‬
‫التكليف بالشرع‪ ،‬وه‪00‬ذا م‪00‬ذهب األش‪00‬اعرة وجم‪00‬ع من غ‪0‬يرهم‪ ،‬فمعرف‪00‬ة هللا وجبت عن‪00‬دهم‬
‫بالشرع وكذلك سائر األحكام‪ ،‬إذ ال حكم قبل الشرع ال أصليا ً وال فرعياً‪ ،‬وذهبت المعتزل‪00‬ة‬
‫إلى أن األحكام كلها ثبتت بالعقل ولذلك قال في جم‪00‬ع الجوام‪00‬ع‪ :‬وح ّكمت المعتزل‪00‬ة العق‪00‬ل‪:‬‬
‫أي جعلته حاكم‪0‬ا ً أي م‪00‬دركا ً لألحك‪00‬ام وإن لم ي‪0‬رد به‪00‬ا الش‪00‬رع‪ ،‬ويقول‪00‬ون إن الش‪00‬رع ج‪00‬اء‬
‫مقوي ‪0‬ا ً ومؤك‪00‬داً للعق‪00‬ل فال ينف‪00‬ون الش‪00‬رع أص ‪0‬الً وإال كف‪00‬روا قطع ‪0‬اً‪ ،‬ويبن‪00‬ون كالمهم على‬
‫التحسين والتقبيح العقليين؛ فالحسن عندهم ما حسنه العقل والقبيح ما قبحه العق‪00‬ل؛ ف‪00‬إذا‬
‫أدرك أن هذا الفعل حسن بحيث يذم‪ 1‬على تركه ويمدح على فعله حكم بوجوبه وهكذا‪.‬‬

‫‪ 1‬قوله ذهبت المعتزلة‪ 0‬إلى أن األحكام كلها ثبتت بالعقل‪ ..‬إلخ‪.‬‬


‫‪ { -29‬تحقيق مسالة تحكيم العقل ومسألة الحسن والقبح}‬
‫تحقي‪00‬ق مس‪00‬ألة تحكيم العق‪00‬ل وع‪00‬دم تحكيم‪00‬ه يقتض‪00‬ي بس‪00‬طا ً في الكالم‪ ،‬فنق‪00‬ول‪ :‬مس‪00‬الة‬
‫تحكيم العقل‬
‫ه‪00‬ذه كم‪00‬ا ق‪00‬ال الش‪00‬ارح مبني‪00‬ة على مس‪00‬ألة التحس‪00‬ين والتق‪00‬بيح العقل‪00‬يين‪ 0‬ثم إن كال من‬
‫الحسن والقبح يأتي‪ 0‬بثالثة معان‪:‬‬
‫األول‪ :‬الحسن بمعنى صفة الكم‪00‬ال والقبح بمع‪00‬نى ص‪00‬فة النقص‪ 0‬كحس‪00‬ن العلم والص‪00‬دق‬
‫والعدل والجود والشجاعة‪ 0،‬وقبح أضدادها‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬الحسن والقبح بمعنى مالئمة الطبع ومنافرته‪ ،‬وعبر بعضهم بموافقة الغرض‬
‫ومخالفته‪ ،‬وبعضهم باشتمال الفعل على المصلحة والمفسدة‪ ،‬ومآل المع‪00‬اني الثالث‪0‬ة‪ 0‬واح‪00‬د‪ ،‬ف‪00‬إن‬
‫المواف‪00‬ق للغ‪00‬رض في‪00‬ه مص‪00‬لحة لص‪00‬احبه‪ 0،‬ومالئم لطبع‪00‬ه لميل‪00‬ه إلي‪00‬ه بس‪00‬بب اعتق‪00‬اد النف‪00‬ع في‪00‬ه‪،‬‬
‫ومخالفه‪ 0‬مفسدة له غير مالئم لطبعه‪ ،‬فالمراد بالطبع الطبيعة اإلنسانية المائلة‪ 0‬إلى جلب المن‪00‬افع‬
‫ودفع المضار‪ ،‬وليس المراد المزاج حتى يرد أن الموافق للغرض قد يكون منافراً للطبع‪ 0‬كالدواء‬
‫الكريه للمريض‪ .‬قاله السيالكوتي ونقله عنه الشربيني‪.‬‬
‫وذلك كحسن إنقاذ الغريق‪ ،‬وقبح اتهام البرئ‪ 0،‬وكحسن قت‪00‬ل زي‪00‬د بالنس‪00‬بة إلى أعدائ‪00‬ه‪،‬‬
‫وقبحه بالنس‪0‬بة‪ 0‬إلى أوليائ‪0‬ه‪ ،‬وكالع‪0‬دل والظلم‪ ،‬ف‪0‬إن الع‪0‬دل كم‪0‬ا أن‪0‬ه ص‪0‬فة كم‪0‬ال ك‪0‬ذلك ه‪0‬و مالئم‬
‫للطب‪0‬ع‪ 0،‬والظلم كم‪0‬ا أن‪0‬ه ص‪0‬فة نقص ه‪0‬و من‪0‬افر للطب‪0‬ع‪ 0‬بمع‪0‬نى أن الع‪0‬دل مش‪0‬تمل على المص‪0‬لحة‪0‬‬
‫والظلم مشتمل على المفسدة‪.‬‬
‫والحسن والقبح به‪0‬ذين المع‪0‬نين‪ 0‬مح‪0‬ل وف‪00‬اق بين الف‪0‬رق اإلس‪00‬المية كله‪00‬ا في أن العق‪0‬ل‬
‫يدركهما باالستقالل‪ ،‬وال يتوقف إدراكه لهما على ورود الشرع التصاف الفعل بهما في نفسه‪.‬‬
‫والثالث‪ 0:‬الحسن بمعنى ترتب الم‪00‬دح ع‪00‬اجالً‪ 0‬والث‪00‬واب آجالً‪ ،‬والقبح بمع‪00‬نى ت‪00‬رتب‪ 0‬ال‪00‬ذم‬
‫عاجالً والعقاب‪ 0‬آجالً كحسن الطاعة‪ 0‬هلل تعالى وقبح المعص‪00‬ية ل‪00‬ه‪ ،‬والحس‪00‬ن والقبح به‪00‬ذا المع‪00‬نى‬
‫هو المنقسم إلى األحكام الخمسة وهو محل الخالف هل هو ش‪00‬رعي أم عقلي‪ ،‬أي إن‪00‬ه ه‪00‬ل للفع‪00‬ل‬
‫في نفس‪00‬ه بقط‪00‬ع النظ‪0‬ر‪ 0‬عن ورود الش‪00‬رع بحكم في‪00‬ه ص‪00‬فة حس‪00‬ن أو قبح ذات‪00‬يين‪ 0‬أو لص‪00‬فة في‪00‬ه‬
‫توجبهما ل‪00‬ه ق‪00‬د يس‪00‬تقل العق‪00‬ل بإدراكهم‪00‬ا فيعلم باعتبارهم‪00‬ا حكم هللا في ذل‪00‬ك الفع‪00‬ل من طلب‪00‬ه أو‬
‫حظره‪ ،‬ويعلم ترتب الثواب أو العقاب عليه قبل ورود الشرع‪ 0،‬أم ليس له صفة كذلك؟‬
‫‪56‬‬
‫أما عند أهل السنة فالحسن ما حسنه الش‪00‬رع والق‪00‬بيح م‪00‬ا قبح‪00‬ه الش‪00‬رع؛ وم‪00‬ذهب‬
‫الماتريدية كما نقله المصنف في شرحه عنهم أن وجوب المعرفة بالعقل بمعنى أن‪0‬ه ل‪0‬و لم‬
‫يرد به الشرع ألدركه العق‪00‬ل اس‪00‬تقالالً لوض‪00‬وحه ال بن‪00‬اء على التحس‪00‬ين العقلي كم‪00‬ا ق‪00‬الت‬
‫المعتزلة‪.‬‬
‫والحق أن العقل ال يستقل بشيء أصالً فتلخص أن المذاهب ثالثة‪:‬‬
‫مذهب األشاعرة‪ ،‬وهو أن األحكام‪ 0‬كلها ثبتت بالشرع لكن بش‪00‬رط العق‪00‬ل‪ .‬والث‪00‬اني‪:‬‬
‫م‪00‬ذهب الماتريدي‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬و أن وج‪00‬وب المعرف‪00‬ة ثبت بالعق‪00‬ل دون س‪00‬ائر األحك‪00‬ام‪ .‬والث‪00‬الث‪:‬‬

‫قالت المعتزلة نعم‪ ،‬وقالت األشاعرة ال‪ ،‬وقالت الحسن م‪00‬ا حس‪00‬نه الش‪00‬رع‪ ،‬والق‪00‬بيح م‪00‬ا‬
‫قبحه الشرع‪ 0،‬وليس للفعل صفة كذلك‪.‬‬
‫وفصلت الماتريدية فق‪00‬الت‪ 0:‬ان بعض األفع‪00‬ال مش‪00‬تملة على ص‪00‬فة تقتض‪00‬ي تل‪00‬ك الص‪00‬فة‬
‫ورود األمر من الشارع‪ 0‬بطلبها دون النهي عنها‪ 0،‬وهي المأمورات‪ ،‬وبعض األفعال مشتملة على‬
‫صفة تقتضي النهي عنها من الشارع عند ورود الشرع‪ ،‬وهي المنهيات‪.‬‬
‫فالماتريدي‪0‬ة‪ 0‬أثبت‪00‬وا الص‪00‬فة ال‪00‬تي تقتض‪00‬ي ورود الش‪0‬رع‪ 0‬عن‪00‬د وروده ب‪0‬الطلب‪ 0‬أو الحظ‪00‬ر‬
‫للفعل‪ ،‬ولم يثبتوا الحكم للفعل قبل ورود الشرع‪ 0‬إال في األصول‪ ،‬وهي معرفة هللا تع‪00‬الى‪ 0‬ومعرف‪00‬ة‬
‫ص‪0‬فاته‪ 0‬من العلم والق‪0‬درة واإلرادة ومعرف‪00‬ة ص‪00‬دق الرس‪0‬ول واإليم‪00‬ان ب‪00‬ذلك وم‪0‬ا ع‪00‬دى ذل‪0‬ك من‬
‫األحكام موقوفة عندهم على ورود الشرع‪.‬‬
‫والمعتزلة أثبتوا للفعل الصفة المذكوة وأثبتوا له الحكم الذي تقتضيه الصفة من الطلب‬
‫والحظر من قبل هللا تعالى قبل ورود الشرع‪ ،‬قالوا‪ :‬إن العقل إذا أدرك الصفة الم‪00‬ذكورة في فع‪00‬ل‬
‫أدرك حكم هللا فيه التابع لتلك الصفة وهذا مع‪0‬نى ق‪0‬ول من ق‪0‬ال‪" :‬حكمت المعتزل‪0‬ة‪ 0‬العق‪0‬ل"‪ ،‬ف‪0‬إن‬
‫معناه جعلت المعتزلة العقل مدركا ً للحكم‪ ،‬وإال فالمعتزلة‪ 0‬لم يجعل‪0‬وا العق‪0‬ل حاكم‪0‬اً‪ ،‬إذ باتف‪0‬اق من‪0‬ا‬
‫ومنهم أن الحاكم هو هللا ال غير‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن اشتمل الفعل على مفسدة فحرام كالظلم‪ ،‬أواشتمل تركه على مفسدة فواجب‬
‫كالعدل‪ ،‬أواشتمل على مصلحة فمندوب كاإلحسان‪ ،‬أواشتمل تركه على مصلحة فمكروه‪ ،‬وإن لم‬
‫يشتمل على مصلحة وال مفسدة ال فعله وال تركه فمباح‪ 0،‬ف‪00‬إذا أدرك العق‪00‬ل في الفع‪00‬ل إح‪00‬دى ه‪00‬ذه‬
‫الصفات‪ 0‬أدرك ما يتبعها من األحكام‪ ،‬فإن لم يدركها فيه توقف عن الحكم بالحظر واإلباح ‪0‬ة‪ 0‬ح‪00‬تى‬
‫يرد الشرع‪ ،‬فالشرع عندهم مؤيد لما أدرك‪00‬ه العق‪00‬ل في بعض األفع‪00‬ال‪ ،‬وم‪00‬بين لم‪00‬ا لم ي‪00‬درك في‪00‬ه‬
‫العقل شيئاً‪.‬‬
‫وأما األشاعرة فلم يثبتوا للفعل قبل ورود الشرع‪ 0‬ال الصفة التي تقتض‪0‬ي‪ 0‬ورود الش‪00‬رع‪0‬‬
‫بالطلب أو الحظر‪ ،‬وال الطلب والحظر‪ 0،‬فنفوا الحسن والقبح من األصل‪.‬‬
‫وذهب جماع‪00‬ة من مت‪00‬أخري الحنفي‪00‬ة‪ 0‬إلى وج‪00‬ود الص‪00‬فة الم‪00‬ذكورة للفع‪00‬ل‪ ،‬ووافق‪00‬وا‬
‫المتقدمين منهم والمعتزلة في أص‪00‬ل مس‪00‬ألة الحس‪00‬ن والقبح لكنهم نف‪00‬وا وج‪00‬ود الحكم قب‪00‬ل ورود‬
‫الشرع رأسا ً في االصول والفروع‪ ،‬ووافقوا األشاعرة في ذلك‪.‬‬
‫والذي يظهر لي أن الحق هو المذهب الوسط وهو م‪0‬ذهب الماتريدي‪0‬ة‪ 0‬الق‪00‬ائلين بوج‪0‬ود‬
‫الصفة المذكورة للفعل‪ ،‬وأن نفيها عن الفعل كما هو مذهب األشاعرة غير صحيح‪ .‬وذلك ألمور‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هللا تع‪00‬الى ق‪00‬د أخ‪00‬بر في كتاب‪00‬ه وعلى ألس‪00‬نة رس‪00‬له أن‪00‬ه تع‪00‬الى ي‪00‬أمر ب‪00‬المعروف‬
‫وبالعدل واإلحسان‪ 0،‬وينهى عن الفحشاء‪ 0‬والمنكر فيقتضي هذا أن هناك أفعاال توصف بالمعروف‬
‫واإلحسان وبالفحش‪ 0‬والمنكر قبل األمر بها والنهي عنها أي قب‪00‬ل ورود الش‪00‬رع بحكم فيه‪00‬ا‪ ،‬كم‪00‬ا‬
‫يقتضي إن هذه الصفات الثابتة‪ 0‬لألفعال قبل ورود الشرع تقتضي ورود الشرع بحكم يناسبها‬
‫‪57‬‬
‫مذهب المعتزلة‪ ،‬وهو أن األحكام‪ 0‬كلها ثبتت بالعقل‪ .‬وقد علمت الفرق بين قول الماتريدية‬
‫بوجوب المعرفة بالعقل‪ ،‬وقول المعتزلة بثبوت األحكام بالعقل فاحرص عليه‬
‫(قوله وجبا عليه …إلخ) هذه الجملة خبر المبتدأ الذي ه‪00‬و “ ك‪00‬ل من كل‪00‬ف “ ؛ و‬
‫“ عليه “ متعلق بـ “ وجبا “ واأللف فيه لإلطالق‪ ،‬وقوله “ أن يعرف “ أي معرف‪00‬ة فـ‬
‫“ أن “ والفعل في تأويل مص‪00‬در ه‪00‬و فاع‪00‬ل “ وجب “ والمعرف‪00‬ة والعلم مترادف‪00‬ان على‬
‫معنى واح‪0‬د على التحقي‪00‬ق‪ ،‬وه‪0‬ذا المع‪0‬نى الواح‪00‬د ه‪0‬و الج‪00‬زم المط‪00‬ابق للواق‪00‬ع عن دلي‪00‬ل‪،‬‬
‫فخرج بالجزم الظن والشك والوهم‪ ،‬وبالمطابق‪ :‬غير المطابق‪ ،‬كجزم النصارى بالتثليث‪،‬‬
‫وبما بعده‪ :‬التقليد فليس كل منها معرفة‪ ،‬والمتص‪00‬ف بش‪00‬يء من األربع‪00‬ة األول في ش‪00‬يء‬
‫من العقائد اآلتية كافر اتفاقاً؛ وأما المتصف بالتقليد فسيأتي ذكر الخالف فيه‬

‫‪ -2‬من المق‪00‬رر‪ 0‬المجم‪00‬ع علي‪00‬ه بين علم‪00‬اء المس‪00‬لمين‪ 0‬أن هللا تع‪00‬الى حكيم‪ ،‬ومن حكمت‪00‬ه‬
‫تعالى أن يشرع األحكام حس‪00‬ب مص‪00‬الح العب‪00‬اد‪ ،‬فتك‪00‬ون ص‪00‬فة المص‪00‬لحة متقدم‪00‬ة على التش‪00‬ريع‪،‬‬
‫ومقتضية لورود الشرع على حسبها‬
‫‪ -3‬أن األشاعرة عندما قالوا بالحسن‪ 0‬والقبح بالمعنى‪ 0‬الثاني‪ ،‬وه‪00‬و اش‪00‬تمال الفع‪00‬ل على‬
‫المصلحة والمفسدة فقد اعترفوا بوجود الصفة المذكورة للفعل قب‪00‬ل ورود الش‪00‬رع فيك‪00‬ون نفيهم‬
‫للحسن والقبح من األساس تناقضا منهم‪ .‬وذلك ألن تقس‪00‬يم الحس‪00‬ن والقبح إلى المع‪00‬اني الثالث‪00‬ة‬
‫تقسيم اعتب‪00‬اري وليس تقس‪00‬يما حقيقي‪00‬ا‪ ،‬أي أن ه‪00‬ذه المع‪00‬اني الثالث‪0‬ة‪ 0‬ق‪00‬د تجتم‪00‬ع في فع‪00‬ل واح‪00‬د‪.‬‬
‫ويتصف الفعل الواحد بثالثتها‪ ،‬كالعدل والظلم‪ ،‬فإن العدل صفة كم‪00‬ال‪ ،‬ومالئم للطب‪0‬ع‪ 0‬بمع‪00‬نى أن‪00‬ه‬
‫مش‪00‬تمل على المص‪00‬لحة‪ ،‬وق‪00‬د ورد الش‪00‬رع‪ 0‬بطلب‪00‬ه‪ ،‬كم‪00‬ا أن الظلم ص‪00‬فة نقص‪ ،‬ومش‪00‬تمل على‬
‫المفسدة‪ ،‬وقد ورد الشرع بالنهي عنه‪ ،‬فالقول باتصافه بالحسن‪ 0‬والقبح ب‪00‬المعنى الث‪00‬اني‪ 0‬ليس إال‬
‫قوال بوجود الصفة المذكورة للفعل قبل ورود الشرع وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫هذا هو تفصيل المسألة وبه تعلم ما في كالم الشارح من الخلل‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نعدل كالم الشارح‪ 0‬قلنا‪:‬‬
‫وذهبت المعتزل‪00‬ة إلى أن األحك‪00‬ام كله‪00‬ا ثبتت قب‪00‬ل ورود الش‪00‬رع‪ ،‬ول‪00‬ذا ق‪00‬ال في جم‪00‬ع‬
‫الجوامع‪( :‬وحكمت المعتزلة العقل) أي جعلته مدركا ً لألحكام‪ ،‬وإن لم ي‪00‬رد به‪00‬ا الش‪00‬رع‪ 0،‬وم‪00‬راده‬
‫األحكام المتعلقة باألفعال التي أدرك العقل جهة الحسن والقبح فيها‪ ،‬ف‪00‬إن لم ي‪00‬درك جه‪00‬ة الحس‪00‬ن‬
‫والقبح فيها توقف عن الحكم فيها إلى ورود الشرع‪ ،‬فالشرع جاء مؤيداً للعق‪00‬ل فيم‪00‬ا أدرك جه‪00‬ة‬
‫الحسن والقبح فيه‪ ،‬ومبينا ً في غيره‪.‬‬
‫س‪0‬ن‪0‬‬ ‫الح َ‬
‫وبنوا مذهبهم هذا على مذهبهم في مس‪00‬ألة التحس‪00‬ين والتق‪00‬بيح العقل‪00‬يين‪ ،‬ف‪00‬إن َ‬
‫عندهم ما أدرك العقل حسنه‪ ،‬والقببيح ما أدرك العقل قبحه‪ ،‬فإذا أدرك العقل أن هذا الفعل حس‪00‬ن‬
‫بحيث تترتب المفسدة على تركه أدرك وجوبه أي أدرك ترتب المدح على فعله عاجالً والذم على‬
‫تركه آجالً‪.‬‬
‫أما عند األشعرية فالحسن‪ 0‬ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع‪.‬‬
‫ومذهب جمهور الماتريدي‪0‬ة‪ 0‬أن وج‪00‬وب اإليم‪00‬ان باهلل وبعلم‪00‬ه وقدرت‪00‬ه وإرادت‪00‬ه بالعق‪00‬ل‪0،‬‬
‫بمعنى أنه لو لم يرد الشرع به لوجب على المكلف إدراك‪0‬ه بعقل‪0‬ه‪ 0،‬وه‪0‬ذا الق‪00‬ول منهم مب‪0‬ني على‬
‫ق‪00‬ولهم بأص‪00‬ل مس‪00‬ألة التحس‪00‬ين والتق‪00‬بيح العقل‪00‬يين‪ 0،‬ف‪00‬إنهم وافق‪00‬وا المعتزل‪0‬ة‪ 0‬في أص‪00‬ل المس‪00‬ألة‪0،‬‬
‫وخالفوهم فيما رتبوه عليها من وجود األحكام قبل ورود الشرع إال في وج‪00‬وب اإليم‪00‬ان‪ 0‬وحرم‪00‬ة‬
‫الكفر فقد وافقوهم فيها‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫(قوله ما قد وجبا هلل) أي جميع ما وجب هلل‪ ،‬ألن “ م‪00‬ا “ من ص‪00‬يغ العم‪00‬وم‪ ،‬لكن‬
‫ما قامت األدلة العقلية عليه أو النقلية تفصيال وهو العش‪00‬رون اآلتي‪00‬ة‪ ،‬يجب على المكل‪00‬ف‬
‫أن يعرفه كذلك‪ ،‬أعني تفصيال وما قامت األدلة العقلية أو النقلي‪00‬ة علي‪00‬ه إجم‪00‬االً ه‪00‬و س‪00‬ائر‬
‫الكماالت‪ ،‬يجب على المكلف أن يعرفه كذلك أعني إجماالً‪ ،‬وكذا يق‪00‬ال في المس‪00‬تحيل‪ .‬وفي‬
‫البيت التضمين المتقدم واأللف في “ وجبا “ لإلطالق فال إيطاء في كالم‪00‬ه‪ ،‬وإن قلن‪00‬ا إن‬
‫هذه المقدمة من مشطور الرجز كما تقدم في نظ‪0‬يره ألن الوج‪0‬وب األول بالش‪0‬رع والث‪0‬اني‬
‫بالعقل غالباً‪.‬‬
‫‪ { -30‬تقسيم صفات هللا باعتبار دليلها إلى ثالثة أقسام}‬
‫وإنم‪00‬ا قلن‪00‬ا “ غالب‪0‬ا ً “ ألن الص‪00‬فات على ثالث‪00‬ة أقس‪00‬ام‪ :‬القس‪0‬م‪ 0‬األول م‪00‬ا ال يص‪00‬ح‬
‫االستدالل عليه إال بال‪00‬دليل العقلي وهو م‪00‬ا ت‪00‬وقفت علي‪00‬ه المعج‪00‬زة من الص‪00‬فات كوج‪00‬وده‬
‫تعالى وقدمه وبقائه وقيامه بنفسه ومخالفته للحوادث وقدرته وإرادت‪00‬ه وعلم‪00‬ه وحياته‪. 1‬‬
‫القس‪00‬م الث‪00‬اني‪ :‬م‪00‬ا ال يص‪00‬ح االس‪00‬تدالل علي‪00‬ه إال بال‪00‬دليل الس‪00‬معي وه‪00‬و ك‪00‬ل م‪00‬ا ال تتوق‪00‬ف‬
‫المعجزة عليه من الصفات كالسمع والبصر والكالم‪ .‬القسم الث‪00‬الث‪ :‬م‪00‬ا اختل‪00‬ف في‪00‬ه وه‪00‬و‬
‫الوحدانية؛ واألصح أن دليلها عقلي‪ ،‬وإنما قدم الواجب لشرفه وأخر المستحيل النحطاطه‬
‫ألنه يرجع للسلب والثبوت أشرف منه؛ ووسطه الجائز‪ ،‬ألن في‪00‬ه ش‪00‬ائبة الثب‪00‬وت وش‪00‬ائبة‬
‫السلب؛ قد عرفوا الواجب في هذا الفن بأن‪00‬ه م‪00‬ا ال يتص‪00‬ور في العق‪00‬ل عدمه‪ 2‬ببن‪00‬اء الفع‪00‬ل‬
‫للفاعل‪ :‬أي ما ال يمكن بسبب العقل عدمه أو للمفعول‪ :‬أي ما ال تدرك النفس بسبب العقل‬
‫عدمه‪ ،‬لكن يرد على ه‪00‬ذا أن النفس ق‪0‬د ت‪00‬درك ع‪0‬دم ال‪00‬واجب‪ ،‬ألن المح‪00‬ال ق‪0‬د يتص‪00‬ور أي‬
‫يدرك‪ .‬ويجاب بأن المراد بالتص‪0‬ور هن‪0‬ا التص‪0‬ديق‪ ،‬والمع‪00‬نى حينئ‪0‬ذ‪ :‬م‪00‬ا ال تص‪0‬دق النفس‬
‫بسبب العقل بعدم‪00‬ه‪ ،‬وعلم من ه‪00‬ذا أن العق‪0‬ل‪ 0‬آل‪00‬ة في اإلدراك؛ والم‪00‬درك إنم‪00‬ا ه‪00‬و النفس‪.‬‬
‫واألولى عدم ربط الواجب بالعقل‪ ،‬فيق‪00‬ال‪ :‬ال‪00‬واجب ه‪00‬و م‪00‬ا ال يقب‪00‬ل االنتف‪00‬اء‪ ،‬ألن ال‪00‬واجب‬
‫واجب في نفسه وجد عق‪00‬ل أو لم يوج‪00‬د‪ ،‬وال‪00‬واجب قس‪00‬مان‪ :‬ض‪00‬روري كتح‪00‬يز الج‪00‬رم‪ :‬أي‬

‫‪ 1‬وذلك ألنا لو استدللنا على وجود هذه الصفات وثبوتها هلل تع‪00‬الى بالنق‪00‬ل لل‪00‬زم ال‪00‬دور‪.‬‬
‫وذلك الن النقل يتوقف ثبوت وجوده على وجودها وثبوته‪00‬ا هلل تع‪00‬الى‪ 0،‬فيك‪00‬ون ك‪00‬ل من المس‪00‬تدل‬
‫عليه والمتوقف عليه وجود ه‪00‬ذه الص‪00‬فات‪ 0‬وثبوته‪00‬ا هلل تع‪00‬الى‪ ،‬وه‪00‬و من ال‪00‬دور المس‪00‬تلزم‪ 0‬لتق‪00‬دم‬
‫الشيء على نفسه‪.‬‬
‫وهذا القسم من الصفات هي التي يتوقف عليها أصل األلوهية ولواله‪00‬ا لم يمكن إظه‪00‬ار‬
‫المعجزة على يد النبي‪ 0‬صلى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪ ،‬والقس‪0‬م الث‪0‬اني‪ 0‬هي م‪0‬ا يتوق‪0‬ف عليه‪0‬ا كم‪0‬ال‬
‫األلوهية وه‪0‬ذه يمكن االس‪00‬تدالل عليه‪00‬ا بالعق‪00‬ل كم‪00‬ا يمكن االس‪00‬تدالل عليه‪00‬ا بالش‪00‬رع‪ 0‬كم‪00‬ا اس‪00‬تدل‬
‫إبراهيم عليه السالم عقال على أبيه بقوله (يا أبتي لم تعبد م‪00‬ا ال يس‪00‬مع وال يبص‪00‬ر)‪ 0‬وق‪00‬د اختل‪00‬ف‬
‫في الوحدانية هل هي من القسم األول أم من القسم الثاني والتحقي‪00‬ق أنه‪00‬ا من القس‪00‬م الث‪00‬اني ألن‬
‫إظهار المعجزة ال يتوقف على الوحدانية فيجوز ألحد اإللهين أن يظه‪00‬ر المعج‪00‬زة على ي‪00‬د الن‪00‬بي‪0‬‬
‫والتمانع بين اآللهة ليس بواجب بل جائز وبرهان التمانع الذي يثبت الوحدانية مبني على جواز‬
‫التمانع ال على وجوبه هذا هو التحقيق في هذا المقام‪ 0‬وكالم الشارح‪ 0‬مختل فليتنب‪00‬ه وهللا أعلم‪ .‬ثم‬
‫رأيت الزبيدي نقل ما ذكرته في شرح اإلحياء عن السنوسي‪ .‬فانظره (‪.)2/136‬‬
‫‪ -2‬قوله‪ :‬عدمه‪ .‬أي جواز عدمه فالمنفي إدراكه بالعقل هو ج‪00‬واز الع‪00‬دم ال نفس الع‪00‬دم‪،‬‬
‫وإال إلقتضى التعريف أن كل ما قطع بوجوده كان واجبا‪ 0،‬ولو كان من الجائزات‪ – 0‬أجهوري‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫أخذه قدراً من الحيز وهو المكان؛ فإنه ما دام الجرم موج‪00‬وداً يجب أن يتح‪00‬يز فه‪00‬و واجب‬
‫مقيد بدوام الجرم ونظري كصفاته تعالى‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ -10‬هلل والجائز والممتنعا ‪ ##‬ومثل ذا لرسله فاستمعا‬
‫(قوله‪ :‬والجائز) أي في حقه سبحانه وتعالى‪1‬عقالً وهو معط‪00‬وف على قول‪00‬ه “ م‪00‬ا‬
‫قد وجبا “ وقد عرفوه بأنه ما يصح في العقل وجوده تارة وعدم‪00‬ه أخ‪00‬رى‪ :‬إم‪00‬ا ض‪00‬رورة‬
‫كحركة الجرم أو سكونه‪ ،‬أو نظراً كتعذيب المطيع ول‪00‬و معص‪00‬وماً‪ ،‬لكن ال ينبغي التمش‪00‬دق‬
‫في ح‪00‬ق األنبي‪00‬اء ب‪00‬ل بق‪00‬در ض‪00‬رورة التعليم‪ ،‬وإثاب‪00‬ة العاص‪00‬ي ول‪00‬و ك‪00‬افراً‪ ،‬ألن الكالم في‬
‫اإلمك‪00‬ان العقلي فال ين‪00‬افي أن ذل‪00‬ك ممتن‪00‬ع ش‪00‬رعاً؛ وعلم من ذل‪00‬ك أن الج‪00‬ائز قس‪00‬مان‪:‬‬
‫ض‪0‬روري ونظ‪0‬ري (قول‪0‬ه والممتنع‪00‬ا) أي المس‪0‬تحيل في حق‪0‬ه تع‪0‬الى‪،‬وعرف‪0‬وه بأن‪00‬ه م‪0‬ا ال‬
‫يتصور في العقل وجوده ببناء الفع‪0‬ل للفاع‪0‬ل أو للمفع‪0‬ول‪ 0‬كم‪0‬ا تق‪0‬دم في تعري‪0‬ف ال‪0‬واجب‪،‬‬
‫وهو قس‪0‬مان‪ :‬ض‪0‬روري كخل‪0‬و الج‪0‬رم من الحرك‪0‬ة والس‪0‬كون مع‪0‬اً‪ ،‬ونظ‪0‬ري كالش‪0‬ريك ل‪0‬ه‬
‫تع‪00‬الى‪ ،‬فتلخص أن ك‪00‬ل واح‪00‬د من ه‪00‬ذه األقس‪00‬ام الثالث‪00‬ة ينقس‪00‬م الى قس‪00‬مين‪ :‬ض‪00‬روري‬
‫ونظري‪ ،‬فالجميع ستة‪ ،‬وقد مر تمثيلها‪ .‬قال بعضهم‪ :‬ويمكن تمثيل األقسام الثالثة بحركة‬
‫الجرم وسكونه‪ ،‬فالواجب أح‪00‬دهما‪ ،‬ال بعين‪00‬ه‪ ،‬والمس‪00‬تحيل خل‪00‬وه عنهم‪00‬ا جميع‪0‬اً‪ ،‬والج‪00‬ائز‬
‫ثبوت أحدهما معينا ً ب‪00‬دالً عن اآلخ‪00‬ر‪ ،‬وينبغي االعتن‪00‬اء به‪00‬ذه األحك‪00‬ام؛ ألن إم‪00‬ام الح‪00‬رمين‬
‫يقول بأن معرفته‪0‬ا هي العقل‪ ،2‬بن‪00‬اء على أن‪0‬ه العلم بوج‪00‬وب الواجب‪00‬ات وج‪0‬واز الج‪0‬ائزات‬
‫واستحالة المستحيالت‬
‫(قوله ومثل ذا لرسله) يجوز قراءة “ مثل “ بالرفع‪ ،‬فتكون الجملة مستأنفة‪ ،‬أي‬
‫مبتدأ وخبراً‪ ،‬والتقدير‪ :‬مثل ذا كائن لرسله‪ ،‬ويجوز قراءته بالنصب عطف‪0‬ا ً على “ م‪00‬ا ق‪00‬د‬
‫وجبا “ وما بعده‪ ،‬والتقدير‪ :‬ووجب عليه أن يعرف مثل ذلك لرسله؛ وإفراد اسم اإلشارة‬
‫مع عوده لمتعدد نظراً لتأويله بالمذكور ال‪00‬ذي ه‪00‬و ال‪00‬واجب والمس‪00‬تحيل والج‪00‬ائز‪ ،‬وأش‪00‬ار‬
‫المص‪00‬نف بلف‪00‬ظ “ مث‪00‬ل “ إلى أن ال‪00‬واجب في حقهم عليهم الص‪00‬الة والس‪00‬الم والمس‪00‬تحيل‬
‫والجائر‪ ،‬ليست هي عين الواجب في حقه تعالى والمستحيل والجائز‪ ،‬فالمراد المثلي‪00‬ة في‬
‫مطلق واجب وجائز ومستحيل وإن اختلفت األفراد واألدلة‪ ،‬وإنما خص الرس‪00‬ل ألن بعض‬

‫‪ -1‬قوله "والجائز في حقه س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى" إيض‪00‬اح ه‪00‬ذا أن الج‪00‬ائز‪ 0‬المقاب‪0‬ل‪ 0‬لل‪00‬واجب‬
‫والمستحيل له جوازان‪ :‬جواز في نفسه وهو صالحيته في نفسه –أي بقطع النظ‪00‬ر عن‪00‬ه تع‪00‬الى‪-‬‬
‫للوجود والعدم‪ ،‬وجواز في حقه تعالى‪ 0‬وهو كونه في قبضته سبحانه وتعالى‪ ،‬بمعنى أنه في حال‬
‫عدمه إن شاء هللا أبقاه على عدمه وإن شاء أوجده‪ ،‬وفي حال وجوده إن شاء أعدم‪00‬ه وإن ش‪00‬اء‬
‫أبقاه على وجوده‪ ،‬والواجب على المكلف اعتقاد‪ 0‬الجواز الثاني بأن يعتقد أن كل ما هو ج‪00‬ائز في‬
‫نفس‪0‬ه ج‪00‬ائز في حق‪0‬ه تع‪0‬الى؛‪ 0‬وق‪0‬د علمت المغ‪0‬ايرة بين ج‪00‬وازه في نفس‪00‬ه وج‪0‬وازه في حق‪00‬ه‪ ،‬فال‬
‫ركاكة في قولنا "الجائز‪ 0‬في حقه تعالى ك‪0‬ل ممكن" ألن الم‪00‬راد من‪0‬ه ك‪0‬ل م‪00‬ا أمكن في نفس‪0‬ه‪ :‬أي‬
‫صلح في نفسه للوجود والعدم كان جائزاً في حقه تعالى‪ 0،‬بمعنى أنه في قبضته‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪" :‬ألن إمام الحرمين… إلخ" قيل الم‪00‬راد بالمعرف‪00‬ة ال‪00‬تي جعله‪00‬ا إم‪00‬ام الح‪00‬رمين‬
‫نفس العقل تصور المفاهيم الثالثة‪ ،‬بأن يتصور أن الواجب ما ال يقبل الع‪00‬دم‪ ،‬وأن المس‪00‬تحيل م‪00‬ا‬
‫ال يقبل الوجود وأن الج‪00‬ائز‪ 0‬م‪00‬ا يص‪00‬ح وج‪00‬وده وعدم‪00‬ه‪ .‬وقي‪00‬ل‪ :‬الم‪00‬راد بتل‪00‬ك المعرف‪00‬ة‪ :‬التص‪00‬ديق‬
‫ببعض الضروريات من األقسام الثالثة كأن يصدق بأن الواحد نصف االثنين‪ ،‬وبان الن‪00‬ار‪ 0‬ح‪00‬ارة‪،‬‬
‫وأن النقيضين‪ 0‬ال يجتمعان‪ 0،‬فكون الواحد نصف االث‪00‬نين واجب ض‪00‬رورة‪ ،‬وثب‪00‬وت الح‪00‬رارة للن‪00‬ار‬
‫جائز ضرورة‪ ،‬واجتماع النقيضين مستحيل ضرورة فالتصديق بذلك وما شابهه ه‪00‬و العق‪00‬ل بن‪00‬اء‬
‫على هذا القول‪ ،‬يؤخذ ذلك من حاشية الشرقاوي على الهدهدي‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫ما يأتي كالتبليغ خاص بهم دون األنبياء‪ :‬وقوله “ فاستمعا “ بقلب نون التأكيد الخفيف‪00‬ة‬
‫ألفا ً في الوقف كما قال ابن مالك‪:‬‬
‫(وأبدلنها بعد فتح ألفا ً وقفا كما تقول في قفن قفا) أي فاستمعن ما ألقي إليك‬
‫من األمور التي معرفتها ترفعك عن الجه‪00‬ل والتقلي‪00‬د اس‪00‬تماع ت‪00‬دبر وتفهم فه‪00‬و وإن ك‪00‬ان‬
‫تكملة مفيد لما تقدم‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ { -31‬حكم التقليد في العقيدة}‬
‫‪ -11‬إذ كل من قلد في التوحيد ‪ ##‬إيمانه لم يخل من ترديد‬
‫‪1‬‬
‫(قوله إذ كل من قلد … إلخ) هذا تعليل لوجوب المعرفة السابقة فكأنه قال‪ :‬وإنما‬
‫وجب على المكلف معرفة ما ذكر ألن كل من قلد‪ ..‬إلخ‪ ،‬ف‪00‬إذ للتعلي‪00‬ل‪ .‬والتقلي‪00‬د‪ :‬ه‪00‬و األخ‪00‬ذ‬
‫بقول الغير من غير أن يعرف دليله؛ والمراد باألخذ‪ :‬االعتق‪00‬اد‪ :‬أي اعتق‪00‬اد مض‪00‬مون ق‪00‬ول‬
‫الغير‪ ،‬والم‪00‬راد ب‪00‬القول‪ :‬م‪00‬ا يش‪00‬مل الفع‪00‬ل والتقرير‪ 2‬أيض‪0‬اً؛ وخ‪00‬رج بقولن‪00‬ا “ من غ‪00‬ير أن‬
‫يعرف دليله “ التالمذة بعد أن يرشدهم األشياخ لألدلة‪.‬‬
‫فهم ع‪00‬ارفون ال مقل‪00‬دون‪ ،‬وض‪00‬رب لهم الش‪00‬يخ السنوس‪00‬ي مثالً للف‪00‬رق بينهم وبين‬
‫المقلدين بجماعة نظروا للهالل‪ 3‬فسبق بعضهم لرؤيته فأخبرهم به‪ ،‬فإن صدقوه من غ‪00‬ير‬
‫معاينة كانوا مقلدين‪ ،‬وإن أرشدهم بالعالمة حتى عاينوه لم يكونوا مقلدين؛‬
‫وقول‪00‬ه “ في التوحي‪00‬د “ أي في علم العقائ‪00‬د ول‪00‬و تعلقت بالرس‪00‬ل‪ ،‬فليس الم‪00‬راد‬
‫بالتوحيد إثبات الوحدة بخصوصه‬
‫(قوله إيمانه لم يخل من ترديد) هذه الجملة خ‪00‬بر عن المبت‪00‬دأ ال‪00‬ذي ه‪00‬و “ ك‪00‬ل من‬
‫قلد …إلخ “ والمراد بإيمان‪0‬ه‪ :‬جزم‪0‬ه بأحك‪00‬ام التوحي‪0‬د من غ‪0‬ير دلي‪00‬ل‪ ،‬وليس الم‪00‬راد ب‪00‬ه‬
‫المعرفة‪ ،‬إذ ال معرفة عند المقلد‪ ،‬كذا يفيده كالم الشارح‪ ،‬ولعله مبني على أن اإليمان هو‬
‫المعرف‪00‬ة وه‪00‬و ض‪00‬عيف‪ ،‬وال‪00‬راجح أن‪00‬ه التص‪00‬ديق وه‪00‬و غ‪00‬ير الج‪00‬زم‪ ،‬ألن مرجع‪00‬ه الكالم‬
‫النفساني وهو ق‪00‬ول النفس‪ :‬آمنت وص‪00‬دقت‪ .‬ف‪00‬األولى أن الم‪00‬راد بإيم‪00‬ان المقل‪00‬د‪ :‬تص‪00‬ديقه‬
‫التابع للجزم ال نفس الجزم‪ ،4‬والمراد من الترديد‪ :‬التردد والتحير‪ ،‬من قولك‪ “ 5‬تردد زي‪00‬د‬
‫“ أي تحير‪ ،‬واستشكل بأن العبارة تقتضي أن الج‪00‬زم يج‪00‬امع ال‪00‬تردد‪ ،‬م‪00‬ع أن‪00‬ه م‪00‬تى ك‪00‬ان‬
‫جازما ً ال يكون متردداً أصالً‪ ،‬فكيف يقول “ إيمانه لم يخ‪00‬ل من تردي‪00‬د “ وأجيب عن ذل‪00‬ك‬
‫ب‪00‬أن كالم‪00‬ه على ح‪00‬ذف مض‪00‬اف‪ ،‬والتق‪00‬دير‪ :‬لم يخ‪00‬ل عن قب‪00‬ول تردي‪00‬د‪ ،‬أو المع‪00‬نى‪ :‬أن‪00‬ه‬
‫مصحوب بالترديد بالقوة ال بالفعل‪ ،‬وال يرد أن العارف ال يخلو أيضا ً عن قبول التردي‪00‬د أو‬
‫لم يخل عن الترديد بالقوة‪ ،‬لجواز أن تطمس عين معرفته والعياذ باهلل تعالى؛ ألن الم‪00‬راد‬

‫‪ 1‬قول‪00‬ه "ه‪00‬ذا تعلي‪00‬ل‪ ..‬إلخ" أي باعتب‪00‬ار‪ 0‬م‪00‬ا تض‪00‬منه من وج‪00‬وب ال‪00‬دليل‪ ،‬ألن وج‪00‬وب‬
‫المعرفة يتضمن‪ 0‬وجوب أمور ثالثة‪ :‬الج‪00‬زم‪ ،‬وكون‪00‬ه مطابق‪00‬ة للواق‪00‬ع‪ ،‬وكون‪00‬ه ناش‪00‬ئاً‪ 0‬عن ال‪00‬دليل‪0،‬‬
‫وهذه علة للثالث وهو كونه ناشئا عن الدليل – أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله ما يشمل الفعل والتقرير‪ 0،‬إن كان المراد فعل غير المعصوم وتقريره فال وجه له‬
‫ألنه ال تؤخذ منها األحكام وال يقلد فيه‪00‬ا‪ ،‬وإنم‪00‬ا يقل‪00‬د في قول‪00‬ه‪ ،‬وإن ك‪00‬ان الم‪00‬راد فع‪00‬ل المعص‪00‬وم‬
‫وتقري‪00‬ره فال يك‪00‬ون تقلي‪00‬داً ألن المعج‪00‬زة والعص‪00‬مة دليالن على حقي‪00‬ة م‪00‬ا ي‪00‬دل علي‪00‬ه الفع‪00‬ل‬
‫والتقرير‪،‬فال وجه لهذا الكالم‪.‬‬
‫‪ 3‬أي نظروا السماء ألجل رؤية الهالل‪.‬‬
‫‪ 4‬لحصول الجزم في الكفر العنادي مع فقد اإليمان‪ .‬كما قال هللا تعالى‪ “ :‬يعرفون‪0‬ه كم‪0‬ا‬
‫يعرفون ابنائهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون))‬
‫‪ 5‬يعني ان التردد من قولك تردد زيد يعني ان الترديد مستعمل في الزمه وهو التردد‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫بالقبول والقوة‪ :‬القريبان من الفعل عادة وال يضر غيرهما‪ ،‬ويمكن أن يحمل الترديد على‬
‫اختالف العلماء فيه‪ ، 6‬فما يأتي كالتفسير لهذا المجمل فهو من ذكر المفصل بعد المجمل‪.‬‬

‫‪ 6‬وه‪0‬ذا الوج‪0‬ه وجي‪0‬ه وي‪0‬دل علي‪0‬ه تعقيب ه‪0‬ذا الكالم بقول‪0‬ه‪" :‬ففي‪0‬ه بعض الق‪0‬وم يحكي‬
‫الخلفا"‪ 0‬مقرونا بالفاء‪ 0‬التفصيلية‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫‪ { -32‬الخالف في حكم إيمان المقلد}‬
‫الخلفا ‪##‬وبعضهم‪ 0‬حقق فيه الكشفا‬ ‫‪ -12‬ففيه بعض القوم يحكي ُ‬
‫‪1‬‬
‫(قوله فيفيه بعض القوم يحكي الخلف) أي فبسبب تحيره وتردده اختل‪00‬ف العلم‪00‬اء‬
‫في إيمانه صحة وعدماً‪ ،‬فالفاء سببية والضمير إليمان المقلد من حيث الصحة وع‪00‬دمها‪،‬‬
‫والخلف –بضم الخاء وس‪0‬كون الالم‪ -‬بمع‪0‬نى الخالف ال بمع‪0‬نى خل‪0‬ف الوع‪0‬د وإن تع‪0‬ورف‬
‫فيه‪.‬‬
‫وحاصل الخالف فيه أقوال ستة‪ ،‬األول‪ :‬عدم االكتف‪00‬اء بالتقلي‪00‬د بمع‪00‬نى ع‪00‬دم ص‪00‬حة‬
‫التقليد‪ ،‬فيكون المقلد كافراً‪ ،‬وعليه السنوسي في الك‪0‬برى‪ .2‬الث‪0‬اني‪ :‬االكتف‪0‬اء بالتقلي‪0‬د م‪0‬ع‬
‫العصيان مطلقاً؛ أي سواء كان فيه أهلية للنظر أم ال‪ .‬الثالث‪ :‬االكتفاء به مع العص‪00‬يان إن‬
‫كان فيه أهلية للنظر وإال فال عصيان‪ .‬الراب‪00‬ع‪ :‬أن من قلد‪ 3‬الق‪00‬رآن والس‪00‬نة القطعي‪00‬ة ص‪00‬ح‬
‫إيمان‪0‬ه التباع‪00‬ه القطعي‪ ،‬ومن قل‪00‬د غ‪0‬ير ذل‪00‬ك لم يص‪0‬ح إيمان‪00‬ه لع‪00‬دم أمن الخط‪0‬أ على غ‪0‬ير‬
‫المعصوم‪ .‬الخامس‪ :‬االكتفاء به من غير عصيان مطلقاً‪ ،‬ألن النظر ش‪0‬رط كم‪0‬ال فمن ك‪0‬ان‬
‫فيه أهلية النظر ولم ينظ‪00‬ر فق‪00‬ط ت‪00‬رك األولى‪ .‬الس‪00‬ادس‪ :‬أن إيم‪00‬ان المقل‪00‬د ص‪00‬حيح ويح‪00‬رم‬
‫عليه النظر‪ ،‬وهو محمول على المخلوط بالفلسفة‪ .4‬وما أحسن‪ 5‬قول بعضهم‪:‬‬
‫عاب الكالم أناس ال خالق لهم ‪ ##‬وما عليه إذا عابوه من ضرر‬
‫ما ضر شمس الضحى في األفق طالعة ‪ ##‬أن ال يرى ضوءها من ليس ذا بصر‬
‫والقول الحق الذي عليه المعول من هذه األقوال القول الث‪00‬الث‪ ،‬والص‪00‬واب أن ه‪00‬ذا‬
‫الخالف مطل‪00‬ق‪ :‬أي ج‪00‬ار في النظ‪00‬ر الموص‪00‬ل لمعرف‪00‬ة هللا تع‪00‬الى‪ ،‬دون غ‪00‬يره‪ 6‬ك‪00‬النظر‬

‫‪ 1‬يعني بالقوة القريبة‪.‬‬


‫‪ 2‬وأبو هاشم من المعتزلة‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله "أن من قلد… الخ" أي فيما توقف على الدليل العقلي‪ :‬وه‪00‬و م‪00‬ا تتوق‪00‬ف علي‪0‬ه‪0‬‬
‫المعجزة‪ ،‬وذلك ما عدا الس‪00‬مع والبص‪00‬ر والكالم ولوازمهم‪00‬ا‪ ،‬ألن‪00‬ه حينئ‪00‬ذ في حكم المقل‪00‬د ألخ‪00‬ذه‬
‫بالنقل وتركه الدليل العقلي‪ .‬أجهوري‪ .‬أقول‪ :‬إن كان المراد من تقليد القرآن والسنة األخ‪00‬ذ بهم‪00‬ا‬
‫في معرفة هللا تعالى وما ذكر من صفاته‪ 0،‬ومعرفة الرس‪00‬ول فال يص‪00‬ح ألنهم‪00‬ا ال يؤخ‪00‬ذان منهم‪00‬ا‬
‫وإنما يؤخذان من الدليل العقلي وه‪0‬و دلي‪00‬ل وج‪00‬وده تع‪00‬الى والمعج‪00‬زة‪ ،‬وإال ل‪00‬زم ال‪00‬دور وإن ك‪00‬ان‬
‫مراد هذا القائل غير هاتين المسألتين من العقائد‪ 0‬فاألخذ بالكتاب‪ 0‬والسنة استدالل وليس تقليداً‪.‬‬
‫‪ 4‬ألن النظر‪ 0‬على طريقة الفالسفة يورث الشبه والش‪00‬كوك ب‪00‬دالً عن أن ي‪00‬وجب طمأنين‪00‬ة‬
‫القلب‪ 0‬وثلجه‪ ،‬وقد علل القاضي العض‪00‬د في ش‪00‬رح مختص‪00‬ر ابن الح‪00‬اجب‪ 0،‬والتفت‪00‬ازاني‪ ،‬والمحلي‬
‫في شرح جمع الجوامع هذا القول بأن النظر مظنة الوقوع في الشبه والضالل الختالف األذه‪00‬ان‬
‫واألنظار بخالف التقليد‪ ،‬واعترض على هذا التعليل بأنه يقتضي تح‪00‬ريم النظ‪0‬ر‪ 0‬على المقل‪00‬د بفتح‬
‫الالم أيضا ً ألنه مظنته‪00‬ا فال يص‪00‬ح الق‪00‬ول ب‪00‬أن التقلي‪00‬د واجب والنظ‪00‬ر ح‪00‬رام‪ ،‬وأم‪00‬ا اتب‪00‬اع ص‪00‬احب‪0‬‬
‫الوحي فليس تقليداً بل علم نظري‪.‬‬
‫‪ 5‬أتى الشارح‪ 0‬بهذين البيتين رداً للقول الس‪00‬ادس وأن‪00‬ا أق‪00‬ول‪" :‬م‪00‬ا أقبح ق‪00‬ول بعض‪00‬هم"‬
‫بدل ق‪0‬ول الش‪00‬ارح‪" 0‬م‪00‬ا أحس‪00‬ن ق‪0‬ول بعض‪00‬هم" وذل‪00‬ك ألن الكالم المخل‪00‬وط بالفلس‪00‬فة ب‪0‬دالً عن أن‬
‫يورث طمأنينة القلب‪ 0‬وثلجه يورث الشبه والشكوك فيه‪.‬‬
‫‪ 6‬الصواب‪ 0‬وغيره بدل دون غيره‪ ،‬ف‪0‬إن النظ‪0‬ر‪ 0‬الموص‪0‬ل إلى معرف‪0‬ة الرس‪0‬ل مث‪0‬ل النظ‪0‬ر‬
‫الموصل لمعرفته تعالى‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫الموصل لمعرفة الرسل‪ ،‬خالفا ً لمن خص الخالف بالنظر غير الموصل لمعرفة هللا تعالى‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أما النظر الموص‪0‬ل لمعرف‪0‬ة هللا تع‪0‬الى فه‪0‬و واجب باإلجم‪0‬اع‪ ،‬وق‪0‬د ج‪0‬رى على ذل‪0‬ك‬
‫الشيخ عبد السالم‪ ،‬واالرجح أنه ال فرق في هذا الخالف بين أهل األمصار والقرى‪ ،‬وبين‬
‫من نشأ في شاهق جبل‪ ،‬خالفا ً لمن خص‪00‬ه بمن نش‪00‬أ في ش‪00‬اهق جبل‪ 1‬دون أه‪00‬ل األمص‪00‬ار‬
‫والقرى‪ ،‬وقد جرى على ذلك الشيخ عبد السالم أيضاً‪ .‬قال اليوسي‪ :‬وق‪00‬د تح‪00‬دثت امرأت‪00‬ان‬
‫بمحض‪00‬ري في زمن ص‪00‬غري‪ ،‬وذكرت‪00‬ا ال‪00‬ذنوب‪ ،‬فق‪00‬الت إح‪00‬داهما‪ :‬هللا يغف‪00‬ر لن‪00‬ا‪ ،‬فق‪00‬الت‬
‫األخرى‪ :‬يغفر لنا إن وفقه هللا الذي خلقه هو أيضا ً آهـ‪ ،‬ومثل ذلك كثير من الناس؛ فمنهم‬
‫من يعتقد أن الصحابة أنبياء وهذا كفر‪ ،‬ومنهم من ينك‪00‬ر البعث ويق‪00‬ول‪ :‬من م‪00‬ات ثم ج‪00‬اء‬
‫وأخ‪00‬بر ب‪00‬ذلك؟ إلى غ‪00‬ير ذل‪00‬ك من الكف‪00‬ر الص‪00‬ريح‪ ،‬وحكى اآلم‪00‬دي اتف‪00‬اق األص‪00‬حاب على‬
‫انتفاء كفر المقل‪00‬د‪ ،‬وأن‪00‬ه ال يُع‪00‬رف الق‪00‬ول بع‪00‬دم ص‪00‬حة إيمان‪00‬ه إال ألبي هاش‪00‬م الجب‪00‬ائي من‬
‫المعتزلة‪ .‬وذكر ابن حجر عن بعضهم أنه أنكر وجوب المعرفة أص‪0‬الً وق‪0‬ال‪ :‬إنه‪0‬ا حاص‪0‬لة‬
‫اس َعلَ ْي َه‪00‬ا)‬
‫‪0‬ر النَّ َ‬ ‫بأص‪00‬ل الفط‪00‬رة‪ ،‬واس‪00‬تدل على ذل‪00‬ك بقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪ِ ( :‬ف ْط‪َ 0‬‬
‫‪0‬رتَ هَّللا ِ الَّتِي فَطَ‪َ 0‬‬
‫(ال‪00‬روم‪ :‬من اآلية‪ )30‬وبقول‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬ك‪00‬ل مول‪00‬ود يول‪00‬د على‬
‫الفط‪00‬رة)‪2‬ول‪00‬ذلك ق‪00‬ال أب‪00‬و منص‪00‬ور الماتري‪00‬دي‪ :‬أجم‪00‬ع أص‪00‬حابنا على أن الع‪00‬وام مؤمن‪00‬ون‬
‫عارفون بربهم وأنه حشو الجنة‪ ،‬كما جاءت به األخبار وانعقد‪ 0‬به اإلجماع؛ ف‪00‬إن فط‪00‬رتهم‬
‫جبلت على توحي‪00‬د الص‪00‬انع وقدم‪00‬ه وح‪00‬دوث م‪00‬ا س‪00‬واه وإن عج‪00‬زوا عن التعب‪00‬ير عن‪00‬ه‬
‫بإصطالح المتكلمين‪ ،‬وهللا أعلم‬
‫(قوله وبعضهم حقق فيه الكشفا) أي وبعض القوم‪ 0‬كالتاج السبكي حقق في إيم‪00‬ان‬
‫المقل‪00‬د البي‪00‬ان عن حال‪00‬ه بم‪00‬ا يص‪00‬ير ب‪00‬ه الخالف في االكتف‪00‬اء بالتقلي‪00‬د وع‪00‬دم االكتف‪00‬اء ب‪00‬ه‬

‫‪ 1‬لم يخصه أحد به وإنم‪00‬ا أج‪0‬رى بعض‪00‬هم الخالف في‪00‬ه ألن المط‪00‬رد أن يك‪0‬ون غ‪0‬يره من‬
‫المستدلين‪ 0‬فيكون ذكره على سبيل المثال ال سبيل الحصر والتخصيص‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه البخاري (‪ )1385‬واللفظ‪ 0‬ل‪00‬ه‪ ،‬وأخرج‪00‬ه مس‪00‬لم أيض‪0‬ا ً (‪ )2658‬من ح‪00‬ديث أبي‬
‫هريرة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫لفظيا ً‪3‬؛ والتحقيق يطلق على ذكر الشيء على الوجه الحق‪ ،‬وعلى إثب‪00‬ات الش‪00‬يء ب‪00‬دليل‪،‬‬
‫واألول هو المراد هنا‪.‬‬
‫‪ -13‬إن يجزم بقول الغير ‪ ##‬كفى وإال لم يزل في الضير‬
‫وقول‪00‬ه “ فق‪00‬ال‪ ..‬إلخ “ معط‪00‬وف على قول‪00‬ه “ حق‪00‬ق في‪00‬ه الكش‪00‬فا “ من عط‪00‬ف‬
‫المفصل على المجمل‪ .‬وقوله “ إن يجزم بقول الغير “ أي إن يج‪00‬زم المقل‪00‬د بص‪00‬حة ق‪00‬ول‬
‫الغير جزما ً بحيث لو رجع المقلد بالفتح لم يرجع المقلد بالكسر‪ .‬وقوله “ كفى “ أي كفاه‬
‫في اإليم‪00‬ان‪ ،‬وعلى ه‪00‬ذا يحم‪00‬ل الق‪00‬ول بكفاي‪00‬ة التقلي‪00‬د؛ فيكفي‪00‬ه ذل‪00‬ك في األحك‪00‬ام‪ 0‬الدنيوي‪00‬ة‪،‬‬
‫فيناكح‪ ،‬ويؤ ّم‪ ،‬وتؤكل ذبيحته‪ ،‬ويرثه المسلمون وي‪00‬رثهم‪ ،‬ويس‪00‬هم ل‪00‬ه‪ ،‬وي‪00‬دفن في مق‪00‬ابر‬

‫‪ { -333‬المراد بالتقليد هنا مقابل النظر‪ 0‬في الدليل }‬


‫الذي قال‪00‬ه الس‪00‬بكي ليس ه‪00‬و الجم‪00‬ع بين الق‪00‬ولين‪ ،‬وإرج‪00‬اع الخالف إلى اللف‪00‬ظ‪ ،‬وإنم‪00‬ا‬
‫الذي فعله السبكي بيان‪ 0‬أنه ليس م‪00‬رادهم بكفاي‪00‬ة التقلي‪0‬د‪ 0‬هن‪00‬ا التقلي‪00‬د المعت‪00‬بر‪ 0‬في الف‪00‬روع ب‪00‬ل إن‬
‫المراد بالتقليد هنا مقابل النظر في الدليل‪ ،‬وه‪0‬و الم‪0‬راد باالجته‪00‬اد هن‪0‬ا‪ ،‬ول‪0‬و ك‪0‬ان الن‪0‬اظر عامي‪0‬ا ً‬
‫بالمعنى المعتبر عند الفقهاء‪ 0،‬وهو المقابل للمجتهد عندهم‪ ،‬نص على هذا القاضي عض‪00‬د ال‪00‬دين‬
‫والسبكي في شرح مختصر ابن حاجب‪ ،‬ويدل عليه قولهم‪ :‬إن العوام غير مقلدين ههن‪00‬ا لنظ‪00‬رهم‬
‫في الدليل اإلجمالي‪ 0،‬وإن لم يكن على طريق المتكلمين‪.‬‬
‫واعلم أن من‪00‬ع التقلي ‪0‬د‪ 0‬في أص‪00‬ول ال‪00‬دين مب‪00‬ني على أن‪00‬ه مس‪00‬تثنى من قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪$ 0:‬‬
‫(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون) لألمر في األصول بتحص‪00‬يل العلم اليقي‪00‬ني وه‪00‬و الم‪00‬أخوذ‬
‫عن الدليل ولو كان الدليل إجمالياً‪ 0‬دون التقليد‪.‬‬
‫وإليك نص كالم تاج الدين الس‪00‬بكي‪ ،‬ق‪00‬ال الس‪00‬بكي في ش‪00‬رح المختص‪00‬ر‪ :‬التقلي‪00‬د يطل‪00‬ق‬
‫تارة بمعنى قبول ق‪0‬ول الغ‪0‬ير بغ‪0‬ير حج‪0‬ة‪ ،‬ويس‪0‬مى اتب‪0‬اع الع‪0‬امي ألمام‪0‬ه تقلي‪0‬داً على ه‪0‬ذا‪ ،‬وه‪0‬و‬
‫العرف‪ ،‬وتارة بمعنى االعتقاد الج‪00‬ازم ال لم‪00‬وجب‪ ،‬والتقلي‪00‬د ب‪00‬المعنى‪ 0‬األول ق‪00‬د يك‪00‬ون ظني‪0‬اً‪ ،‬وق‪00‬د‬
‫يكون وهميا ً كما في تقليد إمام في فرع من الف‪00‬روع م‪00‬ع تج‪00‬ويز أن يك‪00‬ون الح‪00‬ق في خالف‪00‬ه‪ ،‬وال‬
‫شك أن هذا ال يكفي في اإليمان عند األشعري وسائر الموحدين‪ ،‬ولعله مقصود األشعري بقوله‪:‬‬
‫ال يصح إيمان‪ 0‬المقلد‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا التقلي‪00‬د ب‪00‬المعنى الث‪00‬اني‪ 0‬فق‪00‬د ك‪00‬ان أبي رحم‪00‬ه هللا يق‪00‬ول‪ :‬لم يق‪00‬ل أح‪00‬د من علم‪00‬اء‬
‫اإلسالم‪ :‬إنه ال يكفي في اإليمان‪ 0،‬إال أبو هاشم من المعتزلة‪.‬‬
‫وأنا أقول‪ :‬إن هذا ال يتصور فإن اإلنسان إذا مر عليه زمن ال بد أن يحصل عنده دلي‪00‬ل‪،‬‬
‫وإن لم يكن على طريقة أهل الجدل‪ ،‬فإن فرض مصمم جازم ال دليل عنده فه‪00‬و ال‪00‬ذي يكف‪00‬ره أب‪00‬و‬
‫هاشم‪ ،‬ولعله منسوب إلى األشعري‪ ،‬والصحيح أن‪00‬ه ليس بك‪00‬افر‪ ،‬وأن األش‪00‬عري لم يق‪00‬ل ذل‪00‬ك نعم‬
‫اختلف أهل السنة في أنه هل هو عاص؟ واألصح عن‪00‬د أبي حنيف‪00‬ة رحم‪00‬ه هللا تع‪00‬الى أن‪00‬ه مطي‪00‬ع‪،‬‬
‫وعند آخرين أن‪0‬ه ع‪00‬اص‪ ،‬وه‪0‬و الخالف في وج‪0‬وب النظ‪0‬ر‪ 0‬فاعرف‪00‬ه‪ ،‬وإن قلن‪00‬ا‪ :‬إن‪0‬ه ع‪0‬اص‪ 0،‬وان‬
‫النظر واجب فالواجب نظر ما وال يشترط نظر على طريقة المتكلمين‪ ،‬وهذا ال خالف في‪00‬ه نعلم‪00‬ه‬
‫ثابتاً‪ 0‬عن أحد من سلف األمة‪ .‬انتهى‪ .‬قال الشربيني في تعليقه على شرح المحلى لجمع الجوامع‬
‫بعد نقله لهذا الكالم عن السبكي‪ 2/443 :‬وفيه فوائد جمة منه‪00‬ا أن من ق‪00‬ال يل‪00‬زم غ‪00‬ير المجته‪00‬د‬
‫التقليد مراده بغير المجتهد بالنسبة‪ 0‬ألصول الدين غير القادر على الدليل ولو اإلجم‪00‬الي‪ ،‬وم‪00‬راده‬
‫بالتقليد المعنى الثاني‪ 0‬في ما تقدم‪ ،‬ومن منع إنما منعه للق‪00‬ادر‪ 0‬ول‪00‬و على اإلجم‪00‬الي ألن المطل‪00‬وب‬
‫في أصول الدين العلم كما تقدم‪..‬‬
‫ومنها أن التقليد نوعان متعارف وغيره‪..‬‬
‫‪67‬‬
‫المسلمين‪ ،‬وفي األحكام‪ 0‬األخروية أيض‪0‬ا ً‪،1‬فال يخل‪00‬د في الن‪00‬ار إن دخله‪00‬ا ومآل‪00‬ه إلى النج‪00‬اة‬
‫والجنة‪ ،‬فهو مؤمن لكنه عاص بترك النظر إن كان فيه أهلية النظر‪.‬‬
‫وقوله “ وإال لم يزل في الضير “ أي وإن لم يجزم المقلد بصدق قول الغير جزما ً‬
‫قويا بأن كان جازما لكن ل‪00‬و رج‪00‬ع المقل‪00‬د ب‪0‬الفتح لرج‪00‬ع المقل‪00‬د بالكس‪00‬ر لم ي‪0‬زل واقع‪0‬ا ً في‬
‫الضير‪ ،‬ألنه قابل للشك والتردد‪ ،‬وعلى هذا يحمل القول بعدم كفاية التقلي‪00‬د والخالف إنم‪00‬ا‬
‫هو في المقلد الجازم‪ ،‬وأما الش‪00‬اك والظ‪00‬ان فمتف‪00‬ق على ع‪00‬دم ص‪00‬حة إيمانهم‪00‬ا‪ ،‬وإن ك‪00‬ان‬
‫كالم المصنف يوهم خالف المراد‪،‬‬
‫والخالف في إيمان المقل‪00‬د إنم‪00‬ا ه‪00‬و ب‪00‬النظر ألحك‪00‬ام اآلخ‪00‬رة وفيم‪00‬ا عن‪00‬د هللا‪ ،‬وأم‪00‬ا‬
‫بالنظر ألحكام الدنيا فيكفي فيها اإلقرار فقط؛ فمن أقر جرت عليه األحكام‪ 0‬اإلس‪00‬المية‪ ،‬ولم‬
‫يحكم عليه بالكفر‪ ،‬إال إن اقترن بشيء يقتضي الكفر كالسجود لصنم‬

‫ومنه‪00‬ا أن الخالف في وج‪00‬وب النظ‪00‬ر ليس عائ‪00‬داً إلى ص‪00‬حة اإليم‪00‬ان ب‪00‬ل إلى العص‪00‬يان‪0‬‬
‫وعدمه‪ ،‬ومنها غير ذلك‪ .‬انتهى‬
‫وبهذا ظهر أيضا ً أن حمل الشارح فيم‪00‬ا س‪00‬يأتي الج‪00‬زم على الج‪00‬زم الق‪00‬وي‪ ،‬وقول‪00‬ه‪ :‬إن‬
‫المعتبر في صحة اإليمان عند السبكي هو هذا الجزم وأن الجزم غ‪00‬ير الق‪00‬وي ليس بمعت‪0‬بر عن‪0‬ده‬
‫ظهر أن هذا الحمل غير صحيح‪.‬‬
‫‪ 1‬الكالم في كتب العقائد إنما هو على اإليمان‪ 0‬المنجي من الخل‪00‬ود في الن‪0‬ار في اآلخ‪0‬رة‪،‬‬
‫وأما اإليمان الذي تترتب‪ 0‬عليه األحكام الدنيوية فال خالف في أنه يكفي في‪00‬ه التلف‪00‬ظ بالش‪00‬هادتين‪،‬‬
‫وإن كان على وجه النفاق فإن المنافقين‪ 0‬مثل المس‪0‬لمين في األحك‪0‬ام الدنيوي‪0‬ة كم‪0‬ا س‪0‬يأتي قريب‪0‬ا ً‬
‫عن الشارح‪.‬‬
‫‪ { -34‬تحقيق مسألة أول الواجبات على المكلف}‬
‫‪68‬‬
‫‪ { -35‬أول الواجبات على المكلف هو المعرفة}‬
‫‪1‬‬
‫منتصب‬
‫ْ‬ ‫‪ -14‬واجزم بأن أوالً مما يجب ‪ ##‬معرفة وفيه خلفٌ‬
‫‪( - 1‬قوله‪ :‬واجزم بأن‪ 0‬أوال مما يجب معرفة وفيه خلف منتص‪00‬ب)‪ 0‬ه‪0‬ذا ال‪0‬بيت‪ 0‬بي‪00‬ان ألول‬
‫الواجبات‪ 0‬على المكلف‪ ،‬والمسألة تحتاج إلى اإليضاح والتحقيق‪ ،‬فننقل فيها كالم اإلمام القاض‪00‬ي‬
‫عضد الدين اإليجي في المواقف مع شرحه للسيد الش‪00‬ريف الجرج‪00‬اني م‪00‬ع االختص‪00‬ار فيهم‪00‬ا‪ ،‬ثم‬
‫نعقبه بأمور ينبغي التنبيه عليها‪.‬‬
‫وإليك كالمهما‪:‬‬
‫(المقص‪00‬د الس‪00‬ابع‪ :‬ق‪00‬د اختل‪00‬ف في أول واجب على المكل‪00‬ف) أن‪00‬ه م‪00‬اذا (ف‪00‬األكثر) ومنهم‬
‫الشيخ أبو الحسن األشعري (على أنه معرفة هللا تعالى‪ 0،‬إذ هو أصل المعارف) والعقائد (الدينية‪0،‬‬
‫وعليه يتفرع وجوب كل واجب) من الواجبات‪ 0‬الشرعية (وقيل‪ :‬هو النظ‪00‬ر فيه‪00‬ا ) أي في معرف‪00‬ة‬
‫هللا سبحانه ( ألنه واجب ) اتفاقا كما مر ( وهو قبلها ) وهو م‪00‬ذهب جمه‪00‬ور المعتزل‪00‬ة واألس‪00‬تاذ‬
‫أبي إسحاق االسفرائيني‪( 0‬وقي‪00‬ل) ه‪00‬و (أول ج‪00‬زء من النظ‪00‬ر) ألن وج‪00‬وب الك‪00‬ل يس‪00‬تلزم وج‪00‬وب‬
‫أجزائ‪00‬ه‪ 0،‬ف‪00‬أول ج‪00‬زء من النظ‪00‬ر واجب‪ ،‬وه‪00‬و متق‪00‬دم على النظ‪00‬ر المتق‪00‬دم على المعرف‪00‬ة (وق‪00‬ال‬
‫القاضي واختاره ابن فورك) وإم‪00‬ام الح‪00‬رمين إن‪00‬ه (القص‪00‬د إلى النظ‪00‬ر)‪ 0‬ألن النظ‪0‬ر‪ 0‬فع‪0‬ل اختي‪00‬اري‬
‫مسوق بالقصد المتقدم على أول أجزائه‪.‬‬
‫(والنزاع‪ 0‬لفظي إذ لو أريد الواجب بالقصد األول) أي ل‪00‬و أري‪00‬د أول الواجب‪00‬ات المقص‪00‬ودة‬
‫أوالً وبالذات‪ ( 0‬فهو المعرفة ) اتفاقا (و إال ) أي وإن لم ي‪00‬رد ذل‪0‬ك ب‪0‬ل أري‪0‬د أول الواجب‪00‬ات‪ 0‬مطلق‪0‬ا ً‬
‫(فالقصد إلى النظر) ألنه مقدمة للنظر الواجب مطلقا ً فيكون واجبا ً أيضاً…‪0‬‬
‫(وقال أبو هاشم هو) أي أول الواجبات‪( 0‬الشك)‪.‬‬
‫ثم رد القاضي‪ 0‬عضد الدين قول أبي هاشم بوجهين‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫(وإن قلنا‪ :‬الواجب) األول (النظر فمن أمكنه زمان ) يتسع فيه النظر التام والتوص‪00‬ل ب‪00‬ه‬
‫إلى معرفة هللا تعالى (ولم ينظر ) في ذلك الزمان‪ 0‬ولم يتوص‪00‬ل بال ع‪00‬ذر (فه‪00‬و ع‪00‬اص) بال ش‪00‬بهة‬
‫(ومن لم يمكنه زمان أصالً) بأن مات حال البل‪00‬وغ‪( ،‬فه‪00‬و كالص‪00‬بي) ال‪00‬ذي م‪00‬ات في ص‪00‬باه (ومن‬
‫أمكنه) من الزمان (ما يسع بعض النظر‪ 0‬دون تمامه) فإن شرع فيه بال تأخير‪ ،‬واخترمت‪00‬ه المني‪00‬ة‬
‫قبل انقضاء النظر وحصول المعرفة فال عصيان قطعاً‪ ،‬وأما إذا لم يشرع فيه‪ ،‬بل أخ‪00‬ره بال ع‪00‬ذر‬
‫‪69‬‬
‫(قول‪00‬ه واج‪00‬زم) أي اعتق‪00‬د اعتق‪00‬اداً جازم ‪0‬اً‪ ،‬والمخ‪00‬اطب ب‪00‬ذلك ك‪00‬ل مكل‪00‬ف من ذك ‪ٍ 0‬ر‬
‫وأنثى‪ ،‬حر أو عبد‪ ،‬جني أو إنسي‪ ،‬قال المصنف في شرحه‪ :‬والكالم الس‪00‬ابق من قول‪00‬ه “‬
‫فك‪00‬ل من كل‪00‬ف‪ ..‬إلخ “ إنم‪00‬ا أف‪00‬اد أن المعرف‪00‬ة واجب‪00‬ة على المكل‪00‬ف‪ ،‬وه‪00‬ذا أف‪00‬اد أنه‪00‬ا أول‬
‫‪2‬‬
‫واجب‪ ،‬ثم هذه المسألة ليست من أرك‪00‬ان ال‪00‬دين المعتق‪00‬دة‪ ،1‬كي‪00‬ف واألص‪00‬ح كفاي‪00‬ة التقليد‬
‫وقول‪00‬ه “ ب‪00‬أن أوالً “ متعل‪00‬ق بـ “ اج‪00‬زم “ وأص‪00‬ل “ أول “ أوأل على وزن “ أفع‪00‬ل “‬
‫قلبت الهمزة واواً ثم أدغمت الواو في الواو الجتماع المثلين‪ ،‬ول‪00‬ه اس‪00‬تعماالن‪ ،‬أح‪00‬دهما‪:‬‬

‫ومات (ففيه احتمال واألظهر عصيانه) انتهى كالم الموافق وشرحه (‪.)280-1/275‬‬
‫وهاهنا ينبغي التنبيه‪ 0‬على أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن المراد بمعرفة هللا تع‪00‬الى‪ 0‬ال‪00‬تي هي أول الواجب‪00‬ات‪ ،‬معرفت‪00‬ه بوج‪00‬ه يك‪0‬ون ع‪00‬دم‬
‫االتصاف بها موجبا ً للكفر‪ 0‬ولعدم اإلسالم من معرفة وجوده ووحدانيته وعلم‪00‬ه وقدرت‪00‬ه وإرادت‪00‬ه‬
‫إلى غير ذلك مما يكون عدم معرفته موجبا ً للكفر‪ ،‬وليس المراد منها معرفة وجوده فق‪00‬ط‪ ،‬وذل‪00‬ك‬
‫ألن المقصود من وجوب المعرفة التخلص من الكفر وهو ال يكون إال بالمعرفة المذكورة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن المراد بالواجبات في قولهم‪( :‬أول الواجبات على المكل‪00‬ف م‪00‬ا ه‪00‬و؟) أعم مم‪00‬ا‬
‫يكون عدم القيام به موجبا ً للكفر‪ 0‬أو موجبا ً للمعصية‪ ،‬وذلك ألن عدم المعرفة موجب للكفر‪ 0،‬وأما‬
‫عدم النظر أو عدم القصد إلى النظر فموجب للمعصية واإلثم كما تقدم في كالم الموافق وشرحه‪،‬‬
‫وليس موجبا ً للكفر إال عند أبي هاشم من المعتزلة‪.‬‬
‫وهذه هي مسألة التقليد في اإليمان‪ ،‬وقال فريق من أهل السنة بع‪00‬دم ت‪00‬أثيم المقل‪00‬د بع‪00‬دما‬
‫جزم بما يجب اإليمان‪ 0‬به جزما ً قاطعاً‪.‬‬
‫الثالث‪ 0:‬أن المراد بالنظر‪ 0‬واالستدالل على القول بوجوبه هو النظر‪ 0‬واالس‪00‬تدالل اإلجم‪00‬الي‬
‫وإن لم يستطع صاحبه اإلفصاح به وتقريره ودفع القوادح عنه‪.‬‬
‫وهذا النوع من االستدالل قلما يخلو عنه مؤمن‪ ،‬بل لو قيل بعدم خلو مؤمن عن‪00‬ه لم يكن‬
‫بعيداً ‪ ،‬فإن كالم العوام محش‪00‬و بمث‪00‬ل ه‪00‬ذا االس‪00‬تدالل‪ ،‬فمثالً عن‪00‬دما ي‪00‬رى الع‪00‬امي ش‪00‬يئا ً يس‪00‬تغربه‬
‫يقول‪ :‬سبحان هللا‪ ،‬وهذا استدالل منه باألثر‪ 0‬على المؤثر‪،‬أوبالنظام‪ 0‬على المنظم‪ ،‬واألول هو دليل‬
‫الحدوث‪ ،‬والثاني‪ 0‬هو دليل النظام والعناية‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك قال بعض المحققين‪ :‬إن التقليد إنما يتص‪00‬ور في من نش‪00‬أ في ش‪00‬اهق جب‪00‬ل‬
‫بدون أن يجري في خل‪00‬ده وج‪00‬ود هللا تع‪00‬الى ف‪00‬أخبره مخ‪00‬بر بوج‪00‬ود هللا تع‪00‬الى وبص‪00‬فاته‪ ،‬فص‪0‬دقه‬
‫وثوقا ً به بدون أن يستند إلى دليل‪.‬‬
‫وأما المسلم الذي نشأ بين المسلمين‪ 0‬فالبد أن يحصل عنده دليل إجمالي‪.‬‬
‫وغالبا ً ما يكون حصوله عنده بطريقة عفوية بدون نظر وال قصد إلى النظر‪.‬‬
‫ومن أقوى الدالئل االس‪0‬تناد إلى ص‪0‬دق الرس‪0‬ول المؤي‪0‬د ب‪0‬المعجزات‪ ،‬وذل‪0‬ك ألن التقلي‪0‬د‬
‫األخذ بقول الغير بغير حجة‪ ،‬ومن ق‪00‬امت علي‪00‬ه حج‪00‬ة ثب‪00‬وت النب‪00‬وة ح‪00‬تى حص‪00‬ل ل‪00‬ه القط‪00‬ع به‪00‬ا‪،‬‬
‫فمهما سمعه من النبي كان مقطوعا ً عنده بصدقه‪ ،‬فإذا اعتق‪00‬ده لم يكن مقل‪00‬داً في‪00‬ه‪ ،‬ألن‪00‬ه لم يأخ‪00‬ذ‬
‫بقول الغير بغير حجة‪ ،‬وإنما أخذ بقول الن‪0‬بي الث‪0‬ابت‪ 0‬ص‪0‬دقه فيم‪0‬ا يبلغ‪0‬ه عن هللا بحج‪0‬ة المعج‪0‬زة‬
‫الدالة على صدقه في ذلك‪ .‬وهللا تعالى أعلم‬
‫‪ 1‬قوله "ليست…إلخ" أي التي يجب اعتقادها‪ 0‬ويكفر جاحدها‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله "كي‪0‬ف … إلخ" غرض‪0‬ه ب‪0‬ذلك أن‪0‬ه إذا ك‪0‬ان األص‪0‬ح كفاي‪0‬ة التقلي‪0‬د ك‪0‬ان وج‪0‬وب‬
‫المعرفة غير متفق عليه‪ 0،‬فال يكفر جاح‪00‬ده‪ ،‬وإذا لم يكف‪00‬ر جاح‪00‬د وج‪00‬وب المعرف‪00‬ة فب‪00‬األولى أن ال‬
‫‪70‬‬
‫أن يكون بمعنى س‪00‬ابق فيك‪00‬ون منص‪00‬رفا ً منون‪0‬اً‪ ،‬ومن‪00‬ه ق‪00‬ولهم‪ “ :‬الحم‪00‬د هلل أوالً وآخ‪00‬راً “‬
‫والث‪0‬اني أن يك‪0‬ون ص‪0‬فة فيك‪0‬ون أفع‪0‬ل تفض‪0‬يل بمع‪0‬نى “ أس‪0‬بق “ فيك‪0‬ون غ‪0‬ير منص‪0‬رف‬
‫للوص‪00‬فية ووزن الفع‪00‬ل؛ ف‪00‬إن حم‪00‬ل م‪00‬ا في النظم على األول فال إش‪00‬كال‪ ،‬وإن حم‪00‬ل على‬
‫الثاني فصرفه وحذف المضاف إليه لضرورة النظم‪.‬‬
‫وقوله “ مم‪00‬ا يجب “ أي من ال‪00‬ذي يجب‪ ،‬فـ “ م‪00‬ا “ اس‪00‬م موص‪00‬ول‪ ،‬و “ من “‬
‫تبعيضية وهو صفة لـ “ أوالً “ على االس‪00‬تعمال األول‪ ،‬وللمض‪00‬اف الي‪00‬ه المح‪00‬ذوف على‬
‫االستعمال الثاني‪ ،‬واألصل أن أول شيء مما يجب؛ وقوله “ معرفة “ خبر أن‪ ،‬والتنوين‬
‫فيه للتعظيم‪ ،1‬وهو عوض عن المضاف إليه‪ ،‬واألصل معرفة هللا‪ ،‬والمراد معرفة ص‪00‬فاته‬
‫وسائر أحكام األلوهية ال معرفة ذاته وكنه حقيقته‪ ،‬إذ ال يعرف ذاته وكنه حقيقته‪ 0‬إال ه‪00‬و‪.‬‬
‫وفي الحديث‪( :‬تفكروا في الخلق وال تفكروا في الخالق‪ ،‬فإن‪00‬ه ال تحي‪00‬ط ب‪00‬ه الفك‪00‬رة‪ )2‬وفي‬
‫الحديث أيضا ً (إن هللا احتجب عن البصائر كما احتجب عن األبصار)‪ 3‬وبالجمل‪00‬ة ال يع‪00‬رف‬
‫هللا إال هللا‪ ،‬فترك اإلدراك‪ 4‬إدراك‪ ،‬والبحث عن ذات هللا إشراك (قوله وفيه خلف منتص‪00‬ب)‬
‫أي في أول ما يجب اختالف ق‪0‬ائم بين األئم‪0‬ة س‪0‬نيين وغ‪0‬يرهم‪ ،‬ودف‪0‬ع الن‪0‬اظم ب‪0‬ذلك ت‪0‬وهم‬
‫االتفاق على الحكم‪ 0‬السابق في قوله “ واجزم بأن أوالً‪ ..‬إلخ “ وجعل الخالف في األولي‪0‬ة‬
‫ال في الوجوب‪ ،‬ألن‪0‬ه لم يق‪0‬ع خالف بين المس‪00‬لمين في وج‪00‬وب المعرف‪00‬ة والنظ‪0‬ر الموص‪00‬ل‬
‫إليها‪ ،‬كذا قال الشارح‪ ،‬لكن قد سبق قول بحرمة النظر‪ ،5‬وق‪00‬ول بأن‪00‬ه ش‪00‬رط كم‪00‬ال‪ ،‬وكأن‪00‬ه‬
‫ناظر لما جرى عليه فيما تقدم من تخصيص الخالف بغير معرف‪00‬ة هللا تع‪00‬الى وغ‪00‬ير النظ‪00‬ر‬
‫الموص‪00‬ل إليه‪00‬ا‪ ،‬وق‪00‬د تق‪00‬دم م‪00‬ا في‪00‬ه‪ ،‬ويحتم‪00‬ل أن‪00‬ه لم يعت‪00‬د ب‪00‬الخالف بن‪00‬اء على م‪00‬ا أنش‪00‬ده‬
‫السيوطي في اإلتقان‪:‬‬
‫وليس كل يصغر خالف معتبراً إال خالفٌ له حظ من النظر‬

‫‪ { -36‬أقوال العلماء في أول الواجبات على المكلف}‬

‫وجملة األقوال في أول الواجبات اثنا عشر قوالً‪ ،‬أولها‪ :‬ما قاله األشعري إمام هذا‬
‫الفن‪ :‬أنه المعرفة‪ ،‬وثانيها‪ :‬ما قاله األستاذ أبو إسحاق اإلس‪0‬فرايني‪ :‬أن‪0‬ه النظ‪0‬ر الموص‪0‬ل‬

‫يكفر من جحد كونها أول الواجبات‪ .‬هذا ولو قال "كيف" وفي أول الواجبات الخالف اآلتي لكان‪0‬‬
‫أظهر ألن كل ما وقع فيه خالف بين العلماء‪ 0‬ال يكفر جاحده‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ -1‬فيه أنه ال أحد يالحظ التعظيم في مثل هذا المقام‪0‬‬
‫‪ 2‬أخرج‪000‬ه الط‪000‬براني ب‪000‬رقم (‪ )1319‬بلف‪000‬ظ (تفك‪000‬روا في آالء هللا وال تفك‪000‬روا في هللا)‬
‫وأخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (‪ )16‬والبيهقي في األسماء والصفات‪( 0‬ص‪ )530‬وأب‪00‬و‬
‫الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية‪ )67-6/65( 0‬بألفاظ‪ 0‬وأسانيد مختلف‪00‬ة‪ ،‬ف‪00‬ال الس‪00‬خاوي في‬
‫المقاصد الحسنة‪ 0:‬هذه األخبار أسانيدها ضعيفة‪ ،‬لكن اجتماعها يكسبها قوة‪ ،‬والمعنى صحيح‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا الحديث‪ 0‬لم نجده ومخايل الوضع بادية عليه‪.‬‬
‫‪ -4‬األولى‪ :‬فعدم اإلدراك‬
‫‪ 5‬ق‪00‬د تق‪00‬دم أن الق‪00‬ول بالحرم‪0‬ة‪ 0‬محم‪00‬ول على النظ‪0‬ر‪ 0‬على أس‪00‬لوب الفالس‪00‬فة‪ 0،‬وه‪0‬و ق‪0‬ول‬
‫وجيه‪ ،‬ومراد من قال إنه شرط كمال أنه عاص بترك النظر‪ 0،‬وهو أيضاً‪ 0‬وجيه‪ ،‬والمختل هو كالم‬
‫الشارح‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫للمعرفة ويعزى لألشعري أيضاً؛ وثالثها‪ :‬ما قاله القاض‪00‬ي الب‪00‬اقالني‪ :‬أن‪00‬ه أو َل النظ‪0‬ر‪ :‬أي‬
‫المقدمة األولى منه نحو قولك‪ :‬العالم حادث‪ ،‬وك‪0‬ل ح‪0‬ادث ال ب‪00‬د ل‪0‬ه من مح‪00‬دث؛ فمجم‪00‬وع‬
‫المقدمتين هو النظر‪ ،‬والمقدمة األولى هي أول النظر؛ ورابعها‪ :‬م‪00‬ا قال‪00‬ه إم‪00‬ام الح‪00‬رمين‪:‬‬
‫أنه القصد الى النظر‪ :‬أي تفريغ القلب عن الشواغل وعزي للقاضي أيضاً‪ ،‬وخامسها‪ :‬م‪00‬ا‬
‫قاله بعضهم‪ :‬أنه التقليد؛ وسادسها‪ :‬أنه النطق بالشهادتين‪ ،‬وسابعها‪ :‬ما قاله أب‪00‬و هاش‪00‬م‬
‫في طائفة من المعتزلة وغيرهم‪ :‬أنه الشك ورد بأنه مطلوب زواله‪ ،‬ألن الش‪00‬ك في ش‪00‬يء‬
‫من العقائد كفر فال يكون مطلوبا ً حصوله؛ ولعلهم أرادوا تردي‪0‬د الفك‪00‬ر في‪00‬ؤول إلى النظ‪0‬ر؛‬
‫وثامنها‪ :‬أنه اإليمان؛ وتاسعها‪ :‬أنه اإلسالم‪ ،‬وهذان القوالن متقاربان م‪00‬ردودان باحتي‪00‬اج‬
‫كل من اإليمان واإلسالم للمعرفة؛ وعاشرها‪ :‬اعتقاد وجوب النظر‪ ،‬وحادي عش‪00‬رها‪ :‬أن‪00‬ه‬
‫وظيفة الوقت كصالة ض‪00‬اق وقته‪00‬ا فتق‪00‬دم‪ ،1‬وث‪00‬اني عش‪00‬رها‪ :‬أن‪00‬ه المعرف‪00‬ة أو التقلي‪00‬د‪ :‬أي‬
‫أحدهما ال بعينه فيكون مخيراً بينهما‪.‬‬
‫واألصح أن أول واجب مقصداً المعرفة‪ .‬وأول واجب وسيلة قريبة النظر‪ ،‬ووسيلة‬
‫بعيدة القصد إلى النظر‪ ،‬وبهذا يجمع بين األقوال الثالثة‪.‬‬

‫‪ 1‬ال يتصور كونها أول واجب‪ ،‬وهل هي مقدمة على اإليمان؟!‪0‬‬


‫‪72‬‬
‫‪{ -37‬االستدالل على وجود هللا تعالى بالنظر في اآلفاق وفي األنفس}‬
‫‪ -15‬فانظر إلى نفسك ثم انتقل‪ ##‬للعالم العلوي ثم السفلي‬
‫(قول‪00‬ه ف‪00‬انظر‪ ..‬إلخ) أي إذا أردت المعرف‪00‬ة ف‪00‬انظر… إلخ ألن النظ‪00‬ر وس‪00‬يلة له‪00‬ا‪،‬‬
‫والمأمور بالنظر كل مكلف‪ ،‬وأَ َم َرهُ المصنف بالنظر إلى نفسه ابتداء النها أقرب األش‪00‬ياء‪،‬‬
‫ثم بالنظر إلى العالم العلوي لكونه أعظم وأبدع‪ ،‬ثم إلى الع‪00‬الم الس‪00‬فلي‪ ،‬وفي تق‪00‬ديم الع‪00‬الم‬
‫ض …) (آل‬ ‫ت َواأْل َ ْر ِ‬
‫الس ‪َ 0‬ما َوا ِ‬ ‫العل‪00‬وي على الس‪00‬فلي اقت‪00‬داء بقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬إِنَّ فِي َخ ْل‪ِ 0‬‬
‫‪0‬ق َّ‬
‫عمران‪ :‬من اآلية‪ )190‬وال تتوقف صحة النظر على هذا الترتيب‪ ،‬بل يصح أن ينظ‪00‬ر إلى‬
‫النفس‪ ،‬ثم إلى العالم السفلي‪ ،‬ثم العلوي‪ ،‬أو ينظر إلى الع‪0‬الم العل‪0‬وي‪ ،‬ثم إلى الس‪0‬فلي‪ ،‬ثم‬
‫إلى النفس‪ ،‬إلى غير ذلك من الصور الممكنة‪.‬‬
‫‪ { -38‬تعريف النظر }‬
‫والنظ‪00‬ر –لغ‪00‬ة‪ -‬اإلبص‪00‬ار‪ :‬أي إدراك الش‪00‬يء بحاس‪00‬ة البص‪00‬ر‪ ،‬والفك ‪ُ 0‬ر‪:1‬أي حرك‪00‬ة‬
‫النفس في المعقوالت‪،2‬أما في المحسوسات فتخيل؛ وعلم من ذل‪00‬ك أن النظ‪00‬ر مش‪00‬ترك بين‬
‫اإلبصار والفكر‪ ،‬والمراد منه هنا الثاني وهو الفكر‪ ،‬فك‪00‬أن المص‪00‬نف ق‪00‬ال‪ :‬فتفك‪00‬ر… إلخ‪،‬‬
‫وأما عرفا ً فهو‪ :‬ترتيب أم‪00‬رين معل‪00‬ومين ليتوص‪00‬ل بترتيبهم‪00‬ا على علم مجه‪00‬ول‪ ،‬ك‪00‬ترتيب‬
‫الصغرى مع الكبرى في قولنا “ الع‪00‬الم متغ‪00‬ير‪ ،‬وك‪00‬ل متغ‪00‬ير ح‪00‬ادث “ فإن‪00‬ه موص‪00‬ل للعلم‬
‫بح‪00‬دوث الع‪00‬الم المجه‪00‬ول قب‪00‬ل ذل‪00‬ك ال‪00‬ترتيب‪ ،‬وك‪00‬ترتيب الجنس م‪00‬ع الفص‪00‬ل في قولن‪00‬ا “‬
‫اإلنس‪00‬ان حي‪00‬وان ن‪00‬اطق “ ف‪00‬األول مث‪00‬ال للنظ‪00‬ر في التص‪00‬ديقات‪ ،‬والث‪00‬اني مث‪00‬ال للنظ‪00‬ر في‬
‫التصورات‪ ،‬وال يرد على ذلك التعريف بالفص‪00‬ل وح‪00‬ده أو بالخاص‪00‬ة وح‪0‬دها‪ ،‬ك‪00‬أن يق‪0‬ال “‬
‫اإلنسان ناطق أو ضاحك “ ألن فيه ترتيبا ً حكماً‪ ،‬ألن “ ناطق “ في قوة شيء ذو نطق‪،‬‬
‫و “ ضاحك “ في قوة شيء ذو ضحك‪(3‬قوله إلى نفسك) أي في أحوال‪ 0‬ذاتك‪ ،‬فـ “ إلى “‬
‫‪ 1‬قوله والفكر عطف على اإلبصار‪.‬‬
‫‪ 2‬الم‪00‬راد بحركته‪00‬ا في المعق‪00‬والت ترتيبه‪00‬ا المعق‪00‬والت على وج‪00‬ه يك‪00‬ون ذل‪00‬ك الم‪00‬رتب‬
‫باعتبار قيامه في الذهن مرآة لمشاهَدة مجهول‪ .‬وهو المطل‪00‬وب‪ 0‬معرفت‪00‬ه من المع‪00‬رف والنتيج‪00‬ة‪0،‬‬
‫والمرتب هو التعريف‪ ،‬والقياس‪ 0‬فاتحد هذا المعنى بالمعنى‪ 0‬العرفي اآلتي قريبا‪.‬‬
‫‪ 3‬فيه أن‪00‬ه يل‪00‬زم من‪00‬ه أن ال يك‪00‬ون ك‪00‬ل من الفص‪00‬ل والخاص‪0‬ة‪ 0‬من المف‪00‬ردات وه‪00‬ذا خالف‬
‫اإلجم‪00‬اع‪ 0‬فك‪00‬ان علي‪00‬ه أن يق‪00‬ول‪ :‬إن التعري‪00‬ف إم‪00‬ا مب‪00‬ني على الغ‪00‬الب أو على ق‪00‬ول من ال يج‪00‬وز‬
‫التعريف بالمفرد‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫بمعنى “ في “ ألن “ انظر “ بمع‪00‬نى “ تفك‪00‬ر “ وه‪00‬و يتع‪00‬دى بفي‪ ،‬والم‪00‬راد من النفس‬
‫ال‪00‬ذات ال ال‪00‬روح‪ 1‬ألن‪00‬ه ال اطالع لن‪00‬ا عليه‪00‬ا‪ ،‬والكالم على تق‪00‬دير مض‪00‬اف كم‪00‬ا ق‪00‬دمناه‪ ،‬ألن‬
‫النظر في أحواله‪00‬ا أب‪00‬دع من النظ‪00‬ر في ال‪00‬ذات‪ 2‬من حيث هي ذات‪ ،‬والم‪00‬راد بأحواله‪00‬ا‪ :‬م‪00‬ا‬
‫اشتملت علي‪00‬ه من س‪00‬مع وبص‪00‬ر وكالم وط‪00‬ول وع‪00‬رض وعم‪00‬ق ورض‪00‬ا وغض‪00‬ب وبي‪00‬اض‬
‫وحمرة وس‪00‬واد وعلم وجه‪00‬ل وإيم‪00‬ان وكف‪00‬ر ول‪00‬ذة وألم وغ‪00‬ير ذل‪00‬ك مم‪00‬ا ال يحص‪00‬ى وكله‪00‬ا‬
‫متغيرة من عدم إلى وجود وبالعكس‪ ،‬فتكون حادثة وهي قائمة بالذات الزمة لها‪ ،‬ومالزم‬
‫الحادث حادث‪ ،‬وذلك دليل االفتق‪00‬ار إلى ص‪00‬انع حكيم واجب الوج‪00‬ود ع‪00‬ام العلم ت‪00‬ام الق‪00‬درة‬
‫واإلرادة‪ ،‬فتستدل بها على وجوب صانعك وصفاته‪ ،‬وحاصله أن تق‪00‬ول‪ :3‬نفس‪00‬ي ملزوم‪00‬ة‬
‫لصفات حادثة‪ ،‬وكل ملزوم لصفات حادثة فهو حادث‪ ،‬وكل حادث ال بد له من صانع حكيم‬
‫ص ‪0‬رُونَ ) (ال‪00‬ذريات‪:‬‬ ‫س ‪ُ 0‬ك ْ‪0‬م أَفَال تُ ْب ِ‬
‫(وفِي أَ ْنفُ ِ‬
‫واجب الوجود موصوف بالصفات‪ ،‬ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫‪ )21‬أي في أنفسكم آي‪00‬ات ودالئ‪00‬ل أت‪00‬تركون التفك‪00‬ر فيه‪00‬ا فال تبص‪00‬رون‪ :‬أي ال ينبغي ت‪00‬رك‬
‫ين‪ ،‬ثُ َّم َج َع ْلنَ‪00‬اهُ نُ ْطفَ‪0‬ةً ِفي‬‫س‪0‬اللَ ٍة ِمنْ ِط ٍ‬ ‫(ولَقَ‪ْ 0‬د َخلَ ْقنَ‪00‬ا اأْل ِ ْن َ‬
‫س‪0‬انَ ِمنْ ُ‬ ‫النظر فيها‪ .‬وقال تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫ين) (المؤمن‪00‬ون‪ )13-12:‬واإلنس‪00‬ان‪ :‬آدم؛ والس‪00‬اللة‪ :‬الطين‪00‬ة‪ ،‬وهي قطع‪00‬ة من‬ ‫قَ ‪َ 0‬را ٍر َم ِك ٍ‬
‫عموم الطين‪ ،‬والضمير في قوله (ثُ َّم َج َع ْلنَاهُ نُ ْطفَةً) (المؤمن‪00‬ون‪ )13:‬عائ‪00‬د على اإلنس‪00‬ان‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫ال بمعنى آدم‪ ،‬بل بمعنى بنيه‪ ،‬ففيه استخدام‪ ،‬وقد ورد‪ “ :‬من عرف نفسه عرف رب‪00‬ه “‬
‫أي‪ :‬من عرف نفسه بالحدوث والفقر‪ ،‬ع‪0‬رف رب‪0‬ه بالق‪0‬دم والغ‪0‬نى‪ ،‬وه‪0‬ذا ه‪0‬و األظه‪0‬ر في‬
‫معنى الحديث؛ وقيل‪ :‬هو إشارة إلى التعجيز‪ :‬أي أنت ال تعرف نفسك فال تطمع في معرفة‬
‫كنه ربك‪ ،‬ذكره الشريف المقدسي في مفاتيح الكنوز وحل الرموز‪.‬‬
‫(قوله ثم انتقل للعالم العلوي) أي ثم بعد نظرك في أح‪00‬وال نفس‪00‬ك انتق‪00‬ل للنظ‪00‬ر في‬
‫أحوال العالم المنسوب إلى جهة العلو؛ والمراد ب‪00‬ه‪ :‬م‪00‬ا ارتف‪00‬ع من الفلكي‪00‬ات من س‪00‬ماوات‬
‫وكواكب وعرش ومالئكة وغيرها؛ وقوله “ ثم الس‪00‬فلي “ أي ثم انتق‪00‬ل للنظ‪00‬ر في الع‪00‬الم‬
‫المنسوب لجه‪00‬ة الس‪00‬فل‪ ،‬والم‪00‬راد ب‪00‬ه م‪00‬ا ن‪00‬زل عن الفلكي‪00‬ات إلى منقط‪00‬ع الع‪00‬الم‪ :‬ك‪00‬الهواء‬
‫والسحاب واألرض وم‪00‬ا فيه‪00‬ا كالمع‪0‬ادن والبح‪0‬ار والنب‪00‬ات وغ‪0‬ير ذل‪0‬ك‪ ،‬فتس‪00‬تدل به‪0‬ا على‬
‫وجوب وجود الصانع فإنك تج‪00‬د كالً منهم‪00‬ا مش‪00‬موالً بجه‪00‬ات مخصوص‪00‬ة وأمكن‪00‬ة معين‪00‬ة‪،‬‬

‫‪ 1‬فيه أن الذات عبارة عن مجم‪00‬وع الجس‪00‬د وال‪00‬روح‪ .‬وال‪00‬روح هي األص‪00‬ل والجس‪00‬د آل‪00‬ة‬
‫لها‪ ،‬وقد قال‪ :‬إن الكالم على تق‪00‬دير مض‪00‬اف‪ ،‬أي أح‪0‬وال ذات‪00‬ك‪ ،‬فس‪00‬قط ب‪00‬ه قول‪00‬ه ه‪00‬ذا من حيث ال‬
‫يشعر فإن الم‪00‬أمور ب‪00‬ه ه‪0‬و التفك‪00‬ر في أح‪00‬وال ال‪00‬روح ال التفك‪00‬ر في ال‪00‬روح نفس‪00‬ها وكي‪0‬ف ي‪00‬ؤمر‬
‫بالتفكر‪ 0‬في أح‪00‬وال الب‪00‬دن دون التفك‪00‬ر في أح‪00‬وال ال‪00‬روح‪ ،‬وهي أعجب وأدل على وج‪00‬ود الب‪00‬اري‬
‫وصفاته‪.‬ثم إن ما ذكره من السمع والبصر‪ ... 0‬الخ معظمها صفات‪ 0‬للروح فان الروح تتصف به‪00‬ا‬
‫بعد مفارقتها للبدن‪ 0‬بخالف البدن بعد مفارقة الروح إياه‪.‬‬
‫‪ 2‬األولى أن يقول‪ :‬ألن األحوال أبدع من الذات‪.‬‬
‫‪ 3‬ليس مقصود المصنف كما يدل عليه قوله‪ " :‬تجد به صنيعا ب‪00‬ديع الحكم" االس‪00‬تدالل‬
‫بحدوث الع‪0‬الم‪ 0‬وح‪0‬دوث ص‪0‬فاته على وج‪0‬ود الب‪0‬اري تع‪0‬الى‪ ،‬وه‪0‬و المس‪0‬مى ب‪0‬دليل االخ‪0‬تراع‪ 0،‬ب‪0‬ل‬
‫مقصوده االستدالل بما اشتمل عليه العالم من الصنع‪ 0‬المحكم المتقن على وجوده تعالى‪ 0‬واتصافه‬
‫بصفات‪ 0‬الكمال‪ ،‬وهو ما يسمى بدليل العناية‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا ليس بحديث بل قول يحيى بن معاذ الرازي رحمه هللا تعالى‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫وتجد بعضه متحرك‪0‬ا ً وبعض‪00‬ه س‪0‬اكنا ً وبعض‪00‬ه نوراني‪0‬ا ً وبعض‪0‬ه ظلماني‪0‬اً‪ ،‬وذل‪0‬ك دلي‪00‬ل على‬
‫الحدوث‪ ،‬وهو دليل على االفتقار إلى صانع حكيم متصف بالصفات‪.‬‬
‫وحاص‪00‬له أن تق‪00‬ول‪ :‬الع‪00‬الم ح‪00‬ادث وك‪00‬ل ح‪00‬ادث الب‪00‬د ل‪00‬ه من ص‪00‬انع حكيم متص‪00‬ف‬
‫الف اللَّ ْي ِل َوالنَّ َها ِر َوا ْلفُ ْل ِك‬
‫اختِ ِ‬ ‫ض َو ْ‬ ‫ت َواأْل َ ْر ِ‬ ‫س َما َوا ِ‬ ‫ق ال َّ‬ ‫بالصفات‪ ،‬قال هللا تعالى‪( :‬إِنَّ فِي َخ ْل ِ‬
‫ض‬ ‫س َما ِء ِمنْ َم‪00‬ا ٍء فَأ َ ْحيَ‪00‬ا بِ ‪ِ 0‬ه اأْل َ ْر َ‬‫اس َو َما أَ ْنزَ َل هَّللا ُ ِمنَ ال َّ‬
‫الَّتِي ت َْج ِري فِي ا ْلبَ ْح ِر بِ َما يَ ْنفَ ُع النَّ َ‬
‫الس ‪َ 0‬ما ِء‬‫س ‪َّ 0‬خ ِر بَيْنَ َّ‬ ‫ب ا ْل ُم َ‬
‫الس ‪َ 0‬حا ِ‬
‫‪0‬اح َو َّ‬‫الريَ‪ِ 0‬‬‫يف ِّ‬ ‫َص ‪ِ 0‬ر ِ‬ ‫ث فِي َه‪00‬ا ِمنْ ُك ‪ِّ 0‬ل دَابَّ ٍة َوت ْ‬ ‫بَ ْع ‪َ 0‬د َم ْوتِ َه‪00‬ا َوبَ َّ‬
‫ت لِقَ ْو ٍم يَ ْعقِلُ‪00‬ونَ ) (البق‪00‬رة‪ )164:‬واعلم أن “ الع‪00‬الم “ بفتح الالم‪ :‬اس‪00‬م لم‪00‬ا‬ ‫ض آَل يا ٍ‬ ‫َواأْل َ ْر ِ‬
‫‪1‬‬
‫سوى هللا وصفاته من الموجودات واألحوال‪ 0‬على القول بها‪ ،‬وأما المعدومات فليست من‬
‫العالم سواء كانت ممكنة كولد لزيد قبل وجوده‪ ،‬أو مستحيلة كالشريك‪ ،‬وبعض‪00‬هم خص “‬
‫الع‪00‬الم “ ب‪00‬ذي ال‪00‬روح‪ ،‬وبعض‪00‬هم خص‪00‬ه ب‪00‬اإلنس والجن‪ ،‬وبعض‪00‬هم‪ 0‬خص‪00‬ه بالمالئك‪00‬ة‪،‬‬
‫وبعضهم خصه بالثالثة مع الشياطين‪ ،‬وبعض‪00‬هم خص‪00‬ه بأه‪00‬ل الجن‪00‬ة والن‪00‬ار‪ ،‬لكن ال دلي‪00‬ل‬
‫على ذلك كله‪ ،‬ذكره المصنف في شرحه الصغير‪.‬‬

‫‪ 1‬مراده باألحوال أمور ال موجودة وال معدومة‪ ،‬وقد قال بها كثير من المعتزل‪00‬ة‪ 0،‬وقلي‪00‬ل‬
‫من أهل السنة‪ ،‬وسيأتي‪ 0‬الكالم عليها‪ 0‬في التعليق‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪ -16‬تجد به صنعا ً بديع الحكم ‪ ##‬لكن به قام دليل العدم‬
‫(قوله تجد به ص‪00‬نعاً) أي إن تنظ‪00‬ر في أح‪00‬وال م‪00‬ا ذك‪00‬ر تعلم في‪00‬ه “ ص‪00‬نعا ً “ بض‪00‬م‬
‫الصاد‪ :‬أي صنعة باهرة‪ ،‬وهي كناية عن األع‪0‬راض المخلوق‪00‬ة‪ ،‬فـ “ تج‪00‬د “ مج‪00‬زوم في‬
‫جواب شرط مق‪00‬در؛ ويص‪00‬ح أن يك‪00‬ون مجزوم‪0‬ا ً في ج‪00‬واب األم‪00‬ر‪ ،‬والب‪00‬اء بمع‪00‬نى “ في “‬
‫والصنع بمعنى الصنعة الباهرة من نقوش متقنة وألوان مستحسنة إلى م‪00‬ا ال يحص‪00‬ى من‬
‫الصفات وال يحيط به إال خالق األرض والسماوات‪ ،‬وكل هذا دال على علم صانعه وقدرته‬
‫وإرادته وحياته‪ ،‬ألن ذلك ال يصدر إال عمن اتصف بما ذكر (قوله بديع الحكم) الب‪0‬ديع ه‪0‬و‬
‫المخ‪00‬ترع ال على مث‪00‬ال س‪00‬بق‪ ،‬والحكم –بكس‪00‬ر الح‪00‬اء وفتح الك‪00‬اف‪ -‬جم‪00‬ع حكم‪00‬ة بمع‪00‬نى‬
‫اإلحكام أي اإلتقان‪ ،‬جمعه لتعدده بتعدد الصنع الذي هو الصنعة الباهرة‪.‬‬
‫وقد وقع في كالم الغزالي‪( :‬ليس في اإلمكان أبدع مما كان)‪ ،‬فش‪00‬نع علي‪00‬ه جماع‪00‬ة‬
‫بأن فيه نسبة العجز إليه تعالى‪ ،‬وأجيب عنه بأجوبة أحسنها أن المعنى‪ :‬ليس في اإلمكان‬
‫أبدع مما كان؛ لعدم تعلق علم هللا وإرادته بغير ما كان‪ ،‬الذي هو هذا العالم‪ ،‬فهو مستحيل‬
‫لعدم تعلق علم هللا وإرادته به‪ ،‬فصدق عليه أنه ليس في اإلمكان به‪00‬ذا االعتب‪00‬ار وإن ك‪00‬ان‬
‫ممكنا ً في نفسه‪( 1‬قوله لكن ‪ ..‬إلخ)‪ 2‬استدراك على ما يشعر به قوله “ بديع الحكم “ من‬
‫أنه حيث كان كذلك فهو قديم‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬لكن الع‪00‬الم وإن ك‪00‬ان على غاي‪00‬ة من اإلتق‪00‬ان ه‪00‬و‬
‫‪0‬ترع ال يك‪00‬ون إال‬
‫حادث‪ ،‬وبحث فيه أن الب‪00‬ديع ه‪00‬و المخ‪00‬ترع من غ‪00‬ير مث‪00‬ال س‪00‬بق‪ ،‬والمخ‪َ 0‬‬
‫حادثا ً فال يتوهم القدم حتى يحتاج لالستدراك‪ ،‬إال أن يقال‪ :‬ربما يتوهم من عجز التعري‪00‬ف‬
‫أعني قولهم‪ “ 3‬من غير مثال سبق “ ال من صدره وهو المخترع‪ ،‬واألقرب أن “ لكن “‬
‫‪ 1‬قال ابن أبي شريف في شرح المسايرة (‪ " )61‬صدور هذا الكالم عن الغ‪00‬زالي مب‪00‬ني‬
‫على غفلته عن ابتنائه على أصول الفالسفة‪ 0‬من كونه تع‪00‬الى موجب‪0‬ا ً بال‪00‬ذات ال ف‪00‬اعالً باالختي‪00‬ار‪0،‬‬
‫وقد ص‪00‬رح الغ‪00‬زالي‪ 0‬بكون‪00‬ه تع‪00‬الى ف‪00‬اعالً مخت‪00‬اراً في كث‪00‬ير من كالم‪00‬ه‪ ،‬ورد ق‪00‬ول الفالس‪00‬فة بنفي‬
‫االختيار‪ 0‬عنه تعالى"‪.‬‬
‫‪ 2‬المقصود بما قبل لكن االستدالل على وج‪0‬ود الب‪0‬اري تع‪0‬الى‪ 0‬واتص‪0‬افه بص‪0‬فات‪ 0‬الكم‪0‬ال‬
‫بما اشتمل عليه العالم‪ 0‬من الصنع المحكم المتقن‪ ،‬وهو المسمى ب‪00‬دليل العناي‪00‬ة‪ 0،‬وليس المقص‪00‬ود‬
‫به االستدالل على ذلك بحدوث الع‪00‬الم‪ 0،‬وه‪0‬و المس‪00‬مى ب‪0‬دليل االخ‪00‬تراع والمقص‪0‬ود‪ ،‬بم‪00‬ا بع‪0‬د لكن‬
‫االستدالل على حدوث العالم‪ ،‬وأنه ليس بقديم واإلشارة بذلك إلى دليل االختراع‪.‬‬
‫‪ 3‬واألولى أن يقال‪ :‬إن التوهم ناشئ من جملة قوله‪ :‬ب‪00‬ديع الحكم ال من ب‪00‬ديع فق‪00‬ط‪ ،‬ب‪00‬ل‬
‫األولى االقتصار على كون لكن للتأكيد‪ 0،‬فإن المقام ينبو عن االستدراك‪.‬‬
‫‪ { -39‬دالئل امتناع‪ 0‬قيام الحوادث باهلل تعالى وم‪0‬ا ه‪0‬و الح‪0‬ادث ال‪0‬ذي يمتن‪0‬ع قيام‪0‬ه باهلل‬
‫تعالى؟}‪0‬‬
‫‪76‬‬
‫هنا لمجرد التأكيد‪ ،‬كما في قوله تعالى‪َ ( :‬ما َك‪00‬انَ ُم َح َّم ٌد أَبَ‪00‬ا أَ َح‪ٍ 0‬د ِمنْ ِر َج‪ 0‬الِ ُك ْم َولَ ِكنْ َر ُ‬
‫س‪0‬و َل‬
‫هَّللا ِ) (األحزاب‪ :‬من اآلية‪ )40‬وقوله‪ “ :‬به قام دليل العدم “ أي بالعالم ‪ ..‬بمع‪00‬نى األج‪00‬رام‬
‫–قام دليل جواز العدم‪ ،‬فهو على تقدير مض‪00‬اف‪ ،‬إذ الف‪00‬رض أن‪00‬ه موج‪00‬ود‪ ،‬والم‪00‬راد ب‪00‬دليل‬
‫جواز العدم‪ :‬األعراض الحادثة المالزمة للعالم بمعنى األجرام‪.‬‬

‫وكل ما جاز عليه العدم ‪ ##‬عليه قطعا ً يستحيل القِدم‬ ‫‪-17‬‬


‫(قوله وكل ما جاز عليه العدم) أي وكل الذي‪ ،‬أو كل شيء جاز عليه الع‪0‬دم‪ :‬يع‪0‬ني‬
‫الفناء‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫عليه قطعا ً يستحيل القدم ‪ .‬أي على ما جاز عليه العدم يمتنع القدم جزم ‪0‬ا ً من غ‪00‬ير‬
‫تردد‪ ،‬وقد أشار المصنف إلى قي‪00‬اس تركيب‪00‬ه ه‪00‬ذا‪ :‬الع‪00‬الم من عرش‪00‬ه لفرش‪00‬ه ج‪00‬ائز علي‪00‬ه‬
‫العدم‪ ،‬وكل م‪00‬ا ج‪0‬از علي‪00‬ه الع‪0‬دم اس‪00‬تحال علي‪00‬ه الق‪0‬دم‪ ،‬فينتج ه‪0‬ذا القي‪00‬اس‪ :‬أن الع‪0‬الم من‬
‫عرشه لفرشه استحال علي‪0‬ه الق‪00‬دم فثبت حدوثه‪ ،1‬وإذا ثبت حدوث‪0‬ه فالب‪00‬د ل‪0‬ه من مح‪0‬دث‪،‬‬

‫‪ 1‬قوله‪ :‬وكل ما جاز عليه العدم ‪ ##‬عليه قطعا ً يستحيل القدم‪.‬‬


‫من أجل أن كثيراً من األدلة التي يوردونها للمسائل العقدية –ومنه‪00‬ا بعض األدل‪00‬ة على‬
‫ح‪00‬دوث الع‪00‬الم – موقوف‪00‬ة على امتن‪00‬اع قي‪00‬ام الح‪00‬وادث ب‪00‬ذات هللا تع‪00‬الى‪ .‬ول‪00‬ذلك ك‪00‬ثر دوران ه‪00‬ذه‬
‫القضية على ألسنة المتكلمين‪ 0،‬من أجل ذلك كان علينا‪ 0‬أن نوضح هذه المس‪00‬ألة‪ 0،‬ونحققه‪00‬ا مق‪00‬دما ً‬
‫قبل الولوج في هذا العلم ودالئله‪ ،‬فنقول‪ :‬ذهب عام‪00‬ة المتكلمين‪ 0‬إلى أن‪00‬ه يمتن‪00‬ع اتص‪00‬اف الب‪00‬اري‪0‬‬
‫تعالى بالحادث وقيام الحادث‪ 0‬به بعد العدم‪ ،‬واستدلوا على ذلك بوجوه‪.‬‬
‫‪-1‬لو جاز اتصافه تعالى بالحادث‪ 0‬لجاز عليه النقصان‪ ،‬وهو باطل باإلجماع‪.‬‬
‫وج‪00‬ه الل‪00‬زوم أن ذل‪00‬ك الح‪00‬ادث إن ك‪00‬ان من ص‪00‬فات‪ 0‬الكم‪00‬ال ك‪00‬ان الخل‪00‬و عن‪00‬ه م‪00‬ع ج‪00‬واز‬
‫االتصاف به نقص‪0‬ا ً باالتف‪00‬اق‪ ،‬وق‪00‬د خال عن‪00‬ه قب‪00‬ل حدوث‪00‬ه‪ ،‬وإن لم يكن من ص‪00‬فات‪ 0‬الكم‪00‬ال امتن‪00‬ع‬
‫اتصاف الباري‪ 0‬تعالى به لالتفاق على أن ما يتصف هللا به يلزم أن يكون صفة كمال‪.‬‬
‫‪-2‬لو كان قيام ذات الحادث ل‪00‬ذات ال‪00‬واجب أو لص‪00‬فة من ص‪00‬فاته الذاتي‪00‬ة ل‪00‬زم قدم‪00‬ه ألن‬
‫مقتضى الشيء ال يتخلف عن‪00‬ه‪ ،‬وإال ل‪00‬زم افتق‪00‬ارالواجب إلى منفص‪00‬ل‪ ،‬وك‪00‬ل مفتق‪00‬ر ليس ب‪00‬واجب‬
‫الوجود‪ ،‬وقد فرض واجباً‪ ،‬هذا خلف‪.‬‬
‫‪-3‬لو اتصف بالحادث‪ 0‬لكان‪ 0‬قابالً له‪ ،‬ولو كان قابالً له لما خال عنه أو عن ض‪00‬ده‪ ،‬وض‪00‬د‬
‫الحادث حادث‪ ،‬وما ال يخلو عن الحادث حادث‪.‬‬
‫‪-4‬إن االتص‪00‬اف بالح‪00‬ادث تغ‪00‬ير وه‪00‬و على هللا تع‪00‬الى مح‪00‬ال ألن التغ‪00‬ير‪ 0‬من عالم‪00‬ات‪0‬‬
‫الحدوث‪.‬‬
‫قال الزبيدي في شرح اإلحياء (‪ :)3/150‬المراد بالحوادث التي امتنع الباري تع‪00‬الى أن‬
‫تحل هي به‪ ،‬ماله وجود حقيقي مسبوق بالعدم‪ ،‬ال المتجدد من الصفات‪ 0‬اإلضافية ال‪00‬تي ال وج‪00‬ود‬
‫رازق لزي‪00‬د الميت‪ ،‬وال م‪00‬ا‬
‫ٍ‬ ‫لها ككونه تعالى قبل العالم وبعده ومعه‪ ،‬أو السلبية‪ 0‬ككون‪00‬ه مثالً غ‪00‬ير‬
‫يتبع تعلق صفاته كالخالق والرازق‪.‬‬
‫فإن هذا كله ليس محل النزاع‪ 0،‬وبالجملة‪ 0‬ففرق بين الحادث والمتجدد‪ ،‬فيج‪00‬وز اتص‪00‬افه‬
‫تعالى بالمتجدد إذ الص‪00‬فات‪ 0‬المتج‪00‬ددة محض اعتب‪0‬ار وإض‪00‬افة فلم يل‪00‬زم ب‪0‬ذلك مح‪0‬ال‪ ،‬وبه‪0‬ذا يعلم‬
‫‪77‬‬
‫وهو المطلوب‪ ،‬ألن أصل الكالم في النظ‪00‬ر الموص‪00‬ل لمعرف‪00‬ة هللا تع‪00‬الى‪ ،‬فط‪00‬وى المص‪00‬نف‬
‫الصغرى لفهمها من االستدراك‪ ،1‬وذكر الكبرى بقوله “ وكل ما جاز عليه العدم… إلخ “‬

‫محل النزاع‪.‬‬
‫وقال القاضي‪ 0‬عضد الدين في المواق‪00‬ف‪ :‬الص‪00‬فات‪ 0‬على ثالث‪00‬ة أقس‪00‬ام‪ :‬حقيقي‪00‬ة محض‪00‬ة‪:‬‬
‫كالحي‪00‬اة والس‪00‬واد والبي‪00‬اض‪ 0،‬وحقيقي‪00‬ة ذات إض‪00‬افة ك‪00‬العلم والق‪00‬درة‪ ،‬وإض‪00‬افة محض‪00‬ة‪ :‬كالمعي‪00‬ة‬
‫والقبلية‪ 0،‬وكالصفات السلبية‪ 0،‬وال يجوز التغير للواجب في القسم األول مطلقا ً ويج‪0‬وز في القس‪00‬م‬
‫الثالث مطلقاً‪ ،‬وأما القسم الثاني‪ 0‬فإنه ال يجوز التغير في نفسه‪ ،‬ويجوز في تعلقه‪.‬‬
‫وقال في المواقف أيضاً‪ 0:‬إن الحادث‪ 0‬هو الموجود بعد العدم‪ ،‬وما ال وجود له ال يقال ل‪00‬ه‬
‫حادث وإن تجدد‪ ،‬بل يقال له متجدد‪ ،‬وهو على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫األول‪ :‬األحوال ولم يجوز تج‪00‬ددها في ذات‪00‬ه تع‪00‬الى إال أب‪00‬و الحس‪00‬ين‪ 0‬من المعتزل‪00‬ة‪ 0،‬فإن‪00‬ه‬
‫قال‪ :‬بتجدد العالمية بتجدد المعلومات‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬اإلضافات‪ ،‬ويجوز تجددها اتفاقا ً‬
‫الث‪00‬الث‪ 0:‬الس‪00‬لوب‪ 0‬فم‪00‬ا نس‪00‬ب إلى م‪00‬ا يس‪00‬تحيل اتص‪00‬افه تع‪00‬الى ب‪00‬ه امتن‪00‬ع تج‪00‬دده كس‪00‬لب‬
‫الجسمية والجوهرية والعرضية‪ 0،‬وإال جاز كسلب المعية مع الحادث‪ 0،‬فإن المعي‪00‬ة ت‪00‬زول إذا ع‪00‬دم‬
‫الحادث‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫‪ { -40‬دالئل حدوث العالم‪} 0‬‬
‫وبعدما أوضحنا‪ 0‬مس‪00‬ألة امتن‪00‬اع قي‪00‬ام الح‪00‬وادث ب‪00‬ذات هللا تع‪00‬الى وبالق‪00‬ديم نق‪00‬ول‪ :‬الع‪00‬الم‬
‫حادث‪ ،‬وقد استدلوا على حدوثه بجميع أقسامه وكونه مسبوقا ً بالعدم بوجوه منها ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬إن الجس‪00‬م يق‪00‬وم ب‪00‬ه الح‪00‬ادث‪ 0،‬وه‪00‬و ض‪00‬روري لم‪00‬ا نش‪00‬اهده من الحرك‪00‬ات‪ 0،‬وتج‪00‬دد‬
‫األعراض وال شيء من القديم كذلك‪.‬‬
‫‪-2‬إن األجسام ال تخلو عن الحوادث من األك‪0‬وان والت‪0‬أليف‪ 0،‬وم‪0‬ا يتبعه‪0‬ا من األع‪0‬راض‬
‫وكل ما ال يخلو عن الحوادث حادث‪ ،‬فهو حادث بذاته وصفاته وأحواله‪.،‬‬
‫‪-3‬إن كل جسم ممكن ألنه م‪0‬ركب يحت‪0‬اج‪ 0‬بعض أجزائ‪00‬ه إلى البعض‪ 0،‬والق‪0‬ديم ال يتص‪00‬ف‬
‫باالحتياج‪ 0،‬وكل ممكن وجد مسبوق بالعدم‪ ،‬إذ ال يتصور اإليجاد إال عن العدم‪.‬‬
‫‪-4‬إنه لو وجد جسم قديم لكان في األزل إما متحركا ً أو ساكناً‪ ،‬والكل باط‪00‬ل‪ ،‬ألن ماهي‪00‬ة‬
‫الحرك‪00‬ة المس‪00‬بوقية ب‪00‬الغير‪ 0‬وه‪00‬و الس‪00‬كون‪ ،‬وماهي‪00‬ة األزلي‪0‬ة‪ 0‬ع‪00‬دم المس‪00‬بوقية ب‪00‬ال‪0‬غير فيتنافي‪00‬ان‪0،‬‬
‫وماهية السكون كونان في آنين في مكان واحد‪ ،‬فهو يقتضي‪ 0‬المسبوقية بالغير‪ 0‬المنافية‪ 0‬لألزلية‪.‬‬
‫‪-5‬قال السبكي في شرحه لعقيدة ابن الحاجب‪ 0‬في االستدالل على حدوث الجوهر‪:‬‬
‫إن الجوهر ال يخلو عن العرض‪ 0،‬والعرض حادث فالجوهر ال يخلو عن الحادث‪ ،‬وم‪0‬ا ال‬
‫يخلو عن الحادث ال يسبقه‪ ،‬إذ لو سبقه لخال عنه‪ ،‬وما ال يسبق الحادث‪ 0‬حادث‪ ،‬فالجوهر حادث‪،‬‬
‫قال السبكي‪ ،‬وهو أقوى حجج أهل النظر العقلي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪-6‬وقد يقال على وجه أخص وأتم‪ ،‬وه‪00‬و أن ك‪00‬ل م‪00‬ا س‪00‬وى ال‪00‬واجب ممكن‪ ،‬وك‪00‬ل ممكن‬
‫حادث فالعالم حادث‪ ،‬أما المقدمة األولى فظ‪00‬اهرة‪ ،‬وأم‪00‬ا الثاني‪00‬ة فألن الممكن يحت‪00‬اج في وج‪00‬وده‬
‫‪78‬‬
‫والحاصل‪ 1‬أنك تثبت أوالً حدوث األع‪00‬راض بمش‪00‬اهدة تغيره‪00‬ا من ع‪00‬دم إلى وج‪00‬ود‬
‫وعكسه‪ ،‬فتقول‪ :‬األعراض شوهد تغيرها من عدم إلى وجود وعكسه‪ ،‬وكل م‪00‬ا ه‪00‬و ك‪00‬ذلك‬
‫فه‪00‬و ح‪00‬ادث ينتج أن األع‪00‬راض حادث‪00‬ة‪ ،‬ثم تثبت ح‪00‬دوث األج‪00‬رام واس‪00‬تحالة الق‪00‬دم عليه‪00‬ا‬
‫بمالزمتها لألعراض الحادثة فتقول‪ :‬األج‪00‬رام مالزم‪00‬ة لألع‪00‬راض الحادث‪00‬ة‪ ،‬وك‪00‬ل م‪00‬ا ك‪00‬ان‬
‫كذلك فهو حادث ويستحيل عليه القدم‪ ،‬فينتج أن األجرام حادثة‪ ،‬ويستحيل عليها القدم‪.‬‬
‫واعلم أن لهم هنا مطالب سبعة نظمها بعضهم بقوله‪:‬‬
‫ِزي َد َم قَا َم ما ا ْنتَقَ َل ما َك ُمنَا ‪ ##‬ما انفك ال َع ِدم قديم ال َحنا‬
‫فقوله “ زيد “ رد لقول الفالس‪00‬فة ال نس‪00‬لم ثب‪00‬وت زائ‪00‬د على األج‪00‬رام ح‪00‬تى يص‪00‬ح‬
‫االستدالل به على حدوث األجرام‪ ،‬دليل ثبوت الزائد الذي هو العرض‪ :‬المش‪00‬اهدة وقول‪00‬ه‪:‬‬
‫“ م قام “ بحذف ألف “ ما “ للوزن‪ ،‬رد لقولهم‪ :‬ال نسلم عدم العرض‪ 2‬لجواز أن يق‪00‬وم‬
‫بنفسه إذا لم يتص‪0‬ف ب‪0‬ه الج‪0‬رم‪ ،‬ودلي‪0‬ل أن‪0‬ه ال يق‪0‬وم بنفس‪0‬ه‪ :‬أن‪0‬ه ال يعق‪0‬ل ص‪0‬فة من غ‪0‬ير‬
‫موص‪00‬وف فال يعق‪00‬ل حرك‪00‬ة من غ‪00‬ير متح‪00‬رك مثالً‪ ،‬وقول‪00‬ه “ م‪00‬ا انتق‪00‬ل “ بس‪00‬كون الالم‬
‫للوزن‪ :‬رد لقولهم‪ :‬ال نسلم عدم العرض لجواز أنه ينتقل من جرم إلى ج‪00‬رم آخ‪00‬ر‪ ،‬ودلي‪00‬ل‬
‫أنه ال ينتقل‪ :‬أنه لو انتقل لكان بعد مفارقة األول وقبل وصوله الث‪00‬اني قائم‪0‬ا ً بنفس‪00‬ه‪ ،‬وق‪00‬د‬
‫بطل قبل ذلك‪ ،‬وقوله‪ “ :‬ما كمنا “ رد لقولهم‪ :‬ال نسلم عدم العرض لج‪00‬واز أن‪00‬ه كمن في‬
‫الجرم‪ ،‬فتكمن الحركة في الجرم إذا سكن مثالً‪ ،‬ودليل أن‪00‬ه ال يكمن‪ :‬أن‪00‬ه يل‪00‬زم علي‪00‬ه جم‪00‬ع‬
‫الضدين وه‪0‬و باط‪0‬ل‪ ،‬وقول‪0‬ه “ م‪0‬ا انف‪0‬ك “ رد لق‪0‬ولهم‪ :‬ال نس‪0‬لم مالزم‪0‬ة الج‪0‬رم للع‪0‬رض‬
‫‪3‬‬
‫لجواز أن ينفك عنه‪ ،‬ودليل أنه ال ينفك عنه‪ :‬أنه ال يعقل جرم خ‪00‬ال عن حرك‪00‬ة وال حركة‬
‫مثالً‪ ،‬الستحالة ارتفاع النقيضين‪ ،‬وقوله‪ “ :‬ال عدم ق‪00‬ديم “ رد لق‪00‬ولهم‪ :‬ال نس‪00‬لم ح‪00‬دوث‬
‫الع‪00‬رض لج‪00‬واز أن يك‪00‬ون ق‪00‬ديما ً وينع‪00‬دم‪ ،‬ودلي‪00‬ل أن الق‪00‬ديم ال ينع‪00‬دم‪ :‬أن الق‪00‬ديم ال يك‪00‬ون‬
‫وجوده إال واجبا ً‪ ،‬فال يقبل العدم‪ ،‬وقوله “ الحنا “ منتحت من قولنا‪ :‬حوادث ال أول لها‪،‬‬
‫وهو رد لقولهم‪ :‬ال نسلم أن مالزم الح‪00‬ادث ح‪00‬ادث لج‪00‬واز أن تك‪00‬ون األع‪00‬راض ح‪00‬وادث ال‬
‫أول لها فيكون مالزمها قديماً‪ ،‬ودليل أن‪00‬ه ال ح‪00‬وادث ال أول له‪00‬ا‪ :‬أن‪00‬ه حيث ك‪00‬انت ح‪00‬وادث‬
‫لزم أن يكون لها أول‪ ،‬فيلزم على قولهم “ حوادث ال أول له‪00‬ا “ التن‪00‬اقض‪ ،‬ومم‪00‬ا يبطل‪00‬ه‬
‫برهان القطع والتطبيق وهو مبسوط في غير هذا المحل‪ ،‬وهذه المطالب السبعة ال يعرفها‬
‫إال الراسخون في العلم‪ ،‬قال السنوسي‪ :‬وبها ينجو المكلف من أبواب جهنم السبعة‪.‬‬

‫إلى موجد والموجد ال يمكن أن يوجده حال وجوده‪ ،‬وإال لكان إيجاداً للموجود‪ ،‬وهو محال فيل‪00‬زم‬
‫أن يوجد حال ال وجوده‪ ،‬فيكون وجوده مسبوقا ً بعدمه‪ ،‬وذلك حدوثه وهو المطلوب‪.‬‬
‫‪-7‬قال السبكي‪ :‬وأما أه‪0‬ل الح‪0‬ديث‪ 0‬فق‪0‬د ثبت عن عم‪0‬ران بن الحص‪0‬ين رض‪0‬ي هللا تع‪0‬الى‬
‫عنه أن رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم قال‪( :‬ك‪00‬ان هللا وال ش‪00‬يء قبل‪00‬ه) وفي طري‪00‬ق‪:‬‬
‫(وال شيء غيره)‪ ،‬وفي طريق‪( :‬وال شيء معه)‪ ،‬وقد ثبت اإلجماع‪ 0،‬بل إجم‪00‬اع الكتب‪ 0‬الس‪00‬ماوية‬
‫كلها عليه كما نقله الفخر في شرح عيون الحكمة‪ ،‬وجعل العمدة في هذه المسألة‪ 0‬اإلجماع‪.‬‬
‫نقل كالم السبكي هذا الزبيدي في شرح اإلحياء‪.)3/194( 0‬‬
‫‪ 1‬ال حاجة إلى القول بالطي‪ 0،‬بل ما يلي لكن هو الصغرى‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫‪ 1‬قوله‪" :‬والحاصل ‪ ..‬إلخ" هذا الحاص‪0‬ل وإن ك‪0‬ان ص‪0‬حيحاً‪ 0‬في نفس‪0‬ه فال يناس‪0‬ب كالم‬
‫المص‪00‬نف‪ ،‬ب‪00‬ل المناس‪00‬ب‪ 0‬لكالم المص‪00‬نف أن يس‪00‬تدل أوالً على ح‪00‬دوث األع‪00‬راض‪ ،‬ثم بح‪00‬دوث‬
‫األعراض على أن الع‪00‬الم بمع‪00‬نى األج‪00‬رام يج‪00‬وز علي‪0‬ه‪ 0‬الع‪00‬دم‪ ،‬ثم بج‪00‬واز عدم‪00‬ه على حدوث‪00‬ه‪ ،‬ثم‬
‫بحدوثه على أنه يحتاج إلى محدث‪ ،‬فيحتاج حينئذ إلى أربعة أقيسة‪ ،‬بيانه ‪0‬ا‪ 0‬أن يق‪00‬ال‪ :‬األع‪00‬راض‬
‫شوهد تغيرها من وجود إلى عدم وعكسه‪ ،‬وك‪00‬ل م‪00‬ا ك‪00‬ان ك‪00‬ذلك فه‪00‬و ح‪00‬ادث‪ ،‬ينتج أن األع‪00‬راض‬
‫حادثة‪ ،‬ثم يقال‪ :‬العالم‪ 0‬بمعنى األجرام مالزم لألعراض‪ 0‬الحادث‪00‬ة‪ 0،‬وك‪00‬ل م‪00‬ا ك‪00‬ان ك‪00‬ذلك فه‪00‬و ج‪00‬ائز‬
‫العدم‪ ،‬ينتج العالم يجوز عليه الع‪00‬دم‪ ،‬تؤخ‪00‬ذ ه‪00‬ذه النتيج‪00‬ة وتجع‪00‬ل ص‪00‬غرى‪ ،‬قي‪00‬اس ث‪00‬الث تقري‪00‬ره‬
‫هكذا‪ :‬العالم يجوز عليه العدم‪ ،‬وكل ما ك‪0‬ان ك‪0‬ذلك اس‪0‬تحال قدم‪0‬ه وثبت حدوث‪00‬ه‪ ،‬ينتج‪ :‬أن الع‪00‬الم‬
‫استحال قدمه وثبت حدوثه‪ ،‬تؤخذ هذه النتيجة‪ 0‬وتجعل صغرى‪ ،‬قي‪00‬اس راب‪00‬ع نظم‪00‬ه هك‪00‬ذا‪ :‬الع‪00‬الم‬
‫استحال قدمه وثبت حدوثه وكل ما ك‪00‬ان ك‪00‬ذلك فال ب‪00‬د ل‪00‬ه من مح‪00‬دث ينتج أن الع‪00‬الم الب‪00‬د ل‪00‬ه من‬
‫محدث وهذا هو المقصود بالنظر وإنما قلنا ذل‪00‬ك ألن المص‪00‬نف جع‪00‬ل األع‪00‬راض‪ 0‬دال‪00‬ة على ج‪00‬واز‬
‫العدم ال على الحدوث‪ ،‬حيث قال‪ :‬لكن به قام دليل العدم‪ .‬أجهوري‬
‫وقوله أيضا ً "والحاصل … إلخ" تلخص من كالمه هنا أن األعراض باعتب‪00‬ار‪ 0‬ح‪00‬دوثها‬
‫دالة على حدوث األجرام الدال على أنها ‪ ..‬أي األجرام ‪ ..‬الب‪00‬د له‪00‬ا من مح‪00‬دث‪ ،‬وذك‪00‬ر عن‪00‬د قول‪00‬ه‬
‫"تجد به صنعاً" أن األعراض تدل على كمال الص‪00‬انع وعم‪00‬وم علم‪00‬ه وإرادت‪00‬ه من جه‪00‬ة إتقانه‪00‬ا‬
‫إتقاناً‪ 0‬بديعاً‪ ،‬فلألعراض جهتان‪ 0:‬جهة حدوثها‪ ،‬وجهة إتقانها‪ ،‬ولهذا تعددت داللتها‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬أي عدم قيام العرض بنفسه‪.‬‬
‫‪ 3‬الالحركة هو السكون‪ ،‬ولم يعبر به لئال يتوهم وجود حالة ثالثة‪ 0‬متوسطة بين الحركة‬
‫والسكون‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫‪ { -41‬اإليمان هو التصديق القلبي}‬
‫الخ ْلفُ بالتحقيق‬
‫سر اإليمان بالتصديق ‪ ##‬والنطق فيه ُ‬ ‫‪ -18‬وفُ ِّ‬
‫(قول‪000‬ه وفس‪000‬ر اإليم‪000‬ان ‪ ..‬إلخ) لم‪000‬ا ك‪000‬ان اإليم‪000‬ان واإلس‪000‬الم باعتب‪000‬ار متعل‪000‬ق‬
‫مفهوميهما‪ -1‬وهو ما علم من الدين بالضرورة من مب‪00‬احث علم الكالم كم‪00‬ا يعلم من قول‪00‬ه‬
‫فيما ي‪00‬أتي‪ “ :‬ومن المعل‪00‬وم ض‪0‬رورة جح‪0‬د “ ‪-‬ذكرهم‪0‬ا المتكلم‪00‬ون في علم الكالم‪ ،2‬لكن‬
‫اختلف‪00‬وا‪ 0‬في وض‪00‬عهما‪ ،‬فأخرهم‪00‬ا ق‪00‬وم عن اإللهي‪00‬ات والنبوي‪00‬ات والس‪00‬معيات‪ ،‬وق‪00‬دمهما‬
‫آخرون الحتياج الخائض في تلك المباحث إليهما‪ ،‬وقد سلك المصنف هذا الطريق‪ ،‬فل‪00‬ذلك‬
‫ق‪00‬ال “ وفس‪00‬ر اإليم‪00‬ان … إلخ “ ببن‪00‬اء الفع ‪0‬ل‪ 0‬للمفع‪00‬ول للعلم بفاعل‪00‬ه‪ ،‬واألص‪00‬ل‪ :‬وفس‪00‬ر‬
‫جمه‪00‬ور األش‪00‬اعرة والماتريدي‪00‬ة وك‪00‬ذا غ‪00‬يرهم من المعتزل‪00‬ة كالص‪00‬الحي وابن الراون‪00‬دي‪.‬‬
‫واعلم أن اإليمان على خمسة أقس‪0‬ام‪ :‬إيم‪0‬ان عن تقلي‪0‬د‪ ،‬وه‪0‬و اإليم‪0‬ان الناش‪0‬ئ عن األخ‪0‬ذ‬
‫بقول الش‪0‬يخ من غ‪0‬ير دلي‪0‬ل؛ وإيم‪0‬ان عن علم‪ ،‬وه‪0‬و اإليم‪0‬ان الناش‪0‬ئ عن معرف‪0‬ة العقائ‪0‬د‬
‫بأدلتها؛ وإيمان عن عيان‪ ،‬وهو اإليمان الناشئ عن مراقب‪00‬ة القلب هلل بحيث ال يغيب عن‪00‬ه‬
‫طرفة عين؛ وإيمان عن حق‪ ،‬وهو اإليمان الناشئ عن مش‪00‬اهدة هللا ب‪00‬القلب؛ وإيم‪00‬ان عن‬
‫حقيقة‪ ،‬وهو اإليمان الناشئ عن كونه ال يش‪00‬هد إال هللا‪ ،‬فالتقلي‪00‬د للع‪00‬وام‪ ،‬والعلم ألص‪00‬حاب‬
‫األدلة‪ ،‬والعيان ألهل المراقبة‪ ،‬ويس‪00‬مى مق‪00‬ام المراقب‪00‬ة‪ ،‬والح‪00‬ق للع‪00‬ارفين‪ ،‬ويس‪00‬مى مق‪00‬ام‬
‫المشاهدة‪ ،‬والحقيقة‪ 0‬للواقفين‪ ،‬ويسمى مقام الفناء ألنهم يفنون عن غير هللا وال يشهدون‬
‫إال إي‪00‬اه‪ ،‬وأم‪00‬ا حقيق‪0‬ة‪ 0‬الحقيق‪00‬ة فهي للمرس‪00‬لين‪ ،‬وق‪00‬د منعن‪00‬ا هللا من كش‪00‬فها فال س‪00‬بيل إلى‬
‫بيانها‪.3‬‬

‫‪ 1‬زاد المفهوم بناء على أنه أراد باإليمان‪ 0‬واإلسالم لفظيهما وكان األولى إسقاطه‪.‬‬
‫‪ 2‬أي ذكروا تعريفهما فيه م‪00‬ع أن‪00‬ه ليس من علم العقائ‪0‬د‪ 0‬والكالم‪ ،‬ألن ه‪00‬ذه العلم عب‪00‬ارة‬
‫عن العلم بالعقائد اإلسالمية عن أدلتها السمعية أو العقلية‪.‬‬
‫‪ 3‬لعل الصواب‪ :‬قد منعنا هللا من الوقوف عليها‪ 0‬فال سبيل إلى معرفتها‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫{تنبي‪00‬ه} الم‪00‬ؤمن إذا ن‪00‬ام أو غف‪00‬ل أو ُجن أو أغمي علي‪00‬ه أو م‪00‬ات متص‪00‬ف جزم ‪0‬ا ً‬
‫باإليمان حكما ً فتجري عليه أحكام‪ 0‬اإليمان في هذه األحوال‪ ،‬ذكره المصنف في كب‪0‬يره كم‪0‬ا‬
‫أفاد العالمة الشنواني‪.‬‬
‫(قوله بالتصديق) أي التصديق المعهود شرعاً‪ ،‬وهو تصديق النبي صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم‪ ،‬في كل ما جاء به وعلم من ال‪00‬دين بالض‪00‬رورة‪ :‬أي علم من أدلة‪1‬ال‪00‬دين بش‪00‬به‬
‫الضرورة‪ ،‬فهو نظري في األصل‪ ،‬إال أنه لما اشتهر صار ملحقا ً بالضروري بجامع الجزم‬
‫في ك‪0‬ل من الع‪0‬ام والخ‪0‬اص‪ 2‬من غ‪0‬ير قب‪0‬ول للتش‪0‬كيك‪ ،‬والم‪0‬راد بتص‪0‬ديق الن‪0‬بي في ذل‪0‬ك‪:‬‬
‫اإلذعان لما جاء به والقبول له‪ ،‬وليس المراد وقوع نسبة الصدق إليه في القلب من غير‬
‫إذعان وقبول له حتى يلزم الحكم بإيمان كثير من الكفار الذين كانوا يعرفون حقي‪00‬ة نبوت‪00‬ه‬
‫‪0‬اب يَ ْع ِرفُونَ ‪0‬هُ َك َم‪00‬ا يَ ْع ِرفُ‪00‬ونَ‬
‫ورس‪00‬الته‪ ،‬ومص‪00‬داق ذل‪00‬ك قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬الَّ ِذينَ آتَ ْينَ‪00‬ا ُه ُم ا ْل ِكتَ‪َ 0‬‬
‫أَ ْبنَا َءهُم) (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )146‬قال عبد هللا بن سالم‪ :‬لقد عرفته حين رأيته كما أع‪00‬رف‬
‫ابني ومعرفتي لمحمد أشد‪ 3‬اهـ‪.‬‬
‫‪ { -42‬اإليمان باألنبياء والمالئكة إجماال وتفصيال }‬
‫ويكفي اإلجمال فيما يعتبر التكليف به إجماالً‪ :‬كاإليمان بغ‪00‬الب األنبي‪00‬اء والمالئك‪00‬ة‪،‬‬
‫وال بد من التفصيل فيما يعتبر التكليف به تفصيالً كاإليمان بجمع من االنبي‪00‬اء والمالئك‪00‬ة‪،‬‬
‫فالجمع الذي يجب معرفتهم تفصيالً من األنبياء خمس‪00‬ة وعش‪00‬رون‪ ،‬وق‪00‬د نظم‪00‬وا في ق‪00‬ول‬
‫بعضهم‪:‬‬
‫حتم على كل ذي تكليف معرفة ‪ ##‬بأنبيا َء على التفصيل قد عُلموا‬
‫في “ تلك جحتنا “ ‪ 4‬منهم ثمانية ‪ ##‬من بعد عشر ويبقى سبعة وهمو‬
‫إدريس هود شعيب صالح وكذا ‪ ##‬ذو الكفل‪ 0‬آدم بالمختار قد ختموا‬
‫فه‪00‬ؤالء الم‪0‬ذكورون في الق‪0‬رآن المتف‪0‬ق على نب‪0‬وتهم‪ ،‬وأم‪0‬ا المختل‪0‬ف في نب‪0‬وتهم‬
‫فثالثة‪ :‬ذو القرنين‪ ،‬والعزيز‪ ،‬ولقم‪00‬ان‪ ،‬وأم‪00‬ا الخض‪00‬ر فلم يص‪00‬رح باس‪00‬مه في الق‪00‬رآن وإن‬
‫كان هو المراد في آية (عبداً من عبادنا) (الكهف‪ )65 :‬وكذلك يوشع بن نون فتى موس‪0‬ى‬
‫لم يصرح باسمه في القرآن‪ ،‬ومعنى كون اإليمان واجبا ً بهم تفصيالً‪ :‬أنه لو عرض علي‪00‬ه‬
‫واحد منهم لم ينكر نبوته وال رس‪00‬الته‪ ،‬فمن أنك‪00‬ر نب‪00‬وة واح‪00‬د منهم أو رس‪00‬الته كف‪00‬ر‪ ،‬لكن‬

‫‪ 1‬قوله أي علم من أدلة الدين ‪ ..‬إلخ واألولى أن يقال في معنى قولهم‪ :‬معلوم من الدين‬
‫بالضرورة‪ :‬إن كونه من الدين وجزءاً من اإلسالم معلوم بالضرورة بحيث ال يتشكك أحد في أن‪00‬ه‬
‫جزء من الدين‪.‬‬
‫‪ 2‬أي من عوام المؤمنين وخواصهم‪.‬‬
‫‪ -3‬قال السيوطي في الدر المنثور (‪ :)1/147‬أخرجه الثعلبي‪ 0‬من طريق السدي الصغير‬
‫عن الكلبي‪.‬‬
‫‪ -4‬هذا إشارة إلى اآليات‪ 0‬التالية‪ 0‬من س‪00‬ورة االنع‪00‬ام (وتل‪00‬ك حجتن‪00‬ا آتيناه‪0‬ا‪ 0‬إب‪00‬راهيم على‬
‫قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك عليم حكيم صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ووهبن‪0‬ا‪ 0‬ل‪00‬ه إس‪00‬حق‬
‫ويعقوب كال هدينا ونوح‪0‬ا ه‪0‬دينا‪ 0‬من قب‪0‬ل ومن ذريت‪0‬ه داود وس‪0‬ليمان‪ 0‬وأي‪0‬وب ويوس‪0‬ف وموس‪0‬ى‬
‫وهارون وكذلك نجزي المحسنين‪ 0‬صلى هللا عليه وآله وسلم وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس ك‪00‬ل‬
‫من الصالحينص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم وإس‪00‬ماعيل واليس‪00‬ع وي‪00‬ونس ولوط‪00‬ا وكال فض‪00‬لنا على‬
‫العالمين) (‪)85-83‬‬
‫‪82‬‬
‫العامي ال يحكم عليه بالكفر إال إن أنكر بعد تعليمه‪ ،‬وليس المراد أنه يجب حف‪00‬ظ أس‪00‬مائهم‬
‫خالفا ً لمن زعم ذلك‪ .‬والجمع الذي يجب معرفت‪00‬ه تفص‪00‬يالً من المالئك‪00‬ة‪ :‬جبري‪00‬ل وميكائي‪00‬ل‬
‫وإسرافيل وعزائيل ورضوان خازن الجنة ومالك خازن النار ورقيب وعتيد‪ 1‬فيكف‪00‬ر منك‪00‬ر‬
‫شيء من ذلك‪ ،‬وأما منكر ونكير فال يكفر منكرهما‪ ،‬ألنه اختلف في أصل الس‪00‬ؤال‪ ،‬ويجب‬
‫اإليمان بحملة العرش والحافين به إجماالً كسائر المالئكة‪ ،‬والتفصيلي أكمل من اإلجمالي‬
‫من حيث التفص‪00‬يل‪ ،‬وإال فه‪00‬و مثل‪00‬ه من حيث الخ‪00‬روج من عه‪00‬دة التكلي‪00‬ف بك‪00‬ل منهم‪00‬ا‪،‬‬
‫وبالجمل‪00‬ة فاإليم‪00‬ان ش‪00‬رعا ً ه‪00‬و التص‪00‬ديق بجمي‪00‬ع م‪00‬ا ج‪00‬اء ب‪00‬ه الن‪00‬بي مم‪00‬ا علم من ال‪00‬دين‬
‫بالضرورة‪ :‬إجماالً في اإلجمالي‪ ،‬وتفصيالً في التفصيلي‪ ،‬وأما لغة فهو مطل‪00‬ق التص‪00‬ديق‪،‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪($ :‬وما أنت بمؤمن لنا) (يوسف‪ )17 :‬أي بمصدق‬
‫‪ { -43‬الخالف في النطق بما يدل على التصديق القلبي }‬
‫(قوله والنطق فيه الخلف) أي وفي النطق بالش‪00‬هادتين للمتمكن من‪00‬ه وه‪00‬و الق‪00‬ادر‬
‫علي‪00‬ه ‪-‬في جه‪00‬ة اعتب‪00‬ار مدخليت‪00‬ه في اإليم‪00‬ان‪ -‬االختالف بين العلم‪00‬اء‪ ،‬وس‪00‬يأتي تفص‪00‬يله‬
‫عقبه‪ ،‬فحذف المصنف المنطوق به وهو قوله‪ :‬أشهد أن ال إل‪00‬ه إال هللا وأش‪00‬هد أن محم‪00‬داً‬
‫رسول هللا‪ ،‬كما سيصرح به في قوله‪ “ :‬وج‪00‬امع مع‪00‬نى ال‪00‬ذي تق‪00‬ررا ش‪00‬هادتا اإلس‪00‬الم “ ‪.‬‬
‫وخرج بالمتمكن –الذي هو القادر‪ -‬األخرس‪ ،‬فال يطالب بالنطق كمن اخترمته المنية قب‪00‬ل‬
‫النطق به من غير تراخ‪ ،‬فهو م‪00‬ؤمن عن‪00‬د هللا ح‪00‬تى على الق‪00‬ول ب‪00‬أن النط‪00‬ق ش‪00‬رط ص‪00‬حة‬
‫وش‪00‬طر‪ ،‬بخالف من تمكن وف‪0‬رط‪ ،‬وموض‪00‬وع ه‪00‬ذا الخالف ك‪00‬افر أص‪00‬لي يري‪00‬د ال‪00‬دخول في‬
‫اإلسالم‪ .‬وأما أوالد المسلمين فمؤمنون قطع‪0‬ا ً “ وتج‪00‬ري عليهم األحك‪00‬ام الدنيوي‪0‬ة ول‪0‬و لم‬
‫ينطقوا بالشهادتين طول عمرهم “ ‪.2‬‬

‫‪ { -44‬هل يشترط في النطق لفظ الشهادتين وترتيبهما؟ }‬


‫وال بد من لفظ “ أشهد “ وتكريره‪ ،‬وال يش‪00‬ترط أن ي‪0‬أتي بح‪0‬رف العط‪00‬ف على م‪0‬ا‬
‫قاله الزيادي‪ ،‬ورجع إليه الرملي آخراً‪ ،‬فال يكفي إبدال لف‪00‬ظ “ أش‪00‬هد “ بغ‪00‬يره‪ ،‬وإن ك‪00‬ان‬
‫مرادفا ً لم‪00‬ا في‪00‬ه من مع‪00‬نى التعب‪00‬د‪ ،‬وال ب‪00‬د من ت‪00‬رتيب الش‪00‬هادتين ومواالتهم‪00‬ا‪ ،‬وال ب‪00‬د من‬
‫االع‪00‬تراف برس‪00‬الته ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم إلى غ‪00‬ير الع‪00‬رب أيض ‪0‬ا ً إذا ك‪00‬ان يعتق‪00‬د‬
‫اختصاص رسالته بالعرب كالعيسوية وإذا ك‪00‬ان ك‪00‬افراً باعتق‪00‬اد ق‪00‬دم الع‪00‬الم مثالً فال ب‪00‬د من‬

‫‪ 1‬كان على الشارح‪ 0‬أن يقول‪ :‬وملك اليمين وملك الشمال وذلك ألن رقيبا ً وعتي‪00‬داً ليس‪0‬ا‪0‬‬
‫علمين لكل واحد من الملكين‪ 0‬الموكلين باإلنسان لكتابة أعماله‪ ،‬بل هما وصفان لكليهما‪ ،‬ومع‪00‬نى‬
‫اآلية (ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد) (ق‪ )18:‬أن لدي‪00‬ه مل‪00‬ك يرقب‪00‬ه حاض‪00‬ر عن‪00‬ده ال يغيب‬
‫عنه‪ .‬وهللا أعلم‪ .‬وسيأتي هذا عن الشارح عند الكالم على قول المصنف‪:‬‬
‫بكل عبد حافظون وكلوا ‪ ##‬وكاتبون‪ 0‬خيرة لن يهملوا‬
‫حيث قال على قوله‪ :‬كاتبون‪ :‬والمراد بالجمع ما فوق الواحد‪ ،‬ألن كل واح‪00‬د من العب‪00‬اد‬
‫إنما عليه ملكان وكل منهما رقيب‪ ،‬أي حافظ‪ ،‬وعتيد‪ ،‬أي حاضر‪ ،‬ال كما قد يتوهم من أن أحدهما‬
‫رقيب‪ ،‬واآلخر عتيد‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا خارج عن محل النزاع فإن محله هو اإليمان المنجي في اآلخرة‪ ،‬فك‪0‬ان علي‪0‬ه‪ 0‬أن‬
‫يقول‪ :‬فهم من أهل النجاة من الخلود في النار‪ 0،‬ولو لم ينطقوا بالشهادتين‪ 0‬طول عمرهم‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫رجوعه عنه‪ ،‬ولو أتى بالشهادتين بالعجمية صح إسالمه وإن أحسن العربي‪00‬ة‪ ،‬وم‪00‬ا تق‪00‬دم‬
‫من الش‪00‬روط مب‪00‬ني على المعمت‪00‬د في م‪00‬ذهبنا معاش‪00‬ر الش‪00‬افعية‪ ،‬وب‪00‬ه ق‪00‬ال ابن عرف‪00‬ة من‬
‫المالكية حيث قال‪ :‬ال بد أن يق‪00‬ول‪ :‬أش‪00‬هد أن ال إل‪00‬ه إال هللا وأش‪00‬هد أن محم‪00‬داً رس‪00‬ول هللا‪،‬‬
‫وخالف األُب ّي شيخه ابن عرفة فقال‪ :‬ال يتعين ذلك بل يكفي كل ما ي‪00‬دل على اإليم‪00‬ان‪ ،‬فل‪00‬و‬
‫قال‪ :‬هللا واحد ومحمد رسول‪ ،‬كفى‪ ،‬ونحو ما قاله األبي لبعض من الشافعية وهو العالم‪0‬ة‬
‫ابن حجر‪ ،‬وللنووي ما يوافقه أيضاً‪ ،‬فيكون في المس‪00‬ألة ق‪00‬والن أله‪00‬ل ك‪00‬ل من الم‪00‬ذهبين‪.‬‬
‫قال المصنف في شرحه‪ :‬وأولهما أولى بالتعويل‪( 1‬قوله ب‪00‬التحقيق) أي ملتبس ‪0‬ا ً ب‪00‬التحقيق‬
‫الذي هو إثبات الشيء بالدليل‪ ،‬فالمعنى ملتبسا ً باإلثب‪00‬ات باألدل‪00‬ة القائم‪00‬ة على دع‪00‬وى ك‪00‬ل‬
‫من الفريقين‪ ،‬أو الذي هو ذكر الشيء على الوجه الحق؛ فالمعنى ملتبسا ً بذكر ك‪00‬ل فري‪00‬ق‬
‫مدعاه على الوجه الحق عنده‪.‬‬

‫‪ -19‬فقيل شرطٌ كالعمل وقيل بل ‪ ##‬شط ٌر واإلسالم ا ْ‬


‫ش َر َحنَّ بالعمل‬
‫(قول‪00‬ه فقي‪00‬ل ‪ ...‬إلخ) أي إذا أردت تفص‪00‬يل ه‪00‬ذا الخالف فقي‪00‬ل‪ ...‬إلخ فالف‪00‬اء ف‪00‬اء‬
‫الفصيحة‪ .‬ويحتمل أن تكون لمجرد العطف‪ ،‬فيك‪00‬ون معطوف‪0‬ا ً على الجمل‪00‬ة االس‪00‬مية‪ ،‬وهي‬
‫قول “ والنطق‪ ...‬إلخ “ من عطف المفص‪00‬ل على المجم‪00‬ل‪ ،‬وقول‪00‬ه “ ش‪00‬رط‪ ...‬إلخ “ أي‬
‫خارج عن ماهيته‪ ،‬وهذا القول لمحققي األشاعرة والماتريدية ولغيرهم‪،‬‬
‫‪ { -45‬اشتراط النطق هل هو في صحة اإليمان أم في اجراء األحكام الدنيوية}‬
‫وق‪00‬د فهم الجمه‪00‬ور أن م‪00‬رادهم أن‪00‬ه ش‪00‬رط إلج‪00‬راء أحك‪00‬ام‪ 0‬المؤم‪00‬نين عليهم‪ :‬من‬
‫الت‪00‬وارث‪ ،‬والتن‪00‬اكح‪ ،‬والص‪00‬الة خلف‪00‬ه‪ ،‬وعلي‪00‬ه‪ ،‬وال‪00‬دفن في مق‪00‬ابر المس‪00‬لمين‪ ،‬ومطالبت‪00‬ه‬
‫بالصلوات والزكوات وغير ذلك‪ ،‬ألن التصديق القلبي وإن ك‪00‬ان إيمان‪0‬ا ً إال أن‪00‬ه ب‪00‬اطن خفي‬
‫فال بد له من عالمة ظاهرة تدل عليه لتناط –أي تعلق‪ -‬به تلك األحك‪0‬ام‪ ،‬فمن ص‪0‬دق بقلب‪0‬ه‬
‫ولم يقر بلسانه ال لعذر منعه وال إلباء بل اتفق له ذلك‪ ،‬فه‪00‬و م‪00‬ؤمن عن‪00‬د هللا غ‪00‬ير م‪00‬ؤمن‬
‫في األحكام‪ 0‬الدنيوية‪ ،‬أما المعذور إذا قامت قرينة على إسالمه بغير النطق كاإلش‪00‬ارة فه‪00‬و‬
‫مؤمن فيهما‪ ،‬وأما اآلبي بأن طلب منه النطق بالش‪00‬هادتين‪ ،‬ف‪00‬أبى فه‪00‬و ك‪00‬افر فيهم‪00‬ا‪ ،‬ول‪00‬و‬
‫‪2‬‬
‫أذعن قلبه فال ينفعه ذلك ولو في اآلخرة‪ ،‬ومن أق‪00‬ر بلس‪00‬انه ولم يص‪00‬دق بقلب‪00‬ه كالمن‪00‬افق‬
‫فهو مؤمن في األحكام‪ 0‬الدنيوية غير مؤمن عند هللا تعالى‪ .‬ومحل كونه مؤمنا ً في األحك‪00‬ام‬
‫الدنيوية ما لم يطلع على كفره بعالمة كسجود لصنم‪ ،‬وإال جرت عليه أحكام الكفر‪.‬‬

‫‪ 1‬أقول‪ :‬إذا كان اإلذعان القلبي‪ 0‬لما جاء به الرسول ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم كافي‪0‬ا ً‬
‫في صحة اإليمان فيما بين العبد وبين هللا تعالى‪ 0‬وهو الذي عليه المحقق‪00‬ون‪ ،‬فينبغي أن يكفي في‬
‫صحة اإليمان إلجراء األحكام الدنيوية ما دل على هذا اإلذعان من اللفظ أي لفظ كان‪ ،‬وبأي لغ‪00‬ة‬
‫كان‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الكاف استقصائية‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫وفهم األقل أن مرادهم أنه شرط في صحة اإليمان وه‪00‬ذا الق‪00‬ول ك‪00‬القول بالش‪00‬طرية‬
‫في الحكم‪ ،‬وإنم‪00‬ا الخالف بينهم‪00‬ا في العب‪00‬ارة‪ ،‬والق‪00‬ول األول ه‪00‬و ال‪00‬راجح‪ ،‬والنص‪00‬وص‬
‫بحسب المتبادر منها مقوية للقول بالشرطية دون الشطرية‪ ،‬كقوله تعالى‪ “ :‬أولئ‪00‬ك كتب‬
‫في قلوبهم اإليمان “ (المجادلة‪ )33 :‬أي أثبته في قلوبهم‪ :‬وقول‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم في دعائه‪ “ :‬اللهم ثبت قلبي على دينك “ )‪.1‬‬
‫(قوله‪ :‬كالعم‪00‬ل) أي في مطل‪00‬ق الش‪00‬رطية وإن اختلفت جه‪00‬ة الش‪00‬رطية في المش‪00‬به‬
‫والمشبه به‪ ،‬ألن السابق إما شرط إلجراء األحكام الدنيوية أو لصحة اإليمان على ما مر‪،‬‬
‫وهذا شرط كمال على المختار‪ 2‬عند أهل السنة‪ ،‬فمن أتى بالعمل فقد حصل الكم‪00‬ال‪ ،‬ومن‬
‫ترك‪00‬ه فه‪00‬و م‪00‬ؤمن‪ ،‬لكن‪00‬ه ف‪ّ 0‬وت على نفس‪00‬ه الكم‪00‬ال إذا لم يكن م‪00‬ع ذل‪00‬ك اس‪00‬تحالل أو عن‪0‬اد‬
‫للشارع أو شك في مشروعيته‪ ،‬وإال فهو كافر فيما علم من الدين بالضرورة‪.‬‬
‫‪ { -46‬مذهب المعتزلة والخوارج في العمل }‬
‫ق‬
‫وذهبت المعتزلة إلى أن العمل شطر من اإليمان‪ ،‬ألنهم يقولون بأنه العم ُل والنط ُ‬
‫واالعتقادُ؛ فمن ترك العم‪00‬ل فليس بم‪00‬ؤمن لفق‪00‬د ج‪00‬زء من اإليم‪00‬ان وه‪00‬و العم‪00‬ل‪ ،‬وال ك‪00‬افر‬
‫لوجود التصديق‪ ،‬فه‪00‬و عن‪00‬دهم منزل‪00‬ة بين المنزل‪00‬تين أي بين الم‪00‬ؤمن والك‪00‬افر ويخل‪00‬د في‬
‫النار ويعذب بأقل من عذاب الكافر‪ ،‬والخوارج يكفرون مرتكب الكبائر‪.‬‬
‫‪ { -47‬االستدالل لمذهب أهل السنة }‬
‫وإنما كان المختار هو األول ألن اإليمان في اللغة التص‪00‬ديق‪ ،‬فيس‪00‬تعمل ش‪00‬رعا ً في‬
‫تصديق خاص‪ ،‬وال دليل على نقله للثالثة كما زعمه المعتزل‪00‬ة‪ ،‬وق‪00‬د دلت النص‪00‬وص على‬
‫ثبوت اإليمان قبل األوامر والنواهي‪ ،‬وعلى أن اإليمان والعم‪00‬ل الص‪00‬الح متغ‪00‬ايران‪ ،‬وعلى‬
‫أن اإليمان والمعاصي يجتمعان‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬ي‪0‬ا أيه‪0‬ا ال‪0‬ذين آمن‪0‬وا كتب عليكم الص‪0‬يام)‬
‫(البقرة‪ )183 :‬فإنه يفيد ثبوت اإليمان قبل األمر بالص‪0‬وم‪ ،‬وكقول‪00‬ه تع‪0‬الى‪( :‬ال‪00‬ذين آمن‪0‬وا‬
‫وعملوا الصالحات) (العصر‪ )3 :‬فإن أصل العطف للمغايرة‪ ،‬وكقوله تعالى‪( :‬الذين آمن‪00‬وا‬
‫ولم يلبس‪00‬وا إيم‪00‬انهم بظلم) (األنع‪00‬ام‪ )83 :‬بن‪00‬اء على أن الم‪00‬راد من الظلم المعص‪00‬ية فق‪00‬د‬
‫اقتضى بمفهومه اجتم‪00‬اع اإليم‪00‬ان م‪00‬ع الظلم بمع‪00‬نى المعاص‪00‬ي على م‪00‬ا علمت‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬إن‬
‫المراد به الشرك لما روي أن اآلية لما نزلت شق ذلك على الصحابة‪ ،‬وقالوا‪ :‬أينا لم يظلم‬
‫نفسه‪ ،‬فقال صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬ليس كما تظنون إنما هو كم‪00‬ا ق‪00‬ال لقم‪00‬ان البن‪00‬ه‪:‬‬
‫(يا بني ال تشرك باهلل إن الشرك لظلم عظيم) (لقمان‪ .3)13 :‬وعليه فمفهوم اآلية من باب‬
‫(وما يؤمن أكثرهم باهلل إال وهم مشركون) (يوسف‪ )106 :‬فيكون المراد باإليمان مطل‪00‬ق‬
‫التصديق‬

‫‪ 1‬أخرجه الترمذي من حديث أنس (‪ )2654‬وق‪00‬ال‪ :‬ح‪0‬ديث حس‪0‬ن وابن ماج‪00‬ة (‪)3834‬‬
‫وله شاهد عند مسلم (‪.)2654‬‬
‫‪ 2‬كان األولى إسقاط قوله‪( :‬على المختار)‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرجه البخاري (‪ )6937‬ومسلم (‪ )124‬من حديث عبد هللا بن مسعود‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫(قوله‪ :‬وقيل ب‪00‬ل ش‪00‬طر) أي وق‪00‬ال ق‪00‬وم محقق‪00‬ون كاإلم‪00‬ام أبي حنيف‪00‬ة وجماع‪00‬ة من‬
‫األشاعرة‪ :‬ليس اإلقرار بالشهادتين شرطا ً بل هو شطر‪ ،‬فيكون اإليمان عند ه‪00‬ؤالء اس‪00‬ما ً‬
‫لعملي القلب واللس‪00‬ان جميع‪0‬ا ً وهم‪00‬ا التص‪0‬ديق واإلق‪00‬رار‪ ،‬واع‪00‬ترض على ه‪00‬ذا الق‪0‬ول ب‪00‬أن‬
‫اإليمان يوجد في المعذور كاألخرس‪ ،‬والشيء ال يوجد بدون شطره‪ .‬وأجيب عن ذلك بأنه‬
‫ركن يحتمل الس‪00‬قوط كم‪00‬ا فيمن ذك‪00‬ر‪ ،‬وأم‪00‬ا التص‪00‬ديق فإن‪00‬ه ركن ال يحتم‪00‬ل الس‪00‬قوط وه‪00‬ذا‬
‫القول كالقول بأنه شرط صحة‪ ،‬فمن صدق بقلبه ولم يتفق له اإلقرار في عمره ال مرة وال‬
‫أكثر من مرة مع القدرة على ذل‪00‬ك ال يك‪00‬ون مؤمن‪0‬ا ً ال عن‪00‬دنا وال عن‪00‬د هللا تع‪00‬الى‪ ،‬وك‪00‬ل من‬
‫القولين المذكورين ضعيف‪ ،‬والمعتمد أنه شرط إلج‪0‬راء األحك‪0‬ام الدنيوي‪0‬ة فق‪0‬ط‪ ،‬وإال فه‪0‬و‬
‫مؤمن عند هللا تعالى كما مر‪.‬‬
‫{فائدة} الصواب أن اإليم‪00‬ان مخل‪00‬وق‪ ،‬ألن‪00‬ه إم‪00‬ا تص‪00‬ديق بالجن‪00‬ان‪ ،‬أو م‪00‬ع اإلق‪00‬رار‬
‫باللسان‪ ،‬وكل منهما مخلوق‪ ،‬وما يقال من أن‪0‬ه ق‪0‬ديم باعتب‪0‬ار الهداي‪0‬ة خ‪0‬روج عن حقيق‪0‬ة‬
‫اإليمان على أن الهداية حادثة‪ ،1‬نعم إن التفت للقضاء األزلي صح ذلك‬
‫‪ { -48‬معنى اإل سالم‪ ،‬والنسبة بينه وبين اإليمان }‬
‫(قوله‪ :‬واإلسالم اشرحن بالعمل) بنقل حركة الهمزة إلى الالم ثم طرحه‪00‬ا لل‪00‬وزن‪،‬‬
‫وهو بالنصب وما بع‪00‬ده عامل‪00‬ه‪ ،‬أو ب‪0‬الرفع وم‪00‬ا بع‪00‬ده خ‪00‬بره ح‪00‬ذف من‪00‬ه الض‪00‬مير الراب‪00‬ط‪،‬‬
‫والتقدير‪ :‬واإلسالم اشرحنه بالعمل الصالح‪ ،‬أي باالمتثال ‪ 2‬لذلك واإلذعان الظ‪00‬اهري ل‪00‬ه‪،‬‬
‫سواء عمل أو لم يعمل‪ ،‬فمعنى اإلسالم شرعا ً‪ 3‬االمتثال واالنقياد لما جاء به الن‪00‬بي ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم مما علم من الدين بالضرورة؛ وأم‪00‬ا معن‪00‬اه لغ‪0‬ة فه‪0‬و مطل‪00‬ق االمتث‪0‬ال‬
‫واالنقي‪00‬اد‪ ،‬وعلى ه‪00‬ذا فاإليم‪00‬ان واإلس‪00‬الم متغ‪00‬ايران مفهوم‪0‬ا ً أي مع‪00‬نى‪ ،‬وم‪00‬ا ص‪00‬دقا‪ :‬أي‬
‫أفراداً وإن تالزما شرعا ً باعتبار المحل‪ 4‬بعد اتحاد الجهة المعتبرة‪ ،5‬فال يوجد مؤمن ليس‬
‫بمسلم وال مس‪0‬لم ليس بم‪0‬ؤمن‪ ،‬وال ي‪0‬رد من ص‪0‬دق واخترمت‪0‬ه المني‪0‬ة مثالً‪ ،‬ألن‪0‬ه عن‪0‬د هللا‬
‫مؤمن ومسلم‪ 6‬وعندنا ليس بمسلم وال م‪00‬ؤمن‪ ،‬ف‪00‬التالزم بع‪00‬د اتح‪00‬اد الجه‪00‬ة المعت‪00‬برة كم‪00‬ا‬
‫علمت‪ ،‬والكالم في اإليم‪00‬ان المنجي واإلس‪00‬الم ك‪00‬ذلك‪ ،‬وإال فال تالزم‪ ،7‬ب‪00‬ل بينهم‪00‬ا العم‪00‬وم‬
‫والخصوص الوجهي يجتمعان فيمن ص‪00‬دق بقلب‪00‬ه وانق‪00‬اد بظ‪00‬اهره‪ ،‬وينف‪00‬رد اإليم‪00‬ان فيمن‬
‫‪ 1‬ألنها من الصفات‪ 0‬الفعلية‪ 0‬هلل تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬الصواب االنقياد بدل االمتثال‪ 0‬ألن العمل الصالح ال يمتثل بل يعمل وينقاد ل‪00‬ه بقبول‪00‬ه‪.‬‬
‫و كذلك في الموضعين اآلتيين‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله "فمعنى اإلسالم شرعا ً االمتثال‪ ...‬إلخ" المراد باالمتثال اإلقرار اللساني بجمي‪00‬ع‬
‫ما جاء به النبي‪ 0‬صلى هللا عليه وآله وسلم الشامل لثبوت الوحداني‪00‬ة هلل وثب‪00‬وت الرس‪00‬الة لمحم‪00‬د‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم وغير ذلك من األحك‪00‬ام المعلوم‪00‬ة من ال‪00‬دين بالض‪00‬رورة ويحص‪00‬ل ذل‪00‬ك‬
‫اإلقرار بالنطق بالشهادتين‪ ،‬فعلى كل حال مدار اإلسالم النطق بالشهادتين‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 4‬وهو المؤمن‪.‬‬
‫‪ 5‬قوله "بعد اتحاد الجهة المعتبرة "المراد بالجه‪00‬ة المعت‪00‬برة‪ :‬التقيي‪00‬د بم‪00‬ا عن‪00‬د هللا أو‬
‫بما عندنا‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 6‬قول‪00‬ه "ومس‪00‬لم" بمع‪00‬نى أن هللا يعامل‪00‬ه معامل‪00‬ة المس‪00‬لمين وليس الم‪00‬راد أن‪00‬ه مس‪00‬لم‬
‫حقيقة‪ ،‬ألن الفرض‪ 0‬أنه لم يقع منه إسالم‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫ص‪00‬دق بقلب‪00‬ه فقط‪ ،1‬واإلس‪00‬الم فيمن انق‪00‬اد بظ‪00‬اهره فق‪00‬ط‪ ،‬وه‪00‬ذا م‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه جمه‪00‬ور‬
‫األشاعرة‪ ،‬وذهب جمه‪0‬ور الماتريدي‪0‬ة والمحقق‪0‬ون من األش‪0‬اعرة إلى اتح‪0‬اد مفهوميهم‪0‬ا‪،‬‬
‫وظاهره أن الخالف حقيقي‪ ،‬والتزمه بعضهم قائالً ب‪00‬أن مع‪00‬نى اإلس‪00‬الم اإلذع‪00‬ان الب‪00‬اطني‪،‬‬
‫الم) [الزم‪00‬ر‪ :‬من اآلية‪ ]22‬واألول‪00‬ون يجيب‪00‬ون ب‪00‬أن‬ ‫ص ‪ْ 0‬د َرهُ لِإْل ِ ْ‬
‫س‪ِ 0‬‬ ‫ب‪00‬دليل (أَفَ َمنْ َ‬
‫ش ‪َ 0‬ر َح هَّللا ُ َ‬
‫المع‪0‬نى‪ :‬أفمن ش‪0‬رح هللا ص‪0‬دره لقب‪0‬ول اإلس‪0‬الم‪ ،‬وإن ك‪0‬ان ادع‪0‬اء الح‪0‬ذف خالف األص‪0‬ل‪،‬‬
‫وعلى هذا فالنطق دليل عليهما‪ ،‬والعمل كمال لهما‪ ،‬وبعضهم جعل الخالف لفظي‪0‬ا ً باعتب‪00‬ار‬
‫المآل فحمل القول باتحاد مفهوميهما على معنى أن كل من اتصف بأح‪00‬دهما فه‪00‬و متص‪00‬ف‬
‫باآلخر شرعا ً وإن تغ‪00‬ايرا مع‪00‬نى‪ ،‬وحم‪00‬ل الق‪00‬ول بتغ‪00‬اير مفهوميهم‪00‬ا على أنهم‪00‬ا متغ‪00‬ايران‬
‫معنى وإن اتحدا محالً‪ ،‬فآل األمر إلى أنهما متغايران معنى وأفراداً باتفاق‪ ،‬فمعنى اإليمان‬
‫التصديق الباطني‪ ،‬وأفراده تصديقات كتصديق زيد وتصديق عمرو وتصديق بكر وهك‪00‬ذا‪،‬‬
‫ومعنى اإلسالم االنقياد وأفراده انقيادات كانقياد زي‪0‬د وانقي‪0‬اد عم‪0‬رو وانقي‪0‬اد بك‪0‬ر وهك‪0‬ذا‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وأما محلهما فهو واحد فكل محل ألحدهما محل لآلخر وبالعكس‬
‫مثال هذا الحج والصالة ‪ ##‬كذا الصيام فادر والزكاة‬ ‫‪-20‬‬
‫(قوله‪ :‬مثال ه‪00‬ذا ‪ ..‬إلخ) ه‪00‬ذا من ب‪00‬اب تنزي‪00‬ل الجزئي‪00‬ات على الكلي‪00‬ات‪ ،‬ول‪00‬ذا ع‪00‬بر‬
‫بالمثال الذي هو جزئي يذكر إليضاح القاعدة‪ ،3‬واسم‪ 0‬اإلشارة عائد على العمل الذي فس‪00‬ر‬
‫به اإلسالم وقد ترك المصنف أحد األركان الخمسة وهو النط‪00‬ق بالش‪0‬هادتين‪ ،‬وإنم‪0‬ا ترك‪00‬ه‬
‫لتقدم بيانه كما يفيده كالم الشارح‪ ،‬لكن قد يق‪0‬ال إن‪0‬ه س‪0‬بق من حيث مدخليت‪0‬ه في اإليم‪0‬ان‬
‫وهذا غير المراد هنا‪.‬‬
‫واعلم أن المدار في اإلسالم على اإلذعان‪ 4‬للمذكورات وهذا ظاهر في غير النطق‪،‬‬
‫وأما هو فال بد من حصوله‪ ،‬ثم هو يفي‪00‬د اإلذع‪00‬ان له‪ 5‬ولغ‪00‬يره ض‪00‬رورة أن ذلك‪ 6‬ال يخ‪00‬رج‬
‫عن اإلذعان برسالة سيدنا محمد صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬فبالجمل‪00‬ة كلم‪00‬ة الش‪00‬هادتين‬
‫تكفي عن نفسها وغيرها‪ ،‬فهي كالشاة في األربعين تزكي نفسها وغيرها‬

‫‪ 7‬أي وإن لم يؤخذ اإليم‪0‬ان‪ 0‬واإلس‪0‬الم المنجي‪00‬ان ب‪0‬ل أخ‪0‬ذ أعم من المنجي وغ‪0‬يره وليس‬
‫المراد أنه أخذ غير المنجي وإال فال يصح الكالم اآلتي‪.‬‬
‫‪ 1‬على قول من لم يجعل النطق شرطا ً وال شطراً وإال فال يوجد إيمان‪ 0‬بدون إسالم‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪ :‬وبالعكس‪ :‬ليس له محل هنا‪ .‬بعد قوله‪ :‬فكل محل ألحدهما محل لآلخر‪.‬‬
‫‪ 3‬األولى‪ :‬إليضاح الكلي‪ ،‬ألن الممثل له هنا هو العمل وه‪00‬و ليس بقاع‪00‬دة‪ ،‬ب‪00‬ل كلي كم‪00‬ا‬
‫أن القاعدة كلية‪.‬‬
‫‪ 4‬على اإلذعان ‪ ..‬إلخ" أي الظاهري وهو اإلقرار اللساني‪ 0‬بوجوب المذكورات‪.‬‬
‫‪ 5‬قوله‪" :‬هو يفيد اإلذعان ل‪00‬ه" أي لإلق‪00‬رار اللس‪00‬اني‪ 0‬بم‪00‬دلول الش‪00‬هادتين‪ :‬وه‪00‬و ثب‪00‬وت‬
‫الوحدانية هلل وثبوت الرسالة‪ 0‬المحمديةصلى‪ 0‬هللا عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫‪ 6‬قوله‪" :‬أن ذل‪0‬ك … إلخ" أي اإلذع‪0‬ان بغ‪0‬ير النط‪0‬ق بالش‪0‬هادتين‪ ،‬والم‪0‬راد أن النط‪0‬ق‬
‫بالشهادتين‪ 0‬يفيد اإلقرار بمدلولها ص‪00‬راحة ويفي‪00‬د اإلق‪00‬رار بغ‪00‬ير ذل‪00‬ك لزوم‪0‬اً‪ ،‬إذ من الزم اإلق‪00‬رار‬
‫بالرسالة اإلقرار بما جاء به الرسول صلى هللا عليه‪ 0‬وآله وسلم‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫(قوله‪ :‬الحج) قدم‪0‬ه لض‪0‬رورة النظم وإن ك‪0‬انت الص‪0‬الة أفض‪0‬ل من‪0‬ه‪ ،‬ف‪0‬إن بعض‪0‬هم‬
‫يُكفِر بتركها كسالً بعد أمر اإلم‪00‬ام‪ ،7‬ب‪00‬ل الص‪00‬يام أفض‪00‬ل من الحج على المعتم‪00‬د‪ ،‬وه‪00‬و لغ‪00‬ة‬
‫مطلق القصد‪ ،‬وشرعا ً قصد الكعبة للنسك المشتمل على الوقوف بعرف‪00‬ة‪ ،‬وق‪00‬د اختل‪00‬ف في‬
‫(وهَّلِل ِ َعلَى النَّا ِ‬
‫س ِح ُّج‬ ‫أي س‪00‬نة ف‪0‬رض؟ فقي‪00‬ل‪ :‬ف‪00‬رض قب‪00‬ل الهج‪00‬رة‪ .‬ون‪00‬زول قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫ت…‪ ).‬اآلي‪00‬ة (آل عم‪00‬ران‪ :‬من اآلية‪ )97‬بع‪00‬دها إنم‪00‬ا ه‪00‬و للتأكي‪00‬د؛ وقي‪00‬ل‪ :‬ف‪00‬رض بع‪00‬د‬ ‫ا ْلبَ ْي ِ‬
‫الهج‪0‬رة‪ ،‬وعلي‪0‬ه فقي‪00‬ل في الخامس‪0‬ة‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬في السادس‪00‬ة وص‪0‬ححه الش‪00‬افعية وقي‪0‬ل‪ :‬في‬
‫السابعة‪ ،‬وقيل‪ :‬في الثامنة‪ ،‬وقيل‪ :‬في التاسعة وصححه ابن الكمال‪،‬‬
‫وسئل الشبراملسي عن قول الش‪0‬خص لمن لم يحج‪ :‬ي‪0‬ا ح‪0‬اج فالن تعظيم‪0‬ا ً ل‪0‬ه ه‪0‬ل‬
‫يحرم أو يجوز؟ فأجاب بالتحريم‪ :‬ألن‪00‬ه ك‪00‬ذب‪ ،‬نعم إن قص‪00‬د المع‪00‬نى اللغ‪00‬وي ك‪00‬أن أراد‪ :‬ي‪00‬ا‬
‫قاصد التوجه إلى كذا جاز‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬والص‪00‬الة) هي لغ‪00‬ة ال‪00‬دعاء مطلق‪0‬اً‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬بخ‪00‬ير‪ ،‬وش‪00‬رعا ً أق‪00‬وال وأفع‪00‬ال‬
‫‪2‬‬
‫مفتتح‪00‬ة ب‪00‬التكبير مختتم‪00‬ة بالتس‪00‬ليم بش‪00‬رائط مخصوص‪00‬ة‪ ،‬وهي إم‪00‬ا م‪00‬أخوذة من الوصل‬
‫ألنها وصلة بين العبد وربه‪ ،‬وإم‪00‬ا م‪00‬أخوذة من “ ص‪00‬ليت الع‪00‬ود بالن‪00‬ار “ إذا قومت‪00‬ه به‪00‬ا‬
‫الص‪00‬الةَ تَ ْن َهى‬
‫َّ‬ ‫ألنها تقيم العبد على طاعة هللا تعالى وتنهاه عن خالفه‪ ،‬قال هللا تعالى‪( :‬إِنَّ‬
‫ش ‪0‬ا ِء َوا ْل ُم ْن َك‪ِ 0‬ر) (العنكب‪00‬وت‪ :‬من اآلية‪ )45‬وق‪00‬د روى أن ف‪00‬تى من األنص‪00‬ار ك‪00‬ان‬
‫ع َِن ا ْلفَ ْح َ‬
‫يص‪00‬لي الص‪00‬لوات الخمس م‪00‬ع رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم وال ي‪00‬دع ش‪00‬يئا ً من‬
‫الفواحش إال ارتكبه‪ ،‬فوصف لرسول هللا صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم فق‪00‬ال ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم‪(:‬إن صالته ستنهاه يوما ً ما) فلم يلبث أن تاب وحسنت توبت‪00‬ه‪ ،‬فق‪00‬ال ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم‪( :‬ألم أقل لكم‪ ،‬إن ص‪00‬الته س‪00‬نتهاه يوم‪0‬ا ً م‪00‬ا)‪ 3‬وق‪00‬ال بعض المفس‪00‬رين‪“ :‬‬
‫الصالة عرس الموحدين فإنه يجتمع فيها ألوان العبادة‪ ،‬كما أن العرس يجتمع فيه أل‪00‬وان‬
‫الطعام‪ ،‬فإذا صلى العبد ركعتين يقول هللا تعالى‪ “ :‬عبدي مع ض‪0‬عفك أتيت ب‪0‬ألوان العب‪00‬ادة‬
‫قيام‪00‬ا ً وركوع‪00‬ا ً وس‪00‬جوداً وق‪00‬راءة وتهليالً وتحمي‪00‬داً وتكب‪00‬يراً وس‪00‬الما فأن‪00‬ا م‪00‬ع جالل‪00‬تي‬
‫وعظمتي ال يجمل مني أن أمنعك جنة فيه‪00‬ا أل‪00‬وان النعيم‪ ،‬أوجبت ل‪00‬ك الجن‪00‬ة بنعيمه‪00‬ا كم‪00‬ا‬
‫عب‪00‬دتني ب‪00‬ألوان العب‪00‬ادة‪ ،‬وأكرم‪00‬ك برؤي‪00‬تي كم‪00‬ا عرفت‪00‬ني بالوحداني‪00‬ة‪ ،‬ف‪00‬إني لطي‪00‬ف أقب‪00‬ل‬
‫عذرك‪ ،‬وأقبل الخير منك برحمتي فأنا أجد من أعذبه من الكف‪00‬ار بالن‪00‬ار وأنت ال تج‪00‬د إله‪0‬ا ً‬

‫‪ 7‬قوله‪ :‬بعد أم‪0‬ر اإلم‪0‬ام‪ :‬ال وج‪0‬ه له‪0‬ذا القي‪0‬د‪ ،‬فإن‪0‬ه ال يج‪0‬ري على ق‪0‬ول من األق‪0‬وال في‬
‫المسألة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫قوله‪ :‬وهي إما مأخوذة من الوصل‪ :‬ال وجه لهذا بعد قول‪00‬ه‪ :‬هي لغ‪00‬ة ال‪00‬دعاء إلخ ألن‬
‫هذا صريح في أن الصالة بالمعنى الشرعي‪ 0‬مأخوذة من الصالة بمعنى الدعاء وقوله إما مأخوذة‬
‫من صليت العود بالنار‪ 0:‬يض‪00‬عفه أن الظ‪00‬اهر‪ 0‬أنه‪00‬ا منقول‪00‬ة من الص‪00‬الة بمع‪00‬نى ال‪00‬دعاء الش‪00‬تمالها‪0‬‬
‫عليه‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكره الزيلعي‪ 0‬في تخ‪00‬ريج األح‪0‬اديث‪ 0‬واآلث‪0‬ار‪ 0‬الواقع‪00‬ة في الكش‪00‬اف (‪ -3/64‬رقم ‪)954‬‬
‫وذكره البغوي في تفسيره (‪ )3/469‬والقرط‪00‬بي‪ 0‬في تفس‪00‬يره (‪ )3/230‬عن أنس بن مال‪00‬ك ب‪0‬دون‬
‫سند‪ ،‬وقريب منه ما أخرجه ابن حبان‪ 0‬في صحيحه في الصالة فصل في قي‪00‬ام اللي‪00‬ل رقم (‪)2560‬‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬قيل‪ :‬يا رسول هللا إن فالنا ً يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق‪ ،‬قال‪( :‬س‪00‬ينهاه‬
‫ما تقول)‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫غيري يغفر سيئاتك‪ ،‬عندي لك بكل ركعة قصر في الجنة وحوراء‪ ،‬وبكل سجدة نظرة إلى‬
‫وجهي “‬
‫واعلم أن الصالة فرضت قبل الهجرة بس‪00‬نة‪ ،‬واألرجح أن‪00‬ه لم يف‪00‬رض علي‪00‬ه ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وس‪00‬لم قبله‪00‬ا ص‪00‬الة‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬ك‪00‬ان ال‪00‬واجب قبله‪00‬ا ركع‪00‬تين بالغ‪00‬داة وركع‪00‬تين‬
‫بالعشي‪ ،‬ثم فرضت الصلوات الخمس ليلة اإلسراء‬
‫(قول‪0‬ه‪ :‬ك‪0‬ذا الص‪0‬يام) أي مث‪00‬ل م‪0‬ا ذك‪00‬ر من الحج والص‪00‬الة في كون‪00‬ه مث‪00‬االً للعم‪0‬ل‪:‬‬
‫الصيام‪ ،‬وهو –لغة‪ -‬اإلمس‪00‬اك ول‪00‬و عن نح‪00‬و الكالم‪ ،‬ومن‪00‬ه قول‪00‬ه تع‪00‬الى حكاي‪00‬ة عن م‪00‬ريم‬
‫ص ْوماً) (م‪00‬ريم‪ :‬من اآلية‪ ،)26‬وش‪00‬رعاً‪ :‬اإلمس‪00‬اك عن‬ ‫عليها السالم‪( :‬إِنِّي نَ َذ ْرتُ لِل َّر ْح َم ِن َ‬
‫المفط‪00‬ر جمي‪00‬ع النه‪00‬ار على وج‪00‬ه مخص‪00‬وص‪ ،‬وف‪00‬رض في ش‪00‬عبان في الس‪00‬نة الثاني‪00‬ة من‬
‫الهجرة‪ ،‬وهل كان قبله ص‪00‬وم واجب ونس‪00‬خ أوال؟ ق‪00‬والن‪ ،‬وعلى األول فقي‪00‬ل‪ :‬عاش‪00‬وراء‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ثالثة أيام من كل شهر‪ ،‬وقيل‪ :‬ثالثة أيام من كل شهر وعاشوراء‪.‬‬
‫واعلم أنه عليه الصالة والسالم صام تسع رمضانات ولم يكمل له إال س‪00‬نة واح‪00‬دة‬
‫على المعتمد وقال الدميري‪ :‬إال اثنتان‪ ،‬وقال غيره‪ :‬إال خمس‪.‬‬
‫(قوله‪ :‬فادر) أي اعلم‪ ،‬من الدراية‪ ،‬وهي العلم‪ ،‬والمخاطب بذلك كل من من يت‪0‬أتى‬
‫منه الدراية والعلم‪.‬‬
‫(قوله‪ :‬والزكاة) هي اس‪00‬م مص‪00‬در بمع‪00‬نى التزكي‪00‬ة؛ وهي لغ‪00‬ة‪ :‬التطه‪00‬ير‪ ،‬والم‪00‬دح‪،‬‬
‫والنماء‪ ،‬وشرعا ً‪ :‬إخراج جزء من المال على وجه مخصوص؛ هذا إذا كانت بمعنى الفعل‬
‫كما هنا‪ ،‬وإن كانت بمعنى القدر المخ‪00‬رج قلت‪ :‬هي اس‪00‬م لم‪00‬ال مخص‪00‬وص يؤخ‪00‬ذ من م‪00‬ال‬
‫مخصوص على وجه مخصوص يصرف لطائفة مخصوص‪00‬ة؛ وفرض‪00‬ت في الس‪00‬نة الثاني‪00‬ة‬
‫من الهجرة بعد زكاة الفطر‪ ،‬وقيل‪ :‬في غيرها‪ ،‬فقيل‪ :‬في الرابعة‪ ،‬وقيل‪ :‬قبل الهجرة‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ { -49‬هل يزيد اإليمان وينقص }‬
‫و ُر ِّج َحتْ زيادة اإليمان ‪ ##‬بما تزيد طاعة اإلنسان‬ ‫‪-21‬‬
‫ونقصه بنقصها وقيل‪ :‬ال ‪ ##‬وقيل الخلف كذا قد نقال‬ ‫‪-22‬‬
‫(قوله ورجحت زيادة اإليمان … إلخ) تقدم أن العم‪0‬ل من كم‪0‬ال اإليم‪0‬ان عن‪0‬د أه‪0‬ل‬
‫السنة‪ ،‬وقد ذكر المصنف هنا أنه يزي‪00‬د بزيادت‪00‬ه وينقص بنقص‪00‬ه فق‪00‬ال‪ “ :‬ورجحت زي‪00‬ادة‬
‫اإليم‪00‬ان “ ‪ ..‬إلخ أي ورجح جماع‪00‬ة من العلم‪00‬اء وهم جمه‪00‬ور األش‪00‬اعرة الق‪00‬ول بزي‪00‬ادة‬
‫اإليمان‪ ،‬ألنه ال معنى لترجيح زيادة اإليمان إال ترجيح‪ 1‬القول بها‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫“ بما تزيد طاعة اإلنسان “ أي بسبب زيادة طاعة اإلنسان‪ ،‬فالب‪00‬اء س‪00‬ببية‪ ،‬و “‬
‫ما “ مصدرية‪ ،‬والطاعة فعل المأمور به واجتناب المنهي عنه‪.‬‬
‫وقوله‪ “ :‬ونقصه بنقصها “ أي ورجح الجماعة المتقدمون القول بنقص اإليمان‬
‫بسبب نقص الطاعة‪ ،‬وهذا بالنظر للشأن‪ ،2‬وإال فقد يزيد المولى وينقصه بمحض اختياره‬
‫من غير سبب يقتضيه‪ ،‬وإذا قلنا بأن اإليمان يزيد وينقص‪ ،‬فمحله في غير إيمان األنبي‪00‬اء‬
‫والمالئكة‪ ،‬وأم‪00‬ا إيم‪00‬ان األنبي‪00‬اء فيزي‪00‬د‪ ،‬ألن الكام‪00‬ل يقب‪00‬ل الكم‪00‬ال وال ينقص‪ ،‬لكن ي‪00‬رد أن‬
‫األنبياء يحصل لهم تجل عظيم في بعض األحيان كم‪00‬ا ك‪00‬ان ليل‪00‬ة المع‪00‬راج‪ ،‬فاإليم‪00‬ان بع‪00‬ده‬
‫ليس بمنزلته قبله‪ ،‬ويج‪0‬اب ب‪0‬أن ه‪0‬ذا ال يس‪0‬تلزم تفاوت‪0‬ا ً في إيم‪0‬انهم‪ ،3‬ومم‪0‬ا يش‪0‬ير إلى أن‬
‫‪ 1‬ألن الزيادة نفسها إما موجودة أو غير موجودة وال يقال إنها راجحة أو غير راجحة‪.‬‬
‫‪ 2‬أي من شأنه أن يكون كذلك‪ ،‬والعادة أنه يكون كذلك ال على سبيل اللزوم واالطراد‪.‬‬
‫‪ 3‬أي إيمانهم وقت التجلي‪ 0‬وبعده بأن ينقص بعده عما كان عليه وقته بل هو ب‪00‬اق بع‪00‬ده‬
‫على ما وصل إليه وقت التجلي‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫(ولَ ِكنْ لِيَ ْط َمئِنَّ قَ ْلبِي)‬‫إيم‪00‬ان األنبي‪00‬اء يزي‪00‬د ق‪00‬ول س‪00‬يدنا إب‪00‬راهيم علي‪00‬ه الص‪00‬الة والس‪00‬الم َ‬
‫(البقرة‪ :‬من اآلية‪ )260‬وفي مفاتيح الخزائن العلمية لسيدي علي وفا معنى قول‪0‬ه تع‪0‬الى‪:‬‬
‫(أَ َولَ ْم تُ‪00‬ؤْ ِمنْ ) (البق‪00‬رة‪ :‬من اآلية‪ )260‬أولم يكف‪00‬ك إيمان‪00‬ك (قَ‪00‬ا َل بَلَى َولَ ِكنْ لِيَ ْط َمئِنَّ قَ ْلبِي)‬
‫(البقرة‪ :‬من اآلية‪ )260‬من قلقه لرؤية الكيفية‪.‬‬
‫ومعنى ما ورد في الصحيح “ نحن أحق بالشك من إبراهيم “ ‪ :1‬إنه لو لحقه ش‪00‬ك‬
‫لتطرق لنا باألولى نظراً لحال األمة ال لحاله صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬أو نظ‪00‬راً لحال‪00‬ه‪،‬‬
‫ويكون تواضعا ً‪.2‬‬
‫وأما إيم‪00‬ان المالئك‪00‬ة فال يزي‪00‬د وال ينقص كم‪00‬ا ذك‪00‬ره المص‪00‬نف في كب‪00‬يره عن ابن‬
‫القيم‪ ،‬وه‪00‬و المش‪00‬هور‪ ،‬ألن إيم‪00‬انهم جبلي بأص‪00‬ل الطبيع‪00‬ة‪ ،‬وم‪00‬ا ك‪00‬ان بأص‪00‬ل الطبيع‪00‬ة ال‬
‫يتفاوت‪ ،‬وذك‪0‬ر الش‪00‬يخ عب‪00‬د ال‪0‬بر األجه‪0‬وري أن إيم‪00‬ان المالئك‪0‬ة يزي‪00‬د وال ينقص‪ ،‬فجعل‪0‬ه‬
‫كإيمان األنبياء‪،‬‬
‫فتلخص أن األقسام ثالثة‪ :‬يزيد وينقص‪ :‬وهو إيم‪00‬ان األم‪00‬ة إنس‪0‬ا ً وجن‪0‬اً‪ ،‬وال يزي‪00‬د‬
‫وال ينقص هو إيمان المالئكة على المشهور‪ ،‬ويزيد وال ينقص وهو إيمان األنبي‪00‬اء‪ ،‬وزاد‬
‫بعضهم قسما ً رابعاً‪ :‬وهو الذي ينقص وال يزيد وهو إيمان الفساق‪.3‬‬
‫(وقد احتجوا على أن اإليمان يزيد وينقص بحجة عقلية ونقلية‪،‬‬
‫أما العقلية فهي‪ :‬أنه لو لم تتف‪00‬اوت حقيق‪00‬ة اإليم‪00‬ان بالزي‪00‬ادة والنقص لك‪00‬ان إيم‪00‬ان‬
‫آح‪00‬اد األم‪00‬ة ب‪00‬ل المنهمكين على الفس‪00‬ق والمعاص‪00‬ي مس‪00‬اويا ً إليم‪00‬ان األنبي‪00‬اء والمالئك‪00‬ة‪،‬‬
‫والالزم وهو المساواة باطل‪ ،‬فكذا الملزوم الذي هو عدم التفاوت بالزيادة والنقص‪.‬‬
‫(وإِ َذا‬
‫وأما النقلية فهي النصوص الكثيرة الواردة في ه‪00‬ذا المع‪00‬نى‪ ،‬كقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫تُلِيَتْ َعلَ ْي ِه ْم آيَاتُ‪00‬هُ زَا َد ْت ُه ْم إِي َمان‪00‬اً) (األنف‪00‬ال‪ :‬من اآلية‪ )2‬وكقول‪00‬ه‪( :‬لِيَ ْ‬
‫‪00‬زدَادُوا إِي َمان‪00‬ا ً َم‪َ 00‬ع‬
‫إِي َمانِ ِه ْم) (الفتح‪ :‬من اآلية‪ )4‬وقوله‪َ ( :‬ويَ ْزدَا َد الَّ ِذينَ آ َمنُ‪00‬وا إِي َمان‪0‬اً) (الم‪00‬دثر‪ :‬من اآلية‪)31‬‬
‫وقوله‪( :‬فَأ َ َّما الَّ ِذينَ آ َمنُوا فَزَا َد ْت ُه ْم إِي َماناً) (التوب‪00‬ة‪ :‬من اآلية‪ )124‬وكقول‪00‬ه علي‪00‬ه الص‪00‬الة‬
‫والسالم البن عمر لما سأله‪ :‬اإليمان يزيد وينقص؟ قال‪ “ :‬نعم يزيد ح‪00‬تى ي‪00‬دخل ص‪00‬احبه‬
‫الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار)‪ 4‬وقوله علي‪00‬ه الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪( :‬ل‪00‬و وزن إيم‪00‬ان‬

‫‪ 1‬أخرجه البخاري (‪ )3372‬ومسلم (‪ )151‬من حديث أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه‪.‬‬
‫‪ 2‬ليس المقام بمقام التواضع‪ 0،‬نعم ال يبعد أن يكون قال ذلك قب‪00‬ل أن يعلم أن‪00‬ه أفض‪00‬ل من‬
‫إبراهيم عليهما‪ 0‬الصالة والسالم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ 3‬ال وجه لهذا القول فإن إيمان الفاسق قد يزيد رويدا روي‪00‬دا ح‪00‬تى يخرج‪00‬ه عن الفس‪00‬ق‬
‫إلى العدالة‪.‬‬
‫‪ 4‬ق‪00‬ال ابن القيم في "المن‪00‬ار الم‪00‬نيف ص‪ :119‬ك‪00‬ل ح‪00‬ديث في‪00‬ه أن اإليم‪00‬ان ال يزي‪00‬د وال‬
‫ينقص‪ ،‬كذب مختلق‪ ،‬وقابل من وضعها طائفة أخرى‪ ،‬فوضعوا أحاديث على رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وآله وس‪0‬لم‪ :‬أن‪0‬ه ق‪0‬ال‪ :‬اإليم‪0‬ان‪ 0:‬يزي‪0‬د وينقص‪ 0،‬وه‪0‬ذا –أي أن اإليم‪0‬ان‪ 0‬يزي‪0‬د وينقص‪ -‬كالم‬
‫صحيح‪ ،‬وهو إجماع السلف حكاه الشافعي وغيره‪ ،‬ولكن هذا اللف‪00‬ظ ك‪00‬ذب على رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى‬
‫هللا علي‪0‬ه‪ 0‬وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪ .‬انتهى‪ ،‬وأخ‪00‬رج ابن ماج‪0‬ه في مقدم‪0‬ة الس‪0‬نن‪ 0:‬رقم (‪ )75‬عن أبي هري‪0‬رة‬
‫وابن عباس وأبي الدرداء رضي هللا عنه قولهم‪ :‬اإليمان‪ 0‬يزيد وينقص‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫أبي بكر بإيمان هذه األمة لرجح به)‪ 1‬وهذا الحديث ‪ ..‬كاآليات الس‪00‬ابقة ‪ ..‬ال ي‪00‬دل على أن‪00‬ه‬
‫ينقص فيضم إلى ذلك “ وكل ما يقبل الزيادة يقبل النقص “ فيتم الدليل‪ ،‬وأورد على هذه‬
‫الضميمة إيمان األنبياء‪ ،‬وأجيب بأنه خرج لوجوب العصمة الدائمة المانعة من نقصه‪.2‬‬
‫(قوله وقيل‪ :‬ال) أي‪ :‬وق‪00‬ال جماع‪00‬ة أعظمهم اإلم‪00‬ام أب‪00‬و حنيف‪00‬ة‪ -‬وه‪00‬و النعم‪00‬ان بن‬
‫ثابت‪ :-‬ال يزيد وال ينقض‪ ،‬ألن‪00‬ه اس‪00‬م للتص‪00‬ديق الب‪00‬الغ نهاي‪00‬ة الج‪00‬زم واإلذع‪00‬ان‪ ،3‬وه‪00‬ذا ال‬
‫يتصور فيه ما ذكر‪ ،‬ألن تلك النهاية ال مراتب لها‪ ،‬وبحث فيه بأن التص‪0‬ديق م‪0‬راتب‪ ،‬ف‪0‬إن‬
‫تصديق المقلد ليس كتص‪00‬ديق الع‪00‬ارف بال‪00‬دليل‪ ،‬وه‪00‬و ليس كتص‪00‬ديق الم‪00‬راقِب وه‪00‬و ليس‬
‫كتصديق المشا ِهد‪ ،‬وهو ليس كتصديق المستغ ِرق‪ ،‬الذي ال يشاهد إال هللا‪.‬‬
‫وتأول هؤالء الجماعات اآليات السابقة بأن الزي‪0‬ادة إنم‪00‬ا هي في الم‪0‬ؤمن ب‪0‬ه‪ ،‬ألن‬
‫الصحابة كانوا آمنوا بما أنزل على النبي صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم وك‪00‬انت الش‪00‬ريعة لم‬
‫تتم‪ ،‬وكانت األحكام‪ 0‬تنزل شيئا ً فشيئاً‪ ،‬فكانوا يؤمن‪00‬ون بك‪00‬ل م‪00‬ا يتج‪00‬دد‪ ،‬وت‪00‬أولوا األح‪00‬اديث‬
‫السابقة بأن الزيادة والنقص يرجع كل منهما إلى األعمال ال التصديق‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون النفي في كالم المصنف راجعا ً إلى أق‪00‬رب م‪00‬ذكور وه‪00‬و قول‪00‬ه‪“ :‬‬
‫ونقصه بنقصها “ فكأنه قال‪ :‬وقيل ال ينقص‪ :‬فيكون مراده به‪00‬ذا القي‪00‬ل أن اإليم‪00‬ان يزي‪00‬د‬
‫وال ينقص‪ ،‬كما ذهب إليه الخطابي حيث قال‪ :‬اإليمان الكامل ثالثة أم‪00‬ور‪ :‬ق‪00‬ول ‪ ..‬وه‪00‬و ال‬
‫يزيد وال ينقص‪ ،‬وعمل ‪ ..‬وهو يزيد وينقص‪ ،‬واعتقاد ‪ ..‬وهو يزيد وال ينقص‪ ،‬فإن نقص‬
‫‪4‬‬
‫ذهب‬
‫(قوله وقيل‪ :‬ال خلف) اس‪00‬تئناف ال عط‪00‬ف كم‪00‬ا قال‪00‬ه المص‪00‬نف‪ ،‬ويحتم‪00‬ل أن يك‪00‬ون‬
‫معطوفا ً على مقدر مفهوم‪ 0‬من السياق‪ ،‬والتقدير‪ :‬قد اش‪00‬تهر أن بين الق‪00‬وم خالف‪0‬ا ً حقيقي‪0‬اً‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ال خلف‪ :5‬أي وقال جماعة منهم الفخر ال‪00‬رازي وإم‪00‬ام الح‪00‬رمين‪ :‬ليس الخالف بين‬
‫الف‪00‬ريقين حقيقي ‪0‬ا ً ب‪00‬ل لفظي ‪0‬اً‪ ،‬ونفي الخالف على اإلطالق ال يص‪00‬ح‪ ،‬ووج‪00‬ه ك‪00‬ون الخالف‬
‫لفظيا ً‪ :‬أن القول بأنه يزيد وينقص محمول على ما به كماله وهو األعمال‪ ،‬والقول بأنه ال‬
‫يزي‪00‬د وال ينقص محم‪00‬ول على أص‪00‬له وه‪00‬و التص‪00‬ديق الب‪00‬اطني‪ ،‬وقول‪00‬ه‪ “ :‬ك‪00‬ذا ق‪00‬د نقال “‬
‫راجع للقيل األخير ال لجميع ما سبق‪ ،‬وأشار بذلك إلى التبري من عهدة صحة هذا القي‪00‬ل‪،‬‬

‫‪ 1‬أخرجه البيهقي في ش‪0‬عب اإليم‪0‬ان (‪ )36‬من ق‪0‬ول عم‪0‬ر بس‪0‬ند ص‪0‬حيح‪ ،‬وأخرج‪0‬ه ابن‬
‫عدي في الكامل (‪ )5/359‬وفي سنده عيسى بن عبد هللا ضعيف‪ ،‬وله ش‪00‬اهد في الس‪00‬نن‪ 0‬عن أبي‬
‫بكرة مرفوعاً‪ :‬أن رجالً قال‪ :‬يا رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬رأيت‪ 0‬كأن ميزان ‪0‬ا ً ن‪00‬زل من‬
‫السماء ف‪00‬وزنت أنت وأب‪00‬و بك‪00‬ر ف‪00‬رجحت أنت‪ ،‬ثم وزن أب‪00‬و بك‪00‬ر بمن بقي ف‪00‬رجح‪ .‬الح‪00‬ديث انظ‪00‬ر‬
‫كشف الخفاء (‪.)3/165‬‬
‫‪ 2‬فيه أن العصة إنما هي عن ال‪00‬ذنوب‪ ،‬والنقص ق‪00‬د يك‪00‬ون بغ‪00‬ير ال‪00‬ذنوب كقل‪00‬ة العب‪00‬ادة‪،‬‬
‫فاألولى في الجواب إن إيمانهم قابل للنقص‪ 0‬كإيمان‪ 0‬آحاد األمة‪ ،‬إال أن هللا تعالى‪ 0‬قد أك‪00‬رمهم بع‪00‬دم‬
‫النقص‪ 0،‬كما هو الحال في كثير من صلحاء‪ 0‬األمة‪.‬‬
‫‪ 3‬قول‪00‬ه‪" :‬ألن‪00‬ه اس‪00‬م ‪ ..‬إلخ" ه‪00‬ذا يقتض‪00‬ي أن اإليم‪00‬ان ن‪00‬وع من الج‪00‬زم وه‪00‬و أعاله‪،‬‬
‫والصحيح أنه التصديق التابع للجزم‪ ،‬أي قبول النفس ورضاها بعد الجزم‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 4‬نعم هذا صحيح إن نقص عن األصل وأما إن نقص عن الزيادة فال‪.‬‬
‫‪ 5‬ولو قيل أنه عط‪00‬ف بحس‪00‬ب المع‪00‬نى لك‪00‬ان أولى ألن الكالم على العط‪00‬ف‪ ،‬وألن األص‪00‬ل‬
‫عدم التقدير‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫ألن األصح أن التصديق القلبي يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح األدلة وع‪00‬دمهما‪ ،‬وق‪00‬د‬
‫يزيد أيضا ً بمحض التجلي كما سبق‪ ،‬ولهذا كان إيمان الصديقين أقوى من إيم‪00‬ان غ‪00‬يرهم‬
‫بحيث ال تعتري‪00‬ه الش‪00‬به‪ ،‬على أن ه‪00‬ذا القي‪00‬ل خالف المع‪00‬روف بين الق‪00‬وم من أن الخالف‬
‫حقيقي‪ ،‬فتحصل أن المعتمد أن اإليمان ه‪00‬و التص‪00‬ديق فق‪00‬ط‪ ،‬وأن النط‪00‬ق ش‪0‬رط في إج‪00‬راء‬
‫األحك‪00‬ام‪ 0‬الدنيوي‪00‬ة‪ ،‬وأن اإليم‪00‬ان يزي‪00‬د وينقص كم‪00‬ا ه‪00‬و التحقي‪00‬ق؛ فاس‪00‬تفده‪ ،‬وهللا ولي‬
‫التوفيق‪.‬‬

‫‪ { -50‬القسم الثاني من مباحث الفن اإللهيات }‬


‫فواجب له الوجود والقدم ‪ ##‬كذا بقاء ال يُشاب بالعد ْم‬ ‫‪-23‬‬
‫(قوله فواجب له … إلخ) أي إذا أردت معرفة ما يجب له تعالى فأقول ل‪00‬ك‪ :‬واجب‬
‫ل‪00‬ه ‪ ..‬إلخ‪ ،‬فالف‪00‬اء ف‪00‬اء الفص‪00‬يحة‪ ،‬والض‪00‬مير المج‪00‬رور عائ‪00‬د علي‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬وق‪00‬د انقس‪00‬مت‬
‫مباحث هذا الفن ثالثة أقسام‪ :‬إلهيات‪ ،‬وهي المس‪00‬ائل المبح‪00‬وث فيه‪00‬ا عم‪00‬ا يتعل‪00‬ق باإلل‪00‬ه‪،‬‬
‫ونبويات‪ :‬وهي المسائل التي يبحث فيها عما يتعلق باألنبي‪00‬اء‪ ،‬وس‪00‬معيات‪ :‬وهي المس‪00‬ائل‬
‫ال‪00‬تي ال يُتَلَقَّى أحكا ُمه‪00‬ا إال من الس‪00‬مع‪ 1‬وق‪00‬د ش‪00‬رع في تفص‪00‬يل ذل‪00‬ك مق‪00‬دما ً اإللهي‪00‬ات على‬
‫غيرها لتعلقها بالحق تعالى‪ ،‬وما يتعلق به مقدم على غيره‪ ،‬وبدأ بالواجب لش‪0‬رفه‪ ،‬وإنم‪0‬ا‬
‫قدم منه الوجود ألنه كاألصل وما عداه ك‪00‬الفرع‪ ،2‬ألن الحكم‪ 0‬بوج‪00‬وب الواجب‪00‬ات ل‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫واستحالة المستحيالت عليه تعالى‪ ،‬وجواز ما يجوز في حقه تعالى ال يتعقل إال بعد الحكم‬
‫بوجوب الوجود له تعالى‪.‬‬
‫ثم إن المص‪00‬نف ق‪00‬دم الخ‪00‬بر لالهتم‪00‬ام‪ ،‬ألن المقص‪00‬ود الحكم ب‪00‬الوجوب‪ ،‬وق‪00‬د يق‪00‬ال‪:‬‬
‫الظاهر إع‪00‬راب “ واجب “ مبت‪00‬دأ‪ ،‬وس‪00‬وغ االبت‪00‬داء ب‪00‬ه م‪0‬ع كون‪00‬ه نك‪00‬رة عمل‪00‬ه في الج‪00‬ار‬
‫والمجرور‪ ،‬والوجود وما بعده خبر‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬ال‪00‬واجب المتق‪00‬دم‪ 0‬ذك‪00‬ره ه‪00‬و الوج‪00‬ود وم‪00‬ا‬
‫عطف عليه‪.‬‬
‫‪ { -51‬الصفة النفسية هلل تعالى‪ ،‬وهي الوجود }‬
‫‪ 1‬وأما غير هذه األقسام الثالثة مم‪00‬ا تق‪00‬دم في ه‪00‬ذه المنظوم‪00‬ة فمن التواب‪00‬ع له‪00‬ذا الفن‪،‬‬
‫وقد جعلها المصنف مقدمة له‪.‬‬
‫‪ 2‬إنما قال‪ :‬كاألصل ألن الوج‪00‬ود ل‪00‬و ك‪00‬ان أص‪0‬الً حقيق‪0‬ة لل‪00‬زم ح‪00‬دوث بقي‪00‬ة الص‪0‬فات‪ 0‬ألن‬
‫األصل يتقدم على الفرع‪ 0،‬أفاده الزبيدي في شرح اإلحياء‪.)3/88( 0‬‬
‫‪93‬‬
‫ومعنى كونه تعالى واجب الوجود‪ :‬أنه ال يجوز عليه العدم‪ ،‬فال يقب‪00‬ل الع‪00‬دم ال أزالً‬
‫وال أبداً‪ ،‬والدليل على وجوب الوجود له تعالى أن تقول‪ :‬هللا يجب افتقار العالم إليه‪ ،‬وك‪00‬ل‬
‫من وجب افتقار العالم إليه فهو واجب الوجود‪ ،‬ينتج‪ :‬هللا واجب الوجود‪ ،‬دليل الص‪00‬غرى‪:‬‬
‫ما تقدم من أن العالم حادث وكل حادث يجب افتقاره إلى محدث‪ ،‬ودلي‪0‬ل الك‪0‬برى‪ :1‬أن‪0‬ه ل‪0‬و‬
‫لم يكن‪ 2‬واجب الوجود لكان جائزه فيفتقر إلى محدث ويفتقر محدثه إلى محدث‪ ،‬فإن رجع‬
‫األمر إلى األول مباشرة أو بواسطة فالدور‪ ،‬ألنه دار األمر ورجع إلى مبدئه‪ ،‬وإن تت‪00‬ابعت‬
‫المحدثون واحداً بعد واحد إلى ما ال نهاية له فالتسلسل؛ ألنه تسلسل األم‪00‬ر وتت‪00‬ابع‪ ،‬وك‪00‬ل‬
‫من الدور والتسلسل محال‪ ،‬فما أدى إلي‪00‬ه وه‪00‬و افتق‪00‬اره إلى مح‪00‬دث مح‪00‬ال‪ ،‬فم‪00‬ا أدى إلي‪00‬ه‬
‫وهو كونه ليس واجب الوجود محال‪ ،‬وإذا اس‪00‬تحال كون‪00‬ه ليس واجب الوج‪00‬ود ثبت كون‪00‬ه‬
‫واجب الوجود وهو المطلوب‪،‬‬
‫‪ { -52‬حقيقة الدور والتسلسل وبيان استحالتهما }‬
‫وحقيقة‪ 0‬الدور توقف الش‪00‬يء على م‪00‬ا توق‪00‬ف علي‪00‬ه إم‪00‬ا بمرتب‪00‬ة أو أك‪00‬ثر‪ ،‬وحقيق‪0‬ة‪0‬‬
‫التسلسل ترتب أمور غير متناهية‪،‬‬
‫وإنما كان الدور مستحيالً ألنه يلزم علي‪00‬ه ك‪00‬ون الش‪00‬يء الواح‪00‬د س‪00‬ابقا ً على نفس‪00‬ه‬
‫مسبوقا ً بها‪ ،‬فإذا فرضنا أن زيداً أوجد عمراً وأن عم‪00‬راً أوج‪00‬د زي‪00‬داً‪ ،‬ل‪00‬زم أن زي‪00‬داً متق‪00‬دم‬
‫على نفسه متأخر عنها‪ ،‬وأن عمراً كذلك‪،3‬‬
‫وإنم‪00‬ا ك‪00‬ان التسلس‪00‬ل مس‪00‬تحيالً ألدل‪00‬ة أقامه‪00‬ا المتكلم‪00‬ون أجله‪00‬ا بره‪00‬ان التط‪00‬بيق‪،‬‬
‫وتقري‪00‬ره أن‪00‬ك ل‪00‬و فرض‪00‬ت سلس‪00‬لتين‪ ،4‬وجعلت إح‪00‬داهما من اآلن إلى م‪00‬ا ال نهاي‪00‬ة ل‪00‬ه‪،‬‬
‫واألخرى من الطوفان إلى م‪00‬ا ال نهاي‪00‬ة ل‪00‬ه‪ ،‬وطبقت بينهم‪00‬ا ب‪00‬أن ق‪00‬ابلت بين أفرادهم‪00‬ا من‬
‫‪ 1‬قوله‪" :‬ودليل الكبرى ‪ ..‬إلخ" ما جع‪00‬ل دليالً على الك‪00‬برى يص‪00‬ح أن يك‪00‬ون دليالً على‬
‫وجوب الوجود له تعالى‪ 0،‬ويكون مغنياً‪ 0‬عن القياس‪ 0‬بأن‪ 0‬يقال‪ :‬لو لم يجب الوجود له تع‪00‬الى لك‪00‬ان‬
‫جائزه‪ ..‬إلى آخر ما في المحشي‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪" :‬أنه لو لم يكن … إلخ" الضمير فيه راجع إلى كل من وجب افتقار العالم إليه‬
‫ال إلى هللا تعالى بخصوصه‪.‬‬
‫‪ 3‬وحاصل هذا الدليل‪ :‬أن صريح العقل يجزم بأن ما لم يوجد لم يؤثر‪ ،‬فل‪00‬و أث‪00‬ر الش‪00‬يء‬
‫في مؤثره يلزم تقدمه على مؤثره المتقدم عليه‪ 0،‬وهو محال‪ ،‬وقد استدلوا على كون الدور محاالً‬
‫بدليل آخر‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫أن نسبة العلة إلى المعلول بالوجوب‪ ،‬ونسبة المعلول إلى العلة باإلمك‪00‬ان‪ 0،‬أي إن العل‪00‬ة‬
‫المؤثرة في الوج‪0‬ود الب‪00‬د ان تك‪0‬ون واجب‪0‬ة الوج‪0‬ود والمعل‪00‬ول الب‪0‬د ان يك‪0‬ون ج‪0‬ائز‪ 0‬الوج‪00‬ود‪ ،‬فال‬
‫يجتمع‪00‬ان في الش‪00‬يء بالنس‪00‬بة‪ 0‬إلى أم‪00‬ر معين‪ ،‬فض ‪0‬الً عن اجتماعهم‪00‬ا في الش‪00‬يء بالنس‪00‬بة‪ 0‬إلى‬
‫نفسه‪.‬انظر إشارات‪ 0‬المرام (‪)86‬‬
‫‪ { -53‬تقرير برهان التطبيق وإيراد دالئل أخرى على بطالن‪ 0‬التسلسل }‬
‫‪ 4‬قوله‪ :‬وتقريره أنك لو فرضت سلسلتين ‪ ..‬إلخ تفصيل برهان التط‪00‬بيق هك‪00‬ذا ل‪00‬و ك‪00‬ان‬
‫التسلسل جائزاً لج‪0‬از‪ 0‬ف‪0‬رض سالس‪0‬ل كث‪0‬يرة حادث‪0‬ة وقي‪0‬دنا بالحادث‪0‬ة ألن التسلس‪0‬ل إنم‪0‬ا يل‪0‬زم إذا‬
‫فرضنا ع‪00‬دم انته‪00‬اء سلس‪0‬لة‪ 0‬المح‪00‬دثات إلى ق‪0‬ديم‪ ،‬ول‪0‬و ج‪00‬از ف‪00‬رض سالس‪00‬ل كث‪00‬يرة لج‪0‬از‪ 0‬ف‪0‬رض‬
‫سلسلتين‪ 0‬كالتالي‪0:‬‬
‫‪94‬‬
‫أولهما‪ ،1‬فكلما طرحت من اآلنية واحداً طرحت في مقابلت‪00‬ه من الطوفاني‪00‬ة واح‪00‬داً وهك‪00‬ذا‪،‬‬
‫فال يخلو‪ :‬إما أن يفرغا معا ً فيكون ك‪00‬ل منهم‪00‬ا م‪0‬ا ل‪00‬ه نهاي‪0‬ة وه‪00‬و خالف الف‪00‬رض‪ ،‬وإن لم‬
‫يفرغا لزم مساواة الناقص للكام‪0‬ل وه‪0‬و باط‪00‬ل‪ ،‬وإن ف‪0‬رغت الطوفاني‪00‬ة دون اآلني‪00‬ة ك‪0‬انت‬
‫الطوفانية متناهية واآلنية أيضا ً كذلك‪ ،‬ألنها إنما زادت على الطوفانية بقدر متناه وهو ما‬
‫من الطوفان إلى اآلن‪ ،‬ومن المعلوم أن الزائد على شيء متناه بقدر متناه يك‪00‬ون متناهي ‪0‬ا ً‬
‫بالضرورة‪ ،‬ويتعلق به مباحث تطلب من المطوالت‬

‫وه‪00‬و أن ت‪00‬أتي سلس‪00‬لتان من األزل متواليت‪00‬ان مع ‪0‬ا ً –أي متق‪00‬ابلتي‪ 0‬الحلق‪00‬ات‪ -‬ثم تنتهي‬
‫إحداهما قبل ألف سنة مثالً وتنقط‪00‬ع عن االس‪00‬تمرار‪ ،‬وتس‪00‬تمر األخ‪00‬رى إلى اآلن‪ ،‬فالسلس‪00‬لتان ال‬
‫يخلوان إذا طبقنا بينهما –أي قابلنا حلق‪0‬ات‪ 0‬ك‪0‬ل منهم‪0‬ا ب‪0‬األخرى من ه‪0‬ذا الج‪0‬انب‪– 0‬من أن يوج‪0‬د‬
‫إزاء كل حلقة من إحداهما حلقة في األخرى بأن ال توجد في السلسلة الزائ‪00‬دة حلق‪00‬ة ال يوج‪00‬د م‪00‬ا‬
‫يقابلها‪ 0‬في الناقصة‪ ،‬بل يوجد في الناقصة‪ 0‬من الحلقات ما يقابل كل حلقات‪ 0‬الزائدة فيلزم مس‪00‬اواة‬
‫الناقص للزائد‪ ،‬وهو محال ألنه يلزم أن ال يكون الزائد زائداً وال الناقص ناقصاً‪ ،‬وه‪00‬و جم‪00‬ع بين‬
‫النقيضين‪.‬‬
‫أوال يوجد في الناقصة من الحلقات ما يقابل كل حلقات‪ 0‬الزائ‪00‬دة كم‪00‬ا ه‪00‬و ش‪00‬أن الن‪00‬اقص‬
‫والزائد‪ ،‬والزائدة زائ‪00‬دة على الناقص‪00‬ة بمق‪00‬دار مح‪0‬دود وه‪0‬و المق‪00‬دار ال‪00‬ذي اس‪00‬تمر بع‪00‬د انقض‪00‬اء‬
‫الناقص‪00‬ة‪ 0‬من‪00‬ذ أل‪00‬ف س‪00‬نة مثالً ولنفرض‪00‬ه أل‪00‬ف حلق‪00‬ة فتك‪00‬ون هي أيض‪00‬اً‪ 0‬متناهي‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬و خالف‬
‫المفروض ألن المفروض استمرارها في جانب الماضي ال إلى نهاية فيلزم الجمع بين النقيض‪00‬ين‬
‫وهو تناهي غير المتناهي‪.‬‬
‫فجواز التسلسل مستلزم لجواز المحال الذي هو إما مس‪00‬اواة الن‪00‬اقص‪ 0‬للزائ‪00‬د أو تن‪00‬اهي‬
‫غ‪00‬ير المتن‪00‬اهي‪ ،‬وك‪00‬ل م‪00‬ا ه‪00‬و مس‪00‬تلزم لج‪00‬واز المح‪00‬ال مح‪00‬ال‪ ،‬ه‪00‬ذا ولن‪00‬ا أن نس‪00‬تدل على امتن‪00‬اع‬
‫التسلسل بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬وهو أن التسلس‪0‬ل‪ 0‬إنم‪00‬ا يف‪00‬رض في الممكن‪00‬ات والح‪00‬وادث‪ ،‬وذل‪0‬ك لع‪00‬دم انتهائه‪00‬ا إلى‬
‫واجب الوجود‪ ،‬ف‪00‬إن الح‪00‬وادث عن‪00‬د م‪00‬ا تنتهي إلى واجب الوج‪00‬ود تنقض‪00‬ي السلس‪00‬لة‪ 0‬ف‪00‬إذن مع‪00‬نى‬
‫التسلسل فرض جملة من الحوادث ال نهاية لها‪.‬‬
‫وهذا تناقض‪ ،‬وذلك ألن الحادث ما له أول‪ ،‬وجملة الح‪00‬وادث الب‪00‬د لك‪00‬ل واح‪00‬د منه‪00‬ا من‬
‫أول‪ ،‬فيكون لمجموعها أول‪ ،‬فالقول بجملة حوادث ال أول لها تناقض‪.‬‬
‫ألن حدوثها يستلزم وجود أول له‪00‬ا‪ ،‬وق‪00‬د اختص‪0‬ر‪ 0‬ال‪00‬بيهقي ه‪00‬ذا ال‪00‬دليل فق‪00‬ال في ش‪00‬عب‬
‫اإليمان (‪ :)1/137‬ويستحيل وج‪00‬ود مح‪00‬دثات‪ 0‬واح‪00‬د قب‪00‬ل واح‪00‬د ال إلى أول الس‪00‬تحالة‪ 0‬الجم‪00‬ع بين‬
‫الحدوث ونفي االبتداء‪ 0،‬فثبت أنه تعالى قديم لم يزل‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الممكنات‪ 0‬لو تسلس‪0‬لت‪ 0‬ال إلى نهاي‪0‬ة الحت‪0‬اج‪ 0‬المجم‪0‬وع إلى عل‪0‬ة ت‪0‬رجح وجوده‪0‬ا‬
‫على عدمها التصافها بصفة اإلمكان‪ ،‬وال يجوز أن تكون العلة نفسها‪ ،‬وال جزءاً منها‪ ،‬فتعين أن‬
‫تكون خارجة واجبة‪ ،‬وذلك ألن المفروض أن المجموع –ال‪00‬ذي ه‪00‬و نفس‪00‬ها‪ -‬ممكن فالب‪00‬د ل‪00‬ه من‬
‫سبب مغاير له خارج عنه‪ ،‬إذا الداخل فيها الذي هو جزئها التصافه بصفة اإلمكان –كما ال يكون‬
‫علة لنفسه ال يكون عل‪00‬ة للمجم‪00‬وع‪ 0،‬فتعين الخ‪00‬ارج‪ ،‬والخ‪00‬ارج‪ 0‬ال يك‪00‬ون ممكن‪0‬ا ً ألن‪00‬ا ق‪00‬د فرض‪00‬ناه‬
‫خارجا ً عن الممكنات فتعين أن يكون واجبا فتقطع السلسلة عنده‪.‬‬
‫ومن هذا الدليل أخذ ش‪00‬يخ اإلس‪00‬الم مص‪00‬طفى ص‪00‬بري دلي‪00‬ل األص‪00‬فار‪ 0‬واألرق‪00‬ام فق‪00‬ال في‬
‫كتابه الفريد "موقف العقل" ما حاصله‪ 0:‬كم‪00‬ا أن األص‪00‬فار ال تك‪00‬ون رقم‪0‬ا ً وال ت‪00‬دل على ع‪00‬دد من‬
‫‪95‬‬
‫(قوله‪ :‬الوجود) أي ال‪00‬ذاتي‪ ،1‬بمع‪00‬نى أن وج‪00‬وده لذات‪00‬ه ال لعل‪00‬ة‪ :‬أي أن الغ‪00‬ير ليس‬
‫مؤثراً في وجوده تعالى‪ ،‬وليس المراد أن الذات أثرت في نفسها‪ ،‬إذ ال يقوله عاقل‪ ،‬وإنما‬
‫ضاق عليهم التعبير‪ ،‬فثمرة القيد تظهر في المحترز‪ ،‬وأما الوج‪00‬ود غ‪00‬ير ال‪00‬ذاتي كوجودن‪00‬ا‬
‫فهو بفعله تعالى‪.‬‬
‫‪ { -54‬وحدة الوجود}‬
‫وبعضهم ال يشاهد‪ 2‬لغيره وجوداً‪ ،‬وهذا يسمى عن‪00‬دهم وح‪00‬دة الوج‪00‬ود‪ ،‬وق‪00‬د غ‪00‬رق‬
‫فيه من غرق حتى وقع من بعض األولياء م‪00‬ا ي‪00‬وهم االتح‪00‬اد والحل‪00‬ول كق‪00‬ول الحالج‪ :‬أن‪00‬ا‬
‫األعداد وتكون مهملة غير دالة على معنى‪ ،‬ما لم تستند إلى رقم من األرقام بانضمامه‪ 0‬إليها‪.‬‬
‫كذلك الممكنات‪ 0‬ما لم تستند إلى واجب يفيض عليها الوجود ويرجح جانب الوجود فيها‬
‫على العدم ال تكون شيئا ً م‪0‬ذكوراً وال ت‪0‬دخل إلى الوج‪0‬ود‪ ،‬فالممكن‪0‬ات‪ 0‬في قبوله‪0‬ا للوج‪0‬ود والع‪0‬دم‬
‫بمنزلة األصفار في قبولها ألن تكون أرقاما ً دال‪00‬ة على األع‪00‬داد وأن ال تك‪00‬ون‪ ،‬وكم‪00‬ا أن األص‪00‬فار‬
‫األصل فيها أن ال تدل على عدد‪ ،‬وال تدل عليه‪ 0‬إال باستنادها إلى رقم يفيض عليها‪ 0‬صفة الرقمية‪،‬‬
‫كذلك الممكنات األصل فيها العدم وال تدخل الوجود إال باس‪00‬تنادها إلى واجب يفيض عليه ‪0‬ا‪ 0‬ص‪00‬فة‬
‫الوجود‪.‬‬
‫‪ -3‬أن نسبة سلسلة الممكنات وأجزائها إلى الترجيح كنسبتها إلى الترجح‪ ،‬أي كما أنها‬
‫ال يجوز أن تكون موجودة بنفس‪00‬ها‪ ،‬ال يج‪00‬وز أن تك‪00‬ون م‪00‬ؤثرة في إيج‪00‬اد غيره‪00‬ا أو نفس‪00‬ها‪ 0،‬فال‬
‫يصلح شيء منها للعلية‪ ،‬وينتفي التسلسل‪.‬‬
‫‪ -4‬قال أبو يعلى الحنبلي في المعتمد‪ :‬ال يجوز وجود موجودات ال نهاية لع‪00‬ددها س‪00‬واء‬
‫كانت قديمة أو محدثة‪ ،‬خالفا ً للمالحدة‪.‬‬
‫ً‬
‫والدليل عليه أن كل جملة لو ضممنا إليها خمسة أجزاء مثال لعلم ض‪00‬رورة أنه‪00‬ا زادت‪،‬‬
‫وك‪00‬ذلك عن‪00‬د النقص‪ 0،‬وإذا ك‪00‬ان ك‪00‬ذلك وجب أن تك‪00‬ون متناهي‪00‬ة بج‪00‬واز قب‪00‬ول الزي‪00‬ادة والنقص‪00‬ان‬
‫عليها‪ 0،‬ألن كل ما يأتي فيه الزيادة والنقصان وجب أن يكون متناهيا ً من جهة العدد‪.‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه عليه أن التسلسل المحال هو التسلسل في جانب‪ 0‬الماضي‪ 0‬وهو الذي‬
‫دلت األدلة القطعية على امتناعه‪ 0،‬وأما في جانب المستقبل فالتسلسل‪ 0‬ج‪00‬ائز وواق‪00‬ع كم‪00‬ا في نعيم‬
‫أهل الجنة وع‪0‬ذاب أه‪0‬ل الن‪0‬ار والف‪0‬رق أن ك‪0‬ل م‪0‬ا دخ‪0‬ل في الوج‪0‬ود من الح‪0‬وادث الب‪0‬د أن يك‪0‬ون‬
‫متناهياً‪ 0‬محص‪00‬وراً والتسلس‪00‬ل في ج‪00‬انب المس‪00‬تقبل‪ 0‬ليس باعتب‪00‬ار‪ 0‬األم‪00‬ور الموج‪00‬ود‪ ،‬ب‪00‬ل باعتب‪00‬ار‪0‬‬
‫األمور المقدرة التي لم تدخل الوجود‪ ،‬فإنه ال يحدث منها حادث محقق إال وبعده ح‪00‬وادث مق‪00‬درة‬
‫غير متناهية‪ 0،‬وكل ما يدخل الوجود منها متناه محصور بين حاصرين‪.‬‬
‫‪ )(1‬أي من اآلن ال من جانب الماضي‪.‬‬
‫‪ 1‬كون الوجود ذاتيا ً مفهوم من الوجوب ألن الوجود الواجب ال يكون إال ذاتياً‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪ :‬ال يشاهد‪ :‬أي ال (ال يعتقد) وإال لكان‪ 0‬كفراً‪ ،‬ألنه إما أن يعتق‪00‬د الموج‪00‬ودات كله‪00‬ا‬
‫هللا أو ينكر الموجودات ما عدا هللا تع‪00‬الى‪ ،‬فيك‪00‬ون إنك‪00‬اراً للمكل‪00‬ف واألنبي‪00‬اء والش‪00‬رائع والحش‪00‬ر‬
‫والجنة ‪ ..‬إلخ‪ ،‬وكالهما كف‪0‬ر وه‪0‬ذه الحال‪0‬ة تع‪0‬رض لالنس‪0‬ان‪ 0‬من غلب‪0‬ة توله‪0‬ه باهلل تع‪0‬الى وش‪0‬دة‬
‫تعلقه به وغلبة استيالء عظمت‪00‬ه تع‪00‬الى وكبريائ‪00‬ه على قلب‪00‬ه وحس‪00‬ه‪ ،‬ف‪00‬يرى ك‪00‬أن م‪00‬ا ع‪00‬داه ع‪00‬دم‬
‫محض وفان‪ ،‬أي يغلب عليه‪ 0‬هذا الوهم والخيال ومع ذل‪00‬ك يبقى معتق‪0‬داً لوج‪0‬ود م‪0‬ا ع‪0‬داه تع‪0‬الى‪0،‬‬
‫ويبقى متقيداً بالشريعة‪ ،‬وق‪00‬د يس‪00‬كر بش‪00‬راب‪ 0‬ه‪00‬ذا ال‪00‬وهم والخي‪00‬ال ويتفلت من الش‪00‬ريعة‪ ،‬فوح‪00‬دة‬
‫الوجود التي أثبتها‪ 0‬الصوفية ليست‪ 0‬عقيدة وإنما هي حالة غير اختيارية وانبهار يع‪00‬رض للس‪00‬الك‬
‫مما ذكرناه ثم يزول‪ ،‬والدليل على ذلك أن الصوفية عدوها من المقام‪00‬ات‪ 0‬ال‪00‬تي يم‪00‬ر به‪00‬ا الس‪00‬الك‪0‬‬
‫‪96‬‬
‫هللا‪ ،‬وكقول بعضهم ما في الجبة إال هللا‪ ،‬وهذا اللف‪00‬ظ ال يج‪0‬وز ش‪0‬رعا ً إليهام‪00‬ه‪ ،‬لكن الق‪00‬وم‬
‫تارة تغلبهم األحوال فَيؤَ َّول ما يقع منهم بما يناس‪0‬به‪ ،‬وممن أف‪0‬تى بقت‪0‬ل الحالج حين ق‪0‬ال‪:‬‬
‫المقالة السابقة‪ :‬الجنيد‪ ،‬كما في شرح الكبرى‪.1‬‬
‫ومن اللفظ الموهم ما شاع على ألسنة العوام من قولهم‪ :‬موجود في ك‪00‬ل الوج‪00‬ود‪،‬‬
‫ففيه إشارة إلى وحدة الوجود‪ ،‬لكنه ممتنع إليهامه الحلول‪.‬‬
‫وقد اختلف في الوجود هل هو عين الموجود أو غيره كما سيأتي‪ ،‬فقال األشعري‪:‬‬
‫الوجود عين الموجود‪ ،‬وقد اختلف العلماء في فهم المراد من عبارة األش‪00‬عري‪ ،‬فبعض‪00‬هم‬
‫أبقاها على ظاهرها‪ ،‬وعليه يكون في ع ّد الوجود صفة تسامح‪ ،‬ألنه يقع ص‪00‬فة في مج‪00‬رد‬
‫اللف‪00‬ظ‪ ،‬ك‪00‬أن يق‪00‬ول‪ :‬هللا موج‪00‬ود‪ ،‬والمحقق‪00‬ون كالس‪00‬عد وأض‪00‬رابه أول‪00‬وا عب‪00‬ارة األش‪00‬عري‬
‫فقالوا‪ :‬ليس المراد العينية حقيقة‪ ،‬بل المراد أنه ليس زائداً على الذات في الخ‪00‬ارج بحيث‬
‫تصح رؤيته‪ ،2‬فال ينافي أنه أمر اعتباري‪ ،3‬وهو الح‪00‬ق ال‪00‬ذي ال محيص عن‪00‬ه‪ ،‬وعلي‪00‬ه فال‬
‫يكون في عد الوجود صفة تسامح‪ ،‬ألن الصفة يكفي فيها مغ‪00‬ايرة الموص‪0‬وف وإن لم تكن‬
‫زائدة في الخارج‪ ،‬كيف وقد عدوا السلوب صفات كالقدم والبقاء‪.‬‬
‫وقال الرازي وجماعة‪ :‬الوجود غير الموجود ضرورة مغايرة الصفة للموص‪00‬وف‪،‬‬
‫وعليه فقد عرفوا الوجود بأنه (الحال الواجبة للذات ما دامت الذات‪ ،‬حال كون تلك الح‪00‬ال‬
‫غير معللة بعلة)‪ ،‬والمراد بكونها حاالً أنها واس‪00‬طة بين الموج‪00‬ود والمع‪00‬دوم‪ 0،‬على الق‪00‬ول‬
‫بثبوت الواسطة التي هي الحال‪ ،‬ومعنى كونها واجبة لل‪00‬ذات م‪00‬ا دامت ال‪00‬ذات‪ :‬أنه‪00‬ا ثابت‪00‬ة‬
‫مدة دوام الذات وخرج بقولنا “ غير معلل‪00‬ة بعل‪00‬ة “ الحال‪00‬ة المعلل‪00‬ة بعل‪00‬ة ك‪00‬الكون ق‪0‬ادراً‪،‬‬
‫فإنه حال معلل بعلة أي الزم لملزوم وهو القدرة‪ ،4‬ورجح بعضهم أن الخالف لفظي فحمل‬

‫في أثن‪00‬اء س‪00‬يره‪ ،‬ثم يتجاوزه‪00‬ا إلى م‪00‬ا بع‪0‬دها من المقام‪00‬ات‪ 0،‬وليس‪00‬ت العقي‪00‬دة ك‪00‬ذلك وأم‪00‬ا وح‪0‬دة‬
‫الوجود كعقيدة فقد قال بها بعض الفالسفة‪.‬‬
‫‪ 1‬قتل الحالج سنة (‪ )309‬وتوفي الجنيد قبله سنة (‪ )298‬فلعل الحالج كان يصدر من‪00‬ه‬
‫مثل هذا الكالم قبل وفاة الجنيد‪ 0،‬وكان الجنيد يقول بجواز قتله من أجل ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬األولى بحيث‪ 0‬يصح وجود الذات بدونه كالسواد لألسود‪.‬‬
‫‪ 3‬لعله أراد أنه انتزاعي‪ 0‬كما فصلنا في التعليق اآلتي قريباً‪.‬‬
‫‪ { -55‬بيان مذهب من قال بعدم زيادة الوجود على الذات‪ ،‬ومذهب من قال بزيادته‪} 0‬‬
‫‪ 4‬تفصيل مذهب من قال بعدم زيادة الوجود على ال‪00‬ذات‪ 0،‬وم‪00‬ذهب من ق‪00‬ال بزيادت‪00‬ه كم‪00‬ا‬
‫يلي‪ :‬قال األشعري وغيره‪ :‬إن وجود الشيء في الخ‪0‬ارج‪ 0‬واجب‪0‬ا ً ك‪0‬ان الش‪0‬يء وه‪0‬و هللا تع‪0‬الى أو‬
‫ممكنا ً –وهو الخلق‪ -‬عينه أي ليس زائداً عليه‪.‬‬
‫وليس معنى العينية االتحاد في المفهوم الختالف المفهومين قطعاً‪ ،‬وال في الم‪00‬ا ص‪00‬دق‬
‫ألن ما صدق عليه الشيء أمر خارجي‪ 0،‬وم‪0‬ا ص‪0‬دق علي‪0‬ه الوج‪0‬ود أم‪0‬ر ذه‪0‬ني ان‪0‬تزاعي ينتزع‪0‬ه‬
‫الذهن من الماهية الموجودة في الخارج‪.‬‬
‫وإنما معنى كونه عينه أنه غير ممتاز عن الشيء بأن ال يكون له هوية خارجية بمعنى‬
‫أنه ليس في الخ‪00‬ارج هويت‪00‬ان متمايزت‪00‬ان‪ 0‬تق‪00‬وم إح‪00‬داهما ب‪00‬األخرى‪ ،‬ب‪00‬ل هوي‪00‬ة واح‪00‬دة هي هوي‪00‬ة‬
‫الموجود‪ ،‬وإذا لم يكن زائداً كان اتصاف ماهية الموجود به غير حقيقي‪ ،‬أي ليس اتصافاً‪ 0‬بشيء‬
‫زائد في الخارج‪ 0،‬بل في الذهن بحسب نفس األمر بمعنى أن العقل إذا تصور الموجود انتزع منه‬
‫‪97‬‬
‫كالم األشعري على أن الوج‪00‬ود ليس زائ‪00‬داً في الخ‪00‬ارج‪ ،‬فال ين‪00‬افي أن‪00‬ه ح‪00‬ال‪ ،‬وه‪00‬و م‪00‬راد‬
‫الثاني‪ ،‬وج‪00‬رى على ذل‪00‬ك المص‪00‬نف في الش‪00‬رح‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬الخالف حقيقي‪ ،‬فق‪00‬ول األش‪00‬عري‬
‫محمول على أنه أمر اعتباري على التحقيق؛ وقول غيره محمول على أنه حال‪.‬‬
‫ويكفي المكل‪00‬ف أن يع‪00‬رف أن هللا موج‪00‬ود‪ ،‬وال يجب علي‪00‬ه أن يع‪00‬رف أن وج‪00‬وده‬
‫تعالى عين ذاته أو غير ذاته كما ق‪00‬ال س‪00‬يدي محم‪00‬د الص‪00‬غير؛ ألن ذل‪00‬ك من غ‪00‬وامض علم‬
‫الكالم‪.‬‬

‫الوجود أمراً زائداً على حقيقته‪ 0،‬وحاصله أن الوجود –وهو الكون المقابل للعدم‪ -‬هو نفس ك‪00‬ون‬
‫الذات ذاتا بمعنى أنه ليس لكل من الماهية والوجود هوي‪00‬ة ممت‪00‬ازة عن األخ‪00‬رى‪ ،‬وليس الوج‪00‬ود‬
‫عرضا ً قائما ً بال‪00‬ذات‪ 0‬بع‪00‬د ك‪00‬ون ال‪00‬ذات ذات‪0‬اً‪ ،‬وثب‪00‬وت هويت‪00‬ه في الخ‪00‬ارج‪ 0‬واألعي‪00‬ان‪ 0‬كقي‪00‬ام الس‪00‬واد‬
‫بالجس‪00‬م‪ .‬فل‪00‬و ك‪00‬ان الوج‪00‬ود ص‪00‬فة زائ‪00‬دة على ال‪00‬ذات فإم‪00‬ا أن يعرض‪00‬ه في الخ‪00‬ارج‪ 0،‬وه‪00‬و مح‪00‬ال‬
‫ضرورة أن ثبوت الشيء للشيء في الخارج‪ 0‬فرع وجوده فيه فيلزم أن يكون الذات موجودة قبل‬
‫عروض الوجود لها‪ ،‬فيلزم تقدم الذات على نفسها بالوجود‪ ،‬وكونه‪00‬ا موج‪00‬ودة بوج‪00‬ودين‪ ،‬وه‪0‬و‬
‫تحصيل الحاصل وإما أن يعارضه في الذهن والشيخ اليقول بالوجود ال‪00‬ذهني للماهي‪00‬ات‪ 0،‬ف‪00‬إذا لم‬
‫يكن عارضا‪ 0‬لها في الخ‪0‬ارج‪ 0‬وال في ال‪0‬ذهن فال يك‪0‬ون وص‪0‬فا زائ‪0‬دا في نفس األم‪0‬ر‪ ،‬فيك‪0‬ون عين‬
‫الماهية الموجودة‪.‬‬
‫وحاصل هذا القول أن الوجود ليس موجودا في الخ‪00‬ارج‪ 0،‬ب‪00‬ل الخ‪00‬ارج ظ‪00‬رف للموج‪00‬ود‬
‫اللوجوده‪.‬‬
‫وقال كثير من المتكلمين‪ :‬إن وجود الش‪0‬يء غ‪0‬يره أي زائ‪0‬د علي‪0‬ه بمع‪0‬نى أن ل‪0‬ه ماهي‪0‬ة‬
‫متمايزة موجودة في الذهن ال في الخارج‪ 0‬تعرض لماهية الشيء في الذهن‪.‬‬
‫فالنزاع‪ 0‬في أن الوج‪00‬ود زائ‪00‬د وليس بزائ‪00‬د راج‪00‬ع إلى ال‪00‬نزاع‪ 0‬في الوج‪00‬ود ال‪00‬ذهني‪ ،‬فمن‬
‫نفاه كالشيخ‪ 0،‬قال‪ :‬إن الوجود الخارجي عين الماهية‪ 0‬مطلقا ً واجبة كانت الماهية أو ممكنة‪ ،‬ومن‬
‫أثبته قال‪ :‬الوجود الخارجي‪ 0‬زائد على الماهية‪ 0‬في ال‪0‬ذهن‪ ،‬فمن ادعى من المت‪0‬أخرين‪ 0‬أن الوج‪0‬ود‬
‫زائد مع أنه ن‪00‬اف للوج‪00‬ود ال‪00‬ذهني لم يكن على بص‪00‬يرة في دع‪00‬واه‪ .‬وأورد على ه‪00‬ذا الم‪00‬ذهب أن‬
‫الوجود إن قام بالش‪00‬يء ح‪00‬ال عدم‪00‬ه اجتم‪00‬ع النقيض‪00‬ان‪ 0،‬أو ح‪00‬ال وج‪00‬وده ل‪00‬زم تحص‪00‬يل الحاص‪00‬ل‪0،‬‬
‫واستدعاء الوجود وجوداً آخ‪00‬ر فيتسلس‪00‬ل‪ :‬والج‪00‬واب أن الوج‪00‬ود يق‪00‬وم بالش‪00‬يء ال بش‪00‬رط كون‪00‬ه‬
‫مع‪00‬دوما ً وال بش‪00‬رط كون‪00‬ه موج‪00‬وداً‪ ،‬ب‪00‬ل في زم‪00‬ان كون‪00‬ه موج‪00‬وداً به‪00‬ذا الوج‪00‬ود ال بوج‪00‬ود آخ‪00‬ر‬
‫والمحال إنما هو تحصيل الحاصل ال بهذا التحصيل‪.‬‬
‫والحاصل أن معنى كون الوجود زائداً على الشيء أن يق‪00‬وم الوج‪00‬ود بالش‪00‬يء من حيث‬
‫هو أي من غير اعتبار الوجود والعدم‪ ،‬وإن لم يخل منهما‪.‬‬
‫وليس معنى قولنا‪ 0:‬إن الوجود ق‪00‬ام بالش‪00‬يء من حيث ه‪0‬و أن‪00‬ه ق‪0‬ام بالش‪0‬يء وه‪0‬و غ‪00‬ير‬
‫موجود وال معدوم ح‪0‬تى يل‪0‬زم الواس‪0‬طة بين الموج‪0‬ود والمع‪0‬دوم‪ ،‬ب‪0‬ل معن‪0‬اه أن‪0‬ه ح‪0‬ال قيام‪0‬ه ب‪0‬ه‬
‫موجود بذلك الوجود ال بوجود آخر وإن كان معدوما ً قبله‪.‬‬
‫ومما يجدر التنبيه عليه أن الوجوب كالوجود ألن الوج‪0‬وب تأك‪00‬د الوج‪0‬ود‪ ،‬فإن‪0‬ه بمع‪00‬نى‬
‫تحقق الحقيقة‪ 0‬في نفسها بحيث تتنزه عن قابلية العدم‪ ،‬ويعبر عنه بكون الذات مقتضياً‪ 0‬لوجوده‪،‬‬
‫في الخارج اقتضا ًء تاماً‪ 0،‬فيجري فيه من الخالف والتفصيل ما يجري في الوجود‪.‬‬
‫انظر ش‪0‬رح المواق‪0‬ف (‪ )156-2/127‬وش‪0‬رح المحلي على جم‪0‬ع الجوام‪0‬ع م‪0‬ع حاش‪0‬ية‬
‫العطار وحاش‪00‬ية الش‪00‬ربيني‪ )494-2/492( 0‬وحاش‪00‬ية الكل‪00‬نيوي على الجالل (‪ )1/232‬وإش‪00‬ارات‬
‫‪98‬‬
‫واعلم أن الوجود صفة نفسية‪ ،‬وإنم‪00‬ا نس‪00‬بت للنفس أي لل‪00‬ذات‪ ،‬ألنه‪00‬ا ال تتعق‪00‬ل إال‬
‫بها‪ ،‬فال تتعقل نفس إال بوجودها‪ ، 1‬والمراد بالصفة النفسية صفة ثبوتية يدل الوصف بها‬
‫على نفس الذات دون معنى زائد عليها‪ ،‬ك‪00‬أن يق‪00‬ال‪ :‬الوج‪00‬ود ص‪00‬فة هلل تع‪00‬الى‪ ،2‬فقولن‪00‬ا‪“ :‬‬
‫ص‪00‬فة “ ك‪00‬الجنس وقولن‪00‬ا “ ثبوتي‪00‬ة “ يخ‪00‬رج الس‪00‬لبية كالق‪00‬دم والبق‪00‬اء؛ وقولن‪00‬ا “ ي‪00‬دل‬
‫الوصف بها على نفس الذات “ معناه أنها ال تدل على شيء زائد على الذات‪ ،‬فقولن‪00‬ا‪“ :‬‬
‫دون معنى زائد “ تفسير مراد لقولنا “ على نفس الذات “ ويخرج ب‪00‬ذلك المع‪00‬اني ألنه‪00‬ا‬
‫تدل على معنى زائد على ال‪00‬ذات‪ ،‬وك‪00‬ذلك المعنوي‪00‬ة فإنه‪00‬ا تس‪00‬تلزم المع‪00‬اني فهي ت‪00‬دل على‬
‫معنى زائد على الذات الستلزامها المعاني‬
‫‪ { -56‬الصفات السلبية هلل تعالى }‬
‫(قوله والقدم) أي وواجب له القدم‪ ،3‬فهو معطوف على الوجود‪ ،‬وه‪00‬ذا ش‪00‬روع في‬
‫الص‪00‬فات الس‪00‬لبية‪ :4‬أي ال‪00‬تي دلت على س‪00‬لب م‪00‬ا ال يلي‪00‬ق ب‪00‬ه س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى‪ ،‬وليس‪00‬ت‬
‫منحص‪00‬رة على الص‪00‬حيح‪ ،‬وع‪ّ 00‬د المص‪00‬نف منه‪00‬ا خمس‪00‬ة ألن م‪00‬ا ع‪00‬داها من نفي الول‪00‬د‬

‫المرام (‪.)95‬‬
‫‪ 1‬النفس بمع‪00‬نى من الموج‪00‬ودات الخارجي‪00‬ة وهي من حيث هي موج‪00‬ودات خارجي‪00‬ة ال‬
‫تتصور إال بوجودها فال يعترض على هذا الكالم بأن بعض المعدومات تتعق‪00‬ل م‪00‬ع ع‪00‬دم وجوده‪00‬ا‬
‫كشريك الباري‪ 0‬وكبحر من زئبق‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا تصوير للوصف بها‪.‬‬
‫‪ 3‬قال الزبيدي في اإلتحاف (‪ :)952‬وهل يجوز أن يتلف‪0‬ظ‪ 0‬بالق‪00‬ديم‪ 0‬في حق‪00‬ه تع‪00‬الى؟ فمن‬
‫راعى معناه جوزه‪ ،‬ومن راعى كون‪00‬ه لم ي‪00‬رو نص‪0‬ا ً من‪00‬ع ألن األس‪00‬ماء توقيفي‪00‬ة‪ ،‬ومنهم من أورد‬
‫فيه نصا ً من السنة‪ ،‬فعلى هذا يصح‪ ،‬وق‪00‬ال (‪ )2/31‬أجمعت األم‪00‬ة على وص‪00‬فه تع‪00‬الى ب‪00‬ه‪ ،‬وورد‬
‫ذكره في بعض األخبار التي ذكرت فيها األسماء الحسنى‪ ،‬ثم ساق الخبر بسنده‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن إطالق المتكلمين‪ 0‬للقديم ونحوه كالص‪00‬انع واألزلي واألب‪00‬دي علي‪00‬ه تع‪00‬الى ليس‬
‫على وجه التسمية‪ 0‬واإلطالق على خصوص ذاته تع‪00‬الى وه‪00‬و ال‪00‬ذي يحت‪00‬اج‪ 0‬إلى التوقي‪00‬ف واإلذن‬
‫الشرعي‪ 0،‬بل إنما يطلقونه على مفهوم كلي صادق عليه تعالى‪ ،‬واإلطالق بهذا المع‪00‬نى ال يحت‪00‬اج‬
‫إلى التوقيف كما قال العلماء‪ :‬كما أن إطالق الشارع‪ 0‬بهذا المع‪00‬نى ال يك‪00‬ون إذن‪0‬ا ً في اإلطالق على‬
‫وجه التسمية‪ 0،‬وذلك كإطالق الخادع في قوله تعالى‪( 0:‬وه‪00‬و خ‪00‬ادعهم) وإطالق الرفي‪00‬ق في قول‪00‬ه‬
‫عليه الصالة والسالم‪( :‬إن هللا رفيق يحب الرفق) فإن هذا من اإلطالق على مفه‪00‬وم كلي ص‪00‬ادق‬
‫عليه تعالى‪ 0:‬وهو ليس إذنا ً في التسمية‪.‬‬
‫وسيأتي لهذه المسألة مزيد من التفصيل عند قول الناظم‪ 0:‬واختير أن أسماه توقيفي‪00‬ة ‪..‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫‪ 4‬قال الزبيدي في شرح اإلحياء (‪.)2/136‬‬
‫وقد جرت عادة المتأخرين‪ 0‬أن يذكروا أوالً من صفاته تعالى ص‪00‬فات الس‪00‬لب ثم يتبعوه‪00‬ا‬
‫بذكر صفات‪ 0‬المعاني السبع أو الثمانية‪ ،‬وهذا من باب‪ 0‬تقديم التخلية‪ 0‬على التحلية‪ 0،‬وتسمى أيض‪00‬اً‪0‬‬
‫بصفات‪ 0‬الذات وصفات اإلكرام‪ ،‬وصفات الثبوت ثم يتبعونه‪0‬ا بالص‪0‬فات‪ 0‬المعنوي‪0‬ة‪ ،‬وهي المش‪0‬تقة‬
‫من صفات المعاني‪ ،‬وأخروها عن المعاني لتوقفها على المعاني اشتقاقاً‪ 0‬وتحققا ً كالعالم المش‪00‬تق‬
‫من العلم المتوقف تحققه على اتصاف الذات ب‪00‬العلم ‪ ..‬وه‪0‬ذا الع‪0‬رف اص‪0‬طالح للمت‪00‬أخرين‪ ،‬وأم‪0‬ا‬
‫المتقدمون فلم يفرقوا بين المعاني‪ 0‬والمعنوية‪ ،‬ويطلقون عليها المعاني‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫والصاحبة والمعين وغير ذلك مما ال نهاية له راج‪00‬ع إليه‪00‬ا ول‪00‬و ب‪00‬االلتزام‪ ،‬فهي أمهاته‪00‬ا‪:‬‬
‫أي أصولها المهمات منها‪،‬‬
‫‪ { -57‬القدم هلل تعالى }‬
‫والمراد بالقدم في حقه تعالى‪ :‬القدم الذاتي‪ ،1‬وهو عدم افتتاح الوجود‪ ،‬وإن ش‪00‬ئت‬
‫قلت هو عدم األولية للوجود‪ ،2‬وأما القدم في حقنا فالمراد ب‪00‬ه الزم‪00‬اني وه‪00‬و ط‪00‬ول الم‪00‬دة‬
‫وضبط بسنة‪ ،‬حتى إذا قال‪ :‬كل من ك‪00‬ان من عبي‪00‬دي ق‪00‬ديما ً فه‪00‬و ح‪ّ 0‬ر‪ ،‬عت‪00‬ق من ل‪00‬ه عن‪00‬ده‬
‫س‪00‬نة‪ ،‬وه‪00‬ذا مس‪00‬تحيل في حق‪00‬ه تع‪00‬الى؛ وك‪00‬ذا الق‪00‬دم اإلض‪00‬افي كق‪00‬دم‪ 0‬األب بالنس‪00‬بة لالبن‪،‬‬
‫فتحصل من هذا أن الق‪00‬دم ثالث‪00‬ة أقس‪00‬ام‪ :‬ذاتي‪ ،‬وزم‪00‬اني‪ ،‬وإض‪00‬افي‪ ،‬ف‪00‬إن قلت‪ :‬إن وج‪00‬وب‬
‫الوجود يستلزم القدم بل والبق‪00‬اء ف‪00‬ذكرهما بع‪00‬ده محض تك‪00‬رار؟ قلت‪ :‬علم‪00‬اء ه‪00‬ذا الفن ال‬
‫يكتف‪00‬ون بدالل‪00‬ة االل‪00‬تزام‪ ،‬ب‪00‬ل يص‪00‬رحون بالعقائ‪00‬د لش‪00‬دة خط‪00‬ر الجه‪00‬ل في ه‪00‬ذا الفن‪ ،‬فال‬
‫يستغنون بملزوم عن الزم وال بعام عن خاص‪،‬‬
‫ودليل القدم‪ :‬أنه لو لم يكن قديما ً لكان حادثاً‪ ،‬إذ ال واسطة‪ ،‬ولو كان حادث ‪0‬ا ً الفتق‪00‬ر‬
‫لمحدث‪ ،‬ولو افتقر لمحدث الفتقر محدثه إلى محدث النعقاد المماثلة بينهما‪ ،‬فيل‪00‬زم ال‪00‬دور‬
‫أو التسلسل وكل منهما محال‪ ،‬فما أدى إليه وهو افتقاره لمحدث محال فما أدي إليه وه‪00‬و‬
‫كونه حادثا ً محال‪ ،‬فما أدى إلي‪0‬ه وه‪00‬و ع‪0‬دم كون‪00‬ه ق‪0‬ديما ً مح‪0‬ال‪ ،‬وإذا اس‪00‬تحال ع‪00‬دم كون‪0‬ه‬
‫قديما ً ثبت كونه قديما وهو المطلوب‪،3‬‬
‫‪ { -58‬القديم واألزلى }‬
‫واعلم أن لهم في القديم واألزلي ثالثة أقوال‪ :‬األول أن القديم‪ :‬هو الموج‪00‬ود ال‪00‬ذي‬
‫ال ابت‪0‬داء لوج‪0‬وده‪ ،‬واألزلي‪ :‬م‪0‬ا ال أول ل‪0‬ه ع‪0‬دميا ً أو وجودي‪0‬ا ً فك‪0‬ل ق‪0‬ديم أزلي وال عكس‪،‬‬
‫الثاني‪ :‬أن القديم هو القائم بنفسه الذي ال أول لوجوده‪ ،‬واألزلي‪ :‬م‪00‬ا ال أول ل‪00‬ه ع‪00‬دميا ً أو‬
‫وجوديا ً قائما ً بنفسه أو بغيره‪ ،‬وهذا هو الذي يفهم من كالم السعد‪ ،‬الثالث‪ :‬أن كالً منهم‪00‬ا‬
‫ما ال أول له عدميا ً أو وجوديا ً قائما ً بنفس‪00‬ه أوال‪ ،‬وعلى ه‪00‬ذا فهم‪00‬ا مترادف‪00‬ان؛ فعلى األول‬
‫الص‪00‬فات الس‪00‬لبية ال توص‪00‬ف بالق‪00‬دم وتوص‪00‬ف باألزلي‪00‬ة‪ ،‬بخالف ال‪00‬ذات العلي‪00‬ة والص‪00‬فات‬
‫الثبوتية فإنه‪0‬ا توص‪00‬ف بالق‪0‬دم واألزلي‪0‬ة‪ ،‬وعلى الث‪0‬اني الص‪0‬فات مطلق‪0‬ا ً ال توص‪0‬ف بالق‪00‬دم‬
‫‪ 1‬هذا المعنى ه‪00‬و بحس‪00‬ب اص‪00‬طالح المتكلمين‪ 0‬وليس بحس‪00‬ب اللغ‪00‬ة‪ 0،‬والمع‪00‬نى اللغ‪00‬وي‬
‫للقدم هو التقادم بحسب الزمان‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا مبني على عد القدم من الصفات‪ 0‬السلبية وهو المشهور‪ ،‬وإذا جعلن‪00‬اه عب‪00‬ارة عن‬
‫الوجود المستمر كان صفة نفسية كالوجود‪ ،‬قال السبكي في شرح عقي‪00‬دة ابن الح‪00‬اجب‪ :‬اعلم أن‬
‫األشاعرة اختلفوا‪ 0‬في صفة القدم‪ ،‬فنقل عن الشيخ أنه من صفات‪ 0‬المعاني‪ ،‬وهو قول عبد هللا بن‬
‫سعيد‪ ،‬وقيل من الص‪0‬فات النفس‪0‬ية‪ 0،‬وإلي‪0‬ه رج‪0‬ع الش‪0‬يخ‪ ،‬والح‪0‬ق أنه‪0‬ا من الص‪0‬فات‪ 0‬الس‪0‬لبية‪ 0،‬فال‬
‫يكون من الصفات النفسية وال المعنوية إذ السلب داخل في مفهومه إذ القدم هو عدم سبق العدم‬
‫على الوجود (إتحاف‪.)2/95( :‬‬
‫‪ 3‬و ل‪0‬ك أن تق‪0‬رر دلي‪0‬ل الق‪0‬دم هك‪0‬ذا‪ :‬ص‪0‬انع الع‪0‬الم‪ 0‬واجب الوج‪0‬ود‪ ،‬وك‪0‬ل واجب الوج‪0‬ود‬
‫فوجوده من ذاته‪ ،‬وكل ما هو موجود من ذاته فعدمه محال‪ ،‬وكل ما عدمه مح‪00‬ال ال يمكن عدم‪00‬ه‬
‫قط وكل ما ال يمكن عدمه قط فهو قديم‪ ،‬فصانع العالم‪ 0‬قديم‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫وتوصف باألزلية‪ ،‬بخالف الذات العلي‪0‬ة فإنه‪0‬ا توص‪0‬ف بك‪0‬ل منهم‪0‬ا‪ ،‬وعلى الث‪0‬الث ك‪0‬ل من‬
‫الذات والصفات مطلقا ً يوصف بالقدم واألزلية فتدبر‪.1‬‬
‫‪ { -59‬البقاء هلل تعالى }‬
‫(قوله‪ :‬كذا بقاء) التنوين للتنويع والتعظيم‪ :2‬أي نوع من أنواع البق‪00‬اء عظيم مث‪00‬ل‬
‫المذكور من الوجود والقدم في الوجوب له تعالى‪ ،‬فاسم اإلش‪00‬ارة عائ‪00‬د على الم‪00‬ذكور من‬
‫الوجود والقدم‪ ،‬والجامع هو الوجوب له تعالى‪ ،‬والمراد به في حقه تعالى‪ :‬ع‪00‬دم اآلخري‪00‬ة‬
‫للوجود‪ ،‬وإن شئت قلت‪ :‬عدم اختتام الوجود؛ ودليل البقاء ل‪0‬ه تع‪00‬الى‪ :‬أن‪0‬ه ل‪0‬و ج‪00‬از علي‪00‬ه‬
‫العدم الستحال عليه القدم‪ ،‬لما تقدم في كالم المصنف من قوله‪:‬‬
‫وكل ما جاز عليه العدم ‪ ##‬عليه قطعا ً يستحيل القدم‬
‫كيف وقد سبق قريبا ً وجوب القدم له تعالى‪ ،‬وكل ما ثبت قدمه استحال عدمه‪ ،‬وقد‬
‫اتفق العقالء على ه‪00‬ذه القض‪00‬ية كم‪00‬ا في العك‪00‬اري على الك‪00‬برى‪ ،‬وأورد عليه‪00‬ا ع‪00‬دمنا في‬
‫األزل فإنه قديم‪ ،‬بناء على الق‪00‬ول ب‪00‬ترادف الق‪00‬ديم واألزلي فه‪00‬و كع‪00‬دم المس‪00‬تحيل فلم ج‪00‬از‬
‫انقطاعه بوجودنا فيما ال يزال؟ أجيب بأن هذه القاع‪00‬دة إنم‪00‬ا هي في الق‪00‬ديم الوج‪00‬ودي‪ ،‬إذ‬
‫الدليل إنما قام فيه كما ذكره اإلمام ابن ذكري‪ ،‬وقال الفهري إن اإليراد من أص‪00‬له م‪00‬دفوع‬
‫بأن وجودنا قطع عدمنا فيما ال يزال ال في األزل‪ ،‬وإال لوج‪0‬دنا في األزل وه‪0‬و مح‪0‬ال‪ ،‬ق‪0‬ال‬
‫العالمة اليوسي‪ :‬وهو ظاهر‪ ،‬لكن قال العالمة األمير‪ :‬ولك أن تقول‪ :‬لم يظه‪0‬ر‪ ،‬لق‪0‬ولهم “‬
‫كل قديم فهو باق‪ “ 3‬فانقطاع االستمرار فيما ال يزال مضر‪ 4‬فالظ‪00‬اهر الج‪00‬واب األول اهـ‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬أي فرق بين عدمنا وعدم المستحيل كالش‪00‬ريك‪ ،‬ف‪00‬إن كالً منهم‪00‬ا واجب في األزل‪،‬‬
‫ألنا نقول‪ :‬وجوب عدمنا مقيد باألزل فهو ممكن فيما ال يزال‪ ،‬وأما عدم المستحيل فواجب‬
‫على اإلطالق‪.5‬‬
‫[تنبيه] علم مما تقدم أن هللا تعالى ال أول له وال آخر‪ ،‬وإن ع‪00‬دمنا في األزل ال أول‬
‫له وله آخر‪ ،‬وأما المخلوقات فلها أول وآخر ونعيم الجن‪00‬ة وع‪00‬ذاب الن‪00‬ار ل‪00‬ه أول وال آخ‪00‬ر‬
‫‪ 1‬الظاهر‪ 0‬أن هذا الخالف اختالف في االصطالح‪ 0‬ال طائل تحته وأما في اللغة فالق‪00‬دم ه‪00‬و‬
‫الزماني أو اإلضافي‪.‬‬
‫‪ 2‬المراد بالبقاء‪ 0‬هنا المعنى االصطالحي الخاص‪ 0‬باهلل تعالى وال معنى للتنوي‪00‬ع والتعظيم‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫قوله "لقولهم كل قديم ‪ ..‬إلخ" معناه أن القديم ال ينقطع في األزل‪ ،‬وال فيم‪00‬ا ال ي‪00‬زال‪،‬‬
‫وعلى هذا المعنى يحمل قولهم‪ :‬كل ما ثبت قدمه استحال عدمه‪ ،‬فمعناه أن القديم ال ينع‪00‬دم أص‪0‬الً‬
‫ال في األزل وال فيما ال يزال‪ ،‬وحينئذ يرد عليه عدمنا األزلي النقطاعه بفراغ األزل ودخول ما ال‬
‫يزال‪ ،‬والفهري يسلم هذا االنقطاع ألنه جعل وجودنا قاطعا ً لع‪00‬دمنا فيم‪00‬ا ال ي‪00‬زال ال‪00‬ذي ب‪00‬ه انتهى‬
‫عدمنا األزلي‪ 0،‬وبهذا ظهر رد العالمة األمير علي الفهري‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله‪" :‬فانقطاع االستمرار … إلخ" معناه أن العدم األزلي انقط‪00‬ع اس‪00‬تمراره بف‪00‬راغ‬
‫األزل ودخول ما ال يزال‪ ،‬وخلقه العدم فيما ال يزال‪ ،‬وقوله "مضر" أي م‪0‬ؤد إلى بق‪0‬اء اإلش‪0‬كال‪.‬‬
‫أجهوري‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وذلك ألن عدمه مقتضى ذاته كوجود الواجب فكما ال يجوز انقطاع وج‪00‬ود ال‪00‬واجب ال‬
‫يجوز انقطاع عدم الممتنع‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫له‪ ،‬فكل منهما باق لكن شرعا ً ال عقالً‪ ،‬ألن العقل يجوز عدمهما‪ ،‬فاألقسام أربع‪00‬ة (قول‪00‬ه‪:‬‬
‫ال يش‪00‬اب بالع‪00‬دم) أي ال يخل‪00‬ط بالع‪00‬دم‪ ،‬والم‪00‬راد من ذل‪00‬ك أن‪00‬ه ال يلحق‪00‬ه ع‪00‬دم‪ ،‬ألن حقيق‪00‬ة‬
‫المخالطة تقتضي االجتماع‪ ،‬والبقاء ال يجتمع مع العدم إال أن يقدر مض‪00‬اف‪ :‬أي ال يش‪00‬اب‬
‫بجواز العدم‪ ،‬وهو معنى البطالن في قول لبيد‪:‬‬
‫أال كل شيء ما خال هللا باطل ‪ ##‬وكل نعيم ال محالة زائل‪.‬‬
‫أي من نعيم الدنيا كما يدل عليه بقية القصيدة‪ ،‬فال يرد عليه نعيم الجنان‪ ،‬واح‪00‬ترز‬
‫المصنف ب‪00‬ذلك من بقائن‪00‬ا فإن‪00‬ه يش‪00‬اب بالع‪00‬دم ويخل‪00‬ط ب‪00‬ه ألنه‪ 1‬مقارن‪00‬ة اس‪00‬تمرار الوج‪00‬ود‬
‫زم‪00‬انين فص‪00‬اعداً‪ ،‬وه‪00‬ذا مس‪00‬تحيل في حق‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬ألن الزم‪00‬ان حرك‪00‬ة الفل‪00‬ك‪ ،‬أو مقارن‪00‬ة‬
‫متج‪00‬دد موه‪00‬وم لمتج‪00‬دد معل‪00‬وم إزال‪00‬ة لإلبه‪00‬ام‪ ،2‬كم‪00‬ا في قول‪00‬ك “ آتي‪00‬ك طل‪00‬وع الش‪00‬مس “‬

‫‪ 1‬أي‪ :‬ألن بقائنا‪.‬‬


‫‪ 2‬قوله‪ :‬ألن الزمان حركة الفلك‪ 0،‬هذا هو م‪00‬ذهب الفالس‪00‬فة‪ ،‬وقول‪00‬ه‪ :‬أو مقارن‪00‬ة متج‪00‬دد‬
‫موهوم لمتجدد معلوم إزالة لإلبهام‪ ،‬هذا هو مذهب المتكلمين‪.‬‬
‫وهذا التعريف يحتاج إلى اإليضاح والتحقيق‪ 0،‬فإنه قد خفي معناه على كثير من العلماء‬
‫والمؤلفين مثل الشارح الباجوري‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬الزمان عند المتكلمين عب‪00‬ارة عن ال‪00‬وقت ال‪00‬ذي تق‪00‬ع في‪00‬ه الح‪00‬وادث متقارن‪00‬ة أو‬
‫متقدما ً بعضها على بعض‪ ،‬فذلك الش‪00‬يء ال‪00‬ذي تق‪00‬ع في‪00‬ه الح‪00‬وادث وتق‪00‬ع في‪00‬ه المعي‪00‬ة والمقارن‪0‬ة‪0‬‬
‫والتقدم والتأخير بين الحوادث‪ ،‬هو الزمان‪ ،‬وهو أمر غير موجود‪ ،‬بل هو أم‪00‬ر موه‪00‬وم ينتزع‪00‬ه‬
‫الوهم من تصور مقارنة الحوادث وتقدم بعض‪00‬ها على بعض وت‪00‬أخره عن‪00‬ه‪ ،‬وال س‪00‬بيل إلى فهم‪0‬ه‬
‫وتعينه إال باعتبار الحوادث التي جعلت أعالما ً له‪ ،‬فالحوادث يمكن أن يجعل ك‪00‬ل منه‪00‬ا داالً علي‪00‬ه‬
‫باعتبار وقوعها فيه‪ ،‬قاله المحقق السيلكوتي‪ 0،‬فالزمان عبارة عن أمر وهمي تقع فيه الحوادث‪،‬‬
‫وليس عبارة عن مقارنة هذا األمر ال‪00‬وهمي للواق‪00‬ع في‪00‬ه كم‪00‬ا تفي‪00‬ده عب‪00‬ارة المتكلمين‪ 0‬ه‪00‬ذه‪ ،‬فق‪00‬د‬
‫تسامحوا فيها من جهة أن كون األمر الوهمي زمانا ً للواقع فيه باعتبار مقارنته له‪.‬‬
‫وكذلك ليس الزم‪0‬ان‪ 0‬عب‪0‬ارة عن مقارن‪0‬ة الح‪0‬وادث بعض‪0‬ها ببعض‪ ،‬كم‪0‬ا ي‪0‬دل علي‪0‬ه كالم‬
‫الشارح وغيره ممن خفي عليه مراد المتكلمين‪ 0‬به‪00‬ذا التعري‪00‬ف كالعط‪00‬ار في حاش‪00‬يته على ش‪00‬رح‬
‫المحلي لجمع الجوامع‪ ،‬وذلك ألن المعية ليست نفس ما تقع فيه الحوادث وهو الزمان‪ ،‬بل معية‬
‫الحوادث بعضها لبعض ومقارنتها‪ 0‬واقعة في الزمان‪ 0‬ك‪00‬الحوادث نفس‪00‬ها‪ 0،‬ومقيَس‪00‬ة تل‪00‬ك الح‪00‬وادث‬
‫بعضها إلى بعض بالمعية والتقدم والتأخر‪.‬‬
‫ففي قولك‪ :‬آتيك وقت طلوع الشمس أو قبله أو بعده‪ ،‬الزمان‪ 0‬هو وقت طلوع الش‪00‬مس‪،‬‬
‫وهو أمر موهوم ينتزع‪00‬ه العق‪00‬ل من مقارن‪0‬ة‪ 0‬اإلتي‪00‬ان‪ 0‬لطل‪00‬وع‪ 0‬الش‪00‬مس أو من تقدم‪00‬ه علي‪00‬ه أو من‬
‫تأخره عنه‪ ،‬وقد جعل طلوع الشمس علما علي‪0‬ه‪ ،‬والمعي‪0‬ة والتق‪0‬دم والت‪0‬أخر‪ 0‬إنم‪0‬ا تعت‪0‬بر باعتب‪0‬ار‬
‫الحوادث‪ ،‬ونسبة بعضها إلى بعض‪ ،‬وهي هنا اإلتيان وطلوع الشمس‪.‬‬
‫فالموجود هو الحوادث وتقدم بعضها على بعض‪ ،‬وتأخر بعضها عن بعض ومقارنتها‪.‬‬
‫وأما الزمان‪ 0‬فال وجود له في الخارج‪ ،‬وإنما هو امتداد موهوم يحكم به الوهم وينتزعه‪0‬‬
‫من هذه المقارنة‪ 0‬والتقدم والتأخر‪.‬‬
‫وباعتب‪00‬ار‪ 0‬ه‪00‬ذا الوج‪00‬ود ال‪00‬وهمي االن‪00‬تزاعي‪ 0‬للزم‪00‬ان يحكم‪00‬ون علي‪00‬ه بأن‪00‬ه من جمل‪00‬ة‬
‫الممكنات‪ 0،‬ألن وجوده تابع‪ 0‬لوجود الممكنات‪ ،‬ومنتزع منها‪ ،‬وبهذا االعتبار حكموا بكون الزمان‬
‫موجوداً عند وجود العالم ال قبله‪ ،‬مع اتفاقهم على أنه موه‪00‬وم مع‪00‬دوم في الخ‪00‬ارج‪ 0،‬وذل‪00‬ك ألن‪00‬ه‬
‫موجود في نفس األمر‪ ،‬وليس مثل المعدومات االختراعية‪ :‬كأنياب‪ 0‬أغوال‪ ،‬وبحر من زئبق هذا‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫فالزمان هو مقارنة اإلتيان المتجدد الموهوم لطلوع الشمس المتج‪00‬دد المعل‪00‬وم‪ ،1‬وك‪00‬ل من‬
‫حركة الفلك والمقارنة المذكورة حادث‪ ،‬وال يقترن بالحادث إال من كان مثله‪ ،‬ومحل كونه‬
‫مستحيالً إذا كان على وجه الحصر بأن يقال‪ :‬وجوده ليس إال في زم‪00‬ان‪ ،‬وإال فه‪00‬و تع‪00‬الى‬
‫موجود قبل كل شيء وبعده ومعه‪.‬‬

‫وق‪00‬د يع‪00‬بر االش‪00‬اعرة‪ 0‬عن الزم‪00‬ان‪ 0‬بتعب‪00‬ير‪ 0‬آخ‪00‬ر‪ .‬و الي‪00‬ك كالم المواق‪00‬ف م‪00‬ع ش‪00‬رحه (‬
‫‪( :)5/113‬وخامس‪00‬ها) اي خ‪00‬امس الم‪00‬ذاهب في حقيق‪00‬ة الزم‪00‬ان‪( 0‬م‪00‬ذهب االش‪00‬اعرة) وه‪00‬و ( أن‪00‬ه‬
‫متجدد) معلوم (يقدر به متجدد) مبهم إزالة إلبهامه (وقد يتعاكس) التقدير‪ 0‬بين المتجدادت فيق‪00‬در‬
‫تارة هذا بذاك وأخرى ذاك بهذا‪ ،‬و إنما يتعاكس ( بحس‪00‬ب م‪00‬ا ه‪0‬و متص‪00‬ور )ومعل‪00‬وم (للمخ‪00‬اطب‬
‫ف‪00‬اذا قي‪00‬ل) مثال (م‪00‬تى ج‪00‬اء زي‪00‬د يق‪00‬ال‪ :‬عن‪00‬د طل‪00‬وع الش‪00‬مس اذا ك‪00‬ان) المخ‪00‬اطب ال‪00‬ذي ه‪00‬و‬
‫السائل( مستحضراً لطلوع‪ 0‬الشمس) ولم يكن مستحضرا لمجيء زيد كما دل عليه س‪00‬ؤاله (ثم اذا‬
‫قال غيره‪ :‬م‪00‬تى طل‪00‬وع الش‪00‬مس؟ يق‪00‬ال حين ج‪00‬اء زي‪00‬د لمن ك‪00‬ان مستحض‪00‬راَ لمجيء زي‪00‬د ) دون‬
‫طلوعها الذي س‪00‬أل عن‪00‬ه ( ول‪00‬ذلك اختل‪00‬ف الزم‪00‬ان‪ ،‬بالنس‪00‬بة‪ 0‬إلى األق‪0‬وام) فيق‪00‬در ك‪00‬ل واح‪00‬د منهم‬
‫المبهم بما هو معلوم عنده‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وظاهر ه‪00‬ذا التعري‪00‬ف مخ‪00‬الف لم‪00‬ا ه‪00‬و المش‪00‬هور من م‪0‬ذهب االش‪00‬اعرة من ان الزم‪00‬ان‬
‫عندهم عبارة عن امر موهوم‪ ،‬فإما ان يقال‪ :‬ان مقصودهم بهذا التعبير ان الزم‪00‬ان ام‪00‬ر موه‪00‬وم‬
‫ينتزعه الوهم من تصور مقارنة الحوادث وتقدم بعضها على بعض وتأخره عن‪00‬ه‪ ،‬وال س‪0‬بيل الى‬
‫فهمه وتعيينها اال باعتبار‪ 0‬الحوادث التي يجعلها القوم أعالما له‪ ،‬فيكون هذا التعريف موافقا لما‬
‫هو المشهور من مذهبهم‪ ،‬او يقال‪ :‬إن ما هو ظاهر هذا القول مذهب لبعضهم فقد جعل ابن سينا‪0‬‬
‫في الشفاء هذا المذهب مقابال لمذهب كونه أمراً وهميا‪ ،‬وق‪00‬ال‪ :‬إن أص‪0‬حاب‪ 0‬ه‪0‬ذا الق‪0‬ول يجعل‪0‬ون‬
‫الزمان موجودا‪ .‬ذكر هذين الوجهين السيلكوتي‪ 0‬في تعليقه على شرح المواقف‪.‬‬
‫ويطلق الزمان‪ 0‬في العرف على معنى آخ‪00‬ر‪ ،‬وه‪00‬و م‪00‬رور األي‪00‬ام واللي‪00‬الي‪ 0،‬وذل‪00‬ك ت‪00‬ابع‬
‫لحركات الفلك‪ 0،‬والفلك‪ 0‬مع حركاته حادث‪ ،‬فالزمان حادث بالمعاني‪ 0‬المذكورة كلها‪ ،‬وكلها منتفي‪00‬ة‬
‫بالنسبة‪ 0‬إلى الباري تعالى‪.‬‬
‫وبهذا البيان يتضح فساد ما قد يقال‪ :‬القول بالقدم هلل تع‪00‬الى يل‪00‬زم من‪00‬ه وج‪00‬ود أزمن‪00‬ة ال‬
‫نهاية لها‪ ،‬إذ ال يعقل استمرار وجود وبقاء إال بزمان‪ ،‬وأنتم ال تقولون به‪.‬‬
‫وذلك ألن الزمان‪ 0‬ال وجود له بدون وجود حوادث‪ ،‬ومعية بينها وتق‪00‬دم وت‪00‬أخر لبعض‪00‬ها‬
‫عن البعض‪ ،‬فهو مفقود قبل وجود الحوادث‪.‬‬
‫‪ 1‬هذا خطأ‪ 0،‬بل الزمان هو وقت طلوع الشمس‪ ،‬وه‪00‬ذا ال‪00‬وقت متج‪00‬دد موه‪00‬وم يح‪00‬دد ب‪00‬ه‬
‫اإلتيان‪ 0‬الذي هو متجدد معلوم كما أن طلوع الشمس أيضا ً متجدد معلوم‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫‪ { -60‬مخالفة هللا للحوادث }‬
‫وأنه لما ينال العدم ‪ ##‬مخالف‪ ،‬برهان هذا القدم‬ ‫‪-24‬‬
‫(قوله‪ :‬وأنه لما ينال العدم ‪ ##‬مخالف) أي وواجب له أنه تعالى مخالف للح‪00‬وادث‬
‫ال‪00‬تي يلحقه‪00‬ا الع‪00‬دم فه‪00‬و بفتح الهم‪00‬زة من “ أن “ واس‪00‬مها الض‪00‬مير العائ‪00‬د علي‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫وخبرها مخالف‪ ،‬ويتعلق به الجار والمجرور قبله‪ ،‬وإنما قدمه لضرورة النظم‪ ،‬و “ ما “‬
‫واقعة على الحوادث‪ ،‬وعائدها محذوف‪ ،‬وأَنَّ وما دخلت عليه في تأوي‪00‬ل مص‪00‬در معط‪00‬وف‬
‫على الوجود‪ ،‬والتقدير‪ :‬وواجب له تع‪0‬الى مخالفت‪0‬ه للح‪0‬وادث ال‪0‬تي يلحقه‪0‬ا الع‪0‬دم‪ ،‬وب‪0‬ذلك‬
‫يندفع ما في حاشية الشيخ العدوي من أن في كالم المصنف تسمحاً‪ ،‬ألن الصفة مخالفت‪00‬ه‬
‫ال أنه مخالف‪ ،‬ووجه اندفاع ذلك أن القاعدة سبك “ أن “ المفتوح‪00‬ة بمص‪00‬در من خبره‪00‬ا‬
‫وجعلن‪00‬ا ب‪00‬ذلك معطوف‪0‬ا ً على الوج‪0‬ود أولى من‬ ‫وهو شائع في العربية فال يقال فيه تس‪0‬مح‪َ ،‬‬
‫جعله خ‪00‬براً لمبت‪0‬دأ مح‪0‬ذوف‪ ،‬والتق‪0‬دير والص‪00‬فة الثالث‪0‬ة من الص‪0‬فات الس‪0‬لبية أن‪0‬ه ‪ ..‬الخ‪،‬‬
‫وكالم الشيخ عبد الس‪00‬الم في ه‪00‬ذا المق‪00‬ام ح‪00‬ل مع‪00‬نى ال ح‪00‬ل إع‪00‬راب‪ ،‬وإن أوهمت عبارت‪00‬ه‬
‫خالف ذلك؛ وإنما أسند المخالفة له تعالى‪ 1‬ألنها تنزيه‪ ،‬والموصوف به هللا ال الح‪00‬وادث‪،2‬‬
‫وكما أنه تعالى مخالف للحوادث مخالف لألعدام األزلية كما علم من وص‪00‬فه ب‪00‬الوجود‪ ،‬إذ‬
‫هي ليست موجودة؛ وقد ذكر الش‪00‬يخ عب‪00‬د الس‪00‬الم في ه‪00‬ذا المق‪00‬ام أن األع‪00‬دام األزلي‪00‬ة من‬
‫الحوادث‪ ،‬وهو سهو‪ ،‬ألن األعدام األزلية واجبة كما تقدم‪ ،‬وقد ذكره‪00‬ا وال‪00‬ده مث‪00‬االً للع‪00‬دم‬
‫الس‪00‬ابق‪ ،‬ولم يجعله‪00‬ا من الح‪00‬وادث‪ ،‬والمخالف‪00‬ة لم‪00‬ا ذك‪00‬ر عب‪00‬ارة عن س‪00‬لب الجرمي‪00‬ة‬
‫والعرض‪00‬ية والكلي‪00‬ة والجزئي‪00‬ة ولوازمه‪00‬ا عن‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬فالزم الجرمي‪00‬ة التح‪00‬يز‪ ،‬والزم‬
‫العرضية القيام ب‪0‬الغير‪ ،‬والزم الكلي‪0‬ة الك‪0‬بر‪ ،‬والزم الجزئي‪0‬ة الص‪0‬غر‪ ،‬إلى غ‪0‬ير ذل‪0‬ك‪ ،‬ف‪0‬إذا‬
‫ألقى الش‪00‬يطان في ذهن‪00‬ك أن‪00‬ه إذا لم يكن الم‪00‬ولى جرم‪0‬ا ً وال عرض‪0‬ا ً وال كالً وال ج‪00‬زءاً فم‪00‬ا‬

‫‪ 1‬يعني كما أن هللا تعالى متص‪00‬ف بمخالف‪00‬ة الح‪00‬وادث ك‪00‬ذلك الح‪00‬وادث متص‪00‬فة بمخالفت‪00‬ه‬
‫تعالى فلم أسند المخالفة إليه تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬وكان األولى أن يقول ألن المقام مقام بيان‪ 0‬صفاته تعالى ال بيان‪ 0‬صفات‪ 0‬الحوادث‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫الس‪ِ 0‬مي ُع ا ْلبَ ِ‬
‫ص‪0‬ي ُر)‬ ‫‪0‬و َّ‬ ‫س َك ِم ْثلِ‪ِ 0‬ه َ‬
‫ش‪ْ 0‬ي ٌء َو ُه‪َ 0‬‬ ‫حقيقت‪00‬ه؟ فق‪00‬ل في رد ذل‪00‬ك‪ :‬ال يعلم هللا إال هللا (لَ ْي َ‬
‫(الشورى‪ :‬من اآلية‪.)11‬‬
‫(قوله‪ :‬برهان هذا القدم) أي دليل م‪00‬ا ذك‪00‬ر من أن‪00‬ه مخ‪00‬الف للح‪00‬وادث‪ :‬دلي‪00‬ل الق‪00‬دم‬
‫فكالم المصنف على تقدير مضاف‪ ،‬وتقرير البرهان‪ :‬أن تقول‪ :‬لو لم يكن مخالفا ً للحوادث‬
‫لكان مماثالً لها‪ ،‬ولو كان مماثالً لها لك‪00‬ان حادث‪0‬اً‪ ،‬كي‪00‬ف وق‪00‬د ثبت قدم‪00‬ه بال‪00‬دليل الس‪00‬ابق‪،‬‬
‫ويصح إبقاء كالم المصنف على ظاهره‪ ،‬فيكون نفس القدم هو الدليل على المخالف‪00‬ة؛ ألن‬
‫كل من وجب له القدم استحال عليه العدم‪ ،‬وال شيء من الحوادث يستحيل عليه الع‪00‬دم فال‬
‫شيء منها بقديم‪ ،‬فثبتت المخالفة‪.1‬‬

‫قيامه بالنفس وحداني ْة ‪ ##‬منزها ً أوصافه سنية‬ ‫‪-25‬‬


‫‪ { -61‬قيام هللا تعالى بنفسه }‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬قيام‪00‬ه ب‪00‬النفس) معط‪00‬وف على الوج‪00‬ود بح‪00‬ذف ح‪00‬رف العط‪00‬ف والتق‪00‬دير‪:‬‬
‫وواجب قيامه بنفسه فـ “ أل “ في النفس ع‪00‬وض عن المض‪00‬اف إلي‪00‬ه‪ ،‬وق‪00‬ول الش‪00‬ارح “‬
‫والصفة الرابعة من الصفات السلبية الواجبة له تعالى قيامه بالنفس “ حل مع‪00‬نى ال ح‪00‬ل‬
‫إع‪00‬راب كم‪00‬ا تق‪00‬دم‪ ،‬وق‪00‬د جع‪00‬ل بعض‪00‬هم الب‪00‬اء في قول‪00‬ه “ ب‪00‬النفس “ ب‪00‬اء اآلل‪00‬ة‪ ،‬وأص‪00‬له‬
‫للسكتاني‪ ،‬وفيه إساءة أدب؛ وقد تخلص الشيخ يحيى الشاوي من إساءة األدب بأن فائدة‬
‫ذلك تظهر في المقابل‪ ،‬أي ال بغيره‪ ،‬ف‪00‬المعنى‪ :‬أن الغ‪00‬ير ليس آل‪00‬ة في قيام‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬فه‪00‬و‬
‫نظير ما سبق في وجوده لذاته ال لعلة‪ ،‬ولكن األولى أن الب‪00‬اء للس‪00‬ببية ألن اآلل‪00‬ة واس‪00‬طة‬
‫الفعل وال تناسب هنا‪ ،‬كما ال يناسب جعلها للتعدية‪ ،‬ألن مجرور الباء ال‪00‬تي للتعدي‪00‬ة يك‪00‬ون‬
‫َب هَّللا ُ بِنُو ِر ِه ْم) (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )17‬وال كذلك م‪00‬ا هن‪00‬ا‪ ،‬وجعله‪00‬ا‬ ‫مفعوالً به معنى‪ ،‬كـ ( َذه َ‬
‫الشيخ المل‪00‬وي بمع‪00‬نى “ في “ فهي للظرفي‪00‬ة المجازي‪00‬ة‪ ،‬ف‪00‬المعنى قيام‪00‬ه في نفس‪00‬ه ليس‬
‫باعتبار شيء آخر‪ ،‬كما يقال‪ :‬هذا العبد في نفسه يساوي كذا‪ :2‬أي ال باعتب‪0‬ار ش‪0‬يء آخ‪0‬ر‬
‫معه‪ ،‬والمراد من النفس هنا الذات‪ :‬فإنها تطلق على الذات كما هنا‪ ،‬وتطلق على الدم كما‬
‫في قولهم “ ما ال نفس له س‪0‬ائلة ال ينجس الم‪0‬اء “ وعلى األنف‪0‬ة كم‪0‬ا في ق‪0‬ولهم “ فالن‬
‫س‪0‬هُ) (آل عم‪00‬ران‪ :‬من‬ ‫(ويُ َح ِّذ ُر ُك ُم هَّللا ُ نَ ْف َ‬
‫ذو نفس “ وعلى العقوبة‪ ،‬قيل‪ :‬منه قوله تعالى‪َ :‬‬
‫اآلية‪ )28‬أي عقوبت‪00‬ه‪ ،‬والح‪00‬ق أن ‪00‬ه يج ‪00‬وز إطالق النفس على ذات هللا تع‪000‬الى من غ‪00‬ير‬
‫س ‪ِ 0‬ه ال َّر ْح َم‪ 0‬ةَ) (األنع‪00‬ام‪ :‬من اآلية‪)54‬‬ ‫مشاكلة‪ ،‬كما يدل له قوله تعالى‪َ ( :‬كت ََب َر ُّب ُك ْم َعلَى نَ ْف ِ‬
‫‪ 1‬قوله‪" :‬فثبتت‪ 0‬المخالفة" بمعنى أن هللا تعالى ليس من الحوادث‪ ،‬فالمخالفة‪ 0‬المترتب‪00‬ة‬
‫على ه‪00‬ذا ال‪00‬دليل غ‪00‬ير المخالف ‪0‬ة‪ 0‬المع‪00‬دودة من ص‪00‬فاته‪ 0‬تع‪00‬الى؛‪ 0‬ألنه‪00‬ا عب‪00‬ارة عن نفي الجرمي‪00‬ة‬
‫والعرضية‪ ،‬إلى غير ذلك مما تقدم‪ ،‬والمخالفة المترتبة‪ 0‬على هذا ال‪00‬دليل عب‪00‬ارة عن كون‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫ليس داخالً في الحوادث وال معدوداً منها‪ ،‬فهذا الدليل غير ظاهر‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬أقول‪ :‬أن الباء‪ 0‬في قولهم قيام‪00‬ه بنفس‪00‬ه لإللص‪00‬اق وذل‪00‬ك ألن ه‪0‬ذا الكالم مقاب‪00‬ل لقولن‪0‬ا‪0‬‬
‫"القيام بالغير"‪ 0‬الذي هو وصف العرض والباء هنا لإللصاق فكذلك في مقابل‪00‬ه‪ 0،‬ومم‪00‬ا ينبغي أن‬
‫يعلم أن العبارة قد تضيق عن إفادة بعض صفاته تعالى فيعبر عنها بأقرب عبارة إليه‪00‬ا ومن‪00‬ه م‪00‬ا‬
‫هنا فأرادوا أن يعبروا عن عدم قيامه بالغير بطريق اإلثبات فلم يجدوا غير عب‪00‬ارة قيام‪00‬ه بنفس‪00‬ه‬
‫فعبروا به عنه على سبيل التسامح في التعبير‪ .‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫خالفا ً لمن زعم أنها ال تطلق عليه تع‪00‬الى إال مش‪00‬اكلة‪ ،‬كم‪00‬ا في قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬تَ ْعلَ ُم َم‪00‬ا ِفي‬
‫س َك) (المائدة‪ :‬من اآلية‪ )116‬ومعنى قيامه بنفسه‪ :‬عدم افتق‪00‬اره‬ ‫سي َوال أَ ْعلَ ُم َما فِي نَ ْف ِ‬
‫نَ ْف ِ‬
‫تعالى إلى المحل‪ :‬أي الذات التي يقوم بها‪ ،‬ال بمع‪00‬نى المك‪00‬ان؛ ألن ذل‪00‬ك علم من المخالف‪00‬ة‬
‫للحوادث‪ ،‬وقال الغنيمي‪ :‬وال مانع من حمل المحل على معنييه هنا‪ .‬وع‪00‬د ُم افتق‪00‬اره تع‪00‬الى‬
‫إلى المخص‪0‬ص‪ :‬أي الموجد‪ ،1‬وه‪00‬ذا الث‪00‬اني وإن ك‪0‬ان يس‪00‬تغني عن‪0‬ه بالق‪00‬دم‪ ،‬لكن تق‪00‬دم أن‬
‫العلماء ال يكتفون في هذا الفن بداللة االلتزام لش‪00‬دة خط‪00‬ر الجه‪00‬ل بالعقائ‪00‬د‪ ،‬فمع‪00‬نى القي‪00‬ام‬
‫بالنفس شيئان‪ :‬عدم افتقاره إلى المحل‪ ،‬وعدم افتقاره إلى المخصص‪ ،‬والدليل على ع‪00‬دم‬
‫افتقاره إلى المحل‪ :‬أنه لو افتقر إلى محل لكان صفة‪ ،‬ول‪00‬و ك‪00‬ان ص‪00‬فة لم يتص‪00‬ف بص‪00‬فات‬
‫المعاني والمعنوية‪ 2‬وهي واجبة القيام به تعالى لألدلة الدالة على ذل‪00‬ك‪ ،‬وه‪00‬ذا خل‪00‬ف بفتح‬
‫الخاء‪ :‬أي يستحق أن يرمي به خلف الظهر‪ ،‬أو بضمها أي ك‪00‬ذب وباط‪00‬ل‪ ،‬وإذا بط‪00‬ل ذل‪00‬ك‬
‫بطل ما أدى إليه وهو كونه صفة‪ ،‬فبطل ما أدى إلي‪00‬ه أيض ‪0‬ا ً وه‪00‬و افتق‪00‬اره إلى مح‪00‬ل‪ ،‬وإذا‬
‫بط‪00‬ل افتق‪00‬اره إلى مح‪00‬ل ثبت ع‪00‬دم افتق‪00‬اره إلى مح‪00‬ل وه‪00‬و المطل‪00‬وب‪ ،‬وال‪00‬دليل على ع‪00‬دم‬
‫افتقاره إلى المخصص أن‪0‬ه ل‪0‬و افتق‪00‬ر إلى مخص‪00‬ص لك‪0‬ان حادث‪0‬ا ً كي‪0‬ف وق‪00‬د س‪0‬بق وج‪00‬وب‬
‫وجوده وقدمه وبقائه ذاتا ً وصفات‪.‬‬
‫{تنبيه} علم من ذلك أنه مستغن عن المح‪00‬ل والمخص‪00‬ص مع‪0‬اً‪ ،‬وأم‪00‬ا ص‪00‬فاته فهي‬
‫مستغنية عن المخصص وقائمة بذاته تعالى وال يعبر فيها باالفتقار إلى الذات لما في‪00‬ه من‬
‫اإليهام‪ ،‬وقد أساء الفخر األدب حيث أطلق لفظ االفتقار واالحتياج فيه‪00‬ا‪ ،‬وذوات الح‪00‬وادث‬
‫مفتق‪0‬رة إلى مخص‪0‬ص ومس‪0‬تغنية عن ال‪0‬ذات ال‪0‬تي تق‪0‬وم به‪0‬ا‪ ،‬وص‪0‬فات الح‪0‬وادث مفتق‪0‬رة‬
‫إليهما معاً‪ ،‬فاألقسام أربعة‪ ،‬فتدبر‬
‫‪ { -62‬وحدانية هللا تعالى }‬
‫(قوله‪ :‬وحدانية) معطوف على “ الوجود “ بحذف حرف العطف‪ :‬أي وواجب ل‪00‬ه‬
‫وحدانية‪ ،‬وما ذكره الشارح حل معنى ال حل إعراب كما سبق‪ ،‬وهي بفتح الواو نسبة إلى‬
‫الوحدة‪ ،‬فياؤها للنسب‪ ،‬واأللف والنون للمبالغة كما في “ رقب‪00‬اني “ نس‪00‬بة للرقب‪00‬ة‪ ،‬و “‬
‫شعراني “ نسبة للشعر‪ ،‬وقال يحيى الشاوي‪ :‬ال يصح كون الياء للنسب‪ ،‬إذ المراد ثبوت‬

‫‪ 1‬فيكون قوله قيامه بالنفس في مقابلة ثالثة أمور ونافيا ً لها كله‪00‬ا‪ ،‬افتق‪00‬اره إلى المح‪00‬ل‬
‫وإلى المكان وإلى الموجد‪ ،‬لكن الحق كالمه يخالف هذا‪.‬‬
‫‪ 2‬ألن الص‪00‬فة حادث‪00‬ة ك‪00‬انت أو قديم‪00‬ة‪ ،‬ال تتص‪00‬ف بص‪00‬فات المع‪00‬اني والمعنوي‪00‬ة‪ ،‬وأم‪00‬ا‬
‫الصفات‪ 0‬السلبية كالقدم والنفسية‪ 0‬كالوجود‪ ،‬فال ريب في اتص‪0‬اف الص‪0‬فة به‪0‬ا‪ ،‬تق‪0‬ول مثال الق‪0‬درة‬
‫قديمة ‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫الوحدة نفسها ال ثبوت شيء منسوب إليها‪ ،‬واختار جعله‪00‬ا للمص‪00‬در كم‪00‬ا في الض‪00‬اربية‪،3‬‬
‫وأجاب األولون بأن الشيء ينسب لنفسه مبالغة‪،‬‬
‫ومبحث الوحدانية أشرف مباحث هذا الفن‪ ،‬ولذلك سمى باسم مشتق منها فقي‪00‬ل “‬
‫علم التوحيد “ ولعظم العناية به كثر التنبيه والثناء عليه في اآلي القرآنية‪ ،‬فقال تع‪00‬الى‪:‬‬
‫اح ٌد ال إِلَهَ إِاَّل ه َُو ال َّر ْح َمنُ ال َّر ِحي ُم) (البقرة‪ )163:‬إلى غ‪00‬ير ذل‪00‬ك من اآلي‪00‬ات‪،‬‬
‫( َوإِلَ ُه ُك ْم إِلَهٌ َو ِ‬
‫والمراد منها‪ :‬وحدة الذات والصفات‪ ،‬بمعنى عدم النظير فيهما؛ وأما وحدة ال‪00‬ذات بمع‪00‬نى‬
‫ع‪0‬دم ال‪00‬تركب من أج‪0‬زاء‪ ،‬فس‪00‬بقت في المخالف‪00‬ة للح‪00‬وادث‪ ،‬ووح‪00‬دة الص‪00‬فات بمع‪0‬نى ع‪0‬دم‬
‫تعددها من جنس واحد كقدرتين فأكثر وعلمين فأكثر وهك‪00‬ذا فس‪00‬تأتي في قول‪00‬ه “ ووح‪00‬دة‬
‫أوجب لها “ ووحدة األفعال بمعنى أنه ال تأثير لغيره في فعل من األفع‪00‬ال‪ ،‬فس‪00‬تأتي أيض‪0‬ا ً‬
‫في قوله‪ “ :‬فخالق لعبده وما عمل “‬
‫‪ { -63‬الوحدانية تنفى كموما خمسة }‬
‫والحاصل أن الوحداني‪0‬ة الش‪00‬املة لوحداني‪00‬ة ال‪00‬ذات ووحداني‪00‬ة الص‪0‬فات ووحداني‪0‬ة‬
‫األفعال تنفي كموما ً خمسة‪:‬الكم المتصل في الذات وهو تركبهامن أجزاء ‪،1‬والكم المنفصل‬
‫فيها وهو تعددها بحيث يكون هناك إله ثان فأكثر‪ ،‬وهذان الكمان منتفي‪00‬ان بوح‪00‬دة ال‪00‬ذات‪،‬‬
‫والكم المتصل في الصفات وهو التعدد في صفاته تعالى من جنس واح‪00‬د كق‪00‬درتين ف‪00‬أكثر‪،‬‬
‫وبحث في هذا بأن‪ 2‬الكم المتصل مداره على شيء ذي أجزاء وال كذلك الص‪00‬فات‪ ،‬ويج‪00‬اب‬
‫بأنهم نزلوا كونها قائمة بذات واحدة منزلة التركب‪ ،3‬والكم المنفصل في الصفات وهو أن‬
‫يكون لغير هللا صفة تشبه صفته تعالى‪ ،‬كأن يكون لزيد قدرة يوجد بها ويعدم بها كقدرت‪00‬ه‬

‫‪ 3‬أقول‪ :‬لم يقصد أحد بالوحدانية إال المعنى المصدري وهو كونه تعالى واح‪00‬داً منف‪00‬رداً‬
‫ليس له شريك ال في ذاته وال في ص‪00‬فاته‪ 0‬وال في أفعال‪00‬ه‪ ،‬ومثل‪00‬ه الص‪00‬مدانية وال أح‪00‬د يقص‪00‬د به‪00‬ا‬
‫معنى النسبة‪ 0‬على أنه ال يصح إرادته‪.‬‬
‫الوح‪0‬د فإم‪0‬ا مص‪0‬در بمع‪0‬نى‬ ‫َ‬ ‫وأم‪0‬ا‬ ‫للمبالغة‪،‬‬ ‫والنون‬ ‫واأللف‬ ‫والوجه أن الياء للمصدرية‪،‬‬
‫المنفرد مجازاً كما في جاء زيد وحده‪ ،‬وإما مخفف َو َ‪َِِ0‬ح َد بفتح الح‪00‬اء أو كس‪00‬رها كحس‪00‬ن أو ف‪00‬رح‬
‫بمعنى منفرد‪ ،‬وال يجوز حمل الوحد هنا على المع‪0‬نى المص‪0‬دري ألن ي‪0‬اء المص‪0‬درية إنم‪0‬ا ت‪0‬دخل‬
‫على غير المصادر من الجوامد والمشتقات‪ ،‬وتجعلها مصدراً كالحجرية‪ 0‬والضاربية‪ 0‬وتسمى هذه‬
‫مصادر جعلية‪ ،‬وال تدخل على المصادر‪ 0‬إال إذا أريد به‪00‬ا غ‪00‬ير المع‪00‬نى المص‪00‬دري مج‪00‬ازاً‪ ،‬وبه‪00‬ذه‬
‫القاعدة علم خطأ بعض الكتاب المعاصرين‪ 0‬في استعمالهم كلمة االستمرارية ونحوها‪.‬‬
‫‪ -1‬ومن الدليل على نفي هذا التركب‪ 0:‬أن ذاته تع‪00‬الى ل‪00‬و ت‪00‬ركبت من أج‪00‬زاء لك‪00‬انت تل‪00‬ك‬
‫األج‪00‬زاء متماثل‪00‬ة‪ 0،‬وال يخل‪00‬و إم‪00‬ا أن يق‪00‬وم وص‪00‬ف األلوهي‪00‬ة ب‪00‬البعض دون البعض فيل‪00‬زم علي‪00‬ه‬
‫الترجيح بال مرجح‪ ،‬وإما أن يقوم بمجم‪00‬وع األج‪00‬زاء فيل‪00‬زم علي‪00‬ه انقس‪00‬ام األلوهي‪00‬ة لقيامه‪0‬ا‪ 0‬بم‪00‬ا‬
‫ينقسم مع أن األلوهية معنى ال يقبل االنقسام‪ 0،‬أو يقوم بكل واحد من األجزاء‪ ،‬فيل‪00‬زم علي‪00‬ه تع‪00‬دد‬
‫اآللهة‪ ،‬ألنه يلزم حينئذ أن يكون كل واحد من األجزاء إلهاً‪.‬‬
‫‪ 2‬أي في تسمية العدد في الصفات‪ 0‬كما ً متصالً وإال فالوحدانية تنفي التعدد في الص‪00‬فات‬
‫مطلقاً‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫هذا الجواب غير مالق للسؤال والجواب الصحيح أن يقال أن الص‪00‬فات ن‪00‬زلت منزل‪00‬ة‬
‫ما يقبل التجزئ‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫تعالى‪ ،‬أو إرادة تخصص الشيء ببعض الممكنات‪ ،‬أو علم محيط بجميع األش‪00‬ياء‪ ،‬وه‪00‬ذان‬
‫الكمان منفيان بوحدانية الصفات‪ ،‬والكم المنفصل في األفعال وهو أن يكون لغ‪00‬ير هللا فع‪00‬ل‬
‫من األفعال على وجه اإليجاد‪ ،‬وإنما ينسب الفعل‪ 0‬ل‪00‬ه على وج‪00‬ه الكس‪00‬ب واالختي‪00‬ار‪ ،‬وه‪00‬ذا‬
‫الكم منفي بوحدانية األفعال‪،‬‬
‫وفي ذلك رد على المعتزلة القائلين بأن العبد يخلق أفعال نفسه االختياري‪00‬ة‪ ،‬وإنم‪00‬ا‬
‫لم يكف‪00‬روا ب‪00‬ذلك الع‪00‬ترافهم ب‪00‬أن إق‪00‬داره عليه‪00‬ا من هللا تع‪00‬الى‪ ،‬وبعض‪00‬هم كف‪00‬رهم وجع‪00‬ل‬
‫المجوس أسعد حاالً منهم‪ ،‬إذ المجوس قالوا بمؤثرين‪ 1‬وهؤالء أثبتوا ما ال حصر له‪ ،‬لكن‬
‫الراجح عدم كفرهم‪ ،‬وأما الكم المتصل في األفعال فإن صورناه بتعدد األفعال فهو ث‪00‬ابت ال‬
‫يصح نفيه‪ ،‬ألن أفعاله كثيرة من خلق ورزق وإحياء وإماتة‪ ،‬إلى غير ذلك‪ ،‬وإن ص‪00‬ورناه‬
‫بمشاركة غير هللا له في فعل من األفعال فهو منفي أيضا ً بوحدانية األفعال‪،‬‬
‫ودليل الوحدانية بالمعنى المراد هنا وهو وحدة الذات والصفات بمعنى عدم النظير‬
‫فيهما‪ :‬أنه لو تعدد اإلله كأن يكون هناك إلهان لما وجد شيء من العالم‪ ،‬لكن ع‪0‬دم وج‪00‬ود‬
‫شيء من العالم باطل ألنه موجود بالمشاهدة‪ ،‬فما أدى إليه وه‪0‬و التع‪0‬دد باط‪0‬ل‪ ،‬وإذا بط‪0‬ل‬
‫التعدد ثبتت الوحدانية وهو المطلوب‪،‬‬
‫وإنما لزم من التعدد كأن يكون هناك إلهان‪ :‬عدم وجود شيء من العالم ألنهما إما‬
‫أن يتفقا وإما أن يختلفا فان اتفقا فال جائز أن يوجداه معاً؛ لئال يلزم اجتماع مؤثرين على‬
‫أثر واحد‪ ،2‬وال ج‪00‬ائز أن يوج‪00‬داه مرتب‪0‬ا ً ب‪00‬أن يوج‪00‬ده أح‪00‬دهما ثم يوج‪00‬ده اآلخ‪00‬ر‪ ،‬لئال يل‪00‬زم‬
‫تحص‪00‬يل الحاص‪00‬ل‪ ،‬وال ج‪00‬ائز أن يوج‪00‬د أح‪00‬دهما البعض واآلخ‪00‬ر البعض‪ ،‬لل‪00‬زوم عجزهم‪00‬ا‬
‫حينئذ‪ ،‬ألنه لما تعلقت قدرة أحدهما ب‪00‬البعض س‪00‬د على اآلخ‪00‬ر طري‪00‬ق تعل‪00‬ق قدرت‪00‬ه ب‪00‬ه فال‬
‫يقدر على مخالفته‪ ،‬وهذا عجز‪ ،‬وهذا يسمى بره‪00‬ان الت‪00‬وارد لم‪00‬ا في‪00‬ه من تواردهم‪00‬ا على‬
‫ش‪00‬يء‪ ،‬وإن اختلف‪00‬ا ب‪00‬أن أراد أح‪00‬دهما إيج‪00‬اد الع‪00‬الم واآلخ‪00‬ر إعدام‪00‬ه فال ج‪00‬ائز أن ينف‪00‬ذ‬
‫مرادهما‪ ،‬لئال يلزم عليه اجتم‪00‬اع الض‪0‬دين‪ ،‬وال ج‪00‬ائز أن ينف‪00‬ذ م‪00‬راد أح‪0‬دهما دون اآلخ‪00‬ر؛‬
‫لل‪00‬زوم عج‪0‬ز من لم ينف‪00‬ذ م‪0‬راده‪ ،‬واآلخ‪00‬ر مثل‪0‬ه النعق‪00‬اد المماثل‪0‬ة بينهم‪00‬ا‪ ،‬ويحكى عن ابن‬

‫‪ 1‬أثبت المجوس إلها ً للخ‪0‬ير‪ ،‬وس‪00‬موه ي‪0‬زدان‪ ،‬ويع‪0‬برون عن‪00‬ه ب‪0‬النور‪ ،‬ومن أج‪00‬ل ذل‪00‬ك‬
‫استداموا وقود النار وعبدوها‪ ،‬وإلها ً للشر وس‪00‬موه أه‪00‬رمن‪ ،‬وعن‪00‬وا ب‪00‬ذلك الش‪00‬يطان‪ ،‬ويع‪00‬برون‬
‫عنه بالظلمة‪.‬‬
‫‪ 2‬فإنه ال يجوز توارد علتين مستقلتين‪ 0‬أي تامتين على معلول واحد كما ال يج‪00‬وز ن‪00‬زول‬
‫مطرقتين على محل واحد‪.‬‬
‫وذل‪00‬ك ألن‪00‬ه يل‪00‬زم اجتم‪00‬اع‪ 0‬النقيض‪00‬ين‪ ،‬ف‪00‬إن وص‪00‬ف العلي‪0‬ة‪ 0‬يقتض‪00‬ي حاج‪00‬ة المعل‪00‬ول إلى‬
‫العلتين‪ ،‬ووصف االستقالل الموجود في كل من العلتين‪ 0‬يقتضي عدم حاجة المعلول إلى إح‪00‬داهما‬
‫الكتفائه بواحدة منهما‪ ،‬فيلزم حاجة المعلول إلى إحدى العلتين‪ 0‬وعدم حاجته إليها‪.‬وهو جمع بين‬
‫النقيضين‪.‬‬

‫‪ { -64‬تقرير‪ 0‬برهان التمانع‪} 0‬‬


‫‪108‬‬
‫رشد‪ :‬أنه إذا نفذ مراد أحدهما دون اآلخر كان الذي نفذ مراده هو اإلل‪00‬ه دون اآلخ‪00‬ر‪ ،‬وتم‬
‫دليل الوحدانية‪ ،‬وهذا يسمى برهان‪ 1‬التمانع لتمانعهما وتخالفهما؛‬
‫وقد ذكر المولى سبحانه وتعالى هذا الدليل في قوله تعالى‪( :‬لَ ْو َكانَ فِي ِه َما آلِ َهةٌ إِاَّل‬
‫س َدتَا) (األنبياء‪ :‬من اآلية‪ )22‬أي ل‪00‬و ك‪00‬ان فيهم‪00‬ا جنس اآلله‪00‬ة غ‪00‬ير هللا لم توج‪00‬دا‪،2‬‬ ‫هَّللا ُ لَفَ َ‬
‫لكن عدم وجودهما باطل لمشاهدة وجودهما‪ ،‬فبطل ما أدى إليه وهو وج‪00‬ود جنس اآلله‪00‬ة‬
‫غير هللا‪ ،‬فثبت أن هللا واحد وهو المطل‪00‬وب فليس المح‪00‬ال الجم‪00‬ع فق‪00‬ط‪ ،‬ب‪00‬ل المح‪00‬ال جنس‬
‫اآللهة غير هللا‪،‬‬
‫و “ إال “ في اآلية اسم بمعنى غير‪ ،‬وليست أداة اس‪00‬تثناء لفس‪00‬اد المع‪00‬نى حينئذ‪،3‬‬
‫ألن المعنى عليه‪ :‬لو كان فيهما آلهة ليس فيهم هللا لفسدتا؛ فيقتضي بمفهومه أنه لو كان‬

‫‪ 1‬فيه أن برهان التمانع هو مجم‪00‬وع الش‪00‬قين‪ 0:‬ف‪00‬رض االتف‪00‬اق و ف‪00‬رض االختالف‪ ،‬ف‪00‬إن‬
‫مجموعهما دليل واح‪00‬د على وحدانيت‪00‬ه تع‪00‬الى‪ 0،‬وال تثبت الوحداني‪00‬ة إال بمجموعهم‪00‬ا‪ ،‬ه‪00‬ذا تقري‪0‬ر‪0‬‬
‫لبرهان‪ 0‬التمانع‪ 0‬على الترديد بين االتفاق واالختالف‪.‬‬
‫وأكثر المتكلمين‪ 0‬قرروه بناء على جواز االختالف‪ ،‬واختلفوا في وجه التقرير‪ ،‬من ه‪00‬ذه‬
‫األوجه ما يلي‪:‬‬
‫ً‬
‫لوجاز كونه اثنين‪ 0،‬لجاز‪ 0‬أن يريد أح‪00‬دهما ش‪00‬يئا واآلخ‪00‬ر ض‪00‬ده ال‪00‬ذي ال ض‪00‬د ل‪00‬ه غ‪00‬يره‪،‬‬
‫كحرك‪00‬ة زي‪00‬د وس‪00‬كونه‪ ،‬فيمتن‪00‬ع وق‪00‬وع الم‪00‬رادين وع‪00‬دم وقوعهم‪00‬ا‪ ،‬المتن‪00‬اع‪ 0‬ارتف‪00‬اع‪ 0‬الض‪00‬دين‪0‬‬
‫المذكورين واجتماعهما‪ ،‬فيتعين وقوع أحدهما فيك‪00‬ون مري‪00‬ده ه‪00‬و اإلل‪00‬ه دون اآلخ‪00‬ر لعج‪00‬زه‪ ،‬فال‬
‫يكون اإلله إال واحداً‪ ،‬فجواز تعدد اإلله مستلزم لجواز المحال الذي هو إما اجتماع‪ 0‬النقيض‪00‬ين أو‬
‫ارتفاعهما‪ 0‬أو عجز اإللهين‪ ،‬وجواز المحال مح‪00‬ال‪ ،‬فم‪00‬ا اس‪00‬تلزمه وه‪00‬و ج‪00‬واز التع‪00‬دد مح‪00‬ال‪ ،‬فال‬
‫يع‪00‬ترض على ه‪00‬ذا ال‪00‬دليل بإمك‪00‬ان اتفاقهم‪00‬ا قال‪00‬ه العط‪00‬ار في حواش‪00‬يه على ش‪00‬رح المحلى لجم‪00‬ع‬
‫الجوامع (‪:)2/448‬‬
‫وما يقال زيادة على ما هنا‪ :‬وم‪00‬ا ج‪00‬از على أح‪00‬د المثلين‪ 0‬ج‪00‬از على اآلخ‪00‬ر فيل‪00‬زم عج‪00‬ز‬
‫الثاني‪ 0‬أيضا ً فيؤدي إلى عدم اإلله المؤدي إلى عدم العالم المشاهد‪ ،‬زيادة في البيان‪ .‬ومن ال‪00‬دليل‬
‫على وحدانيته تعالى ما ذكره تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (‪:)8/308‬‬
‫أنه رأي سيف الدين اآل ِمدي في المنام فقيل ل‪00‬ه م‪00‬ا فع‪00‬ل هللا ب‪00‬ك؟‪ ،‬فق‪00‬ال‪ :‬أجلس‪00‬ني على‬
‫كرسي‪ ،‬وقال‪ :‬استدل على وحدانيتي بحضرة مالئكتي‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬لما كان الحادث‪ 0‬المخترع‪ 0‬على أحس منوال البد له من صانع‪.‬‬
‫وكان نسبة الثاني والثالث‪ 0‬إلى الواحد نسبة الرابع‪ 0‬والخامس منه‪.‬‬
‫وما وراء ذلك مما لم يقل به أحد‪ ،‬وال ادعاه مخلوق‪ ،‬بط‪0‬ل الجمي‪0‬ع وثبت الواح‪0‬د –ج‪0‬ل‬
‫جالله وعز سلطانه_ فقال لي‪ :‬ادخل الجنة‪ .‬رحمه هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله لم توجدا‪ :‬حمل قوله فسدتا على معنى لم توجدا من أجل حمل اآلية على بره‪0‬ان‬
‫التمانع المذكور وهذا عدول عن الظاهر‪ 0‬بدون داع إليه ويرده قوله تعالى فيهما فإنه يقتض‪00‬ي أن‬
‫يكون التعدد المفروض على تقدير وجودهما ال على تقدير عدمهما‪.‬‬
‫‪ 3‬واالستثناء‪ 0‬فاسد من جهة العربية أيضاً‪ ،‬ألن المستثنى في االستثناء المتصل الب‪00‬د أن‬
‫يك‪00‬ون داخالً في المس‪00‬تثنى‪ 0‬من‪00‬ه قطع ‪0‬اً‪ ،‬وفي االس‪00‬تثناء‪ 0‬المنقط‪00‬ع الب‪00‬د أن يك‪00‬ون خارج ‪0‬اً‪ 0‬قطع ‪0‬اً‪،‬‬
‫والمستثنى إذا كان تابعاً‪ 0‬لجمع مذكور غير محصور كما هنا وهو اآللهة ليس دخوله في‪00‬ه قطعي ‪0‬ا ً‬
‫وال خروجه قطعيا ً فامتنع حمل إال على االستثناء فتعين حملها على أنها بمعنى غير‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫فيهما آلهة فيهم هللا لم تفسدا‪ ،‬وه‪00‬و باط‪00‬ل؛ والم‪00‬راد بالفس‪00‬اد‪ :‬ع‪00‬دم الوج‪00‬ود كم‪00‬ا قررت‪00‬ه‪،‬‬
‫(وينبغي) على ذلك أن اآلية حجة قطعية وهو التحقيق‪ ،‬خالفا ً لم‪0‬ا ج‪0‬رى علي‪0‬ه الس‪0‬عد من‬
‫أنها حج‪00‬ة إقناعي‪00‬ة‪ :‬أي يقن‪00‬ع به‪00‬ا الخص‪00‬م‪ ،‬م‪00‬ع ك‪00‬ون التالزم فيه‪00‬ا ليس عقلي‪0‬ا ً بن‪00‬اء على‬
‫تفسير الفساد فيها بالخروج عن النظام‪ ،‬وإنما لم يكن التالزم فيها عقليا ً على هذا‪ ،‬ألنه ال‬
‫يل‪00‬زم حص‪00‬ول الفس‪00‬اد بالفعل‪ ،1‬وق‪00‬د ش‪00‬نعوا على الس‪00‬عد في ذل‪00‬ك ح‪00‬تى ق‪00‬ال عب‪00‬د اللطي‪00‬ف‬
‫الكرماني‪ :‬إنه تعييب لبراهين القرآن وهو كفر‪.‬‬
‫وأجاب عالء الدين تلميذ السعد‪ 2‬بأن القرآن محت‪00‬و على األدل‪00‬ة اإلقناعي‪00‬ة لمطابق‪00‬ة‬
‫حال بعض القاصرين‪،‬‬
‫وتجويز االتفاق إنما هو ببادئ الرأي‪ ،‬وعن‪00‬د التأم‪00‬ل ال يص‪00‬ح ص‪00‬لح بين إلهين‪ ،‬إذ‬
‫مرتبة األلوهية تقتضي الغلبة المطلقة‪ ،‬كما يشير قوله تعالى‪( :‬إِذاً لَ َذه َ‬
‫َب ُك ُّل إِلَ ٍه بِ َما َخلَ‪َ 00‬‬
‫ق‬
‫ض)‪( 3‬المؤمنون‪ :‬من اآلية‪)91‬‬ ‫ض ُه ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬
‫َولَ َعال بَ ْع ُ‬
‫قوله‪( :‬منزهاً) حال من الضمير في قول‪00‬ه‪ “ :‬ف‪00‬واجب ل‪00‬ه … إلخ “ ف‪00‬المعنى أن‪00‬ه‬
‫تعالى وجبت له هذه الصفات حال كونه منزهاً‪ ،‬فهي حال الزمة مث‪00‬ل‪ :‬دع‪00‬وت هللا س‪00‬ميعاً‪،‬‬
‫وهي مؤكدة للصفات السابقة وكذلك جملة قوله‪ “ :‬أوصافه سنيه “ فهي ح‪00‬ال أيض‪0‬ا ً من‬
‫الضمير المذكور فهي حال مترادف‪00‬ة‪ ،‬ويج‪00‬وز أن تك‪00‬ون ح‪00‬االً من الض‪00‬مير في “ منزه‪0‬ا ً “‬
‫فهي حال متداخلة‪ ،‬ومعنى قول‪00‬ه‪ “ :‬س‪00‬نية “ أنه‪00‬ا تش‪00‬به الس‪00‬نا –بالقص‪00‬ر‪ -‬وه‪00‬و الن‪00‬ور‪،‬‬
‫بجامع االهتداء فيهتدي به‪0‬ا أي بأثره‪0‬ا ألن‪0‬ه المش‪0‬اهد لن‪0‬ا‪ ،‬كم‪0‬ا يهت‪0‬دي بالس‪0‬نا ال‪0‬ذي ه‪0‬و‬
‫النور‪ ،‬فالنسبة على وجه التشبيه‪ ،‬وليس المراد أنه قام بها السنا وهو الن‪00‬ور‪ ،‬ألن الن‪00‬ور‬

‫‪ 1‬ألن حص‪00‬ول الفس‪00‬اد مب‪00‬ني على االختالف بين اإللهين وه‪00‬و أم‪00‬ر مظن‪00‬ون غ‪00‬ير قطعي‬
‫الوقوع لجواز أن يتفقا‪ 0‬في كل شيء‪ ،‬ألنه ال يلزم من هذا االتفاق أي محال‪ .‬هذا ما أراده السعد‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر قصة تشنيع عبد اللطيف الكرماني ورد عالء الدين البخاري عليه في المسامرة‬
‫شرح المسايرة وحاشية ابن قطلوبغا على المسايرة ص‪ 46‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪ 3‬التحقيق أن جواز االتفاق إنما ه‪00‬و بحس‪00‬ب العق‪00‬ل بمع‪00‬نى أن العق‪00‬ل ال ي‪00‬راه مح‪00‬االً وال‬
‫مستلزما ً للمحال‪ ،‬وأما العادة المطردة فت‪00‬دل على امتن‪00‬اع‪ 0‬االتف‪00‬اق‪ ،‬وذل‪00‬ك ألن الع‪00‬ادة ع‪00‬دم اتف‪00‬اق‬
‫اثنين في كل صغير وكب‪00‬ير وحق‪00‬ير وجلي‪00‬ل فض‪0‬الً عن كب‪00‬يرين فض‪0‬الً عن اإللهين ال‪00‬ذين هم‪00‬ا في‬
‫أعلى مراتب العظمة والكبرياء المقتضين‪ 0‬لحب االنفراد واالستبداد‪ ،‬والعادة المطردة أحد أس‪00‬باب‬
‫العلم الثالثة‪ ،‬فقد عرفوا العلم بأن‪00‬ه الج‪00‬زم المط‪00‬ابق للواق‪00‬ع لم‪00‬وجب من حس أو عق‪00‬ل أو ع‪00‬ادة‪،‬‬
‫ومن ثمة ق‪0‬الوا‪ :‬إن التج‪0‬ويز العقلي ال ين‪00‬افي العلم اليقي‪00‬ني‪ ،‬ف‪0‬رب أم‪0‬ر يج‪00‬وزه العق‪00‬ل بمع‪00‬نى أن‬
‫العقل ال يرى وجوده مح‪00‬االً وم‪00‬ع ذل‪00‬ك يقط‪00‬ع بع‪00‬دم وج‪00‬وده ك‪00‬انقالب‪ 0‬البح‪00‬ر إلى حليب أو زئب‪00‬ق‪،‬‬
‫وكانعدام ما ورائنا من الجبال إلى غير ذلك فإن هذه األمور ال يراها العقل محالة ومع ذلك يقط‪00‬ع‬
‫بعدمها‪.‬‬
‫وكذلك اتفاق اإللهين في كل صغير وكبير وجليل وحقير ال يراه العقل محاالً‪ ،‬وم‪00‬ع ذل‪00‬ك‬
‫يقطع بعدم وقوعه‪ .‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫عرض‪ 4‬يستحيل قيام‪00‬ه بالص‪00‬فة‪ ،‬أو معن‪00‬اه‪ :‬رفيع‪00‬ة‪ ،‬فيك‪00‬ون لف‪00‬ظ “ س‪00‬نية “ م‪00‬أخوذاً من‬
‫السناء بالمد بمعنى الرفعة‪ ،‬والمراد الرفعة المعنوية‪.‬‬

‫‪ { -65‬تنزه هللا تعالى عن الضد والشبه والشريك والوالدين واألصدقاء }‬


‫عن ضد أو شبه شري ٍك مطلقا ً ‪ ##‬ووال ٍد كذا الولد واألصدقا‬ ‫‪-26‬‬
‫(قوله‪ :‬عن ضد) أي مضاد له تعالى‪ ،‬والجار والمجرور متعلق بقول‪00‬ه “ منزه ‪0‬ا ً “‬
‫والضدان هما األمران الوجوديان اللذان بينهما غاية الخالف ال يجتمع‪00‬ان‪ ،‬فل‪00‬و ف‪00‬رض أن‬
‫هلل ضداً في ذاته أو صفاته‪ ،‬لوجب ارتف‪00‬اع ذات‪00‬ه أو ص‪00‬فاته ارتفاع‪0‬ا ً مطلق‪0‬ا ً إن ثبت الض‪00‬د‬
‫دائماً‪ ،‬أو ارتفاعا ً مقيداً بحالة وجود الضد إن لم يثبت دائماً‪ ،‬ألن‪00‬ه م‪00‬تى ثبت أح‪00‬د الض‪00‬دين‬
‫ارتفع اآلخر‪ ،‬والفرض أنه واجب الوجود قديم وكذا صفاته‪ ،‬هذا خلف – بفتح الخ‪00‬اء‪ :‬أي‬
‫يستحق أن يرمى من خلف الظهر‪ ،‬أو بضمها‪ :‬أي كذب وباطل كما تقدم‬
‫(قوله‪ :‬أو شبه) معطوف على “ ضد “ وأو بمعنى الواو‪ ،‬وإنما عبر الن‪00‬اظم بـ “‬
‫‪0‬الحب والح‪00‬بيب‪ ،‬وذل‪00‬ك المع‪00‬نى ه‪00‬و‬
‫أو “ لض‪00‬رورة النظم‪ ،‬والش‪00‬به والش‪00‬بيه بمع‪00‬نى‪ :‬ك‪ِ 0‬‬
‫المساوي في أغلب الوجوه‪ ،‬والنظير‪ :‬هو المساوي ولو في بعض الوج‪00‬وه‪ ،‬والمثي‪00‬ل ه‪00‬و‬
‫المساوي في جميع الوجوه‪ ،‬لكن المراد بالشبه هنا‪ :‬مطلق المش‪00‬ابه‪ ،‬فيش‪00‬مل كالً منهم‪00‬ا‪،‬‬
‫فليس ل‪00‬ه تع‪00‬الى مش‪00‬ابه في ذات‪00‬ه وال في ص‪00‬فاته ال في أفعال‪00‬ه‪ ،‬لوج‪00‬وب مخالفت‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫للممكنات ذاتا ً وصفاتا ً وأفعاالً‬
‫(قوله‪ :‬شريك) معطوف على “ ضد “ بحذف حرف العطف‪ ،‬وقول‪0‬ه‪ “ :‬مطلق‪0‬ا ً “‬
‫أي في ذاته أو صفاته أو أفعال‪00‬ه‪ ،‬وال تك‪00‬رار في كالم‪00‬ه‪ ،‬ألن م‪00‬راده بالش‪00‬به‪ :‬المش‪00‬ابه من‬
‫‪ 4‬قوله‪" :‬عرض" أي ق‪00‬ائم ب‪00‬الهواء الح‪00‬ال في الفض‪00‬اء‪ ،‬كم‪00‬ا يؤخ‪00‬ذ من عب‪00‬ارة الش‪00‬يخ‬
‫األمير في الحاشية‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫الممكن‪00‬ات‪ ،‬وم‪00‬راده بالش‪00‬ريك‪ :‬المش‪00‬ارك من الق‪00‬دماء فتغ‪00‬ايرا‪ ،‬ودلي‪00‬ل تنزيه‪00‬ه تع‪00‬الى عن‬
‫الشريك‪ :‬هو دليل الوحدانية‬
‫(قوله‪ :‬ووالد) أي ومنزها ً عن والد أي أبا ً كان أو أماً‪ ،‬لص‪00‬دق الوال‪00‬د بهم‪00‬ا‪ ،‬فليس‬
‫منفصالً عن غيره‪ ،‬وقوله‪ “ :‬كذا الولد “ خبر مقدم ومبتدأ مؤخر‪ :‬أي الول‪00‬د كالوال‪00‬د في‬
‫وجوب تنزه هللا عنه‪ ،‬فليس عيسى ولداً‪ ،‬بل خلقه هللا تعالى بال أب كم‪00‬ا خل‪00‬ق آدم بال أب‪،‬‬
‫بل آدم أغرب حيث خلقه من تراب بال أب وال أم‪ ،‬فليس غيره تعالى منفصالً عنه‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬واألص‪00‬دقا) أي ومنزه ‪0‬ا ً عن األص‪00‬دقاء‪ ،‬وليس الجم‪00‬ع م‪00‬راداً‪ ،‬ب‪00‬ل الم‪00‬راد‬
‫الجنس المتحقق ول‪00‬و في واح‪00‬د‪ ،‬ول‪00‬ذا ق‪00‬ال المص‪00‬نف في كب‪00‬يره‪ :‬ويجب الت‪00‬نزه عن جنس‬
‫والص ‪ِ 0‬ديق ه‪00‬و الص‪00‬ادق في وده بحيث يك‪00‬ون مع‪00‬ك في الح‪00‬ق‪ ،‬ويض‪00‬ر نفس‪00‬ه‬ ‫َ‬ ‫األص‪00‬دقاء‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫لينفع‪0‬ك‪ ،‬وإذا حص‪00‬ل ل‪0‬ك مش‪00‬قة من ك‪00‬درات الزم‪0‬ان ش‪0‬تت أم‪0‬ره ليجم‪0‬ع أم‪00‬رك ‪ ،‬كم‪0‬ا ق‪0‬ال‬
‫بعضهم‪:‬‬
‫ص ِديق الحق من كان معك ‪ ##‬ومن يضر نفسه لينفعك‬ ‫إن َ‬
‫ومن إذا ريب الزمان صدعك ‪ ##‬شتت فيك شمله ليجمعك‬
‫وهو نادر جداً في هذا الزمان‪ ،‬والمحال أن يك‪00‬ون هلل ص‪00‬ديق على الوج‪00‬ه المعت‪00‬اد‪:‬‬
‫من أن كالً يعاون اآلخر وينفعه‪ ،‬فال ينافي أن يكون هلل صديق بمعنى المخلص في عبادته‬
‫تعالى‪ ،‬لكن ال يجوز أن يطلق‪ :‬ص‪00‬ديق هللا‪ ،‬ألن‪00‬ه لم ي‪00‬رد‪ ،‬م‪00‬ع أن‪00‬ه ي‪00‬وهم المع‪00‬نى المح‪00‬ال؛‬
‫وكما أنه يستحيل على هللا األصدقاء يس‪00‬تحيل علي‪00‬ه األع‪00‬داء على الوج‪00‬ه المعت‪00‬اد‪ :‬من أن‬
‫كالً يؤذي اآلخر ويضره‪ ،‬فال ينافي أن يكون هلل عدو بمعنى المخالف ألمره‪ ،‬كما في قوله‬
‫ش ُر أَ ْعدَا ُء هَّللا ِ إِلَى النَّا ِر) (فصلت‪ :‬من اآلية‪ )19‬واألصل الق‪00‬اطع في ذل‪00‬ك‬ ‫تعالى‪َ ( :‬ويَ ْو َم يُ ْح َ‬
‫ص‪0‬ي ُر) (الش‪00‬ورى‪:‬‬ ‫ْ‬
‫الس‪ِ 0‬مي ُع البَ ِ‬
‫‪0‬و َّ‬ ‫ش‪ْ 0‬ي ٌء َو ُه‪َ 0‬‬ ‫ْ‬
‫المؤكد للدليل العقلي‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ليس َك ِمثلِ‪ِ 0‬ه َ‬
‫من اآلية‪ )11‬وقوله‪( :‬قُ ْل ُه َو هَّللا ُ أَ َحدٌ…) إلى آخر السورة التي تس‪00‬مى س‪00‬ورة اإلخالص‪،‬‬
‫وسبب نزولها أن المشركين سألوا رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم عن رب‪00‬ه فق‪00‬الوا‪:‬‬
‫صف لنا ربك‪ ،‬أمن ذهب أم من فضة؟‪ 2‬وقد نفت هذه الس‪00‬ورة أن‪00‬واع الكف‪00‬ر الثماني‪00‬ة‪ ،‬ألن‬
‫ص َمدُ) (اإلخالص‪ )2:‬وهو الذي‬ ‫قوله‪( :‬قُ ْل ُه َو هَّللا ُ أَ َحدٌ) نفي الكثرة والعدد‪ ،‬وقوله‪( :‬هَّللا ُ ال َّ‬
‫يقص‪00‬د في الح‪00‬وائج‪ :‬نفي القل‪00‬ة والنقص‪ ،3‬وقول‪00‬ه (لَ ْم يَلِ ‪ْ 0‬د َولَ ْم يُولَ ‪0‬دْ) (اإلخالص‪ )3:‬نفي‬
‫(ولَ ْم يَ ُكنْ‬
‫العلة والمعلولية‪ :‬أي أن يكون تعالى علة لغيره وأن يكون معلوالً لغيره؛ وقوله َ‬
‫لَهُ ُكفُواً أَ َحدٌ) (اإلخالص‪ )4:‬نفي الشبيه والنظير‪،‬‬
‫وفي اآلية السابقة إشكال مشهور‪ :‬وه‪00‬و أن الك‪00‬اف بمع‪00‬نى مث‪0‬ل‪ ،‬فيص‪0‬ير المع‪0‬نى‪:‬‬
‫ليس مثل مثله شيء‪ ،‬فالمنفي مثل المثل فتوهم اآلية حينئذ وجود المثل! وأجيب عن ذلك‬
‫بأجوبة منها‪ :‬أن الكاف صلة‪ :‬أي زائدة لتأكي‪00‬د نفي المث‪00‬ل‪ :‬ف‪00‬المعنى‪ ،‬انتفى المث‪00‬ل انتف‪00‬اء‬
‫مؤكداً؛ ومنها أن المثل بمعنى الصفة‪ ،‬فالمعنى‪ :‬ليس كصفة هللا ش‪00‬يء‪ ،4‬ومنه‪00‬ا أن اآلي‪00‬ة‬

‫‪ 1‬هذا هو أعلى درجات الصداقة وليس كلها كما يوهمه كالم الشارح‪.‬‬
‫‪ 2‬رواه الترمذي ( ‪ ) 3364 ( )5/450‬من حديث أبي بن كعب‪.‬‬
‫‪ 3‬إن أراد قلة الفضل فصحيح‪ ،‬وإن أراد قلة الذات فاآلية ال تنفيه‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫من باب الكناية على حد “ مثلك ال يبخل‪ “ 1‬تريد‪ :‬أنت ال تبخ‪00‬ل‪ ،‬ووج‪00‬ه كونه‪00‬ا من ب‪00‬اب‬
‫الكناية أنه يلزم من نفي مثل المثل نفي المثل‪ ،‬ألنه لو ف‪00‬رض وج‪00‬ود المث‪00‬ل لك‪00‬ان هللا مثالً‬
‫لذلك المثل‪ ،‬وهو ال يصح نفيه لوجوب وجوده‪ ،2‬وقد دلت اآلية على نفي مثل المث‪00‬ل فل‪00‬زم‬
‫من ذلك نفي المثل‪ ،‬وهذا هو المراد‪ ،‬فالقصد نفي مثله تعالى بأبلغ وج‪00‬ه‪ ،‬إذ الكناي‪00‬ة أبل‪00‬غ‬
‫من التصريح لتضمنها إثبات الشيء بدليل‪.‬‬

‫‪ { -66‬صفات المعاني هلل تعالى }‬


‫وقدرة إرادةٌ وغايرت ‪ ##‬أمراً وعلما ً والرضا كما ثبت‬ ‫‪-27‬‬
‫‪ { -67‬قدرة هللا تعالى }‬
‫(قوله وقدرة) لما تكلم على الص‪00‬فة النفس‪00‬ية وعلى الص‪00‬فات الس‪0‬لبية‪ ،‬ش‪00‬رع يتكلم‬
‫على صفات المعاني مقدما ً لها على الصفات المعنوية لكونه‪00‬ا كاألص‪00‬ل له‪00‬ا واإلض‪00‬افة في‬
‫صفات المعاني للبيان‪ ، 3‬فالمراد الصفات التي هي المعاني‪ ،‬ويصح أن تكون على معنى “‬
‫من “ كما نص عليه السكتاني وسيدي يحيى الش‪00‬اوي‪ ،‬وق‪0‬د نص علي‪0‬ه أيض‪0‬ا ً في ش‪00‬ارح‬
‫الوسطى‪ ،‬فالمعنى صفات من المعاني باعتبا المع‪00‬اني من حيث هي‪4‬الش‪00‬املة لك‪00‬ل موج‪00‬ود‬

‫‪ 4‬هذا الوجه ليس بشيء‪ ،‬ألن المث‪0‬ل ال ي‪0‬أتي بمع‪0‬نى الص‪0‬فة واآلتي بمعناه‪0‬ا ه‪0‬و المث‪0‬ل‬
‫مفتوح الثاء‪.‬‬
‫‪ 1‬وذلك ألن المراد بمثلك من كان على ص‪00‬فتك ال‪00‬تي أنت عليه‪00‬ا وه‪00‬و على ص‪00‬فة نفس‪00‬ه‬
‫وتقرير الكناية‪ 0‬في اآلية أنه لو فرض هلل تعالى مثل لما كان لذلك المث‪00‬ل مث‪00‬ل ألن ص‪00‬فته تقتض‪00‬ي‬
‫االنفراد وعدم المشاركة فيها وهذه الصفة موجودة فيه تع‪00‬الى فال يك‪00‬ون ل‪00‬ه مث‪00‬ل‪ ،‬وه‪00‬ذا توجي‪00‬ه‬
‫للكناي‪00‬ة مخ‪00‬الف لتوجي‪00‬ه الش‪00‬ارح‪ ،‬وه‪00‬ذا التوجي‪00‬ه للزمخش‪00‬ري‪ 0،‬وال‪00‬ذي ذك‪00‬ره الش‪00‬ارح‪ 0‬للس‪00‬عد‬
‫التفتازاني‪ .‬وهو ال يجري في مثلك ال يبخل‪ ،‬وكالم الشارح يفيد أنه بي‪00‬ان‪ 0‬للكناي‪0‬ة‪ 0‬في اآلي‪00‬ة بن‪00‬اء‪0‬‬
‫على أنها مثل قولك‪ :‬مثلك ال يبخل وهو غير صحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬فهو من باب‪ 0‬نفي الشيء وهو المث‪00‬ل بنفي الزم‪00‬ه وه‪00‬و مث‪00‬ل المث‪00‬ل‪ ،‬وذل‪00‬ك أن وج‪00‬ود‬
‫المثل يس‪00‬تلزم‪ 0‬وج‪00‬ود مث‪00‬ل المث‪00‬ل وه‪00‬و هللا تع‪00‬الى فنفي الالزم ‪ ،‬وه‪00‬و مث‪00‬ل المث‪00‬ل وأري‪00‬د ب‪00‬ه نفي‬
‫الملزوم‪ ،‬وهو المثل‪ ،‬والقرينة على ذلك كون مثل المثل واجب الوجود والحاصل أن ثب‪0‬وت مثل‪0‬ه‬
‫تعالى يستلزم ثبوت مثل مثله وهو هللا تعال‪ ،‬فنفي الالزم‪ 0‬وجعل دليالً على انتفاء‪ 0‬الملزوم‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله للبيان‪ 0‬وذلك بمالحظة أن المعاني صفات خاصة باهلل تع‪00‬الى‪ ،‬والص‪00‬فات‪ 0‬يش‪00‬ملها‬
‫وغيرها‪ ،‬فتكون اإلض‪00‬افة من إض‪00‬افة الع‪00‬ام للخ‪00‬اص كش‪00‬هر رمض‪00‬ان وعلم الفق‪00‬ه وش‪00‬جر األراك‬
‫وإضافة العام للخ‪00‬اص‪ 0‬المي‪00‬ة للبي‪00‬ان وأم‪00‬ا إذا ل‪00‬وحظت المع‪00‬اني‪ 0‬من حيث هي وباعتب‪00‬ار‪ 0‬ش‪00‬مولها‬
‫لص‪0‬فات‪ 0‬هللا تع‪0‬الى‪ 0‬وغيره‪0‬ا من ص‪0‬فات‪ 0‬األجس‪0‬ام والم‪0‬راد من الص‪0‬فات المض‪0‬افة هي ص‪0‬فات هللا‬
‫فيكون المضاف إليه أعم من المضاف من وجه لشمول الصفات أيضا ً للمعاني وغيرها كالس‪00‬لبية‬
‫فاإلضافة بيانية‪ 0‬على معنى من‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 4‬ال من حيث إنها صفات‪ 0‬هلل تعالى‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫من صفات الق‪0‬ديم والح‪00‬ادث‪ 1‬كالبي‪0‬اض ونح‪0‬وه‪ ،‬ووق‪0‬ع في بعض العب‪0‬ارات‪ :‬وال يص‪00‬ح أن‬
‫تكون على معنى “ من “ ‪ ،‬قال العالمة األمير‪ :‬وال وجه له فلعله تحريف‪ 2‬اهـ‪،‬‬
‫والمع‪00‬اني‪ :‬جم‪00‬ع مع‪00‬نى‪ ،‬وه‪00‬و لغ‪00‬ة‪ :‬م‪00‬ا قاب‪00‬ل ال‪00‬ذات‪ ،‬فيش‪00‬مل النفس‪00‬ية والس‪00‬لبية‪،‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬كل صفة قائمة بموصوف موجبة ل‪0‬ه حكم‪0‬اً‪ ،‬ككون‪0‬ه ق‪0‬ادراً فإن‪0‬ه الزم للق‪0‬درة‪،‬‬
‫وفي الحقيقة‪ 0‬المعاني والمعنوية متالزمان‪ ،‬لكنهم الحظوا الوجودي أصالً لغيره‪،‬‬
‫وبدأ المصنف من صفات المع‪00‬اني بالق‪00‬درة لظه‪00‬ور تأثيره‪00‬ا فق‪00‬ال “ وق‪00‬درة “ أي‬
‫وواجب ل‪00‬ه ق‪00‬درة فه‪00‬و معط‪00‬وف على الوج‪00‬ود‪ ،‬وهي لغ‪00‬ة‪ :‬الق‪00‬وة واالس‪00‬تطاعة كم‪00‬ا قال‪00‬ه‬
‫المؤلف في كبيره‪ ،‬وعرفاً‪ “ :‬صفة أزلية قائم‪00‬ة بذات‪00‬ه تع‪00‬الى يت‪00‬أتى به‪00‬ا إيج‪00‬اد ك‪00‬ل ممكن‬
‫وإعدامه على وفق اإلرادة “ وهذا رسم ال حد حقيقي‪ ،‬وهكذا سائر التعريف‪00‬ات الم‪00‬ذكورة‬
‫للصفات‪ ،‬ألنه ال يعلم كنه ذاته وصفاته‪ ،‬أي حقيقة ذلك‪ ،‬إال هو‪ ،‬وفي قولنا‪ “ :‬يت‪00‬أتى به‪00‬ا‬
‫إيجاد كل ممكن وإعدام‪00‬ه “ إش‪00‬ارة إلى تعلقه‪00‬ا الص‪00‬لوحي الق‪00‬ديم‪ ،‬ويق‪00‬ال ل‪00‬ه‪ :‬الص‪00‬الحي‬
‫القديم وهو صالحيتها في األزل لإليج‪0‬اد واإلع‪0‬دام فيم‪0‬ا ال ي‪0‬زال‪ ،3‬وتتعل‪0‬ق بع‪0‬دمنا فيم‪0‬ا ال‬
‫يزال قبل وجودنا‪ ،‬وباس‪00‬تمرار الوج‪00‬ود بع‪00‬د الع‪00‬دم‪ ،‬وباس‪00‬تمرار الع‪00‬دم بع‪00‬د الوج‪00‬ود تعل‪00‬ق‬
‫قبضة في هذه الثالثة‪ ،‬بمعنى أن الممكن في قبضة القدرة‪ ،‬فإن شاء هللا أبقاه على عدم‪00‬ه‬
‫أو على وجوده‪ ،‬وإن شاء أوجده أو أعدمه‪ ،‬وتتعلق بإيجادن‪00‬ا بالفع‪00‬ل بع‪00‬د الع‪00‬دم الس‪00‬ابق‪،‬‬
‫وبإعدامنا بالفعل بعد الوجود‪ ،‬وبإيجادنا بالفع‪00‬ل حين البعث تعلق‪0‬ا ً تنجيزي‪0‬ا ً حادث‪0‬ا ً في ه‪00‬ذه‬
‫الثالث‪0‬ة‪ ،‬فأقس‪00‬ام تعلق‪00‬ات الق‪0‬درة س‪0‬بعة تفص‪0‬يالً‪ :‬ص‪0‬لوحي ق‪0‬ديم‪ ،‬وتعلق‪0‬ات القبض‪0‬ة ثالث‪0‬ة‬
‫والتعلقات التنجيزية ثالثة؛ فالجملة ما ذكر –كما وضحه ش‪00‬يخنا في رس‪00‬الته‪ -‬وأم‪00‬ا الع‪00‬دم‬
‫األزلي فال تتعلق به القدرة ألنه واجب‪،‬‬
‫وذهب األش‪00‬عري إلى أنه‪00‬ا ال تتعل‪00‬ق بإع‪00‬دامنا بع‪00‬د وجودن‪00‬ا‪ ،‬ب‪00‬ل إذا أراد هللا ع‪00‬دم‬
‫الممكن قط‪00‬ع عن‪00‬ه اإلم‪00‬دادات فينع‪00‬دم بنفس‪00‬ه‪ ،‬كالفتيل‪00‬ة إذا انقط‪00‬ع عنه‪00‬ا ال‪00‬زيت انطف‪00‬أت‬
‫بنفس‪0‬ها‪ ،4‬وفي قولن‪00‬ا “ به‪0‬ا “ إش‪00‬ارة إلى أن الت‪00‬أثير حقيق‪00‬ة لل‪0‬ذات‪ ،‬وإس‪00‬ناد الت‪00‬أثير إلى‬

‫‪ 1‬أي فتكون المعاني عامة والصفات‪ 0‬خاص‪00‬ة فتك‪0‬ون اإلض‪00‬افة على مع‪00‬نى من وأم‪00‬ا ل‪00‬و‬
‫لوحظت المعاني بحسب الواقع وهي الصفات‪ 0‬السبعة فتكون أخص من الصفات‪ 0‬فتك‪00‬ون اإلض‪00‬افة‬
‫للبيان من إضافة العام للخاص‪ 0‬كشجر األراك‪ .‬أفاده األمير ص‪.78‬‬
‫‪ 2‬قوله‪" :‬وال وجه له وذلك أن شرط اإلض‪00‬افة على مع‪00‬نى من أن يك‪00‬ون المض‪00‬اف إلي‪00‬ه‬
‫أصالً للمضاف‪ 0،‬أي مأخذاً اشتقاق له كخاتم فضة وباب ساج‪ ،‬وههنا ليس األمر كذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬متعلق باإليجاد‪ 0‬واإلعدام وأما اإليجاد واإلعدام في األزل فمح‪00‬ال فال تتعل‪00‬ق ب‪00‬ه قدرت‪00‬ه‬
‫تعالى‪ ،‬وذلك أن الفاعل المختار البد أن يقصد إلى إيجاد فعله والقصد إلى إيج‪00‬اد الموج‪0‬ود مح‪00‬ال‬
‫فالبد أن يتقدم القص ُد الفعل فالبد أن يسبق عد ُمه وجودَه ليصح القص‪00‬د إلى إيج‪00‬اده فيك‪00‬ون فعل‪00‬ه‬
‫تعالى حادثا ً فاإليجاد واإلعدام في األزل محال‪ ،‬وبه‪0‬ذا ال‪0‬دليل يثبت أن ق‪0‬دم الع‪0‬الم‪ 0‬مح‪0‬ال م‪0‬ع ق‪0‬دم‬
‫قدرته تعالى‪ 0،‬ألن وجود العالم أثر تعلق قدرته تعالى‪ ،‬والتعلق البد أن يكون مسبوقا ً بالقص‪00‬د إلى‬
‫الفعل فالتعلق ال يكون إال حادثاً‪ 0،‬فالعالم ال يكون إال حادثاً‪.‬‬
‫‪ 4‬فعدم الحوادث عنده سواء كانت جواهر أو أعراض‪0‬ا ً وق‪0‬ع بنفس‪0‬ه ال بالق‪00‬درة‪ ،‬ألن أث‪0‬ر‬
‫القدرة عنده البد أن يكون وجودياً‪ ،‬وتقرير مذهبه‪ :‬أن الحادث إما جرم وإم‪00‬ا ع‪00‬رض‪ ،‬والع‪00‬رض‬
‫من ص‪00‬فاته النفس‪00‬ية‪ 0‬انعدام‪00‬ه بمج‪00‬رد وج‪00‬وده من غ‪00‬يره فع‪00‬ل فاع‪00‬ل والج‪00‬وهر اس‪00‬تمرار وج‪00‬وده‬
‫‪114‬‬
‫القدرة مجاز لكونها سببا ً فيه‪ ،‬ويحرم أن يقال‪ :‬القدرة فعالة‪ ،‬أو انظر فعل القدرة‪ ،‬أو نحو‬
‫ذلك‪ ،‬لما في‪00‬ه من إيه‪0‬ام أنه‪00‬ا الم‪0‬ؤثرة بنفس‪00‬ها‪ ،‬ف‪0‬إن قص‪0‬د ذل‪0‬ك كف‪00‬ر والعي‪00‬اذ باهلل تع‪00‬الى‪،‬‬
‫ويخرج بقولنا‪ “ :‬كل ممكن “ الواجب والمستحيل فال تتعلق بكل منهما‪ ،‬ألنه‪00‬ا إن تعلقت‬
‫بالواجب فال يصح أن تعدمه ألنه ال يقبل العدم‪ ،‬وال يصح أن توجده ألنه يلزم منه تحصيل‬
‫الحاصل‪ ،‬وإن تعلق بالمستحيل فعلى العكس من ذلك‪،‬‬
‫وما في الي‪0‬واقيت للش‪0‬عراني عن ابن الع‪0‬ربي‪ 1‬أن‪0‬ه تع‪0‬الى يق‪0‬در على خل‪0‬ق المح‪0‬ال‬
‫عقالً‪ ،‬وأنه دخل األرض المخلوق‪00‬ة من بقي‪00‬ة خم‪00‬يرة طين‪00‬ة آدم‪ ،‬وهي مدين‪00‬ة إنم‪00‬ا ت‪00‬دخلها‬
‫األرواح فرأى فيها ذلك بعينه –كالم ال يجوز اعتقاد ظاهره‪ ،‬وقد نقل أنه مدسوس عليه‪،‬‬
‫وقد شنع السنوسي في شرح الصغرى على ابن حزم في قول‪0‬ه‪ :‬هللا ق‪0‬ادر أن يتخ‪0‬ذ‬
‫ولداً وإال كان عاجزاً‪ ،‬ولم يعقل أن العجز إنما يكون إذا ك‪00‬ان المتعل‪00‬ق من وظ‪00‬ائف الق‪00‬درة‬
‫بأن كان يقبل الوجود لذاته‪ ،‬ويل‪00‬زم علي‪00‬ه أن الم‪00‬ولى ق‪00‬ادر على إع‪00‬دام قدرت‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل وعلى‬
‫إعدام ذاته‪ ،‬وفي ذلك غاية الفساد‪.‬‬
‫وق‪00‬د س‪00‬أل إبليس إدريس‪ :‬ه‪00‬ل يق‪00‬در الم‪00‬ولى أن ي‪00‬دخل ال‪00‬دنيا في قش‪00‬رة البندق‪00‬ة؟‬
‫فنخسه في عينه ب‪00‬اإلبرة ففقأه‪00‬ا‪ -‬ق‪00‬ال بعض‪00‬هم‪ :‬وأرج‪00‬و أن تك‪00‬ون اليم‪00‬نى –وق‪00‬ال ل‪00‬ه‪ :‬إن‬
‫المولى قادر على أن يدخل الدنيا في سم الخياط‪ ،‬بمعنى أن‪00‬ه يص‪00‬غر ال‪00‬دنيا‪ 2‬أو يوس‪00‬ع س‪00‬م‬
‫الخياط وإال كان محاالً‪ “ ،‬فإن تداخل األجرام المتكاثفة واجتماعها في حيز واحد مستحيل‬
‫“ وإنم‪00‬ا لم يفص‪00‬ل س‪00‬يدنا إدريس الج‪00‬واب إلبليس ألن‪00‬ه متعنت‪ ،‬وش‪00‬أن المتعنت الزج‪00‬ر‪،‬‬
‫وإنما فقأ عينه ألنه أراد بهذا السؤال إطفاء نور اإليمان‪ ،‬فأطف‪00‬أ ن‪00‬ور بص‪0‬ره‪ ،‬ألن الج‪00‬زاء‬
‫من جنس العم‪00‬ل‪ ،‬ومع‪00‬نى قولن‪00‬ا‪ “ :‬وف‪00‬ق اإلرادة “ أن م‪00‬ا خصص‪00‬ه هللا بإرادت‪00‬ه أب‪00‬رزه‬
‫بقدرت‪00‬ه‪ ،‬فتعل‪00‬ق اإلرادة لكون‪00‬ه أزلي ‪0‬اً‪ ،‬س‪00‬ابق على تعل‪00‬ق الق‪00‬درة لكون‪00‬ه تنجيزي ‪0‬ا ً حادث ‪0‬اً‪،‬‬
‫فالترتيب بين التعقلين ال بين الصفتين‪ ،‬ألن القديم ال ترتيب فيه وإال ك‪00‬ان المت‪00‬أخر حادث‪0‬اً‪،‬‬
‫ودليل وجوب القدرة له تعالى أن تقول‪ :‬هللا صانع قديم له مص‪0‬نوع ح‪0‬ادث‪ ،‬وك‪0‬ل من ك‪0‬ان‬
‫كذلك تجب له القدرة‪ ،‬فاهلل تجب له القدرة‬

‫مشروط بإمداد العرض له‪.‬‬


‫فإذا أراد هللا عدمه أمسك عنه األعراض فينعدم الجوهر لوقته بنفسه بدون إعدام معدم‬
‫ق‪00‬ال الدس‪00‬وقي رحم‪00‬ه هللا تع‪00‬الى في حاش‪00‬ية أم ال‪00‬براهين‪ :)99 ( 0‬وه‪00‬ذا الق‪00‬ول –وإن ك‪00‬ان ق‪00‬ول‬
‫الجمه‪00‬ور‪ -‬إال أن‪00‬ه ض‪00‬عيف مب‪00‬ني على أن الع‪00‬رض ال يبقى زم‪00‬انين‪ ،‬والح‪00‬ق أن الع‪00‬رض يبقى‬
‫زم‪00‬انين‪ 0،‬وليس من ص‪00‬فاته النفس‪00‬ية انعدام‪00‬ه بنفس‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل ق‪00‬ال عب‪00‬د الحكيم في حواش‪00‬يه على‬
‫الخيالي‪ :‬إن القول بأن العرض ال يبقى زمانين سفسطة‪.‬‬
‫‪ 1‬الص‪00‬واب‪ 0‬ابن ع‪00‬ربي ب‪00‬دون الـ وأم‪00‬ا ابن الع‪00‬ربي ب‪00‬أل فه‪00‬و القاض‪0‬ي‪ 0‬أب‪00‬و بك‪00‬ر مؤل‪00‬ف‬
‫"العواصم من القواصم" وعارضة األحوذي شرح الترمذي‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله بمعنى أنه يصغر الدنيا م‪0‬راده تص‪0‬غيرها بط‪0‬رح م‪0‬ا زاد على ه‪0‬ذا الق‪0‬در منه‪0‬ا ال‬
‫بطريق إدخال بعض أجرامها في بعض حتى تعود كل األج‪00‬رام بجملته‪00‬ا إلى ه‪00‬ذا الق‪00‬در ف‪00‬إن ذل‪00‬ك‬
‫محال كما قاله الشارح‪ 0‬نقالً عن السنوسي نقالً عن أبي الحسن األشعري‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫‪ { -68‬إرادة هللا تعالى }‬
‫(قوله‪ :‬إرادة) معط‪00‬وف على “ الوج‪0‬ود “ بح‪0‬ذف ح‪0‬رف العط‪00‬ف‪ :‬أي وواجب ل‪0‬ه‬
‫إرادة‪ ،‬ويرادفها المشيئة وهي لغة‪ :‬مطلق القصد‪ ،‬وعرفاً‪ :‬صفة قديمة زائ‪00‬دة على ال‪00‬ذات‬
‫قائم‪00‬ة ب‪00‬ه تخص‪00‬ص الممكن ببعض م‪00‬ا يج‪00‬وز علي‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬و الممكن‪00‬ات المتق‪00‬ابالت الس‪00‬تة‬
‫المنظومة في قوله بعضهم‪:‬‬
‫الممكنات المتقابالت ‪ ##‬وجودنا والعدم‪ 0‬الصفات‬
‫أزمنة أمكنة جهات ‪ ##‬كذا المقادير روى الثقات‬
‫ومعنى كونها متقابالت‪ :‬أنها متنافيات؛ فالوجود يقابل العدم وبالعكس‪ ،‬فهما قس‪00‬م‬
‫أول‪ ،‬وبعض الصفات يقابل بعضاً‪ ،‬فكونه أبيض مثالً يقابل كون‪00‬ه أس‪00‬ود وه‪00‬ذا قس‪00‬م ث‪00‬ان‪،‬‬
‫وبعض األزمنة يقاب‪00‬ل بعض‪0‬اً‪ ،‬فكون‪00‬ه في زمن الطوف‪00‬ان مثالً يقاب‪00‬ل كون‪00‬ه في زمن س‪00‬يدنا‬
‫محمد وهذا قسم ثالث‪ ،‬وبعض األمكن‪00‬ة يقاب‪00‬ل بعض‪0‬اً‪ ،‬فكون‪00‬ه في مك‪00‬ان ك‪00‬ذا كمص‪00‬ر يقاب‪00‬ل‬
‫كونه في مكان غيره كبوالق وه‪00‬ذا قس‪00‬م راب‪00‬ع‪ ،‬وبعض الجه‪00‬ات يقاب‪00‬ل بعض‪0‬اً‪ ،‬فكون‪00‬ه في‬
‫جه‪0‬ة الش‪0‬رق يقاب‪0‬ل كون‪0‬ه في جه‪0‬ة الغ‪0‬رب‪ ،‬وه‪0‬ذا قس‪00‬م خ‪00‬امس‪ ،‬وبعض المق‪0‬ادير يقاب‪00‬ل‬
‫بعضاً‪ ،‬فكونه طويالً مثالً يقابل كونه قصيراً وهذا قسم سادس‪،‬‬
‫وفي قولن‪00‬ا‪ “ :‬قديم‪00‬ة “ رد على الكرامي‪00‬ة حيث ق‪00‬الوا بأنه‪00‬ا ص‪00‬فة حادث‪00‬ة قائم‪00‬ة‬
‫بالذات‪ ،‬وفي قولنا‪ “ :‬زائدة على الذات “ رد على ضرار –من المعتزلة‪ -‬حيث قال‪ :‬إنه‪00‬ا‬
‫نفس الذات‪ ،‬وفي قولنا‪ “ :‬قائمة به “ رد على الجب‪00‬ائي –من المعتزل‪00‬ة‪ -‬حيث ق‪00‬ال‪ :‬إنه‪00‬ا‬
‫صفة قائمة ال بمحل‪ ،‬وفيه رد أيض‪0‬ا ً على النج‪0‬ار حيث ق‪0‬ال‪ :‬إنه‪0‬ا ص‪0‬فة س‪0‬لبية‪ ،‬وفس‪0‬رها‬
‫بعدم كون الفاعل ساهيا ً أو مكرهاً‪ ،‬والصفة السلبية ال قيام لها لكونها أمراً عدمياً‪ ،‬وذهب‬
‫الكعبي ومعتزلة بغداد إلى أن إرادته تعالى لفعل غيره‪ :‬أمره به‪ ،‬ولفعله‪ :‬علمه به‪ ،‬وذهب‬
‫بعضهم إلى أنه‪00‬ا الرض‪00‬ا‪ ،‬وس‪00‬يأتي ال‪00‬رد عليهم بقول‪00‬ه‪ “ :‬وغ‪00‬ايرت أم‪00‬راً … إلخ “ وفي‬
‫قولنا‪ “ :‬تخصص الممكن “ إشارة للتعل‪00‬ق التنج‪00‬يزي الق‪00‬ديم وه‪00‬و تخص‪00‬يص هللا لش‪00‬يء‬
‫أزالً بالصفات التي يعلم أنه يوجد عليها في الخارج‬
‫وله‪00‬ا تعلق‪ 1‬ص‪00‬لوحي ق‪00‬ديم‪ :‬وه‪00‬و ص‪00‬الحيتها في األزل للتخص‪00‬يص م‪00‬ع ثب‪00‬وت‬
‫التخصيص بالفعل أزالً أيضاً‪ ،‬وبعضهم‪ 0‬جعل لها تعلقا ً تنجيزيا ً حادثا ً‪ :2‬وهو تخص‪00‬يص هللا‬

‫‪1‬قوله‪" :‬ولها تعلق … إلخ" معنى ذل‪00‬ك أن هللا خص‪00‬ص في األزل وج‪00‬ود الش‪00‬يء على‬
‫عدم‪00‬ه‪ :‬أي رجح وج‪00‬وده على عدم‪00‬ه‪ ،‬وك‪00‬ان يت‪00‬أتي ل‪00‬ه في األزل أن ي‪00‬رجح بإرادت‪00‬ه عدم‪00‬ه على‬
‫وجوده‪ ،‬لكنه ترك ترجيح العدم على الوجود ورجح في األزل الوجود على الع‪00‬دم‪ ،‬وحاص‪00‬ل ذل‪00‬ك‬
‫أن إرادة هللا في األزل صالحة ل‪0‬ترجيح ك‪0‬ل من الوج‪0‬ود والع‪0‬دم‪ ،‬وفي ح‪0‬ال تل‪0‬ك‪ 0‬الص‪0‬الحية‪ 0‬ث‪0‬ابت‪0‬‬
‫بالفعل ترجيح الوج‪00‬ود على الع‪00‬دم‪ ،‬وال مناف‪00‬اة بين الص‪00‬الحية وبين ثب‪0‬وت ال‪0‬ترجيح بالفع‪0‬ل‪ 0،‬ألن‬
‫معناها أنه تعالى كان يتأتى‪ 0‬ل‪00‬ه أن ي‪0‬رجح الع‪0‬دم على الوج‪00‬ود‪ ،‬وه‪0‬ذا الت‪0‬أتي‪ 0‬ال يمن‪00‬ع من ت‪00‬رجيح‬
‫الطرف اآلخر بالفعل‪ 0،‬وما تشعر به هذه العب‪00‬ارات‪ .. 0‬من أن ال‪00‬ترجيح األزلي ح‪00‬ادث غ‪00‬ير م‪00‬راد‪.‬‬
‫أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪" :‬وبعضهم … إلخ" معنى ذلك أن هللا تعالى يخصص الشيء عند وجوده‪ ،‬بأن‬
‫يرجح وجوده على عدمه ترجيحاً‪ 0‬آخر غير الترجيح األزلي‪ 0‬مع بقاء الترجيح األزلي‪ ،‬ألن الق‪00‬ديم‬
‫ال ينعدم فاجتمع عند وج‪00‬وده ترجيح‪00‬ان‪ 0،‬وه‪00‬ذا نظ‪00‬ير م‪00‬ا ق‪00‬الوه‪ :‬من أن الموج‪00‬ودات منكش‪00‬فة هلل‬
‫‪116‬‬
‫الشيء بما تقدم عند إيجاده بالفعل‪ ،‬لكن التحقيق‪ 3‬أن هذا إظهار للتعل‪0‬ق التنج‪00‬يزي الق‪0‬ديم‬
‫ال تعلق مستقل‪،‬‬
‫وخ‪00‬رج ب‪00‬الممكن‪ :‬ال‪00‬واجب والمس‪00‬تحيل‪ ،‬فال تتعل‪00‬ق بهم‪00‬ا اإلرادة كالق‪00‬درة‪ ،‬وش‪00‬مل‬
‫الممكن‪ :‬الخير والشر‪ ،‬خالفا ً للمعتزلة القائلين بأن إرادة هللا ال تتعلق بالشرور والقبائح‪،‬‬
‫وحكي أن القاض‪00‬ي عب‪00‬د الجب‪00‬ار الهم‪00‬داني دخ‪00‬ل على الص‪00‬احب ابن عب‪00‬اد وعن‪00‬ده‬
‫األستاذ أبو إسحاق اإلسفرايني‪ ،‬فلما رأى األس‪00‬تاذ ق‪00‬ال‪ :‬س‪00‬بحان من ت‪00‬نزه عن الفحش‪00‬اء‪،‬‬
‫فقال األستاذ‪ :‬سبحان من ال يجري في ملكه إال ما يشاء‪ ،‬فقال عبد الجبار‪ :‬أفيريد ربنا أن‬
‫يعصي؟ فقال األس‪00‬تاذ‪ :‬أفيعص‪00‬ى ربن‪0‬ا كره‪0‬اً؟ فق‪00‬ال عب‪00‬د الجب‪00‬ار‪ :‬أرأيت إن منع‪00‬ني اله‪00‬دى‬
‫وقضى عل ّي بالردى‪ ،‬أحسن إل ّي أم أساء؟ فقال األستاذ‪ :‬إن منع‪00‬ك م‪0‬ا ه‪00‬و ل‪0‬ك فق‪0‬د أس‪00‬اء‪،‬‬
‫وإن منعك ما هو له فهو يختص برحمته من يشاء‪،‬‬
‫واختلف العلماء في جواز نسبة فعل الشرور والقبائح إليه تعالى‪ ،‬وال‪00‬راجح ج‪00‬واز‬
‫ذلك في مقام التعليم ال غيره‪ ،‬وه‪00‬ذا الخالف ج‪00‬ار أيض‪0‬ا ً في نس‪00‬بة األم‪00‬ور الخسيس‪00‬ة إلي‪00‬ه‬
‫تعالى واألصح الجواز في مقام التعليم ال في غيره‪ ،‬فال يج‪00‬وز أن يق‪00‬ال‪ :‬هللا خ‪00‬الق الق‪00‬ردة‬
‫والخنازير‪ ،‬وسبحان من رزق الهدهد ومن دبب الشوك‪ ،‬إن لم يكن في مقام التعليم‪.‬‬
‫والدليل على وجوب اإلرادة له تع‪00‬الى أن تق‪00‬ول‪ :‬هللا ص‪00‬انع الع‪00‬الم باالختي‪00‬ار‪ ،‬وك‪00‬ل‬
‫من ك‪00‬ان ك‪00‬ذلك تجب ل‪00‬ه اإلرادة‪ ،‬فاهلل تجب ل‪00‬ه اإلرادة‪ ،‬وأيض‪0‬ا ً فق‪00‬د اتف‪00‬ق ك‪00‬ل على إطالق‬
‫القول بأنه تعالى مريد‪ ،‬وشاع ذل‪00‬ك في كالم‪00‬ه وكالم أنبيائ‪00‬ه عليهم الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪ ،‬وال‬
‫يفهم من قولن‪00‬ا‪ “ :‬مري‪00‬د “ بحس‪00‬ب اللغ‪00‬ة إال ذات ثبت له‪00‬ا اإلرادة‪ ،‬إذ ال يتعق‪00‬ل مري‪00‬د بال‬
‫إرادة‪ ،‬وإن نازع في ذلك المعتزلة‪،‬‬

‫‪ { -69‬مغايرة اإلرادة لألمر والعلم والرضى }‬


‫(قوله‪ :‬وغايرت أمراً) أي خالفت وباينت اإلرادة أم‪00‬راً‪ ،‬بمع‪00‬نى أنه‪00‬ا ليس‪00‬ت عين‪00‬ه‬
‫وال مستلزمة له‪ ،‬فقد يريد ويأمر كإيمان من علم هللا منهم اإليمان‪ ،‬فإنه تعالى أراده منهم‬
‫وأمرهم به‪ ،‬وقد ال يريد وال يأمر كالكفر من هؤالء‪ ،‬فإنه تعالى لم يرده منهم ولم ي‪00‬أمرهم‬
‫به‪ ،‬وقد يريد وال يأمر ك‪00‬الكفر الواق‪00‬ع ممن علم هللا ع‪00‬دم إيم‪00‬انهم‪ ،‬وكالمعاص‪00‬ي فإن‪00‬ه أراد‬
‫بعلمه انكشافا ً تاماً‪ 0،‬ومع ذلك فهي منكشفة له أيضا ً بسمعه وك‪00‬ذا ببص‪00‬ره انكش‪00‬افا ً تام‪0‬اً‪ ،‬فكم‪00‬ا لم‬
‫يغن االنكشاف ب‪00‬العلم عن االنكش‪00‬اف بالس‪00‬مع والبص‪00‬ر‪ 0،‬ك‪00‬ذلك هن‪00‬ا ال يغ‪00‬ني ال‪00‬ترجيح األزلي عن‬
‫الترجيح الحادث وإن كان بعيداً عن العق‪00‬ل‪ ،‬أجه‪00‬وري‪ :‬أق‪00‬ول‪ :‬ه‪00‬ذا خط‪00‬أ والص‪00‬واب أن ال‪00‬ترجيح‬
‫الموجود اآلن هو الترجيح‪ 0‬القديم نفسه وال يعقل وجود ت‪00‬رجيح ث‪00‬ان بع‪00‬د وج‪00‬ود ال‪00‬ترجيح الق‪00‬ديم‬
‫ألن القديم مستمر والذي قد حدث في ما ال يزال إنما هو مقتضى الترجيح القديم وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله‪ :‬لكن التحقيق ‪ ..‬الخ" صاحب هذا التحقيق يسلم أن هناك تخصيصا ً حادثاً‪ ،‬لكنه‬
‫ليس مس‪00‬تقالً عن األول‪ ،‬ب‪00‬ل ه‪00‬و مظه‪00‬ر ل‪00‬ه‪ ،‬ه‪00‬ذا مع‪00‬نى كالم المحش‪00‬ي‪ 0،‬وي‪00‬رد علي‪00‬ه أن ه‪00‬ذا‬
‫التخصيص‪ 0‬الحادث مغاير للتخصيص‪ 0‬القديم قطعا‪ ،‬وحيث كان مغايراً له كان مستقالً‪ ،‬ولم يظه‪00‬ر‬
‫المراد بعدم استقالله‪ 0،‬فهذا التحقيق غير ظاهر‪ ،‬ب‪00‬ل الظ‪00‬اهر‪ 0‬إنك‪00‬ار التخص‪00‬يص‪ 0‬الح‪00‬ادث بالكلي‪00‬ة‪،‬‬
‫وإظهار التخصيص‪ 0‬الق‪00‬ديم إنم‪00‬ا ه‪0‬و بتعل‪00‬ق الق‪00‬درة ال‪00‬ذي ه‪00‬و اإليج‪00‬اد واإلع‪00‬دام اهـ ثم رأيت في‬
‫حاشية الشرقاوي على الهدهدي ما يؤيد هذا الظ‪00‬اهر‪ 0،‬حيث ق‪00‬ال فيه‪00‬ا‪ :‬وبعض‪00‬هم نفي التنج‪00‬يزي‬
‫الحادث استغناء عنه بالتنجيزي‪ 0‬القديم ا‪.‬هـ‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫ذلك ولم يأمر به‪ ،‬وقد يأمر وال يريد كإيمان هؤالء؛ فإنه أمرهم به ولم ي‪00‬رده منهم‪ ،‬وإنم‪00‬ا‬
‫س‪0‬أ َ ُل َع َّما يَ ْف َع‪ُ 0‬ل)‬
‫أمرهم به مع كون‪00‬ه لم ي‪0‬رده منهم لحكم‪00‬ة يعلمه‪00‬ا س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى‪( :‬ال يُ ْ‬
‫(األنبياء‪ :‬من اآلية‪ )23‬فاألقسام أربعة‪،‬‬
‫وغ‪00‬رض المص‪00‬نف ب‪00‬ذلك ال‪00‬رد على من زعم من المعتزل‪00‬ة أن إرادت‪00‬ه تع‪00‬الى لفع‪00‬ل‬
‫غيره أمره ب‪00‬ه‪ ،‬والم‪00‬راد األم‪00‬ر النفس‪00‬ي ال اللفظي‪ ،‬ألن مغايرته‪00‬ا لألم‪00‬ر اللفظي في غاي‪00‬ة‬
‫الظهور فليس فيه خالف‪ ،‬وإنما الخالف في األم‪00‬ر النفس‪00‬ي وه‪00‬و اقتض‪00‬اء أي طلب الفع‪00‬ل‬
‫الذي ليس بكف أي ترك‪ 1‬أو الفعل الذي هو كف إذا كان م‪00‬دلوالً علي‪00‬ه بنح‪00‬و ُك‪00‬فَّ ك‪00‬اترك‪،‬‬
‫بخالف الكف المدلول عليه بغير نحو ُكفَّ كال تفعل فليس بأمر بل نهي‪ ،‬فتحصل أن األم‪00‬ر‬
‫تحته صورتان‪ ،‬األولى‪ :‬طلب الفعل غير الكف كالص‪00‬الة‪ ،‬والثاني‪00‬ة‪ :‬طلب الفع‪00‬ل ال‪00‬ذي ه‪00‬و‬
‫كف المدلول عليه بنحو ُكفَّ ‪ ،‬وأما النهي فتحته ص‪00‬ورة واح‪00‬دة وهي طلب الك‪00‬ف الم‪00‬دلول‬
‫عليه بغير نحو ُكفَّ كال تفعل‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬وعلم‪00‬ا) أي وغ‪00‬ايرت اإلرادة علم‪00‬ا ً بمع‪00‬نى أنه‪00‬ا ليس‪00‬ت عين العلم‪ ،‬وال‬
‫مس‪00‬تلزمة ل‪00‬ه لتعل‪00‬ق العلم ب‪00‬الواجب والمس‪00‬تحيل كالج‪00‬ائز‪ ،‬وال تتعل‪00‬ق اإلرادة إال بالج‪00‬ائز‪،‬‬
‫وغرض‪00‬ه ب‪00‬ذلك ال‪00‬رد على من زعم من المعتزل‪00‬ة أن إرادت‪00‬ه تع‪00‬الى لفعل‪00‬ه علم‪00‬ه ب‪00‬ه‪ ،‬ف‪00‬رد‬
‫بمغايرة اإلرادة لألمر وللعلم على الكعبي ومعتزلة بغداد في قولهم‪ :‬إن إرادته تعالى لفع‪00‬ل‬
‫غيره أمر به‪ ،‬وإرادته لفعله علمه به كما قال المؤلف في كبيره‪،‬‬
‫وقوله (والرض‪00‬ا) أي وغ‪00‬ايرت اإلرادة رض‪00‬اه تع‪00‬الى وه‪00‬و قب‪00‬ول الش‪00‬يء واإلثاب‪00‬ة‬
‫علي‪0‬ه‪ ،‬وغرض‪0‬ه ب‪0‬ذلك ال‪0‬رد على من فس‪0‬ر اإلرادة بالرض‪0‬ا‪ ،‬ف‪0‬إن اإلرادة ق‪0‬د تتعل‪0‬ق بم‪0‬ا ال‬
‫يرضى به هللا تعالى‪ :‬كالكفر الواقع من الكفار فإنه تعالى أراده وال يرضى به‬
‫(قوله‪ :‬كما ثبت) أي كالتغاير الذي ثبت‪ ،‬ال يقال‪ :‬فيه اتحاد المش‪00‬به والمش‪00‬به ب‪00‬ه‪،‬‬
‫ألنا نقول‪ :‬المعنى‪ :‬وغايرت ما ذك‪00‬ر ش‪00‬رعا ً كم‪00‬ا ثبت عقالً‪ ،‬فالتغ‪00‬اير المس‪00‬تفاد من ال‪00‬دليل‬
‫الشرعي مشبه‪ ،‬والتغاير الثابت بال‪00‬دليل العقلي مش‪00‬به ب‪00‬ه‪ ،‬أو يق‪00‬ال‪ :‬المش‪00‬به ه‪00‬و التغ‪00‬اير‬
‫المذكور في كالم المصنف‪ ،‬والمشبه به ه‪00‬و التغ‪00‬اير الث‪00‬ابت عن‪00‬د أه‪00‬ل الس‪00‬نة‪ ،‬ويص‪00‬ح أن‬
‫تكون الكاف للتعليل‪ ،‬و “ ما “ واقعة على الدليل‪ ،‬فيكون المعنى‪ :‬للدليل الذي ثبت عقالً‪.‬‬

‫‪ 1‬تفسير الكف بالترك غير صحيح‪ ،‬ألن الترك أمر عدمي‪ ،‬وهو عدم الفعل‪ ،‬وأما الكف‬
‫ففعل نفسي يتحقق عند توجه النفس نحو الفعل‪ ،‬ومتعل‪00‬ق التكلي‪00‬ف ه‪00‬و ه‪00‬ذا الفع‪00‬ل النفس‪00‬ي‪ ،‬ألن‬
‫التكليف –كما قالوا‪ -‬ال يكون بالفعل‪ ،‬وال يكون باألمر العدمي‪ .‬نعم ع‪0‬دم الفع‪0‬ل الزم للك‪0‬ف‪ ،‬وه‪0‬و‬
‫المقصود منه‪ ،‬فمن فسر الكف بالترك فلعله أراد تفسيره بالزمه المقص‪00‬ود من‪00‬ه‪ ،‬أو أراد ب‪00‬الترك‪0‬‬
‫الفعل النفسي العدم الفعل‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫‪ { -70‬علم هللا تعالى }‬
‫وعلمه وال يقال مكتسب ‪ ##‬فاتبع سبيل الحق واطرح الريب‬ ‫‪-28‬‬
‫(قوله‪ :‬وعلمه) معط‪0‬وف على الوج‪0‬ود‪ :‬أي وواجب ل‪0‬ه علم‪0‬ه‪ ،‬وم‪0‬ا قال‪0‬ه الش‪0‬ارح‬
‫فه‪00‬و ح‪00‬ل مع‪00‬نى ال ح‪00‬ل إع‪00‬راب –كم‪00‬ا تق‪00‬دم نظ‪00‬يره‪ -‬وه‪00‬و “ ص‪00‬فة أزلي‪00‬ة متعلق‪00‬ة بجمي‪00‬ع‬
‫الواجبات والج‪00‬ائزات والمس‪00‬تحيالت على وج‪00‬ه اإلحاط‪00‬ة على م‪00‬ا هي به‪ 1‬من غ‪00‬ير س‪00‬بق‬
‫خفاء “ وقولنا “ متعلقة بجميع … إلخ “ في‪00‬ه إش‪00‬ارة إلى تعل‪00‬ق العلم بجمي‪00‬ع األش‪00‬ياء‬
‫تعلقا ً تنجيزيا ً ق‪00‬ديماً‪ ،‬فيعلم هللا س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى األش‪00‬ياء أزالً على م‪00‬ا هي علي‪00‬ه؛ وكونه‪00‬ا‬
‫وجدت في الماضي أو موجودة في الحال أو توجد في المستقبل‪ :‬أطوار في المعلوم‪00‬ات ال‬
‫توجب تغيراً في تعلق العلم‪ ، 2‬فالمتغير إنما هو صفة المعلوم ال تعلق العلم وليس له تعل‪00‬ق‬
‫‪ 1‬قول‪00‬ه على م‪00‬ا هي ب‪00‬ه‪ :‬فليس الم‪00‬راد من قولن‪00‬ا‪ :‬إن العلم ال يخ‪00‬رج عن‪00‬ه ش‪00‬يء من‬
‫األقس‪00‬ام الثالث‪00‬ة –ال‪00‬واجب والج‪00‬ائز‪ 0‬والممتن‪00‬ع‪ -‬أن‪00‬ه يعلم نق‪00‬ائض‪ 0‬ال‪00‬واجب ثابت‪00‬ة ويعلم مثالً نفي‬
‫الواجب‪ ،‬ويعلم ثبوت الصاحبة والشريك أخذاً من عموم العلم‪ 0،‬وذل‪00‬ك ألن العلم –كم‪00‬ا أش‪00‬ار إلي‪00‬ه‬
‫الشارح بقوله‪ :‬على ما هي به –يتعل‪00‬ق بك‪00‬ل أم‪00‬ر على وجه‪00‬ه الالئ‪00‬ق‪ ،‬وبنفي‪00‬ه على الوج‪00‬ه غ‪00‬ير‬
‫الالئق فالعلم ال يخرج عنه شيء‪ ،‬لكن ذلك الشيء له جهة حق وجه‪00‬ة باط‪00‬ل‪ ،‬فيعلم جه‪00‬ة الح‪00‬ق‬
‫أنها حق كثبوت ذاته وصفاته‪ ،‬ويعلم جهة الباطل‪ 0‬أنه‪00‬ا باطل‪0‬ة‪ 0‬كنفيه‪00‬ا‪ ،‬وال يعلم الثب‪00‬وت‪ 0‬للش‪00‬ريك‪0‬‬
‫ألنها جهة باطل فيعلم أن ثبوته باطل‪ ،‬ويعلم نفيه ألنه جهة حق‪.‬‬
‫‪ 2‬وذلك ألن للعلم تعلقا ً واحداً تنجيزي‪0‬اً‪ 0‬على م‪00‬ا علي‪00‬ه المحقق‪00‬ون‪ 0،‬فيتعل‪00‬ق ب‪00‬الممكن قب‪0‬ل‬
‫وجوده فيعلم وجوده في الوقت الذي يريد‪ ،‬ثم من لوازم ذل‪00‬ك علم عدم‪00‬ه قب‪00‬ل وج‪00‬وده لكن مح‪00‬ط‬
‫‪119‬‬
‫ص‪000‬لوحي وال تنج‪000‬يزي ح‪000‬ادث‪ ،‬وإال ل‪000‬زم الجه‪000‬ل‪ ،‬ألن الص‪000‬الح ألن يعلم‪ :‬ليس بع‪000‬الم‬
‫والتنجيزي الحادث يستلزم سبق الجهل‪ ،‬هذا ما عليه السنوسي ومن تبعه وهو الصحيح‪،‬‬
‫وجعل بعضهم له ثالث تعلقات‪ :‬تنجيزي قديم بالنسبة لذات هللا وص‪00‬فاته‪ ،‬وص‪00‬لوحي ق‪00‬ديم‬
‫بالنسبة لغيره تعالى قبل وجوده‪ ،‬فإن العلم صالح ألن يتعلق بوج‪00‬وده ولم يتعل‪00‬ق بوج‪00‬وده‬
‫بالفعل‪ ،‬ألن علم وجود الشي قبل وجوده جهل؛ نعم علمه بأنه سيكون تنجيزي قديم‪ ،‬وأما‬
‫ق‪00‬ول األولين‪ :‬ل‪00‬و ك‪00‬ان ل‪00‬ه تعل‪00‬ق ص‪00‬لوحي ل‪00‬زم الجه‪00‬ل ألن الص‪00‬الح ألن يعلم ليس بع‪00‬الم‪،‬‬
‫فجوابه أن ثبوت الوج‪00‬ود لزي‪00‬د بالفع‪00‬ل ال يص‪00‬لح ألن يك‪00‬ون معلوم‪0‬ا ً قب‪00‬ل وج‪00‬وده بالفع‪00‬ل‪،‬‬
‫وعدم تعلق الشيء بش‪00‬يء ال يص‪00‬لح أن يك‪00‬ون معلوم‪0‬اً‪ ،‬ال يع‪00‬د جهالً‪ ،‬كم‪00‬ا أن ع‪00‬دم تعل‪00‬ق‬
‫القدرة بالمستحيل ال يعد عجزاً‪ ،‬وتعلق تنجيزي حادث بالنس‪00‬بة لغ‪00‬يره تع‪00‬الى بع‪00‬د وج‪00‬وده‬
‫بالفعل‪ ،‬لكن الحق أنه ليس له إال تعلق تنجيزي قديم‪،1‬‬

‫العلم الوجود‪ ،‬وكل ما بقي من لوازمه‪ ،‬وليس له تعلق صلوحي قديم‪ ،‬فإن الصالح ألن يعلم ليس‬
‫بعالم‪ ،‬وقيل‪ :‬إن له تعلقين صلوحي وتنجيزي‪ ،‬فيتعلق باألشياء قب‪00‬ل كونه‪00‬ا‪ ،‬ويس‪00‬مى ه‪00‬ذا علم‪0‬ا ً‬
‫بما سيكون‪ ،‬ثم يعلم عند كونها أنها كانت وذلك علم بما كان‪ ،‬والعلم بم‪00‬ا س‪00‬يكون غ‪00‬ير العلم بم‪0‬ا‬
‫كان‪.‬‬
‫ورد بأن التعبير‪ 0‬بما كان أو سيكون باعتبار المعلوم ال باعتبار العلم وتعلقه فإنه واحد‪،‬‬
‫فالمعلوم قبل كونه يعبر عنه بأنه سيكون‪ ،‬وبعد كونه يعبر عنه بأن‪00‬ه ك‪00‬ان‪ ،‬ومثّل‪00‬ه الشهرس‪00‬تاني‬
‫بما لو أخبر صادق بوقوع أمر علمنا كونه ال محالة‪ ،‬لم يختلف علمنا قبل وقوعه وبعد وقوع‪00‬ه‪،‬‬
‫وإنم‪00‬ا االختالف في الواق‪00‬ع‪ ،‬ووق‪00‬وع االختالف في علمن‪00‬ا باألش‪00‬ياء لتغ‪00‬ير علمن‪00‬ا بع‪00‬دم اليقين‪0‬‬
‫والثبات‪ ،‬كذا في حاشية العطار‪)2/454( 0‬‬

‫‪ { -71‬بيان قول الفالسفة‪ 0‬إن هللا ال يعلم الجزئيات‪} 0‬‬


‫وقال المحقق البياض‪00‬ي في "إش‪00‬ارات‪ 0‬الم‪00‬رام من عب‪00‬ارات اإلم‪00‬ام "ص‪ 128‬في تقري‪0‬ر‪0‬‬
‫مذهب الفالسفة من أنه تعالى ال يعلم الحوادث الجزئية‪ 0‬بوجه جزئي وأنه إنما يعلمها بوج‪00‬ه كلي‬
‫منحصر في الخارج‪ 0‬في شخص واحد منها –وفي الرد عليه قال‪ :‬ما ملخصه‪:‬‬
‫ذهب الفالسفة إلى أنه تعالى يعلم الح‪00‬وادث الجزئي‪00‬ة ال من حيث إن بعض‪00‬ها واق‪00‬ع اآلن‬
‫وبعضها في الماضي وبعضها في المستقبل كعلم أحدنا بالحوادث المختصة بأزمن ‪0‬ة‪ 0‬معين‪00‬ة‪ ،‬ف‪00‬إن‬
‫العلم بها من هذه الحيثية يتغير بل يعلمها علما ً متعالياً‪ 0‬عن الدخول تحت األزمنة ثابتا ً أبداً‪.‬‬
‫وأجيب بمنع لزوم التغير في العلم من تعلقه بالجزئيات‪ 0‬المتغيرة‪ ،‬بل التغير‪ 0‬إنما هو في‬
‫اإلضافة والتعلق ألن العلم صفة حقيقية ذات إضافة يتغير بإض‪00‬افته فق‪00‬ط في تعلق‪00‬ه ب‪00‬المتغيرات‪0،‬‬
‫وهو مفهوم اعتباري يجوز التغير‪ 0‬فيه‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن تعلق علمه تعالى بالمتجددات على وجهين‪ :‬األول تعلقه بأنها‪ 0‬ستوجد أو‬
‫ستعدم‪ ،‬أي علمه بوجود كل منها مقيد بوقت وجوده وبعدمه كذلك‪.‬‬
‫والث‪00‬اني تعلق‪00‬ه بأنه‪00‬ا وج‪00‬دت اآلن أو قب‪00‬ل ه‪00‬ذا‪ ،‬وك‪00‬ل من ه‪00‬ذين التعلقين متن‪00‬اه متغ‪00‬ير‬
‫بتناهي المتجددات وتغيرها من غير إيجاب‪ 0‬تغير في صفة العلم‪ ،‬وال تغ‪00‬ير أم‪00‬ر حقيقي في ذات‪00‬ه‪،‬‬
‫بل يوجد تغير إضافة العلم وتعلقه بالمعلومات‪ ،‬وال محذور فيه ألن التعلق أمر اعتب‪00‬اري فال ي‪00‬رد‬
‫عليه أن العلم بأنه سيوجد غير العلم بأنه وجد بالضرورة كما ظنه أبو الحسين البصري‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله‪" :‬لكن الحق … إلخ" أقول‪ :‬كال القولين حق‪ ،‬والخالف لفظي وذلك ألن التعلق‬
‫الصلوحي الذي نفاه السنوسي ليس هو التعلق الصلوحي الذي أثبته‪ 0‬البعض اآلخر‪ ،‬وال يلزم من‬
‫‪120‬‬
‫فيعلم المولى األشياء أزالً إجماالً وتفص‪00‬يالً‪ ،1‬ويعلم الكلي‪00‬ات والجزئي‪00‬ات‪ ،‬وكف‪00‬رت‬
‫الفالسفة حيث أنكروا علمه تعالى بالجزئي‪00‬ات‪ ،2‬كم‪00‬ا كف‪00‬رت بإنك‪00‬ار ح‪00‬دوث الع‪00‬الم وحش‪00‬ر‬
‫األجساد فقد كفرت بثالثة‪ ،‬كما قال بعضهم‪:‬‬

‫إثبات‪ 0‬هذا التعلق الصلوحي الجهل وإنم‪0‬ا يل‪0‬زم الجه‪00‬ل من إثبات‪00‬ه ب‪0‬المعنى‪ 0‬ال‪00‬ذي نف‪00‬اه السنوس‪0‬ي‬
‫فالذي نفاه السنوسي عدم تعلق العلم بما سيكون بأنه سيكون وبص‪00‬فاته‪ 0‬وأحوال‪00‬ه‪ ،‬وال‪00‬ذي أثبت‪00‬ه‬
‫غيره هو عدم تعلق العلم حال عدم وجود الشيء بأنه موجود‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله‪ :‬فيعلم المولى األشياء أزالً إجماالً وتفصيالً‪.‬‬
‫‪ { -72‬هل العلم اإلجمالي‪ 0‬ثابت‪ 0‬هلل تعالى }‬
‫اعلم أن العلماء بعدما أجمعوا على أن العلم الحصولي ال يحصل إال عند حصول صورة‬
‫المعلوم في الذهن قسموا العلم إلى قسمين إجمالي وتفصيلي‪.‬‬
‫أما اإلجمالي‪ 0‬فهو بأن يحصل األم‪00‬ور المتع‪00‬ددة في ال‪00‬ذهن بص‪00‬ورة واح‪00‬دة غ‪00‬ير متم‪00‬يز‬
‫األجزاء التي هي صور األمور المتعددة المخصوصة بها‪.‬‬
‫وأم‪000‬ا التفص‪000‬يلي فه‪000‬و ب‪000‬أن يحص‪000‬ل ك‪00‬ل من األم‪000‬ور المتع‪000‬ددة في ال ‪00‬ذهن بص ‪00‬ورته‬
‫المخصوصة به المميزة له عما عداه‪.‬‬
‫ونظير هاتين‪ 0‬المرتبتين‪ 0‬من اإلحساسات أن يرى جماعة دفع‪00‬ة‪ ،‬ثم يح‪00‬دق النظ‪00‬ر إليه‪00‬ا‪0،‬‬
‫فإنا نجد في الحالة األولى حالة إجمالية‪ ،‬وبع‪00‬د التح‪00‬ديق واإلمع‪00‬ان حال‪00‬ة أخ‪00‬رى تفص‪00‬يل األولى‪،‬‬
‫فالحال‪0‬ة‪ 0‬األولى ش‪00‬بيهة ب‪00‬العلم اإلجم‪00‬الي‪ 0،‬والثاني‪00‬ة بالتفص‪00‬يلي‪ 0،‬ف‪00‬إن ح‪00‬ال البص‪00‬يرة بالنس‪00‬بة إلى‬
‫مدركاتها كحال البصر بالنسبة‪ 0‬إلى إدراكاتها‪.‬‬
‫قال التفتازاني في شرح المقاصد‪ :‬إن الحاصل في اإلجمالي‪ 0‬صورة واحدة تط‪00‬ابق الك‪00‬ل‬
‫من غير مالحظة لتفاص‪00‬يل األج‪0‬زاء‪ ،‬وفي التفص‪0‬يلي ص‪0‬ور متع‪0‬ددة يط‪00‬ابق ك‪0‬ل منه‪00‬ا واح‪0‬داً من‬
‫األجزاء على االنفراد‪.‬‬
‫ثم إنهم بع‪00‬دما أثبت‪00‬وا العلم اإلجم‪00‬الي اختلف‪00‬وا في أن‪00‬ه ه‪00‬ل يج‪00‬وز ثبوت‪00‬ه هلل تع‪00‬الى‪ 0‬أم ال‬
‫يجوز؟ جوزه القاضي‪ 0‬أبو بكر الباقالني‪ 0‬والمعتزلة‪ 0،‬ومنعه كثير من أه‪00‬ل الس‪00‬نة وأب‪00‬و هاش‪00‬م من‬
‫المعتزلة‪.‬‬
‫قال القاضي عضد الدين في المواقف‪ :‬والحق أنه إن اشترط في العلم اإلجم‪00‬الي‪ 0‬الجه‪00‬ل‬
‫بالتفصيل امتنع عليه تعالى‪ 0،‬وإال فال يمتنع‪.‬‬
‫قال الدواني في شرح العقائد العضدية‪ :‬وه‪00‬و –أي العلم اإلجم‪00‬الي‪ 0-‬علم بالفع‪00‬ل بجمي‪00‬ع‬
‫المعلومات‪ 0،‬ال بالقوة كما توهمه بعض المتأخرين ‪ ..‬قال الخي‪00‬الي‪ :‬ض‪00‬رورة حص‪00‬ول ص‪00‬ورة ك‪00‬ل‬
‫واحدة منه‪00‬ا عن‪00‬د الم‪00‬درك في ض‪00‬من ص‪00‬ورة الك‪00‬ل المتألف‪00‬ة من ص‪00‬ورها‪ .‬وانظ‪00‬ر ش‪00‬رح ال‪00‬دواني‬
‫بحاشية الكلنبوي عليه (‪.)56-2/54‬‬
‫وقال الذين منعوا ثبوت العلم اإلجمالي هلل تعالى‪ 0:‬إن ثبوت الن‪00‬وعين‪ 0‬من العلم هلل تع‪00‬الى‬
‫متناقض‪ ،‬فإن العلم التفصيلي الذي أجمعوا على ثبوت‪00‬ه هلل تع‪00‬الى عب‪00‬ارة عن تعل‪00‬ق علم‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫بكل معلوم على الوجه الذي هو عليه‪ 0،‬وهو حقيق‪0‬ة المعل‪0‬وم‪ ،‬وه‪0‬ذا من‪0‬اقض لتعل‪00‬ق علم‪00‬ه تع‪0‬الى‬
‫بالمعلومات‪ 0‬على وجه اإلجمال‪ ،‬ألن العلم اإلجمالي إنما يحصل عند عدم العلم التفص‪00‬يلي‪ ،‬وقبل‪00‬ه‬
‫‪121‬‬
‫بثالثة َكفَر الفالسفة العدا ‪ ##‬إذ أنكروها وهي حقا ً مثبتة‬
‫علم بجزئي‪ ،‬حدوث عوالم ‪ ##‬حشر ألجساد وكانت ميتة‬
‫ويعلم س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى م‪00‬ا ال نهاي‪00‬ة ل‪00‬ه ككماالت‪00‬ه‪ ،‬وأنف‪00‬اس أه‪00‬ل الجن‪00‬ة‪ ،‬فيعلمه‪00‬ا‬
‫تفصيالً‪ ،‬ويعلم أنه ال نهاية لها‪ ،‬وتوقف التفصيل على التن‪0‬اهي إنم‪0‬ا ه‪0‬و بحس‪0‬ب عقولن‪0‬ا‪،‬‬
‫ودخل في ذلك علمه‪ ،‬فيعلم بعلمه أن له علماً‪،‬‬
‫والتعريف الذي ذكرناه أولى من التعريف الذي ذكره الشارح وغيره‪ ،‬وه‪00‬و قول‪00‬ه‪:‬‬
‫“ ص‪00‬فة أزلي‪00‬ة قائم‪00‬ة بذات‪00‬ه تع‪00‬الى تنكش‪00‬ف به‪00‬ا المعلوم‪00‬ات عن‪00‬د تعلقه‪00‬ا به‪00‬ا “ ألن ه‪00‬ذا‬
‫التعري‪00‬ف مع‪00‬ترض من وج‪00‬وه‪ ،‬منه‪00‬ا أن قول‪00‬ه‪ “ :‬تنكش‪00‬ف “ يقتض‪00‬ي س‪00‬بق الجه‪00‬ل‪ ،‬ألن‬
‫االنكشاف ظهور الشيء بعد الخفاء‪ ،‬ومنها أن المعلوم‪00‬ات جم‪00‬ع معل‪00‬وم وه‪00‬و مش‪00‬تق من‬
‫العلم‪ ،‬والمشتق متوقف على المشتق منه‪ ،‬كما أن العلم متوقف على معرفة المعلوم ألن‪00‬ه‬
‫أخ‪00‬ذ في تعريف‪00‬ه‪ ،‬فك‪00‬ل منهم‪00‬ا متوق‪00‬ف على اآلخ‪00‬ر فج‪00‬اء ال‪00‬دور‪ ،‬ومنه‪00‬ا أن قول‪00‬ه‪“ :‬‬
‫المعلومات “ يقتضي أنها منكشفة قبل االنكش‪00‬اف‪ ،‬فيل‪00‬زم تحص‪00‬يل الحاص‪00‬ل‪ ،‬وأجيب عن‬
‫األول بأن المراد باالنكشاف هنا‪ :‬ظهور الش‪00‬يء من غ‪00‬ير س‪00‬بق خف‪00‬اء‪ ،‬وعن الث‪00‬اني ب‪00‬أن‬
‫المشتق منه هو العلم ال‪00‬ذي ه‪00‬و المص‪00‬در‪ ،‬والمع‪00‬رف العلم بمع‪00‬نى الص‪00‬فة‪ ،1‬وب‪00‬أن الجه‪00‬ة‬
‫منفكة‪ ،‬ألن توقف العلم على المعل‪0‬وم من حيث المعرف‪0‬ة‪ ،‬وتوق‪0‬ف المعل‪0‬وم‪ 2‬على العلم من‬
‫حيث االشتقاق‪ ،‬وعن الثالث ب‪0‬أن الم‪00‬راد بالمعلوم‪00‬ات األم‪00‬ور من غ‪00‬ير نظ‪00‬ر لوق‪00‬وع العلم‬
‫عليها وب‪00‬ه ين‪00‬دفع ال‪00‬دور أيض‪0‬اً‪ ،‬وب‪00‬أن الم‪00‬راد بالمعلوم‪00‬ات م‪00‬ا من ش‪00‬أنها أن تعلم‪ ،‬وك‪00‬ان‬
‫األولى حذف قوله‪ (:‬عند تعلقها بها ) ألنه يقتضي أن العلم تارة يتعلق بالمعلومات وت‪00‬ارة‬
‫ال يتعلق بها وليس كذلك ألن علم هللا متعلق بالمعلومات أزالً وأبداً‪،‬‬

‫فال يجتمع‪00‬ان مع‪0‬اً‪ ،‬وإنم‪00‬ا يحص‪00‬الن‪ 0‬فيم‪00‬ا يوج‪00‬دان في‪00‬ه من العب‪00‬اد على س‪00‬بيل التع‪00‬اقب‪ ،‬فيحص‪00‬ل‬
‫اإلجمالي‪ 0،‬ثم التفصيلي‪ 0،‬وعند حصول التفصيلي يرتفع اإلجمال‪ ،‬ومن أجل ذلك قال الضرير‪0:‬‬
‫والعلم بالشيء‪ 0‬على التفصيل ‪ ##‬يناقض العلم على التجميل‬
‫ولو سلمنا عدم تناقضهما فأي فائ‪0‬دة في ثب‪0‬وت العلم اإلجم‪0‬الي‪ 0‬بع‪0‬د ثب‪0‬وت التفص‪0‬يلي!؟‪0‬‬
‫وهذا المذهب هو المذهب الحق الذي ندين هللا تعالى‪ 0‬به‪.‬‬
‫‪ 2‬ق‪00‬ال العط‪00‬ار في حاش‪00‬يته‪ 0‬على ش‪00‬رح المحلي‪ 0‬لجم‪00‬ع الجوام‪00‬ع (‪ )2/455‬ق‪00‬ال الجالل‬
‫الدواني‪ :‬اشتهر عنهم –أي عن الفالسفة‪ 0‬المعتزلة‪ 0-‬أنه سبحانه ال يعلم الجزئيات المادية بالوجه‬
‫الجزئي‪ 0،‬بل إنما يعلمها بوجه كلي منحصر في الخارج‪ 0‬في شخص واحد منه‪0‬ا‪ ،‬وق‪0‬د ك‪0‬ثر تش‪00‬نيع‬
‫الطوائ‪00‬ف عليهم‪ ،‬ثم ق‪00‬رر كالمهم على وج‪00‬ه ال يقتض‪00‬ي التكف‪00‬ير‪ ،‬فراجع‪00‬ه إن ش‪00‬ئت‪ ،‬وق‪00‬ال المال‬
‫جامي في الدرة الفاخرة‪ :‬اشتهر عنهم أنهم ادع‪00‬وا انتف‪00‬اء علم‪00‬ه بالجزئي‪00‬ات‪ 0،‬ولكن أنك‪00‬ره بعض‬
‫المتأخرين‪ 0،‬وقال‪ :‬نفي تعلق علمه تعالى بالجزئيات قد أحاله‪ 0‬عليهم من لم يفهم كالمهم إلى آخ‪00‬ر‬
‫ما قال‪ ،‬وأنا أقول‪ :‬هم –وإن أول كال ُمهم في هذه المسألة‪ 0‬على وجه ليس فيه كف‪00‬ر‪ -‬فلهم عظ‪00‬ائم‬
‫أجم‪00‬ع على كف‪00‬رهم فيه‪00‬ا س‪00‬ائر العلم‪00‬اء نع‪00‬وذ باهلل تع‪00‬الى من عقائ‪00‬دهم الفاس‪00‬دة‪ ،‬انتهى فأس‪00‬باب‪0‬‬
‫تكفيرهم غير منحصرة في الثالثة المذكورة في الشرح‪.‬‬
‫‪ 1‬هذا ال يدفع توقف معرفة كل منهما على اآلخر‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا خطأ ال معنى له ألن توقف‪00‬ه علي‪00‬ه من ه‪00‬ذه الجه‪00‬ة ال ي‪00‬دفع توقف‪00‬ه علي‪00‬ه من حيث‬
‫المعرفة‪ .‬والحق أن يقال‪ :‬إن هذا التعريف إنما هو لمن يعرف مطلق العلم ويعرف المعل‪00‬وم لكن‪00‬ه‬
‫ال يعرف أن العلم من حيث كونه وصفا ً له تعالى عبارة عن أي شيء هو‪ ،‬فال دور‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫والدليل على وجوب العلم له تعالى أن تقول‪ :‬هللا فاع‪00‬ل فعالً متقن‪0‬ا ً محكم‪0‬ا ً بالقص‪00‬د‬
‫واالختيار‪ ،‬وكل من كان كذلك يجب له العلم‪ ،‬فاهلل يجب له العلم‪ ،‬فإن قي‪00‬ل‪ :‬إن ه‪00‬ذا ال‪00‬دليل‬
‫إنما يفيد علمه بالجائزات فقط‪ ،‬فما الدليل على علمه بالواجبات والمستحيالت؟ أجيب بأن‬
‫دليل ذلك دليل ع‪00‬دم افتق‪00‬اره للمخص‪00‬ص‪ ،‬ألن‪00‬ه ل‪0‬و لم يعلم بالواجب‪00‬ات والمس‪00‬تحيالت لك‪00‬ان‬
‫محتاج‪0‬ا ً لمن يكمل‪00‬ه‪ ،‬فيل‪00‬زم أن يك‪00‬ون حادث‪0‬ا ً فيفتق‪00‬ر للمخص‪00‬ص‪ ،‬وق‪00‬د تق‪00‬دم ع‪00‬دم افتق‪00‬اره‬
‫للمخصص‬
‫(قوله‪ :‬وال يقال مكتسب) أي وال يج‪0‬وز ش‪00‬رعا ً وال عقالً أن يطل‪00‬ق على علم‪0‬ه أن‪00‬ه‬
‫مكتسب‪ ،‬وهذا ربما يوهم أن النهي عن القول واإلطالق م‪00‬ع ص‪00‬حة المع‪00‬نى وليس ك‪00‬ذلك‪،‬‬
‫ولعل تفسير القول باالعتقاد هن‪0‬ا أحس‪00‬ن‪ ،‬وعلي‪0‬ه ف‪0‬المعنى‪ :‬وال يج‪00‬وز أن يعتق‪0‬د أن علم‪0‬ه‬
‫مكتسب‪ ،‬الستحالته‪ ،‬ألن الكس‪00‬بي عرف‪0‬اً‪ :‬ه‪00‬و العلم الحاص‪00‬ل عن النظ‪00‬ر واالس‪00‬تدالل‪ ،‬ف‪00‬إذا‬
‫أقمت دليالً على ح‪00‬دوث الع‪00‬الم ب‪00‬أن قلت‪ :‬الع‪00‬الم متغ‪00‬ير وك‪00‬ل متغ‪00‬ير ح‪00‬ادث‪ ،‬ينتج‪ :‬الع‪00‬الم‬
‫حادث‪ ،‬فالعلم بحدوث العالم حاصل عن نظر واستدالل فهو كسبي‪ ،‬وقيل‪ :‬الكسبي ه‪00‬و م‪00‬ا‬
‫تعلقت به القدرة الحادثة وعلى هذا التعريف فيش‪00‬مل العلم الض‪00‬روري الحاص‪00‬ل ب‪00‬الحواس‬
‫كالعلم الحاصل باإلبصار أو بالشم‪ ،‬بخالفه على التعري‪00‬ف األول؛ وعلى ك‪00‬ل من التع‪00‬ريفين‬
‫ال يقال لعلم هللا‪ :‬كسبي‪ ،‬ألنه يلزم منه قيام الحوادث بذاته تعالى‪ ،‬ويل‪00‬زم من‪00‬ه أيض‪0‬ا ً س‪00‬بق‬
‫الجهل في حقه تعالى وهو محال؛ وما ورد مما يوهم اكتساب علمه تعالى كقول‪00‬ه ج‪00‬ل من‬
‫ص‪00‬ى‪( )1‬الكه‪00‬ف‪ :‬من اآلية‪ )12‬م‪00‬ؤول على أن‬ ‫ي ا ْل ِح‪ْ 00‬زبَ ْي ِن أَ ْح َ‬
‫قائ‪00‬ل‪( :‬ثُ َّم بَ َع ْثنَ‪00‬ا ُه ْم لِنَ ْعلَ َم أَ ُّ‬
‫المراد –وهللا أعلم‪ :‬ليظهر‪ 2‬لهم متعل‪00‬ق علمن‪00‬ا‪ ،‬أو أن الم‪00‬راد بـ “ نعلم “ مفت‪00‬وح الن‪00‬ون‬
‫والالم “ نعلم “ مضموم النون‪ 3‬ومكسور الالم‪ ،‬كما قاله الشيخ المل‪00‬وي‪ ،‬ومم‪00‬ا ال يق‪00‬ال‪:‬‬
‫إنه من باب تنزيل المتكلم منزلة من لم يعلم وإن ذكره في الي‪00‬واقيت عن ابن الع‪00‬ربي‪ ،‬وال‬
‫أظنه إال مدسوسا ً على الشيخ‪،‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ظاهر اآلي‪00‬ة التعلي‪00‬ل م‪00‬ع أن أفع‪00‬ال هللا ال تعل‪00‬ل أجيب بجع‪00‬ل الم‪00‬ه للعاقب‪00‬ة‬
‫والفائدة‪ ،‬فاآلية أوهمت أن علم‪00‬ه مكتس‪0‬ب وق‪0‬د علمت جواب‪0‬ه‪ ،‬وأوهمت تعلي‪00‬ل فعل‪00‬ه وق‪00‬د‬
‫علمت جوابه‪ ،‬فالكالم في مقامين وإن أوهم كالم الشارح خالفه‪.‬‬
‫واعلم أن‪00‬ه كم‪00‬ا ال يق‪00‬ال‪ :‬علم‪00‬ه مكتس‪00‬ب‪ ،‬ال يق‪00‬ال‪ :‬علم‪00‬ه ض‪00‬روري وال نظ‪00‬ري وال‬
‫بديهي‪ ،‬أما الضروري فهو وإن كان يطلق على م‪0‬ا ال يتوق‪0‬ف على نظ‪0‬ر واس‪0‬تدالل‪ ،‬وه‪0‬و‬
‫صحيح في حقه تعالى‪ ،‬لكن يطلق أيضا ً على ما قارنته الضرورية فيمتنع أن يق‪00‬ال‪ :‬علم‪00‬ه‬
‫ضروري خوفا من توهم هذا المعنى‪.‬وأماالنظري فهو م‪0‬ا توق‪0‬ف على النظ‪0‬ر واالس‪0‬تدالل‪،‬‬
‫فهو مرادف للكسبي على تعريفه األول‪ ،‬فيمتنع أن يقال علمه نظري الس‪00‬تلزامه الح‪00‬دوث‬
‫كم‪00‬ا م‪00‬ر في الكس‪00‬بي‪ ،‬وأم‪00‬ا الب‪00‬ديهي فه‪00‬و وإن ك‪00‬ان يطل‪00‬ق على م‪00‬ا ال يتوق‪00‬ف على نظ‪00‬ر‬
‫واستدالل‪ ،‬فيكون مرادفا للضروري على أحد معنييه‪ ،‬لكن يطلق أيضا على العلم الحاصل‬
‫‪ 1‬قوله‪" :‬ثم بعثن‪00‬اهم ‪ ..‬إلخ" في الجاللين أن (بعثن‪00‬اهم)‪ 0‬بمع‪00‬نى أيقظن‪00‬اهم‪ ،‬و(أحص‪00‬ى)‬
‫فعل ماض بمعنى ضبط‪.‬‬
‫‪ 2‬ال يخفى بعد الوجهين وركاكتهم‪00‬ا‪ ،‬واألولى أن يق‪00‬ال الم‪00‬راد يتعل‪00‬ق علمن‪00‬ا بك‪00‬ون ه‪00‬ذا‬
‫األمر موجوداً‪ ،‬وهذا ما سماه بعضهم بالتعلق التنجيزي‪ 0‬الحادث وأما ما قبل‪00‬ه فك‪00‬ان العلم متعلق ‪0‬اً‪0‬‬
‫بأنه سيوجد‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬على ذكر السبب وإرادة المسبب ألن العلم سبب لإلعالم‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫للنفس بغتة‪ ،‬يقال‪ :‬بده النفس األمر‪ :‬إذا أتاها بغتة‪ ،‬فيمتنع أن يقال‪ :‬علمه بديهي إليهامه‬
‫هذا المعنى‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فاتبع سبيل الح‪00‬ق) أي إذا علمت وج‪00‬وب الق‪00‬درة واإلرادة والعلم ل‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫فاتبع طريقا هو الحق وهو الحكم المطابق للواقع‪ ،‬فالفاء فاء الفص‪00‬يحة‪ ،‬والس‪00‬بيل بمع‪00‬نى‬
‫الطريق‪ ،‬وإضافته للحق للبي‪00‬ان‪ ،‬ويص‪00‬ح أن يك‪00‬ون في الكالم ح‪00‬ذف المض‪00‬اف‪ ،‬والتق‪00‬دير‪:‬‬
‫سبيل أهل الحق‪ ،‬أي طريقهم‪ ،‬والمراد به‪:‬معتقد أهل السنة من وجوب صفات المعاني ل‪00‬ه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫فالريَب جمع ريبة بمع‪00‬نى الش‪00‬بهة‬ ‫وقوله‪( :‬واطرح الريب) أي‪ :‬وألق عنك الشبه‪ِّ ،‬‬
‫ال‪00‬تى لم تعلم ص‪00‬حتها وال فس‪00‬ادها‪ ،‬وه‪00‬ذا بحس‪00‬ب األص‪00‬ل‪ ،‬وإال فالقص‪00‬د هن‪00‬ا ال‪00‬رد على‬
‫المعتزلة النافين لصفات المعاني لئال يلزم تعدد القدماء‪ ،‬وهذه شبهة فاسدة‪ ،‬ألنه ال يض‪00‬ر‬
‫إال تعدد ذوات القدماء ال تعدد الصفات مع اتحاد الذات‪ ،‬ويصح أن يك‪00‬ون في الكالم ح‪00‬ذف‬
‫مضافين‪ ،‬والتقدير‪ :‬واط‪00‬رح س‪00‬بيل أه‪00‬ل ال‪00‬ريب وش‪00‬كوك الن‪00‬افين لص‪00‬فات المع‪00‬اني‪ ،‬ألنهم‬
‫يقولون‪ :‬قادر بذاته مريد بذاته‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهو هذيان‪ ،‬ألن‪00‬ه ال يُعق‪00‬ل ق‪00‬ادر بال ق‪00‬درة ومري‪00‬د‬
‫بال إرادة وهكذا‪.‬‬

‫حياته كذا الكالم‪ ،‬السمع ‪ ##‬ثم البصر بذي أتانا السمع‬ ‫‪-29‬‬
‫‪ { -73‬حياة هللا تعالى }‬
‫(قوله‪ :‬حياته) معطوف على الوجود بحذف حرف العطف‪ ،‬وما صنعه الشارح حل‬
‫مع‪00‬نى كم‪00‬ا تق‪00‬دم‪ ،‬وق‪00‬د ع‪00‬رف الش‪00‬يخ السنوس‪00‬ي الحي‪00‬اة بتعري‪00‬ف يش‪00‬مل الحي‪00‬اة القديم‪00‬ة‬
‫والحادثة حيث قال‪ :‬هي صفة تصحح لمن قامت به اإلدراك‪ :‬أي تصحح لمن قامت ب‪00‬ه أن‬
‫يتصف بصفات اإلدراك‪ 1‬وال يضره الجمع بين حقيقتين مختلفتين بالق‪00‬دم والح‪00‬دوث‪ ،‬ألن‪00‬ه‬
‫رسم ال ح ّد‪ ،2‬وعرف بعضهم كالً منهما بتعريف يخصه‪ ،‬فعرف الحي‪00‬اة القديم‪00‬ة بقول‪00‬ه‪“ :‬‬
‫صفة أزلية تقتضي صحة العلم “ أي تقتضي ص‪00‬حة االتص‪00‬اف ب‪00‬ه‪ ،‬وكم‪00‬ا تقتض‪00‬ي ص‪00‬حة‬
‫االتصاف بالعلم تقتضي صحة االتصاف بغ‪00‬يره من الص‪00‬فات الواجب‪00‬ة‪ ،‬وإنم‪00‬ا اقتص‪00‬ر على‬
‫العلم ألنه شرط في غيره‪ 3‬وش‪00‬رط الش‪00‬رط ش‪00‬رط‪ ،‬وأقحم لفظ‪00‬ة “ ص‪00‬حة “ ألن الحي‪00‬اة ال‬
‫تستلزم العلم بالفعل‪ ،‬لكن العلم واجب في حقه تع‪00‬الى لل‪00‬دليل الس‪00‬ابق‪ ،‬وأم‪00‬ا في حقن‪00‬ا فق‪00‬د‬

‫‪ 1‬أي بصفات تصحح اإلدراك مثل القوة المودعة في العين واألذن واألنف والفم والبدن‬
‫إلدراك المرئي‪00‬ات‪ 0‬واألص‪00‬وات وال‪00‬روائح والطع‪00‬وم والملموس‪00‬ات‪ ،‬ف‪00‬إن الحي‪00‬اة ش‪00‬رط في اتص‪00‬اف‬
‫الموجود بهذه الصفات‪ ،‬وقد توجد الحياة بدونها كاألعمى واألصم واألخشم‪.‬‬
‫‪ 2‬ألن الحد يك‪00‬ون بال‪00‬ذاتيات‪ 0‬وذاتي‪00‬ات ك‪00‬ل ش‪00‬يء تخص‪00‬ه ال يش‪00‬اركه فيه‪00‬ا غ‪00‬يره بخالف‬
‫العرضيات التي يتألف منها الرسم‪.‬‬
‫‪ 3‬قول‪00‬ه‪" :‬ألن‪00‬ه ش‪00‬رط في غ‪00‬يره‪ ،‬أي ألن العلم ش‪00‬رط في غ‪00‬يره من ب‪00‬اقي الص‪00‬فات‪ 0‬من‬
‫القدرة واإلرادة‪ .‬والحياة شرط فيه‪ ،‬وشرط الشرط شرط‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫ينتفي العلم مع وجود الحياة‪ ،‬كما في المجن‪00‬ون فإن‪00‬ه حي م‪00‬ع انتف‪00‬اء العلم عنه‪ ،1‬وع‪00‬رف‬
‫الحياة الحادثة بقوله‪ “ :‬هي كيفية يلزمها قب‪00‬ول الحس والحرك‪00‬ة اإلرادي‪00‬ة “ أي ع‪00‬رض‬
‫يلزم‪00‬ه قب‪00‬ول اإلحس‪00‬اس وقب‪00‬ول الحرك‪00‬ة اإلرادي‪00‬ة‪ ،‬بخالف الحرك‪00‬ة االض‪00‬طرارية كحرك‪00‬ة‬
‫الحجر بحركة محركه‪ ،‬وحياة هللا لذاته ليست بروح‪ ،‬وحياتنا ليست لذاتنا بل بسبب روح‪،‬‬
‫ودليل وجوب الحياة ل‪0‬ه تع‪0‬الى أن تق‪0‬ول‪ :‬هللا المتص‪0‬ف بالق‪0‬درة واإلرادة والعلم‪ ،‬وك‪0‬ل من‬
‫كان كذلك تجب له الحياة‪ ،‬فاهلل تجب له الحياة‬
‫‪ { -74‬كالم هللا تعالى }‬
‫(قوله‪ :‬كذا الكالم) “ كذا “ خبر مقدم‪ ،‬و “ الكالم “ مبتدأ مؤخر والمعنى‪ :‬الكالم‬
‫مثل ذا أي ما تقدم من الص‪00‬فات‪ ،‬والتش‪00‬بيه ليس من ك‪00‬ل وج‪00‬ه ب‪00‬ل في مطل‪00‬ق الوج‪00‬وب هلل‬
‫تع‪00‬الى وإن خالفه‪00‬ا في ال‪00‬دليل‪ ،‬ألن دليله‪00‬ا عقلي إم‪00‬ا وح‪00‬ده وإم‪00‬ا م‪00‬ع النقلي على وج‪00‬ه‬
‫التأكيد‪ ،‬ودليله نقلي إما وحده أو مع العقلي على وجه التأكيد‪2‬؛ فالمعول عليه في‪00‬ه ال‪00‬دليل‬
‫السمعي‪ 3‬كما سيذكره بقوله‪ “ :‬بذي أتانا السمع “‬
‫وقد اختلف أهل المذاهب في مع‪00‬نى كالم‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬فق‪00‬ال أه‪00‬ل الس‪00‬نة‪ :‬ص‪00‬فة أزلي‪00‬ة‬
‫قائمة بذاته تعالى ليست بحرف وال صوت منزهة عن التقدم والتأخر واإلع‪00‬راب والبن‪00‬اء‪،‬‬
‫ومنزهة‪ 4‬عن السكوت النفسي بأن ال يدبر في نفسه الكالم مع القدرة عليه‪ ،‬ومنزه‪00‬ة عن‬
‫اآلفة الباطنية بأن ال يقدر على ذلك كما في حال الخرس‪ 5‬والطفولية‪،‬‬
‫وق‪00‬الت الحش‪00‬وية وطائف‪00‬ة س‪00‬موا أنفس‪00‬هم‪ 0‬الحنابل‪00‬ة‪ :‬كالم‪00‬ه تع‪00‬الى ه‪00‬و الح‪00‬روف‬
‫واألصوات المتوالية المترتبة ويزعمون أنها قديمة‪ ،‬وتغالى بعض‪0‬هم ح‪0‬تى زعم ق‪0‬دم ه‪0‬ذه‬
‫الحروف التي نقرؤها والرسوم‪ 6‬بل تجاوز جهل بعضهم لغالف المصحف‪،‬‬
‫‪ 1‬هذا يدل على عكس ما ادعاه آنفا ً من أن العلم ش‪00‬رط في غ‪00‬يره ألن المجن‪00‬ون متص‪00‬ف‬
‫بالقدرة مع فقد العلم عنه فما قاله آنفا ً منقوض‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪" :‬إم‪0‬ا وح‪0‬ده أو م‪0‬ع العقلي" معن‪0‬اه أن‪0‬ك بالخي‪00‬ار بين أن تس‪0‬تدل بال‪0‬دليل النقلي‬
‫وتقتصر علي‪0‬ه ‪ ،‬وبين أن تض‪0‬م إلي‪0‬ه ال‪0‬دليل العقلي للتأكي‪0‬د والتقوي‪0‬ة‪ 0،‬وه‪0‬و م‪0‬ا ذك‪0‬ره السنوس‪0‬ي‬
‫بقوله "وأيضا ً لو لم يتص‪0‬ف به‪0‬ا ل‪0‬زم أن يتص‪0‬ف بأض‪0‬دادها وهي نق‪0‬ائص والنقص‪ 0‬علي‪0‬ه تع‪0‬الى‬
‫محال"‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 3‬وذلك ألن وجود اإلله ال يتوقف على كونه متكلم‪0‬ا ً كم‪00‬ا يتوق‪00‬ف على كون‪00‬ه حي‪0‬ا ً ق‪00‬ادراً‬
‫مريداً بل كونه تعالى‪ 0‬متكلما ً ثابت بقول النبي‪ 0:‬إن الرب قد أنزل علي كالما ً مثالً‪ ،‬والنبي ق‪0‬د ثبتت‬
‫نبوته بالمعجزة التي ليست بكالم فكان ثبوت الكالم بالدليل السمعي‪.‬‬
‫‪ 4‬ك‪00‬ان األولى أن يق‪00‬ول‪ :‬مض‪00‬ادة للس‪00‬كوت ‪ ..‬ومض‪00‬ادة لآلف‪00‬ة الباطني ‪0‬ة‪ 0‬ألن الم‪00‬نزه عن‬
‫السكوت وعن اآلفة الباطنية هو هللا تعالى‪ 0،‬ال الصفة المذكورة‪ ،‬بل هي مضادة لهما‪.‬‬
‫‪ 5‬قول‪00‬ه‪" :‬كم‪00‬ا في ح‪00‬ال الخ‪00‬رس … إلخ" التش‪00‬بيه في مطل‪00‬ق اآلف‪00‬ة وإن ك‪00‬انت اآلف‪00‬ة‬
‫المش‪00‬بهة هي اآلف‪00‬ة الباطني‪00‬ة المانع‪00‬ة‪ 0‬من الكالم النفس‪00‬ي‪ ،‬واآلف‪00‬ة المش‪00‬به به‪00‬ا هي الخ‪00‬رس‬
‫والطفولية ظاهرية مانعة من الكالم اللفظي‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 6‬يقصد الشارح‪ 0‬الحروف التي تصدر من القارئ وك‪00‬ان علي‪00‬ه أن يق‪00‬ول نتلف‪00‬ظ به‪00‬ا ب‪00‬دل‬
‫نقرؤها ألن المقروء قديم والحادث هو القرائة وص‪00‬وت الق‪00‬ارئ‪ 0‬وحروف‪00‬ه فإنه‪00‬ا حكاي‪00‬ة لكالم هللا‬
‫تعالى وليست نفسه كما قال اإلمام أبو حنيفة‪ :‬ما قام باهلل قديم‪ ،‬وما قام ب‪0‬الخلق مخل‪00‬وق‪ ،‬أق‪0‬ول‪:‬‬
‫‪125‬‬
‫وقالت المعتزلة‪ :‬كالمه هو الحروف واألصوات الحادث‪0‬ة وهي غ‪0‬ير قائم‪0‬ة بذات‪0‬ه‪،‬‬
‫فمع‪00‬نى كون‪00‬ه متكلم‪0‬ا ً عن‪00‬دهم‪ :‬أن‪00‬ه خ‪00‬الق للكالم في بعض األجس‪00‬ام‪ 1‬ل‪00‬زعمهم أن الكالم ال‬
‫يك‪00‬ون إال بح‪00‬روف وأص‪00‬وات‪ ،‬وه‪00‬و م‪00‬ردود ب‪00‬أن الكالم النفس‪00‬ي ث‪00‬ابت لغ‪00‬ة كم‪00‬ا في ق‪00‬ول‬
‫األخطل‪:‬‬
‫إن الكالم لفي الفؤاد وإنما ‪ ##‬جعل اللسان على الفؤاد‪ 0‬دليالً‬
‫وكالمه تعالى صفة واحدة ال تعدد فيها‪ ،2‬لكن له اقسام اعتبارية‪ ،‬فمن حيث تعلق‪00‬ه‬
‫بطلب فع‪00‬ل الص‪00‬الة مثالً‪ :‬أم‪00‬ر‪ ،‬ومن حيث تعلق‪00‬ه بطلب ت‪00‬رك الزن‪00‬ا مثالً‪ :‬نهي‪ ،‬ومن حيث‬
‫تعلقه بأن فرعون فعل كذا مثالً‪ :‬خبر‪ ،‬ومن حيث تعلقه بأن الطائع له الجن‪00‬ة‪ :‬وع‪00‬د‪ ،‬ومن‬
‫حيث تعلقه بأن العاصي يدخل الن‪00‬ار‪ :‬وعي‪00‬د‪ ،‬إلى غ‪00‬ير ذل‪00‬ك‪ ،‬وتعلق‪00‬ه بالنس‪00‬بة لغ‪00‬ير األم‪00‬ر‬
‫والنهي‪ :‬تعلق تنجيزي قديم‪ ،‬وأم‪00‬ا بالنس‪00‬بة لألم‪00‬ر والنهي‪ :‬ف‪00‬إن لم يش‪00‬ترط فيهم‪00‬ا وج‪00‬ود‬
‫المأمور والمنهي‪ ،3‬فكذلك‪ 4‬وإن اشترط فيهما ذلك كان التعلق فيهما ص‪00‬لوحيا ً قب‪00‬ل وج‪00‬ود‬
‫المأمور والمنهي‪ ،‬وتنجيزيا ً حادثا ً بعد وجودهما‪.‬‬
‫واعلم أن كالم هللا يطلق على الكالم النفسي القديم‪ ،‬بمعنى أن‪00‬ه ص‪00‬فة قائم‪00‬ة بذات‪00‬ه‬
‫تعالى‪ ،‬وعلى الكالم اللفظي بمعنى أنه خلقه‪ ،‬وليس ألحد في أصل‪ 5‬تركيب‪00‬ه كس‪00‬ب‪ ،‬وعلى‬
‫هذا المعنى‪ 6‬يحمل قول السيدة عائش‪00‬ة‪ :‬م‪00‬ا بين دف‪00‬تي المص‪00‬حف كالم هللا تع‪00‬الى وإطالق‪00‬ه‬

‫وهال قالت هذه الطائفة بقدم القارئ مثل ما قالت بقدم ألفاظه وحروفه!؟‪.‬‬
‫‪ 1‬كاللوح المحفوظ وجبريل والنبي وشجرة موسى‪.‬‬
‫‪ 2‬ه‪0‬ذا ه‪0‬و م‪0‬ذهب ابن كالب‪ ،‬وتبع‪0‬ه علي‪0‬ه جمه‪0‬ور األش‪0‬اعرة والماتريدي‪0‬ة‪ 0،‬وليس ه‪0‬و‬
‫مذهب جمهور السلف‪ ،‬وانظر تفصيله وما يرد عليه في مقالتنا المفردة في مسألة الكالم‪.‬‬
‫وأما جمهور السلف فالقرآن‪ 0‬عندهم عبارة عن األلف‪00‬اظ النفس‪00‬ية المرتب‪00‬ة م‪00‬ع معانيه‪00‬ا‪،‬‬
‫وانظر تفصيله هناك‪.‬‬
‫‪ 3‬يعني حال األمر‪ ،‬وأما الوجود مطلقاً‪ 0‬فال خالف فيه‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله‪ :‬فكذلك‪ :‬أي اكتف‪00‬اء بوج‪0‬ود الم‪00‬أمور والمنهي في علم هللا وتق‪00‬ديره‪ ،‬كم‪00‬ا ذك‪00‬ره‬
‫الشيخ األمير في حاشية عبد السالم‪ ،‬أجهوري‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وهذا هو التحقيق فإن لألب مثالً أن يأمر ابنه الذي سيوجد –أي يطلب‪ 0‬منه طلب‪00‬ا ً‬
‫جازماً‪ -‬أن يفعل كذا عند وجوده وفهمه للخطاب‪ 0‬وقدرته فهذا الطلب قد وجد مع فقد الم‪00‬أمور في‬
‫الخارج‪.‬‬
‫‪ 5‬قوله في أصل تركيبه‪ :‬كلمة "األصل" حشو مفسد‪.‬‬
‫‪ 6‬أي على اللفظي‪ 0‬المخلوق هلل تع‪00‬الى وذل‪00‬ك ألن الكالم الق‪00‬ديم الق‪00‬ائم باهلل تع‪00‬الى‪ 0‬ال يق‪00‬ع‬
‫بين الدفتين‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫عليهما‪ ،‬قيل باالشتراك‪ ،‬وقيل حقيقي في النفسي مج‪00‬از في اللفظي‪ ،1‬وعلى كل‪ 2‬من أنك‪00‬ر‬
‫أن ما بين دفتي المصحف كالم هللا فقد كفر‪ ،‬إال أن يريد أنه ليس هو الصفة القائمة بذات‪00‬ه‬
‫تعالى‪،‬‬
‫ومع كون اللفظ الذي نق‪00‬رؤه حادث‪0‬ا ً ال يج‪00‬وز أن يق‪00‬ال‪ :‬الق‪00‬رآن ح‪00‬ادث إال في مق‪00‬ام‬
‫التعليم‪ ،‬ألنه يطلق على الصفة القائمة بذاته أيضا ً لكن مجازاً على األرجح‪ ،‬فربم‪00‬ا يت‪00‬وهم‬
‫من إطالق أن القرآن حادث أن الصفة القائم‪00‬ة بذات‪00‬ه تع‪00‬الى حادث‪00‬ة‪ ،‬ول‪00‬ذلك ض‪00‬رب اإلم‪00‬ام‬
‫أحمد بن حنبل وحبس على أن يقول بخلق القرآن فلم يرض‪،3‬‬
‫وقال السنوس‪00‬ي وغ‪00‬يره من المتق‪0‬دمين‪ :‬إن األلف‪0‬اظ ال‪0‬تي نقرؤه‪00‬ا ت‪0‬دل على الكالم‬
‫القديم‪ ،‬وهذا خالف التحقيق‪ ،‬ألن بعض مدلوله قديم‪ ،‬كما في قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬هَّللا ُ ال إِلَ ‪0‬هَ إِاَّل‬
‫ُه َو ا ْل َح ُّي ا ْلقَيُّو ُم) (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )255‬وبعض مدلوله حادث كما في قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬إِنَّ‬
‫سى) (القصص‪ :‬من اآلية‪ )76‬والتحقيق أن هذه األلف‪00‬اظ ت‪00‬دل على‬ ‫قَارُونَ َكانَ ِمنْ قَ ْو ِم ُمو َ‬
‫‪4‬‬
‫بعض م‪00‬دلول الكالم الق‪00‬ديم‪ ،‬ألن‪00‬ه ي‪00‬دل على جمي‪00‬ع الواجب‪00‬ات والج‪00‬ائزات والمس‪00‬تحيالت‬
‫فاأللفاظ التي نقرؤها تدل على بعض ه‪00‬ذا الم‪00‬دلول‪ ،‬فل‪00‬و كش‪00‬ف عن‪00‬ا الحج‪00‬اب وفهمن‪00‬ا من‬
‫صالةَ) (األنع‪00‬ام‪:‬‬ ‫الكالم القديم طلب إقامة الصالة مثالً نفهم ذلك من قوله تعالى‪( :‬أَقِي ُموا ال َّ‬
‫من اآلية‪ )72‬ويص‪00‬ح أن يك‪00‬ون الم‪00‬راد أن الكالم اللفظي ي‪00‬دل على الكالم النفس‪00‬ي دالل‪00‬ة‬
‫عقلية التزامية بحسب العرف‪ ،‬فإن من أضيف له كالم لفظي دل عرفا ً أن له كالما ً نفس‪00‬ياً‪،‬‬
‫وقد أضيف له تعالى كالم لفظي كالقرآن‪ ،‬فإنه كالم هللا قطعاً‪ ،‬بمع‪00‬نى أن‪00‬ه خلق‪00‬ه في الل‪00‬وح‬
‫المحفوظ‪ ،‬فدل التزاما ً على أن له تعالى كالم‪0‬ا ً نفس‪00‬ياً‪ ،‬وه‪00‬ذا ه‪00‬و الم‪00‬راد بق‪00‬ولهم‪ :‬الق‪00‬رآن‬

‫‪ 1‬هذا القول ضعيف ألن الش‪00‬ائع المس‪00‬تمر ه‪00‬و إطالق الكالم على اللفظي وإطالق‪00‬ه على‬
‫المعنى القائم‪ 0‬ب‪0‬النفس‪ 0‬ن‪0‬ادر وه‪0‬ذا دلي‪0‬ل على العكس من ه‪0‬ذا الق‪0‬ول أي كون‪0‬ه حقيقي‪0‬اً‪ 0‬في اللفظي‬
‫مجازاً في المعنى كما قيل بهذا وهو قول قوي" ولعل ذلك القائل الح‪00‬ظ أن المع‪00‬نى لكون‪00‬ه وص‪00‬فا ً‬
‫له تعالى هو أولى بإطالق كالم هللا عليه‪ 0،‬وهذا أمر ال عالق‪00‬ة ل‪00‬ه باللغ‪00‬ة والمس‪00‬ألة‪ 0‬لغوي‪00‬ة‪ ،‬ومم‪00‬ا‬
‫ينبغي التنبيه عليه أنه ليس المراد بالكالم‪ 0‬النفس‪00‬ي عن‪00‬د جمه‪00‬ور األش‪00‬اعرة والماتريدي‪00‬ة األلف‪00‬اظ‬
‫النفسية مثل ما يرتبه اإلنسان في نفسه بعد حصول المعنى فيه وقب‪00‬ل التلف‪0‬ظ‪ 0‬ب‪00‬الكالم اللفظي ألن‬
‫الكالم بهذا المع‪00‬نى مث‪00‬ل الكالم اللفظي‪ 0‬ح‪00‬ادث عن‪00‬دهم لوج‪00‬ود ال‪00‬ترتيب‪ 0‬في‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل م‪00‬رادهم ب‪00‬الكالم‬
‫النفسي المعنى الذي ال يتغ‪00‬ير بتغ‪00‬ير التعب‪00‬يرات وال يختل‪00‬ف ب‪0‬اختالف اللغ‪0‬ات‪ 0،‬مث‪00‬ل الطلب‪ 0‬الق‪00‬ائم‬
‫بنفس اآلمر‪.‬‬
‫‪ 2‬قول‪00‬ه‪ :‬وعلى ك‪00‬ل ب‪00‬التنوين أي ك‪00‬ل من اإلطالقين إطالق الق‪00‬رآن على الكالم النفس‪00‬ي‬
‫وإطالقه على الكالم اللفظي‪.‬‬
‫‪ 3‬أقول‪ :‬امتنع اإلمام أحمد وغيره من أئم‪00‬ة أه‪00‬ل الس‪00‬نة عن الق‪00‬ول بخل‪00‬ق الق‪00‬رآن ألنهم‬
‫كانوا يرون أن القرآن بألفاظه‪ 0‬ومعانيه قديم قائم بذاته تعالى وه‪0‬ذا ه‪0‬و م‪0‬ذهب جمه‪0‬ور الس‪0‬لف‪،‬‬
‫وأما ما ذكره الش‪00‬ارح هن‪00‬ا فه‪00‬و م‪00‬ذهب ابن كالب وجمه‪00‬ور المت‪00‬أخرين‪ 0‬من أه‪00‬ل الس‪00‬نة‪ 0،‬وانظ‪00‬ر‬
‫تحقيق المسألة في مقالتنا في المسألة‪.‬‬
‫‪ 4‬واأللف‪00‬اظ‪ 0‬ال‪00‬تي نقرؤه‪00‬ا ال ت‪00‬دل على ه‪00‬ذا الجمي‪00‬ع ب‪00‬ل على بعض‪00‬ها‪ ،‬واألولى أن يق‪00‬ول‬
‫الشارح‪ 0:‬واأللفاظ التي نقرؤها بالواو بدل الفاء‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫حادث‪ ، 1‬ومدلوله قديم فأرادوا بمدلوله‪ :‬الكالم النفسي‪ ،‬وتكفي اإلضافة اإلجمالية‪ 2‬وإن لم‬
‫يكن اللفظي قائما ً بالذات‪،‬‬
‫وفهم القرافي‪ 3‬أن المراد المدلول الوضعي فقال‪ :‬منه قديم وهو ذات هللا وص‪00‬فاته‪،‬‬
‫وحادث كخلق السموات ومستحيل (ات ََّخ َذ ال َّر ْح َمنُ َولَداً) (م‪00‬ريم‪ :‬من اآلية‪ )88‬كم‪00‬ا بس‪00‬طه‬
‫العالمة الملوي‪،‬‬
‫والحاصل أن لأللفاظ التي نقرؤها دالل‪00‬تين‪ :‬أوالهم‪00‬ا التزامي‪00‬ة عقلي‪00‬ة عرف‪0‬ا ً كدالل‪00‬ة‬
‫اللف‪00‬ظ على حي‪00‬اة الالف‪00‬ظ‪ ،‬والم‪00‬دلول به‪00‬ذه الدالل‪00‬ة ه‪00‬و الكالم الق‪00‬ديم‪ ،‬وه‪00‬ذا محم‪00‬ل كالم‬
‫السنوسي ومن تبعه‪ ،‬وثانيهما وضعية لفظية‪ ،‬والمدلول بهذه الداللة بعضه قديم وبعض‪00‬ه‬
‫‪4‬‬
‫حادث‪ ،‬وهذا محمل كالم الق‪00‬رافي وغ‪00‬يره‪ ،‬فال تن‪00‬افي بين الق‪00‬ولين كم‪00‬ا يص‪00‬رح ب‪00‬ه بعض‬
‫حواشي الكبرى‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ { -75‬سمع هللا }‬
‫(قوله السمع) معطوف على الكالم بحذف حرف العطف‪ :‬أي وكذا السمع فهو مثل‬
‫م‪00‬ا ذك‪00‬ر في وج‪00‬وب اتص‪00‬افه تع‪00‬الى ب‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬و ص‪00‬فة أزلي‪00‬ة قائم‪00‬ة بذات‪00‬ه تع‪00‬الى تتعل‪00‬ق‬
‫بالموجودات‪ :‬األصوات‪ ،‬وغيرها كال‪00‬ذوات‪ ،5‬كم‪00‬ا س‪00‬يأتي في قول‪00‬ه‪ “ :‬وك‪00‬ل موج‪00‬ود أن‪00‬ط‬
‫للسمع به “ وهذه طريقة السنوسي ومن تبعه‪،‬‬
‫وقال السعد‪ :‬تتعلق بالمسموعات‪ ،‬فيحتمل أن م‪0‬راده بالمس‪00‬موعات في حقن‪00‬ا وهي‬
‫األصوات‪ ،‬فيكون مخالفا ً لطريقة السنوسي ومن تبعه‪ ،‬ويحتمل أن مراده المسموعات في‬
‫حقه تعالى وهي الموجودات األصوات وغيرها‪ ،‬فيكون موافقا ً لطريقة السنوسي‪ ،‬فيسمع‬
‫سبحانه وتعالى كالً من األصوات والذوات‪ ،‬بمعنى أن كالً منهما منكشف هلل بسمعه‪،‬‬
‫ويجب اعتقاد أن االنكشاف بالس‪0‬مع غ‪0‬ير االنكش‪0‬اف بالبص‪0‬ر‪ ،‬وأن كالمنهم‪0‬ا غ‪0‬ير‬
‫االنكشاف بالعلم‪ ،‬ولكل حقيقة يفوض علمها هلل تعالى وليس األمر على م‪00‬ا نعه‪00‬ده من أن‬
‫البصر يفيد بالمشاهدة وضوحا ً فوق العلم‪ ،‬بل جميع صفاته تام‪00‬ة كامل‪00‬ة‪ ،‬يس‪00‬تحيل عليه‪00‬ا‬
‫الخفاء والزيادة والنقص إلى غير ذلك‪ ،‬وما ذكر من التعريف للسمع القديم‪ ،‬وأم‪00‬ا الس‪00‬مع‬
‫الحادث فهو‪ :‬قوة مودعة في العصب المف‪00‬روش في مقع‪00‬ر الص‪00‬ماخ ت‪00‬درك به‪00‬ا األص‪00‬وات‬

‫‪ 1‬من هو القائل لهذا الكالم؟‬


‫‪ 2‬في كون النفسي مدلوالً للفظي‪.‬‬
‫‪ 3‬يعني فهم من قولهم‪" :‬ومدلوله قديم" ذلك‪ ،‬فاعترض‪ 0‬عليهم‪.‬‬
‫‪ 4‬ويحتمل أن يكون الخالف مبنيا ً على الخالف في ما وضع له األلف‪00‬اظ م‪00‬ا ه‪00‬و ه‪00‬ل ه‪00‬و‬
‫المعاني الذهنية أو األمور الخارجية‪ 0‬فعلى األول كالم هللا اللفظي موضوع للمعاني‪ 0‬القائم‪00‬ة بذات‪00‬ه‬
‫تعالى وهي كلها قديمة واأللفاظ‪ 0‬تدل عليها‪ 0‬داللة وضعية وعلى الثاني الموض‪0‬وع ل‪0‬ه هي األم‪00‬ور‬
‫الخارجية‪ 0‬وهي قسم منها قديم وقسم منها حادث فعلى هذا داللة األلفاظ‪ 0‬عليه‪0‬ا‪ 0‬وض‪0‬عية وداللته‪0‬ا‬
‫على المعاني التزامية‪ 0‬عقلية وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 5‬ال يخفى أن السمع موضوع لغ‪00‬ة إلدراك األص‪00‬وات وه‪00‬و الج‪00‬اري على لس‪00‬ان‪ 0‬الش‪00‬رع‬
‫حيث لم يعلق سمعه تعالى فيه إال باألصوات‪ ،‬ولم يرد في نصوص الكتاب‪ 0‬والسنة تعليقه بغيره‪00‬ا‬
‫وال مرة واحدة‪ ،‬فتعميم السمع لغير األصوات ‪-‬كما أنه مخ‪00‬الف للغ‪00‬ة‪ -‬ال دلي‪00‬ل علي‪00‬ه من الش‪00‬رع‪،‬‬
‫ويقال مثل هذا في البصر‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫على وجه العادة “ وقد يدرك بها غير األصوات‪ ،‬فقد سمع سيدنا موس‪00‬ى كالم هللا الق‪00‬ديم‪،‬‬
‫وهو ليس بحرف وال بصوت‬
‫‪ { -76‬بصر هللا تعالى }‬
‫(قوله ثم البصر) معطوف على الكالم‪ ،‬و “ ثم “ بمعنى الواو‪ ،‬ألن ص‪00‬فاته تع‪00‬الى‬
‫ال ترتيب فيها‪ ،‬فالمعنى‪ :‬وكذا البصر فهو مثل ما ذكر في وجوب اتصافه تعالى ب‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬و‬
‫صفة أزلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالموجودات الذوات وغيرها‪ ،‬كما يعلم من قوله فيم‪00‬ا‬
‫يأتي‪ “ :‬كذا البصر “ كما هو طريقة السنوسي ومن تبعه‪،‬‬
‫وق‪00‬ال الس‪00‬عد‪ :‬تتعل‪00‬ق بالمبص‪00‬رات‪ ،‬فيحتم‪00‬ل أن م‪00‬راده المبص‪00‬رات في حقن‪00‬ا وهي‬
‫ال‪00‬ذوات واألل‪00‬وان‪ ،‬فيك‪00‬ون مخالف‪00‬ا ً لطريق‪00‬ة السنوس‪00‬ي ومن تبع‪00‬ه‪ ،‬ويحتم‪00‬ل أن م‪00‬راده‬
‫المبص‪00‬رات في حق‪00‬ه تع‪00‬الى وهي الموج‪00‬ودات‪ 0‬ال‪00‬ذوات وغيره‪00‬ا‪ ،‬فيك‪00‬ون موافق ‪0‬ا ً لطريق‪00‬ة‬
‫السنوسي فيه‪ ،‬فيبصر سبحانه وتعالى جميع الموجودات حتى األص‪00‬وات ول‪00‬و خفي‪00‬ة ج‪00‬داً‬
‫كدبيب النملة السوداء في الليل المظلم‪ ،‬بمعنى أن ذلك منكشف هلل ببصره‪ ،‬وم‪00‬ا ذك‪00‬ره من‬
‫التعريف للبصر القديم‪ ،‬وأما البصر الحادث فهو‪ :‬قوة مخلوق‪00‬ة في العص‪00‬بتين المجوف‪00‬تين‬
‫المتالقيتين تالقيا ً صليبيا ً هكذا أو المتالقيتين تالقي دالين‪ 1‬ظهر أحدهما في ظهر األخ‪00‬رى‬
‫>< تدرك بها األضواء واأللوان واألشكال وغير ذلك‪ 2‬مما يخلق هللا إدراكه في النفس‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه ب‪00‬ذي أتان‪00‬ا الس‪00‬مع) أي به‪00‬ذه الص‪00‬فات الثالث‪00‬ة ال‪00‬تي هي الكالم والس‪00‬مع‬
‫والبص‪00‬ر‪ ،‬أتان‪00‬ا المس‪00‬موع‪ :‬أي ال‪00‬دليل الس‪00‬معي‪ ،‬فالس‪00‬مع بمع‪00‬نى المس‪00‬موع وه‪00‬و ال‪00‬دليل‬
‫السمعي‪ ،‬وليس المراد أن السمع ورد بنفس الصفات‪ ،‬ألنه خالف الواقع‪ ،‬ب‪00‬ل الم‪00‬راد أن‪00‬ه‬
‫ورد بمش‪00‬تقاتها‪ ،‬ق‪00‬ال هللا تع‪00‬الى‪َ ( :‬و َكلَّ َم هَّللا ُ ُم َ‬
‫وس ‪0‬ى تَ ْكلِيم ‪0‬اً) (النس‪00‬اء‪ :‬من اآلية‪ )164‬أي‬
‫أزال عنه الحجاب وأسمعه‪ 0‬الكالم القديم ثم أعاد الحجاب‪ ،‬وليس المراد أن‪00‬ه تع‪00‬الى يبت‪00‬دئ‬
‫كالما ً ثم يسكت‪ ،‬ألنه لم يزل متكلما ً أزالً وأبداً‪ ،‬خالفا ً للمعتزلة في قولهم ب‪00‬أن المع‪00‬نى أن‪00‬ه‬
‫تع‪00‬الى خل‪00‬ق الكالم في ش‪00‬جرة وأس‪00‬معه موس‪00‬ى‪ ،‬وي‪00‬رد كالمهم ب‪00‬أن األص‪00‬ل في اإلطالق‬
‫الحقيقي‪00‬ة‪ ،‬وم‪00‬ا رواه القض‪00‬اعي‪ ،‬من (أن هللا ن‪00‬اجى موس‪00‬ى بمائ‪00‬ة أل‪00‬ف وأربعين كلم‪00‬ة)‪،3‬‬
‫معناه أنه فهم معاني يعبر عنها بهذه الع‪00‬دة ال لتبعيض في نفس الكالم‪ ،‬وروى أن موس‪00‬ى‬
‫عليه الصالة والسالم ك‪00‬ان يس‪00‬د أذني‪00‬ه عن‪00‬د قدوم‪00‬ه من المناج‪00‬اة لئال يس‪00‬مع كالم الخل‪00‬ق‪،‬‬
‫لكونه ال يستطيع س‪0‬ماعه ألن‪0‬ه ص‪0‬ار عن‪0‬ده كأش‪0‬د م‪0‬ا يك‪0‬ون من أص‪0‬وات البه‪0‬ائم المنك‪0‬رة‬
‫‪ 1‬قوله "المتالقي‪00‬تين"‪ 0‬أي في مق‪00‬دم ال‪00‬دماغ ثم ي‪00‬ذهبان إلى العي‪00‬نين‪ 0:‬العص‪00‬بة‪ 0‬ال‪00‬تي من‬
‫الج‪000‬انب‪ 0‬األيس‪000‬ر إلى العين اليم‪000‬نى‪ 0،‬والعص‪000‬بة من الج‪000‬انب األيمن إلى العين اليس‪000‬رى‪ ،‬ذك‪000‬ره‬
‫الش‪00‬رقاوي في حاش‪00‬ية الهده‪00‬دي‪ .‬ومن‪00‬ه يعلم أن بص‪00‬ر اليم‪00‬نى‪ 0‬في العص‪00‬بة الواص‪00‬لة إليه ‪0‬ا‪ 0‬من‬
‫الجانب‪ 0‬األيسر وبصر اليسرى في العصبة الواصلة إليها من الجانب األيمن‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله وغير ذلك ‪ ..‬إلخ هذا سهو من الشارح‪ 0‬ألن الكالم في البصر‪ 0‬الحادث‪ ،‬وهو كم‪00‬ا‬
‫تقدم ال يتعلق بغير الذوات واأللوان والخالف في تعلق البصر‪ 0‬بغيرها إنما ه‪00‬و في بص‪00‬ره تع‪00‬الى‪.‬‬
‫إال أن يراد بغير ذلك ذات هللا تعالى‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 3‬أخرجه القضاعي في مسند الشهاب‪ )1458( 0‬وإسناده ضعيف جدا انظر‪ :‬فتح الوهاب‬
‫في تخريج أح‪00‬اديث‪ 0‬الش‪00‬هاب (‪ )874‬ورواه الط‪00‬براني في الكب‪00‬ير‪ 0‬رقم (‪ )13650‬عن ابن عب‪00‬اس‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وسلم‪( :‬إن هللا ناجى موس‪00‬ى بمائ‪00‬ة أل‪00‬ف وأربعين أل‪00‬ف‬
‫كلمة) قال في مجمع الزوائد رقم (‪ :)13776‬وفيه جويرية‪ ،‬وهو ضعيف جداً‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫بسبب ما ذاق من اللذة التي يحاط بها عند سماع كالم من ليس كمثله شيء‪ ،‬وق‪00‬د أش‪00‬رق‬
‫وجهه من النور‪ ،‬فم‪00‬ا رآه أح‪00‬د إال عمي فت‪00‬برقع وبقي ال‪00‬برقع على وجه‪00‬ه إلى أن م‪00‬ات‪،1‬‬
‫الس‪ِ 0‬مي ُع‬ ‫(و ُه‪َ 0‬و َّ‬‫وأكثر ما اشتهر في المناجاة ك‪00‬ذب ال يلي‪00‬ق بس‪00‬يدنا موس‪00‬ى‪ ،‬وق‪00‬ال تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫صي ُر) (الشورى‪ :‬من اآلية‪ )11‬وقد ورد في الحديث (أربعوا على أنفسكم‪– 0‬في الدعاء‪-‬‬ ‫ا ْلبَ ِ‬
‫فإنكم ال تدعون أصم) “ وفي رواية “ (وال غائبا ً وإنما تدعون س‪00‬ميعا ً بص‪00‬يراً) ومع‪00‬نى‬
‫‪2‬‬

‫قوله (أربعوا على أنفسكم) أشفقوا على أنفسكم فهو من معنى قوله تع‪00‬الى‪( :‬ا ْد ُع‪00‬وا َربَّ ُك ْم‬
‫َض ُّرعا ً َو ُخ ْفيَةً) (األعراف‪ :‬من اآلية‪ )55‬وقد أجمع أه‪00‬ل المل‪00‬ل واألدي‪00‬ان على أن‪00‬ه تع‪00‬الى‬ ‫ت َ‬
‫متكلم وسميع وبصير‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬المدعى أن له تعالى صفتين من صفات المع‪00‬اني وهم‪00‬ا الس‪00‬مع والبص‪00‬ر‪،‬‬
‫وما في اآلية والحديث وانعقد عليه اإلجماع أنه تع‪00‬الى س‪00‬ميع بص‪00‬ير وه‪00‬و غ‪00‬ير الم‪00‬دعى‬
‫أجيب بأن أهل اللغة ال يفهمون من سميع وبص‪00‬ير إال ذات‪0‬ا ً ثبت له‪00‬ا الس‪00‬مع والبص‪00‬ر‪ ،‬ألن‬
‫إطالق المش‪00‬تق وص‪00‬فا ً لش‪00‬يء يقتض‪00‬ي ثب‪00‬وت مأخ‪00‬ذ االش‪00‬تقاق ل‪00‬ه فثبت الم‪00‬دعى باآلي‪00‬ة‬
‫والح‪00‬ديث واإلجم‪00‬اع م‪00‬ع اعتب‪00‬ار م‪00‬ا يفهم‪00‬ه أه‪00‬ل اللغ‪00‬ة‪ ،‬وال يخفى أن‪00‬ه ال إيط‪00‬اء في كالم‬
‫الناظم‪ ،‬بل فيه الجناس الت‪00‬ام؛ ألن الس‪00‬مع األول بمع‪00‬نى الص‪00‬فة القديم‪00‬ة‪ ،‬والس‪00‬مع الث‪00‬اني‬
‫بمعنى الدليل السمعي‪ ،‬على أنه تقدم أنها ليست من مشطور الرجز بل من كامله‪ ،‬وحينئ‪00‬ذ‬
‫فال إيطاء أصالً‪.‬‬

‫‪ 1‬هذا من اإلسرائيليات‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه البخاري (‪ )2992‬ومسلم (‪ )2704‬من حديث أبي موسى األشعري‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫‪ { -77‬هل هلل تعالى صفة تسمى باإلدراك }‬
‫فهل له إدراك أوال ُخ ْلفُ ‪ ##‬وعند قوم ّ‬
‫صح فيه الوقفُ‬ ‫‪-30‬‬
‫(قوله فهل له … إلخ) التعبير بواو االستئناف أوضح من التعبير بالفاء‪ ،‬ألن ه‪00‬ذا‬
‫ال يتفرع على م‪00‬ا قبل‪00‬ه‪ ،‬ويمكن جع‪00‬ل الف‪00‬اء لالس‪00‬تئناف‪ ،‬ويص‪00‬ح أن تجع‪00‬ل ف‪00‬اء الفص‪00‬يحة‬
‫فتكون في جواب شرط مقدر‪ ،‬والتقدير‪ :‬إذا أردت تحقيق مسألة اإلدراك فأقول لك‪ :‬هل له‬
‫‪ ..‬إلخ‪ ،‬وحاصل ما ذك‪00‬ره الن‪00‬اظم أن‪00‬ه قي‪00‬ل بثبوته‪00‬ا وقي‪00‬ل بانتفائه‪00‬ا‪ ،‬وقي‪00‬ل ب‪00‬الوقف‪ ،1‬فهي‬
‫أقوال ثالثة‪:‬‬
‫‪ { -78‬ثبوت صفة التكوين هلل تعالى وقيامها به تعالى}‬

‫‪ 1‬قال المحقق البياضي‪ 0‬في إشارات‪ 0‬الم‪00‬رام (‪ :)124‬اخت‪00‬ار عام‪00‬ة المتكلمين أن اإلدراك‬
‫ليس ص‪00‬فة زائ‪00‬دة‪ ،‬ب‪00‬ل ه‪00‬و من العلم في ح‪00‬ق الب‪00‬اري خالف ‪0‬ا ً ألبي بك‪00‬ر الب‪00‬اقالني ومن تبع‪00‬ه من‬
‫األشاعرة متمسكين في كون إدراك الش‪00‬م وال‪00‬ذوق واللمس ص‪00‬فة هلل تع‪00‬الى مغ‪00‬ايرة للعلم بأن‪00‬ه ال‬
‫يتعلق بما مضى (أي يتعل‪00‬ق بالحاض‪00‬ر فق‪00‬ط) بخالف العلم‪ ،‬وأن‪00‬ه إدراك س‪00‬ادس لمخالفت‪0‬ه‪ 0‬لس‪00‬ائر‬
‫اإلدراكات‪ ،‬وعدم قيامه مقام شيء منها فإن‪00‬ه إنم‪00‬ا (يثبت) ذل‪00‬ك (القي‪00‬ام) ل‪00‬و ك‪00‬ان م‪00‬ا ثبت لبعض‬
‫أنواع الجنس ثابتا ً لآلخر‪ 0،‬وليس كذلك كما في المنائح‪ ،‬وأجيب بمن‪00‬ع خروج‪00‬ه عن جنس العل‪00‬وم‬
‫ألنه ال انفكاك لإلدراك‪ 0‬عن العلم‪ ،‬وأن حكم العلم‪ ،‬وهو عدم تأثيره في متعلقه ثابت ل‪00‬ه فك‪00‬ان ه‪00‬و‬
‫هو انتهى‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لم يرد السمع بثبوت اإلدراك هلل تعالى‪ ،‬والعلم يغني عنه‪ ،‬فكيف يقال به؟!‪.‬‬
‫‪ { - 79‬بيان أن التكوين الذي قال به الماتريدية بمعنى مبدأ األفعال‪ ،‬ال بمع‪00‬نى الق‪00‬در‬
‫المشترك بين األفعال}‬
‫‪131‬‬
‫وقد اختلف أيضا ً في صفة التكوين فأثبتها الماتريدي‪00‬ة‪ ،‬وعلي‪00‬ه فهي (ص‪00‬فة قديم‪00‬ة‬
‫قائمة بذاته تعالى يوجد بها ويعدم بها‪ ،)1‬لكن إن تعلقت بالوجود تسمى إيجاداً وإن تعلقت‬
‫بالعدم تسمى إعداما ً‪ ،2‬وإن تعلقت بالحياة تس‪00‬مى إحي‪00‬اء وهك‪00‬ذا‪ ،‬فص‪00‬فات األفع‪00‬ال عن‪00‬دهم‬
‫قديم‪00‬ة ألنه‪00‬ا هي ص‪00‬فة التك‪00‬وين وهي قديم‪00‬ة‪ ،‬وذهب بعض‪00‬هم إلى أن ه‪00‬ذه كله‪00‬ا ص‪00‬فات‬
‫متعددة‪ ،‬وفيه تكثير للقدماء ج‪00‬داً؛ ونفاه‪00‬ا األش‪00‬اعرة وجعل‪00‬وا‪ 0‬ص‪00‬فات األفع‪00‬ال هي تعلق‪00‬ات‬
‫القدرة التنجيزية الحادثة‪ ،‬ف‪00‬إن قي‪00‬ل على طريق‪00‬ة الماتريدي‪00‬ة‪ :‬م‪00‬ا وظيف‪00‬ة الق‪00‬درة عن‪00‬دهم؟‬
‫أجيب بأن وظيفتها تهيئة الممكن بحيث تجعله قابالً للوجود والع‪00‬دم ورد ب‪00‬أن قبول‪00‬ه ل‪00‬ذلك‬

‫‪ 1‬قوله يوجد بها ويعدم بها‪ ،‬اعلم أنه قد اختلف القائلون‪ 0‬ب‪00‬التكوين‪ 0‬في أن التك‪00‬وين ه‪00‬ل‬
‫هو عبارة عن مبدأ األفعال أو عبارة عن القدر المشترك بين األفعال‪.‬‬
‫التحقيق ال‪00‬ذي علي‪0‬ه‪ 0‬المحقق‪00‬ون منهم ه‪00‬و األول‪ ،‬ألن األفع‪00‬ال نفس‪00‬ها ال خالف في أنه‪00‬ا‬
‫حادثة‪ ،‬وإنما الخالف بين األشاعرة والماتريدية في أن‪0‬ه ه‪0‬ل هلل تع‪00‬الى ص‪0‬فة أزلي‪00‬ة قائم‪00‬ة بذات‪00‬ه‬
‫تعالى وراء القدرة هي مبدأ لألفعال أم ال حاجة إلى القول به‪00‬ا ألن الق‪00‬درة المتف‪00‬ق عليه‪00‬ا بينهم‪00‬ا‬
‫كافية ألن تكون مبدأ لألفعال بتعلقها بها‪ ،‬وإذا قلنا بالتكوين‪ 0‬بمعنى القدر المشترك يكون التكوين‬
‫بمعنى األفعال الحادثة‪ 0،‬والمفروض أنه قديم‪ ،‬هذا خلف‪ ،‬فالقديم هو التكوين بمعنى مبدأ األفعال‪،‬‬
‫ويسمى صفة فعل على أن التكوين والفعل حقيقتان عرفيت‪00‬ان فيم‪00‬ا ب‪00‬ه التك‪00‬وين والفع‪00‬ل‪ ،‬كم‪00‬ا أن‬
‫الم‪00‬راد بالفاع‪00‬ل في ق‪00‬ول من ق‪00‬ال‪" :‬إن هللا فاع‪00‬ل في األزل" من ش‪00‬أنه أن يفع‪00‬ل‪ ،‬وأم‪00‬ا تعلق‪00‬ات‬
‫التك‪00‬وين فحادث‪00‬ة يتج‪00‬دد تعلق‪00‬ه بوج‪00‬ود الش‪00‬يء في وقت أراد هللا أن يوج‪00‬ده في‪00‬ه‪ ،‬فال يل‪00‬زم ق‪00‬دم‬
‫المكون كما ظنه المخالف‪ 0،‬وال يلزم كون اإليجاد قديما ً وأثره حادثا ً كجرح س‪00‬رى بع‪00‬د م‪00‬دة‪ ،‬إذ ال‬
‫يصح أن يقال‪ :‬إن‪00‬زال الق‪00‬رآن ليل‪0‬ة‪ 0‬الق‪00‬در ق‪00‬ديم‪ ،‬وألن فع‪00‬ل المخت‪00‬ار‪ 0‬ال يك‪00‬ون إال حادث‪0‬اً‪ ،‬قال‪00‬ه في‬
‫إشارات المرام‪.‬‬
‫وقال (‪ )214‬فبعض مشايخنا كصاحب التبصرة والتلخيص واإلرشاد وإن تسامحوا في‬
‫تعريف التكوين "بإخراج‪ 0‬المعدوم من العدم إلى الوج‪00‬ود" كم‪00‬ا ه‪00‬و دأبهم من ع‪00‬دم االلتف‪00‬ات إلى‬
‫ج‪00‬وانب التعريف‪00‬ات بع‪00‬د االهتم‪00‬ام بتحقي‪00‬ق الم‪00‬رام‪ ،‬فق‪00‬د نبه‪00‬وا على أن الم‪00‬راد في المق‪00‬ام مب‪00‬دأ‬
‫اإلخراج المذكور ببيان القيام بذاته تعالى‪ .‬كسائر صفاته‪.‬انتهى‪.‬‬
‫وذهب األشاعرة‪ 0‬إلى أن التكوين وسائر صفات‪ 0‬األفعال ليس‪0‬ت‪ 0‬ص‪00‬فات حقيقي‪00‬ة‪ ،‬ب‪00‬ل هي‬
‫أموراعتبارية‪..‬‬
‫متمس‪00‬كين ب‪00‬أن مب‪00‬دأ اإلخ‪00‬راج من الع‪00‬دم إلى الوج‪00‬ود ليس غ‪00‬ير الق‪00‬درة المتعلق‪00‬ة بأح‪00‬د‬
‫طرفي الفعل والترك المقترنة بإرادته‪ ،‬فإن القدرة ص‪00‬فة ت‪00‬ؤثر على وف‪00‬ق اإلرادة‪ ،‬أي إنم‪00‬ا ت‪00‬ؤثر‬
‫في الفعل‪ ،‬ويجب صدور الفعل عنها عند انضمام اإلرادة‪ .‬إليها‬
‫وأما بالنظر إلى نفسها‪ ،‬وعدم اقترانها باإلرادة المرجح‪00‬ة ألح‪00‬د ج‪00‬انبي الفع‪00‬ل وال‪00‬ترك‪،‬‬
‫فال تكون إال جائزة التأثير فلذا ال يلزم وجود جميع المقدورات قاله في شرح المقاصد‪.‬‬
‫‪ 2‬فالتكوين صفة واحدة تختلف أسمائه باختالف تعلقاته‪.‬‬
‫ومما ينبغي التنبي‪0‬ه‪ 0‬علي‪00‬ه أن الج‪00‬اري في كالم الماتريدي‪00‬ة أن التك‪00‬وين يتعل‪00‬ق ب‪00‬الوجود‬
‫وفروعه وقد مثلوا ل‪00‬ه ب‪00‬ذلك فق‪00‬الوا‪ :‬فمن حيث التعل‪00‬ق بحص‪00‬ول المخلوق‪00‬ات‪ 0‬تخلي‪00‬ق‪ ،‬وبحص‪00‬ول‬
‫األرزاق ترزيق‪ ،‬وبحصول الصورة تصوير‪ ،‬إلى غير ذلك‪ ،‬ولم أر في كالم أحد منهم بع‪00‬د البحث‬
‫التصريح بأنه يتعلق بالعدم‪ ،‬وأن تعلقه به يسمى إعداما ً مثل م‪00‬ا ق‪0‬ال الش‪00‬ارح غ‪0‬ير أن‪0‬ه وق‪0‬ع في‬
‫كالم بعضهم‪ :‬وإن تعلق بالموت‪ 0‬يس‪00‬مى إمات‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬ذا الق‪00‬ول يص‪00‬لح مث‪00‬االً ل‪00‬ذلك على الق‪00‬ول ب‪00‬أن‬
‫الموت عدمي كما عليه البعض وأما على القول بأنه وجودي فال يصلح مثاالً له‪.‬‬
‫‪132‬‬
‫ذاتي له‪ ،‬وأجيب بأن الذاتي إنما هو القبول اإلمكاني‪ ،‬بخالف القب‪00‬ول االس‪0‬تعدادي‪ 0‬الق‪0‬ريب‬
‫‪3‬‬
‫من الفعل‬
‫(قوله إدراك) هو في حق الحادث تصور حقيقة‪ 0‬الشيء المدرك‪ :‬أي تصور حقيقة‬
‫المدرك –بفتح الراء على صيغة اسم المفعول‪ – 0‬عند المدرك‪ -‬بكسرها على صيغة‬
‫َ‬ ‫الشيء‬
‫اسم الفاعل‪،‬‬
‫وأما في حقه تع‪00‬الى على الق‪00‬ول ب‪00‬ه فه‪00‬و ص‪00‬فة قديم‪00‬ة قائم‪00‬ة بذات‪00‬ه تع‪00‬الى تس‪00‬مى‬
‫اإلدراك‪ ،‬ي‪00‬درك به‪00‬ا الملموس‪00‬ات كالنعوم‪00‬ة والخش‪00‬ونة‪ ،‬والمش‪00‬مومات كالرائح‪00‬ة الطيب‪00‬ة‪،‬‬
‫والمذوقات كالحالوة‪ ،‬من غير اتصال بمحالها التي هي األجسام‪ ،‬وال تكي‪00‬ف بكيفيته‪00‬ا ألن‬
‫ذلك إنما هو عادي وقد ينفك‪ ،‬وقيل‪ :‬يدرك بها كل موجود‪،‬‬
‫والذي صرح ب‪00‬ه بعض المت‪00‬أخرين أنه‪00‬ا ص‪00‬فة واح‪00‬دة‪ ،‬لكن الواق‪00‬ع في كتب الكالم‬
‫أنه‪00‬ا ثالث ص‪00‬فات‪ :‬إدراك الملموس‪00‬ات وإدراك المش‪00‬مومات‪ ،‬وإدراك الم‪00‬ذوقات‪ ،‬واس‪00‬تدل‬
‫القائلون بإثباتها –وهم القاضي الباقالني وإمام الحرمين ومن وافقهما –بأنها كمال‪ ،‬وكل‬
‫كمال واجب هلل‪ ،‬ألنه لو لم يتصف بها التص‪00‬ف بض‪00‬دها وه‪00‬و نقص والنقص علي‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫محال‪ ،‬فوجب أن يتصف بها على ما يليق به من غير اتصال باألجسام ومن غ‪00‬ير وص‪00‬ول‬
‫اللذات واآلالم له تعالى‪،‬‬

‫وقد تقدم قريبا ً أن في تعلق القدرة بالعدم عن‪0‬د األش‪0‬عرية خالف‪ ،‬ف‪0‬ذهب األش‪0‬عري ومن‬
‫تبعه منهم إلى أن الممكن بعد وجوده ينعدم بنفسه ال تتعلق القدرة بعدمه‪ ،‬وقدمنا في التعلي‪0‬ق أن‬
‫هذا القول مب‪00‬ني على الق‪00‬ول بتج‪00‬دد األع‪00‬راض‪ 0‬وع‪00‬دم بقائه‪00‬ا‪ 0،‬والمش‪00‬هور نس‪00‬بة ه‪00‬ذا الق‪00‬ول إلى‬
‫األشعري دون الماتريدية‪ 0‬القائلين‪ 0‬بالتكوين‪ 0،‬فل‪0‬و ك‪0‬انت الماتريدي‪0‬ة‪ 0‬ق‪0‬ائلين‪ 0‬بع‪0‬دم بق‪0‬اء األع‪0‬راض‬
‫لصح لنا أن نق‪0‬ول على غ‪0‬رار ق‪0‬ول األش‪0‬عري‪ :‬إن التك‪0‬وين عن‪0‬دهم ال يتعل‪0‬ق بالع‪0‬دم‪ ،‬ب‪0‬ل الممكن‬
‫ينعدم بنفسه‪ ،‬وأما إذا لم يكونوا قائلين به‪ ،‬فاقتصارهم‪ 0‬على التمثيل بالصور‪ 0‬التي تعل‪0‬ق التك‪00‬وين‬
‫فيها بالموجودات ليس ألجل حصر تعلقه بها‪ ،‬بل ألجل أن ذلك هو المتبادر إلى األذه‪0‬ان من لف‪00‬ظ‬
‫التكوين فاقتصروا على ذكر ما تبادر إلى أذهانهم‪ ،‬وهللا تعالى‪ 0‬أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا كالم ال حاصل له ألنه يفيد أن القدرة عند تعلقها بحياة زيد تجعل الحياة المعدومة‬
‫الممكنة قريبة إلى الوجود‪ ،‬وأما الوجود نفسه فإنما يكون بتعل‪0‬ق ص‪0‬فة التك‪0‬وين‪ .‬وجع‪0‬ل الممكن‬
‫قريبا ً إلى الوجود شيء ال معنى له وقياسه على تحويل الموجود من صفة بعيدة عن الكم‪00‬ال إلى‬
‫صفة قريبة عنه غير صحيح ألن الصفة المتوس‪00‬طة هن‪00‬ا أم‪00‬ر موج‪00‬ود بخالف م‪00‬ا ادعى حص‪00‬وله‬
‫بتعلق القدرة فإنه أمر ال حاصل له‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫واعلم أن الماتريدية قالوا‪ :‬إن التكوين غير القدرة‪ ،‬ألن القدرة أثرها الصحة‪ ،‬والصحة‬
‫ال تستلزم الكون‪ ،‬فحمل بعض الناس‪ 0‬الصحة على الص‪00‬حة ال‪00‬تي ه‪00‬و وص‪00‬ف المق‪00‬دور ف‪00‬اعترض‬
‫عليهم بأن الصحة هي اإلمكان‪ ،‬وإنه للممكن ذاتي فال يصلح أثراً للقدرة‪ :‬فأج‪00‬ابوا به‪00‬ذا الج‪00‬واب‬
‫الذي ذكره الشارح‪ 0،‬وقد علمت فساده‪ ،‬والص‪00‬واب أن الم‪00‬راد بالص‪00‬حة الص‪00‬حة ال‪00‬تي هي وص‪00‬ف‬
‫القادر وهو صحة التأثير‪ 0،‬ومرادهم أن القدرة صفة مصححة ال م‪00‬ؤثرة فإنه‪00‬ا عب‪00‬ارة عن التمكن‪0‬‬
‫من الفعل والترك‪ ،‬عامة شاملة لما وقع ولم‪00‬ا لم يق‪00‬ع وأم‪00‬ا الص‪00‬فة الم‪00‬ؤثرة فهي ص‪00‬فة التك‪00‬وين‪0‬‬
‫على تفاصيلها‪ 0‬من الخلق واإليجاد والترزيق وغير ذلك‪ ،‬ف‪00‬التكوين متوق‪00‬ف على الق‪00‬درة وخ‪00‬اص‬
‫بما وقع‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫وقول‪00‬ه “ أوال “ أي أوليس ل‪00‬ه إدراك‪ :‬أي ص‪00‬فة تس‪00‬مى اإلدراك كم‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه‬
‫جمع؟ واستدلوا على ذلك بأنه لو اتصف تعالى بها لزم االتصال بمحالها تالزما ً عقلي‪00‬ا ً فال‬
‫يتصور انفكاكه‪ ،‬والالزم مستحيل في حقه تعالى‪ ،‬واستحالة الالزم وه‪00‬و االتص‪00‬ال ت‪00‬وجب‬
‫استحالة الملزوم وهو اتصافه تعالى بها‪ ،‬ولكن األولون ال يسلمون أن بين االتص‪00‬اف به‪00‬ا‬
‫واالتصال بمحالها تالزما ً عقلياً؛ لما تقدم من أنه يجعل‪00‬ه عادي‪0‬ا ً ويقب‪00‬ل االنفك‪00‬اك‪ ،‬ودع‪00‬وى‬
‫أنه تعالى لو لم يتصف بها التصف بضدها فاس‪00‬دة‪ ،‬لمناف‪00‬اة العلم ال‪00‬واجب ل‪00‬ه تع‪00‬الى ل‪00‬ذلك‬
‫الضد‪ ،‬ألن علمه تعالى محيط بمتعلقاتها؛ فهو كاف عنها حيث لم يرد س‪0‬مع وال دل عليه‪00‬ا‬
‫فعله تعالى كخلق العالم؛ ألنه ال يتوقف عليها‪،‬‬
‫وقوله “ خلف “ أي في جواب ذل‪00‬ك اختالف‪1‬؛ فه‪00‬و مبت‪00‬دأ خ‪00‬بره مح‪00‬ذوف وه‪00‬ذا‬
‫االختالف مبني على االختالف في دليل الصفات الثالثة الس‪00‬ابقة ال‪00‬تي هي الكالم والس‪00‬مع‬
‫والبصر‪ ،‬فمن أثبتها بالدليل العقلي‪2‬وه‪00‬و أنه‪00‬ا ص‪00‬فات كم‪00‬ال فل‪00‬و لم يتص‪00‬ف به‪00‬ا التص‪00‬ف‬
‫بأض‪00‬دادها وهي نق‪00‬ائص والنقص علي‪00‬ه تع‪00‬الى مح‪00‬ال –أثبت ه‪0‬ذه الص‪00‬فة ال‪00‬تي هي ص‪00‬فة‬
‫اإلدراك‪ ،‬ومن أثبتها بالدليل السمعي المتقدم‪ :‬نفي الصفة المذكورة ألنه لم يرد بها سمع‬
‫(قوله‪ :‬وعند قوم صح فيه الوق‪00‬ف) أي وص‪00‬ح التوق‪00‬ف عن الق‪00‬ول بإثب‪00‬ات اإلدراك‬
‫ونفي‪00‬ه عن‪00‬د ق‪00‬وم من المتكلمين ك‪00‬المقترح وابن التلمس‪00‬اني وبعض المت‪00‬أخرين‪ ،‬لتع‪00‬ارض‬
‫األدلة فه‪0‬ؤالء الق‪00‬وم ال يجزم‪0‬ون بثب‪00‬وت اإلدراك كأه‪00‬ل الق‪0‬ول األول‪ ،‬وال يجزم‪0‬ون بنفي‪00‬ه‬
‫كأه‪00‬ل الق‪00‬ول الث‪00‬اني‪ .‬وه‪00‬ذا الق‪00‬ول أس‪00‬لم وأص‪00‬ح من الق‪00‬ولين األول‪00‬يين‪ ،‬وكم‪00‬ا اختل‪00‬ف في‬
‫اإلدراك اختلف في الكون مدركا ً واألصح الوقف عن ذلك‪.‬‬

‫‪ 1‬األولى في ذلك خلف ألن الخلف في وجوده ال في الجواب عنه‪.‬‬


‫‪ 2‬قول‪00‬ه فمن أثبته‪00‬ا بال‪00‬دليل العقلي‪ :‬يع‪00‬ني أن من العلم‪00‬اء‪ 0‬من ق‪00‬ال إن العق‪00‬ل ي‪00‬دل على‬
‫وجوب اتصاف هللا تعالى بهذه الصفات الثالث وإن لم يرد بها الس‪00‬مع بمع‪00‬نى أن العق‪00‬ل ال يج‪00‬وز‬
‫وجود اإلله بدونها كماال يجوزه ب‪00‬دون العلم والق‪00‬درة واإلرادة‪ ،‬ومنهم من ق‪00‬ال دلي‪00‬ل وج‪0‬ود ه‪00‬ذه‬
‫الصفات‪ 0‬هلل تعالى‪ 0‬هو السمع فقط‪ ،‬بمعنى أن العقل يجوز وجود اإلله بدونها‪ ،‬لكن السمع ق‪00‬د ورد‬
‫باتصافه تعالى بها‪ ،‬فوجب اعتقاد اتصافه تعالى بها لورود الشرع به‪ ،‬فدليلها هو الشرع‪ 0‬فقط ال‬
‫العق‪00‬ل‪ ،‬لكن مم‪00‬ا ينبغي أن يعلم أن الش‪00‬رع ق‪00‬د ورد بك‪00‬ل م‪00‬ا ه‪00‬و واجب هلل تع‪00‬الى فم‪00‬ا لم ي‪00‬رد ب‪00‬ه‬
‫الشرع ال يكون واجبا ً ل‪00‬ه تع‪00‬الى وق‪00‬د ورد الش‪00‬رع‪ 0‬بالس‪00‬مع والبص‪00‬ر ولم ي‪00‬رد بخص‪00‬وص اإلدراك‬
‫ار)‪( 0‬األنعام‪ 0:‬من اآلية‪ )103‬ليس بنص فيه فإن الظ‪00‬اهر‪ 0‬أن‪00‬ه ق‪00‬د‬ ‫وقوله تعالى‪َ ( :‬وه َُو يُ ْد ِر ُك اأْل َ ْب َ‬
‫ص َ‬
‫ورد على وج‪0‬ه المقابل‪00‬ة والم‪0‬راد ب‪00‬ه العلم كم‪00‬ا ورد المك‪0‬ر على وج‪0‬ه المقابل‪00‬ة في قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪:‬‬
‫( َويَ ْم ُك ُرونَ َويَ ْم ُك ُر هَّللا ُ َوهَّللا ُ َخ ْي ُر ا ْل َما ِك ِرينَ ) (األنفال‪ :‬من اآلية‪ )30‬ومع ذلك ال يجوز إثب‪0‬ات‪ 0‬ص‪00‬فة‬
‫المكر هلل تعالى‪ 0،‬وال وصفه بالماكر‪ 0‬سبحانه‪ 0‬وتعالى وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫حي عليم قادر مريد ‪ ##‬سمع بصير ما يشاء يريد‬ ‫ٌّ‬ ‫‪-31‬‬
‫(قوله‪ :‬ح ّي) ال يص‪00‬ح أن يك‪00‬ون معطوف‪0‬ا ً على الوج‪00‬ود بح‪00‬ذف ح‪00‬رف العط‪00‬ف ألن‪00‬ه‬
‫ينحل المعنى إلى وواجب له حي‪ ،‬وهذا فاسد ألن هللا تعالى هو الحي فتعين أن يكون خبراً‬
‫لمبتدأ محذوف مقرون بالفاء‪ ،‬والتقدير‪ ،‬وحيث وجبت له الحياة فه‪00‬و حي‪ ،1‬وال‪00‬ذي ذك‪00‬ره‬
‫المصنف في شرحه أنه أراد مجرد بيان األسماء المأخوذة مم‪00‬ا س‪00‬بق لبي‪00‬ان وج‪00‬وب قي‪00‬ام‬
‫الصفة بالموصوف رداً على بعض فرق الضالل حيث قالوا بعدم قيام بعضها بالموص‪00‬وف‬
‫ك‪00‬الكالم واإلرادة‪ ،‬ولم ي‪00‬رد بي‪00‬ان الص‪00‬فات المعنوي‪00‬ة‪ ،‬ول‪00‬ذا لم يق‪00‬ل‪ :‬كون‪00‬ه حي ‪0‬اً‪ ،‬ألن ع‪00‬د‬
‫الصفات المعنوية إنما يتمشى على قول مثبت األحوال‪– 0‬جمع حال‪-‬‬
‫‪ { -80‬الحال واألمور االعتبارية }‬
‫وهي صفة ال موجودة وال معدومة‪ ،‬ب‪00‬ل واس‪00‬طة بين الموج‪00‬ود والمع‪00‬دوم‪ ،‬وعلي‪00‬ه‬
‫جرى السنوسي في الصغرى حيث قال‪ :‬وكونه قادراً ‪ ..‬إلخ والمخت‪00‬ار عن‪00‬د المحققين أن‪00‬ه‬
‫ال حال وأن الحال محال؛ فعلى القول بثبوت األحوال‪ 0‬تكون األمور أربعة أقسام‪:‬‬
‫‪-1‬موجودات‪ :‬وهي التي وجدت في الخارج بحيث ترى‪.‬‬
‫ومعدومات‪ :‬وهي التي ليس لها ثبوت أصالً‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وأحوال‪ :‬وهي التي لها ثبوت لكن لم تصل إلى درجة الموجود حتى ترى‬ ‫‪-3‬‬
‫ولم تنحط إلى درجة المعدوم‪ 0‬حتى تكون عدما ً محضاً‪.‬‬

‫‪ 1‬األولى والمعنى بدل والتقدير‪ 0‬ألنه ال حاجة إلى تقدير ذلك كله ب‪00‬ل يكفي تق‪00‬دير المبت‪00‬دأ‬
‫وحده مقرونا ً بالفاء أي فهو حي‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫وأمور اعتبارية‪ :1‬وهي قسمان‪ :‬أمور اعتبارية انتزاعية كقيام‪ 0‬زيد فه‪00‬و‬ ‫‪-4‬‬
‫‪2‬‬
‫أم‪00‬ر اعتب‪00‬اري ان‪00‬تزاعي ألن‪00‬ه ان‪00‬تزاع من الهيئ‪00‬ة الثابت‪00‬ة في الخ‪00‬ارج ‪ ،‬وأم‪00‬ور اعتباري‪00‬ة‬
‫اختراعية كبحر من زئبق‪ ،‬فهو اعتباري اختراعي ألنه اخ‪00‬تراع الش‪00‬خص‪ ،‬والقس ‪0‬م‪ 0‬األول‬
‫ال يتوقف على اعتبار المعتبر وفرض الفارض‪ ،‬والقس‪00‬م الث‪00‬اني يتوق‪00‬ف على ذل‪00‬ك؛ وعلى‬
‫الق‪00‬ول بنفي األح‪00‬وال تك‪00‬ون األم‪00‬ور ثالث‪00‬ة‪ :‬موج‪00‬ودات‪ ،‬ومع‪00‬دومات‪ ،‬وأم‪00‬ور اعتباري‪00‬ة‬
‫بقسميها‪ ،3‬وهذه الطريقة هي الراجحة‪،‬‬
‫ومع‪00‬نى إنك‪00‬ار المعنوي‪00‬ة إنك‪00‬ار زيادته‪00‬ا على المع‪00‬اني بحيث تك‪00‬ون واس‪00‬طة بين‬
‫الموجود والمعدوم‪ ،‬ال إنكار كونه قادراً مثالً من أصله‪ ،‬ألنه مجمع عليه فليس فيه خالف‬

‫‪ 1‬الجمهور من أهل الس‪00‬نة على أن‪00‬ه ال واس‪00‬طة بين الموج‪00‬ود والمع‪00‬دوم‪ ،‬وأن المع‪00‬دوم‬
‫ليس بشيء فقالوا‪ :‬ما من شأنه أن يعلم إم‪00‬ا أن يك‪0‬ون متحقق‪0‬اً‪ 0‬في الخ‪00‬ارج‪ 0،‬وه‪0‬و الموج‪00‬ود أوال‬
‫وهو المعدوم‪ ،‬وال واسطة بينهما‪.‬‬
‫وذهب بعض األشاعرة‪ 0،‬وهو أبو بكر الباقالني وإم‪00‬ام الح‪00‬رمين في قول‪00‬ه األول وبعض‬
‫المعتزلة إلى أن الواسطة بين الموجود والمعدوم أمر حق‪ ،‬وهو الحال كالوجود‪ ،‬وقالوا‪ :‬م‪00‬ا من‬
‫شأنه أن يعلم إما أن ال يكون له تحقق في الخارج‪ 0‬أصالً ال باعتبار‪ 0‬نفسه وال باعتبار غيره‪ ،‬وهو‬
‫المعدوم‪.‬‬
‫أو يكون له تحقق في الخارج باعتبار‪ 0‬نفسه ال بتبعية الغ‪00‬ير وه‪00‬و الموج‪00‬ود أو باعتب‪00‬ار‪0‬‬
‫غيره وهو الحال‪ ،‬وهذا التقسيم‪ 0‬مبني على القول بالواسطة‪ 0‬وهو الحال‪.‬‬
‫وعرفوا الحال بأنه صفة لموجود ال موجودة وال معدومة‪.‬‬
‫فقوله‪ :‬صفة يخرج الذات‪ ،‬وقول‪00‬ه‪ :‬لموج‪00‬ود يخ‪00‬رج ص‪00‬فة المع‪00‬دوم ألن ص‪00‬فة المع‪00‬دوم‬
‫معدومة فال تكون حاالً‪ ،‬وقوله‪ :‬ال موجودة يخرج األعراض ألنها متحققة باعتب‪00‬ار‪ 0‬ذواته‪00‬ا‪ ،‬فهي‬
‫من قبيل الموجود دون الحال‪ ،‬وقوله وال معدومة يخرج السلوب‪ 0‬التي يتصف بها الموجود فإنها‬
‫معدومات ال أحوال‪ ،‬وهي من األمور االعتبارية‪ 0‬المحض‪00‬ة‪ ،‬كم‪00‬ا يخ‪00‬رج األم‪00‬ور االختراعي‪00‬ة مث‪00‬ل‬
‫بحر من زئبق فإنها معدومة واعتباري‪00‬ة محض‪00‬ة أيض‪0‬اً‪ 0،‬والح‪00‬ال أيض‪0‬ا ً أم‪00‬ر اعتب‪00‬اري لكن‪00‬ه غ‪00‬ير‬
‫محض‪.‬‬
‫فاالعتباريات‪ 0‬قسمان‪:‬‬
‫قسم ال وجود له ال أصالً وال تبعاً‪ ،‬وهذا معدوم محض‪ ،‬كالسلوب‪ 0‬واألمور االختراعي‪00‬ة‪،‬‬
‫وال يكون متعلقا ً للقدرة‪.‬‬
‫وقسم آخر يكون وجود متعلقه وج‪00‬وداً ل‪00‬ه بمع‪00‬نى أن هن‪00‬اك وج‪00‬وداً واح‪0‬داً منس‪00‬وبا ً إلى‬
‫شيء بنفسه‪ 0،‬وإلى األمر االعتب‪00‬اري بتبع‪00‬ه‪ 0،‬وه‪00‬ذا م‪00‬ا يس‪00‬مونه ب‪00‬األحوال واألم‪00‬ور باالنتزاعي‪00‬ة‪،‬‬
‫ولهذا صرحوا بأن وصفها بالوجود كوصف الشيء بح‪0‬ال متعلق‪0‬ه ومنه‪0‬ا اإليج‪0‬اد والت‪0‬أثير‪ 0‬وه‪0‬و‬
‫كما بينه في شرح المواقف في مقدمة إبطال التسلسل‪ 0‬كون العل‪00‬ة بحيث يتبعه‪00‬ا وج‪00‬ود المعل‪00‬ول‪،‬‬
‫وهو الذي يسمونه تعلق القدرة‪ ،‬وهو أثر الفاعل المختار‪.‬‬
‫واألمور اإلنتزاعية‪ 0‬أقرب إلى الموجودات الخارجي‪00‬ة ومن أج‪00‬ل ذل‪00‬ك ج‪00‬از التكلي‪00‬ف به‪00‬ا‬
‫ألنها وإن لم تكن موجودة في الخارج لكنها موجودة في حد ذاتها‪.‬‬
‫فاألمور االعتباري‪0‬ة‪ 0‬عام‪00‬ة ش‪00‬املة للس‪00‬لوب واألم‪00‬ور االختراعي‪0‬ة‪ 0‬واألم‪00‬ور االنتزاعي‪00‬ة‪،‬‬
‫والحال خاص باألمور االنتزاعية‪.‬‬
‫هذا عند القائلين بالحال‪ 0،‬وأما النافون لها –وهم جمهور أهل السنة‪ -‬فكله‪00‬ا عن‪00‬دهم من‬
‫قبيل المعدومات‪ .‬وقسموها إلى القسمين المذكورين‪ 0،‬وفرقوا بينهما بما ذكرناه‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫إنما الخالف في زيادته على المعاني فالحاص‪00‬ل‪ :‬أنهم اتفق‪00‬وا‪ 0‬على الك‪00‬ون ق‪00‬ادراً مثالً‪ ،‬لكن‬
‫على القول بثبوت األح‪0‬وال تك‪0‬ون واس‪0‬طة بين الموج‪0‬ود والمع‪0‬دوم‪ 0‬الزم‪0‬ة للق‪0‬درة‪ ،‬وعلى‬
‫القول بنفي األحوال تكون عبارة عن قيام القدرة بالذات فيكون أم‪00‬راً اعتباري‪0‬اً‪ ،‬وه‪00‬ذا كل‪00‬ه‬
‫عند أهل السنة‪،‬‬
‫وأما عند المعتزلة فهي كناية عن القادرية ‪ ،‬أي كونه قادراً بذاته ‪ ،‬وكذا يق‪00‬ال في‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫الباقي‪ ،3‬فهم وإن أنكروا المعاني لم ينكروا القادرية والعالمي‪00‬ة وغيرهم‪00‬ا‪ ،‬فيقول‪00‬ون ق‪00‬ادر‬
‫بذاته‪ ،‬وعالم بذاته‪ ،‬إلى غير ذلك‪4‬؛ ولذلك يقولون‪ ،5‬من أنكر المعاني ال يكف‪00‬ر إال إذا أثبت‬
‫ضدها‪ ،‬ومن أنكر المعنوية بمعنى القادري‪00‬ة ونحوه‪00‬ا كف‪00‬ر‪ ،‬ألن‪00‬ه يل‪00‬زم من إنك‪00‬ار القادري‪00‬ة‬
‫إثبات الضد وأما إنكار المعنوية بمعنى األحوال فهو الحق‪،‬‬
‫وحيث علمت أن المص‪00‬نف ص‪00‬رح بأن‪00‬ه أراد مج‪00‬رد بي‪00‬ان األس‪00‬ماء ولم ي‪00‬رد بي‪00‬ان‬
‫الص‪00‬فات المعنوي‪00‬ة‪ :‬علمت أن حمل‪00‬ه على بي‪00‬ان المعنوي‪00‬ة ليس على م‪00‬ا ينبغي وإن ذك‪00‬ره‬
‫الشيخ عبد السالم وغيره‪ ،‬خصوصا ً وقد عبر بالحي … الخ‪ ،‬ولم يعبر بكونه حيا ً ‪ ..‬الخ‪،‬‬
‫وقد قالوا‪ :‬صاحب البيت أدرى بالذي فيه‪،‬‬
‫وحقيقة‪ 0‬الحي الذي له الحياة الحقيقي‪0‬ة‪ 0‬ه‪00‬و ال‪00‬ذي تك‪00‬ون حيات‪00‬ه لذات‪00‬ه‪ ،‬وليس ذل‪00‬ك‬
‫ألحد من الخلق‪ ،‬فليست حياتهم لذاتهم‬
‫قوله (عليم) أي وحيث وجب له العلم فهو عليم‪ ،‬فهو خبر لمبتدأ محذوف مق‪00‬رون‬
‫بالفاء كما تقدم‪ ،‬وعليم بمعنى عالم‪ :‬وه‪0‬و ال‪0‬ذي علم‪0‬ه ش‪0‬امل لك‪0‬ل م‪0‬ا من ش‪0‬أنه أن يعلم؛‬
‫فصيغة المبالغة باعتبار الكثرة في المتعلق‪ ،‬وإن كانت صفة العلم واحدة ال تكثر فيها‪،‬‬

‫‪2‬وهو القيام بمعنى الحاصل بالمصدر‪ 0‬فإن المعنى المص‪00‬دري أم‪00‬ر اعتب‪00‬اري من‪00‬تزع‪ 0‬من‬
‫الحاصل بالمصدر الذي هو أمر موجود في الخارج‪ 0‬ومتحقق فيه‪.‬‬
‫‪ 3‬بدخول القسم الذي يسمى حاالً في االنتزاعي منها ‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله "القادرية" هي تمكنه من اإليجاد واإلعدام بذاته أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬أي وليس عبارة عن قيام وصف القدرة بال‪00‬ذات ألنهم ال يثبت‪00‬ون ه‪0‬ذه الص‪00‬فات‪ 0‬قائم‪00‬ة‬
‫بالذات‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫في غير اإلرادة والكالم‪ ،‬فيقول‪00‬ون فيه‪00‬ا‪ :‬مري‪00‬د ب‪00‬إرادة مخلوق‪00‬ة ال في مح‪00‬ل‪ ،‬ومتكلم‬
‫بكالم مخلوق في محل مثل اللوح المحفوظ والنبي وجبريل وشجرة موسى عليه السالم‪.‬‬
‫‪ { -81‬معنى قول المعتزلة‪ 0:‬إن صفات هللا تعالى عين ذاته }‬
‫‪ 4‬معنى قولهم هذا أن ذاته تع‪00‬الى‪ 0‬ي‪00‬ترتب‪ 0‬عليه‪0‬ا‪ 0‬م‪00‬ا ي‪00‬ترتب‪ 0‬على ذات وص‪00‬فة مع‪00‬ا‪ ،‬مثال‬
‫ذاتك ليست كافية في انكشاف األشياء عليك‪ 0،‬بل تحتاج في ذل‪00‬ك إلى ص‪00‬فة العلم ال‪00‬تى تق‪00‬وم ب‪00‬ك‪،‬‬
‫بخالف ذاته تعالى فإنه ال يحتاج‪ 0‬في انكش‪00‬اف األش‪0‬ياء وظهوره‪0‬ا علي‪0‬ه إلى ص‪0‬فة تق‪00‬وم ب‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل‬
‫المفهومات بأسرها‪ 0‬منكشفة عليه ألجل ذاته‪ ،‬فذات‪0‬ه به‪0‬ذا اإلعتب‪00‬ار‪ 0‬حقيق‪0‬ة العلم‪ .‬وك‪0‬ذا الح‪0‬ال في‬
‫القدرة‪ ،‬فإن ذاته تعالى‪ 0‬م‪0‬ؤثرة ب‪0‬ذاتها ال بص‪00‬فة زائ‪0‬دةعليها‪ 0‬كم‪0‬ا في ذواتن‪0‬ا‪ ،‬فهي به‪0‬ذا االعتب‪00‬ار‪0‬‬
‫حقيق‪00‬ة الق‪00‬درة‪ .‬وبه‪00‬ذا المع‪00‬نى ق‪00‬الوا‪ :‬إن ص‪00‬فات هللا تع‪00‬الى عين ذات‪00‬ه‪ ،‬وعلى ه‪00‬ذا تك‪00‬ون ال‪00‬ذات‬
‫والصفات‪ 0‬متحدة في الحقيقة متغايرة باالعتب‪00‬ار والمفه‪00‬وم‪ .‬ومرجع‪00‬ه إذا حق‪00‬ق إلى نفي الص‪00‬فات‬
‫مع حصول نتائجها وثمراتها من الذات وحدها‪ .‬قاله السيد الشريف في شرح المواقف (‪.)8/48‬‬
‫‪ 5‬أي العلماء من أهل السنة‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫وقول‪00‬ه ( “ ق‪00‬ادر “ ) أي وحيث وجبت ل‪00‬ه الق‪00‬درة فه‪00‬و ق‪00‬ادر‪ ،‬فه‪00‬و خ‪00‬بر لمبت‪00‬دأ‬
‫محذوف مقرون بالفاء كما مر‪ ،‬والقادر‪ :‬هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك فهو متمكن‬
‫من الفعل والترك فيصدر عنه كل من الفعل والترك بحس‪00‬ب مص‪00‬الح الخل‪00‬ق المترتب‪00‬ة على‬
‫ذلك‬
‫و(قول‪00‬ه “ مري‪00‬د “ ) أي وحيث وجبت ل‪00‬ه اإلرادة فه‪00‬و مري‪00‬د‪ :‬وه‪00‬و ال‪00‬ذي تتوج‪00‬ه‬
‫إرادته إلى المعدوم فتخصصه بالوجود بدالً عن العدم مثالً‪،‬‬
‫و(قوله “ سمع “ ) بحذف الياء مع سكون العين للض‪00‬رورة‪ :‬أي وحيث وجبت ل‪00‬ه‬
‫السمع فهو سميع‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬بصير) أي وحيث وجب له البصر فهو بصير‪ ،‬والسميع‪ :‬هو الذي يس‪00‬مع‬
‫كل موجود‪ ،‬والبصير‪ :‬ه‪00‬و ال‪00‬ذي يبص‪00‬ر األش‪00‬ياء فيحي‪00‬ط بالمس‪00‬موعات والمبص‪00‬رات‪ ،‬من‬
‫غير أن يشغله شأن عن شأن‪.‬‬
‫(قوله ما يش‪00‬اء يري‪00‬د) بقص‪00‬ر “ يش‪00‬ا “ لل‪00‬وزن‪ :‬أي ال‪00‬ذي يش‪00‬اؤه يري‪00‬ده‪ ،‬وأش‪00‬ار‬
‫المصنف بذلك إلى اختيار م‪00‬ذهب الجمه‪00‬ور من اتح‪00‬اد المش‪00‬يئة واإلرادة‪ ،‬خالف‪0‬ا ً للكرامي‪00‬ة‬
‫حيث زعموا أن المشيئة ص‪00‬فة واح‪00‬دة أزلي‪00‬ة تتن‪00‬اول م‪00‬ا يش‪00‬اؤه هللا به‪00‬ا‪ ،‬واإلرادة حادث‪00‬ة‬
‫متعددة بتعدد الم‪00‬رادات كم‪00‬ا قال‪00‬ه في ش‪00‬رحه الص‪00‬غير‪ ،‬ومرادات‪00‬ه تع‪00‬الى‪ :‬هي ش‪00‬ؤونه في‬
‫خلقه‪.‬‬
‫ش‪0‬أْ ٍن)‬
‫‪0‬و فِي َ‬ ‫وحكي أن ابن الشجري كان يقرر في درسه قوله تع‪00‬الى‪ُ ( :‬ك‪َّ 0‬ل يَ‪ْ 0‬‬
‫‪0‬و ٍم ُه‪َ 0‬‬
‫(الرحمن‪ :‬من اآلية‪ )29‬فسأله سائل وق‪00‬ال ل‪00‬ه‪ :‬م‪00‬ا ش‪00‬أن رب‪00‬ك اآلن؟ ف‪00‬أطرق رأس‪00‬ه وق‪00‬ام‬
‫متحيراً‪ ،‬فنام فرأى النبي صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم فس‪00‬أله عن ذل‪00‬ك‪ ،‬فق‪00‬ال ل‪00‬ه ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم‪ :‬السائل لك الخضر‪ ،‬فإذا أتاك في غد وسألك فقل ل‪00‬ه‪ :‬ش‪00‬ؤون يب‪00‬ديها وال‬
‫يبتديها‪ ،‬يرفع أقواما ً ويخفض آخرين‪ ،‬فلما أصبح أتاه وسأله فأجابه بم‪00‬ا ذك‪00‬ر‪ ،‬فق‪00‬ال ل‪00‬ه‪:‬‬
‫ص ّل على من علمك‪ ،‬ومشى مسرعاً‪ ،‬ومعنى‪ :‬شؤون يبديها وال يبتديها‪ :‬أح‪00‬وال يظهره‪00‬ا‬
‫للناس وال يبتديها علما ً‪ ،1‬ألنه تعالى يعلم األش‪00‬ياء أزالً‪ ،‬خالف ‪0‬ا ً لمن ق‪00‬ال‪ :‬األم‪00‬ر أن‪00‬ف‪ ،‬أي‬
‫يستأنف هللا األشياء علماً‪ ،‬وقد انقرض هؤالء الجماعة من قبل اإلمام الش‪00‬افعي وهم ق‪00‬وم‬
‫كفار ألنهم أنكروا القدر‪.2‬‬

‫‪ 1‬قوله‪ :‬وال يبتديها علماً‪ ،‬الصواب وال يبتديها إرادة ألن إرادته تعالى أزلية‪ ،‬وذل‪00‬ك ألن‬
‫العلم كالسمع والبصر‪ 0‬ليس من صفات‪ 0‬التأثير بل من صفات‪ 0‬الكمال واالنكشاف واإلرادة كالق‪00‬درة‬
‫من صفات التأثير‪ 0‬ومرادنا بتأثيرها‪ 0‬ترجيحها ألحد األمرين الفعل والترك‪ ،‬والقوم ال يعبرون عنه‬
‫بالت‪00‬أثير‪ 0‬فمن أج‪00‬ل ذل‪00‬ك ق‪00‬الوا‪ :‬إن اإلرادة ليس ش‪00‬أنها الت‪00‬أثير‪ ،‬وإن الت‪00‬أثير‪ 0‬وص‪00‬ف الق‪00‬درة فق‪00‬ط‬
‫والكالم هنا على التأثير‪ 0‬بنفي التأثير‪ 0‬الحادث‪ 0‬عن هللا تعالى الذي قد يوهمه قوله تعالى‪( :‬كل ي‪00‬وم‬
‫هو في شأن)‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله "ألنهم أنكروا القدر" الظاهر‪ 0‬أن يقال‪ :‬ألنهم أنكروا قدم العلم‪ .‬أجهوري‪ .‬أق‪00‬ول‪:‬‬
‫ما قاله الشارح هنا هو الظ‪00‬اهر والمخ‪00‬الف للظ‪00‬اهر‪ 0‬إنم‪00‬ا ه‪0‬و قول‪00‬ه آنف‪0‬ا ً وال يبت‪0‬ديها علم‪0‬ا ًوك‪00‬ان‬
‫الصواب أن يقول هناك‪ :‬إرادة بدل علما ً وكذلك في قوله‪ :‬أي يستأنف هللا االشياءعلما‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫متكلم ثم صفات الذات ‪ ##‬ليست بغير او بعين الذات‬ ‫‪-32‬‬
‫(قول‪00‬ه متكلم) بس‪00‬كون الت‪00‬اء لل‪00‬وزن‪ :‬أي وحيث وجب ل‪00‬ه الكالم فه‪00‬و متكلم‪ ،‬وال‬
‫خالف ألرباب المذاهب والملل في أنه تعالى متكلم‪ ،‬وإنم‪00‬ا الخالف في مع‪00‬نى كالم‪00‬ه‪ ،‬وق‪00‬د‬
‫تقدم معناه‪ ،‬وقد اختلفوا‪ 0‬في قدمه‪ ،‬وقد تقدم بيانه أيضاً‪ ،‬وسيأتي بيانه في قوله‪:‬‬
‫ونزه القرآن أي كالمه ‪ ##‬عن الحدوث واحذر انتقامه‬

‫‪ { -82‬صفات هللا الثبوتية ليست عينه وال غيره }‬


‫(قول‪00‬ه‪ :‬ثم ص‪00‬فات ال‪00‬ذات … إلخ) ثم لالس‪00‬تئناف‪ ،‬ويحتم‪00‬ل أن تك‪00‬ون لل‪00‬ترتيب في‬
‫الذكر واإلخبار‪ ،‬والمعنى‪ :‬بع‪00‬د أن أخبرت‪00‬ك بم‪00‬ا تق‪00‬دم أخ‪00‬برك ب‪00‬أن ص‪00‬فات ال‪00‬ذات … إلخ‪،‬‬
‫والغرض األصلي من ذلك بيان حكم صفات الذات‪ ،‬وهو أنها ليس‪00‬ت بعين ال‪00‬ذات وال بغ‪00‬ير‬
‫الذات‪،1‬‬

‫‪ 1‬قوله "وال بغير الذات …‪ .‬إلخ" ف‪00‬المراد من الغ‪00‬ير هن‪00‬ا‪ :‬المنف‪0‬ك‪ 0‬عن ال‪00‬ذات‪ 0،‬فمع‪00‬نى‬
‫كونها ليست‪ 0‬غير الذات‪ :‬أنها ليست‪ 0‬منفكة عنها‪ ،‬وهذا يحتمل معنيين‪ 0،‬المعنى األول‪ :‬أنها ليست‪0‬‬
‫منفية عن الذات في حال ثابتة‪ 0‬لها في حال آخر‪ ،‬بل هي مالزمة للذات‪ 0،‬وهذا المعنى هو المأخوذ‬
‫من كالم الشيخ عبد الس‪00‬الم ومن كالم المحش‪00‬ي آخ‪00‬راً حيث ق‪00‬ال‪ :‬ليس‪0‬ت‪ 0‬منفك‪00‬ة ب‪00‬ل هي مالزم‪00‬ة‬
‫لل‪0‬ذات‪ 0،‬والمع‪00‬نى الث‪0‬اني‪ :‬أنه‪0‬ا ليس‪0‬ت منف‪0‬ردة عن ال‪0‬ذات أي منفص‪00‬لة عنه‪00‬ا بحيث تك‪0‬ون قائم‪00‬ة‬
‫بنفسها‪ ،‬بل هي قائمة بالذات‪ ،‬وهذا المعنى هو المناسب لجعل كالم المصنف جواب‪0‬ا ً عن الش‪00‬بهة‬
‫‪139‬‬
‫فإن قيل‪ :‬الشيء إما أن يكون غيراً‪ ،‬وإما أن يكون عينا‪ ،‬فال يعقل ق‪0‬ولهم‪( :‬ليس‪0‬ت‬
‫بغير الذات وال بعين الذات) أجيب بأن نفي العينية ظاهر‪ ،‬إذ من المعلوم أن حقيق‪0‬ة‪ 0‬ال‪00‬ذات‬
‫غ‪00‬ير حقيقي‪00‬ة الص‪00‬فات‪ ،‬وإال ل‪00‬زم اتح‪00‬اد الص‪00‬فات والموص‪00‬وف وه‪00‬و ال يعق‪00‬ل‪ ،‬وام‪00‬ا نفي‬
‫الغيري‪00‬ة ف‪00‬المراد ب‪00‬ه‪ :‬نفي الغ‪00‬ير المص‪00‬طلح عليه‪ 1‬وه‪00‬و الغ‪00‬ير المنف‪00‬ك‪ ،‬ال مطل‪00‬ق الغ‪00‬ير‪،‬‬
‫فالمعنى أنها ليست بعين الذات وال بغ‪00‬ير ال‪0‬ذات غ‪0‬يراً منفك‪0‬اً‪ ،‬فال ين‪00‬افي أن حقيقته‪00‬ا غ‪0‬ير‬
‫حقيقة الذات لكنها ليست منفكة عن ال‪0‬ذات‪ ،‬وق‪0‬ال بعض‪0‬هم‪ :‬إنه‪0‬ا غ‪0‬ي ٌر نظ‪0‬راً ل‪0‬ذلك وإن لم‬
‫تنفك‪ ،‬قال الشمس السمرقندي‪ :‬وهو خالف لفظي‪ ،‬ألن القول بأنه‪00‬ا ليس‪00‬ت بغ‪00‬ير محم‪00‬ول‬
‫على نفي الغير المنفك وإن كانت غيراً في المفهوم‪ ،‬والقول‪ 0‬بأنها غير محمول على الغ‪00‬ير‬
‫في المفهوم‪ ،‬وإن لم تنفك‪ ،‬ولكون الص‪00‬فات ليس‪0‬ت غ‪00‬يراً ب‪00‬المعنى المتق‪0‬دم وق‪0‬ع التس‪00‬امح‬
‫بإضافة ما للذات إليها‪ ،‬نحو‪ “ :‬تواضع كل ش‪00‬يء لقدرت‪00‬ه “ والم‪00‬راد تواض‪00‬ع ك‪00‬ل ش‪00‬يء‬
‫لذاته ألجل قدرته وإال فعبادة مجرد الصفات كفر‪ ،‬وعبادة مج‪00‬رد ال‪00‬ذات فس‪00‬ق‪ ،‬فالمس‪00‬تقيم‬
‫عبادة الذات المتصفة بالصفات‪ ،‬وخرج بإضافة صفات الذات‪ :‬الصفات السلبية فإنها غير‬
‫بمعنى أنها ليست قائمة به ألنها أمور عدمية‪ ،‬وص‪00‬فات األفع‪00‬ال كاإلحي‪00‬اء واإلمات‪00‬ة فإنه‪00‬ا‬
‫غ‪00‬ير أيض ‪0‬اً‪ ،‬بمع‪00‬نى أنه‪00‬ا منفك‪00‬ة ألنه‪00‬ا هي تعلق‪00‬ات الق‪00‬درة التنجيزي‪00‬ة الحادث‪00‬ة‪ ،‬والص‪00‬فة‬
‫النفس‪00‬ية وه‪00‬و الوج‪00‬ود فإنه‪00‬ا عين الموج‪00‬ود على كالم األش‪00‬عري‪ ،‬وق‪00‬د تق‪00‬دم أن التحقي‪00‬ق‬
‫تأويله على معنى أنه ليس زائ‪00‬داً على ال‪00‬ذات بحيث ي‪0‬رى‪ ،2‬فال ين‪0‬افي أن‪0‬ه أم‪0‬ر اعتب‪00‬اري‪،‬‬
‫وغير الموجود على كالم غير األشعري‬
‫(قول‪00‬ه ليس‪00‬ت بغ‪00‬ير) بال تن‪00‬وين لف‪00‬ظ “ غ‪00‬ير “ له ‪ ،‬إلض‪00‬افته تق‪00‬ديراً إلى مث‪00‬ل م‪00‬ا‬
‫‪3‬‬

‫أضيف إليه “ عين “ والتقدير‪ :‬ليس‪0‬ت بغ‪00‬ير ال‪0‬ذات‪ ،‬وق‪00‬د ع‪0‬رفت أن الم‪00‬راد ليس‪0‬ت بغ‪00‬ير‬
‫منفك‪ ،‬فال ينافي أنها غي ٌر مالزم‪،4‬‬

‫التي أوردتها المعتزلة‪ 0،‬كما يعلم ذلك مما نقله المحشي عن السعد فيما يأتي أجهوري‪.‬‬
‫‪ 1‬أقول‪ :‬قد حققنا في مقالة لنا مفردة أن معنى قولهم‪ :‬إن صفاته تعالى‪ 0‬ليست عين‪00‬اً‪ 0‬وال‬
‫غيراً له تعالى‪ .‬أنها ليست عينا ً بحسب المفهوم‪ ،‬وال غ‪00‬يراً بحس‪00‬ب الوج‪00‬ود والتحق‪00‬ق‪ ،‬وه‪00‬ذا م‪00‬ا‬
‫اختاره القاضي‪ 0‬عضد الدين‪ ،‬كما حققنا فيه‪00‬ا أن الق‪00‬ول ب‪00‬أن الم‪00‬راد ب‪00‬الغير في ق‪0‬ولهم ه‪0‬ذا الغ‪00‬ير‬
‫المصطلح هو مذهب اإلمام الرازي‪ ،‬وقد رده عليه كثير ممن أتى بعده من المحققين كالتفت‪00‬ازاني‬
‫والسيد الشريف الجرجاني‪ 0‬والدواني والكلنبوي‪ ،‬فراجع هذه المقالة‪.‬فإنها مهمة‪.‬‬
‫‪ 2‬األولى بحيث‪ 0‬يتحقق وجود الموجود بدونها‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله‪ :‬له كذا في النسخ الموجودة عندنا وال يظهر لقوله‪":‬له" معنى‪.‬‬
‫‪ 4‬الصواب فال ينافي أنها غير مفهوما ً بدل مالزم وإال فال يستقيم التفريع‪ 0،‬ألن المف‪00‬رع‬
‫بناء عليه عين المفرع‪ 0‬عليه‪ 0،‬والتفريع‪ 0‬يقتضى المغايرة بين المفرع والمفرع عليه‪ 0،‬بل الصواب‬
‫فال ينافي أنها غير بحسب الواقع على ما يقتضيه‪ 0‬سابق كالم‪0‬ه‪ ،‬لكن التحقي‪0‬ق أنه‪0‬ا ليس‪0‬ت غ‪0‬يرا‬
‫بحسب الواقع‪ ،‬بل غيريتها بحسب المفهوم فقط كما قاله القاض‪0‬ي‪ 0‬عض‪00‬د ال‪00‬دين‪ :‬ألنه‪00‬ا ل‪00‬و ك‪00‬انت‬
‫غيرا بحسب الواقع لزم أن يكون لها وجود مستقل عن وجوده تعالى فيك‪0‬ون هن‪00‬اك وج‪0‬ود لذات‪00‬ه‬
‫تعالى و وجودات أخر للصفاته فتتكثر الواجبات وهذا مناف للتوحي‪00‬د‪ 0،‬ف‪00‬التحقيق أن ذات‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫موجودة بصفاتها‪ ،‬ألن المفروض وجود ذات اإلله وهو ال يوج‪00‬د إال بص‪00‬فات‪ 0‬الكم‪00‬ال‪ ،‬ف‪00‬المتحقق‬
‫هو وجود واحد لذات‪0‬ه تع‪0‬الى‪ 0‬بص‪0‬فاتها‪ ،‬فتك‪0‬ون مغ‪0‬ايرة الص‪0‬فات لل‪0‬ذات بحس‪0‬ب المفه‪0‬وم فق‪0‬ط ال‬
‫بحسب الواقع‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫وأش‪00‬ار المص‪00‬نف ب‪00‬ذلك إلى الج‪00‬واب عن الش‪00‬بهة ال‪00‬تي أورده‪00‬ا المعتزل‪00‬ة الن‪00‬افون‬
‫لصفات المعاني‪ ،‬وتقريرها أن نقول‪ :‬الصفات الوجودية إم‪00‬ا أن تك‪00‬ون حادث‪00‬ة فيل‪00‬زم قي‪00‬ام‬
‫الح‪00‬وادث بذات‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬وإم‪00‬ا أن تك‪00‬ون قديم‪00‬ة فيل‪00‬زم تع‪00‬دد الق‪00‬دماء‪ ،‬وه‪00‬و كف‪00‬ر بإجم‪00‬اع‬
‫المسلمين‪ ،‬وقد كفرت النصارى بزي‪00‬ادة ق‪00‬ديمين على ال‪00‬ذات العلي‪00‬ة‪ ،‬فكف‪00‬روا بإثب‪0‬ات آله‪00‬ة‬
‫ث ثَالثَ ٍة) (المائدة‪ :‬من اآلية‪ )73‬وإذا‬ ‫ثالثة‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬لَقَ ْد َكفَ َر الَّ ِذينَ قَالُوا إِنَّ هَّللا َ ثَالِ ُ‬
‫كفرت النصارى بإثبات آله‪00‬ة ثالث‪00‬ة‪ ،‬فكي‪00‬ف ب‪0‬األكثر وه‪00‬و ثماني‪00‬ة ق‪0‬دماء ال‪00‬ذات والص‪00‬فات‬
‫السبع‪ ،‬أوتسع بزيادة التكوين‪ ،‬أو عشر بزيادة اإلدراك؟ فيلزم على إثب‪00‬ات ذل‪00‬ك الكف‪00‬ر من‬
‫باب أولى‪ ،‬وهذا‪ 1‬توسيع في الدائرة ألن أهل السنة معترفون بقدم الصفات‪،‬‬
‫وحاصل الجواب كما أشار إليه العالمة السعد‪ :‬أن المحظور المبط‪00‬ل للتوحي‪00‬د إنم‪00‬ا‬
‫هو تعدد القدماء المتغايرة المنفكة بحيث تك‪00‬ون ذوات مس‪00‬تقلة‪ ،‬وليس‪00‬ت الص‪00‬فات مغ‪00‬ايرة‬
‫للذات بهذا المعنى‪ ،‬فلم يلزم التعدد المبط‪00‬ل للتوحي‪00‬د ح‪00‬تى يل‪0‬زم الكف‪00‬ر‪ ،‬فنفي الغيري‪00‬ة ه‪00‬و‬
‫الذي أشير به للجواب عن الشبهة الم‪00‬ذكورة‪ ،‬وال م‪00‬دخل لنفي العيني‪00‬ة في الج‪00‬واب‪ ،‬لكن‪00‬ه‬
‫تكميل للفائدة‪ ،‬على أن الغرض األصلي –كما علمت بيان حكم الصفات‪ :‬وهو أنه‪00‬ا ليس‪00‬ت‬
‫بغير الذات وال بعين الذات‪ ،‬ولم يذكر المصنف مغايرة بعض الصفات لبعض لظهور ذلك‪،‬‬
‫وقوله “ أو بعين ال‪00‬ذات “ أي وليس‪00‬ت الص‪00‬فات عين ال‪00‬ذات‪ ،‬فـ (أو) بمع‪00‬نى ال‪00‬واو‪ ،‬ألن‬
‫القاعدة أنها تكون بمعنى الواو بعد النفي‪،‬‬
‫‪ { -83‬هل صفات هللا واجبة لذاتها أو ممكنة واجبة لذات هللا تعالى }‬
‫واعلم أن وجوب صفات المعاني ذاتي لها‪ 2‬مثل وجوب الذات‪ ،‬كما هو الحق ال‪00‬ذي‬
‫عليه السنوسي ومن تبعه‪ ،‬وليست ممكنة لذاتها واجبة لغيرها بسبب اقتض‪00‬اء ال‪00‬ذات له‪00‬ا‬
‫كم‪00‬ا قال‪00‬ه العض‪00‬د‪ ،‬وه‪00‬ذه نزع‪00‬ة من نزع‪00‬ات العض‪00‬د‪ ،‬وس‪00‬رت ل‪00‬ه ه‪00‬ذه النزع‪00‬ة من كالم‬
‫الفالسفة‪ ،‬فإنهم يقولون‪ :‬إن العالم ممكن لذاته قديم لغيره بسبب كونه معلوالً لعلة قديم‪00‬ة‬
‫وهي ذاته تعالى‪ ،‬وما كان معلوالً لعلة قديمة فهو قديم‪ ،‬وهذا كالم باطل‪ ،‬وكالم الس‪0‬عد في‬
‫موضع يوافق كالم العضد‪ ،‬وفي موضع آخر يوافق كالم السنوس‪00‬ي‪ ،‬وه‪00‬و ال‪00‬ذي نلقى هللا‬
‫عليه‪.3‬‬

‫‪ 1‬أي التقرير‪ 0‬بهذا الوجه‪ ،‬توسيع في الدائرة بإدخال احتمال ح‪00‬دوثها في‪00‬ه حيث قي‪00‬ل في‬
‫صدر التقرير‪ 0:‬إما أن تكون حادثة… إلخ‪.‬‬
‫‪ -2‬أي ذاتي للصفات‪ 0‬بمع‪00‬نى أن وجوده‪00‬ا مقتض‪00‬ى ذاته‪00‬ا فتك‪00‬ون واجب‪00‬ة ل‪00‬ذاتها وليس‪00‬ت‬
‫بمقتضى ذاته تعالى حتى يكون واجبة لذاته وممكنة في ذاتها‪.‬‬
‫‪ { -84‬بيان‪ 0‬فساد كل من القولين‪} 0‬‬
‫‪ 3‬أقول‪ :‬ال يخفى أنه على كال المسلكين‪ 0‬يلزم تع‪00‬دد الق‪00‬دماء‪ 0،‬وتك‪00‬ثر الواجب‪00‬ات‪ 0‬أم‪00‬ا على‬
‫المسلك الذي نسبه الشارح‪ 0‬إلى القاضي عضد الدين –وهو مسلك الرازي ومن تبعه‪ -‬فألنه هناك‬
‫واجب بذاته وهو هللا تع‪0‬الى‪ .‬وواجب ل‪0‬ذات ال‪0‬واجب بذات‪0‬ه‪ ،‬وهي ص‪0‬فات‪ 0‬هللا تع‪0‬الى فص‪0‬ار هن‪0‬اك‬
‫نوعان من الواجب كما ذهب إليه الفالسفة‪ 0‬من أن العقول العشرة و الهيولى قديمة لذاته تع‪00‬الى‪،‬‬
‫وأنه تعالى‪ 0‬موجب بالذات بالنسبة‪ 0‬إليها‪ .‬فاهلل تعالى‪ 0‬موجب بالذات بالنس‪00‬بة الى ص‪00‬فاته‪ 0‬على ه‪00‬ذا‬
‫الرأي‪ ،‬ولما لم يستطع أصحاب هذا الرأي التخلص من هذا الالزم تقبلوه بقبول سيء‪ ،‬و حاولوا‬
‫الدفاع عنه بأنه ال بأس بان يكون هللا موجبا بالذات‪ 0‬بالنسبة إلى صفاته وإنم‪00‬ا المح‪00‬ال أن يك‪00‬ون‬
‫موجبا لذاته بالنسبة‪ 0‬إلى غير صفاته‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫‪ { -85‬قدرة هللا تعالى تتعلق بالممكن فقط بال تناهي ما تعلقت به }‬
‫بمكن تعلقت ‪ ##‬بال تناهي ما به تعلقت‬
‫ٍ‬ ‫فقدرةٌ‬ ‫‪-33‬‬
‫(قوله فقدرة … إلخ) أي إذا أردت معرف‪00‬ة تعلق‪00‬ات الص‪00‬فات ف‪0‬أقول ل‪00‬ك‪ :‬ق‪0‬درة …‬
‫إلخ‪ ،‬فالفاء فاء الفصيحة‪ ،‬ولما ط‪00‬وى ذي‪00‬ل مب‪00‬احث الص‪00‬فات‪ 1‬ش‪00‬رع في نش‪00‬ر م‪00‬ا له‪00‬ا من‬
‫التعلقات‪،‬‬
‫وال‪000‬ذي اعتم‪000‬ده المحقق‪000‬ون أن التعل‪000‬ق للمع‪000‬اني فقط‪ ،2‬وق‪000‬ال بعض المتكلمين‪:‬‬
‫للمعنوية‪ ،‬ولم يقل أحد بأن التعلق للمعاني والمعنوية معاً‪ ،‬وإال لزم اجتماع م‪00‬ؤثرين على‬
‫وأما على مسلك السنوسي ومن تبعه وقد ذهب إليه القرافي أيضا ً فألن‪0‬ه هن‪0‬اك‪ 0‬واجب‪0‬ان‪0‬‬
‫كل منهما واجب بذاته‪ ،‬وهما ذاته تعالى وصفاته‪ 0،‬فصار هناك‪ 0‬ف‪00‬ردان لل‪00‬واجب‪ 0‬بذات‪00‬ه‪ ،‬ومن ثم‪00‬ة‬
‫قال الكلنبوي في حاشية شرح الجالل للعضدية‪ :)1/395(.‬وتع‪00‬دد الق‪00‬دماء الزم إلثب‪00‬ات الص‪00‬فات‪0‬‬
‫الحقيقية ألبتة‪ 0،‬انتهى‪.‬‬
‫وال يخفى أن مسلك السنوسي ليس بأقل شناعة من مسلك القاضي‪ 0‬فإنه كما لم يقل أحد‬
‫من سلف األمة‪ :‬إن صفاته تعالى ممكنة ب‪0‬ذاتها واجب‪0‬ة لذات‪0‬ه تع‪0‬الى‪ ،‬ك‪0‬ذلك لم يق‪0‬ل أح‪0‬د منهم إن‬
‫هناك واجبين بذاتهما‪ ،‬بل هذا أشنع من األول‪ ،‬فإن ال‪00‬ذي أجم‪00‬ع علي‪00‬ه س‪00‬لف األم‪00‬ة أن‪00‬ه ليس في‬
‫الوجود إال واجب واحد وقديم واحد وجوده مقتضى ذاته‪ ،‬وكذلك وجوبه وقدمه‪ ،‬وه‪00‬و هللا تع‪00‬الى‬
‫المتصف باألسماء‪ 0‬الحسنى والصفات‪ 0‬العلى‪.‬‬
‫وتحقيق ذلك أن المفروض هنا وجود اإلله‪ ،‬وليس وجود ذات مطلقاً‪.‬‬
‫واإلله ال يكون إلها ً إال بهذه الصفات‪ ،‬فهذه الص‪00‬فات من مقوم‪00‬ات اإلل‪00‬ه وغ‪00‬ير خارج‪00‬ة‬
‫عنه وال مغايرة ل‪00‬ه‪ ،‬فليس هن‪0‬اك بالنس‪00‬بة إلى ذات هللا وص‪00‬فاته إال وج‪0‬ود واح‪0‬د ووج‪0‬وب واح‪0‬د‬
‫وقدم واحد‪ ،‬فليس لذاته تعالى وجود ولكل واحد من صفاته‪ 0‬وجود آخر حتى تك‪00‬ون ص‪0‬فاته ش‪0‬يئاً‪0‬‬
‫آخ‪00‬ر مغ‪00‬ايراً‪ 0‬ل‪00‬ه كم‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه أه‪00‬ل المس‪00‬لكين حيث أثبت‪00‬وا االثنيني‪00‬ة بالنس‪00‬بة إلى ذات‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫وصفاته‪ ،‬وجعلوا أح‪00‬دهما نوع‪0‬ا ً غ‪00‬ير الن‪00‬وع اآلخ‪00‬ر من ال‪00‬واجب أو ف‪00‬رداً غ‪00‬ير الف‪00‬رد اآلخ‪00‬ر من‬
‫الواجب‪ ،‬وال هي عارضة لذات هللا تعالى كما ذهب إليه القائلون بانها واجبة لذاته تعالى‪ 0،‬بل هي‬
‫موجودة بوجوده تعالى وواجبة بوجوبه وقديمة بقدمه‪ ،‬وليس لها وج‪00‬ود آخ‪00‬ر وال وج‪00‬وب آخ‪00‬ر‬
‫وال ق‪00‬دم آخ‪00‬ر كم‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه أه‪00‬ل المس‪00‬لكين‪ ،‬وانظ‪00‬ر التفص‪00‬يل في رس‪00‬التنا المف‪00‬ردة في مس‪00‬ألة‬
‫الصفات‪.‬‬
‫ثم إن نسبة القول بأن صفاته تعالى ممكنة واجبة لذاته تعالى إلى القاضي عضد الدين‬
‫غير صحيح‪ ،‬وإنما هذا القول م‪00‬ذهب لإلم‪00‬ام ال‪00‬رازي ومن تبع‪00‬ه‪ .‬وذل‪00‬ك ألن الق‪00‬ولين الم‪00‬ذكورين‬
‫كليهما مبنيان‪ 0‬على القول بزيادة صفاته‪ 0‬تعالى على ذات‪00‬ه والقاض‪00‬ي عض‪00‬د ال‪00‬دين ال يق‪00‬ول ب‪00‬ذلك‪،‬‬
‫ومن أجل ذلك فُسر قول أهل السنة‪ :‬إن صفاته‪ 0‬تعالى ليست‪ 0‬عينه وال غيره بقول‪00‬ه‪ :‬إنه‪00‬ا ليس‪00‬ت‬
‫عينه بحسب المفهوم وال غيره بحسب الوج‪00‬ود والهوي‪00‬ة‪ ،‬فنفى عنه‪00‬ا الغيري‪00‬ة بحس‪00‬ب الوج‪00‬ود‪،‬‬
‫وجعل لها وللذات وجودا واحدا على ما فسرناه آنفا‪ ،‬ومن أجل ذلك لم ينس‪00‬ب أح‪00‬د من المحققين‪0‬‬
‫ممن تكلم على ه‪00‬ذه المس‪00‬ألة كالس‪00‬عد وه‪00‬و تلمي‪00‬ذ العض‪00‬د والس‪00‬يد الجرج‪00‬اني‪ 0‬ش‪00‬ارح المواق‪00‬ف‬
‫والدواني شارح الرسالة‪ 0‬العضدية ومحشيه الكلنبوي‪ ،‬لم ينس‪00‬ب أح‪00‬د من ه‪00‬ؤالء ه‪00‬ذا الق‪00‬ول إلى‬
‫العضد‪ .‬والسنوسي نسب هذا القول في شرحه الكبير‪)234 ( 0‬نقال عن شرف الدين ابن التلمساني‪0‬‬
‫إلى اإلمام الرازي وشنع عليه بأن هذه النزعة‪ 0‬سرت إليه من الفالسفة‪ ،‬فيحتمل أن الشارح‪ 0‬أخ‪00‬ذ‬
‫هذا الكالم عن السنوسي فسبق قلمه من الرازي إلى العضد‪ ،‬وهذا هو الذي يترجح عن‪00‬دي‪ .‬وهللا‬
‫تعالى أعلم‬
‫‪142‬‬
‫أثر واحد في القدرة والك‪00‬ون ق‪0‬ادراً‪ ،‬واإلرادة والك‪00‬ون مري‪00‬داً‪ ،‬ول‪0‬زم تحص‪00‬يل الحاص‪00‬ل في‬
‫العلم وكونه‪ 1‬عالما ً وهكذا الباقي وعرفوا التعلق بأنه طلب الصفة أم‪00‬راً زائ‪00‬داً على ال‪00‬ذات‬
‫يصلح لها‪،‬‬
‫واعلم أن ص‪00‬فات المع‪00‬اني من حيث التعل‪00‬ق وعدم‪00‬ه‪ ،‬ومن حيث عم‪00‬وم التعل‪00‬ق‬
‫للواجب‪00‬ات والج‪00‬ائزات والمس‪00‬تحيالت‪ ،‬وخصوص‪00‬ه بالممكن‪00‬ات أو ب‪00‬الموجودات –أقس‪00‬ام‬
‫أربعة‪:‬‬
‫األول م‪00‬ا يتعل‪00‬ق بالممكن‪00‬ات وه‪00‬و الق‪00‬درة واإلرادة لكن تعل‪00‬ق األولى تعل‪00‬ق إيج‪00‬اد‬
‫وإعدام‪ ،2‬وتعلق الثانية تعلق تخصيص‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬ما يتعلق بالواجب‪00‬ات والج‪00‬ائزات والمس‪00‬تحيالت‪ ،‬وه‪00‬و العلم والكالم‪ ،‬لكن‬
‫تعلق األول تعلق انكشاف‪ ،‬وتعلق الثاني تعلق داللة‪،‬‬
‫والثالث‪ :‬ما يتعلق بالموجودات‪ ،‬وهو السمع والبصر واإلدراك‪ -‬إن قيل به‪-‬‬
‫والرابع‪ :‬ما ال يتعلق بشيء وهو الحياة‪،‬‬
‫وقد ذكرها المصنف على هذا الترتيب كما س‪00‬تراه‪ ،‬ومعرف‪00‬ة التعلق‪0‬ات غ‪0‬ير واجب‪0‬ة‬
‫على المكلف ألنه‪00‬ا من غ‪00‬وامض علم الكالم كم‪00‬ا نقل‪00‬ه الش‪00‬يخ ال‪00‬براوي عن س‪00‬يدنا محم‪00‬د‬
‫الصغير وذكره الشيخ الشنواني‪.‬‬
‫(قوله بممكن تعلقت) الجار والمجرور متعلق بالفعل بعده‪ ،‬وإنما قدمه عليه إلفادة‬
‫الحصر‪ ،‬فكأن‪00‬ه ق‪0‬ال‪ :‬ال تتعل‪0‬ق إال بممكن‪ :‬أي بك‪00‬ل ممكن‪ ،‬ف‪0‬المراد العم‪00‬وم ألن النك‪0‬رة في‬
‫س َم‪00‬ا أَ ْح َ‬
‫ض‪َ 0‬رتْ ) (التك‪00‬وير‪ )14:‬أي‬ ‫سياق اإلثبات قد تعم‪ ،‬كما في قوله تع‪00‬الى‪َ ( :‬علِ َمتْ نَ ْف ٌ‬
‫كل نفس‪ ،‬فالقدرة متعلق‪00‬ة بجمي‪00‬ع الممكن‪00‬ات‪ ،3‬ألن‪00‬ه ل‪00‬و خ‪00‬رج ممكن عن تعلقه‪00‬ا ل‪00‬زم من‪00‬ه‬
‫العجز وهو محال عليه تعالى‪،‬‬
‫والمراد بالممكن‪ :‬ما ال يجب وجوده وال عدمه لذاته‪ ،‬ولو وجب وج‪00‬وده أو عدم‪00‬ه‬
‫لغيره‪ ،‬فالذي تعلق علمه تعالى بوجوده من الممكنات‪ ،‬فهو وإن ك‪00‬ان ممكن‪0‬ا ً في ذات‪00‬ه لكن‬

‫‪ 1‬أقول‪ :‬لم يطو بعد مباحث الصفات‪ 0‬ألن بيان‪ 0‬تعلقاتها من مباحثها‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله للمعاني فقط األولى إسقاط قوله فق‪0‬ط ألن‪0‬ه ي‪0‬وهم أن المخ‪0‬الف قائ‪0‬ل ب‪0‬أن التعل‪0‬ق‬
‫لكليهما ولم يقل به أحد‪.‬‬
‫‪ 1‬إنما يلزم تحصيل الحاصل‪ 0‬لو كان تعلقها على التوالي م‪00‬ع أن المف‪00‬روض أن تعلقهم‪00‬ا‬
‫على وجه المعية فالالزم هنا أيضاً‪ 0‬هو اجتماع‪ 0‬مؤثرين على أثر واح‪00‬د وذل‪00‬ك ألن العلم م‪00‬ؤثر في‬
‫إنكشاف المعلوم كالكون عالماً‪ 0‬على القول به وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا على قول األشاعرة النافين‪ 0‬لصفة التكوين‪ ،‬وأما على مذهب الماتريدية فإن تعلق‬
‫القدرة تعلق صلوح بمعنى أنها تجعل الباري متمكنا ً من أن يعلق صفة التك‪00‬وين ال‪00‬تي به‪00‬ا يوج‪00‬د‬
‫ويعدم‪ ،‬فاإليجاد واإلعدام عندهم لصفة التكوين‪.‬‬
‫‪ 3‬فيه أنه ليس المقصود هنا بيان العم‪00‬وم‪ ،‬ب‪00‬ل المقص‪00‬ود بي‪00‬ان‪ 0‬خصوص‪00‬هما بالممكن‪00‬ات‬
‫وعدم عمومهما للواجبات والممتنعات‪ 0،‬وأما عمومهما لكل الممكنات‪ 0‬فأفاد بقوله‪ :‬بال تن‪00‬اهي م‪00‬ا‬
‫به تعلقت‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫وجب وجوده لغيره‪ ،‬كإيمان من علم هللا إيمانه‪ ،‬والذي تعل‪00‬ق علم‪00‬ه تع‪00‬الى بع‪00‬دم وج‪00‬وده‪،‬‬
‫فهو وإن كان ممكنا ً في ذاته لكن وجب عدم وجوده لغيره‪ ،‬كإيمان من علم هللا عدم إيمانه‬
‫كأبي جهل‪ ،‬لكن تعلق القدرة بالذي تعلق علم هللا بعدم وجوده تعلق ص‪00‬لوحي ال تنج‪00‬يزي‪،‬‬
‫وإال النقلب العلم جهالً وهو محال‪ ،‬وبذلك يجم‪00‬ع بين الق‪00‬ولين‪ ،‬ف‪00‬القول بأن‪00‬ه من متعلق‪00‬ات‬
‫القدرة محمول على أنه من متعلقاته‪00‬ا باعتب‪00‬ار التعل‪00‬ق الص‪00‬لوحي‪ ،‬والق‪00‬ول بأن‪00‬ه ليس من‬
‫متعلقات القدرة محمول على أنه ليس من متعلقاتها باعتبار التعلق التنجيزي‪،‬‬
‫وعلم من ذلك أن للق‪00‬درة تعلقين‪ :‬تعلق‪0‬ا ً ص‪00‬لوحيا ً ق‪00‬ديما ً وه‪00‬و ص‪00‬الحيتها في األزل‬
‫لإليجاد واإلعدام‪ 0‬فيما ال يزال‪ ،‬وتنجيزيا ً حادثا ً وه‪00‬و اإليج‪00‬اد واإلع‪00‬دام به‪00‬ا بالفع‪00‬ل‪ ،‬وه‪00‬ذا‬
‫على سبيل اإلجمال؛ وأما على سبيل التفصيل فلها تعلقات سبعة‪ ،‬وقد تقدم بيانها‪ ،‬وخ‪00‬رج‬
‫بالممكن‪ :‬الواجب والمستحيل‪ ،‬فال تتعلق القدرة بهما ألنهما إن تعلقت بوجود الواجب لزم‬
‫تحصيل الحاصل‪ ،‬وإن تعلقت بعدمه لزم انقالب حقيق‪0‬ة‪ 0‬ال‪00‬واجب؛ ف‪00‬إن حقيقت‪00‬ه م‪00‬ا ال يقب‪00‬ل‬
‫العدم‪ ،‬وإن تعلقت بالمستحيل فعلى العكس من ذلك‬
‫(قوله بال تن‪00‬اهي م‪00‬ا ب‪00‬ه تعلقت)‪ 1‬أي الممكن ال‪00‬ذي تعلقت ب‪00‬ه الق‪00‬درة متلبس بع‪00‬دم‬
‫التناهي‪ ،‬فمتعلقات القدرة ال تنتهي إلى حد ونهاية‪ ،‬إذ منها نعيم الجنان وهو متجدد ش‪00‬يئا ً‬
‫فشيئا ً وهكذا‪ ،‬وأما ما وجد في الخارج من الممكن فهو متناه‪ ،‬ألن كل م‪0‬ا حص‪0‬ره الوج‪0‬ود‬
‫من الممكن فهو متناه الستحالة ح‪00‬وادث ال نهاي‪0‬ة له‪0‬ا‪ ،‬وي‪00‬دل‪ 2‬على ع‪00‬دم تن‪0‬اهي متعلق‪0‬ات‬
‫ش‪ْ 0‬ي ٍء قَ‪ِ 0‬دي ٌر) (البق‪0‬رة‪ :‬من اآلية ‪ )284‬وقول‪0‬ه تع‪0‬الى‪:‬‬
‫(وهَّللا ُ َعلَى ُك‪ِّ 0‬ل َ‬
‫القدرة قول‪0‬ه تع‪0‬الى‪َ :‬‬
‫َي ٍء فَقَ‪َّ 0‬د َرهُ تَ ْق‪ِ 0‬ديراً) (الفرق‪0‬ان‪ :‬من اآلية‪ )2‬أي ك‪0‬ل ش‪0‬يء ممكن في اآلي‪0‬تين‪،‬‬ ‫( َو َخلَ َ‬
‫ق ُك َّل ش ْ‬
‫واعلم أنه ال إيطاء في البيت‪ ،‬ألن الص‪00‬حيح أنه‪00‬ا من كام‪00‬ل الرج‪00‬ز‪ ،‬على أن‪00‬ه يص‪00‬ح حم‪00‬ل‬
‫األول على التنجيزي‪ ،‬والثاني على الصلوحي‪ ،‬وأما كون األول في ح‪00‬يز اإلثب‪00‬ات والث‪00‬اني‬
‫في حيز النفي‪ ،‬فال يلتفت إليه وإن ذكره المصنف في شرحه‪.‬‬

‫‪ 1‬قول‪" :‬بال تناهي … إلخ" مشى الش‪00‬ارح على أن معن‪00‬اه أن المتعلق‪00‬ات ال نهاي‪00‬ة له‪00‬ا‬
‫في جانب المستقبل‪ ،‬بمعنى أن ما من ممكن في المستقبل إال وبعده ممكن‪ ،‬وهك‪0‬ذا من غ‪0‬ير آخ‪0‬ر‬
‫في االستقبال‪ 0،‬وعلى هذا فاالستدالل باآليتين‪ 0‬على عدم التناهي‪ 0‬غير ظاهر‪ ،‬ألنهم‪00‬ا إنم‪00‬ا دال على‬
‫تعلق القدرة بجميع الممكنات‪ ،‬وأما أن الممكنات متناهية أو ال فال داللة لهم‪00‬ا على ذل‪00‬ك‪ ،‬ومش‪00‬ى‬
‫الشيخ عبد السالم على أن معنى عدم التناهي عموم تعلق القدرة لجمي‪00‬ع الممكن‪00‬ات‪ 0،‬حيث ص‪00‬ور‬
‫عدم التناهي‪ 0‬بأن ال يخرج شيء من الممكنات‪ 0‬عن القدرة‪ ،‬وعلى هذا فاالستدالل باآليتين ظ‪00‬اهر‪،‬‬
‫ومعنى ع‪00‬دم التن‪00‬اهي حينئ‪00‬ذ كم‪00‬ا ذك‪00‬ره األم‪00‬ير في الحاش‪00‬ية أن الق‪00‬درة ال تنتهي عن‪00‬د طائف‪00‬ة من‬
‫الممكنات بأن تتعلق بها دون غيرها من الممكنات‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬قول‪00‬ه "وي‪00‬دل … إلخ" اآلي‪00‬ة األولى للتعل‪00‬ق الص‪00‬لوحي‪ ،‬والث‪00‬اني‪ 0‬للتعل‪00‬ق التنج‪00‬يزي‪.‬‬
‫أمير‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫ووحدةً أوجب لها و ِمثل ذي ‪ ##‬إرادةٌ والعلم لكن ع َّم ذي‪.‬‬ ‫‪-34‬‬
‫(قوله ووحدة أوجب له‪00‬ا) أي أوجب للق‪00‬درة وح‪00‬دة‪ ،‬بمع‪00‬نى‪ :‬اعتق‪00‬د وجوبه‪00‬ا له‪00‬ا‪،‬‬
‫فيجب أن تعتقد أن قدرة هللا واحدة‪ ،‬ألن تعددها ال يقتض‪00‬يه معق‪00‬ول وال منق‪00‬ول‪ ،‬وألن‪00‬ه ل‪00‬و‬
‫كان ل‪00‬ه تع‪00‬الى ق‪00‬درتان ل‪00‬زم اجتم‪00‬اع م‪00‬ؤثرين على أث‪00‬ر واح‪00‬د‪ ،‬فالق‪00‬درة واح‪00‬دة والمق‪00‬دور‬
‫متعدد‪ ،‬كالحركة والسكون وغيرهما‬
‫‪ { -86‬ومثل القدرة فيما ذكر اإلرادة }‬
‫(قوله ومثل ذي إرادة) أي ومثل القدرة إرادة‪ ،‬فاسم اإلشارة عائد للقدرة‪ ،‬فالمعنى‬
‫أن إرادة هللا تعالى مثل قدرته في األم‪0‬ور الثالث‪0‬ة المتقدم‪0‬ة ال‪0‬تي هي‪ :‬تعلقه‪0‬ا بك‪0‬ل ممكن‪،‬‬
‫وعدم تناهي متعلقاتها‪ ،‬وإيجاب الوحدة لها بال تفاوت بينهما؛ فالمثلي‪00‬ة إنم‪00‬ا هي في ه‪00‬ذه‬
‫الثالثة وإن اختلفت جهة التعل‪00‬ق فيهم‪00‬ا‪ ،‬ف‪00‬إن الق‪00‬درة إنم‪00‬ا تتعل‪00‬ق بالممكن‪00‬ات تعل‪00‬ق إيج‪00‬اد‬
‫وإعدام‪ ،‬واإلرادة إنما تتعلق بها تعل‪00‬ق تخص‪00‬يص‪ ،‬فتخص‪00‬ص ك‪00‬ل ممكن ببعض م‪00‬ا يج‪00‬وز‬
‫عليه من الممكنات المتقابالت‪ :‬كالوجود أو العدم وكونه بهذه الصفة أو بصفة أخرى‬
‫وهك‪00‬ذا‪ ،‬وي‪00‬دل على عم‪00‬وم تعل‪00‬ق اإلرادة‪ :‬األدل‪00‬ة العقلي‪00‬ة‪ ،‬ك‪00‬أن يق‪00‬ال‪ :‬ل‪00‬و تعلقت‬
‫ب‪00‬البعض‪ 1‬دون البعض لل‪00‬زم علي‪00‬ه ال‪00‬ترجيح بال م‪00‬رجح والالزم باطل‪ ،2‬واألدل‪00‬ة الس‪00‬معية‬
‫‪ 1‬أي تعلقا ً صلوحياً‪ :‬أي لو قلن‪0‬ا إن اإلرادة ص‪0‬الحة للتعل‪0‬ق به‪0‬ذا الممكن دون ذل‪0‬ك ل‪0‬زم‬
‫الترجيح بال مرجح الستواء الممكنات‪ 0‬كلها بالنسبة إلى القدرة وإال فواضح أن إرادت‪00‬ه هللا تع‪00‬الى‬
‫إنما تتعلق تعلقاً‪ 0‬تنجيزيا ً ببعض الممكنات‪ 0‬ال بكلها‪.‬‬
‫‪ 2‬ه‪00‬ذا دلي‪00‬ل على عم‪00‬وم تعل‪00‬ق اإلرادة وأم‪00‬ا ال‪00‬دليل على وجوده‪00‬ا فه‪00‬و أن يق‪00‬ال إن‬
‫الموج‪00‬ودات توج‪00‬د على ص‪00‬فات معين‪00‬ة في أوق‪00‬ات معين‪00‬ة ك‪00‬انت يمكن أن توج‪00‬د على غ‪00‬ير تل‪00‬ك‬
‫‪145‬‬
‫ش‪ْ 0‬يئا ً أَنْ يَقُ‪00‬و َل َل‪0‬هُ ُكنْ فَيَ ُك‪00‬ونُ ) (يّـس‪ )82:‬والم‪00‬راد من‬
‫كقوله تعالى‪( :‬إِنَّ َما أَ ْم ُرهُ إِ َذا أَ َرا َد َ‬
‫ذلك وهللا أعلم‪ :‬أنه متى تعلقت إرادته وقدرت‪0‬ه بش‪0‬يء ب‪0‬رز ح‪0‬االً‪ ،‬فه‪0‬و كناي‪0‬ة عن س‪0‬رعة‬
‫وجود مراده تعالى وعدم تخلفه‪ ،‬وليس المراد من ذل‪00‬ك م‪0‬ا ه‪0‬و ظ‪00‬اهره من أن‪00‬ه تع‪0‬الى إذا‬
‫أراد شيئاً‪ ،‬يصدر منه أمر للكائنات بلفظ “ كن “‬
‫واعلم أن لإلرادة تعلقين‪ :‬تعلق‪00‬ا ً ص‪00‬لوحيا ً وه‪00‬و ص‪00‬الحيتها في األزل لتخص‪00‬يص‬
‫الممكن بالوجود أو بالعدم وبالغنى أو بالفقر وهكذا‪ ،‬وتعلقا ً تنجيزيا ً قديما ً وهو تخص‪00‬يص‬
‫هللا بها أزالً الممكن ببعض ما يجوز عليه من الممكنات السابقة‪ ،‬وزاد بعضهم تعلقا ً ثالثاً‪:‬‬
‫وهو تعلقها بالممكن حين وجوده بالفعل فيكون تعلقا ً تنجيزيا ً حادثاً‪ ،‬والح‪00‬ق أن ه‪00‬ذا ليس‬
‫بتعلق‪ ،‬وإنما هو إظهار للتعلق كما تقدم‪.‬‬
‫‪ { -87‬علم هللا تعالى يتعلق بالممكنات والواجبات والمستحيالت }‬
‫(قوله والعلم) معط‪00‬وف على قول‪00‬ه “ إرادة “ فه‪00‬و مث‪00‬ل الق‪00‬درة أيض‪0‬ا ً في األم‪00‬ور‬
‫الثالث‪00‬ة الس‪00‬ابقة‪ :‬وهي تعلق‪00‬ه بالممكن‪00‬ات‪ ،‬وع‪00‬دم تن‪00‬اهي متعلقات‪00‬ه‪ ،‬وإيج‪00‬اب الوح‪00‬دة ل‪00‬ه‬
‫بإجماع من يعتد بإجماعه‪ ،‬فإنه لم يذهب أحد إلى تعدد علمه تعالى بعدد المعلومات إال أبو‬
‫سهل الصلوكي فقال‪ :‬بعلوم قديمة ال نهاية لها‪ ،‬وال يرد عليه استحالة دخول م‪00‬ا ال نهاي‪00‬ة‬
‫له في الوجود ألن الدليل إنما قام على هذه االستحالة في الحادث دون القديم‪.‬‬
‫وقوله (لكن عم ذي) أي لكن عم العلم من حيث تعلق‪00‬ه ه‪00‬ذه الممكن‪00‬ات ال‪00‬تي أش‪00‬عر‬
‫به‪00‬ا عم‪00‬وم قول‪00‬ه “ بممكن “ ألن الم‪00‬راد ب‪00‬ه العم‪00‬وم‪ 0‬كم‪00‬ا س‪00‬بق‪ ،‬ودف‪00‬ع المص‪00‬نف به‪00‬ذا‬
‫االس‪00‬تدراك م‪00‬ا يوهم‪00‬ه تش‪00‬بيه العلم بالق‪00‬درة من قص‪00‬ره على الممكن‪00‬ات كم‪00‬ا في الق‪00‬درة‬
‫واإلرادة‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬ب‪00‬ل يتعل‪00‬ق أيض‪0‬ا ً بالواجب‪00‬ات والمس‪00‬تحيالت‪ ،‬وال إيط‪00‬اء في كالم‪00‬ه‬
‫الختالف مرجعي اسمي اإلشارة‪ ،‬على أنه‪00‬ا ليس‪00‬ت من مش‪00‬طور الرج‪00‬ز ب‪00‬ل من تام‪00‬ه كم‪00‬ا‬
‫تقدم غير مرة‪.‬‬

‫الصفات‪ 0‬وفي غير تلك األوقات فالبد في وجودها على هذه الصفات‪ 0‬وفي هذه األوقات من مرجح‬
‫وهي اإلرادة‪ ،‬وإال لزم الترجح بال مرجح وهو محال‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫وع َّم أيضا ً واجبا ً والممتنع ‪ ##‬ومثل ذا كالمه فلنتب ْع‬ ‫‪-35‬‬
‫وقوله (وعم أيضا ً واجبا ً والممتنع) أي وشمل العلم من حيث تعلقه الواجب العقلي‬
‫كذاته تعالى وصفاته‪ ،‬والممتنع العقلي كشريكه تعالى واتخاذه ولداً أو صاحبة‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫يعلم اس‪00‬تحالة ذل‪00‬ك‪ ،‬ويعلم أن‪00‬ه ل‪00‬و وج‪00‬د ل‪00‬ترتب علي‪00‬ه من الفس‪00‬اد ك‪00‬ذا وك‪00‬ذا‪ “ ،‬وأيض‪0‬ا ً “‬
‫مص‪00‬در “ آض “ إذا رج‪00‬ع فمعن‪00‬اه رجوع ‪0‬ا ً إلى عم‪00‬وم العلم فه‪00‬و كم‪00‬ا ع ّم الممكن‪00‬ات ع ّم‬
‫(وهَّللا ُ بِ ُك ‪ِّ 0‬ل َ‬
‫ش ‪ْ 0‬ي ٍء َعلِي ٌم)‬ ‫الواجب‪00‬ات والممتنع‪00‬ات‪ ،‬وي‪00‬دل على عم‪00‬وم تعلق‪00‬ه قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫(البق‪00‬رة‪ :‬من اآلية‪ )282‬والم‪00‬راد بالش‪00‬يء مطل‪00‬ق األم‪00‬ر ال خص‪00‬وص الموج‪00‬ود‪ ،‬وإال لم‬
‫ش َها َد ِة) (المؤمنون‪ :‬من اآلية‪ )92‬أي ما غاب عنا‬ ‫يطابق المدعي‪ ،‬وقوله (عَالِ ِم ا ْل َغ ْي ِ‬
‫ب َوال َّ‬
‫وما حضر لنا‪ ،‬فالمراد الغيب والشهادة بالنس‪00‬بة لن‪00‬ا‪ ،‬وليس للعلم إال تعل‪00‬ق تنج‪00‬يزي ق‪00‬ديم‬
‫فقط على التحقيق‪.‬‬
‫‪ { -88‬الترتيب في تعلق العلم واإلرادة والقدرة }‬
‫واعلم أن تعلقات القدرة واإلرادة والعلم مرتبة عند أهل الحق باعتب‪00‬ار العق‪00‬ل فق‪00‬ط‬
‫في التعلقات القديمة‪ ،‬وفي الحقيقة أيضا ً في الحادث منها م‪00‬ع الق‪00‬ديم‪ ،‬ف‪00‬بين تعل‪00‬ق الق‪00‬درة‬
‫الصلوحي القديم وتعل‪00‬ق اإلرادة الص‪00‬لوحي الق‪00‬ديم والتنج‪00‬يزي الق‪00‬ديم‪ ،‬وتعل‪00‬ق العلم وه‪00‬و‬
‫تنجيزي قديم ترتيب في التعقل‪ ،‬فنتعقل أوالً تعلق العلم ثم تعلق اإلرادة‪ ،‬ثم تعل‪00‬ق الق‪00‬درة‪،‬‬
‫فتعلق القدرة تابع لتعلق اإلرادة‪ ،‬وتعلق اإلرادة تابع لتعلق العلم‪ ،‬وليس بين هذه التعلقات‬
‫ترتيب في الخارج ألنها قديمة‪ ،‬والقديم ال ترتيب فيه خارجاً‪ ،‬وإال لزم أن المتأخر حادث‪.‬‬
‫وبين تعلق القدرة التنجيزي الح‪00‬ادث وتعل‪00‬ق اإلرادة التنج‪00‬يزي الق‪00‬ديم والص‪00‬لوحي‬
‫القديم وتعلق العلم وهو تنجيزي قديم كما مر‪ :‬ترتيب في الخ‪00‬ارج وفي التعق‪00‬ل‪ ،‬ألن تعل‪00‬ق‬
‫‪147‬‬
‫القدرة التنج‪0‬يزي الح‪0‬ادث مت‪00‬أخر عن ه‪0‬ذه التعلق‪00‬ات القديم‪00‬ة ض‪0‬رورة ت‪00‬أخر الح‪0‬ادث عن‬
‫القديم‪ ،‬وأما تعلق القدرة التنجيزي الحادث وتعل‪00‬ق اإلرادة التنج‪00‬يزي الح‪00‬ادث على الق‪00‬ول‬
‫به‪ ،‬فبينهما ترتيب في الخارج وفي التعقل‪ ،‬فيكون تعلق القدرة التنجيزي الحادث مت‪00‬أخراً‬
‫عن تعلق اإلرادة التنجيزي الحادث على القول به‪ ،‬وقي‪00‬ل بينهم‪00‬ا ت‪00‬رتيب في التعق‪00‬ل فق‪00‬ط‪،‬‬
‫ألنه ال يتأخر م‪0‬راد هللا عن إرادت‪00‬ه اهـ ملخص‪0‬ا ً من حاش‪00‬ية العالم‪00‬ة الش‪00‬نواني م‪00‬ع ش‪0‬رح‬
‫الشيخ عبد السالم‪ ،‬فادع لي ولهم بحسن الختام‪.‬‬
‫‪ { -89‬كالم هللا تعالى متعلق بالممكنات والواجبات والمستحيالت }‬
‫(قوله ومثل ذا كالمه) أي ومثل علمه تعالى كالمه‪ ،‬فاسم اإلشارة عائد على العلم‪،‬‬
‫و “ مثل “ خ‪00‬بر مق‪00‬دم‪ ،‬و “ كالم‪00‬ه “ مبت‪00‬دأ م‪00‬ؤخر‪ ،‬والتق‪00‬دير‪ :‬وكالم‪00‬ه النفس‪00‬ي الق‪00‬ديم‬
‫القائم بذاته تعالى مثل العلم في األحكام‪ 0‬الثالثة‪ :‬وهي عموم تعلق‪00‬ه بالواجب‪00‬ات والج‪00‬ائزات‬
‫والمستحيالت‪ ،‬وعدم تناهي متعلقاته‪ ،‬وإيج‪0‬اب وحدت‪0‬ه‪ ،‬فعم‪0‬وم تعلق‪0‬ه لص‪0‬لوحه للجمي‪0‬ع‪،‬‬
‫والقاعدة أن صفات المولى متى صلحت لشيء فال بد من ثبوت الجميع لها‪ ،‬وعدم تن‪00‬اهي‬
‫متعلقاته المتناع التخصيص بش‪00‬يء يتن‪00‬اهى ألن‪00‬ه ت‪00‬رجيح بال م‪00‬رجح‪ ،‬ومن متعلقات‪00‬ه نعيم‬
‫الجنان وهو ال يتناهى بل يتجدد شيئا ً فشيئا ً وهكذا‪،‬‬
‫وإيجاب وحدته‪ ،‬ألنه لم يرد السمع بالتع‪00‬دد ب‪00‬ل انعق‪00‬د اإلجم‪00‬اع على نفي كالم ث‪00‬ان‬
‫قديم‪ ، 1‬والمثلية إنما هي في الثالثة األحكام المذكورة وإن اختلفت جه‪00‬ة التعل‪00‬ق ألن تعل‪00‬ق‬
‫العلم تعلق انكشاف‪ ،2‬وتعلق الكالم تعلق داللة وهو تعلق تنجيزي قديم بالنظر لغ‪0‬ير األم‪0‬ر‬
‫والنهي‪ ،‬فهو يدل أزالً على أن ذاته وصفاته تعالى واجب‪00‬ة‪ ،‬وعلى أن الش‪00‬ريك والص‪00‬احبة‬
‫والولد مستحيلة‪ ،‬وأن ولد زيد ورزقه وعلمه ج‪00‬ائزة‪ ،‬وي‪00‬دل أزالً أيض‪0‬ا ً على أن من أط‪00‬اع‬
‫فله الجنة ومن عصى فله النار‪ ،‬واألول وع‪00‬د والث‪00‬اني وعي‪00‬د وهك‪00‬ذا‪ ،‬وأم‪00‬ا ب‪00‬النظر لألم‪0‬ر‬
‫والنهي‪ :‬فعلى اشتراط وجود المأمور والمنهي‪ 3‬يكون له تعلق ص‪00‬لوحي ق‪00‬ديم قب‪00‬ل وج‪00‬ود‬
‫المأمور والمنهي‪ ،‬وتنجيزي حادث بعده كما تقدم تحقيقه (قوله فلنتبع) ب‪00‬النون أو بالت‪00‬اء‬
‫أوله‪ ،‬وفيه إشارة إلى غموض المحل وصعوبته‪ ،‬فيشير إلى أن‪00‬ه ليس لن‪00‬ا في ه‪00‬ذا المق‪00‬ام‬
‫إال اتباع القوم‪ ،‬خصوصا ً في إثبات التعلقات األزلية‪.‬‬
‫‪ 1‬إن كان مراده بالكالم‪ 0‬مبدأ التكلم فصحيح أنه أم‪00‬ر واح‪00‬د‪ ،‬لكن‪00‬ه مم‪00‬ا لم يتكلم علي‪00‬ه إال‬
‫قلة قليلة من العلماء‪ 0‬فأين هذا اإلجماع‪ ،‬وإن كان الم‪00‬راد ب‪00‬ه الكالم ب‪00‬المعنى‪ 0‬الحاص‪00‬ل بالمص‪00‬در‪0،‬‬
‫وهو الذي يطلق عليه الكالم دائما ً فوحدته هو مذهب ابن كالب وجمهور األش‪00‬اعرة والماتريدي‪00‬ة‬
‫ولم يقل به معظم السلف‪ .‬وعلى التقديرين‪ 0‬ال إجماع‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪" :‬انكشاف" أي هلل بمعنى أن جميع األشياء منكشفة هلل بعلمه‪ ،‬وقوله "وتعل‪00‬ق‬
‫الكالم تعلق داللة" أي لغير هللا‪ ،‬بمعنى أن غير هللا ل‪00‬و أزي‪00‬ل عن‪00‬ه الحج‪00‬اب واطل‪00‬ع على كالم هللا‬
‫لفهم منه جميع الواجبات‪ 0‬والجائزات والمستحيالت‪ 0‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله فعلى اشتراط وج‪00‬ود الم‪00‬أمور … إلخ التحقي‪00‬ق أن وج‪00‬ود الم‪00‬أمور والمنهي في‬
‫الخارج ليس بشرط لتحقق األمر والنهي فيه وذلك ألن األم‪00‬ر ه‪00‬و الطلب الج‪00‬ازم‪ 0‬ولألب أن ي‪00‬أمر‬
‫ابنه الذي سيوجد –أي يطلب‪ 0‬من‪00‬ه طلب‪0‬ا ً جازم‪0‬اً‪ 0-‬قب‪0‬ل وج‪00‬وده أن يفع‪00‬ل ك‪0‬ذا عن‪0‬د وج‪0‬وده وفهم‪0‬ه‬
‫للخطاب‪ 0‬وقدرته عليه‪ 0،‬فقد تحقق هذا الطلب‪ 0‬مع فقد المأمور في الخ‪00‬ارج نعم الطلب‪ 0‬من المفق‪00‬ود‬
‫الذي لن يتحقق له وجود في الخارج‪ 0‬ممتنع‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫‪ { -90‬سمع هللا تعالى وبصره وإدراكه تتعلق بالموجودات فقط }‬
‫وكل موجود أنط للسمع به ‪ ##‬كذا البصر إدراكه إن قيل به‬ ‫‪-36‬‬
‫(قوله وكل موجود أنط للسمع به) أي وكل موج‪00‬ود عل‪0‬ق للس‪0‬مع ب‪00‬ه‪ ،‬فـ “ أن‪00‬ط “‬
‫فعل أمر من اإلناطة وهي التعليق‪ “ ،‬وكل “ مبت‪00‬دأ خ‪00‬بره جمل‪00‬ة “ أن‪00‬ط للس‪00‬مع ب‪00‬ه “ أو‬
‫مفعول لمحذوف يفسره المذكور من باب االشتغال على ح‪00‬د “ زي‪00‬داً ُم‪َّ 0‬ر ب‪00‬ه “ والتق‪00‬دير‪:‬‬
‫اقصد كل موجود‪ ،‬والالم في قوله “ للسمع “ زائدة‪ ،‬و “ السمع “ مفعول ألن‪00‬ط بمع‪00‬نى‬
‫علق‪ ،‬أو ضمنه معنى اعترف فعداه بالالم‪ ،‬وبالجملة فالمعنى‪ :‬اعتقد تعل‪0‬ق الس‪0‬مع األزلي‬
‫بكل موجود‪ ،‬وقوله‪ “ :‬كذا البصر “ أي مثل السمع البصر في تعلقه بكل موجود‪ ،‬فاس‪00‬م‬
‫اإلش‪00‬ارة راج‪00‬ع للس‪00‬مع‪ ،‬و “ ك‪00‬ذا “ خ‪00‬بر مق‪00‬دم‪ ،‬و “ البص‪00‬ر “ مبت‪00‬دأ م‪00‬ؤخر‪ ،‬وقول‪00‬ه “‬
‫إدراكه “ أي وكذا إدراكه‪ ،‬فهو معطوف على البص‪00‬ر بح‪00‬رف عط‪00‬ف مق‪00‬در‪ ،‬وقول‪00‬ه “ إن‬
‫قيل به “ أي إن قيل بثبوته‪ ،‬كما هو أحد األقوال الثالثة السابقة في قوله‪:‬‬
‫فهل له إدراك أو ال خلف ‪ ##‬وعند قوم صح فيه الوقف‬
‫فهذه الصفات الثالثة متحدة المتعلق‪ ،‬وال يلزم من اتحاد المتعلق اتحاد الص‪00‬فة ب‪00‬ل‬
‫الصفة متعددة‪ ،‬وكل منها له حقيقة‪ 0‬من االنكش‪00‬اف ليس‪00‬ت عين حقيق‪00‬ة غ‪00‬يره‪ ،‬ال يعلم تل‪00‬ك‬
‫الحقيقة إال هللا تعالى‪،‬‬
‫وما ذكره المصنف من أن سمعه وبصره تعالى يتعلقان بكل موج‪00‬ود ه‪00‬و م‪00‬ا ذك‪00‬ره‬
‫بعض المتأخرين كالشيخ السنوسي ومن تبعه‪ ،‬وال‪00‬ذي في كالم الس‪00‬عد وغ‪00‬يره أن الس‪00‬مع‬
‫األزلي ص‪00‬فة تتعل‪00‬ق بالمس‪00‬موعات‪ ،‬وأن البص‪00‬ر األزلي ص‪00‬فة تتعل‪00‬ق بالمبص‪00‬رات‪ ،‬وه‪00‬و‬
‫محتمل للعموم والخصوص‪ ،‬فيحتم‪00‬ل أن‪00‬ه أراد المس‪00‬موعات والمبص‪00‬رات في حق‪00‬ه تع‪00‬الى‬

‫‪149‬‬
‫وهي الموجودات‪ ،‬فيكون موافقا ً لما تقدم‪ ،‬ويحتمل أنه أراد المسموعات والمبص‪00‬رات في‬
‫حقنا وهي األصوات في األول‪ ،‬والذوات واأللوان في الثاني‪ ،‬فيكون مخالفا ً لما تقدم‪،1‬‬
‫وما ذكره المصنف أيضا ً من كون اإلدراك على القول به مث‪00‬ل الس‪00‬مع والبص‪00‬ر في‬
‫التعلق بكل موجود هو أح‪00‬د ق‪0‬ولين ق‪00‬د س‪00‬بق ذكرهم‪00‬ا‪ ،‬وثانيهم‪00‬ا أن‪00‬ه يتعل‪00‬ق بالملموس‪00‬ات‬
‫والمشمومات والمذوقات من غير اتص‪00‬ال بمحاله‪00‬ا‪ ،‬فهم‪00‬ا طريقت‪00‬ان للق‪00‬وم كم‪00‬ا يؤخ‪00‬ذ من‬
‫اليوسي وشرح الكبرى‪،‬‬
‫واعلم أن للسمع والبصر واإلدراك –على القول به والقول بأنه يتعلق بكل موجود‬
‫–ثالث تعلقات‪ :‬تعلقا ً تنجيزيا ً قديما ً وهو التعلق بذات هللا وصفاته‪ ،‬وص‪00‬لوحيا ً ق‪00‬ديما ً وه‪00‬و‬
‫التعلق بنا قبل وجودنا‪ ،‬وتنجيزيا ً حادثا ً وهو التعلق بنا بعد وجودنا‪ ،‬ووجوب التعلق لهذه‬
‫الصفات مستفاد من صيغة األمر في قوله “ أنط‪ “ 2‬كما استفيد عدم تناهي متعلقاتها من‬
‫أداة العموم‪ 0‬الداخلة على موجود‪ ،‬وسكت المصنف عن وحدة ه‪00‬ذه الص‪00‬فات للعلم به‪00‬ا من‬
‫وجوبها لنظائرها كالقدرة واإلراة إذ ال فرق وال إيطاء في كالم المص‪00‬نف الختالف مرج‪00‬ع‬
‫الضميرين نظير ما تقدم في اسمي اإلش‪00‬ارة في قول‪00‬ه “ ومث‪00‬ل ذي إرادة ‪ ..‬إلخ “ وس‪00‬بق‬
‫ما في نحوه‪.‬‬

‫‪ 1‬أقول‪ :‬التحقيق أن البصر والس‪00‬مع ص‪00‬فتان مغايرت‪00‬ان للعلم يتعل‪00‬ق الس‪00‬مع باألص‪00‬وات‪0‬‬
‫والبصر باأللوان‪ 0‬واألشكال وذلك ألن كالم الشارع –إذا لم يكن عرف شرعي‪ -‬يحمل على المعنى‬
‫اللغوي‪ ،‬وهذا هو المع‪0‬نى اللغ‪0‬وي للس‪0‬مع والبص‪0‬ر‪ ،‬وال دلي‪0‬ل على غ‪0‬يره من الش‪0‬رع‪ 0،‬فال يوج‪0‬د‬
‫عرف شرعي يحمالن عليه ولعل هذا هو مراد السعد العالمة كما ه‪0‬و ظ‪0‬اهر كالم‪0‬ه وحمل‪0‬ه على‬
‫غيره صرف لكالمه عن ظاهره بال داع إليه وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬فيه أن معنى أنط اعتقد النوط ألن اإلنسان ال يق‪00‬در على إناط‪00‬ة ص‪00‬فاته تع‪00‬الى بش‪00‬يء‬
‫حتى يؤمر به فالذي تفيده صيغة األمر هو وجوب هذا االعتقاد ال وجوب التعلق‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫وغي ُر ِع ٍلم هذه كما ثبت ‪ ##‬ثم الحياةُ ما بشيء تعلقت‬ ‫‪-37‬‬
‫(قوله وغير علم هذه) أي هذه الص‪00‬فات األرب‪00‬ع وهي‪ :‬الكالم‪ ،‬والس‪00‬مع‪ ،‬والبص‪00‬ر‪،‬‬
‫واإلدراك –غير العلم فاسم اإلشارة مبتدأ مؤخر‪ ،‬و “ غير علم “ خبر مقدم‪ ،‬ودف‪00‬ع ب‪00‬ذلك‬
‫ما قد يتوهم من اتحادها مع العلم التحاد متعل‪00‬ق الكالم م‪00‬ع متعل‪00‬ق العلم‪ ،‬وان‪00‬دراج متعل‪00‬ق‬
‫السمع والبصر واإلدراك في متعلقه‪ ،‬ال س‪00‬يما وتعل‪00‬ق ه‪00‬ذه الثالث‪00‬ة تعل‪00‬ق انكش‪00‬اف كتعل‪00‬ق‬
‫العلم‪ ،‬وكما أن هذه الصفات األربع مغايرة للعلم بعضها مغاير لبعض‪ ،‬واتح‪00‬اد المتعل‪00‬ق ال‬
‫يوجب اتحاد الحقيقة‪،‬‬
‫‪{ -91‬ال‪000‬دليل على أن الس‪000‬مع والبص‪000‬ر ليس‪000‬ا عب‪000‬ارتين عن العلم بالمس‪000‬موعات‬
‫والمبصرات}‬
‫وقوله “ كما ثبت “ أي كالتغاير الذي ثبت عند الق‪00‬وم باألدل‪00‬ة الس‪00‬معية‪ ،‬ألن ه‪00‬ذه‬
‫الصفات إنما ثبتت بالسمع‪ ،‬والمدلول لغة لكل واحدة غير المدلول لألخ‪00‬رى‪ ،‬ف‪00‬وجب حم‪00‬ل‬
‫ما ورد على ظاهره حتى يثبت خالفه‪ ،‬وبيان كون المدلول لغة لك‪00‬ل واح‪00‬دة غ‪00‬ير الم‪00‬دلول‬
‫نفس‪0‬ها‪ ،‬وم‪00‬ا وق‪00‬ر فيه‪00‬ا من ش‪00‬يء‬
‫ُ‬ ‫لألخرى‪ :‬أن الس‪00‬مع حس األذن –أي حاس‪00‬تها‪ ،‬واألُ ُذنُ‬
‫تسمعه‪ ،‬والذكر المسموع‪ ،1‬والبصر حس العين –أي حاستها‪ ،‬والكالم‪ :‬الق‪00‬ول‪ ،‬وم‪00‬ا ك‪00‬ان‬
‫مكتفيا ً بنفسه‪ ،‬والعلم هو المعرفة كما يؤخذ من الق‪00‬اموس في مواض‪00‬ع متع‪00‬ددة‪ ،‬وإذا ثبت‬
‫أنها متغايرة لغة ك‪00‬انت متغ‪00‬ايرة ش‪00‬رعا ً‪ ،2‬وبالجمل‪00‬ة فكن‪00‬ه ك‪0‬ل واح‪0‬دة غ‪0‬ير كن‪0‬ه األخ‪0‬رى‪،‬‬
‫ونفوض علم ذلك هلل تعالى‪.3‬‬
‫‪ 1‬أي الحسن الجميل (شرح القاموس) فهذه أربعة معان ذكرها الش‪00‬ارح للس‪00‬مع ونزي‪00‬د‬
‫خامسا ً وهو المعنى المصدري لسمع‪.‬‬
‫‪ 2‬أق‪00‬ول‪ :‬وبه‪00‬ذا ال‪00‬دليل نثبت‪ 0‬أن متعل‪00‬ق الس‪00‬مع األص‪00‬وات‪ ،‬و متعل‪00‬ق البص‪00‬ر األل‪00‬وان‬
‫واألشكال‪ ،‬وليس متعلقاتها‪ 0‬كل الموجودات كما قيل‪.‬‬
‫‪ 3‬قال المحقق البياضي‪ 0‬في إشارات‪ 0‬المرام (‪ )138‬ما حاصله‪ :‬السمع والبص‪0‬ر‪ 0‬ص‪00‬فتان‪0‬‬
‫مغايرتان‪ 0‬للعلم ‪ ..‬للفرق البديهي بين علمنا بشيء علماً‪ 0‬تاما ً جلي‪0‬ا ً وبين إبص‪00‬ارنا إي‪00‬اه‪ ،‬فإن‪00‬ا نعلم‬
‫‪151‬‬
‫(قول‪00‬ه ثم الحي‪00‬اة م‪00‬ا بش‪00‬يء تعلقت) بس‪00‬كون الي‪00‬اء وح‪00‬ذف الهم‪00‬زة لل‪00‬وزن‪ ،‬وثم‬
‫لالس‪00‬تئناف‪ ،‬والمع‪00‬نى أن الحي‪00‬اة ال تتعل‪00‬ق بش‪00‬يء أي أم‪00‬ر موج‪00‬ود أو مع‪00‬دوم‪ ،‬ف‪00‬المراد‬
‫بالش‪00‬يء هن‪00‬ا المع‪00‬نى اللغ‪00‬وي الش‪00‬امل للموج‪00‬ود والمع‪00‬دوم‪ 0،‬ويص‪00‬ح أن يك‪00‬ون الم‪00‬راد ب‪00‬ه‬
‫المعنى االصطالحي‪ ،‬ويقال‪ :‬إذا كانت ال تتعلق ب‪00‬الموجود‪ ،‬ف‪00‬أولى أن ال تتعل‪00‬ق بالمع‪00‬دوم‪،‬‬
‫فليست الحياة من الصفات المتعلقة ألنها صفة مصححة لإلدراك‪ :‬أي مصححة لمن ق‪00‬امت‬
‫به أن يتصف بصفات اإلدراك‪ ،‬وال تقتضي أمراً زائداً على قيامه‪00‬ا بمحله‪00‬ا‪ ،‬ومث‪00‬ل الحي‪00‬اة‬
‫الوجود والقدم والبقاء عند من يعدها من الصفات الذاتية‪.‬‬

‫‪ { -92‬أسماء هللا تعالى وصفاته قديمة }‬


‫‪1‬‬
‫وعندنا أسماؤه العظيمة ‪ ##‬كذا صفات ذاته قديم ْه‬ ‫‪-38‬‬
‫بالضرورة أن الحالة الثانية تشتمل على أمر زائد مع حصول العلم فيهما‪.‬‬
‫وكذا حال السمع خالفا ً للفالسفة‪ 0‬اإلسالميين‪ 0‬واألشعري ومتبعيه وبعض المعتزل‪00‬ة حيث‬
‫ذهبوا إلى إرجاع‪ 0‬السمع إلى العلم بالمسموعات‪ 0‬والبصر‪ 0‬إلى العلم بالمبصرات كم‪00‬ا في المحص‪00‬ل‬
‫والمواقف‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله‪ :‬وعندنا أسمائه العظيمة ‪ ##‬كذا صفات‪ 0‬ذاته قديمة‬
‫تحقيق المقام‬
‫أن االسم قد يراد به الدال‪ ،‬وقد يراد به المدلول‪ ،‬أي الذات أو الصفة‪ 0،‬والتعيين‪ 0‬بحس‪00‬ب‬
‫المقام؛ فاالسم مشترك بين الدال والمدلول عند الماتريدية‪ 0‬واختاره األستاذ نص‪00‬ر بن أي‪00‬وب ومن‬
‫تبعه من األشاعرة‪ ،‬والمراد هنا المدلول فالمراد بأس‪00‬ماء هللا هن‪00‬ا م‪00‬دلوالت األس‪00‬ماء مش‪00‬تقة من‬
‫الصفات‪ 0‬القديم ‪ ،‬والمراد بقدمها ق‪0‬دم اتص‪00‬اف هللا تع‪00‬الى به‪00‬ا وأم‪00‬ا المعتزل‪00‬ة فق‪00‬د خص‪00‬وا االس‪00‬م‬
‫باللفظ‪ 0‬الدال‪.‬‬
‫والمدلول قد يكون نفس الذات والحقيقة وهو في اسم الجاللة فقط‪ ،‬وقد يك‪00‬ون م‪00‬أخوذاً‬
‫باعتبار الصفات‪ 0‬واألفعال والسلوب‪ 0‬واإلضافات‪ 0،‬وال خفاء في تكثر أسمائه تع‪00‬الى‪ 0‬به‪00‬ذا االعتب‪00‬ار‬
‫كما في شرح المقاصد‪.‬‬
‫فمراد المصنف أن االتصاف بمدلوالت األس‪00‬ماء المش‪00‬تقة من الص‪00‬فات القديم‪00‬ة كالع‪00‬الم‬
‫والقادر ثابت‪ 0‬له تعالى في األزل‪ .‬والصفات القديمة هي م‪00‬ا ع‪00‬دا ص‪00‬فات األفع‪00‬ال عن‪00‬د األش‪00‬عرية‪،‬‬
‫وصفات األفعال أيضا ً عند الماتريدية الق‪00‬ائلين‪ 0‬بق‪00‬دم التك‪00‬وين‪ ،‬فم‪00‬دلول االس‪00‬م المش‪00‬تق من ص‪00‬فة‬
‫قديمة كالعالم والقادر قديم‪ ،‬ومدلول االسم المشتق من صفة غير قديمة ليس بقديم‪ ،‬س‪00‬واء ك‪00‬ان‬
‫مشتقا ً من فعله تعالى‪ 0‬كالخالق والرازق عند االشعرية لعدم قدم ص‪00‬فات األفع‪00‬ال عن‪00‬دهم‪ ،‬أو ك‪00‬ان‬
‫مش‪00‬تقا ً من فع‪00‬ل غ‪00‬يره ك‪00‬المعبود والمش‪00‬كور فاتص‪00‬افه تع‪00‬الى به‪00‬ذين القس‪00‬مين ليس بق‪00‬ديم عن‪00‬د‬
‫األشعرية‪.‬‬
‫وأما عند الماتريدية‪ 0‬فالذي ليس بقديم هو االتصاف بالقسم‪ 0‬األخير فقط‬
‫ثم إن الماتريدية وبعض األشاعرة خصصوا المدلول بالمطابقي‪ 0‬وأرادوا أن الم‪00‬دلوالت‬
‫المطابقية‪ 0‬لهذه األسماء قديمة‪ ،‬وأم‪00‬ا جمه‪00‬ور األش‪00‬اعرة فق‪00‬د أخ‪00‬ذوا الم‪00‬دلول أعم من المط‪00‬ابقي‬
‫والتضميني‪ 0،‬واعتبروا في األسماء المعاني المقصودة فقالوا م‪00‬دلول الخ‪00‬الق‪ 0‬الخل‪00‬ق‪ ،‬وه‪00‬و غ‪00‬ير‬
‫الذات‪ ،‬ومدلول العالم العلم‪ ،‬وهو ال عين وال غير‪ ،‬ومدلول لف‪00‬ظ هللا ه‪00‬و ال‪00‬ذات وه‪00‬و عين‪ ،‬وأم‪00‬ا‬
‫المعتزلة فقد ذهبوا إلى أن االسم حقيقة في الملفوظ فال يتح‪0‬د بمعن‪00‬اه‪ ،‬فمن أج‪0‬ل ذل‪00‬ك ذهب‪00‬وا إلى‬
‫‪152‬‬
‫(قول‪000‬ه عن‪000‬دنا ‪ ..‬إلخ) لم‪000‬ا ف‪000‬رغ من الص‪000‬فات وتعلقاته‪000‬ا ش‪000‬رع في مبحث يجب‬
‫اعتق‪0‬اده‪ ،1‬فيجب على اإلنس‪0‬ان أن يعتق‪0‬د أن أس‪0‬ماءه العظيم‪0‬ة قديم‪0‬ة وك‪0‬ذا ص‪0‬فات ذات‪0‬ه‪،‬‬
‫وتقديم الظرف للحصر‪ ،2‬والضمير ألهل الحق‪ ،‬فالمعنى‪ :‬وأسماؤه العظيم‪00‬ة قديم‪00‬ة عن‪00‬دنا‬
‫معاشر أهل الحق‪ ،‬خالفا ً للمعتزلة في ق‪0‬ولهم‪ :‬إن أس‪00‬ماءه تع‪00‬الى حادث‪00‬ة وإنه‪00‬ا من وض‪00‬ع‬
‫الخلق‪،‬‬
‫واستشكل‪ 0‬األول بأن األسماء ألفاظ وهي حادثة قطعا ً فتكون األسماء حادثة قطع‪00‬اً‪،‬‬
‫فكيف توصف األسماء بالقدم؟ وأجيب بأنها قديمة ال باعتب‪00‬ار ذاته‪00‬ا ب‪00‬ل باعتب‪00‬ار التس‪00‬مية‬
‫بها‪ ،‬وبحث في هذا الجواب بان التسمية وضع االسم للمس‪00‬مى‪ ،‬وحيث ك‪00‬ان االس‪00‬م حادث ‪0‬ا ً‬
‫كانت التسمية حادثة‪ ،‬وأجيب بأن معنى قدمها أن هللا صالح لها أزالً‪ ،‬فهي قديمة باعتب‪00‬ار‬
‫الصالحية‪ ،‬وفيه أن هذا ال يحس‪0‬ن في ال‪0‬رد على المعتزل‪0‬ة ال‪0‬ذين يقول‪0‬ون إنه‪0‬ا من وض‪0‬ع‬
‫الخلق‪ ،‬إذ ال ينافيه‪ ،‬وبعضهم أجاب بأن قدمها من حيث علم هللا تع‪00‬الى وتق‪00‬ديره في األزل‬
‫وفيه أن جميع الحوادث كذلك‪ ،‬وقيل‪ :‬إن قدمها من حيث م‪0‬دلولها‪ ،‬وفي‪0‬ه أن ق‪0‬دم الم‪0‬دلول‬
‫يرجع لما سبق من قدم الذات والصفات‪ ،‬وال يحسن في ال‪00‬رد على المعتزل‪00‬ة فيم‪00‬ا س‪00‬بق‪،3‬‬
‫ونقل العالمة الملوي عن سيدي محمد بن عبد هللا العربي‪ :‬أن من كالم هللا القديم‪ 4‬أس‪00‬ماء‬
‫له هي المحكوم‪ 0‬عليها بالقدم‪ ،‬كما أن منه أمراً ونهيا ً ‪ ..‬إلخ‪ ،‬وعلى هذا فالمراد بالتس‪00‬مية‬

‫أن االسم مغاير للمسمى مطلقاً‪ .‬ورد قولهم ه‪0‬ذا ب‪00‬أن االس‪00‬م يتب‪0‬ادر من‪0‬ه ك‪0‬ل من ال‪00‬دال والم‪00‬دلول‬
‫س ‪0‬نَى)‪( 0‬األع‪00‬راف‪:‬‬ ‫بحسب المقام في نحو زيد الكاتب‪ 0‬والمكتوب‪ ،‬وقوله تعالى‪َ ( :‬وهَّلِل ِ اأْل َ ْ‬
‫س َما ُء ا ْل ُح ْ‬
‫من اآلية‪ )180‬هذا هو التحقي‪00‬ق له‪00‬ذا المق‪00‬ام‪ ،‬وق‪00‬د أخ‪00‬ذنا ه‪00‬ذا التحقي‪00‬ق من إش‪00‬ارات الم‪00‬رام من‬
‫عبارات‪ 0‬اإلمام" للمحقق البياضي عند كالمه على قول اإلمام أبي حنيفة رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى‪ 0‬عن‪00‬ه‪:‬‬
‫(وهللا لم يزل وال يزال بصفاته‪ 0‬وأسمائه) (ص ‪ )115-114‬وما أورده الشارح‪ 0‬من األقوال ظلمات‬
‫بعضها فوق بعض‪.‬‬
‫‪ 1‬قول‪00‬ه ش‪00‬رع في مبحث يجب اعتق‪00‬اده ه‪00‬ذا التعب‪00‬ير ي‪00‬وهم أن م‪00‬ا قبل‪00‬ه ليس مم‪00‬ا يجب‬
‫اعتقاده فكان عليه أن يقول بدله‪" :‬أتبعها بم‪00‬ا ه‪00‬و من متعلقاته‪00‬ا مم‪00‬ا يجب اعتق‪00‬اده مثله‪00‬ا" أو‬
‫نحو هذا الكالم‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا ليس بص‪00‬حيح ألن‪00‬ه ل‪00‬و ك‪00‬ان ك‪00‬ذلك لك‪00‬ان‪ 0‬المقص‪00‬ود باإلف‪00‬ادة ه‪00‬و الحص‪00‬ر ال الحكم‬
‫ويكون الحكم كأنه مسلم الثبوت وذلك ألن القاعدة أن الكالم إذا اشتمل على قيد زائ‪00‬د على أص‪00‬ل‬
‫الثبوت كان هذا القيد هو المقصود باإلف‪00‬ادة دون الثب‪00‬وت‪ 0‬والح‪00‬ال أن المقص‪00‬ود باإلف‪00‬ادة هن‪00‬ا ه‪00‬و‬
‫الحكم فالتقديم للضرورة الشعرية وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله‪" :‬فيما سبق" أي فيما سبق نقله عنهم‪ :‬وه‪00‬و أن أس‪00‬ماءه تع‪00‬الى‪ 0‬حادث‪00‬ة وأنه‪00‬ا‬
‫من وضع الخلق‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 4‬مقصود هذا القائل كما يدل عليه كالم الشارح‪ 0‬اآلتي من قوله‪ :‬وال يرد أنهم لم يذكروا‬
‫…‪ .‬إلخ أن من األقسام االعتبارية‪ 0‬لكالمه القديم أسماء له تعالى قديمة كم‪00‬ا أن من تل‪00‬ك األقس‪00‬ام‬
‫أمر ونهي‪ ،‬وعلى هذا كان على الشارح‪ 0‬أن يقول بدل قوله‪ :‬وعلى هذا فالمراد بالتسمية ‪ ...‬إلخ‪:‬‬
‫(وعلى هذا فأسمائه تعالى أقسام اعتباري‪00‬ة لكالم‪00‬ه الق‪00‬ديم) وذل‪00‬ك ألن ه‪00‬ذا الق‪00‬ول مب‪00‬ني على أن‬
‫الم‪00‬راد باألس‪00‬ماء مس‪00‬مياتها‪ 0،‬وعلى أن مس‪00‬مياتها من الكالم الق‪00‬ديم وأقس‪00‬ام اعتباري‪00‬ة ل‪00‬ه وليس‬
‫مبنيا ً على أنها مدلولة للكالم القديم‪ ،‬فقول الشارح‪ :‬وعلى هذا فالمراد بالتسمية‪ … 0‬إلخ مع أن‪00‬ه‬
‫فاسد في نفسه مناقض لالحق كالمه‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫القديمة داللة الكالم أزالً على معاني األسماء من غير تبعيض وال تجزئة في الكالم‪ ،‬وه‪00‬و‬
‫ال‪00‬ذي ينش‪00‬رح ل‪00‬ه الص‪00‬در‪ ،‬وال ي‪00‬رد أنهم لم ي‪00‬ذكروا من أقس‪00‬ام الكالم االعتباري‪00‬ة األس‪00‬ماء‬
‫القديمة‪ ،‬ألن تقسيمهم ليس حاصراً‪ ،‬بل اقتصروا على األهم باعتب‪00‬ار م‪00‬ا ظه‪00‬ر لهم‪ ،‬كي‪00‬ف‬
‫ومدلوله ال يدخل تحت حصر؟‬
‫وأشار العالمة الملوي في آخر عبارته إلى أن القدم هنا ليس بمع‪00‬نى ع‪00‬دم األولي‪00‬ة‬
‫بل بمعنى أنها موضوعة قبل الخلق‪ ،‬فهي من وضعه تع‪00‬الى قب‪00‬ل خلق‪00‬ه‪ ،‬ثم ألهمه‪00‬ا للن‪00‬ور‬
‫المحمدي ثم للمالئكة‪ ،‬ثم للخلق‪ ،‬خالفا ً للمعتزلة في ق‪00‬ولهم بأنه‪00‬ا من وض‪00‬ع البش‪00‬ر‪ ،‬وفي‬
‫هذا الكالم تسليم بأن األسماء ليست أزلية كما ال يخفى‪،‬‬
‫وبالجملة فهذا المبحث لم يصف‪ ،‬ونق‪0‬ل عن القرط‪0‬بي أن من ق‪0‬ال “ االس‪0‬م مش‪0‬تق‬
‫من السم ّو “ وهو العلو يقول‪ :‬لم يزل هللا موص‪00‬وفا ً‪ 1‬قب‪00‬ل وج‪00‬ود الخل‪00‬ق وعن‪00‬د وج‪00‬ودهم‬
‫وبعد فنائهم‪ ،‬ألن‪00‬ه ال ت‪00‬أثير لهم في أس‪00‬مائه‪ ،‬وه‪00‬ذا ق‪00‬ول أه‪00‬ل الس‪00‬نة‪ ،‬ومن ق‪00‬ال‪ “ :‬االس‪00‬م‬
‫مشتق من السمة “ يق‪00‬ول‪ :‬ك‪00‬ان في األزل بال أس‪00‬ماء وال ص‪00‬فات‪ ، “ 2‬فلم‪00‬ا خل‪00‬ق الخل‪00‬ق‬
‫الش‪َ 0‬منّي وه‪00‬و أقبح من‬
‫جعلوها له‪ ،‬وبعد فنائهم تبقى ب‪00‬دونها‪ ،‬وه‪00‬و ق‪00‬ول المعتزل‪00‬ة‪ ،‬ق‪00‬ال ُ‬
‫القول بخلق القرآن‪ .‬اهـ‪ .‬أفاده العالمة األمير مع بعض زيادة‪.‬‬
‫(قوله أسماؤه) األسماء جمع اسم‪ ،‬والمراد به ما دل على ال‪00‬ذات بمجرده‪00‬ا كاهلل و‬
‫“ خداي “ في اللغة الفارس‪00‬ية‪ ،‬أو باعتب‪00‬ار الص‪00‬فة كالع‪00‬الم والق‪00‬ادر‪ ،‬ثم إن “ أس‪00‬ماؤه “‬
‫مبت‪0‬دأ “ والعظيم‪0‬ة “ وص‪00‬ف كاشف‪ 3‬والخ‪00‬بر “ قديم‪0‬ة “ وقول‪00‬ه “ ك‪0‬ذا ص‪0‬فات ذات‪0‬ه “‬
‫مبتدأ وخبر‪ ،‬فـ “ كذا “ خبر مقدم و “ صفاته ذاته “ مبت‪00‬دأ م‪00‬ؤخر‪ ،‬والجمل‪00‬ة معترض‪00‬ة‬
‫بين المبتدأ وخبره والتشبيه في القدم‪ ،‬وأشار الشارح إلعراب آخ‪00‬ر‪ ،‬فجع‪00‬ل خ‪00‬بر قول‪00‬ه “‬
‫أسماؤه “ محذوفاً‪ ،‬دل علي‪00‬ه قول‪00‬ه فيم‪00‬ا بع‪00‬د‪ “ :‬قديم‪00‬ة “ وجع‪00‬ل قول‪00‬ه اآلتي خ‪00‬براً عن‬
‫قوله‪ “ :‬صفات ذات‪00‬ه “ فيك‪00‬ون المص‪00‬نف ح‪00‬ذف من األول لدالل‪00‬ة الث‪00‬اني‪ ،‬كم‪00‬ا ح‪00‬ذف من‬
‫الثاني “ عظيمة “ لداللة األول عليه‪ ،‬وحينئ‪00‬ذ ففي كالم‪00‬ه من المحس‪00‬نات البديعي‪00‬ة ن‪00‬وع‬
‫احتباك‪ ،4‬وهو أن يحذف من كل نظ‪0‬ير م‪00‬ا أثبت‪0‬ه في اآلخ‪0‬ر‪ ،‬وعلى ه‪00‬ذا فالتش‪00‬بيه للتأكي‪00‬د‪،‬‬
‫واألول هو المتبادر من كالم المصنف‬

‫‪ 1‬قوله موصوفا ً أي مسمى بأسمائه‪ .‬أجهوري‪.‬‬


‫‪ 2‬قوله‪" :‬وال صفات"‪ 0‬أي ألفاظ دالة عليه‪ 0،‬فعطفها على األس‪00‬ماء عط‪0‬ف م‪0‬رادف‪ ،‬ه‪0‬ذا‬
‫هو المتعين في فهم العبارة وذكر الشيخ األمير أن هذا البناء غير ظاهر‪ 0،‬بمعنى أن‪00‬ه ال يل‪00‬زم من‬
‫اشتقاق االسم من السمو أن تكون األس‪00‬ماء قديم‪00‬ة باقي‪00‬ة‪ ،‬وال يل‪00‬زم من اش‪00‬تقاقها من الس‪00‬مة أن‬
‫تكون حادثة فانية‪ ،‬وم‪00‬ا قال‪00‬ه العالم‪00‬ة االم‪00‬ير ظ‪00‬اهر أجه‪00‬وري‪ .‬أق‪00‬ول‪ :‬الق‪00‬ائلون‪ 0‬به‪00‬ذا أو ذل‪00‬ك لم‬
‫يالحظوا هذه األمور وإنما الحظوا جانب اللغة فقط فهذا الكالم فاسد شنيع‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله وصف كاشف هذا خط‪00‬أ ف‪00‬إن الوص‪00‬ف الكاش‪00‬ف ه‪00‬و ال‪00‬ذي يص‪00‬ح أن يق‪00‬ع معرف‪0‬ا ً‬
‫للموصوف وهذا ليس كذلك والصواب أنه وصف مادح‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله ففي كالمه نوع احتباك‪ :‬أقول االحتباك إنما يصار إليه عن‪00‬د توق‪00‬ف ص‪00‬حة الكالم‬
‫على المحذوف واألمر هنا ليس كذلك فال وجه للقول باالحتباك‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫(قوله العظيمة) أي الجليلة المقدسة –أي المطه‪0‬رة‪ -‬عن أن يس‪0‬مى به‪0‬ا الغ‪0‬ير‪ ،‬أو‬
‫عن أن تفس‪0‬ر بم‪0‬ا ال يلي‪0‬ق‪ ،‬أو أن ت‪0‬ذكر على غ‪0‬ير وج‪0‬ه التعظيم‪ 0‬كم‪0‬ا قال‪0‬ه الس‪0‬عد‪ ،‬وعظم‬
‫أسمائه تعالى مجمع عليه‪ ،‬واختلف هل بينها تفاض‪00‬ل أو ال؟ فقي‪00‬ل‪ :‬ال تفاض‪00‬ل بينه‪00‬ا‪ ،‬وفي‬
‫اليواقيت عن ابن العربي أن أس‪00‬ماء هللا تع‪00‬الى متس‪00‬اوية في نفس األم‪00‬ر‪ ،‬لرجوعه‪00‬ا كله‪00‬ا‬
‫إلى ذات واح‪00‬دة‪ ،‬وإن وق‪00‬ع فيه‪00‬ا تفاض‪00‬ل ف‪00‬إن ذل‪00‬ك ألم‪00‬ر خ‪00‬ارج‪ ،1‬والح‪00‬ق أنه‪00‬ا متفاض‪00‬لة‬
‫وأعظمها لفظ الجاللة وهو االسم األعظم‪ ،‬وكان سيدي علي وفا رضي هللا عنه يذهب إلى‬
‫(و َكلِ َمةُ هَّللا ِ ِه َي ا ْل ُع ْليَا) (التوبة‪ :‬من اآلية‪)40‬‬
‫التفاضل في األسماء‪ ،‬ويقول في قوله تعالى َ‬
‫هو اسم هللا فإنه أعلى مرتبة من سائر األسماء‪ ،‬قال‪ :‬ونظير ذلك قوله تعالى‪َ ( :‬ولَ‪ِ 0‬ذ ْك ُر هَّللا ِ‬
‫أَ ْكبَ ُر) (العنكبوت‪ :‬من اآلية‪ )45‬أي ولذكر هللا أكبر من سائر األسماء‪، 2‬اهـ‪ .‬أف‪00‬اده الش‪00‬يخ‬
‫األمير‬
‫(قوله كذا صفات ذاته قديمة) أي مثل أسمائه تع‪00‬الى الص‪00‬فات القائم‪00‬ة بذات‪00‬ه وهي‬
‫صفات المعاني السبع أو الثم‪00‬ان على الخالف في ذل‪00‬ك قديم‪00‬ة‪ ،‬فك‪00‬ل من أس‪00‬مائه وص‪00‬فات‬
‫ذاته قديم‪ ،‬فليست أسماؤه من وضع خلقه له‪ ،‬وليس صفاته حادثة‪ ،‬ألنها لو كانت حادث‪00‬ة‬
‫لزم قيام الحوادث بذاته تعالى‪ ،‬ويلزم كونه تع‪00‬الى عاري‪0‬ا ً عنه‪00‬ا في األزل ويل‪00‬زم افتقاره‪00‬ا‬
‫إلى مخصص وهو ينافي وجوب الغنى المطلق وهو انتفاء الحاجات مطلقاً‪ ،‬وهو ال يك‪00‬ون‬
‫إال هللا‪ ،‬بخالف الغنى المقيد وهو قلة الحاجات‪ ،‬وهو غنى الحوادث‪ ،‬ول‪0‬ذلك ق‪0‬ال بعض‪0‬هم‪:‬‬
‫إلهي غناك مطلق وغنانا مقيد‪ ،‬وخرج بإضافة صفات إلى الذات‪ :‬ص‪00‬فات األفع‪00‬ال‪ ،3‬فليس‬

‫‪ 1‬قوله "ألمر خارج" قال العالمة األمير‪ 0:‬كالتخلق بمدلول االسم‪ ،‬ك‪00‬أن يتخل‪00‬ق بم‪00‬دلول‬
‫كريم الذي هو الكرم‪ ،‬وبمدلول حليم الذي هو الحلم‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬أقول ال يخفى أن سياق اآليتين‪ 0‬يرد هذا المعنى‪ 0،‬وهذا من المعاني‪ 0‬الفاسدة التي يحمل‬
‫بعض الصوفية النصوص عليها‪.‬‬
‫‪ 3‬الصفات ضربان‪ 0‬صفات‪ 0‬الذات وهي كل ما وص‪00‬ف هللا ب‪00‬ه ذات‪00‬ه وال يج‪00‬وز أن يوص‪00‬ف‬
‫بضده كالصفات السبع‪.‬‬
‫وصفات الفع‪0‬ل وهي التك‪0‬وين وم‪0‬ا يرج‪0‬ع إليه‪0‬ا من الص‪0‬فات‪ 0‬ك‪0‬التخليق وال‪0‬ترزيق على‬
‫القول بالتكوين‪ 0،‬وأما على مذهب من لم يقل بالتكوين‪ 0‬فصفات الفعل عبارة عن التعلقات‪ 0‬الحادث‪00‬ة‬
‫للقدرة‪ ،‬ومن صفات الفعل معظم األسماء الحس‪00‬نى‪ 0‬ق‪00‬ال اإلم‪00‬ام محم‪00‬د أن‪00‬ور الكش‪00‬ميري في فيض‬
‫الباري (‪:)4/517‬‬
‫األسماء الحسنى عند األشاعرة عبارة عن اإلض‪00‬افات‪( 0‬يع‪00‬ني ب‪00‬ه تعلق‪00‬ات الق‪00‬درة) وأم‪00‬ا‬
‫عند الماتريدية فكلها مندرجة في صفة التكوين‪ 0،‬انتهى‪.‬‬
‫وهذا الكالم بإطالقه غير ص‪0‬حيح ف‪00‬إن من األس‪00‬ماء الحس‪00‬نى م‪0‬ا ه‪0‬و راج‪0‬ع إلى ص‪00‬فات‬
‫الذات‪.‬كالعظيم والجليل والكبير‬
‫فإن الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل أن كل ما وصف هللا به نفس‪00‬ه وال يج‪00‬وز أن‬
‫يوصف بضده فهو من صفات الذات كالعلم والقدرة والقوة والعظمة وكل ما وصف هللا به نفس‪00‬ه‬
‫ويجوز أن يوصف بضده فه‪00‬و من ص‪00‬فات‪ 0‬الفع‪00‬ل كالرأف‪00‬ة والرحم‪00‬ة والس‪00‬خط والغض‪00‬ب‪ 0،‬فيف‪00‬رق‬
‫بينهم‪00‬ا بج‪00‬واز الس‪00‬لب‪ 0‬وعدم‪00‬ه والف‪00‬رق بين الص‪00‬فة واالس‪00‬م أن الص‪00‬فة عب‪00‬ارة عن مج‪00‬رد العلم‬
‫والقدرة مثالً بدون الذات‪ ،‬واالسم عبارة عن الذات فقط كاسم الجاللة‪ 0،‬أو عن ال‪00‬ذات م‪00‬ع الص‪00‬فة‬
‫كالعالم والقادر‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫شيء منها بقديم عند األشاعرة‪ ،‬بخالفه عند الماتريدية‪ :‬أي ولذلك قال ص‪00‬احب متن ب‪00‬دء‬
‫األمالي‪ :‬ما نصه‪:‬‬
‫صفات الذات واألفعال طر ‪ ##‬قديمات ‪ .. .. ..‬إلخ‪.‬‬
‫وه‪00‬و موض‪00‬وع على م‪00‬ذهب الماتريدي‪00‬ة‪ ،‬ألنه‪00‬ا عن‪00‬د األش‪00‬اعرة تعلق‪00‬ات الق‪00‬درة‬
‫التنجيزية الحادثة‪ ،‬وعند الماتريدية هي عين صفة التكوين القديمة كما تقدم‪،‬‬
‫وأما الصفات السلبية فهي قديمة قطعا ً أو أزلية‪ ،‬على الخالف في الق‪00‬ديم واألزلي‪،‬‬
‫ولعل الشارح جرى على القول بالفرق بين القديم واألزلي‪ ،‬فقال‪ :‬وخرج بإضافة الصفات‬
‫إلى الذات السلبية والفعلية‪ ،‬فليس شيء منهما بقديم عند األشاعرة‪ ،‬ق‪00‬ال الش‪00‬يخ األم‪00‬ير‪:‬‬
‫ورأيت بخط سيدي أحمد النفراوي أن ذكره‪00‬ا س‪00‬بق قلم‪ :‬أي ذك‪00‬ر الص‪00‬فات الس‪00‬لبية س‪00‬بق‬
‫قلم‪ ،‬وإال ففضل الشارح مشهور‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫‪ { -93‬المختار أن إثبات األسماء والصفات هلل توقيفي }‬
‫واختي َر أن اسماهُ توقيفية ‪ ##‬كذا الصفات فاحفظ السمعية‬ ‫‪-39‬‬
‫(قوله واختير ‪ ..‬إلخ) أي واخت‪00‬ار جمه‪00‬ور أه‪0‬ل الس‪0‬نة أن أس‪0‬ماءه تع‪00‬الى توقيفي‪00‬ة‬
‫وكذا ص‪00‬فاته‪ ،‬فال تثبت هلل اس‪00‬ما ً وال ص‪00‬فة إال إذا ورد ب‪00‬ذلك توقي‪00‬ف من الش‪00‬ارع‪ ،‬وذهبت‬
‫المعتزلة إلى جواز إثبات ما كان متصفا ً بمعناه ولم ي‪00‬وهم نقص‪0‬ا ً‪ 1‬وإن لم ي‪00‬رد ب‪00‬ه توقي‪00‬ف‬
‫من الشارع‪ ،‬ومال إليه القاضي أب‪0‬و بك‪0‬ر الب‪00‬اقالني‪ ،‬وتوق‪00‬ف في‪0‬ه إم‪00‬ام الح‪00‬رمين‪ ،‬وفص‪00‬ل‬
‫الغزالي فج ّوز إطالق الصفة وهي ما دل على معنى زائد على ال‪0‬ذات‪ ،‬ومن‪0‬ع إطالق االس‪0‬م‬
‫وهو ما دل على نفس الذات‪،‬‬
‫والحاص‪00‬ل أن علم‪00‬اء اإلس‪00‬الم اتفق‪00‬وا‪ 0‬على ج‪00‬واز إطالق األس‪00‬ماء والص‪00‬فات على‬
‫الب‪00‬اري ع‪00‬ز وج‪00‬ل إذا ورد به‪00‬ا اإلذن من الش‪00‬ارع‪ ،‬وعلى امتناع‪00‬ه إذا ورد المن‪00‬ع منه‪،2‬‬
‫واختلفوا حيث ال إذن وال منع‪ ،‬والمختار منع ذلك وهو م‪00‬ذهب الجمه‪00‬ور اهـ مص‪00‬نف في‬
‫شرحه الصغير‬
‫(قوله أن أسماه) بدرج همزة أسماء األولى مع القصر للوزن‪ ،‬والمراد باألسماء‪:‬‬
‫ما قابل الصفات‪ ،‬بدليل قوله “ كذا الصفات “ فاالس‪00‬م م‪00‬ا دل على ال‪00‬ذات والص‪00‬فة م‪00‬ا دل‬
‫على معنى زائد على ال‪00‬ذات‪ ،‬وليس الم‪00‬راد باالس‪00‬م م‪00‬ا قاب‪00‬ل الفع‪0‬ل‪ 0‬والح‪00‬رف وال م‪00‬ا قاب‪00‬ل‬
‫الكنية واللقب‪،‬‬
‫وقوله “ توقيفيه “ أي يتوقف جواز إطالقها عليه تع‪0‬الى على وروده‪0‬ا في كت‪0‬اب‬
‫أو سنة صحيحة‪ ،‬أو حسنة أو إجماع‪ ،‬ألنه غير خارج عنها‪ ،3‬بخالف السنة الض‪00‬عيفة إن‬
‫قلنا‪ :‬أن المسألة من العلميات أي االعتقاديات بحيث يعتقد ان ذلك من اس‪0‬مائه تع‪0‬الى وإن‬
‫قلنا‪ :‬إن المسالة من العمليات بحيث نستعمله ونطلقه عليه تعالى فالس‪00‬نة الض‪0‬عيفة‪ 0‬كافي‪00‬ة‬
‫في ذلك‪ ،‬ألنهم قالوا‪ :‬الحديث الضعيف يعمل به في فضائل األعم‪00‬ال‪ ،4‬وأم‪00‬ا القي‪00‬اس فقي‪00‬ل‬
‫كاإلجماع ما لم يكن ضعيفاً‪ ،‬وعليه فيقاس “ واهب “ بناء على أنه لم يرد على “ وهاب‬

‫‪ 1‬البد من زيادة شرط ثالث وهو أن يكون ذلك اللفظ مشعراً بالكمال والعظمة‪.‬‬
‫‪ 2‬أقول‪ :‬لم يرد –فيما أعلم‪ 0-‬منع صريح في نصوص الكتاب‪ 0‬والسنة من تس‪00‬ميته تع‪00‬الى‪0‬‬
‫باسم خاص‪ ،‬نعم قد وردت النصوص بتسميته تعالى باألسماء الحس‪00‬نى فت‪00‬دل على من‪00‬ع تس‪00‬ميته‬
‫تعالى بغير الحسنى‪.‬‬
‫‪ 3‬ألن اإلجماع‪ 0‬البد له من مستند وإن لم يعلم‪.‬‬
‫‪157‬‬
‫“ وأطلق بعضهم منع القياس‪ ،‬قال المصنف في الشرح الصغير‪ :‬وهو الظ‪00‬اهر‪ ،‬الحتم‪00‬ال‬
‫إيهام أحد المترادفين دون اآلخ‪0‬ر كالع‪00‬الم والع‪00‬ارف‪ ،‬والج‪0‬واد والس‪00‬خي‪ ،‬والحليم والعاق‪0‬ل‬
‫اهـ‪ ،‬وبالجملة فما أذن الشارع في إطالقه واستعماله ج‪00‬از وإن أوهم كالص‪00‬بور والش‪00‬كور‬
‫والحليم‪ ،‬ف‪00‬إن الص‪00‬بور ي‪00‬وهم وص‪00‬ول مش‪00‬قة ل‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬ألن الص‪00‬بر حبس النفس على‬
‫المشاق‪ ،‬فيفسر في حقه تعالى بالذي ال يعجل بالعقوبة على من عص‪00‬اه‪ ،‬والش‪00‬كور ي‪00‬وهم‬
‫وصول إحسان إليه‪ ،‬ألن معناه كثير الشكر لمن أحسن إليه‪ ،‬مع أن اإلحسان كل‪00‬ه من هللا‪،‬‬
‫فيفسر في حقه تعالى بالذي يجازي على يس‪00‬ير الطاع‪00‬ات كث‪00‬ير ال‪00‬درجات‪ ،‬ويعطى بالعم‪00‬ل‬
‫في أي‪00‬ام مع‪00‬دودة نعم‪0‬ا ً في األخ‪00‬رى غ‪00‬ير مح‪00‬دودة‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬المج‪00‬ازي على الش‪00‬كر‪ ،‬وقي‪00‬ل‪:‬‬
‫المث‪0‬ني على من أطاع‪00‬ه‪ ،‬والحليم ي‪0‬وهم وص‪00‬ول أذى إلي‪0‬ه وه‪0‬و تع‪00‬الى ال يص‪00‬ل إلي‪00‬ه أح‪0‬د‬
‫ب‪00‬أذى‪ ،‬فيفس‪00‬ر في حق‪00‬ه تع‪00‬الى بال‪00‬ذي ال يعج‪00‬ل بالعقوب‪00‬ة على من عص‪0‬اه‪ ،‬ف‪00‬يرجع لمع‪00‬نى‬
‫الصبور‪ ،‬وال يرد على قولنا “ وهو تعالى ال يصل إليه أحد بأذى “ قوله ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم (من آذى مسلما ً فقد آذاني‪ ،‬ومن آذاني فقد آذى هللا)‪ 1‬ألن معناه أن‪00‬ه فع‪00‬ل مع‪00‬ه‬
‫فعل المؤذي‪ ،‬وقد تقدم ل‪0‬ك أن أس‪00‬ماء الن‪0‬بي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم توقيفي‪00‬ة اتفاق‪0‬اً‪،‬‬
‫وسبقت حكمة ذلك فتفطن لها (قوله كذا الصفات) أي مثل أسمائه تعالى صفاته في كونها‬
‫توقيفية‪ ،‬فال يجوز إثب‪00‬ات ص‪00‬فة ل‪00‬ه تع‪00‬الى إال بتوقي‪00‬ف من الش‪00‬ارع لن‪00‬ا‪ ،‬وقول‪00‬ه “ فاحف‪00‬ظ‬
‫الس‪00‬معية “ أي إذا ع‪0‬رفت أن إطالق األس‪00‬ماء والص‪00‬فات علي‪00‬ه تع‪00‬الى يتوق‪00‬ف على اإلذن‬
‫الشرعي فاحفظ األسماء والصفات الواردة بالسمع حقيق‪00‬ة ك‪00‬الواردة في الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‪،‬‬

‫‪ 4‬فيه أن تسميته تعالى باسم ليس بعبادة حتى ي‪00‬دخل تحت فض‪00‬ائل األعم‪00‬ال ب‪00‬ل العب‪00‬ادة‬
‫هو ذكر اسمه تعالى بعد ثبوت كونه اسما ً ل‪00‬ه بطري‪0‬ق معت‪0‬د ب‪0‬ه في ه‪0‬ذا المق‪0‬ام‪ 0،‬والض‪00‬عيف ليس‬
‫بمعتد به في هذا المقام ألن جنابه تعالى يُحتاط‪ 0‬في حقه ما ال يحتاط في حق غيره‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ { -94‬حكم إطالق الصانع والقديم والذات ونحوها على هللا تعالى‪} 0‬‬
‫‪ 1‬أخرجه الطبراني في األوسط ب‪00‬رقم (‪ )3607‬وفي الص‪00‬غير ب‪00‬رقم (‪ )468‬عن أنس بن‬
‫مالك رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫أو حكما ً‪ 1‬كالثابتة باإلجماع كالصانع والموجود والواجب والقديم‪ ،‬كم‪00‬ا ذك‪00‬ره المؤل‪00‬ف في‬
‫كبيره‪.‬‬
‫أوله أو ف ِّوض َور ْم تَ ْنزيها‬
‫وكل نص أوهم التشبيها ‪ِّ ##‬‬ ‫‪-40‬‬
‫‪2‬‬
‫(قوله وكل نص ‪ ..‬إلخ) يص‪00‬ح ق‪00‬راءة “ ك‪00‬ل “ ب‪00‬الرفع مبت‪00‬دأ‪ ،‬وجمل‪00‬ة “ أول‪00‬ه “‬
‫خبر‪ ،‬وبالنصب مفعول لفعل محذوف يفسره المذكور من باب االش‪00‬تغال‪ ،‬والم‪00‬راد ب‪00‬النص‬
‫هنا‪ :‬ما قابل القياس واالستنباط‪ 3‬واإلجماع‪ ،‬وهو الدليل من الكتاب أو السنة‪ ،‬س‪00‬واء ك‪00‬ان‬

‫‪ 1‬قوله أو حكما ً كالثابت باإلجماع … إلخ هذا اإلجم‪00‬اع‪ 0‬الم‪00‬دعى غ‪00‬ير ث‪00‬ابت‪ 0،‬وال يج‪00‬وز‬
‫إطالق هذه األسماء عليه تعالى على وجه التسمية‪ 0‬به‪00‬ا لع‪0‬دم ورود نص ص‪0‬حيح بإطالقه‪00‬ا علي‪00‬ه‬
‫تعالى بهذا الوجه‪ ،‬واما إطالق المتكلمين لها ولنحوها كاألزلي واألبدي على الباري تعالى فليس‬
‫على وجه تسميته تعالى‪ 0‬بها‪ ،‬وهذا هو الذي يحتاج‪ 0‬إلى التوقيف واإلذن الشرعي‪ ،‬وإنما إطالقهم‬
‫لها عليه تعالى بمعنى اتصافه تعالى بمعناها‪ ،‬فيقولون‪ :‬هللا قديم بمعنى ال ابتداء لوج‪00‬وده‪ ،‬وه‪00‬ذا‬
‫من قبيل إطالق الكلي على بعض ما صدق عليه‪ 0،‬كما نقول‪ :‬زيد إنسان‪ 0‬فإنك لم تقصد أنه مسمى‬
‫بلفظ اإلنسان‪ ،‬وإنما تقصد أنه متصف بمعنى هذا اللفظ‪ ،‬وأنه من أفراد اإلنسان‪ 0،‬لكن معظم ه‪00‬ذه‬
‫األسماء الكلية المطلقة علي‪00‬ه تع‪00‬الى منحص‪00‬رة في ه‪00‬ذا الف‪00‬رد‪ ،‬وال يوج‪00‬د له‪00‬ا ف‪00‬رد آخ‪00‬ر‪ ،‬بخالف‬
‫إنسان ونحوه‪ .‬وإطالق االسم عليه تعالى‪ 0‬بهذا المعنى ال يحتاج‪ 0‬إلى التوقيف واإلذن من الشارع‪0،‬‬
‫كم‪00‬ا أن إطالق الش‪00‬ارع لالس‪00‬م علي‪00‬ه تع‪00‬الى‪ 0‬به‪00‬ذا المع‪00‬نى ال يك‪00‬ون إذن ‪0‬ا ً في اإلطالق على وج‪00‬ه‬
‫التسمية‪ ،‬وذلك كإطالق الخادع‪ 0‬في قوله تعالى‪( 0‬وه‪00‬و خ‪00‬ادعهم) وإطالق الرفي‪00‬ق في قول‪00‬ه علي‪00‬ه‬
‫الصالة والسالم (إن هللا رفيق يحب الرف‪00‬ق) ف‪00‬إن ه‪00‬ذا من اإلطالق بمع‪00‬نى اتص‪00‬افه تع‪00‬الى بمع‪00‬نى‬
‫االسم‪ ،‬وليس على وجه التسمية به أفاده المحقق البياضي في إشارات المرام ص‪.150‬‬
‫وقد ادعى بعض العلماء التوقيف في القديم والصانع‪.‬‬
‫أما القديم فقد ورد ذكره في بعض األخبار‪ 0‬التي ذكرت فيها األسماء الحسنى‪.‬‬
‫روى الخبر‪ 0‬البيهقي في كتاب "األسماء والصفات"ص‪ 7‬والزبيدي في شرح اإلحياء‪( 0‬‬
‫‪ )2/21‬بسنديهما مرفوعا ً من طريق عبد العزيز بن الحصين‪ 0‬عن أيوب السخنياني‪ 0‬قال ال‪00‬بيهقي‪:‬‬
‫تفرد بهذه الرواية عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان‪ ،‬وهو ضعيف الح‪0‬ديث عن‪0‬د أه‪0‬ل النق‪0‬ل‪،‬‬
‫ض‪00‬عفه يح‪00‬يى بن معين‪ ،‬ومحم‪00‬د بن إس‪00‬ماعيل البخ‪00‬اري انتهى‪ .‬فالح‪00‬ديث ض‪00‬عيف‪ ،‬والح‪00‬ديث‬
‫الض‪00‬عيف ال يعم‪00‬ل ب‪00‬ه في األحك‪00‬ام وتس‪00‬ميته تع‪00‬الى باس‪00‬م حكم من األحك‪00‬ام ال يج‪00‬وز إال بتوقي‪00‬ف‬
‫صحيح عن الشارع‪.‬‬
‫َّ‬ ‫هَّللا‬
‫(ص ‪ْ 0‬ن َع ِ ال ِذي‬‫وأما الصانع‪ 0‬فقد استدلوا على جواز تسمية هللا تعالى‪ 0‬به بقوله تع‪00‬الى‪ُ :‬‬
‫أَ ْتقَنَ ُك َّل ش َْي ٍء) (النمل‪ :‬من اآلية‪ )88‬وقوله صلى هللا عليه‪ 0‬وآله وسلم‪( :‬إن هللا ع‪00‬ز وج‪0‬ل ص‪00‬نع‬
‫كل صانع وصنعته) رواه ال‪00‬بيهقي في "األس‪00‬ماء والص‪00‬فات" ص‪ 36‬والبخ‪00‬اري في خل‪00‬ق أفع‪00‬ال‬
‫العباد وهذا االستدالل إنما يص‪00‬ح على ق‪00‬ول من ق‪00‬ال باكتف‪00‬اء ورود مأخ‪00‬ذ االش‪00‬تقاق في التس‪00‬مية‪0‬‬
‫باالسم المشتق‪ ،‬وهو قول مرجوح‪ ،‬وبم‪00‬ا رواه مس‪00‬لم في كت‪00‬اب ال‪00‬ذكر وال‪00‬دعاء عن أبي هري‪00‬رة‬
‫رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬ال يق‪00‬ولن أح‪00‬دكم‪ :‬اللهم اغف‪00‬ر لي‬
‫إن شئت‪ ،‬اللهم ارحمني إن ش‪00‬ئت‪ ،‬ليع‪00‬زم في ال‪00‬دعاء ف‪00‬إن هللا ص‪00‬انع م‪00‬ا ش‪00‬اء ال مك‪00‬ره ل‪00‬ه) لكن‬
‫الظاهر أن إطالق الصانع هنا علي‪0‬ه تع‪0‬الى‪ 0‬ك‪0‬إطالق الرفي‪0‬ق في الح‪0‬ديث المتق‪0‬دم ليس على وج‪0‬ه‬
‫التسمية بل على معنى اتصافه تعالى‪ 0‬بمعناه ويدل عليه عطف قوله‪( :‬ال مكره) عليه‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫صريحا ً أو ظاهراً‪ ،‬وليس المراد به ما قابل الظاهر وهو ما أفاد معنى ال يحتم‪00‬ل غ‪00‬يره‪ ،‬إذ‬
‫لو كان هذا هو المراد لم يمكن تأويله‪،1‬‬
‫‪2‬‬
‫وقوله “ أوهم التشبيها “ أي أوق‪00‬ع في ال‪00‬وهم ص‪00‬حة الق‪00‬ول ب‪00‬ه بحس‪00‬ب ظ‪00‬اهره‬
‫والمراد من التش‪00‬بيه المش‪00‬ابهة ال فع‪00‬ل الفاع‪00‬ل‪ ،‬وقول‪00‬ه “ أ ّول‪00‬ه “ أي احمل‪00‬ه على خالف‬
‫ظاهره مع بيان المعنى المراد‪ ،‬فالمراد‪ :‬أوله تأويالً تفصيليا ً بأن يك‪00‬ون في‪00‬ه بي‪00‬ان المع‪00‬نى‬
‫المراد كم‪0‬ا ه‪0‬و م‪00‬ذهب الخل‪00‬ف‪ :‬وهم من ك‪0‬انوا بع‪00‬د الخمس‪0‬مائة‪ ،‬وقي‪0‬ل‪ :‬من بع‪0‬د الق‪0‬رون‬
‫الثالثة‪ ،‬وقوله “ أو فوض “ أي بعد التأويل اإلجمالي الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره؛‬

‫قال علي القاري في ش‪00‬رح الفق‪00‬ه األك‪00‬بر عن‪00‬د الكالم على ق‪0‬ول اإلم‪00‬ام‪" :‬والق‪00‬رآن‪ 0‬غ‪00‬ير‬
‫مخلوق"‪ :‬أما القديم فليس من األسماء الحس‪00‬نى وإن أطلق‪00‬ه علي‪00‬ه علم‪00‬اء الكالم م‪00‬ع أن‪00‬ه أنك‪00‬ره‬
‫كثير من السلف الكرام وبعض من الخلق الفخام‪ 0،‬ومنهم ابن حزم ذهاباً‪ 0‬إلى الجزم بأن القديم في‬
‫لغة العرب التي نزل بها القرآن‪ 0‬هو المتقدم على غيره‪.‬‬
‫فيقال‪ :‬هذا قديم للعتيق‪ 0،‬وهذا حديث للجديد ال القدم الذي لم يسبقه الع‪00‬دم‪ ،‬ففي التنزي‪00‬ل‬
‫يم) (يّـس‪ :‬من اآلية‪ )39‬قي‪00‬ل‪ :‬وه‪00‬و ال‪00‬ذي يبقى إلى حين‬ ‫(حتَّى عَا َد َكا ْل ُع ْر ُجو ِن ا ْلقَ‪ِ 0‬د ِ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وجود الثاني‪ ،‬فإن وجد الجديد فاألول‪ :‬قديم‪ ،‬وقوله تعالى‪َ ( 0:‬وإِذ لَ ْم يَ ْهتَدُوا بِ ِه فَ َ‬
‫سيَقُولُونَ َهذا إِف ٌك‬
‫قَ ِدي ٌم) (األحقاف‪ :‬من اآلية‪ )11‬أي متقدم في الزمان‪.‬‬
‫ثم مما ال ريب فيه أنه إذا كان مس‪00‬تعمالً بمع‪00‬نى المتق‪00‬دم فمن تق‪00‬دم على الح‪00‬وادث كله‪00‬ا‬
‫فهو أحق بالتقدم من غيره‪ ،‬لكن أسماء هللا تعالى هي األسماء الحسنى‪ 0‬التي ت‪00‬دل على خص‪00‬وص‬
‫ما يمدح به‪ ،‬والتقدم في اللغة مطلق ال يختص بالتقدم على الحوادث كلها فال يكون من األس‪00‬ماء‬
‫الحسنى‪ ،‬وجاء الشرع باسمه األول وهو أحسن من القديم ألنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه وتابع‬
‫له بخالف القديم‪ ،‬إال أنه لما كان هللا سبحانه وتعالى هو الفرد األكمل في مع‪00‬نى الق‪00‬ديم المتن‪00‬اول‬
‫لألول فأطلقه المتكلمون عليه فتأمل‪ ،‬انتهى ومثله في شرح الطحاوية (‪)1/173‬‬
‫أقول‪ :‬إطالق المتكلمين‪ 0‬للقديم عليه تعالى ليس بمعناه اللغوي الم‪00‬ذكور كم‪00‬ا ي‪00‬دل علي‪00‬ه‬
‫كالم علي القاري وابن أبي الغر‪ 0،‬بل بالمعنى الذي اصطلحوا عليه‪ ،‬وه‪00‬و م‪00‬ا ال ابت‪00‬داء لوج‪00‬وده‪،‬‬
‫والذي لم يسبق وجوده العدم‪ ،‬لكنه ال يخلو عن إيهام المعنى اللغوي وهو العتيق‪ ،‬فمن أجل ذلك‬
‫نقول‪ :‬ال يجوز تسمية هللا تعالى به ح‪00‬تى على الق‪00‬ول باالش‪00‬تقاق‪ 0،‬ألن من ش‪00‬روط ج‪00‬واز اإلطالق‬
‫عند القائلين به أن ال يوهم اللف‪0‬ظ‪ 0‬المطل‪00‬ق علي‪0‬ه تع‪0‬الى‪ 0‬نقص‪0‬ا ً في حق‪0‬ه تع‪0‬الى‪ 0،‬والق‪00‬ديم يوهم‪00‬ه‪،‬‬
‫والشرط الثاني‪ 0‬عندهم أن يصح اتصافه تعالى بمعنى ذلك اللفظ‪ ،‬والشرط الث‪00‬الث‪ 0‬أن يك‪00‬ون اللف‪00‬ظ‬
‫مشعر بالجالل‪.‬‬
‫فهذه ثالثة شروط إلطالق األس‪00‬ماء ال‪00‬تي ليس فيه‪00‬ا توقي‪00‬ف عن الش‪00‬ارع‪ 0‬عن‪00‬د العلم‪00‬اء‬
‫الذين لم يشترطوا في إطالق األسماء عليه تعالى التوقيف‪.‬‬
‫وهم قلة من العلماء‪ 0‬منهم الغزالي والباقالني‪ 0‬والراجح هو القول بالتوقيف‪.‬‬
‫وأما إطالق لفظ الذات عليه تعالى فهل يجوز أم ال؟‬
‫قال اإلمام محمد أنور الكشميري في فيض الباري شرح صحيح البخاري ( ‪ :)4/517‬قد‬
‫تردد بعضهم في إطالق الذات على هللا تعالى لكونه مؤنث ذو‪.‬‬
‫فأزاحه المص‪00‬نف (البخ‪00‬اري)‪ 0‬وج‪00‬وزه س‪00‬واء قلت‪ :‬إنه‪00‬ا م‪00‬ؤنث ذو‪ ،‬أو قلت‪ :‬إنه‪00‬ا اس‪00‬م‬
‫مستقل‪ ،‬وعلى األول تكون منسلخة عن معنى التأنيث‪ .‬انتهى‪ .‬أق‪0‬ول‪ :‬ال‪0‬ذات عن‪00‬د م‪0‬ا تطل‪00‬ق على‬
‫هللا تعالى أو على غيره لم يقصد أحد بها مؤنث ذو بمعنى صاحب أو معنى الذي‪ ،‬وإنما يقصدون‬
‫بها مقابل الصفات‪ 0‬واألعراض‪ 0،‬أو معنى النفس والعين كما تقول جاء زيد ذات‪00‬ه أي نفس‪00‬ه‪ ،‬ومن‬
‫‪160‬‬
‫فبعد هذا التأويل فوض المراد من النص الموهم إليه تعالى على طريقة الس‪00‬لف‪ :‬وهم من‬
‫ك‪00‬انوا قب‪00‬ل الخمس‪00‬مائة‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬الق‪00‬رون الثالث‪00‬ة الص‪00‬حابة والت‪00‬ابعون وأتب‪00‬اع الت‪00‬ابعين ‪،1‬‬
‫وطريق‪00‬ة الخل‪00‬ف أعلم وأحكم‪ ،‬لم‪00‬ا فيه‪00‬ا من مزي‪00‬د اإليض‪00‬اح وال‪00‬رد على الخص‪00‬وم‪ ،‬وهي‬
‫األرجح‪ ،‬ولذلك قدمها المصنف؛ وطريقة السلف‪ 2‬أسلم‪ :‬لما فيه‪00‬ا من الس‪00‬المة من تع‪00‬يين‬
‫معنى قد يكون غير مراد له تعالى‪،‬‬
‫و(قوله “ ورم ت ْنزيها َ “ ) أي واقصد تنزيها ً له تعالى عما ال يليق به مع تف‪00‬ويض‬
‫علم المعنى المراد؛ فظهر مما قررناه اتفاق السلف والخلف على التأويل اإلجم‪00‬الي‪ ،‬ألنهم‬

‫أجل ذلك طولوا تائه في الكتابة‪ .‬وهذا المعنى معنى مولد للفظ الذات ش‪00‬اع اس‪00‬تعماله‪ 0‬على ألس‪00‬نة‬
‫العلماء‪ 0،‬ومن أجل أنه مولد لم يعد النحاة لفظ ذات من ألفاظ‪ 0‬التأكيد‪ 0‬المعنوي كالنفس والعين‪.‬‬
‫‪{ -95‬الصفات‪ 0‬المتشابهة }‬
‫‪2‬تحقيق مسألة الصفات‬
‫قال إم‪0‬ام الح‪0‬رمين‪ 0‬في الرس‪0‬الة النظامي‪0‬ة (‪ :)33-32‬وق‪0‬د اختل‪0‬ف مس‪0‬الك العلم‪0‬اء في‬
‫الظواهر التي وردت في الكتاب‪ 0‬والسنة‪ ،‬وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواه‪00‬ا‪ ،‬وإجراؤه‪00‬ا على‬
‫موجب ما تبتدره أفهام أرباب اللسان‪ 0‬منه‪00‬ا‪ ،‬ف‪0‬رأى بعض‪00‬هم تأويله‪00‬ا‪ ،‬وال‪00‬تزم ه‪0‬ذا المنهج في آي‬
‫الكتاب‪ 0‬وما يصح من سنن الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫وذهب أئم‪000‬ة الس‪00‬لف إلى االنكف‪00‬اف عن التأوي‪00‬ل‪ 0،‬وإج‪000‬راء الظ‪000‬واهر على موارده ‪00‬ا‪،‬‬
‫وتفويض معانيها‪ 0‬إلى الرب‪ 0‬تعالى‪.‬‬
‫والذي نرتضيه رأياً‪ ،‬وندين به عقداً‪ ،‬اتباع‪ 0‬سلف األمة‪ ،‬فاألولى االتباع وترك االبتداع‪،‬‬
‫والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع األمة حجة متبعة‪ ،‬وه‪00‬و مس‪00‬تند معظم الش‪00‬ريعة‪ ،‬وق‪00‬د‬
‫جري صحب رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‪ ،‬ورضي هللا عنهم –على ترك التع‪00‬رض‬
‫لمعانيها ودرك ما فيها‪ ،‬وهم صفوة األمة والمستقلون بأعباء‪ 0‬الش‪00‬ريعة‪ ،‬وك‪00‬انوا ال ي‪00‬ألون‪ 0‬جه‪00‬داً‬
‫في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها‪ ،‬وتعليم الناس ما يحتاجون‪ 0‬إليه منها‪ ،‬فل‪0‬و ك‪0‬ان تأوي‪00‬ل‬
‫هذه اآليات والظواهر مسوغا ً ومحتوماً‪ ،‬ال شك أن يكون اهتم‪0‬امهم به‪00‬ا ف‪0‬وق اهتم‪00‬امهم بف‪0‬روع‬
‫الشريعة ‪ .‬وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين على االضراب‪ 0‬عن التأويل كان ذلك قاطع‪00‬ا بأن‪00‬ه‬
‫الوجه المتبع‪ ،‬فحق على ذي دين أن يعتقد تنزه الب‪00‬اري عن ص‪00‬فات‪ 0‬المح‪00‬دثين‪ ،‬وال يخ‪00‬وض في‬
‫تأويل المشكالت‪ ،‬ويكل معناها إلى الرب تبارك وتعالى‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر بعد نقله لهذا الكالم‪ :‬وقد تقدم النقل أي نقل االنكفاف عن التأوي‪00‬ل‬
‫–عن أه‪000‬ل العص‪000‬ر الث‪000‬الث‪ ،‬وهم فقه‪000‬اء األمص‪000‬ار ك‪000‬الثوري واألوزاعي ومال‪000‬ك والليث ومن‬
‫عاصرهم‪ ،‬وكذا من أخذ عنهم من األئمة‪ ،‬فكيف ال يوث‪00‬ق بم‪00‬ا اتف‪00‬ق علي‪00‬ه الق‪00‬رون الثالث‪00‬ة‪ 0،‬وهم‬
‫خير القرون بشهادة صاحب الشريعة (فتح الباري‪ )13/407‬قال الزبيدي في اإلتحاف (‪-2/111‬‬
‫‪ )112‬بع‪0‬د نقل‪00‬ه له‪00‬ذا الكالم عن الحاف‪00‬ظ‪ :‬قلت‪ :‬وإلى ه‪0‬ذا م‪00‬ال المص‪00‬نف –الغ‪00‬زالي‪ -‬في "إلج‪00‬ام‬
‫العوام" فق‪0‬د عق‪0‬د في الك‪00‬ف عن التأوي‪00‬ل والخ‪00‬وض في‪0‬ه باب‪0‬اً‪ ،‬وذك‪0‬ر في‪0‬ه ثالث أمثل‪00‬ة‪ :‬مث‪00‬اال في‬
‫الفوقية‪ ،‬ومثاال في االستواء‪ ،‬ومثاال في النزول‪ ،‬وقال في أول كتابه المذكور‪ :‬إن الحق الصريح‬
‫الذي ال مراء فيه هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين‪ .‬ثم قال الزبيدي‪:‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪ :‬ألهل الكالم في هذه الصفات‪ 0،‬كالعين‪ 0‬والوجه واليد ثالثة أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬إنها صفات‪ 0‬ذات أثبتها السمع‪ ،‬وال يهتدي إليها العقل‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن العين كناية عن صفة البصر‪ 0،‬والوجه كناية عن صفة الوجود‪.‬‬
‫والثالث‪ 0:‬إمرارها على ما جاءت به مفوضا ً معناها إلى هللا تعالى‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫يصرفون الموهم عن ظاهره المحال عليه تعالى‪ ،‬لكنهم اختلفوا بعد ذلك في تعيين الم‪00‬راد‬
‫اس‪ُ 0‬خونَ فِي ا ْل ِع ْل ِم)‬ ‫(وال َّر ِ‬
‫من ذلك النص وعدم التعيين بن‪00‬اء على الوق‪00‬ف في قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫(آل عمران‪ :‬من اآلية‪ )7‬فيكون معطوفا على لف‪00‬ظ الجالل‪00‬ة‪ ،‬وعلى ه‪0‬ذا فنظم اآلي‪00‬ة هك‪00‬ذا‪:‬‬
‫(وما يعلم تأويله إال هللا والراسخون في العلم) وجملة (يَقُولُونَ آ َمنَّا بِ ِه) (آل عم‪00‬ران‪ :‬من‬
‫(و َم‪00‬ا يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَ ‪0‬هُ إِاَّل‬ ‫‪1‬‬
‫اآلية‪ )7‬حينئذ مستأنفة لبيان سبب التماس التأويل ‪ ،‬أو على قول‪00‬ه‪َ :‬‬
‫اس‪ُ 000‬خونَ فِي ا ْل ِع ْل ِم… )إلخ (آل‬ ‫هَّللا ُ) (آل عم‪000‬ران‪ :‬من اآلية‪ )7‬وعلى ه‪000‬ذا فقول‪000‬ه‪َ :‬‬
‫(وال َّر ِ‬
‫َ‬
‫عمران‪ :‬من اآلية‪ )7‬استئناف‪ ،‬وذكر مقابله في قوله تع‪00‬الى‪( :‬فَأ َّما الَّ ِذينَ فِي قُلُ‪00‬وبِ ِه ْم زَ ْي‪ٌ 0‬غ‬

‫أقول‪ :‬إن االنكف‪00‬اف عن التأوي‪00‬ل المنس‪00‬وب إلى الس‪00‬لف يش‪00‬مل الق‪00‬ولين األول والث‪00‬الث‪،‬‬
‫فللسلف في المس‪00‬ألة ق‪0‬والن‪ :‬بعض‪0‬هم ص‪0‬رح بكونه‪00‬ا ص‪0‬فات‪ 0،‬منهم اإلم‪0‬ام أب‪00‬و حنيف‪0‬ة في الفق‪00‬ه‬
‫األكبر واإلمام أبو الحسن األشعري في اإلبانة‪ 0،‬والبعض اآلخر لم يص‪00‬رح به‪00‬ذا كم‪00‬ا لم يتع‪00‬رض‬
‫للمعنى‪ ،‬وقد بين السبكي القول الث‪00‬اني‪ 0‬من األق‪00‬وال الثالث‪00‬ة المتقدم‪00‬ة وه‪0‬و الق‪00‬ول بالتأوي‪00‬ل بيان‪0‬اً‪0‬‬
‫واضحا وفصله‪ ،‬فقال في شرحه لعقيدة ابن الحاجب‪ :‬أهل التأويل اختلفوا على طريقين‪:‬‬
‫األول‪ :‬طريق األقدمين كابن فورك بحملها على مجازاتها الراجعة إلى الص‪00‬فات الثابت‪00‬ة‬
‫عقالً وسمعاً‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬طريق المتأخرين‪ ،‬وهي التي كانت مركوزة في قلوب السلف قبل دخول العجمة‬
‫برد هذه المتشابهات إلى التمثيل الذي يقص‪00‬د ب‪00‬ه تص‪00‬وير المع‪00‬اني العقلي‪0‬ة‪ 0‬بإبرازه‪00‬ا في الص‪00‬ور‬
‫الحسية قصداً إلى كمال البيان‪ .‬انتهى‪ .‬نقله الزبيدي في اإلتحاف (‪.)2/112‬‬
‫وقد ذهب إلى هذا الطريق األخير كثير من المحققين منهم الس‪00‬عد التفت‪00‬ازاني في ش‪00‬رح‬
‫المقاصد والسيد الشريف الجرجاني‪ 0‬قال في شرح المواقف (‪ :)8/114‬ومن ك‪00‬ان ل‪00‬ه ق‪00‬دم راس‪00‬خ‬
‫في علم البي‪00‬ان‪ 0‬حم‪00‬ل أك‪00‬ثر م‪00‬ا ذك‪00‬ر من اآلي‪00‬ات‪ 0‬واألح‪00‬اديث‪ 0‬المتش‪00‬ابهة على التمثي‪0‬ل‪ 0‬والتص‪00‬وير‪،‬‬
‫وبعض‪00‬ها على الكناي‪00‬ة‪ ،‬وبعض‪00‬ها على المج‪00‬از مراعي‪0‬اً‪ 0‬لجزال‪00‬ة المع‪00‬نى وفخامت‪00‬ه‪ ،‬ومجانب‪0‬اً‪ 0‬عم‪00‬ا‬
‫يوجب ركاكته‪ ،‬فعليك بالتأمل فيها‪ ،‬وحملها على ما يليق بها‪ ،‬وهللا المستعان وعليه التكالن‪.‬‬
‫قال ابن أبي شريف في شرح المسايرة (‪ :)36‬ومال الشيخ ع‪00‬ز ال‪00‬دين بن عب‪00‬د الس‪00‬الم‬
‫إلى التأويل‪ 0،‬فقال في بعض فتاواه" طريقة التأويل بشرطها أقربهما إلى الحق‪ ،‬ويعني بش‪00‬رطها‬
‫أن يكون على مقتضى لسان‪ 0‬العرب‪.‬‬
‫وتوسط ابن دقيق العيد‪ ،‬فقال‪ :‬يقبل التأويل إذا كان المعنى الذي أول به قريب ‪0‬ا ً مفهوم ‪0‬ا ً‬
‫من تخاطب العرب‪ ،‬ويتوقف فيه إذا كان بعيداً انتهى‪ ،‬يقصد اإلمام ابن دقيق رد هذه المتشابهات‬
‫إلى التمثيل الذي ذكره السبكي‪ ،‬ويعني به الكناي‪00‬ة أو المج‪00‬از الم‪00‬ركب ال‪00‬ذي ذهب إلي‪00‬ه كث‪00‬ير من‬
‫المحققين منهم التفتازاني‪ 0‬والسيد الشريف الجرجاني‪ .‬ونقل بعض العلم‪00‬اء كالم ابن دقي‪00‬ق العي‪00‬د‬
‫بوجه مختصر محرر‪ ،‬فقال ‪ :‬ق‪0‬ال اإلم‪0‬ام المجته‪0‬د ابن دقي‪0‬ق العي‪0‬د‪ :‬إن ك‪0‬ان التأوي‪0‬ل من المج‪0‬از‪0‬‬
‫ال‪00‬بين الش‪00‬ائع ف‪00‬الحق س‪00‬لوكه من غ‪00‬ير توق‪00‬ف‪ ،‬أو من المج‪00‬از‪ 0‬البعي‪00‬د الش‪00‬اذ ف‪00‬الحق ترك‪00‬ه‪ ،‬وإن‬
‫استوى األمران فاالختالف في جوازه وع‪00‬دم ج‪00‬وازه مس‪00‬ألة فقهي‪00‬ة اجتهادي‪00‬ة‪ ،‬واألم‪00‬ر في‪00‬ه ليس‬
‫بالحظر‪ 0‬بالنسبة إلى الفريقين انتهى‪ .‬أق‪0‬ول‪:‬وه‪0‬و كالم نفيس م‪0‬تين ين‪0‬بئ عن علم جم‪ ،‬وص‪0‬راحة‬
‫في بيان الحق‪ ،‬وتوسط حكيم‪.‬‬
‫ثم أقول‪ :‬مذهب اإلمام ابن دقيق العي‪0‬د ه‪0‬و الفيص‪0‬ل في المس‪0‬ألة‪ 0،‬فإن‪0‬ه إذا ك‪0‬ان المع‪0‬نى‬
‫المجازي للنص‪ 0‬مفهوما ً من تخاطب العرب‪ 0‬بحيث ال يفهم العربي من ذل‪00‬ك النص إال ذل‪00‬ك المع‪00‬نى‬
‫المجازي‪ ،‬كان ذلك النص من قبيل المجاز المش‪00‬هور‪ ،‬والحقيق‪00‬ة المهج‪00‬ورة‪ ،‬فيك‪00‬ون ص‪00‬رفه عن‬
‫ذلك المعنى المج‪00‬ازي تحريف‪0‬ا ً للكلم عن مواض‪00‬عه‪ ،‬كي‪00‬ف وكث‪00‬ير من تل‪00‬ك النص‪00‬وص‪ 0‬ل‪00‬و ت‪00‬رجمت‬
‫‪162‬‬
‫… ) الخ (آل عمران‪ :‬من اآلية‪ )7‬أي كالمجسمة فمنهم من ق‪00‬ال‪ :‬إن‪00‬ه على ص‪00‬ورة ش‪00‬يخ‬
‫كبير‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إنه على صورة شاب حسن‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك علواً كبيراً‪.‬‬
‫والحاصل أنه إذا ورد في القرآن أو السنة ما يشعر بإثب‪00‬ات الجه‪00‬ة أو الجس‪00‬مية أو‬
‫الصورة أو الجوارح‪ ،‬اتفق أهل الحق وغيرهم م‪00‬ا ع‪00‬دا المجس‪00‬مة والمش‪00‬بهة على تأوي‪00‬ل‬
‫ذلك لوجوب تنزيهه تعالى عما دل عليه ما ذكر بحسب ظاهره‪:‬‬
‫فمما يوهم الجهة قوله تع‪00‬الى‪( :‬يَ َخ‪ 0‬افُونَ َربَّ ُه ْم ِمنْ فَ‪ْ 0‬‬
‫‪0‬وقِ ِه ْم) (النح‪00‬ل‪ :‬من اآلية‪)50‬‬
‫فالسلف يقولون فوقية ال نعلمها‪ ،‬والخلف يقولون‪ :‬المراد بالفوقي‪00‬ة التع‪00‬الي في العظم‪00‬ة‪،‬‬
‫ترجمة حرفية إلى لغة أخرى لما فهم منها أهل تلك‪ 0‬اللغة إال المعاني‪ 0‬المجازية‪ 0‬لها‪ ،‬فكي‪00‬ف يج‪00‬وز‬
‫إذن صرفها عن تلك‪ 0‬المعاني؟‪ 0‬وه‪00‬ل ورد الق‪00‬رآن إال على أس‪00‬اليب‪ 0‬لغ‪00‬ة الع‪00‬رب‪ ،‬وذل‪00‬ك مث‪00‬ل قول‪00‬ه‬
‫ار َ‪0‬ك الَّ ِذي بِيَ ِد ِه ا ْل ُم ْل ُك)‪( 0‬الملك‪ :‬من اآلية‪)1‬والملك‪ 0‬بالض‪00‬م الملوكي‪00‬ة والس‪00‬لطنة‪ 0،‬فإن‪00‬ه ال‬
‫تعالى‪( :‬تَبَ َ‬
‫أح‪0‬د يفهم من اآلي‪0‬ة إال إثب‪0‬ات‪ 0‬الملوكي‪00‬ة والس‪0‬لطنة‪ 0‬هلل تع‪00‬الى‪ ،‬وال أح‪00‬د يفهم منه‪0‬ا إثب‪00‬ات الي‪0‬د هلل‬
‫تعالى‪ ،‬وأن الملك متصل بها أو حال فيه‪0‬ا‪ ،‬كي‪0‬ف والمل‪0‬ك‪ 0‬أم‪0‬ر معن‪0‬وي ال يوص‪0‬ف بكون‪0‬ه متص‪0‬ال‬
‫باليد أو حاال فيها‪ ،‬ومثل قوله ص‪0‬لى هللا تع‪0‬الى علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪( :‬إن قل‪0‬وب ب‪0‬ني آدم كله‪0‬ا بين‬
‫أصبعين من أصابع‪ 0‬الرحمن يقلبها كيف يشاء) فإنه ال أحد يفهم منه إال أن قل‪00‬وب ب‪00‬ني آدم ط‪00‬وع‬
‫إرادته تعالى وقدرته ال إثبات‪ 0‬اإلصبعين‪ 0‬له تعالى‪ 0،‬وأنهما في جوف كل واحد من بني آدم آخذتين‬
‫قلوبهما‪ ،‬وقد أشار الس‪00‬بكي إلى ه‪00‬ذا بقول‪00‬ه‪( :‬وهي ال‪00‬تي ك‪00‬انت مرك‪00‬وزة في قل‪00‬وب الس‪00‬لف قب‪00‬ل‬
‫دخول العجمة) كما أشار به إلى أنه ليس في حمله‪00‬ا على ه‪00‬ذه المع‪00‬اني مخالف‪00‬ة للس‪00‬لف‪ ،‬ب‪00‬ل إن‬
‫حملها عليها حمل لها على معان كان يتذوقها السلف منها‪ ،‬وإنما لم يصرحوا بها احتياطاً‪ 0‬وس‪0‬داً‬
‫لباب‪ 0‬التأويل لما في فتحه من خطر توسيعه إلى حد ليس بمقب‪00‬ول عن‪00‬دهم‪ ،‬وألج‪00‬ل االحتي‪00‬اط ق‪00‬ال‬
‫ابن دقيق‪ :‬يقبل التأويل‪ 0،‬ولم يقل ويؤول‪.‬‬
‫وم‪00‬ا أحكم ق‪00‬ول ابن دقي‪00‬ق‪" :‬ويتوق‪00‬ف إن ك‪00‬ان بعي‪00‬داً" و ليت المت‪00‬أخرين‪ 0‬من العلم‪00‬اء‪0‬‬
‫توقفوا عند هذا الحد الذي رسمه هذا اإلمام الجهب‪00‬ذ س‪00‬يد المحققين‪ 0،‬ولم يغل‪00‬وا في التأوي‪00‬ل‪ ،‬ولم‬
‫يجلبوا على أنفسهم النكير والشر المستطير فإن كثيراً من ت‪00‬أويالتهم ق‪00‬د أخ‪00‬ذوها عن المعتزل‪00‬ة‪.‬‬
‫وقد كان السلف ينكرونها عليهم‪ ،‬ويبدعونهم من أجلها‪.‬‬
‫وراجع ما كتبه المتقدمون في هذا المجال‪ ،‬كالفقه األكبر ألبي حنيفة والعقيدة المس‪00‬ماة‬
‫ببيان‪ 0‬أهل السنة للطحاوي‪ ،‬وكتب اإلمام أبي الحس‪00‬ن األش‪00‬عري‪ ،‬ومن أج‪00‬ود الكتب المص‪00‬نفة في‬
‫هذا الباب‪ 0‬كتاب "األسماء والصفات" للبيهقي‪.‬قال اإلمام أبو حنيفة في الفقه األكبر‪ :‬ول‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫يد ووجه ونفس بال كيف كما ذكره هللا في القرآن‪ ،‬ثم قال‪ :‬وال يقال‪ :‬يده قدرته أو نعمته ألن فيه‬
‫إبطال الصفة‪ 0،‬وهو قول أهل القدر واالعتزال‪ 0،‬ولكن يده صفته بال كيف‪.‬‬
‫وقال أيضاً‪ 0:‬وغضبه ورضاه من صفاته بال كيف‪ ،‬وال يق‪00‬ال‪ :‬غض‪00‬به عقوبت‪00‬ه‪ ،‬ورض‪00‬اه‬
‫ثوابه‪.‬‬
‫وقد ظهر بهذا التحقيق‪ 0‬أن قول من ق‪00‬ال‪( :‬طريق‪00‬ة الس‪00‬لف أس‪00‬لم‪ ،‬وطريق‪00‬ة الخل‪00‬ف أعلم‬
‫واحكم) ليس بصحيح على إطالقه‪ ،‬وإنما يصح كما قال البياضي‪ )193( 0‬فيم‪00‬ا ظه‪00‬ر تأويل‪00‬ه إذ ال‬
‫إحكام بدونه‪ ،‬وهو ما جرى علي‪00‬ه ابن دقي‪00‬ق العي‪00‬د‪ ،‬وفس‪00‬ر البياض‪0‬ي‪ 0‬في موض‪00‬ع آخ‪00‬ر من كتاب‪00‬ه‬
‫قولهم‪( :‬اعلم) بأن مذهب الخلف يحتاج إلى مزيد من العلم‪.‬‬
‫كما ظه‪0‬ر أن الس‪0‬لف والخل‪0‬ف مجمع‪0‬ون على أن ظ‪0‬واهر ه‪0‬ذه النص‪0‬وص غ‪0‬ير م‪0‬رادة‪،‬‬
‫وأنها مصروفة عن هذه الظواهر إال أن السلف ال يعينون المعنى المراد وأم‪00‬ا الخل‪00‬ف فيعينون‪00‬ه‪،‬‬
‫ومن أجل ذلك قال كثير من العلماء إن السلف يؤولون ت‪0‬أويالً إجمالي‪0‬اً‪ 0،‬والخل‪0‬ف يؤول‪0‬ون ت‪0‬أويالً‬
‫‪163‬‬
‫فالمعنى يخافون أي المالئكة ربهم من أجل تعاليه في العظم‪00‬ة‪ ،‬أي ارتفاع‪00‬ه فيها‪ ،1‬ومن‪00‬ه‬
‫ستَ َوى) (طـه‪ )5:‬فالسلف يقولون‪ :‬اس‪00‬تواء ال نعلم‪00‬ه‪،‬‬ ‫قوله تعالى (ال َّر ْح َمنُ َعلَى ا ْل َع ْر ِ‬
‫شا ْ‬
‫‪2‬‬
‫والخلف يقولون‪ :‬المراد به االستيالء والملك‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫قد استوى بشر على العراق ‪ ##‬من غير سيف ودم مهراق‬
‫وسأل رجل اإلمام مالكا ً عن هذه اآلية ف‪0‬أطرق رأس‪0‬ه ملي‪0‬ا ً ثم ق‪0‬ال‪ :‬االس‪0‬تواء غ‪0‬ير‬
‫مجهول‪ ،‬والكيف غير معقول‪ ،‬واإليم‪00‬ان ب‪00‬ه واجب‪ ،‬والس‪00‬ؤال عن‪00‬ه بدع‪00‬ة‪ ،‬وم‪00‬ا أظن‪00‬ك إال‬
‫ض‪00‬االً‪ ،‬ف‪00‬أمر ب‪00‬ه ف‪00‬أخرج‪ ،‬وس‪00‬أل الزمخش‪00‬ري الغ‪00‬زالي عن ه‪00‬ذه اآلي‪00‬ة فأجاب‪00‬ه بقول‪00‬ه‪ :‬إذا‬

‫تفصيلياً‪.‬‬
‫وأما الذين يمتنعون عن التأويل رأساً‪ ،‬ويجرون هذه النص‪00‬وص على ظواهره‪00‬ا تمس‪00‬كا ً‬
‫ش‬‫‪0‬ر ِ‬ ‫بأنه يجب األخذ بظ‪00‬واهر النص‪00‬وص‪ 0،‬فيق‪00‬ال لهم‪ :‬أليس هللا تع‪00‬الى‪ 0‬يق‪00‬ول‪( :‬ال‪َّ 0‬ر ْح َمنُ َعلَى ا ْل َع‪ْ 0‬‬
‫ست ََوى) (طـه‪ )5:‬ويقول‪َ ( :‬وه َُو َم َع ُك ْم أَيْنَ َم‪00‬ا ُك ْنتُ ْم) (الحدي‪00‬د‪ :‬من اآلية‪ )4‬ويق‪00‬ول‪( :‬أَال إِنَّهُ بِ ُك‪ِّ 0‬ل‬ ‫ا ْ‬
‫ش َْي ٍء ُم ِحيط) (فصلت‪ 0:‬من اآلية‪ )54‬فإذا أخذنا بظاهر هذه اآلي‪00‬ات يك‪0‬ون هللا تع‪00‬الى على الع‪0‬رش‬ ‫ٌ‬
‫وعندنا ومعنا ومحيط بالعالم محدقا ً به بالذات في حالة واحدة‪ ،‬والواح‪00‬د يس‪00‬تحيل أن يتص‪00‬ف في‬
‫حالة واحدة به‪0‬ذه الص‪00‬فات‪ 0‬كله‪00‬ا لتنافيه‪00‬ا‪ ،‬ف‪00‬إن ق‪00‬الوا‪ :‬قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( 0:‬وه‪00‬و معكم) يع‪00‬ني ب‪00‬العلم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ ( :‬وهو بكل شيء محيط) المراد إحاطة العلم كما حملها عليه السلف ومنهم اإلم‪00‬ام‬
‫اس‪0‬تَ َوى) (طـه‪ )5:‬عن ظ‪0‬اهره‬ ‫ش ْ‬ ‫‪0‬ر ِ‬ ‫أحمد‪ ،‬قلن‪00‬ا فك‪0‬ذلك يص‪00‬رف قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬ال‪َّ 0‬ر ْح َم ُ‪0‬ن َعلَى ا ْل َع ْ‬
‫ويؤول إما بالتأويل اإلجمالي أو بالتأويل التفصيلي‪ 0‬المقبول‪.‬‬
‫قال اإلمام القشيري في التذكرة الشرقية عن هؤالء الذين يمتنع‪0‬ون عن التأوي‪0‬ل رأس‪0‬اً‪:‬‬
‫إن هؤالء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه‪ ،‬غير أنهم يدلسون ويقول‪00‬ون‪ :‬ي ‪ٌ 0‬د‬
‫ال كاأليدي‪ ،‬وقدم ال كاألقدام‪ ،‬واستواء بالذات ال كما نعق‪00‬ل فيم‪00‬ا بينن‪00‬ا‪ 0،‬فليق‪00‬ل المحق‪00‬ق‪ :‬ه‪00‬ذا كالم‬
‫البد من استبيانه‪ 0،‬فإن بين قولكم‪ :‬نجري األمر على الظاهر‪ 0‬وقولكم‪ :‬ال يعقل معناه تناقض‪ ،‬ف‪00‬إذا‬
‫اق) (القلم‪ :‬من اآلية‬ ‫س‪ٍ 0‬‬ ‫ش‪0‬فُ عَنْ َ‬ ‫‪0‬و َم يُ ْك َ‬
‫أجريت على الظاهر فظاهر "الساق" في قوله تعالى‪( :‬يَ‪ْ 0‬‬
‫‪ )42‬هو العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والعص‪00‬ب والمخ‪ ،‬ف‪00‬إن أخ‪00‬ذت به‪00‬ذا الظ‪00‬اهر‪،‬‬
‫والتزمت باإلقرار بهذه األعضاء‪ 0‬فهو الكفر‪ 0،‬وإن لم يمكنك األخذ بها فأين األخذ بالظاهر؟‪ 0‬ألس‪00‬ت‬
‫قد ذكرت الظاهر؟‪ 0‬وعلمت تقدس الرب عما ي‪00‬وهم الظ‪00‬اهر‪ ،‬فكي‪00‬ف يك‪0‬ون أخ‪00‬ذاً بالظ‪00‬اهر؟ ثم ق‪00‬ال‬
‫القشيري‪:‬‬
‫وفي لغة الع‪0‬رب م‪0‬ا ش‪00‬ئت من التج‪0‬وز والتوس‪0‬ع في الخط‪00‬اب‪ ،‬وك‪00‬انوا يعرف‪0‬ون م‪0‬وارد‬
‫الكالم‪ ،‬ويفهمون المقاصد‪ ،‬فمن تجافى عن التأويل فذلك لقلة‪ 0‬فهمه بالعربية‪ ،‬ومن أحاط بط‪00‬رف‬
‫من العربية هان عليه درك الحق‪00‬ائق‪ 0،‬انتهى منق‪00‬والً عن إتح‪00‬اف الس‪00‬ادة المتقين‪)111-2/110 ( 0‬‬
‫مصححا ً ما وقع فيه من األخطاء المطبعية‪.‬‬
‫ق‪00‬ال اإلم‪00‬ام الغ‪00‬زالي‪ 0‬في كتاب‪00‬ه "إلج‪00‬ام الع‪00‬وام عن علم الكالم"‪ :‬ويجب اإلمس‪00‬اك عن‬
‫التصرف في األلفاظ الواردة في نصوص الصفات بالتصريف والتبديل بلغة أخ‪0‬رى والزي‪0‬ادة في‪0‬ه‬
‫والنقص من‪00‬ه والجم‪00‬ع‪ ،‬والتفري‪00‬ق‪ 0،‬ب‪00‬ل ال ينط‪00‬ق إال ب‪00‬ذلك اللف‪00‬ظ‪ ،‬وعلى ذل‪00‬ك الوج‪00‬ه من اإلي‪00‬راد‬
‫واإلعراب والتصريف والصيغة‬
‫ش)‬ ‫‪00‬ر ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫(اس‪00‬تَ َوى َعلى ال َع ْ‬ ‫ومع‪00‬نى اإلمس‪00‬اك عن التص‪00‬ريف أن‪00‬ه إذا ورد قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪ْ :‬‬
‫(األعراف‪ :‬من اآلية‪ )54‬فال ينبغي أن يقال‪ :‬مستو ويستوي ألن المعنى يج‪00‬وز أن يختل‪00‬ف‪ ،‬ف‪00‬إن‬
‫‪0‬رش)‬ ‫اس ‪0‬تَ َوى َعلَى ا ْل َع‪ْ 0‬‬‫دالل‪00‬ة قولن‪00‬ا‪ :‬مس‪00‬تو على الع‪00‬رش على االس‪00‬تقرار‪ 0‬أق‪00‬وى من قول‪00‬ه (ثُ َّم ْ‬
‫(األعراف‪ :‬من اآلية‪)54‬‬
‫‪164‬‬
‫استحال أن تعرف نفسك بكيفية أو أينية‪ ،‬فكيف يلي‪0‬ق بعبوديت‪0‬ك أن تص‪0‬فه ب‪0‬أين أو كي‪0‬ف‪،‬‬
‫وهو مقدس عن ذلك‪1‬؟ ثم جعل يقول‪.‬‬

‫ثم قال الغزالي في بيان عدم الجمع بين متفرق‪ :‬ولقد بعد عن التوفيق من صنف كتاباً‪0‬‬
‫في جمع هذه األخبار خاصة‪ ،‬ورسم في كل عضو بابا‪ ،‬فق‪00‬ال‪ :‬ب‪00‬اب في إثب‪00‬ات‪ 0‬ال‪00‬رأس‪ 0،‬وب‪00‬اب في‬
‫إثبات‪ 0‬اليد‪ ،‬وباب في إثبات‪ 0‬العين إلى غير ذلك وسماه كتاب الص‪00‬فات‪ ،‬ف‪00‬إن ه‪00‬ذه كلم‪00‬ات ص‪00‬درت‬
‫عن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم في أوقات متفرقة متباعدة اعتماداً على قرائن مختلف‪00‬ة‬
‫تفهم الس‪00‬امعين‪ 0‬مع‪00‬اني ص‪00‬حيحة‪ ،‬ف‪00‬إذا ذك‪00‬رت مجموع‪00‬ة مث‪00‬ال خل‪00‬ق اإلنس‪00‬ان‪ 0‬ص‪00‬ار جم‪00‬ع تل‪00‬ك‬
‫المتفرقات‪ 0‬في السمع دفعة واحدة قرينة عظيمة في تأكيد الظاهر‪ 0‬وإيهام التشبيه‪ ،‬وصار اإلشكال‬
‫في أن رسول هللا صلى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم لِ َم نط‪00‬ق بم‪00‬ا ي‪00‬وهم خالف الح‪00‬ق؟ أعظم في‬
‫النفس وأوقع ‪ ..‬فلذلك ال يجوز جمع المتفرقات‪0،‬‬
‫ثم قال‪ :‬وأما التفريق بين المجتمعات‪ 0‬فإن‪00‬ه ك‪00‬ذلك ال يج‪00‬وز‪ ،‬ألن ك‪00‬ل كلم‪00‬ة س‪00‬ابقة على‬
‫كلمة أو الحقة لها مؤثرة في تفهيم معناها‪ 0،‬ومرجحة لالحتمال الضعيف فيه‪ ،‬فإذا فرقت وفصلت‬
‫ق ِعبَا ِد ِه) (األنعام‪ :‬من اآلية‪)18‬وال يسلط على‬ ‫سقطت داللتها‪ 0،‬مثال ذلك قوله تعالى‪( 0:‬ا ْلقَا ِه ُ‪0‬ر فَ ْو َ‬
‫أن يقول القائل‪ 0:‬وهو فوق مطلقا ً ألنه إذا ذكر القاهر قبله ظه‪00‬ر دالل‪00‬ة الف‪00‬وق على الفوقي‪00‬ة ال‪00‬تي‬
‫للقاهر‪ 0‬مع المقهور‪ ،‬وهي فوقية الرتب‪00‬ة‪ 0،‬ولف‪00‬ظ الق‪00‬اهر‪ 0‬ي‪00‬دل علي‪00‬ه‪ 0،‬ب‪00‬ل ال يج‪00‬وز أن يق‪00‬ال‪ :‬وه‪00‬و‬
‫القاهر فوق غيره‪ ،‬بل ينبغي أن يقول‪ :‬فوق عب‪00‬اده‪ ،‬ألن ذك‪00‬ر العبودي‪00‬ة في وص‪00‬ف من هللا فوق‪00‬ه‬
‫يؤكد احتمال فوقية السيادة إذ يحس‪00‬ن أن يق‪00‬ال‪ :‬الس‪00‬يد ف‪00‬وق عب‪00‬ده‪ ،‬واألب ف‪00‬وق االبن‪ 0،‬وال‪00‬زوج‬
‫فوق الزوجة‪ ،‬وال يحسن أن يقول‪ :‬زي‪00‬د ف‪00‬وق عم‪00‬رو قب‪00‬ل أن ي‪00‬بين تفاوتهم‪00‬ا في مع‪00‬نى الس‪00‬يادة‬
‫والعبودية‪ ،‬أو غلبة القهر‪ ،‬أو نفوذ األمر بالسلطنة أو ب‪00‬األبوة أو بالزوجي‪00‬ة‪ 0،‬فه‪00‬ذه دق‪00‬ائق يغف‪00‬ل‬
‫عنها العلماء‪ 0،‬فضالً عن العوام … وألجل هذه الدقائق بالغ السلف في الجم‪00‬ود واالقتص‪00‬ار‪ 0‬على‬
‫موارد التوقيف كما ورد وعلى الوجه الذي ورد‪ ،‬وباللفظ‪ 0‬الذي ورد‪ ،‬والحق ما قالوه‪ ،‬والصواب‬
‫ما رأوه‪ ،‬فأهم المواضع باالحتياط ما هو تصرف في ذات هللا وص‪00‬فاته‪ ،‬وأح‪00‬ق المواض‪00‬ع بإلج‪00‬ام‬
‫اللسان‪ ،‬وتقييده عن الجريان‪ 0‬ما يعظم فيه الخطر‪ ،‬وأي خطر أعظم من الكفر؟‪.‬‬
‫ومم‪000‬ا ينبغي التنبي‪000‬ه علي‪000‬ه أن الس‪000‬لف مجمع‪000‬ون على التأوي‪000‬ل التفص‪000‬يلي‪ 0‬في بعض‬
‫النصوص كما تقدمت اإلشارة إليه‪ 0،‬قال اإلمام الخطابي رحمه هللا تعالى‪:‬‬
‫الكالم عن الصفات‪ 0‬ثالثة أقسام‪ :‬قسم يحقق‪ :‬كالعلم والقدرة ونحوها‪.‬‬
‫وقسم يحمل على ظاهره‪ ،‬ويجرى بلفظه الذي جاء ب‪00‬ه من غ‪00‬ير تأوي‪00‬ل‪ :‬كالي‪00‬د والوج‪00‬ه‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فإنه‪00‬ا ص‪0‬فات‪ 0‬ال كيفي‪00‬ة له‪0‬ا‪ ،‬فال يق‪00‬ال‪ :‬مع‪0‬نى الي‪00‬د النعم‪0‬ة والق‪00‬وة‪ ،‬وال مع‪0‬نى الوج‪00‬ه‬
‫الذات‪ ،‬على ما ذهب إليه نفاة الصفات‪.‬‬
‫ً‬
‫وقسم يؤول وال يجرى على ظاهره‪ ،‬كقوله عليه الصالة والسالم إخبارا‪ 0‬عن هللا تعالى‪:‬‬
‫(من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً) الحديث رواه الشيخان‪ ،‬ال أعلم أحداً من العلم‪00‬اء أج‪00‬راه‬
‫على ظاهره‪ ،‬بل كل منهم تأوله على القبول من هللا لعبده‪ ،‬وحسن اإلقبال عليه‪ 0،‬والرض ‪0‬ا‪ 0‬بفعل‪00‬ه‪،‬‬
‫ومضاعفة‪ 0‬الجزاء له على صنعه‪ ،‬وذكر حديث (لما خلق هللا الرحم تعلقت بحقوي الرحمن)‪ 0‬قال‪:‬‬
‫‪165‬‬
‫صر القو َل فذا شرح يطول‬ ‫قل لمن يفهم عني ما أقول ‪ ##‬قَ ِّ‬
‫ق الفحول‬‫صرت وهللا أعنا ُ‬ ‫ثَ َّم سر غامض من دونه ‪ ##‬قَ ُ‬
‫أنت ال تعرف إياك وال ‪ ##‬تُ ْد ِرك من أنت وال كيف الوصول‬
‫ت ركبت ‪ ##‬فيك حارت في خفاياها العقول‬ ‫ال وال تدري صفا ٍ‬
‫الروح في جوهرها ‪ ##‬هل تراها فترى كيف تجول‬ ‫ُ‬ ‫أين منك‬
‫صرها ‪ ##‬ال وال تدري متى عنك تزول‬ ‫األنفاس هل تح ُ‬
‫ُ‬ ‫وكذا‬
‫أين منك العق ُل والفه ُ‪0‬م إذا ‪ ##‬غلب النو ُم فقل لي يا جهول‬

‫ال أعلم أحداً من العلماء حمل الحقو على ظاهر مقتضاه في اللغة‪ ،‬وإنما معناه اللياذ واالعتصام‪،‬‬
‫تمثيالً له بفعل من اعتصم بحبل ذي عزة‪ ،‬واستجار بذي ملكة وقدرة‪.‬‬
‫وق‪00‬ال ال‪00‬بيهقي في األس‪00‬ماء والص‪00‬فات (‪ :)349‬ومعن‪00‬اه عن‪00‬د أه‪00‬ل النظ‪00‬ر‪ :‬اس‪00‬تجارت‬
‫واعتصمت به انتهى‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬قوله‪ :‬تعلقت‪ 0‬بحقوى الرحمن (فأخذت بحقو ال‪0‬رحمن)‪ 0‬معن‪0‬اه فاس‪0‬تجارت‬
‫بكنفي رحمته‪ ،‬واألصل في الحقو معقد اإلزار‪ 0،‬ولما كان من شأن المستجير أن يتمس‪00‬ك بحق‪00‬وي‬
‫المستجار‪ 0‬به –وهما جانباه األيمن واأليسر استعير األخذ بالحقو في اللياذ بالشيء‪ .‬تقول الع‪00‬رب‬
‫عذت بحقو فالن‪ .‬أي استجرت ب‪00‬ه واعتص‪00‬مت‪ ،‬نقل‪00‬ه الش‪00‬يخ م‪00‬رعي الحنبلي‪ 0‬في كتاب‪00‬ه "أقاوي‪00‬ل‬
‫الثقات‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ُ‪0‬و َم َع ُك ْم أَيْنَ َم‪00‬ا ُك ْنتُ ْم) (الحدي‪00‬د‪ :‬من‬
‫ه‬
‫َ َ‬‫(و‬ ‫‪0‬الى‪:‬‬
‫‪0‬‬ ‫تع‬ ‫‪0‬ه‬
‫‪0‬‬ ‫قول‬ ‫‪..‬‬ ‫‪0‬‬
‫ه‬ ‫‪0‬‬ ‫تأويل‬ ‫على‬ ‫‪0‬وا‬ ‫‪0‬‬‫اتفق‬ ‫‪0‬ا‬
‫‪0‬‬ ‫ومم‬ ‫قلت‬
‫اآلية‪ )4‬ونحوه مما مر‪ ،‬فإن المعية محمولة على معية العلم واإلحاطة والمش‪00‬اهدة‪ ،‬كم‪00‬ا ق‪00‬ال هللا‬
‫س َم ُع َوأَ َرى) (طـه‪ :‬من اآلية‪ )46‬وك‪0‬ذا قول‪00‬ه علي‪00‬ه الص‪0‬الة‬ ‫تعالى لموسى وهارون (إِنَّنِي َم َع ُك َما أَ ْ‬
‫والسالم‪( :‬الحجر األسود يمين هللا في األرض) أي محل عه‪0‬ده ال‪00‬ذي أخ‪00‬ذ ب‪00‬ه الميث‪00‬اق على ب‪00‬ني‬
‫آدم‪.‬‬
‫وكذا قوله عليه الصالة والسالم – حكاية عن هللا‪( :-‬عبدي مرضت فلم تعدني‪ ،‬فيق‪00‬ول‪:‬‬
‫رب‪ :‬كي‪00‬ف أع‪00‬ودك وأنت رب الع‪00‬المين؟‪ 0‬فيق‪00‬ول‪ :‬أم‪00‬ا علمت‪ 0‬أن عب‪00‬دي فالن‪0‬ا ً م‪00‬رض‪ ،‬فل‪00‬و عدت‪00‬ه‬
‫لوجدتني عنده‪ ،‬عبدي جعت فلم تطعمني‪ ،‬فيقول‪ :‬رب‪ ،‬كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيق‪00‬ول‪:‬‬
‫أما علمت أن عبدي فالنا ً جاع‪ 0،‬فلو أطمعته لوجدت ذلك عندي)‪.‬‬
‫قال ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬فى تفسير‪ 0‬هذا الحديث إنه تعالى إنما أراد بذلك مرض وجوع‬
‫عبده‪ ،‬لقول‪00‬ه‪( :‬لَ َو َج‪ 0‬دْتَ ذل‪00‬ك عن‪00‬دي) ولم يق‪00‬ل‪ :‬لوج‪00‬دتني إي‪00‬اه‪ ،‬ألن المحب والمحب‪00‬وب كالش‪00‬يء‬
‫الواحد من حيث يرضى أحدهما ويبغض أحدهما ما يرضاه اآلخر أو يبغضه‪ ،‬وله‪00‬ذا ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪:‬‬
‫(إِنَّ الَّ ِذينَ يُبَايِ ُعونَ‪َ 00‬ك إِنَّ َم‪00‬ا يُبَ‪00‬ايِ ُعونَ هَّللا َ) (الفتح‪ 0:‬من اآلية‪( )10‬من أقاوي‪00‬ل الثق‪00‬ات ‪)185-183‬‬
‫أقول‪ :‬وهذا الذي نقلناه عن الخطابي‪ 0‬وال‪00‬بيهقي والمقدس‪00‬ي وابن تيمي‪00‬ة يؤي‪00‬د ال‪00‬رأي ال‪00‬ذي ذهب‬
‫إليه ابن دقيق العيد رحمه هللا تعالى‪ 0،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وإتماما ً لهذا البحث‪ 0‬ننقل ما يلي عن اإلحياء وشرحه للزبيدي‪.‬‬
‫قال اإلمام الغزالي‪( :‬وغال اآلخرون في حسم الباب) أي س‪00‬د ب‪00‬اب التأوي‪00‬ل مطلق‪0‬اً‪ ،‬وهم‬
‫السلف (منهم اإلمام أحمد بن حنبل حتى منع تأويل قوله تعالى‪ :‬كن فيكون) وهذا يعني س‪00‬د ب‪00‬اب‬
‫التأويل على اإلطالق وهو المفهوم من ظاهر مذهبه‪ ،‬كما نقله الثقات‪ 0‬عنه (وزعموا) أي اتباع‪00‬ه‬
‫ومقلدوه (أن ذلك خطاب) من هللا تعالى‪( 0‬بحرف وصوت يوجد من هللا تعالى في ك‪00‬ل لحظ‪00‬ة بع‪00‬دد‬
‫كون كل مكون‪ ،‬حتى سمعت بعض أصحابه‪ 0‬يقول‪ :‬إنه حسم باب التأويل إال لثالثة ألفاظ) وردت‪،‬‬
‫أح‪00‬دهما‪( :‬قول‪00‬ه ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ :‬الحج ‪0‬ر‪ 0‬األس‪00‬ود يمين هللا في أرض‪00‬ه) ق‪00‬ال‬
‫‪166‬‬
‫أنت أك َل الخبز ال تعرفه ‪ ##‬كيف يجري منك أو كيف تبول‬
‫فإذا كانت طواياك التي ‪ ##‬بين جنبيك كذا فيها ضلول‬
‫كيف تدري من على العرش استوى ‪ ##‬ال تقل كيف استوى كيف النزول‬
‫كيف يَ ْحكي الرب أم كيف يُرى ‪ ##‬فلعمري ليس ذا إال فضول‬
‫فهو ال أين وال كيف له ‪ ##‬وهو رب الكيف والكيف يحول‬
‫وهو فوق الفوق ال فوق له ‪ ##‬وهو في كل النواحي ال يزول‬
‫ج ّل ذاتا ً وصفا ٍ‬
‫ت وسما ‪ ##‬وتعالى قد ُره عما تقول‬

‫العراقي‪ :‬أخرجه الحاكم‪ ،‬وصححه من حديث عبد هللا بن عمر بلف‪00‬ظ الحج‪00‬ر يمين هللا في األرض‬
‫…‪ ،‬ومعنى يمين هللا أنه بمنزلة يمينه‪ 0،‬ولما كان كل ملك إذا قدم عليه‪ 0‬الوفد قبل يمينه‪ ،‬والح‪00‬اج‬
‫أول ما يقدم يسن له تقبيله‪ ،‬فلذا نزل منزلة يمين الكعبة (كذا) (ولعل الصواب‪ :‬منزلة يمين هللا)‪.‬‬
‫والثاني‪( :‬قول‪00‬ه ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬قلب الم‪00‬ؤمن بين إص‪00‬بعين من أص‪00‬ابع‬
‫الرحمن) أخرجه مسلم من حديث عبد هللا بن عمر‪.‬‬
‫والثالث‪( 0:‬قوله صلى هللا تعالى عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬إني ألج‪00‬د نفس ال‪00‬رحمن‪ 0‬من ج‪00‬انب‬
‫اليمن) أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في حديث ق‪00‬ال في‪00‬ه‪ :‬وأج‪00‬د نفس ربكم من قب‪00‬ل اليمن‪0،‬‬
‫ورجاله ثقات‪ ،‬قاله العراقي‪.‬‬
‫(ومال إلى الحسم أرباب‪ 0‬الظ‪00‬واهر‪ .‬والظن بأحم‪00‬د بن حنب‪00‬ل أن‪00‬ه علم أن االس‪00‬تواء ليس‬
‫هو االستقرار‪ 0‬على شيء‪ ،‬والنزول ليس هو االنتقال) من مك‪00‬ان إلى مك‪00‬ان (ولكن‪00‬ه من‪00‬ع التأوي‪00‬ل‬
‫حسما ً للباب‪ 0،‬ورعاية لصالح الخلق فإنه إذا فتح الب‪00‬اب اتس‪00‬ع الخ‪00‬رق‪ ،‬وخ‪00‬رج عن ح‪00‬د الض‪00‬بط‪،‬‬
‫وجاوز) مرتبة االقتصاد‪ ،‬إذ حد االقتصاد ال ينضبط بقاعدة (فال بأس به‪0‬ذا الزج‪0‬ر)‪ 0‬والمن‪0‬ع وس‪0‬د‬
‫الباب‪( 0‬وتش‪00‬هد ل‪0‬ه س‪00‬يرة الس‪00‬لف‪ ،‬ف‪0‬إنهم ك‪0‬انوا يقول‪00‬ون‪ :‬أمروه‪0‬ا كم‪00‬ا ج‪0‬ائت)‪ 0‬روى الحس‪00‬ن بن‬
‫إس‪00‬ماعيل الض‪00‬راب في من‪00‬اقب مال‪00‬ك من طري‪00‬ق الولي‪00‬د بن مس‪00‬لم ق‪00‬ال‪ :‬س‪00‬ألت مالك‪0‬ا ً واألوزاعي‬
‫وسفيان وليثا ً عن هذه األحاديث التي ورد فيها ذكر الرؤية والصورة والنزول‪ ،‬فقالوا‪ :‬اوردوها‬
‫كما جائت … قال ابن اللبان‪ :‬قد كان السلف الصالح نهوا الناس عن إتب‪00‬اع أرب‪00‬اب‪ 0‬الب‪00‬دع‪ ،‬وعن‬
‫اإلص‪00‬غاء إلى آرائهم‪ ،‬وحس‪00‬موا م‪00‬ادة الج‪00‬دل في التع‪00‬رض باآلي‪00‬ات‪ 0‬المتش‪00‬ابهة س‪00‬داً للذريع‪00‬ة‪،‬‬
‫واستغناء عنه بالمحكم‪ 0،‬وأمروا باإليمان‪ 0‬به وبإمراره كما جاء من غير تعطيل وال تشبيه‪.‬‬
‫(حتى قال مالك لما س‪00‬ئل عن) مع‪00‬نى (االس‪00‬تواء) في قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪ 0:‬ثم اس‪00‬توى‪ ،‬وقول‪00‬ه‬
‫تعالى‪( :‬الرحمن على الع‪0‬رش اس‪0‬توى) وق‪0‬د ج‪0‬اء ذك‪0‬ره في س‪0‬ت آي‪0‬ات‪ 0،‬فق‪0‬ال مال‪0‬ك‪( :‬االس‪0‬تواء‬
‫معلوم‪ ،‬والكيفية مجهولة‪ ،‬واإليمان‪ 0‬به واجب‪ ،‬والسؤال عنه بدعة) وه‪00‬ذا الق‪00‬ول من مال‪00‬ك ج‪00‬اء‬
‫بألفاظ‪ 0‬مختلفة‪ 0،‬وأسانيد متنوعة ‪ ..‬وقد أورده ابن اللبان‪ 0‬في كتابه بلفظ أنه س‪00‬ئل كي‪00‬ف اس‪00‬توى؟‬
‫فقال‪ :‬كيف غير معقول‪ ،‬واالستواء غير مجهول‪ ،‬واإليمان به واجب‪ ،‬والسؤال عنه بدعة‪.‬‬
‫قال ابن اللبان في تفس‪00‬ير ق‪00‬ول مال‪00‬ك‪ 0،‬قول‪00‬ه‪ :‬كي‪00‬ف غ‪00‬ير معق‪00‬ول‪ ،‬أي كي‪00‬ف من ص‪00‬فات‬
‫الحوادث‪ ،‬وكل ما كان من صفات الحوادث فإثباته في صفات هللا تعالى ينافي ما يقتض‪00‬يه العق‪00‬ل‪،‬‬
‫فيجزم بنفيه عن هللا تعالى‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬واالستواء غير مجهول‪ :‬أي إنه معلوم المعنى عند أهل اللغة واإليمان‪ 0‬ب‪00‬ه على‬
‫الوجه الالئق به تعالى واجب‪ ،‬ألنه من اإليمان باهلل تعالى‪ 0‬وبكتبه‪ ،‬والسؤال عنه بدعة أي حادث‬
‫ألن الصحابة‪ 0‬كانوا عالمين بمعناه الالئق بحسب اللغة فلم يحتاجوا للسؤال عنه‪ ،‬فلما جاء من لم‬
‫يحط بأوضاع لغتهم‪ ،‬وال له نور كنورهم يهديه لصفات‪ 0‬ربه‪ ،‬شرع يس‪00‬أل عن ذل‪00‬ك فك‪00‬ان س‪00‬ؤاله‬
‫سببا ً الشتباهه على الناس وزيغهم عن المراد (اإلحياء‪ 0‬وشرحه (‪.)82-80-2/79‬‬
‫‪167‬‬
‫ومما يوهم الجسمية قوله تعالى (وجاء ربك) وحديث الصحيحين “ ينزل ربنا ك‪00‬ل‬
‫ليلة إلى سماء ال‪00‬دنيا حيث يبقى ثلث اللي‪00‬ل األخ‪00‬ير ويق‪0‬ول من ي‪00‬دعوني فأس‪0‬تجيب ل‪0‬ه من‬
‫يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له‪ “ 1‬فالسلف يقولون مجيء ون‪00‬زول ال نعلمهم‪00‬ا‪،‬‬
‫والخلف يقولون‪ :‬المراد‪ :‬وجاء عذاب ربك أو أمر رب‪00‬ك الش‪00‬امل للع‪00‬ذاب‪ ،‬والم‪00‬راد‪ :‬ي‪00‬نزل‬
‫ملك ربنا فيقول عن هللا‪ … 2‬إلخ‪.‬‬
‫وفي المنن‪ :‬أن الغالب أن الموكب اإللهي ينصب من الثلث األخ‪00‬ير‪ ،‬وت‪00‬ارة ينص‪00‬ب‬
‫من أول النصف الثاني إال ليلة الجمعة فإنه ينصب من غروب الش‪00‬مس إلى خ‪0‬روج اإلم‪00‬ام‬
‫من صالة الصبح‪ ،‬كما ورد في حديث مسلم‪،‬‬

‫قال اإلمام تقي الدين السبكي‪ :‬وفي ذلك –أي كالم مالك‪ 0-‬قطع ب‪00‬أن‪ 0‬االس‪00‬تواء ليس على‬
‫ظاهره المعلوم عن‪0‬د الن‪0‬اس‪ 0‬من أن‪0‬ه القع‪0‬ود ف‪0‬إن ذل‪0‬ك غ‪0‬ير معق‪0‬ول‪ ،‬وليس في‪0‬ه تص‪0‬ريح بفوقي‪0‬ة‬
‫الذات‪ ،‬وال يلزم من قولنا‪ :‬اس‪00‬توى على الع‪00‬رش أن يك‪00‬ون ه‪00‬و على الع‪00‬رش إال بع‪00‬د أن نثبت أن‬
‫االستواء هو القعود والجلوس كما في المخلوق وجل هللا عن ذلك‪.‬‬
‫ومم‪00‬ا ينبغي التنبي ‪0‬ه‪ 0‬علي‪00‬ه أن م‪00‬ا نقل‪00‬ه الغ‪00‬زالي عن اإلم‪00‬ام مال‪00‬ك بص‪00‬يغة (والكيفي‪00‬ة‬
‫مجهولة) غير صحيح ال من جهة الرواية‪ 0،‬وال من جهة الدراية‪ 0،‬أما من جهة الرواي‪00‬ة ف‪00‬المروي‬
‫عنه برواية صحيحة بصيغة‪( :‬الكيف غ‪00‬ير معق‪00‬ول) وبرواي‪00‬ة أخ‪00‬رى‪( :‬وال يق‪00‬ال كي‪00‬ف‪ ،‬والكي‪00‬ف‬
‫عنه مرفوع) وقد روي هذا الكالم بصيغة (والكيف غير معق‪00‬ول) عن س‪00‬فيان بن عيين ‪0‬ة‪ 0‬وربيع‪00‬ة‬
‫شيخ اإلمام مالك‪ ،‬وانظر فتح الب‪00‬اري (‪ )407-406 0 /12‬وإتح‪00‬اف الس‪00‬ادة المتقين‪.)81-2/80( 0‬‬
‫واألسماء والص‪00‬فات (‪ )409-408‬ق‪00‬ال الزبي‪00‬دي‪:‬وأول من وف‪00‬ق له‪00‬ذا الج‪00‬واب الس‪00‬يدة أم س‪00‬لمة‬
‫رضي هللا عنها والكل تابعون على منهجها‪ ،‬ثم ساق الزبيدي سنده إلى أم سلمة‪ ،‬وذكر الخبر‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪ :‬وأخرج أبو القاسم‪ 0‬الال لكائي في كتاب‪ 0‬السنة من طريق الحسن‬
‫البصري عن أمه عن أم سلمة أنها قالت‪ :‬االستواء غير مجهول‪ ،‬والكيف غير معقول‪ ،‬واإلق‪00‬رار‬
‫به إيمان‪ ،‬والجحود به كفر‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا من جه‪00‬ة الدراي‪00‬ة فالن ه‪00‬ذه الص‪00‬يغة تثبت هلل تع‪00‬الى كيفي‪00‬ة لكنه‪00‬ا مجهول‪00‬ة لن‪00‬ا‪،‬‬
‫والكيفية مرفوعة عنه تعالى‪،‬‬
‫ونختم هذا البحث بإيراد نص لإلمام أبي الحسن األشعري في كتابه اإلبانة‪ .‬قال رحم‪00‬ه‬
‫هللا تع‪00‬الى‪ :‬وأن هللا تع‪00‬الى اس‪00‬توى على الع‪00‬رش على الوج‪00‬ه ال‪00‬ذي ق‪00‬ال‪ ،‬وب‪00‬المعنى ال‪00‬ذي أراده‬
‫اس‪00‬تواء منزه‪0‬ا ً عن المماس‪00‬ة واالس‪00‬تقرار‪ ،‬والتمكن والحل‪00‬ول واالنتق‪00‬ال‪ ،‬ال يحمل‪00‬ه الع‪00‬رش‪ ،‬ب‪00‬ل‬
‫العرش وحملته محمولون بلطف قدرته‪ ،‬ومقهورون في قبضته‪ ،‬وهو فوق الع‪00‬رش‪ ،‬وف‪00‬وق ك‪00‬ل‬
‫شيء إلى تخوم الثرى‪ ،‬وه‪00‬و م‪00‬ع ذل‪00‬ك ق‪00‬ريب من ك‪00‬ل موج‪00‬ود‪ ،‬وه‪00‬و أق‪00‬رب إلى العب‪00‬د من حب‪00‬ل‬
‫الوري‪00‬د‪ ،‬وه‪00‬و على ك‪00‬ل ش‪00‬يء ش‪00‬هيد‪ ،‬انتهى‪ ،‬وه‪00‬ذا النص من اإلبان‪0‬ة‪ 0‬ليس موج‪00‬وداً في النس‪00‬خ‬
‫المطبوعة المتداول‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬و ث‪00‬ابت‪ 0‬في مخطوط‪00‬ة نس‪00‬خة بلدي‪00‬ة اإلس‪00‬كندرية وق‪00‬د ق‪00‬امت بتحقيقه‪00‬ا‬
‫الدكتورة فوقية حسين محمود وطبعت بدار األنصار بالقاهرة‪ 0‬الطبعة األولى ‪ 1397‬هـ‪.‬‬
‫‪ 3‬قول‪00‬ه "واالس‪00‬تنباط"‪ 0‬في‪00‬ه خف‪00‬اء‪ ،‬فل‪00‬و اقتص‪00‬ر على القي‪00‬اس واإلجم‪00‬اع لك‪00‬ان أولى‪.‬‬
‫أجهوري‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫مراد الشارح‪ :‬أن النص إنما يأتي في كالم العلم‪00‬اء ب‪00‬المعنيين‪ 0‬الم‪00‬ذكورين‪ 0،‬وليس ل‪00‬ه‬
‫معنى ثالث وهو الظاهر‪ ،‬وال يجوز حمله على المعنى الثاني‪ 0‬فتعين حمله على المع‪00‬نى األول‪ ،‬إال‬
‫أنه يصرف إلى ما يقبل التأويل منه وهو الظاهر بقرينة المقام‪.‬‬
‫‪ 2‬واألولى‪ :‬أي أوقع في الوهم مشابهة هللا تعالى‪ 0‬بخلقه أي وجود هذه المشابهة‪.‬‬
‫‪168‬‬
‫ومما يوهم الصورة ما رواه أحم‪00‬د والش‪00‬يخان أن رجالً ض‪00‬رب عب‪00‬ده فنه‪00‬اه الن‪00‬بي‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم وقال‪( :‬إن هللا تعالى خلق آدم على صورته)‪ 1‬فالس‪00‬لف يقول‪00‬ون‬
‫صورة ال نعلمها‪ ،‬والخلف يقولون‪ :‬المراد بالصورة الصفة من سمع وبصر وعلم وحياة‪،‬‬
‫فهو على صفته في الجملة وإن كانت صفته تع‪00‬الى قديم‪00‬ة وص‪00‬فة اإلنس‪00‬ان حادث‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬ذا‬
‫بن‪00‬اء على أن الض‪00‬مير في ص‪00‬ورته عائ‪00‬د على هللا تع‪00‬الى كم‪00‬ا يقتض‪00‬يه م‪00‬ا ورد في بعض‬
‫الطرق (فإن هللا خلق آدم على صورة ال‪00‬رحمن) وبعض‪00‬هم جع‪00‬ل الض‪00‬مير عائ‪00‬داً على األخ‬
‫المصرح به في الطريق التي رواها مسلم بلفظ (فإذا قاتل أحدكم‪ 0‬فليجتنب الوجه‪ ،‬ف‪00‬إن هللا‬
‫خلق آدم على صورته) أي وإذا كانت كذلك فينبغي احترامه باتقاء الوجه‬

‫‪ 1‬المعروف في كالم العلماء‪ 0‬أن السلف هم أهل القرون الثالثة‪ ،‬ينته‪0‬ون بإنته‪0‬اء‪ 0‬الق‪00‬رن‬
‫الثالث سنة ثلثمائة للهجرة وأنهم ال ينتهون بإنقراض‪ 0‬أتباع التابعين‪ ،‬فإنهم قد انقرضوا قبل هذا‬
‫التاريخ‪ 0،‬وال يمتدون إلى رأس الخمسمائة وال إلى إنتهائها‪ 0‬كما هو الظاهر‪ 0‬من كالم الشارح‪ ،‬وال‬
‫أدري من أين أخذ هذين القولين!‪.‬‬
‫‪ 2‬قال الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" (‪ :)2/112‬قول من ق‪00‬ال‪( :‬طريق‪00‬ة الس‪00‬لف‬
‫أسلم وطريقة الخلف أحكم) نقل الحاف‪00‬ظ ابن حج‪00‬ر عن بعض‪00‬هم أن‪00‬ه ليس بمس‪00‬تقيم‪ 0،‬ألن‪00‬ه ظن أن‬
‫الطريقة السلف مجرد اإليمان‪ 0‬بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه في ذل‪00‬ك‪ ،‬وأن طريق‪00‬ة الخل‪00‬ف‬
‫هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقه‪00‬ا ب‪00‬أنواع‪ 0‬المج‪00‬از‪ 0،‬فجم‪00‬ع ه‪00‬ذا القائ‪00‬ل بين‬
‫الجهل بطريقة السلف والدعوى في طريقة الخلف‪ ،‬وليس األم‪00‬ر كم‪00‬ا ظن‪ ،‬ب‪00‬ل الس‪00‬لف في غاي‪00‬ة‬
‫المعرفة بما يليق باهلل تعالى‪ ،‬وفي غاية التعظيم له‪ ،‬والخض‪00‬وع ألم‪00‬ره والتس‪00‬ليم لم‪00‬راده‪ .‬وليس‬
‫من سلك طريقة الخلف واثقا بأن الذي يتأوله هو المراد‪ ،‬وال يمكن القطع بص‪00‬حة تأويل‪00‬ه انتهى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد أشار إلى ذلك المصنف (الغزالي) في "إلجام العوام" بما ال مزيد على تحريره انتهى‪.‬‬
‫أقول‪ :‬أصل التأويل مجمع عليه بين السلف والخلف‪ ،‬فإن السلف بما فيهم اإلمام أحمد قد ت‪00‬أولوا‬
‫بعض النصوص كما تقدم آنفا في التعليق‪ 0،‬وإنما الفرق بينهما‪ 0‬بقلة التاويل‪ 0‬وكثرت‪00‬ه‪ ،‬فالس‪00‬لف لم‬
‫يتأولوا من النصوص إال القليل‪ 0،‬ومعظم الخلف قد أكثروا منه‪ ،‬وق‪00‬د تق‪00‬دم تفص‪00‬يل المس‪00‬ألة‪ 0،‬وأن‬
‫أوسط المذاهب فيها مذهب اإلمام ابن دقيق العيد رحمه هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ 1‬يعني أن الراسخين في العلم يقولون‪ :‬من أجل أننا آمنا به علينا‪ 0‬أن نعلم المراد منه‪.‬‬
‫‪ 1‬راجع مقالتنا في نفي الجهة عن هللا تعالى‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ { -96‬ال يجوز تأويل النصوص إال بأربعة‪ 0‬شروط }‬
‫تفس‪00‬ير االس‪00‬تواء باالس‪00‬تيالء‪ 0‬مم‪00‬ا أخ‪00‬ذه مت‪00‬أخرو األش‪00‬اعرة عن المعتزل‪00‬ة‪ 0،‬وه‪00‬و من‬
‫التأويل الذي أنكر السلف على المعتزلة وعدوه من بدعهم‪ ،‬ثم إن االستيالء موهم للمغالبة‪ 0‬إن لم‬
‫يكن يفيدها‪ ،‬تعالى عن ذلك علواً كبيراً‪.‬‬
‫والتأويل إنما يجوز بشروط أربعة‪ :‬أن يك‪00‬ون المع‪00‬نى ال‪00‬ذي حم‪00‬ل علي‪00‬ه النص ثابت‪0‬ا‪ 0‬هلل‬
‫تعالى‪ ،‬وأن يكون التأويل موافقا ً للغة العربية ولس‪00‬ياق الكالم‪ ،‬وأن ال ي‪00‬وهم نقص‪0‬ا ً في جن‪00‬اب هللا‬
‫تع‪00‬الى وأن يك‪00‬ون مش‪00‬عراً بالعظم‪00‬ة‪ ،‬واالس‪00‬تيالء‪ 0‬م‪00‬وهم للنقص‪ 0‬إن لم نق‪00‬ل إن‪00‬ه يفي‪00‬ده‪ ،‬فال يج‪00‬وز‬
‫تفسير االستواء به‪.‬‬
‫‪ 1‬المعتزلة ومنهم الزمخشري يقدسون هللا تعالى‪ 0‬عن األين والكيف‪ ،‬وال يصفونه بهما‪،‬‬
‫فال وجه إلنكار‪ 0‬الغزالي على الزمخش‪00‬ري وص‪00‬ف هللا تع‪00‬الى ب‪00‬األين‪ 0‬والكي‪00‬ف‪ ،‬ويظه‪00‬ر أن القص‪0‬ة‪0‬‬
‫موضوعة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ { -97‬نزول هللا تعالى إلى السماء الدنيا‪} 0‬‬
‫‪169‬‬
‫(ويَ ْبقَى َو ْجهُ َربِّكَ ) (الرحمن‪ :‬من اآلية‪ )27‬و(يَ ُد‬
‫ومما يوهم الجوارح قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ق أَ ْي ِدي ِه ْم) (الفتح‪ :‬من اآلية‪ )10‬وح‪00‬ديث (إن قل‪00‬وب ب‪00‬ني آدم كله‪00‬ا كقلب واح‪00‬د بين‬
‫هَّللا ِ فَ ْو َ‬
‫إصبعين من أصابع الرحمن)‪ 1‬فالسلف يقولون‪ :‬هلل وجه ويد وأصابع ال نعلمه‪00‬ا‪ ،‬والخل‪00‬ف‬
‫يقولون‪ :‬المراد من الوج‪00‬ه‪ :‬ال‪00‬ذات وبالي‪00‬د‪ :‬الق‪00‬درة‪ ،‬والم‪00‬راد من قول‪00‬ه (بين أص‪00‬بعين من‬
‫أصابع الرحمن) بين صفتين من صفاته‪ ،‬وهاتان الصفتان‪ :‬القدرة واإلرادة‪.2‬‬
‫[لطيفة] سأل الشعراني شيخه الخواص‪ :‬لم‪00‬اذا ي‪00‬ؤول العلم‪00‬اء الم‪00‬وهم الواق‪00‬ع من‬
‫الشارع‪ ،‬وال يؤولون الموهم الواقع من الولي؟ فقال‪ :‬لو أنصفوا ألولوا الواقع من ال‪00‬ولي‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،-6494-1145‬ومسلم ‪ ،758‬من حديث أبي هريرة رضي هللا تعالى‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وقد ورد في الحديث بروايتين‪ 0‬صحيحتين ما يدل على أن النازل هو الملك أما الرواية‬
‫األولى فقد روى النسائي‪ 0‬في السنن‪ 0‬الكبرى (‪ )6/124‬بإسناد ص‪00‬حيح‪ ،‬وفي عم‪00‬ل الي‪00‬وم والليل‪00‬ة‬
‫برقم (‪ )472 0-340‬عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي هللا تعالى عنهما أنهم‪00‬ا ق‪00‬اال‪ :‬ق‪00‬ال‬
‫رسول هللا صلى هللا تعالى عليه‪ 0‬وآل‪00‬ه وس‪00‬لم (إن هللا ع‪00‬ز وج‪00‬ل يمه‪00‬ل ح‪00‬تى يمض‪00‬ي ش‪00‬طر اللي‪00‬ل‬
‫األول‪ ،‬ثم يأمر مناديا ينادي يقول‪ :‬هل من داع فيستجاب‪ 0‬له؟ هل من مستغفر يغف‪00‬ر ل‪00‬ه؟ ه‪00‬ل من‬
‫سائل يعطي؟)‪.‬‬
‫وأما الرواية الثانية‪ 0‬فعن عثمان‪ 0‬بن أبي الع‪00‬اص‪ 0‬الثقفي ق‪00‬ال‪ :‬ق‪00‬ال رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا‬
‫تعالى عليه وآله وسلم‪( :‬تفتح أبواب السماء نصف الليل‪ 0،‬فين‪00‬ادي من‪00‬اد‪ :‬ه‪00‬ل من داع فيس‪00‬تجاب‪0‬‬
‫له؟ هل من مكروب فيفرج عنه؟ فال يبقى مس‪00‬لم ي‪00‬دعو ب‪00‬دعوة إال اس‪00‬تجاب هللا ع‪00‬ز وج‪00‬ل ل‪00‬ه إال‬
‫زاني‪00‬ة تس‪00‬عى بفرجه‪00‬ا أو عش‪00‬اراً)‪ 0‬رواه أحم‪00‬د ( ‪ )317-33‬وال‪00‬بزار (‪ )4/44‬كش‪00‬ف األس‪00‬تار‪0،‬‬
‫والطبراني (‪ )9/51‬وغيرهم بأسانيد‪ 0‬صحيحة‪.‬‬
‫فالرواية التي فيها (ينزل ربنا‪ )..‬الفعل فيها مسند لآلمر مجازاً عقلياً‪ 0‬أي أمر هللا بنزول‬
‫ملك فينادي … إلخ ألن الروايات‪ 0‬يفسر بعضها بعضاً‪ ،‬أو نزول هللا فيها مجاز عن بس‪00‬ط رحمت‪00‬ه‬
‫تعالى‪ ،‬وقربه إلى عباده قربا ً خاصاً‪ 0‬لمضاعفة ثواب أعمالهم واستجابة دعائهم‪.‬‬
‫قال البيهقي‪ :‬قال أبو سليمان (الخطابي) في الكالم على حديث النزول‪ :‬وإنما ينكر هذا‬
‫وما أشبهه من الحديث من يقيس األمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو نزلة من أعلى‬
‫إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت‪ 0،‬وهذا صفة األجسام واألشباح‪ 0،‬فأم‪00‬ا ن‪00‬زول من ال يس‪00‬تولي‬
‫عليه صفة األجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه‪ ،‬وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعب‪00‬اده‬
‫وعطفه عليهم‪ 0،‬واستجابته لدعائهم‪ ،‬ومغفرته لهم يفعل ما يشاء‪ ،‬ال يتوجه على ص‪00‬فاته‪ 0‬كيفي‪00‬ة‪،‬‬
‫وال على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‪.‬‬
‫وقال أبو سليمان‪– 0‬رحمه هللا‪ -‬في معالم الس‪00‬نن‪ :‬وه‪00‬ذا من العلم ال‪00‬ذي أمرن‪00‬ا أن ن‪00‬ؤمن‬
‫بظاهره وأن ال نكشف عن باطنه‪ ،‬وهو من جملة المتشابه الذي ذكره هللا تعالى في كتاب‪00‬ه فق‪00‬ال‪:‬‬
‫ب َوأُ َخ ُر ُمتَشَابِ َهاتٌ )‪( 0‬آل عمران‪ 0:‬من‬ ‫ات ُم ْح َك َماتٌ هُنَّ أُ ُّم ا ْل ِكتَا ِ‬ ‫(ه َُو الَّ ِذي أَ ْنزَ َل َعلَ ْي َ‪0‬ك ا ْل ِكت َ‬
‫َاب ِم ْنهُ آيَ ٌ‪0‬‬
‫اآلية‪ )7‬اآلية‪ ،‬فالمحكم منه ما يقع به العلم الحقيقي والعم‪0‬ل‪ ،‬والمتش‪0‬ابه‪ 0‬يق‪0‬ع ب‪0‬ه اإليم‪0‬ان والعلم‬
‫(و َما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَهُ إِاَّل هَّللا ُ) (آل عمران‪ :‬من‬ ‫الظاهر‪ 0،‬ويوكل باطنه إلى هللا تعالى‪ ،‬وهو معنى قوله‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫اآلية‪ )7‬وإنما حظ الراس‪00‬خين أن يقول‪00‬وا‪( :‬آ َمنَّا بِ‪ِ 0‬ه ُك‪ٌّ 0‬ل ِمنْ ِعن‪ِ 0‬د َربِّن‪00‬ا) (آل عم‪00‬ران‪ 0:‬من اآلية ‪)7‬‬
‫َ‬
‫وكذلك ما جاء من هذا الباب‪ 0‬في القرآن‪ ،‬كقوله عز وجل‪َ ( :‬ه ْل يَ ْنظُ ُرونَ إِاَّل أَنْ يَأْتِيَ ُه ُم هَّللا ُ فِي ظُلَ ٍل‬
‫ص‪0‬فّا ً‬ ‫(و َج‪ 0‬ا َء َربُّ َك َوا ْل َملَ‪0ُ 0‬ك َ‬ ‫ض‪َ 0‬ي اأْل َ ْم‪ُ 0‬ر) (البق‪00‬رة‪ :‬من اآلية‪ )210‬وقول‪0‬ه‪َ :‬‬ ‫ِمنَ ا ْل َغ َم ِام َوا ْل َمالئِ َكةُ َوقُ ِ‬
‫صفّاً) (الفجر‪ )22:‬والقول في جميع ذلك عند علماء السلف ما قلناه‪ .‬وق‪0‬د زل بعض ش‪00‬يوخ أه‪00‬ل‬ ‫َ‬
‫‪170‬‬
‫باألولي‪ ،‬ألنه معذور بضعفه في أحوال الحضرة‪ ،‬بخالف الشارع فإنه ذو مقام مكين‪ ،‬وقد‬
‫يقال‪ :‬الشارع ينبغي المحافظة على الواقع منه ما أمكن ألنه يقت‪00‬دي ب‪00‬ه‪ ،‬وال ك‪00‬ذلك ال‪00‬ولي‬
‫فإنه ال يحافظ على كالمه ألنه ال يقتدي به‪ ،‬فإذا أوهم أهدر‪.‬‬

‫الح‪0‬ديث ممن يرج‪0‬ع إلى معرفت‪0‬ه بالح‪00‬ديث والرج‪0‬ال‪ 0،‬فح‪0‬اد عن ه‪0‬ذه الطريق‪00‬ة حين روى ح‪0‬ديث‬
‫النزول ثم أقبل على نفسه فقال‪ :‬إن قال قائل‪ :‬كيف ينزل ربنا‪ 0‬إلى الس‪00‬ماء؟ قي‪00‬ل ل‪00‬ه‪ :‬ي‪00‬نزل كي‪00‬ف‬
‫يشاء‪ ،‬فإن قال‪ :‬هل يتحرك إذا نزل؟ فقال‪ :‬إن شاء يتحرك‪ 0،‬وإن شاء لم يتحرك‪.‬‬
‫وه‪00‬ذا خط‪00‬أ ف‪00‬احش عظيم‪ ،‬وهللا تع‪00‬الى ال يوص‪00‬ف بالحرك‪00‬ة‪ 0،‬ألن الحرك‪00‬ة والس‪00‬كون‬
‫يتعاقب‪00‬ان في مح‪00‬ل واح‪00‬د‪ ،‬وإنم‪00‬ا يج‪00‬وز أن يوص‪00‬ف بالحرك‪00‬ة من يج‪00‬وز أن يوص‪00‬ف بالس‪00‬كون‪،‬‬
‫س‬‫وكالهما من أعراض المح‪0‬دث‪ ،‬وأوص‪0‬اف المخل‪0‬وقين‪ ،‬وهللا تب‪0‬ارك وتع‪0‬الى متع‪0‬ال عنهم‪0‬ا (لَ ْي َ‬
‫َك ِم ْثلِ ِه ش َْي ٌء) (الشورى‪ :‬من اآلية‪.)11‬‬
‫فلو جرى هذا الشيخ على طريقة السلف الص‪00‬الح‪ 0،‬ولم ي‪00‬دخل نفس‪00‬ه في م‪00‬ا ال يعني‪00‬ه لم‬
‫يكن يخرج به القول إلى مثل هذا الخطأ‪ 0‬الفاحش‪ 0،‬قال (الخطابي)‪ 0:‬وإنم‪00‬ا ذك‪00‬رت ه‪00‬ذا لكي يت‪00‬وقى‬
‫الكالم فيم‪00‬ا ك‪00‬ان من ه‪00‬ذا الن‪00‬وع‪ ،‬فإن‪00‬ه ال يثم‪00‬ر خ‪00‬يراً‪ ،‬وال يفي‪00‬د رش‪00‬داً‪ ،‬ونس‪00‬أل هللا العص‪00‬مة من‬
‫الضالل‪ ،‬والقول بما ال يجوز من الفاسد المحال (األسماء‪ 0‬والصفات‪)455-453 0‬‬
‫ومما يدل على أن النزول ليس نزول نقل‪00‬ة أن نص‪00‬ف اللي‪00‬ل األخ‪00‬ير ال ينتهي عن ال‪00‬دنيا‬
‫وهو موجود فيها دائما ً وإنما ينتقل عن قطر إلى آخر‪ ،‬فل‪00‬و ك‪00‬ان ال‪00‬نزول ن‪00‬زول نقل‪00‬ة لم‪00‬ا تص‪00‬ور‬
‫نزوله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا‪ 0‬بل يكون مستقراً فيها دائما ً لدوام نصف اللي‪00‬ل األخ‪00‬ير في‬
‫الدنيا‪ 0،‬فمتى يستقر على عرشه بذاته كما يقولون!؟‪ .‬سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا‪.‬‬
‫فالقول بأنه تعالى‪ 0‬مستو على عرشه بذاته‪ ،‬وبأنه تعالى ينزل إلى السماء الدنيا‪ 0‬كل ليلة‪0‬‬
‫نزول نقله متنافيان!‪ 0‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫‪ 1‬أخرجه مسلم (‪ )2612‬عن أبي هريرة رضي هللا تعالى‪ 0‬عنه‪.‬‬
‫‪ 1‬أخرج مسلم (‪ )2654‬عن عبد هللا بن عمرو بن العاص‪ 0،‬قال‪ :‬سمعت رسول هللا صلى‬
‫هللا تعالى‪ 0‬عليه وآله وسلم يقول‪(( :‬إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع‪ 0‬الرحمن كقلب‬
‫واحد‪ ،‬يص ّرفه حيث شاء) ثم قال رسول هللا صلى هللا تعالى وآله وسلم‪(( :‬اللهم مصرف القل‪00‬وب‬
‫صرف قلوبنا على طاعتك))‪.‬‬
‫‪ 2‬تأويل اليد في هذه اآلي‪00‬ة بالق‪00‬درة واإلص‪00‬بعين بص‪00‬فتي‪ 0‬الق‪00‬درة واإلرادة من الت‪00‬أويالت‬
‫السخيفة فإنه ال معنى لقولنا قدرة هللا فوق أيديهم‪ ،‬وإنما اآلية تمثيل لبيعتهم هلل بالمبايع‪ 0‬العظيم‪،‬‬
‫كما أنه ال أحد يفهم من األصبعين في الحديث المذكور معنى صفتي الق‪00‬درة واإلرادة والنص‪00‬وص‬
‫يجب حملها على المعنى الذي يفهمها المخاطب‪ 0‬بها‪ ،‬فإن كالم هللا تعالى‪ 0‬وكالم رس‪00‬وله ليس ‪0‬ا‪ 0‬من‬
‫قبي‪00‬ل األلغ‪00‬از‪ 0‬واألح‪00‬اجي‪ ،‬وإنم‪00‬ا ه‪00‬و كت‪00‬اب ع‪00‬ربي م‪00‬بين‪ ،‬وبي‪00‬ان جلي‪ ،‬والتحقي‪00‬ق ال‪00‬ذي علي‪00‬ه‬
‫المحققون أن النصوص المتشابهة من الكتاب‪ 0‬والسنة واردة على التمثيل الذي يقصد به تصوير‬
‫المعاني العقلية بإبرازها‪ 0‬في الصور الحس‪0‬ية قص‪0‬داً إلى كم‪0‬ال البي‪0‬ان‪ 0،‬قال‪0‬ه ت‪0‬اج ال‪0‬دين الس‪0‬بكي‪،‬‬
‫وق‪00‬ال نح‪00‬وه س‪00‬عد ال‪00‬دين التفت‪00‬ازاني والس‪00‬يد الش‪00‬ريف الجرج‪00‬اني‪ ،‬وذل‪00‬ك ألن الع‪00‬رب لم يكون‪00‬وا‬
‫يفهمون من قوله تعالى‪( 0:‬تَبَا َركَ الَّ ِذي بِيَ ِد ِه ا ْل ُم ْلكُ) (الملك‪ 0:‬من اآلية ‪ )1‬إال ثبوت الملك والسلطنة‪0‬‬
‫‪171‬‬
‫‪ { -98‬القرآن كالم هللا قديم }‬
‫ون ِّزه القرآن أي كالمه ‪ ##‬عن الحدوث واحذر انتقامه‬ ‫‪-41‬‬
‫‪1‬‬
‫(قوله ونزه القرآن … إلخ) أي واعتقد أيها المكلف تنزه الق‪00‬رآن –بمع‪00‬نى كالم‪00‬ه‬
‫تعالى‪ -‬عن الحدوث‪ ،‬خالفا ً للمعتزلة القائلين بح‪0‬دوث الكالم‪ ،‬زعم‪0‬ا ً منهم أن‪0‬ه من لوازم‪00‬ه‬
‫الحروف واألصوات‪ ،‬وذلك مستحيل عليه تعالى؛ فكالم هللا تع‪00‬الى عن‪00‬دهم مخل‪00‬وق ألن هللا‬

‫والقهر والغلب‪0‬ة هلل تع‪0‬الى‪ 0،‬دون إثب‪0‬ات الي‪0‬د ل‪0‬ه تع‪0‬الى‪ .‬والتص‪0‬اق المل‪0‬ك‪ 0‬به‪0‬ا‪ ،‬كي‪0‬ف والمل‪0‬ك أم‪0‬ر‬
‫معنوي ال يلتصق باليد وال يحل فيها‪.‬‬
‫ولم يكونوا يفهمون من قوله صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وآله وسلم‪( :‬إن قلوب بني آدم كله‪00‬ا‬
‫بين أصبعين‪ 0‬من أصابع الرحمن) إال أن القل‪00‬وب ط‪00‬وع إرادت‪00‬ه تع‪00‬الى وقدرت‪00‬ه وأن‪00‬ه يقلبه‪00‬ا كي‪00‬ف‬
‫يشاء‪ ،‬دون إثبات اإلصبعين واألصابع هلل تعالى‪ ،‬وأنهما في جوف بني آدم آخذتان بقلوبهما‪.‬‬
‫هذا ما ال يخطر على قلب بشر عند سماع هذا النص‪ 0،‬وقس على هذا غيره‪.‬‬
‫فحمل هذه النصوص على معانيها الحقيقي‪00‬ة مخ‪00‬الف ألس‪00‬اليب‪ 0‬اللغ‪00‬ة العربي‪0‬ة‪ 0‬كم‪00‬ا أن‪00‬ه‬
‫مخالف لما كان عليه السلف‪.‬‬
‫وق‪00‬د روى القاض‪00‬ي أب‪00‬و بك‪00‬ر بن الع‪00‬ربي في عارض ‪0‬ة‪ 0‬األح‪00‬وذي والقاض ‪0‬ي‪ 0‬عي‪00‬اض في‬
‫الشفاء عن اإلمام مالك بن أنس رضي هللا تعالى عنه أنه كان ي‪00‬رى قط‪00‬ع ي‪00‬د من أش‪00‬ار بي‪00‬ده إلى‬
‫عضو من أعضائه عند ذكر شيء ورد في هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬حيث أن اإلشارة إلى العضو عند‬
‫ذلك تشبيه‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك علواً كبيراً‪.‬‬
‫نقل ه‪00‬ذا الكالم الحص‪00‬ني‪ 0‬في دف‪00‬ع ش‪00‬به التش‪00‬بيه (‪ )18‬والك‪00‬وثري في تكمل‪00‬ة ال‪00‬رد على‬
‫نونية ابن القيم (‪.)197‬‬
‫‪{ -991‬القرآن متلو بألسنتنا‪ 0‬محفوظ في صدورنا مكتوب في مصاحفنا غير حال فيها}‬
‫ق‪00‬ال اإلم‪00‬ام الحاف‪00‬ظ الكب‪00‬ير ال‪00‬بيهقي في كت‪00‬اب "األس‪00‬ماء والص‪00‬فات" ص‪:359-358‬‬
‫القرآن الذي نتلوه كالم هللا‪ ،‬وهو متلو بألسنتنا‪ 0‬على الحقيقة‪ ،‬مكتوب في مص‪0‬احفنا‪ 0،‬محف‪0‬وظ في‬
‫صدورنا‪ 0،‬مسموع بأسماعنا غير حال في شيء منه‪00‬ا‪ ،‬إذ ه‪00‬و من ص‪00‬فات ذات‪00‬ه غ‪00‬ير ب‪00‬ائن من‪00‬ه‪،‬‬
‫وهو كما أن الباري –عز وجل‪ -‬معل‪0‬وم بقلوبن‪0‬ا‪ ،‬م‪0‬ذكور بألس‪00‬نتنا‪ 0،‬مكت‪0‬وب في كتبن‪0‬ا‪ 0،‬معب‪0‬ود في‬
‫مساجدنا‪ ،‬مسموع بأسماعنا‪ 0‬غير حال في شيء منها‪.‬‬
‫وأما قراءتنا وكتابتنا وحفظنا فهي من أكسابنا‪ .‬وأكسابنا‪ 0‬مخلوق‪00‬ة ال ش‪0‬ك في‪00‬ه‪ ،‬ق‪0‬ال هللا‬
‫(وا ْف َعلُوا ا ْل َخ ْي َ‪0‬ر لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحونَ )‪( 0‬الحج‪ :‬من اآلية‪ )77‬وسمى رسول هللا صلى هللا تعالى‬
‫عز وجل‪َ :‬‬
‫عليه وآله وسلم تالوة القرآن فعالً‪ ،‬انتهى وهو كالم مقرر عند علماء أهل السنة صرح به كث‪00‬ير‬
‫من أكابرهم‪.‬‬
‫وبيان ذلك أن المتلو في الحقيقة هو اللفظ‪ ،‬والمكتوب هو أشكال الح‪00‬روف‪ ،‬والمحف‪00‬وظ‬
‫هو الحروف المتخيلة‪ 0،‬والمسموع هو الصوت‪ ،‬فيجوز وصف القرآن‪ 0‬بهذه األوصاف وبأنه غير‬
‫مخلوق –أي موجود أزالً وأبداً‪ -‬باعتبار الوجودات األربعة‪ ،‬فإن لكل موج‪00‬ود وج‪00‬واً في الخ‪00‬ارج‬
‫ووجواً في الذهن‪ ،‬ووجوداً في العبارة‪ ،‬ووجوداً في الكتاب‪00‬ة‪ 0،‬فهي ت‪00‬دل على العب‪00‬ارة‪ ،‬وهي على‬
‫ما في الذهن‪ ،‬وهي على ما في الخارج‪.‬‬
‫فالكالم القديم القائم بذاته تع‪0‬الى‪ 0‬المس‪0‬مى ب‪0‬القرآن إن ك‪0‬ان عب‪0‬ارة عن المع‪0‬نى النفس‪0‬ي‬
‫القائم بذاته تعالى الذي ال يختلف باختالف العب‪0‬ارات‪ 0‬واللغ‪0‬ات‪– 0‬كم‪0‬ا ه‪0‬و م‪0‬ذهب ابن كالب وذهب‬
‫‪172‬‬
‫خلق‪00‬ه في بعض األج‪00‬رام‪ ،‬وم‪00‬ذهب أه‪00‬ل الس‪00‬نة أن الق‪00‬رآن بمع‪00‬نى الكالم النفس‪00‬ي ليس‬
‫بمخلوق؛ وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلوق‪ ،‬لكن يمتنع أن يق‪00‬ال‪ :‬الق‪00‬رآن‬
‫مخلوق ويراد به اللفظ الذي نقرؤه إال في مقام التعليم‪ ،‬ألنه ربما أوهم أن الق‪00‬رآن بمع‪00‬نى‬
‫كالمه تعالى مخلوق‪ ،‬ولذلك امتنعت األئم‪0‬ة من الق‪0‬ول بخل‪0‬ق الق‪0‬رآن‪ ،1‬وق‪0‬د وق‪0‬ع في ذل‪0‬ك‬
‫امتحان كبير لخلق كثير من أهل السنة‪ ،2‬فخرج البخاري ف‪00‬اراً وق‪00‬ال‪ :‬اللهم اقبض‪00‬ني إلي‪00‬ك‬
‫غير مفتون فمات بعد أربعة أيام‪ ،‬وسجن عيسى بن دينار عش‪00‬رين س‪00‬نة؛ وس‪00‬ئل الش‪00‬عبي‬
‫فقال‪ :‬أما التوراة واإلنجيل والزبور والفرقان فهذه األربع‪00‬ة حادث‪00‬ة‪ ،‬وأش‪00‬ار إلى أص‪00‬ابعه‪،‬‬
‫فكانت سبب نجاته‪ ،‬واشتهرت أيض‪0‬ا ً عن اإلم‪00‬ام الش‪00‬افعي رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى عن‪00‬ه‪ ،‬وحبس‬
‫إليه جمهور األشاعرة والماتريدية‪ 0-‬يكون وصف القرآن بهذه األوص‪00‬اف كله‪00‬ا حقيق‪00‬ة ال مج‪00‬ازاً‪0،‬‬
‫لكن هذه األوصاف ليست‪ 0‬أوصافا ً حقيقية له‪ ،‬ألن ما قام باهلل تعالى غير مباين ل‪00‬ه‪ ،‬والموص‪00‬وف‬
‫بهذه األوصاف أمور مباينة له تعالى‪ :‬بل هذه األوصاف له من قبيل األوصاف الجارية على غير‬
‫من هي له كما قاله السيلكوتي في حواشيه على شرح العقائد النسفية‪( 0‬ص‪ )330‬وهذا نظ‪00‬ير أن‬
‫يقال‪ :‬زيد متلو مكتوب محفوظ مسموع باعتبار‪ 0‬وجودات‪00‬ه األربع‪00‬ة فه‪00‬ذه األوص‪00‬اف أوص‪00‬اف ل‪00‬ه‬
‫باعتبار األمور الدالة عليه ال باعتبار‪ 0‬حقيقته كما قاله السيالكوتي‪ 0،‬ومع ذلك يكون اتصافه به‪00‬ذه‬
‫األوصاف باعتبار‪ 0‬الحقيقة ال المجاز‪ 0‬ألن األوصاف الجارية‪ 0‬على غير من هي له أوصاف حقيقية‬
‫وليست مجازية‪ 0،‬وذلك ألن معنى أنه مكتوب كما قال المحقق البياضي أن له وجوداً في الكتاب‪00‬ة‪،‬‬
‫سواء كان ذلك الوجود حقيقياً‪ 0‬أو مجازياً‪ 0،‬وال شك أن الوصف بأن له وجوداً في الكتاب ‪0‬ة‪ 0‬وص‪00‬ف‬
‫حقيقي‪ ،‬إذ معنى أنه مكتوب أنه موجود بوجوده الكتابي‪ 0،‬وهكذا يقال في محفوظ ومقروء‬
‫وأما إن كان القرآن‪ 0‬اسما ً للنظم‪ 0‬العربي الدال على معانيه الق‪00‬ائم بذات‪00‬ه تع‪00‬الى ‪-‬كم‪00‬ا ه‪00‬و‬
‫مذهب السلف وبعض المتأخرين من األشاعرة‪ -‬ومع ذلك يطلق على النظم القائم‪ 0‬بالق‪00‬ارئ‪ 0‬أيض ‪0‬ا ً‬
‫ألنه اسم للنظم‪ 0‬ال من حيث تعيين المحل فيكون واحداً ب‪0‬النوع كم‪00‬ا ه‪0‬و التحقي‪00‬ق‪ ،‬فيك‪0‬ون وص‪0‬ف‬
‫القرآن بالمتلو وصفا ً حقيقياً‪ 0‬باعتبار‪ 0‬من هوله‪ ،‬فالمتلو هو هو بدون إشكال الحدوث والقدم‪ ،‬فما‬
‫قام بالقديم قديم‪ ،‬وما قام بالحادث ح‪00‬ادث‪ ،‬وأم‪00‬ا وص‪00‬فه باألوص‪00‬اف األخ‪00‬رى فهي من األوص‪00‬اف‬
‫الجارية‪ 0‬على غير من هي له أيضاً‪ 0،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 1‬امتناعهم عن ذل‪00‬ك ليس لم‪0‬ا ذك‪00‬ره الش‪0‬ارح‪ ،‬ب‪0‬ل ألن الق‪0‬رآن‪ 0‬عن‪00‬د الس‪0‬لف عب‪00‬ارة عن‬
‫مجموع اللفظ‪ 0‬النفسي ومعناه‪ ،‬وهو بمعنى المجم‪00‬وع ق‪00‬ديم‪ ،‬وه‪00‬ذا ه‪00‬و مح‪00‬ل الخالف بينهم وبين‬
‫المعتزلة‪ 0،‬فالسلف على أن القرآن بمع‪0‬نى األلف‪0‬اظ والمع‪0‬اني ق‪0‬ديم وق‪0‬ائم بذات‪0‬ه تع‪0‬الى‪ 0‬والمعتزل‪0‬ة‬
‫على أنه بمعنى األلفاظ حادث ويرون أنه غير قائم بذاته تعالى‪ 0،‬بل يقولون‪ :‬إنه قائم بغيره تعالى‬
‫كجبريل والنبي صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‪ ،‬ومن أجل أنهم يقول‪0‬ون بقيام‪0‬ه بغ‪0‬ير هللا تع‪0‬الى‪0‬‬
‫لم يثبتوا المعاني‪ 0‬هلل تعالى‪.‬‬
‫وجمهور األشاعرة توسطوا فوافقوا السلف في إثبات المعنى النفسي هلل تعالى والقول‬
‫بقدمه‪ ،‬وخالفوهم ووافقوا المعتزلة في القول بحدوث األلفاظ‪ .‬واألشاعرة في مسألة الكالم وسط‬
‫بين السلف والمعتزلة‪ .‬وهللا أعلم‪ .‬وراجع رسالتنا في مسألة الكالم‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪ :‬وقد وقع في ذلك إمتحان كبير لخلق كثير من أهل السنة…‪ ..‬إلى قصة الرؤيا‬
‫أق‪11‬ول‪ :‬ق‪11‬د إش‪11‬تمل كالم الش‪11‬ارح ه‪11‬ذا على جمل‪11‬ة من األخط‪11‬اء التاريخي‪11‬ة فنتع‪11‬رض أوال‪ :‬لقص‪11‬ة‬
‫المحنة ممهداتها‪ 1،‬وابتدائها‪ ،‬وانتهائها‪ ،‬وم‪11‬ا تبعه‪11‬ا من مس‪11‬ألة اللف‪11‬ظ على وج‪11‬ه االختص‪11‬ار والتلخيص‪ ،‬ثم‬
‫نثنى ببيان ما احتواه كالم الشارح من األخطاء‪.‬‬
‫‪173‬‬
‫اإلمام أحمد وضرب بالسياط حتى غشي عليه‪ ،‬ويذكر أن النبي صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم‬
‫قال لإلمام الشافعي في المنام‪ “ :‬بشر أحمد بالجنة على بلوى تصيبه “ في خلق القرآن‪،‬‬
‫فأرسل له كتابا ً ببغداد‪ ،‬فلما قرأه بكى ودفع للرسول قميصه الذي يلي جس‪00‬ده وك‪00‬ان علي‪00‬ه‬
‫قميصان‪ ،‬فلما ُدفِ َع للشافعي غسله وادهن بمائه‪.‬‬
‫وهل القرآن بمعنى اللف‪00‬ظ المق‪00‬روء أفض‪00‬ل‪ ،‬أو س‪00‬يدنا محم‪00‬د ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم؟ تمسك بعضهم بما يروى‪ :‬كل حرف خير من محم‪0‬د وآل محم‪0‬د‪ ،‬لكن‪0‬ه غ‪0‬ير محق‪0‬ق‬
‫الثبوت‪ .1‬والحق أنه صلى هللا عليه وآله وسلم أفض‪00‬ل‪ ،‬ألن‪00‬ه أفض‪00‬ل من ك‪00‬ل مخل‪00‬وق‪ ،‬كم‪00‬ا‬

‫‪{ -100‬محنة خلق القرآن وممهداتها}‬


‫اتفقت كتب الت‪11‬اريخ والنح‪11‬ل على أن أول من ق‪11‬ال بخل‪11‬ق الق‪11‬رآن ه‪11‬و "الجع‪11‬د بن درهم" قت‪11‬ل‬
‫على الزندق‪11‬ة نح‪11‬و س‪11‬نة [‪118‬هـ] ثم "جهم بن ص‪11‬فوان"‪ 1‬قت‪11‬ل في س‪11‬نة [‪128‬هـ]‪ ،‬ثم تبعهم‪11‬ا "بش‪11‬ر بن‬
‫غياث المريسي" مات في بغداد سنة [‪218‬هـ] عن نحو ثمانين سنة‪.‬‬
‫ق‪11 1‬ال الك‪11 1‬وثري‪ :‬في "ت‪11 1‬أنيب الخطيب" [صـ‪ :]53‬ولم يح‪11 1‬ل قت‪11 1‬ل جهم دون ذي‪11 1‬وع رأي‪11 1‬ه في‬
‫الق‪11‬رآن‪ ،‬ف‪11‬افتتن ب‪11‬ه أن‪11‬اس‪ ،‬فش‪11‬ايعه مش‪11‬ايعون‪ ،‬ون‪11‬افره من‪11‬افرون‪ ،‬فحص‪11‬لت الحي‪11‬دة عن الع‪11‬دل إلى إف‪11‬راط‬
‫وتفريط‪ ،‬من غير معرف‪1‬ة‪ 1‬كث‪1‬ير منهم لمغ‪1‬زى ه‪1‬ذا المبت‪1‬دع‪ .‬أن‪1‬اس ج‪1‬اروه في نفي الكالم النفس‪1‬ي‪ ،‬وأن‪1‬اس‬
‫قالوا في معاكسته بقدم الكالم اللفظي‪.‬‬
‫ولم‪1‬ا رأى أب‪1‬و حنيف‪1‬ة ذل‪1‬ك ت‪1‬دارك األم‪1‬ر وأب‪1‬ان الح‪1‬ق فق‪1‬ال‪" :‬م‪1‬ا ق‪1‬ام باهلل غ‪1‬ير مخل‪1‬وق‪ 1،‬وم‪1‬ا ق‪1‬ام‬
‫بالخلق مخلوق" يريد أن كالم اهلل باعتبار قيامه باهلل صفة له كباقي صفاته في القدم‪ ،‬وأم‪1‬ا م‪11‬ا في ألس‪11‬نة‬
‫التالين وأذهان الحفاظ والمصاحف من األصوات والصور الذهنية والنقوش فمخل‪11‬وق‪ 1‬كخل‪11‬ق حامليه‪11‬ا‪،‬‬
‫فاستقرت آراء أهل العلم والفهم على ذلك بعده‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ولكن هذه الفتنة لم تنطفي‪ ،‬فاستمرت تظهر وتختفي إلى عهد الخليفة المأمون العباس‪11‬ي‪ ،‬فلم‪11‬ا‬
‫ولي الم‪11‬أمون‪ 1‬خالط‪11‬ه ق‪11‬وم من المعتزل‪11‬ة فحس‪11‬نوا ل‪11‬ه الق‪11‬ول بخل‪11‬ق الق‪11‬رآن‪ ،‬وك‪11‬ان في أو األم‪11‬ر ي‪11‬تردد في‬
‫حمل الناس على ذلك‪ ،‬وي‪1‬راقب بقاي‪1‬ا األش‪1‬ياخ‪ ،‬ثم ق‪1‬وي عزم‪1‬ه‪ 1‬على ذل‪1‬ك فأخ‪1‬ذ ي‪1‬دعو العلم‪1‬اء والقض‪1‬اة‬
‫والمح‪11‬دثين ورواة األح‪11‬اديث إلى الق‪11‬ول بخل‪11‬ق الق‪11‬رآن‪ ،‬ويض‪11‬طهدم على ذل‪11‬ك‪ ،‬وك‪11‬ان ذل‪11‬ك في الس‪11‬نة‬
‫األخيرة من حياته وخالفته سنة [‪.]218‬‬
‫ق‪11‬ال ال‪11‬ذهبي في "الع‪11‬بر"‪]1/372[ :‬وفي س‪11‬نة [‪]218‬امتحن الم‪11‬أمون العلم‪11‬اء بخل‪11‬ق الق‪11‬رآن‪1،‬‬
‫وكتب في ذلك إلى نائبه ببغداد‪-‬إذ كان هو بالرقة‪ -‬وبالغ في ذلك‪ ،‬وق‪11‬ام في ه‪11‬ذه البدع‪11‬ة قي‪11‬ام معتق‪11‬د‬
‫به ‪11‬ا‪ ،‬فأج ‪11‬اب أك ‪11‬ثر العلم ‪11‬اء على س ‪11‬بيل اإلك ‪11‬راه‪ ،‬وتوق ‪11‬ف طائف ‪11‬ة‪ ،‬ثم أج ‪11‬ابوا ون ‪11‬اظروا‪ ،‬فلم يلتفت إلى‬
‫قولهم‪ ،‬وعظمت المصيبة‪ ،‬وهدد على ذلك بالقتل‪.‬انتهى‪.‬‬
‫‪174‬‬
‫يؤخذ من كالم الجالل المحلي على البردة‪ ،‬ويؤيده أنه فعل القارئ‪ 1‬والنبي صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم أفضل من القارئ وجميع أفعاله‪ ،‬واألسلم الوق‪0‬ف عن مث‪0‬ل ه‪0‬ذا؛ فإن‪0‬ه ال يض‪0‬ر‬
‫خلو الذهن عنه اهـ ملخصا ً من حاشية الشيخ األمير‪.‬‬
‫(قوله أي كالمه) تفسير للقرآن؛ فالمراد منه هنا كالمه تعالى‪ ،‬فالقرآن يطلق على‬
‫كل من النفسي واللفظي‪ ،‬واألكثر إطالقه على اللفظي‪ ،‬وأما كالم هللا فيطلق أيضا ً على كل‬
‫من النفس‪000‬ي واللفظي‪ ،‬واألك‪000‬ثر إطالق‪000‬ه على النفسي‪ ،2‬وتق‪000‬دم في مبحث الكالم زي‪000‬ادة‪،‬‬
‫فارجع إليه إن شئت‪.‬‬

‫واس‪11‬تمرت ه‪11‬ذه الفتن‪11‬ة من بع‪11‬د عه‪11‬د الم‪11‬أمون إلى عه‪11‬د المعتص‪11‬م‪ ،‬ثم إلى عه‪11‬د الواث‪11‬ق‪ ،‬ثم إلى‬
‫أول عه‪11‬د المتوك‪11‬ل س‪11‬نة[‪ ،]232‬فلم‪11‬ا ت‪11‬ولى المتوك‪11‬ل الخالف‪11‬ة لم يتحمس للق‪11‬ول بخل‪11‬ق الق‪11‬رآن كم‪11‬ا‬
‫كان عليه أسالفه الخلفاء الثالثة‪ ،‬بل ق‪1‬د نهى عن الق‪1‬ول بخل‪1‬ق الق‪1‬رآن في س‪1‬نة [‪ ،]234‬وكتب ب‪1‬ذلك‬
‫إلى اآلفاق‪ ،‬فانطفأت الفتنة التي أقلقت الدولة والناس‪.‬‬
‫ولقي العلم‪11‬اء والمح‪11‬دثون ص‪11‬نوف اإلره‪11‬اق والع‪11‬ذاب ط‪11‬وال ه‪11‬ذه الم‪11‬دة‪15-‬س‪11‬نة‪ -‬فمنهم من‬
‫أج‪111‬اب خوف‪111‬ا من الس‪111‬يف‪ ،‬ومنهم من أج‪111‬اب مرغم ‪11‬ا من غ ‪11‬ير أن يعق ‪11‬ل المع ‪11‬نى‪ ،‬ومنهم من ت‪111‬ورع عن‬
‫الخوض فيما لم يخض فيه السلف‪ ،‬ومنهم من أبي أن يجيب وصمد وصرح ب‪11‬أن الق‪11‬رآن غ‪11‬ير مخل‪11‬وق‪1،‬‬
‫وصبروا على ما نالهم من العذاب وعلى الموت في سبيل اهلل‪ ،‬وقتل في هذه المحنة ناس كثيرون كما‬
‫يراه المتتبع لتلك الحقبة من التاريخ‪.‬‬
‫وحبس اإلم‪11‬ام أحم‪11‬د في زمن المعتص‪11‬م [‪ 28‬ش‪11‬هرا] وض‪11‬رب بالس‪11‬ياط‪ ،‬وخلعت ي‪11‬داه‪ ،‬وأوذي‬
‫إيذاء شديدا فصبر على ذلك‪ ،‬وعذب يوسف بن يحيي البويطي صاحب اإلم‪1‬ام الش‪1‬افعي وراوي مذهب‪1‬ه‬
‫فص‪11‬بر وق‪11‬ال‪ :‬إلن أدخلت على الواث‪11‬ق ألَ ْ‬
‫ص‪ُ 1‬د َقنَّهُ وألم‪11‬وتَ َّن في حدي‪11‬دي ه‪11‬ذا –يع‪11‬نى الحدي‪11‬د ال‪11‬ذي ك‪11‬ان‬
‫مقيدا فيه‪ -‬حتى يأتي ق‪1‬وم يعلم‪1‬ون أن‪1‬ه ق‪1‬د م‪1‬ات في ه‪1‬ذا الش‪1‬أن ق‪1‬وم في حدي‪1‬دهم! وق‪1‬د حم‪1‬ل من مص‪1‬ر‬
‫إلى بغداد‪ ،‬ومات في سجنها في حديده [سنة ‪ ]231‬رحمه اهلل ورضي عنه‪.‬‬
‫قال تاج الدين السبكي في "طبقات الشافعية الك‪1‬برى" [‪ :]2/55‬وك‪1‬ان من األس‪1‬باب في رف‪1‬ع‬
‫الفتن‪11‬ة أن الواث‪11‬ق أوتي بش‪11‬يخ مقي‪11‬د‪ ،‬فق‪11‬ال ل‪11‬ه ابن أبي دؤاد –وك‪11‬ان ه‪11‬و رأس المعتزل‪11‬ة في عص‪11‬ره وك‪11‬ان‬
‫يتولى استجواب علماء أهل السنة‪ ،‬ويحملهم على القول بخلق القرآن‪ :-‬ي‪11‬ا ش‪11‬يخ م‪11‬ا تق‪11‬ول في الق‪11‬رآن‬
‫أمخلوق هو؟ فقال له الشيخ لم تنصفني المسألة! أنا أسألك قب‪1‬ل الج‪1‬واب‪ :‬ه‪1‬ذا ال‪1‬ذي تقول‪1‬ه‪ 1‬ي‪1‬ا ابن أبي‬
‫دؤاد من خل‪11‬ق الق‪11‬رآن ش‪11‬يء علم‪11‬ه رس‪11‬ول اهلل ص‪11‬لى اهلل علي‪11‬ه وس‪11‬لم وأب‪11‬و بك‪11‬ر وعم‪11‬ر وعثم‪11‬ان وعلي أو‬
‫جهلوه؟ فقال‪ :‬بل علموه‪ ،‬فقال‪ :‬ه‪1‬ل دع‪11‬وا الن‪11‬اس إلي‪11‬ه كم‪1‬ا دع‪1‬وت أنت أو س‪11‬كتوا؟ ق‪1‬ال‪ :‬ب‪1‬ل س‪11‬كتوا‪،‬‬
‫فق ‪11‬ال‪ :‬فهال وس ‪11‬عك م ‪11‬ا وس ‪11‬عهم من الس ‪11‬كوت؟! فس ‪11‬كت ابن أبي دؤاد وأعجب الواث ‪11‬ق كالم ‪11‬ه‪ ،‬وأم ‪11‬ر‬
‫‪175‬‬
‫(قوله عن الحدوث) أي الوجود بعد العدم‪ ،‬فليس مخلوقا ً بل هو صفة ذاته العلي‪00‬ة‪،‬‬
‫خالفا ً للمعتزلة في قولهم بأنه مخلوق وليس صفة ذاته العلية‪ ،‬وإنم‪00‬ا ع‪00‬بر بالح‪00‬دوث م‪00‬ع‬
‫أن المشهور بين القوم التعب‪00‬ير ب‪00‬الخلق لض‪00‬رورة النظم‪ ،‬أو لل‪00‬رد على محم‪00‬د البلخي‪ 1‬من‬
‫المعتزلة القائل بأن كالم هللا تعالى مح‪00‬دث وليس بمخل‪00‬وق‪ ،‬زعم‪0‬ا ً من‪00‬ه أن قولن‪00‬ا مخل‪00‬وق‬
‫يوهم بأنه كذب يتعالى هللا عنه‪ ،‬ور ّد بأن الحدوث مثل الخلق‪ ،‬فهو كمن ه‪00‬رب من المط‪00‬ر‬
‫ووقف تحت الميزاب‪ ،‬اهـ مصنف في صغيره‪( ،‬قوله واحذر انتقامه) أي وخف انتق‪00‬ام هللا‬
‫منك إن قلت بحدوثه‪.‬‬

‫بإطالق سبيله‪ ،‬وق‪1‬ام الواث‪1‬ق من مجلس‪1‬ه وه‪1‬و على م‪1‬ا حكي يق‪1‬ول‪ :‬هال وس‪1‬عك م‪1‬ا وس‪1‬عهم؟! ويكرره‪1‬ا‪،‬‬
‫وكان ذلك من األسباب في خمود الفتنة‪ ،‬وإن كان رفعها بالكلية إنما كان على يد المتوكل‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫هذه قصة المحنة على وجه التلخيص واالختصار‪.‬‬
‫وأم‪11‬ا الرؤي‪11‬ا ال‪11‬تي أش‪11‬ار إليه‪11‬ا الش‪11‬ارح فق‪11‬د أورده‪11‬ا معظم من ت‪11‬رجم لإلم‪11‬ام أحم‪11‬د من الم‪11‬ؤرخين‬
‫وق‪1‬د رواه‪11‬ا اإلم‪11‬ام ابن الج‪11‬وزي في كتاب‪11‬ه "من‪1‬اقب اإلم‪11‬ام أحم‪1‬د بن حنب‪1‬ل" [‪ ]609‬بس‪11‬نده المتص‪1‬ل عن‬
‫الربي‪11‬ع تلمي‪11‬ذ الش‪11‬افعي ق‪11‬ال‪ :‬ق‪11‬ال لي الش‪11‬افعي‪ :‬ي‪11‬ا ربي‪11‬ع خ‪11‬ذ كت‪11‬ابي وأمض ب‪11‬ه‪ ،‬وس‪11‬لمه إلى أبي عب‪11‬د اهلل‬
‫أحمد بن حنب‪1‬ل‪ ،‬وآت‪1‬ني ب‪1‬الجواب‪ ،‬ق‪1‬ال الربي‪1‬ع‪ :‬ف‪1‬دخلت بغ‪1‬داد ومعي الكت‪1‬اب‪ ،‬فلقيت أحم‪1‬د بن حنب‪1‬ل‪،‬‬
‫فص ‪11‬ليت مع ‪11‬ه الفج ‪11‬ر‪ ،‬فلم ‪11‬ا انفت ‪11‬ل من المح ‪11‬راب س ‪11‬لمت إلي ‪11‬ه الكت ‪11‬اب‪ ،‬وقلت ل ‪11‬ه‪ :‬ه ‪11‬ذا كت ‪11‬اب أخي ‪11‬ك‬
‫‪1‬رت في‪11‬ه؟ قلت ال‪ ،‬فكس‪11‬ر أحم‪11‬د الخ‪11‬اتم وق‪11‬رأ الكت‪11‬اب‪ ،‬فتغرغ‪11‬رت‬
‫الش‪11‬افعي من مص‪11‬ر‪ ،‬فق‪11‬ال أحم‪11‬د‪ :‬نظ‪َ 1‬‬
‫عيناه بالدموع‪ ،‬فقلت له‪ :‬أي شيء فيه ي‪1‬ا أب‪1‬ا عب‪1‬د اهلل؟ فق‪1‬ال‪ :‬ي‪1‬ذكر أن‪1‬ه رأى الن‪1‬بي ص‪1‬لى اهلل علي‪1‬ه وآل‪1‬ه‬
‫وس‪11‬لم في المن‪11‬ام فق‪11‬ال ل‪11‬ه‪ :‬أكتب إلى أبي عب‪11‬د اهلل أحم‪11‬د بن حنب‪11‬ل‪ ،‬واق‪11‬رأ علي‪11‬ه م‪11‬نى الس‪11‬الم‪ ،‬وق‪11‬ل ل‪11‬ه‪:‬‬
‫إن‪11‬ك س‪11‬تمتحن وت‪11‬دعى إلى خل‪11‬ق الق‪11‬رآن‪ ،‬فال تجبهم يرف‪11‬ع اهلل ل‪11‬ك َعلَم ‪1‬اً إلى ي‪11‬وم القيم‪11‬ة‪ .‬ق‪11‬ال الربي‪11‬ع‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬البش‪111‬ارة‪ ،‬فخل‪111‬ع قميص‪111‬ه ال‪111‬ذي يلي جل‪111‬ده‪ ،‬فدفع ‪11‬ه إلي وخ ‪11‬رجت إلى مص ‪11‬ر‪ ،‬وأخ‪111‬ذت ج‪111‬واب‬
‫الكتاب وسلمته إلى الشافعي فقال لي‪ :‬ي‪1‬ا ربي‪1‬ع‪ ،‬أي ش‪1‬يء ال‪1‬ذي دفع‪1‬ه إلي‪11‬ك؟ فقلت‪ :‬قميص‪1‬ه ال‪1‬ذي يلي‬
‫جلده‪ ،‬فقال لي الشافعي‪ :‬لن نفجعك‪ 1‬به‪ ،‬ولكن ُبلَّهُ وادفع إلينا الماء حتى أشركك فيه‪.‬‬
‫وفي رواي‪11‬ة البن الج‪11‬وزي‪ :‬ق‪11‬ال‪ :‬فغس‪11‬لته‪ ،‬فحملت مائ‪11‬ه إلي‪1‬ه‪ ،‬فترك‪11‬ه في قِنِّينَ‪1‬ة‪ ،‬وكنت أراه في‬
‫كل يوم يأخذ منه‪ ،‬فيمسح على وجهه تبركا بأحمد بن حنبل‪.‬‬
‫‪{ - 101‬مسألة اللفظ‪}:‬‬
‫وبص‪11‬مود من ص‪11‬مد من العلم‪11‬اء في ه‪11‬ذه المحن‪11‬ة ال‪11‬تي أكلت رؤوس كث‪11‬ير من العلم‪11‬اء ومألت‬
‫بهم الس ‪11‬جون ظه ‪11‬ر الق ‪11‬ول ب ‪11‬أن الق ‪11‬رآن غ ‪11‬ير مخل ‪11‬وق‪ ،‬واس ‪11‬تقر في األم ‪11‬ة‪ 1،‬وص ‪11‬ار الق ‪11‬ول بخل ‪11‬ق الق ‪11‬رآن‬
‫مهج ‪11‬ورا من مخلف ‪11‬ات‪ 1‬الت ‪11‬اريخ‪ ،‬وص ‪11‬ار يع ‪11‬د وص ‪11‬مة ع ‪11‬ار على ص ‪11‬احبه‪ ،‬وك ‪11‬ان اإلم ‪11‬ام أحم ‪11‬د ه ‪11‬و البط ‪11‬ل‬
‫‪176‬‬
‫فكل نص للحدوث دال ‪ ##‬احمل على اللفظ الذي قد دال‬ ‫‪-42‬‬
‫(قول‪00‬ه فك‪00‬ل نص ‪ ..‬إلخ) أي إذا تحققت م‪00‬ا س‪00‬بق فك‪00‬ل نص ‪ ..‬إلخ‪ ،‬فالف‪00‬اء ف‪00‬اء‬
‫الفصيحة‪ ،‬وهذا في الحقيق‪00‬ة ج‪00‬واب عم‪00‬ا تمس‪00‬ك ب‪00‬ه المعتزل‪00‬ة من النص‪00‬وص الدال‪00‬ة على‬
‫الحدوث مثل (إِنَّا أَ ْنزَ ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ِة ا ْلقَ ْد ِر…) (القدر‪( )1:‬إِنَّا نَ ْحنُ نَ َّز ْلنَا ِّ‬
‫ال‪0‬ذ ْكر) (الحج‪0‬ر‪ :‬من‬
‫اآلية‪ )9‬والمراد من النص‪ :‬الظاهر من الكتاب أو السنة‪ ،‬وقوله “ للح‪00‬دوث دال “ أي دل‬

‫األعظم لهذه القصة‪.‬توفي سنة ‪241/‬‬


‫وهك‪11‬ذا اس‪11‬تقر الق‪11‬ول ب‪11‬أن الق‪11‬رآن غ‪11‬ير مخل‪11‬وق‪ ،‬ومض‪11‬ى الس‪11‬لف على الق‪11‬ول ب‪11‬ه‪ ،‬ولم ينق‪11‬ل عن‬
‫أحد منهم أنه فرق بين التالوة والمتلو‪ ،‬وقال بأن المتلو قديم والتالوة حادثة إال ما نقل عن أبي حنيف‪11‬ة‬
‫رض ‪11‬ي اهلل تع ‪11‬الى عن ‪11‬ه من اإلش ‪11‬ارة إلى ذل ‪11‬ك بقول ‪11‬ه‪( :‬م ‪11‬ا ق ‪11‬ام باهلل تع ‪11‬الى غ ‪11‬ير مخل ‪11‬وق وم ‪11‬ا ق ‪11‬ام ب ‪11‬الخلق‬
‫مخلوق)‪ .‬وهو كالم يستحق أن يكتب بماء الذهب‪.‬‬
‫واس ‪11‬تمر الح ‪11‬ال على ذل ‪11‬ك إلى أن ج‪11‬اء الحس ‪11‬ين بن علي الكرابيس ‪11‬ي ‪-‬تلمي‪11‬ذ اإلم ‪11‬ام الش‪11‬افعي‬
‫وراوي مذهب ‪11‬ه‪ -‬وك ‪11‬ان من متكلم ‪1‬ة‪ 1‬أه ‪11‬ل الس ‪11‬نة أس ‪11‬تاذا في علم الكالم كم ‪11‬ا ك ‪11‬ان أس ‪11‬تاذا في الح ‪11‬ديث‬
‫والفقه‪ ،‬فأظهر مسألة اللفظ‪ ،‬وفرق بين التالوة والمتلو‪ ،‬وقال‪ :‬لفظي بالقرآن مخلوق‪.‬وكان‪ 1‬ذلك كم‪11‬ا‬
‫قال الذهبي في تاريخ اإلس‪11‬الم [‪ ]18/84‬في س‪11‬نة أرب‪11‬ع وثالثين وم‪11‬أتين‪ ،‬وت‪11‬ابع الكرابيس‪11‬ي على مقالت‪11‬ه‬
‫ه ‪11‬ذه كث ‪11‬ير من أئم ‪11‬ة ذل ‪11‬ك العص ‪11‬ر‪ .‬عب ‪11‬د اهلل بن ُكالّب‪ ،‬وأب ‪11‬و ث ‪11‬ور‪ ،‬وداود بن علي‪ ،‬والح ‪11‬ارث بن أس ‪11‬د‬
‫المحاس‪11‬بي‪ ،‬ومحم‪11‬د بن نص‪11‬رالمروزي‪ ،‬والبخ‪11‬اري ومس‪11‬لم وغ‪11‬يرهم أنظ‪11‬ر "االنتق‪11‬اء" [‪ ]102‬و"طبق‪11‬ات‬
‫الشافعية" للسبكي [‪.]119-2/118‬‬
‫فلم‪11‬ا فش‪11‬ت مقال ‪1‬ة‪ 1‬الكرابيس‪11‬ي ه‪11‬ذه وبلغت كب‪11‬ار المح‪11‬دثين كاإلم‪11‬ام أحم‪11‬د‪ ،‬ومحم‪11‬د بن يحي‬
‫الذهلي أنكروا هذه المقالة وبدعوا قائلها‪ ،‬وهجر اإلم‪1‬ام أحم‪11‬د ألج‪11‬ل ذل‪1‬ك الكرابيس‪1‬ي‪ ،‬وق‪11‬د ك‪11‬ان قب‪1‬ل‬
‫ذلك بينهما صداقة وكيدة‪ ،‬فصار ك‪11‬ل واح‪11‬د منهم‪1‬ا يتكلم في اآلخ‪11‬ر‪ ،‬فتجنب الن‪1‬اس أخ‪11‬ذ الح‪1‬ديث عن‬
‫الكرابيسي لهذا السبب‪ ،‬فعز حديثه‪.‬‬
‫وذل‪11‬ك ألن اإلم‪11‬ام أحم‪11‬د ومن ك‪11‬ان على طريقت‪11‬ه ك‪11‬انوا ي‪11‬رون التلف‪11‬ظ به‪11‬ذا الق‪11‬ول موهم‪11‬ا للق‪11‬ول‪1‬‬
‫بخل‪11‬ق الق‪11‬رآن ال‪11‬ذي ج‪11‬رت المحن‪11‬ة التاريخي‪11‬ة من أجل‪11‬ه‪ ،‬وك‪11‬انوا ي‪11‬رون أن‪11‬ه ق‪11‬د يك‪11‬ون ه‪11‬ذا الق‪11‬ول ذريع‪11‬ة‬
‫للقول بخلق القرآن عند بعض الناس‪ ،‬فأنكروا على القائلين به قولهم سدا للذريعة وحس‪11‬ما للم‪11‬ادة لئال‬
‫يتذرع به أحد إلى القول بخلق القرآن الذي ابتلى اإلمام أحمد بالقائلين به‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫على حدوث القرآن‪ ،‬فالالم بمعنى على‪ ،‬واأللف في “ دال “ لإلطالق‪ ،‬وقوله “ احمل …‬
‫إلخ “ خبر المبتدأ الذي هو‪ :‬كل‪ ،‬والرابط محذوف‪ ،‬والتقدير‪ “ :‬احمله … إلخ “ وقوله‬
‫“ على اللفظ “ أي على القرآن بمعنى اللفظ المنزل على نبينا محمد صلى هللا عليه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم المتعبد بتالوته المتحدي بأقصر سورة منه‪،‬‬
‫وال‪0‬راجح أن الم‪0‬نزل اللف‪0‬ظ والمع‪0‬نى‪ ،‬وقي‪0‬ل‪ :‬الم‪0‬نزل المع‪0‬نى‪ ،‬وع‪0‬بر عن‪0‬ه جبري‪0‬ل‬
‫بألفاظ من عنده‪ ،‬وقيل المنزل المعنى‪ ،‬وعبر عنه النبي صلى هللا عليه وآله وس‪0‬لم بألف‪0‬اظ‬

‫وأما الكرابيسي ومن على طريقته فقد ابتلوا بمن يقول‪ :‬أصوات العباد غ‪11‬ير مخلوق‪1‬ة‪ 1‬ح‪11‬تى ب‪11‬الغ‬
‫بعض‪111‬هم فق‪111‬ال‪ :‬الم‪111‬داد واألوراق ك‪111‬ذلك‪ ،‬فاض‪111‬طر ه ‪11‬ؤالء إلى التفرق‪1 1‬ة‪ 1‬بين اللف ‪11‬ظ والملف‪111‬وظ والتالوة‬
‫والمتلو ردا على هؤالء‪ ،‬وبيانا لخطأهم‪.‬‬
‫{ما جرى بين محمد بن إسماعيل البخاري ومحمد بن يحيى الذهلي}‬
‫وفي هذه الفترة الحساسة قدم البخاري نيسابور‪ ،‬وك‪11‬ان ذل‪11‬ك س‪11‬نة [‪ ]250‬وك‪11‬ان‬
‫محمد بن يحيى الذهلي شيخ خراسان ومحدثها األكبر‪ ،‬فقال الذهلي في مجلس‪1‬ه من أراد‬
‫أن يس‪11 1‬تقبل البخ‪11 1‬اري غ‪11 1‬دا فليس‪11 1‬تقبله‪ ،‬ف‪11 1‬إني أس‪11 1‬تقبله‪ ،‬فاس‪11 1‬تقبله ال‪11 1‬ذهلي وعام‪11 1‬ة علم‪11 1‬اء‬
‫نيس ‪11‬ابور‪ ،‬ف ‪11‬نزل البل ‪11‬د‪ ،‬ف ‪11‬نزل في دار البخ ‪11‬اريين‪ ،‬فق ‪11‬ال ال ‪11‬ذهلي‪ :‬ال تس ‪11‬ئلوه عن ش ‪11‬يء من‬
‫الكالم‪ ،‬فإن ‪11‬ه إن أج ‪11‬اب بخالف م ‪11‬ا نحن في ‪11‬ه وق ‪11‬ع بينن ‪11‬ا وبين ‪11‬ه‪ ،‬وش ‪11‬مت بن ‪11‬ا ك ‪11‬ل ناص ‪11‬بي‬
‫ورافضي وجهمي ومرجئي بخراسان‪.‬‬
‫وأعلن ال‪111‬ذهلي‪ :‬اذهب‪111‬وا إلى ه‪111‬ذا الرج ‪11‬ل الص ‪11‬الح الع ‪11‬الم‪ ،‬فاس ‪11‬معوا من ‪11‬ه‪ ،‬ف ‪11‬ذهب‬
‫الن ‪11‬اس‪ ،‬ف ‪11‬أقبلوا على الس ‪11‬ماع من ‪11‬ه وص ‪11‬اروا يزدحم ‪11‬ون علي ‪11‬ه في درس ‪11‬ه ح ‪11‬تى تمتلئ ال ‪11‬دار‬
‫والسطوح‪.‬‬
‫واس‪11‬تمر ذل‪11‬ك ح‪11‬تى ظه‪11‬ر الخل‪11‬ل في مجلس محم‪11‬د بن يح‪11‬يى ال‪11‬ذهلي ‪ ،‬ف‪11‬دب إلى‬
‫ال ‪11 1‬ذهلي داء الحس ‪11 1‬د‪ ،‬فق ‪11 1‬ال ألص ‪11 1‬حاب الح ‪11 1‬ديث‪ :‬إن البخ ‪11 1‬اري يق ‪11 1‬ول‪( :‬لفظي ب ‪11 1‬القرآن‬
‫مخلوق) وك‪11‬ان البخ‪11‬اري ي‪1‬رى ه‪11‬ذا ال‪1‬رأي ب‪1‬دون أن يص‪11‬رح ب‪1‬ه مخاف‪11‬ة من ال‪1‬رأي الع‪11‬ام عن‪11‬د‬
‫كبار محدثي الوقت‪ ،‬وصنف في ذلك كتابه "خلق أفعال العباد" قص‪11‬د بإثب‪11‬ات خل‪11‬ق أفع‪11‬ال‬
‫العب‪11‬اد التوس‪1‬ل إلى أن التلف‪11‬ظ ب‪1‬القرآن مخل‪1‬وق ألن‪11‬ه منه‪11‬ا‪ ،‬وق‪1‬د ص‪1‬ح عن‪11‬ه أن‪1‬ه ق‪11‬ال‪ :‬ك‪1‬ل من‬
‫نقل عنى أنى قلت‪ :‬لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب علي‪ ،‬وإنما قلت‪ :‬أفعالنا مخلوقة‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫من عن ‪00‬ده‪ ،1‬لكن التحقيق‪ 2‬األول‪ ،‬ألن هللا خلق‪00‬ه أوالً في الل‪00‬وح المحف ‪00‬وظ‪ ،‬ثم أنزل‪000‬ه في‬
‫صحائف إلى سماء الدنيا في محل يقال له “ بيت العزة “ في ليلة القدر‪ ،‬كما قال تع‪00‬الى‪:‬‬
‫(إِنَّا أَ ْنزَ ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ِة ا ْلقَ‪ْ 0‬د ِر) (الق‪00‬در‪ )1:‬ثم أنزل‪00‬ه‪ :‬على الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫مفرقا ً بحسب الوقائع‪ ،‬وقوله‪( :‬ال‪0‬ذي ق‪0‬د دال) ص‪0‬فة للف‪0‬ظ؛ واألل‪0‬ف في “ دال “ لإلطالق‪،‬‬
‫والمراد الذي قد دل على الصفة القديمة بطريق داللة االلتزام كما تقدم‪ ،‬والحاص‪00‬ل أن ك‪00‬ل‬
‫ظاهر من الكتاب والسنة دل على حدوث القرآن‪ ،‬فهو محمول على اللفظ المقروء ال على‬
‫الكالم النفسي‪ ،3‬لكن يمنتع أن يقال‪ :‬القرآن مخلوق‪ ،‬إال في مقام التعليم كما سبق‪.‬‬
‫‪ { -103‬الممتنع على هللا تعالى }‬

‫فلم‪11‬ا حض‪11‬ر البخ‪11‬اري المجلس ق‪11‬ام إلي‪11‬ه رج‪11‬ل‪ ،‬فق‪11‬ال‪ :‬ي‪11‬ا أب‪11‬ا عب‪11‬د اهلل م‪11‬ا تق‪11‬ول في‬
‫اللفظ بالقرآن مخلوق ه‪1‬و أو غ‪1‬ير مخل‪11‬وق؟ ف‪11‬أعرض عن‪11‬ه البخ‪11‬اري‪ ،‬ولم يجب‪1‬ه ثالث‪1‬ا‪ ،‬ف‪11‬ألح‬
‫عليه‪،‬فقال البخاري‪ :‬القرآن كالم اهلل غير مخل‪1‬وق‪ ،‬وأفع‪1‬ال العب‪1‬اد مخلوق‪1‬ة‪ ،‬والس‪1‬ؤال عن‪1‬ه‬
‫بدع‪11‬ة‪ ،‬فش‪11‬غب‪ 1‬الرج‪11‬ل فق‪11‬ال‪ :‬ق‪11‬د ق‪11‬ال‪ :‬لفظي ب‪11‬القرآن مخل‪11‬وق‪ ،‬وق‪11‬ال البخ‪11‬اري‪ :‬حرك‪11‬اتهم‬
‫وأصواتهم وكتابتهم مخلوقة‪ ،‬فأما القرآن المثبت في المصاحف الموعى في القلوب فه‪11‬و‬
‫كالم اهلل غير مخلوق‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬بل ه‪1‬و آي‪1‬ات بين‪1‬ات في ص‪1‬دور ال‪1‬ذين أوت‪1‬وا العلم)‬
‫[العنكبوت ‪.]49‬‬
‫فكان محمد بن يحيى الذهلي يقول بعد ذلك‪ :‬القرآن كالم اهلل غير مخلوق‪ ،‬ومن‬
‫زعم‪ :‬لفظي ب‪11‬القرآن مخل‪11‬وق فه‪11‬و مبت‪11‬دع وال يج‪11‬الَس وال يكلَم‪ ،‬ومن ذهب بع‪11‬د ه‪11‬ذا إلى‬
‫البخاري فاتهموه‪ ،‬فإنه ال يحضر مجلسه إال من كان على مذهبه‪.‬‬
‫ق‪11‬ال الح‪11‬اكم‪ :‬ولم‪11‬ا وق‪11‬ع بين البخ‪11‬اري وبين ال‪11‬ذهلي في مس‪11‬ألة اللف‪11‬ظ انقط‪11‬ع الن‪11‬اس‬
‫عن البخ‪11‬اري إال مس‪11‬لم بن حج‪11‬اج ومحم‪11‬د بن س‪11‬لمة‪ ،‬فق‪11‬ال محم‪11‬د بن س‪11‬لمة للبخ‪11‬اري‪ :‬ي‪11‬ا‬
‫أبا عب‪1‬د اهلل إن ه‪1‬ذا رج‪1‬ل مقب‪1‬ول في خراس‪1‬ان خصوص‪1‬ا في ه‪1‬ذه المدين‪1‬ة‪ ،‬وق‪1‬د‪ 1‬لج في ه‪1‬ذا‬
‫األمر حتى ال يقدر أحد أن يكلمه فما ت‪11‬رى؟ فقبض البخ‪11‬اري على لحيت‪11‬ه ثم ق‪11‬ال‪ :‬وأف‪11‬وض‬
‫أمري إلى اهلل إن اهلل بصير بالعباد‪ ...‬فخرج البخاري من نيسابور عائ‪11‬دا إلى بل‪11‬ده بخ‪11‬ارى‪،‬‬
‫وك‪11‬ان ذل‪11‬ك ‪-‬كم‪11‬ا ق‪11‬ال الخطيب البغ‪11‬دادي في "ت‪11‬اريخ بغ‪11‬داد" في ترجم‪11‬ة البخ‪11‬اري‪ -‬بع‪11‬د‬
‫وف‪11 1‬اة أبي عثم‪11 1‬ان س‪11 1‬عيد بن م‪11 1‬روان بش‪11 1‬هر‪ ،‬وك‪11 1‬انت وف‪11 1‬ات أبي عثم‪11 1‬ان كم‪11 1‬ا في "ت‪11 1‬اريخ‬
‫اإلس ‪11‬الم" لل ‪11‬ذهبي س ‪11‬نة [‪ ]252‬فتلق ‪11‬اه أه ‪11‬ل بخ ‪11‬ارى‪ ،‬واس ‪11‬تقبله عام ‪11‬ة الن ‪11‬اس‪ ،‬ونُثِ ‪11‬ر علي ‪11‬ه‬
‫‪179‬‬
‫‪1‬‬
‫ويستحيل ضد ذي الصفات ‪ ##‬في حقه كالكون في الجهات‬ ‫‪-43‬‬
‫(قوله ويستحيل … إلخ) هذا شروع في ثالث األقسام المتقدمة في قوله‪:‬‬
‫فكل من كلف شرعا ً وجبا ‪ ##‬عليه أن يعرف ما قد وجبا ‪ ##‬هلل والجائز والممعتنا‬
‫فهذا هو القسم الثالث في اإلجمال السابق وإن كان ثانيا ً في التفص‪00‬يل‪ ،‬وإنم‪00‬ا أخ‪00‬ر‬
‫الجائز في التفصيل لطول الكالم عليه‪ ،‬وال ش‪00‬ك في علم اس‪00‬تحالة ه‪00‬ذا القس‪00‬م من وج‪00‬وب‬
‫القسم األول له تع‪00‬الى‪ ،‬وإنم‪00‬ا تع‪00‬رض ل‪00‬ه المص‪00‬نف على طري‪00‬ق الق‪00‬وم من ع‪00‬دم اكتف‪00‬ائهم‬
‫بداللة االلتزام‪ ،‬وال بداللة التضمن‪ ،‬بل مالوا إلى الداللة المطابقي‪00‬ة لخط‪00‬ر الجه‪00‬ل في ه‪00‬ذا‬

‫الدراهم والدنانير‪ ،‬وبقي مدة يحدثهم في مسجده‪ ،‬فس‪11‬أله أم‪11‬ير بخ‪11‬ارى خال‪11‬د بن أحم‪11‬د أن‬
‫يحض ‪11‬ر منزل ‪11‬ه فيق ‪11‬رأ الت ‪11‬اريخ والج ‪11‬امع على أوالده‪ ،‬ف ‪11‬امتنع البخ ‪11‬اري من ذل ‪11‬ك‪ ،‬وق ‪11‬ال‪ :‬ال‬
‫يسعني أن أخص بالسماع قوما دون قوم آخرين فنفاه األمير عن البلد‪.‬‬
‫فس‪11‬مع ب‪11‬ذلك أه‪11‬ل س‪11‬مرقند‪ ،‬فكتب‪11‬وا إلي‪11‬ه يخطبون‪11‬ه إلى بل‪11‬دهم ف‪11‬نزل في طريق‪11‬ه في‬
‫قرية خرتنك وكان له بها أقرباء‪ ،‬فنزل عليهم وأق‪11‬ام به‪11‬ا أيام‪11‬ا فم‪11‬رض فيه‪11‬ا‪ ،‬وفيه‪1‬ا‪ 1‬وت‪11‬وفي‪،‬‬
‫وكان ذلك في سنة [‪.]256‬‬
‫هذا ما أردنا إيراده من قصة خلق الق‪1‬رآن ومق‪11‬دماتها‪ ،‬وتوابعه‪1‬ا وآثاره‪1‬ا‪ ،‬وبع‪11‬د ه‪1‬ذا‬
‫نعود إلى كالم الشارح‪ ،‬ونبين ما حواه من األخطاء‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫الخطأ األول‪:‬قوله‪( :‬فخرج البخاري فارا) حيث فرعه على مسألة المحنة‪ ،‬وهي‬
‫مسألة خلق القرآن‪ ،‬مع أن خروجه من نيسابور كان من أج‪00‬ل مس‪00‬ألة اللف‪0‬ظ بع‪00‬د انقض‪0‬اء‬
‫المحنة بنحو عشرين سنة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قوله‪( :‬فمات بعد أربعة أيام) والحال أن موته كان بعد نحو أربع سنين من‬
‫خروجه من نيسابور فقد كان خروجه سنة [‪ ]252‬ووفاته سنة [‪.]256‬‬
‫الثالث‪:‬قوله‪( :‬وسجن عيسى بن دينار عشرين سنة) وقد كان وفاة عيسى بن‬
‫دينار سنة [‪ ]212‬قبل ابتداء المحنة بأكثر من خمس سنين‪.‬‬
‫الرابع‪:‬قوله‪( :‬وسئل الشعبي‪ ...‬آلخ) وقد توفي الشعبي سنة [‪ ]103‬قبل المحنة‬
‫بمائة وخمس عشرة سنة‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬قوله‪( :‬واشتهر أيضا عن اإلمام الشافعي) وقد كان وفاة الشافعي [‬
‫‪ ]204‬قبل المحنة بنحو أربع عشرة سنة‪ .‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬

‫‪ 1‬بل حديث موضوع انظر "تنزيه‪ 0‬الشريعة"‪.)1/309( 0‬‬


‫‪ 1‬فعل القارئ هو القرائة وليس القرآن‪ 0،‬والقرآن كالم هللا القديم ووصفه القائم به‪،‬‬
‫وقد وجه هذا السؤال إلى شيخنا العارف باهلل المحقق الشيخ محم‪00‬د العربكن‪00‬دي فأج‪00‬اب‬
‫بأن محم‪00‬داً ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم أفض‪00‬ل المخلوق‪00‬ات والق‪00‬رآن كالم هللا ق‪00‬ديم‪ ،‬فق‪00‬ال‬
‫السائل‪ :‬القرآن بمعنى األلفاظ المنزلة حادث‪ ،‬فأجاب‪ 0:‬بأن المختار‪ 0‬لدينا أن الق‪00‬رآن بمع‪00‬نى اللف‪00‬ظ‬
‫‪180‬‬
‫الفن‪ ،‬وقوله “ ضد ذي الصفات “ أي منافي هذه الصفات المتقدمة بأس‪00‬رها ف‪00‬المراد من‬
‫الضد هنا‪ :‬المع‪00‬نى اللغ‪00‬وي‪ :‬وه‪00‬و مطل‪00‬ق المن‪00‬افي وجودي‪0‬ا ً ك‪00‬ان أو ع‪00‬دمياً‪ ،‬وليس الم‪00‬راد‬
‫خص‪00‬وص األم‪00‬ر الوج‪00‬ودي كم‪00‬ا ه‪00‬و المع‪00‬نى االص‪00‬طالحي‪ ،‬ألن الض‪00‬دين اص‪00‬طالحاً‪ :‬هم‪00‬ا‬
‫األم‪00‬ران الوجودي‪00‬ان الل‪00‬ذان بينهم‪00‬ا غاي‪00‬ة الخالف ال يجتمع‪00‬ان‪ ،‬وق‪00‬د يرتفع‪00‬ان كالس‪00‬واد‬
‫والبياض‪ ،‬ألن هذا المعنى ال يظهر في جميع ما ذكروه هنا‪،‬‬

‫المنزل أيضا ً قديم‪ ،‬وهو ما ذهب إليه القاضي عضد الدين اإليجي‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا الفرق لعله عند األشاعرة‪ ،‬وأما الس‪00‬لف فيطلق‪00‬ون كال منهم‪00‬ا على األلف‪00‬اظ الدال‪00‬ة‬
‫على المعاني‪ 0،‬وال انفصال عندهم بين األلفاظ والمعاني‪ 0‬بالنسبة إلى اتصاف هللا تعالى‪ 0‬بها‪.‬‬
‫‪ 1‬محم‪00‬د البلخي ينس‪0‬ب‪ 0‬إلى ه‪00‬ذا االس‪00‬م كث‪00‬ير من األق‪00‬وال في التوحي‪00‬د واألص‪00‬ول‪ ،‬وه‪00‬و‬
‫مجهول من زمن بعيد ح‪0‬تى رجح الزركش‪0‬ي أن‪0‬ه الثلجي يع‪0‬ني محم‪0‬د بن ش‪0‬جاع الثلجي‪ 0‬الحنفي‪،‬‬
‫ولكن أطبقت المراجع قديما ً وحديثا ً على نسبة األقوال إليه باس‪00‬م محم‪00‬د البلخي‪ ،‬ف‪00‬إن ك‪00‬ان ك‪00‬ذلك‬
‫فلم يعثر له على ترجمة إلى اآلن –وهللا تعالى أعلم ‪ ،‬قاله الدكتور على جمعه‪.‬‬
‫‪ 1‬هذان القوالن ساقطان وكان على الشارح‪ 0‬أن ال يحكيهما وذلك ألنه يلزم عليهما أن ال‬
‫يكون ألفاظ‪ 0‬القرآن‪ 0‬كالم هللا تعالى وهذا مصادم للنصوص‪ 0‬القطعية كما أنه مخالف إلجماع األمة‪،‬‬
‫وليت شعري من هو القائل بهذين القولين‪ 0‬الساقطين‪ .‬ثم رأيت‪ 0‬الزرقاني‪ 0‬قال في مناهل العرف‪00‬ان‪:‬‬
‫هذان القوالن مدسوسان وليس لها قائل‪.‬‬
‫‪ { -102‬معنى إنزال القرآن }‬
‫‪ 2‬بل التحقيق أن الم‪00‬نزل اللف‪00‬ظ ال‪00‬دال على المع‪00‬نى ف‪00‬المعنى م‪00‬نزل وموص‪00‬ل إلى أذه‪00‬ان‬
‫المكلفين‪ 0‬بإنزال اللفظ وليس له إنزال مس‪00‬تقل عن إن‪00‬زال اللف‪00‬ظ كم‪00‬ا يوهم‪00‬ه التعب‪00‬ير ب‪00‬أن الم‪00‬نزل‬
‫اللفظ والمعنى‪ ،‬نعم المقصود بالذات‪ 0‬باإلنزال واإليص‪0‬ال إلى األذه‪0‬ان ه‪0‬و المع‪0‬نى ألن‪0‬ه المقص‪0‬ود‬
‫بالذات إفادته‪ ،‬وهذا ال ينافي أنه تابع للفظ في اإلنزال من حيث أنه مدلول له‪ ،‬ومع‪00‬نى اإلن‪00‬زال –‬
‫كما قال المحقق البياضي‪ 0‬في "إشارات المرام" (ص‪ )178‬أن جبريل علي‪00‬ه الس‪00‬الم أدرك كالم‪00‬ه‬
‫تعالى ثم نزل إلى األرض وأفهم النبي عليه الصالة والسالم م‪00‬ا فهم‪00‬ه من غ‪00‬ير نق‪00‬ل ل‪00‬ذات الكالم‬
‫لعدم انتقال الصفة‪ ،‬والستلزام االنتقال واالنفكاك للنقص‪00‬ان‪ ،‬وبه‪0‬ذا يج‪0‬اب‪ 0‬عن اس‪0‬تدالل المعتزل‪0‬ة‬
‫باآليات التي فيها اإلنزال وال‪0‬نزول على حدوث‪00‬ه ق‪00‬الوا‪ :‬إن ال‪00‬نزول عب‪0‬ارة عن االنتق‪00‬ال وه‪0‬و من‬
‫صفات الحوادث‪.‬‬
‫‪ 3‬بل التحقيق أنه محمول على التلفظ الذي هو من فعل القارئ وعلى أصواته وحروف‪00‬ه‬
‫التي يحدثها كما قال المحققون من السلف‪ :‬لفظي بالقرآن مخلوق‪ ،‬وتحرج كثير من الس‪00‬لف عن‬
‫هذا التعبير‪ ،‬وأنكره بعضهم على ال‪00‬ذين أطلق‪00‬وه إليهام‪00‬ه ح‪00‬دوث لف‪00‬ظ الق‪00‬رآن‪ ،‬ولم يق‪00‬ل أح‪00‬د من‬
‫السلف إن لفظ القرآن‪ 0‬مخلوق‪ ،‬بل هذا مذهب المعتزلة‪ .‬وراجع رسالتنا في تحقي‪00‬ق مس‪00‬ألة خل‪00‬ق‬
‫القرآن‪.‬‬
‫‪ 1‬من عقائد أهل السنة تنزه هللا تعالى‪ 0‬عن الجهة والمكان وقد استدلوا على ذلك بما يلى‬
‫قال النسفي في شرح العمدة استدالال على ذلك‪ :‬الص‪00‬ور والجه‪00‬ات مختلف‪00‬ة‪ 0،‬واجتماعه‪00‬ا‬
‫عليه تعالى‪ 0‬مستحيل لتنافيها‪ 0‬في أنفسها‪ 0،‬وليس البعض أولى من البعض الستواء الكل في إف‪00‬ادة‬
‫المدح والنقص وعدم داللة المحدثات عليه‪ ،‬فلو اختص بجهة لك‪00‬ان بتخص‪00‬يص‪ 0‬مخص‪00‬ص وه‪00‬ذا‬
‫من أمارات الحدوث‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫وقوله “ في حق‪00‬ه “ أي على ذات‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬ففي بمع‪00‬نى على و “ ح‪00‬ق “ بمع‪00‬نى‬
‫الذات‪ ،‬واإلضافة للبيان‪ ،‬ألن الحق‪ 1‬اسم من أسمائه تعالى‪ :‬أي حق ه‪0‬و ه‪0‬و‪ ،‬ويحتم‪0‬ل أن‬
‫“ في “ باقي‪00‬ة على بابه‪00‬ا‪ ،‬والم‪00‬راد من الح‪00‬ق الحكم ال‪00‬واجب ل‪00‬ه واإلض‪00‬افة حقيقي‪00‬ة‪،‬‬
‫والمعنى حال كون استحالة ما ذكر مندرجة في الحكم الواجب له تع‪00‬الى‪ ،‬وه‪00‬ذا ه‪00‬و ال‪00‬ذي‬
‫اقتصر عليه الشارح‪،‬‬
‫وق‪00‬د أجم‪00‬ل المص‪00‬نف األض‪00‬داد‪ ،‬ونحن ن‪00‬ذكرها تفص‪00‬يالً كم‪00‬ا ذكره‪00‬ا السنوس‪00‬ي‪:‬‬
‫فيستحيل عليه تعالى‪ :‬العدم وهو ضد الوجود‪ ،‬والح‪00‬دوث وه‪00‬و ض‪00‬د الق‪00‬دم‪ ،‬وط‪00‬ر ّو الع‪00‬دم‬
‫وهو الفناء وهو ضد البقاء‪ ،‬والمماثلة للحوادث وهو ضد المخالف‪00‬ة للح‪00‬وادث‪ ،‬والمماثل‪00‬ة‬
‫مصورة بأن يكون جرما ً سواء كان مركبا ً –ويسمى حينئذ جسماً‪ -‬أو غير مركب‪ -‬ويسمى‬
‫حينئذ جوهراً فرداً –لكن المجسمة ال يكف‪0‬رون إال أن ق‪0‬الوا‪ ،‬ه‪0‬و جس‪00‬م كاألجس‪0‬ام‪ 2‬أو ب‪0‬أن‬
‫يكون عرضا ً يقوم بالجرم‪ ،‬أو يكون في جه‪00‬ة للج‪00‬رم‪ ،‬فليس ف‪00‬وق الع‪00‬رش وال تحت‪00‬ه‪ ،‬وال‬
‫عن يمينه وال عن شماله ونحو ذلك‪ ،‬أو يحل في المكان فالحلول هو الم‪00‬راد “ بالتقيي‪00‬د “‬
‫في عبارة من عبر به‪ ،‬والمراد بالمكان‪ :‬الفراغ الموه‪00‬وم على رأي المتكلمين‪ ،‬والمحق‪00‬ق‬
‫على رأي الحكماء‪ ،‬ومعنى كون‪00‬ه موهوم‪0‬ا ً عن‪00‬د المتكلمين‪ :‬أن‪00‬ه يت‪00‬وهم أن‪00‬ه أم‪00‬ر وج‪00‬ودي‬
‫وليس كذلك‪ ،‬بل هو أمر عدمي‪ ،‬وقيل‪ 3‬معنى كونه موهوماً‪ :‬أن‪00‬ه يت‪00‬وهم أن‪00‬ه ف‪00‬راغ وليس‬
‫وق‪00‬ال الس‪00‬بكي‪ :‬ص‪00‬انع الع‪00‬الم‪ 0‬ال يك‪00‬ون في جه‪00‬ة ألن‪00‬ه ل‪00‬و ك‪00‬ان في جه‪00‬ة لك‪00‬ان في مك‪00‬ان‬
‫ضرورة أنها المكان أو المستلزمة له‪ ،‬ولو كان في مكان لكان متح‪00‬يزاً‪ 0،‬ول‪00‬و ك‪00‬ان متح‪00‬يزاً لك‪00‬ان‪0‬‬
‫مفتقراً إلى حيزه ومكانه‪ ،‬فال يكون واجب الوجود‪ ،‬وثبت أنه واجب الوجود‪ ،‬وهذا خلف‪.‬‬
‫وأيضا ً لو كان في جهة فإما في كل الجهات‪ ،‬وهو محال وشنيع‪ ،‬وإما في البعض فيل‪00‬زم‬
‫االختص‪00‬اص المس‪00‬تلزم‪ 0‬لالفتق‪00‬ار إلى المخص‪00‬ص المن‪00‬افي للوج‪00‬وب‪ ،‬نق‪00‬ل كالم النس‪00‬في والس‪00‬بكي‬
‫الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين ‪.)2/104‬‬
‫ومن ال‪00‬دليل على ت‪00‬نزه هللا تع‪00‬الى عن الجه‪00‬ة والمك‪00‬ان من الس‪00‬نة م‪00‬ا رواه مس‪00‬لم في‬
‫صحيحه (‪ )4/2804‬عن أبي هريرة رضي هللا تع‪00‬الى‪ 0‬عن‪00‬ه أن رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم كان يقول في دعائه‪:‬‬
‫((اللهم أنت األول فليس قبلك شيء‪ ،‬وأنت اآلخر فليس بعدك شيء‪ ،‬وأنت الظاهر‪ 0‬فليس‬
‫فوقك ش‪0‬يء‪ ،‬وأنت الب‪0‬اطن فليس دون‪0‬ك ش‪0‬يء‪ ،‬اقض عن‪0‬ا‪ 0‬ال‪0‬دين وأغنن‪0‬ا‪ 0‬من الفق‪0‬ر)‪ 0‬ق‪0‬ال اإلم‪0‬ام‬
‫الحافظ البيهقي في "األسماء الصفات"‪ 0‬ص‪ :41‬اس‪00‬تدل بعض أص‪00‬حابنا به‪00‬ذا الح‪00‬ديث على نفي‬
‫المكان عن هللا‪ ،‬فإذا لم يكن فوقه شيء وال دونه شيء لم يكن في مكان‪.‬‬

‫‪ 1‬هذا ليس بصحيح بل الحق هنا‪ ،‬بمعنى ال‪00‬ذات كم‪00‬ا تق‪00‬ول قلت في ح‪00‬ق زي‪00‬د ك‪00‬ذا وك‪00‬ذا‬
‫وأما الحق الذي هو من أسمائه تعالى فهو ضد الباطل‪ ،‬ولو ك‪00‬ان ك‪0‬ذلك لل‪00‬زم إض‪00‬افة الش‪0‬يء إلى‬
‫نفسه وهي ممتنعة‪ ،‬ولم تكن اإلضافة للبيان ألنها إضافة العام إلى الخاص‪ ،‬كم‪00‬ا ل‪00‬و حم‪00‬ل الح‪00‬ق‬
‫على الذات‪ ،‬بل التحقيق أن الحق في مثل هذا الكالم بمعنى الشأن ال بمعنى الذات فإن‪00‬ك ال تقص‪00‬د‬
‫بقولك قلت في حق فالن كذا إال معنى قلت في شأنه كذا‪.‬‬
‫‪ 2‬فإن قال جسم ال كاألجسام خطئ وأثم ألنه أطلق عليه تعالى م‪00‬ا ليس في‪00‬ه توقي‪00‬ف م‪00‬ع‬
‫أنه يُوهم أمراً ال يجوز عليه تعالى‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا المعنى خط‪00‬أ ألن االص‪00‬طالح على المع‪00‬نى األول‪ ،‬ويؤي‪00‬ده مقابلت‪00‬ه ب‪00‬المحقق فه‪00‬ذا‬
‫القائل لم يعلم معنى التوهم اصطالحاً‪.‬‬
‫‪182‬‬
‫كذلك‪ ،‬بل هو مملوء بالهواء فليس فراغا ً محققاً‪ ،‬أو يتقيد بالزم‪00‬ان‪ ،1‬بحيث تك‪00‬ون حرك‪00‬ة‬
‫الفلك منطبقة عليه‪ ،‬أو يكر عليه الجديدان الليل والنهار‪ ،‬أو تتصف ذاته العلية ب‪0‬الحوادث‬
‫كالقدرة الحادثة واإلرادة الحادثة والحركة أو السكون والبياض أو السواد أو نحو ذلك‪،2‬‬
‫أو يتص‪00‬ف بالص‪00‬غر بمع‪00‬نى قل‪00‬ة األج‪00‬زاء‪ ،‬أو ب‪00‬الكبر بمع‪00‬نى ك‪00‬ثرة األج‪00‬زاء‪ ،‬فليس‬
‫صغيراً بمعنى قليل األجزاء وال كبيراً بمعنى كثير األجزاء وهذا ال ين‪00‬افي أن‪00‬ه تع‪00‬الى كب‪00‬ير‬
‫في المرتبة والشرف‪ ،‬قال هللا تعالى‪( :‬ا ْل َكبِي ُر ا ْل ُمتَ َعا ِل) (الرعد‪ :‬من اآلية‪)9‬‬
‫أو يتصف باألغراض في األفعال أو األحك‪00‬ام‪ ،‬فليس فعل‪00‬ه كإيج‪00‬اد زي‪00‬د لغ‪00‬رض من‬
‫األغراض‪ :‬أي مصلحة تبعثه على ذلك الفعل‪ ،‬فال ينافي أنه لحكمة‪ ،‬وإال لك‪00‬ان عبث ‪0‬ا ً وه‪00‬و‬
‫مستحيل في حقه تع‪00‬الى‪ ،‬وليس حكم‪00‬ه كإيجاب‪00‬ه الص‪00‬الة علين‪00‬ا لغ‪00‬رض من األغ‪00‬راض أي‬
‫مصلحة تبعثه على ذلك الحكم‪ ،‬فال ينافي أنه لحكمة كما علمت‪ ،3‬فصور المماثلة عشرة‪،‬‬
‫ويستحيل علي‪00‬ه أيض‪0‬ا ً أن ال يك‪00‬ون قائم‪0‬ا ً بنفس‪00‬ه ب‪00‬أن يك‪00‬ون ص‪00‬فة يق‪00‬وم بمح‪00‬ل أو‬
‫يحتاج إلى مخصص‪ ،‬وهذا ضد القيام بالنفس‪ ،‬وأن ال يكون واح‪00‬داً ب‪00‬أن يك‪00‬ون مركب ‪0‬ا ً في‬
‫ذات‪00‬ه أو يك‪00‬ون ل‪00‬ه مماث‪00‬ل في ذات‪00‬ه‪ ،‬أو يك‪00‬ون في ص‪00‬فاته تع‪00‬دد من ن‪00‬وع واح‪00‬د كق‪00‬درتين‬
‫وإرادتين وهكذا‪ ،‬أو يكون ألحد صفة كصفته تعالى‪ ،‬أو يك‪00‬ون مع‪00‬ه في الوج‪00‬ود م‪00‬ؤثر في‬
‫فعل من األفعال‪ ،‬وهذا كل‪00‬ه ض‪00‬د الوحداني‪0‬ة‪ ،‬وأن يك‪0‬ون ع‪0‬اجزاً عن ممكن م‪0‬ا‪ ،‬وه‪0‬ذا ض‪0‬د‬
‫القدرة‪ ،‬وأن يوجد شيئا ً من العالم مع كراهته لوجوده‪ ،‬أو يعدم ش‪00‬يئا ً م‪0‬ع كراهت‪0‬ه لعدم‪00‬ه‪:‬‬
‫أي ع‪00‬دم إرادت‪00‬ه ل‪00‬ه‪ ،‬أو م‪00‬ع ال‪00‬ذهول او الغفل‪00‬ة‪ ،‬فال‪00‬ذهول‪ :‬ذه‪00‬اب الش‪00‬يء من الحافظ‪00‬ة‬
‫والمدركة أو من أحدهما‪ ،‬واألول نسيان والثاني سهو‪ ،‬وأما الغفلة فهي السهو‪،‬‬
‫أو مع التعليل بأن يكون الباري علة تنشأ عنه الخالئق من غير اختيار‪ ،‬وال توقف‬
‫على وجود شرط وانتفاء مانع‪ ،‬كحرك‪00‬ة الخ‪00‬اتم‪ ،‬فإنه‪00‬ا نش‪00‬أت عن‪00‬د الق‪00‬ائلين بالتعلي‪00‬ل عن‬
‫حركة اإلصبع‪ ،‬فعندهم حركة اإلصبع علة في حركة الخ‪00‬اتم‪ ،‬ونحن نق‪00‬ول الخ‪00‬الق لحرك‪00‬ة‬
‫األصبع ولحركة الخاتم هو هللا تعالى من غير تأثير لحرك‪00‬ة اإلص‪00‬بع في حرك‪00‬ة الخ‪00‬اتم‪ ،‬أو‬
‫مع الطبع بأن يكون الباري طبيعة تنشأ عن‪00‬ه الخالئ‪00‬ق من غ‪00‬ير اختي‪00‬ار م‪00‬ع التوق‪00‬ف على‬
‫وجود الشروط وانتفاء الموانع‪ ،‬كالنار فإنها تؤثر بطبعها عندهم في اإلح‪00‬راق م‪00‬ع وج‪00‬ود‬
‫شرط المماسة وانتفاء مانع البلل‪ ،‬ونحن نق‪00‬ول‪ :‬الم‪00‬ؤثر في اإلح‪00‬راق ه‪00‬و هللا تع‪00‬الى‪ ،‬وال‬
‫تأثير للنار أصالً‪ ،‬وهذا كله ض‪00‬د اإلرادة‪ ،‬والجه‪00‬ل وم‪00‬ا في معن‪00‬اه ك‪00‬الظن والش‪00‬ك وال‪00‬وهم‬
‫والن‪00‬وم‪ ،‬وه‪00‬ذا ض‪00‬د العلم‪ ،‬والم‪00‬وت وه‪00‬و ض‪00‬د الحي‪00‬اة‪ ،‬والبكم‪ 0‬النفس‪00‬ي وه‪00‬و ض‪00‬د الكالم‪،‬‬
‫والعمى وهو ضد البصر‪ ،‬وكونه عاجزاً … إلى آخرها على القول باألحوال‪.‬‬

‫‪ 1‬قوله أو يتقيد بالزمان‪ 0:‬فهو تعالى مقارن للزمان‪ 0‬وليس بمقيد به ألنه تع‪00‬الى‪ 0‬ك‪00‬ان وال‬
‫زمان وبعد أن خلق الزمان‪ 0‬صار مقارنا ً له‪ ،‬وأما غ‪0‬يره تع‪0‬الى من الموج‪0‬ودات فكم‪0‬ا أن‪0‬ه مق‪0‬ارن‬
‫للزمان‪ 0‬مقيد به ال ينفصل عن الزمان‪ .‬وقد تقدم تحقيق معنى الزمان‪ 0‬فراجعه‪.‬‬
‫‪ 2‬تقدم االستدالل على امتناع‪ 0‬قيام الحوادث باهلل تعالى في التعليق‪.‬‬
‫‪ 3‬راجع مقالتنا المفردة في تحقيق مسالة تعليل أفعال هللا تعالى‪،‬وك‪00‬ان‪ 0‬األولى أن يق‪00‬ول‪:‬‬
‫فال ينافي أنه تترتب عليه حكمة ألن هذا المذهب ال يقول‪ :‬إن أفعال هللا تعالى‪ 0‬لحكمة‪ ،‬ب‪00‬ل يق‪00‬ول‪:‬‬
‫إنه تترتب عليها الحكم والمصالح‪ .‬ولو قال‪ :‬لحكمة لكان‪ 0‬قائال بالتعليل‪.‬‬
‫‪183‬‬
‫(قوله كالكون في الجه‪00‬ات) أي ككون‪00‬ه تع‪00‬الى في جه‪00‬ة من الجه‪00‬ات الس‪00‬ت‪ ،‬وه‪00‬ذا‬
‫مثال من أمثلة المماثل‪00‬ة للح‪00‬وادث‪ ،‬ويق‪00‬اس علي‪00‬ه ب‪00‬اقي أمثل‪00‬ة المماثل‪00‬ة ب‪00‬ل وب‪00‬اقي ص‪00‬ور‬
‫المستحيل‪ ،‬كما أشار إليه المصنف بالكاف‪.‬‬
‫واعلم أن معتقد الجهة ال يكفر كما قاله العز بن عبد السالم‪ ،‬وقيده النووي بكون‪00‬ه‬
‫من العامة‪ ،‬وابن أبي جمرة بعسر فهم نفيها‪ ،‬وفصل بعضهم فق‪0‬ال‪ :‬إن اعتق‪0‬د جه‪0‬ة العل‪0‬و‬
‫لم يكفر‪ ،‬ألن جهة العلو فيها شرف ورفعة في الجملة‪ ،‬وإن اعتقد جه‪00‬ة الس‪00‬فل كف‪00‬ر‪ ،‬ألن‬
‫جهة السفل فيها خسة ودناءة‪.‬‬

‫‪ { -104‬الجائز على هللا تعالى }‬


‫وجائز في حقه ما أمكنا ‪ ##‬إيجاداً إعداما ً كرزقه ِ‬
‫الغنى‬ ‫‪-44‬‬
‫(قوله وجائز في حقه … إلخ) لما فرغ من الكالم على الواجب والمس‪00‬تحيل ش‪00‬رع‬
‫يتكلم على الجائز الذي هو ثاني األقسام الثالثة في اإلجمال‪ ،‬وإنما أخره في التفص‪00‬يل لم‪00‬ا‬
‫مر آنفا ً من ط‪00‬ول الكالم علي‪00‬ه‪ ،‬و “ ج‪00‬ائز “ خ‪00‬بر مق‪00‬دم‪ ،‬و “ م‪00‬ا أمكن‪00‬ا “ مبت‪00‬دأ م‪00‬ؤخر‬
‫وألف “ أمكنا “ لإلطالق‪ ،‬و “ إيجاداً “ و “ إعداما ً “ تمي‪00‬يزان مح‪00‬والن عن المض‪00‬اف‬
‫الذي كان مبتدأ في األصل‪ ،‬والتقدير‪ :‬وإيجاد ما أمكن وإعدامه ج‪00‬ائز ك‪00‬ل منهم‪00‬ا في حق‪00‬ه‬
‫تعالى‪،‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن هذا اإلخبار ال فائدة له‪ ،‬ألن الجائز هو الممكن‪ ،‬والممكن هو الج‪00‬ائز‪،‬‬
‫فكأنه قال‪ :‬الجائز ج‪00‬ائز أو الممكن ممكن‪ ،‬أجيب ب‪00‬أن التمي‪00‬يز أع‪00‬ني “ إيج‪00‬اداً وإع‪00‬داما ً “‬
‫يدفع عدم فائدته‪ ،‬ألنه تمييز محول عن المضاف ال‪00‬ذي ك‪00‬ان مبت‪00‬دأ في األص‪00‬ل‪ ،‬والتق‪00‬دير‪:‬‬
‫وإيجاد الممكن وإعدامه جائز كل منهما في حقه تعالى كما تق‪00‬دم‪ ،‬وق‪00‬د أش‪00‬ار الش‪00‬ارح إلى‬
‫هذا بقوله‪ :‬أي فعل كل ممكن وتركه‪ 1‬فإنه قدر ذلك آخذاً من قوله “ إيجاداً إع‪00‬داما ً “ وإال‬
‫فال حاج‪00‬ة للتق‪00‬دير م‪00‬ع التمي‪00‬يز‪ ،‬واع‪00‬ترض ب‪00‬أن الفع‪00‬ل وال‪00‬ترك ك‪00‬ل منهم‪00‬ا ممكن‪ ،‬فيع‪00‬ود‬
‫اإلشكال‪ ،‬وأجيب بأن المغ‪0‬ايرة اللفظي‪0‬ة القوي‪0‬ة كافية‪ ،2‬إذ ربم‪0‬ا يت‪0‬وهم أن ص‪0‬فة الفع‪0‬ل أو‬
‫الترك الوجوب‪ ،‬بخالف الجائز والممكن‪ ،‬فإن مغايرتهما غير قوية‪ ،‬ويدفع أص‪00‬ل اإلش‪00‬كال‬
‫بأن المبتدأ هو الممكن في ذاته‪ ،‬والخبر هو الجائز في حقه تع‪00‬الى‪ ،‬فه‪00‬و مقي‪00‬د بكون‪00‬ه في‬
‫حقه تعالى‪ ،‬خالفا ً للمعتزلة في قولهم بوجوب بعض الممكن‪00‬ات علي‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬ف‪00‬إنهم ق‪00‬الوا‬
‫بوجوب الصالح واألص‪00‬لح علي‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬وخالف‪0‬ا ً للبراهم‪00‬ة في ق‪00‬ولهم‪ :‬باس‪00‬تحالة إرس‪00‬ال‬
‫الرسل مع أنه من الممكنات‪ ،‬وهذه فائدة معتبرة‪ ،‬أفاده العالمة األمير والعالمة الشنواني‪.‬‬
‫‪ 1‬لكن ال يخفى أن الترك‪ 0‬عدم الفعل وأما اإلعدام ففعل‪.‬‬
‫‪ 2‬فيه أن المغايرة هنا معنوية أيضاً‪ .‬والصواب أن يقال‪ :‬المغايرة في المفهوم كافية في‬
‫الحمل وال يشترط المغايرة في الماصدق و إال لما صح اإلخبار على شيء من المبتدءات‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫(قوله كرزقه الغنى) هذا مث‪00‬ال لفع‪00‬ل الممكن‪ ،‬ومث‪00‬ال ترك‪00‬ه ع‪00‬دم رزق‪00‬ه إي‪00‬اه‪ ،‬بفتح‬
‫الراء مصدر؛ وأما بالكسر فاسم للم‪00‬رزوق ب‪00‬ه‪ ،‬والض‪00‬مير عائ‪00‬د إلى هللا‪ ،‬واإلض‪00‬افة في “‬
‫رزقه “ من إضافة المص‪00‬در لفاعل‪00‬ه والمفع‪00‬ول األول مح‪00‬ذوف‪ ،‬والغ‪00‬نى مفعول‪00‬ه الث‪00‬اني‪،‬‬
‫والتقدير‪ :‬كرزق هللا العبد الغنى‪ ،‬وهو بالكسر وبالقص‪00‬ر ض‪00‬د الفق‪00‬ر‪ ،‬فه‪00‬و ك‪00‬ثرة األم‪00‬وال‪،‬‬
‫وأما بالكسر وبالمد فه‪00‬و إنش‪00‬اد الش‪00‬عر‪ ،‬وبالم‪00‬د م‪00‬ع الفتح‪ :‬النف‪00‬ع‪ ،‬وأم‪00‬ا ب‪0‬الفتح والقص‪00‬ر‬
‫وكذلك الضم فلم يسمع‪.‬‬
‫[فائدة] ال َغنِ ّي الشاكر وه‪00‬و من ال يبقي من الم‪00‬ال الحالل ال‪00‬ذي ي‪00‬دخل علي‪00‬ه إال م‪00‬ا‬
‫يحتاج إليه أو يرصده ألحوج منه‪ ،‬أفضل عند الجمهور من الفقير الصابر‪ ،‬ومحل الخالف‬
‫فيما إذا قام الغني بجمي‪00‬ع وظ‪00‬ائف الغ‪00‬نى من الب‪00‬ذل‪ ،‬واإلحس‪00‬ان والمواس‪00‬اة وأداء حق‪00‬وق‬
‫المال وشكر الملك الديان‪ ،‬وقام الفقير بجميع وظائف الفقر من الرضا والصبر والقناع‪00‬ة‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬الفقير الصابر هو الذي يلتذ بفقره كما يلتذ الغني بغناه‪ ،‬اهـ شنواني‪.‬‬

‫‪ { -105‬هللا تعالى خالق للعبد ولعمله }‬


‫ق لمن أراد أن يص ْل‬
‫فخالق لعبده وما عمل ‪ ##‬موف ٌ‬ ‫‪-45‬‬

‫‪185‬‬
‫(قول‪00‬ه فخ‪00‬الق … إلخ)‪ 1‬ه‪00‬ذا تفري‪00‬ع على م‪00‬ا علم‪ 2‬مم‪00‬ا تق‪00‬دم من انف‪00‬راده تع‪00‬الى‬
‫باإليج‪00‬اد‪ ،‬فالف‪00‬اء للتفري‪00‬ع‪ ،‬ويص‪00‬ح أن تك‪00‬ون ف‪00‬اء الفص‪00‬يح‪ ،‬لكونه‪00‬ا أفص‪00‬حت عن ش‪00‬رط‬
‫محذوف‪ ،‬والتقدير‪ :‬إذا ثبت وج‪00‬وب انف‪00‬راده تع‪00‬الى باإليج‪00‬اد فخ‪00‬الق ‪ ..‬إلخ‪ ،‬و “ خ‪00‬الق “‬
‫خ‪00‬بر لمبت‪00‬دأ مح‪00‬ذوف‪ ،‬واألص‪00‬ل‪ :‬فاهلل خ‪00‬الق ‪ ..‬إلخ‪ ،‬وه‪00‬ذا يس‪00‬مى عن‪00‬د الع‪00‬ارفين بوح‪00‬دة‬
‫األفعال‪ ،‬ومنها يعلم بطالن دعوى أن شيئا ً يؤثر بطبعه أو بقوة فيه‪،‬‬
‫فمن اعتق‪00‬د أن األس‪00‬باب العادي‪00‬ة كالن‪00‬ار والس‪00‬كين واألك‪00‬ل‪ 0‬والش‪00‬رب ت‪00‬ؤثر في‬
‫مسبباتها كالحرق والقطع والشبع وال‪00‬ري بطبعه‪00‬ا وذاته‪00‬ا فه‪00‬و ك‪00‬افر باإلجم‪00‬اع‪ ،‬أو بق‪00‬وة‬
‫خلقها هللا فيها ففي كفره قوالن‪ ،‬واألصح أنه ليس بكافر بل فاسق مبتدع‪،3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ { -106‬القدرية إذا سلموا العلم خصموا }‬
‫قوله‪ :‬فخالق لعبده وما عمل ‪ ..‬إلخ‪ .‬قال اإلمام الشافعي رحم‪00‬ه هللا تع‪00‬الى‪ 0:‬القدري‪00‬ة إذا‬
‫سلموا العلم خصموا كذا في شرح جمع الجوامع للع‪00‬راقي (يع‪00‬ني أنهم خص‪00‬موا في مس‪00‬ألة خل‪00‬ق‬
‫األفعال) وقال بعض أذكياء المعتزلة‪ 0:‬الداعي الموجب ودليل العلم األزلي‪ 0‬هما الع‪00‬دوان لالع‪00‬تزال‬
‫كذا في شرح المقاصد‪،‬‬
‫وذلك ألن المعتزلي إذا سلم علم هللا األزلي المحيط بكل الموجودات ومنها أفع‪00‬ال العب‪00‬اد‬
‫االختيارية‪ ،‬ثم سلم عدم تغير هذا العلم اضطر إلى القول بعدم استقالل العبد بفعل‪00‬ه ألن‪00‬ه ل‪00‬و ك‪00‬ان‬
‫مستقالً لزم أن يجوز أن يقع منه خالف م‪00‬ا علم هللا وقوع‪00‬ه من‪00‬ه‪ ،‬فل‪00‬زم تغ‪00‬ير العلم وانقالب‪00‬ه إلى‬
‫جهل‪ ،‬كما يضطر إلى القول بأن الداعية الموجبة ليست من العبد‪ ،‬بل هي تابعة إلرادة هللا تع‪00‬الى‬
‫وعلمه‪ ،‬وقد وافقت إرادة العبد بطريق جري العادة‪ .‬واإلل‪00‬زام ج‪00‬واز مخالف‪00‬ة داعي‪00‬ة العب‪00‬د لعلم‪00‬ه‬
‫تع‪00‬الى‪ ،‬فال يق‪00‬ع م‪00‬ا علم هللا وقوع‪00‬ه‪ ،‬فينقلب علم‪00‬ه تع‪00‬الى إلى جه‪00‬ل‪ ،‬قال‪00‬ه اإلم‪00‬ام البياض‪00‬ي في‬
‫إشارات المرام (‪ )301-300‬ثم قال (‪:)307-304‬‬
‫قال اإلمام أب‪00‬و حنيف‪00‬ة رحم‪00‬ه هللا تع‪00‬الى‪ 0:‬يق‪00‬ال ل‪00‬ه أي للق‪00‬دري‪ :‬ه‪00‬ل علم هللا في س‪00‬ابق‬
‫علمه أن تك‪00‬ون ه‪00‬ذه األش‪00‬ياء من طاع‪00‬ات‪ 0‬العب‪00‬اد ومعاص‪00‬يهم الص‪00‬ادرة عنهم باختي‪00‬ارهم وس‪00‬ائر‬
‫أفعالهم أن تكون على ما هي عليه أم ال؟ فإن قال‪ :‬ال فقد كفر‪ ،‬وإن قال‪ :‬نعم قيل ل‪00‬ه‪ :‬أراد هللا أن‬
‫تكون كما علم‪ ،‬أو أراد أن تكون بخالف ما علم‪ ،‬ف‪0‬إن ق‪00‬ال‪ :‬أراد أن تك‪0‬ون كم‪0‬ا علم فق‪0‬د أق‪00‬ر أن‪0‬ه‬
‫أراد من المؤمن اإليمان‪ 0‬ومن الكافر الكفر‪ ،‬وإن قال‪ :‬أراد أن تكون بخالف ما علم فقد جعل رب‪00‬ه‬
‫متمنيا ً متحس‪0‬راً‪ ،‬ألن من أراد أن ال يك‪0‬ون فك‪0‬ان‪ ،‬أو أراد أن يك‪0‬ون فلم يكن فه‪0‬و متمن متحس‪0‬ر‪،‬‬
‫ومن وصف ربه متمنياً‪ 0‬متحسراً فهو كافر‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله هذا تفريع على ما علم مما تقدم لعله أراد بما تقدم –كما صرح به عب‪00‬د الس‪00‬الم‪-‬‬
‫وجوب وحدانيته‪ 0‬تعالى وعموم علمه للمعلومات‪ 0‬وقدرته وإرادته لسائر الممكنات اهـ وفي‪00‬ه نظ‪00‬ر‬
‫من وجهين األول أن التفريع على ما ذكر غير ظاهر كم‪00‬ا ق‪00‬ال األم‪00‬ير‪ ،‬والث‪00‬اني أن التفري‪00‬ع إنم‪00‬ا‬
‫يصح على ما ينفصل الكالم عنه‪ ،‬وأما التفريع على البعيد الذي توس‪00‬ط بين‪00‬ه وبين األخ‪00‬ير أم‪00‬ور‬
‫أجنبية فغير صحيح‪ ،‬فالصواب أن الفاء هنا فصيحة أي بعد ما عرفت أنه يجوز عليه تعالى فع‪00‬ل‬
‫كل ممكن وتركه إذا أردت أن تعرف أنه تعالى‪ 0‬هل ه‪00‬و خ‪00‬الق لفع‪00‬ل عب‪00‬ده أم ال ف‪00‬أقول ه‪00‬و خ‪00‬الق‬
‫للعبد وفعله‪.‬‬
‫‪ 3‬أقول‪ :‬ال وجه لتبديع هذا القائل فضالً عن تكفيره بعد ما اعتقد أن التأثير ال بالطبع بل‬
‫بقوة أودعها هللا تعالى فيها وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل السنة‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫ومثل الق‪0‬ائلين ب‪00‬ذلك المعتزل‪00‬ة الق‪0‬ائلون ب‪0‬أن العب‪0‬د يخل‪0‬ق أفع‪00‬ال نفس‪00‬ه االختياري‪00‬ة‬
‫بقدرة خلقها هللا فيه‪ ،‬فاألصح عدم كفرهم‪،‬‬
‫ومن اعتق‪0‬د أن الم‪0‬ؤثر ه‪0‬و هللا‪ ،‬لكن جع‪0‬ل بين األس‪0‬باب ومس‪0‬بباتها تالزم‪0‬ا ً عقلي‪0‬ا ً‬
‫بحيث ال يصح تخلفها فه‪00‬و جاه‪00‬ل‪ ،‬وربم‪00‬ا ج‪00‬ره ذل‪00‬ك إلى الكف‪00‬ر‪ ،‬فإن‪00‬ه ق‪00‬د ينك‪00‬ر معج‪00‬زات‬
‫األنبياء لكونها على خالف العادة‪،‬‬
‫ومن اعتقد أن المؤثر هو هللا وجعل بين األسباب والمس‪00‬ببات تالزم ‪0‬ا ً عادي ‪0‬ا ً بحيث‬
‫يصح تخلفها فهو المؤمن الناجي إن شاء هللا تعالى‪ ،‬فالفرق في ذلك أربعة كما يؤخ‪00‬ذ من‬
‫كتب السنوسي‪،‬‬
‫(قوله لعبده) الالم للتقوية والمراد من العبد كل مخل‪00‬وق يص‪00‬در عن‪00‬ه الفع‪00‬ل ع‪00‬اقالً‬
‫كان أو غيره‪ ،‬خالفا ً لبعضهم حيث قصره على المكلف‪ ،1‬ألن بعض األدلة التي ذكروه‪00‬ا ال‬
‫تجري في غير فعله‪ ،‬وإنما ذكر المصنف العبد مع أنه متفق على خلق هللا إياه توصالً لما‬
‫بعده‪ ،‬واقتداء بقوله تعالى‪َ ( :‬وهَّللا ُ َخلَقَ ُك ْم َو َما تَ ْع َملُونَ ) (الصافات‪)96:‬‬
‫و(قوله‪ “ :‬وما عمل “ ) معطوف على عبده‪ ،‬و “ ما “ مص‪00‬درية‪ ،‬في‪00‬ؤول الفع‪00‬ل‬
‫بعدها بمصدر‪ ،‬والتقدير‪ :‬فخالق لعب‪00‬ده ولعمل‪00‬ه‪ ،‬ويحتم‪0‬ل أن تك‪0‬ون موص‪0‬ولة “ وعم‪00‬ل “‬
‫صلة والعائد محذوف‪ ،‬وعليه فالتقدير‪ :‬فخالق لعبده ولل‪00‬ذي عمل‪00‬ه‪ ،‬واألول أولى‪ ،‬ألن‪00‬ه ال‬
‫(وهَّللا ُ‬
‫حذف عليه‪ ،‬واألصل عدم الحذف‪ ،‬ويجري االحتماالن الم‪00‬ذكوران في قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫َخلَقَ ُك ْم َو َم‪00‬ا تَ ْع َملُ‪00‬ونَ ‪( )2‬الص‪00‬افات‪ )96:‬وفي ذل‪00‬ك رد على المعتزل‪00‬ة في ق‪00‬ولهم ب‪00‬أن العب‪00‬د‬
‫يخلق أفعال نفسه االختيارية‪ ،‬وأما األفعال االضطرارية كحركة المرتعش فهي مخلوقة هلل‬
‫تعالى اتفاقاً‪.‬‬
‫والحاصل أن الناس بعد اتف‪00‬اقهم على أن هللا خ‪00‬الق للعب‪00‬اد وألفع‪00‬الهم االض‪00‬طرارية‬
‫اختلفوا في أفعالهم االختيارية‪ ،‬فنحن نقول‪ :‬إن هللا خالق لها أيض ‪0‬اً‪ ،‬والمعتزل‪00‬ة يقول‪00‬ون‪:‬‬
‫إن العبد خالق له‪00‬ا بق‪00‬درة خلقه‪00‬ا هللا في‪00‬ه‪ ،‬ونق‪00‬ل عن األس‪00‬تاذ أنه‪00‬ا بالق‪00‬درتين‪ :‬أي قدرت‪00‬ه‬

‫‪ 1‬أي قصر الكالم على المكلف ال قصر الحكم عليه فإن هذا ما لم يقل‪00‬ه أح‪00‬د‪ .‬وي‪00‬دل على‬
‫هذا المراد قوله‪ :‬ألن بعض األدلة التي ذكروها ال تجري في غير فعله‪.‬‬
‫‪ 2‬فإن حملت ما على الموصولة تكون عبارة عن الحاص‪0‬ل بالمص‪0‬در‪ 0‬من عم‪0‬ل اإلنس‪0‬ان‪0‬‬
‫وهو الذي يطلق عليه المفعول المطلق‪ ،‬فتجرى اآلية على كل من مذهب األش‪00‬اعرة والماتريدي‪00‬ة‬
‫وصدر الشريعة فإنهم متفقون على أن الحاصل بالمص‪00‬در مخل‪0‬وق هلل تع‪00‬الى‪ 0،‬وأم‪0‬ا إن حملت م‪0‬ا‬
‫على المصدرية فالفعل مدلوله المعنى المصدري ال الحاصل بالمصدر كم‪00‬ا ق‪00‬ال العلم‪00‬اء‪ 0،‬فتج‪00‬رى‬
‫اآلية إال على مذهب األشاعرة والماتريدية‪ ،‬ألنهم يقول‪00‬ون‪ :‬إن العم‪00‬ل ب‪00‬المعنى‪ 0‬المص‪00‬دري ال‪00‬ذي‬
‫هو عبارة عن تعلق قدرة العبد بالمعمول مخلوق هلل‪ ،‬كالحاصل‪ 0‬بالمصدر‪ 0،‬وال تأثير‪ 0‬لق‪00‬درة العب‪00‬د‬
‫فيه‪ .‬وأما صدر الشريعة فقال‪ :‬إن العمل بالمعنى المصدري ‪-‬ويسمى بالقدرة الجزئية‪ 0-‬أث‪00‬ر ق‪00‬درة‬
‫العبد‪ ،‬وأم‪0‬ا الحاص‪00‬ل بالمص‪0‬در‪ 0‬فه‪0‬و مخل‪0‬وق هلل تع‪0‬الى‪ .‬وعلى اإلحتم‪00‬الين تك‪0‬ون اآلي‪00‬ة ردا على‬
‫المعتزلة‪ 0،‬فإنهم قالوا‪ :‬إن عمل العبد بالمعنى‪ 0‬المصدري وبالمعنى الحاص‪00‬ل بالمص‪00‬در أث‪00‬ر لق‪00‬درة‬
‫العبد بدون تأثير‪ 0‬لقدرة هللا فيهما‪ ،‬إال أن هللا تعالى قد خلق القدرة الكلية في العبد‪.‬‬
‫‪187‬‬
‫تعالى وقدرة العبد‪ ، 1‬وفيه أن القدرة القديمة ال شريك لها وال معين‪ ،‬ونقل عن القاضي أن‬
‫قدرة العبد أثرت في فعله لوصفه بالطاع‪00‬ة أو المعص‪00‬ية‪ ،2‬قلن‪00‬ا ه‪00‬ذا ت‪00‬ابع لألم‪00‬ر والنهي‪،3‬‬
‫واضطرب النقل عن إمام الحرمين‪ ،‬فمما نقل عنه‪ :‬أنه لو لم تكن قدرة العبد مؤثرة لكانت‬
‫عجزاً‪ .4‬والذي نعتقده كما قاله السنوسي تنزي‪00‬ه ه‪00‬ؤالء األئم‪00‬ة عن مخالف‪00‬ة مش‪00‬هور أه‪00‬ل‬
‫السنة‪ ،5‬فهذه األقوال لم تص‪0‬ح عنهم‪ ،‬وربم‪0‬ا هجس لبعض القاص‪0‬رين أن من حج‪0‬ة العب‪0‬د‬
‫أن يقول هلل‪ :‬لم تعذبني والكل فعلك؟ وهذه مردودة بأن‪00‬ه ال يتوج‪00‬ه علي‪00‬ه تع‪00‬الى من غ‪00‬يره‬
‫سأ َ ُل َع َّما يَ ْف َع ُل) (األنبياء‪ :‬من اآلية‪ )23‬وكي‪00‬ف يك‪00‬ون للعب‪00‬د حج‪00‬ة‬
‫سؤال‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ال يُ ْ‬

‫‪ 1‬مراده أن قدرة هللا تكون معينة ومساعدة لقدرة العبد‪ ،‬ويلزم على ه‪00‬ذا الق‪00‬ول م‪00‬ع م‪00‬ا‬
‫قاله الشارح تبعض قدرة هللا تعالى وتجزيها‪ 0،‬وهو محال‪.‬‬
‫‪ { -107‬بيان مذهب الباقالني‪ 0‬ومذهب الماتريدية }‬
‫‪ 2‬مذهب القاضي أبو بكر الب‪00‬اقالني‪ 0‬أن ق‪0‬درة هللا تع‪00‬الى م‪0‬ؤثرة في أص‪00‬ل الفع‪0‬ل‪ ،‬وق‪0‬درة‬
‫العبد مؤثرة في وصفه‪ ،‬كلطم اليتيم‪ 0،‬من حيث هو حركة مخلوق هلل تعالى ومن حيث كونه طاعة‬
‫ومعصية أثر لقدرة العبد‪ ،‬فإن عزم التأديب فطاع‪00‬ة‪ ،‬وإن ع‪00‬زم اإلي‪0‬ذاء فمعص‪00‬ية‪ ،‬وه‪0‬ذا الم‪0‬ذهب‬
‫كما قال ابن أبي شريف في شرح المسايرة (‪ )111‬وغيره هو عين مذهب الماتريدية‪ ،‬فإن ق‪00‬درة‬
‫العبد عندهم عبارة عن العزم المصمم‪ ،‬وهو عب‪00‬ارة عن تعل‪00‬ق إرادة العب‪0‬د بالفع‪00‬ل‪ ،‬وك‪0‬ون الفع‪00‬ل‬
‫طاع‪00‬ة أو معص‪00‬ية أثرللع‪00‬زم‪ ،‬ألن العب‪00‬د ق‪00‬د ع‪00‬زم على أح‪00‬دهما‪ ،‬فالفع‪00‬ل إنم‪00‬ا اكتس‪00‬ب أح‪00‬د ه‪00‬ذين‬
‫الوصفين من عزمه الذي هو أثر قدرته عنده‪ ،‬فيكون الوصف أثر قدرت‪00‬ه ألن‪00‬ه أث‪00‬ر عزم‪00‬ه ال‪00‬ذي‬
‫هو أثر قدرته‪ ،‬وأث‪0‬ر األث‪00‬ر أث‪00‬ر‪ .‬والف‪00‬رق بين الم‪00‬ذهبين أن القاض‪00‬ي لم يص‪0‬رح ب‪0‬العزم المص‪0‬مم‪0،‬‬
‫وبكيفية تأثير‪ 0‬قدرة العبد في وصف الفعل وهو على ما ذكرناه والماتريدي‪0‬ة‪ 0‬لم يص‪00‬رحوا بالت‪00‬أثير‬
‫في وصف الفعل لكن لزمهم ذلك من قولهم بتأثير قدرة العبد في إرادة الجزئية‪.‬‬
‫والقاضي لم يقصد خصوص وصف الطاعة‪ 0‬والمعصية‪ ،‬بل أراد عموم وصف األفعال‪،‬‬
‫وذلك أن أفعال الجوارح كلها عبارة عن حركات متصفة بص‪00‬فات‪ 0‬وإنم‪00‬ا تتم‪00‬ايز‪ 0‬فيم‪00‬ا بينه‪00‬ا بتل‪0‬ك‪0‬‬
‫الصفات‪ 0‬كالقيام والقعود والمشي والص‪00‬الة والزن‪0‬ا‪ 0‬فالحرك‪00‬ات‪ 0‬مخلوق‪0‬ة هلل تع‪0‬الى‪ 0،‬والص‪00‬فات‪ 0‬أث‪00‬ر‬
‫قدرة العبد عند القاضي‪ ،‬ويق‪00‬ال مث‪00‬ل ه‪0‬ذا في أفع‪00‬ال النف‪00‬وس فإنه‪00‬ا حرك‪00‬ات نفس‪00‬ية م‪0‬ع ص‪00‬فات‪.‬‬
‫ص‪00‬رح به‪00‬ذا الس‪00‬يد الش‪00‬ريف في ش‪00‬رح المواق‪00‬ف (‪ )8/147‬حيث ق‪00‬ال ص‪00‬احب المواق‪00‬ف‪ :‬وق‪00‬ال‬
‫القاضي على أنه تتعلق قدرة هللا بأصل الفعل وقدرة العبد بكونه طاع‪00‬ة ومعص‪00‬ية‪ ،‬فش‪00‬رح الس‪00‬يد‬
‫هذا الكالم بقوله‪ :‬بصفته أعنى بكونه طاعة ومعصية إلى غير ذلك من األوصاف التى ال يوصف‬
‫بها أفعاله تعالى‪ ،‬فأضاف إلى كالم المتن قوله بصفته وقوله إلى غير ذلك من األوص‪0‬اف ال‪0‬تى ال‬
‫يوصف بها أفعاله تعالى‪.‬‬
‫‪ 3‬يعني أن هذا المذهب إنما يجري في فعل العبد بع‪00‬د ورود الش‪00‬رع‪ 0‬وبلوغ‪00‬ه للعب‪00‬د‪ ،‬وال‬
‫يجري في فعل العبد قبل بلوغ الشرع له‪ ،‬مع أن الخالف في أفعال العباد مطلقا ال فيها بعد بل‪00‬وغ‬
‫الشرع‪ .‬أقول وكذلك اليجرى في المباحات‪ .‬وهذا اإلعتراض إنما يرد على القاض‪00‬ي ل‪00‬و ك‪00‬ان أراد‬
‫بوصف الفعل خص‪0‬وص وص‪0‬ف الطاع‪0‬ة والمعص‪0‬ية‪ ،‬لكن‪0‬ك ق‪0‬د علمت‪ 0‬أن م‪0‬راد القاض‪0‬ي بوص‪0‬ف‬
‫الفعل ليس خوصوص وصف الطاعة‪ 0‬والمعصية بل وصفه مطلقا كما بين‪00‬اه آنف‪00‬ا‪ .‬فيك‪00‬ون ذك‪00‬رهم‬
‫للطاعة‪ 0‬والمعصية على سبيل المثال ال ألجل خصوص التأثير‪ 0‬بهما‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 4‬أي والعاجز ال يصح تكليف‪0‬ه فال ب‪0‬د أن تك‪0‬ون ق‪0‬درة العب‪0‬د م‪0‬ؤثرة بن‪0‬وع م‪0‬ا من أن‪0‬واع‬
‫التأثير وال يخفى أنه كالم مجمل‪.‬‬
‫‪ 5‬ليس هذا بكالم علمي بل كالم عاطفي‪ ،‬كيف وقد صح نقل مذاهبهم عنهم!‪.‬‬
‫‪188‬‬
‫وهلل الحجة البالغة‪ ،‬فال يسعنا إال التسليم المحض‪ ،‬ومع أن الفعل خيره وشره هلل‪ ،‬ف‪00‬األدب‬
‫أن ال ينس‪0‬ب ل‪0‬ه إال الحس‪00‬ن فينس‪0‬ب الخ‪00‬ير هلل والش‪00‬ر للنفس كس‪0‬باً‪ ،‬وإن ك‪0‬ان منس‪00‬وبا ً هلل‬
‫س‪0‬ك)‬ ‫س‪0‬يِّئَ ٍة فَ ِمنْ نَ ْف ِ‬
‫ص‪0‬ابَكَ ِمنْ َ‬ ‫س‪0‬نَ ٍة فَ ِمنَ هَّللا ِ َو َم‪00‬ا أَ َ‬ ‫إيج‪00‬اداً‪ ،‬ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪َ ( :‬م‪00‬ا أَ َ‬
‫ص‪0‬ابَكَ ِمنْ َح َ‬
‫ص‪0‬يبَ ٍة فَبِ َم‪00‬ا‬‫ص‪0‬ابَ ُك ْم ِمنْ ُم ِ‬ ‫(النساء‪ :‬من اآلية‪ )79‬أي كسباً‪ ،‬كما يفسره قوله تعالى‪َ ( :‬و َم‪00‬ا أَ َ‬
‫سبَتْ أَ ْي ِدي ُك ْم)‪( 1‬الشورى‪ :‬من اآلية‪ )30‬وأما قوله تعالى‪( :‬قُل ُك ٌّل ِمنْ ِع ْن ِد هَّللا ) (النس‪00‬اء‪:‬‬ ‫َك َ‬
‫من اآلية‪ )78‬فرجوع للحقيقة‪ ،‬وانظر إلى أدب الخضر علي‪00‬ه الص‪00‬الة والس‪00‬الم حيث ق‪00‬ال‪:‬‬
‫ش َّد ُه َما …) اآلي‪00‬ة (الكه‪00‬ف‪ :‬من اآلية‪)82‬وق‪00‬ال (فَ‪00‬أ َ َردْتُ أَنْ أَ ِعيبَ َه‪00‬ا)‬ ‫(فَأ َ َرا َد َربُّ َك أَنْ يَ ْبلُ َغا أَ ُ‬
‫(الكهف‪ :‬من اآلية‪ )79‬وتأمل قول إب‪00‬راهيم الخلي‪00‬ل علي‪00‬ه الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪( :‬الَّ ِذي َخلَقَنِي‬
‫ضتُ …) (الش‪00‬عراء‪ )80-78 :‬فلم يق‪00‬ل‬ ‫سقِي ِن‪َ ،‬وإِ َذا َم ِر ْ‬ ‫فَ ُه َو يَ ْه ِدي ِن‪َ ،‬والَّ ِذي ُه َو يُ ْط ِع ُمنِي َويَ ْ‬
‫أمرضني تأدباً‪ ،‬وإال فالكل من هللا تعالى‪.‬‬
‫(وقوله موفق) معط‪00‬وف على “ خ‪00‬الق “ بح‪00‬رف عط‪00‬ف مق‪00‬در‪ ،2‬كم‪00‬ا أش‪00‬ار إلي‪00‬ه‬
‫الشارح حيث قال “ وموف‪00‬ق “ فق‪00‬در ح‪00‬رف العط‪00‬ف “ وموف‪00‬ق “ م‪00‬أخوذ من التوفي‪00‬ق‪،‬‬
‫وهو لغة‪ :‬التأليف بين األشياء‪،‬‬
‫‪ { -108‬معنى التوقيف والخالف فيه }‬
‫وشرعاً‪ :‬خلق قدرة الطاعة في العبد‪ ،‬وهل يحتاج لق‪00‬ولهم‪ :‬وتس‪00‬هيل س‪00‬بيل الخ‪00‬ير‬
‫إليه‪ ،‬أو قولهم‪ :‬والداعية إليها‪ :‬أي الميل النفساني إلى الطاعة‪ ،‬أو ال يحتاج لذلك؟ خالف‬
‫مب‪00‬ني على الخالف في تفس‪00‬ير ق‪00‬درة الطاع‪00‬ة ففس‪00‬رها إم‪00‬ام الح‪00‬رمين بس‪00‬المة األس‪00‬باب‬
‫واآلالت‪ ،‬والم‪00‬راد من األس‪00‬باب‪ :3‬األش‪00‬ياء ال‪00‬تي تك‪00‬ون حامل‪00‬ة على الفع‪00‬ل‪ ،‬والم‪00‬راد من‬
‫اآلالت‪ :‬األشياء التي يحصل بها اإلعانة على الفعل‪ ،‬فالماء الذي يتوض‪00‬أ ب‪00‬ه من األس‪00‬باب‬
‫العرفية للصالة‪ ،‬واألعضاء التي تحاول بها الطاعة آالت لها‪ ،‬وعلى هذا التفسير فيحت‪00‬اج‬
‫لما ذك‪00‬ر إلخ‪0‬راج الك‪00‬افر‪ ،‬فإن‪00‬ه ليس موفق‪0‬اً‪ ،‬م‪00‬ع أن هللا خل‪00‬ق في‪00‬ه ق‪0‬درة الطاع‪00‬ة ب‪00‬المعنى‬
‫السابق‪ ،‬وفسرها األشعري بالعرض المقارن للطاعة‪ ،‬وعلى هذا التفس‪00‬ير فال يحت‪00‬اج لم‪00‬ا‬
‫ذكر ألن الكافر خارج من أول األمر‪ ،‬إذ لم يخلق هللا فيه قدرة الطاعة بهذا المعنى‪،‬‬
‫وأورد عليه أن الشخص مكلف قبل الطاع‪00‬ة‪ ،‬م‪00‬ع أن‪00‬ه قبله‪00‬ا على كالم‪00‬ه ليس في‪00‬ه‬
‫قدرة‪ ،‬فيلزم عليه تكليف العاجز وهو ممنوع‪ ،‬وأجيب بأنه قادر بالقوة القريبة لما اتص‪00‬ف‬
‫ب‪00‬ه من س‪00‬المة األس‪00‬باب واآلالت‪ 4‬وه‪00‬ذا بن‪00‬اء على م‪00‬ا قال‪00‬ه األش‪00‬عري من أن الع‪00‬رض‬

‫‪ 1‬فيه أن الكسب الذي في اآلية الكريم‪00‬ة ب‪00‬المعنى اللغ‪00‬وي و في كالم الش‪00‬ارح ب‪00‬المعنى‬
‫االصطالحي‪.‬‬
‫‪ 2‬ال حاجة إلى القول بالعطف‪ ،‬بعدما كان الظاهر فيه االستئناف‪.‬‬
‫‪ 3‬التحقيق في تفس‪00‬ير األس‪00‬باب واآلالت أن األس‪00‬باب‪ 0‬م‪00‬ا يتوق‪00‬ف عليه‪00‬ا الفع‪00‬ل ولم تكن‬
‫مؤثرة فيه مباشرة‪ ،‬كالقدرة والداعية واآلالت هي الم‪00‬ؤثرة في الفع‪00‬ل مباش‪00‬رة وه‪00‬و الج‪00‬وارح‪.‬‬
‫ويرد على الشارح أن الماء ليس بحامل على الصالة كما أنه ال يوصف بالسالمة‪.‬‬
‫‪ 4‬الص‪00‬واب‪ 0‬في الج‪00‬واب أن يق‪00‬ال إن الق‪00‬درة ال‪00‬تي هي ش‪00‬رط التكلي‪00‬ف هي ال‪00‬تي بمع‪00‬نى‬
‫سالمة األسباب واآلالت وهي متقدمة على الفعل‪ ،‬أو يقال إن الذي هو شرط التكليف هو س‪00‬المة‬
‫األس‪0‬باب‪ 0‬واآلالت س‪0‬واء س‪0‬ميناها ق‪0‬درة أم ال وكالم األش‪0‬عري إنم‪0‬ا ه‪0‬و في الق‪0‬درة ال‪0‬تي يتوق‪0‬ف‬
‫‪189‬‬
‫كالبياض ال يبقى زمانين‪ ، 1‬بل العرض في هذا الزمان غير العرض في الزمان الذي قبله‪،‬‬
‫وهكذا فيكون كالماء الجاري‪ ،‬والحق أن العرض يبقى زمانين‪ ،‬وعليه فال م‪00‬انع من تق‪00‬دم‬
‫القدرة على الطاعة عليها‪،‬‬
‫فتحصل من ذلك أن في التوفيق قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه خلق قدرة الطاعة في العبد وتسهيل سبيل الخ‪00‬ير إليه‪00‬ا والداعي‪00‬ة‬
‫إليها وفي بعض العبارات‪ :‬خلق الطاعة نفس‪00‬ها‪ ،‬وه‪00‬و ظ‪00‬اهر‪ ،‬والق‪00‬ول الث‪00‬اني‪ :‬أن‪00‬ه خل‪00‬ق‬
‫قدرة الطاعة في العبد‪ ،‬وهذان القوالن مبنيان على القولين في تفسير قدرة الطاعة؛‬
‫واقتصارهم على إخراج الكافر يقتضي أن الم‪00‬ؤمن العاص‪00‬ي موف‪00‬ق‪ ،‬وه‪00‬و الحق‪،2‬‬
‫خالفا ً لمن قال‪ :‬الموفق ال يعصي إذ ال قدرة له على المعصية‪ ،‬كما أن المخذول ال يطيع إذ‬
‫ال ق‪00‬درة ل‪00‬ه على الطاع‪00‬ة‪ ،‬ول‪00‬ك أن تق‪00‬ول‪ :‬الموف‪00‬ق ال يعص‪00‬ي من حيث م‪00‬ا وف‪00‬ق في‪00‬ه‪،‬‬
‫والمخذول ال يطيع من حيث ما خذل فيه‪ ،‬وقد سئل الجنيد‪ :‬أيعصي الولي؟ فأطرق ثم رفع‬
‫(و َك‪000‬انَ أَ ْم‪ُ 000‬ر هَّللا ِ قَ‪000‬دَراً َم ْق‪000‬دُوراً) (األح‪000‬زاب‪ :‬من اآلية‪ )38‬ومن كالم ابن‬
‫رأس‪000‬ه وق‪000‬ال‪َ :‬‬
‫الفارض‪:‬‬
‫من ذا الذي ما ساء قط ‪ ##‬ومن له الحسنى فقط‪.‬‬
‫فأجابه الهاتف بقوله‪:‬‬
‫محمد الهادي الذي ‪ ##‬عليه جبريل هبط‬
‫(قوله لمن أراد أن يصل) أي للذي أراد وصوله لرضاه ومحبته‪ ،‬ف‪00‬أن والفع‪00‬ل‪ ،‬في‬
‫تأويل مصدر مفعول أراد‪ ،‬والجار والمجرور‪ ،‬متعلق بموفق‪ ،‬وض‪00‬مير أراد عائ‪00‬د على هللا‬
‫تعالى‪ ،‬وضمير “ يصل “ عائد على “ من “ فالمعنى إن هللا موفق للش‪00‬خص ال‪00‬ذي أراد‬
‫هللا أن يصل لرضاه عنه ومحبته له‪.‬‬

‫عليها الفعل ويحصل معها‪ ،‬وهو مقارنة للفعل ال في القدرة التي هي مناط التكليف‪.‬‬
‫‪ 1‬الحق أنه ال عالقة للمسألة بتجدد األعراض‪ 0‬وعدم تجددها ألن الق‪00‬درة عن‪00‬د األش‪00‬عري‬
‫مقيدة بكونها مع الفعل فالمتقدمة على الفعل ليس‪00‬ت بق‪00‬درة عن‪00‬ده وام‪00‬ا عن‪00‬د إم‪00‬ام الح‪00‬رمين فهي‬
‫عبارة عن سالمة األسباب‪ 0‬واآلالت وهي بهذا المعنى موجودة قبل الفعل ومعه سواء قلنا بتج‪00‬دد‬
‫األعراض أم لم نقل فعلى الق‪00‬ول األول تتج‪00‬دد وقت الفع‪00‬ل وعلى الق‪00‬ول الث‪00‬اني‪ 0‬تس‪00‬تمر إلى وقت‪00‬ه‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الحق أن الكافر مثال وليس بقيد ومثله العاصي فإنه من حيث هو عاص غ‪00‬ير موف‪00‬ق‬
‫بل هو مخ‪00‬ذول وق‪00‬د يجتم‪00‬ع التوفي‪00‬ق والخ‪00‬ذالن في الش‪00‬خص الواح‪00‬د‪ ،‬ك‪00‬المؤمن ال‪00‬ذي يق‪00‬ع من‪00‬ه‬
‫العصيان‪ 0‬فيعتبر حينئذ في إطالق االسم الحالة‪ 0‬الغالب‪0‬ة‪ ،‬ف‪0‬الموفق من ك‪0‬ان غ‪00‬الب‪ 0‬حاالت‪00‬ه الطاع‪00‬ة‬
‫كما أن المخذول من كان غالب حاالته المعصية اعتب‪00‬اراً‪ 0‬للحال‪00‬ة الغالب‪00‬ة‪ ،‬وهك‪00‬ذا ينبغي أن يف‪00‬رق‬
‫بين تفسير التوفيق والخذالن وبين إطالق اسم الموفق والمخذول‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪190‬‬
‫وخاذ ٌل لمن أراد بُعده ‪ ##‬ومنجز لمن أراد وعده‬ ‫‪-46‬‬
‫ً‬
‫وقوله “ وخاذل “ من الخذالن‪ ،‬معناه لغة‪ :‬ترك النصرة واإلعانة‪ ،‬وشرعا‪ :‬خلق‬
‫المعص‪00‬ية في العب‪00‬د والداعي‪00‬ة إليه‪00‬ا‪ ،‬أو خل‪00‬ق ق‪00‬درة المعص‪00‬ية على ال‪00‬رأيين في التوفي‪00‬ق‪،‬‬
‫وقوله‪ “ :‬لمن أراد بعده “ أي للذي أراد بعده عن رضاه ومحبته كما تقدم نظيره‪( .‬قوله‬
‫ومنجز لمن أراد وعده) أي ومعطي للذي أراد به خيراً ما وعده به على لسان نبيه أو في‬
‫كتابه‪ ،‬فمفعول “ أراد “ محذوف‪ ،‬و “ وعده “ مفعول‪ “ 0‬منجز “ والمراد به الموعود‬
‫به‪ ،‬وأشار المصنف بذلك إلى أن وعد هللا المؤم‪0‬نين الجن‪0‬ة ال يتخل‪0‬ف ش‪0‬رعا ً قطع‪0‬ا ً لقول‪0‬ه‬
‫تعالى‪َ ( :‬و ْع َد هَّللا ِ ال يُ ْخلِفُ هَّللا ُ َو ْع‪َ 0‬دهُ) (ال‪00‬روم‪ :‬من اآلية‪( )6‬إِنَّ هَّللا َ ال يُ ْخلِ‪00‬فُ ا ْل ِمي َع‪00‬ادَ) (آل‬
‫عمران‪ :‬من اآلية‪ )9‬أي الوعد كما قاله بعض المفسرين‪ ،‬فلو تخلف إعطاء الموع‪00‬ود ب‪00‬ه‬
‫لزم الكذب والسفه والخلف‪ ،‬والالزم باط‪00‬ل فك‪00‬ذا المل‪00‬زوم‪ ،‬ف‪00‬الخلف في الوع‪00‬د نقص يجب‬
‫تنزيه هللا عنه‪ ،‬وهذا متفق عليه عند األشاعرة والماتريدية‪،‬‬

‫‪191‬‬
‫‪ { -109‬الخالف في جواز تخلف الوعيد من هللا تعالى }‬
‫وأما الوعيد فيجوز الخلف فيه عند األشاعرة‪ ،‬ألن الخلف فيه ال يعد نقصا ً ب‪0‬ل يع‪0‬د‬
‫كرما ً يمتدح به‪ ،‬كما يشير له قول الشاعر‪:‬‬
‫وإني إن أوعدته أو وعدته ‪ ##‬لمخلف إيعادي ومنجز موعدي‬
‫وق‪0‬د اع‪0‬ترض ج‪0‬واز تخل‪0‬ف الوعي‪0‬د بل‪0‬زوم مفاس‪0‬د كث‪0‬يرة منه‪0‬ا‪ :‬الك‪0‬ذب في خ‪0‬بره‬
‫تعالى‪ ،‬وقد قام اإلجماع على تنزه خ‪00‬بره تع‪00‬الى عن الك‪00‬ذب‪ ،‬ومنه‪00‬ا تب‪00‬دل الق‪00‬ول وق‪00‬د ق‪00‬ال‬
‫ي) (قّ‪ :‬من اآلية‪ )29‬ومنها تجويز ع‪00‬دم خل‪00‬ود الكف‪00‬ار في الن‪00‬ار‬ ‫تعالى‪َ ( :‬ما يُبَ َّد ُل ا ْلقَ ْو ُل لَ َد ّ‬
‫وهو خالف ما قامت عليه األدلة القطعية‪ 0‬من خلودهم فيها‪،‬‬
‫وأجيب عن األول بأن الكريم إذا أخبر بالوعيد فالالئق بكرم‪0‬ه أن يب‪00‬ني إخب‪0‬اره ب‪00‬ه‬
‫على المشيئة وإن لم يصرح بها‪ ،‬فإذا قال الكريم ألعذبن زيداً مثالً فنيته إن شئت‪ ،‬بخالف‬
‫الوعد فإن الالئق به أن يبني إخب‪00‬اره على الج‪00‬زم ق‪00‬ال ص‪00‬لى هللا علي وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ “ :‬من‬
‫وعده هللا على عمل ثوابا ً فهو منج‪00‬ز ل‪00‬ه‪ ،‬ومن أوع‪00‬ده على عم‪00‬ل عقاب‪0‬ا ً فه‪00‬و بالخي‪00‬ار إن‬
‫شاء عذبه‪ ،‬وإن شاء غف‪00‬ر ل‪00‬ه)‪ 1‬وعن الث‪00‬اني ب‪00‬أن الممن‪00‬وع إنم‪00‬ا تب‪00‬ديل الق‪00‬ول في وعي‪00‬د‬
‫ي) (قّ‪ :‬من اآلية‬ ‫الكفار أو من لم يرد هللا عنه عفواً فاآلية أعني قوله‪َ ( :‬ما يُبَ َّد ُل ا ْلقَ ْو ُل لَ ‪َ 0‬د ّ‬
‫‪ )29‬محمولة على ذلك‪ ،‬وعن الث‪0‬الث ب‪00‬أن ج‪00‬واز تخل‪00‬ف الوعي‪0‬د فيم‪0‬ا إذا ك‪00‬ان وارداً فيم‪0‬ا‬
‫يجوز العفو عنه‪ ،‬فال ينافي خلود الكفار في النار فإنه ال يج‪00‬وز العف‪00‬و عن الكف‪00‬ر‪ ،‬ق‪0‬ال هللا‬
‫ش‪0‬ا ُء) (النس‪00‬اء‪ :‬من اآلية‬ ‫ش َر َك بِ‪ِ 0‬ه َويَ ْغفِ‪ُ 0‬ر َم‪00‬ا دُونَ َذلِ‪00‬كَ لِ َمنْ يَ َ‬‫تعالى‪( :‬إِنَّ هَّللا َ ال يَ ْغفِ ُر أَنْ يُ ْ‬
‫وب َج ِميعاً) (الزمر‪ :‬من اآلية‪)53‬‬ ‫‪ )48‬وهذه اآلية مقيدة لقوله تعالى‪( :‬إِنَّ هَّللا َ يَ ْغفِ ُر ُّ‬
‫الذنُ َ‬
‫وذهبت الماتريدية إلى أنه يمتنع تخلف الوعيد كما يمتن‪00‬ع تخل‪00‬ف الوع‪00‬د‪ ،‬وال ي‪00‬رد‬
‫على ذلك أن الوعيد يتخلف في المؤمن المغف‪00‬ور ل‪00‬ه‪ ،‬ألن اآلي‪00‬ات ال‪00‬واردة بعم‪00‬وم‪ 0‬الوعي‪00‬د‬
‫مخرج منها الم‪0‬ؤمن المغف‪0‬ور ل‪0‬ه‪ ،‬وأم‪0‬ا غ‪0‬ير المغف‪0‬ور ل‪0‬ه‪ ،‬فالب‪0‬د من نف‪0‬وذ الوعي‪0‬د في‪0‬ه؛‬
‫فقولهم‪ :‬ال بد من إنفاذ الوعيد ولو في واحد اآلتي في قوله‪:‬‬
‫وواجب تعذيب بعض ارتكب ‪ ##‬كبيرة … إلى آخره‬
‫إنما يظهر على كالم الماتريدية‪،‬‬
‫وينبني على الخالف بين األشاعرة والماتريدية أنه يص‪00‬ح على ق‪00‬ول األش‪00‬اعرة أن‬
‫تقول‪ :‬اللهم اغفر لجميع المؤمنين جمي‪00‬ع ذن‪00‬وبهم‪ ،‬وال يص‪00‬ح ذل‪00‬ك على كالم الماتريدي‪00‬ة‪،‬‬
‫فظهر أن الخالف حقيقي‪ 2‬وإن جعله بعضهم لفظياً‪ ،‬فتدبر‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه البزار كما في كشف األستار‪ )3235( 0‬وأبو يعلى (‪ )3316‬عن أنس وابن كثير‬
‫في التفسير‪ 2/318 0‬والهيثمي في مجمع الزوائد (‪.)10/211‬‬
‫‪ 2‬قوله فظهر أن الخالف حقيقي‪ :‬أقول‪ :‬التحقيق أن الخالف لفظي ف‪00‬إن حاص‪00‬ل الخالف‬
‫يرجع إلى أن األشاعرة يقولون بجواز الخلف في الوعي‪00‬د المعل‪00‬ق وإن الماتريدي‪00‬ة يقول‪00‬ون بع‪0‬دم‬
‫جوازه في الوعيد المبرم‪ 0،‬فلم يرد القوالن على محل واح‪00‬د‪ ،‬وام‪00‬ا ق‪00‬ولهم‪ :‬الب‪00‬د من نف‪00‬اذ الوعي‪00‬د‬
‫ولو في واحد‪ ،‬فه‪0‬ذا أم‪0‬ر متف‪0‬ق علي‪0‬ه‪ 0‬لقي‪0‬ام األدل‪0‬ة الس‪0‬معية علي‪0‬ه فه‪0‬و من قبي‪0‬ل تع‪0‬ذيب الك‪0‬افر‬
‫وتخليده في النار وال عالقة له بالخالف السابق‪ ،‬ومثله الدعاء لجمي‪00‬ع المؤم‪00‬نين بمغف‪00‬رة جمي‪00‬ع‬
‫ذنوبهم‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪192‬‬
‫فو ُز السعيد عنده في األزل ‪ ##‬كذا الشقي ثم لم ينتقل‬ ‫‪-47‬‬
‫(قول‪00‬ه ف‪00‬وز الس‪00‬عيد عن‪00‬ده في األزل) “ ف‪00‬وز “ مبت‪00‬دأ‪ ،‬و “ في األزل “ متعل‪00‬ق‬
‫بمحذوف خبر‪ ،‬والظرف المضاف للض‪0‬مير العائ‪00‬د على هللا تع‪00‬الى متعل‪0‬ق بمح‪00‬ذوف ح‪00‬ال‪،‬‬
‫والتقدير‪ :‬فوز السعيد مقدر في األزل حال كونه س‪00‬ابقا ً عن‪00‬ده تع‪00‬الى‪ ،‬أي‪َ :‬علِ َم‪ 0‬هُ‪ ،‬ف‪00‬المراد‬
‫من العندية‪ :‬العلم‪ ،‬والفوز‪ ،‬النجاة والظفر بالخير‪ ،‬كما في الق‪00‬اموس‪ ،‬واألزل‪ :‬عب‪00‬ارة عن‬
‫عدم األولية‪ ،‬أو عن استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهي‪00‬ة في ج‪00‬انب الماض‪00‬ي‪،‬‬
‫وإنما قلنا “ مقدرة “ ألنه ال أزمنة في األزل‪ ،‬فهي مقدرة ال محققة‪،1‬‬
‫وقوله “ كذا الشقي “ أي شقاؤه عنده في األزل مثل ف‪00‬وز الس‪00‬عيد‪ ،‬فليس ك‪00‬ل من‬
‫فوز الس‪00‬عيد وش‪00‬قاء الش‪00‬قي باعتب‪00‬ار الوص‪00‬ف الق‪00‬ائم ب‪00‬ه في الح‪00‬ال من اإليم‪00‬ان في األول‬
‫والكفر في الثاني‪ ،‬بل باعتبار ما سبق أوالً في علمه تع‪00‬الى‪ ،‬وقول‪00‬ه “ ثم لم ينتق‪00‬ل “ أي‬
‫لم يتحول كل واحد من السعيد والشقي عما سبق أزالً في علمه تعالى‪.‬‬

‫‪ 1‬ويعبر عن األزمنة المقدرة باالمتداد الموهوم‪.‬‬


‫‪193‬‬
‫فالس‪000‬عيد ال ينقلب ش‪000‬قيا ً وب‪000‬العكس‪ ،‬وإال ل‪000‬زم انقالب العلم جهالً وه‪000‬و ب‪000‬ديهي‬
‫االستحالة‪ ،‬فالس‪00‬عادة والش‪00‬قاوة مق‪00‬درتان في األزل ال يتغ‪00‬يران وال يتب‪00‬دالن‪ ،‬ألن الس‪00‬عادة‬
‫هي الموت على اإليمان باعتبار تعلق علم هللا أزالً بذلك‪ .‬والشقاوة هي الموت على الكف‪00‬ر‬
‫‪1‬‬
‫بذلك االعتبار‪ ،‬فالخاتمة تدل على الس‪00‬ابقة‪ ،‬ف‪00‬إن ختم ل‪00‬ه باإليم‪00‬ان دل على أن‪00‬ه في األزل‬
‫ك‪00‬ان من الس‪00‬عداء‪ ،‬وإن تقدم‪00‬ه كف‪00‬ر‪ ،‬وإن ختم ل‪00‬ه ب‪00‬الكفر دل على أن‪00‬ه في األزل ك‪00‬ان من‬
‫األشقياء وإن تقدمه إيمان‪ ،‬كما ي‪00‬دل ل‪0‬ه ح‪00‬ديث الص‪0‬حيحين (إن أح‪00‬دكم ليعم‪00‬ل بعم‪00‬ل أه‪0‬ل‬
‫النار حتى ما يك‪00‬ون بين‪00‬ه وبينه‪00‬ا إال ذراع فيس‪00‬بق علي‪00‬ه الكت‪00‬اب فيعم‪00‬ل بعم‪00‬ل أه‪00‬ل الجن‪00‬ة‬
‫فيدخلها‪ ،‬وإن أحدكم‪ 0‬ليعمل بعمل أهل الجنة ح‪00‬تى م‪0‬ا يك‪00‬ون بين‪00‬ه وبينه‪00‬ا إال ذراع فيس‪00‬بق‬
‫علي‪00‬ه الكت‪00‬اب فيعم‪00‬ل بعم‪00‬ل أه‪00‬ل الن‪00‬ار في‪00‬دخلها)‪ ،2‬وخ‪00‬وف العام‪00‬ة من الخاتم‪00‬ة‪ ،‬وخ‪00‬وف‬
‫الخاصة من السابقة‪ ،‬وهو أشد وإن تالزما‪ ،‬هذا ما ذهب إليه األشاعرة‪.‬‬
‫وذهبت الماتريدي‪00‬ة إلى أن الس‪00‬عادة هي اإليم‪00‬ان في الح‪00‬ال‪ ،‬والش‪00‬قاوة هي الكف‪00‬ر‬
‫كذلك؛ فالسعيد هو المؤمن في الح‪00‬ال وإذا م‪00‬ات على الكف‪00‬ر فق‪00‬د انقلب ش‪00‬قيا ً بع‪00‬د أن ك‪00‬ان‬
‫سعيداً‪ ،‬والشقي هو الكافر في الحال وإذا مات على اإليمان فقد انقلب س‪00‬عيداً بع‪00‬د أن ك‪00‬ان‬
‫شقياً‪ ،‬ويترتب على الخالف‪ 3‬بين األشاعرة والماتريدية أنه يصح أن تقول‪ :‬أن‪0‬ا م‪00‬ؤمن إن‬
‫شاء هللا على قول األشاعرة‪ ،‬وأنه ال يصح ذلك على الثاني‪.‬‬
‫وحكى بعض‪0‬هم في ذل‪0‬ك خالف‪0‬ا ً على غ‪0‬ير ه‪0‬ذا الوج‪0‬ه حيث ق‪0‬ال‪ :‬ج‪0‬وزه الش‪0‬افعي‪،‬‬
‫ومنعه مال‪00‬ك وأب‪00‬و حنيف‪00‬ة‪ ،‬وق‪00‬ال بعض أتب‪00‬اع مال‪00‬ك بوجوب‪00‬ه‪ ،‬وذل‪00‬ك إن لم ي‪00‬رد الشك‪ 4‬أو‬

‫‪ 1‬أي في علم هللا تعالى‪.‬‬


‫‪ 2‬الحديث أخرجه البخاري في كتاب بدأ الخلق باب ذكر المالئكة ب‪00‬رقم (‪ )3208‬ومس‪00‬لم‬
‫في كتاب القدر برقم (‪.)2643‬‬
‫‪( 3‬قول‪00‬ه وي‪00‬ترتب على الخالف ‪ ..‬إلخ) ه‪0‬ذا ال‪00‬ترتب‪ 0‬غ‪00‬ير ظ‪00‬اهر‪ ،‬ب‪00‬ل الظ‪00‬اهر ص‪00‬حة أن‬
‫يق‪00‬ال‪ :‬أن‪00‬ا س‪00‬عيد إن ش‪00‬اء هللا على األول‪ ،‬وع‪00‬دم ص‪00‬حة ذل‪00‬ك على الث‪00‬اني‪ 0،‬ألن الس‪00‬عادة عن‪00‬د‬
‫األش‪00‬اعرة‪ :‬هي الم‪00‬وت على اإليم‪00‬ان‪ 0،‬فهي مس‪00‬تقبلة‪ 0،‬فيص‪00‬ح تعليقه‪00‬ا‪ ،‬وعن‪00‬د الماتريدي‪00‬ة‪ :‬هي‬
‫اإليم‪00‬ان الح‪00‬الي‪ 0،‬أي الحاص‪00‬ل بالفع‪00‬ل‪ ،‬والحاص‪00‬ل بالفع‪00‬ل ال يعل‪00‬ق‪ ،‬والخالف في تعلي‪00‬ق اإليم‪00‬ان‪0‬‬
‫وعدمه إنما هو بين األئمة‪ ،‬هذا ما ظهر‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله‪" :‬وذلك إن لم يرد الشك ‪ ..‬إلخ" الشك الممن‪0‬وع‪ ،‬أن ي‪0‬تردد في أن‪0‬ه ه‪0‬ل يس‪0‬تمر‬
‫على اإليمان‪ 0‬أو يقطعه‪ ،‬وأما لو تردد اآلن في أنه هل يكون مؤمنا ً عن‪00‬د الم‪00‬وت أو ال‪ ،‬فه‪00‬ذا ش‪00‬ك‬
‫غير ممنوع‪ ،‬ألن الخاتمة‪ 0‬مجهولة‪ ،‬والحاصل أن اآلتي بالمشيئة‪ ،‬إما أن يقصد التبرك‪ 0،‬وإم‪00‬ا أن‬
‫يقصد التعليق ومن الزمه الشك‪ ،‬وإما أن يطلق؛ وللتعليق باعتب‪00‬ار الش‪00‬ك الالزم ص‪00‬ورتان‪ 0،‬ألن‪00‬ه‬
‫تارة يشك في أنه يستمر على اإليمان‪ 0‬أو يقطعه وتارة يشك ه‪00‬ل يك‪00‬ون مؤمن‪0‬ا ً عن‪00‬د الم‪00‬وت أو ال‬
‫فإن قصد التبرك‪ 0‬جازت المشيئة بال خالف وإن قصد التعليق مع الصورة األولى للشك‪ 0‬امتن‪00‬ع بال‬
‫خالف فتبين أن محل الخالف ما لو أطلق أو قصد التعليق مع صورة الشك الثانية‪ 0‬هذا م‪00‬ا ظه‪00‬ر‪.‬‬
‫أجهوري‪.‬‬
‫‪194‬‬
‫الت‪00‬برك‪ ،‬وإال امتن‪00‬ع في األول إجماع‪0‬ا ً وج‪00‬از في الث‪00‬اني ك‪00‬ذلك‪ ،5‬وق‪00‬د نظم بعض األفاض‪00‬ل‬
‫حاصل هذا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫من قال إني مؤمن يمنع من ‪ ##‬مقاله “ إن شاء ربي “ يا فطن‬
‫وذا لمالك‪ .‬وبعض تابعيه ‪ ##‬يوجب أن يقول هذا يا نبيه‬
‫‪ ##‬والشافعي ج ّوز هذا فاعرف‬ ‫ومثل ما لمالك للحنفي‪.‬‬
‫الشك في إيمانه يا منتبه‬ ‫وامنعه إجماعا ً إذا أراد به ‪##‬‬
‫تبرك بذكر خالق العباد‬ ‫‪##‬‬ ‫كعدم‪ 0‬المنع إذا به يراد‬
‫تبركا ً فكن بذا محتفالً‬ ‫ً‬
‫فالخلف حيث لم يرد شكا وال ‪##‬‬
‫وبالجملة فالخالف بين األشاعرة والماتريدية لفظي‪ ،‬ألنهم اختلف‪00‬وا‪ 0‬في الم‪00‬راد من‬
‫لفظ السعادةولفظ‪ 0‬الشقاوة‪ 1‬مع االتفاق في األحكام‪0.‬‬

‫‪{ -111‬للعبد كسب غير مؤثر في فعله عند أهل السنة وبيان المذاهب في ذلك}‬
‫‪2‬‬
‫وعندنا للعبد كسب كلفا ‪ ##‬ولم يكن مؤثرا فلتعرفا‬ ‫‪-48‬‬
‫‪ 5‬فيه أنه قد منعه بعض العلماء عند قصد التبرك أيضاً‪ ،‬وعلله ب‪00‬أن اإليم‪00‬ان ألهميت‪00‬ه ال‬
‫يجوز قرنه بم‪0‬ا ه‪0‬و تعلي‪0‬ق ص‪0‬ورة خوف‪0‬ا ً من أن يتع‪0‬دى المتم‪0‬رن‪ 0‬علي‪0‬ه من ص‪0‬ورة التعلي‪0‬ق إلى‬
‫حقيقته‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫أي في معنى لفظي السعادة والشقاوة‪.‬‬
‫‪ { -110‬مقالة تاج الدين السبكي في اثبات‪ 0‬الكسب }‬
‫‪ 2‬قوله‪ :‬وعندنا للعبد كسب كلفا ‪...‬الخ‪ ،‬لإلمام أبي نصر عبد الوهاب تاج ال‪00‬دين الس‪00‬بكي‬
‫في إثبات‪ 0‬الكسب على طريقة أهل السنة كالم قيم متين في كتابه ( رفع الحاجب عن مختصر ابن‬
‫الحاجب‪ )1/462- 0‬فأردنا أن نورده هنا لنفاس‪00‬ته‪ 0‬ق‪00‬ال رحم‪00‬ه هللا تع‪00‬الى ‪ :‬ولي هن‪00‬ا طريق‪00‬ة أراه‪00‬ا‬
‫الصواب‪ ،‬فاقتصر على ذكرها قائال ‪ :‬ثبت لنا قاعدتان‪0:‬‬
‫إحديهما‪ :‬أن العبد غير خالق ألفعال نفسه‬
‫والثاني‪00‬ة ‪ :‬أن هللا ال يع‪00‬اقب إال على م‪00‬ا فعل‪00‬ه العب‪00‬د ‪ ،‬والث‪00‬واب والعق‪00‬اب واقع‪00‬ان على‬
‫الجوارح‪ ،‬فلزمت الواسطة بين القدر والجبر‪ 0،‬وساعدنا عليها شاهد في الخ‪00‬ارج ‪ ،‬وه‪00‬و التفرق‪00‬ة‬
‫الضرورية بين حركة المرتعش والمريد‪ ،‬فأثبتنا هذه الواسطة‪ ،‬وسميناها بالكسب لقول‪0‬ه تع‪0‬الى‪0:‬‬
‫( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)‪ 0‬وغير ذلك من اآلي واألخبار‪ ،‬فإن سئلنا عن التعبير‪ 0‬عن هذا‬
‫‪195‬‬
‫(قوله وعندنا ‪ ..‬إلخ) الظرف متعلق بالنسبة بين المبتدأ وهو “ كس‪00‬ب “ والخ‪00‬بر‬
‫ه‪00‬و الج‪00‬ار والمج‪00‬رور‪ ،‬والض‪00‬مير في “ عن‪00‬دنا “ أله‪00‬ل الس‪00‬نة والح‪00‬ق‪ ،‬بخالف الجبري‪00‬ة‬
‫والمعتزلة الم‪0‬ردود عليهم‪0‬ا فيم‪0‬ا س‪0‬يأتي‪ ،‬وق‪0‬د أش‪0‬ار المص‪0‬نف في المتن إلى أن في ه‪0‬ذه‬
‫المسألة ثالثة مذاهب‪،1‬‬
‫األول مذهب أه‪00‬ل الس‪00‬نة‪ ،‬وه‪00‬و أن‪00‬ه ليس للعب‪00‬د في أفعال‪00‬ه االختياري‪00‬ة إال الكس‪00‬ب‪،‬‬
‫فليس مجبوراً كما تقول الجبرية‪ ،‬وليس خالقا ً لها كما تقول المعتزلة‪،‬‬

‫الكسب بتعريف جامع مانع قلنا‪ 0:‬ال سبيل لنا إلى ذلك والسالم‪ ،‬فرب ثابت‪ 0‬ال تحي‪00‬ط ب‪00‬ه العب‪00‬ارات‪،‬‬
‫ومحسوس ال تكتنفه اإلشارات‪.‬‬
‫َ‬
‫ومن أصحابنا‪ 0‬من أخذ يحقق الكسب فوقع في معضل أ ِرب ال قِبَ َل له به‪.‬‬
‫والصواب عندنا‪ :‬أن‪0‬ه أم‪0‬ر ل‪0‬زم عن ح‪0‬ق فك‪0‬ان حق‪0‬ا‪ 0،‬وعض‪0‬ده م‪0‬ا ذكرن‪0‬اه‪ ،‬فعرفن‪0‬اه على‬
‫الجملة دون التفصيل‪.‬‬
‫وما أحسن قول علي بن موسى الرضا‪ 0‬وقد سئل‪ :‬أيكلف هللا العباد بم‪00‬ا ال يطيق‪00‬ون؟ ق‪00‬ال‪:‬‬
‫هو أعدل من ذلك‪.‬‬
‫قيل‪ :‬أفيستطيعون أن يفعلوا ما يريدون ؟ قال‪ :‬هم أعجز من ذلك‪.‬‬
‫وعلي الرضا هو ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الب‪00‬اقر بن زين العاب‪00‬دين‪0‬‬
‫بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب‪-‬رضي هللا تع‪00‬الى‪ 0‬عنهم‪ -‬وه‪0‬ذا ال‪00‬ذي قال‪00‬ه عين م‪0‬ذهبنا‪0‬‬
‫فافهمه‪.‬‬
‫وهو قبل األشعري وفاة بما ينيف على مائة وعشرين سنة‪ ،‬فإن‪00‬ه م‪00‬ات بـ(ط‪00‬وس) س‪00‬نة‬
‫ثالث ومائتين‪– 0‬قبل الشافعي بسنة‪ -‬واألشعري مات بعد العشرين‪ 0‬وثلثمائة‪.‬‬
‫فإن قلت‪:‬وأي برهان قام على إبطال القدر والجبر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬نحن نشير إلى زب‪0‬دة الق‪0‬ول في‪0‬ه فنق‪0‬ول‪:‬ق‪0‬د تق‪0‬رر عن‪0‬د ك‪0‬ل ذي لب أن ال‪0‬رب تع‪0‬الى‪0‬‬
‫مط‪00‬الب عب‪00‬اده بأعم‪00‬الهم في ح‪00‬الهم‪،‬وم‪00‬ثيبهم ويع‪00‬اقبهم عليه‪00‬ا في م‪00‬آلهم ‪ ،‬وت‪00‬بين بالنص‪00‬وص‬
‫المترقية عن درجات التأويل أنهم من الوفاء بما كلفوه بسبيل‪.‬‬
‫ومن نظر في كليات‪ 0‬الش‪00‬رائع‪ ،‬وم‪00‬ا فيه‪00‬ا من اإلس‪00‬تحثاث على المكرم‪00‬ات والزواج‪00‬ر عن‬
‫الموبقات‪ 0،‬وما اشتملت عليه من وعد الطائعين بالزلفى‪ 0،‬ووعي‪0‬د العاص‪0‬ين بس‪0‬وء المنقلب‪ 0،‬وم‪0‬ا‬
‫تضمنه قوله تعالى‪ 0:‬تعديتم وعصيتم وأبيتم‪ ،‬وقد أرخيت لكم الطول وفسحت لكم المهل؛ فأرسلت‬
‫الرسل وأوضحت السبل لئال يكون للن‪00‬اس‪ 0‬على هللا حج‪00‬ة‪ ،‬وأح‪00‬اط ب‪00‬ذلك كل‪00‬ه‪ ،‬ثم اس‪00‬تراب‪ 0‬في أن‬
‫القول بالجبر باطل فهو مصاب‪ 0‬في عقله‪ 0،‬أو ملقى من التقليد في وهدة من جهله‪.‬‬
‫فإن أخذ الجبري بقول‪ ( :‬ال يسأل عما يفعل وهم يسألون ) [سورة األنبياء‪] 23 :‬‬
‫قيل له‪ :‬كلمة حق أريد بها باطل‪ ،‬نعم يفعل هللا ما يش‪00‬اء‪ 0،‬ويحكم م‪00‬ا يري‪00‬د‪ ،‬ولكن يتق‪00‬دس‬
‫عن الخلف ونقيض الصدق‪ ،‬وقد فهمنا بضرورات‪ 0‬العقول من الشرع‪ 0‬المنق‪00‬ول أن‪0‬ه ع‪00‬زت قدرت‪0‬ه‬
‫طالب عباده بما أخبر أنهم متمكنون من الوفاء به‪ ،‬فلم يكلفهم إال على مبلغ الطاقة والوسع‪ ،‬فقد‬
‫الح إبطال القول بالجبر‪.‬‬
‫وأس‪00‬فه من‪00‬ه الق‪00‬ول بخل‪00‬ق األفع‪00‬ال‪ ،‬ف‪00‬إن في‪00‬ه مروق‪00‬ا عم‪00‬ا درج علي‪00‬ه األول‪00‬ون‪ ،‬واقتح‪00‬ام‬
‫ورطات الضالل‪ 0،‬ولزوم ح‪0‬دوث الفع‪00‬ل الواح‪0‬د بق‪0‬ادرين‪ ،‬وم‪0‬دانات‪ 0‬الق‪00‬ول بش‪00‬ريك الب‪0‬اري‪ ،‬ولق‪0‬د‬
‫أجمع المسلمون قاطبة قبل ظهور البدع واآلراء‪ ،‬وإجتماع أصحاب‪ 0‬األهواء على أنه ال خالق إال‬
‫هللا‪ ،‬وفاهوا به كما فاهوا بقولهم‪ :‬الإله إال هللا‪ ،‬وتمدح الرب س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى في آي من الكت‪00‬اب‪0‬‬
‫‪196‬‬
‫الثاني مذهب الجبري‪0‬ة‪ :‬وه‪0‬و أن العب‪0‬د ليس ل‪0‬ه كس‪0‬ب ب‪0‬ل ه‪0‬و مجب‪0‬ور أي مقه‪0‬ور‬
‫كالريشة المعلقة في الهواء تقلبها الرياح كيف شاءت‪،‬‬
‫الثالث مذهب المعتزلة‪ :‬وهو أن العب‪00‬د خ‪00‬الق ألفعال‪00‬ه االختياري‪00‬ة بق‪00‬درة خلقه‪00‬ا هللا‬
‫فيه‪ ،‬ولقولهم بقدرة خلقها هللا فيه لم يكفروا على األص‪00‬ح‪ ،‬فالجبري‪00‬ة أفرط‪00‬وا‪ ،‬والمعتزل‪00‬ة‬
‫فرطوا‪ ،‬وتوسط أهل السنة‪ ،‬وخير األمور أوساطها‪ ،‬فخرج مذهبهم من بين فرث ودم لبنا ً‬
‫خالصا ً سائغا ً للشاربين‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬قد قام البرهان على وجوب استقالله تعالى باألفعال والمق‪00‬دور الواح‪00‬د ال‬
‫يدخل تحت قدرتين‪ 1‬كما يس‪00‬تلزمه إثب‪00‬اتكم للعب‪00‬د كس‪00‬باً‪ :‬أجيب بأن‪00‬ه لم‪00‬ا ثبت بالبره‪00‬ان أن‬
‫الخ‪00‬الق ه‪00‬و هللا س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى‪ ،‬وبالض‪00‬رورة أن لق‪00‬درة العب‪00‬د م‪00‬دخالً في بعض األفع‪00‬ال‬
‫كحركة البطش‪ ،‬دون البعض كحركة االرتعاش‪ ،‬احتجنا في التخلص عن هذا المضيق بأن‬
‫هللا خالق للفعل‪ ،‬لكن للعبد في االختياري منه كسب‪ ،‬والمقدور الواحد يدخل تحت ق‪00‬درتين‬
‫بجهتين مختلف‪00‬تين‪ ،‬في‪00‬دخل تحت ق‪00‬در هللا تع‪00‬الى بجه‪00‬ة الخل‪00‬ق‪ ،‬وتحت ق‪00‬درة العب‪00‬د بجه‪00‬ة‬
‫الكسب‪.‬‬
‫(قوله للعبد) المراد به كل مخلوق يصدر عنه فعل اختياري‪ ،‬قال المصنف‪ :‬فيشمل‬
‫حنين الجذع بالمقدور‪ ،2‬ومشي الشجر‪ ،‬وتسبيح الحصى‪ ،‬وهذا يقتض‪00‬ي أن مث‪00‬ل ذل‪00‬ك من‬
‫محل الخالف فلينظر‪،3‬‬
‫‪ { -112‬تعريف الكسب }‬
‫وقوله “ كسب “ هو “ تعلق القدرة الحادثة “ ‪ ،‬وقيل‪ :‬هو اإلرادة الحادثة‪4‬؛ ف‪00‬إن‬
‫األم‪00‬ور األربع‪00‬ة‪ :‬إرادة س‪00‬ابقة‪ ،‬وق‪00‬درة وفع‪00‬ل مقترن‪00‬ان‪ ،‬وارتب‪00‬اط بينهما‪ ،5‬فعلى تفس‪00‬ير‬

‫بقوله‪ ( :‬أفمن يخلق كمن ال يخل‪00‬ق) [ س‪00‬ورة النح‪00‬ل‪ ( .]18 :‬ه‪00‬ل من خ‪00‬الق غ‪00‬ير هللا ) [ س‪00‬ورة‬
‫الفاطر‪ ( ]30:‬وخلق كل شيء ) [ سورة األنعام‪.]101 :‬فال يشك لبيب أن من وصف نفسه بكون‪00‬ه‬
‫خالقا‪ 0‬على الحقيقة‪ 0‬فقد أعظم الفرية على ربه‬
‫فلقد وضح كالشمس أن الجبري مبط‪00‬ل ل‪00‬دعوة األنبي‪00‬اء عليهم الس‪00‬الم‪ ،‬والق‪00‬دري مثبت‬
‫لربه شريكا‪ .‬وهذه جملة ال يقنع بها الطالب‪ 0‬للبسط‪ ،‬وفيه‪00‬ا رم‪00‬ز إلى خالص‪00‬ة م‪00‬ا يقول‪00‬ه علمائن‪0‬ا‪0‬‬
‫رضي هللا تعالى عنهم‪.‬‬
‫‪ 1‬حيث صرح بمذهب أهل السنة‪ ،‬وأشار بقوله‪ :‬كسب إلى مذهب الجبرية القائلين بنفي‬
‫الكسب‪ ،‬وبقوله‪ :‬ولم يكن مؤثرا إلى مذهب المعتزلة القائلين بالتأثير‪.‬‬
‫‪ 1‬قد تقدم االستدالل على هذا في مبحث الوحدانية‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله ‪:‬بالمقدور‪ .‬ال يظهر له معنى وهو غير موجود في حاشية األمير‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله فلينظر‪ 0:‬الذي ينظر يظهر له أنها ليست‪ 0‬من محل الخالف وأن هللا تعالى قد خلق‬
‫هذه األمور على سبيل خرق العادة بدون كسب لمحل الفعل فيه‪.‬‬
‫‪ 4‬أي العزم على الفعل وتوجيه القصد إليه المقرون بالفعل ويسمى العزم المص َّمم وهذا‬
‫هو مذهب الماتريدية واألول مذهب األشاعرة وصدر الشريعة على أن تعلق القدرة أثر ق‪00‬درة هللا‬
‫عند األشاعرة‪ ،‬وأثر قدرة العبد عند صدر الشريعة‪.‬‬
‫‪ 5‬وهو تعلق القدرة بالفعل‪.‬‬
‫‪197‬‬
‫الكس‪00‬ب به‪00‬ذا االرتب‪00‬اط وه‪00‬و تعل‪00‬ق الق‪00‬درة بالمق‪00‬دور‪ 1‬ليس مخلوق‪00‬اً‪ ،‬ألن‪00‬ه من األم‪00‬ور‬
‫االعتبارية‪ ،‬وعلى تفسيره باإلرادة الحادثة يكون مخلوقاً‪ .‬وقد عرف‪00‬وا الكس‪00‬ب بتع‪00‬ريفين‪،‬‬
‫األول‪ :‬أنه ما يقع به المقدور من غ‪0‬ير ص‪0‬حة انف‪0‬راد الق‪0‬ادر به‪: “ 2‬أي ارتب‪0‬اط وتعل‪0‬ق أو‬
‫إرادة على ما سبق من القولين يقع المق‪00‬دور‪ ،‬كالحرك‪00‬ة متلبس‪0‬ا ً ومص‪00‬حوبا ً به‪ ،3‬من غ‪00‬ير‬
‫صحة كون القادر‪-‬وهو العبد‪-‬ينف‪00‬رد ب‪00‬ذلك المق‪00‬دور‪ ،‬ب‪00‬ل ومن غ‪00‬ير ص‪00‬حة المش‪00‬اركة إذ ال‬
‫تأثير منه بوجه ما‪ ،‬وإنما له مجرد المقارنة والخالق الحق منفرد بعموم التأثير‪.‬‬
‫الثاني‪ “ :‬أنه ما يقع به المقدور في محل قدرته “ ‪ :4‬أي ارتب‪00‬اط وتعل‪00‬ق أو إرادة‪،‬‬
‫على ما م‪0‬ر من الق‪0‬ولين يق‪0‬ع المق‪0‬دور‪ ،‬كالحرك‪0‬ة متلبس‪0‬ا ً ومص‪0‬حوبا ً ب‪0‬ه‪ ،‬ح‪0‬ال ك‪0‬ون ه‪0‬ذا‬
‫المقدور في مح‪00‬ل قدرت‪00‬ه كالي‪00‬د‪ ،‬وقول‪00‬ه‪ “ :‬كلف‪00‬ا “ ألف‪00‬ه لإلطالق‪ ،‬وه‪00‬و مب‪00‬ني للمفع‪00‬ول‪،‬‬
‫ونائب الفاعل ضمير يعود على العبد‪ ،‬واألصل‪ :‬كلفه هللا‪ ،‬أي ألزمه ما فيه كلف‪00‬ة‪ ،‬أو طلب‬
‫منه ما في‪00‬ه كلف‪00‬ة‪ ،‬على الخالف من تفس‪00‬ير التكلي‪00‬ف؛ ويفهم من إثب‪00‬ات الكس‪00‬ب ال‪00‬ذي ه‪00‬و‬
‫سبب في التكليف‪ :‬رد مذهب الجبرية‬
‫(قوله ولم يكن مؤثراً فلتعرفا) هذه النسخة هي التي أصلحها المص‪00‬نف رحم‪00‬ه هللا‬
‫ض ِة‪ ،‬وهي أحسن من المتداولة التي كتبها أوالً في تأليفه وهي‪:‬‬ ‫تعالى في ال ُمبَيَّ َ‬
‫وعندنا للعبد كسب كلفا ‪ ##‬به ولكن ال يؤثر فاعرفا‬
‫ولما شرح هذا البيت شرح على النس‪00‬خة المتداول‪00‬ة لغيب‪00‬ة النس‪00‬خة ال‪00‬تي أص‪00‬لحها‬
‫عنه‪ ،‬ولذلك‪ ،‬قال‪ :‬وما منعني أن أشرح عليها إال غيب‪00‬ة األص‪00‬ل ع‪00‬ني‪ ،‬كم‪00‬ا نب‪00‬ه على ذل‪00‬ك‬
‫بِطُ‪َّ 0‬ر ِة أص‪00‬له‪ :‬أي إال غيب‪00‬ة األص‪0‬ل المص‪0‬لح عن‪00‬ه عن‪0‬د إرادت‪00‬ه لش‪0‬رح ه‪0‬ذا ال‪00‬بيت‪ ،‬ووج‪0‬ه‬
‫األحسنية‪ :‬أنه ال محل لالستدراك فإنه يساق ل‪00‬دفع م‪00‬ا يت‪00‬وهم ثبوت‪00‬ه أو إلثب‪00‬ات م‪00‬ا يت‪00‬وهم‬
‫نفيه كما في قولهم‪ :‬زيد شجاع لكنه ليس بكريم‪ ،‬وكما في قولهم‪ :‬زيد جب‪00‬ان لكن‪00‬ه ك‪00‬ريم‪،‬‬
‫وهنا ال يتوهم ثبوت التأثير من التعبير بالكسب‪ ،‬ألن اصطالحهم أن الكسب ال ت‪00‬أثير فيه‪5‬؛‬

‫‪ 1‬قوله بالمقدور غير موجود في حاشية األمير‪.‬‬


‫‪ 2‬هذا إذا جرينا على ما هو المشهور من مذهب األشعري من أن قدرة العبد غ‪0‬ير قابل‪0‬ة‬
‫للتأثير‪ 0،‬وذهب اآلم‪0‬دي وتبع‪0‬ه التفت‪00‬ازاني والس‪0‬يد الش‪0‬ريف الجرج‪0‬اني‪ 0‬إلى أن ق‪0‬درة العب‪0‬د قابل‪0‬ة‬
‫للتأثير‪ 0‬في الفع‪00‬ل ومن ش‪00‬أنها أن ت‪00‬ؤثر في‪00‬ه لكن منعه‪00‬ا عن الت‪00‬أثير‪ 0‬اجتماعه‪0‬ا‪ 0‬م‪00‬ع قدرت‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫ومثلوها بالشمعة مع الشمس‪ ،‬فعلى هذا المذهب البد من إسقاط قيد الص‪00‬حة إال أن ي‪00‬راد امتن‪00‬اع‬
‫الصحة من حيث اقتران قدرة العبد بقدرة هللا تعالى ال من حيث ذاتها‪.‬‬
‫‪ 3‬يعنى أن الباء لمجرد المالبسة والمصاحبة‪ 0‬وليست للسببية‪ 0‬ألن م‪00‬ذهب األش‪00‬عري أن‬
‫العالقة بين فعل العبد ومفعوله مجرد المقارنة‪ 0‬بدون تأثير‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله في محل قدرته المراد بمحل القدرة العبد وذل‪00‬ك ألن الكس‪00‬ب مقاب‪00‬ل للخل‪0‬ق‪ 0‬وه‪00‬و‬
‫"ما يقع به المقدور ال في محل قدرته" ف‪0‬إن مق‪0‬دوره تع‪0‬الى –وه‪0‬و فع‪0‬ل العب‪0‬د‪ -‬غ‪0‬ير واق‪0‬ع في‪0‬ه‬
‫تعالى بل واقع في العبد‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 5‬قوله ألن اصطالحهم أن الكسب ال تأثير‪ 0‬في‪0‬ه‪ :‬في‪0‬ه أن ه‪0‬ذا ليس باص‪0‬طالح‪ 0‬وإنم‪00‬ا ه‪0‬و‬
‫حكم شرعي أخذوه من الدالئل السمعية‪ ،‬وهو أن قدرة العبد غ‪00‬ير م‪00‬ؤثرة في وج‪00‬ود فعل‪00‬ه‪ ،‬وأم‪00‬ا‬
‫الكسب االصطالحي‪ 0‬المعرف بالتعريفين‪ 0‬السابقين‪ 0،‬فموهم للتأثير‪ 0‬سواء الحظنا‪ 0‬مادت‪00‬ه أو الحظن‪0‬ا‪0‬‬
‫أيا ً من تعريفيه‪ 0،‬فدفع المصنف هذا التوهم بقوله‪( :‬لكن ال ي‪00‬ؤثر) الم‪00‬أخوذ من األدل‪00‬ة الش‪00‬رعية‬
‫‪198‬‬
‫إال أن يقال ربما يتوهم أنه يؤثر في مكسوبه‪ ،‬وق‪00‬د يق‪00‬ال‪ :‬المتداول‪00‬ة أحس‪00‬ن لم‪00‬ا فيه‪00‬ا من‬
‫التصريح بلفظ “ به “ والمعنى‪ ،‬ولو صرح به على النسخة المصححة لم يستقم ال‪00‬وزن‪،‬‬
‫نعم يحتاج في رجز المتداولة لتسكين راء يؤثر‪ ،‬واأللف في قوله فلتعرف‪0‬ا أو فاعرف‪0‬ا ب‪0‬دل‬
‫من نون التوكيد الخفيفة‪ 0‬في الوقف‪ ،‬وبالجملة فليس للعبد تأثير م‪00‬ا‪ ،‬فه‪00‬و مجب‪00‬ور باطن‪0‬اً‪،‬‬
‫مختار ظاهراً‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إذا كان مجبوراً باطنا ً فال معنى لالختيار الظاهري ألن هللا ق‪00‬د علم وق‪00‬وع‬
‫الفعل وال بد وخلق في العبد القدرة عليه‪ 1‬وأجيب بأنه تع‪00‬الى ال يس‪00‬أل عم‪00‬ا يفع‪00‬ل؛ ول‪00‬ذلك‬
‫قال سيدي إب‪00‬راهيم الدس‪00‬وقي من نظ‪00‬ر للخل‪0‬ق بعين الحقيق‪00‬ة ع‪00‬ذرهم ومن نظ‪00‬ر لهم بعين‬
‫الش‪00‬ريعة مقتهم‪ ،‬فالعب‪00‬د مجب‪00‬ور في ص‪00‬ورة مخت‪00‬ار‪ .‬والص‪00‬وفية يش‪00‬يرون للج‪00‬بر كث‪00‬يراً‬
‫وحاشاهم من الجبر الظاهري‪ ،‬وإنما مرادهم الج‪00‬بر الب‪00‬اطني؛ ويفهم من نفي الت‪00‬أثير‪ :‬رد‬
‫مذهب المعتزلة‪.‬‬

‫فاالستدراك وارد في محله‪.‬‬


‫ثم أقول‪ :‬قال أهل السنة إن العبد كاسب ألفعال‪00‬ه وليس بخ‪00‬الق له‪00‬ا م‪0‬ؤثرا في إيجاده‪00‬ا‪،‬‬
‫واس‪00‬تدلوا على ذل‪00‬ك من المعق‪00‬ول بم‪00‬ا يلي‪ :‬إن الخل‪00‬ق يقتض‪00‬ي العلم التفص‪00‬يلي‪ 0‬ب‪00‬المخلوق دون‬
‫الكسب‪ ،‬واإلنسان ليس بعالم بتفاصيل أفعاله‪ ،‬وبيان ذلك أن الخلق إفاضة الوجود‪ ،‬فهو موقوف‬
‫على العلم التفص‪00‬يلي‪ 0‬ألن األزي‪00‬د واألنقص مم‪00‬ا أتى ب‪00‬ه ممكن‪ ،‬وك‪00‬ذا ك‪00‬ل فع‪00‬ل من أفعال‪00‬ه يمكن‬
‫وقوعه على وج‪00‬وه مختلف‪00‬ة وأنح‪00‬اء ش‪00‬تى‪ ،‬فوق‪00‬وع ذل‪00‬ك المعين ألج‪00‬ل القص‪00‬د إلي‪00‬ه بخصوص‪00‬ه‪،‬‬
‫والقصد إليه بخصوصه موقوف على العلم به كذلك‪ ،‬الن القصد الجزئي ال ينبعث عن العلم الكلي‬
‫كما تشهد به البديهة‪ ،‬والخلق إعطاء الوجود ألمر جزئي‪ 0،‬فما لم يتصور بوج‪00‬ه ج‪00‬زئي ال تتعل‪00‬ق‬
‫االرادة ب‪00‬ه‪ ،‬بخالف الكس‪00‬ب فإن‪00‬ه عب‪00‬ارة عن ص‪00‬رف اإلرادة والق‪00‬درة نح‪00‬و المق‪00‬دور من غ‪00‬ير أن‬
‫يكون له تأثير في إيجاده‪ ،‬فيكفيه العلم اإلجم‪00‬الي‪ .‬وانظ‪00‬ر حاش‪00‬ية الس‪00‬يلكوتي على الخي‪00‬الي‪ 0‬ص(‬
‫‪)245‬‬
‫‪ 1‬يعنى أن الفعل واقع بهذه القدرة المخلوقة فيه ال محال‪00‬ة وال يج‪00‬وز تخلف‪00‬ه لتعل‪00‬ق علم‬
‫هللا به‪ ،‬وإال لزم انقالب العلم جهال‪ .‬وهذا استدالل على الجبر بتعل‪00‬ق علم هللا تع‪00‬الى‪ 0،‬وأم‪00‬ا س‪00‬ابقا‪0‬‬
‫فقد أثبته بعدم تأثير قدرة العبد في الفعل‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫‪ -49‬فليس مجبوراً وال اختياراً ‪ ##‬وليس كالً يفعل اختياراً‬
‫(قوله ليس مجبوراً … إلخ) أي إذا علمت أن للعبد كس‪00‬با ً في أفعال‪00‬ه االختياري‪00‬ة‪،‬‬
‫فاعتقد أن العب‪00‬د ليس مجب‪00‬وراً‪ ،‬وقول‪00‬ه‪ “ :‬وال اختي‪00‬اراً “ عط‪00‬ف تفس‪00‬ير لمع‪00‬نى مجب‪00‬وراً‬
‫فكأن‪00‬ه ق‪00‬ال‪ :‬أي ال اختي‪00‬ار ل‪00‬ه في ص‪00‬دور أفعال‪00‬ه عن‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬و مس‪00‬لط علي‪00‬ه النفي الس‪00‬ابق؛‬
‫فالمراد أنه ليس “ ال اختيار له “ بل له اختيار‪ 1‬وغرض المصنف بذلك التص‪00‬ريح ب‪00‬الرد‬
‫على الجبرية في قولهم‪ :‬إن العبد مجبور ال اختيار له في صدور جمي‪00‬ع أفعال‪00‬ه عن‪00‬ه فه‪00‬و‬
‫كريشة معلق‪00‬ة في اله‪0‬واء تميله‪0‬ا الري‪0‬اح يمين‪0‬ا ً وش‪0‬ماالً‪ ،‬ق‪0‬ال ش‪00‬اعرهم م‪00‬ورداً على أه‪00‬ل‬
‫السنة‪:‬‬

‫‪ 1‬قوله‪" :‬بل له اختيار" أي ظاهراً كما يدل عليه ما بعده‪ ،‬وهذا االختيار‪ 0‬غ‪00‬ير الكس‪00‬ب‪،‬‬
‫ألن معناه ما سيأتي‪ 0‬في الكالم على وجوب الصالح‪ 0‬واألصلح‪ :‬كونه إن شاء فعل وإن شاء ت‪00‬رك‪،‬‬
‫ومحصله أن االختيار‪ 0‬هو التمكن من الفعل والترك‪ ،‬وهذا غير الكسب قطعا ً إال أنه الزم ل‪00‬ه‪ ،‬فمن‬
‫أثبت الكس‪000‬ب أثبت االختي‪000‬ار‪ 0‬الظ‪000‬اهري ومن نف‪000‬اه –وهم الجبري‪000‬ة‪ 0-‬نفي االختي‪000‬ار‪ 0‬الظ‪000‬اهري‪.‬‬
‫أجهوري‪.‬‬
‫‪200‬‬
‫ما حيلة العبد واألقدار جارية ‪ ##‬عليه في كل حال أيها الرائي‬
‫ألقاه في اليم مكتوفا ً وقال له ‪ ##‬إياك إياك أن تبتل بالماء‬
‫وأجابه بعض أهل السنة بقوله‪:1‬‬
‫إن حفه اللطف لم يمسسه من بلل ‪ ##‬ولم يبال بتكتيف وإلقاء‬
‫وإن يكن قدر المولى بغرقته ‪ ##‬فهو الغريق ولو ألقي بصحراء‬
‫والواجب اعتقاده‪ :‬أن بعض أفعاله صادر باختياره والبعض اآلخر باضطراره‪ ،‬لما‬
‫يجده كل عاقل من الفرق الضروري بين حركة البطش وحركة المرتعش‬
‫(قوله وليس كالً يفعل اختياراً) أي وليس العبد يفعل كل فعل حال ك‪00‬ون ذل‪00‬ك الفع‪00‬ل‬
‫اختي‪00‬اراً‪ ،‬فـ “ كال “ مفع‪00‬ول لـ “ يفع‪00‬ل “ مق‪00‬دم علي‪00‬ه‪ ،‬و “ يفع‪00‬ل “ بمع‪00‬نى يخل‪00‬ق‪،‬‬
‫فالمعنى‪ :‬ليس العبد يخلق كل فع‪00‬ل من أفعال‪00‬ه االختيارية‪ ،2‬وظ‪00‬اهر ذل‪00‬ك أن‪00‬ه يخل‪00‬ق بعض‬
‫أفعاله االختيارية‪ ،‬ألن القاعدة أن‪00‬ه إذا تق‪00‬دمت أداة الس‪00‬لب على أداة العم‪00‬وم أف‪00‬ادت س‪00‬لب‬
‫العموم‪ ،‬كما في قولهم‪ :‬لم آخ‪00‬ذ ك‪00‬ل ال‪00‬دراهم‪ ،‬م‪00‬ع أن الم‪00‬راد أن‪00‬ه ال يخل‪00‬ق فعالً أب‪00‬داً‪ ،‬وق‪00‬د‬
‫يق‪0‬ال‪ :‬قول‪0‬ه “ ولم يكن م‪00‬ؤثراً “ قرين‪00‬ة على المع‪0‬نى الم‪0‬راد‪ ،‬والقاع‪0‬دة أغلبي‪0‬ة ال كلي‪00‬ة‪،‬‬
‫‪0‬ال فَ ُخ‪ 0‬و ٍر) (الحدي‪00‬د‪:‬‬
‫فالمراد هنا عموم السلب‪ ،‬كما في قوله تعالى‪َ ( :‬وهَّللا ُ ال يُ ِح ُّب ُك َّل ُم ْختَ‪ٍ 0‬‬
‫من اآلية‪ )23‬وغرض المصنف بذلك التصريح ب‪00‬الرد على المعتزل‪00‬ة في ق‪00‬ولهم‪ :‬إن العب‪00‬د‬
‫يخلق أفعال نفسه االختيارية‪ ،‬وإنما صرح بالرد على كل من الجبري‪00‬ة والمعتزل‪00‬ة في ه‪00‬ذا‬
‫البيت مع فهم ال‪0‬رد على ك‪0‬ل منهم من ال‪0‬بيت قبل‪0‬ه‪ ،‬كم‪0‬ا تق‪0‬دم التنبي‪0‬ه علي‪0‬ه‪ ،‬ألن الق‪0‬وم ال‬
‫يكتفون في مقام رد المذاهب الفاسدة إال بالتصريح‬

‫‪1‬قوله‪" :‬وأجابه بعض أهل السنة ‪ ..‬إلخ" وأجاب بعضهم أيضاً‪ 0‬بقوله‪:‬‬
‫ال يسأل هللا عن أفعاله أبداً ‪ ##‬فهو الحكيم بحرمان‪ 0‬وإعطاء‬
‫يخص بالفضل أقواما ً فيرحمهم ‪ ##‬وضد ذلك ال يخفى على الرائي‬
‫"قوله أيضا ً وأجابه بعض أه‪00‬ل الس‪00‬نة ‪ ..‬إلخ" ه‪0‬ذا الج‪00‬واب ال يظه‪00‬ر ب‪00‬ل ك‪00‬ان الظ‪00‬اهر‬
‫الج‪00‬واب بالتفرق‪00‬ة بين المكل‪00‬ف وبين من ألقى في اليم مكتوف‪0‬اً‪ ،‬ونهي عن أن يبت‪00‬ل ب‪00‬أن للمكل‪00‬ف‬
‫اختياراً‪ 0‬ظاهرياً‪ 0‬وكسبا ً وال كذلك المكتوف‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬ه‪00‬ذا المع‪00‬نى مب‪00‬ني على أن الم‪00‬راد بقول‪00‬ه "كال" أفعال‪00‬ه اإلختياري‪0‬ة‪ 0‬بقرين‪00‬ة أن الكالم‬
‫عليها‪ 0،‬فقوله‪ :‬يخلق مأخوذ من قول المصنف‪ :‬اختيارا‪ ً.‬وأما لو أريد بكال مطل‪00‬ق األفع‪00‬ال فيك‪00‬ون‬
‫المعنى وليس العبد يفعل كل أفعاله باختياره بل يفعل بعضها باختياره والبعض اآلخ‪00‬ر باض‪00‬طرار‪0‬‬
‫كحركة المرتعش‪ 0،‬والمق‪0‬ام يعين المع‪0‬نى األول ألن الكالم على األفع‪0‬ال االختياري‪0‬ة‪ 0‬ال على مطل‪0‬ق‬
‫األفعال‪ .‬ومقصود المصنف أن يقول‪ :‬إن العبد مع أنه مختار ليس خالقا ألفعاله اإلختياري‪00‬ة‪ .‬وهللا‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪201‬‬
‫‪ { -113‬إثابة هللا تعالى الطائع بفضله وعقابه العاص بعدله }‬
‫‪ 50‬فإن يثبنا فبمحض الفضل ‪ ##‬وإن يعذب فبمحض العدل‬
‫(قوله فإن يثبنا … إلخ) مفرع على ما تقدم من وجوب انفراده تعالى بخلق أفع‪00‬ال‬
‫العب‪00‬اد‪ ،‬وأن‪00‬ه ليس لهم فيه‪00‬ا س‪00‬وى الكس‪00‬ب‪ ،‬ووج‪00‬ه التفري‪00‬ع أن‪00‬ه لم يحص‪00‬ل منهم خ‪00‬ير‬
‫يستحقون به ثواباً‪ ،‬وال شر يستحقون ب‪00‬ه عقاب‪0‬اً‪ ،‬فالف‪00‬اء للتفري‪00‬ع‪ ،‬ويص‪00‬ح أن تك‪00‬ون ف‪00‬اء‬
‫الفصيحة‪ ،‬ألنها أفص‪00‬حت عن ش‪00‬رط مح‪00‬ذوف‪ ،‬والتق‪00‬دير‪ :‬إذا علمت انف‪00‬راده تع‪00‬الى بخل‪00‬ق‬
‫أفعالنا خيراً كانت أو شراً فإن يثبنا ‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫{تنبيه} اتفقوا على أن بني آدم مث‪00‬ابون ومع‪00‬اقبون‪ ،‬وأم‪00‬ا المالئك‪00‬ة فس‪00‬يأتي الكالم‬
‫في إثابتهم عند قول المصنف (بكل عبد حافظون وكلوا) وأما الجن فقد اتفق العلماء على‬
‫أن ك‪00‬افرهم مع‪00‬ذب في اآلخ‪00‬رة‪ ،‬واختل‪00‬ف في م‪00‬ؤمنهم على أق‪00‬وال‪ ،‬فقي‪00‬ل‪ :‬إنهم ك‪00‬اإلنس‬
‫فيثابون على الطاعة‪ ،‬ويعاقبون على المعصية‪ ،‬وقي‪0‬ل‪ :‬ال ث‪0‬واب لهم إال النج‪0‬اة من الن‪00‬ار‪،‬‬
‫ثم يقال لهم كونوا ترابا ً كالبهائم‪ ،‬وقيل‪ :‬يكون‪00‬ون في ربض الجن‪00‬ة ي‪00‬راهم اإلنس من حيث‬

‫‪202‬‬
‫ال ي‪00‬رونهم عكس م‪00‬ا ك‪00‬انوا علي‪00‬ه في ال‪00‬دنيا‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬يكون‪00‬ون في األع‪00‬راف‪ ،‬ذك‪00‬ره الجالل‬
‫السيوطي مع ما يشهد لكل من األحاديث اهـ شنواني بتصرف‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه فبمحض الفضل‪ )1‬أي فإثابت‪00‬ه لن‪00‬ا إنم‪00‬ا هي بفض‪00‬له المحض‪ :‬أي الخ‪00‬الص‪،‬‬
‫فاإلضافة في كالمه من إضافة الصفة للموصوف‪ ،‬ومعنى الفض‪00‬ل المحض‪ :‬اإلعط‪00‬اء عن‬
‫اختيار كامل ال عن إيجاب‪ ،‬بحيث يثيبن‪00‬ا وال اختي‪00‬ار ل‪00‬ه في اإلثاب‪00‬ة أب‪00‬داً لكون‪00‬ه عل‪00‬ة تنش‪00‬أ‬
‫عنه‪0‬ا معلوالته‪00‬ا من غ‪0‬ير اختي‪0‬ار له‪00‬ا كم‪0‬ا يق‪00‬ول الحكم‪0‬اء‪ ،‬وال عن وج‪00‬وب بحيث تص‪00‬ير‬
‫اإلثابة مستحقة الزمة يقبح علي‪00‬ه تع‪00‬الى تركه‪00‬ا‪ ،‬فيثيبن‪00‬ا باختي‪00‬اره لكن م‪00‬ع الوج‪00‬وب كم‪00‬ا‬
‫يقوله المعتزلة‪ ،‬فمذهب أه‪00‬ل الس‪00‬نة أن إثابت‪00‬ه تع‪00‬الى لن‪00‬ا بالفض‪00‬ل الخ‪00‬الص غ‪00‬ير مش‪00‬وبة‬
‫بإيجاب وال وجوب‪ ،‬فقولنا “ بالفضل “ رد لكالم الحكماء وقولنا “ الخ‪00‬الص “ رد لكالم‬
‫المعتزلة‪ ،‬ويدل لمذهب أهل السنة أن طاعات العبد وإن كثرت ال تفي بشكر بعض م‪00‬ا أنعم‬
‫هللا به عليه فكيف يتصور استحقاقه عوضا ً عليها؟‪.‬‬

‫‪ 1‬قوله‪ :‬وإن يثبنا فبمحض الفضل‪...‬إلخ أقول‪ :‬هذا األصل من األصول الص‪00‬حيحة ال‪00‬تي‬
‫أخذها األشاعرة من الكتاب‪ 0‬والسنة‬
‫أما الكتاب فقوله تعالى‪( :‬يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء)‬
‫قال ابن كثير في التفسير (‪ )3/419‬وقوله تع‪00‬الى (يع‪00‬ذب من يش‪00‬اء ويغف‪00‬ر لمن يش‪00‬اء)‬
‫أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ال معقب لحكمه وال يسأل عما يفع‪00‬ل‬
‫وهم يسئلون‪ 0،‬فله الحكم واألمر‪ ،‬مهما فعل فعدل ألنه المالك الذي ال يظلم مثقال ذرة كما جاء في‬
‫الحديث الذي رواه أهل السنن‪( 0:‬إن هللا لو عذب أه‪00‬ل س‪00‬ماواته وأه‪00‬ل أرض‪00‬ه لع‪00‬ذبهم وه‪00‬و غ‪00‬ير‬
‫ظالم لهم) انتهى‪.‬‬
‫وأما السنة فقوله صلى هللا تعالى‪ 0‬علي وآله وسلم فيم‪00‬ا رواه الش‪00‬يخان‪ 0‬عن أبي هري‪00‬رة‬
‫رضي هللا تعالى عنه (لن ينجي أحدا منكم عمله) قالوا‪ :‬وال أنت يا رسول هللا؟ قال (وال أنا إال أن‬
‫يتغمدني هللا برحمة‪ .‬سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القص‪00‬د تبلغ‪00‬وا)‬
‫وكذلك الحديث الذي أورده ابن كثير‬
‫قال الحاف‪00‬ظ العس‪0‬قالني‪ 0‬في الفتح الب‪0‬اري(‪)11/2970‬تعليق‪00‬ا على قول‪0‬ه ص‪0‬لى هللا تع‪0‬الى‪0‬‬
‫عليه وآله وسلم‪( :‬لن ينجي أحدا منكم عمله)‪ :‬قال الم‪00‬ازري‪ :‬ذهب أه‪00‬ل الس‪00‬نة إلى أن إثاب‪00‬ة هللا‬
‫تعالى من أطاعه بفضل منه‪ ،‬وك‪00‬ذلك انتقام‪0‬ه‪ 0‬ممن عص‪00‬اه بع‪00‬دل من‪00‬ه‪ ،‬وال يثبت‪ 0‬واح‪00‬د منهم‪00‬ا إال‬
‫بالسمع‪ ،‬وله سبحانه أن يعذب الطائع وينعم العاصي‪ ،‬ولكنه أخبر أنه ال يفعل ذلك وخبره ص‪00‬دق‬
‫ال خل‪00‬ف في‪00‬ه وه‪00‬ذا الح‪00‬ديث يق‪00‬وي مق‪00‬التهم وي‪00‬رد على المعتزل‪0‬ة‪ 0‬حيث أثبت‪00‬وا بعق‪00‬ولهم أع‪00‬واض‬
‫األعمال‪ ،‬ولهم في ذلك خبط كثير وتفصيل طويل‪.‬‬
‫وقال الحافظ في الكالم على قوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬هذا أثنيتم عليه خ‪00‬يرا ف‪00‬وجبت‬
‫ل‪00‬ه الجن‪00‬ة) (‪ :)3/229‬والم‪00‬راد ب‪00‬الوجوب الثب‪00‬وت‪ 0‬إذ ه‪00‬و في ص‪00‬حة الوق‪00‬وع كالش‪00‬يء ال‪00‬واجب‬
‫واألصل أنه ال يجب على هللا شيء‪ ،‬بل الثواب‪ 0‬فضله والعقاب عدله ال يسأل عما يفعل انتهى‪.‬‬
‫فهذه شواهد الكتاب‪ 0‬والسنة وأقوال األئمة شاهدة لما قاله األشاعرة‪.‬‬
‫‪203‬‬
‫‪1‬‬
‫(قوله وإن يعذب فبمحض العدل) أي وإن يعذبنا فتعذيبه إنما ه‪00‬و بالع‪00‬دل المحض‬
‫أي الخالص‪ ،‬فاإلضافة في كالمه من إض‪00‬افة الص‪00‬فة للموص‪00‬وف كم‪00‬ا في نظ‪00‬يره‪ ،‬ومع‪00‬نى‬
‫العدل المحض‪ :‬وضع الشيء في محله من غير اعتراض على الفاعل ضد الظلم الذي هو‬
‫وضع الشيء في غير محله مع االعتراض على فاعله‪.‬‬
‫حكي عن الشيخ عفيف الدين الزاه‪00‬د أن‪00‬ه ك‪00‬ان بمص‪00‬ر‪ ،‬فبلغ‪00‬ه م‪00‬ا وق‪00‬ع ببغ‪00‬داد من‬
‫القتل‪ ،‬فإنه وقع السيف فيها أربعين يوما ً فقتل ألف ألف‪ ،‬وعلقت النصارى المصاحف في‬
‫أعن‪00‬اق الكالب‪ ،‬وجعل‪00‬وا‪ 0‬المس‪00‬اجد كن‪00‬ائس‪ ،‬وألق‪00‬وا‪ 0‬كتب األم‪00‬ة في الدجلة‪ ،2‬ح‪00‬تى ص‪00‬ارت‬
‫كالجسر تمر الخيل عليها‪ ،‬فأنكر الشيخ عفيف الدين ذل‪00‬ك وق‪00‬ال‪ :‬ي‪00‬ا رب كي‪00‬ف ه‪00‬ذا وفيهم‬
‫األطفال‪ ،‬ومن ال ذنب له؟ فرأى في النوم رجالً ومعه كتاب فأخذه فإذا فيه‪:‬‬
‫دع االعتراض فما األمر لك ‪ ##‬وال الحكم‪ 0‬في حركات الفلك‬
‫وال تسأل هللا عن فعله ‪ ##‬فمن خاض لجة بحر هلك‬
‫وبالجملة فهو سبحانه وتعالى ال تنفع‪0‬ه طاع‪0‬ة وال تض‪0‬ره معص‪0‬ية‪ ،‬والك‪0‬ل بخلق‪0‬ه‪،‬‬
‫فليس‪00‬ت الطاع‪00‬ة مس‪00‬تلزمة للث‪00‬واب‪ ،‬وليس‪00‬ت المعص‪00‬ية مس‪00‬تلزمة للعق‪00‬اب ‪ ،3‬وإنم‪00‬ا هم‪00‬ا‬
‫أمارتان‪ :‬تدالن على الثواب لمن أطاع‪ ،‬والعقاب لمن عصى‪ ،‬حتى لو َع َكس ‪ 4‬داللتهما بأن‬
‫قال‪ :‬من أطاعني عذبته ومن عصاني أثبته لكان ذلك منه حسناً‪ ،‬فال حرج عليه‪ ،‬ال يس‪00‬أل‬

‫‪ 1‬قوله "بالعدل المحض" وصف العدل بأنه محض لبيان‪ 0‬الواقع‪ ،‬ألن عدل هللا ال يك‪00‬ون‬
‫إال محضاً‪ ،‬وقوله‪" :‬ومعنى العدل المحض" األولى إسقاط "المحض"‪ 0‬ألن ما ذكره معنى للع‪00‬دل‬
‫بقط‪00‬ع النظ‪00‬ر عن كون‪00‬ه محض ‪0‬ا ً وعب‪00‬ارة المص‪00‬نف في ش‪00‬رحه‪ :‬ومع‪00‬نى الع‪00‬دل‪ ،‬ولم ي‪00‬ذكر لف‪00‬ظ‬
‫المحض‪ ،‬والمقصود بقول المصنف" وإن يعذب فبمحض العدل" الرد على المعتزل‪00‬ة في ق‪00‬ولهم‬
‫بوجوب تعذيب العاصي‪ ،‬كقولهم بوج‪00‬وب إثاب‪00‬ة الط‪00‬ائع‪ 0،‬وبن‪00‬وا ذل‪00‬ك على قاع‪00‬دتهم من أن العب‪00‬د‬
‫يخلق أفعال نفسه االختيارية التي منها الطاعة‪ 0‬والمعصية‪ ،‬وأما أهل السنة فقاعدتهم أن هللا ه‪00‬و‬
‫الخالق لألفعال كله‪00‬ا ومنه‪00‬ا الطاع‪0‬ة‪ 0‬والمعص‪00‬ية‪ ،‬وبن‪00‬وا على ذل‪00‬ك أن اإلثاب‪00‬ة بالفض‪00‬ل والتع‪00‬ذيب‬
‫بالعدل وليسا واجبين عليه تعالى‪ .‬يفهم ذلك كله من شرح صاحب‪ 0‬المتن‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬الصواب‪ 0‬في دجلة بدون أل‬
‫‪ 3‬قول‪00‬ه‪" :‬فليس‪00‬ت‪ 0‬الطاع‪00‬ة‪ … 0‬إلخ" أي إن الطاع‪00‬ة‪ 0‬ال ت‪00‬وجب على هللا إثاب‪00‬ة‪ ،‬وك‪00‬ذا‬
‫المعصية ال توجب على هللا عقاباً‪ 0،‬وهذا هو عين ما في المتن‪.‬‬
‫‪ 4‬قول‪0‬ه‪" :‬ح‪00‬تى ل‪0‬و عكس داللتهم‪00‬ا … إلخ" ه‪0‬ذا تفري‪00‬ع على قول‪00‬ه "فليس‪00‬ت الطاع‪0‬ة‪0‬‬
‫مس‪00‬تلزمة للث‪00‬واب‪ … 0‬إلخ" وقول‪00‬ه "إنم‪00‬ا ه‪00‬و أمارت‪00‬ان … إلخ" جمل‪00‬ة معترض‪00‬ة بين التفري‪0‬ع‪0‬‬
‫والمفرع عليه‪ ،‬ثم المتبادر من عكس الداللة أن هلل تعالى أن يرجع عن وعد المطيع بالثواب‪ 0‬إلى‬
‫وعده بالعذاب‪ ،‬وأن له أن يرجع عن وعده العاصي‪ 0‬بالعقاب إلى وعده بالثواب‪ ،‬وه‪00‬ذا م‪00‬ع كون‪00‬ه‬
‫غير ظاهر في نفسه ال يظهر تفريعه على ما تقدم من أن الطاعة ال تستلزم الثواب والمعص‪00‬ية ال‬
‫تستلزم العقاب‪ 0،‬بل الظاهر أن يقال بدله‪ ،‬حتى لو عذب هللا المطيع وأث‪00‬اب العاص‪00‬ي لك‪00‬ان‪ 0‬حس‪00‬ناً‪0،‬‬
‫فإن كان هذا مراده بعكس الداللة كان التفريع‪ 0‬ظاهراً أجهوري‪.‬‬
‫‪204‬‬
‫عما يفعل‪ .‬وهذا كله بحسب العقل‪ ،1‬وأما بحسب الشرع‪ 2‬فال يجوز خلف الوعد‪ ،‬ألنه سفه‬
‫وهو يستحيل عليه تعالى‪ ،‬وأما الوعي‪00‬د فيج‪00‬وز الخل‪00‬ف في‪00‬ه ألن‪00‬ه ك‪00‬رم وفض‪00‬ل‪ ،‬كم‪00‬ا تق‪00‬دم‬
‫تحقيق ذلك‪.‬‬

‫‪ { -114‬ال يجب على هللا تعالى الصالح واألصلح للعباد }‬


‫وقولهم إن الصالح واجب ‪ ##‬عليه “ زور‪ ،‬ما عليه واجب‬ ‫‪-51‬‬

‫‪ 1‬قول‪00‬ه‪" :‬وه‪00‬ذا … إلخ" اإلش‪00‬ارة إلى م‪00‬ا قدم‪00‬ه من أن الطاع‪00‬ة ال تس‪00‬تلزم الث‪00‬واب‪0‬‬
‫والمعصية ال تستلزم العقاب مع ما فرعه عليه‪ 0‬بقول‪00‬ه "ح‪0‬تى ل‪00‬و عكس داللتهم‪0‬ا" بن‪0‬اء‪ 0‬على أن‬
‫المراد بعكس الداللة أن هلل تعالى أن يعذب المطيع ول‪00‬ه أن ي‪0‬ثيب العاص‪0‬ي‪ 0‬وأم‪00‬ا قول‪00‬ه فيم‪00‬ا تق‪0‬دم‬
‫"وإنم‪00‬ا هم‪00‬ا أمارت‪00‬ان‪ … 0‬إلخ" فليس بالعق‪00‬ل ب‪00‬ل ه‪00‬و أم‪00‬ر ش‪00‬رعي كم‪00‬ا ال يخفى‪ ،‬ول‪00‬و أس‪00‬قطه‬
‫وأوصل التفريع بالمفرع‪ 0‬عليه‪ 0‬لكان أظهر‪ ،‬والمحشي تابع في هذا كله للش‪00‬يخ عب‪00‬د الس‪00‬الم‪ ،‬ه‪00‬ذا‬
‫ما ظهر بعد التأمل‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬قول‪00‬ه‪" :‬وأم‪00‬ا بحس‪00‬ب الش‪00‬رع ‪ ..‬إلخ" تلخص من أول كالم‪00‬ه إلى آخ‪00‬ره أن تع‪00‬ذيب‬
‫المطيع جائز عقالً أي بالنظر‪ 0‬إلى الدليل العقلي‪ ،‬وهو "أنه لم يخلق الطاعة‪ 0‬حتى يس‪00‬تحق عليه‪0‬ا‪0‬‬
‫ثواباً" ممتنع شرعاً‪ 0،‬ألن فيه خلف الوعد وهو نقص‪ ،‬والنقص‪ 0‬على هللا تعالى محال‪ ،‬وأما إثاب‪0‬ة‬
‫العاصي فهو جائز‪ :‬أي بالدليل العقلي‪ 0،‬وهو أنه لم يخلق المعص‪00‬ية ح‪00‬تى يس‪00‬تحق عليه‪0‬ا‪ 0‬عقاب‪0‬اً‪0،‬‬
‫وكذا شرعاً‪ ،‬ألن خلق الوعيد جائز‪ 0‬شرعاً‪ 0،‬وهو صادق باإلثابة‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪205‬‬
‫(قوله وقولهم ‪ ..‬إلخ)‪ 1‬ه‪0‬ذا علم مم‪0‬ا تق‪0‬دم من أن‪0‬ه يج‪0‬وز في حق‪0‬ه فع‪0‬ل ك‪0‬ل ممكن‬
‫وتركه‪ ،2‬لكن لما كان خطر الجهل في ه‪0‬ذا الفن عظيم‪0‬ا ً لم يكت‪00‬ف في‪00‬ه إال بالتص‪00‬ريح‪ ،‬و “‬
‫قولهم “ مبت‪00‬دأ وخ‪00‬بره “ زور “ والض‪00‬مير عائ‪00‬د على المعتزل‪00‬ة وإن لم يتق‪00‬دم لهم ذك‪00‬ر‬
‫لشهرة هذا المذهب‪ 3‬عنهم‪ ،‬وجملة قوله “ إن الصالح واجب عليه مقول “ قولهم “‬
‫واعلم أن للمعتزلة عبارتين‪ ،‬األول‪ :‬وجوب الصالح‪ ،‬والمراد ب‪00‬ه م‪00‬ا قاب‪00‬ل الفس‪00‬اد‬
‫كاإليمان في مقابلة الكفر‪ ،‬فيقولون‪ :‬إذا كان هنال‪00‬ك أم‪0‬ران أح‪00‬دهما ص‪0‬الح واآلخ‪0‬ر فس‪00‬اد‬
‫وجب على هللا أن يفعل الصالح منهما دون الفساد‪ ،‬والثانية وجوب األصلح‪ ،‬والم‪00‬راد ب‪00‬ه‬

‫‪ 1‬قوله‪( :‬وقولهم إن الصالح‪ 0‬واجب عليه زور)‬


‫قالت المعتزلة بوجوب األصلح للعباد على هللا تعالى‪ 0،‬ويريدون بالواجب‪ 0‬ما ثبت بترك‪00‬ه‬
‫نقص في نظر العقل بسبب ترك مقتض‪0‬ى قي‪0‬ام ال‪0‬داعي إلى ذل‪0‬ك الفع‪0‬ل‪ ،‬ويقص‪0‬دون بال‪0‬داعي‪ 0‬هن‪0‬ا‬
‫كمال القدرة اإللهية والغنى المطلق مع انتفاء الصارف عن ذلك الفعل؛ قالوا‪ :‬إن ترك مراعاة ما‬
‫هو أصلح للعبد في الدين فقط أو في الدين والدنيا مع قيام ال‪00‬داعي وانتف‪00‬اء الص‪00‬ارف بخ‪00‬ل يجب‬
‫تنزيه هللا تعالى عنه‪ ،‬فيجب ما اقتضاه قيام الداعي أي ال يمكن أن يقع غيره لتعالي‪00‬ه تع‪00‬الى عم‪00‬ا‬
‫ال يليق‪.‬‬
‫وهذا المذهب يستلزم القول بأن كل ما وقع في الدارين فه‪00‬و األص‪00‬لح‪ ،‬ألن‪00‬ه ال يخفى أن‬
‫كل مسلم إنما يقصد المبالغة‪ 0‬في تنزيه الباري سبحانه بما ينسبه إلي‪00‬ه‪ 0،‬فال يمكن الق‪00‬ول بوج‪00‬وب‬
‫األصلح إال مع القول بأن كل م‪0‬ا وق‪0‬ع في ال‪0‬دارين‪ 0‬فه‪0‬و األص‪0‬لح‪ ،‬فيل‪0‬زمهم أن يقول‪0‬وا‪ :‬إن تخلي‪0‬د‬
‫الكفار في النار‪ 0‬واألغالل أصلح لهم في اآلخرة‪.‬‬
‫وكذلك األصلح للفسقة عندهم في الدنيا‪ 0‬أن يلعنهم ويحبط أعمالهم‪.‬‬
‫وإذا انتهوا إلى ذلك سقطت مك‪00‬المتهم كم‪00‬ا ق‪00‬ال إم‪00‬ام الح‪00‬رمين‪ 0‬في اإلرش‪00‬اد ألن كال من‬
‫األمرين عناد ومكابرة في الضروريات‪.‬‬
‫فحقيقة الخالف بيننا‪ 0‬وبينهم في موضعين أحدهما‪ :‬كون ك‪00‬ل واق‪00‬ع روعي في‪00‬ه األص‪00‬لح‬
‫للعباد أي لكل واحد من العباد‪ 0،‬والثاني‪ 0‬أنه لو لم يكن كذلك كان نقصاً‪ 0‬لم‪00‬ا م‪00‬ر من أنهم يقول‪00‬ون‪:‬‬
‫إن المنع من األصلح بخل يجب تنزيهه تعالى‪ 0‬عنه‪.‬‬
‫ولزمهم أمر ثالث قالوا به‪ ،‬وهو عدم قدرته تعالى على إصالحهم وهدايتهم ألن حاص‪00‬ل‬
‫كالمهم سلب قدرته تعالى عن ترك ما هو األصلح فليس ق‪00‬ادراً علي‪00‬ه عن‪00‬دهم النتف‪00‬اء قدرت‪00‬ه عن‬
‫(ولَ ْو َ‬
‫ش‪00‬ا َء َربُّ َك آَل َمنَ َمنْ‬ ‫االتصاف بما ال يليق به وهذا مخالف لصريح الكتاب‪ 0،‬منها قوله تعالى‪َ 0‬‬
‫ض ُكلُّ ُه ْم َج ِميعاً) (يونس‪ :‬من اآلية‪ )99‬ولصريح السنة‪ ،‬منها قوله صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬ ‫ِفي اأْل َ ْر ِ‬
‫وسلم‪ ( :‬ما شاء هللا كان وم‪00‬ا لم يش‪0‬أ لم يكن)‪ ،‬فق‪0‬ولهم يجب األص‪0‬لح كقولن‪00‬ا يجب أن ال يتص‪0‬ف‬
‫تعالى بنقص‪ ،‬لكنهم عدوا ما ليس بنقص نقصا ً فالسبيل إلى دفعهم إنما هو من‪00‬ع ك‪00‬ون ك‪00‬ل واق‪00‬ع‬
‫هو األصلح لمن وقع له‪ ،‬ومنع لزوم ما ال يليق به تع‪00‬الى وه‪00‬و البخ‪00‬ل بتق‪00‬دير أن ال يعطي المل‪0‬ك‪0‬‬
‫العظيم كل فرد من العبيد أقصى ما في وسعه‪ ،‬أو أن ال يعطي كل فرد من العبيد مصلحته بع‪00‬د أن‬
‫عرفه طريقها وأقدره عليها‪ 0‬وعلى خالفها‪ ،‬ولم يجبره على خالفه‪00‬ا‪ ،‬والق‪00‬ول ب‪00‬أن ك‪00‬ل واق‪00‬ع ه‪00‬و‬
‫األصلح‪ ،‬وبلزوم البخل بتقدير عدم إعطاء الملك العظيم كل فرد أقصى ما في الوس‪00‬ع ص‪00‬ادر عن‬
‫نقص في العقل‪.‬‬
‫وكذلك القول بكون الخلود في النيران‪ 0‬أصلح لمن فعل به ذلك الخلود من مشاهدَة جمال‬
‫رب العالمين في أعالي الجنان‪ 0،‬أو كونه أصلح من مجرد نعيم الجن‪00‬ان‪ 0‬ليس ص‪00‬ادراً إال عن خل‪00‬ل‬
‫في العقل كما أنه إنكار للضروريات‪.‬‬
‫‪206‬‬
‫ما قابل الصالح‪ ،‬ككون‪00‬ه في أعلى الجن‪00‬ان في مقابل‪00‬ة كون‪00‬ه في أس‪00‬فلها فيقول‪00‬ون إذا ك‪00‬ان‬
‫هناك أمران أحدهما ص‪00‬الح واآلخ‪00‬ر أص‪00‬لح من‪00‬ه وجب على هللا أن يفع‪00‬ل األص‪00‬لح منهم‪00‬ا‪،‬‬
‫دون الصالح‪ ،‬والمص‪00‬نف تكلم في إبط‪00‬ال م‪00‬ذهبهم على األولى دون الثاني‪00‬ة‪ ،‬ألن الص‪00‬الح‬
‫أعم من األصلح‪ ،‬وإذا بطل األعم بطل األخص‪ ،‬وفي كالم المصنف إجمال في نسبة الق‪00‬ول‬
‫بذلك إليهم‪ ،1‬لعدم تعلق غرضه بمذهبهم‪ ،‬وإنما غرضه الرد عليهم‪.‬‬
‫والحاصل أنهم قالوا بوج‪0‬وب الص‪0‬الح واألص‪0‬لح علي‪0‬ه تع‪0‬الى‪ ،‬ثم اختلف‪0‬وا‪ :‬ف‪0‬ذهب‬
‫معتزلة بغداد إلى أنه يجب عليه تعالى مراعاة الصالح واألصلح لعباده في الدين وال‪00‬دنيا‪،‬‬
‫وذهب معتزلة بصرة إلى أنه يجب علي‪00‬ه تع‪0‬الى مراع‪00‬اة الص‪0‬الح واألص‪00‬لح لهم في ال‪00‬دين‬
‫فقط‪ ،‬ثم اختلفوا‪ 0‬أيضا ً في المراد باألصلح‪ ،‬فعند البغدادي‪0‬ة‪ :‬األوف‪0‬ق في الحكمة‪ 2‬والت‪0‬دبير‪،‬‬
‫وعند البصرية‪ :‬األنفع‪،‬‬
‫وهذه المس‪00‬ألة ك‪00‬انت س‪00‬ببا ً الف‪00‬تراق الش‪00‬يخ أبي الحس‪00‬ن األش‪00‬عري من ش‪00‬يخه أبي‬
‫هاشم الجبائي‪ ،‬فإن أبا الحسن سأل الجبائي في درسه وقال‪ :‬ما تقول في ثالثة إخوة –أي‬
‫مثالً‪ -‬مات أحدهم كبيراً مطيع‪0‬اً‪ ،‬واآلخ‪00‬ر كب‪00‬يراً عاص‪00‬ياً‪ ،‬والث‪00‬الث ص‪00‬غيراً‪ ،‬فق‪00‬ال الجب‪00‬ائي‪:‬‬
‫األول يثاب بالجنة‪ ،‬والثاني يعاقب بالنار‪ ،‬والثالث ال يثاب وال يعاقب‪ ،‬فق‪0‬ال ل‪0‬ه األش‪0‬عري‪:‬‬
‫فإن قال الثالث ي‪00‬ا رب لم أمت‪00‬ني ص‪00‬غيراً وم‪00‬ا أبقيت‪00‬ني فأطيع‪00‬ك فأدخ‪00‬ل الجن‪00‬ة؟ م‪0‬اذا يق‪00‬ول‬
‫الرب؟ فقال الجب‪0‬ائي‪ :‬يق‪0‬ول ال‪0‬رب‪ :‬إني أعلم أن‪0‬ك ل‪0‬و ك‪0‬برت عص‪0‬يت فت‪0‬دخل الن‪0‬ار‪ ،‬فك‪0‬ان‬
‫األصلح لك أن تموت صغيراً‪ ،‬فقال األشعري‪ :‬فإن قال الثاني‪ :‬يا رب لِ َم لَ ْم تمت‪00‬ني ص‪00‬غيراً‬
‫الجب‪00‬ائي‪ 3‬ف‪00‬ترك األش‪00‬عري مذهب‪00‬ه واش‪00‬تغل ه‪00‬و‬ ‫فال أدخل الن‪00‬ار؟ م‪00‬اذا يق‪00‬ول ال‪00‬رب؟ فَبُ ِهت ُ‬
‫من المسايرة وشرحها المسامرة ص‪.150-140‬‬
‫ثم إن ه‪00‬ذا الم‪00‬ذهب يج‪00‬ر عليهم م‪00‬ع م‪00‬ا تق‪00‬دم مناقض‪00‬ة ف‪00‬إنهم ق‪00‬الوا بوج‪00‬وب الص‪00‬الح‪0‬‬
‫واألصلح ومن األصلح للعباد أن يثيب‪ 0‬المطيع وينعم عليهم‪.‬‬
‫وق‪0‬الوا‪ :‬ش‪0‬كر المنعم واجب بالعق‪0‬ل‪ 0،‬وإذا ك‪00‬ان األص‪0‬لح واجب‪0‬ا ً ومن‪00‬ه الث‪00‬واب والنعم فال‬
‫معنى للشكر‪ 0‬ألن من قضى دينه ال‪0‬واجب علي‪0‬ه قض‪0‬ائه ال يس‪0‬تحق الش‪0‬كر ففي الجم‪0‬ع بين ه‪0‬ذين‬
‫القولين تناقض‪.‬‬
‫قد أورد ه‪0‬ذه المناقض‪0‬ة على وج‪0‬وب إثاب‪0‬ة المطي‪0‬ع الش‪0‬يخ أب‪0‬و إس‪0‬حاق الش‪0‬يرازي‪ 0‬في‬
‫كتابه الحدود‪ ،‬ونقلها الزركشي في شرحه لجمع الجوامع (‪.)1/47‬‬
‫‪ 2‬ومن الممكن الصالح واألصلح‪.‬‬
‫‪ 3‬لقائل أن يقول الشهرة إنما هي بين العلماء‪ 0‬وهذه المنظومة مؤلفة للمبتدئين ف‪00‬األولى‬
‫أن يقال‪ :‬إن الضمير‪ 0‬عائد على القائلين‪ 0‬المفهوم( من قولهم)؛ والقائلون‪ 0‬في الواقع هم المعتزلة‪.‬‬
‫‪ 1‬حيث لم يفصل ولم يصرح بوجوب الصالح واألصلح‪.‬‬
‫‪ 2‬وهؤالء ليس بينهم وبين أهل الس‪0‬نة كب‪0‬ير خالف‪ ،‬ف‪00‬إن أه‪0‬ل الس‪0‬نة يقول‪0‬ون بوج‪00‬وب‬
‫فعله تعالى لمقتضى الحكم‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬و ال‪00‬ذي قص‪00‬ده ه‪00‬ذا الفري‪00‬ق من المعتزل‪00‬ة باألص‪00‬لح إال أن ه‪00‬ذا‬
‫الوجوب عند أهل السنة عادي بمعنى أن‪00‬ه يفعل‪00‬ه البت‪00‬ة وعن‪00‬د المعتزل‪00‬ة عقلي بمع‪00‬نى أن‪00‬ه يمتن‪00‬ع‬
‫عليه تعالى‪ 0‬تركه ألن تركه مستلزم للسفه تعالى هللا عن ذلك علواً كبيراً‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله‪ :‬فبهت الجبائي‪ .‬قي‪00‬ل‪ :‬للجب‪00‬ائي‪ 0‬أن يق‪00‬ول‪ :‬األص‪00‬لح واجب على هللا إذا لم ي‪00‬وجب‬
‫تركه حفظ أصلح آخر موجه بالنسبة إلى شخص آخر‪،‬فلعله كان إماتة األخ الثانى‪ 0‬الكافر في حال‬
‫الصغر موجبتا لكفر أبويه وأخيه لكمال الجزء على موته‪ ،‬فك‪0‬ان األص‪00‬لح لهم حيات‪0‬ه‪ 0،‬فلم‪00‬ا حف‪0‬ظ‬
‫‪207‬‬
‫وأتباع‪00‬ه بإبط‪00‬ال م‪00‬ا ذهبت إلي‪00‬ه المعتزل‪00‬ة‪ ،‬وإثب‪00‬ات م‪00‬ا وردت ب‪00‬ه الس‪00‬نة ومض‪00‬ى علي‪00‬ه‬
‫الجماعة‪ ،‬فلذلك سموا بأهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫(قوله زور) أي مزين الظ‪0‬اهر فاس‪0‬د الب‪0‬اطن فه‪0‬و باط‪0‬ل‪ ،‬ويص‪0‬ح تفس‪0‬يره من أول‬
‫األمر بالباطل‪ ،‬وإنما ك‪00‬ان م‪00‬زين الظ‪00‬اهر للتعب‪00‬ير عن‪00‬ه بالص‪00‬الح واألص‪00‬لح‪ ،‬وإال فه‪00‬و من‬
‫أسمج المذاهب‪ ،‬وإنم‪00‬ا ك‪00‬ان فاس‪00‬د الب‪0‬اطن ألن‪00‬ه ل‪00‬و وجب علي‪0‬ه تع‪00‬الى الص‪00‬الح واألص‪0‬لح‬
‫لعباده لما خلق الكافر الفقير المعذب في الدنيا بالفقر‪ ،‬وفي اآلخرة بالعذاب األليم المخلد‪،1‬‬
‫ألن األص‪00‬لح ل‪00‬ه ع‪00‬دم خلق‪00‬ه‪ ،‬وإن خل‪00‬ق فاألص‪00‬لح ل‪00‬ه إماتت‪00‬ه ص‪00‬غيراً أو س‪00‬لب عقل‪00‬ه قب‪00‬ل‬
‫التكليف‪،‬‬
‫وحكي أن الحافظ بن حجر مر يوما ً بالسوق في موكب عظيم وهيئة جميل‪00‬ة‪ ،‬فهجم‬
‫عليه يهودي يبيع الزيت الحار‪ ،‬وأثوابه ملطخة بالزيت وهو في غاية الرثاثة والبش‪00‬اعة‪،‬‬
‫فقبض على لجام بغلته وق‪00‬ال ل‪00‬ه‪ :‬ي‪00‬ا ش‪00‬يخ اإلس‪00‬الم ت‪00‬زعم أن ن‪00‬بيكم ق‪00‬ال‪ “ :‬ال‪00‬دنيا س‪00‬جن‬
‫المؤمن وجنة الكافر “ ‪ 2‬فأي سجن أنت فيه؟ وأي جنة أن‪00‬ا فيه‪00‬ا؟ فق‪00‬ال‪ :‬أن‪00‬ا بالنس‪00‬بة لم‪00‬ا‬
‫أعده هللا لي في اآلخرة من النعيم كأني اآلن في سجن‪ ،‬وأنت بالنسبة لما أعده هللا ل‪00‬ك في‬
‫اآلخرة من العذاب األليم كأنك في جنة‪ ،‬فأسلم اليهودي‪.‬‬
‫(قوله م‪00‬ا علي‪00‬ه واجب) أي ليس علي‪00‬ه تع‪00‬الى واجب من فع‪00‬ل أو ت‪00‬رك ألن‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫فاعل باالختيار‪ ،‬ولو وجب عليه فعل أو ترك لما ك‪00‬ان مخت‪00‬اراً‪ ،‬ألن المخت‪00‬ار ه‪00‬و ال‪00‬ذي إن‬
‫شاء فعل وإن شاء ترك‪ ،‬وأما اآليات الدالة على الوجوب عليه تعالى نح‪00‬و ( َو َم‪00‬ا ِمنْ دَابَّ ٍة‬
‫فِي اأْل َ ْر ِ‬
‫ض إِاَّل َعلَى هَّللا ِ ِر ْزقُ َه‪00‬ا) (ه‪00‬ود‪ :‬من اآلية‪ )6‬فمحمول‪00‬ة على أن الم‪00‬راد به‪00‬ا الوع‪00‬د‬
‫تفضالً‪ ،‬وكذلك األحاديث الدالة على ذلك‪ ،‬وتقدم الكالم في نظيره من اإليطاء‪ ،‬فال تغفل‪.‬‬

‫هذا األصلح لهم وجب فوت األصلح له‪ ،‬ولعله كان في نسله ص‪00‬لحاء‪ 0‬ك‪00‬ان األص‪00‬لح ل‪00‬ه إيج‪00‬ادهم‪،‬‬
‫فلرعاية الكثيرين‪ 0‬فات األصلح له‪.‬‬
‫وهذا القول مردود بأنه يلزم عليه منع النف‪00‬ع عمن ال جناي‪0‬ة‪ 0‬ل‪00‬ه إلص‪00‬الح غ‪00‬يره‪ ،‬وه‪00‬و‬
‫ظلم عنده‪ ،‬فإن مذهبهم وجوب األصلح بالنسبة‪ 0‬إلى الشخص ال بالنسبة‪ 0‬إلى الك‪00‬ل من حيث الك‪00‬ل‬
‫كما ذهب إليه الفالسفة‪ 0‬في "نظام العالم" كما في "شرح العضدية" وغيره‪.‬‬
‫وبه‪00‬ذا ين‪00‬دفع م‪00‬ا ح‪00‬اول أب‪00‬و الحس‪00‬ين البص‪00‬ري دف‪00‬ع اإلل‪00‬زام ب‪00‬ه عن الجب‪00‬ائي من أن‬
‫المعتزلة دفع اإللزام المذكور بأن‪ 0‬إماتته للصغير في صغره للعلم بأنه لو بلغ لكف‪00‬ر وأض‪00‬ل غ‪00‬ير‪،‬‬
‫فإماتته لمصلحة‪ 0‬الغير سيما إذ كان الغير‪ 0‬كثيرا لظه‪00‬ور رجحان‪00‬ه‪ 0،‬وليس في إبق‪00‬اء العاص‪00‬ي ذل‪00‬ك‬
‫ألن‪0‬ه لم يكن من المض‪0‬لين فيل‪0‬زم على م‪0‬ا س‪0‬وغ ب‪0‬ه إمات‪0‬ة الص‪0‬بي من‪0‬ع النف‪0‬ع‪ 0‬عمن ال جناي‪0‬ة ل‪0‬ه‬
‫إلصالح غيره‪ ،‬ويلزم عليه وعلى ما سوغ به إبقاء العاصي‪ 0‬أنه ك‪00‬ان يجب على هللا تع‪00‬الى إمات‪00‬ة‬
‫أئمة الكفر الذين يسعون في إضالل الناس‪ 0‬ونشر الفساد في األرض قبل البلوغ‪ 0‬إلصالح كثير من‬
‫العالمين‪ ،‬مع أن هللا تعالى‪ 0‬قد أمهلهم وأملى لهم‪.‬‬
‫‪ 1‬هذا إنما يكون رداً على معتزلة البصرة ال على معتزلة بغداد‪.‬‬
‫‪ 2‬الح‪00‬ديث أخرج‪00‬ه مس‪00‬لم ب‪00‬رقم (‪ )2956‬والترم‪00‬ذي في الزه‪00‬د ب‪00‬رقم (‪ )2324‬عن أبي‬
‫هريرة وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وأخرجه البزار (‪.)3645‬‬
‫‪208‬‬
‫‪ -52‬ألم يروا إيالمه األطفاال ‪ ##‬وشبهها فحاذر المحاال‬
‫(قوله‪ :‬ألم يروا ‪ ..‬إلخ) هذا تنبيه على فساد م‪00‬ذهبهم والرؤي‪00‬ة بص‪00‬رية‪ ،‬ويحتم‪00‬ل‬
‫أن تكون علمية واألول أبلغ لمزيد التشييع عليهم‪ ،‬وهم حقيقون بذلك‪ ،‬خصوص ‪0‬ا ً في ه‪00‬ذا‬
‫المقام فإن فيه غاي‪00‬ة إس‪00‬اءة األدب‪ ،‬وقول‪00‬ه “ إيالم‪00‬ه “ مفع‪00‬ول “ ي‪0‬روا “ وعلى جعله‪00‬ا‬

‫‪209‬‬
‫علمية يكون المفعول الثاني محذوفا ً تقديره حاص‪0‬الً مثالً‪ ،‬وعلى جعله‪00‬ا بص‪0‬رية ال تحت‪0‬اج‬
‫إلى مفعول ثان‪،‬‬
‫واعترض بأن اإليالم عبارة عن تعلق القدرة باأللم‪.‬‬
‫وهو ال يرى‪ ،‬وأجيب بأنه على حذف مضاف‪ ،‬والتق‪00‬دير‪ :‬أث‪00‬ر إيالم‪00‬ه‪ ،‬وذل‪00‬ك األث‪00‬ر‬
‫هو األلم‪ ،‬وقوله “ األطفاال “ مفعول اإليالم‪ ،‬ألن‪0‬ه مص‪0‬در مض‪0‬اف لفاعل‪0‬ه وه‪0‬و الض‪0‬مير‬
‫العائ‪0‬د على هللا‪ ،‬فاألص‪0‬ل إيالم هللا األطف‪0‬ال‪ ،‬وحكم‪0‬ة إيالم األطف‪0‬ال‪ 1‬حص‪0‬ول الث‪0‬واب علي‪0‬ه‬
‫ألبويهم‪ ،‬ألن ذلك من المصائب ال‪00‬تي يث‪00‬اب الش‪00‬خص عليه‪00‬ا‪ ،‬وله‪00‬ذا ق‪00‬ال إم‪00‬ام الح‪00‬رمين‪:‬‬
‫شدائد الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها‪ ،‬ألنها نعم حقيقة‪.‬‬
‫(قوله وشبهها) أي كالدواب والعجزة‪ ،2‬ف‪00‬إنهم ال نف‪00‬ع لهم في إن‪00‬زال األس‪00‬قام بهم‪،‬‬
‫ش ِدي ُد ا ْل ِم َحا ِل)‬
‫(وه َُو َ‬
‫وقوله “ فحاذر المحاال “ بكسر الميم بمعنى العقاب‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫(الرعد‪ :‬من اآلية‪ )13‬ويصح قراءته بفتح الميم بمعنى الش‪00‬ك‪ ،‬وبالض‪00‬م بمع‪00‬نى الممتن‪00‬ع‪،‬‬
‫ف‪00‬المعنى على األول‪ :‬فاح‪00‬ذر عق‪00‬اب هللا الن‪00‬ازل بهم على إض‪00‬اللهم‪ ،‬وعلى الث‪00‬اني‪ :‬فاح‪00‬ذر‬
‫الشك في ذلك‪ ،‬وعلى الثالث‪ :‬فاحذر الممتنع‪ ،‬وهو وجوب شيء عليه تعالى‪.‬‬

‫‪ { -115‬ما يجوز على هللا تعالى }‬


‫وجائز عليه خلق الشر ‪ ##‬والخيركاالسالم وجهل الكفر‬ ‫‪-53‬‬
‫(قوله وجائز عليه خلق ‪ ..‬إلخ) “ جائز “ خبر مقدم‪ ،‬و “ خلق “ مبت‪00‬دأ م‪00‬ؤخر‪،‬‬
‫والمتبادر من كالم المصنف التكلم في مسألة الخل‪00‬ق‪ ،‬ف‪00‬ذكر أن م‪00‬ذهب أه‪00‬ل الس‪00‬نة أن هللا‬
‫‪ 1‬قوله وحكمة‪ :‬الخ األولى ومن الحكمة فإن منها حصول الثواب لألطفال أنفس‪00‬هم ف‪00‬إن‬
‫األطفال من أهل الثواب يثابون على األعمال الصالحة‪ 0‬فينبغي أن يثابوا على المصائب‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله والعجزة انظر ما مراده بالعجزة فإن كان مراده ما هو المتب‪00‬ادر فال وج‪00‬ه ل‪00‬ذكره‬
‫ألن معظمهم من جملة المكلفين‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫يجوز عليه خلق الخير والشر‪ ،‬وخالفت المعتزلة فيهما فقالوا‪ :‬إن العبد يخلق أفعال نفسه‬
‫االختيارية خيراً ك‪00‬انت أم ش‪00‬راً‪ ،‬وق‪00‬د ص‪00‬رفه الش‪00‬ارح عن ظ‪00‬اهره فجعل‪00‬ه في اإلرادة تبع‪0‬ا ً‬
‫للمصنف في شرحه‪ ،‬ألن إبق‪0‬اء العب‪00‬ارة على ظاهره‪0‬ا يجعله‪00‬ا مك‪00‬ررة م‪0‬ع قول‪0‬ه س‪00‬ابقا ً “‬
‫فخالق لعبده وما عمل “ إال أن يجعل هذا تفصيالً لما تقدم‪ ،‬وعلى كالم الشارح يكون في‬
‫العبارة مجاز بالحذف‪ ،‬والتقدير‪ :‬إرادة خلق ‪ ..‬إلخ‪،‬‬
‫‪{ -116‬قال أهل السنة إن هللا تعالى يريد الخير والشر‪ ،‬وقالت المعتزل‪00‬ة ال يري‪00‬د إال‬
‫الخير}‬
‫ووافقت المعتزلة على أن هللا يريد الخير‪ ،‬وخالفت في أنه يريد الشر فقالوا يمتنع‬
‫عليه تعالى إرادة الشرور والقبائح‪ ،‬وبنوا ذلك على أص‪0‬لهم الفاس‪00‬د وم‪00‬ذهبهم الكاس‪00‬د من‬
‫التحس‪00‬ين والتق‪00‬بيح العقل‪00‬يين‪ ،‬فيقول‪00‬ون‪ :‬هللا يري‪00‬د الحس‪00‬ن لذات‪00‬ه وال يري‪00‬د الش‪00‬ر لذات‪00‬ه‪،‬‬
‫وعندنا‪ :‬الحسن م‪00‬ا حس‪00‬نه الش‪00‬رع والق‪00‬بيح م‪00‬ا قبح‪00‬ه الش‪00‬رع‪ ،1‬واس‪00‬تدلت المعتزل‪00‬ة على‬
‫م‪00‬ذهبهم ب‪00‬أن إرادة الش‪00‬ر ش‪00‬ر‪ ،‬وإرادة الق‪00‬بيح قبيح‪00‬ة‪ ،‬وهللا تع‪00‬الى م‪00‬نزه عن الش‪00‬رور‬
‫والقب‪00‬ائح‪ ،‬ورد بأن‪00‬ه ال يقبح من هللا ش‪00‬يء غاي‪00‬ة األم‪00‬ر أن‪00‬ه يخفى علين‪00‬ا وج‪00‬ه حس‪00‬نه‪،‬‬
‫واستدلت المعتزلة أيضا ً على مذهبهم بأن العقاب على ما أراده ظلم‪ ،‬وهللا تعالى منزه عن‬
‫الظلم‪ ،‬ورد بأنه تصرف في خالص ملكه وه‪0‬و ال يع‪0‬د ظلم‪0‬اً‪ ،‬على أن‪0‬ه س‪0‬بحانه وتع‪0‬الى ال‬
‫يسأل عما يفعل‪،‬‬
‫ويحكى أن إبليس لعنه هللا تمثل بين يدي الشافعي رضي هللا عن‪00‬ه وق‪00‬ال‪ :‬ي‪00‬ا إم‪00‬ام‪،‬‬
‫ما تقول فيمن خلقني لما اختار‪ ،‬واستعملني فيما اختار‪ ،‬وبعد ذلك إن شاء أدخل‪00‬ني الجن‪00‬ة‬
‫وإن شاء أدخلني النار‪ ،‬أعدل في ذلك أم جار‪ :‬قال اإلمام‪ :‬فنظرت في مسألته فألهمني هللا‬
‫تعالى أن قلت‪ :‬يا هذا‪ ،‬إن كان خلقك لما تريد أنت فقد ظلمك‪ ،‬وإن خلقك لم‪0‬ا يري‪0‬د ه‪00‬و فال‬
‫يس‪00‬أل عم‪00‬ا يفع‪00‬ل وهم يس‪00‬ألون‪ ،‬فاض‪00‬محل إبليس وتالش‪00‬ى ثم ق‪00‬ال‪ :‬وهللا ي‪00‬ا ش‪00‬افعي لق‪00‬د‬
‫أخرجت بمسألتي هذه سبعين ألف عابد من ديوان العبودية إلى ديوان الزندقة‪.‬‬
‫وال يرد على مذهب أهل السنة حديث (الخير بيديك والشر ليس إليك)‪ 2‬ألن معن‪00‬اه‪:‬‬
‫الخير بقدرتك وإرادتك‪ ،‬والشر ال يتقرب به إليك‪ ،‬ويلزم على م‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه المعتزل‪00‬ة‪ :‬أن‬
‫أكثر ما يقع في ملكه تعالى غير م‪00‬راد ل‪00‬ه‪ ،‬ألن الش‪00‬رور أك‪00‬ثر من الخ‪00‬يرات‪ ،‬وي‪00‬رده قول‪00‬ه‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬ما شاء هللا كان وما لم يشأ لم يكن)‪.3‬‬

‫‪ 1‬قد حققنا‪ 0‬مسألة الحسن والقبح سابقاً‪ 0‬فراجعها‪.‬‬


‫‪ 2‬الحديث أخرجه مسلم في صالة المس‪00‬افرين ب‪00‬اب (‪ )26‬ب‪00‬رقم (‪ )771‬عن علي رض‪00‬ي‬
‫هللا تعالى عنه‪ .‬وأبو داود (‪)760‬‬
‫‪ 3‬أخرج‪00‬ه أب‪00‬و داود في األدب (‪ )4413‬والنس‪00‬ائي‪ 0‬في عم‪00‬ل الي‪00‬وم والليل‪00‬ة (‪ )12‬عن‬
‫فاطمة رضي هللا تعالى عنها أن الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ك‪00‬ان يعلمه‪00‬ا‪ ،‬فيق‪00‬ول‪:‬‬
‫قولي حين تصبحين‪ :‬سبحانه هللا وبحمده‪ ،‬ال قوة إال باهلل‪ ،‬ما شاء هللا كان‪ ،‬وم‪00‬ا لم يش‪00‬أ لم يكن‪،‬‬
‫فإن‪00‬ه من ق‪00‬الهن حين يص‪00‬بح حف‪00‬ظ ح‪00‬تى يمس‪00‬ي‪ ،‬ومن ق‪00‬الهن حين يمس‪00‬ي حف‪00‬ظ ح‪00‬تى يص‪00‬بح‪،‬‬
‫وأخرجه ابن السني رواه النووي في األذكار عنه (‪.)149‬‬
‫‪211‬‬
‫(قوله الشر والخير) اعلم أنهم يعبرون عن األول ب‪00‬القبيح‪ ،‬وعن الث‪00‬اني بالحس‪00‬ن‪،‬‬
‫واصطلحت المعتزلة على أن القبيح ما يكون متعلق الذم في العاج‪00‬ل‪ :‬أي ال‪0‬دنيا‪ ،‬والعق‪0‬اب‬
‫في اآلجل‪ :‬أي اآلخرة‪ ،‬فيكون القبيح هو الحرام بخصوصه‪ ،‬وعلى أن الحسن ما ال يك‪00‬ون‬
‫متعلق الذم والعقاب‪ ،‬فيشمل الواجب والمندوب والمب‪0‬اح والمك‪0‬روه‪ ،‬وخالف األولى إن لم‬
‫ندخله في المكروه‪ ،‬فهذه األمور كلها حسنة عندهم‪.‬‬
‫واصطلح كثير من أهل السنة على أن المنهي عنه مطلقا ً قبيح‪ ،‬واألحسن م‪00‬ا قال‪00‬ه‬
‫إمام الحرمين‪ :‬أن المكروه ومنه خالف األولى ليس حسنا ً وال قبيحاً‪،‬‬
‫وقوله ( “ كاإلسالم “ ) مثال للخير‪ ،‬وقوله “ وجه‪0‬ل الكف‪0‬ر “ مث‪0‬ال للش‪0‬ر‪ ،‬ففي‪0‬ه‬
‫مع ما قبله لف ونشر مشوش‪ ،‬واإلضافة “ في جهل الكفر “ للبيان أي جهل ه‪00‬و الكف‪00‬ر‪،‬‬
‫أو من إضافة السبب للمسبب‪ ،‬فإن الجهل سبب الكفر‪ ،‬وإن كان له سبب آخر ه‪00‬و العن‪00‬اد‪،‬‬
‫وقد تقدم تعريف الجهل وانقسامه إلى بسيط ومركب‪،‬‬
‫والكفر ضد اإليمان‪ ،‬فهو إنكار ما علم مجيء الرسول به من الدين بالضرورة‪ ،‬أو‬
‫ما يستلزم ذلك كإلقاء مصحف في القاذورة‪ ،‬وإنما أضاف الن‪00‬اظم الجه‪00‬ل إلى الكف‪00‬ر لينب‪00‬ه‬
‫على أن من الجهل ما ال يضر كجهلنا بجالل هللا وصفاته ال‪00‬تي لم ت‪00‬دل عليه‪00‬ا أفعال‪00‬ه‪ ،‬كم‪00‬ا‬
‫يشير إليه قول الصديق األكبر‪ :‬العجز عن اإلدراك إدراك‪.‬‬
‫‪ { -117‬وجوب اإليمان بالقضاءوالقدر }‬
‫‪ -54‬وواجب إيماننا بالقدر ‪ ##‬وبالقضا كما أتى في الخبر‬
‫(وواجب إيمانن‪00‬ا ‪ ..‬إلخ)‪ “ :‬واجب “ خ‪00‬بر مق‪00‬دم‪ ،‬و “ إيمانن‪00‬ا “ مبت‪00‬دأ م‪00‬ؤخر‪،‬‬
‫وغرض المص‪00‬نف ب‪0‬ذلك ال‪0‬رد على القدرية‪ 1‬ال‪0‬تي تنفي الق‪0‬در وت‪0‬زعم أن‪0‬ه تع‪0‬الى لم يق‪0‬در‬
‫األم‪00‬ور أزالً‪ ،‬وتق‪00‬ول األم‪00‬ر أن‪00‬ف‪ :‬أي يس‪00‬تأنفه هللا علم ‪0‬ا ً ح‪00‬ال وقوع‪00‬ه‪ ،‬ولقب‪00‬وا بالقدري‪00‬ة‬
‫لخوضهم في القدر حيث بالغوا في نفيه‪ ،‬وال يقال‪ :‬مثبت القدر أح‪00‬ق أن ينس‪00‬ب إلي‪00‬ه؛ ألن‪0‬ا‬
‫نقول كما يصح نسبة مثبته إليه يصح نسبة نافيه إليه إذا بالغ في نفيه‪ ،‬وهؤالء انقرضوا‬
‫قبل اإلمام الشافعي رضي هللا تعالى عنه‪ ،‬وأما القدرية التي تنسب أفعال العبيد إلى قُ َد ِرهم‬
‫مع كونهم مطبقين على أنه تعالى عالم بأفعال العباد قب‪00‬ل وقوعه‪00‬ا‪ ،‬فق‪00‬د تق‪00‬دم ال‪00‬رد عليهم‬
‫بقوله سابقا ً “ فخالق لعب‪00‬ده وم‪00‬ا عم‪00‬ل “ فهم‪00‬ا ق‪00‬دريتان‪ :‬أولى‪ ،‬وهي تنك‪00‬ر س‪00‬بق علم‪00‬ه‬
‫تع‪00‬الى باألش‪00‬ياء قب‪00‬ل وقوعه‪00‬ا وتخ‪00‬وض في الق‪00‬در‪ ،‬حيث ب‪00‬الغت في نفي‪00‬ه‪ ،‬وثاني‪00‬ة‪ :‬وهي‬
‫تنسب أفعال العباد إلى قُ َد ِرهم‪ ،‬ومذهب هذه وإن كان مذهبا ً باطالً أخف من م‪0‬ذهب الفرق‪0‬ة‬
‫األولى فإنه كفر‪،‬‬
‫‪ { -118‬الرضا بالقضاء والقدر }‬

‫‪ 1‬قوله‪ :‬وغرض المصنف إلخ قد اعتاد كث‪0‬ير من المت‪00‬أخرين حينم‪0‬ا يتكلم‪0‬ون على كالم‬
‫يصلح أن يكون رداً لرأي أو مذهب أن يقولوا والغرض ال‪00‬رد على ك‪00‬ذا وه‪00‬ذا ليس بص‪00‬حيح على‬
‫عمومه ألن معظم ه‪00‬ذا الن‪00‬وع من الكالم المقص‪00‬ود من‪00‬ه تقري‪0‬ر‪ 0‬المس‪00‬ائل وبيانه‪00‬ا فالمقص‪00‬ود هن‪00‬ا‬
‫تقرير العقيدة اإلسالمية بالنسبة‪ 0‬إلى القضاء والقدر نعم هذا التقرير يتضمن ال‪00‬رد على المخ‪00‬الف‬
‫وأما أن يكون المقصود من الكالم الرد عليه فليس بصحيح وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫واإليمان بالقضاء والقدر يس‪00‬تدعي الرض‪00‬ا بهم‪00‬ا فيجب الرض‪00‬ا بالقض‪00‬اء والق‪00‬در‪،‬‬
‫واستشكل بأنه يلزم على ذلك الرضا بالكفر والمعاصي‪ ،‬ألن هللا قضى بهما وق‪0‬درهما على‬
‫الشخص‪ ،‬مع أن الرضا بالكفر كفر‪ ،‬وبالمعاصي معصية‪ ،‬وأجيب بم‪00‬ا قال‪00‬ه الس‪00‬عد من أن‬
‫الكفر والمعاصي مقضي ومقدر ال قضاء وال قدر‪ ،‬وال‪0‬واجب الرض‪0‬ا ب‪0‬ه إنم‪0‬ا ه‪0‬و القض‪0‬اء‬
‫والق‪00‬در ال المقض‪00‬ي والمق‪00‬در‪ ،‬وفي‪00‬ه أن‪00‬ه ال مع‪00‬نى‪ 1‬للرض‪00‬ا بالقض‪00‬اء والق‪00‬در إال الرض‪00‬ا‬
‫بالمقضي والمقدر‪ ،‬والذي حققه‪ 0‬الخيالي في حاشيته‪ :‬أن الكفر والمعاص‪00‬ي لهم‪00‬ا جهت‪00‬ان‪،‬‬
‫جهة كونهما مقضيين ومقدرين هلل‪ ،‬وجهة كونهما مكتسبين للعبد‪ ،‬فيجب الرضا بهما من‬
‫الجهة األولى ال من الثانية‪.‬‬
‫‪ { -119‬االحتجاج بالقضاء والقدر }‬
‫واعلم أن‪00‬ه وإن وجب اإليم‪00‬ان بالق‪00‬در ولكن ال يج‪00‬وز االحتج‪00‬اج ب‪00‬ه قب‪00‬ل الوق‪00‬وع‬
‫توصالً إليه بأن قال شخص‪ :‬قدر هللا علي الزنا‪ ،‬مثالً؛ وغرضه بذلك التوصل إلى الوقوع‬
‫في الزنا‪ ،‬أو بعد الوقوع تخلصا ً من الحد‪ ،‬أو نحوه بأن وقع شخص في الزنا مثالً‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫قدر هللا عل ّي ذلك‪ ،‬وغرضه به التخلص من الح‪00‬د‪ ،‬وأم‪00‬ا االحتج‪00‬اج ب‪00‬ه بع‪00‬د الوق‪00‬وع ل‪00‬دفع‬
‫الل‪00‬وم فق‪00‬ط فال ب‪00‬أس‪ 2‬ب‪00‬ه‪ ،‬ففي الح‪00‬ديث الص‪00‬حيح‪( :‬إن روح آدم التقت م‪00‬ع روح موس‪00‬ى‬
‫عليهما الصالة والسالم فقال موسى آلدم‪ :‬أنت أبو البشر الذي كنت س‪00‬ببا ً إلخ‪00‬راج أوالدك‬
‫من الجنة بأكلك من الشجرة فقال آدم‪ :‬يا موسى‪ ،‬فأنت الذي اصطفاك هللا بكالمه وخط لك‬
‫التوراة بيده تلومني على أمر قد قدره هللا عل ّي قب‪00‬ل أن يخلق‪00‬ني ب‪00‬أربعين أل‪00‬ف س‪00‬نة‪ ،‬ق‪00‬ال‬
‫النبي صلى هللا عليه وآله وسلم‪ :‬فحج آدم موسى‪ “ 3‬أي غلبه بالحجة‪،‬‬
‫‪ { -120‬تعريف كل من القضاء والقدر }‬

‫‪( 1‬قوله‪" :‬وفيه أنه ال معنى … إلخ")‪ :‬هذا اإلشكال غير ظ‪00‬اهر‪ ،‬ألن الرض‪00‬ا بالقض‪00‬اء‬
‫والقدر غير الرضا‪ 0‬بالمقضي والمقدر‪ ،‬ألن معنى الرضا بالقضاء والقدر‪ ،‬أن ال يع‪00‬ترض على هللا‬
‫في قضائه وقدره‪ ،‬ويعتقد أن‪00‬ه لحكم‪00‬ة وإن كن‪00‬ا ال نعلمه‪00‬ا‪ ،‬وذل‪00‬ك يج‪00‬امع ع‪00‬دم الرض‪0‬ا‪ 0‬بالمقض‪0‬ي‪0‬‬
‫والمقدر بأن يعترض على الكافر في اختياره الكفر واكتسابه له‪ ،‬فه‪00‬ذا الج‪00‬واب عن‪00‬د التأم‪00‬ل ه‪00‬و‬
‫عين جواب الخيالي اآلتي‪ ،‬فالتفرقة بينهما غير ظاهرة‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫"قول‪00‬ه‪ :‬وفي‪00‬ه أن ال مع‪00‬نى …إلخ"‪ :‬في‪00‬ه أن الرض‪00‬ا بالقض‪00‬اء والق‪00‬در غ‪00‬ير الرض‪00‬ا‬
‫بالمقضي‪ 0‬والمقدر فإن معناه أن ال يعترض على قضائه وقدره العتق‪0‬اده أنهم‪0‬ا موافق‪0‬ان لحكمت‪0‬ه‬
‫تعالى‪ ،‬نعم هذا يستلزم الرضا بالمقضي والمقدر لكن من حيث أنهما مقض‪00‬ي ومق‪00‬در ال من حيث‬
‫ذاتهما واإلشكال وارد على الرضا بهما من حيث ذاتهما‪ ،‬وهذا الالزم ه‪00‬و م‪00‬ا أج‪00‬اب‪ 0‬ب‪00‬ه الخي‪00‬الي‪0‬‬
‫فجواب السعد يستلزم جواب الخيالي‪ 0‬ال أنه هو كما قال األجهوري في تعليقه وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬وال سيما إذا كان في عالم الحقيقة‪ 0‬ال في عالم االبتالء كما في الحديث‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرج البخاري في كتاب‪ 0‬القدر برقم (‪ )6614‬ومس‪00‬لم في كت‪00‬اب الق‪00‬در ب‪00‬رقم (‪)2652‬‬
‫واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه عن النبي صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وآله وس‪00‬لم‬
‫قال‪( :‬احتج آدم وموسى‪ ،‬فقال له موسى‪ :‬يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجن‪00‬ة! فق‪00‬ال ل‪00‬ه‬
‫آدم‪ :‬يا موسى اصطفاك هللا بكالمه‪ ،‬وخط لك بيده‪ ،‬أتلومني على أمر ق‪00‬دره عل ّي قب‪00‬ل أن يخلق‪00‬ني‬
‫بأربعين‪ 0‬سنة؟ فحج آدم موسى)‪.‬‬
‫‪213‬‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬بالق‪00‬در‪ ##‬وبالقض‪00‬ا) اعلم أن األش‪00‬اعرة والماتريدي‪00‬ة اختلف‪00‬وا في ك‪00‬ل من‬
‫القدر والقضاء‪:‬‬
‫فالقدر عند األشاعرة‪ “ :‬إيجاد هللا األشياء على قدر مخصوص ووج‪00‬ه معين أراده‬
‫“ تعالى‪ ،‬فيرجع عندهم لصفة فعل‪ ،‬ألنه عبارة عن اإليجاد وهو من صفات األفعال‪،‬‬
‫وعند الماتريدية‪ “ :‬تحديد هللا أزالً كل مخلوق بحده الذي يوجد عليه “ من حسن‬
‫وقبح ونفع وضر إلى غير ذلك‪ :‬أي علمه‪ 1‬تعالى أزالً صفات المخلوق‪00‬ات‪ ،‬ف‪00‬يرجع عن‪00‬دهم‬
‫لصفة العلم وهي من صفات الذات‪،‬‬
‫والقضاء عند األشاعرة‪ “ :‬إرادة هللا األش‪00‬ياء في األزل على م‪00‬ا هي علي‪00‬ه فيم‪00‬ا ال‬
‫يزال “ ‪ ،‬فهو من صفات الذات عندهم‪.‬‬
‫وعند الماتريدية‪ “ :‬إيجاد هللا األشياء مع زي‪0‬ادة اإلحك‪00‬ام‪ 0‬واإلتق‪00‬ان “ ‪ ،‬فه‪00‬و ص‪00‬فة‬
‫فعل عندهم‪ ،‬فالقدر حادث والقضاء قديم عند األشاعرة‪ ،‬وال كذلك عند الماتريدية‪.‬‬
‫وقد حمل الشارح كالم المصنف على م‪0‬ذهب الماتريدي‪0‬ة في الق‪0‬در والقض‪0‬اء دون‬
‫مذهب األشاعرة ألن القضاء في اللغة له نحو مع‪00‬ان س‪00‬بعة‪ ،‬أش‪00‬هرها الحكم‪ ،‬وه‪00‬و يرج‪00‬ع‬
‫للفعل‪ ،‬فناس‪00‬ب أن يفس‪00‬ر في االص‪00‬طالح بالفع‪00‬ل‪ ،‬وأم‪00‬ا الق‪00‬در فلم ي‪00‬رد أن معن‪00‬اه في اللغ‪00‬ة‬
‫الفعل‪ ،‬فناسب أن ال يفسر في االصطالح بالفع‪0‬ل ب‪00‬ل ب‪0‬العلم‪ ،‬وق‪00‬د نظم العالم‪0‬ة األجه‪0‬وري‬
‫معنى القضاء والقدر‪ ،‬وحكى فيه الخالف على غير هذا الوجه فقال‪:‬‬
‫إرادة هللا مع التعلق ‪ ##‬في أزل قضاؤه فحقق‬
‫والقدر اإليجاد لألشيا على ‪ ##‬وجه معين أراده عال‬
‫وبعضهم قد قال معنى األول ‪ ##‬العلم مع تعلق في األزل‬
‫والقدر اإليجاد لألمور ‪ ##‬على وفاق علمه المذكور‬
‫فأنت تراه جعل القض‪00‬اء ه‪0‬و اإلرادة م‪0‬ع التعل‪00‬ق األزلي على الق‪00‬ول األول‪ ،‬أو العلم‬
‫مع التعلق األزلي على القول الثاني‪ ،‬وعلى كل من الق‪00‬ولين فه‪00‬و ق‪00‬ديم‪ ،‬وجع‪00‬ل الق‪00‬در ه‪00‬و‬
‫اإليجاد على وفق اإلرادة على القول األول أو اإليجاد على وف‪00‬ق العلم على الق‪00‬ول الث‪00‬اني‪،‬‬
‫وعلى كل من القولين فهو حادث‪ ،‬وبعد ه‪00‬ذا كل‪00‬ه فالقض‪00‬اء والق‪00‬در راجع‪00‬ان لم‪00‬ا تق‪00‬دم من‬
‫العلم واإلرادة وتعلق القدرة‪ ،‬لكن لما كان خطر الجهل في هذا الفن عظيما ً صرحوا بهما‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬كم‪00‬ا أتى في الخ‪00‬بر) أي لم‪00‬ا ورد في الخ‪00‬بر‪ ،‬فالك‪00‬اف للتعلي‪00‬ل والم‪00‬راد من‬
‫الخبر‪ :‬الحديث ألن الخبر والحديث مترادفان على األصح‪ ،‬ولذلك قال العالمة الص‪00‬بان في‬
‫منظومته التي في المصطلح‪:‬‬
‫والخبر المتن الحديث األثر ‪ ##‬ما عن إمام المرس‪00‬لين ي‪00‬ؤثر ‪ ##‬أو غ‪00‬يره ال ف‪00‬رق‬
‫فيما اعتمدا‬

‫‪1‬قوله‪ :‬أي علمه تفسير التحديد ب‪0‬العلم‪ 0‬غ‪00‬ير ص‪0‬حيح ألن التحدي‪00‬د وص‪0‬ف اإلرادة وليس‬
‫صفة العلم ألن العلم تابع‪ 0‬للمعلوم فال يحدد المعلوم وهللا أعلم‪ ،‬فالقدر عن‪00‬د الماتريدي‪00‬ة راج‪00‬ع إلى‬
‫اإلرادة ال إلى العلم كالقضاء عند األشاعرة‪.‬‬
‫‪214‬‬
‫وأشار المصنف بذلك إلى أن دليل ذلك سمعي؛ فمن جمل‪00‬ة ذل‪00‬ك م‪00‬ا روي عن علي‬
‫كرم هللا وجهه أنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه وس‪00‬لم ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم‪( :‬ال يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة‪ :‬يشهد ب‪00‬أن ال إل‪00‬ه إال هللا وأني رس‪00‬ول هللا بعث‪00‬ني‬
‫بالحق‪ ،‬ويؤمن بالبعث بع‪00‬د الم‪00‬وت‪ ،‬وي‪00‬ؤمن بالق‪00‬در خ‪00‬يره وش‪00‬ره حل‪00‬وه وم‪0‬ره “ ‪ ،1‬ومن‬
‫جملة ذلك أيضا ً حديث األربعين (اإليمان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتب‪00‬ه ورس‪00‬له‪ ،‬وت‪00‬ؤمن‬
‫بالقدر خيره وشره وحل‪00‬وه وم‪00‬ره)‪ ،2‬وإنم‪00‬ا عول‪00‬وا على ال‪00‬دليل الس‪00‬معي هن‪00‬ا ألن‪00‬ه أس‪00‬هل‬
‫للعامة‪ ،‬وإال فقد علمت مما مر أن القضا والقدر يرجعان للص‪00‬فات ال‪00‬تي عول‪00‬وا فيه‪00‬ا على‬
‫الدليل العقلي‪.‬‬

‫‪ { -121‬من الجائز على هللا تعالى أن ينظر باألبصار }‬


‫ومنه أن ينظر باألبصار ‪ ##‬لكن بال كيف وال انحصار‬ ‫‪-55‬‬
‫(قوله‪ :‬ومنه أن ينظ‪00‬ر ‪ ..‬إلخ) أي ومن الج‪00‬ائز عقالً علي‪00‬ه تع‪00‬الى أن ينظ‪00‬ر ‪ ..‬إلخ‪،‬‬
‫فالرؤية جائزة عقالً دنيا وآخرة‪ ،‬ألن الباري سبحانه وتعالى موجود‪ ،‬وكل موج‪00‬ود يص‪00‬ح‬
‫أن يرى‪ ،‬فالباري عز وجل يصح أن يرى‪ ،‬لكن لم تقع دنيا لغير نبينا صلى هللا عليه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم‪ ،‬وواجبة شرعا ً في اآلخرة‪ ،‬كما أطبق عليه أهل السنة للكتاب والسنة واإلجماع‪:‬‬
‫اض َرةٌ‪ ،‬إِلَى َربِّ َه‪00‬ا نَ‪00‬ا ِظ َرةٌ)‬
‫أما الكتاب فآيات كثيرة منها قوله تعالى‪ُ ( :‬و ُجوهٌ يَ ْو َمئِ ٍذ نَ ِ‬
‫(القيام‪00‬ة‪ )23-22 :‬ومع‪00‬نى “ ناض‪00‬رة “ حس‪00‬نة‪ ،‬وه‪00‬و ص‪00‬فة للوج‪00‬وه‪ ،‬وه‪00‬و المس‪00‬وغ‬
‫‪ 1‬الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه في كت‪00‬اب اإليم‪00‬ان ب‪00‬رقم (‪ )178‬والترم‪00‬ذي في‬
‫كتاب القدر برقم (‪ )2145‬وأحمد (‪ )1/97‬وابن ماج‪00‬ه في المقدم‪00‬ة ب‪00‬رقم (‪ )81‬كلهم دون قول‪00‬ه‪:‬‬
‫"خيره وشره وحلوه ومره"‪.‬‬
‫‪ 2‬الحديث طويل أخرجه مسلم في اإليمان‪ 0‬برقم (‪ )8‬وأبو داود ب‪00‬رقم (‪ )4695‬عن عم‪00‬ر‬
‫بن الخطاب‪ 0‬وروى البخاري‪ 0‬نحوه في اإليمان‪ 0‬برقم (‪ )50‬عن أبي هريرة رضي هللا تعالى‪ 0‬منه‪.‬‬
‫‪215‬‬
‫لالبتداء به‪ ،‬و “ ناظرة “ خبره‪ ،‬وحمل الجبائي النظر في اآلية على االنتظ‪00‬ار‪ ،‬وجع‪00‬ل “‬
‫إلى‪ :‬اسما ً بمعنى النعمة‪ ،‬والمعنى عنده‪ :‬منتظرة نعمة ربها‪ 1‬ومنه‪00‬ا قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬لِلَّ ِذينَ‬
‫سنَى َو ِزيَا َدةٌ) (يونس‪ :‬من اآلية‪ )26‬فإن الحس‪00‬نى‪ :‬هي الجن‪00‬ة‪ ،‬والزي‪00‬ادة‪ :‬هي‬ ‫أَ ْح َ‬
‫سنُوا ا ْل ُح ْ‬
‫النظ‪00‬ر لوجه‪00‬ه الك‪00‬ريم كم‪00‬ا قال‪00‬ه جمه‪00‬ور المفس‪00‬رين‪ ،‬ومنه‪00‬ا قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ ( :‬علَى اأْل َ َرائِ‪ِ 0‬‬
‫‪0‬ك‬
‫يَ ْنظُرُونَ ) (المطففين‪)23:‬‬
‫‪2‬‬
‫وأما السنة فأح‪0‬اديث كح‪0‬ديث‪( :‬إنكم س‪0‬ترون ربكم كم‪0‬ا ت‪0‬رون القم‪0‬ر ليل‪0‬ة الب‪0‬در)‬
‫والتشبيه للرؤية في عدم الشك والخفاء ال للم‪00‬رئي كم‪00‬ا ق‪00‬د يت‪00‬وهم‪ ،‬والتعب‪00‬ير بالس‪00‬ين في‬
‫الحديث ألن القيامة قد قربت‪ ،3‬وأول المعتزلة الحديث بأن المعنى‪ :‬سترون رحمة ربكم‪،‬‬
‫‪ 1‬هذه من تأويالت المعتزلة ال‪0‬تي يحرف‪0‬ون به‪0‬ا الكالم عن مواض‪00‬عه‪ ،‬فإن‪0‬ه ال أح‪0‬د ممن‬
‫يع‪00‬رف لغ‪00‬ة الع‪00‬رب‪ 0‬يفهم من ه‪00‬ذه اآلي‪00‬ة ه‪00‬ذا المع‪00‬نى‪ 0،‬وإنم‪00‬ا يفهم منه‪00‬ا مع‪00‬نى النظ‪0‬ر‪ 0‬إلى ربه‪00‬ا‪،‬‬
‫والتمتع برؤيته تعالى‪.‬‬
‫قال اإلمام أبو الحسن‪ 0‬األشعري في "اإلبانة"‪:)58( 0‬‬
‫ال يجوز أن يكون معنى نظر االنتظ‪00‬ار ألن النظ‪0‬ر إذا ذك‪0‬ر م‪0‬ع ذك‪0‬ر الوج‪0‬ه فمعن‪0‬اه نظ‪0‬ر‬
‫العينين‪ 0‬اللتين في الوجه‪ ،‬كما إذا ذكر أهل اللسان‪ 0‬نظر القلب‪ 0،‬فقالوا‪ :‬انظر في ه‪00‬ذا األم‪00‬ر بقلب ‪0‬ك‪0‬‬
‫لم يكن معناه نظر العينين‪ 0،‬ولذا إذا ذكر النظر‪ 0‬مع الوجه لم يكن معناه نظر االنتظار‪ 0‬الذي بالقلب‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن نظر االنتظار‪ 0‬ال يكون في الجنة‪ ،‬ألن االنتظار‪ 0‬معه تنغيص وتكدير‪.‬‬
‫وأهل الجنة لهم ما ال عين رأت وال أذن سمعت من العيش السليم والنعيم المقيم‪.‬‬
‫وإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يكونوا منتظرين‪ ،‬ألنهم كلما خط‪0‬ر بب‪0‬الهم ش‪0‬يء أت‪0‬وا ب‪0‬ه‬
‫مع خطوره ببالهم‪.‬‬
‫قول‪00‬ه‪ :‬لكن بال كي‪00‬ف وال انحص‪00‬ار‪ 0،‬ق‪00‬ال المحق‪00‬ق البياض‪0‬ي‪ 0‬في إش‪00‬ارات‪ 0‬الم‪00‬رام (‪-202‬‬
‫‪ :)203‬الم‪00‬راد بنفي الكيفي‪00‬ة والجه‪00‬ة (في رؤي‪00‬ة هللا تع‪00‬الى) خل‪00‬و تل‪00‬ك‪ 0‬الرؤي‪00‬ة عن الش‪00‬رائط‬
‫والكيفيات‪ 0‬المعتبرة في رؤية األجسام واألعراض مع سالمة الحاسة‪ ،‬وكون المرئي بحيث يمكن‬
‫رؤيته‪ ،‬من المقابلة‪ ،‬وعدم القرب القريب‪ 0‬والبعد البعيد‪ ،‬واللطافة‪ 0،‬والصغر والحج‪0‬اب‪ ،‬ال بمع‪0‬نى‬
‫خلو الرؤية أو الرائي‪ 0‬والم‪0‬رئي عن جمي‪0‬ع الح‪0‬االت والص‪0‬فات‪ 0،‬على م‪0‬ا يفهم أرب‪0‬اب‪ 0‬الجه‪0‬االت‪،‬‬
‫فيعترضون بأن الرؤية فعل من أفعال العباد أو كسب من أكسابه فبالضرورة يك‪0‬ون واقع‪0‬ا ً بص‪0‬فة‬
‫من الصفات‪ ،‬وكذلك المرئي بحاسة العين البد أن يكون ل‪00‬ه ح‪00‬ال أو كيفي‪00‬ة من الكيفي‪00‬ات كم‪00‬ا في‬
‫شرح المقاصد‪.‬‬
‫ثم ق‪00‬ال البياض‪00‬ي‪ 0:‬الم‪00‬راد من الرؤي‪00‬ة أن يحص‪00‬ل انكش‪00‬اف للعب‪00‬اد بالنس‪00‬بة‪ 0‬إلى ذات‪00‬ه‬
‫المخصوصة سبحانه وتعالى‪ ،‬ويجري مجرى االنكشاف الحاصل عند إبصار األلوان واألض‪00‬واء‪،‬‬
‫واالنكشاف يجب أن يكون على وفق المكشوف‪ ،‬فإن كان المكشوف مخصوصا ً بالجه‪0‬ة وجب أن‬
‫يكون االنكشاف كذلك‪ ،‬وإن ك‪0‬ان المكش‪0‬وف منزه‪0‬ا ً عن الجه‪0‬ة والح‪0‬يز وجب أن يك‪0‬ون انكش‪0‬افه‬
‫منزها ً عن الحيز‪ 0‬والجهة كما في األربعين للرازي‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه البخاري في كتاب‪ 0‬المواقيت برقم (‪ )554‬عن جرير قال‪ :‬كنا عند الن‪00‬بي ص‪00‬لى‬
‫هللا تعالى عليه وآله وس‪00‬لم فنظ‪00‬ر إلى القم‪00‬ر ليل‪00‬ة –يع‪00‬ني الب‪00‬در‪ -‬فق‪00‬ال‪( :‬إنكم س‪00‬ترون ربكم كم‪00‬ا‬
‫ت‪00‬رون ه‪00‬ذا القم‪00‬ر‪ ،‬ال تض‪00‬امون في رؤيت‪00‬ه‪ ،‬ف‪00‬إن اس‪00‬تطعتم أن ال تغلب‪00‬وا على ص‪00‬الة قب‪00‬ل طل‪00‬وع‬
‫الشمس وقبل غروبها فافعلوا) وأخرج مسلم نحوه في كتاب اإليمان (‪.)183‬‬
‫‪ 3‬والصحيح أن السين‪ 0‬قد تتمحض لمجرد االستقبال ومنه ه‪0‬ذا الح‪00‬ديث ف‪00‬إن الظ‪0‬اهر‪ 0‬أن‬
‫المقصود هو مجرد االستقبال‪.‬‬
‫‪216‬‬
‫وأما اإلجماع فهو أن الصحابة رضي هللا عنهم كانوا مجمعين على وق‪00‬وع الرؤي‪00‬ة‬
‫في اآلخ‪00‬رة‪ ،‬ق‪00‬ال اإلم‪00‬ام مال‪00‬ك رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى عن‪00‬ه‪ :‬لم‪00‬ا حجب أع‪00‬داؤه فلم ي‪00‬روه تجلى‬
‫ألوليائه حتى رأوه‪ ،‬ولو لم ير المؤمنون ربهم ي‪0‬وم القيام‪0‬ة لم يع‪0‬ير الك‪0‬افرون بالحج‪0‬اب‪،‬‬
‫ق‪00000000‬ال تع‪00000000‬الى‪( :‬كَاَّل إِنَّ ُه ْم عَنْ َربِّ ِه ْم يَ ْو َمئِ‪ٍ 00000000‬ذ لَ َم ْح ُجوبُ‪00000000‬ونَ ) (المطففين‪00000000)15:‬‬
‫وقال اإلمام الشافعي رضي هللا عن‪00‬ه‪ :‬لم‪00‬ا حجب قوم‪0‬ا ً بالس‪00‬خط‪ ،‬دل على أن قوم‪0‬ا ً يرون‪00‬ه‬
‫بالرضا‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما وهللا لو لم يوقن محمد بن إدريس بأنه يرى ربه في الميعاد لما عبده‬
‫في الدنيا‪ ،‬وهذا من كالم المدللين نفعنا هللا بهم‪ ،‬وإال فاهلل يستحق العبادة لذاته‪ ،‬وقال ابن‬
‫الع‪00‬ربي‪ :‬إن رؤي‪00‬ة هللا جعلت تقوي‪00‬ة للمعرف‪00‬ة الحاص‪00‬لة في ال‪00‬دنيا‪ ،‬فم‪00‬ا راء كمن س‪00‬معا‪.‬‬
‫والحاص‪00‬ل أن هن‪00‬ا مق‪00‬امين كم‪00‬ا يس‪00‬تفاد من كالم الس‪00‬عد في ش‪00‬رح المقاصد‪ :1‬أح‪00‬دهما في‬
‫جواز الرؤية‪ ،‬وثانيهما في وقوعه‪00‬ا‪ ،‬والمتب‪00‬ادر من كالم المص‪00‬نف المق‪00‬ام األول كم‪00‬ا ه‪00‬و‬
‫قضية مرجع الضمير‪،‬‬
‫(قوله باألبصار) ظاهره أن الرؤية بالحدق فق‪00‬ط‪ :‬وه‪00‬و أح‪00‬د أق‪00‬وال ثالث‪00‬ة‪ :‬ثانيه‪00‬ا‪:‬‬
‫ض َرةٌ‪ ،‬إِلَى َربِّ َها نَا ِظ َرةٌ) (القيامة‪:‬‬
‫أنها بجميع الوجوه‪ ،‬لظاهر قوله تعالى‪ُ ( :‬و ُجوهٌ يَ ْو َمئِ ٍذ نَا ِ‬
‫‪ )23-22‬ثالثها‪ :‬أنها بكل جزء من أجزاء البدن‪ ،‬كما نقل عن أبي يزيد البسطامي‬
‫‪ { -122‬يرى هللا تعالى بال كيفية وال تحيز وال انحصار}‬
‫(قوله‪ :‬لكن بال كيف) لما كان قد يتوهم من قوله “ ومنه أن ينظر باألبصار “ أنه‬
‫تعالى يرى بكيف كما في رؤية بعضنا بعضا ً اس‪00‬تدرك علي‪00‬ه بقول‪00‬ه “ لكن بال كي‪00‬ف “ أي‬
‫بال تكيف للمرئي بكيفية من كيفيات الحوادث من مقابلة جهة وتحيز وغير ذلك‪ ،‬وغ‪00‬رض‬
‫المصنف بذلك الجواب عن ش‪0‬بهة المعتزل‪0‬ة العقلي‪0‬ة ال‪0‬تي تمس‪0‬كوا به‪0‬ا في ق‪0‬ولهم بإحال‪0‬ة‬
‫الرؤية‪ ،‬وحاصلها‪ :‬أنه تعالى لو كان مرئيا ً لكان مقابالً للمرئي بالضرورة فيكون في جهة‬
‫وحيز‪ ،‬وحاصل الجواب‪ :‬أن قولكم‪ “ :‬لكان مقابالً لل‪00‬رائي بالض‪00‬رورة “ ممن‪00‬وع‪ ،‬فل‪00‬زوم‬
‫الجهة والحيز ممنوع‪ ،‬إذ الرؤية قوة يجعلها هللا في خلقه ال يش‪0‬ترط فيه‪0‬ا مقابل‪0‬ة الم‪0‬رئي‬
‫وال كونه في جهة وحيز وال غير ذلك‪ ،2‬ودعوى الضرورة فيما نازع فيه الجم الغف‪00‬ير من‬
‫العقالء غير مسموعة‪ ،‬غاية األمر أن هذه األمور الزمة عادة ال عقالً‪ ،‬وانتحتوا‪ 0‬من ق‪00‬ول‬
‫أهل السنة “ بال كيف “ ‪ :‬البلكفة‪ ،‬وقد أنشد الزمخشري في الكشاف يهجو أهل السنة‪:‬‬

‫‪ 1‬ال مع‪00‬نى له‪00‬ذه الحوال‪00‬ة ألن ه‪00‬ذا من المق‪00‬ررات الواض‪00‬حات والحوال‪00‬ة إنم‪00‬ا تك‪00‬ون في‬
‫األمور الخفية وفي نسبة اآلراء واألقوال إلى أصحابها‪.‬‬
‫‪ 2‬واستدل أهل السنة على ذلك برؤيته تع‪00‬الى لن‪0‬ا‪ 0‬م‪00‬ع أنن‪00‬ا لس‪00‬نا‪ 0‬في جه‪00‬ة بالنس‪00‬بة‪ 0‬إلي‪00‬ه‬
‫تعالى وال مقابلين له‪ ،‬فإنا لو كنا في جهة بالنسبة إليه تع‪00‬الى‪ 0‬لك‪00‬ان ه‪0‬و أيض‪0‬ا ً في جه‪00‬ة بالنس‪00‬بة‪0‬‬
‫إلينا‪ 0‬فهذا أقوى دليل على أن المقابلة والجهة ليستا بشرط في الرؤية‪.‬‬
‫‪217‬‬
‫‪1‬‬
‫لجماعة سموا هواهم سنة ‪ ##‬وجماعة حمر لعمري موكفة‬
‫قد شبهوه بخلقه فتخوفوا ‪ ##‬شنع الورى فتستروا بالبلكفة‬
‫ورد عليه السيد البليدي‪ 2‬بقوله‪:‬‬
‫هل نحن من أهل الهوى أو أنتم ‪ ##‬ومن الذي منا حمير موكفة‪0‬‬
‫صب فالوصفُ فيكم ظاه ٌر ‪ ##‬كالشمس فارجع عن مقال الزخرفة‬ ‫اعكس تُ ِ‬
‫سفَةَ‬ ‫س ْف َ‬
‫يكفيك في ردي عليك أننا ‪ ##‬نحتج باآليات ال بال َ‬
‫وبنفي رؤيته فأنت َح ُر ْمتَها ‪ ##‬إن لم تقل بكالم أهل المعرفة‬
‫ارتسام للصفة‬
‫ٍ‬ ‫فنراه في األخرى بال كيفية ‪ ##‬وكذاك من غير‬
‫وقال بعضهم في الرد عليه‪:‬‬
‫شبهت جهالً صدر أمة أح َم َد ‪ ##‬وذوي البصائر بالحمير الموكفة‪0‬‬
‫صفَة‬
‫وجب الخسار عليك فانظر منصفا ً ‪ ##‬في آية األعراف‪ 3‬فهي ال ُم ْن ِ‬
‫شيوخك ما أتَوا عن مع ِرفَة‬ ‫ُ‬ ‫أترى الكلي َم أتى بجه ِل ما أتى‪ ## 4‬وأتَى‬
‫إن الوجوه إليه ناظرة بذا ‪ ##‬جاء الكتاب فقلتُ ُم هذا سف ْه‬
‫الكتاب وأنت تنطق بالهوى ‪ ##‬ف َه َوى ال َه َوى بك في المها ِوي ال ُم ْتلِفَه‬ ‫ُ‬ ‫نطق‬
‫وقد شنعوا في الرد عليه بغير ذلك‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫وقول‪00‬ه “ وال انحص‪00‬ار “ أي وال انحص‪00‬ار للم‪00‬رئي عن‪00‬د ال‪00‬رائي بحيث يحي‪00‬ط به ‪،‬‬
‫الستحالة الحدود والنهايات عليه تعالى‪،‬‬
‫وغرض المصنف بذلك الجواب عن شبهة المعتزلة النقلي‪00‬ة ال‪00‬تي تمس‪00‬كوا به‪00‬ا في‬
‫صا ُر) (األنعام‪ :‬من اآلية ‪ )103‬فإنه‬ ‫قولهم بإحالة الرؤية‪ ،‬وهي قوله تعالى‪( :‬ال تُ ْد ِر ُكهُ اأْل َ ْب َ‬
‫ي‪0‬دل على أن‪0‬ه تع‪0‬الى ال ي‪0‬درك بالبص‪0‬ر‪ ،‬واإلدراك ه‪0‬و الرؤي‪0‬ة فال ي‪0‬رى بالبص‪0‬ر‪ ،‬وحاص‪0‬ل‬
‫الجواب‪ :‬أن ال نسلم أن اإلدراك بالبصر ه‪00‬و مطل‪00‬ق الرؤي‪00‬ة‪ ،‬ب‪00‬ل رؤي‪00‬ة مخصوص‪00‬ة‪ ،‬وهي‬
‫التي تكون على وجه اإلحاطة بحيث يكون الم‪0‬رئي منحص‪0‬راً بح‪0‬دود ونهاي‪0‬ات‪ ،6‬ف‪0‬اإلدراك‬
‫المنفي في اآلي‪0000‬ة الكريم‪0000‬ة أخص من الرؤي‪0000‬ة‪ ،‬وال يل‪0000‬زم من نفي األخص نفي األعم‪،‬‬
‫والحاصل أنه تعالى يرى من غير تكيف بكيفية من الكيفي‪0‬ات المعت‪0‬برة في رؤي‪0‬ة األجس‪0‬ام‬

‫الوكاف واإلكاف يكون للبعير‪ 0‬والحمار والبغل‪ ،‬والجم‪00‬ع و ُك‪00‬ف‪َ ،‬‬


‫‪1‬‬
‫ووك‪00‬ف الداب‪00‬ة وض‪00‬ع‬
‫عليها الوكاف‪ ،‬قاله في لسان العرب‪.‬‬
‫‪ 2‬هو محمد بن محمد الحسني التونسي المالكي سكن القاهرة‪ 0‬وتوفي بها سنة ( ‪)1176‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب أ ِرنِي أ ْنظ ْر إِلَ ْي‪0‬كَ ق‪00‬ا َل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫سى لِ ِميقَاتِنَا‪َ 0‬و َكل َمهُ َربُّهُ قا َل َر ِّ‬ ‫(ولَ َّما َجا َء ُمو َ‬
‫وهي قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪3‬‬

‫س ْوفَ تَ َرانِي فَلَ َّما ت ََجلَّى َربُّهُ لِ ْل َجبَ ‪ِ 0‬ل َج َعلَ ‪0‬هُ َد ّك‪ 0‬ا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ستَق َّر َمكانهُ ف َ‬ ‫لَنْ ت ََرانِي َولَ ِك ِن ا ْنظُ ْر إِلَى ا ْل َجبَ ِل فإ ِ ِن ا ْ‬
‫َ‬
‫س ْب َحانَكَ تُ ْبتُ إِلَ ْي َ‪0‬ك َوأَنَا أَ َّو ُل ا ْل ُمؤْ ِمنِينَ )‪( 0‬األعراف‪.)143:‬‬ ‫ق قَا َل ُ‬ ‫ص ِعقا ً فَلَ َّما أَفَا َ‬
‫سى َ‬ ‫َو َخ َّر ُمو َ‬
‫‪4‬‬
‫وذلك عند طلب الكليم الرؤية من هللا تعالى بقوله‪( :‬رب أرني أنظ‪00‬ر إلي‪00‬ك)‪ 0‬فل‪00‬و ك‪00‬انت‪0‬‬
‫الرؤية مستحيلة لم‪00‬ا طلبه‪00‬ا الكليم من رب‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬ل الكليم‪ 0‬ينقص ش‪00‬يوخ المعتزل‪0‬ة‪ 0‬علم‪0‬ا ً ومعرف‪00‬ة‬
‫بذات هللا تعالى وصفاته!؟‪.‬‬
‫‪ 5‬أي بحيث يحيط الرائي بالمرئي رؤيةً‪.‬‬
‫‪ 6‬واألولى أن يق‪00‬ول بحيث ت‪0‬درك حقيقت‪00‬ه وماهيت‪0‬ه ألن الظ‪0‬اهر‪ 0‬أن الم‪00‬راد بنفي اإلدراك‬
‫عنه نفي إدراك أمر موجود فيه تعالى‪ 0‬ال نفي إدراك أمر منفي عنه تعالى‪.‬‬
‫‪218‬‬
‫ومن غير إحاطة‪ ،‬بل يَحار العبد في العظمة والجالل حتى ال يع‪00‬رف اس‪00‬مه وال يش‪00‬عر بمن‬
‫حول‪00‬ه من الخالئ‪00‬ق‪ ،‬ف‪00‬إن العق‪00‬ل يعج‪00‬ز هنال‪00‬ك عن الفهم ويتالش‪00‬ى الك‪00‬ل في جنب عظمت‪00‬ه‬
‫تعالى‪.‬‬

‫للمؤمنين إذ بجائز علقت ‪ ##‬هذا وللمختار دنيا ثبتت‬ ‫‪-56‬‬


‫(قوله للمؤمنين) متعلق بينظر‪ ،‬لتضمنه مع‪00‬نى االنكش‪00‬اف‪ ،‬فال ي‪00‬رد م‪00‬ا يق‪00‬ال إن “‬
‫نظر “ إذا كان بمعنى “ أبصر “ يتعدى بإلى‪ .‬والمراد بالمؤمنين‪ :‬ما يش‪00‬مل المؤمن‪00‬ات‪،‬‬
‫ففيه تغليب‪ ،‬فإنهن يرينه تعالى على الصحيح‪ ،‬وعمومه يشمل المالئك‪00‬ة‪ ،‬ق‪00‬ال الس‪00‬يوطي‪:‬‬
‫وهو األق‪0‬وى‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬ال رؤي‪00‬ة للمالئك‪00‬ة أص‪0‬الً‪ ،‬وقي‪0‬ل‪ :‬إن جبري‪0‬ل ي‪0‬راه تع‪0‬الى دون س‪0‬ائر‬
‫المالئكة‪ ،‬ويشمل أيضا ً مؤمني الجن فيحصل لهم الرؤية في الموقف مع س‪00‬ائر المؤم‪00‬نين‬
‫قطعا ً وفي الجنة على الراجح‪ ،‬ويشمل أيضا ً مؤمني األمم السابقة‪ ،‬والبن أبي حم‪00‬زة فيهم‬

‫‪219‬‬
‫احتماالن‪ ،‬قال‪ :‬واألظهر مساواتهم لهذه األمة في الرؤية‪ ،‬ويشمل أيضا ً أه‪00‬ل الف‪00‬ترة على‬
‫القول بنجاتهم وإن غيروا وبدلوا ويخرج بالمؤمنين الكفار والمنافقون‪ ،‬فال يرونه تع‪00‬الى‬
‫على الراجح لقوله تعالى‪( :‬كَاَّل إِنَّ ُه ْم عَنْ َربِّ ِه ْم يَ ْو َمئِ ٍذ لَ َم ْح ُجوبُونَ ) (المطففين‪ )15:‬وألنهم‬
‫ليسوا من أهل اإلكرام والتشريف؛ وقيل‪ :‬إنهم يرونه ثم يحجبون‪ ،‬فتكون الحجب‪00‬ة حس‪00‬رة‬
‫عليهم‪ ،‬قال الجالل‪ :‬وله شواهد رويناها عن الحسن البصري‪ ،‬وال ي‪00‬راه س‪00‬ائر الحيوان‪00‬ات‬
‫غير العقالء حتى الحيوانات التي تدخل الجنة مثل ناق‪00‬ة ص‪00‬الح وكبش إس‪00‬ماعيل كم‪00‬ا ه‪00‬و‬
‫ظاهر كالمهم‪،‬‬
‫‪ { -123‬محل رؤية هللا تعالى الجنة وعرصات القيامة }‬
‫ومح‪00‬ل الرؤي‪00‬ة الجن‪00‬ة بال خالف ف‪00‬يراه أهله‪00‬ا في مث‪00‬ل ي‪00‬وم الجمع‪00‬ة والعي‪00‬د وي‪00‬راه‬
‫خواصهم كل يوم بكرة وعشياً‪ ،‬وبعضهم ال يزال مستمراً في الشهود ح‪00‬تى ق‪00‬ال أب‪00‬و يزي‪00‬د‬
‫البسطامي‪ :‬إن هلل خواصا ً من عباده لو حجبهم في الجنة عن ؤريته ساعة الس‪00‬تغاثوا من‬
‫الجنة ونعيمها كما يستغيث أهل النار من النار وعذابها‪،‬‬
‫وأما في عرصات القيامة كالموقف‪ ،‬فالصحيح وقوعها أيضاً‪ ،‬ألنه ورد في الس‪00‬نة‬
‫ما يقتضي وقوعها لهم فيها‪ ،‬ففي الحديث‪( :‬ين‪00‬ادى إذا ك‪00‬ان ي‪00‬وم القيام‪00‬ة‪ ،‬لتل‪00‬زم ك‪00‬ل أم‪00‬ة‬
‫معبودها‪ ،‬فتقول هذه األمة‪ :‬هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا‪ ،‬فيظهر لهم (أي على الوجه ال‪00‬ذي‬
‫ال يعرفونه بأن يدخل عليهم غلطا ً في كشفهم‪ 0‬وإال فهو تعالى م‪00‬نزه عن أن يتص‪00‬ف بم‪00‬ا ال‬
‫يليق به) فيقول‪ :‬أنا ربكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعوذ باهلل من‪00‬ك لس‪00‬ت ربن‪00‬ا‪ ،‬فيتجلى لهم تجلي‪0‬ا ً الئق ‪0‬ا ً‬
‫بحال المقام ويكشف عن الساق‪ ،‬ويقول‪ :‬أنا ربكم‪ ،‬فيراه المؤمنون كم‪00‬ا يعلم‪00‬ون أي على‬
‫ش‪0‬فُ عَنْ‬ ‫‪0‬و َم يُ ْك َ‬
‫وفق ما يعتقدون‪ ،‬فيخرون سجداً إال المنافق) اهـ‪ .‬وه‪00‬ذا مع‪00‬نى قول‪00‬ه‪( :‬يَ‪ْ 0‬‬
‫‪1‬‬

‫اق … اآلي‪0‬ة) (القلم‪ :‬من اآلية‪ )42‬وكش‪0‬ف الس‪0‬اق عن‪0‬د الخل‪0‬ف بمع‪0‬نى رف‪0‬ع الحج‪0‬اب‪،‬‬ ‫س ٍ‬
‫َ‬
‫والسلف يفوضون‪ ،‬انظر شرح البخاري‪.‬‬
‫(قوله‪ :‬إذ بجائز علقت) بسكون الزاي للوزن‪ ،‬وإذ تعليلي‪00‬ة داخل‪00‬ة على “ علقت “‬
‫و “ بجائز “ متعلق به‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬حكمنا بجواز الرؤية عقالً ألن هللا تعالى علقه‪00‬ا ب‪00‬أمر‬
‫جائز عقالً وهو استقرار الجبل حين سأله موسى على نبينا وعليه أفضل الصالة والسالم‬
‫‪0‬ل فَ‪0‬إِ ِن ْ‬
‫اس‪0‬تَقَ َّر َم َكانَ‪0‬هُ‬ ‫‪0‬ر إِلَى ا ْل َجبَ‪ِ 0‬‬ ‫(ر ِّب أَ ِرنِي أَ ْنظُ ْر إِلَ ْيكَ قَ‪00‬ا َل لَنْ تَ‪َ 0‬‬
‫‪0‬رانِي َولَ ِك ِن ا ْنظُ‪ْ 0‬‬ ‫حيث قال‪َ :‬‬
‫س ْوفَ تَ َرانِي) (األعراف‪ :‬من اآلية‪ )143‬واالستدالل باآلية من وجهين‪ ،‬األول‪ :‬ما أش‪00‬ار‬ ‫فَ َ‬
‫إليه المصنف وحاصله قياس اقتراني أشار إلى صغراه وحذف كبراه للعلم به‪00‬ا كالنتيج‪00‬ة‪،‬‬
‫وتقري‪00‬ره أن تق‪00‬ول‪ :‬رؤي‪00‬ة الب‪00‬اري علقت على أم‪00‬ر ممكن‪ ،‬وك‪00‬ل م‪00‬ا عل‪00‬ق على الممكن ال‬
‫يكون إال ممكناً‪ ،‬فرؤية الباري ال تكون إال ممكنة‪ ،‬ومنعت المعتزل‪00‬ة الص‪00‬غرى ق‪00‬ائلين‪ :‬إن‬
‫المراد‪ :‬فإن استقر مكانه حال تحركه وهو مستحيل فالرؤية معلق‪00‬ة على مس‪00‬تحيل فتك‪00‬ون‬
‫‪0‬و ٌل ال دلي‪00‬ل علي‪00‬ه وال داعي ي‪00‬دعو إلي‪00‬ه‪ ،‬كق‪00‬ولهم‪ 0‬إن “ لن “ في قول‪00‬ه‬ ‫مستحيلة‪ ،‬وهو تَقَ‪ُّ 0‬‬
‫‪0‬رانِي) (األع‪00‬راف‪ :‬من اآلية‪ )143‬للتأبي‪00‬د‪ ،‬والث‪00‬اني س‪00‬كت عن‪00‬ه المص‪00‬نف‬ ‫تع‪00‬الى‪( :‬لَنْ تَ‪َ 0‬‬
‫وحاصله قياس استثنائي‪ ،‬وتقريره هك‪00‬ذا‪ :‬ل‪00‬و ك‪00‬انت الرؤي‪00‬ة ممتنع‪00‬ة في ال‪00‬دنيا م‪00‬ا س‪00‬ألها‬
‫‪ 1‬أخرج‪00‬ه مس‪00‬لم في كت‪00‬اب اإليم‪00‬ان ب‪00‬رقم (‪ )183‬عن أبي س‪00‬عيد الخ‪00‬دري وروى نح‪00‬وه‬
‫البخاري في التفسير‪ 0‬برقم (‪ .)4581‬و(‪.)7439‬‬
‫‪220‬‬
‫موسى على نبينا وعليه أفضل الصالة والسالم‪ ،‬ألن‪00‬ه ن‪00‬بي يعلم م‪00‬ا يجب في ح‪00‬ق هللا وم‪00‬ا‬
‫يستحيل وما يجوز‪ ،‬إذ ال يجوز على أحد من األنبياء الجه‪00‬ل بش‪00‬يء من أحك‪00‬ام‪ 0‬األلوهي‪00‬ة‪،‬‬
‫لكنه سألها موسى عليه الصالة والسالم فدل على أنه‪00‬ا ج‪00‬ائزة‪ ،‬وق‪00‬ول المعتزل‪00‬ة “ س‪00‬ألها‬
‫ألجل جهلة قومه “ مردود بأن سياق اآلية حيث قال‪( :‬أرني أنظر إليك) ص‪00‬ريح في ح‪00‬ال‬
‫‪1‬‬
‫نفسه‪.‬‬
‫(قوله‪ :‬هذا) أي افهم هذا فه‪00‬و مفع‪00‬ول لمح‪00‬ذوف‪ ،‬أو ه‪00‬ذا كم‪00‬ا علمت‪ ،‬فه‪00‬و مبت‪00‬دأ‬
‫خبره محذوف أو نحو ذلك‪ ،‬وهذا تخلص من بحث إلى بحث آخر ‪ ،2‬ألن الكالم السابق كان‬
‫متعلقا ً بجواز رؤيته تعالى فانتقل عنه إلى اإلخبار بوقوعها في الدنيا‪.‬‬
‫‪ { - 124‬المختار أن النبي صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم رأى ربه ليلة اإلسراء}‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬وللمخت‪00‬ار دني‪00‬ا ثبتت) أي وقعت رؤيت‪00‬ه تع‪00‬الى في ال‪00‬دنيا ليل‪00‬ة اإلس‪00‬راء‬
‫للمختار الذي هو نبينا صلى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪ ،‬وفي التعب‪0‬ير بالمخت‪0‬ار مناس‪0‬بة‪ ،‬ألن‪0‬ه‬
‫اختير لهذا المقام‪ ،‬والراجح عند أك‪0‬ثر العلم‪0‬اء أن‪0‬ه ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم رأى رب‪0‬ه‬
‫سبحانه وتعالى بعيني رأسه وهما في محلهم‪00‬ا‪ ،‬خالف‪0‬ا ً لمن ق‪00‬ال ح‪00‬وال لقلب‪00‬ه‪ ،‬لح‪00‬ديث ابن‬
‫عباس‪ 3‬وغيره‪ ،‬وق‪0‬د نفت الس‪0‬يدة عائش‪0‬ة رض‪0‬ي هللا عنه‪0‬ا‪ ،‬وقوعه‪0‬ا له‪ 4‬ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه‬
‫وآله وسلم‪ ،‬لكن قدم عليها ابن عباس ألنه مثبت‪ ،‬والقاع‪00‬دة أن المثبت مق‪00‬دم على الن‪00‬افي‬
‫حتى قال معمر بن راشد‪ :5‬ما عائشة عندنا ب‪00‬أعلم من ابن عب‪00‬اس‪ ،‬وك‪00‬ان ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم يراه تعالى في كل مرة من مرات المراجعة‪.‬‬

‫‪ 1‬قال األمير (‪ :)110‬وق‪00‬ولهم‪ :‬س‪00‬ألها ألج‪00‬ل جهل‪00‬ة قوم‪00‬ه م‪00‬ردود ب‪00‬أن الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا‬
‫تعالى عليه وآله وسلم ال يجوز له تأخير رد الجاهل في مثل هذا كما ق‪00‬ال‪( :‬إنكم ق‪00‬وم تجهل‪00‬ون)‪،‬‬
‫مع أن سياق االية في (أرني انظر) صريح في حال نفسه‪.‬انتهى‬
‫وأقول‪ :‬ال وجه لقولهم‪ :‬سألها‪ 0‬ألجل جهلة قومه‪ ،‬وال معنى له‪ ،‬وهل يجوز لن‪00‬بي ك‪00‬ريم‬
‫أن يوافق الجاهلين‪ 0‬في جهلهم‪ ،‬وال سيما في ما يتعلق باهلل تع‪0‬الى وبم‪0‬ا يج‪0‬وز علي‪0‬ه وم‪0‬ا يمتن‪0‬ع‬
‫عليه تعالى‪ .‬سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم‪.‬‬
‫‪ 2‬المناسب بكونه تخلصا ً أن يقدر انقضى هذا ونحوه مما يفيد انتهاء الموضوع السابق‬
‫واالنتقال عنه إلى موضوع آخر‪ ،‬وقد انتقل هنا من موض‪00‬وع ج‪00‬واز رؤيت‪00‬ه تع‪00‬الى إلى موض‪00‬وع‬
‫وقوعها‪ .‬ولم أر أحدا نبه على هذه النكتة‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرج البخاري في كتاب‪ 0‬التفسير‪ 0‬برقم (‪ )4716‬عن ابن عب‪00‬اس‪َ ( :‬و َم‪00‬ا َج َع ْلنَ‪00‬ا ُّ‬
‫الرؤْ ي‪00‬ا‬
‫الش ‪َ 0‬ج َرةَ ا ْل َم ْل ُعونَ ‪0‬ةَ) (اإلس‪00‬راء‪ :‬من اآلية‪ )60‬ق‪00‬ال‪ :‬هي رؤي‪00‬ا عين‬ ‫الَّتِي أَ َر ْينَ‪00‬اكَ إِاَّل فِ ْتنَ ‪0‬ةً لِلنَّا ِ‬
‫س َو َّ‬
‫أريها رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ليلة اإلسراء به‪ ،‬والشجرة الملعونة شجرة الزقوم‪.‬‬
‫‪ 4‬أخرج مسلم في كتاب االيمان برقم (‪ )177‬عن مسروق قال‪ :‬كنت متكئا ً عند عائش‪00‬ة‪،‬‬
‫فقالت يا أبا عائشة‪ 0،‬ثالث من تكلم بواحدة منها فقد أعظم على هللا تع‪00‬الى الفري‪00‬ة‪ ،‬قلت‪ :‬م‪00‬ا هن؟‬
‫قالت‪ :‬من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على هللا الفرية‪ ،‬قال‪ :‬وكنت متكئا ً فجلس‪00‬ت‪ ،‬وقلت‪:‬‬
‫ين)‪( 0‬التك‪00‬وير‪0:‬‬ ‫(ولَقَ ْد َرآهُ بِ‪0‬اأْل ُفُ ِ‬
‫ق ا ْل ُمبِ ِ‬ ‫يا أم المؤمنين أنظريني‪ 0‬وال تعجليني‪ 0،‬ألم يقل هللا عز وجل‪َ :‬‬
‫(ولَقَ ْد َرآهُ نَ ْزلَةً أُ ْخ َرى) (النجم‪)130:‬؟ فقالت‪ :‬أنا أول هذه األمة سأل ذل‪00‬ك رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى‬ ‫‪َ ،)23‬‬
‫هللا تعالى عليه وآله وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬إنما ه‪00‬و جبري‪00‬ل‪ ،‬لم أره على ص‪00‬ورته ال‪00‬تي خل‪00‬ق عليه‪00‬ا غ‪00‬ير‬
‫هاتين المرتين‪ 0‬رأيته منهبطا ً من السماء ساد ِعظَم خلقه ما بين السماء إلى األرض … الحديث‪.‬‬
‫‪221‬‬
‫ومن كالم ابن وفا‪ :‬إنما كان ترجيع موسى عليه الصالة والس‪00‬الم للن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم في شأن الصلوات ليتكرر مشاهدة أنوار المرات‪ ،‬وأنشد يقول‪:‬‬
‫قول موسى إذ يُ َرا ِج ُعه ‪ ##‬ليجتلِي النو َر فيه حيث يش َه ُدهُ‬
‫والس ُر في ِ‬
‫رسول إذ ير ِّد ُدهُ‬
‫ٍ‬ ‫سناه على وجه الرسول فيا ‪ ##‬هلل حسنُ‬ ‫يبدو َ‬
‫فالحكمة الباطنية‪ :‬اقتباس النور من وجه‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم؛ ففي ك‪00‬ل‬
‫مرة يزداد نوراً‪ ،‬والحكمة الظاهرية‪ :‬التخفيف‪،‬‬
‫واختلف في وقوعها لألولياء على قولين لألشعري‪ :‬أرجحهما المنع‪ ،‬ف‪00‬الحق أنه‪00‬ا‬
‫لم تثبت في الدنيا إال له صلى هللا عليه وآله وسلم؛ ومن ادعاها غيره في الدنيا يقظة فهو‬
‫ضال بإطباق المشايخ‪ ،‬حتى ذهب بعضهم إلى تكف‪00‬يره‪ ،‬ق‪0‬ال العالم‪00‬ة القون‪00‬وي‪ :‬ف‪0‬إن ص‪00‬ح‬
‫عن أحد من المعتبرين وقوع ذل‪00‬ك أمكن تأويل‪0‬ه‪ ،‬وذل‪0‬ك أن غلب‪0‬ات األح‪00‬وال تجع‪00‬ل الغ‪0‬ائب‬
‫كالشاهد‪ ،‬حتى إذا كثر اشتغال السر بش‪00‬يء ص‪00‬ار كأن‪00‬ه حاض‪00‬ر بين يدي‪00‬ه كم‪00‬ا ه‪00‬و معل‪00‬وم‬
‫بالوجدان لك‪0‬ل أح‪0‬د اهـ‪ ،‬وعلى ه‪0‬ذا يحم‪0‬ل م‪0‬ا وق‪0‬ع في كالم ابن الف‪0‬ارض‪ ،‬وه‪0‬ذا كل‪0‬ه في‬
‫رؤيته تعالى يقظة‪،‬‬
‫وأم‪00‬ا رؤيت‪00‬ه تع‪00‬الى منام ‪0‬ا ً فنق‪00‬ل عن القاض‪00‬ي عي‪00‬اض أن‪00‬ه ال ن‪00‬زاع في وقوعه‪00‬ا‬
‫وصحتها‪ ،‬فإن الشيطان ال يتمثل به تعالى كاألنبياء عليهم الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪ ،‬وذك‪00‬ر غ‪00‬يره‬
‫الخالف‪ ،‬وقال بعض‪00‬هم‪ :‬إن الش‪00‬يطان يتمث‪00‬ل ب‪00‬ه دون الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪،‬‬
‫والفرق أن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم بشر‪ ،‬فيلزم التمثيل به اللبس‪ ،‬بخالف المولى‬
‫فأمره معل‪0‬وم‪ ،‬وق‪0‬ال بعض‪00‬هم‪ :‬وال يتمث‪0‬ل بالمالئك‪0‬ة وال بالش‪0‬مس وال ب‪0‬القمر وال ب‪00‬النجوم‬
‫المضيئة وال بالسحاب الذي فيه الغيم‪،‬‬
‫وحكي أن اإلمام أحمد رأى المولى سبحانه وتعالى في المنام تسعا ً وتسعين مرة‪.‬‬
‫وقال‪ :‬وعزته إن رأيته تمام المائة ألسألنه؛ فرآه فقال‪ :‬س‪00‬يدي وم‪00‬والي م‪00‬ا أق‪00‬رب‬
‫ما يتقرب به المتقربون إليك؟ قال‪ :‬تالوة كالمي‪ ،‬فقال‪ :‬بفهم أو بغير فهم؟ فقال‪ :‬ي‪0‬ا أحم‪00‬د‬
‫بفهم وبغير فهم‪،‬‬
‫والم‪00‬رئي إن ك‪00‬ان بوج‪00‬ه ال يس‪00‬تحيل علي‪00‬ه تع‪00‬الى فه‪00‬و ه‪00‬و تع‪00‬الى‪ ،‬وإال ب‪00‬أن ك‪00‬ان‬
‫بصورة رجل مثالً فليس هو هو تعالى بل خلق من خلقه تعالى‪ ،‬ويقال حينئذ إنه رأى ربه‬
‫في الجملة لحكمة تظهر عند المعبرين ب‪00‬أن يقول‪00‬وا‪ :‬ت‪00‬دل على ك‪00‬ذا وك‪00‬ذا‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬ه‪00‬و ه‪00‬و‬
‫أيضا ً وكونه به‪00‬ذا الوج‪00‬ه إنم‪00‬ا ه‪00‬و باعتب‪00‬ار ذهن ال‪00‬رائي‪ ،‬وأم‪00‬ا في الحقيق‪00‬ة فليس تع‪00‬الى‬
‫كذلك‪ ،‬وقد قال بعض الصوفية‪ :‬أنه رأى ربه في منامه على وصفه‪ ،‬فقيل له‪ :‬كيف رأيت‪00‬ه‬
‫فقال‪ :‬انعكس‪ 0‬بصري في بصيرتي فصرت كلي بصراً فرأيت من ليس كمثله شيء‪.‬‬

‫‪ 5‬معمر بن راشد األزدي أبو عروة فقيه حافظ متقن ثقة ولد بالبصرة سنة (‪ )95‬ت‪00‬وفي‬
‫سنة (‪.)153‬‬
‫‪222‬‬
‫القسم الثالث من الفن النبويات‬
‫‪ {-125‬من الجائز على هللا تعالى إرسال الرسل }‬
‫ومنه إرسال جميع الرسل ‪ ##‬فال وجوب بل بمحض الفضل‬ ‫‪-57‬‬
‫لكن بذا إيماننا قد وجبا ‪ ##‬فدع هوى قوم بهم قد لعبا‬ ‫‪-58‬‬
‫(قوله‪ :‬ومنه إرسال جميع الرسل) أي ومن الجائز العقلي في حق‪00‬ه تع‪00‬الى إرس‪00‬اله‬
‫لجميع الرسل من آدم إلى سيدنا محمد صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ب‪00‬دخول المب‪00‬دأ والغاي‪00‬ة‬
‫عليهم الصالة والسالم‪ ،‬خالفا ً لمن أوجبه ولمن أحاله‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫فاألولى‪ :‬أعني من أوجبه المعتزلة والفالسفة‪ ،‬فقد اتفقت الطائفتان على الوج‪00‬وب‬
‫وزادت الفالسفة اإليجاب‪.‬‬
‫ومب‪00‬ني كالم المعتزل‪00‬ة على قاع‪00‬دة وج‪00‬وب الص‪00‬الح واألص‪00‬لح‪ ،‬فيقول‪00‬ون‪ :‬النظ‪00‬ام‬
‫المؤدي إلى صالح حال النوع اإلنساني على العموم في المع‪00‬اش والمع‪00‬اد ال يتم إال ببعث‪00‬ة‬
‫الرسل‪ ،‬وكل ما هو كذلك فهو واجب على هللا تعالى‪ ،1‬وقد مر هدم تلك القاعدة‪.‬‬
‫ومبنى كالم الفالسفة على قاع‪00‬دة التعلي‪00‬ل أو الطبيعة‪ ،2‬فيقول‪00‬ون‪ :‬يل‪0‬زم من وج‪00‬ود‬
‫هللا وجود العالم بالتعليل أو بالطبع‪ ،‬ويلزم من وجود العالم وجود من يص‪00‬لحه‪ ،‬وق‪00‬د تق‪00‬دم‬
‫أنه تعالى فاعل باالختيار ال بطريق اإلجبار‪ ،‬وذكر بعض‪00‬هم الش‪00‬يعة ب‪00‬دل الفالس‪00‬فة‪ ،‬وذك‪00‬ر‬
‫شمس الدين السمرقندي أن الفالسفة ينك‪0‬رون اإلرس‪00‬ال لنفيهم كون‪0‬ه تع‪0‬الى مخت‪00‬اراً‪ ،‬لكن‬
‫في المقاصد وغيرها نحو ما تقدم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أعني من إحالة كالسمنية‪ 3‬والبراهم‪00‬ة زعم‪00‬وا أن إرس‪00‬ال الرس‪00‬ل عبث ال‬
‫يليق بالحكيم؛ ألن العقل يغني عن الرسل‪ ،‬فإن الشيء إن كان حسنا ً عند العقل فَ َعلَهُ‪ ،‬وإن‬
‫لم تأت به الرسل وإن ك‪00‬ان قبيح‪0‬ا ً عن‪00‬ده ترك‪00‬ه وإن لم ت‪00‬أت ب‪00‬ه الرس‪00‬ل‪ ،‬وإن لم يكن عن‪00‬ده‬
‫حسنا ً وال قبيحاً‪ :‬فإن احتاج إليه فعله وإال تركه‪ ،‬ونعوذ باهلل من تلك العقائد‪.‬‬

‫‪ 1‬لكونه‪00‬ا لطف ‪0‬ا‪ 0‬وص‪00‬الحا للعب‪00‬اد وه‪00‬ذا منهم مب‪00‬ني على أص‪00‬لهم الفاس‪00‬د أع‪00‬ني قاع‪00‬دة‬
‫التحسين‪ 0‬والتقبيح العقليين‪ ،‬وما يتف‪00‬رع عليه‪0‬ا‪ 0‬من اعتب‪00‬ار الغ‪0‬رض ووج‪0‬وب اإل لط‪00‬اف ورعاي‪0‬ة‬
‫األصلح فيكون فاسدا أيضا‪ .‬وانظر شرح المواقف (‪.)8/230‬‬
‫‪ 2‬قوله‪:‬أو الطبيعة‪ 0:‬الصواب‪ 0‬والطبيعة بالواو بدل أو‪ ،‬ومرادهم بالطبيعة وجود النظ‪00‬ام‬
‫الكامل في العالم قاله في شرح المقاص‪00‬د (‪ .)5/25‬وم‪00‬رادهم أن وج‪00‬ود النظ‪00‬ام‪ 0‬الكام‪00‬ل في الع‪00‬الم‪0‬‬
‫يقتضى إرسال الرسل وبيان ذلك كما في شرح المقاصد (‪ )5/24‬أن العناي‪00‬ة اإللهي‪00‬ة بمخلوقات‪00‬ه‪،‬‬
‫أعنى إحاطة علمه السابق بنظام الموجودات على الوجه األليق في األوقات المرتبة التى يقع كل‬
‫موجود منها في واحد من تلك األوقات‪ 0،‬يقتضى افاضة ذلك النظام على ذل‪00‬ك ال‪00‬ترتيب والتفص‪00‬يل‬
‫الذي من جملته وجود الشرع‪ 0‬والشارع‪ 0‬ووجوب ما به يكون النظام على وج‪00‬ه الص‪00‬واب‪ 0،‬فيجب‬
‫ذلك عنه وعن إحاطته بكيفية الصواب في ترتيب وجود الكل ليكون الموجود على وفق المعلوم‪،‬‬
‫وعلى أحسن النظ‪00‬ام‪ .‬ق‪0‬ال الس‪0‬يد الش‪00‬ريف في ش‪00‬رح المواق‪0‬ف ( ‪ :)7/222‬والحاص‪0‬ل‪ :‬أن وج‪0‬ود‬
‫النبي س‪0‬بب للنظ‪00‬ام‪ 0‬في المع‪00‬اش والمع‪0‬اد فيجب ذل‪00‬ك في العناي‪0‬ة‪ 0‬اإللهي‪00‬ة المقتض‪00‬ية ألبل‪0‬غ وج‪0‬وه‬
‫اإلنتظام لمخلوقاته‪ ،‬فهذه طريقة إثبات‪ 0‬النبوة على مذهب الحكماء‪.‬‬
‫وقال‪ :‬في ش‪00‬رح المقاص‪0‬د‪ )5/25( 0‬ففي الجمل‪00‬ة ق‪00‬الوا (أي الفالس‪00‬فة)‪ 0:‬بوج‪00‬وب البعث‪00‬ة‬
‫ولزوم النبوة‪.‬‬
‫فمن قال‪ :‬هي واجبة في الحكمة أراد تبقي‪00‬ة النظ‪00‬ام على الوج‪00‬ه الالئ‪00‬ق‪ ،‬ومن ق‪00‬ال‪ :‬في‬
‫العناية أراد تمثل النظام‪ 0‬في علمه الشامل‪ 0،‬ومن قال‪ :‬في الطبيعة أراد وجود النظام الكامل‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله‪" :‬كالسمنية" بضم السين وفتح الميم المخففة‪ :‬نس‪00‬بة إلى بل‪00‬د بالهن‪0‬د يق‪0‬ال له‪00‬ا‬
‫سومنات‪ ،‬وهم فرقة يعبدون األصنام اهـ‪ ،‬مصباح بالمعنى‪ 0،‬والبراهمة‪ 0:‬نسبة إلى رئيسهم برهام‬
‫وهم قوم كفار اهـ دسوقي علي المصنف‪ .‬أجهوري‪ ،‬وفي كش‪00‬اف اص‪00‬طالحات‪ 0‬الفن‪00‬ون‪ 0:‬الس‪00‬منية‪0‬‬
‫نسبة إلى سومنان اسم لصنم عظيم من أصنام‪ 0‬الهنود معناه صاحب‪ 0‬القمر‪.‬‬
‫‪224‬‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬فال وج‪00‬وب) أي إذا علمت أن إرس‪00‬ال الرس‪00‬ل من الج‪00‬ائز العقلي في حق‪00‬ه‬
‫تع‪00‬الى ف‪00‬اعلم أن‪00‬ه ال وج‪00‬وب علي‪00‬ه خالف ‪0‬ا ً للمعتزل‪00‬ة والفالس‪00‬فة أي‪ :‬وال اس‪00‬تحالة‪ ،‬خالف ‪0‬ا ً‬
‫للسمنية والبراهمة‪ ،‬كما يعلم مما تقدم‪.‬‬
‫فالتفريع فيه قصور‪ ،‬ولعله لم يعتد بالقول باالستحالة‪ ،‬وقوله “ بل بمحض الفضل‬
‫“ أي ب‪00‬ل إرس‪00‬ال الرس‪00‬ل إنم‪00‬ا ه‪00‬و بإحس‪00‬انه الخ‪00‬الص‪ ،‬فإض‪00‬افة محض بمع‪00‬نى الخ‪00‬الص‬
‫للفضل بمعنى اإلحسان من إضافة الصفة للموصوف‪ ،‬فقولنا‪ “ :‬بإحسانه “ في‪00‬ه رد على‬
‫الفالس‪00‬فة‪ ،‬وقولن‪00‬ا‪ “ :‬الخ‪00‬الص “ في‪00‬ه رد على المعتزل‪00‬ة‪ ،‬و “ ب‪00‬ل “ هن‪00‬ا لإلض‪00‬راب‬
‫االنتقالي‪.‬‬
‫(قوله‪ :‬لكن بذا إيماننا قد وجبا) لما ك‪00‬ان ق‪00‬د يت‪00‬وهم من ك‪00‬ون اإلرس‪00‬ال من الج‪00‬ائز‬
‫العقلي أن اإليمان بوقوعه ليس واجباً‪ ،‬استدرك عليه بقوله “ لكن بذا إيمان‪00‬ا ق‪00‬د وجب‪00‬ا “‬
‫ب‪00‬ألف اإلطالق‪ ،‬والمتب‪00‬ادر من كالم المص‪00‬نف أن اس‪00‬م اإلش‪00‬ارة عائ‪00‬د على اإلرس‪00‬ال‪ ،‬لكن‬
‫جعله الشارح عائداً على المذكور من اإلرسال والمرسلين‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬يلزم من التصديق بوق‪00‬وع إرس‪00‬ال الرس‪00‬ل التص‪00‬ديق بهم‪ ،‬فال حاج‪00‬ة إلى‬
‫ذلك‪ ،‬قلت‪ :‬فيه زيادة البيان كما هو المطل‪00‬وب في عقائ‪00‬د اإليم‪00‬ان‪ ،‬وق‪00‬د س‪00‬بق أول الكت‪00‬اب‬
‫بيان من يجب اإليمان بهم تفصيالً ومن يجب اإليمان بهم إجم‪00‬االً‪ ،‬واألولى ع‪00‬دم حص‪00‬رهم‬
‫في عدد كما يشعر به قوله المصنف جميع الرسل‪ ،‬فإنه يؤذن بعدم معرفة عددهم‪،‬‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬ف‪00‬دع ه‪00‬وى ق‪00‬وم) أي‪ :‬إذا ع‪00‬رفت أن اإلرس‪00‬ال من الج‪00‬ائز العقلي في حق‪00‬ه‬
‫تعالى‪ ،‬وأن اإليمان به واجب؛ فدع عنك هوى قوم‪ ،‬والمراد به‪00‬واهم‪ :‬مه‪00‬ويهم‪ :‬وه‪00‬و م‪00‬ا‬
‫اعتق‪00‬دوه من االعتق‪00‬ادات الباطل‪00‬ة‪ ،‬ال‪00‬تي زينه‪00‬ا الش‪00‬يطان لهم‪ ،‬واله‪00‬وى –بالقص‪00‬ر‪ -‬عن‪00‬د‬
‫(ص‪ :‬من‬ ‫ّ‬ ‫‪0‬ع ا ْل َه‪َ 0‬‬
‫‪0‬وى)‬ ‫اإلطالق ينص‪00‬رف إلى المي‪00‬ل إلى خالف الح‪00‬ق غالب‪0‬اً‪ ،‬نح‪00‬و‪َ :‬‬
‫(وال تَتَّبِ ِ‬
‫اآلية‪ )26‬سمي هوى ألنه يهوي بصاحبه في النار ‪ .1‬ومن غير الغالب قول السيدة عائشة‬
‫له صلى هللا عليه وآله وسلم‪ “ :‬م‪00‬ا أرى رب‪00‬ك إال يس‪00‬ارع في ه‪00‬واك “ ‪ 2‬وق‪00‬د يطل‪00‬ق على‬
‫مطل‪00‬ق المي‪00‬ل فيش‪00‬مل المي‪00‬ل للح‪00‬ق وغ‪00‬يره‪ ،3‬وأم‪00‬ا بالم‪00‬د فه‪00‬و م‪00‬ا بين الس‪00‬ماء واألرض‪،‬‬
‫وقوله‪( :‬بهم قد لعبا) بألف اإلطالق‪ :‬أي قد تالعب بهم ال بغ‪00‬يرهم ح‪00‬تى أوقعهم في الب‪00‬دع‬

‫‪ 1‬الصواب‪ 0‬االقتصار على قوله‪ :‬ألنه يهوي بصاحبه بدون قوله في الن‪00‬ار‪ 0‬ألن األوض‪00‬اع‬
‫اللغوية لم تالحظ فيها األمور الشرعية‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه البخاري في التفسير برقم (‪ )4510‬عن عائشة رضي هللا تعالى عنها‪.‬‬
‫‪ 3‬ومنه حديث‪( :‬ال يؤمن أحدكم حتى يك‪00‬ون ه‪00‬واه تبع‪0‬ا ً لم‪00‬ا جئت ب‪00‬ه) رواه البغ‪00‬وي في‬
‫شرح السنة برقم ( ‪ )104‬وقال النووي في األربعين(‪ :)41‬هذا حديث ص‪00‬حيح روين‪00‬اه في كت‪00‬اب‪0‬‬
‫"الحجة" بإسناد صحيح‪ .‬قال في الفتح (‪ )13/289‬أخرج‪00‬ه الحس‪00‬ن بن س‪00‬فيان وغ‪00‬يره ورجال‪00‬ه‬
‫ثقات وقد صححه النووي في آخر األربعين‪ 0‬ونازع‪0‬ه ابن رجب الحنبلي في ج‪0‬امع العل‪0‬وم والحكم‬
‫(‪ )281‬وقال‪ :‬إن تصحيحه بعيد إلنفراد نعيم به وهو ضعيف‪.‬‬
‫‪225‬‬
‫والمعاص‪00‬ي أو الكف‪00‬ر‪ ،‬ف‪00‬أوجب اإلرس‪00‬ال بعض‪00‬هم كالمعتزل‪00‬ة والحكم‪00‬اء‪ ،4‬وأحال‪00‬ه بعض‪00‬هم‬
‫كالسمنية والبراهمة‪.‬‬

‫‪{ -126‬ما يجب لألنباء من الصفات }‬


‫وواجب في حقهم األمانة ‪ ##‬وصدقهم وضف له الفطانة‬ ‫‪-59‬‬

‫‪ 4‬قوله‪ :‬والحكماء‪ .‬األولى أن يعبر عنهم بالفالسفة ال بالحكم‪00‬اء‪ 0،‬ألن من أوتي الحكم‪00‬ة‬
‫فقد أوتي خيرا كثيرا‪ ،‬وهؤالء لم يؤتوا إال شرا مستطيرا‪.‬‬
‫‪226‬‬
‫(قوله‪ :‬وواجب … إلخ)‪ .‬لما تمم الكالم على‪ 1‬ما يجب في حقه تعالى وما يستحيل‬
‫وما يجوز‪ ،‬شرع في الكالم على ما يجب في حق الرسل وم‪00‬ا يس‪00‬تحيل وم‪00‬ا يج‪00‬وز مق‪00‬دما ً‬
‫الواجب لشرفه‪ ،‬والمراد بالوجوب هنا‪ :‬عدم قب‪00‬ول االنفك‪0‬اك ب‪00‬النظر للش‪0‬رع‪ ،‬ألن م‪00‬ا ذك‪0‬ر‬
‫من الواجبات سمعى‪ ،‬ولذا قال المصنف فيما سيأتي‪( :‬ويستحيل ضدها كم‪00‬ا رووا) فأش‪0‬ار‬
‫ب‪00‬ذلك إلى أن اس‪00‬تحالة ض‪00‬دها بال‪00‬دليل الش‪00‬رعي فيك‪00‬ون وجوبه‪00‬ا بال‪00‬دليل الش‪00‬رعي‪ ،‬نعم‬
‫تصديق المعج‪0‬زة لهم في دع‪0‬وى الرس‪0‬الة قي‪0‬ل وض‪0‬عي‪ 2‬لتنزيله‪0‬ا منزل‪0‬ة الكالم‪ ،‬وداللته‪0‬ا‬
‫وضعية‪ ،‬فكذا ما نزل منزلته‪ ،‬وقيل عادي ألنه بقرائن عادية‪ ،3‬وقيل عقلي لتنزه‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫عن تصديق الكاذب؛ وبذلك تعلم أن جعل الشارح الوجوب هنا عقليا ً فيه نظر‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬في حقهم) أي لذاتهم‪ ،4‬فـ (في) بمع‪00‬نى الالم‪ ،‬و(ح‪00‬ق) بمع‪00‬نى ال‪00‬ذات كم‪00‬ا‬
‫تقدم‪ ،‬والمتبادر من كالم المصنف أن الضمير عائد على الرسل وفسره الش‪00‬ارح باألنبي‪00‬اء‬
‫ق‪0‬ائالً‪ :‬ألن معظم‪ 0‬ه‪0‬ذه األحك‪00‬ام‪ 0‬ال يختص بالرس‪00‬ل‪ ،‬وك‪00‬أن الش‪00‬ارح أش‪00‬ار إلى اس‪00‬تخدام‪ 0‬في‬
‫المتن‪ ،‬وإال فالسابق في كالمه الرسل‪ ،‬ومراده بمعظم ه‪0‬ذه األحك‪0‬ام م‪0‬ا ع‪0‬دا التبلي‪0‬غ‪ ،‬ف‪0‬إن‬
‫التبليغ خاص بالرسل‪ ،‬وبعض‪00‬هم عمم‪00‬ه لألنبي‪00‬اء ألن‪00‬ه يجب على الن‪00‬بي أن يبل‪00‬غ أن‪00‬ه ن‪00‬بي‬
‫ليحترم‪.‬‬
‫‪ { -127‬يجب لألنباء األمانة }‬
‫(قوله األمانة) بالنقل والدرج‪ 5‬للوزن‪ :‬وهي حفظ ظواهرهم وب‪00‬واطنهم‪ 0‬من التلبس‬
‫بمنهي عنه ولو نهى كراه‪0‬ة أو خالف األولى‪ ،‬فهم محفوظ‪0‬ون ظ‪00‬اهراً من الزن‪0‬ا‪ ،‬وش‪0‬رب‬
‫الخمر‪ ،‬والكذب‪ ،‬وغير ذلك من منهيات الظاهر‪ ،‬ومحفوظ‪00‬ون‪ 0‬باطن‪0‬ا ً من الحس‪00‬د‪ ،‬والك‪00‬بر‪،‬‬
‫والرياء وغير ذلك من منهيات الباطن‪ ،‬والمراد المنهي عنه ولو صورة‪ 6‬فيش‪00‬مل م‪00‬ا قب‪00‬ل‬
‫النبوة ولو في حال الصغر وال يقع منهم مكروه وال خالف األولى‪ ،‬بل وال مباح على وجه‬

‫‪ 1‬كان األنس‪00‬ب أن يق‪0‬ول‪ :‬لم‪0‬ا أنهى الكالم على اإللهي‪00‬ات وه‪00‬و القس‪00‬م األول من العقائ‪0‬د‬
‫شرع في القسم الثاني منها وهي النبويات‪.‬‬
‫‪ 2‬قول‪00‬ه‪" :‬قي‪00‬ل وض‪00‬عي … إلخ" وعلى األق‪00‬وال الثالث ‪0‬ة‪ 0‬ف‪00‬دليل الص‪00‬دق ش‪00‬رعي‪ ،‬ألن‪00‬ه‬
‫المعجزة نازلة منزلة قوله تعالى‪ 0:‬صدق عبدي فيما يبلغ عني‪ ،‬وهذا الق‪00‬ول على ف‪00‬رض وقوع‪00‬ه‬
‫يكون دليالً شرعياً‪ 0،‬فكذا ما نزل منزلته‪ ،‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 3‬ألن عادته تعالى قد جرت بتصديق مدعي النب‪00‬وة ص‪00‬ادقا ً بإظه‪00‬ار المعج‪00‬زة على يدي‪00‬ه‬
‫وعدم إظهارها على يد مدعيها كاذبا ً مع جوازه عليه تع‪00‬الى عقال ًوقي‪00‬ل إن‪00‬ه ممتن‪00‬ع علي‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫عقالً ألنه سفه وهللا تعالى منزه عنه عقالً‪.‬‬
‫‪ 4‬قد تقدم أن قلنا‪ 0:‬إن الحق في مثل هذا المقام بمعنى الشأن‪ ،‬فإنك لم تقصد بقول‪00‬ك قلت‬
‫في ح‪0‬ق فالن ك‪0‬ذا إال أن‪0‬ك قلت في ش‪0‬أنه ك‪0‬ذا وفي على معناه‪0‬ا من الظرفي‪0‬ه إال أن الظرفي‪0‬ة هن‪0‬ا‬
‫مجازية‪ ،‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫‪ 5‬أي بنقل حركة الهمزة إلى الالم ودرج الهمزة‪.‬‬
‫‪ 6‬قوله‪ :‬ولو صورة‪ ،‬أشار بهذا الكالم إلى سؤال وجواب‪ ،‬تقرير الس‪00‬ؤال أن‪00‬ه ال تكلي‪00‬ف‬
‫قبل البعثة‪ ،‬واألعمال قبلها على البراءة األصلية فال معصية قبلها فال يص‪00‬ح ق‪00‬ولهم‪ :‬إن األنبي‪00‬اء‬
‫معصومون قبل البعثة من المعاصي‪ ،‬والج‪0‬واب أن م‪0‬رادهم أن الص‪0‬ورة ال‪0‬تي يحكم عليه‪0‬ا بأنه‪0‬ا‬
‫معصية بعد البعثة ال تقع منهم قبل البعثة‪.‬‬
‫‪227‬‬
‫كونه مكروه‪0‬ا ً أو خالف األولى أو مباح‪0‬اً‪ ،‬وإذا وق‪00‬ع ص‪00‬ورة ذل‪00‬ك فه‪00‬و للتش‪00‬ريع‪ 1‬فيص‪00‬ير‬
‫واجب‪000‬ا ً أو من‪000‬دوبا ً‪ 2‬في حقهم‪ ،‬فأفع‪000‬الهم عليهم الص‪000‬الة والس‪000‬الم دائ‪000‬رة بين ال‪000‬واجب‬
‫والمندوب‪ ،‬ب‪00‬ل في األولي‪00‬اء ال‪00‬ذين هم أتب‪00‬اعهم من يص‪00‬ل لمق‪00‬ام تص‪00‬ير حركات‪00‬ه وس‪00‬كناته‬
‫طاعة بالنيات‪ ،‬وبهذا اندفع ما يقال‪ :‬قد ثبت أنه صلى هللا عليه وآله وسلم توضأ مرة مرة‬
‫ومرتين مرتين‪ ،3‬وبال قائم‪0‬ا ً‪ 4‬وش‪00‬رب قائم‪0‬ا ً‪ ،5‬وأم‪00‬ا المح‪00‬رم فلم يق‪00‬ع منهم إجماع‪0‬اً؛ وم‪00‬ا‬
‫أوهم المعصية‪ 6‬فمؤول بأنه من باب حسنات األبرار سيئات المقربين‪ ،7‬وال يج‪00‬وز النط‪00‬ق‬
‫به في غير مورده إال في مقام البيان‪ ،‬وما وقع من آدم فه‪00‬و معص‪00‬ية ال كالمعاص‪00‬ي‪ ،‬ألن‪00‬ه‬
‫تأول األمر لسر بينه وبين سيده وإن لم نعلمه‪ ،‬حتى نقل في اليواقيت عن أبي م‪00‬دين‪ :‬ل‪00‬و‬
‫كنت بدل آدم ألكلت الشجرة بتمامها‪ ،8‬فهو –وإن كان منهيا ً ظ‪00‬اهراً‪ -‬م‪00‬أمور باطن ‪0‬اً‪ ،‬وك‪00‬ذا‬
‫يقال فيما وقع من إخوة يوسف على القول بأنهم أنبياء‪.‬‬
‫ودليل وجوب األمانة لهم عليهم الص‪0‬الة والس‪00‬الم‪ :‬أنهم ل‪00‬و خ‪0‬انوا بفع‪0‬ل مح‪00‬رم أو‬
‫مك‪00‬روه أو خالف األولى لكن‪00‬ا م‪00‬أمورين ب‪00‬ه‪ ،‬ألن هللا تع‪00‬الى أمرن‪00‬ا باتب‪00‬اعهم في أق‪00‬والهم‬
‫وأفعالهم وأحوالهم من غير تفص‪00‬يل‪ ،9‬وه‪00‬و تع‪00‬الى ال ي‪00‬أمر بمح‪00‬رم وال مك‪00‬روه وال خالف‬
‫األولى‪ ،‬فال تكون أفعالهم محرم‪00‬ة وال مكروه‪00‬ة وال خالف األولى‪ ،‬وه‪00‬ذا ال‪00‬دليل وإن ك‪00‬ان‬

‫‪ 1‬الصوا أن يقول‪ :‬فهو مقرون بنية حسنة تجعله واجبا أو مندوبا‪ ،‬وذل‪00‬ك ألن التش‪00‬ريع‬
‫ال يتصور في كثير من أفعاله صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم كاألفعال الجبلية‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله "فيصير واجبا ً ومندوباً" الظاهر أن‪00‬ه واجب‪ ،‬ألن التش‪00‬ريع‪ 0‬واجب في حقهم في‬
‫جميع ما أمروا بتبليغه‪ 0‬إلى الخلق أجهوري‪ .‬أق‪00‬ول‪ :‬نعم ق‪00‬د يتعين‪ 0‬لتش‪00‬ريع بعض األحك‪00‬ام طري‪00‬ق‬
‫واحد فيكون ذلك الطريق واجبا ً وقد يكون لتشريع بعضها ط‪00‬رق فحينئ‪00‬ذ ق‪00‬د يك‪00‬ون بعض‪00‬ها أولى‬
‫من بعض بحس‪00‬ب الرجح‪00‬ان‪ 0‬فمن ه‪00‬ذه الجه‪00‬ة ق‪00‬د يك‪00‬ون ه‪00‬ذا البعض األولى من‪00‬دوبا ً باعتب‪00‬ار‬
‫خصوصه وواجبا ً باعتبار أداء الواجب به وهو التشريع‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرج البخاري في كتاب‪ 0‬الوضوء‪ ،‬الوض‪00‬وء م‪00‬رة م‪00‬رة عن ابن عب‪00‬اس ب‪00‬رقم (‪)157‬‬
‫والوضوء مرتين مرتين عن عبد هللا بن زيد برقم (‪.)158‬‬
‫‪ 4‬أخرج البخاري في الوضوء ب‪00‬رقم (‪ )226‬ومس‪00‬لم(‪ )266‬عن حذيف‪00‬ة ق‪00‬ال‪ :‬أتى الن‪00‬بي‪0‬‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم سباطة قوم فبال قائما ً والسباطة المزبلة‪.‬‬
‫‪ 5‬أخرجه البخاري في كتاب‪ 0‬األشربة (‪ )1637‬برقم (‪)5617‬‬
‫‪ 6‬أي والنص الذي أوهم صدور المعصية منهم‪.‬‬
‫‪ 7‬قول‪00‬ه‪" :‬ألن‪00‬ه من ب‪00‬اب حس‪00‬نات‪ .. 0‬إلخ" فيك‪00‬ون من قبي‪00‬ل خالف األولى بالنس‪00‬بة‪ 0‬إلى‬
‫مقامهم‪ ،‬وإن ك‪0‬ان حس‪0‬نة بالنس‪0‬بة إلى غ‪0‬يرهم‪ ،‬وم‪0‬ا تق‪0‬دم من أنهم م‪0‬نزهون عن خالف األولى‪:‬‬
‫محمول على ما هو خالف األولى في حق غيرهم‪ ،‬وأما هنا فهو خالف األولى بالنس‪00‬بة لمق‪00‬امهم‬
‫خاصة‪ ،‬وأما بالنسبة لغيرهم فهو مستحسن‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫َص‪0‬ى آ َد ُم‬ ‫(وع َ‬ ‫هذا من كالم المغلوبين الذي يطوى وال يروى لمصادمته لقول‪0‬ه تع‪0‬الى‪َ 0:‬‬
‫َربَّهُ فَ َغ َوى) (طـه‪ :‬من اآلية‪ )121‬وإليهامه أن آدم لم يفعل تمام ما كان ينبغي أن يفعله وأن‪00‬ه ل‪00‬و‬
‫كان موضعه لفعل أفضل مما فعل آدم‪.‬‬
‫هَّللا‬
‫َ ْ َ ُ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ب‬‫‪0‬و‬
‫‪0‬‬ ‫ُ‬ ‫ن‬‫ذ‬‫ُ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫‪0‬ر‬
‫‪0‬‬ ‫ف‬‫غ‬‫ْ‬ ‫ي‬‫و‬ ‫هَّللا‬ ‫م‬
‫ِ ُ ِ ُ ْ ِْ ُ ُ َ َ ِ ْ ْ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ب‬‫ب‬‫ح‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫و‬ ‫ع‬ ‫ب‬‫َّ‬ ‫ت‬‫‪0‬ا‬
‫‪0‬‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬ ‫ُّونَ‬ ‫ب‬ ‫‪ 9‬قال هللا تع‪00‬الى‪( :‬قُ‪ْ 0‬ل إِنْ ُك ْن ْ ِ‬
‫ُح‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ت‬
‫سو َل فَإِنْ ت ََولَّ ْوا فَإِنَّ هَّللا َ ال يُ ِح ُّب ا ْل َكافِ ِرينَ )‪( 0‬آل عمران‪)32-31 :‬‬ ‫َغفُو ٌر َر ِحي ٌم‪ ،‬قُ ْل أَ ِطي ُعوا هَّللا َ َوال َّر ُ‬
‫سو ُل فَ ُخ ُذوهُ َو َما نَ َها ُك ْم َع ْنهُ فَا ْنتَ ُهوا) (الحشر‪ :‬من اآلية‪.)7‬‬ ‫(و َما آتَا ُك ُم ال َّر ُ‬
‫وقال تعالى‪َ :‬‬
‫‪228‬‬
‫على ص‪00‬ورة ال‪00‬دليل العقلي ه‪00‬و في الحقيق‪00‬ة دلي‪00‬ل ش‪00‬رعي‪ ،‬ألن دلي‪00‬ل المالزم‪00‬ة ش‪00‬رعي‪،‬‬
‫وبطالن التالي بدليل شرعي وهو أن هللا ال يأمر بالفحشاء‪.‬‬
‫‪ { -128‬يجب لألنباء الصدق }‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬وص‪00‬دقهم) معط‪00‬وف على األمان‪00‬ة‪ :‬أي وواجب في حقهم‪ 0‬ص‪00‬دقهم وه‪00‬و‬
‫مطابقة خبرهم للواقع ولو بحسب اعتق‪00‬ادهم‪ ،‬كم‪0‬ا في قول‪0‬ه ص‪0‬لى هللا تع‪0‬الى علي‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫(كل ذلك لم يكن) لما قال له ذو اليدين‪ :‬أقصرت الصالة أم نس‪00‬يت ي‪00‬ا رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم؟ حين سلم من ركعتين‪.1‬‬
‫فإن قيل‪ :‬قد مر النبي صلى هللا عليه وسلم صلى هللا عليه وآله وسلم على جماعة‬
‫يُؤَ بِّرون النخ َل وقال لهم‪( :‬لو تركتموها لصلحت) فتركوها فشاصت‪ :2‬أجيب ب‪00‬أن ه‪00‬ذا من‬
‫قبيل اإلنشاء‪ ،‬ألن المع‪00‬نى‪ :‬ك‪0‬ان في رج‪00‬ائي ذل‪00‬ك‪ ،‬واإلنش‪00‬اء ال يتص‪00‬ف بص‪0‬دق وال ك‪00‬ذب‪،‬‬
‫وعدم وقوع المترجى ال يعد نقصا ً‪ ،3‬ودليل وجوب ص‪00‬دقهم عليهم الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪ :‬أنهم‬
‫لو لم يصدقوا للزم الكذب في خبره تع‪00‬الى‪ ،‬لتص‪00‬ديقه تع‪00‬الى لهم ب‪00‬المعجزة النازل‪00‬ة منزل‪00‬ة‬
‫قوله تعالى‪ ،‬صدق عبدي في كل ما يبلغ عني‪ ،‬وتصديق الكاذب كذب وهو محال في حق‪00‬ه‬
‫تعالى‪ ،‬فملزومه –وهو عدم صدقهم‪ -‬محال‪ ،‬وإذا استحال عدم صدقهم وجب صدقهم وهو‬
‫المطل‪00‬وب‪ ،‬لكن ه‪00‬ذا ال‪00‬دليل إنم‪00‬ا ي‪00‬دل على ص‪00‬دقهم في دع‪00‬وى الرس‪00‬الة وفي األحك‪00‬ام‪0‬‬
‫الشرعية‪ ،‬ألن ذلك هو الذي بلغوه عن هللا تعالى‪ ،‬وال يدل على صدقهم في غير ذلك كـ “‬
‫قام زيد‪ ،‬وقعد عمر “ ولكن يدل عليه دليل األمان‪00‬ة‪ ،‬ألن‪00‬ه داخ‪00‬ل فيه‪00‬ا‪ ،‬ول‪00‬و التفت لعم‪00‬وم‬
‫األمانة لتضمنت جميع ما بعدها‪ ،4‬وعلم من ذلك أن أقسام الصدق ثالثة‪ ،5‬والمقص‪00‬ود هن‪00‬ا‬
‫األوالن‪ ،6‬وأما الثالث فهو داخل في األمانة كما علمت‪.‬‬

‫‪ 1‬الحديث أخرجه البخاري في كتاب السهو ب‪00‬رقم (‪ )1229‬وأخرج‪00‬ه مس‪00‬لم في ب‪00‬رقم (‬


‫‪.)573‬‬
‫‪ 2‬أخرجه مسلم (‪ )2363‬عن أنس بن مالك‪ 0‬في كتاب الفض‪0‬ائل‪ ،‬وأخرج‪0‬ه ابن ماج‪00‬ه في‬
‫كتاب الرهون برقم (‪ )3470‬عن عائشة رضي هللا تعالى عنها‪ ،‬وأخرجه أحمد (‪.)6/123‬‬
‫‪ 3‬الصواب‪ 0‬في جواب اإلشكالين‪ 0‬أن يقال‪ :‬مراده صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وسلم بحسب ظني‬
‫وإال فالصدق مطابقة الخبر‪ 0‬للواقع وكون‪00‬ه بحس‪00‬ب اعتق‪00‬ادهم مطابق‪00‬ة للواق‪00‬ع يرج‪00‬ع إلى تفس‪00‬يره‬
‫بمطابقة االعتقاد وهو مذهب ضعيف‪ ،‬وكون قوله ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه وس‪00‬لم ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ل‪00‬و تركتموه‪00‬ا لص‪00‬لحت‪ 0‬إنش‪00‬اء ممن‪00‬وع‪ ،‬وتقيي‪00‬ده بقول‪00‬ه‪ :‬في رج‪00‬ائي ال يخرج‪00‬ه عن‬
‫الخبرية‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫تضمنها لما عدى الفطانة ظ‪00‬اهر وأم‪00‬ا تض‪00‬منها للفطان‪00‬ة فألن األمان‪0‬ة‪ 0‬تتض‪00‬من القي‪00‬ام‬
‫بجميع مقتضيات‪ 0‬الرسالة وبعض منها موقوف على الفطان‪00‬ة وه‪00‬و إقام‪00‬ة الحج‪00‬ة على المنك‪00‬رين‬
‫والمعاندين‪.‬‬
‫‪ 5‬أي ال‪00‬واجب على األنبي‪00‬اء ثالث‪00‬ة أن‪00‬واع من الص‪00‬دق‪ :‬الص‪00‬دق في دع‪00‬وى الرس‪00‬الة‪،‬‬
‫والصدق في األحكام الشرعية‪ ،‬والصدق في األحكام غير الشرعية‪.‬‬
‫‪ 6‬بل المقصود هنا الثاني‪ ،‬وأما الصدق في دعوى النبوة فال يصح إرادت‪00‬ه هن‪00‬ا؛ ألن‪00‬ه ال‬
‫يصح أن يقال‪ :‬من واجب النبي صدقه في دعوى النبوة أي أن ال يكذب في هذه الدعوى ب‪00‬ل ه‪00‬و‬
‫كالم لغو؛ ألن المراد بالنبي من كان نبيا ً بالفعل‪ ،‬وهذا مثل أن تق‪00‬ول‪ :‬من واجب الع‪00‬الم أن يك‪00‬ون‬
‫‪229‬‬
‫‪ { -129‬وجوب الفطانة لألنبياء }‬
‫(قوله‪ :‬وضف له الفطانة) أي وضم لما تقدم مم‪00‬ا يجب لهم الفطان‪00‬ة‪ ،‬وهي التفطن‬
‫والتيقظ إللزام الخصوم وإبطال دعاويهم الباطلة‪ ،‬والدليل على وجوب الفطان‪00‬ة لهم عليهم‬
‫‪0‬را ِهي َم) (األنع‪00‬ام‪ :‬من اآلية‪)83‬‬ ‫الصالة والسالم آيات كقوله تعالى‪َ ( :‬وتِ ْل َك ُح َّجتُنَا آتَ ْينَاهَا إِ ْب‪َ 0‬‬
‫واإلشارة عائدة إلى ما احتج به إبراهيم على قومه من قوله‪( :‬فَلَ َّما َجنَّ َعلَ ْي ِه اللَّ ْي ُل… إلى‬
‫قوله … َو ُه ْم ُم ْهتَدُونَ ) (األنعام‪ )82-76 :‬وكقوله تعالى حكاية عن قوم ن‪00‬وح‪( :‬قَ‪00‬الُوا يَ‪00‬ا‬
‫وح قَ ْد َجا َد ْلتَنَا فَأ َ ْكثَ ْرتَ ِجدَالَنَا) (هود‪ :‬من اآلية‪ )32‬أي وخاصمتنا فأطلت ج‪00‬دالنا أو أتيت‬ ‫نُ ُ‬
‫‪1‬‬
‫س‪00‬نُ ) (النح‪00‬ل‪ :‬من اآلية‪ )125‬أي‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫بأنواع‪00‬ه‪ ،‬وكقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ ( :‬و َج‪ 00‬ا ِدل ُه ْم بِ‪00‬التِي ِه َي أ ْح َ‬
‫بالطريق التي هي أحسن بحيث تشتمل على نوع إرفاق بهم‪ ،‬ومن لم يكن فطن ‪0‬ا ً ب‪00‬أن ك‪00‬ان‬
‫مغفالً ال تمكنه إقامة الحجة وال المجادلة‪ ،‬ال يقال هذه اآليات ليست واردة إال في بعض‪00‬هم‬
‫فال تدل على ثبوت الفطانة لجميعهم‪ ،‬ألنا نقول‪ :‬ما ثبت لبعض‪00‬هم من الكم‪00‬ال يثبت لغ‪0‬يره‪،‬‬
‫فثبتت الفطانة لجميعهم وإن لم يكونوا رسالً ب‪00‬ل أنبي‪00‬اء فق‪00‬ط؛ ف‪00‬الالئق بمنص‪00‬ب النب‪00‬وة أن‬
‫يكون عندهم من الفطانة ما يردون ب‪00‬ه الخص‪00‬م على تق‪00‬دير وق‪00‬وع ج‪00‬دال منهم‪ ،‬ففي ق‪00‬ول‬
‫الش‪0‬ارح “ والظ‪0‬اهر اختص‪00‬اص ه‪0‬ذا ال‪00‬واجب بالرسل‪ “ 2‬نظ‪0‬ر‪ ،‬ب‪0‬ل الظ‪00‬اهر العم‪00‬وم‪ ،‬نعم‬
‫الواجب لألنبياء مطلق الفطنة‪ ،‬وأما الرسل فالواجب لهم كمال الفطنة‪.‬‬
‫ومثل ذا تبليغهم لما أتوا ‪ ##‬ويستحيل ضدها كما رووا‬ ‫‪-60‬‬
‫‪ { -130‬يجب لألنباء التبليغ }‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬ومث‪00‬ل ذا تبليغهم) أي ومث‪00‬ل ال‪00‬واجب المتق‪00‬دم‪ :‬تبليغهم‪ ،‬وق‪00‬د ع‪00‬رفت أن‬
‫الوجوب هنا بالدليل الشرعي ال العقلي خالفا ً لما جرى عليه الشارح‪ ،‬وقوله‪ “ :‬لم‪00‬ا أت‪00‬وا‬
‫“ أي جاؤوا به عن هللا تعالى؛ ففي كالمه حذف العائد المجرور مع انتفاء ش‪00‬رطه‪ :‬وه‪00‬و‬
‫أن يُ َج َّر بما ُج َّر به الموصو ُل‪ 3‬للضرورة‪ ،‬والمراد ما أتوا بقيد أن يكون مما أمروا بتبليغه‬
‫للخلق‪ ،‬بخالف ما أمروا بكتمانه وم‪0‬ا خ‪00‬يروا في‪0‬ه‪ ،‬فاألقس‪00‬ام ثالث‪00‬ة‪ :‬وال‪00‬دليل على وج‪00‬وب‬
‫تبليغهم عليهم الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪ :‬أنهم ل‪00‬و كتم‪00‬وا ش‪00‬يئا ً مم‪00‬ا أم‪00‬روا بتبليغ‪00‬ه للخل‪00‬ق لكن‪00‬ا‬
‫عالماً‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ال يخفى أن هذه اآلي‪00‬ة ت‪00‬دل على وج‪00‬وب الفطان‪0‬ة‪ 0‬لمحم‪00‬د ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬ألن‬
‫امتثاله إياه‪00‬ا موق‪00‬وف على الفطان‪00‬ة‪ ،‬وأم‪00‬ا اآليت‪00‬ان األخري‪00‬ان‪ 0‬فال ت‪00‬دالن بظاهرهم‪00‬ا على وج‪00‬وب‬
‫الفطانة وإنما تدالن على وجودها في إبراهيم ون‪00‬وح إال أن ي‪00‬دعي داللتهم‪00‬ا على الوج‪00‬وب ال من‬
‫طريق المنطوق بل من طريق السياق والسباق وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬ه‪00‬ذا الق‪00‬ول من‪00‬ه مب‪00‬ني على أن الف‪00‬رق بين الن‪00‬بي والرس‪00‬ول بوج‪00‬وب التبلي‪00‬غ‪ 0‬على‬
‫الرسول‪ ،‬وعدم وجوب‪00‬ه على الن‪00‬بي‪ ،‬وه‪00‬و م‪0‬ذهب ض‪0‬عيف وق‪0‬د اش‪0‬تهر فيم‪00‬ا بين المت‪00‬أخرين‪ 0‬من‬
‫أواخر القرن التاسع فما بعده‪ ،‬ومث‪00‬ل ه‪00‬ذا في البن‪00‬اء‪ 0‬ق‪00‬ول الش‪00‬ارح‪ 0:‬نعم ال‪00‬واجب … إلخ‪ .‬وه‪00‬ذه‬
‫التفرقة لم يقم دليل قوي عليها‪ .‬نعم أصل التفرقة بينهما ال‪00‬دليل عليه‪00‬ا ق‪00‬وي‪ ،‬ومن أدلته‪00‬ا ورود‬
‫القرآن بعطف أحدهما على اآلخر كما في قوله تعالى‪ 0:‬وم‪0‬ا أرس‪0‬لنا‪ 0‬من رس‪0‬ول وال ن‪0‬بي ‪...‬اآلي‪0‬ة‪.‬‬
‫وفي قوله تع‪00‬الى‪ 0:‬أرس‪00‬لنا‪ 0‬إش‪00‬ارة إلى أن التبلي‪00‬غ واجب على الن‪00‬بي أيض‪00‬ا؛‪ 0‬ألن اإلرس‪00‬ال يقتض‪00‬ي‬
‫التبليغ‪ 0‬وال يكون بدونه‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا الشرط‪ 0‬قد قال به معظم النحاة‪ ،‬ولم يشترطه بعضهم‪.‬‬
‫‪230‬‬
‫مأمورين بكتمان العلم‪ ،1‬ألن هللا تعالى أمرن‪00‬ا باالقت‪00‬داء بهم‪ ،‬والالزم باط‪00‬ل ألن ك‪00‬اتم العلم‬
‫ملعون‪ ،2‬ولو جاز عليهم كتم‪00‬ان ش‪00‬يء لكتم رئيس‪00‬هم األعظم ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫َّق هَّللا َ‬ ‫س‪0‬كْ َعلَ ْي‪00‬كَ ْ‬
‫زَو َج‪َ 0‬ك َوات ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ ( :‬وإِ ْذ تَقُ‪00‬و ُل لِلَّ ِذي أَ ْن َع َم هَّللا ُ َعلَ ْي‪ِ 0‬ه َوأَ ْن َع ْمتَ َعلَ ْي‪ِ 0‬ه أَ ْم ِ‬
‫ش ‪0‬اهُ) (األح‪00‬زاب‪ :‬من اآلية‬ ‫ق أَنْ ت َْخ َ‬ ‫اس َوهَّللا ُ أَ َح ُّ‬
‫س َك َما هَّللا ُ ُم ْب ِدي ِه َوت َْخشَى النَّ َ‬ ‫َوت ُْخفِي فِي نَ ْف ِ‬
‫‪3‬‬
‫‪)37‬‬
‫وأصح محامله ما نقله من يع‪0‬ول علي‪0‬ه في التفس‪0‬ير عن علي بن الحس‪0‬ين‪ :‬من أن‬
‫هللا تعالى كان أعلم نبيه أن زينب أو أنها ستكون من أزواجه‪ ،‬فلم‪00‬ا ش‪00‬كاها إلي‪00‬ه زي‪00‬د ق‪00‬ال‬
‫له‪ :‬أمسك عليك زوجك واتق هللا‪ ،4‬وأخفى في نفسه ما أعلمه هللا به من أن‪00‬ه س‪00‬يتزوجها‪،‬‬
‫وهللا مبدي ذلك بطالق زيد لها وتزويجها له صلى هللا تعالىعليه وسلم صلى هللا عليه وآله‬
‫وسلم ومع‪00‬نى الخش‪00‬ية‪ :‬اس‪00‬تحياؤه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وسلمص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم من‬
‫الناس أن يقولوا‪ :‬تزوج زوج‪00‬ة ابن‪00‬ه أي من تبن‪00‬اه‪ ،‬فعاتب‪00‬ه هللا على ه‪00‬ذا االس‪00‬تحياء لعل‪00‬و‬
‫مقامه‪ ،‬وما قيل من أنه صلى هللا عليه وآله وسلم تعل‪00‬ق قلب‪00‬ه به‪00‬ا وأخف‪00‬اه فال يلتفت إلي‪00‬ه‬
‫وإن جل ناقلوه‪ ،‬فإن أدنى األولياء ال يصدر عنه مثل هذا األمر‪ ،‬فما بالك به صلىاهلل علي‪00‬ه‬
‫وسلمصلى هللا عليه وآله وسلم‪ :‬وهذا هو الذي نعتقده وندين هللا به كم‪00‬ا نقل‪00‬ه السنوس‪00‬ي‬
‫في كتبه‪.‬‬
‫‪ { -131‬الممتنع على األنبياء }‬
‫(قول‪00‬ه‪ :‬ويس‪00‬تحيل ض‪00‬دها) أي ويس‪00‬تحيل في حقهم عليهم الص‪00‬الة والس‪00‬الم ض‪00‬د‬
‫الصفات األربعة الواجبة في حقهم؛ فضد األمانة‪ :‬الخيانة‪ ،‬وض‪00‬د الص‪00‬دق‪ :‬الك‪00‬ذب‪ ،‬وض‪00‬د‬
‫الفطانة‪ ،‬الغفلة وعدم الفطن‪00‬ة‪ ،‬وض‪00‬د التبلي‪00‬غ‪ :‬كتم‪00‬ان ش‪00‬يء مم‪00‬ا أم‪00‬روا بتبليغ‪00‬ه‪ ،‬ومع‪00‬نى‬
‫استحالتها‪ :‬عدم قبولها الثبوت لكن بالدليل الشرعي‪.‬‬
‫كما أشار إلي‪00‬ه بقول‪00‬ه‪ “ :‬كم‪00‬ا رووا “ ف‪00‬إن المع‪00‬نى‪ :‬لم‪00‬ا رواه العلم‪00‬اء من كت‪00‬اب‬
‫وسنة وإجماع‪.‬‬

‫‪ 1‬الصواب‪ 0‬لجاز لنا كتم العلم‪ ،‬ألن كتمهم ذلك دلي‪00‬ل على ج‪0‬وازه لهم‪ ،‬فيك‪0‬ون ج‪0‬ائزا‪ 0‬لن‪00‬ا‬
‫أيضا‪ 0،‬وال يدل على وجوبه عليهم حتى نكون مامورين به‪.‬‬
‫ْ‬ ‫‪ 2‬قال هللا تعالى‪( :‬إِنَّ الَّ ِذينَ يَ ْكتُ ُمونَ َما أَ ْن َز ْلنَا ِمنَ البَيِّنَا ِ‬
‫ت َوال ُهدَى ِمنْ بَ ْع ِد َما بَيَّنَّاهُ لِلنَّا ِ‪0‬‬
‫س‬ ‫ْ‬
‫ب أُولَئِ َك يَ ْل َعنُ ُه ُم هَّللا ُ َويَ ْل َعنُ ُه ُم الاَّل ِعنُونَ ) (البقرة‪.)159:‬‬ ‫فِي ا ْل ِكتَا ِ‪0‬‬
‫ضى زَ ْي ٌد ِم ْن َها َوطَراً زَ َّو ْجنَا َك َه‪00‬ا لِ َك ْي ال يَ ُك‪00‬ونَ َعلَى ا ْل ُم‪00‬ؤْ ِمنِينَ َح‪َ 0‬ر ٌج‬ ‫تمام اآلية‪( :‬فَلَ َّما قَ َ‬ ‫‪3‬‬

‫َ‬
‫ض ْوا ِم ْن ُهنَّ َوطَراً َو َكانَ أ ْم ُر هَّللا ِ َم ْف ُعوالً) (األحزاب‪ :‬من اآلية‪.)37‬‬ ‫اج أَد ِ‬
‫ْعيَائِ ِه ْم إِ َذا قَ َ‬ ‫فِي أَ ْز َو ‪ِ4‬‬
‫أخرجه الطبري في التفسير‪ )22/11( 0‬والبيهقي في دالئل النبوة(‪)3/466‬‬
‫‪231‬‬
‫‪{ -132‬ما يجوز على األنبياء }‬
‫‪ -61‬وجائز في حقهم كاألكل ‪ ##‬وكالجماع للنسا في الح ّل‬
‫(قوله‪ :‬وجائز … إلخ) لم‪00‬ا ق‪00‬دم الكالم على ال‪00‬واجب في ح‪00‬ق الرس‪00‬ل والمس‪00‬تحيل‬
‫كذلك‪ ،‬شرع في الكالم على الجائز في حقهم؛ ألنه كالمركب من الواجب والمس‪00‬تحيل فإن‪00‬ه‬
‫ما يجوز وجوده لهم وعدمه‪ ،‬وقوله‪ “ :‬في حقهم‪ “ 0‬أي على ذاتهم‪1‬؛ فـ “ في “ بمع‪0‬نى‬
‫“ على “ و “ ح‪00‬ق “ بمع‪00‬نى ال‪00‬ذات‪ ،‬والض‪00‬مير للرس‪00‬ل وك‪00‬ذا األنبي‪00‬اء عليهم الص‪00‬الة‬
‫والسالم‪ ،‬وقوله‪ “ :‬كاألكل “ أي مثل األكل‪ ،‬فالك‪00‬اف اس‪00‬م بمع‪00‬نى مث‪00‬ل‪ ،‬مبت‪00‬دأ م‪00‬ؤخر ق‪00‬د‬
‫تقدم خبره وهو “ جائز “ ويص‪00‬ح أن يك‪00‬ون ف‪00‬اعالً ب‪00‬ه س‪00‬د مس‪00‬د الخ‪00‬بر على رأي من ال‬
‫‪2‬‬
‫يشترط االعتماد على استفهام أو نحوه‪ ،‬كما في قوله‪ “ :‬خبير بنو لهب‪“ .‬‬
‫وقوله‪ “ :‬وكالجماع للنسا “ بالقصر للوزن‪ ،‬وإنما كرر المث‪00‬ال إش‪00‬ارة إلى أن‪00‬ه ال‬
‫فرق بين أن يكون الجائز في حقهم‪ 0‬من توابع الصحة التي ال يستغنى عنها ع‪00‬ادة كاألك‪00‬ل‪،‬‬

‫‪ 1‬قدمنا أن معنى في حقهم في شأنهم‪.‬‬


‫‪ 2‬البيت تمامه‪ :‬خبير بنو لهب فال تك ملغيا ً ‪ ##‬مقالة لبهي إذا الط‪00‬ير‪ 0‬م‪00‬رت‪ .‬ك‪00‬انت بن‪00‬و‬
‫لهب من أهل العيافة‪.‬‬
‫والشاهد فيه أن خبيرا مع عدم اعتم‪00‬اده على النفي واالس‪00‬تفهام اس‪00‬تغنى بفاعل‪00‬ه ال‪00‬ذي‬
‫هو لفظ بنو عن الخبر‪ 0،‬وقد أجازه بعض النحاة‪ ،‬والجمهور على أن المبت‪00‬دأ الوص‪00‬ف ال يس‪00‬تغني‬
‫بمرفوعه عن الخبر‪ 0‬إال إذا اعتمد على النفي أو االستفهام‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫والشرب والنوم‪ ،‬أو التي يستغنى عنها كالجماع للنساء‪ ،‬فإن‪00‬ه يس‪00‬تغنى عن‪00‬ه ب‪00‬دون حبس‬
‫النفس حبسا ً شديداً‪ ،‬بن‪0‬اء على أن‪0‬ه من ب‪0‬اب التفك‪0‬ه‪ ،‬أو بحبس النفس حبس‪0‬ا ً ش‪00‬ديداً بن‪0‬اء‬
‫على أنه من باب القوت‪ ،‬وقوله “ في الحل “ أي في حال الحل بمعنى الجواز؛ ب‪00‬أن ك‪00‬ان‬
‫بالمل‪00‬ك أو بالنك‪00‬اح‪ ،‬فيج‪00‬وز لهم ال‪00‬وطء بالمل‪00‬ك ول‪00‬و لألم‪00‬ة الكتابي‪00‬ة بخالف المجوس‪00‬ية‬
‫ونحوها كالوثنية‪ ،‬وخالف ابن العربي في األمةً الكافرة بأنه عليه الصالة والسالم ش‪00‬ريف‬
‫عن أن يضع نطفته في رحم ك‪00‬افرة‪ ،‬وبأنه‪00‬ا تك‪00‬ره ص‪00‬حبته‪ ،‬وأم‪00‬ا األم‪00‬ة المس‪00‬لمة بالمل‪00‬ك‬
‫فجائزة باتفاق‪ ،‬ويجوز لهم الوطء بالنكاح لما عدا الكتابي‪00‬ة والمجوس‪00‬ية‪ ،‬وم‪00‬ا ع‪00‬دا األم‪00‬ة‬
‫ولو مسلمة‪ ،‬ألنها إنما تُنكح لخوف العنت لعدم الطول أي المهر‪ ،‬وكل منهم‪00‬ا منت‪00‬ف‪ :‬أم‪00‬ا‬
‫األول فللعصمة‪ ،‬وأما الثاني فألنهم واجدون للط‪0‬ول أي المه‪0‬ر‪ ،‬على أن‪0‬ه يج‪0‬وز للن‪0‬بي أن‬
‫يتزوج بدون مهر‪ ،‬ويعلم من قوله “ في الحل “ أنهم عليهم الصالة والسالم ال يطئونهن‬
‫صائمات صوما ً مشروعا ً وال معتكفات كذلك وال حائضات وال نفساء وال محرمات‪،‬‬
‫‪ { -133‬ما يجوز ويمتنع على األنبياء من األعراض البشرية }‬
‫وال يجوز االحتالم عليهم كما صححه النووي‪ ،‬ألنه من الشيطان‪ ،‬وق‪00‬د ورد‪ “ :‬م‪00‬ا‬
‫احتلم نبي قط “ ‪ 1‬نعم إن كان مجرد فيض‪00‬ان م‪00‬اء من غ‪00‬ير تالعب من الش‪00‬يطان فال م‪00‬انع‬
‫منه‪،‬‬
‫ومثل ما ذكره المصنف من األكل والجماع‪ :‬سائر األعراض البشرية التي ال تؤدي‬
‫إلى نقص في م‪00‬راتبهم العلي‪00‬ة ك‪00‬المرض‪ ،‬ومن‪00‬ه اإلغم‪00‬اء فيج‪00‬وز عليهم‪ ،‬وقي‪00‬د أب‪00‬و حام‪00‬د‬
‫اإلغماء بغير الطويل‪ ،‬وجزم به البلقيني‬
‫بخالف الجنون قليله وكثيره ألنه نقص‪ ،‬وكالجنون‪ :‬الج‪00‬ذام وال‪00‬برص وغ‪00‬ير ذل‪00‬ك‬
‫من األمور المنفرة‪ ،‬فلم يعم نبي قط‪ ،2‬ولم يثبت أن شعيبا ً كان ضريراً‪ ،‬وم‪00‬ا ك‪00‬ان بيعق‪00‬وب‬
‫فهو حجاب على العين من تواصل الدموع‪ ،‬ولذلك لما جاءه البشير عاد بصيراً‪ ،‬وما ك‪00‬ان‬
‫ب‪00‬أيوب من البالء فك‪00‬ان بين الجل‪00‬د والعظم فلم يكن منف‪00‬راً‪ ،‬وم‪00‬ا اش‪00‬تهر في القص‪00‬ة من‬
‫الحكايات المنفرة فهي باطلة‪،‬‬
‫وأما السهو فممتنع عليهم في األخب‪00‬ار البالغي‪00‬ة‪ ،‬كق‪00‬ولهم‪ :‬الجن‪00‬ة أع‪00‬دت للمتقين‪،‬‬
‫وعذاب القبر واجب‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وغير البالغية كـ “ قام زيد‪ ،‬وقعد عمرو “ وهك‪00‬ذا‪ ،‬وج‪00‬ائز‬
‫عليهم في األفع‪00‬ال البالغي‪00‬ة وغيرها‪ 3‬كالس‪00‬هو في الص‪00‬الة للتش‪00‬ريع لكن لم يكن س‪00‬هوهم‬
‫ناشئا ً عن اشتغالهم بغير ربهم‪ ،‬ولذا قال بعضهم‪:‬‬

‫‪ 1‬أخرجه الطبراني‪ 0‬في األوسط ب‪00‬رقم (‪ )8062‬عن ابن عب‪00‬اس رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى عن‪00‬ه‪،‬‬
‫قال الهيثمي في مجمع الزوائد كتاب الطهارة رقم ( ‪ )1446‬فيه عبد العزيز بن ثابت‪ ،‬وهو مجمع‬
‫على ضعفه‪.‬‬
‫‪ 2‬العمى ليس من األمور المنفرة كما تقدم في صدر الكتاب‪.‬‬
‫‪ 3‬المختار أنه ال يجوز عليهم السهو في األفعال البالغية وهي ما فعل من العبادات‪ 0‬على‬
‫وجه البالغ‪ 0‬قبل أن تستقر عند الناس وأما بعد االستقرار فتخ‪0‬رج عن أن تك‪0‬ون بالغي‪0‬ة‪ 0،‬ب‪0‬ل هي‬
‫عبادات محضة‪ ،‬فيجوز فيها السهو‪.‬‬
‫‪233‬‬
‫غافل اله‬
‫ٍ‬ ‫ب‬
‫يا سائلي عن رسول هللا كيف سها ‪ ##‬والسه ُو من ك ِّل قل ٍ‬
‫س ُّرهُ فسها ‪ ##‬عما سوى هللاِ فالتعظي ُم هلل‬ ‫قد غاب عن كل شيء ِ‬
‫وأما النسيان فهو ممتنع في البالغيات قبل تبليغها‪ ،‬قولية كانت أو فعلية‪ ،‬فالقولية‬
‫كالجنة أعدت للمتقين‪ ،‬والفعلية كصالة الضحى إذا أمرهم هللا بفعلها ليقت‪0‬دي بهم فيه‪0‬ا فال‬
‫يجوز نسيان كل منهما قبل تبليغ األولى بالقول والثانية بالفعل‪ ،‬وأم‪00‬ا بع‪00‬د التبلي‪00‬غ فيج‪00‬وز‬
‫نسيان ما ذكر من هللا تعالى‪،‬‬
‫وأم‪00‬ا نس‪00‬يان الش‪00‬يطان فمس‪00‬تحيل عليهم‪ ،‬إذ ليس للش‪00‬يطان عليهم س‪00‬بيل‪ ،‬وق‪00‬ول‬
‫الش‪ْ 0‬يطَانُ ) (الكه‪00‬ف‪ :‬من اآلية‪ )63‬تواض‪00‬ع من‪00‬ه‪ ،‬أو قب‪00‬ل نبوت‪00‬ه‬ ‫َّ‬ ‫يوش‪00‬ع ( َو َم‪00‬ا أَ ْن َ‬
‫س‪0‬انِيهُ إِاَّل‬
‫‪0‬غ) (الكه‪00‬ف‪ :‬من اآلية‪)64‬‬ ‫وعلمه بحال نفسه‪ ،‬وإال فهو رحماني بش‪00‬هادة ( َذلِ‪00‬كَ َم‪00‬ا ُكنَّا نَ ْب‪ِ 0‬‬
‫ووسوسة الشيطان آلدم بتمثيل ظاهري‪ ،‬والممنوع لعبه ببواطنهم‪،‬‬
‫وبالجملة فيجوز على ظواهرهم ما يجوز على البشر مما ال يؤدي إلى نقص‪ ،‬وأما‬
‫بواطنهم فمنزهة عن ذل‪00‬ك متعلق‪00‬ة ب‪00‬ربهم‪ ،‬وفي المنن‪ :‬ك‪00‬ان مع‪00‬روف الك‪00‬رخي يق‪00‬ول‪ :‬لي‬
‫ثالثون سنة في حضرة هللا تعالى ما خرجت‪ ،‬فأنا أكلم هللا والناس يظنون أني أكلمهم اهـ‪،‬‬
‫فإذا كان هذا حال أح‪00‬د األتب‪00‬اع‪ ،‬فم‪00‬ا بال‪00‬ك باألنبي‪00‬اء؟ خصوص‪0‬ا ً رئيس‪00‬هم األعظم ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم‪.‬‬

‫‪ { -134‬جمع الشهادتين لعقائد اإلسالم وبيان ذلك }‬


‫وجامع معنى الذي تقررا ‪ ##‬شهادتا اإلسالم فاطرح المرا‬ ‫‪-62‬‬
‫(قوله‪ :‬وجامع ‪ ..‬إلخ) لما فص‪00‬ل م‪00‬ا يجب هلل وم‪00‬ا يس‪00‬تحيل وم‪00‬ا يج‪00‬وز‪ ،‬وم‪00‬ا يجب‬
‫للرسل وما يستحيل وما يجوز‪ :‬ذكر ما يتضمن ذل‪00‬ك‪ ،‬و “ ج‪00‬امع “ مبت‪00‬دأ العتم‪00‬اده على‬
‫موصوف مح‪0‬ذوف‪ ،1‬والتق‪0‬دير‪ :‬وش‪0‬يء ج‪0‬امع‪ ،‬و “ ش‪0‬هادتا اإلس‪0‬الم “ فاع‪0‬ل س‪0‬د مس‪0‬د‬
‫الخبر‪ ،‬وقوله‪ “ :‬معنى الذي تقررا “ بألف اإلطالق‪ :‬أي مع‪00‬نى ه‪00‬و ال‪00‬ذي تق‪00‬رر في ذهن‬
‫الس‪00‬امع‪ ،‬فاإلض‪00‬افة للبي‪00‬ان‪ ،‬ويص‪00‬ح أن تك‪00‬ون اإلض‪00‬افة حقيقية‪ :2‬أي مع‪00‬نى م‪00‬ا تق‪00‬رر من‬
‫األلفاظ في موضعه المخص‪00‬وص من الكت‪00‬اب‪ ،‬وعلى ك‪00‬ل ف‪00‬ذلك المع‪00‬نى ه‪00‬و جمي‪00‬ع العقائ‪00‬د‬
‫اإليمانية مما يرجع إلى األلوهية والنبوة وجوبا ً وجوزاً واستحالة‪.‬‬

‫‪ 1‬قوله العتماده … إلخ" فيه نظر‪ ،‬ألن هذا كاف في مطل‪00‬ق العم‪00‬ل ال في عم‪00‬ل المبت‪00‬دأ‬
‫المكتفي بمرفوعه عن الخبر‪ 0،‬إذ هذا البد فيه من االعتماد على نفي أو استفهام كم‪00‬ا ه‪00‬و م‪00‬ذكور‬
‫في كتب النحو‪ ،‬فكان األولى إجراءه على طريقة من ال يشترط االعتم‪0‬اد‪ ،‬كم‪0‬ا س‪0‬بق ل‪0‬ه في ق‪0‬ول‬
‫المصنف‪" :‬وجائز في حقهم كاألكل" أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬أي ليست للبيان لكن المعروف استعمال اإلضافة الحقيقي‪00‬ة بمع‪00‬نى اإلض‪00‬افة المعنوي‪00‬ة‬
‫ويقال للفظية غير الحقيقية‪.‬‬
‫‪234‬‬
‫و “ المع‪00‬نى “ ‪ :‬م‪00‬ا يع‪00‬ني من اللفظ‪ 1‬ويس‪00‬مى مفهوم‪0‬ا ً باعتب‪00‬ار كون‪00‬ه يفهم من‪00‬ه‪،‬‬
‫ومدلوالً باعتبار كون اللفظ يدل عليه‪ ،‬وقوله “ شهادتا اإلسالم “ أي الشهادتان الدالتان‬
‫على اإلسالم الذي هو االنقياد الظاهري كما تق‪00‬دم‪ ،‬فاإلض‪00‬افة في كالمه‪ 2‬من إض‪00‬افة ال‪00‬دال‬
‫للمدلول‪ :‬أو اللتان هما سبب في اإلسالم‪ ،‬فاإلضافة في كالمه من إضافة السبب للمسبب‪،‬‬
‫أو اللتان هما الجزء األعظم من مسمى اإلسالم‪ ،‬بناء على أنه الهيئة المركبة من األركان‬
‫الخمس‪00‬ة الم‪00‬ذكورة في ح‪00‬ديث “ ب‪00‬ني اإلس‪00‬الم على خمس “ ‪ 3‬فاإلض‪00‬افة في كالم‪00‬ه من‬
‫إضافة الجزء للكل‪.‬‬
‫والجامع لما تقدم من العقائد إنما هو معنى الشهادتين ال لفظهم‪00‬ا‪ ،‬فكالم المص‪00‬نف‬
‫على حذف مضاف أي معنى شهادتي اإلسالم كما أشار إليه الشارح‪ ،‬ومع‪00‬نى جمع‪00‬ه له‪00‬ا‪:‬‬
‫استلزامه لها ألن الملزوم يصح وصفه بجمعه للوازم‪00‬ه ب‪00‬النظر لداللت‪00‬ه عليه‪00‬ا‪ ،‬وقول‪00‬ه “‬
‫فاطرح المرا “ تكملة‪ :‬إذا علمت أن كلمتي الشهادتين جمعتا جميع م‪00‬ا تق‪00‬رر من العقائ‪00‬د‬
‫اإليمانية‪ ،‬فاترك الجدال في صحة جمعهما لما ذكر‪.‬‬
‫وبي‪00‬ان م‪00‬ا ذك‪00‬ره‪ :‬أن الجمل‪00‬ة األولى نفت األلوهي‪00‬ة عن غ‪00‬يره تع‪00‬الى وأثبتته‪00‬ا ل‪00‬ه‬
‫تعالى‪ ،‬وحقيقة األلوهية العبادة بحق‪ ،4‬ويلزم منها استغناء اإلله عن كل ما سواه وافتقار‬
‫كل ما عداه إليه‪ ،‬فحقيقة اإلله المعب‪00‬ود بح‪0‬ق‪ ،‬ويل‪0‬زم من‪00‬ه أن‪00‬ه مس‪00‬تغن عن ك‪00‬ل م‪0‬ا س‪0‬واه‬
‫ومفتقر إليه كل ما عداه فمعنى “ ال إل‪00‬ه إال هللا “ الحقيقي‪ :‬ال معب‪00‬ود في الواق‪00‬ع إلى هللا‪،‬‬
‫ومعناها بطريق اللزوم‪ :‬ال مستغنيا ً عن ك‪0‬ل م‪0‬ا س‪0‬واه ومفتق‪0‬راً إلي‪0‬ه ك‪0‬ل م‪0‬ا ع‪0‬داه إال هللا‪،‬‬
‫فتفسير الشيخ السنوسي الذي ذكره في الصغرى بالالزم ال بالحقيقة‪.‬‬
‫وإنما اختاره لكون استلزامه للعقائد المتقدمة أظه‪00‬ر من اس‪00‬تلزام المع‪00‬نى الحقيقي‬
‫لها‪.‬‬
‫ف‪00‬إذا علمت ذل‪00‬ك ف‪00‬اعلم أن االس‪00‬تغناء يس‪00‬تلزم وج‪00‬وب وج‪00‬وده‪ ،‬وقدم‪00‬ه‪ ،‬وبقائ‪00‬ه‪،‬‬
‫ومخالفت‪00‬ه للح‪00‬وادث‪ ،‬وقيام‪00‬ه بنفس‪00‬ه‪ ،‬وتنزه‪00‬ه عن النق‪00‬ائص‪ ،‬وي‪00‬دخل في ذل‪00‬ك الس‪00‬مع‪،‬‬
‫والبص‪00‬ر‪ ،‬والكالم‪ ،‬ولوازمه‪00‬ا‪ :‬وهي كون‪00‬ه س‪00‬ميعاً‪ ،‬وبص‪00‬يراً‪ ،‬ومتكلم‪0‬اً‪ ،‬بن‪00‬اء على الق‪00‬ول‬
‫باألحوال إذ لو لم تجب له هذه الصفات لكان محتاج ‪0‬ا ً إلى المح‪00‬دث أو المح‪00‬ل أو من ي‪00‬دفع‬
‫عن‪00‬ه النق‪00‬ائص‪ ،‬فه‪00‬ذه إح‪00‬دى عش‪00‬رة عقي‪00‬دة من الواجب‪00‬ات‪ ،‬وإذا وجبت ه‪00‬ذه الص‪00‬فات‬
‫استحالت أضدادها فهذه إحدى عشرة عقيدة من المستحيالت‪.‬‬

‫‪ 1‬التحقيق أن المعنى ما يعنى من لفظ أو ال من لف‪00‬ظ فالتقي‪00‬د بقول‪00‬ه‪ :‬من اللف‪00‬ظ ليس في‬
‫محله‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫التحقيق أن اإلضافة للمالبس‪0‬ة‪ 0‬واالختص‪0‬اص‪ 0‬أي الش‪0‬هادتان المتعلقت‪00‬ان والمالبس‪0‬تان‬
‫لإلسالم لكن لك أن تقول إن هذا التعلق والمالبسة إما على هذا الوجه أو على ذلك الوجه‪.‬‬
‫‪ 3‬الحديث أخرجه البخاري في كتاب اإليمان برقم (‪ )8‬ومسلم في كت‪00‬اب اإليم‪00‬ان‪ 0‬ب‪00‬رقم (‬
‫‪ )16‬عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله العبادة بح‪00‬ق‪ .‬األولى اس‪00‬تحقاق العب‪00‬ادة فالعب‪00‬ادة في كالم الش‪00‬ارح مص‪0‬در مب‪00‬ني‬
‫للمجهول أي كونه معبوداً بحق‪.‬‬
‫‪235‬‬
‫ويستلزم أيضا ً نفي وجوب فعل شيء من الممكنات أو تركه‪ ،‬وإال لزم افتقاره إلى‬
‫فعل ذلك الشيء أو تركه ليتكمل ب‪0‬ه فه‪0‬ذه عقي‪0‬دة الج‪0‬ائز‪ ،‬فجمل‪0‬ة م‪0‬ا اس‪0‬تلزمه االس‪0‬تغناء‬
‫ثالثة وعشرون عقيدة‪.‬‬
‫وأما االفتقار فيستلزم الحياة والقدرة واإلرادة والعلم‪ ،‬ولوازمه‪00‬ا‪ :‬وهي كون‪00‬ه حي‪0‬ا ً‬
‫وقادراً ومريداً وعالما ً بناء على القول باألحوال‪ ،‬ويستلزم أيض‪0‬ا ً الوحدانية‪ ،1‬فه‪0‬ذه تس‪00‬عة‬
‫من العقائ‪00‬د الواجب‪00‬ات‪ ،‬وم‪00‬تى وجبت ه‪00‬ذه الص‪00‬فات اس‪00‬تحالت أض‪00‬دادها فه‪00‬ذه تس‪00‬عة من‬
‫العقائد المستحيالت‪ ،‬فجملة ما استلزمه االفتقار ثمان عشرة عقي‪00‬دة‪ ،‬ف‪00‬إذا ض‪00‬مت للثالث‪00‬ة‬
‫والعش‪00‬رين الس‪00‬ابقة ك‪00‬ان المجم‪00‬وع واح‪00‬داً وأربعين‪ :‬ال‪00‬واجب هلل تع‪00‬الى منه‪00‬ا عش‪00‬رون‪،‬‬
‫والمستحيل عليه عشرون‪ ،‬والجائز عليه واحد‪ ،‬فق‪00‬د اش‪00‬تملت الجمل‪00‬ة األولى على أقس‪00‬ام‬
‫الحكم العقلي الثالثة الراجعة‪ 0‬له تعالى‪.‬‬
‫والجمل‪00‬ة الثاني‪00‬ة فيه‪00‬ا اإلق‪00‬رار برس‪00‬الته ص‪00‬لىاهلل علي‪00‬ه ويلم ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم‪ ،‬ويلزم منه تصديقه في كل ما جاء به‪ ،‬ويندرج فيه وجوب صدق الرس‪00‬ل وأم‪00‬انتهم‬
‫وفطانتهم وتبليغهم لما أمروا بتبليغه للخلق‪ ،‬ويندرج فيه أيضا ً اس‪00‬تحالة الك‪00‬ذب والخيان‪00‬ة‬
‫والغفلة والكتمان عليهم‪ ،‬ويندرج فيه أيضا ً جواز جميع األعراض البشرية التي ال ت‪00‬ؤدي‬
‫إلى نقص في مراتبهم العلية‪ ،‬وه‪00‬ذه جمل‪00‬ة أقس‪00‬ام الحكم العقلي الثالث‪00‬ة المتعلق‪00‬ة بالرس‪00‬ل‬
‫عليهم الصالة والسالم‪،‬‬
‫فقد بان لك تضمن كلمتي الشهادة لجميع العقائد المتقدم‪00‬ة‪ ،‬ولعلهم‪00‬ا له‪00‬ذا المع‪00‬نى‬
‫مع اختص‪00‬ارهما جعلهم‪00‬ا الش‪00‬ارع ترجم‪00‬ة عم‪00‬ا في القلب من اإليم‪00‬ان‪ ،‬ولم يقب‪00‬ل من أح‪00‬د‬
‫اإليمان إال بهما مع القدرة عليهما وقد نص العلم‪00‬اء على أن‪00‬ه الب‪00‬د من فهم معناهم‪00‬ا ول‪00‬و‬
‫إجماالً‪ ،‬وإال لم ينتفع الناطق بهما‪،‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬األوسع للذاكر أن يالحظ أخذهما من الق‪00‬رآن ليث‪00‬اب عليهم‪00‬ا مطلق‪0‬اً‪،‬‬
‫وقد اختلف العلماء هل األفضل المد أو القص‪00‬ر‪ ،‬فمنهم من اخت‪00‬ار الم‪00‬د ليستش‪00‬عر المتلف‪00‬ظ‬
‫بهما بنفي األلوهية عن كل موج‪00‬ود س‪00‬واه تع‪00‬الى‪ ،‬ومنهم من اخت‪00‬ار القص‪00‬ر لئال تخترم‪00‬ه‬
‫المنية قبل التلفظ بذكر هللا تعالى‪ ،‬وفصل بعضهم بين أن يك‪00‬ون أول كالم‪00‬ه بهم‪00‬ا فيقص‪00‬ر‪،‬‬
‫وإال فيمد‪ ،‬وأما حذف ألف هللا فهو لحن ال يصح معه ذكر وال تنعقد معه يمين‪.‬‬
‫واعلم أن النفي منص‪00‬ب على المعب‪00‬ود بح‪00‬ق في الواق‪00‬ع‪ ،‬ف‪00‬المعنى‪ :‬انتفى المعب‪00‬ود‬
‫بحق في الواقع إال هللا‪ ،‬كما يص‪00‬ح جعل‪00‬ه منص‪00‬با ً على م‪00‬ا في ذهن الم‪00‬ؤمن‪ ،‬ألن‪00‬ه يتص‪00‬ور‬
‫أفراد المعبود بحق على سبيل الفرض‪ ،‬ثم يحكم عليها بالنفي إال هللا‪ ،2‬لكن ال يحصل ال‪00‬رد‬
‫على الكفار إال باعتبار الواقع‪ ،‬وال يصح أن يكون منصبا ً على ما في ذهن الكافر‪ ،‬ألن م‪00‬ا‬
‫في ذهنه من األصنام ثابت ال يصح نفيه‪.‬‬
‫‪ 1‬ألنه لو كان معه آخر لما احتاج ذلك اإلله إليه تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬أي غير هللا أي فينفي عن هذا األفراد الذهنية الموجو َد في الواقع‪ ،‬وأما المش‪0‬رك فم‪0‬ا‬
‫في ذهنه من األفراد وهي صور األصنام‪ 0‬لها وج‪00‬ود في الواق‪00‬ع‪ ،‬فال يص‪00‬ح نفي الوج‪00‬ود ال‪00‬واقعي‬
‫لها فال يصح الرد عليهم إال بأن يراد مع‪00‬نى ال معب‪00‬ود بح‪00‬ق في الواق‪00‬ع إال هللا تع‪00‬الى‪ .‬ه‪00‬ذا مع‪00‬نى‬
‫كالم الشارح‪.‬‬
‫‪236‬‬
‫والتحقيق أن الكلمة المشرفة من قبيل عموم السلب أي السلب العام لجمي‪00‬ع أف‪00‬راد‬
‫اإلله ما ع‪00‬دا المس‪00‬تثنى‪ ،‬ألن‪00‬ه يجب على المتكلم به‪00‬ذه الكلم‪00‬ة أن يالح‪00‬ظ أن الحكم‪ 0‬ب‪00‬النفي‬
‫منصب على جميع أفراد اإلله غير المستثنى؛ ألنه لو جعله شامالً للمستثنى لكف‪00‬ر؛ فقول‪00‬ه‬
‫“ إال هللا “ قرينة على م‪00‬ا أراده أوالً‪ ،‬لكن جعله‪00‬ا من عم‪00‬وم الس‪00‬لب على خالف القاع‪00‬دة‬
‫من أنه إذا تقدمت أداة السلب على أداة العموم كان الكالم من سلب العموم‪ 10‬كما في قولهم‬
‫“ لم آخذ كل الدراهم “ فإن الحق أنها قاعدة أغلبية‪ ،‬وال يصح أن تكون الكلمة المش‪00‬رفة‬
‫من سلب العموم على القاعدة‪ ،‬ألنها حينئذ ال تفيد التوحيد‪ ،‬وقول بعضهم‪ :‬إنه‪0‬ا من س‪0‬لب‬
‫العم‪00‬وم‪ ،‬محم‪00‬ول على أنه‪00‬ا س‪00‬لبت عم‪00‬وم‪ 2‬األلوهي‪00‬ة لغ‪00‬ير المس‪00‬تثنى وقص‪00‬رتها على‬
‫المستثنى‪ ،‬لكن ال يفيد ذلك جوهر الكلمة المشرفة‪.3‬‬

‫‪ { -135‬النبوة غير مكتسبة }‬


‫ولم تكن نبوة مكتسبة ‪ ##‬و لو رقى في الخير أعلى عقب ٍة‬ ‫‪-63‬‬
‫(قوله‪ :‬ولم تكن نبوة مكتسبة) أي ال يكتس‪00‬بها العب‪00‬د بمباش‪00‬رة أس‪00‬باب مخصوص‪00‬ة‬
‫كمالزم‪00‬ة الخل‪00‬وة والعب‪00‬ادة وتن‪00‬اول الحالل كم‪00‬ا زعمت الفالس‪00‬فة لعنهم هللا تع‪00‬الى؛ فال‪00‬ذي‬
‫ذهب إليه المسلمون جميعا ً أن النبوة خصيص‪00‬ة من هللا تع‪00‬الى ال يبل‪00‬غ العب‪00‬د أن يكتس‪00‬بها‪.‬‬
‫ويفسرونها باختصاص العبد بسماع وحي من هللا تعالى بحكم ش‪00‬رعي تكليفي س‪00‬واء أم‪00‬ر‬
‫بتبليغه أم ال‪ ،‬وهكذا الرسالة‪ ،‬لكن بشرط أن يؤمر بالتبليغ‪.4‬‬
‫وذهبت الفالسفة إلى أن النبوة مكتسبة للعبد بمباشرة أسباب خاصة‪ ،‬ويفس‪00‬رونها‬
‫بأنها صفاء وتجل للنفس يحدث لها من الرياضات بالتخلي عن األم‪00‬ور الذميم‪00‬ة والتخل‪00‬ق‬
‫باألخالق الحميدة‪ ،‬فالخالف بين المسلمين والفالسفة في أن النبوة ليست مكتسبة‪ ،‬وأنه‪00‬ا‬
‫مكتسبة‪ ،‬مبني على الخالف بينهما في معناها‪ ،5‬والق‪00‬ول باكتس‪00‬اب النب‪00‬وة أق‪00‬وى المس‪00‬ائل‬
‫التي كفرت بها الفالس‪00‬فة وإن لم تكن من المس‪00‬ائل الم‪00‬ذكورة في النظم المش‪00‬هور‪ ،‬ويل‪00‬زم‬
‫على قولهم باكتسابها تجويز نبي بعد سيدنا محمد أو معه‪ ،‬وذلك مستلزم لتك‪00‬ذيب الق‪00‬رآن‬

‫‪ 1‬أقول الكلمة الطبية‪ 0‬ليست من أفراد هذه القاع‪0‬دة ألن‪0‬ه ال يوج‪0‬د فيه‪0‬ا أداة عم‪0‬وم دخ‪0‬ل‬
‫عليه النفي‪ 0‬والعموم الواقع فيها مفاد ال التي لنفي الجنس أو مفاد وقوع النك‪00‬رة في س‪00‬ياق النفي‬
‫فهو من مفاد ال كالنفي‪ 0‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬أي كون األلوهية عامة موجودة في غيره تعالى‪ ،‬وقصرتها عليه تعالى‪.‬‬
‫‪ 3‬وذلك ألن مدلول الكلمة الطيبة الس‪00‬لب الع‪00‬ام لجمي‪00‬ع أف‪00‬راد اإلل‪00‬ه م‪00‬ا ع‪00‬دا هللا ال س‪00‬لب‬
‫عموم األلوهية لغيره تعالى‪ 0‬وقصرها عليه وإن كان هذا الزما ً لألول‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا مبني على الفرق بين الن‪0‬بي والرس‪0‬ول ب‪0‬األمر‪ 0‬ب‪00‬التبليغ وعدم‪00‬ه والمحقق‪00‬ون على‬
‫خالفه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫أقول بل الخالف في معناها‪ 0‬مبني على الخالف في أنها مكتسبة أو غير مكتسبة‪ .‬وهو‬
‫واضح‪.‬‬
‫‪237‬‬
‫والسنة‪ ،‬فقد ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪َ ( :‬و َخ‪ 0‬اتَ َم النَّبِيِّينَ ) (األح‪00‬زاب‪ :‬من اآلية‪ 1)40‬وق‪00‬ال علي‪00‬ه الص‪00‬الة‬
‫والسالم‪( :‬ال نبي بعدي)‪ 2‬وأجمعت األمة على إبقائه على ظاهره‪،‬‬
‫وأما الوالية ففيها طريقتان‪ ، 3‬واألظهر التفصيل‪ ،‬فمنها ما هو مكتسب وهو امتثال‬
‫المأمورات واجتناب المنهيات‪ ،‬وتسمى الوالية العامة‪ ،‬ومنها ما هو غ‪00‬ير مكتس‪00‬ب‪ :‬وه‪00‬و‬
‫العطايا الربانية كالعلم اللدني ورؤية اللوح المحفوظ وغير ذلك‪.‬‬
‫(قوله‪ :‬ولو رقى في الخير أعلى عقبة) أي ولو فعل العبد في الخير أشق العب‪00‬ادات‬
‫فشبه أش‪00‬ق العب‪00‬ادات ب‪00‬أعلى عقب‪00‬ة‪ ،‬وهي في األص‪00‬ل الطري‪00‬ق الص‪00‬اعد في الجب‪00‬ل بج‪00‬امع‬
‫المشقة في كل‪ ،‬واستعير لفظ المشبه به للمشبه على طريق االستعارة التص‪00‬ريحية ورقى‬
‫ترشيح لالستعارة‪ ،‬ألن الرقى معناه الصمود وهو مناسب للمشبه به‪.‬‬

‫بل ذاك فضل هللا يؤتيه لمن ‪ ##‬يشاء جل هللا واهب المنن‬ ‫‪-64‬‬
‫(قوله بل ذاك فضل هللا) هذا إضراب انتقالي ال إبط‪0‬الي‪ ،‬واس‪0‬م اإلش‪0‬ارة عائ‪0‬د على‬
‫المذكور من النبوة‪ .‬والفضل إعطاء الشيء لغير عوض ال عاجل وال آج‪00‬ل‪ ،‬ول‪00‬ذا ال يك‪00‬ون‬
‫لغيره تعالى‪ ،‬وفي الكالم حذف مضاف‪ ،‬والتقدير‪ :‬بل المذكورة من النبوة أث‪00‬ر فض‪00‬ل هللا‪،4‬‬
‫وقد فسر الشارح اسم اإلشارة باالصطفاء ب‪00‬النبوة واالختي‪00‬ار للرس‪00‬الة‪ ،‬وعلي‪00‬ه فال حاج‪00‬ة‬
‫لتق‪00‬دير المض‪00‬اف الم‪00‬ذكور‪ ،‬وإن ق‪00‬دره الش‪00‬ارح م‪00‬ع ذل‪0‬ك التفس‪00‬ير‪ :‬ألن االص‪00‬طفاء للنب‪00‬وة‬
‫واالختيار للرسالة جزئي من جزئيات فضل هللا ال أثره‪ ،‬وقوله‪ “ :‬يؤتيه لمن يشاء “ أي‬
‫آتاه وأعطاه لمن شاء‪ ،‬وأراده في األزل‪ 5‬لذلك ممن كان مستجمعا ً لشروط النبوة‪ ،‬فالمراد‬
‫بالمضارع الماضي فيهما‪ ،‬وإنما عبر بالمضارع استحضاراً للصورة العجيبة‪ 6‬وإنم‪00‬ا ك‪00‬ان‬
‫المضارع بمعنى الماضي في األول‪ ،‬ألن إيتاء النبوة قد انقطع بع‪00‬ده ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم فإنه خاتم النبيين‪ ،‬وفي الثاني ألن مشيئته وإرادته تعالى لذلك ثابتة في األزل‪ ،‬وإن‬
‫تأخر اإليتاء بالفعل فيما ال يزال‪ ،‬والض‪00‬مير المنص‪00‬وب في “ يؤتي‪00‬ه “ عائ‪00‬د على الفض‪00‬ل‬

‫‪ 1‬اآلية بتمامها‪َ ( :‬ما َكانَ ُم َح َّم ٌد أَبَا أَ َح ٍد ِمنْ ِر َجالِ ُك ْم َولَ ِكنْ َر ُ‬
‫سو َل هَّللا ِ َو َخاتَ َم النَّبِيِّينَ َو َكانَ‬
‫هَّللا ُ بِ ُك ِّل ش َْي ٍء َعلِيماً)‪( 0‬األحزاب‪.)400:‬‬
‫‪ 2‬أخرجه مسلم في كتاب اإليمان برقم(‪ )1842‬عن جب‪00‬ير بن مطعم وأخرج‪00‬ه البخ‪00‬اري‬
‫برقم (‪.)3455‬‬
‫َّ‬
‫‪ 3‬التحقي‪0‬ق أن الوالي‪0‬ة مكتس‪0‬بة ألن هللا تع‪0‬الى‪ 0‬ق‪0‬د ع‪0‬رف األولي‪0‬اء‪ 0‬بقول‪0‬ه‪( :‬ال ِذينَ آ َمنُ‪0‬وا‬
‫َو َكانُوا يَتَّقُونَ )‪( 0‬يونس‪ )63:‬فالوالية هي اإليمان‪ 0‬والتقوى ولكن للتقوى مراتب بحسبها تتف‪00‬اوت‬
‫مراتب الوالية‪ 0،‬نعم قد يتبع الوالية أمور كالكشوف والكرامات والعلم الل‪00‬دني لكنه‪00‬ا أم‪00‬ور تابع‪00‬ة‬
‫للوالية وليست من مقوماتها وال مالزمة لها وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 4‬ال حاجة إلى هذا التقدير فإن المتعارف في الكالم أن الفضل بمعنى المتفضل به‪.‬‬
‫‪ 5‬قوله‪ :‬في األزل متعلق بأراده واسم اإلشارة إشارة للنبوة وقوله ممن ك‪00‬ان بي‪00‬ان لمن‬
‫في من شاء‪.‬‬
‫‪ 6‬و لك أن تقول المضارع على معناه من االستقبال لكن االستقبال بالنسبة‪ 0‬إلى المشيئة‪0‬‬
‫ال بالنسبة‪ 0‬إلى زمن التكلم‪.‬‬
‫‪238‬‬
‫بمعنى المتفضل به ال بالمعنى الس‪0‬ابق‪ ،‬ففي الكالم اس‪0‬تخدام‪ ،‬وإنم‪0‬ا قلن‪0‬ا ذل‪0‬ك ألن الفض‪0‬ل‬
‫بالمعنى السابق ال يتصف بذلك‬
‫(قول‪00‬ه ج‪00‬ل هللا) أي ت‪00‬نزه هللا عن أن يُن‪00‬ال ش‪00‬يء لم يكن أراد إعط‪00‬اءه‪ ،‬وقول‪00‬ه “‬
‫واهب المنن “ أي معطي العطايا بدون عوض‪ ،‬ف‪0‬الواهب بمع‪0‬نى المعطي ب‪00‬دون ع‪00‬وض‪،‬‬
‫والمنن بمعنى العطايا أي األم‪00‬ور ال‪0‬تي ت‪00‬ؤول إلى كونه‪00‬ا عطاي‪0‬ا ففي كالم‪00‬ه مج‪00‬از األول‪،‬‬
‫وإال لزم تحصيل الحاصل‪ ،‬كما في قوله ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬من قت‪00‬ل ق‪00‬تيالً فل‪00‬ه‬
‫‪1‬‬
‫سلبه)‬
‫أي من قتل شخصا ً يؤول أمره إلى كونه قتيالً فله سلبه‪ ،‬كذا قيل‪ ،‬والحق أن‪00‬ه ليس‬
‫من المجاز في شيء وال يلزم تحص‪00‬يل الحاص‪00‬ل ألن الم‪00‬راد‪ :‬من قت‪00‬ل ق‪00‬تيالً به‪00‬ذا القت‪00‬ل ال‬
‫بغيره‪ ، 2‬حتى يلزم ما ذكر‪ ،‬ولذلك شنع السبكي في عروس األفراح على من جعل الح‪00‬ديث‬
‫‪3‬‬
‫المذكور من مجاز األول‪ ،‬فالمراد هنا العطايا بهذا اإلعطاء‪.‬‬
‫قال الشارح‪ :‬وظاهر السياق أن المراد بالمنن الكاملة ك‪00‬النبوة‪ :‬أي فتك‪00‬ون “ أل “‬
‫للعهد‪ 4‬والمعهود النوع الكامل منه‪0‬ا‪ ،‬واألحس‪0‬ن أن تك‪0‬ون لالس‪0‬تغراق‪ ،‬فإن‪0‬ه تع‪0‬الى واهب‬
‫لجميع المنن جليلها وحقيرها‪.‬‬
‫بقي أنه قد تقرر أن أسماء هللا تعالى توقيفية‪ ،5‬مع أن “ الواهب “ لم يرد‪ ،‬وإنم‪00‬ا‬
‫الوارد في األسماء الوهاب‪ ،‬وحينئذ فكيف يطلق المصنف الواهب عليه تعالى؛ وقد يق‪00‬ال‪:‬‬
‫إن المصنف جار على طريقة من يكتفي ب‪00‬ورود الم‪00‬ادة‪ ،‬أو على طريق‪00‬ة من يج‪00‬وز إطالق‬
‫كل ما يدل على الكمال‪ ،‬وإن لم يرد‪ ،‬وهذا على تسليم عدم ورود “ ال‪00‬واهب “ وأم‪00‬ا على‬
‫وروده كما عزاه بعضهم البن حجر في شرحه على المنهاج في باب العقيقة فال إشكال‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه البخاري (‪ )4321‬ومسلم (‪ )1851‬عن أبي قتادة‪.‬‬


‫‪ 2‬أقول‪ :‬التحقيق أنه من المجاز‪ 0‬ألن القاعدة أنه إذا تعلق الفعل أو معناه بما في‪00‬ه مع‪00‬نى‬
‫الوصفية فالمفهوم بحسب اللغة اتص‪0‬اف ذل‪0‬ك الش‪0‬يء بتل‪0‬ك الص‪0‬فة ح‪0‬ال تعل‪0‬ق الفع‪0‬ل ال بس‪0‬ببه‪،‬‬
‫فالمفهوم هنا في الحديث‪ 0‬أن القتيل متصف بالقت‪00‬ل ح‪00‬ال تعل‪00‬ق الم‪00‬دلول علي‪00‬ه بقت‪00‬ل ب‪00‬ه ال يس‪00‬ببه‬
‫فقوله أن المراد من قتل قتيالً بهذا القتل مخالف لمقتض‪00‬ى اللغ‪00‬ة‪ ،‬ومقتض‪00‬ى اللغ‪00‬ة من قت‪00‬ل ق‪00‬تيالً‬
‫بغير هذا القتل و هللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬أي ال العطايا بإعطاء‪ 0‬متقدم حتى يلزم تحصيل الحاصل‪.‬‬
‫‪ 4‬حمل الشارح‪" 0‬أل" على العهد القتصاء المقام والسياق إياه‪.‬‬
‫‪ 5‬الخالف في أس‪00‬ماء هللا تع‪00‬الى ه‪00‬ل هي توقيفي‪00‬ة أم ال إنم‪00‬ا ه‪00‬و في اإلطالق على وج‪00‬ه‬
‫التسمية وأما إذا كان اإلطالق ال على وجه التس‪00‬مية ب‪00‬ل على وج‪00‬ه اتص‪00‬افه تع‪00‬الى‪ 0‬بمع‪00‬نى اللف‪00‬ظ‬
‫المطلق فال بأس به‪ ،‬ومنه إطالق القديم ونحوه في كالم المتكلمين عليه تعالى‪ 0،‬نعم عدم اإلطالق‬
‫أولى ألن كثرة اإلطالق توهم التسمية‪ ،‬وقد مر تحقيق المسألة في التعليق‪.‬‬
‫‪239‬‬
‫‪ { -136‬أفضل الخلق نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم }‬
‫وأفضل الخلق على اإلطالق ‪ ##‬نبينا فَ ِم ْل عن الشقاق‬ ‫‪-65‬‬
‫(قوله‪ :‬وأفضل الخلق على اإلطالق ‪ ##‬نبين‪00‬ا) أي أفض‪00‬ل المخلوق‪00‬ات على العم‪00‬وم‬
‫الشامل للعلوية والسفلية من البشر والجن والمل‪00‬ك في ال‪00‬دنيا‪ 1‬واآلخ‪00‬رة في س‪00‬ائر خص‪00‬ال‬
‫الخير وأوصاف الكم‪00‬ال‪ :‬نبين‪0‬ا محم‪00‬د ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪ ،‬واألولى ‪ 2‬أن “ أفض‪0‬ل‬
‫الخلق “ خبر مقدم‪ ،‬و “ نبينا “ مبتدأ م‪0‬ؤخر‪ ،‬ويص‪0‬ح العكس‪ ،‬واإلض‪0‬افة في “ نبين‪0‬ا “‬
‫لتشريف المضاف إليه ال لالختصاص لم‪00‬ا س‪00‬يأتي من عم‪00‬وم بعثت‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم‪ ،3‬هذا إذا جعل الضمير راجعا ً له‪00‬ذه األمة‪ ،4‬وإن جع‪0‬ل راجع‪0‬ا ً لم‪0‬ا يش‪00‬مل ه‪0‬ذه األم‪00‬ة‬
‫وغيرها كان عاما ً مطابق‪0‬ا ً لم‪0‬ا س‪00‬يأتي من عم‪00‬وم بعثت‪0‬ه‪ .‬وأفض‪0‬ليته ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم على جميع المخلوقات مما أجم‪00‬ع علي‪00‬ه المس‪00‬لمون ح‪00‬تى المعتزل‪00‬ة‪ ،‬فه‪00‬و ص‪00‬لى هللا‬

‫‪ 1‬ال وجه له‪0‬ذا التعميم ألن الفض‪0‬ل ال يحتم‪00‬ل الخص‪0‬وص بال‪00‬دنيا أو ب‪0‬اآلخرة ح‪0‬تى يعمم‬
‫إليهما والتعميم إنما يفيد فيما يحتمل الخصوص‪.‬‬
‫‪ 2‬لعل وج‪0‬ه األولوي‪0‬ة أن نبين‪0‬ا‪ 0‬ذات وأفض‪0‬ل وص‪0‬ف وه‪0‬و أح‪0‬ق بالخبري‪0‬ة والتحقي‪0‬ق أن‬
‫العكس هو األولى ألن المقام مقام بيان‪ 0‬أن أفضل الخل‪00‬ق من ه‪00‬و ال مق‪00‬ام بي‪00‬ان‪ 0‬ص‪00‬فاته ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬عموم بعثته ب‪00‬المعنى اآلتي ال ين‪00‬افي االختص‪00‬اص‪ 0‬ال‪00‬واقعي الواق‪00‬ع في ع‪00‬الم‪ 0‬الش‪00‬هادة‬
‫فاإلضافة لالختصاص‪ 0،‬بل األولى أنها لمطلق المالبسة والمقصود منها تعريف المضاف‪.‬‬
‫‪ 4‬األولى عبارة عن هذه األمة ألن الرجوع إنما يستعمل في ضمير الغائب‪.‬‬
‫‪240‬‬
‫عليه وآله وسلم مستثنى من الخالف اآلتي في التفضيل بين المالئك‪0‬ة والبش‪0‬ر‪ ،‬وال ع‪0‬برة‬
‫بما زعمه الزمخشري من تفضيل جبريل عليه صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم مس‪00‬تدالً بقول‪00‬ه‬
‫يم … اآلي‪0‬ة) (التك‪0‬وير) حيث ع‪0‬د من فض‪0‬ائل جبري‪0‬ل‪ ،‬فإن‪0‬ه‬ ‫ول َك‪ِ 0‬ر ٍ‬
‫س‪ٍ 0‬‬ ‫تعالى‪( :‬إِنَّهُ لَقَ ْ‬
‫‪0‬و ُل َر ُ‬
‫ين) (التك‪00‬وير‪ )21:‬واقتص‪00‬ر على نفي الجن‪00‬ون‬ ‫َ‬
‫وصف فيه بأنه رسول كريم إلى قوله‪( :‬أ ِم ٍ‬
‫‪0‬ون) (التك‪00‬وير‪ )22:‬وق‪00‬د‬ ‫احبُ ُك ْم بِ َم ْجنُ‪ٍ 0‬‬
‫ص ِ‬‫(و َما َ‬
‫عنه صلى هللا عليه وآله وسلم بقوله تعالى‪َ :‬‬
‫خرق في ذلك اإلجم‪00‬اع‪ ،‬وال دالل‪00‬ة في اآلي‪00‬ة لم‪00‬ا ادع‪00‬اه‪ ،‬ألن المقص‪00‬ود منه‪00‬ا نفي ق‪00‬ولهم‪:‬‬
‫ش ‪ٌ 0‬ر) (النح‪00‬ل‪ :‬من اآلية‪ )103‬وق‪00‬ولهم (أَ ْفتَ ‪َ 0‬رى َعلَى هَّللا ِ َك ‪ِ 0‬ذبا ً أَ ْم بِ ‪ِ 0‬ه ِجنَّةٌ)‬ ‫(إِنَّ َم‪00‬ا يُ َعلِّ ُم‪ 0‬هُ بَ َ‬
‫(سـبأ‪ :‬من اآلية‪)8‬؟ وليس المقصود المفاضلة بينهما‪ ،‬وإنما هو شيء اقتضاه الح‪00‬ال وال‬
‫عبرة بما قد يتوهم من تفضيل جبريل عليه‪ ،‬لكونه كان يعلمه صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم‪،‬‬
‫فكم من معلم –بالفتح‪ -‬أفضل من معلم –بالكسر‪ ،‬على أنه ق‪0‬د ذك‪0‬ر الش‪0‬يخ ابن الع‪0‬ربي في‬
‫الفتوحات أن القرآن أنزل عليه صلى هللا عليه وآله وسلم قبل نزول جبريل به علي‪00‬ه‪ ،‬لكن‬
‫قال الشيخ الشعراني بعد أن نقل ذلك عنه‪ ،‬وفيه نظر‪ ،‬ولم أطلع على ذل‪0‬ك في ح‪00‬ديث وهللا‬
‫أعلم‪،1‬‬
‫وما ورد من النهي عن تفضيله صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬كقوله صلى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬ال تفض‪00‬لوني على األنبي‪00‬اء)‪ ،2‬وقول‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬ال‬
‫تفضلوني على يونس بن متَّى)‪ 3‬والتحقيق إن “ َمتَّى “ اسم أبيه‪ ،‬خالفا ً لعبد الرزاق كما‬
‫رجح ابن حجر‪ ،4‬وقوله صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬ال تخ‪00‬يروني على موس‪00‬ى)‪ 5‬ونح‪00‬و‬
‫ذلك‪ ،‬فمحمول على تفضيل يؤدي إلى تنقيص غيره من األنبياء‪ ،‬أو أن‪00‬ه قال‪00‬ه قب‪00‬ل أن يعلم‬
‫أنه أفضل‪.‬‬
‫ويحتمل أنه قال تأدبا ً وتواضعاً‪ ،‬وقيل‪ :‬معنى ال تفض‪00‬لوني على ي‪00‬ونس بن م‪00‬تى ال‬
‫تعتق‪00‬دوا أني أق‪00‬رب إلى هللا من ي‪00‬ونس في الحس‪ ،‬حيث ن‪00‬اجيت هللا من ف‪00‬وق الس‪00‬موات‬
‫السبع وهو ناجى ربه في بطن الحوت في قاع البحر لتنزه‪0‬ه تع‪0‬الى عن الجه‪00‬ة والمك‪00‬ان‪،‬‬
‫فيستوي في حقه من فوق السموات ومن في قاع البحار‪ ،‬وعدم التفضيل بهذا االعتبار ال‬

‫‪ 1‬الحق مع اإلمام الشعراني‪.‬‬


‫‪ 2‬أخرج مس‪00‬لم في كت‪00‬اب الفض‪00‬ائل ب‪00‬رقم (‪ )2373‬عن أبي هري‪00‬رة عن الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم قال في حديث طويل‪( :‬ال تفضلوا بين األنبياء)‪ 0‬وأخرج البخاري في الخصومات‬
‫برقم (‪ )2412‬عن أبي سعيد الخدري وساق حديثا ً طويالً إلى أن قال‪( :‬ال تخيروا بين األنبياء)‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرج البخاري في كتاب‪ 0‬األنبي‪0‬اء‪ 0‬ب‪0‬رقم (‪ )3234‬عن أبي هري‪0‬رة رض‪0‬ي هللا عن‪0‬ه عن‬
‫النبي صلى هللا تعالى علي‪0‬ه وس‪0‬لم ق‪0‬ال‪( :‬ال ينبغي لعب‪0‬د أن يق‪0‬ول‪ :‬أن‪0‬ا خ‪0‬ير من ي‪0‬ونس ابن متَّى)‬
‫وأخرجه مسلم برقم (‪.)2376‬‬
‫‪ 4‬انظر فتح الباري (‪.)6/530‬‬
‫‪ 5‬أخرج البخاري في كتاب‪ 0‬األنبياء‪ 0‬برقم (‪ )3414‬عن أبي هريرة رضي هللا تع‪00‬الى‪ 0‬عن‪00‬ه‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‪ 0‬وآله وسلم‪( :‬ال تخيروني على موسى‪ ،‬ف‪00‬إن الن‪00‬اس يص‪00‬عقون‬
‫صعق فأفاق قبلي‪ ،‬أو ك‪00‬ان‬ ‫فأكون أول من يُفيق‪ ،‬فإذا موسى أخذ بالعرش‪ ، 0‬فال أدري أكان فيمن ُ‬
‫ممن استثنى‪ 0‬هللا)‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل برقم (‪.)2373‬‬
‫‪241‬‬
‫ينافي أنه صلى هللا عليه وآله وسلم أفضل الجميع‪ ،‬وقد قال علي‪00‬ه الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪( :‬أن‪00‬ا‬
‫أكرم األولين واآلخرين على هللا وال فخر)‪ 1‬أي وال فخر أعظم من ذلك‪ ،2‬أو وال أق‪00‬ول ذل‪00‬ك‬
‫فخراً‪ ،‬بل تحدثا ً بالنعمة‪ ،3‬واختلف هل أفضليته‪ 4‬صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم لمزاي‪00‬اه ال‪00‬تي‬
‫اختص بها أو بتفضيل من هللا تعالى‪ ،‬والتحقيق أنه بتفضيل من هللا تع‪00‬الى وإن كن‪00‬ا نعتق‪00‬د‬
‫أنه صلى هللا عليه وآله وسلم ق‪0‬ام ب‪0‬ه مزاي‪00‬ا لكنه‪0‬ا ال تقتض‪0‬ي التفض‪00‬يل‪ ،‬ول‪00‬ذلك يقول‪00‬ون‪:‬‬
‫يوجد في المفضول م‪00‬ا ال يوج‪00‬د في الفاض‪00‬ل‪ ،‬فللس‪00‬يد أن يفض‪00‬ل من ش‪00‬اء على من ش‪00‬اء‪،‬‬
‫وغير هذا تعسف ال يسلم من سوء األدب‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه فم‪00‬ل عن الش‪00‬قاق) أي إذا ع‪00‬رفت ه‪00‬ذا الحكم المجم‪00‬ع علي‪00‬ه فاع‪00‬دل عن‬
‫المنازعة فيه‪ ،‬ألنه ال تجوز المنازعة في الحكم المجمع عليه‪ ،‬إذ ال يجوز خرق اإلجم‪00‬اع‪،‬‬
‫وقد أشار المصنف ب‪00‬ذلك لمنازع‪00‬ة الزمخش‪00‬ري‪ ،‬وإنم‪00‬ا س‪00‬ميت المنازع‪00‬ة ش‪00‬قاقاً‪ ،‬ألن كال‬
‫المتنازعين يكون في شق‪ :‬أي جانب‪ ،‬ال يكون فيه اآلخر‪.‬‬
‫‪{ - 137‬أفضل الخلق بعد نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم األنبياء‪،‬‬
‫ويليهم المالئكة }‬
‫واألنبياء يلونه في الفضل ‪ ##‬وبعدهم مالئكة ذي الفضل‬ ‫‪-66‬‬
‫(قوله واألنبي‪00‬اء يلون‪00‬ه في الفض‪00‬ل) أي واألنبي‪00‬اء عليهم الص‪00‬الة والس‪00‬الم يتبع‪00‬ون‬
‫نبينا محمداً صلى هللا عليه وآله وسلم في الفضل‪ ،‬فم‪00‬رتبتهم بع‪00‬د مرتبت‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم فيه‪ ،‬وإن تفاوتوا فيها‪ ،‬فيليه سيدنا إبراهيم‪ ،‬فسيدنا موس‪00‬ى‪ ،‬فس‪00‬يدنا عيس‪00‬ى‪،‬‬
‫فسيدنا نوح‪ ،‬وهؤالء هم أولو العزم أي الصبر وتحمل المشاق‪.‬‬
‫وقد نظم بعضهم أولي العزم على هذا الترتيب فقال‪:‬‬
‫محمد إبراهيم موسى كليمه ‪ ##‬فعيسى فنوح هم أولو العزم فاعلم‬
‫وليس آدم منهم‪ ،‬لقوله تع‪00‬الى‪َ ( :‬ولَ ْم نَ ِج‪ْ 0‬د لَ‪0‬هُ ع َْزم‪0‬اً) (طـه‪ :‬من اآلية‪ )115‬ويلي‬
‫‪5‬‬

‫أولي الع‪00‬زم بقي‪00‬ة الرس‪00‬ل‪ ،‬ثم األنبي‪00‬اء غ‪00‬ير الرس‪00‬ل م‪00‬ع تف‪00‬اوت م‪00‬راتبهم عن‪00‬د هللا تع‪00‬الى؛‬

‫‪ 1‬أخرجه الترمذي (‪ )3610‬عن أنس بن مالك وقال‪ :‬حسن غريب‪.‬‬


‫‪ 2‬هذا الوجه ساقط‪.‬‬
‫‪ 3‬واألولى أن يقول‪ :‬بل تبليغا ً للرسالة‪ 0‬كي تعلموه وتعتقدوه‪.‬‬
‫‪ 4‬واختلف هل أفضليته "األفضلية المختلف فيها‪ :‬هل هي بالمزايا‪ 0‬أو المراد بها زيادته‬
‫على غيره في الكماالت‪ 0‬الربانية؟ والمراد بالمزايا‪ 0‬المجعولة سبباً‪ 0‬لألفضلية‪ 0:‬الكماالت‪ 0‬االختيارية‪0‬‬
‫كطاعاته وحسن أخالقه مع الن‪00‬اس‪ 0،‬واألفض‪00‬لية به‪00‬ذا المع‪00‬نى أخص من األفض‪00‬لية الم‪00‬ذكورة في‬
‫كالم المتن‪ 0،‬ألن المراد بها زيادته على غيره في الكماالت مطلق‪0‬ا ً اختياري‪00‬ة أو ال‪ ،‬والحاص‪00‬ل أن‪00‬ه‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم زائد على غيره في الكماالت س‪0‬واء ك‪00‬انت رباني‪00‬ة ك‪00‬العلوم اللدني‪00‬ة‪ 0،‬أو‬
‫كانت اختيارية إال أنهم اختلف‪00‬وا‪ :‬ه‪00‬ل زيادت‪00‬ه في الكم‪00‬االت الرباني‪0‬ة‪ 0‬بس‪00‬بب زيادت‪00‬ه في الكم‪00‬االت‬
‫االختيارية أو ال؟ وبهذا اندفع ما قاله بعضهم من أن في تعليل األفضلية بالمزايا ش‪00‬به مص‪00‬ادرة‪،‬‬
‫ألن المزايا‪ 0‬من فروع األفضلية‪ 0،‬ووجه االن‪00‬دفاع أن األفض‪0‬لية هن‪0‬ا زيادت‪0‬ه في الكم‪0‬االت‪ 0‬الرباني‪00‬ة‬
‫خاصة‪ ،‬فال تشمل المزايا التي هي الكماالت االختيارية‪.‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 5‬واآلية بتمامها ( َولَقَ ْد َع ِه ْدنَا إِلَى آ َد َم ِمنْ قَ ْب ُل فَنَ ِ‬
‫س َي َولَ ْم نَ ِج ْد لهُ ع َْزماً) (طـه‪.)115:‬‬
‫َ‬
‫‪242‬‬
‫ف‪00‬الواجب اعتق‪00‬اد أفض‪00‬لية األفض‪00‬ل على طب‪00‬ق م‪00‬ا ورد ب‪00‬ه الحكم‪ :‬تفص‪00‬يالً في التفص‪00‬يلي‪،‬‬
‫وإجماالً في اإلجمالي‪ ،‬ويمتنع الهجوم فيما لم يرد فيه توقيف‪،‬‬
‫وقوله‪ “ :‬وبعدهم مالئكة ذي الفضل “ بإسكان التاء‪ ،‬وإدغامها في الذال للوزن‪،‬‬
‫و “ ذي الفضل “ صفة للفظ الجاللة المقدر‪ .1‬أي وبع‪00‬د األنبي‪00‬اء مالئك‪00‬ة هللا ذي الفض‪00‬ل‪،‬‬
‫فمرتبتهم تلي مرتبة األنبياء في الجملة‪ ،‬وإنما قلنا في الجمل‪00‬ة ألن ال‪00‬ذي يلي األنبي‪00‬اء من‬
‫المالئكة رؤساؤهم كجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل‪ ،‬ثم بقية المالئك‪00‬ة‪ ،‬وق‪00‬د اتفق‪00‬وا‬
‫على أن جبريل وميكائيل أفضل جميع المالئكة‪ ،‬ثم اختلف‪00‬وا‪ 0‬في األفض‪00‬ل منهم‪00‬ا‪ ،‬فقي‪00‬ل‪ :‬إن‬
‫جبريل أفضل وهو المشهور‪ ،‬وقيل إن ميكائيل أفضل‪،‬‬
‫وما ذكر من أن المالئكة رؤساء وغيرهم تلي األنبياء‪ :‬طريق‪00‬ة جمه‪00‬ور األش‪00‬اعرة‬
‫وهي مرجوحة‪ ،‬وستأتي طريقة الماتريدي‪00‬ة وهي الراجح‪00‬ة‪ ،‬وذهب القاض‪00‬ي أب‪00‬و عب‪00‬د هللا‬
‫الحليمي مع آخرين كالمعتزلة إلى أن المالئكة أفضل من األنبياء إال نبينا محم‪00‬د ص‪00‬لى هللا‬
‫علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬لم‪00‬ا تق‪00‬دم م‪00‬ع أن‪00‬ه مس‪00‬تثنى من مح‪00‬ل الخالف‪ ،‬معللين بتج‪00‬ردهم عن‬
‫الشهوات‪ ،‬ورد بأن وجودها مع قمعه‪00‬ا أتم‪ ،‬فق‪00‬د ق‪00‬ال ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬أحب‬
‫األعمال إلى هللا أحمزها‪ ) 2‬بسكون الحاء المهملة وبعد الميم زاي‪ :‬أي أشقها‪ ،‬قال الس‪00‬عد‪:‬‬
‫وال قاطع في هذه المقامات‪ ،‬ولذلك قال تاج ال‪0‬دين ابن الس‪00‬بكي‪ :‬ليس تفض‪00‬يل البش‪0‬ر على‬
‫الملك مما يجب اعتقاده ويضر الجهل به‪ ،‬والسالمة السكوت عن هذه المسألة‪ ،‬وال‪00‬دخول‬
‫في التفضيل بين هذين الصنفين الكريمين على هللا تعالى من غير قاطع‪ :‬دخ‪00‬ول في خط‪00‬ر‬
‫عظيم وحكم في مكان لسنا أهالً للحكم فيه‪،‬‬
‫واعلم أن المالئكة أجسام لطيفة نوراني‪00‬ة ق‪00‬ادرة على التش‪00‬كل بأش‪00‬كال مختلف‪00‬ة في‬
‫أش‪00‬كال حس‪00‬نة ش‪00‬أنها الطاع‪00‬ة ومس‪00‬كنها الس‪00‬ماوات غالب‪00‬اً‪ ،‬ومنهم من يس‪00‬كن األرض‬
‫يسبحون الليل والنهار ال يفترون وال يعص‪00‬ون هللا م‪00‬ا أم‪00‬رهم ويفعل‪00‬ون م‪00‬ا ي‪00‬ؤمرون‪ ،‬وال‬
‫يوص‪00‬فون ب‪00‬ذكورة وال بأنوث‪00‬ة‪ ،‬فمن وص‪00‬فهم ب‪00‬ذكورة فس‪00‬ق‪ ،‬ومن وص‪00‬فهم بأنوث‪00‬ة كف‪00‬ر‬
‫لمعارض‪00‬ته قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ ( :‬و َج َعلُ‪00‬وا ا ْل َمالئِ َك ‪ 0‬ةَ الَّ ِذينَ ُه ْم ِعبَ‪00‬ا ُد ال ‪َّ 0‬ر ْح َم ِن إِنَاث ‪0‬ا ً …‪ .‬اآلي‪00‬ة )‬
‫(الزخرف‪ :‬من اآلية‪ )19‬وأولى بالكفر من قال‪ :‬خناثي‪ ،‬لمزيد التنقيض‪.‬‬

‫‪ 1‬بإضافة المالئكة إلى ذي الفضل‪.‬‬


‫‪ 2‬ذكره الزمخشري في غريب الحديث‪ )1/319( 0‬ونقل الس‪00‬خاوي في المقاص‪00‬د الحس‪00‬نة‬
‫ص(‪ )69‬عن الحافظ المزي قوله فيه‪ :‬هو من غ‪00‬رائب‪ 0‬األح‪00‬اديث‪ ،‬ولم ي‪00‬رو في ش‪00‬يء من الكتب‬
‫الستة‪.‬‬
‫‪243‬‬
‫‪ { -138‬طريقة الماتريدية في التفاضل بين البشر والمالئكة }‬
‫هذا وقو ٌم فصلوا إذ فضلوا ‪ ##‬وبعض كل بعضه قد يفضل‬ ‫‪-67‬‬
‫(قوله هذا) مفعول لمحذوف‪ :‬أي افهم هذا؛ ويصح غير ذلك كما تق‪00‬دم في نظ‪00‬يره‪،‬‬
‫واسم اإلشارة عائد على المذكور من تفضيل األنبياء على المالئكة وتفضيل المالئكة على‬
‫بقية البشر من غير تفصيل كما هو طريق‪00‬ة جمه‪00‬ور األش‪00‬اعرة المرجوح‪00‬ة‪ ،‬وإنم‪00‬ا ق‪00‬دمها‬
‫الناظم ألنه وضع منظومته على مذهبهم‪،‬‬
‫وقوله‪ “ :‬وقوم فصلوا ْإذ فضلوا “ أي وقوم من الماتريدي‪00‬ة فص‪00‬لوا بين رؤس‪00‬اء‬
‫المالئكة وع‪00‬وامهم وع‪00‬وام البش‪00‬ر حين فض‪00‬لوا بين الف‪00‬ريقين فق‪00‬الوا‪ :‬األنبي‪00‬اء أفض‪00‬ل من‬
‫رؤس‪00‬اء المالئك‪00‬ة كجبري‪00‬ل وميكائي‪00‬ل‪ ،‬ورؤس‪00‬اء المالئك‪00‬ة أفض‪00‬ل من ع‪00‬وام البش‪00‬ر‪ ،‬وهم‬
‫أولياؤهم غير األنبياء كأبي بكر وعمر رضي هللا عنهم‪00‬ا‪ ،‬وليس الم‪00‬راد بع‪00‬وام البش‪00‬ر م‪00‬ا‬
‫يشمل الفساق‪ ،‬فإن المالئكة أفضل منهم على الصحيح وع‪00‬وام البش‪00‬ر الم‪00‬ذكورون أفض‪00‬ل‬
‫من ع‪0‬وام المالئك‪0‬ة وهم غ‪0‬ير رؤس‪0‬ائهم كحمل‪0‬ة الع‪0‬رش وهم أربع‪0‬ة اآلن‪ ،‬ف‪0‬إذا ك‪00‬ان ي‪0‬وم‬
‫‪244‬‬
‫‪0‬وقَ ُه ْم يَ ْو َمئِ‪ٍ 0‬ذ ثَ َمانِيَ‪0‬ةٌ)‬
‫ش َربِّكَ فَ‪ْ 0‬‬
‫‪0‬ر َ‬
‫(ويَ ْح ِم‪ُ 0‬ل َع‪ْ 0‬‬
‫القيامة أيدهم هللا بأربعة أخرى‪ ،‬ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫(الحاق‪00‬ة‪ :‬من اآلية‪ )17‬لمزي‪00‬د الجالل علي‪00‬ه ي‪00‬وم القيام‪00‬ة‪ ،‬وك‪00‬الكروبيين –بفتح الك‪00‬اف‬
‫وتخفيف الراء‪ -‬وهم مالئكة حافون بالعرش طائفون به‪ ،‬لقبوا بذلك ألنه متصدون للدعاء‬
‫برفع الكرب عن األمة‪ ،‬وقيل غير ذلك‪ ،‬وقد علمت أن هذه الطريقة هي الراجحة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬يلزم عليها تفضيل غير المعصوم‪ 0‬على المعص‪0‬وم! أجيب ب‪0‬أن العص‪0‬مة ال‬
‫دخل لها في التفضيل‪ ،‬فال ينظر لها في‪00‬ه‪ ،‬وإنم‪00‬ا ينظ‪00‬ر لألكثري‪00‬ة في الث‪00‬واب على العب‪00‬ادة‪،‬‬
‫فعوام البشر أكثر ثوابا ً من ع‪00‬وام المالئك‪00‬ة لحص‪00‬ول المش‪00‬قة لعم‪00‬وم البش‪00‬ر في عب‪00‬ادتهم‪،‬‬
‫بخالف عوام المالئكة فإن جبلتهم الطاعة فال يحصل لهم فيها مشقة‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه وبعض ك‪00‬ل بعض‪00‬ه ق‪00‬د يفض‪00‬ل) “ بعض “ ب‪00‬الرفع مبت‪00‬دأ‪ ،‬و “ بعض‪00‬ه “‬
‫بالنص‪00‬ب مفع‪00‬ول‪ 0‬مق‪00‬دم ليفض‪00‬ل الواق‪00‬ع بع‪00‬ده‪ ،‬والجمل‪00‬ة خ‪00‬بر المبت‪00‬دأ‪ :‬أي وبعض ك‪00‬ل من‬
‫األنبياء والمالئكة ق‪00‬د يفض‪00‬ل بعض‪00‬ه اآلخ‪00‬ر‪ ،‬و “ ق‪00‬د “ للتحقي‪00‬ق‪ ،‬فبعض األنبي‪00‬اء ك‪00‬أولي‬
‫العزم أفضل من بعضهم اآلخر‪ ،‬وبعض المالئكة كرؤسائهم أفضل من بعضهم اآلخر‪،‬‬
‫وتلخيص ما أشار إليه الناظم أوالً وآخراً م‪00‬ع الج‪00‬ري على الطريق‪00‬ة الراجح‪00‬ة في‬
‫التفضيل‪ :‬أن سيدنا محمداً صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم أفض‪00‬ل الخل‪00‬ق على اإلطالق‪ ،‬ويلي‪00‬ه‬
‫سيدنا إبراهيم ثم سيدنا موسى ثم سيدنا عيس‪00‬ى ثم س‪00‬يدنا ن‪00‬وح‪ ،‬وه‪00‬ؤالء هم أول‪00‬و الع‪00‬زم‬
‫كما تقدم‪ ،‬ثم بقية الرسل‪ ،‬ثم األنبياء غير الرسل‪ ،‬وهم متفاضلون فيما بينهم عن‪00‬د هللا‪ ،‬ثم‬
‫جبريل‪ ،‬ثم ميكائيل‪ ،‬ثم بقية رؤسائهم‪ ،‬ثم عوام البشر‪ ،‬ثم عوام المالئكة وهم متفاض‪00‬لون‬
‫فيما بينهم عند هللا أيضاً؛ وسبق أنه يمتنع الهجوم فيم‪00‬ا لم ي‪00‬رد في‪00‬ه توقي‪00‬ف‪ ،‬وله‪00‬ذا أبهم‬
‫الناظم في الفاضل والمفضول حيث قال‪ “ :‬وبعض كل بعضه قد يفضل “ ‪.‬‬

‫بالمعجزات أيدوا تكرما ً ‪ ##‬وعصمة الباري لكل حتما‬ ‫‪-68‬‬


‫‪ { -139‬قد أيد هللا تعالى أنبيائه بالمعجزات }‬
‫(قوله بالمعجزات أيدوا) الجار والمجرور متعلق بالفعل بعده‪ :‬أي أيدهم هللا تع‪00‬الى‬
‫بالمعجزات‪ ،‬حيث أظهره‪0‬ا على أي‪00‬ديهم تص‪0‬ديقا ً لهم في دع‪00‬وى النب‪00‬وة والرس‪0‬الة‪ ،‬وفيم‪0‬ا‬
‫بلغوه عن هللا تعالى ألنها نازلة منزلة قوله تعالى‪ :‬صدق عبدي في كل ما يبلغ عني؛ و “‬
‫أل “ في المعجزات للجنس‪ ،‬فاندفع ما يوهمه ظاهر النظم من أن‪00‬ه الب‪00‬د في ثب‪00‬وت النب‪00‬وة‬
‫والرس‪00‬الة من ع‪00‬دد من المعج‪00‬زات‪ ،‬وليس ك‪00‬ذلك‪1‬؛ إذ الواح‪00‬دة تكفي‪ ،‬ويص‪00‬ح أن تك‪00‬ون‬
‫لالستغراق‪ ،‬ويكون من مقابلة الجمع بالجمع‪ ،‬كم‪00‬ا في قول‪00‬ك “ لبس الق‪00‬وم‪ 0‬ثي‪0‬ابهم “ أي‬
‫لبس كل واحد ثوبه الخاص به ولو واحداً‪،‬‬

‫‪ 1‬أقول‪ :‬كالم الناظم ليس إال إخباراً عن الواقع ال بي‪00‬ان‪ 0‬لم‪00‬ا ه‪0‬و ال‪00‬واجب لك‪00‬ل واح‪00‬د من‬
‫األنبياء‪ 0‬من عدد المعجزات‪ 0،‬والواقع أن كل واحد منهم قد أيد بمعجزات كثيرة وهي س‪0‬نة هللا م‪0‬ع‬
‫أنبيائه‪.‬‬
‫‪245‬‬
‫وقوله “ تكرما ً “ أي تفضالً وإحسانا ً من غ‪00‬ير إيج‪00‬اب وال وج‪00‬وب‪ ،‬وأش‪00‬ار ب‪00‬ذلك‬
‫إلى الرد على من أوجب عليه تعالى المعجزة كما أوجب عليه اإلرس‪00‬ال‪ ،‬وإال لبطلت فائ‪00‬دة‬
‫اإلرسال‪ ،‬وذلك مبني على قولهم بوجوب الصالح واألصلح المبني على قاع‪00‬دتهم الباطل‪00‬ة‬
‫وهو قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين‪ ،‬فالحق أنه ال يجب على هللا شيء ألحد من خلقه‬
‫سأَلُونَ ) (األنبياء‪)23:‬‬
‫سأ َ ُل َع َّما يَ ْف َع ُل َو ُه ْم يُ ْ‬
‫(ال يُ ْ‬
‫‪ { -140‬تعريف المعجزة والفرق بينها وبين غيرها من خوارق العادات }‬
‫واعلم أن المعجزة لغة مأخوذة من العجز وهو ضد القدرة‪( ،‬وعرف ‪0‬اً‪ :‬أم‪00‬ر خ‪00‬ارق‬
‫للعادة مقرون بالتحدي‪ ،‬الذي هو دعوى الرسالة أو النب‪0‬وة‪ ،‬م‪0‬ع ع‪0‬دم المعارض‪0‬ة)‪ :‬وق‪0‬ال‬
‫السعد‪( :‬هي أمر يظه‪00‬ر بخالف الع‪00‬ادة على ي‪00‬د م‪00‬دعي النب‪00‬وة عن‪00‬د تح‪00‬دي المنك‪00‬رين على‬
‫وجه يعجز المنكرين عن اإلتيان بمثله)‪،‬‬
‫وقد اعتبر المحققون فيها سبعة قيود‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن تكون قوالً أو فعالً أو تركاً‪ ،‬فاألول كالقرآن‪ ،‬والثاني كنبع الم‪00‬اء من بين‬
‫أصابعه صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،1‬والثالث كع‪0‬دم‪ 0‬إح‪0‬راق الن‪00‬ار لس‪00‬يدنا إب‪0‬راهيم‪ ،‬وخ‪00‬رج‬
‫بذلك الصفة القديمة‪ ،‬كما إذ قال‪ :‬آية صدقي كون اإلله متصفا ً بصفة االختراع‪،2‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون خارقة للعادة وهي م‪00‬ا اعت‪00‬اده الن‪00‬اس واس‪00‬تمروا علي‪00‬ه م‪00‬رة بع‪00‬د‬
‫أخرى‪ ،‬وخرج بذلك غير الخارق‪ ،‬كما إذا قال‪ :‬آية ص‪00‬دقي طل‪00‬وع الش‪00‬مس من حيث طل‪00‬ع‬
‫وغروبها من حيث تغرب‪،‬‬
‫الثالث‪ :‬أن تكون على يد مدعي النبوة أو الرسالة‪ ،‬وخرج ب‪00‬ذلك الكرام‪00‬ة وهي م‪00‬ا‬
‫يظهر على يد عبد ظاهر الصالح‪ ،‬والمعون‪0‬ة‪ 0‬وهي م‪0‬ا يظه‪0‬ر على ي‪0‬د الع‪0‬وام‪ 0‬تخليص‪0‬ا ً لهم‬
‫من شدة‪ ،‬واالستدراج وهو ما يظهر على يد فاسق خديعة ومك‪00‬راً ب‪00‬ه‪ ،‬واإلهان‪00‬ة وه‪00‬و م‪00‬ا‬
‫يظهر على يده تكذيبا ً له كما وقع لمسيلَمة الك‪00‬ذاب فإن‪0‬ه تف‪00‬ل في عين أع‪0‬ور لت‪0‬برأ فعميت‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن تكون مقرونة بدعوى النبوة أو الرس‪00‬الة حقيق‪00‬ة أو حكم‪0‬ا ً ب‪00‬أن ت‪00‬أخرت‬
‫بزمن يسير‪ ،3‬وخ‪0‬رج ب‪0‬ذلك اإلره‪0‬اص‪ :‬وه‪0‬و م‪0‬ا ك‪0‬ان قب‪0‬ل النب‪0‬وة والرس‪0‬الة تأسيس‪0‬ا ً له‪0‬ا‬
‫كإظالل الغمام له صلى هللا عليه وآله وسلم قبل البعثة‪،4‬‬

‫‪ 1‬أخرج حديث نب‪0‬ع الم‪0‬اء البخ‪0‬اري في كت‪0‬اب الوض‪0‬وء ب‪0‬رقم (‪ )169‬ومس‪0‬لم في كت‪0‬اب‬
‫الفضائل برقم (‪.)2279‬‬
‫‪ 2‬األولى بصفة اإلبداع أو بصفة الخلق ألنهم‪00‬ا التعب‪00‬يران ال‪00‬واردان في الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‬
‫وأما االختراع فمن تعبيرات‪ 0‬الفالسفة التي سرت إلى المتكلمين‪.‬‬
‫‪ 3‬أق‪00‬ول‪ :‬الن‪00‬بي والرس‪00‬ول م‪00‬دعيان للنب‪00‬وة والرس‪00‬الة في ك‪00‬ل آن من آن‪00‬ات عمره‪00‬ا‪ 0،‬وال‬
‫ينفكان عن هذه الدعوى في أي زمن من األزمان‪ ،‬فال وجه لقول الشارح هذا‪.‬‬
‫‪ 4‬راجع دالئل النبوة لألصبهاني‪ )1/45( 0‬برقم (‪ )19‬وتاريخ الط‪00‬بري (‪ .)1/519‬ورواه‬
‫الترمذي (‪ )3620‬وقال حسن غريب‪.‬‬
‫‪246‬‬
‫الخامس‪ :‬أن تكون موافقة للدعوى‪ ،‬وخرج بذلك المخالف له‪00‬ا‪ ،‬كم‪00‬ا إذا ق‪00‬ال‪ :‬آي‪00‬ة‬
‫صدقي انفالق البحر فانفلق الجبل‪،‬‬
‫السادس‪ :‬أن ال تكون مكذبة له‪ ،‬وخرج بذلك ما إذا كانت مكذبة ل‪0‬ه‪ ،‬كم‪0‬ا إذا ق‪0‬ال‪:‬‬
‫آية صدقي نطق هذا الجماد فنطق بأنه مفتر كذاب‪ ،‬بخالف ما ل‪00‬و ق‪00‬ال‪ :‬آي‪00‬ة ص‪00‬دقي نط‪00‬ق‬
‫هذا اإلنسان الميت وإحياؤه فأحيي ونطق بأنه مفتر ك‪00‬ذاب‪ ،‬والف‪00‬رق أن الجم‪00‬اد ال اختي‪00‬ار‬
‫له‪ ،‬فاعتبر تكذيبه ألنه أمر إلهي‪ ،‬واإلنسان مختار فال يعتبر تكذيبه ألنه ربما اختار الكف‪00‬ر‬
‫على اإليمان‪،‬‬
‫السابع‪ :‬أن تتعذر معارضته‪ ،‬وخ‪00‬رج ب‪00‬ذلك الس‪00‬حر ومن‪00‬ه الش‪00‬عبذة‪ ،‬وهي خف‪00‬ة في‬
‫اليد يرى أن لها حقيقة وال حقيقة لها كما يقع للحواة‪،1‬‬
‫وزاد بعضهم‪ :‬ثامناً‪ :‬وهو أن ال تكون في زمن نقض العادة كزمن طل‪00‬وع الش‪00‬مس‬
‫من مغربها‪ ،‬وخرج بذلك ما يقع من الدجال كأمره للسماء أن تُ ْم ِط‪َ 0‬ر فَتُ ْم ِط‪ُ 0‬ر‪ ،‬ولألرض أن‬
‫تُ ْنبِتَ فتنبت‪ ،‬وقد نظم بعضهم أقسام األمر الخارق للعادة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫صدَر‬ ‫إذا ما رأيت األم َر يخ ُرق عادةً ‪ ##‬فمعجزةٌ إن ِمنْ نبي لنا َ‬
‫وإن بان منه قبل وصف نبوة ‪ ##‬فاإلرهاص سمه تتبع القوم في األثر‬
‫وإن جاء يوما ً من ولي فإنه الـ ‪ ##‬كرامة في التحقيق عند ذوي النظر‬
‫وإن كان من بعض العوام صدوره ‪ ##‬ف َكنّوه حقا ً بالمعونة واشتهر‬
‫س َّمى باالستدراج فيما قد استقر‬ ‫ومن فاسق إن كان وفق مراده ‪ ##‬يُ َ‬
‫وإال فيدعى باإلهانة عندهم ‪ ##‬وقد تمت األقسام عند الذي اختبر‬
‫وزاد بعضهم السحر‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه ليس من الخوارق ألنه معتاد عند تعاطي أسبابه‪،‬‬

‫‪{ -141‬يجب لألنبياء والمالئكة العصمة }‬


‫(قوله وعصمة الباري لكل َحتِّماً) اإلضافة في عصمة الباري من إضافة المص‪00‬در‬
‫لفاعله‪ ،‬و “ لكل “ متعلق بعصمة‪ ،‬و “ حتم‪0‬ا “ بفتح الح‪0‬اء على أن‪0‬ه فع‪0‬ل أم‪0‬ر‪ ،‬وألف‪0‬ه‬
‫منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة‪ 0‬في الوقف بعد حذف الرابط‪ ،‬واألصل‪ :‬حتمنه‪00‬ا‪ ،‬والجمل‪00‬ة‬
‫خبر المبتدأ وهو “ عصمة “ إن قرئ بالرفع‪ ،‬ويصح أن يقرأ بالنص‪00‬ب على أن‪00‬ه مفع‪00‬ول‪0‬‬
‫لمحذوف يدل عليه المذكور‪ :‬والتقدير‪ :‬وحتم عصمة الباري‪ ،‬ولم يجع‪00‬ل مفع‪00‬والً‪ 0‬للم‪00‬ذكور‬
‫ألنه مقترن بنون التوكيد الخفيفة‪ ،‬وهو حينئذ ال يعمل فيما قبله‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إذا لم يعمل ال يفسر عامالً‪ ،‬أجيب بأن قولهم م‪00‬ا ال يعم‪0‬ل ال يفس‪0‬ر ع‪0‬امالً‬
‫إنما هو في التفسير االصطالحي‪ ،2‬فال ينافي أنه يشير له في الجملة‪ ،‬أو بضم الح‪00‬اء على‬
‫أنه فعل ماض مبني للمجهول وألفه لإلطالق‪ ،‬وعلى هذا “ عصمة “ بالرفع ال غير على‬

‫‪ 1‬الحواة الذين يجمعون الحيات‪.‬‬


‫‪2‬م‪00‬راده بالتفس‪00‬ير االص‪00‬طالحي يع‪00‬نى ال‪00‬وارد في ب‪00‬اب االش‪00‬تغال‪ 0،‬فليس ه‪00‬ذا من ب‪00‬اب‬
‫االشتغال وهذا ال ينافي أن الكالم من باب الحذف العام لوجود القرينة على المحذوف‪.‬‬
‫‪247‬‬
‫أنه مبتدأ‪ ،‬والجملة من الفعل ونائب الفاعل خبره وتذكير الضمير ال‪00‬ذي ه‪00‬و ن‪00‬ائب الفاع‪00‬ل‬
‫مع كونه عائداً على العصمة لتذكيرها باعتبار كونها وصفاً‪ ،‬وعلى كل فالمعنى‪ :‬أعتقد أن‬
‫عصمة الباري لكل واحد من األنبياء والمالئكة محتمة وواجب‪00‬ة‪ ،‬بمع‪00‬نى أنه‪00‬ا ال تنف‪00‬ك وال‬
‫تقبل االنتفاء‪ ،‬والباري‪ :‬الخالق‪ ،‬من البرء‪ :‬وهو الخلق‪ ،‬وقد يقال‪ :‬إن عصمة األنبياء ق‪00‬د‬
‫تقدمت في قوله‪ “ :‬وواجب في حقهم‪ 0‬األمانة “ إذ األمانة هي العصمة‪ ،‬وق‪00‬د يج‪00‬اب بأن‪00‬ه‬
‫إنما تعرض لها ليجمع المالئكة مع األنبياء في حكمها واالتص‪00‬اف به‪00‬ا‪ ،‬والعص‪00‬مة –لغ‪00‬ة‪:‬‬
‫مطلق الحفظ‪ ،‬واصطالحاً‪ :‬حفظ هللا للمكلف من الذنب مع استحالة وقوعه‪ ،‬وال يج‪00‬وز لن‪00‬ا‬
‫سؤال العصمة بهذا المعنى كأن يقال‪( :‬اللهم إنا نسألك العصمة) فإن أريد المعنى اللغ‪00‬وي‬
‫جاز لنا سؤالها‪،‬‬
‫َ‬
‫واعلم أن المشهور عصمة جميع المالئكة‪ ،‬وقولهم‪( :‬أت َْج َع‪ُ 0‬ل فِي َه‪00‬ا َمنْ يُ ْف ِ‬
‫س‪ُ 0‬د فِي َه‪00‬ا‬
‫س‪00‬فِ ُك ال‪ِّ 00‬د َما َء) (البق ‪00‬رة‪ :‬من اآلية‪ )30‬ليس غيب ‪00‬ة وال اعتراض‪00‬ا ً على هللا ب‪00‬ل مج‪00‬رد‬ ‫َويَ ْ‬
‫استفهام‪ ،‬وما نقل في قصة هاروت وماروت مم‪0‬ا ي‪00‬ذكره المؤرخ‪0‬ون لم يص‪0‬ح في‪0‬ه ش‪00‬يء‬
‫من األخبار‪ ،‬بل هومن افتراء اليهود وكذبهم‪ ،‬وتبعهم المؤرخون في ذكر ذلك‪ ،‬وقيل‪ :‬كانا‬
‫رجلين صالحين‪ ،‬وسميا ملكين تشبيها ً لهما بالملكين‪.‬‬

‫‪ { - 142‬محمد صلى هللا تعالى عليه وسلم خاتم األنبياء ومرسل إلى الناس كافة}‬
‫ص خي ُر الخلق أن قد تمما ‪ ##‬به الجمي َع ربنا و َع َّمما َ‬ ‫ُ‬
‫وخ ّ‬ ‫‪-69‬‬
‫(قوله وخص خير الخلق) ببناء الفع‪00‬ل للمفع‪00‬ول‪ ،‬و “ خ‪00‬ير الخل‪00‬ق “ ن‪00‬ائب فاع‪00‬ل‬
‫الذي هو هللا‪ ،‬واألصل‪ :‬وخص هللا خير الخلق أي أفضلهم وهو نبينا محمد صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم‪ ،‬و “ خير “ أفعل تفضيل أصله “ أخير “ كأكرم‪ ،‬ح‪00‬ذفت من‪00‬ه الهم‪00‬زة لك‪00‬ثرة‬
‫االستعمال‪ ،‬وقوله‪ “ :‬أن قد تمما ‪ ##‬ب‪0‬ه الجمي‪0‬ع ربن‪0‬ا “ أي ب‪0‬أن ختم ربن‪0‬ا ب‪0‬ه ص‪0‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم جميع األنبياء‪ ،‬فالباء مق‪00‬درة وهي داخل‪00‬ة على المقص‪00‬ور‪ ،‬فتتميم جمي‪00‬ع‬
‫األنبياء مقصور عليه صلى هللا عليه وآله وسلم ال يتعداه إلى غيره‪ ،‬ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪َ ( :‬و َخ‪ 0‬اتَ َم‬
‫النَّبِيِّينَ ) (األحزاب‪ :‬من اآلية‪ )40‬ويلزم منه ختم المرسلين‪ ،‬ألنه يل‪00‬زم من ختم األعم ختم‬
‫األخص من غير عكس‪ ،‬وال يشكل ذلك بنزول سيدنا عيسى عليه الصالة والسالم في آخر‬
‫الزمان‪ ،‬ألنه إنما ينزل حاكما ً بش‪00‬ريعة نبين‪00‬ا ومتبع‪0‬ا ً ل‪00‬ه‪ ،‬وال ين‪00‬افي ذل‪00‬ك أن‪00‬ه حين نزول‪00‬ه‬
‫يحكم برفع الجزية عن أهل الكتاب‪ ،‬وال يقبل منهم إال اإلسالم أو الس‪00‬يف‪ ،‬ألن نبين‪00‬ا أخ‪00‬بر‬
‫أنها مغياة إلى نزول عيسى‪ ،‬فحكمه بذلك إنما هو بشريعة نبينا‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫وخصائصه صلى هللا عليه وآله وسلم ال تنحصر ح‪00‬داً وال ع‪00‬داً‪ ،‬ولكن المهم منه‪00‬ا‬
‫ما ذكره المصنف (قوله وعمما بعثته) أي وخص أيضا ً بأن عمم ربنا بعثته‪ ،‬فالباء مقدرة‬
‫وهي داخلة على المقصور كما في الذي قبله‪ ،‬فتعميم البعثة مقصور عليه صلى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم ال يتعداه إلى غيره‪ ،‬فأرسله هللا إلى جمي‪0‬ع المكلفين من الثقلين إرس‪0‬ال تكلي‪00‬ف‬
‫اتفاقاً‪.‬‬
‫وأما المالئكة فقد تقدم فيهم الخالف‪ ،‬واألصح‪ 1‬أن‪0‬ه مرس‪00‬ل إليهم إرس‪0‬ال تش‪0‬ريف‪،‬‬
‫وبعضهم اعتمد أنه مرسل إليهم إرسال تكليف بما يلي‪00‬ق بهم‪ ،‬ف‪00‬إن منهم الراك‪00‬ع والس‪00‬اجد‬
‫إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وما كلف به اإلنس تفصيالً وإجماالً‪ ،‬فقد كلف ب‪00‬ه الجن ك‪00‬ذلك وش‪00‬مل ذل‪00‬ك ي‪00‬أجوج‬
‫ومأجوج –بالهمز وتركه‪ -‬وهم أوالد يافث بن نوح‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬جي‪00‬ل من ال‪00‬ترك‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬غ‪00‬ير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫والتحقيق أنه صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم مرس‪00‬ل لجمي‪00‬ع األنبي‪00‬اء واألمم الس‪00‬ابقة‪،‬‬
‫لكن باعتب‪000‬ار ع‪000‬الم األرواح‪ ،‬ف‪000‬إن روح‪000‬ه خلقت قب‪000‬ل األرواح وأرس‪000‬لها هللا لهم فبلغت‬
‫الجميع‪ ، 2‬واألنبياء نوابه في عالم األجسام‪ ،‬فهو صلى هللا عليه وآله وسلم مرسل لجمي‪00‬ع‬
‫الناس من لدن آدم إلى يوم القيامة حتى إلى نفس‪00‬ه‪ ،‬ل‪00‬دخول الجمي‪00‬ع تحت قول‪00‬ه ص‪00‬لى هللا‬
‫س)‬ ‫(و َم‪00‬ا أَ ْر َ‬
‫س‪ْ 0‬لنَاكَ إِاَّل َكافَّةً لِلنَّا ِ‬
‫‪3‬‬
‫عليه وآله وسلم‪( :‬بعثت إلى الن‪00‬اس كافة )وقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫(سـبأ‪ :‬من اآلية‪ )28‬فمن نفى عموم بعثته صلى هللا عليه وآله وسلم فق‪0‬د كف‪0‬ر‪ ،‬وفي ذل‪0‬ك‬
‫رد على العيسوية وهم فرقة من اليهود زعم‪00‬وا تخص‪00‬يص رس‪00‬الته ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم بالعرب‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬تعميم البعثة ليس خاصا ً بنبينا صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ب‪00‬ل مثل‪00‬ه ن‪00‬وح‬
‫فإنه كان مبعوثا ً لجميع من في األرض بعد الطوفان‪ ،‬ألنا نقول‪ :‬تعميم بعثة ن‪00‬وح ليس من‬
‫أصل البعثة بل أمر اتفاقي‪ ،‬ألن‪00‬ه لم يس‪00‬لم من الهالك إال من ك‪00‬ان مع‪00‬ه في الس‪00‬فينة‪ ،‬وأم‪00‬ا‬
‫تعميم بعثة سيدنا محمد صلى هللا عليه وآله وسلم فهو من أصل البعثة‪ ،‬ومقتضى ما ذك‪00‬ر‬

‫‪" 1‬واألص‪000‬ح ‪ ..‬إلخ" ال‪000‬ذي في ش‪000‬رح المص‪000‬نف الخالف في أن‪000‬ه أرس‪000‬ل إليهم أوال‪،‬‬
‫فبعضهم جعله مرسالً إليهم‪ ،‬وبعضهم نف‪00‬اه انتهى خالص‪00‬ة كالم‪00‬ه‪ ،‬والظ‪00‬اهر‪ 0‬أن ه‪00‬ذا الن‪00‬افي ه‪00‬و‬
‫عين القائل‪ 0‬بأنه أرسل إليهم إرسال تشريف‪ ،‬فالمراد بإرساله إليهم إرسال تشريف‪ :‬أنهم ش‪00‬رفوا‬
‫ببعثته من غير أن يأمرهم بشيء‪ ،‬أو ينهاهم عنه‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا ما ال دليل عليه نعم قرر اإلمام السبكي عم‪0‬وم بعثت‪0‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫بوجه آخر في رسالة له سماها "التعظيم‪ 0‬والمن‪00‬ة في لت‪00‬ؤمنن ب‪00‬ه ولتنص‪00‬رنه" وهي مدرج‪00‬ة في‬
‫فتاويه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫أخرج البخاري في كتاب‪ 0‬ال‪0‬تيمم الح‪0‬ديث الث‪0‬اني ب‪0‬رقم (‪ )3122)338)335‬عن ج‪0‬ابر‬
‫بن عبد هللا أن النبي صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وآله وسلم قال‪( :‬أعطيت‪ 0‬خمس ‪0‬ا ً لم يعطهن أح‪00‬د قبلي‪،‬‬
‫نصرت بالرعب‪ 0‬مسيرة شهر‪ ،‬وجعلت لي األرض مسجداً وطهوراً‪ ،‬فأيما رجل من أم‪00‬تي أدركت‪00‬ه‬
‫الصالة فليصل‪ ،‬وأحلت لي الغن‪0‬ائم‪ ،‬ولم تح‪00‬ل ألح‪00‬د قبلي‪ ،‬وأعطيت‪ 0‬الش‪00‬فاعة‪ 0،‬وك‪0‬ان الن‪0‬بي يبعث‬
‫إلى قومه خاصة‪ ،‬وبعثت إلى الناس عامة‪ ،‬ورواه مسلم في كتاب المساجد برقم (‪.)521‬‬
‫‪249‬‬
‫أن بعثة نوح لم تكن عامة قبل الطوفان‪ ،‬فيكون بعض المغرقين لم يرسل إليهم فيق‪00‬ال‪ :‬لم‬
‫س‪0‬والً)‬ ‫يرسل إليهم فم‪0‬ا م‪0‬وجب غ‪0‬رقهم؟ وق‪0‬د ق‪0‬ال تع‪0‬الى‪َ ( :‬و َم‪0‬ا ُكنَّا ُم َع ِّ‬
‫‪0‬ذبِينَ َحتَّى نَ ْب َع َث َر ُ‬
‫(اإلسراء‪ :‬من اآلية‪ )15‬ولذلك قي‪00‬ل إنه‪00‬ا عام‪00‬ة قب‪00‬ل الطوف‪00‬ان‪ ،‬ولع‪00‬ل األول تمس‪00‬ك بقول‪00‬ه‬
‫اص‪0‬ةً) (األنف‪00‬ال‪ :‬من اآلية‪ )25‬وعلى‬ ‫تعالى‪َ ( :‬واتَّقُوا فِ ْتنَ‪0‬ةً ال ت ِ‬
‫ُص‪0‬يبَنَّ الَّ ِذينَ ظَلَ ُم‪00‬وا ِم ْن ُك ْم َخ َّ‬
‫القول بعموم بعثته قبل الطوفان فالتعميم خاص بزمنه فقط‪ ،‬وتعميم رسالة نبينا ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم لزمنه وللزمن الذي بعده بل والذي قبله كما تقدم‪ ،‬ف‪00‬أين التعميم الخ‪00‬اص‬
‫من التعميم الع‪00‬ام؟ على أن س‪00‬يدنا نوح‪0‬ا ً لم يرس‪00‬ل إلى الجن‪ ،‬فإن‪00‬ه لم يرس‪00‬ل لهم إال نبين‪00‬ا‬
‫محمد صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،1‬وأم‪00‬ا تس‪00‬خير الجن لس‪00‬ليمان علي‪00‬ه الص‪00‬الة والس‪00‬الم‬
‫فتسخير سلطنة وملك ال تسخير نبوة‪.‬‬

‫‪{ -143‬شريعة محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ال تنسخ بغيرها}‬
‫سخ ‪ ##‬بغيره حتى الزمان ينسخ‬ ‫بِ ْعثَتَهُ فشرعُه ال يُ ْن َ‬ ‫‪-70‬‬
‫(قوله فشرعه ال ينسخ ‪ ##‬بغيره) مفرع على ختم النبوة به وتعميم بعثته‪ ،‬فالف‪00‬اء‬
‫للتفريع‪ ،‬ويص‪0‬ح أن تك‪0‬ون ف‪0‬اء الفص‪0‬يحة ألنه‪0‬ا أفص‪0‬حت عن ش‪0‬رط مق‪0‬در‪ ،‬والتق‪0‬دير‪ :‬إذا‬
‫علمت أن‪00‬ه خ‪00‬اتم النب‪00‬يين وأن بعثت‪00‬ه عام‪00‬ة فش‪00‬رعه ال ينس‪00‬خ بغ‪00‬يره‪2‬؛ ال كال وال بعض ‪0‬اً‪،‬‬
‫والشرع‪ -‬لغة‪ :‬البيان‪ ،‬واصطالحاً‪ :‬األحكام الشرعية‪ .‬والنسخ‪ -‬لغة‪ :‬اإلزال‪00‬ة والنق‪00‬ل‪ ،‬من‪00‬ه‬
‫‪ 1‬ما هو الدليل على هذا؟‬
‫‪ 2‬ال يخفى أنه ال يصح ربط كون شرعه ال ينسخ بعلم أنه خاتم النب‪00‬يين‪ 0،‬ب‪00‬ل إنم‪00‬ا يص‪00‬ح‬
‫ربطه بكونه خاتم النبيين فال وجه للحمل على الفصيحة‪.‬‬
‫‪250‬‬
‫نسخت الشمس الظل أي أزالته‪ ،‬ونسخت الكتاب أي نقلته‪ ،‬وهل هو حقيقة في المعن‪00‬يين‪،‬‬
‫أو حقيق‪00‬ة في األول مج‪00‬از في الث‪00‬اني‪ ،‬أو ب‪00‬العكس؟ أق‪00‬وال‪ ،‬وخ‪00‬ير األم‪00‬ور أوس‪00‬اطها‪،‬‬
‫فالص‪00‬حيح أن‪00‬ه حقيق‪00‬ة في األول مج‪00‬از في الث‪00‬اني‪ ،‬واص‪00‬طالحاً‪ :‬رف‪00‬ع حكم ش‪00‬رعي ب‪00‬دليل‬
‫شرعي‪ ،‬والمراد برفع الحكم الشرعي انقطاع تعلقه بالمكلفين ألنه خطاب هللا تعالى‪ ،‬وهو‬
‫يستحيل رفعه ألنه قديم‪ ،‬بخالف التعلق فال يستحيل رفعه ألنه حادث‪.‬‬
‫وقوله “ حتى الزمان ينسخ “ أي فشرعه صلى هللا عليه وآله وسلم مس‪00‬تمر إلى‬
‫نسخ الزمان‪ ،‬فالمراد بـ “ حتى “ الغاية مع كونها ابتدائية‪ ،‬و “ الزم‪00‬ان “ مبت‪00‬دأ خ‪00‬بره‬
‫“ ينسخ “ والمراد بالنسخ هنا‪ :‬المعنى اللغوي وهو اإلزالة‪ ،‬فالمعنى‪ :‬حتى الزمان يزال‬
‫ويرفع بحضور يوم القيامة‪ ،‬لقوله صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬لن تزال هذه األم‪00‬ة قائم‪00‬ة‬
‫على أم‪00‬ر هللا –يع‪00‬ني ال‪00‬دين الح‪00‬ق‪ -‬ال يض‪00‬رهم من خ‪00‬الفهم ح‪00‬تى ي‪00‬أتي أم‪00‬ر هللا “ ‪ 1‬أي‬
‫الساعة؛ وهو على حذف مضاف‪ :‬أي قربه‪00‬ا‪ ،‬ألن المؤم‪00‬نين يموت‪00‬ون قب‪00‬ل الس‪00‬اعة ب‪00‬ريح‬
‫لينة‪ ، 2‬والمراد بالنسخ في آخر الشطر األول‪ :‬المعنى الشرعي؛ ففي كالمه الجن‪00‬اس‪ ،‬وق‪00‬د‬
‫تقدم الكالم في اإليطاء فال حاجة إلى اإلعادة‪.‬‬

‫ونسخه لشرع غيره وقع ‪ ##‬حتما ً أذ َّل هللا من‪ 3‬له منع‬ ‫‪-71‬‬
‫غض‬
‫ِّ‬ ‫ونسخ بعض شرعه بالبعض ‪ ##‬أجز وما في ذا له من‬ ‫‪-72‬‬
‫‪ { -144‬شريعة محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم قد نسخت الشرائع المتقدمة‬
‫عليها}‬
‫‪ 1‬أخ‪00‬رج البخ‪00‬اري في كت‪00‬اب‪ 0‬العلم ب‪00‬رقم (‪ )71‬عن معاوي‪00‬ة رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى عن‪00‬ه ق‪00‬ال‬
‫سمعت رسول هللا صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وآله وسلم يقول‪( :‬من يرد هللا به خيراً يفقهه في ال‪00‬دين‪،‬‬
‫وإنما أنا قاسم وهللا يعطي‪ ،‬ولن تزال هذه األمة قائمة على أم‪00‬ر هللا ال يض‪00‬رهم من خ‪00‬الفهم ح‪00‬تى‬
‫يأتي أمر هللا) وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (‪.)1037‬‬
‫‪ 2‬أخرج حديثا ً بمعناه ابن حبان في صحيحه في كتاب الت‪00‬اريخ ب‪00‬رقم (‪ )6797‬وأحم‪00‬د (‬
‫‪ )3/431‬قال الهيثمي (‪ )8/12‬رواه أحمد والبزار‪ 0‬ورجاله رجال الص‪00‬حيح إال أن نافع ‪0‬ا ً لم يس‪00‬مع‬
‫من عياش‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 3‬قوله‪ :‬من له منع‪ .‬األولى أن يقال إن ضمير له عائد على النس‪00‬خ مطلق‪0‬ا ال على نس‪00‬خ‬
‫شرعه إلخ ألن اليهود والنصارى‪ 0‬منع‪00‬وا النس‪00‬خ مطلق‪0‬ا ً توس‪0‬الً إلى الق‪00‬ول بنفي نبوت‪00‬ه ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم ال أنهم منعوا نسخ شرعه لغيره من الشرائع فإن ذلك يوهم أنه قد قبلوا ش‪0‬رعه‬
‫ونبوته ولكنهم لم يقبلوا نسخ شرعه لشرائعهم‪.‬‬
‫‪251‬‬
‫(قوله ونسخه لشرع غيره وقع‪ ##‬حتماً) أي ونسخ شرع نبين‪00‬ا محم‪00‬د ‪ ##‬لش‪00‬رع‬
‫كل نبي غيره وقع وحصل حال كونه محتما ً فـ “ حتما ً “ بمعنى متحتما ً ح‪0‬ال من فاع‪0‬ل “‬
‫‪1‬‬
‫الم ِدين‪00‬اً) (آل عم‪00‬ران‪)85 :‬‬
‫س‪ِ 00‬‬ ‫َ‪00‬غ َغ ْي َ‬
‫‪00‬ر اإْل ِ ْ‬ ‫وق‪00‬ع “ وي‪00‬دل ل‪00‬ذلك قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ ( :‬و َمنْ يَ ْبت ِ‬
‫واألحاديث في ذلك كثيرة بلغت جملتها مبلغ التواتر‪ ،‬فنس‪00‬خ ش‪00‬رعه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم لشرع غيره واقع سماعا ً بإجماع المسلمين‪ ،‬خالفا ً لليهود والنصارى‪ ،‬حيث زعموا‬
‫أن شرع نبينا صلى هللا عليه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم لم ينس‪0‬خ ش‪0‬رع أح‪0‬د من األنبي‪0‬اء توس‪0‬الً للق‪0‬ول‬
‫بنفي نبوته‪ 2‬صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬واحتجوا على ذلك بأنه يل‪00‬زم على الق‪00‬ول بالنس‪00‬خ‬
‫ظهور مصلحة كانت خفي‪0‬ة على هللا تع‪0‬الى‪ ،‬ورد ب‪0‬أن المص‪0‬لحة تختل‪0‬ف بحس‪0‬ب األزمن‪0‬ة‪،‬‬
‫فالمص‪00‬لحة في زمن األمم الس‪00‬ابقة اقتض‪00‬ت تكليفهم بش‪00‬رائعهم‪ ،‬والمص‪00‬لحة في زمانن‪00‬ا‬
‫اقتضت تكليفنا بشريعتنا‪ ،‬وقوله‪ “ :‬أذل هللا من له منع “ أي ألحق ال‪00‬ذل بمن من‪00‬ع نس‪00‬خ‬
‫شرع نبينا لغيره‪ ،‬وهذه جملة دعائية على اليهود والنصارى المانعين لذلك‪.‬‬
‫‪{ -145‬يجوز نسخ بعض شرع نبينا بالبعض }‬
‫(قول‪00‬ه ونس‪00‬خ بعض ش‪00‬رعه ب‪00‬البعض‪##‬أج‪00‬ز) ال يخفى أن “ نس‪00‬خ “ بالنص‪00‬ب‬
‫مفعول مقدم “ ألجز “ الواقع بعده‪ :‬أي اعتقد جواز نس‪00‬خ بعض ش‪00‬رعه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم بالبعض اآلخر جوازاً وقوعياً‪ ،‬ألن ذلك وقع بالفعل‪ ،‬نعم وجوب معرفته تع‪00‬الى‬
‫وتحريم الكفر نسخه غير واقع‪ ،‬وإن ك‪00‬ان ج‪0‬ائزاً‪ 3‬كم‪0‬ا ه‪0‬و م‪0‬ذهب أه‪00‬ل الحق‪ 4‬خالف‪0‬ا ً لمن‬
‫س‪0‬نٌ عقلي‪ ،‬والكف‪00‬ر ق‪00‬بيح عقلي‪ ،‬فوج‪00‬وب المعرف‪00‬ة وتح‪00‬ريم الكف‪00‬ر ال‬
‫ق‪00‬ال‪ :‬إن المعرف‪00‬ة َح َ‬
‫يجوز نسخهما‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬الحسن ما حسنه الشرع‪ ،‬والقبيح ما قبحه الشرع‪ :‬فلو جعل‬
‫المعرفة من القبيح‪ ،‬والكفر من الحسن فال حرج عليه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وشمل البعض المنسوخ البعض القرآني خالفا ً لمن منعه كأبي مس‪00‬لم األص‪00‬فهاني‬
‫محتجا ً بقوله تعالى‪( :‬ال يَأْتِي ِه ا ْلبَا ِط ُل ِمنْ بَ ْي ِن يَ َد ْي ‪ِ 0‬ه َوال ِمنْ َخ ْلفِ ‪ِ 0‬ه) (فص‪00‬لت‪ :‬من اآلية‪)42‬‬
‫فلو نسخ بعضه لتطرق إليه البطالن‪.‬‬

‫س ِرينَ )‪( 0‬آل عمران‪.)85 :‬‬ ‫‪ 1‬تمام اآلية‪( :‬فَلَنْ يُ ْقبَ َل ِم ْنهُ َوه َُو فِي اآْل ِخ َر ِة ِمنَ ا ْل َخا ِ‬
‫‪ 2‬بل هذا القول منهم مفرع على قولهم بنفي نبوته صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬أي جائزاً عقلياً‪ 0‬ألن وجوب معرفته تعالى وحرمة الكفر كل منهما حكم شرعي أوجبه‬
‫الشرع ولم يوجبه العقل حتى يمنع رفعه بل العقل يجوز رفع‪0‬ه ه‪0‬ذا ه‪0‬و م‪0‬ذهب األش‪0‬اعرة خالف‪0‬ا ً‬
‫للماتريدي‪00‬ة والمعتزل ‪0‬ة‪ 0‬حيث ذهب‪00‬وا إلى أنهم‪00‬ا عقلي‪00‬ان بن‪00‬اء على قولهم‪00‬ا بالتحس‪00‬ين والتق‪00‬بيح‬
‫العقليين‪ ،‬وقد تقدم تفصيل مذهبهما في التعليق‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله كما هو مذهب أهل الحق هذا التعبير‪ 0‬ليس على م‪00‬ا ينبغي ف‪00‬إن المخ‪00‬الفين فئت‪00‬ان‬
‫عظيمتان‪ 0‬وهم الماتريدية والمعتزلة والمس‪00‬ألة‪ 0‬ليس‪00‬ت من مس‪00‬ائل األص‪00‬ول ال‪00‬تي يكف‪00‬ر المخ‪00‬الف‬
‫فيها أو يبدع فكان عليه أن يقول كما هو مذهب األشاعرة‪.‬‬
‫‪ 5‬المخالف هو أبو مسلم األصفهاني فقط‪ ،‬فقيل إنه نفي أصل النسخ‪ ،‬وقيل‪ :‬نفي النسخ‬
‫في القرآن‪ 0،‬وقيل‪ :‬إنما نفي اسم النسخ دون حقيقته وسماه تخصيصا ً واختار‪ 0‬ه‪00‬ذا الق‪00‬ول األخ‪00‬ير‪0‬‬
‫تاج الدين الس‪0‬بكي في جم‪0‬ع الجوام‪00‬ع وأي‪0‬ده ش‪00‬ارحه المحق‪00‬ق المحلي‪ 0‬وعلى ك‪0‬ل ح‪0‬ال ال اعت‪0‬داد‬
‫بخالفه ألنه مصادم لإلجماع‪ 0‬الواقع قبله‪ ،‬على أن النقل عنه مضطرب غير محرر‪.‬‬
‫‪252‬‬
‫وأجاب األولون بأن الضمير لمجموع القرآن وهو ال ينس‪00‬خ اتفاق ‪0‬اً‪ ،‬وخ‪00‬رج بتقيي‪00‬د‬
‫المصنف البعض نسخ الجميع‪ ،‬فهو وإن كان جائزاً لكنه غير واقع‪.‬‬
‫فالحاصل أن الكالم في مقامين‪ :‬مقام جواز ومقام وقوع‪ ،‬فمن حيث الجواز يج‪00‬وز‬
‫نسخ الشريعة كالً أو بعضاً‪ ،‬وأما من حيث الوقوع فال يجوز نسخ الجميع جوازاً وقوعياً‪،‬‬
‫وقول‪00‬ه‪ “ :‬وم‪00‬ا في ذا ل‪00‬ه من غض “ أي وم‪00‬ا في ه‪00‬ذا الحكم وه‪00‬و تج‪00‬ويز نس‪00‬خ‬
‫بعض شرعه بالبعض اآلخر من نقص له يقتضي امتناعه‬
‫‪{ -146‬أقسام النسخ}‬
‫(والَّ ِذينَ يُت ََوفَّ ْونَ ِم ْن ُك ْم‬‫وشمل م‪0‬ا ذك‪0‬ر نس‪0‬خ الكت‪0‬اب بالكت‪0‬اب كم‪0‬ا في قول‪0‬ه تع‪0‬الى‪َ :‬‬
‫اج) (البق‪00‬رة‪ :‬من اآلية‪)240‬‬ ‫اج ِه ْم َمتَاعا ً إِلَى ا ْل َح ْو ِل َغ ْي َر إِ ْخ‪َ 0‬ر ٍ‬‫صيَّةً أِل َ ْز َو ِ‬ ‫َويَ َذرُونَ أَ ْز َواجا ً َو ِ‬
‫س‪ِ 0‬هنَّ أَ ْربَ َع‪0‬ةَ‬ ‫ص‪0‬نَ بِأ َ ْنفُ ِ‬‫فإنه نسخ بقوله تعالى‪َ ( :‬والَّ ِذينَ يُتَ َوفَّ ْونَ ِم ْن ُك ْم َويَ َذرُونَ أَ ْز َواج‪0‬ا ً يَتَ َربَّ ْ‬
‫َش ‪0‬راً) (البق‪00‬رة‪ :‬من اآلية‪ )234‬لت‪00‬أخره ن‪00‬زوالً‪ ،‬وإن تق‪00‬دم تالوة ونس‪00‬خ الس‪00‬نة‬ ‫ش ‪ُ 0‬ه ٍر َوع ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫‪1‬‬
‫بالسنة كما في حديث (كنت نهيتكم عن زيارة القب‪00‬ور فزوروه‪0‬ا) فإن‪00‬ه نس‪0‬خ النهي ال‪0‬ذي‬
‫وقع منه صلى هللا عليه وآله وسلم أوالً باألمر في هذا الحديث‪ ،‬ونسخ السنة بالكتاب كم‪00‬ا‬
‫في استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة‪ ،2‬فإنه نسخ باستقبال الكعبة الثابت بقوله تع‪00‬الى‪:‬‬
‫س ِج ِد ا ْل َح َر ِام) (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )149‬ونسخ الكتاب بالسنة كم‪00‬ا في‬ ‫ش ْط َر ا ْل َم ْ‬
‫(فَ َو ِّل َو ْج َه َك َ‬
‫ص‪00‬يَّةُ لِ ْل َوالِ‪َ 00‬د ْي ِن‬‫‪00‬وتُ إِنْ تَ‪َ 00‬ركَ َخ ْي‪00‬راً ا ْل َو ِ‬ ‫ض‪َ 00‬ر أَ َح‪َ 00‬د ُك ُم ا ْل َم ْ‬
‫قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪ُ ( :‬كتِ َب َعلَ ْي ُك ْم إِ َذا َح َ‬
‫َواأْل َ ْق َربِينَ ) (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )180‬فإنه نس‪00‬خ بح‪00‬ديث (ال وص‪00‬ية ل‪00‬وارث) وش‪00‬مل أيض‪0‬ا ً‬
‫‪3‬‬

‫نسخ التالوة والحكم‪ 0‬جميعا ً كما في نحو (عشر رضعات معلومات يحرمن) فإن‪00‬ه ك‪00‬ان مم‪00‬ا‬
‫يتلى‪ ،‬فنسخ بـ (خمس معلومات يحرمن) ثم نسخ هذا الناسخ عندنا تالوة ال حكماً‪ ،‬وعن‪00‬د‬
‫المالكية تالوة وذحكماً‪ ،‬ونسخ التالوة دون الحكم كما في نحو‪( :‬الشيخ والشيخة إذا زني‪00‬ا‬
‫فارجموهما ألبتة نكاالً من هللا وهللا عزيز حكيم) فإنه كان مم‪00‬ا يتلى فنس‪00‬خ تالوة وحكم ‪0‬اً‪،‬‬
‫ص‪00‬يَّةً‬ ‫ونس‪00‬خ الحكم دون التالوة كم‪00‬ا في آي‪00‬ة‪َ ( :‬والَّ ِذينَ يُت ََوفَّ ْونَ ِم ْن ُك ْم َويَ‪َ 00‬ذرُونَ أَ ْز َواج‪00‬ا ً َو ِ‬
‫ش‪ُ 0‬ه ٍر‬ ‫اج ِه ْ‪0‬م َمتَاعا ً إِلَى ا ْل َح ْو ِل) (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )240‬فإنه نسخ حكم‪0‬ا ً بآي‪00‬ة (أَ ْربَ َع‪0‬ةَ أَ ْ‬ ‫أِل َ ْز َو ِ‬
‫َو َعشْراً) (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )234‬وبقي تالوة‪ ،‬والحق أن النسخ ال يك‪00‬ون إال إلى ب‪00‬دل كم‪00‬ا‬
‫قاله اإلمام الشافعي رضي هللا تعالى عن‪00‬ه‪ ،‬خالف‪0‬ا ً لمن ق‪00‬ال‪ :‬ت‪00‬ارة يك‪00‬ون إلى ب‪00‬دل كم‪00‬ا في‬

‫‪ 1‬أخرجه مسلم في كتاب الجنائز‪ 0‬برقم (‪.)977‬‬


‫‪ 2‬أخرج البخاري في كتاب‪ 0‬الصالة برقم (‪ )399‬عن البراء‪ 0‬بن عازب‪ 0‬ق‪00‬ال‪ :‬ك‪00‬ان رس‪00‬ول‬
‫هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم صلى نح‪0‬و بيت المق‪0‬دس س‪0‬تة عش‪0‬ر ش‪0‬هرا أو س‪0‬بعة عش‪0‬ر‬
‫الس‪َ 0‬ماء) (البق‪00‬رة‪:‬‬ ‫شهراً وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة فأنزل هللا‪( :‬قَ‪ْ 0‬د نَ‪َ 0‬رى تَقَلُّ َ‬
‫ب َو ْج ِه‪َ 0‬ك فِي َّ‬
‫من اآلية‪ )144‬فتوجه نحو الكعبة‪ ،‬وهو عند مسلم كذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرجه الترمذي برقم(‪ )2121‬وأب‪00‬و داود ب‪00‬رقم (‪ )2870‬وابن ماج‪00‬ه ب‪00‬رقم (‪)2713‬‬
‫كلهم في كتاب الوصايا‪ 0‬باب‪ 0‬ال وصية ل‪00‬وارث عن أبي أمام‪00‬ة الب‪00‬اهلي‪ 0،‬وابن ماج‪00‬ه أيض‪0‬اً‪ 0‬ب‪00‬رقم (‬
‫‪ )3714‬عن أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬إني لتحت‪ 0‬ناقة رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يسيل عل َّي‬
‫لعابها" فسمعته يقول‪( :‬إن هللا أعطى كل ذي حق حقه أال ال وصية لوارث) ق‪00‬ال البوص‪00‬يري‪ 0‬في‬
‫الزوائد‪ :‬إسناده صحيح‪.‬وقال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪253‬‬
‫آيتي األنفال‪ ،‬أعني قوله تعالى‪( :‬يَا أَيُّ َها النَّبِ ُّي َح ِّر ِ‬
‫ض ا ْل ُم‪00‬ؤْ ِمنِينَ َعلَى ا ْلقِتَ‪ِ 0‬‬
‫‪0‬ال إِنْ يَ ُكنْ ِم ْن ُك ْم‬
‫صابِرُونَ يَ ْغلِبُوا ِم‪00‬ائَتَ ْي ِن … اآلي‪00‬ة) (األنف‪00‬ال‪ :‬من اآلية‪ )65‬وقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬اآْل نَ‬ ‫شرُونَ َ‬ ‫ِع ْ‬
‫ص‪0‬ابِ َرةٌ يَ ْغلِبُ‪00‬وا ِم‪00‬ائَتَ ْي ِن …اآلي‪00‬ة)‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ض ْعفا ً فإِنْ يَ ُكنْ ِم ْن ُك ْم ِمائَ‪0‬ة َ‬ ‫َ‬
‫َخفَّفَ هَّللا ُ َع ْن ُك ْم َو َعلِ َم أنَّ فِي ُك ْم َ‬
‫(األنفال‪ :‬من اآلية‪ )66‬وتارة يكون إلى غير بدل كما في قوله تعالى‪( :‬يَا أَيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُ‪00‬وا‬
‫سو َل …) (المجادلة‪ :‬من اآلية‪ 1)12‬فإن وجوب تقديم الص‪00‬دقة على مناج‪00‬اة‬ ‫اج ْيتُ ُم ال َّر ُ‬‫إِ َذا نَ َ‬
‫الرسول نسخ بال بدل‪ ،‬وعلى األول فبدل هذا الوج‪00‬وب ج‪00‬واز التص‪00‬دق أو اس‪00‬تحبابه‪ ،2‬فلم‬
‫يقع بال بدل أصالً‪.‬‬

‫‪{ -147‬ومعجزات نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم كثيرة}‬
‫ومعجزاته كثيرة ُغرر ‪ ##‬منها كالم هللا معجز البشر‬ ‫‪-73‬‬
‫(قول‪00‬ه ومعجزات‪00‬ه كث‪00‬يرة غ‪00‬رر) لم‪00‬ا ذك‪00‬ر فيم‪00‬ا تق‪00‬دم تأيي‪00‬د هللا تع‪00‬الى لألنبي‪00‬اء‬
‫بالمعجزات نبه هنا على كثرتها ووضوحها لنبينا دون غ‪0‬يره؛ ف‪0‬الغرض اآلن التنبي‪0‬ه على‬
‫كثرة معجزاته ووضوحها‪ ،‬لكن المراد من معجزاته‪ :‬األمور الخارقة للعادة الظ‪00‬اهرة على‬

‫ص َدقَةً َذلِكَ َخ ْي‪ٌ 0‬ر لَ ُك ْم َوأَ ْط َه‪ُ 0‬ر فَ‪0‬إِنْ لَ ْم تَ ِج‪ 0‬دُوا فَ‪0‬إِنَّ‬ ‫‪ 1‬تمام اآلية‪( :‬فَقَ ِّد ُموا بَيْنَ يَد ْ‬
‫َي نَ ْج َوا ُك ْم َ‬
‫هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم) (المجادلة‪ 0:‬من اآلية‪.)12‬‬
‫‪ 2‬المراد االستحباب‪ 0‬من حيث أنها مقدمة للمناجاة وهذا أمر زائد على االستحباب‪ 0‬الع‪00‬ام‬
‫للتصدق وأما على القول بالجواز فالموجود هو االستحباب العام فق‪00‬ط ويبقى النس‪00‬خ بال ب‪00‬دل وال‬
‫يخفى ضعف الجواب‪ .‬ألنه ال دلي‪00‬ل على ه‪00‬ذا االس‪00‬تحباب‪ 0‬الخ‪00‬اص‪ 0،‬وال يع‪00‬د الج‪00‬واز واالس‪00‬تحباب‬
‫العام بدال‪.‬‬
‫‪254‬‬
‫يده صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم‪ ،‬س‪00‬واء ك‪00‬انت مقرون‪00‬ة بالتح‪00‬دي أم ال‪ ،1‬فه‪00‬و من اس‪00‬تعمال‬
‫اللفظ في حقيقته ومج‪00‬ازه‪ ،‬أو من عم‪00‬وم المج‪00‬از‪ ،‬وإنم‪0‬ا وص‪00‬فها ب‪0‬الكثرة المطلق‪0‬ة إيم‪00‬اء‬
‫للعجز عن اإلحاطة بها‪ ،‬والغرر‪ :‬جمع غ‪00‬رة‪ ،‬وهي في األص‪00‬ل‪ :‬بي‪00‬اض في جبه‪00‬ة الف‪00‬رس‬
‫فوق الدرهم‪ ،‬وتطلق على خيار الشيء‪ ،‬ثم اس‪00‬تعملت في ك‪00‬ل واض‪00‬ح مع‪00‬روف على وج‪00‬ه‬
‫الحقيقة العرفية‪ ،2‬وهو المراد هنا‪ ،‬فـ “ غرر “ بمعنى واضحات مشهورات‪،‬‬
‫واعلم أن ما كان منها معلوما ً بالقطع منق‪00‬والً ب‪00‬التواتر ك‪00‬القرآن‪ ،‬فال ش‪00‬ك في كف‪00‬ر‬
‫منكره‪ ،‬وما لم يكن منها كذلك‪ ،‬ف‪00‬إن اش‪00‬تهر كنب‪00‬ع الم‪00‬اء من بين أص‪00‬ابعه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم فسق منكره‪ ،‬وإن لم يشتهر وثبت بطريق صحيح أو حسن عزر منكره‪.‬‬
‫‪{ -148‬جملة من معجزات نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم}‬
‫(قوله منها كالم هللا) قد تقدم أن كالم هللا يطل‪00‬ق على الص‪00‬فة القديم‪00‬ة وعلى اللف‪00‬ظ‬
‫المنزل على النبي صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬المتعبد بتالوته المتحدي بأقصر سورة من‪00‬ه‬
‫كما يطل‪00‬ق عليهم‪00‬ا الق‪00‬رآن لكن ق‪00‬د غلب كالم هللا في الص‪00‬فة القديمة‪ ،3‬والق‪00‬رآن في اللف‪00‬ظ‬
‫الحادث‪ ،‬والمص‪00‬نف أراد هن‪00‬ا بكالم هللا‪ :‬اللف‪00‬ظ‪ ،‬وإنم‪00‬ا نص علي‪00‬ه بخصوص‪00‬ه ألن‪00‬ه أفض‪00‬ل‬
‫معجزاته صلى هللا عليه وآله وسلم وأدومها لبقائه إلى يوم القيامة‪ ،‬وال يخرج عنه شيء‬
‫من معجزاته غالباً‪ ،‬وإال فبعضها لم يذكر فيه بطريق الصراحة وإن ك‪00‬ان داخالً في عم‪00‬وم‬
‫ش‪ْ 0‬ي ٍء قَ‪ِ 0‬دي ٌر) (آل عم‪00‬ران‪ :‬من اآلية‪َ ( ،)165‬م‪00‬ا فَ َّر ْطنَ‪00‬ا فِي‬
‫قوله تع‪00‬الى‪( :‬إِنَّ هَّللا َ َعلَى ُك‪ِّ 0‬ل َ‬
‫َيء) (األنعام‪ :‬من اآلية‪.)38‬‬ ‫ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ب ِمنْ ش ْ‬
‫وذلك كانشقاق القم‪00‬ر؛ فعن ابن مس‪00‬عود رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه أن‪00‬ه ق‪00‬ال‪ :‬بينم‪00‬ا نحن م‪00‬ع‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم إذا انش‪00‬ق القم‪00‬ر فلق‪00‬تين‪ ،‬فك‪00‬انت فلق‪00‬ة وراء الجب‪00‬ل‬
‫وفلقة دونه‪ ،‬فقال لنا رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬أشهدوا) وقال كف‪00‬ار ق‪00‬ريش‪:‬‬
‫هذا سحر فابعثوا إلى أهل اآلفاق ح‪00‬تى تنظ‪00‬روا أرأوه مث‪00‬ل ه‪00‬ذا أم ال؟ ف‪00‬أخبر أه‪00‬ل اآلف‪00‬اق‬

‫‪ 1‬قوله سواء كانت مقرون‪00‬ة بالتح‪00‬دي أم ال‪ ،‬التح‪00‬دي ه‪00‬و جع‪00‬ل الرس‪00‬ول األم‪00‬ر الخ‪00‬ارق‬
‫للعادة بينة على صدقه فيما ينقل عن هللا‪ ،‬قال ابن الهمام في المسايرة وقول الس‪00‬هيلي‪ 0‬في بعض‬
‫هذه الخوارق أنها عالمة للنب‪0‬وة ال معج‪0‬زة أي ال تس‪0‬مى ب‪0‬ذلك بن‪0‬اء على ع‪0‬دم اقترانه‪0‬ا ب‪0‬دعوى‬
‫النبوة ليس بذلك فإنه صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم منس‪00‬حب علي‪00‬ه دع‪00‬وى النب‪00‬وة من حيث ابت‪00‬داء‬
‫الدعوة إلى أن توفاه هللا تعالى كأنه في كل س‪0‬اعة يس‪0‬تأنفها‪ 0‬فك‪0‬ل م‪0‬ا وق‪0‬ع ل‪0‬ه من الخ‪0‬وارق ك‪0‬ان‬
‫معجزة القترانها بدعوى النبوة حكما ً وكأنه يقول في كل س‪00‬اعة إني رس‪00‬ول هللا وكأن‪00‬ه يق‪00‬ول في‬
‫كل وقت وقع فيه خارق للعادة هذا دليل صدقي اهـ‪ .‬مع شرح المس‪00‬امرة ص‪ 306‬وبه‪00‬ذا تعلم م‪00‬ا‬
‫في كالم الشارح‪ ،‬وما قاله ابن الهمام أيضاً‪ 0‬ليس بذاك ألن دعوى النبوة وصف قائم بنفس النبي‬
‫ال ينفك عنه في وقت من األوقات نعم قد يذهل النبي عن هذا الوصف كما في حال الن‪00‬وم كم‪00‬ا ق‪00‬د‬
‫يذهل المؤمن عن إيمانه حينئذ وال يعد مع ذلك غير مؤمن‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬الظاهر‪ 0‬أن هذا االستعمال على سبيل المجاز‪.‬‬
‫‪ 3‬لعل هذه الغلبة‪ 0‬في كالم متأخري المتكلمين‪ 0‬ال في كالم الش‪00‬ارع‪ .‬وال في كالم الس‪00‬لف‪،‬‬
‫فإنهم كانوا يطلقون كال منهما على الكالم النفس‪0‬ي الق‪0‬ائم باهلل تع‪0‬الى‪ 0‬ولم يقول‪0‬وا باللف‪0‬ظ‪ 0‬الح‪0‬ادث‬
‫كما تقدم بيانه‪.‬‬
‫‪255‬‬
‫بأنهم رأوه منشقاً‪ ،‬فقال كفار ق‪00‬ريش‪ :‬ه‪00‬ذا س‪00‬حر مس‪00‬تمر‪ ،1‬فق‪00‬د انش‪00‬ق نص‪00‬فين وه‪00‬و في‬
‫السماء وإن كان قد يسبق إلى الوهم أنه نزل منها إلى الجبل‪.‬‬
‫وكتسليم الحجر والشجر عليه صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬فعن عل ّي رضي هللا عنه‬
‫أنه قال‪ “ :‬كنت مع النبي صلى هللا عليه وآله وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيه‪00‬ا فم‪00‬ا‬
‫استقبله حجر وال شجر إال وهو يقول‪ :‬السالم عليك يا رسول هللا “ ‪.2‬‬
‫وكتسبيح الحصى في كفه صلى هللا عليه وآله وس‪0‬لم‪ ،‬فق‪0‬د روى ث‪0‬ابت بن أنس بن‬
‫مالك قال‪ :‬كنا جلوسا ً عن‪00‬د رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬فأخ‪00‬ذ كف‪0‬ا ً من حص‪00‬ى‬
‫فسبحن في يده حتى س‪00‬معنا التس‪00‬بيح ثم ص‪00‬بهن في ي‪00‬د أبي بك‪00‬ر فس‪00‬بحن ثم في ي‪00‬د عم‪00‬ر‬
‫فسبحن ثم في يد عثمان فسبحن ثم صبهن في أيدينا فما سبحن‪.3‬‬
‫وحنين الجذع الذي هو ساق النخلة وحديثه مشهور متواتر‪ :‬وهو أن‪00‬ه ك‪00‬ان ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم قبل أن يصنع له المنبر يخطب عنده‪ ،‬فلما صنع له المنبر انتق‪00‬ل إلي‪00‬ه‬
‫فسمع له كل من كان في المسجد حنينا ً وصوتا ً عظيما ً ح‪00‬تى ك‪00‬اد ينش‪00‬ق أس‪00‬فا ً على فراق‪00‬ه‬
‫صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم‪ ،‬فض‪00‬مه إلي‪00‬ه فص‪00‬ار يئن أنين الص‪00‬بي ال‪00‬ذي تض‪00‬مه أم‪00‬ه إليه‪00‬ا‬
‫وتسكته عن بكائه ثم قال‪( :‬إن شئت أردك إلى الحائط أي البستان الذي كنت فيه تنبت ل‪00‬ك‬
‫عروقك ويكمل لك خلقك ويتجدد ل‪00‬ك خ‪00‬وص وثم‪00‬ر‪ ،‬وإن ش‪00‬ئت أغرس‪00‬ك في الجن‪00‬ة فيأك‪00‬ل‬
‫أولياء هللا من ثمرك)‪ ،‬ثم أصغى إليه ليسمع ما يق‪00‬ول فق‪00‬ال بص‪00‬وت يس‪00‬معه من يلي‪00‬ه‪ :‬ب‪00‬ل‬
‫تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء هللا وأكون في مكان ال بالء فيه‪ ،‬فق‪00‬ال‪ :‬ق‪00‬د فعلت‪ ،‬ثم‬
‫قال صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬اختار دار البق‪0‬اء على دار الفن‪0‬اء)‪ ،‬وأم‪00‬ر ب‪00‬ه ف‪0‬دفن تحت‬
‫المنبر‪ ،‬وكان الحسن إذا ح‪00‬دث به‪00‬ذا الح‪00‬ديث بكى‪ ،‬وق‪00‬ال‪ :‬ي‪0‬ا عب‪0‬اد هللا‪ :‬الخش‪0‬بة تحن إلى‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه‪.4‬‬

‫‪ 1‬انشقاق القمر رواه البخاري في التفسير برقم ( ‪ )4867‬عن أنس رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫سأل أهل مكة أن يريهم آية‪ ،‬فأراهم انشقاق القمر و ب‪00‬رقم (‪ )4864‬عن ابن مس‪00‬عود رض‪00‬ي هللا‬
‫عنه قال‪ :‬انشق القمر على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فرق‪00‬تين فرق‪0‬ة ف‪0‬وق الجب‪00‬ل‬
‫وفرقة دونه‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‪( :‬اشهدوا)‪.‬‬
‫والحديث عند مسلم في كتاب ص‪00‬فات المن‪00‬افقين‪ 0‬ب‪00‬اب انش‪00‬قاق القم‪00‬ر ب‪00‬رقم (‪)2800‬عن‬
‫عبد هللا بن مسعود‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه الترمذي في المناقب‪ 0‬برقم (‪ )3626‬وق‪00‬ال‪ :‬ح‪00‬ديث غ‪00‬ريب‪ 0،‬وأخ‪00‬رج مس‪00‬لم في‬
‫الفضائل برقم (‪ )2277‬عن جابر بن سمرة رضي هللا عنه قال‪ :‬ق‪00‬ال رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى‬
‫عليه وآله وسلم‪( :‬إني ألعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث وإني ألعرفه اآلن)‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرجه الط‪00‬براني‪ 0‬في األوس‪00‬ط ب‪00‬رقم (‪ )1266‬ورقم (‪ )4097‬ق‪00‬ال الهيثمي في مجم‪00‬ع‬
‫الزوائد (‪ )5/179‬عن الرواية الثانية‪ :‬فيه محمد بن أبي حميد وه‪00‬و ض‪00‬عيف وق‪00‬ال‪ :‬ول‪00‬ه طري‪00‬ق‬
‫أحسن من هذا في ب‪00‬اب‪ 0‬عالم‪00‬ات النب‪00‬وة وإس‪00‬ناده ص‪00‬حيح وانظ‪00‬ر (‪ )8/299‬وأخرج‪00‬ه ال‪00‬بزار‪ 0‬في‬
‫مس‪00‬نده (‪ )9/434/9( 0)431/9‬وأخ‪00‬رج البخ‪00‬اري ح‪00‬ديثاً‪ 0‬في‪00‬ه‪ :‬ب‪00‬رقم (‪( )3579‬ولق‪00‬د كن‪00‬ا نس‪00‬مع‬
‫تسبيح الطعام وهو يؤكل)‪ ،‬قال ابن حجر في فتح الباري (‪ )6/592‬أي في عهد رسول هللا ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم غالباً‪.‬‬
‫‪256‬‬
‫وكر ّد عين قتادة حين سالت على خ‪00‬ده‪ ،‬وذل‪00‬ك أن‪00‬ه ك‪00‬ان يتقي بوجه‪00‬ه الس‪00‬هام عن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم في غزوة أحد‪ ،‬فأصاب عينه سهم فسالت على خده‪،‬‬
‫فأخذها بيده وس‪00‬عى به‪0‬ا إلى رس‪0‬ول هللا ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬فلم‪00‬ا رآه‪00‬ا في كف‪00‬ه‬
‫دمعت عيناه وقال‪ :‬إن شئت ص‪00‬برت ول‪00‬ك الجن‪00‬ة‪ ،‬وإن ش‪00‬ئت رددته‪00‬ا ودع‪00‬وت هللا ل‪00‬ك فلم‬
‫تفقد منها شيئاً‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول هللا إن الجن‪00‬ة لج‪00‬زاء جمي‪00‬ل وعط‪00‬اء جلي‪00‬ل‪ ،‬ولك‪00‬ني رج‪00‬ل‬
‫مبتلى بحب النساء وأخاف أن يقلن أعور فال يردن‪00‬ني‪ ،‬ولكن ترده‪00‬ا وتس‪00‬أل هللا لي الجن‪00‬ة‬
‫فرده‪00‬ا في موض‪00‬عها وق‪00‬ال‪( :‬اللهم ق قت‪00‬ادة كم‪00‬ا وقى وج‪00‬ه نبي‪00‬ك فاجعله‪00‬ا أحس‪00‬ن عيني‪00‬ه‬
‫وأحدها نظراً) وكان كذلك وكانت ال ترمد إذا رمدت األخرى‪.1‬‬
‫وكشهادة الضب بنبوته‪ :‬روي أن رسول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ك‪00‬ان في‬
‫محفل من أصحابه إذ جاءه أعرابي وقد صاد ضباً‪ ،‬فقال األع‪00‬رابي‪ :‬من ه‪00‬ذا؟ ق‪00‬الوا‪ :‬ن‪00‬بي‬
‫هللا‪ ،‬فقال‪ :‬والالت والعزى‪ ،‬ال آمنت به‪ ،‬إال أن يؤمن هذا الضب‪ ،‬وطرحه بين يدي‪00‬ه ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬فق‪00‬ال‪ :‬ي‪0‬ا ض‪0‬ب‪ ،‬فأجاب‪00‬ه بلس‪0‬ان م‪00‬بين‪ ،‬يس‪00‬معه الق‪00‬وم جميع‪0‬اً‪ :‬لبي‪0‬ك‬
‫وس‪0‬عديك ي‪0‬ا زين من وافى القيام‪0‬ة‪ ،‬ق‪0‬ال‪ :‬من تعب‪0‬د؟ ق‪0‬ال‪ :‬ال‪0‬ذي في الس‪0‬ماء عرش‪0‬ه وفي‬
‫األرض سلطانه‪ ،‬وفي البحر سبيله‪ ،‬وفي الجنة رحمته‪ ،‬وفي النار عقابه‪ ،‬ق‪00‬ال‪ :‬فمن أن‪00‬ا؟‬

‫‪ 4‬حديث حنين الجذع قد جاء بروايات متعددة مختلفة‪ ،‬ولم يجتمع ما أورده الشارح‪ 0‬في‬
‫واحدة منها‪ ،‬وإنما هو مجموع ومؤلف من مجموع الروايات‪ .‬أخرج البخاري عن جابر‪ 0‬بن عب‪00‬د‬
‫هللا برقم (‪ )2095‬أن امرأة قالت لرسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ :‬ي‪00‬ا رس‪00‬ول هللا أال‬
‫أجعل لك شيئا‪ 0‬تقعد عليه؟ فإن لي غالما نجارا قال‪( :‬إن شئت) فعملت ل‪00‬ه المن‪00‬بر‪،‬فلم‪0‬ا‪ 0‬ك‪00‬ان ي‪00‬وم‬
‫ص‪0‬نِع فص‪00‬احت النخل‪0‬ة ال‪0‬تى‪ 0‬ك‪00‬ان‬ ‫الجمعة قعد النبي‪ 0‬صلى هللا تعالى وآله وسلم على المنبر ال‪0‬ذي ُ‬
‫يخطب عندها حتى كادت أن تنشق‪ ،‬فنزل الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ح‪00‬تى أخ‪00‬ذها‬
‫فضمها إليه فجعلت تَئِنُّ أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت‪ ،‬قال‪( :‬بكت على ما كانت تس‪00‬مع‬
‫من الذكر )‪ .‬قال البيهقي في دالئل النبوة (‪ )2/563‬بعد أن روى جملة من أحاديث حنين الجذع‪:‬‬
‫هذه األحاديث‪ 0‬التى ذكرناها‪ 0‬في أم‪00‬ر الحنان‪00‬ة كله‪00‬ا ص‪0‬حيحة‪ 0،‬وأم‪0‬ر الحنان‪0‬ة من األم‪0‬ور الظ‪0‬اهرة‬
‫واألعالم النيرة التى أخذها الخلف عن الس‪00‬لف‪ ،‬ورواي‪00‬ة األح‪00‬اديث‪ 0‬في‪00‬ه ك‪00‬التكليف ( يع‪00‬نى وردت‬
‫تواترا ورود التكليف باألحكام الشرعية)‪.‬‬
‫وأخرج البخاري‪ 0‬في كتاب الجمع‪0‬ة ب‪00‬رقم (‪ )918‬عن ج‪0‬ابر بن عب‪00‬د هللا رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه‬
‫قال‪ :‬كان جذع يقوم إليه النبي صلى هللا تعالى‪ 0‬علي‪00‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪ ،‬فلم‪0‬ا وض‪00‬ع ل‪00‬ه المن‪0‬بر‪ 0‬س‪00‬معنا‬
‫للجذع مثل أصوات العشار‪ 0،‬حتى نزل النبي صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وآله وسلم فوضع يده عليه‪.‬‬
‫والحديث أخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصالة برقم (‪ )1414‬والدارمي في المقدمة‬
‫وراجع مجمع الزوائد كتاب الصالة (‪.)3/401‬‬
‫‪ 1‬أصل الحديث في مس‪0‬ند أبي يعلى ب‪0‬رقم (‪ )1549‬عن قت‪00‬ادة بن النعم‪0‬ان‪ :‬أن‪0‬ه أص‪00‬يبت‬
‫عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته‪ ،‬فأرادوا أن يقطعوها فسأل النبي‪ 0‬صلى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه‬
‫وسلم‪ :‬فقال‪( :‬ال)‪ ،‬فدعا به فغمز حدقته براحته‪ 0،‬فكان ال يدري أي عينيه أصيبت‪ ،‬وانظ‪00‬ر مجم‪00‬ع‬
‫الزوائد كتاب عالمات النبوة (‪ )8/535‬وأما هذا الخبر‪ 0‬باللفظ الذي أورده الشارح‪ 0‬فلم نعثر عليه‪.‬‬
‫يراجع الطبري (‪)8/19‬‬
‫‪257‬‬
‫قال‪ :‬رسول رب العالمين‪ ،‬وخاتم النبيين‪ ،‬وقد أفلح من ص‪00‬دقك‪ ،‬وخ‪00‬اب من ك‪00‬ذبك‪ ،‬فأس‪00‬لم‬
‫األعرابي‪.1‬‬
‫وأما حديث الظبية فالحق أن‪0‬ه موض‪0‬وع ال أص‪00‬ل ل‪00‬ه ولفظ‪0‬ه‪ :‬ك‪0‬ان الن‪00‬بي ص‪0‬لى هللا‬
‫علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم في ص‪00‬حراء‪ ،‬فنادت‪00‬ه ظبي‪00‬ة‪ :‬ي‪00‬ا رس‪00‬ول هللا‪ ،‬فق‪00‬ال‪ :‬م‪00‬ا حاجت‪00‬ك؟ ق‪00‬الت‪:‬‬
‫صادني ه‪00‬ذا األع‪00‬رابي ولي خش‪00‬فان –بكس‪00‬ر الخ‪00‬اء وتس‪00‬كين الش‪00‬ين‪ -‬أي ول‪00‬دان في ذل‪00‬ك‬
‫الجب‪00‬ل ف‪00‬أطلقني ح‪00‬تى أذهب أرض‪00‬عهما وأرج‪00‬ع‪ ،‬فق‪00‬ال‪ :‬وتفعلين؟ ق‪00‬الت‪ :‬نعم‪ ،‬ع‪00‬ذبني هللا‬
‫عذاب ال َعشَّا ِر إن لم أفعل‪ ،‬فأطلقها‪ ،‬فذهبت ورجعت‪ ،‬فأوثقها‪ ،‬فانتبه األع‪0‬رابي‪ ،‬وق‪0‬ال‪ :‬ي‪0‬ا‬
‫رسول هللا ألك حاج‪0‬ة؟ ق‪0‬ال‪( :‬تطل‪0‬ق ه‪0‬ذه الظبي‪0‬ة) فأطلقه‪0‬ا‪ ،‬فخ‪0‬رجت تع‪0‬دو في الص‪0‬حراء‬
‫وتقول‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأنك رسول هللا‪ ،‬لكن الحديث موضوع كما علمت‪.‬‬
‫(قوله معجز البشر) أي يصيرهم عاجزين عن معارضته‪ ،‬واإلتيان بمثل‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل ك‪00‬ل‬
‫س َوا ْل ِجنُّ َعلَى أَنْ يَأْتُوا بِ ِم ْث ِل َه َذا ا ْلقُ‪0ْ 0‬ر ِ‬
‫آن ال‬ ‫ت اأْل ِ ْن ُ‬ ‫المخلوقات كذلك إجماعا ً (قُ ْل لَئِ ِن ْ‬
‫اجتَ َم َع ِ‬
‫ض ظَ ِه‪00‬يراً) (اإلس‪00‬راء‪ )88:‬أي معين‪0‬اً‪ ،‬وخص اإلنس‬ ‫ض‪ُ 0‬ه ْم لِبَ ْع ٍ‬ ‫يَ‪00‬أْتُونَ بِ ِم ْثلِ‪ِ 0‬ه َولَ‪ْ 0‬‬
‫‪0‬و َك‪00‬انَ بَ ْع ُ‬
‫والجن مع أن سائر المخلوق‪00‬ات ك‪00‬ذلك‪ ،‬ألنهم‪00‬ا الل‪00‬ذان يتص‪00‬ور منهم‪00‬ا المعارض‪00‬ة‪ ،‬بخالف‬
‫غيرهما كالمالئكة لعصمتهم‪ ،‬واقتصار الناظم على البشر ألنهم الذين تصدوا لذلك بالفعل‪،‬‬
‫و “ البشر “ هم بنو آدم “ ‪ ،‬سموا بذلك لبدو بشرتهم التي هي ظاهر الجلد‪،‬‬
‫وال خالف في أن القرآن بجملته معجز‪ ،‬وإنما الخالف في أقل ما يق‪00‬ع ب‪00‬ه اإلعج‪00‬از‬
‫من أبعاضه‪ ،‬واختار جمهور أهل التحقيق أن أقله أقصر سورة من‪00‬ه أو ثالث آي‪00‬ات‪ ،‬وق‪00‬ال‬
‫‪0‬وثَ َر) (الك‪00‬وثر‪ )1:‬أو آي‪00‬ة أو آي‪0‬ات في‬‫القاض‪0‬ي عي‪00‬اض‪ :‬إن أقل‪0‬ه س‪00‬ورة (إِنَّا أَ ْعطَ ْينَ‪0‬اكَ ا ْل َك‪ْ 0‬‬
‫قدرها‪ ،‬وظاهر األول أن اآلي‪00‬ة أو اآلي‪00‬تين ليس معج‪00‬زاً وإن ع‪00‬ادل الثالث‪00‬ة أو الس‪00‬ورة في‬
‫الطول كآية الكرسي وال َد ْين‪ ،‬والظاهر خالفه‪ ،‬فالمعتمد أن اآلية الطويلة معجزة كالثالث‪00‬ة‪:‬‬
‫واختلف في وجه إعجازه‪ ،‬فقيل كون هللا صرفهم عن اإلتي‪00‬ان بمثل‪00‬ه‪ ،‬م‪00‬ع ك‪00‬ونهم‪ 0‬ق‪00‬ادرين‬
‫ص ْرفة‪ ،‬والذي ذهب إليه الجمه‪00‬ور‪ ،‬أن وج‪00‬ه إعج‪00‬ازه‬ ‫على ذلك‪ ،‬وهذا القول يسمى قول ال َ‬
‫كونه في أعلى طبقات البالغ‪00‬ة والفص‪00‬احة م‪00‬ع اش‪00‬تماله على اإلخب‪00‬ار بالمغيب‪00‬ات ودق‪00‬ائق‬
‫العلوم وأحوال المبدأ والمع‪00‬اد‪ ،‬وغ‪00‬ير ذل‪00‬ك مم‪00‬ا ال يحص‪00‬ى‪ ،‬وه‪00‬ذا ه‪00‬و الص‪00‬حيح في وج‪00‬ه‬
‫اإلعجاز‪.‬‬

‫واجزم بمعراج النبي كما رووا ‪ ##‬وبرئن لعائشة مما رموا‬ ‫‪-74‬‬
‫‪{-149‬اإلسراء والمعراج}‬
‫‪ 1‬قال الهيثمي في مجمع الزوائ‪00‬د (‪ )8/518‬كت‪00‬اب عالم‪00‬ات النب‪00‬وة‪ :‬رواه الط‪00‬براني‪ 0‬في‬
‫الص‪00‬غير ب‪00‬رقم (‪ )948‬واألوس‪00‬ط عن ش‪00‬يخه محم‪00‬د بن علي بن الولي‪00‬د البص‪00‬ري‪ 0،‬ق‪00‬ال ال‪00‬بيهقي‪0:‬‬
‫والحمل في هذا الحديث عليه‪ 0،‬قلت‪ :‬وبقية رجال‪00‬ه رج‪00‬ال الص‪00‬حيح‪ .‬وق‪00‬ال ال‪00‬ذهبي في الم‪00‬يزان‪( 0‬‬
‫‪ )3/651‬خبر باطل‪.‬‬
‫‪258‬‬
‫(قوله واجزم بمعراج النبي كما رووا) بسكون الياء من النبي مخفف ‪0‬ة‪ 0‬لل‪00‬وزن‪ ،‬أي‬
‫واعتقد اعتقاداً جازما ً بعروج نبين‪0‬ا ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم وص‪0‬عوده إلى الس‪0‬ماوات‬
‫الس‪00‬بع إلى س‪00‬درة المنتهى‪ 1‬إلى حيث ش‪00‬اء هللا بع‪00‬د اإلس‪00‬راء على ال‪00‬براق –وجبري‪00‬ل عن‬
‫يمينه وميكائيل عن يساره‪ -‬من المسجد الحرام إلى المس‪00‬جد األقص‪00‬ى ح‪00‬ال ك‪00‬ون الع‪00‬روج‬
‫‪2‬‬
‫الذي جزمت به مثل الذي رواه أهل الحديث والتفسير والسير‬
‫وكان على الناظم التع‪0‬رض لإلس‪0‬راء أيض‪0‬ا ً لكن اس‪0‬تغنى عن ذك‪0‬ره ب‪0‬ذكر المع‪0‬راج‬
‫لشهرة إطالق أحد االسمين –أع‪00‬ني اإلس‪00‬راء والمع‪00‬راج‪ -‬على م‪00‬ا يعمم م‪00‬دلوليهما‪ ،‬وه‪00‬و‬
‫سيره صلى هللا عليه وآله وسلم ليالً إلى أمكنة مخصوصة على وجه خارق للع‪00‬ادة‪ ،‬فه‪00‬ذا‬
‫أمر كلي يشمل مدلوليهما‪ 3‬والحق أنه كان يَقَظَةً ب‪00‬الروح والجس‪00‬د‪ ،‬كم‪00‬ا أجم‪00‬ع علي‪00‬ه أه‪00‬ل‬
‫الق‪00‬رن الث‪00‬اني ومن بع‪00‬ده من األم‪00‬ة‪ ،‬خالف‪0‬ا ً لبعض الق‪00‬رن األول‪ ،‬القائ‪00‬ل بأن‪00‬ه ك‪00‬ان منام‪0‬اً‪،‬‬
‫ولبعضه القائل بأنه كان بالروح فقط لكن يقظة فاألقوال ثالثة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فما الف‪0‬رق بين كون‪0‬ه منام‪0‬ا ً وبين كون‪00‬ه ب‪00‬الروح؟ أجيب بأن‪00‬ه على كون‪00‬ه‬
‫مناما ً يكون في حالة النوم‪ ،‬وعلى كونه بالروح ال ن‪00‬وم أص‪0‬الً‪ ،‬ب‪00‬ل ال‪0‬روح ت‪00‬ذهب لألمكن‪00‬ة‬
‫المخصوصة والجسد في هذه الحالة يكون كالغافل‪،‬‬
‫واإلسراء من المسجد الحرام إلى المسجد األقصى‪ :‬ثابت بالكتاب والسنة وإجم‪00‬اع‬
‫المسلمين‪ ،‬فمن أنكره كفر‪ ،‬والمعراج من المس‪00‬جد األقص‪00‬ى إلى الس‪00‬ماوات الس‪00‬بع‪ :‬ث‪00‬ابت‬
‫باألحاديث المشهورة‪ ،‬ومنها إلى الجنة‪ ،‬ثم إلى المستوى أو الع‪00‬رش أو ط‪00‬رف الع‪00‬الم من‬
‫فوق العرش‪ ،‬على الخالف في ذلك ث‪00‬ابت بخ‪00‬بر الواح‪00‬د‪ ،‬فمن أنك‪00‬ره ال يكف‪00‬ر لكن يفس‪00‬ق‪،‬‬
‫والتحقيق أنه لم يصل إلى العرش كما نصوا عليه في موارد القصة‪.‬‬

‫‪{ -150‬تبرئة أم المؤمنين عائشة من اإلفك}‬


‫‪ 1‬سدرة المنتهى هي شجرة ينتهي إليها علم المالئكة‪ ،‬ولم يجاوزها أح‪00‬د إال رس‪00‬ول هللا‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم جاء وصفها في حديث المعراج الطوي‪00‬ل بقول‪00‬ه ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم‪( :‬ورفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها (حملها وثماره‪00‬ا)‪ 0‬كأن‪00‬ه قالل هج‪00‬راء وورقه‪00‬ا‬
‫كأنه آذان الفيول‪ ،‬في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران‪ ،‬فسألت جبري‪0‬ل‪ ،‬فق‪0‬ال‪:‬‬
‫أما الباطنان‪ 0‬ففي الجنة‪ 0،‬وأما الظاهران‪ 0‬فالنيل والفرات‪ 0،‬أخرج‪00‬ه البخ‪00‬اري‪ 0‬في كت‪00‬اب ب‪00‬دء الخل‪00‬ق‬
‫برقم (‪.)3206‬‬
‫‪ 2‬حديث المعراج أخرجه البخ‪00‬اري‪ 0‬في مواض‪00‬ع منه‪00‬ا كت‪00‬اب ب‪00‬دء الخل‪00‬ق ب‪00‬رقم (‪)3206‬‬
‫وأخرجه مسلم في كتاب اإليمان برقم (‪ )163‬وابن حبان في صحيحه في كت‪00‬اب اإلس‪00‬راء ب‪00‬رقم (‬
‫‪ )47‬واإلمام أحمد (‪ )4/207‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ 3‬ليت شعري من هو القائل بإطالق كل من االسمين على هذا المفهوم العام مع أن قول‬
‫المصنف (كما رووا) ال يجري إال في المعراج ألن اإلسراء ثابت‪ 0‬بنص الكت‪00‬اب‪ 0‬ال برواي‪00‬ة الن‪00‬اس‬
‫فالتحقيق أن اقتصار‪ 0‬الناظم عليه لكونه مظنة الخالف واإلنكار لع‪00‬دم ثبوت‪00‬ه بنص الكت‪00‬اب بخالف‬
‫اإلسراء‪.‬‬
‫‪259‬‬
‫(قوله وب‪0‬رئن لعائش‪0‬ة مم‪0‬ا رم‪0‬وا) بزي‪0‬ادة الالم وس‪0‬كون اله‪0‬اء لل‪0‬وزن‪ :‬أي اعتق‪0‬د‬
‫وجوبا ً براءة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي هللا عنها وعن أبويه‪00‬ا مم‪00‬ا‬
‫رماها به المنافقون من اإلفك‪ :‬أي أشد الكذب‪ ،‬وال‪00‬ذي ت‪00‬ولى ك‪00‬بره أي معظم‪00‬ه حيث ابت‪00‬دأ‬
‫الخوض فيه وأشاعه‪ :‬عبد هللا بن أب ّي بن سلول لعنه هللا‪ ،‬وأب ّي‪ :‬اسم أبيه‪ ،‬وسلول‪ :‬اس‪00‬م‬
‫أمه‪ ،1‬وق‪00‬د ج‪00‬اء الق‪00‬رآن ببراءته‪00‬ا‪ ،‬وانعق‪00‬د عليه‪00‬ا إجم‪00‬اع األم‪00‬ة‪ ،‬ووردت به‪00‬ا األح‪00‬اديث‬
‫الصحيحة‪ ،‬فمن جحد براءتها أو شك فيها كفر‪،‬‬
‫وحاصل قصتها أن النبي صلى هللا عليه وسلم صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ك‪00‬ان إذا‬
‫أراد س‪00‬فراً أق‪00‬رع بين نس‪00‬ائه‪ ،‬فلم‪00‬ا أراد التوج‪00‬ه لغ‪00‬زوة ب‪00‬ني المص‪00‬طلق وتس‪00‬مى غ‪00‬زوة‬
‫المريسيع‪ 2‬أقرع بينهن‪ ،‬فخرجت القرعة على عائشة‪ ،‬فتوجهت معه‪ ،‬ففي رجوعهم منها‬
‫زع أظف‪00‬ار –بفتح الجيم وس‪00‬كون ال‪00‬زاي أو فتحه‪00‬ا‪ -‬أي خ‪00‬رز‬ ‫ض‪00‬اع عق‪00‬دها‪ ،‬وك‪00‬ان من َج‪ِ 0‬‬
‫هودجه‪00‬ا‪ -‬وه‪00‬و م‪00‬ركب من‬ ‫ُ‬ ‫فح ِم‪َ 0‬ل‬
‫منسوب ألظفار‪ :‬وهي بلد في اليمن‪ ،‬فتخلفت في طلب‪00‬ه ُ‬
‫مراكب النساء كالقبة‪ -‬ظنا ً أنها فيها ألنه‪00‬ا ك‪00‬انت خفيف‪0‬ة‪ 0‬كم‪00‬ا أخ‪00‬برت ب‪00‬ذلك‪ ،‬وس‪00‬ار الق‪00‬وم‬
‫ورجعت إليهم فلم تج‪00‬دهم‪ ،‬فمكثت مكانه‪00‬ا‪ ،‬فأخ‪00‬ذها الن‪00‬وم‪ ،‬فم‪00‬ر به‪00‬ا ص‪00‬فوان بن المعط‪00‬ل‬
‫وكان يعرفها قبل آية الحجاب‪ ،‬وكان يتخلف ليلتقط ما يسقط من المتاع أو ألنه ك‪00‬ان ثقي‪00‬ل‬
‫النوم فبرك ناقته‪ ،‬ووالها ظه‪00‬ره‪ ،‬وص‪00‬ار يس‪00‬ترجع جه‪00‬راً ح‪00‬تى اس‪00‬تيقظت‪ ،‬وحمله‪00‬ا على‬
‫الناقة ولم ينظر إليها‪ ،‬وقاد بها الناقة موليها ظهره حتى أدرك به‪0‬ا الن‪0‬بي ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه‬
‫وعلى آله وسلم‪ ،‬فرموها به وفشا ذلك بين المنافقين وضعفاء المسلمين‪ ،‬فشق ذل‪00‬ك على‬
‫النبي صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬فجمع الصحابة وقال‪ :‬يا معش‪00‬ر المس‪0‬لمين‪ ،‬من يع‪0‬ذرني‬
‫من رجل قد بلغ‪00‬ني أذاه في أه‪00‬ل بي‪00‬تي‪ ،‬فوهللا م‪00‬ا علمت على أهلي إال خ‪00‬يراً‪ ،‬ولق‪00‬د ذك‪00‬روا‬
‫رجالً ما علمت عليه إال خيراً‪ ،‬فقال سعد بن معاذ سيد األوس‪ :‬أنا أع‪00‬ذرك من‪00‬ه ي‪00‬ا رس‪00‬ول‬
‫هللا‪ ،‬إن كان من األوس ض‪00‬ربت عنق‪00‬ه‪ ،‬وإن ك‪00‬ان من إخوانن‪00‬ا من الخ‪00‬زرج أمرتن‪00‬ا ففعلن‪00‬ا‬
‫أمرك؛ فقال سعد بن عبادة سيد الخزرج‪ :‬كذبت ال تقدر على قتل‪00‬ه‪ ،‬فهم األوس والخ‪00‬زرج‬
‫بالقت‪00‬ال‪ ،‬ف‪00‬أمرهم الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ب‪00‬اإلعراض عن ذل‪00‬ك‪ ،‬ف‪00‬أنزل هللا في‬
‫ُصبَةٌ ِم ْن ُك ْم) (النور‪ :‬من اآلية‪ )11‬العشر آيات إلى قوله‬ ‫براءتها (إِنَّ الَّ ِذينَ َجا ُءوا بِاإْل ِ ْف ِك ع ْ‬
‫ق َك‪ِ 0‬ري ٌم) (الن‪00‬ور‪ :‬من اآلية‪ )26‬فق‪00‬ال‬‫تعالى‪( :‬أُولَئِ َك ُمبَ َّرأُونَ ِم َّما يَقُولُونَ لَ ُه ْم َم ْغفِ ‪َ 0‬رةٌ َو ِر ْز ٌ‬
‫أبو بكر لعائشة‪ :‬قومي فاشكري رسول هللا صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬فق‪00‬الت‪ :‬ال وهللا ال‬
‫أشكر إال هللا الذي برأني‪ ،‬لكن لم يكن ذلك لشيء كان في نفس‪00‬ها من رس‪00‬ول هللا ص‪0‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم فإن مقامها يجل عن ذلك‪ ،‬وإنما استغرقت في مقام الشهود فلم تشهد إال‬
‫هللا‪ ،‬وكان ممن تكلم في اإلفك مسطح‪ ،‬وكان أبو بكر ينف‪0‬ق علي‪00‬ه‪ ،‬فلم‪0‬ا بلغ‪00‬ه أن‪00‬ه تكلم في‬

‫‪ 1‬أي أم أبيه‪.‬‬
‫‪ 2‬كانت في شهر شعبان‪ 0‬من السنة السادسة للهجرة ومريسيع اسم ماء ك‪00‬ان علي‪00‬ه بن‪00‬و‬
‫المصطلق أثناء‪ 0‬الغارة عليهم‪ 0،‬فأضيفت إليه الغزوة‪.‬‬
‫‪260‬‬
‫ض‪ِ 0‬ل ِم ْن ُك ْم َو َّ‬
‫الس‪َ 0‬ع ِة … اآلي‪00‬ة)‬ ‫(وال يَأْتَ‪ِ 0‬‬
‫‪0‬ل أُولُ‪00‬و ا ْلفَ ْ‬ ‫اإلف‪00‬ك حل‪00‬ف ال ينف‪00‬ق علي‪00‬ه‪ ،‬ف‪00‬أنزل هللا‪َ :‬‬
‫(النور‪ :‬من اآلية‪ 1)22‬فأعاد أبو بكر النفقة كما كانت ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫يل هَّللا ِ َو ْليَ ْعفُ‪00‬وا‬


‫س‪0‬بِ ِ‬
‫ين فِي َ‬ ‫ين َوا ْل ُم َه‪ِ 0‬‬
‫‪0‬اج ِر َ‪0‬‬ ‫‪ 1‬تمام اآلي‪00‬ة‪( :‬أَنْ يُؤْ تُ‪00‬وا أُولِي ا ْلقُ‪0ْ 0‬ربَى َوا ْل َم َ‬
‫س‪0‬ا ِك َ‪0‬‬
‫صفَ ُحوا‪ 0‬أَال ت ُِحبُّونَ أَنْ يَ ْغفِ َر هَّللا ُ لَ ُك ْم َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم) (النور‪ 0:‬من اآلية‪.)22‬‬
‫َو ْليَ ْ‬
‫‪2‬‬
‫قصة اإلف‪00‬ك أخرجه‪00‬ا البخ‪00‬اري في كت‪00‬اب الش‪00‬هادات ب‪00‬رقم (‪ )2661‬ومس‪00‬لم في كت‪00‬اب‬
‫التوبة برقم (‪.)2770‬‬
‫‪261‬‬
‫القسم الرابع من الفن السمعيات وتوابعها‬
‫وصحبه خير القرون فاستمع ‪ ##‬فتابعي فتابع لمن تبع‬ ‫‪-75‬‬
‫‪{ -151‬أفضل القرون قرن الصحابة}‬
‫(قول‪00‬ه وص‪00‬حبه خ‪00‬ير الق‪00‬رون) أي وأص‪00‬حابه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم أفض‪00‬ل‬
‫القرون المتأخرة والمتقدمة ما عدا األنبياء والرسل‪ ،‬لحديث (إن هللا اختار أص‪00‬حابي على‬
‫العالمين سوى النبيين والمرسلين)‪ 1‬ولح‪00‬ديث‪( :‬هللا هللا في أص‪00‬حابي ال تتخ‪00‬ذوهم غرض ‪0‬ا ً‬
‫من بعدي‪ ،‬فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُ ُح ٍد ذهبا ً ما بلغ م ّد أحدهم وال نصيفه‪)2‬‬
‫وال يخفى ترجيح رتبة من الزمه صلى هللا عليه وآله وسلم وقاتل مع‪00‬ه وقت‪00‬ل تحت رايت‪00‬ه‬
‫على من لم يكن كذلك‪ ،‬وإن كان شرف الصحبة حاصالً للجميع‪،‬‬
‫والق‪00‬رون‪ :‬جم‪00‬ع ق‪00‬رن‪ ،‬ومعن‪00‬اه‪ :‬أه‪00‬ل زم‪00‬ان واح‪00‬د متق‪00‬ارب اش‪00‬تركوا في أم‪00‬ر من‬
‫األمور المقصودة‪ ،‬كالصحابة فإنهم اشتركوا في الصحبة‪ ،‬وهكذا من بعدهم‪ ،‬وقيل معناه‪:‬‬
‫الزمان الذي اشترك أهله في األمر الم‪00‬ذكور‪ ،‬وس‪00‬مي قرن‪0‬ا ً ألن‪00‬ه يق‪00‬رن أم‪00‬ة بأم‪00‬ة وعالَم‪0‬ا ً‬
‫بعالَم‪ ،3‬وعلى األول فال تقدير في كالم المصنف‪ ،‬وعلى الثاني ففي كالمه تق‪00‬دير مض‪00‬اف‪:‬‬
‫أي أهل القرون كما قدره الشارح في حل المتن‪ ،‬وقوله “ فاستمع “ تكملة‪،‬‬
‫‪{ -152‬أفضل األمة بعد الصحابة التابعون فتابعوهم}‬
‫وقوله “ فتابعي “ بإسكان الياء مخففة يفيد أن رتبة التابعين تلي رتبة الص‪00‬حابة‬
‫من غير تراخ كبير‪ ،‬ولذلك عبر بالفاء المفي‪00‬دة لل‪00‬ترتيب والتعقيب‪ ،‬والت‪00‬ابعي‪ :‬من اجتم‪00‬ع‬
‫بالصحابي اجتماعا ً متعارفاً‪ ،‬وال يشترط فيه طول االجتم‪00‬اع كم‪00‬ا في الص‪00‬حابي م‪00‬ع الن‪00‬بي‬
‫ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬وه‪00‬ذا م‪00‬ا ص‪00‬ححه ابن الص‪00‬الح والن‪00‬ووي وه‪00‬و المعتم‪00‬د‪،‬‬

‫‪ 1‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد (‪ :)10/16‬رواه البزار‪ 0‬عن جابر بن عبد هللا‪ ،‬ورجاله‬
‫ثقات‪ 0،‬وفي بعضهم خالف‪.‬‬
‫‪ 2‬قد جمع الشارح‪ 0‬هنا بين حديثين‪:‬‬
‫الحديث األول أخرجه الترمذي في كتاب المناقب باب (‪ )59‬برقم (‪ )3862‬عن عب‪00‬د هللا‬
‫بن مغفل قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا تعالى عليه‪ 0‬وآله وس‪00‬لم‪( :‬هللاَ هللاَ في أص‪00‬حابي‪ 0،‬هللاَ هللا في‬
‫أص‪00‬حابي ال تتخ‪00‬ذوهم غرض‪00‬ا ً من بع‪00‬دي‪ ،‬فمن أحبهم فبح‪00‬بي أحبهم‪ ،‬ومن أبغض‪00‬هم فببغض‪00‬ي‬
‫أبغض‪00‬هم‪ .‬ومن آذاهم فق‪00‬د آذاني‪ ،‬ومن آذاني فق‪00‬د آذى هللا‪ ،‬ومن آذى هللا يوش‪00‬ك أن يأخ‪00‬ذه" ق‪00‬ال‬
‫الترمذي‪ :‬حديث غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه‪.‬‬
‫وأخرج الحديث اإلمام أحمد في المسند (‪.)5/54‬‬
‫والحديث الثاني أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة ب‪00‬رقم (‪ .)3673‬ومس‪00‬لم في‬
‫فضائل الصحابة‪ 0‬برقم (‪ )2540‬واللفظ‪ 0‬له عن أبي هريرة رضي هللا تعالى‪ 0‬عنه ق‪00‬ال‪ :‬ق‪00‬ال رس‪00‬ول‬
‫هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‪( :‬ال تسبوا أصحابي‪ ،‬ال تسبوا أصحابي‪ ،‬فوالذي نفسي بي‪00‬ده‬
‫لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ً ما أدرك مد أحدهم وال نصيفه)‪.‬‬
‫‪ 3‬أي يقرن األمة بعض‪00‬ها ببعض ه‪00‬ذا إذا ك‪00‬ان اس‪00‬ما ً للزم‪00‬ان وأم‪00‬ا إذا ك‪00‬ان اس‪00‬ما ً ألهل‪00‬ه‬
‫فسموا بذلك القتران بعضهم ببعض في أمر‪.‬‬
‫‪262‬‬
‫والطريقة المشهورة‪ :‬أنه يش‪00‬ترط التمي‪00‬يز في الت‪00‬ابعي دون الص‪00‬حابي‪ ،‬والمعتم‪00‬د عن‪00‬دنا‪:‬‬
‫عدم اشتراطه في التابعي كما ال يشترط في الصحابي‪.‬‬
‫وأفضل التابعين‪ :‬أويس القرني‪ ،1‬كم‪00‬ا أن أفض‪00‬ل التابعي‪00‬ات‪ :‬حفص‪00‬ة بنت س‪00‬يرين‪،‬‬
‫على خالف في المسألة‪.‬‬
‫وقوله‪ “ :‬فتابع لمن تب‪00‬ع “ يفي‪00‬د أن رتب‪00‬ة أتب‪00‬اع الت‪00‬ابعين تلي رتب‪00‬ة الت‪00‬ابعين من‬
‫غير ت‪00‬راخ كب‪00‬ير كم‪00‬ا م‪00‬ر في ال‪00‬ذي قبل‪00‬ه‪ ،‬وفي كالم‪00‬ه إظه‪00‬ار في مق‪00‬ام اإلض‪00‬مار‪ ،‬إذ ك‪00‬ان‬
‫مقتض‪00‬ى الظ‪00‬اهر أن يق‪00‬ول فت‪00‬ابع ل‪00‬ه‪ ،‬ويك‪00‬ون الض‪00‬مير عائ‪00‬داً على الت‪00‬ابعي‪ ،‬واألص‪00‬ل في‬
‫الترتيب الذي أفاده كالم المصنف قوله صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬خير أمتي القرن الذي‬
‫‪2‬‬
‫يلونني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)‬
‫وظاهره أن ما بعد القرون الثالثة س‪00‬واء في الفض‪00‬يلة‪ ،‬وذهب جماع‪00‬ة إلى تف‪00‬اوت‬
‫بقية القرون بالسبقية‪ ،3‬فكل قرن أفضل من الذي بع‪0‬ده إلى ي‪00‬وم القيام‪00‬ة‪ ،‬لح‪00‬ديث (م‪00‬ا من‬
‫يوم إال والذي بعده شر منه‪ ،‬وإنما يس‪00‬رع بخي‪00‬اركم)‪ 4‬لكن ق‪00‬د ورد (مث‪00‬ل ه‪00‬ذه األم‪00‬ة مث‪00‬ل‬
‫المطر ال يدري أوله خير أو آخره)‪ ،5‬والعيان قاض بذلك‪.‬‬

‫‪ 1‬أخ‪00‬رج مس‪00‬لم في فض‪00‬ائل الص‪00‬حابة ب‪00‬رقم (‪ )2542‬عن عم‪00‬ر بن الخط‪00‬اب‪ 0‬ق‪00‬ال‪ :‬إني‬
‫سمعت رس‪0‬ول هللا ص‪0‬لى هللا تع‪0‬الى‪ 0‬علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم يق‪0‬ول‪( :‬إن خ‪0‬ير الت‪0‬ابعين رج‪0‬ل يق‪0‬ال ل‪0‬ه‪:‬‬
‫أويس‪ ،‬وله والدة‪ ،‬وكان به بياض‪ ،‬فمروه فليستغفر لكم)‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه مسلم في فضائل الصحابة برقم (‪ )2534‬واللفظ ل‪00‬ه‪ ،‬وأخ‪00‬رج نح‪00‬وه البخ‪00‬اري‬
‫في كتاب الشهادات‪ 0‬برقم (‪.)2652‬‬
‫‪ 3‬الصواب‪ 0‬بالسبق ألن الياء والتاء لجعل غير المصدر مصدرا‪ ،‬ويس‪00‬مى الملح‪00‬ق بهم‪00‬ا‬
‫مصدرا جعليا‪ ،‬والسبق مصدر بنفسه‪.‬‬
‫‪ 4‬أخرجه البخاري في كتاب‪ 0‬الفتن‪ 0‬ب‪00‬رقم (‪ )7068‬عن الزب‪00‬ير‪ 0‬بن ع‪00‬دي ق‪00‬ال‪ :‬أتين‪00‬ا أنس‬
‫بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج‪ 0،‬فقال‪ :‬اصبروا‪ ،‬فإنه ال ي‪00‬أتي عليكم زم‪00‬ان إال وال‪00‬ذي‬
‫بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم‪ ،‬سمعته من نبيكم‪.‬‬
‫‪ 5‬الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (‪ )7226‬عن عمار بن ياس‪00‬ر بلف‪00‬ظ (مث‪00‬ل‬
‫أمتي) وأخرجه الترمذي في كتاب األمثال برقم (‪ )2869‬عن أنس بن مالك‪ 0،‬وقال‪ :‬ح‪00‬ديث حس‪00‬ن‬
‫غريب من هذا الوجه‪.‬‬
‫وأخرجه اإلمام أحمد (‪ )4/319‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد في كتاب المن‪00‬اقب رقم (‬
‫‪ )16706‬رواه أحمد والبزار والطبراني ورج‪00‬ال ال‪00‬بزار رج‪00‬ال الص‪00‬حيح غ‪00‬ير الحس‪00‬ن بن قزع‪00‬ة‬
‫وعبيد بن سليمان اإل ّر‪ ،‬وهما ثقتان‪ ،‬وفي عبيد خالف ال يضر‪.‬‬
‫‪263‬‬
‫‪{ -153‬أفضل الصحابة الخلفاء الراشدون}‬
‫وخيرهم من ولي الخالفة ‪ ##‬وأمرهم في الفضل كالخالف ْه‬ ‫‪-76‬‬
‫(قوله وخيرهم من ولي الخالفة) أي وأفض‪00‬ل الص‪00‬حابة النف‪00‬ر ال‪00‬ذي ولي الخالف‪00‬ة‬
‫العظمى وهي النيابة عن النبي صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم في عم‪00‬وم مص‪00‬الح المس‪00‬لمين‪،‬‬
‫وقد قدر صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم م‪00‬دتها بقول‪00‬ه (الخالف‪00‬ة بع‪00‬دي ثالث‪00‬ون –أي س‪00‬نة‪ -‬ثم‬
‫تصير ملكا ً عضوضاً)‪ 1‬أي ذا عض وتضييق‪ ،‬ألن المل‪00‬وك يض‪00‬رون بالرعي‪00‬ة ح‪00‬تى ك‪00‬أنهم‬
‫يعضون عضاً‪ ،‬فالمراد أن‪0‬ه ذو تض‪0‬ييق ومش‪0‬قة على الرعي‪0‬ة‪ ،‬والنف‪0‬ر ال‪0‬ذي ولي الخالف‪0‬ة‬
‫العظمى‪ :‬الخلفاء األربعة‪ ،‬فتوالها أبو بكر رضي هللا عنه سنتين‪ ،‬وثالث‪00‬ة أش‪00‬هر وعش‪00‬رة‬
‫أيام‪ ،‬وتوالها عمر رضي هللا عنه عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام‪ ،‬وتواله‪00‬ا عثم‪00‬ان‬
‫رضي هللا عنه إحدى عشرة سنة‪ ،‬وأحد عشر شهراً وتسعة أيام‪ ،‬وتوالها علي رض‪00‬ي هللا‬
‫عنه وكرم هللا وجهه‪ ،‬أربع سنين وتسعة أشهر وسبعة أيام‪ ،‬فالمجموع تس‪00‬عة وعش‪00‬رون‬
‫سنة وستة أشهر وأربعة أيام‪ ،‬فلم تكمل المدة التي قدرها النبي صلى هللا عليه وآله وسلم‬
‫إال بأيام الحسن بن علي رضي هللا عنهما‪ ،‬كذا حرره السيوطي‪ ،‬لذا ق‪0‬ال معاوي‪00‬ة‪ :‬أن‪00‬ا أول‬
‫الملوك‪ ،‬وإلى هذا التفصيل ذهب الجمهور خالف‪0‬ا ً لم‪00‬ا نقل‪00‬ه الم‪00‬ازري عن طائف‪00‬ة من ع‪00‬دم‬
‫المفاضلة بين الصحابة‪.‬‬
‫(قوله وأم‪00‬رهم في الفض‪00‬ل كالخالف‪00‬ة) أي وش‪00‬أن الخلف‪00‬اء األربع‪00‬ة في ت‪00‬رتيبهم في‬
‫الفضل بمعنى كثرة الثواب على حسب ترتيبهم في الخالفة عند أهل السنة‪ ،‬فأفض‪00‬لهم أب‪00‬و‬
‫بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رض‪00‬ي هللا عنهم‪ ،‬وي‪00‬دل ل‪00‬ذلك ح‪00‬ديث ابن عم‪00‬ر‪ :‬كن‪00‬ا نق‪00‬ول‬
‫ورسول هللا صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم يس‪00‬مع‪ :‬خ‪00‬ير ه‪00‬ذه األم‪00‬ة بع‪00‬د نبيه‪00‬ا‪ ،‬أب‪00‬و بك‪00‬ر‪ ،‬ثم‬
‫عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم علي‪ ،‬فلم ينهنا‪ ،2‬وقد قال السعد‪ :‬على ه‪00‬ذا وج‪00‬دنا الس‪00‬لف والخل‪00‬ف‪،‬‬
‫والظاهر أنه لو لم يكن لهم دليل على ذلك لما حكموا به‪ ،‬وفي ذلك رد على الخطابي‪0‬ة وهم‬
‫فرقة تنسب البن الخطاب األسدي تقول بتقديم عمر‪ ،‬وفيه رد على الراوندي‪00‬ة‪ ،‬وك‪00‬انوا في‬
‫األصل يقال لهم العباسية‪ ،‬يقولون بتقديم العباس ابن عبد المطلب‪ ،‬وإنما غير اسمهم لئال‬
‫يتوهم أنهم أوالد العباس‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه الترمذي عن سفينة برقم (‪ )2226‬وقال‪ :‬حسن‪.‬‬


‫‪ 2‬الحديث ورد بروايات‪ 0‬متعددة بألفاظ متقاربة‪.‬‬
‫منها ما أخرجه البخ‪00‬اري‪ 0‬في فض‪00‬ائل الص‪00‬حابة ب‪00‬رقم (‪ )3655‬عن ابن عم‪00‬ر ق‪00‬ال‪ :‬كن‪00‬ا‬
‫نخير بين الناس في زمن النبي صلى هللا تع‪0‬الى علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪ ،‬فنخ‪0‬ير أب‪0‬ا بك‪0‬ر‪ ،‬ثم عم‪0‬ر بن‬
‫الخطاب‪ 0،‬ثم عثمان‪ 0‬بن عفان‪ 0،‬وزاد البخاري ب‪00‬رقم (‪ :)3698‬ثم ن‪00‬ترك أص‪00‬حاب‪ 0‬الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم ال نفاضل بينهم‪.‬‬
‫ومنها ما أخرجه أبو داود في كتاب السنة برقم (‪ )4628‬عن ابن عمر قال‪ :‬كنا نقول –‬
‫ورسول هللا صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وآله وسلم حي‪ :-‬أفضل أمة النبي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان‪.‬‬
‫ومنها ما أخرجه أبو يعلى برقم (‪ )5604‬عن ابن عمر بمعناه وفي‪00‬ه‪ :‬فيبل‪00‬غ ذل‪00‬ك الن‪00‬بي‬
‫صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وسلم فال ينكره‪.‬‬
‫وليس في شيء من هذه الروايات ذكر لعلي رضي هللا تعالى‪ 0‬عنه‪.‬‬
‫‪264‬‬
‫وفيه رد أيضا ً على الش‪00‬يعة –بفتح الي‪00‬اء‪ -3‬وهم فرق‪00‬ة تتغ‪00‬الى في حب س‪00‬يدنا علي‬
‫رضي هللا عنه فتقدمه على سائر الصحابة‪ ،‬وأما أهل الكوفة وبعض أهل السنة وجمه‪00‬ور‬
‫المعتزلة وسيدنا مالك في قول‪00‬ه األول فيق‪00‬دمون علي‪0‬ا ً على عثم‪00‬ان فق‪00‬ط‪ ،‬فف‪00‬رق بين ق‪00‬ول‬
‫الشيعة وقول هؤالء وإن أوهم كالم الشارح خالف ذلك‪،‬‬

‫يليهم قوم كرام برر ْه ‪ ##‬عدتهم ست تمام العشر ْه‬ ‫‪-77‬‬


‫‪ 3‬قوله‪ :‬بفتح الياء‪ .‬ينظر فيه‪.‬‬
‫‪265‬‬
‫‪{ -154‬فضل العشرة المبشرة}‬
‫(قوله‪ :‬يليهم) باإلشباع‪ :‬أي يلي آخرهم‪ 1‬وهو علي‪ ،‬ف‪0‬الكالم على تق‪0‬دير مض‪0‬اف‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬قوم) أي رجال‪.‬وقوله‪( :‬كرام) جمع كريم وهو كريم النفس رفيع النسب‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫(بررة) جمع بار وهو المحسن من البر وهو اإلحسان‪.‬وقوله‪( :‬عدتهم ست تمام العش‪00‬رة)‬
‫أي عددهم ست تمام العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬فمن جملتهم المشايخ األربع‪00‬ة الس‪00‬ابقون‪،‬‬
‫والس‪0‬تة الباقي‪0‬ة‪ :‬هم طلح‪0‬ة بن عبي‪0‬د هللا‪ ،‬والزب‪0‬ير بن الع‪0‬وام‪ ،‬وعب‪0‬د ال‪0‬رحمن بن ع‪0‬وف‪،‬‬
‫وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬وسعيد بن زيد‪ ،‬وأبو عبيدة عامر بن الجراح ولم يرد نص بتفاوت‬
‫بعضهم على بعض في األفضلية فال نقول به لعدم التوقيف‪.‬‬
‫وتخصيص هؤالء العشرة بأنهم مبشرون بالجنة مع أن المبشرين أكثر منهم‪ ،‬فإن‬
‫الحسن والحسين وأمهما فاطمة من المبشرين بالجنة قطعا‪ ،‬ألن هؤالء جمعوا في ح‪00‬ديث‬
‫مشهور‪ ،‬ففي الترمذي وابن حبان من حديث عبد الرحمن بن ع‪00‬وف عن الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم أنه قال‪( :‬أبو بكر في الجنة‪ ،‬وعمر في الجنة‪ ،‬وعثمان في الجنة‪ ،‬وعلي‬
‫في الجن‪00‬ة‪ ،‬وطلح‪00‬ة في الجن‪00‬ة‪ ،‬والزب‪00‬ير في الجن‪00‬ة‪ ،‬وعب‪00‬د ال‪00‬رحمن بن ع‪00‬وف في الجن‪00‬ة‪،‬‬
‫وسعد بن أبي وقاص في الجن‪00‬ة‪ ،‬وأب‪00‬و عبي‪00‬دة بن الج‪00‬راح في الجن‪00‬ة‪ ،‬وس‪00‬عيد بن زي‪00‬د في‬
‫الجنة‪.2‬‬

‫‪ 1‬قوله أي يلي آخرهم بل يلي مجموعهم كما هو المتب‪00‬ادر فال حاج‪00‬ة إلى الق‪00‬ول بح‪00‬ذف‬
‫المضاف‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أخرج‪00‬ه الترم‪00‬ذي في كت‪00‬اب المن‪00‬اقب ب‪00‬رقم (‪ )3747‬وابن حب‪00‬ان في ص‪00‬حيحه ب‪00‬رقم (‬
‫‪ ،)7002‬واإلمام أحمد في المسند (‪.)1/193‬‬
‫‪266‬‬
‫فأهل بدر العظيم الشان ‪ ##‬فأهل أحد فبيعة الرضوان‬ ‫‪-78‬‬
‫‪{ -155‬فضل أهل بدر}‬
‫(قوله فأهل بدر) بتحريك التنوين للوزن‪ :1‬أي فأهل غ‪0‬زوة ب‪00‬در؛ ففي الكالم تق‪00‬دير‬
‫مض‪00‬اف‪ ،‬ف‪00‬رتبتهم تلي رتب‪00‬ة الس‪00‬تة من العش‪00‬رة‪ ،‬وال ف‪00‬رق بين من استش‪00‬هد فيه‪00‬ا –وهم‬
‫أربعة عشر رجالً ستة من المهاجرين وثمانية من األنصار‪ -‬وبين من لم يستشهد به‪00‬ا‪ .‬و‬
‫“ بدر “ اسم لل‪0‬وادي أو لب‪0‬ئر في‪0‬ه بناه‪0‬ا رج‪0‬ل في الجاهلي‪0‬ة يق‪0‬ال ل‪0‬ه ب‪0‬در‪ ،‬وفي الس‪0‬يرة‬
‫الشامية‪ :‬بدر قرية مشهورة على نحو أربع مراحل من المدينة‪،‬‬
‫‪{ -156‬قصة غزوة بدر}‬
‫وكان أهل غزوة بدر ثلثمائة وس‪0‬بعة عش‪0‬ر رجالً‪ ،‬وفي رواي‪0‬ة “ وثالث‪0‬ة عش‪0‬ر “‬
‫ويؤيد هذه الرواية أنه صلى هللا عليه وآله وسلم أمر بعدّهم ف‪00‬أخبر ب‪00‬أنهم ثلثمائ‪00‬ة وثالث‪00‬ة‬
‫عشر‪ ،‬ففرح بذلك وقال‪ :‬عدة أصحاب طالوت‪ ،2‬وكان معهم فرسان فقط‪ :‬إحداهما للمق‪00‬داد‬
‫بن األسود والثانية للزبير بن العوام‪ ،‬وفي عبارة بعضهم‪ :‬ثالثة أفراس وكان معهم أيضا ً‬
‫س‪00‬بعون بع‪00‬يراً‪ ،‬وك‪00‬ان المش‪00‬ركون ألف‪00‬ا ً ومعهم مائ‪00‬ة ف‪00‬رس وس‪00‬بعمائة بع‪00‬ير‪ ،‬وس‪00‬بق‬
‫المشركون إلى ماء ب‪00‬در ف‪00‬أحرزوه ولم يص‪00‬ل إلي‪00‬ه المس‪00‬لمون‪ ،‬فعطش‪00‬وا وأص‪00‬بح غ‪00‬البهم‬
‫جنبا‪ ،‬فوسوس الش‪0‬يطان لبعض‪00‬هم وق‪00‬ال‪ :‬تزعم‪0‬ون أنكم‪ 0‬على الح‪0‬ق وفيكم ن‪00‬بي هللا وأنكم‬
‫أولياء هللا وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم عطاش وتصلون محدثين مجنبين‪ ،‬وم‪00‬ا‬
‫ينتظر أعداؤكم إال أن يقطع العطش رقابكم وي‪00‬ذهب ق‪00‬واكم فيتحكم‪00‬ون فيكم كي‪00‬ف ش‪00‬اؤوا‪،‬‬
‫فأرسل هللا عليهم مطراً وسال من‪00‬ه ال‪00‬وادي‪ ،‬فاغتس‪00‬لوا وش‪00‬ربوا وش‪00‬ربت دوابهم وملئ‪00‬وا‬
‫األسقية وثَبَّتَ المط ُر رم َل األرض‪ ،‬ورس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم يص‪00‬لي تحت‬
‫شجرة حتى أصبح‪ ،‬وصنعوا عريشا ً له صلى هللا عليه وآله وسلم فكان فيه هو وأبو بكر‪،‬‬
‫وقام سعد بن معاذ على بابه متوش‪00‬حا ً بالس‪00‬يف‪ ،‬ومش‪00‬ى رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم في موضع المعركة وجعل يشير بيده‪ :‬هذا مصرع فالن وهذا مصرع فالن إن ش‪00‬اء‬
‫هللا تعالى‪ ،‬فما تعدى أحد منهم موضع إش‪00‬ارته‪ ،‬وس‪00‬وى رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم الصفوف وخطب خطبة يحثهم فيها على الثبات‪ ،‬وابتهل صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم‬
‫في الدعاء حتى قال‪ :‬اللهم إن تهلك هذه العصابة الي‪00‬وم ال تعب‪00‬د في األرض‪ ،‬اللهم أنش‪00‬دك‬
‫عهدك ووعدك‪ ،‬اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك وال يقوم ل‪00‬ك دين‪ ،‬ورك‪00‬ع‬
‫ركعتين‪ ،‬وكان كثيراً ما يقول في سجوده إذ ذاك‪ :‬يا حي يا قيوم‪ ،‬يكررها مدة وهو س‪00‬اجد‬
‫حتى سقط رداؤه من كثرة ما ابتهل‪ ،‬فألقاه عليه أب‪0‬و بك‪0‬ر وق‪0‬ال‪ :‬ي‪0‬ا ن‪0‬بي هللا كف‪0‬اك تناش‪0‬د‬
‫ربك فإنه سينجز لك ما وعدك‪ ،‬ثم قاتل رسول هللا صلى هللا عليه وآله وس‪0‬لم بنفس‪0‬ه قت‪0‬االً‬
‫شديداً وحرض المسلمين على القتال فقال‪ :‬قَدِّموا إلى جنة عرض‪00‬ها الس‪00‬ماوات واألرض‪،‬‬
‫وك‪00‬انوا إذا اش‪00‬تد الب‪00‬أس اتق‪00‬وا برس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم فك‪00‬ان أق‪00‬ربهم‬

‫‪ 1‬تحريك‪ 0‬التنوين‪ 0‬لكونه لقي الالم الساكنة ال للوزن‪.‬‬


‫‪ 2‬أخرج‪00‬ه ال‪00‬بيهقي في دالئ‪00‬ل النب‪00‬وة (‪ )3/37‬والط‪00‬براني في الكب‪00‬ير‪ )4/174( 0‬وأخ‪00‬رج‬
‫البخاري في المغازي برقم (‪ )3959‬عن البراء‪ 0‬قال‪ :‬كنا نتحدث أن أصحاب‪ 0‬بدر ثالثمائة‪ 0‬وبضعة‬
‫عشر بعدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر وما جاوزه إال مؤمن‪.‬‬
‫‪267‬‬
‫للمشركين‪ ،‬فأخذ رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم كفا ً من حصى فرمى به المش‪00‬ركين‬
‫وق‪00‬ال‪ :‬ش‪00‬اهت الوج‪00‬وه‪- 1‬أي قبحت‪ -‬اللهم أرعب قل‪00‬وبهم وزل‪00‬زل أق‪00‬دامهم‪ ،‬فأص‪00‬اب أعين‬
‫(س‪0‬يُ ْهزَ ُم ا ْل َج ْم‪ُ 0‬ع َويُ َولُّونَ‬
‫جميعهم وانهزموا ورسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يق‪0‬ول‪َ :‬‬
‫ال ُّدبُ َر) (القمر‪ )45:‬وأسر منهم سبعون وقتل من أشرافهم س‪00‬بعون ك‪00‬أبي جه‪00‬ل وأمي‪00‬ة بن‬
‫خلف وعتبة بن ربيعة‪،‬‬
‫وك‪00‬ان م‪00‬ع المس‪00‬لمين س‪00‬بعون من الجن وثالث‪00‬ة آالف من المالئك‪00‬ة م‪00‬ردفين يتب‪00‬ع‬
‫بعضهم بعضاً‪ ،‬ثم كملت خمسة آالف فتمثلوا برجال بيض على خي‪00‬ل بل‪00‬ق عم‪00‬ائمهم بيض‬
‫قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم‪ ،‬وقيل‪ :‬س‪00‬ود‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬ص‪00‬فر‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬حم‪00‬ر‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬خض‪00‬ر‪،‬‬
‫فكأنهم أنواع‪ ،‬وكان قتيلهم يعرف بأثر السواد في األعناق والبنان أي المفصل مثل ح‪00‬رق‬
‫النار‪.‬‬
‫وكان إبليس مع المش‪00‬ركين متص‪00‬وراً بص‪00‬ورة س‪00‬راقة بن مال‪0‬ك‪ ،‬وك‪00‬ان مع‪00‬ه راي‪00‬ة‬
‫وق‪00‬ال‪ :‬ال غ‪00‬الب لكم الي‪00‬وم من الن‪00‬اس وإني ج‪00‬ار لكلم‪ :‬أي معين لكم‪ ،‬فلم‪00‬ا أقب‪00‬ل جبري‪00‬ل‬
‫والمالئكة نكص على عقبيه وقال‪ :‬إني ب‪0‬ريء منكم إني أرى م‪0‬ا ال ت‪0‬رون‪ ،‬وص‪00‬ار يق‪00‬ول‪:‬‬
‫اللهم إني أنشدك أني من المنظرين‪.2‬‬
‫وتبس‪00‬م رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم في ص‪00‬الته فس‪00‬ألوه عن ذل‪00‬ك بع‪00‬د‬
‫انقضائها فق‪00‬ال‪( :‬م‪00‬ر بي ميكائي‪00‬ل وعلى جناح‪00‬ه أث‪00‬ر الغب‪00‬ار وه‪00‬و راج‪00‬ع من طلب الق‪00‬وم‪،‬‬
‫فضحك إلي فتبسمت إليه)‪ ،3‬وجاء جبريل بعد القتال على فرس أحم‪0‬ر علي‪00‬ه درع‪0‬ه ومع‪0‬ه‬
‫رمحه فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬إن هللا بعثني إليك وأمرني أن ال أفارقك حتى ترضى‪ ،‬ه‪00‬ل رض‪00‬يت؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬

‫‪ 1‬روى الطبراني في المعجم الكبير برقم (‪ )3128‬عن حكيم بن حزام قال‪ :‬لما كان ي‪00‬وم‬
‫بدر أمر رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم فأخ‪0‬ذ كف‪0‬ا ً من الحص‪0‬ى فاس‪0‬تقبلنا‪ 0‬ب‪00‬ه‪ ،‬ف‪0‬رمى‬
‫(و َم‪00‬ا َر َميْتَ إِ ْذ َر َميْتَ َولَ ِكنَّ هَّللا َ َر َمى) (األنف‪00‬ال‪:‬‬
‫بها‪ ،‬وقال‪ :‬شاهت الوجوه‪ ،‬فأنزل هللا عز وج‪00‬ل‪َ :‬‬
‫من اآلية‪ )17‬ق‪00‬ال الهيثمي في مجم‪00‬ع الزوائ‪00‬د كت‪00‬اب المغ‪00‬ازي ب‪00‬رقم (‪ )6/84‬رواه الط‪00‬براني‪0‬‬
‫وإسناده حسن وعن ابن عباس أن النبي صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم ق‪00‬ال لعلي‪( :‬ن‪00‬اولني‪ 0‬كف‪0‬ا ً من‬
‫حصى) فناول‪0‬ه‪ ،‬ف‪0‬رمى ب‪0‬ه وج‪0‬وه الق‪0‬وم‪ ،‬فم‪0‬ا بقي أح‪0‬د من الق‪0‬وم إال امتألت عين‪0‬اه من الحص‪0‬ا‪0،‬‬
‫(و َم‪00000‬ا َر َميْتَ إِ ْذ َر َميْتَ َولَ ِكنَّ هَّللا َ َر َمى) (األنف‪00000‬ال‪ 0:‬من اآلية‪ )17‬ق‪00000‬ال الهيثمي رواه‬
‫ف‪00000‬نزلت‪َ 0:‬‬
‫الطبراني‪ 0:‬ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬روى الطبراين‪ 0‬في المعجم الكبير برقم (‪ )4550‬عن رفاعة بن رافع األنص‪00‬اري ق‪00‬ال‪:‬‬
‫لما رأى إبليس ما تفعل المالئكة بالمشركين‪ 0‬أشفق أن يخلص القتل إليه‪ ،‬فتشبث ب‪00‬ه الح‪00‬ارث بن‬
‫هشام وهو يظن أنه سراقة بن مالك‪ 0،‬فوكز في صدر الح‪00‬ارث‪ 0‬فألق‪00‬اه‪ 0،‬ثم خ‪00‬رج هارب‪0‬ا ً ح‪00‬تى ألقى‬
‫نفسه في البحر‪ 0،‬فرفع يديه فق‪00‬ال‪ :‬اللهم إني أس‪00‬ألك نظرت‪00‬ك إي‪00‬اي … الح‪00‬ديث‪ ،‬ق‪00‬ال الهيثمي في‬
‫مجمع الزوائد كتاب المغازي برقم (‪ )9956‬رواه الطبراني‪ ،‬وفيه عبد العزي‪00‬ز بن عم‪00‬ران‪ ،‬وه‪00‬و‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫رواه أب‪00‬و يعلى في مس‪00‬نده ب‪00‬رقم (‪ )2060‬عن ج‪00‬ابر بن عب‪00‬د هللا‪ ،‬ق‪00‬ال الهيثمي رقم (‬
‫‪ :)9992‬وفيه الوازع بن نافع وهو متروك‪.‬‬
‫‪268‬‬
‫والحكم‪00‬ة في قت‪00‬ال المالئك‪00‬ة وحض‪00‬ورهم م‪00‬ع المس‪00‬لمين –م‪00‬ع أن المل‪00‬ك الواح‪00‬د‬
‫كجبريل يق‪00‬در على رف‪0‬ع الكف‪00‬ار ب‪00‬ل على اقتالع األرض –أن تك‪00‬ون المالئك‪00‬ة ع‪0‬دداً وم‪0‬دداً‬
‫لجيش المسلمين على عادة مدد الجي‪00‬وش رعاي‪00‬ة لص‪00‬ورة األس‪00‬باب ال‪00‬تي أجراه‪00‬ا هللا بين‬
‫عباده‪.‬‬
‫قال ابن عباس ولم تقاتل المالئك‪00‬ة إال ي‪00‬وم ب‪00‬در‪ ،1‬ولكنه‪00‬ا تحض‪00‬ر في ك‪00‬ل قت‪00‬ال من‬
‫قتال الكفار إلى يوم القيامة لتكثير سواد المسلمين‪.‬‬
‫ثم إن م‪00‬ا اقتض‪00‬اه كالم الن‪00‬اظم –من أن األربع‪00‬ة الخلف‪00‬اء والس‪00‬تة ال‪00‬ذين هم تم‪00‬ام‬
‫العشرة أفضل من المالئكة الذين حضروا بدراً‪ -‬محمول على غير رؤسائهم‪ ،‬لما تق‪00‬دم من‬
‫أن رؤساءهم أفضل من عوام البشر‪ ،‬وقد علمت أن المراد بهم أوليائهم كأبي بكر وعمر‪،‬‬
‫ثم المالئكة الذين شهدوا بدراً أفض‪00‬ل ممن لم يش‪00‬هدها منهم‪ ،‬وقياس‪00‬ه أن يق‪00‬ال‪ :‬ك‪00‬ذلك في‬
‫مؤم‪00‬ني الجن‪( .‬قول‪00‬ه العظيم‪ 0‬الش‪00‬أن) ص‪00‬فة لب‪00‬در من حيث غزوته‪00‬ا‪ ،‬واح‪00‬ترز ب‪00‬ذلك عن‬
‫غزوتيها األخيرتين‪ ،‬فإن غزواتها ثالث‪ :‬األولى لم يقع فيها قت‪00‬ال ب‪00‬ل ك‪00‬انت لطلب إنس‪00‬ان‬
‫أغار على مواش‪00‬ي المدين‪00‬ة وخرج‪00‬وا في طلب‪00‬ه فلم يج‪00‬دوه‪ ،2‬والث‪00‬الث ق‪00‬د تواع‪00‬د له‪00‬ا أب‪00‬و‬
‫سفيان مع النبي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم وتخل‪00‬ف أب‪00‬و س‪00‬فيان خوف‪0‬اً‪ ،‬والوس‪00‬طى هي‬
‫العظمى لحضور المالئكة والجن فيها‪ 3‬مع اإلنس‪.‬‬
‫‪{ -157‬فضل أهل أُ ُحد وقصة وقعته}‬
‫(قوله فأهل أحد) بدرج هم‪0‬زة “ أح‪0‬د “ وتس‪0‬كين دال‪0‬ه لل‪0‬وزن‪ ،‬و “ أح‪0‬د “ جب‪0‬ل‬
‫معروف بالمدينة أي فأه‪00‬ل غ‪00‬زوة أح‪00‬د ف‪00‬رتبتهم تلي رتب‪00‬ة أه‪00‬ل غ‪00‬زوة ب‪00‬در‪ ،‬والم‪00‬راد من‬
‫شهدها من المسلمين سواء استشهد بها كالسبعين أم ال‪.‬‬
‫وكان أهلها ألفاً‪ ،‬منهم ثالثمائة من المنافقين ال‪00‬ذين رج‪00‬ع بهم عب‪00‬د هللا بن أُبَ ّي بن‬
‫سلول‪ ،‬وكان المشركون ثالثة آالف رجل‪ ،‬واص‪00‬طف المس‪00‬لمون بأص‪00‬ل أح‪00‬د والمش‪00‬ركون‬
‫بالسبخة‪ ،‬وجعل الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم عب‪00‬د هللا بن جب‪00‬ير أم‪00‬يراً على الرم‪00‬اة‬
‫بالنب‪00‬ل وهم خمس‪00‬ون وق‪00‬ال‪ :‬احم‪00‬وا ظهورن‪00‬ا واثبت‪00‬وا مك‪00‬انكم‪ ،‬فلم‪00‬ا التحم الح‪00‬رب ش‪00‬رع‬
‫المسلمون في أخذ الغنائم فقال الرماة‪ :‬غلب أصحابكم فما تنظرون؟ فقال أميرهم‪ :‬أنس‪00‬يتم‬
‫ق‪00‬ول رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬فق‪00‬الوا‪ :‬وهللا لن‪00‬أتين الن‪00‬اس ونص‪00‬يب من‬
‫الغنيمة‪ ،‬وحملوا كالمه صلى هللا عليه وآله وس‪0‬لم على أن الم‪0‬راد‪ :‬م‪0‬ا دام الح‪0‬رب قائم‪0‬اً‪،‬‬
‫‪ 1‬رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم ( ‪ )11377‬وانظر مجمع الزوائد كتاب المغازي‬
‫(‪.)6/109‬‬
‫‪ 2‬ملخص القص ‪0‬ة‪ 0‬أن ك‪00‬رز بن ج‪00‬ابر الفه‪00‬ري أغ‪00‬ار على إب‪00‬ل المدين‪00‬ة وغنمه‪00‬ا‪ ،‬فخ‪00‬رج‬
‫رسول هللا صلى هللا تعالى عليه‪ 0‬وآله وسلم في طلبه‪ 0،‬حتى بلغ واديا ً يق‪00‬ال ل‪00‬ه س‪00‬فوان في ناحي‪00‬ة‬
‫بدر‪ ،‬فلم يدركه فع‪00‬اد علي‪00‬ه الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪ ،‬ويس‪00‬مى ابن هش‪00‬ام ه‪0‬ذه الغ‪00‬زوة بغ‪00‬زوة س‪00‬فوان (‬
‫‪ )2/238‬ثم إن كرز بن ج‪00‬ابر أس‪00‬لم وه‪00‬اجر إلى المدين‪00‬ة‪ ،‬وحس‪00‬ن إس‪00‬المه‪ ،‬قات‪00‬ل م‪00‬ع رس‪00‬ول هللا‬
‫صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وآله وسلم‪ ،‬وقتل يوم فتح مكة‪ ،‬وكان في خيل خالد بن الوليد‪.‬‬
‫‪ 3‬األولى أن يقول‪ :‬النتصار اإلسالم وظه‪0‬ور ش‪0‬وكته فيه‪00‬ا وتق‪0‬رر أم‪0‬ره كق‪0‬وة سياس‪0‬ية‪0‬‬
‫وعسكرية في الجزيرة العربية‪ 0‬وهو ما أشار إليه تعالى بقوله (يوم الفرقان‪ 0‬يوم التقى الجمعان)‪.‬‬
‫‪269‬‬
‫فلما أتوهم رجع الكفار عليهم ووقع القتال‪ ،‬وأشاع إبليس في ذلك الوقت أن محم‪00‬داً قت‪00‬ل‪،‬‬
‫فقتل من المسلمين سبعون‪ ،‬ومن الكفار نيف وعش‪0‬رون‪ ،‬وقي‪00‬ل س‪00‬بعون أيض‪0‬اً‪ ،‬منهم أُبَ َّي‬
‫بن خلف قتله المصطفى بيده الكريمة‪ ،‬ولم يقتل بيده الشريفة غيره وكان ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم البسا ً درعين‪ ،‬فأراد أن ينهض وهما عليه ليص‪00‬عد ص‪00‬خرة هن‪00‬اك ف‪00‬برك طلح‪00‬ة‬
‫فصعد على ظهره واستوى عليها‪ ،1‬وقد أصيب طلحة حينئذ ببضع وسبعين م‪00‬ا بين طعن‪00‬ة‬
‫بالرمح وضربة بالسيف ورمية بالسهم وقطعت أصابعه‪ ،‬ورسول هللا صلى هللا عليه وآل‪0‬ه‬
‫وسلم يقول‪ :‬قد أوجب طلحة –أي الجنة‪ -‬وفيها استشهد حمزة‪ :‬قتله وحشي‪ ،‬وشج وج‪00‬ه‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬ورماه عتبة بن أبي وق‪00‬اص لعن‪00‬ه هللا بحج‪00‬ر فكس‪00‬ر‬
‫رباعيته فلم يولد من نسله ولد إال اهتم أبخر‪ ،2‬ودخل حلقتان من المغفر في وجنته ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم فأخرجهما أبو عبي‪00‬دة بأس‪00‬نانه فس‪00‬قطت ثنيت‪00‬اه‪ ،‬فك‪00‬ان أحس‪00‬ن الن‪00‬اس‬
‫هتماً‪.‬‬
‫‪{ -158‬فضل أهل بيعة الرضوان وقصتها}‬
‫(قوله فبيعة الرضوان) أي فأه‪00‬ل بيع‪00‬ة الرض‪00‬وان‪ ،‬ف‪00‬رتبتهم تلي رتب‪00‬ة أه‪00‬ل غ‪0‬زوة‬
‫أحد‪ ،‬واإلضافة في “ بيعة الرضوان “ من إضافة السبب للمسبب‪ ،‬وس‪00‬ميت ب‪00‬ذلك لقول‪00‬ه‬
‫ض ‪َ 0‬ي هَّللا ُ َع ِن ا ْل ُم‪00‬ؤْ ِمنِينَ ‪ ..‬اآلي‪00‬ة) (الفتح‪ :‬من اآلية‪ 3)18‬وك‪00‬ان أه‪00‬ل بيع‪00‬ة‬
‫تع‪00‬الى‪( :‬لَقَ ‪ْ 0‬د َر ِ‬
‫الرضوان ألفا ً وأربعمائة‪ ،‬وقيل وخمسمائة‪ ،‬وخرج بهم النبي صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫ع‪00‬ام س‪00‬ت من الهج‪00‬رة لزي‪00‬ارة ال‪00‬بيت الح‪00‬رام واالعتم‪00‬ار ب‪00‬ه‪ ،‬ولم يكن معهم س‪00‬الح إال‬
‫الس‪00‬يوف‪ ،‬ف‪00‬نزلوا بأقص‪00‬ى الحديبي‪00‬ة مح‪00‬ل مع‪00‬روف‪ ،‬فص‪00‬ده المش‪00‬ركون عن دخ‪00‬ول مك‪00‬ة‪،‬‬
‫فأرسل إليهم عثمان بكتاب ألشراف قريش يعلمهم أنه إنما قدم معتم‪0‬راً ال مق‪0‬اتالً‪ ،‬فق‪0‬الوا‪:‬‬
‫ال يدخل مكة هذا العام‪ ،‬فشاع أنهم قتلوا عثمان‪ :‬أشاع ذلك إبليس ورفع صوته ب‪00‬ه‪ ،‬فق‪00‬ال‬
‫عليه الصالة والسالم عند ذلك‪ :‬ال نبرح حتى نناجزهم الحرب‪ ،‬ودعا الناس عن‪00‬د الش‪00‬جرة‬
‫للبيع‪00‬ة على الم‪00‬وت‪ ،‬أو على أال يف‪00‬روا‪ ،‬ب‪00‬ل يص‪00‬برون على الح‪00‬رب‪ ،‬فب‪00‬ايعوه على ذل‪00‬ك‪،‬‬
‫ووضع صلى هللا عليه وآله وسلم شماله في يمينه‪ ،‬وق‪00‬ال‪ :‬ه‪00‬ذه عن ي‪00‬د عثم‪00‬ان‪ :‬أي على‬
‫الج‪ 0‬د بن قيس –بفتح الجيم‪ -‬اختب‪00‬أ‬ ‫تقدير حياته‪ ،‬أو نظ‪00‬راً للحقيق‪00‬ة‪ ،‬ولم يتخل‪00‬ف عنه‪00‬ا إال َ‬
‫تحت بطن ناقته وكان منافقاً‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه تاب وحسن إسالمه‪ ،‬ثم تبينت حياة عثمان‪.‬‬
‫فصالحهم النبي صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم على ش‪00‬روط وهي‪ :‬أن يوض‪00‬ع الح‪00‬رب‬
‫بينه وبينهم عشر سنين‪ ،‬وأن يؤمن بعضهم بعضاً‪ ،‬وأن يرجع في هذا العام ويأتي للعمرة‬
‫في العام القابل‪ ،‬وأن من جاء ممن تبعه ال يردوه ومن جاء من قريش مؤمنا ً يرده‪ ،‬وك‪00‬ره‬
‫المسلمون ذلك فقالوا‪ :‬يا رسول هللا إنا نرد وال يردون‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬ومن ذهب إليهم فأبع‪00‬ده‬
‫هللا‪ ،‬ومن جاء منهم فسيجعل هللا له مخرجاً‪ ،‬حتى أسلم أبو جندل وجماعة وانحازوا بجبل‬

‫‪ 1‬أخرجه الترمذي في المناقب‪ 0‬برقم (‪ )3738‬وقال حسن صحيح غريب‪ 0،‬وأخرجه أحمد‬
‫(‪.)1/165‬‬
‫‪ 2‬األهتم من انكسرت ثناياه واألنثى هتماء والبخر نتن الفم‪.‬‬
‫ين إِ ْذ يُبَايِ ُعونَ‪00‬كَ ت َْحتَ َّ‬
‫الش‪َ 0‬ج َر ِة فَ َعلِ َم َم‪00‬ا فِي‬ ‫ض‪َ 0‬ي هَّللا ُ َع ِن ا ْل ُم‪00‬ؤْ ِمنِ َ‪0‬‬
‫‪ 3‬اآلية بتمامها‪( :‬لَقَ‪ْ 0‬د َر ِ‬
‫س ِكينَةَ َعلَ ْي ِه ْم َوأَثَابَ ُه ْم فَ ْتحا ً قَ ِريباً)‪( 0‬الفتح‪.)180:‬‬
‫قُلُوبِ ِه ْم فَأ َ ْن َز َل ال َّ‬
‫‪270‬‬
‫يقطعون الطريق على قريش‪ ،‬فأرسلوا له صلى هللا عليه وآله وسلم بإسقاط الشروط وأن‬
‫يأخذهم عنده‪.‬‬
‫وقد كتب عل ّي‪ :‬هذا ما صالح عليه محمد رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬لو سلمنا أنك رسول هللا صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم م‪00‬ا خاص‪00‬مناك‪ ،‬ف‪00‬أبى عل ّي أن‬
‫يمحوها‪ ،‬فقال صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم‪ :‬أرنيه‪0‬ا‪ ،‬فمحاه‪0‬ا وق‪0‬ال‪ :‬اكتب لهم كم‪0‬ا ق‪0‬الوا “‬
‫محمد بن عبد هللا “ ف‪00‬إني رس‪00‬ول هللا وابن عب‪00‬د هللا‪ ،‬وتحلل‪00‬وا ب‪00‬الحلق وال‪00‬ذبح‪ ،‬ورجع‪00‬وا‬
‫المدينة‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫والسابقون فضلهم نصا ً عُرفْ ‪ ##‬هذا وفي تعيينهم قد اختلف‬ ‫‪-79‬‬
‫‪{ -159‬فضل السابقين األولين‪ ،‬ومن هم}‬
‫(قوله والسابقون فضلهم نصا ً عرف) هذه جمل‪0‬ة مس‪0‬تأنفة‪ ،‬وله‪0‬ذا لم ي‪0‬أت بح‪0‬رف‬
‫الترتيب‪ “ ،‬والسابقون “ مبتدأ أول‪ ،‬و “ فضلهم “ مبتدأ ثان‪ ،‬وجملة قول‪00‬ه “ ع‪00‬رف “‬
‫خبر المبتدأ الثاني‪ ،‬وهو وخبره خبر عن المبتدأ األول؛ و “ نص ‪0‬ا ً “ منص‪00‬وب على ن‪00‬زع‬
‫الخ‪00‬افض‪ ،‬وفي عب‪00‬ارة بعض‪00‬هم‪ :‬منص‪00‬وب على التمي‪00‬يز‪ ،‬والمع‪00‬نى والمتق‪00‬دمون األول‪00‬ون‬
‫فضلهم –بمعنى كثرة ث‪00‬وابهم‪ 0‬على غ‪00‬يرهم ممن لم يش‪00‬ركهم في ه‪00‬ذه الص‪00‬فة –ع‪00‬رف من‬
‫سابِقُونَ اأْل َ َّولُ‪00‬ونَ ِمنَ ا ْل ُم َه‪ِ 0‬‬
‫‪0‬اج ِرينَ‬ ‫(وال َّ‬
‫نص القرآن أو من جهة نص القرآن‪ ،‬كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫صا ِر… اآلية) (التوبة‪ :‬من اآلية‪ 1)100‬وقوله “ هذا “ أي افهم ه‪00‬ذا‪ ،‬فه‪00‬و مفع‪00‬ول‬ ‫َواأْل َ ْن َ‬
‫لمحذوف‪ ،‬ويصح غير ذلك‪.‬‬
‫وقوله‪ “ :‬وفي تعيينهم قد اختلف “ أي وفي تعيين السابقين ق‪00‬د اختل‪0‬ف العلم‪0‬اء‪:‬‬
‫فقال أبو موسى األش‪00‬عري وغ‪00‬يره من األك‪00‬ابر‪ :‬ال‪00‬ذين ص‪00‬لوا إلى القبل‪00‬تين –أي قبل‪00‬ة بيت‬
‫المق‪00‬دس والكعب‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬ذا ه‪00‬و ق‪00‬ول األك‪00‬ثر وه‪00‬و األص‪00‬ح‪ ،‬وق‪00‬ال محم‪00‬د بن كعب الق‪00‬رظي‬
‫وجماعة‪ :‬هم أهل بدر‪ ،‬وقال الش‪00‬عبي‪ :‬هم أه‪00‬ل بيع‪00‬ة الرض‪00‬وان‪ ،‬ف‪00‬األقوال ثالث‪00‬ة أرجحه‪00‬ا‬
‫أوله‪0‬ا‪ ،‬وق‪0‬د علم من كالم الن‪0‬اظم أن التفض‪0‬يل ت‪0‬ارة يك‪0‬ون باعتب‪0‬ار األف‪0‬راد‪ ،‬وت‪0‬ارة يك‪0‬ون‬
‫باعتبار األصناف‪.‬‬
‫ف‪00‬األول كتفض‪00‬يل أبي بك‪00‬ر ثم عم‪00‬ر ثم عثم‪00‬ان ثم عل ّي‪ ،‬والث‪00‬اني كتفض‪00‬يل الخلف‪00‬اء‬
‫األربعة‪ ،‬ثم الستة الباقية من العشرة‪ ،‬ثم أهل ب‪00‬در ثم أه‪00‬ل أح‪00‬د‪ ،‬ثم أه‪00‬ل بيع‪00‬ة الرض‪00‬وان‪،‬‬
‫وبعض أهل هذه المراتب ربما دخل في بعضها‪ ،‬وربما دخل في الجميع‪ ،‬فقد يك‪00‬ون س‪00‬ابقا ً‬
‫خليفة بدريا ً أحديا ً رضوانيا ً كالمشايخ األربع‪00‬ة لكن عثم‪00‬ان ب‪00‬دري أج‪00‬راً ال حض‪00‬وراً‪ ،‬ألن‪00‬ه‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم خلفه على بنته َرقَيَّةَ يمرضها وماتت في غيبته صلى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم وقال‪ :‬لك أجر رجل وسهمه‪ ،‬وكان عثمان يلقب بذي الن‪00‬ورين لتزوج‪00‬ه ببنتي‪00‬ه‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم رقية وأم كلثوم‪ ،‬ولم يعلم من تزوج ببنتي نبي غيره‪.‬‬

‫ض‪0‬وا َع ْن‪0‬هُ َوأَ َع‪َّ 0‬د لَ ُه ْم َجنَّا ٍ‪0‬‬


‫ت‬ ‫ض‪َ 0‬ي هَّللا ُ َع ْن ُه ْم َو َر ُ‬
‫ان َر ِ‬ ‫(والَّ ِذينَ اتَّبَ ُعو ُه ْم بِإ ِ ْح َ‬
‫س ٍ‪0‬‬ ‫تمام اآلية‪َ :‬‬
‫‪1‬‬

‫ت َْج ِري ت َْحتَ َها اأْل َ ْن َها ُر َخالِ ِدينَ فِي َها أَبَداً َذلِكَ ا ْلفَ ْو ُز ا ْل َع ِظي ُم) (التوبة‪ :‬من اآلية‪.)100‬‬
‫‪272‬‬
‫وأول التشاجر الذي ور ْد ‪ ##‬إن خضتَ فيه واجتنب داء الحسد‬
‫ِّ‬ ‫‪-80‬‬
‫‪{ -160‬يجب تأويل التشاجر الذي جرى بين الصحابة عند الخوض فيه}‬
‫(قوله وأول التشاجر الذي ورد‪ )1‬لما ذك‪00‬ر أن ص‪00‬حبه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫خير القرون احتاج للجواب عما وق‪00‬ع بينهم من المنازع‪00‬ات الموهم‪00‬ة ق‪00‬دحا ً في حقهم م‪00‬ع‬
‫أنهم ال يصرون على عمد المعاصي وإن لم يكونوا معصومين‪.‬‬
‫وقد وقع تشاجر بين علي ومعاوية رضي هللا عنهما‪ ،‬وق‪0‬د اف‪0‬ترقت الص‪0‬حابة ثالث‬
‫فرق‪ ،‬فرقة اجتهدت فظهر لها أن الحق مع علي فقاتلت معه‪ ،‬وفرقة اجته‪00‬دت فظه‪00‬ر له‪00‬ا‬
‫أن الحق مع معاوية فق‪0‬اتلت مع‪0‬ه‪ ،‬وفرق‪0‬ة ت‪0‬وقفت‪ ،‬وق‪0‬د ق‪0‬ال العلم‪0‬اء‪ :‬المص‪0‬يب ب‪0‬أجرين‬
‫والمخطئ بأجر‪ ،‬وقد شهد هللا ورسوله لهم بالعدالة‪.‬‬
‫والمراد من تأويل ذلك أن يصرف إلى محمل حسن لتحس‪00‬ين الظن بهم‪ ،‬فلم يخ‪00‬رج‬
‫واحد منهم عن العدالة بما وقع بينهم ألنهم مجتهدون‪.‬‬
‫قوله‪ “ :‬إن خضت فيه “ أي إن قدر أنك خضت فيه فأوله وال تنقص أح‪00‬داً منهم‪،‬‬
‫وإنما قال المصنف ذلك ألن الشخص ليس مأموراً بالخوض فيما ج‪00‬رى بينهم‪ ،‬فإن‪00‬ه ليس‬
‫من العقائد الدينية وال من القواعد الكالمية‪ 2‬وليس مما ينتفع به في ال‪00‬دين ب‪00‬ل ربم‪00‬ا ض‪00‬ر‬
‫في اليقين‪ ،‬فال يباح الخوض فيه إال للرد على المتعصبين أو للتعليم كت‪00‬دريس الكتب ال‪00‬تي‬
‫تشتمل على اآلثار المتعلقة بذلك‪ ،‬وأم‪00‬ا الع‪00‬وام فال يج‪00‬وز لهم الخ‪00‬وض في‪00‬ه لش‪00‬دة جهلهم‬
‫وعدم معرفتهم بالتأويل‪.‬‬

‫‪ 1‬قوله "الذي ورد" أي ثبت باألحاديث المتصلة األسانيد كما يؤخذ من شرح المصنف‬
‫الشيخ عبد السالم‪ ،‬والمراد أنه ثبت بتلك األحاديث عند األئمة‪ ،‬وأما ما لم يثبت‪ 0‬عند األئم‪00‬ة فه‪00‬و‬
‫م‪00‬ردود باط‪00‬ل ال يحت‪00‬اج إلى تأويل‪00‬ه‪ 0،‬وقول‪00‬ه اآلتي إن خض‪00‬ت في‪00‬ه" أي اطلعت علي‪00‬ه وعلمت‪00‬ه‪،‬‬
‫والفرض أنه ث‪00‬ابت‪ 0‬عن‪00‬د األئم‪00‬ة باألح‪00‬اديث المتص‪00‬لة األس‪00‬انيد‪ ،‬والحاص‪00‬ل أن التأوي‪00‬ل ال يجب إال‬
‫بشرطين‪ 0،‬األول‪ :‬أن يكون التشاجر ثابتاً‪ 0‬عن األئم‪00‬ة باألح‪00‬اديث المتص‪00‬لة‪ 0‬األس‪00‬انيد‪ 0،‬والث‪00‬اني‪ :‬أن‬
‫يخوض الشخص فيه بأن‪ 0‬يطلع على ما جرى بينهم‪ ،‬وخرج باألول م‪00‬ا لم يثبت‪ 0‬عن‪00‬د األئم‪00‬ة فه‪00‬و‬
‫مردود باطل‪ ،‬فنحكم عليه بأنه مردود باطل وال نحتاج إلى تأويل‪00‬ه‪ 0،‬وخ‪00‬رج بالث‪00‬اني م‪00‬ا ثبت عن‪00‬د‬
‫األئمة لكن لم نطلع عليه فال يجب تأويله أيضاً‪ 0‬ألن تأويل الشيء فرع عن العلم به‪ ،‬والفرض أنه‬
‫غير معلوم‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬لعله أراد أن الخوض المذكور ليس من مقتضى العقائد الدينية وال القواعد الكالمي‪00‬ة‪،‬‬
‫وإال فالخوض من األعمال وظاهر أنه ليس من العقائد والقواعد التي هي أمور قلبية عقلية‪.‬‬
‫‪273‬‬
‫(قوله واجتنب داء الحسد‪ )1‬أي واترك وجوبا ً في خوضك فيما شجر بينهم داء هو‬
‫الحسد‪ ،‬فاإلضافة للبيان إن أريد الداء المعنوي‪ ،‬أو الحس‪00‬د الش‪00‬بيه بال‪00‬داء‪ ،‬فاإلض‪00‬افة من‬
‫إضافة المشبه به للمشبه‪ ،‬إن أريد الداء الحسي‪ ،‬والمراد داء الحس‪00‬د الحام‪00‬ل على المي‪00‬ل‬
‫مع أحد الطرفين على وجه غير مرضي‪ ،2‬وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪:‬‬
‫هللا هللا في أصحابي ال تتخ‪00‬ذوهم غرض‪0‬ا ً من بع‪00‬دي‪ ،‬من آذاهم فق‪00‬د آذاني‪ ،‬ومن آذاني فق‪00‬د‬
‫آذى هللا ومن آذى هللا يوش‪000‬ك أن يأخ ‪00‬ذه‪ ،3‬أي اتق ‪00‬وا هللا ثم اتق ‪00‬وا‪ 0‬هللا‪ ،‬أو أنش‪000‬دكم هللا ثم‬
‫أنشدكم هللا في حق أص‪00‬حابي وتعظيمهم التتخ‪00‬ذوهم ك‪00‬الغرض ال‪00‬ذي ي‪00‬رمي إلي‪00‬ه بالس‪00‬هام‬
‫فترموهم بالكلمات التي ال تناسب مقامهم‪ ،‬فمن آذاهم فق‪00‬د آذاني ومن آذاني فق‪00‬د آذى هللا‪:‬‬
‫أي تعدى حدوده وخالفه‪ :‬ففيه مشاكلة وإال فحقيقة اإليذاء على هللا محال‪00‬ة‪ ،‬ومن آذى هللا‬
‫يوشك أن يأخذه أي يقرب أن يعذب‪00‬ه وفي رواي‪00‬ة (ال تس‪00‬بوا أص‪00‬حابي فمن س‪00‬ب أص‪00‬حابي‬
‫فعليه لعنة هللا والمالئكة والناس أجمعين ال يقبل هللا منه صرفا ً وال عدالً)‪ 4‬ومعل‪00‬وم ج‪00‬واز‬
‫لعن غير المعين من العصاة‪ ،‬والصرف‪ :‬الفرض‪ ،‬والعدل‪ :‬النفل‪.‬‬
‫وقيل بالعكس‪ ،‬وقيل غير ذل‪00‬ك‪ ،‬وه‪00‬ذا في المس‪00‬تحل أو خ‪00‬ارج مخ‪00‬رج المبالغ‪00‬ة في‬
‫الزجر‪.5‬‬

‫‪ 1‬قول‪00‬ه‪" :‬واجتنب داء الحس‪00‬د" أي‪ :‬حس‪00‬د أح‪00‬د الف‪00‬ريقين المتش‪00‬اجرين‪ 0،‬الحام‪00‬ل ذل‪00‬ك‬
‫الحسد على الميل للفريق‪ 0‬اآلخر على وجه غير مرضي‪ ،‬بأن يشتمل ذلك الميل على س‪00‬ب غ‪00‬يره‪،‬‬
‫هذا ما أراده المحشي‪ ،‬ثم الظاهر أن الحسد بمعناه األصلي الذي هو تمني زوال نعمة الغير ليس‬
‫مراداً هنا‪ 0،‬بل المراد به هنا مطلق اإليذاء والسب والمعنى حينئ‪00‬ذ‪ :‬واجتنب س‪00‬ب الص‪00‬حابة‪ 0،‬ه‪00‬ذا‬
‫ما ظهر‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 2‬فيه أن الحامل إلى هذا الميل هو الجهل والتعصب‪ 0‬وليس الحسد فذكر الحسد ليس في‬
‫محله‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫أخرجه الترمذي في كتاب المناقب برقم ( ‪ )3862‬عن عبد هللا بن مغفل وأخرجه أحمد‬
‫في المسند (‪.)5/54‬‬
‫‪ 4‬أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عويلم بن ساعدة (‪.)3/632‬‬
‫‪ 5‬قد جرى العلماء على مثل هذا التعبير في مثل هذا المقام وظاهره مشكل‪ ،‬فإن ظ‪00‬اهره‬
‫يفيد أن هذا الكالم مخالف للواق‪00‬ع لكن‪00‬ه ق‪0‬د أتى للمبالغ‪0‬ة‪ 0‬في الزج‪00‬ر‪ 0،‬وه‪00‬و غ‪00‬ير ص‪00‬حيح‪ .‬وال‪00‬ذي‬
‫يظهر لي أن مرادهم أن مثل هذا مما يذكر عقاباً‪ 0‬على األعمال مقيد بعدم العف‪00‬و عن‪00‬ه لكن‪00‬ه كث‪00‬يراً‬
‫يذكر مطلقا ً محذوفا ً منه القيد إخراجا ً له في صورة القط‪0‬ع وع‪0‬دم التقيي‪0‬د مبالغ‪0‬ة في الزج‪0‬ر وهللا‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪274‬‬
‫ومال ٌك وسائر األئمة ‪ ##‬كذا أبو القاسم هداةُ األمة‬ ‫‪-81‬‬
‫(قوله ومالك) مبتدأ؛ وقوله “ وسائر األمة “ عطف عليه والخبر قوله “ هداة األمة “‬
‫وأما قوله “ كذا أبو القاسم “ فجملة معترضة بين المبتدأ والخبر‪.‬‬
‫‪{ -161‬ما ورد من األحاديث في األئمة األربعة}‬
‫واعلم أنه لم يصح في األئمة األربع‪00‬ة ح‪00‬ديث بالخص‪00‬وص‪ ،‬وإنم‪00‬ا ورد (يوش‪00‬ك أن‬
‫تض‪00‬رب أكب‪00‬اد اإلب‪00‬ل يطلب‪00‬ون العلم فال يج‪00‬دون أح‪00‬داً أعلم من ع‪00‬الم المدين‪00‬ة)‪ 1‬فحم‪00‬ل على‬
‫اإلمام مال‪00‬ك‪ ،‬فك‪00‬انوا يزدحم‪00‬ون على باب‪00‬ه لطلب العلم‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬ه‪00‬و ك‪00‬ل ع‪00‬الم منه‪00‬ا‪ ،‬وورد‬
‫(ع‪00‬الم ق‪00‬ريش يمأل طب‪00‬اق األرض علم ‪0‬اً)‪ 2‬فحم‪00‬ل على اإلم‪00‬ام الش‪00‬افعي‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬ه‪00‬و ابن‬
‫عب‪00‬اس‪ ،‬وورد (ل‪00‬و ك‪00‬ان العلم بالثري‪00‬ا لنال‪00‬ه رج‪00‬ال من ف‪00‬ارس)‪ 3‬فحم‪00‬ل على أبي حنيف‪00‬ة‬
‫وأصحابه‪ ،‬وكل من هذه األحاديث ظني‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وسائر األئمة) أي باقيهم‪ ،‬وأل في “ األئم‪00‬ة “ للعه‪00‬د‪ ،‬والمعه‪00‬ود األئم‪00‬ة‬
‫األربعة فقط‪ ،‬واألولى جعلها للكمال ال بقيد عهد األربعة فقط‪ ،‬فيدخل اإلم‪00‬ام الش‪00‬افعي أب‪00‬و‬
‫عبد هللا محمد بن إدريس‪ ،‬واإلمام أبو حنيفة النعم‪0‬ان بن ث‪0‬ابت‪ ،‬واإلم‪00‬ام أحم‪00‬د بن حنب‪00‬ل‪،‬‬
‫واإلم‪00‬ام الليث بن س‪00‬عد‪ ،‬وداود الظ‪00‬اهري‪ ،‬فإن‪00‬ه ك‪00‬ان جبالً في العلم‪ ،‬وم‪00‬ا نق‪00‬ل عن إم‪00‬ام‬
‫الح‪000‬رمين من أن‪000‬ه ال يؤخ‪000‬ذ بكالم الظاهري‪000‬ة وال يع‪000‬ول عليهم‪ ،‬فمحم‪000‬ول على طائف‪000‬ة‬
‫مخصوصة كابن ح‪00‬زم‪ ،‬وي‪00‬دخل أيض‪0‬ا ً س‪00‬فيان الث‪00‬وري‪ ،‬وك‪00‬ان يس‪00‬مى أم‪00‬ير المؤم‪00‬نين في‬
‫الح‪00‬ديث‪ ،‬وإس‪00‬حاق بن راهوي‪00‬ه‪ ،‬ومحم‪00‬د بن جري‪00‬ر الط‪00‬بري‪ ،‬وس‪00‬فيان بن عيين‪00‬ة‪ ،‬وك‪00‬ان‬
‫يقول‪ :‬إذا كانت نفس المؤمن محبوسة عن مكانها في الجنة بدينه حتى يقضي عنه فكيف‬
‫بصاحب الغيبة ف‪00‬إن ال‪00‬دين يقض‪00‬ي والغيب‪00‬ة ال تقض‪00‬ي‪ ،‬وعب‪00‬د ال‪0‬رحمن بن عم‪00‬ر األوزاعي‬
‫وكان يقول‪ :‬ليس ساعة من ساعات الدنيا إال وتع‪00‬رض على العب‪00‬د ي‪00‬وم القيام‪00‬ة فالس‪00‬اعة‬
‫التي ال يذكر هللا فيها تتقطع نفسه عليها حسرات‪ ،‬فكيف إذا مرت ساعة مع س‪00‬اعة وي‪00‬وم‬
‫مع يوم‪ ،‬واإلمام أبو الحسن األشعري وأبو منصور الماتريدي‪.‬‬
‫‪ 1‬أخرجه ابن حبان في ص‪00‬حيحه في كت‪00‬اب الحج ب‪00‬رقم (‪ )3736‬عن أبي هري‪00‬رة رض‪00‬ي‬
‫هللا تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬يوش‪00‬ك أن يض‪00‬رب‪ 0‬الرج‪00‬ل‬
‫أكباد اإلبل في طلب العلم فال يجد عالما ً أعلم من عالم المدينة) وأخرجه الترمذي في كت‪00‬اب العلم‬
‫برقم (‪ )2680‬واإلمام أحمد (‪ )2/299‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ 2‬قال في كشف الخفاء (‪ )2/54‬رقم (‪ )1701‬رواه أحمد بصيغة التمريض‪ .. 0‬للش‪00‬ك في‬
‫ضعفه فإن إسناده ال يخلو عن ضعيف‪ ،‬وقد جمع الحافظ ابن حج‪00‬ر طرق‪00‬ه في كت‪00‬اب‪ .. 0‬وب‪00‬ه يعلم‬
‫أنه حسن انتهى‪ .‬وأسنده البيهقي في مناقب الشافعي (‪ )1/54‬ورواه أبو داو الطيالس‪00‬ي (‪)1/39‬‬
‫رقم (‪ )309‬والديلمي (‪ )1/502‬رقم (‪.)1701‬‬
‫‪ 3‬أخرجه البخاري في كتاب‪ 0‬التفسير‪ 0‬برقم (‪ )4897‬ومسلم في فضائل الص‪00‬حابة‪ 0‬ب‪00‬رقم (‬
‫‪ )2546‬وأحمد (‪ )2/297‬وابن حبان في صحيحه برقم (‪ )7265‬عن أبي هريرة رضي هللا تعالى‪0‬‬
‫عنه باختالف يسير في األلفاظ‪.‬‬
‫‪275‬‬
‫وقوله “ كذا أبو القاسم “ كذا‪ :‬خبر مقدم‪ ،‬و “ أب‪00‬و القاس‪00‬م “ مبت‪00‬دأ م‪00‬ؤخر‪ :‬أي‬
‫مثل من ذكر في الهداية واستقامة الطريق أبو القاسم محم‪0‬د الجني‪0‬د س‪0‬يد الص‪0‬وفية علم‪0‬ا ً‬
‫وعمالً‪ ،‬ولعل المصنف رأى شهرته بهذه الكنية‪ ،‬ولو قال‪ “ :‬جنيدهم أيضا ً ه‪00‬داة األم‪00‬ة “‬
‫لكان أوضح‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في التكني بأبي القاسم‪ ،‬فقال اإلمام الشافعي‪ :‬ال يج‪00‬وز مطلق‪0‬اً‪،‬‬
‫أي‪ :‬س‪0‬واء ك‪0‬ان اس‪0‬مه محم‪0‬داً أو ال‪ ،‬قب‪0‬ل مفارقت‪0‬ه ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم لل‪0‬دنيا أو‬
‫بعدها‪ ،‬وقال األئمة الثالثة‪ :‬يجوز بعد مفارقت‪0‬ه ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم ال‪0‬دنيا‪ ،‬وك‪0‬ان‬
‫الجنيد رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه على م‪00‬ذهب أبي ث‪00‬ور ص‪00‬احب اإلم‪00‬ام الش‪00‬افعي فإن‪00‬ه ك‪00‬ان مجته‪00‬داً‬
‫اجتهاداً مطلقا ً كاإلمام أحمد‪.‬‬
‫ومن كالم الجنيد‪ :‬الطريق إلى هللا مسدود على خلقه إال على المقتفين آثار رس‪00‬ول‬
‫هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬ومن كالمه أيضاً‪ :‬لو أقبل صادق على هللا أل‪00‬ف أل‪00‬ف س‪00‬نة‬
‫ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله‪ ،‬ومن كالمه أيضاً‪ :‬إن ب‪00‬دت ذرة من عين‬
‫الكرم والجود ألحقت المسيء بالمحسن‪ ،‬وبقيت أعمالهم فضالً لهم‪.‬‬
‫ودخل عليه إبليس في صورة فقير يريد خدمة الشيخ فخدمه مدة طويلة ثم أخ‪00‬بره‬
‫بنفسه وقال له‪ :‬خ‪00‬دمتك م‪00‬دة ولم يخت‪00‬ل من عمل‪00‬ك ش‪00‬يء‪ ،‬فلم ي‪00‬رتض قول‪00‬ه لم‪00‬ا في‪00‬ه من‬
‫الدخيل‪ 1‬وقال له‪ :‬أنا عارف بك من أول ما دخلت‪ ،‬وقد استخدمتك عقوبة ل‪00‬ك لعلمي أن ال‬
‫أجر لك في الخدمة‪ ،‬ثم خرج خاسئاً‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬هداة األمة) أي هداة هذه األمة التي هي خير األمم بش‪00‬هادة قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪:‬‬
‫س) (آل عمران‪ :‬من اآلية‪ )110‬فهم خيار الخيار‪ ،‬لكن بعد من‬ ‫( ُك ْنتُ ْم َخ ْي َر أُ َّم ٍة أُ ْخ ِر َجتْ لِلنَّا ِ‬
‫ذكر من الصحابة ومن معهم‪.‬‬
‫والحاصل أن اإلمام مالكا ً ونحوه ه‪00‬داة ه‪00‬ذه األم‪00‬ة في الف‪00‬روع‪ ،‬واإلم‪00‬ام األش‪00‬عري‬
‫ونح‪00‬وه ه‪00‬داة األم‪00‬ة في األص‪00‬ول أي العقائ‪00‬د الديني‪00‬ة –والجني‪00‬د ونح‪00‬وه ه‪00‬داة األم‪00‬ة في‬
‫التصوف‪ ،‬فجزاهم هللا عنا خيراً ونفعنا بهم‪.‬‬

‫‪ 1‬قوله لما فيه من الدخيل ظاهره أن الضمير عائد على ق‪0‬ول الش‪00‬يطان‪ 0‬والمع‪00‬نى أن‪0‬ه لم‬
‫يرتض قول الشيطان‪ 0‬لما يعلم أن الشيطان‪ 0‬إنما قال ل‪00‬ه ذل‪00‬ك ليوقع‪00‬ه في العجب بعمل‪00‬ه‪ ،‬وق‪00‬د ك‪00‬ان‬
‫هذا آخر سهم في كنانته‪ 0،‬ويحتمل أن الضمير راجع إلى عمل‪00‬ه والمع‪00‬نى لم‪00‬ا ي‪00‬رى في عمل‪00‬ه من‬
‫الدخيل وعدم الخلوص‪.‬‬
‫‪276‬‬
‫فواجب تقليد َح ْب ٍر منهم ‪ ##‬كذا حكى القوم بلفظ يُفهم‬ ‫‪-82‬‬
‫‪{ -162‬يجب على غير المجتهد تقليد أحد األئمة‪ ،‬وبيان شرائط االجتهاد}‬
‫(قوله فواجب … إلخ) لما قدم أن األئمة المذكورين هداة هذه األمة –ولم يكن ك‪00‬ل‬
‫واحد من الناس قادراً على االجتهاد المطلق‪ -‬ذكر هن‪00‬ا أن‪00‬ه يجب على ك‪00‬ل من لم يكن في‪00‬ه‬
‫أهلية االجتهاد المطلق‪ -‬ولو كان مجتهد مذهب أو فتوى‪ -‬تقليد إمام من األئمة األربعة في‬
‫األحكام الفرعية‪ ،‬وما جزم به الناظم هو مذهب األصوليين وجمهور الفقهاء والمح‪00‬دثين‪:‬‬
‫اس‪0‬أَلوا أَ ْه‪َ 0‬ل ال‪0ِّ 0‬ذ ْك ِر إِنْ ُك ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُم‪00‬ونَ ) (النح‪00‬ل‪ :‬من اآلية ‪)43‬‬
‫واحتج‪00‬وا‪ 0‬بقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬فَ ْ‬
‫فأوجب السؤال على من لم يعلم‪ ،‬ويترتب عليه األخذ بقول الع‪00‬الم‪ ،‬وذل‪00‬ك تقلي‪00‬د ل‪00‬ه‪ ،‬وق‪00‬ال‬
‫بعضهم‪ :‬ال يجب تقليد واحد بعينه‪ ،‬بل له أن يأخذ فيما يقع له بهذا الم‪00‬ذهب ت‪00‬ارة وبغ‪00‬يره‬
‫أخ‪00‬رى‪ ،‬فيج‪00‬وز ص‪0‬الة الظه‪00‬ر على م‪00‬ذهب الش‪00‬افعي‪ ،‬وص‪00‬الة العص‪00‬ر على م‪00‬ذهب مال‪0‬ك‪،‬‬
‫وهكذا‪ ،‬وخرج بقولنا “ من لم يكن فيه أهلي‪00‬ة االجته‪00‬اد المطل‪00‬ق “ من ك‪00‬ان في‪00‬ه أهليت‪00‬ه‪،‬‬
‫فإنه يحرم عليه التقليد فيما يقع له عند األكثر‪ ،‬واختاره اآلمدي وابن الح‪00‬اجب والس‪00‬بكي‪،‬‬
‫لتمكنه من االجتهاد الذي هو أصل التقليد وأما التقليد في العقائد فقد علمته في صدر هذه‬
‫المنظومة‪.‬‬
‫وقوله “ حبر منهم “ بفتح الحاء وكس‪00‬رها‪ :‬أي ع‪00‬الم ح‪00‬اذق من األئم‪00‬ة األربع‪00‬ة‪،‬‬
‫وال يجوز تقليد غيرهم ول‪00‬و ك‪00‬ان من أك‪00‬ابر الص‪00‬حابة‪ ،‬ألن م‪00‬ذاهبهم لم ت‪00‬دون ولم تض‪00‬بط‬
‫كمذاهب هؤالء‪ ،‬لكن جوز بعضهم ذلك في غير اإلفتاء‪ 1‬كما قال‪:‬‬
‫وجائز تقليد غير األربعة ‪ ##‬في غير إفتاء وفي هذا سعة‬
‫وقول‪00‬ه‪( :‬ك‪00‬ذا حكى الق‪00‬وم بلف‪00‬ظ يفهم) أي حكى األص‪00‬وليون وجمه‪00‬ور الفقه‪00‬اء‬
‫والمحدثين بلفظ يفهمه السامع لوضوحه حكما ً مثل هذا الحكم الذي هو وجوب تقليد إم‪00‬ام‬
‫من األئمة األربع‪00‬ة‪ ،‬واختل‪00‬ف المش‪00‬به والمش‪00‬به ب‪00‬ه باالعتب‪00‬ار‪ ،‬ف‪00‬إن الق‪00‬ول باعتب‪00‬ار كون‪00‬ه‬
‫ص‪00‬ادراً من المص‪00‬نف‪ ،‬غ‪00‬ير نفس‪00‬ه باعتب‪00‬ار كون‪00‬ه ص‪00‬ادراً من الق‪00‬وم‪ ،‬وليس م‪00‬راد المتن‬
‫التبري من ذلك‪ ،‬بل مجرد ال َع ْز ِو‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله لكن جوز بعضهم ذلك في غير اإلفتاء يرد على هذا القول أن‪00‬ه إن نقلت المس‪00‬ألة‪0‬‬
‫مع كل معتبراتها بطريق صحيح فال وجه للق‪00‬ول بع‪00‬دم اإلفت‪00‬اء به‪00‬ا‪ ،‬وإن لم تنق‪00‬ل ك‪00‬ذلك فال وج‪00‬ه‬
‫لجواز العمل بها‪.‬‬
‫ق‪00‬ال اإلم‪00‬ام ع‪00‬ز ال‪00‬دين بن عب‪00‬د الس‪00‬الم‪ :‬إن تحق‪00‬ق ثب‪00‬وت م‪00‬ذهب واح‪00‬د منهم –أي من‬
‫الصحابة‪ 0-‬جاز تقليده وفاقا ً وإال فال‪ ،‬انتهى والتقليد شامل للتقليد ألجل العمل والتقليد للفتوى‪.‬‬
‫نعم نقل مذهبهم مع كل معتبراته‪ 0‬بطريق صحيح قلي‪00‬ل ج‪0‬داً‪ ،‬ق‪00‬ال ابن المن‪00‬ير‪ 0:‬ق‪00‬د يك‪00‬ون‬
‫اإلسناد إلى ذلك المجتهد ال على شروط الصحة‪ ،‬وقد يكون اإلجماع قد انعقد بعد ذلك الق‪0‬ول على‬
‫قول آخر‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وبالجملة‪ 0‬إن القول بجواز تقليد غير المذاهب األربع‪00‬ة مب‪00‬ني على ش‪00‬روط قلم‪00‬ا تت‪00‬وفر‪،‬‬
‫فمن أجل ذلك أطلق كثير من العلماء‪ 0‬القول بالمنع‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫فإن قلت‪ :‬هل يجوز االنتقال من مذهب إلى مذهب؟ قلت‪ :‬في‪00‬ه أق‪00‬وال ثالث‪00‬ة‪ ،‬فقي‪00‬ل‪:‬‬
‫يمتن‪00‬ع مطلق‪0‬ا ً وقي‪00‬ل‪ :‬يج‪00‬وز مطلق‪0‬ا ً وقي‪00‬ل‪ :‬إن لم يجم‪00‬ع بين الم‪00‬ذهبين على ص‪00‬فة تخ‪00‬الف‬
‫اإلجماع كمن تزوج بال صداق وال ولي وال شهود؛ ف‪00‬إن ه‪00‬ذه الص‪00‬ورة ال يق‪00‬ول به‪00‬ا أح‪00‬د‪،‬‬
‫وهذا شرط من شروط التقليد المنظومة في قول بعضهم‪:‬‬
‫عدم التتبع رخصة وتركب‪##‬لحقيقة ما إن يقول بها أحد‬
‫وكذاك رجحان المقلَد يعتقد ‪ ##‬ولحاجة تقليده تم العدد‬
‫وقد أملى شيخنا على هذين البيتين رسالة لطيفة ينبغي االطالع عليها‪.‬‬

‫‪{ -163‬يجب اعتقاد ثبوت الكرامات لألولياء}‬


‫وأثبتن لألولياء الكرامة ‪ ##‬ومن نفاها إنبذن كالمه‬ ‫‪-83‬‬
‫(قوله وأثبتن لألولياء الكرامة) أي اعتقد ثبوت الكرامة لألولياء‪ ،‬بمع‪00‬نى جوازه‪00‬ا‬
‫ووقوعها لهم في الحياة وبعد الموت كما ذهب إليه جمهور أهل السنة‪ ،‬وليس في م‪00‬ذهب‬

‫‪278‬‬
‫من المذاهب األربعة قول بنفيها بعد الموت‪ ،‬ب‪00‬ل ظهوره‪00‬ا حينئ‪00‬ذ أولى‪ ،‬ألن النفس حينئ‪00‬ذ‬
‫صافية من األكدار‪ ،‬ولذا قيل‪ :‬من لم تظهر كرامت‪0‬ه بع‪0‬د موت‪0‬ه كم‪0‬ا ك‪0‬انت في حيات‪0‬ه فليس‬
‫بصادق‪ ،‬وق‪0‬ال الش‪00‬عراني‪ :‬ذك‪0‬ر لي بعض المش‪00‬ايخ أن هللا تع‪0‬الى يوك‪0‬ل بق‪0‬بر ال‪00‬ولي ملك‪0‬ا ً‬
‫يقضي الحوائج‪ ،‬وتارة يخرج الولي من قبره ويقضيها بنفسه‪.‬‬
‫واستدلوا على الجواز بأنه ال يلزم من فرض وقوعه‪00‬ا مح‪00‬ال‪ ،‬وك‪00‬ل م‪00‬ا ك‪00‬ان ك‪00‬ذلك‬
‫فهو جائز‪.‬‬
‫(وأَ ْنبَتَ َه‪0‬ا نَبَات‪0‬ا ً‬
‫وعلى الوقوع بما جاء في الكتاب العزيز من قصة مريم قال تعالى‪َ :‬‬
‫س‪0‬نا ً … اآلي‪0‬ة) (آل عم‪0‬ران‪ :‬من اآلية‪ )37‬أي أنش‪0‬أها إنش‪00‬اء حس‪0‬نا ً ب‪0‬أن س‪0‬وى خلقه‪0‬ا‬ ‫َح َ‬
‫‪1‬‬
‫وجعلها تنبت في اليوم كما ينبت المولود في العام ‪ ،‬وكفلها زكريا‪ ،‬وك‪00‬ان ال ي‪00‬دخل عليه‪00‬ا‬
‫غيره‪ ،‬وكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف‪.2‬‬
‫وقص‪00‬ة أص‪00‬حاب الكه‪00‬ف وهم س‪00‬بعة من أش‪00‬راف ال‪00‬روم خ‪00‬افوا بع‪00‬د عيس‪00‬ى على‬
‫إيمانهم من ملكهم فخرجوا ودخلوا غاراً فلبثوا في‪00‬ه بال طع‪00‬ام وال ش‪00‬راب ثالثمائ‪00‬ة وتس‪00‬ع‬
‫سنين نياما ً بال آفة‪.‬‬
‫وقصة “ آصف “ بالمد وفتح الصاد وزير س‪0‬ليمان‪ .‬وك‪0‬ان يع‪0‬رف االس‪0‬م األعظم‪،‬‬
‫فقال لسليمان‪ :‬انظ‪00‬ر إلى الس‪00‬ماء‪ ،‬فنظ‪00‬ر إليه‪00‬ا‪ ،‬ف‪00‬دعا آص‪00‬ف باالس‪00‬م األعظم أن ي‪00‬أتي هللا‬
‫بعرش بلقيس فأتى به‪ ،‬فرد سليمان طرفه فوجده بين يديه‪.‬‬
‫وما وقع من كرامات الص‪00‬حابة والت‪00‬ابعين إلى وقتن‪00‬ا ه‪00‬ذا‪ ،‬فق‪00‬د روي أن عم‪00‬ر بن‬
‫الخطاب رأى العدو من مسافة شهر فقال‪ :‬يا سارية الجب‪00‬ل فس‪00‬مع س‪00‬ارية ص‪00‬وته فانح‪00‬از‬
‫بالناس إلى الجبل وقاتلوا العدو فنصرهم هللا تعالى‪.3‬‬
‫وروي أن عبد هللا الشقيق كان إذا مرت عليه سحابة يقول لها‪ :‬أقسمت عليك باهلل‬
‫إال أمطرت‪ ،‬فتمطر في الحال‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله‪ :‬وجعلها تنبت‪ 0‬في اليوم كما ينبت‪ 0‬المولود في العام‪ ،‬هذا ما ال دليل علي‪00‬ه‪ 0،‬وه‪00‬ل‬
‫كانت قد بلغت الحلم بعد خمسة عشر يوماً!؟‪.‬‬
‫قال ابن كثير في التفسير (‪ :)1/359‬يخبر ربنا‪ 0‬أنه تقبلها‪ 0‬من أمها نِ‪00‬ذيرة‪ ،‬وأن‪00‬ه أنبته‪00‬ا‬
‫نباتاً‪ 0‬حسناً‪ 0،‬أي جعلها شكالً مليحاً‪ 0‬ومنظراً بهيجاً‪ 0،‬ويسر لها أسباب‪ 0‬القبول‪ ،‬وقرنه‪00‬ا بالص‪00‬الحين‬
‫من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين‪ ،‬ولهذا قال‪( :‬وكفلها زكريا)‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪ :‬وكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء… الخ‪.‬‬
‫قال ابن كثير (‪ )1/360‬قال مجاهد وعكرمة وس‪00‬عيد بن جب‪00‬ير وأب‪00‬و الش‪00‬عثاء‪ 0‬وإب‪00‬راهيم‬
‫النخعي والضحاك‪ 0‬وقتادة والربيع بن أنس وعطي‪00‬ة الع‪00‬وفي والس‪00‬دي‪ :‬يع‪00‬ني وج‪00‬د عن‪00‬دها فاكه‪00‬ة‬
‫الصيف في الشتاء‪ 0‬وفاكهة الشتاء في الصيف‪.‬‬
‫وعن مجاه‪0‬د (وج‪0‬د عن‪0‬دها رزق‪0‬ا) أي علم‪0‬ا‪ ،‬أو ق‪0‬ال‪ :‬ص‪0‬حفا ً فيه‪0‬ا علم‪ ،‬رواه ابن أبي‬
‫حاتم‪ ،‬واألول أصح وفيه داللة على كرامات األولياء وفي السنة لها نظائر كثيرة‪.‬‬
‫‪ 3‬انظره سير أعالم النبالء المجلد الخاص بسيرة الخلفاء‪ 0‬الراشدين‪ )136( 0‬واإلصابة (‬
‫‪ )2/3‬الترجمة رقم (‪ .)3034‬وأخرجه ال‪00‬بيهقي في دالئ‪00‬ل النب‪00‬وة‪ .‬ونق‪00‬ل الس‪00‬خاوي في المقاص‪00‬د‬
‫الحسنة (‪ )474‬عن الحافظ ابن حجر أن إسناده حسن‪.‬‬
‫‪279‬‬
‫واألولياء جمع ولي وهو العارف باهلل تع‪00‬الى وبص‪00‬فاته حس‪00‬ب اإلمك‪00‬ان‪ ،‬الم‪00‬واظب‬
‫على الطاعة المجتنب للمعاصي بمعنى أنه ال ي‪00‬رتكب معص‪00‬ية ب‪00‬دون توب‪00‬ة‪ ،‬وليس الم‪00‬راد‬
‫أنه ال تقع منه معصية بالكلية إذ ليس معصوماً‪ ،‬وقولهم‪ “ :‬ال يكذب ال‪0‬ولي “ أي بلس‪0‬ان‬
‫حاله بأن يُظهر خالف ما يبطن‪ ،‬المعرض عن االنهم‪00‬اك في الل‪00‬ذات والش‪00‬هوات المباح‪00‬ة‪،‬‬
‫وأما أصل التناول فال مانع منه ال سيما إذا كان بقصد التقوى على العبادة وس‪00‬مي “ ولي‪0‬ا ً‬
‫“ ألن هللا تولى أمره فلم يكله إلى نفسه وال إلى غيره لحظة‪ ،‬وألنه يتولى عبادة هللا على‬
‫الدوام من غير أن يتخللها عصيان‪ ،‬وكال المعنيين واجب تحققه‪ 0‬حتى يك‪00‬ون ال‪00‬ولي عن‪00‬دنا‬
‫وليا ً في نفس األمر‪.‬‬
‫والكرامة‪ :‬أمر خارق للعادة يظهر على يد عبد ظاهر الصالح ملتزم لمتابع‪00‬ة ن‪00‬بي‬
‫كلف بشريعته مصحوب بصحيح االعتقاد والعمل الصالح‪ ،‬علم بها أو لم يعلم‪ ،‬وس‪00‬بق م‪00‬ا‬
‫يتعلق بخوارق العادة عند المعجزات‪.‬‬
‫(قوله ومن نفاها انبذن كالمه) أي ومن نفى الكرامة وقال بعدم جوازه‪00‬ا كاألس‪00‬تاذ‬
‫أبي عبد هللا الحليمي من أهل الس‪00‬نة وجمه‪00‬ور المعتزل‪0‬ة اط‪0‬رحن كالم‪00‬ه وال تع‪00‬ول علي‪00‬ه‪،‬‬
‫وأتى المص‪00‬نف بهم‪00‬زة الوص‪00‬ل للض‪00‬رورة‪ ،‬فتك‪00‬ون مكس‪00‬ورة وليس هم‪00‬زة قط‪00‬ع كم‪00‬ا ق‪00‬د‬
‫يتوهم‪ :‬فإن الذي في الق‪00‬رآن العظيم ثالثي‪ ،‬ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪( :‬فَا ْنبِ‪0ْ 0‬ذ إِلَ ْي ِه ْم) (األنف‪00‬ال‪ :‬من اآلية‬
‫‪.)58‬‬
‫وتمسك من نفي الكرامة بأنه لو ظهرت الخوارق من األولياء اللتبس النبي بغ‪00‬يره‬
‫ألن الخارق إنما هو المعجزة‪ ،1‬وبأنها ل‪00‬و ظه‪00‬رت على أي‪00‬ديهم لك‪00‬ثرت بك‪00‬ثرتهم وخ‪00‬رجت‬
‫عن كونها خارقة للعادة والف‪00‬رض أنه‪00‬ا ك‪00‬ذلك‪ ،‬ورد األول بأن‪00‬ه ليس في وقوعه‪00‬ا التب‪00‬اس‬
‫النبي بغيره للفرق بين المعجزة والكرامة‪ ،‬بدعوى النبوة في األولى وعدمها في الثاني‪00‬ة‪،‬‬
‫ورد الثاني بأن‪00‬ا ال نس‪0‬لم أنه‪0‬ا تخ‪00‬رج بكثرته‪0‬ا عن كونه‪0‬ا خارق‪0‬ة للع‪00‬ادة‪ ،‬ب‪0‬ل غاي‪0‬ة األم‪00‬ر‬
‫استمرار خرق العادة‪ ،‬وذلك ال يوجب كونه عادة‪.‬‬
‫وس‪00‬ئل بعض‪00‬هم‪ :‬ألي ش‪00‬يء ك‪00‬ثرت الكرام‪00‬ات في الزم‪00‬ان المت‪00‬أخر عن الزم‪00‬ان‬
‫المتقدم؟ فأجاب بأن ذلك لضعف اعتقاد المتأخرين‪ ،‬ف‪00‬احتيج لت‪00‬أليفهم بالكرام‪00‬ات ليعتق‪00‬دوا‬
‫في الصالحين‪ ،‬وأما المتقدمون فاعتقادهم تابع لميزان الشرع‪.‬‬

‫‪ 1‬ال يظهر لهذا التعليل‪ 0‬وجه‪ ،‬وفي شرح عبد السالم الفارق بدل الخارق وهو الصحيح‪،‬‬
‫ولعل ما في الشرح من تحريف النساخ‪ ،‬والمراد ب‪00‬المعجزة الخ‪00‬ارق ال خص‪00‬وص المعج‪00‬زة ح‪00‬تى‬
‫يصح التعليل‪.‬‬
‫‪280‬‬
‫وعندنا أن الدعاء ينفع ‪ ##‬كما من القرآن وعداً يُسمع‬ ‫‪-83‬‬
‫‪{ -164‬مذهب أهل السنة أن الدعاء ينفع}‬
‫(قوله وعندنا أن الدعاء ينفع) أي وعندنا معاشر أهل السنة أن ال‪00‬دعاء ال‪00‬ذي ه‪00‬و‬
‫الطلب على س‪00‬بيل التض‪00‬رع‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬رف‪00‬ع الحاج‪00‬ات إلى راف‪00‬ع ال‪00‬درجات ينف‪00‬ع األحي‪00‬اء‬
‫واألموات إن دعوت لهم‪ ،‬ويض‪00‬رهم إن دع‪00‬وت عليهم وإن ص‪00‬در من ك‪00‬افر على ال‪00‬راجح‪،‬‬
‫لحديث أنس رضي هللا عنه (دعوة المظلوم مستجابة ولو كافراً) وأما قوله تع‪0‬الى‪َ :‬‬
‫‪1‬‬
‫(و َم‪0‬ا‬
‫الل) (الرع‪00‬د‪ :‬من اآلية‪ )14‬فمعن‪00‬اه أن‪00‬ه ال يس‪00‬تجاب لهم في‬ ‫ُدعَ‪00‬ا ُء ا ْل َك‪00‬افِ ِرينَ إِاَّل فِي َ‬
‫ض‪ٍ 00‬‬
‫‪ 1‬أخرج القضاعي في مسند الشهاب‪ 0‬برقم (‪ )960‬عن أنس بن مال‪0‬ك‪ 0‬ق‪00‬ال‪ :‬ق‪00‬ال رس‪00‬ول‬
‫هللا صلى هللا تع‪0‬الى علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪( :‬إي‪0‬اكم ودع‪0‬وة المظل‪0‬وم وإن ك‪0‬ان ك‪0‬افراً فإنه‪0‬ا ليس له‪0‬ا‬
‫حجاب دون هللا تعالى)‪.‬وأخرجه أحمد (‪)3/152‬‬
‫‪281‬‬
‫خصوص الدعاء بتخفيف ع‪00‬ذاب جهنم عنهم ي‪00‬وم القيام‪00‬ة‪ ،‬وروى الح‪00‬اكم وص‪00‬ححه‪ :‬أن‪00‬ه‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم قال‪( :‬ال يغ‪0‬ني ح‪0‬ذر من ق‪0‬در وال‪0‬دعاء ينف‪0‬ع مم‪0‬ا ن‪0‬زل ومم‪0‬ا لم‬
‫ينزل وإن البالء لينزل ويتلقاه الدعاء فيتعالجان إلى يوم القيامة)‪.1‬‬
‫والدعاء ينفع في القض‪00‬اء الم‪00‬برم والقض‪00‬اء المعل‪00‬ق‪ ،‬أم‪00‬ا الث‪00‬اني فال اس‪00‬تحالة في‬
‫رفع ما علق رفعه منه على الدعاء‪ ،‬وال في نزول ما علق نزوله من‪00‬ه على ال‪00‬دعاء‪ ،‬وأم‪00‬ا‬
‫األول فالدعاء وإن لم يرفعه لكن هللا تعالى ينزل لطفه بالداعي‪ ،‬كما إذا قضى عليه قض‪00‬اء‬
‫مبرما ً بأن ينزل عليه صخرة ف‪00‬إذا دع‪00‬ا هللا تع‪00‬الى حص‪00‬ل ل‪00‬ه اللط‪00‬ف ب‪00‬أن تص‪00‬ير الص‪00‬خرة‬
‫مفتت‪00‬ة كالرم‪00‬ل وت‪00‬نزل عليه‪ ،2‬وانقس‪00‬ام القض‪00‬اء إلى م‪00‬برم ومعل‪00‬ق ظ‪00‬اهر بحس‪00‬ب الل‪00‬وح‬
‫المحفوظ‪ ،‬وأما بحسب العلم فجميع األشياء مبرمة‪ ،‬ألنه إن علم هللا حصول المعلق علي‪00‬ه‬
‫حصل المعلق والبد‪ ،‬وإن علم هللا ع‪00‬دم حص‪00‬وله لم يحص‪00‬ل والب‪00‬د‪ ،‬لكن ال ي‪00‬ترك الش‪00‬خص‬
‫الدعاء اتكاالً على ذلك كما ال يترك األكل اتكاالً على إبرام هللا األمر في الشبع‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا عن‪00‬د المعتزل‪00‬ة فال‪00‬دعاء ال ينف‪00‬ع‪ ،‬وال يكف‪00‬رون ب‪00‬ذلك ألنهم لم يك‪00‬ذبوا الق‪00‬رآن‬
‫كقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬ا ْد ُع‪00‬ونِي أَ ْ‬
‫س‪0‬تَ ِج ْب لَ ُكم) (غ‪00‬افر‪ :‬من اآلية‪ )60‬ب‪00‬ل أول‪00‬وا ال‪00‬دعاء بالعب‪00‬ادة‪،‬‬
‫واإلجابة بالثواب‪.‬‬
‫‪{ -165‬شروط الدعاء وآدابه}‬
‫واعلم أن للدعاء شروطا ً وآداباً‪ :‬فمن شروطه أكل الحالل‪ ،‬وأن يدعو وه‪00‬و م‪00‬وقن‬
‫باإلجابة‪ ،‬وأال يكون قلبه غافالً‪ ،‬وأال يدعو بما فيه إثم أو قطيع‪00‬ة رحم‪ ،‬أو إض‪00‬اعة حق‪00‬وق‬
‫المسلمين‪ ،‬وأال يدعو بمحال ولو عادة‪ ،‬ألن الدعاء به يشبه التحكم‪ 0‬على الق‪00‬درة القاض‪00‬ية‬
‫بدوامها‪ ،‬وذلك إساءة أدب على هللا تعالى‪.‬‬
‫ومن آداب‪00‬ه‪ :‬أن يتح‪00‬رى األوق‪0‬ات الفاض‪00‬لة‪ ،‬ك‪0‬أن ي‪00‬دعو في الس‪00‬جود‪ ،‬وعن‪00‬د األذان‬
‫واإلقام‪00‬ة‪ ،‬ومنه‪00‬ا‪ :‬تق‪00‬ديم الوض‪00‬وء والص‪00‬الة‪ ،‬واس‪00‬تقبال القبل‪00‬ة‪ ،‬ورف‪00‬ع األي‪00‬دي إلى جه‪00‬ة‬
‫السماء‪ ،‬وتقديم التوبة‪ ،‬واالعتراف بالذنب‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬وافتتاح‪00‬ه بالحم‪00‬د والص‪00‬الة على‬
‫النبي صلى هللا عليه وآله وسلم وختمه بها‪ ،‬وجعلها في وسطه أيضاً‪.‬‬
‫(قوله كما من القرآن وعداً يسمع) أي ألج‪00‬ل ال‪00‬ذي‪ 3‬يس‪00‬مع دال‪0‬ه من ألف‪00‬اظ الق‪00‬رآن‬
‫حال كونه موعوداً به‪ ،‬فالكاف للتعليل‪ ،‬و “ ما “ اسم موصول‪ ،‬و “ يسمع “ ص‪00‬لته‪ ،‬و‬
‫“ وعداً “ بمعنى موعوداً به حال‪ ،‬والمسموع إنم‪00‬ا ه‪00‬و ال‪00‬دال والموع‪00‬ود ب‪00‬ه الم‪00‬دلول ال‬
‫س‪0‬ت َِج ْب لَ ُك ْم) (غ‪00‬افر‪ :‬من اآلية‪ )60‬وق‪00‬ال تع‪00‬الى‪:‬‬‫(وقَ‪00‬ا َل َربُّ ُك ُم ا ْد ُع‪00‬ونِي أَ ْ‬
‫الدال‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫َان) (البق‪00‬رة‪ :‬من اآلية‪)186‬‬ ‫َ‬ ‫يب َد ْع َوةَ الد ِ‬
‫َّاع إِذا َدع ِ‬ ‫ُ‬ ‫سأَلَ َك ِعبَا ِدي َعنِّي فإِنِّي ق ِر ٌ‬
‫يب أ ِج ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫( َوإِ َذا َ‬

‫‪ 1‬أخرجه الحاكم في كتاب ال‪00‬دعاء ب‪00‬رقم (‪ )1813‬إال أن في‪00‬ه‪ :‬فيعتلج‪00‬ان‪ ،‬وق‪00‬ال‪ :‬ح‪00‬ديث‬
‫صحيح اإلسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بأن فيه مجمع على ضعفه‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا النوع من هذه الجهة راجع إلى القضاء‪ 0‬المعلق‪ ،‬وذلك أن ن‪00‬زول الص‪00‬خرة قض‪00‬اء‬
‫مبرم‪ ،‬وأما تفتتها فمعلق بالدعاء‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله ألجل الذي‪ .‬ال‪0‬ذي هن‪0‬ا كلف‪0‬ظ م‪00‬ا في المتن عب‪0‬ارة االس‪0‬تجابة‪ 0‬ف‪00‬إن المس‪0‬موع من‬
‫القرآن دالها‪.‬‬
‫‪282‬‬
‫وتخصيص القرآن لتواتره ال لقصر الداللة علي‪00‬ه‪ ،‬وإال في‪00‬دل على أن ال‪00‬دعاء ينف‪00‬ع الس‪00‬نة‬
‫واإلجماع‪ ،‬فقد دعا صلى هللا عليه وآله وسلم ربه في مواطن كثيرة كيوم بدر‪ ،‬وقد أجم‪00‬ع‬
‫عليه السلف والخلف‪.‬‬
‫واعلم أن اإلجابة تتنوع فتارة يقع المطلوب بعين‪00‬ه على الف‪00‬ور‪ ،‬وت‪00‬ارة يق‪00‬ع ولكن‬
‫يتأخر لحكمة فيه‪ ،‬وتارة تقع اإلجابة بغير المطل‪0‬وب حيث ال يك‪0‬ون في المطل‪0‬وب مص‪0‬لحة‬
‫ناجزة‪ ،‬وفي ذلك الغير مص‪00‬لحة ن‪00‬اجزة‪ ،‬أو يك‪00‬ون في المطل‪00‬وب مص‪00‬لحة وفي ذل‪00‬ك الغ‪00‬ير‬
‫أصلح منها‪ ،‬على أن اإلجاب‪0‬ة مقي‪0‬دة بالمش‪0‬يئة كم‪0‬ا ي‪0‬دل علي‪0‬ه قول‪0‬ه تع‪0‬الى‪( :‬فَيَ ْك ِ‬
‫ش‪0‬فُ َم‪0‬ا‬
‫ش‪00‬ا َء) (األنع‪00‬ام‪ :‬من اآلية‪ )41‬فه‪00‬و مقي‪00‬د إلطالق اآلي‪00‬تين الس‪00‬ابقتين؛‬ ‫تَ‪ْ 00‬دعُونَ إِلَ ْي‪ِ 00‬ه إِنْ َ‬
‫فالمعنى‪ :‬ادعوني أستجب لكم إن شئت وأجيب دعوة الداعي إن شئت‪.‬‬

‫‪{ -166‬وكل بكل عبد مالئكة حافظون وكاتبون ألعماله}‬


‫يرةٌ لن يُ ْه ِملوا‬
‫بكل عبد حافظون ُو ِّكلوا ‪ ##‬وكاتبون ِخ َ‬ ‫‪-85‬‬
‫من أمره شيئا فعل ولو ذهل‪##‬حتى األنين في المرض كما نقل‬ ‫‪-86‬‬
‫(قوله بكل عبد حافظون وكلوا) الج‪00‬ار والمج‪0‬رور متعل‪00‬ق بالفع‪00‬ل بع‪0‬ده‪ :‬أي وكلهم‬
‫هللا تعالى بكل عبد‪ ،‬وهو شامل لإلنس‪0‬ان والجن والمالئك‪0‬ة‪ ،‬وق‪0‬د ت‪0‬ردد الج‪0‬زولي في الجن‬
‫والمالئكة‪ ،‬أعليهم حفظة أم ال؟ ثم جزم بأن الجن عليهم حفظة‪ ،‬واس‪0‬تبعد الق‪00‬ول ب‪0‬ذلك في‬
‫المالئكة‪ ،‬قال المصنف‪ :‬ولم أقف عليه لغيره اهـ‪ ،‬والظاهر أن المالئكة ال حفظة عليهم‪.‬‬
‫وه‪000‬ل الم‪000‬راد بالح‪000‬افظين في كالم المص‪000‬نف الح‪000‬افظون للعب‪000‬د من المض‪000‬ار أو‬
‫الحافظون له لما يصدر من ق‪0‬ول أو فع‪0‬ل أو اعتق‪0‬اد ويجع‪0‬ل هللا لهم أم‪0‬ارة على االعتق‪0‬اد؟‬

‫‪283‬‬
‫وهذا الخالف‪ 1‬مبني على العطف في قول‪0‬ه “ وك‪0‬اتبون “ ف‪0‬إن جع‪00‬ل للتغ‪00‬اير ‪ -‬كم‪00‬ا ذك‪0‬ره‬
‫المصنف في شرحه الص‪0‬غير‪ -‬ك‪0‬ان الم‪0‬راد بالح‪0‬افظين المع‪0‬نى األول‪ ،‬وإن جع‪0‬ل للتفس‪0‬ير‬
‫‪ -‬كما ذكره في شرحه الكبير‪ -‬كان المراد بالحافظين المعنى الثاني‪ ،‬وال‪00‬راجح األول‪ ،‬فق‪0‬د‬
‫ذكر بعضهم أن المعقبات في قوله تعالى‪( :‬لَهُ ُم َعقِّبَاتٌ ِمنْ بَ ْي ِن يَ َد ْي‪ِ 0‬ه َو ِمنْ َخ ْلفِ‪ِ 0‬ه يَ ْحفَظُونَ‪0‬هُ‬
‫ِمنْ أَ ْم ِر هَّللا ِ) (الرعد‪ :‬من اآلية‪ )11‬غير الك‪00‬اتبين‪ ،‬ويقوي‪00‬ه ‪ -‬كم‪00‬ا قال‪00‬ه القرط‪00‬بي‪ -‬أن‪00‬ه لم‬
‫ينقل أن الحفظة‪ 0‬يفارقون العبد بل يالزمونه أبداً‪ ،‬بخالف الكتبة فإنهم يفارقون العب‪00‬د عن‪00‬د‬
‫ثالث حاجات‪ :‬عند قضاء حاجة اإلنسان بوالً أو غائطاً‪ ،‬وعند الجماع‪ ،‬وعند الغس‪00‬ل‪ ،‬كم‪00‬ا‬
‫جاء في حديث ابن عباس رض‪00‬ي هللا عنهما‪ ،2‬وال يمن‪00‬ع ذل‪00‬ك من كتب م‪00‬ا يص‪00‬در من‪00‬ه في‬
‫هذه األح‪00‬وال‪ ،‬ألن هللا يجع‪00‬ل لهم عالم‪00‬ة على ذل‪00‬ك كم‪00‬ا م‪00‬ر في االعتق‪00‬اد‪ ،‬وفي غ‪00‬ير ه‪00‬ذه‬
‫األحوال ال يفارقونه ولو كان بيت‪00‬ه في‪00‬ه ج‪00‬رس أو كلب أو ص‪00‬ورة‪ ،‬وأم‪00‬ا ح‪00‬ديث (ال ت‪00‬دخل‬
‫المالئكة بيتا ً فيه جرس)‪ 3‬ونحوه فالمراد مالئكة الرحمة‪ ،‬وقد ورد أن عثم‪0‬ان س‪0‬أل الن‪0‬بي‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم عن عدد المالئكة الموكلين باآلدمي‪ ،‬فق‪00‬ال‪( :‬لك‪00‬ل آدمي عش‪00‬رة‬
‫بالليل وعشرة بالنهار‪ :‬واحد عن يمينه‪ ،‬وآخر عن شماله‪ ،‬واثن‪00‬ان بين يدي‪00‬ه ومن خلف‪00‬ه‪،‬‬
‫واثن‪00‬ان على جنبي‪00‬ه‪،‬وآخ‪00‬ر ق‪00‬ابض على ناص‪00‬يته‪ ،‬ف‪00‬إن تواض‪00‬ع رفع‪00‬ه‪ ،‬وإن تك‪00‬بر وض‪00‬عه‪،‬‬
‫واثنان على شفتيه ليس يحفظان عليه إال الصالة على النبي صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪،‬‬
‫والعاشر يحرسه من الحية أن تدخل فاه)‪ ،4‬وفي بعض الرواي‪00‬ات أن‪0‬ه ذك‪0‬ر عش‪0‬رين ملك‪0‬اً‪،‬‬
‫وذكر األب ّي أنه يحفظ البن عطية أن كل آدمي يوكل ب‪00‬ه من حين وقوع‪00‬ه نطف‪00‬ة في ال‪00‬رحم‬
‫إلى موته أربعمائة ملك؛ وحفظهم للعبد إنما هو من المعلق‪ ،‬وأما المبرم فالب‪00‬د من إنف‪00‬اذه‬
‫فيتنحون عنه حتى ينفذ‪.‬‬
‫(قوله وكاتبون خيرة) أي مختارون‪ ،‬ألن هللا تعالى اختارهم لذلك‪ ،‬وق‪00‬د علمت أن‪00‬ه‬
‫وق‪00‬ع خالف في ه‪00‬ذا العط‪00‬ف‪ ،‬فقي‪00‬ل‪ :‬للتغ‪00‬اير‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬للتفس‪00‬ير‪ ،‬والح‪00‬ق األول‪ ،‬والم‪00‬راد‬
‫بالجمع‪ :‬ما فوق الواحد‪ ،‬ألن كل واحد من العباد إنما عليه ملكان‪ ،‬وك‪00‬ل منهم‪00‬ا رقيب‪ :‬أي‬
‫حافظ وعتيد‪ :‬أي حاضر‪ ،‬ال كما يتوهم من أحد أن أح‪00‬دهما رقيب واآلخ‪00‬ر عتي‪00‬د‪ ،‬وهم‪00‬ا ال‬
‫يتغيران ما دام حيا ً‪ ،‬فإذا مات يقومان على قبره يسبحان ويهلالن ويكبران ويكتبان ثوابه‬
‫له إلى يوم القيامة إن كان مؤمناً‪ ،‬ويلعنانه إلى يوم القيامة إن كان كافراً‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لكل يوم وليلة ملكان‪ ،‬فلليوم ملكان‪ ،‬ولليلة ملك‪00‬ان‪ ،‬فتك‪00‬ون المالئك‪00‬ة أربع‪00‬ة‬
‫يتعاقبون عن‪00‬د ص‪00‬الته العص‪00‬ر وص‪00‬الة الص‪00‬بح‪ ،‬ويؤرخ‪00‬ون م‪00‬ا يكتب‪00‬ون من أعم‪00‬ال العب‪00‬اد‬

‫‪ 1‬األولى أن يقول بدله‪ :‬وتعين أحد االحتمالين‪ ،‬فإن الموجود هو احتماالن ال الخالف‪.‬‬
‫‪ 2‬روى الترم‪00‬ذي في كت‪00‬اب األدب ب‪00‬رقم (‪ )2800‬عن ابن عم‪00‬ر رض‪00‬ي هللا عنهم‪00‬ا أن‬
‫رسول هللا صلى هللا تعالى عليه‪ 0‬وآله وسلم قال‪( :‬إياكم والتعري فإن معكم من ال يفارقكم إال عن‪00‬د‬
‫الغائط‪ 0،‬وحين يفضي الرجل إلى أهله‪ ،‬فاستحيوهم وأكرموهم)‪ .‬وقال حديث غ‪00‬ريب‪ .‬ال نعرف‪00‬ه إال‬
‫من هذا الوجه‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرج الطبراني في األوسط ب‪00‬رقم (‪ )4699‬عن أنس بن مال‪0‬ك‪ 0‬رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى‪ 0‬عن‪00‬ه‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وآله وسلم‪( :‬ال تقرب المالئك‪00‬ة ع‪00‬يراً فيه‪00‬ا ج‪00‬رس‪ ،‬وال‬
‫بيتا ً فيه جرس‪ ،‬قال الهيثمي‪ :‬رجاله ثقات‪ .‬وأخرجه أبو داود برقم (‪.)4231‬‬
‫‪ 4‬قال في فتح الباري (‪ )8/222‬أخرجه الطبري من طريق كنانة العدوي‪.‬‬
‫‪284‬‬
‫باأليام والجمع واألعوام‪ 0‬واألماكن‪ ،‬وملك الحسنات من ناحية اليمين‪ ،‬ومل‪00‬ك الس‪00‬يئات من‬
‫ناحية اليسار‪ ،‬واألول أمين أو أمير على الثاني‪ ،‬ف‪0‬إذا فع‪0‬ل العب‪0‬د حس‪0‬نة ب‪0‬ادر مل‪0‬ك اليمين‬
‫إلى كتبها‪ ،‬وإذا فعل سيئة قال ملك اليسار لمل‪00‬ك اليمين‪ :‬أأكتب؟ فيق‪00‬ول‪ :‬ال‪ ،‬لعل‪00‬ه يس‪00‬تغفر‬
‫ويتوب‪ ،‬فإذا مضى ست ساعات فلكية من غير توبة قال له‪ :‬اكتب أراحن‪00‬ا هللا من‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬ذا‬
‫دعاء عليه بالموت ليتحوال عن مشاهدة المعصية ألنهما يتأذيان بذلك‪ ،‬وفي بعض اآلث‪00‬ار‬
‫أن كتب المباحات على القول به لكاتب السيئات‪ ،‬وقد اعتمد بعضهم أن المباح ال يكتب‪.‬‬
‫وهذه الكتاب‪00‬ة مم‪00‬ا يجب اإليم‪00‬ان به‪00‬ا فيكف‪00‬ر منكره‪00‬ا لتكذيب‪00‬ه الق‪00‬رآن الك‪00‬ريم‪ ،‬ق‪00‬ال‬
‫تعالى‪ِ ( :‬ك َراما ً َكاتِبِينَ ‪ ،‬يَ ْعلَ ُمونَ َما تَ ْف َعلُونَ ) (االنفطار‪ )12-11 :‬لكنها ليست لحاج‪00‬ة دعت‬
‫إليها؛ وإنما فائدتها أن العبد إذا علم بها استحيا وترك المعصية‪.‬‬
‫والكتب حقيقي بآلة وقرطاس وم‪00‬داد يعلمه‪00‬ا هللا س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى حمالً للنص‪00‬وص‬
‫على ظواهره‪00‬ا‪ ،‬خالف ‪0‬ا ً لمن ق‪00‬ال‪ :‬إن‪00‬ه كناي‪00‬ة عن الحف‪00‬ظ والعلم‪ ،‬وفي بعض األح‪00‬اديث أن‬
‫لسانه قلمهما وريقه مدادهما‪ ،1‬والتفويض أولى‪ ،‬واختلف في محلهما من الشخص فقيل‪:‬‬
‫ناجذاه‪ ،‬أي‪ :‬آخر أضراسه األيمن واأليسر‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬عاتق‪00‬اه‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬ذقن‪00‬ه‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬ش‪00‬فتاه‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬عنفقته‪ ،‬وروي عن مجاه‪00‬د أن‪00‬ه ك‪00‬ان إن قع‪00‬د ك‪00‬ان أح‪00‬دهما عن يمين‪00‬ه واآلخ‪00‬ر عن‬
‫يساره‪ ،‬وإن مشى كان أحدهما أمام‪00‬ه واآلخ‪00‬ر وراءه‪ ،‬وإن رق‪00‬د ك‪00‬ان أح‪00‬دهما عن‪00‬د رأس‪00‬ه‬
‫واآلخر عند رجليه‪ ،‬ويجمع بين هذه األقاوي‪00‬ل بأنهم‪00‬ا ال يلزم‪00‬ان محالً واح‪00‬داً واألس‪00‬لم في‬
‫أمثال ذلك الوقف‪.‬‬
‫(قوله‪ :‬لن يهملوا ‪ ##‬من أمره ش‪00‬يئا ً فع‪00‬ل) أي لن ي‪00‬تركوا من ش‪00‬أنه وحال‪00‬ه ش‪00‬يئا ً‬
‫فعله بال كتابة بل يكتبونه قوالً أو غيره‪ ،‬فليست الكتابة مختص‪00‬ة ب‪00‬األقوال وإن ك‪00‬ان قول‪00‬ه‬
‫يب َعتِي‪0‬دٌ) (قّ‪ )18:‬في خص‪0‬وص األق‪0‬وال‪ ،‬وك‪0‬ذلك‬ ‫تع‪0‬الى‪َ ( :‬م‪0‬ا يَ ْلفِ‪0‬ظُ ِمنْ قَ ْ‬
‫‪0‬و ٍل إِاَّل لَ َد ْي‪ِ 0‬ه َرقِ ٌ‬
‫حديث ابن عباس‪ 2‬رضي هللا تعالى عنهما في تفسير اآلية المذكورة‪ ،‬فإنه ق‪00‬ال‪ :‬يكتب ك‪00‬ل‬
‫ما يتكلم به من خ‪00‬ير أو ش‪0‬ر‪ ،‬ح‪00‬تى إن‪00‬ه ليكتب قول‪00‬ه‪ :‬أكلت‪ ،‬ش‪00‬ربت‪ ،‬ذهبت‪ ،‬جئت‪ ،‬رأيت‪،‬‬
‫حتى إذا كان يوم الخميس ويوم االثنين عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان خيراً أو شراً‬
‫وألغى سائره –أي باقيه وهو المباح والمكروه فتلتقم‪00‬ه حيت‪00‬ان البح‪00‬ر فتم‪00‬وت من‪00‬ه لنتن‪00‬ه‬
‫فيخرج منه دود يأكل الزرع‪ ،‬وهذا صريح في كتب المباحات‪ ،‬فيؤيد الق‪00‬ول بكتابته‪00‬ا‪ ،‬لكن‬
‫تق‪00‬دم أن بعض‪00‬هم اعتم‪00‬د ع‪00‬دم كتابته‪00‬ا‪ ،‬وظ‪00‬واهر اآلث‪00‬ار أن الحس‪00‬نات تكتب مم‪00‬يزة عن‬
‫السيئات‪ ،‬فقيل‪ :‬إن سيئات المؤمن أول كتابه‪ ،‬وآخره‪ :‬هذه ذنوبك ق‪00‬د س‪00‬ترتها وغفرته‪00‬ا‪،‬‬
‫وحسنات الكافر أول كتابه وآخره‪ :‬هذه حسناتك قد رددتها عليك وما قبلتها‪.‬‬
‫(قوله ولو ذهل) أي ولو غفل ونسي؛ فالذهول عن الشيء نس‪00‬يانه والغفل‪00‬ة عن‪00‬ه‪،‬‬
‫فيكتب ما فعله نسيانا ً وإن ك‪00‬ان ال يؤاخ‪00‬ذ ب‪00‬ه ألن‪00‬ه ليس الغ‪00‬رض من الكتاب‪00‬ة المعاقب‪00‬ة وال‬
‫اإلثاب‪00‬ة‪ ،‬وقول‪00‬ه “ ح‪00‬تى األنين في الم‪00‬رض “ أي ح‪00‬تى يكتب‪00‬ون األنين الص‪00‬ادر من‪00‬ه في‬
‫‪ 1‬أخ‪00‬رج ابن أبي ال‪00‬دنيا في الص‪00‬مت (‪ )81/82‬عن علي رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى‪ 0‬عن‪00‬ه ق‪00‬ال‪:‬‬
‫"لسان اإلنسان‪ 0‬قلم الملك‪ 0‬وريقه مداده" وأخرجه عن الحسن برقم (‪ .)579‬وأحرج‪00‬ه الس‪00‬يوطي‬
‫في الدر المنثور (‪ )6/103‬عن أبي نعيم‪ ،‬وقال في مقدمة الجامع الكبير‪ :‬ضعيف‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه السيوطي في الدر المنثور (‪ )6/103‬عن ابن جرير وابن أبي حاتم‪.‬‬
‫‪285‬‬
‫المرض‪ ،‬واألنين مصدر أنّ الرجل يئن إذا ص ّوت‪ ،‬وينبغي للمريض أن يقول “ آه “ ألنه‬
‫ورد أنه من أسمائه تعالى‪1‬وال يقول “ آخ “ ألنه اسم من أسماء الشيطان‪.‬‬
‫(وقوله كما نقل) أي كما نقله أئمة الدين وعلم‪00‬اء المس‪00‬لمين ومن أعظمهم اإلم‪00‬ام‬
‫مال‪00‬ك رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه‪ ،‬فإن‪00‬ه ق‪00‬ال‪ :‬يكتب‪00‬ون على العب‪00‬د ك‪00‬ل ش‪00‬يء ح‪00‬تى أنين‪00‬ه في مرض‪00‬ه‪،‬‬
‫وتمسكوا بقوله تعالى‪َ ( :‬ما يَ ْلفِظُ ِمنْ قَ ْو ٍل إِاَّل لَ َد ْي ِه َرقِ ٌ‬
‫يب َعتِيدٌ) (قّ‪ )18:‬ألن وقوع “ ق‪00‬ول‬
‫“ في سياق النفي يقتضي العموم‪.‬‬

‫ب النفس وقلّل األمال ‪ ##‬فَ ُر ّ‬


‫ب من ج َّد ألمر وصال‬ ‫فحاس ِ‬
‫ِ‬ ‫‪-87‬‬
‫‪{ -167‬محاسبة النفس}‬
‫(قوله فحاسب النفس) أي إذا علمت أن عليك من يحفظ أعمال‪00‬ك ويكتبه‪00‬ا فحاس‪00‬ب‬
‫نفسك كل صباح على جميع ما عملته ليالً‪ ،‬وكل مساء على جمي‪00‬ع م‪00‬ا عملت‪00‬ه نه‪00‬اراً‪ ،‬فم‪00‬ا‬
‫وجدت من حسنة حمدت هللا عليها‪ ،‬أو من سيئة استغفرت هللا منها‪ ،‬وأق‪00‬رب من ذل‪00‬ك إلى‬
‫السالمة أن تحاسبها على كل فعل قبل اإلقدام عليه حتى ال تتلبس ب‪00‬ه إال بع‪00‬د معرف‪00‬ة حكم‬
‫هللا فيه‪ ،‬فما كان خيراً فعلته‪ ،‬وما كان غير ذلك أمس‪00‬كت عن‪00‬ه ل‪00‬تريح المالئك‪00‬ة من التعب‪،‬‬
‫وألنه من حاسب نفسه في الدنيا هان عليه عذاب اآلخرة‪ ،‬وفي الحديث (حاس‪00‬بوا أنفس‪00‬كم‪0‬‬
‫‪ 1‬لم يثبت‪ 0‬من طريق صحيح أن "آه" اسم من أسماء هللا تع‪00‬الى وال أن آخ من أس‪00‬ماء‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫‪286‬‬
‫قبل أن تحاسبوا)‪( 1‬وقوله‪ :‬وقلل األمال) بفتح القاف وتشديد الالم األولى وتسكين الثانية‪،‬‬
‫ودرج همزة “ األمال “ الثانية بنقل حركتها لالمه‪ :‬أي قصر األمل‪ :‬وهو رجاء م‪00‬ا تحب‪00‬ه‬
‫النفس كطول عمر وزيادة غنى‪ ،‬وهو مذموم إال من العلماء حيث أملوا طول عمرهم لنفع‬
‫المسلمين فيثابون على نياتهم في ذلك‪ ،‬واألصل فيما ذكر قوله صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم‬
‫‪( :‬كن في ال‪00‬دنيا كأن‪00‬ك غ‪00‬ريب أو ع‪00‬ابر س‪00‬بيل وع‪00‬د نفس‪00‬ك من أه‪00‬ل القب‪00‬ور)‪ 2‬ومن كالم‬
‫بعضهم‪ :‬من قصر أمله قل هم‪00‬ه وتن‪00‬ور قلب‪00‬ه ورض‪00‬ي بالقلي‪00‬ل‪ :‬وبض‪00‬دها تتم‪00‬يز األش‪00‬ياء‪،‬‬
‫و(قول‪00‬ه‪ :‬ف‪00‬رب من ج‪00‬د ألم‪00‬ر وص‪00‬ال) مرتب‪00‬ط بمح‪00‬ذوف يؤخ‪00‬ذ من قول‪00‬ه “ وقل‪00‬ل األمال “‬
‫والتقدير‪ :‬وجد في مطلوب‪00‬ك ف‪0‬رب من ج‪00‬د ‪ ..‬إلخ‪ :‬أي ألن‪00‬ه رب من اجته‪00‬د بتوفي‪0‬ق هللا ل‪0‬ه‬
‫لتحصيل أمر من أمور الدنيا أو اآلخرة‪ ،‬وصل إلى ذلك بتقدير هللا في األزل وصوله إليه‪.‬‬

‫وواجب إيماننا بالموت ‪ ##‬ويقبض الروح رسول الموت‬ ‫‪-88‬‬


‫‪{ -168‬اإليمان بالموت}‬
‫(قول‪00‬ه وواجب إيمانن‪00‬ا ب‪00‬الموت) “ واجب “ خ‪00‬بر مق‪00‬دم‪ ،‬و “ إيمانن‪00‬ا “ مبت‪00‬دأ‬
‫م‪00‬ؤخر‪ ،‬و “ ب‪00‬الموت “ متعل‪00‬ق بإيمانن‪00‬ا والمع‪00‬نى‪ :‬أن تص‪00‬ديقنا ب‪00‬الموت واجب‪ ،‬فيجب‬
‫التصديق بعموم فناء الكل خالفا ً للدهرية‪ 3‬في قولهم‪ :‬إن هي إال أرحام تدفع وأرض تبل‪00‬غ‪،‬‬

‫‪ 1‬أخرجه بن أبي شيبة في المصنف رقم (‪ )16306‬عن عم‪00‬ر بن الخط‪00‬اب أن‪00‬ه ق‪00‬ال في‬
‫خطبته‪( :‬حاس‪00‬بوا أنفس‪00‬كم قب‪0‬ل أن تحاس‪00‬بوا‪ ،‬وزن‪00‬وا أنفس‪00‬كم قب‪00‬ل أن توزن‪00‬وا‪ ،‬وتزين‪00‬وا للع‪00‬رض‬
‫األكبر يوم تعرض‪00‬ون ال تخفى منكم خافي‪00‬ة) وأخرج‪00‬ه ابن المب‪00‬ارك في الزه‪00‬د (‪ )306‬وأحم‪00‬د في‬
‫الزهد (‪ )631‬وغيرهم كلهم من كالم عمر‪ ،‬ال من كالم النبي‪ 0‬صلى هللا عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج‪00‬ه ابن ماج‪00‬ه في الزه‪00‬د (‪ )4114‬عن ابن عم‪00‬ر ق‪00‬ال‪ :‬أخ‪00‬ذ رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا‬
‫تعالى عليه وآله وسلم ببعض جسدي فقال‪( :‬يا عبد هللا كن في الدنيا‪ 0‬كأنك غريب أو كأن‪00‬ك ع‪00‬ابر‪0‬‬
‫سبيل‪ ،‬وعد نفسك من أهل القبور) وأخرج‪00‬ه الترم‪00‬ذي في كت‪00‬اب الزه‪00‬د رقم (‪ )2333‬والبخ‪00‬اري‬
‫في الرقاق رقم (‪ )6412‬دون قوله‪( :‬وعد نفسك من أهل القبور)‪.‬‬
‫‪ 3‬الدهرية فرقة ذهبت إلى قدم الدهر وإس‪00‬ناد الح‪00‬وادث إلي‪00‬ه كم‪00‬ا أخ‪00‬بر هللا تع‪00‬الى‪ 0‬عنهم‬
‫(وقَالُوا َما ِه َي إِاَّل َحيَاتُنَا ال ُّد ْنيَا نَ ُم‪00‬وتُ َونَ ْحيَ‪00‬ا َو َم‪00‬ا يُ ْهلِ ُكنَ‪00‬ا إِاَّل ال‪َّ 0‬د ْه ُر) (الجاثـية‪ :‬من اآلية‬
‫بقوله‪َ :‬‬
‫‪.)24‬‬
‫‪287‬‬
‫ويجب التصديق أيضا ً بأنه على الوج‪00‬ه المعه‪00‬ود ش‪00‬رعا ً من ف‪00‬راغ اآلج‪00‬ال المق‪00‬درة خالف‪0‬ا ً‬
‫للحكماء في قولهم بأنه بمجرد اختالل نظام الطبيع‪00‬ة فم‪00‬راد المص‪0‬نف ب‪0‬ذلك ال‪0‬رد على من‬
‫ُذ ِك َر ‪ ،‬وأما أصل وقوع الموت فال حاجة للنص عليه ألنه ال يشك فيه عاقل لكونه مشاهداً‪،‬‬
‫ويدل على ذل‪00‬ك قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬إِنَّكَ َميِّتٌ َوإِنَّ ُه ْم َميِّتُ‪00‬ونَ ) (الزم‪00‬ر‪ )30:‬وقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪ُ ( :‬ك‪ُّ 0‬ل‬
‫ت) (آل عم‪00‬ران‪ :‬من اآلية‪ )185‬واألح‪00‬اديث في‪00‬ه كث‪00‬يرة‪ ،‬وق‪00‬د اختل‪00‬ف في‬ ‫س َذائِقَةُ ا ْل َم ْو ِ‬
‫نَ ْف ٍ‬
‫الموت‪ ،‬هل هو وجودي أو عدمي؟ ف‪0‬ذهب األش‪0‬عري رحم‪0‬ه هللا تع‪0‬الى إلى األول‪ ،‬وعرف‪0‬ه‬
‫بأن‪00‬ه كيفي‪00‬ة أي ص‪00‬فة وجودي‪00‬ة تض‪00‬اد الحي‪00‬اة‪ ،‬فالتقاب‪00‬ل بينهم‪00‬ا تقاب‪00‬ل التض‪00‬اد‪ ،‬وذهب‬
‫اإلسفرايني والزمخشري إلى الثاني‪ ،‬وعرف‪00‬اه بأن‪00‬ه ع‪00‬دم الحي‪00‬اة عم‪00‬ا من ش‪00‬أنه أن يك‪00‬ون‬
‫‪0‬وتَ‬‫ق ا ْل َم‪ْ 0‬‬
‫حياً‪ ،‬فالتقابل بينهما تقابل الع‪00‬دم والملك‪00‬ة‪ ،‬وي‪00‬دل لألول قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬الَّ ِذي َخلَ‪َ 0‬‬
‫َوا ْل َحيَاةَ) (الملك‪ :‬من اآلية‪ )2‬وتأوي‪00‬ل الخل‪00‬ق بالتق‪00‬دير كم‪00‬ا قال‪00‬ه من ذهب إلى أن‪00‬ه ع‪0‬دمي‬
‫خالف الظاهر‪ ،‬وفي بعض األحاديث أن هللا خلق الموت في صورة كبش ال يمر بش‪0‬يء إال‬
‫مات‪ ،‬كما أن في بعض األحاديث أن الحياة خلقها هللا على صورة فرس ال تم‪00‬ر بش‪00‬يء إال‬
‫حيي‪ ،1‬وهذا إنم‪00‬ا ه‪00‬و باعتب‪00‬ار التمثي‪00‬ل‪ ،‬وإال ف‪00‬الموت ص‪00‬فة الميت‪ ،‬كم‪00‬ا أن الحي‪00‬اة ص‪00‬فة‬
‫الحي‪ ،‬واألولى التفويض في أمثال هذه المقامات‪.‬‬
‫(قوله ويقبض الروح رسول الموت) أي يخرجها من مقرها الملك الموكل بالموت‬
‫وهو عزرائيل عليه السالم‪ ،‬ومعناه عبد الجبار‪ ،‬وهو ملك عظيم هائل المنظر مفزع ج‪00‬داً‪،‬‬
‫رأسه في السماء العلي‪00‬ا ورجاله في تخ‪00‬وم األرض الس‪00‬فلى‪ :‬أي منتهاه‪00‬ا‪ ،‬ووجه‪00‬ه مقاب‪00‬ل‬
‫اللوح المحفوظ ‪ ،‬والخلق بين عينيه‪ ،‬وله أعوان بعدد من يموت‪ ،‬يترفق بالمؤمن ويأتي‪00‬ه‬
‫في ص‪00‬ورة حس‪00‬نه دون غ‪00‬يره‪ ،‬وفي ح‪00‬ديث ابن مس‪00‬عود وابن عب‪00‬اس أن إب‪00‬راهيم علي‪00‬ه‬
‫الصالة والسالم قال‪ :‬يا ملك الموت‪ ،‬أرني كيف تقبض أنفاس الكفار؟ ق‪00‬ال‪ :‬ي‪00‬ا إب‪00‬راهيم ال‬
‫تطيق ذلك‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أعرض‪ ،‬فأعرض‪ ،‬ثم نظ‪0‬ر ف‪0‬إذا ه‪0‬و برج‪0‬ل أس‪0‬ود ين‪0‬ال رأس‪0‬ه‬
‫السماء يخرج من فيه لهب النار‪ ،‬فغشي على إبراهيم ثم أفاق وقد تحول مل‪00‬ك الم‪00‬وت في‬
‫الصورة األولى‪ ،‬وقال‪ :‬يا ملك الموت‪ ،‬ل‪00‬و لم يل‪00‬ق الك‪00‬افر من البالء والح‪00‬زن إال ص‪00‬ورتك‬
‫هذه لكفاه‪ ،‬فارني كي‪00‬ف تقبض أنف‪00‬اس المؤم‪00‬نين؟ ق‪0‬ال‪ :‬أع‪00‬رض‪ ،‬ف‪00‬أعرض ثم التفت ف‪0‬إذا‬
‫برجل شاب أحسن الناس وجها ً وأطيبهم ريحا ً في ثياب بيض‪ ،‬فقال‪ :‬يا ملك الموت ل‪00‬و لم‬
‫ير المؤمن عند الموت من قرة العين والكرامة إال صورتك هذه لكان يكفيه‪.2‬‬
‫وفي النظم إف‪000‬ادة جوهري‪000‬ة ال‪000‬روح‪ ،‬وإال لم تقبض‪ ،‬وم‪000‬ذهب أه‪000‬ل الس‪000‬نة من‬
‫المتكلمين والمحدثين والفقهاء والصوفية‪ :‬أنها جسم لطيف مشتبك بالبدن اش‪00‬تباك الم‪00‬اء‬
‫بالعود األخضر‪ ،‬وبهذا جزم النووي‪ ،‬ومذهب جماعة من الصوفية والمعتزلة أنه‪00‬ا ليس‪00‬ت‬
‫بجسم وال عرض‪ ،‬بل جوهر مجرد متعلق بالبدن للتدبير غير داخل فيه وال خارج عنه‪ :‬و‬
‫“ أل “ في الروح لالستغراق‪ ،‬فهي دالة على العموم‪ ،‬والمراد جمي‪0‬ع أرواح الثقلين ول‪0‬و‬
‫أرواح الشهداء براً وبحراً‪ ،‬وأرواح المالئكة حتى روح نفس‪00‬ه على أح‪00‬د الق‪00‬ولين‪ ،‬وقي‪00‬ل‪:‬‬
‫‪1‬ذكر األثر السيوطي في رس‪0‬الته (رف‪00‬ع الص‪00‬وت ب‪0‬ذبح الم‪00‬وت) وع‪00‬زاه للكل‪00‬بي ومقات‪0‬ل‬
‫انظر الحاوي للفتاوى (‪ )2/99‬والدر المنثور ( ‪)6/248‬‬
‫‪ 2‬الحديث أورده الطبري في التفس‪00‬ير (‪ )3/48‬دار الفك‪00‬ر‪ .‬وع‪00‬زاه الس‪00‬يوطي في ش‪00‬رح‬
‫الصدور(‪)45‬البن أبي الدنيا‪ 0‬عن ابن مسعود وابن عباس‪.‬‬
‫‪288‬‬
‫القابض لروحه هو هللا عز وجل وأرواح البهائم والطيور وغيرهم ولو بعوضة كم‪00‬ا ذهب‬
‫إليه أهل الحق‪ ،‬خالفا ً للمعتزلة حيث ذهبوا إلى أن‪00‬ه ال يقبض أرواح البه‪00‬ائم‪ ،‬ب‪00‬ل يقبض‪00‬ها‬
‫أعوانه‪ ،‬وقد أشار المص‪00‬نف لل‪00‬رد على الجمي‪00‬ع ب‪00‬أل الدال‪00‬ة على العم‪00‬وم‪ ،‬ولمباش‪00‬رة مل‪00‬ك‬
‫الموت لذلك أسند إليه التوفي كما في قوله تعالى‪( :‬قُ ْل يَت ََوفَّا ُك ْم َملَ ُك ا ْل َم ْو ِ‬
‫ت الَّ ِذي ُو ِّك َل بِ ُك ْم)‬
‫(الس‪000‬جدة‪ :‬من اآلية‪ )11‬كنس‪000‬بته إلى أعوان‪000‬ه لمع‪000‬الجتهم نزعه‪000‬ا من العص‪000‬ب والعظم‬
‫سلُنَا) (األنعام‪ :‬من اآلية‪ )61‬وأم‪00‬ا إس‪00‬ناد الت‪00‬وفي إلي‪00‬ه‬ ‫والعروق في قوله تعالى‪( :‬تَ َوفَّ ْتهُ ُر ُ‬
‫س ِحينَ َم ْوتِ َه‪00‬ا) (الزم‪00‬ر‪ :‬من اآلية‪ )42‬فألن‪00‬ه‬ ‫َ‪00‬وفَّى اأْل َ ْنفُ َ‬
‫تع‪00‬الى في قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬هَّللا ُ يَت َ‬
‫الخالق لذلك حقيقة الموجد له‪.‬‬
‫(فائدة) مجيء الموت والعبد على عمل صالح يسهل الموت‪ ،‬وكذلك الس‪00‬واك فيم‪00‬ا‬
‫ذكره جماعة‪ ،‬ومما يسهل الموت وجميع ما بعده من األهوال ما ذك‪00‬ره السنوس‪00‬ي وغ‪00‬يره‬
‫من صالة ركعتين ليلة الجمعة بعد المغرب يقرأ بعد الفاتحة الزلزل‪00‬ة خمس عش‪00‬رة م‪00‬رة‪،1‬‬
‫وروى أن سورتها تعدل نصف القرآن‪.2‬‬

‫وميت بعمره من يُقتل ‪ ##‬وغير هذا باطل ال يُقبل‬ ‫‪-89‬‬


‫‪{ -169‬المقتول ميت بإنقضاء عمره}‬
‫(قوله وميت بعمره من يقتل) “ ميت “ خبر مقدم‪ ،‬و “ من يقتل “ مبتدأ مؤخر‪:‬‬
‫أي كل ذي روح يفعل به ما يزهق روحه ميت بانقضاء عمره‪ ،‬ففي عبارة المصنف حذف‬
‫مضاف ولو عبر باألجل لم يحتج لتقدير المضاف‪ ،‬ألن األجل يطل‪00‬ق على آخ‪00‬ر العم‪00‬ر كم‪00‬ا‬
‫يطلق على م‪0‬دة العم‪00‬ر بتمامه‪00‬ا‪ ،‬لكن المص‪00‬نف ع‪0‬بر ب‪0‬العمر ألج‪00‬ل النظم‪ ،‬ف‪0‬احتيج لتق‪0‬دير‬
‫المضاف‪ ،‬وما ذكره الناظم هو م‪00‬ذهب أه‪00‬ل الح‪00‬ق‪ ،‬فاألج‪00‬ل عن‪00‬دهم واح‪00‬د ال يقب‪00‬ل الزي‪00‬ادة‬
‫س‪00‬تَأْ ِخرُونَ َ‬
‫س‪00‬ا َعةً َوال يَ ْ‬
‫س‪00‬تَ ْق ِد ُمونَ )‬ ‫والنقص‪00‬ان‪ ،‬ق‪00‬ال هللا تع‪00‬الى‪( :‬فَ‪00‬إِ َذا َج‪ 00‬ا َء أَ َجلُ ُه ْم ال يَ ْ‬
‫(األع‪00‬راف‪ :‬من اآلية‪ )34‬وق‪00‬د دلت األح‪00‬اديث على أن ك‪00‬ل هال‪00‬ك يس‪00‬توفي أجل‪00‬ه من غ‪00‬ير‬
‫تقديم عليه وال تأخر عنه‪ ،‬وال يعارض هذه القواط‪00‬ع م‪00‬ا ورد ب‪00‬أن بعض الطاع‪00‬ات كص‪00‬لة‬

‫‪ 1‬ذكر الحافظ ابن حجر في أمالي‪0‬ه‪ 0‬ح‪00‬ديث ص‪00‬الة ه‪00‬اتين الركع‪00‬تين وق‪00‬ال غ‪00‬ريب وس‪00‬نده‬
‫ضعيف فيه من ال يعرف (انظر ص‪ 156‬ج‪ 6‬من الدين الخالص)‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج الترمذي في فض‪00‬ائل الق‪00‬رآن‪ 0‬رقم (‪ )2893‬عن أنس بن مال‪00‬ك رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‪( :‬من قرأ إذا زلزلت ع‪00‬دلت ل‪00‬ه بنص‪00‬ف‬
‫القرآن)‪.‬‬
‫‪289‬‬
‫ال‪00‬رحم يزي‪00‬د في العمر‪ 1‬ألن‪00‬ه خ‪00‬بر آح‪00‬اد‪ ،‬أو أن الزي‪00‬ادة في‪00‬ه بحس‪00‬ب الخ‪00‬ير والبرك‪00‬ة‪ ،‬أو‬
‫بالنسبة لما ثبت في صحف المالئكة‪ ،‬فقد يثبت الشي فيها مطلق ‪0‬ا ً وه‪00‬و في علم هللا تع‪00‬الى‬
‫مقيد كأن يكون في صحف المالئكة‪ :‬إن عمر زيد خمس‪00‬ون مثالً مطلق ‪0‬اً‪ ،‬وه‪00‬و في علم هللا‬
‫تعالى مقيد‪ 2‬بأن ال يفعل كذا من الطاعات‪ ،‬وإن فعلها فله ستون فإن سبق في علمه تعالى‬
‫أنه يفعلها فال يتخلف عن فعلها وكان عمره ستين‪ ،‬فالزي‪00‬ادة بحس‪00‬ب الظ‪00‬اهر على م‪00‬ا في‬
‫صحف المالئك‪00‬ة‪ ،‬وإال فال ب‪00‬د من تحق‪00‬ق م‪0‬ا في علم‪00‬ه تع‪00‬الى كم‪00‬ا يش‪00‬ير ل‪00‬ه قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪:‬‬
‫ب) (الرعد‪ )39:‬أي أصل اللوح المحفوظ‪ 0‬وهو‬ ‫(يَ ْم ُحوا هَّللا ُ َما يَشَا ُء َويُ ْثبِتُ َو ِع ْن َدهُ أُ ُّم ا ْل ِكتَا ِ‬
‫علمه تعالى الذي ال محو فيه وال إثبات‪ ،‬وأما اللوح المحفوظ‪ 0‬فالحق قبول م‪00‬ا في‪00‬ه للمح‪00‬و‬
‫واإلثبات كصحف المالئكة‪ ،‬وبعضهم فسر أم الكتاب باللوح المحفوظ؛ ألنه ما من كائن إال‬
‫وه‪00‬و مكت‪00‬وب في‪00‬ه‪ ،‬وال‪00‬راجح األول‪ ،‬وبالجمل‪00‬ة فمخت‪00‬ار‪ 3‬أه‪00‬ل الس‪00‬نة أن ك‪00‬ل مقت‪00‬ول ميت‬
‫بانقضاء عمره وحضور أجله في الوقت الذي علم هللا حصول موته فيه أزالً بخلقه تع‪00‬الى‬
‫من غير مدخلية للقاتل فيه‪ ،‬وإنم‪0‬ا وجب علي‪0‬ه القص‪0‬اص نظ‪0‬راً للكس‪0‬ب فق‪0‬ط؛ وعن‪0‬د أه‪0‬ل‬
‫السنة أنه لو لم يقتل لجاز أن يموت في ذل‪00‬ك ال‪00‬وقت وأن ال يم‪00‬وت في‪00‬ه ألن‪00‬ه ال اطالع لن‪00‬ا‬
‫على ما في علم هللا‪ ،‬فيحتمل أنه لو لم يقتل أن يموت في ذلك الوقت إن لم يكن عم‪00‬ره في‬
‫علم هللا أكثر من ذلك‪ ،‬ويحتمل أن ال يموت فيه إن ك‪00‬ان عم‪00‬ره في علم هللا أك‪00‬ثر من ذل‪00‬ك‪،‬‬
‫وهذا التجويز ذاتي على فرض عدم قتله‪ 4‬كما هو ظاهر‪ ،‬وإال فق‪00‬د ب‪00‬ان بقتل‪00‬ه أن هللا علم‬
‫موته في ذلك الوقت فال خلف‪.‬‬
‫(قوله وغير هذا باطل ال يقبل) أي وغير ما ذكر من مذاهب المخالفين ألهل السنة‬
‫غير مطابق للواقع ال يقبل عند العقالء المتمسكين بالحق‪.‬‬

‫‪ 1‬أخ‪00‬رج البخ‪00‬اري (‪ )5985‬ومس‪00‬لم (‪ )2557‬عن أنس بن مال‪00‬ك رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه ق‪00‬ال‬
‫سمعت رسول هللا صلى هللا تعالى‪ 0‬عليه وآله وسلم يقول‪( :‬من س‪0‬ره أن يبس‪00‬ط ل‪00‬ه في رزق‪0‬ه وأن‬
‫ينسأ له في أثره‪ ،‬فليصل رحمه)‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله "وهو في علم هللا مقيد ‪ ..‬إلخ" بيان ذلك أن هللا تع‪00‬الى يعلم أزالً أن زي‪00‬داً يطي‪00‬ع‬
‫وأن له بسبب‪ 0‬ذلك من العمر ستين سنة‪ ،‬ويعلم أيضاً‪ 0‬أنه لو لم يط‪00‬ع لك‪00‬ان‪ 0‬عم‪00‬ره خمس‪00‬ين س‪00‬نة‪،‬‬
‫وهذا هو معنى ك‪00‬ون م‪00‬ا في ص‪00‬حف المالئك‪00‬ة مقي‪00‬داً في علم هللا ب‪00‬أن ال يفع‪00‬ل ك‪0‬ذا من الطاع‪00‬ات‪،‬‬
‫وليس المراد من التقييد التعليق‪ ،‬بل المراد منه ما تقدم من أنه يعلم أنه لو لم يط‪00‬ع لك‪00‬ان عم‪00‬ره‬
‫خمسين سنة مثالً‪ ،‬وبحمل التقييد على هذا المعنى اندفع م‪00‬ا ي‪00‬تراءى من العب‪00‬ارة من أن علم هللا‬
‫مشوب بالتردد‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 3‬التعبير بالمختار‪ 0‬ليس بجيد ألن أهل السنة قد ذهبوا إلى هذا على سبيل القطع ال على‬
‫سبيل االختيار‪ 0‬والترجيح‪.‬‬
‫‪ 4‬يعني أنه لو فرض عدم قتله وصرف النظر عن تعلق علم‪00‬ه تع‪00‬الى بأح‪00‬د الط‪00‬رفين‪ 0‬أو‬
‫األطراف لحكم بأن‪ 0‬الموت جائز أن يوجد قبل زمان القتل وحاله وبعده وه‪00‬ذا الج‪00‬واز ذاتي يع‪00‬ني‬
‫أن الموت بحد ذاته يجوز عليه األمور الثالثة‪ 0‬وأم‪00‬ا إذا لوح‪00‬ظ علم هللا تع‪00‬الى بوقوع‪00‬ه على أح‪00‬د‬
‫الوجوه فيكون الموت واجب الوقوع بحسبه لكن هذا الوجوب وجوب بالغير وليس وجوب‪0‬ا ً ذاتي‪0‬ا ً‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪290‬‬
‫وأشار المصنف بذلك للر ّد على أهل االعتزال‪ ،‬فإن لهم مذاهب ثالثة‪ ،‬األول مذهب‬
‫الكعبي‪ :‬وهو أن المقتول ليس بميت؛ ألن القتل فعل العبد‪ ،‬والموت فعل‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬واس‪00‬تدل‬
‫على ذل‪00‬ك بقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ ( :‬ولَئِنْ ُمتُّ ْم أَ ْو قُتِ ْلتُ ْم) (آل عم‪00‬ران‪ :‬من اآلية‪ )158‬ف‪00‬إن العط‪00‬ف‬
‫يقتضي المغايرة‪ ،‬وأهل السنة يقولون المعنى‪ ،‬ولئن متم من غير س‪00‬بب أو قتلتم ب‪00‬أن متم‬
‫بسبب؛ فعند الكعبي أن المقتول له أجالن أجل بالقتل‪ ،‬وأجل ب‪00‬الموت‪ ،‬فل‪00‬و لم يقت‪00‬ل ع‪00‬اش‬
‫إلى أجله بالموت‪ ،‬والثاني‪ :‬م‪00‬ذهب جمه‪00‬ورهم وه‪00‬و أن القات‪00‬ل قط‪00‬ع على المقت‪00‬ول أجل‪00‬ه‪،‬‬
‫فعندهم أن المقتول له أجل واحد وهو الوقت ال‪0‬ذي علم هللا موت‪0‬ه في‪0‬ه ل‪0‬وال القت‪0‬ل‪ ،‬فل‪0‬و لم‬
‫يقتل لعاش إليه قطعاً‪ ،‬والثالث‪ :‬مذهب أبي الهذيل وهو أن المقت‪00‬ول أجل‪00‬ه في ذل‪00‬ك ال‪00‬وقت‬
‫فقط‪ ،‬فعنده أن المقتول له أجل واحد وهو الوقت ال‪00‬ذي قت‪00‬ل في‪00‬ه‪ ،‬فل‪00‬و لم يقت‪00‬ل لم‪00‬ات ب‪00‬دل‬
‫القتل قطعا ً‪ ،‬وبهذا التقرير ظهر الفرق بين مذاهب المعتزلة ومذهب أهل السنة فتدبر‪.‬‬

‫س ْب ِكي بَقَاهَا اللَّ ْذ ُع ِرفْ‬ ‫ستُ ْظ َ‬


‫هر ال ُّ‬ ‫َوفِي فَنَا النَّ ْفس لَدَى النَّ ْفخ ْ‬
‫اختُلِفْ ‪ ##‬وا ْ‬ ‫‪-90‬‬
‫‪{ -170‬هل تفنى النفس عند النفخ}‬
‫(قوله وفي فنا النفس لدى النفخ اختل‪00‬ف) أي وفي ذه‪00‬اب ص‪00‬ورة النفس ال‪00‬تي هي‬
‫الروح عن‪00‬د نفخ إس‪00‬رافيل في الص‪00‬ور النفخ‪00‬ة األولى اختل‪00‬ف العلم‪00‬اء‪ ،‬ف‪0‬ذهبت طائف‪00‬ة إلى‬
‫‪0‬ان) (ال‪00‬رحمن‪ )26:‬وذهبت‬ ‫الحكم بفنائها عند ذلك لظ‪00‬اهر قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪ُ ( :‬ك‪ُّ 0‬ل َمنْ َعلَ ْي َه‪00‬ا فَ‪ٍ 0‬‬
‫طائفة أخرى إلى الحكم بعدم فنائها عند ذلك‪ ،‬وأم‪00‬ا قب‪00‬ل نفخ إس‪00‬رافيل في الص‪00‬ور النفخ‪00‬ة‬
‫األولى فال خالف بين المسلمين في بقائها ولو بعد فناء الجس‪00‬م‪ ،‬وتك‪00‬ون منعم‪00‬ة إن ك‪00‬انت‬
‫من أهل الخير‪ ،‬ومعذبة إن كانت من أهل الشر‪ ،‬وتسمى النفخة األولى‪ :‬نفخ‪00‬ة الفن‪00‬اء‪ ،‬وال‬
‫يبقى عندها ح ّي إال مات إن لم يكن مات قبل ذلك‪ ،‬وإال غشي عليه إن كان م‪00‬ات قب‪00‬ل ذل‪00‬ك‬

‫‪291‬‬
‫كاألنبي‪00‬اء عليهم الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪ ،‬إال من ش‪00‬اء هللا كالمالئك‪00‬ة األربع‪00‬ة الرؤس‪00‬اء والح‪00‬ور‬
‫العين وموس‪00‬ى علي‪00‬ه الص‪00‬الة والس‪00‬الم ألن‪00‬ه ص‪00‬عق في ال‪00‬دنيا م‪00‬رة فج‪00‬وزي به‪00‬ا‪ ،‬فجمي‪00‬ع‬
‫األنبياء بعد الموت تعود إليهم أرواحهم ثم يغشى عليهم عند النفخة األولى إال موسى لم‪00‬ا‬
‫حص‪00‬ل ل‪00‬ه في ال‪00‬دنيا‪ ،‬ثم ينفخ إس‪00‬رافيل في الص‪00‬ور النفخ‪00‬ة الثاني‪00‬ة وتس‪00‬مى نفخ‪00‬ة البعث‬
‫فيجمع هللا األرواح في الصور عند النفخة الثانية وفيه ثقب بعددها‪ ،‬فتخ‪00‬رج من‪00‬ه األرواح‬
‫إلى أجس‪0‬ادها‪ ،‬فال تخطئ روح جس‪00‬دها‪ ،‬وبين النفخ‪00‬تين أربع‪00‬ون عام‪0‬ا ً على م‪00‬ا في بعض‬
‫الطرق‪.1‬‬
‫(قوله واستظهر السبكي بقاها اللذ عرف) بتخفيف الياء وتسهيل الهمزة وتس‪00‬كين‬
‫الذال لغة في “ الذي “ أي اختار اإلمام تقي الدين الس‪00‬بكي –في تفس‪00‬يره المس‪00‬مى بال‪00‬در‬
‫النظيم‪ -‬من هذا االختالف الق‪00‬ول ببقائه‪00‬ا ال‪00‬ذي عه‪00‬د س‪00‬ابقا ً ألنهم اتفق‪00‬وا‪ 0‬على بقائه‪00‬ا بع‪00‬د‬
‫الموت لسؤالها في القبر وتنعيمها أو تعذيبها فيه‪ ،‬واألص‪00‬ل في ك‪00‬ل ب‪00‬اق اس‪00‬تمراره ح‪00‬تى‬
‫يظهر ما يصرف عنه‪ ،‬فالدليل على بقائها االستصحاب‪ ،‬فتكون من المستثنى بقوله تعالى‬
‫(إِاَّل َمنْ شَا َء هَّللا ُ) (النمل‪ :‬من اآلية‪ 2)87‬وما قاله الس‪00‬بكي ه‪00‬و المخت‪00‬ار عن‪00‬د أه‪00‬ل الح‪00‬ق‪،‬‬
‫وإنما خصه المصنف بالذكر لتبحره في الفنون حتى أحاط بالمعقول‪ 0‬والمنقول‬

‫عجب الذنب كالروح لكن صححا‪ ##‬المزني للبلى ووضحا‬ ‫‪-91‬‬


‫‪{ -171‬هل يفنى عجب الذنب عند النفخ}‬
‫(قول‪00‬ه عجب ال‪00‬ذنب ك‪00‬الروح) “ العجب “ بفتح العين وس‪00‬كون الجيم وآخ‪00‬ره ب‪00‬اء‬
‫موحدة وقد تبدل ميماً‪ ،‬وبعضهم يحكي تثليث أوله فيهما فلغاته ست‪ ،‬وإضافته لل‪00‬ذنب من‬
‫إض‪00‬افة المماث‪00‬ل لمماثل‪00‬ه‪ ،‬فق‪00‬ولهم عجب ال‪00‬ذنب‪ :‬معن‪00‬اه عجب ش‪00‬بيه بال‪00‬ذنب‪ :‬وه‪00‬و عظم‬
‫كالخردلة في آخر سلس‪00‬لة الظه‪00‬ر في العص‪00‬عص مختص باإلنس‪00‬ان كمغ‪00‬رز ال‪00‬ذنب للداب‪00‬ة‪،‬‬
‫وهو بكسر الراء‪ 3‬من باب ضرب‪ ،‬وتشبيهه بالروح في جري‪00‬ان االختالف في الفن‪00‬اء على‬

‫‪ 1‬أخرج البخاري في كت‪00‬اب التفس‪0‬ير‪ 0‬رقم (‪ )4814‬عن أبي هري‪0‬رة عن الن‪00‬بي ص‪0‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم قال‪( :‬ما بين النفختين‪ 0‬أربعون) قالوا‪ :‬يا أبا هري‪0‬رة أربع‪00‬ون يوم‪0‬اً؟ ق‪00‬ال‪ :‬أبيتُ ‪،‬‬
‫قال‪ :‬أربعون سنة؟ قال‪ :‬أبيتُ ‪ 0،‬قال‪ :‬أربعون شهراً؟ قال‪ :‬أبيتُ ‪ 0،‬وسيبلى كل شيء من اإلنسان‪ 0‬إال‬
‫عجب الذنب‪ 0،‬فيه يركب الخلق قال في فتح الباري ( ‪ )8/552‬أخرج ابن مردويه من طريق سعيد‬
‫بن الصلت‪ 0‬عن األعمش في هذا اإلسناد "أربعون سنة" وهو ش‪00‬اذ‪ .‬ومن وج‪00‬ه ض‪00‬عيف عن ابن‬
‫عباس قال‪( :‬ما بين النفخة والنفخة أربعون سنة)‪.‬‬
‫ض إِاَّل‬ ‫ر‬
‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫أْل‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫نْ‬‫م‬‫و‬ ‫ت‬‫ا‬‫او‬‫م‬
‫َّ َ َ ِ َ َ ِ‬‫الس‪0‬‬ ‫ي‬‫ف‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الص‪0‬و ِر ِ َ ِ‬
‫نْ‬‫م‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ز‬‫‪0‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫‪0‬و َم يُ ْنفَ ُخ ِفي ُّ‬
‫(ويَ ْ‬
‫اآلية بتمامه‪0‬ا‪َ :‬‬
‫‪2‬‬

‫َاخ ِرينَ )‪( 0‬النمل‪.)87:‬‬ ‫َمنْ شَا َء هَّللا ُ َو ُك ٌّل أَت َْوهُ د ِ‬
‫‪ 3‬أي المغرز بكسر الراء ألنه من باب‪ 0‬ضرب‪.‬‬
‫‪292‬‬
‫قولين‪ ،‬والمشهور منهما أنه ال يفنى لكن ال بقيد بوقت النفخ وإن كان الخالف في المشبه‬
‫به مقيداً به كما صرح به المصنف في قوله‪ “ :‬وفي فناء النفس لدى النفخ اختلف “ ‪.‬‬
‫(قوله لكن صححا المزني للبلى) أي لكن صحح اإلمام إسماعيل بن يح‪00‬يى الم‪00‬زني‬
‫–وهو منسوب لمزينة اسم قبيلة‪ -‬القول بأن عجب الذنب يبلى ويفنى‪ ،‬تمسكا ً بظاهر قوله‬
‫‪0‬ان) (ال‪00‬رحمن‪ )26:‬وفن‪00‬اء الك‪00‬ل يس‪00‬تلزم فن‪0‬اء الج‪00‬زء‪ ،‬وقول‪00‬ه‪“ :‬‬ ‫تعالى‪ُ ( :‬ك ُّل َمنْ َعلَ ْي َها فَ‪ٍ 0‬‬
‫ووضحا “ أي بين ص‪00‬حة م‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه ووافق‪00‬ه ابن قتيب‪00‬ة وق‪00‬ال‪ :‬إن‪00‬ه آخ‪00‬ر م‪00‬ا يبلى من‬
‫الميت‪ ،‬واألقوى في النظ‪00‬ر أن‪00‬ه ال يبلى لح‪00‬ديث الص‪00‬حيحين‪( 1‬ليس من اإلنس‪00‬ان ش‪00‬يء إال‬
‫يبلى إال عظما ً واحداً وهو عجب الذنب منه خلق الخلق يوم القيامة) ولحديث مسلم‪( :‬ك‪00‬ل‬
‫ابن آدم يأكله التراب إال عجب الذنب منه خلق ومنه ي‪00‬ركب)‪ 2‬وفي حديث‪00‬ه اآلخ‪00‬ر‪( :‬إن في‬
‫اإلنسان عظما ً ال تأكله األرض أب‪00‬داً)‪ 3‬واختل‪00‬ف ه‪00‬ل بق‪00‬اؤه تعب‪00‬دي أو معل‪00‬ل‪ ،‬واألرجح أن‪00‬ه‬
‫تعبدي لضعف ما علل به القائل بأنه معلل‪ ،‬فإنه علله بج‪00‬واز كون‪00‬ه جع‪00‬ل عالم‪00‬ة للمالئك‪00‬ة‬
‫الموكلين باإلعادة على إحياء كل إنسان بجواهره التي كانت في ال‪00‬دنيا‪ ،‬ووج‪00‬ه ض‪00‬عفه أن‬
‫المالئكة ال يخفى عليهم هذا األمر مع أنهم يعيدون كل إنسان بجواهره ب‪00‬أمر هللا على أن‪00‬ه‬
‫يجوز اللبس فيه نفسه‪.‬‬

‫وكل شيء هالك قد خصصوا ‪ ##‬عمومه فاطلب لما قد لخصوا‬ ‫‪-92‬‬


‫(قوله وكل ش‪00‬يء هال‪00‬ك ق‪00‬د خصص‪00‬وا ‪ ##‬عموم‪00‬ه) لم‪00‬ا ك‪00‬ان الق‪00‬ول ببق‪00‬اء ال‪00‬روح‬
‫وعجب الذنب هو الراجح‪ ،‬أشار المصنف إلى الجواب عما يرد علي‪00‬ه كقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪ُ ( :‬ك‪ُّ 0‬ل‬
‫َي ٍء هَالِ ٌك إِاَّل َو ْج َههُ) (القصص‪ :‬من اآلية‪ )88‬إذ مقتضاه أن كل ما سواه تع‪00‬الى محك‪00‬وم‬
‫ش ْ‬
‫عليه بالهالك وحاصل الجواب أن العلماء قصروا عموم ذلك على غير األمور التي وردت‬
‫األحاديث باستثنائها كالروح وعجب الذنب وأجساد األنبياء والشهداء والعرش والكرس‪00‬ي‬
‫والجنة والنار والحور العين ونحو ذلك‪ ،‬وقد نظم الجالل السيوطي ثمانية منها بقوله‪:‬‬

‫‪ .1‬أخرجه البخاري (‪ )4814‬ومسلم (‪ )2955‬من حديث أبي هريرة‪.‬‬


‫‪2‬ومسلم (‪)2955‬‬
‫‪ 3‬أخرجه مسلم في الفتن‪ 0‬رقم (‪.)2955‬‬
‫‪293‬‬
‫ثمانية حكم البقاء يعمها ‪ ##‬من الخلق والباقون في حيز العدم‬
‫هي العرش‪ ،‬والكرسي‪ ،‬نار‪ ،‬وجنة ‪ ##‬وعجب‪ ،‬وأرواح‪ ،‬كذا اللوح‪ ،‬والقلم‬
‫وعلى هذا فتكون اآلية من قبيل العام المخصوص‪ ،‬والعام‪ :‬لف‪00‬ظ يس‪00‬تغرق الص‪00‬الح‬
‫له بغير حصر والتخصيص‪ :‬قصر العام على بعض أف‪00‬راده‪ ،‬وه‪00‬ذا الج‪00‬واب لجماع‪00‬ة ك‪00‬ابن‬
‫عباس‪ ،‬وذهب محققو المتأخرين إلى أنه ال استثناء وال تخصيص وقالوا‪ :‬مع‪00‬نى “ هال‪00‬ك‬
‫“ قابل للهالك كم‪0‬ا ه‪0‬و مع‪0‬نى “ ف‪0‬ان “ أيض‪0‬اً‪ ،‬وقول‪0‬ه “ ف‪0‬اطلب لم‪0‬ا ق‪0‬د لخص‪0‬وا “ أي‬
‫فتوجه لما قد لخصه العلماء من األمور التي وردت األحاديث باستثنائها‪ ،‬وقد تقدم بيانها‪.‬‬

‫وال نخض في الروح إذ ما وردا ‪ ##‬نص عن الشارع لكن وجدا‬ ‫‪-93‬‬


‫‪{ -172‬االمساك عن الخوض في الروح}‬
‫(قوله وال نخض في الروح) أي وال نخض نحن معاشر جمهور المحققين في بيان‬
‫حقيقة الروح‪ ،‬هكذا في شرح المص‪00‬نف‪ ،‬ومقتض‪00‬ى ه‪00‬ذا أن المتن يق‪00‬رأ ب‪00‬النون‪ ،‬والش‪00‬ائع‬
‫قراءته بالتاء التي للمخاطب‪ ،‬وحمل الشارح النهي على الكراهة حيث قال‪ :‬ف‪00‬الخوض في‬
‫بيان حقيقتها مكروه لعدم التوقيف في ذلك‪ ،‬لكن كالم الجني‪00‬د ي‪00‬دل على الحرم‪00‬ة حيث ق‪00‬ال‬
‫الروح شيء استأثر هللا بعلمه فلم يطلع عليه أحد من خلقه‪ ،‬فال يجوز لعباده البحث عنه‪00‬ا‬

‫‪294‬‬
‫وح ِمنْ أَ ْم‪ِ 0‬ر َربِّي)‬
‫‪0‬ر ُ‬ ‫وح قُ‪ِ 0‬‬
‫‪0‬ل ال‪ُّ 0‬‬ ‫س ‪0‬أَلونَكَ ع َِن ال‪ُّ 0‬‬
‫‪0‬ر ِ‬ ‫ب‪00‬أكثر من أنه‪00‬ا موج‪00‬ودة ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪َ ( :‬ويَ ْ‬
‫(اإلسراء‪ :‬من اآلية‪ )85‬وفي ذلك إظهار لعجز المرء حيث لم يعلم حقيقة نفس‪00‬ه ال‪00‬تي بين‬
‫جنبيه مع القطع بوجودها‪ ،‬ولم يخرج الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم من ال‪00‬دنيا ح‪00‬تى‬
‫أطلعه هللا تعالى على جميع ما أبهمه عنه من الروح وغيرها مما يمكن علم البشر ب‪00‬ه‪ ،‬ال‬
‫على جميع معلوماته تعالى‪ ،‬وإال لزم مساواة الح‪00‬ادث للق‪00‬ديم‪ ،‬وم‪00‬ا خ‪00‬الف ذل‪00‬ك نح‪00‬و ( َوال‬
‫أَ ْعلَ ُم ا ْل َغ ْي َب) (األنعام‪ :‬من اآلية‪ )50‬محمول على أنه كان قبل أن يكشف له عن ذلك‪ ،‬وم‪00‬ا‬
‫ذكره عن عدم الخوض في الروح هو المختار ول‪00‬ذلك ص‪00‬در الن‪00‬اظم ب‪00‬ه فنمس‪00‬ك عن بي‪00‬ان‬
‫حقيقتها وبيان مق ّرها من الجسد‪ ،‬والمشهور عدم تعدّد الروح في كل جسد‪ ،‬وصرح الع‪00‬ز‬
‫بن عبد السالم بأن في كل جسد روحين إحداهما‪ :‬روح اليقظة التي أجرى هللا العادة بأنها‬
‫إذا ك‪00‬انت في الجس‪00‬د ك‪00‬ان اإلنس‪00‬ان مس‪00‬تيقظا ً ف‪00‬إذا خ‪00‬رجت من‪00‬ه ن‪00‬ام‪ ،‬ورأت تل‪00‬ك ال‪00‬روح‬
‫المنامات‪ ،‬واألخرى‪ :‬روح الحياة ال‪00‬تي أج‪00‬رى هللا الع‪00‬ادة بأنه‪00‬ا إذا ك‪00‬انت في الجس‪00‬د ك‪00‬ان‬
‫حيا ً‪ ،‬فإذا فارقته مات‪ ،‬وهاتان الروحان في باطن اإلنسان ال يعرف مقرهما إال من أطلع‪00‬ه‬
‫ستُ بِ َربِّ ُك ْم) (األعراف‪ :‬من اآلية‪ )172‬مقبالً‬ ‫هللا على ذلك‪ ،‬وقد كان بعض األرواح يوم (أَلَ ْ‬
‫على بعض بالوجه‪ ،‬وبعضها موليا ً ظه‪00‬ره لبعض‪ ،‬وبعض‪00‬ها ج‪00‬اعالً جنب‪00‬ه لبعض فاإلقب‪00‬ال‬
‫بالوجه غاية في المودة وعكس‪00‬ه ب‪00‬الظهر وب‪00‬الجنب بين ذل‪00‬ك كم‪00‬ا في الي‪00‬واقيت‪ ،‬ويكش‪00‬ف‬
‫لكث‪00‬ير عن ذل‪00‬ك كس‪00‬هل بن عب‪00‬د هللا ح‪00‬تى إنهم يعرف‪00‬ون تالم‪00‬ذتهم إذ ذاك‪ ،‬وفي الح‪00‬ديث‬
‫(األرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختل‪00‬ف)‪( 1‬قول‪00‬ه إذ م‪00‬ا وردا‬
‫‪ ##‬نص عن الشارع) أي ألنه لم يرد دليل عن هللا تعالى ببيانها وكل ما هو كذلك فاألولى‬
‫عدم الخوض فيه‪ ،‬وهذا تعليل للنهي عن الخوض في الروح على الطريقة المختارة ‪.‬‬

‫لمالك هي صورة كالجسد ‪ ##‬فحسبك النص بهذا السند‬ ‫‪-94‬‬


‫(قوله لكن وجدا ‪ ##‬لمالك هي صورة كالجسد) بسكون الياء لغة في هي بفتحه‪00‬ا‪،‬‬
‫أي‪ :‬لكن وجد ألهل مذهب مالك ممن خاض في بيان الروح‪ :‬هي جسم ذو صورة كصورة‬
‫الجسد في الشكل والهيئة‪ ،‬فإن أصبغ نقل عن ابن القاسم عن عب‪0‬د ال‪0‬رحيم بن خال‪0‬د ق‪0‬ال‪:‬‬
‫ال‪00‬روح ذو جس‪00‬م وي‪00‬دين ورجلين وعي‪00‬نين ورأس تس‪00‬ل من الجس‪00‬د س‪00‬الً؛ وإنم‪00‬ا نس‪00‬به‬
‫المص‪00‬نف لمال‪00‬ك الس‪00‬تنادهم إلي‪00‬ه في ذل‪00‬ك‪ ،‬وم‪00‬ا ذك‪00‬ر من الخ‪00‬وض في ال‪00‬روح ه‪00‬و غ‪00‬ير‬
‫المختار‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه البخاري (‪ )3336‬عن عائشة‪.‬‬


‫‪295‬‬
‫قال النووي‪ :‬وأصح ما قيل فيه‪00‬ا على ه‪00‬ذه الطريق‪00‬ة م‪00‬ا قال‪00‬ه إم‪00‬ام الح‪00‬رمين إنه‪00‬ا‬
‫جسم لطيف ش‪0‬فاف مش‪0‬تبك بالجس‪0‬م كاش‪0‬تباك الم‪0‬اء ب‪0‬العود األخض‪0‬ر‪ ،‬فتك‪0‬ون س‪0‬ارية في‬
‫جميع البدن‪ ،‬وقيل‪ :‬مقرها البطن‪ ،‬وقيل‪ :‬القلب‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬بق‪00‬رب القلب‪ ،‬والص‪00‬واب م‪00‬ا قال‪00‬ه‬
‫إمام الحرمين‪ ،‬وهذا في حالة الحياة‪ ،‬وأما بعد الموت فأرواح السعداء بأفنية القب‪00‬ور على‬
‫الصحيح‪ ،‬وقيل‪ :‬عند آدم عليه الصالة والس‪00‬الم في س‪00‬ماء ال‪00‬دنيا لكن ال دائم ‪0‬اً‪ ،‬فال ين‪00‬افي‬
‫أنه‪00‬ا تس‪00‬رح حيث ش‪00‬اءت؛ وأم‪00‬ا أرواح الكف‪00‬ار ففي س‪00‬جين في األرض الس‪00‬ابعة الس‪00‬فلى‬
‫محبوسة‪ ،‬وقيل‪ :‬أرواح السعداء بالجابية في الش‪00‬ام‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬بب‪00‬ئر زم‪00‬زم‪ ،‬وأرواح الكف‪00‬ار‬
‫ببئر برهوت في حضرموت التي هي مدينة في اليمن‪.‬‬
‫وقوله‪ “ :‬فحسبك النص بهذا السند “ أي وإذا علمت النقل عن أهل م‪00‬ذهب مال‪00‬ك‬
‫ب‪00‬الخوض في حقيقته‪00‬ا فيكفي‪00‬ك في الخ‪00‬وض النص عنهم ح‪00‬ال كون‪00‬ه متلبس‪0‬ا ً به‪00‬ذا الق‪00‬ول‬
‫المسند إليهم من مالبسة العام للخاص فال تخض بأكثر منه‪ ،‬فالمراد بالس‪00‬ند‪ :‬المس‪00‬ند إلى‬
‫أهل مذهب مالك‪ ،‬وإن كان في األصل هو الطري‪00‬ق الموص‪00‬لة للح‪00‬ديث‪ ،‬وتل‪00‬ك الطري‪00‬ق هي‬
‫‪1‬‬
‫الرجال الذين يروون الحديث‪.‬‬
‫‪ ‬فإن قيل‪ :‬يرد على ذلك أن‪00‬ه إذا قط‪00‬ع عض‪00‬و حي‪00‬وان ل‪00‬زم قط‪00‬ع نظ‪00‬يره من ال‪00‬روح‪،‬‬
‫أجيب ب‪00‬أن لطافته‪00‬ا تقتض‪00‬ي س‪00‬رعة انج‪00‬ذابها وانض‪00‬مامها من ذل‪00‬ك العض‪00‬والمقطوع‪ 0‬قب‪00‬ل‬
‫انفصاله أو س‪0‬رعة االلتح‪0‬ام بع‪00‬د القط‪00‬ع‪ ،‬وه‪0‬ذا يقتض‪00‬ي انقط‪00‬اع ال‪0‬روح ثم تلتحم س‪00‬ريعاً‪،‬‬
‫واألول يقتضي عدم انقطاعها‪ ،‬فهو أولى‪ ،‬ألن األصل عدم االنقطاع‪.‬‬
‫‪ ‬فإن قيل‪ :‬كيف يخوضون في ال‪00‬روح م‪00‬ع أن اآلي‪00‬ة دال‪00‬ة على ع‪00‬دم الخ‪00‬وض فيه‪00‬ا‪،‬‬
‫وح ِمنْ أَ ْم‪ِ 0‬ر َربِّي)‬
‫ال‪0‬ر ُ‬ ‫حيث أُم‪00‬ر فيه‪00‬ا الن‪00‬بي ص‪0‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ب‪00‬أن يق‪00‬ول (قُ‪ِ 0‬‬
‫‪0‬ل ُّ‬
‫(اإلسراء‪ :‬من اآلية‪ )85‬أجيب بأنه أمر عليه الصالة والسالم ب‪00‬ترك الج‪00‬واب تص‪00‬ديقا ً لم‪00‬ا‬
‫في كتب اليهود‪ :‬من أن اإلمساك عن ذلك من عالمات نب ّوته وأدلة رسالته‪.‬‬

‫والعقل كالروح ولكن قرروا ‪ ##‬فيه خالفا ً فانظرن ما فسروا‬ ‫‪-95‬‬


‫‪{ -173‬االمساك عن الخوض في العقل}‬
‫(قوله والعقل كالروح) مبتدأ وخبر‪ :‬أي والعقل مث‪00‬ل ال‪00‬روح من حيث الخ‪00‬وض في‬
‫بيان الحقيقة‪ 0.‬والوقف عن ذلك‪ ،‬واختلف كالم المصنف في الترجيح‪ :‬ف‪00‬رجح في “ هداي‪00‬ة‬
‫المريد “ طريق الخوض‪ ،‬ورجح في “ الكبير “ طريق الوق‪00‬ف‪ ،‬وه‪00‬و المخت‪00‬ار ألن‪00‬ه من‬
‫المغيبات وكل ما هو ك‪0‬ذلك ف‪0‬األولى الك‪0‬ف عن الخ‪0‬وض في‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬و لغ‪0‬ة‪ :‬المن‪00‬ع من َعقَ‪َ 0‬ل‬
‫البعي َر إذا منعه بال ِعقال‪ ،‬وسمى بذلك لمنعه صاحبه من العدول عن سواء السبيل‪.‬‬
‫‪ 1‬هذا المعنى هو اصطالح المحدثين‪ 0،‬وليس معنى أصليا‪ 0‬للسند ألن المتبادر‪ 0‬من األص‪00‬ل‬
‫هنا اللغة‪ ،‬والمعنى اللغوي له‪ :‬ما استندت إليه من حائط أو غيره‪.‬‬
‫‪296‬‬
‫‪{ -174‬أنواع العقل}‬
‫واعلم أن العقل على خمسة أنواع‪ ،‬األول‪ :‬غريزي‪ ،‬وهو غري‪00‬زة يُتَهي‪00‬أ به‪00‬ا ل‪00‬درك‬
‫العلوم النظرية كما قال‪00‬ه ش‪00‬يخ اإلس‪00‬الم‪ ،‬والث‪00‬اني‪ :‬كس‪00‬بي‪ ،‬وه‪00‬و م‪00‬ا يكتس‪00‬به اإلنس‪00‬ان من‬
‫معاشرة العقالء‪ ،‬والثالث‪ :‬عطائي‪ ،‬وهو ما يعطيه هللا للمؤمنين ليهت‪00‬دوا ب‪00‬ه إلى اإليم‪00‬ان‪،‬‬
‫والرابع‪ :‬عقل الزهاد‪ ،‬وهو الذي يك‪00‬ون ب‪00‬ه الزه‪00‬د‪ ،‬والخ‪00‬امس‪ :‬ش‪00‬رفي‪ ،‬وه‪00‬و عق‪00‬ل نبين‪00‬ا‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم؛ ألنه أشرف العقول‪.‬‬
‫وق‪00‬د اختل‪00‬ف في تفض‪00‬يل العق‪00‬ل على العلم أو العكس‪ ،‬وال‪00‬راجح تفض‪00‬يل العلم على‬
‫العقل؛ ألن العلم من صفاته تعالى‪ ،‬وما يروى من فضل العق‪00‬ل فه‪00‬و موض‪00‬وع ال أص‪00‬ل ل‪00‬ه‬
‫كما صرح به الجالل السيوطي‪( 1‬قوله ولكن قرروا‪##‬فيه خالفاً) أي لكن قرر العلم‪00‬اء في‬
‫العقل خالفاً‪ ،‬وال محل لهذا االستدراك؛ ألنهم قرروا في الروح خالفا ً أيضاً‪ ،‬فلعل “ لكن “‬
‫لمجرد التأكيد‪ ،‬ثم رأيت المصنف في شرحه قال‪ “ :‬ولكن ‪ ..‬إلخ “ استدراك على طريق‪00‬ة‬
‫الخائض‪00‬ين‪ ،‬فأش‪00‬ار إلى أنهم‪ 2‬لم يتفق‪00‬وا‪ 3‬على حقيق‪00‬ة معين‪00‬ة‪ ،‬ب‪00‬ل اختلف‪00‬وا في بيانه‪00‬ا؛‬
‫فاالستدراك يش‪00‬عر بانتش‪00‬ار الخالف وكثرت‪00‬ه‪ ،‬وقول‪00‬ه “ ف‪0‬انظرن م‪00‬ا فس‪0‬روا “ أي ف‪00‬انظر‬
‫التفاسير التي ذكرها القوم‪ 0‬في كتبهم ال في هذه المقدمة لصغر حجمها‪.‬‬
‫وأقوال أهل الس‪00‬نة متطابق‪00‬ة على عرض‪0‬يته‪ ،‬فبعض‪0‬هم ق‪0‬ال‪ :‬إن‪00‬ه من قبي‪00‬ل العل‪00‬وم‪،‬‬
‫وعرفه بأنه العلم ببعض العلوم الضرورية كالعلم بوجوب تحيز الجرم‪ ،‬واس‪00‬تحالة ع‪00‬ر ّوه‬
‫عن الحرك‪00‬ة والس‪00‬كون‪ ،‬وج‪00‬واز إح‪00‬راق الن‪00‬ار وغ‪00‬ير ذل‪00‬ك‪ ،‬وه‪00‬ذا الق‪00‬ول إلم‪00‬ام الح‪00‬رمين‬
‫وجماعة‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬إنه ليس من قبيل العلوم‪ ،‬وع ّرفه بأنه غريزة أي طبيعة مغروزة‬
‫يتبعها العلم بالضروريات عند سالمة اآلالت‪ ،4‬وع ّرفه الشيرازي بأنه صفة يميز به‪00‬ا بين‬
‫الحسن والقبيح‪ ،‬وأحسن ما قيل فيه أنه نور‪ 5‬روحاني به تدرك النفس العلوم الض‪00‬رورية‬
‫والنظرية‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إن هناك لطيفة ربانية ال يعلمها إال هللا؛ فمن حيث تفكرها تسمى‬
‫عقالً‪ ،‬ومن حيث حياة الجسد بها تسمى روحاً‪ ،‬ومن حيث شهوتها تسمى نفس ‪0‬اً‪ ،‬فالثالث‪00‬ة‬
‫متحدة بالذات مختلفة باالعتبار‪ ،‬وقالت المعتزلة والخوارج والحكماء بجوهريته‪ ،‬وفسره‬
‫بعضهم بأنه جوهر يدرك به الغائب‪00‬ات‪ 6‬بالوس‪00‬ائط‪ ،‬والمحسوس‪00‬ات بالمش‪00‬اهدة؛ ومنهم من‬
‫فسره بغير ذلك‪ ،‬وفي كالم الغزالي أنه جوهر مج ّرد‪.‬‬
‫‪ 1‬الراجح تفضيل العقل على العلم ألنه أصل للعلم وألنه من‪00‬اط التكلي‪00‬ف ورأس الفض‪00‬ائل‪0‬‬
‫كلها‪ .‬أفاده شيخنا‪ 0‬العارف باهلل المحقق الشيخ محمد العربكندي رحمه هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬أي الخائض‪00‬ين ف‪00‬المراد ب‪00‬الخالف الخالف الواق‪00‬ع بين الخائض‪00‬ين ال أص‪00‬ل الخالف بين‬
‫الوقف والخوض حتى يكون االستدراك لغواً‪.‬‬
‫‪ 3‬قول‪00‬ه‪" :‬لم يتفق‪00‬وا … إلخ" بخالف الخائض‪00‬ين في ال‪00‬روح ف‪00‬إنهم اتفق‪00‬وا على أنه‪00‬ا‬
‫صورة كالجسد‪ ،‬وإنما الخالف في مقرها … هذا ما ظهر‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله "عند سالمة اآلالت" احترز بذلك عما إذا اختلت‪ 0‬كأن كان نائماً‪ 0،‬فإن عقل النائم‪0‬‬
‫باق‪ ،‬وعدم إدراكه الختالل اآلالت التي بها اإلدراك من سمع وبصر وغيرها‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 5‬قول‪00‬ه "أن‪00‬ه ن‪00‬ور" أي ك‪00‬النور بج‪00‬امع التوص‪00‬يل في ك‪00‬ل‪ ،‬ف‪00‬النور يوص‪00‬ل إلى إدراك‬
‫المحسوسات‪ 0،‬والعقل يوصل إلى إدراك المعقوالت‪ 0،‬وقوله‪" :‬روحاني" نسبة إلى الروح‪ ،‬وإنم‪00‬ا‬
‫نسب إليها ألنه يشاركها في الخفاء وفي وقوع الخالف فيه من جهة الخوض وعدمه‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪297‬‬
‫واختلف في محله؛ والصحيح أن محله القلب وله ن‪00‬ور متص‪00‬ل بال‪00‬دماغ كم‪00‬ا ذهب‬
‫إليه اإلمام الشافعي واإلمام مالك رضي هللا عنهم‪00‬ا وجمه‪00‬ور المتكلمين‪ ،‬وق‪00‬الت الحكم‪00‬اء‬
‫وبعض الفقهاء بأن محله الدماغ لفساده بفساد الدماغ‪ ،‬وهذا ال يدل على ما ذكروه لجواز‬
‫أن تكون سالمة الدماغ شرطا ً الستمراره وإن كان محله القلب‪.‬‬

‫سؤالنا ثم عذاب القبر ‪ ##‬نعيمه واجب كبعث الحشر‬ ‫‪-96‬‬


‫‪{ -175‬يجب اإليمان بالسؤال في القبر وبنعيمه وعذابه وبالبعث}‬
‫(قول‪00‬ه س‪00‬ؤالنا) أي س‪00‬ؤال منك‪00‬ر ونك‪00‬ير إيانا‪ 1‬معاش‪00‬ر أم‪00‬ة ال‪00‬دعوة المؤم‪00‬نين‬
‫والمنافقين والكافرين‪ ،‬خالفا ً البن عبد ال‪00‬بر حيث ق‪00‬ال في تمهي‪00‬ده‪ :‬الك‪00‬افر ال يس‪00‬أل وإنم‪00‬ا‬
‫يسأل المؤمن والمنافق النتسابه لإلسالم في الظاهر‪ ،‬والجمهور على خالفه؛ وإنما س‪00‬مي‬
‫هذان الملكان ب‪0‬ذلك ألنهم‪0‬ا يأتي‪00‬ان الميت بص‪00‬ورة منك‪0‬رة‪ ،‬ف‪0‬إن ص‪0‬فتهما كم‪0‬ا في الح‪00‬ديث‬
‫أنهما أسودان أزرقان أعينهما كقدور النحاس‪ ،‬وفي رواية‪ :‬كالبرق‪ ،‬وأصواتهما كالرعد‪،‬‬
‫إذا تكلما يخرج من أفواههما كالنار‪ ،‬بيد كل واحد منهما مط‪00‬راق من حدي‪00‬د ل‪00‬و ض‪00‬رب ب‪00‬ه‬
‫‪( 6‬قوله الغائب‪00‬ات) أي المعق‪00‬والت‪( 0،‬أي المعق‪00‬والت النظري‪00‬ة ال الض‪00‬رورية ألنه‪00‬ا ت‪00‬درك‬
‫بدون الوسائط‪ )،‬بدليل مقابلته بالمحسوسات‪ ،‬والمراد بالوسائط‪ 0:‬األقيس‪00‬ة‪ ،‬بالنس‪00‬بة‪ 0‬للمعق‪00‬والت‬
‫التصديقية ال‪00‬تي هي النت‪00‬ائج‪ ،‬كثب‪00‬وت الح‪00‬دوث للع‪00‬الم‪ 0‬فإن‪00‬ه يتوق‪00‬ف على قي‪00‬اس وه‪00‬و‪ :‬أن الع‪00‬الم‬
‫متغير‪ ،‬وكل متغير حادث‪ ،‬والتعريفات‪ 0‬بالنسبة للمعقوالت التصورية وهي المعرف‪00‬ات بفتح ال‪00‬راء‬
‫كحقيقة اإلنسان فإنها تتوقف على تعريفها بأنها الحيوان الناطق‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪ 1‬راجع صحيح ابن حبان‪ 0‬كتاب الجنائز‪ 0‬برقم (‪.)3117-3113‬‬
‫‪298‬‬
‫الجبال لذابت‪ ،‬وفي رواية‪ :‬بيد أحدهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى ما أقلّوها ‪ ،1‬وهما‬
‫للمؤمن الطائع وغيره على الصحيح‪ ،‬لكن يترفقان بالمؤمن ويقوالن له إذا وفق للجواب‪،‬‬
‫نَ ْم نومة العروس؛ وينتهران المنافق والكافر‪ ،‬وقيل‪ :‬المؤمن الموفق ل‪00‬ه مبش‪00‬ير وبش‪00‬ير‪،‬‬
‫وأما الكافر والمؤمن العاصي فلهما منكر ونكير‪.‬‬
‫قيل‪ :‬ومعهما ملك آخر يقال له ناكور‪ ،‬وما قيل من أنه يجيء قبلهما مل‪0‬ك يق‪00‬ال ل‪00‬ه‬
‫رومان‪ ،‬فحديثه موضوع‪ ،‬وقيل‪ :‬فيه لين‪ ،‬ويكون السؤال بعد تمام الدفن وعن‪00‬د انص‪00‬راف‬
‫الناس‪ ،‬وفي الحديث كما في شرح المصنف‪( :‬وإنه ليسمع قرع نعالهم)‪ 2‬فيعي‪00‬د هللا تع‪00‬الى‬
‫الروح إلى جميع البدن كما ذهب إليه الجمهور‪ ،‬وه‪00‬و ظ‪00‬اهر األح‪00‬اديث‪ :‬وق‪00‬ال ابن حج‪00‬ر‪:‬‬
‫إلى نصفه األعلى فقط‪ ،‬وغل‪00‬ط من ق‪00‬ال يس‪00‬أل الب‪00‬دن بال روح كمن ق‪00‬ال‪ :‬تس‪00‬أل ال‪00‬روح بال‬
‫بدن‪ ،‬لكن وإن ع‪00‬ادت ال‪00‬روح ال ينتفي إطالق اس‪00‬م الميت علي‪00‬ه؛ ألن حيات‪00‬ه حينئ‪00‬ذ ليس‪00‬ت‬
‫حياة كاملة‪ ،‬ب‪0‬ل أم‪00‬ر متوس‪0‬ط بين الم‪0‬وت والحي‪0‬اة كتوس‪0‬ط الن‪00‬وم بينهم‪00‬ا‪ ،‬ويُ‪َ 0‬ر ّد إلي‪0‬ه من‬
‫الحواس والعقل والعلم ما يتوقف عليهم فهم الخطاب ويتأتى معه ر ّد الجواب حتى يس‪00‬أل؛‬
‫وأح‪00‬وال المس‪00‬ؤولين مختلف‪00‬ة فمنهم من يس‪00‬أله الملك‪00‬ان جميع ‪0‬ا ً تش‪00‬ديداً علي‪00‬ه ومنهم من‬
‫يسأله أحدهما تخفيفا ً عليه‪ ،‬ووجد بِطُ َّر ِة المؤل‪00‬ف أن أح‪00‬دهما يك‪00‬ون تحت رجلي‪00‬ه واآلخ‪00‬ر‬
‫عند رأسه ويس‪00‬أل م‪00‬رة واح‪00‬دة‪ ،‬وفي ح‪00‬ديث أس‪00‬ماء‪ :‬أن‪00‬ه يس‪00‬أل ثالث‪0‬ا ً‪ ،3‬وعن الجالل‪ :‬أن‬
‫المؤمن يسأل سبعة أيام‪ ،‬والكافر أربعين صباحاً‪ ،‬ويسأالن كل أحد بلسانه على الص‪00‬حيح‪،‬‬
‫خالفا ً لمن قاله بالسرياني‪ .‬ولذلك قال بعضهم‪:‬‬
‫ومن عجيب ما ترى العينان ‪ ##‬أن سؤال القبر بالسرياني‬
‫أفتى بهذا شيخنا البلقيني ‪ ##‬ولم أره لغيره بعيني‬
‫ويسأل الميت ولو تمزقت أعضاؤه أو أكلته السباع في أجوافه‪00‬ا‪ ،‬إذ ال يبع‪00‬د أن هللا‬
‫يعيد له ال‪0‬روح في أعض‪0‬ائه ول‪00‬و ك‪00‬انت متفرق‪00‬ة ألن ق‪0‬درة هللا ص‪0‬الحة ل‪00‬ذلك؛ ويحتم‪0‬ل أن‬
‫يعيده كما كان‪ ،‬وإذا مات جماعة في وقت واح‪00‬د بأق‪00‬اليم مختلف‪00‬ة‪ ،‬ق‪00‬ال القرط‪00‬بي‪ :‬ج‪00‬از أن‬
‫تعظم جثتهما ويخاطبان الخلق الكثير مخاطبة واحدة‪.‬‬
‫وق‪00‬ال الحاف‪00‬ظ الس‪00‬يوطي‪ :‬ويحتم‪00‬ل تع‪0‬دّد المالئك‪00‬ة المع‪0‬دّة ل‪00‬ذلك؛ ثم رأيت الحليمي‬
‫ذهب إليه فقال في منهاجه‪ :‬والذي يشبه أن يكون مالئكة السؤال جماعة كث‪00‬يرة‪ ،‬ويس‪00‬مى‬
‫بعضهم منكراً‪ ،‬وبعضهم نكيراً‪ ،‬فيبعث إلى كل ميت اثنان منهم وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪{ -176‬كيفية السؤال في القبر}‬
‫واختلفت األحاديث كما قاله القرطبي في كيفية السؤال والجواب؛ فمنهم من يسأل‬
‫عن بعض اعتقادات‪00‬ه‪ ،‬ومنهم من يس‪00‬أل عن كله‪00‬ا‪ ،‬ق‪00‬ال ابن عب‪00‬اس رض‪00‬ي هللا عنهم‪00‬ا‪:‬‬
‫يسألون عن الشهادتين‪ ،‬وقال عكرمة‪ :‬يسألون عن اإليمان بمحم‪00‬د ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم وأمر التوحيد‪ ،‬وقد ورد أنهما يقوالن‪ :‬ما تقول في هذا الرج‪00‬ل؟ وإنم‪00‬ا يق‪00‬والن ذل‪00‬ك‬

‫‪ 1‬راجع كتاب الجنائز‪ 0‬من مصنف عبد الرزاق برقم (‪.)6739 ،67380 ،6737‬‬
‫‪ 2‬أخرجه البخاري في كت‪00‬اب‪ 0‬الجن‪00‬ائز ب‪00‬رقم (‪ )1374( 0)1338‬ومس‪00‬لم في كت‪00‬اب الجن‪00‬ة‬
‫وصفة نعيمها برقم (‪.)2870‬‬
‫‪ 3‬أخرجه البخاري (‪ )86‬ومسلم (‪.)905‬‬
‫‪299‬‬
‫من غ‪00‬ير تعظيم وتفخيم ليتم‪00‬يز الص‪00‬ادق في اإليم‪00‬ان من المرت‪00‬اب‪ ،‬فيجيب األول‪ ،‬ويق‪00‬ول‬
‫الثاني‪ :‬ال أدري فيشقي شقاء األبد؛ وهذا السؤال خاص بهذه األم‪00‬ة‪ ،‬وقي‪00‬ل‪ :‬ك‪00‬ل ن‪00‬ب ّي م‪00‬ع‬
‫أمته كذلك؛ وهذا السؤال هو عين فتنة القبر‪ ،‬وقيل‪ :‬هي التلجلج في الج‪00‬واب؛ وقي‪00‬ل‪ :‬هي‬
‫ما ورد من حضور إبليس في زاوية من زوايا القبر مشيراً إلى نفس‪00‬ه بأن‪00‬ه أن‪00‬ا عن‪00‬د ق‪00‬ول‬
‫الملك للميت‪ :‬من ربك؟ مستدعيا ً منه جوابا ً بهذا ربي‪ ،‬ولم يثبت حض‪00‬ور الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم وال رؤية الميت له عند السؤال‪.‬‬
‫‪{ -177‬من اليسأل في قبره}‬
‫ويستثنى من عموم قول الناظم “ سؤالنا “ من ورد األثر بعدم س‪00‬ؤاله كاألنبي‪00‬اء‪،‬‬
‫فالحق أنهم ال يسألون‪ ،‬وقيل‪ :‬يسألون عن جبريل وال‪00‬وحي ال‪00‬ذي أن‪00‬زل عليهم‪ ،‬وال ينبغي‬
‫أن يكون سيدهم األعظم محل خالف‪ ،‬وكالص‪00‬ديقين والش‪00‬هداء‪ ،‬والم‪00‬رابطين‪ ،‬والمالزمين‬
‫لقراءة تبارك الملك كل ليلة‪ 1‬من حين بلوغ الخبر لهم‪ ،‬والمراد بالمالزمة‪ :‬اإلتيان بها في‬
‫غالب األوقات‪ ،‬فال يضر الترك مرة بع‪00‬ذر‪ ،‬س‪00‬واء قرأه‪00‬ا عن‪00‬د الن‪00‬وم أو قب‪00‬ل ذل‪00‬ك‪ ،‬وهك‪00‬ذا‬
‫ُ‪000‬و هَّللا ُ أَ َح‪ 00‬دٌ)‬
‫س‪00‬ورة الس ‪00‬جدة فيم‪00‬ا ذك ‪00‬ره بعض‪00‬هم‪ ،‬وك ‪00‬ذا من ق‪00‬رأ عن ‪00‬د موت‪00‬ه (قُ‪ْ 00‬ل ه َ‬
‫(اإلخالص‪ 2)1:‬ومريض البطن‪ ،3‬والميت بالطاعون أو بغيره في زمنه ص‪00‬ابراً محتس‪00‬با ً‪،4‬‬
‫والميت ليلة الجمعة أو يومها‪ ،5‬إلى غير ذلك‪ ،‬والراجح أن غير األنبياء وشهداء المعركة‬
‫يسئلون سؤاالً خفيفا ً وبعضهم‪ 0‬أخذ بظاهر ذلك‪ 6،‬والظاهر –كم‪00‬ا ج‪00‬زم ب‪00‬ه جالل الس‪00‬يوطي‬
‫وغيره‪ -‬اختصاص السؤال بمن يكون مكلفا ً بخالف األطف‪00‬ال‪ ،‬والظ‪00‬اهر أيض‪0‬ا ً ع‪00‬دم س‪00‬ؤال‬
‫المالئكة‪ ،‬وأم‪0‬ا الجن فج‪0‬زم الجالل بس‪0‬ؤالهم لتكليفهم وعم‪0‬وم أدل‪0‬ة الس‪0‬ؤال لهم‪ ،‬وحكم‪0‬ة‬

‫‪ 1‬أخرج الترمذي في فضائل القرآن‪ 0‬برقم (‪ )2890‬عن ابن عب‪00‬اس عن الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم أنه ق‪00‬ال في س‪00‬ورة المل‪00‬ك‪( 0:‬هي المانع‪00‬ة هي المنجي‪00‬ة تنجي‪00‬ه من ع‪00‬ذاب الق‪00‬بر)‬
‫وقال حديث غريب من هذا الوجه‪ ،‬وراجع ابن حبان كتاب الرقاق برقم (‪.)788 ،787‬‬
‫‪ 2‬قال القرطبي في التذكرة (‪ :)110‬روى أب‪00‬و نعيم من ح‪00‬ديث أبي العالء يزي‪00‬د بن عب‪00‬د‬
‫هللا بن الشخير‪ 0‬عن أبيه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم (من قرأ (قل هو هللا أح‪00‬د)‬
‫في مرضه ال‪00‬ذي يم‪00‬وت في‪00‬ه لم يفتن في ق‪00‬بره وأمن من ض‪00‬غطة الق‪00‬بر‪ .… 0‬الح‪00‬ديث) وق‪00‬ال ه‪00‬ذا‬
‫حديث غريب‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرج الترمذي في الجنائز‪ 0‬برقم (‪ )1064‬عن النبي صلى هللا تعالى عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫قال‪( :‬من قتله بطنه لم يعذب في قبره)‬
‫‪ 4‬أخرج البخاري في الطب‪ 0‬برقم (‪ )5734‬عن عائشة رضي هللا عنها أنها سألت‪ 0‬الن‪00‬بي‬
‫صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم عن الط‪00‬اعون‪ ،‬فأخبره‪00‬ا‪( 0:‬أن‪00‬ه ك‪00‬ان ع‪00‬ذابا ً يبعث‪00‬ه هللا على من ش‪00‬اء‬
‫فجعله هللا رحم‪0‬ة للمؤم‪0‬نين‪ 0،‬فليس عب‪0‬د يق‪0‬ع في ا لط‪0‬اعون فيمكث في بل‪0‬ده ص‪0‬ابراً يعلم أن‪0‬ه لن‬
‫يص‪00‬يبه إال م‪00‬ا كتب هللا ل‪00‬ه إال ك‪00‬ان ل‪00‬ه مث‪00‬ل أج‪00‬ر الش‪00‬هيد)‪ .‬وب‪00‬رقم (‪( )5733‬ال َم ْبطُ‪00‬ونُ ش‪00‬هيد‪،‬‬
‫والمطعون شهيد)‪.‬‬
‫‪ 5‬أخرج الترمذي في الجنائز برقم (‪ )1074‬عن عبد هللا بن عمر ق‪00‬ال‪ :‬ق‪00‬ال رس‪00‬ول هللا‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬ما من مسلم يم‪00‬وت ي‪00‬وم الجمع‪00‬ة أو ليل‪00‬ة الجمع‪00‬ة إال وق‪00‬اه هللا فتن‪00‬ة‬
‫القبر) وقال حديث غريب وإسناده غير متصل‪.‬‬
‫‪ 6‬وهو عدم السؤال في جميع من تقدم‪.‬‬
‫‪300‬‬
‫الس‪00‬ؤال‪ :‬إظه‪00‬ار م‪00‬ا كتم‪00‬ه العب‪00‬اد من إيم‪00‬ان أو كف‪00‬ر أو طاع‪00‬ة أو عص‪00‬يان؛ ف‪00‬المؤمنون‬
‫الطائعون يباهي هللا بهم المالئكة‪ ،‬وغيرهم يفضحون عند المالئكة‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه ثم ع‪00‬ذاب الق‪00‬بر) عط‪00‬ف على قول‪00‬ه “ س‪00‬ؤالنا “ لمش‪00‬اركته ل‪00‬ه في حكم‪00‬ه‬
‫اآلتي وهو الوجوب‪ ،‬وإنما أضيف إلى الق‪00‬بر ألن‪00‬ه الغ‪00‬الب‪ ،‬وإال فك‪00‬ل ميت أراد هللا تعذيب‪00‬ه‬
‫عذب‪ ،‬قبر أو لم يقبر ولو صلب أو غ‪0‬رق في بح‪00‬ر أو أكلت‪00‬ه ال‪00‬دواب أو ح‪00‬رق ح‪00‬تى ص‪0‬ار‬
‫رماداً وذرى في الريح‪ ،‬وال يمن‪00‬ع من ذل‪00‬ك ك‪00‬ون الميت تف‪00‬رقت أج‪00‬زاؤه‪ ،‬والمع‪00‬ذب الب‪00‬دن‬
‫والروح جميعا ً باتف‪00‬اق أه‪0‬ل الح‪00‬ق‪ ،‬وخ‪0‬الف محم‪00‬د بن جري‪0‬ر الط‪0‬بري وعب‪0‬د هللا بن ك‪ّ 0‬رام‬
‫وطائف‪00‬ة وق‪00‬الوا‪ :‬المع‪00‬ذب ا لب‪00‬دن فق‪00‬ط‪ ،‬ويخل‪00‬ق هللا في‪00‬ه إدراك‪0‬ا ً بحيث يس‪00‬مع ويعلم ويلت‪00‬ذ‬
‫ويتألم‪.‬‬
‫ويك‪00‬ون للك‪00‬افر والمن‪00‬افق وعص‪00‬اة المؤم‪00‬نين‪ ،‬وي‪00‬دوم على األولين‪ ،‬وينقط‪00‬ع عن‬
‫بعض عصاة المؤمنين وهو من خفت جرائمهم من العصاة ف‪00‬إنهم يع‪00‬ذبون بحس‪00‬بها‪ ،‬وق‪00‬د‬
‫يرفع عنهم بدعاء أو صدقة أو غ‪00‬ير ذل‪00‬ك كم‪00‬ا قال‪00‬ه ابن القيم‪ ،‬وك‪00‬ل من ك‪00‬ان ال يس‪00‬ئل في‬
‫قبره ال يعذب فيه أيضاً‪.‬‬
‫ومن عذاب الق‪00‬بر‪ :‬م‪00‬ا أخرج‪00‬ه ابن أبي ش‪00‬يبة وابن ماج‪00‬ه عن أبي س‪00‬عيد الخ‪00‬دري‬
‫رضي هللا عنه قال‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم يق‪00‬ول‪( :‬يس‪00‬لط هللا على‬
‫الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا ً تنهشه وتلدغه حتى تقوم الس‪00‬اعة‪ ،‬ل‪00‬و أن تنين‪0‬ا ً منه‪00‬ا‬
‫نفخ على األرض ما أنبتت خض‪0‬راء)‪ 1‬والت‪0‬نين –بكس‪0‬ر المثن‪0‬اة الفوقي‪0‬ة وتش‪0‬ديد الن‪0‬ون –‬
‫وهو أكبر الثعابين‪ ،‬قي‪00‬ل‪ :‬وحكم‪00‬ة ه‪00‬ذا الع‪00‬دد أن‪00‬ه كف‪00‬ر بأس‪00‬ماء هللا الحس‪00‬نى‪ ،‬وهي تس‪00‬عة‬
‫وتسعون‪ ،‬ومن عذابه أيضا ً ضغطته‪ ،‬وهي التقاء حافتي‪00‬ه‪ ،‬وورد أن األرض تض‪00‬مه ح‪00‬تى‬
‫تختلف أضالعه وال ينجو منه أحد ولو صغيراً‪ ،‬سواء كان صالحا ً أو طالح ‪0‬ا ً‪ 2‬إال األنبي‪00‬اء‪،‬‬
‫وإال فاطمة بنت أسد‪ ،3‬وإال من قرأ سورة اإلخالص في مرض‪00‬ه‪ ،‬ول‪00‬و نج‪00‬ا من‪0‬ه أح‪00‬د لنج‪00‬ا‬
‫منه سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمن لموته‪.4‬‬
‫(قوله نعيمه) أي ونعيم القبر‪ ،‬فهو معطوف على ما تق‪00‬دم بإس‪00‬قاط ح‪0‬رف العط‪00‬ف‪،‬‬
‫ويكون للمؤمنين لما ورد في ذلك من النصوص البالغة مبل‪00‬غ الت‪00‬واتر‪ ،‬وإنم‪00‬ا أض‪00‬يف إلى‬
‫القبر ألنه الغالب‪ ،‬وإال فال يختص بالقبور وال يختص بمؤمني ه‪00‬ذه األم‪00‬ة وال ب‪00‬المكلفين‪،‬‬
‫ومن نعيم‪00‬ه توس‪00‬يعه س‪00‬بعين ذراع‪0‬ا ً عرض‪0‬ا ً وك‪00‬ذا ط‪00‬والً‪ ،‬ومن‪00‬ه أيض‪0‬ا ً فتح طاق‪00‬ة في‪00‬ه من‬
‫‪ 1‬أخ‪00‬رج أص‪00‬ل الح‪00‬ديث أب‪00‬و يعلى في مس‪00‬نده ب‪00‬رقم (‪ )1329‬عن أبي س‪00‬عدي الخ‪00‬دري‬
‫موقوفا ً وأخرجه أحمد (‪ )3/38‬وال‪00‬دارمي في الرق‪00‬اق ب‪00‬رقم (‪ )2815‬والترم‪00‬ذي في كت‪00‬اب ص‪00‬فة‬
‫يوم القيامة‪ 0‬برقم (‪ )2460‬وغيرهم‪ .‬وفيه سبعون تنينا‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج أحمد (‪ )6/55‬عن عائشة عن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم ق‪00‬ال‪( :‬إن للق‪00‬بر‬
‫ضغطة‪ ،‬لو كان أحد نجى منها نجى منها سعد بن عبادة) قال العراقي في تخريج أحاديث اإلحياء‬
‫(‪ )5/359‬إسناده جيد‪.‬‬
‫‪ 3‬روى حديث التخفيف عنها من ضغطة الق‪00‬بر‪ 0‬الط‪00‬براني في األوس‪00‬ط قال‪00‬ه الهيثمي في‬
‫مجمع الزوائد في كتاب المناقب برقم (‪ )15400‬وقال في‪00‬ه س‪00‬عد ابن الولي‪00‬د ولم أعرف‪00‬ه‪ ،‬وبقي‪00‬ة‬
‫رجاله ثقات‪.‬‬
‫‪ 4‬أخرج البخاري في مناقب الصحابة‪ 0‬برقم (‪ )3592‬عن جابر قاله سمعت الن‪00‬بي ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬يقول‪( :‬اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ‪.‬‬
‫‪301‬‬
‫الجنة‪ ،‬وامتالؤه بالريحان‪ ،‬وجعله روضة من رياض الجنة‪ ،‬وجعل قنديل –بفتح الق‪00‬اف‪-1‬‬
‫فيه فين ِّور له قبره كالقمر ليل‪00‬ة الب‪00‬در‪ ،2‬وق‪00‬د ورد أن هللا تع‪00‬الى أوحى إلى موس‪00‬ى‪ “ :‬تعلم‬
‫‪3‬‬
‫الخير وعلمه للناس فإني من ّور لمعلم العلم ومتعلمه قبورهم حتى ال يستوحشوا لمك‪00‬انهم‬
‫“ وعن عمر مرفوعاً‪( :‬من ن ّور في مساجد هللا ن ّور هللا له في ق‪0‬بره)‪ 4‬وك‪00‬ل ه‪0‬ذا محم‪00‬ول‬
‫على حقيقته عند العلماء‪.‬‬
‫(قوله واجب) بسكون الباء للوزن‪ ،‬وهو خبر قوله “ سؤالنا “ وما عطف عليه‪،‬‬
‫فكل واحد من الثالثة المذكورة واجب سمعا ً ألنه أمر ممكن أخبر به الصادق‪ ،‬وكل ما ه‪00‬و‬
‫كذلك فهو واجب وهذا ما عليه أهل الس‪00‬نة وجمه‪00‬ور المعتزل‪00‬ة‪ ،‬وأنك‪00‬رت الملح‪00‬دة كالً من‬
‫هذه الثالثة‪.‬‬
‫(قوله كبعث الحشر) أي بعث الناس للحشر؛ فاإلض‪00‬افة على مع‪00‬نى الالم والتش‪00‬بيه‬
‫في الوجوب‪ .‬والبعث عبارة عن إحياء الموتى وإخراجهم‪ 0‬من قب‪00‬ورهم بع‪0‬د جم‪0‬ع األج‪00‬زاء‬

‫‪ 1‬قوله قنديل بفتح القاف" الصواب كسرها كما في القاموس‪.‬‬


‫‪ 2‬أخرج ابن حبان في صحيحه في كتاب الجنائز‪ 0‬ب‪00‬رقم (‪ )3122‬عن أبي هري‪00‬رة رض‪00‬ي‬
‫هللا عن‪00‬ه عن رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لمقال‪( :‬إن الم‪00‬ؤمن في ق‪00‬بره لفي روض‪00‬ة‬
‫خضراء‪ ،‬ويرحب له قبره سبعون ذراعاً‪ 0،‬وينور له كالقمر ليلة البدر ‪ )..‬الحديث‬
‫‪ 3‬أخرجه أحمد في الزهد (‪ )68‬وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (‪ )1/73‬عن‬
‫كعب‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫قال في العلل المتناهية‪ )1/404( 0‬رقم (‪ :)681‬هذا حديث ال يصح‪.‬‬
‫‪302‬‬
‫األص‪00‬لية وهي ال‪00‬تي من ش‪00‬أنها البق‪00‬اء من أول العم‪00‬ر إلى آخ‪00‬ره‪ ،5‬ول‪00‬و قطعت قب‪00‬ل موت‪00‬ه‬
‫بخالف التي ليس من شأنها ذلك كالظفر‪.‬‬
‫والحشر عبارة عن سوقهم جميعا ً إلى الموق‪00‬ف‪ ،‬وه‪00‬و الموض‪00‬ع ال‪00‬ذي يقف‪00‬ون في‪00‬ه‬
‫من أرض القدس المبدلة التي لم يعص هللا عليها لفصل القضاء بينهم‪ ،‬وال ف‪00‬رق في ذل‪00‬ك‬
‫بين من يجازي وهو اإلنس والجن والملك‪ ،‬وبين من ال يجازى كالبه‪00‬ائم والوح‪00‬وش على‬
‫م‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه المحقق‪00‬ون‪ ،‬وص‪00‬ححه الن‪00‬ووي؛ وذهبت طائف‪00‬ة إلى أن‪00‬ه ال يحش‪00‬ر إال من‬
‫يجازى‪ ،‬وهذا ظاهر في الكامل‪ ،‬وأما السقط وه‪0‬و ال‪0‬ذي لم تتم ل‪0‬ه س‪0‬تة أش‪0‬هر؛ ف‪0‬إن ألقي‬
‫بعد نفخ الروح فيه أعيد بروحه‪ ،‬ويصير عند دخ‪00‬ول الجن‪00‬ة كأهله‪00‬ا في الجم‪00‬ال والط‪00‬ول‪،‬‬

‫‪ 5‬قوله بعد جمع األجزاء األصلية‪ ،‬وهي التي من شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره‪.‬‬
‫يعني أن بدن اإلنسان‪ 0‬يركب يوم القيام‪00‬ة من أجزائ‪00‬ه األص‪00‬لية‪ 0‬ال‪00‬تي ك‪00‬انت في بدن‪00‬ه في‬
‫الدنيا من أول خلقه إلى آخر عمره‪ ،‬وليس تركبه من كل أجزاء البدن األصلية‪ 0‬والفضلية‪.‬‬
‫وقضية التركب من األجزاء األصلية قال بها المتكلمون تخلصا ً من اإلشكال الذي أورده‬
‫عليهم الفالسفة القائلون‪ 0‬بأن‪ 0‬الحشر روحاني وليس بجسماني‪ 0،‬فأوردوا على المسلمين الق‪00‬ائلين‬
‫بأن الحشر‪ 0‬روحاني جس‪00‬ماني إش‪00‬كاالً قوي‪0‬ا ً لم يس‪00‬تطع المتكلم‪00‬ون التخلص عن‪00‬ه إال ب‪00‬القول ب‪00‬أن‬
‫المعاد هو األجزاء األصلية‪ 0‬فقط‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صورة اإلشكال أنه إذا فرضنا أن إنسانا أكل إنسانا‪ 0‬آخر بجميع أجزائه وصارت أجزائه‬
‫جزءاً من اآلكل‪ ،‬فأجزاء المأكول التي صارت أج‪00‬زاء من اآلك‪00‬ل أين تع‪00‬اد إن قلن‪00‬ا تع‪00‬اد في األك‪00‬ل‬
‫بقي المأكول بدون أج‪0‬زاء يع‪0‬اد به‪0‬ا‪ ،‬وإن قلن‪0‬ا يع‪0‬اد في الم‪0‬أكول فلم يع‪0‬د اآلك‪0‬ل بجمي‪0‬ع أجزائ‪0‬ه‪،‬‬
‫فأجاب المتكلمون‪ 0‬عن هذا اإلشكال بأن‪ 0‬المعاد للحشر ليس كل أجزاء الميت‪ 0‬بل أجزائه األص‪00‬لية‪،‬‬
‫واألجزاء األصلية للمأكول يحفظها هللا عن أن تصير أجزاء أَصلية‪ 0‬لآلكل فاألجزاء األص‪00‬لية لك‪00‬ل‬
‫إنسان معلومة هلل تعالى ومتمايزة عنده عن األجزاء األصلية لم‪00‬ا ع‪00‬داه من الن‪00‬اس‪ 0،‬يحفظه‪00‬ا هللا‬
‫تعالى عن أن تصير أجزاء أص‪00‬لية إلنس‪00‬ان‪ 0‬آخ‪00‬ر‪ .‬ولع‪00‬ل ه‪00‬ذا ه‪00‬و ال‪00‬ذي قص‪00‬ده المتكلم‪00‬ون إي إن‬
‫األجزاء األصلية‪ 0‬لواحد ال تصير‪ 0‬أجزاء أصلية آلخر وال تع‪00‬اد في آخ‪00‬ر‪ ،‬ولم يقص‪00‬دوا أن اإلنس‪00‬ان‪0‬‬
‫يعاد بأجزائه‪ 0‬األصلية فقط ولم يضم إليها‪ 0‬أجزاء أخر‪ ،‬وذلك لمخالفة‪ 0‬هذا األخير‪ 0‬لما ورد في كثير‬
‫من األحاديث الصحيحة‪ 0‬من عظم أبدان أهل الجنة والنار‪.‬‬
‫ثم رأيت تاج الدين السبكي صرح بهذا‪ ،‬ق‪00‬ال في ش‪00‬رحه لعقي‪00‬دة ابن الح‪00‬اجب‪ 0:‬ال يق‪00‬ال‪:‬‬
‫األجزاء األصلية‪ 0‬ال يفي مقدارها بمقدار ما يكون عليه اإلنسان‪ 0‬من المقدار عن‪00‬د الم‪00‬وت‪ ،‬م‪00‬ع أن‬
‫المعلوم قطعا ً باإلجماع هو أنه البد أن تكون اإلعادة على الهيئة التي فارق عليها اإلنسان الدنيا‪.‬‬
‫ألنا نقول‪ :‬األجزاء األصلية هي المعادة لكن القادر المختار كم‪00‬ا أن‪00‬ه بقدرتِ‪00‬ه م‪00‬د مق‪00‬دار‬
‫اإلنسان بزيادة تلك األج‪00‬زاء الغذائي‪00‬ة (في ال‪00‬دنيا)‪ ،‬فه‪00‬و ق‪00‬ادر على أن يم‪00‬د مق‪00‬داره ي‪00‬وم القيام‪00‬ة‬
‫بأجزاء اختراعية حتى تحصل الهيئة‪.‬‬
‫ثم أورد السبكي إشكاالً آخر وأجاب عنه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فإن قيل‪ :‬الشيء مع الشيء غيره مع شيء آخر‪ ،‬وعلى ما ذكر ال يك‪00‬ون الب‪00‬دن المع‪00‬اد‬
‫هو بعينه الكائن‪ 0‬يوم الفراق‪ ،‬بل هو مثله ال عينه‪ ،‬مع أن اإلجماع على إعادة العين‪.‬‬
‫قلن‪0‬ا‪ :‬ه‪0‬و مثل‪0‬ه من حيث المق‪0‬دار‪ ،‬عين‪0‬ه باعتب‪0‬ار‪ 0‬تل‪0‬ك‪ 0‬األج‪0‬زاء األص‪0‬لية‪ ،‬وه‪0‬و الم‪0‬راد‬
‫بالعينية‪ 0‬إذ لو لم يُ َرد بالعينية‪ 0‬ذلك لم يكن المعذب والمنعم هو عين اإلنس‪00‬ان المف‪00‬ارق‪ ،‬ب‪00‬ل مثل‪00‬ه‪،‬‬
‫لما ثبت أن الكافر يكون ضرسه في النار كجبل أحد‪ ،‬وأن المؤمن يدخل في الجنة على طول أبيه‬
‫آدم عليه السالم‪ 0،‬وهو صحيح‪.‬‬
‫‪303‬‬
‫وإن ألقي قبل نفخ الروح فيه كان كسائر األجسام التي ال روح فيه‪00‬ا ك‪00‬الحجر‪ ،‬فيحش‪00‬ر ثم‬
‫يصير تراباً‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وأول من تنشق عنه األرض نبينا صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم ؛ فه‪00‬و أول من يبعث‬
‫وأول وارد المحشر‪ ،‬كما أنه أول داخ‪00‬ل الجنة‪ ،2‬وبع‪00‬ده س‪00‬يدنا ن‪00‬وح كم‪00‬ا ورد لكن ورد أن‬
‫بعده صلى هللا عليه وآله وسلم أبا بكر‪ ،‬وحمل على أنه بعد األنبياء‪.‬‬
‫ومراتب الناس في الحش‪00‬ر متفاوت‪00‬ة‪ ،‬فمنهم ال‪0‬راكب وه‪00‬و المتقي‪ ،‬ومنهم الماش‪00‬ي‬
‫على رجليه وهو قليل العمل‪ ،‬ومنهم الماشي على وجهه وهو الكافر‪.3‬‬
‫وهذا الحش‪0‬ر الم‪0‬ذكور هن‪0‬ا ه‪0‬و أح‪0‬د أن‪0‬واع الحش‪0‬ر من حيث هو‪ .4‬ثانيه‪0‬ا‪ :‬ص‪0‬رف‬
‫الناس من الموقف إلى الجنة أو النار‪ ،‬وهذان النوعان في اآلخرة‪ ،‬ثالثها‪ :‬إخراج اليه‪00‬ود‬
‫ُ‪0‬و الَّ ِذي أَ ْخ‪َ 0‬ر َج الَّ ِذينَ َكفَ‪ُ 0‬روا‬
‫من جزيرة العرب إلى الشام وهو المذكور في قوله تعالى‪( :‬ه َ‬
‫ش‪0‬ر) (الحش‪0‬ر‪ :‬من اآلية‪ )2‬رابعه‪00‬ا س‪00‬وق الن‪0‬ار ال‪0‬تي‬ ‫ب ِمنْ ِديَا ِر ِه ْم أِل َ َّو ِل ا ْل َح ْ‬
‫ِمنْ أَ ْه ِل ا ْل ِكتَا ِ‬
‫تخرج من أرض عدن اليمن للكفار وغيرهم من كل حي قرب قي‪00‬ام الس‪00‬اعة إلى المحش‪00‬ر‪،‬‬
‫ي‬‫فت‪0‬بيت معهم حيث ب‪0‬اتوا‪ ،‬وتقي‪0‬ل معهم حيث ق‪0‬الوا‪ ،‬فت‪0‬دور ال‪0‬دنيا كله‪0‬ا وتط‪0‬ير وله‪0‬ا دو ٌّ‬
‫ي الرعد القاصف‪ ،5‬وحكمتها االمتحان واالختبار‪ ،‬فمن علم أنه‪0‬ا مرس‪0‬لة من عن‪0‬د هللا‬ ‫كدو ّ‬
‫وانساق معها سلم منها‪ ،‬ومن لم يكن كذلك أحرقته وأكلته‪ ،‬وبعد سوقها لهم إلى المحش‪00‬ر‬
‫يموت‪00‬ون بالنفخ‪00‬ة األولى بع‪00‬د م ‪0‬دّة‪ ،‬وه‪00‬ذان النوع‪00‬ان في ال‪00‬دنيا‪ ،‬ف‪00‬أنواع الحش‪00‬ر أربع‪00‬ة‪،‬‬
‫‪0‬ربِّ ُك ْم)‬ ‫وجعله‪00‬ا الش‪00‬يخ مح‪00‬يي ال‪00‬دين كث‪00‬يرة ج‪00‬داً‪ ،‬وع ‪ّ 0‬د منه‪00‬ا حش‪00‬ر ال‪00‬ذ ّر ي‪00‬وم (أَلَ ْ‬
‫س ‪0‬تُ بِ‪َ 0‬‬
‫(األعراف‪ :‬من اآلية‪ )172‬وغير ذلك‪ ،‬انظر‪ :‬اليواقيب للشعراني‪.‬‬

‫وبهذا التحقيق صح ما يؤخذ من إطالق بعض أهل السنة كحجة اإلسالم والع‪0‬ز بن عب‪0‬د‬
‫السالم من أن المعاد مثل البدن‪ 0،‬مع اتفاق أه‪00‬ل الس‪00‬نة على أن المع‪00‬اد ه‪00‬و ب‪00‬دن اإلنس‪00‬ان بعين‪00‬ه‪،‬‬
‫وأن المراد بكون ذلك البدن عينا ً هو البدن الم‪00‬ركب من األج‪00‬زاء األص‪00‬لية‪ 0‬الباقي‪00‬ة من أول تعل‪00‬ق‬
‫الروح إلى انفصالها في الدنيا‪ 0،‬والمراد بالمثل هو البدن الم‪00‬ركب من تل‪00‬ك األج‪00‬زاء األص‪00‬لية م‪00‬ع‬
‫األجزاء المزادة عليه االختراعية فال تعارض‪ 0،‬انتهى‪ .‬نقله الزبيدي في اإلتحاف ‪.2/215‬‬
‫‪ 1‬أخرج مسلم في الفضائل برقم (‪ )2278‬عن أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة‪ ،‬وأول من ينشق عنه الق‪00‬بر‪،‬‬
‫وأول شافع وأول مشفع)‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج مسلم في اإليمان‪ 0‬برقم (‪ )197‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول هللا ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم‪( :‬آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح‪ ،‬فيقول الخازن‪ 0:‬من أنت؟ فأقول‪ :‬محمد‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬بك أمرت ال أفتح ألحد قبلك‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرج الترمذي في التفس‪0‬ير ب‪0‬رقم (‪ )3142‬عن أنس بن مال‪0‬ك رض‪0‬ي هللا تع‪0‬الى عن‪0‬ه‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‪ 0‬وآله وسلم‪( :‬يحشر الناس يوم القيامة‪ 0‬ثالث‪00‬ة أص‪00‬ناف‪ :‬ص‪00‬نفاً‪0‬‬
‫مشاة‪ ،‬وصنفا ً ركباناً‪ ،‬وصنفا ً على وجوههم…) الحديث‪ 0،‬وقال حديث حسن‪.‬‬
‫‪ 4‬أي من حيث هو حشر بصرف النظر عن كونه في اآلخرة أو في الدنيا‪.‬‬
‫‪ 5‬ح‪00‬ديث خ‪00‬روج الن‪00‬ار من قع‪00‬ر ع‪00‬دن وحش‪00‬رها الن‪00‬اس رواه مس‪00‬لم في الفتن وأش‪00‬راط‬
‫الساعة برقم (‪ )2901‬وابن ماجه في الفتن برقم (‪ )4055‬وأبو داود في المالحم ب‪00‬رقم (‪)4311‬‬
‫وغيرهم بألفاظ‪ 0‬متقاربة‪.‬‬
‫‪304‬‬
‫‪{ -178‬هل يعاد البدن عن عدم أو عن تفريق}‬
‫وقل يعاد الجسم بالتحقيق ‪ ##‬عن عدم وقيل عن تفريق‬ ‫‪-97‬‬
‫(قوله وق‪0‬ل) أي ق‪0‬والً نفس‪0‬يا ً أو عقلي‪0‬ا ً كم‪0‬ا قال‪0‬ه في كب‪0‬يره‪ ،‬وق‪0‬ال الش‪0‬ارح‪ :‬ق‪0‬والً‬
‫‪1‬‬

‫مطابقا ً العتقادك ويغني عنه ما تقدم‪ ،‬فالمراد بالقول هنا‪ :‬االعتقاد‪ ،‬وقوله “ يع‪00‬اد الجس‪00‬م‬
‫“ أي يعيده هللا تعالى بعينه فالجسم الثاني المع‪00‬اد ه‪00‬و الجس‪00‬م األول بعين‪00‬ه ال مثل‪00‬ه‪ ،‬وإال‬
‫لزم أن المثاب أو المعذب غير الجسم الذي أطاع أو عصى‪ ،‬وهو باطل باإلجماع‪ .‬وقول‪00‬ه‪:‬‬
‫“ بالتحقيق “ متعلق “ بقل “ أو “ بيعاد “ فالمعنى على األول‪ :‬قوالً ملتبسا ً ب‪00‬التحقيق‬
‫الذي هو إثبات الحكم بالدليل في أشهر إطالقاته‪ ،‬ففيه إشارة إلى أن ه‪00‬ذا الق‪00‬ول عن دلي‪00‬ل‬
‫ال من قبي‪00‬ل ال‪00‬رأي‪ :‬والمع‪00‬نى على الث‪00‬اني‪ :‬إع‪00‬ادة ملتبس‪00‬ة ب‪00‬التحقيق أي إع‪00‬ادة محقق‪00‬ة ال‬
‫مشكوكا ً فيها‪.‬‬
‫وقوله “ عن عدم “ أي بعد ع‪0‬دم؛ فـ “ عن “ بمع‪0‬نى “ بع‪00‬د “ وق‪0‬ال الش‪00‬ارح‪:‬‬
‫إع‪00‬ادة ناش‪00‬ئة عن ع‪00‬دم؛ لكن ال مع‪00‬نى لك‪00‬ون اإلع‪00‬ادة ناش‪00‬ئة عن الع‪00‬دم‪ ،2‬فيص‪00‬ير الجس‪00‬م‬
‫معدوما ً بالكلية إال عجب الذنب‪ ،‬ثم يعيده هللا تعالى كما أوجده أوالً‪ .‬قال تعالى‪َ ( :‬ك َما بَ‪0‬دَأَ ُك ْم‬
‫تَ ُعودُونَ ) (األعراف‪ :‬من اآلية‪ )29‬وقوله “ وقيل عن تفريق “ أي بعد تفريق‪ ،‬فـ “ عن‬
‫“ بمعنى “ بع‪0‬د “ كم‪0‬ا تق‪0‬دم‪ ،‬فعلى الق‪00‬ول األول ي‪00‬ذهب هللا العين واألث‪0‬ر جميع‪0‬ا ً ثم يعي‪00‬د‬
‫الجسم كما كان‪ ،‬وعلى القول الثاني يف ّرق هللا أج‪00‬زاء الجس‪00‬م بحيث ال يبقى في‪00‬ه ج‪00‬وهران‬
‫ف‪00‬ردان على االتص‪00‬ال‪ ،3‬والص‪00‬حيح الق‪00‬ول األول ول‪00‬ذا قدّم‪00‬ه المص‪00‬نف جازم ‪0‬ا ً ب‪00‬ه‪ ،‬وحكى‬
‫مقابله بصيغة التمريض‪.‬‬

‫‪ 1‬لع‪00‬ل الم‪00‬راد ب‪00‬القول النفس‪00‬ي األلف‪00‬اظ‪ 0‬المتخيل ‪0‬ة‪ 0‬في النفس‪ 0‬أو حص‪00‬ول معانيه ‪0‬ا‪ 0‬فيه‪00‬ا‬
‫وبالقول العقلي االعتقاد‪ .‬وعلى األول المراد أيضاً‪ 0‬االعتقاد كما سيأتي عن الشارح‪.‬‬
‫‪ 2‬أقول له معنى‪ ،‬وأي معنى‪ ،‬وهو أن اإلعادة عن العدم ال عن مادة سابقة‪.‬‬
‫‪ 3‬الظاهر‪ 0‬أن القائل‪ 0‬ب‪0‬التفريق يق‪0‬ول ب‪0‬التفريق الع‪0‬رفي ال‪0‬ذي يفهم‪0‬ه أه‪0‬ل اللغ‪0‬ة من لف‪0‬ظ‬
‫التفريق‪ 0،‬وهذا ال يلزم فيه أن ال يبقى فيه جوهران فردان على االتصال‪.‬‬
‫‪305‬‬
‫‪ -98‬محضين لكن ذا الخالف خصا ‪ ##‬باألنبياء ومن عليهم نُ ّ‬
‫صا‬
‫وقوله “ محضين “ صفة “ ع‪00‬دم‪ ،‬وتفري‪00‬ق “ أي ع‪00‬دم محض وتفري‪00‬ق محض‪،‬‬
‫فمعنى محضية العدم‪ :‬خلوصه من ش‪00‬ائبة الوج‪00‬ود لج‪00‬زء م‪00‬ا‪ ،‬ومع‪00‬نى محض‪00‬ية التفري‪00‬ق‪:‬‬
‫خلوصه من شائبة االتصال في أجزائه‪ .‬دفع المص‪0‬نف ب‪0‬ذلك ت‪0‬وهم أن الم‪0‬راد بالع‪0‬دم عن‪00‬د‬
‫القائلين به العدم العرفي الصادق بوجود جزء ما من أجزائ‪00‬ه‪ ،‬وأن الم‪00‬راد ب‪00‬التفريق عن‪00‬د‬
‫القائلين به التفريق العرفي الصادق باتصال بعض أجزائه‪.‬‬
‫‪{ -179‬ال تأكل األرض أجسام األنبياء والشهداء والعلماء العاملين}‬
‫(قوله ولكن ذا الخالف خصا) ب‪00‬ألف اإلطالق‪ ،‬وه‪00‬ذا اس‪00‬تدراك على إطالق الخالف‬
‫السابق؛ وفي التعبير بالتخصيص تسمح‪ ،‬ألن التخص‪00‬يص من ع‪00‬وارض العم‪00‬وم والتقيي‪00‬د‬
‫من عوارض اإلطالق؛ فالمعنى‪ :‬لكن هذا الخالف قيد العلماء إطالقه‪ .‬وقول‪00‬ه “ باألنبي‪00‬ا “‬
‫‪1‬‬
‫أي بس‪00‬ب إخ‪00‬راج األنبي‪00‬اء من‪00‬ه؛ ف‪00‬إن األرض ال تأك‪00‬ل أجس‪00‬امهم وال تبلى أب‪00‬دانهم اتفاق ‪0‬ا ً‬
‫ف‪00‬الخالف في غ‪00‬يرهم وغ‪00‬ير من الح‪00‬ق بهم ممن س‪00‬يأتي‪ .‬وقول‪00‬ه “ ومن عليهم نص ‪0‬ا ً “‬
‫ب‪000‬ألف اإلطالق‪ :‬أي ومن نص الش‪000‬ارع على أن األرض ال تأك‪000‬ل أجس‪000‬امهم كالش‪000‬هداء‪،‬‬
‫والمراد بهم‪ :‬كل مقتول على الحق ولو لم يكن من شهداء المعركة وكالمؤذنين احتس‪00‬اباً‪:‬‬
‫أي ادخ‪00‬اراً لث‪00‬واب ذل‪00‬ك عن‪00‬د هللا تع‪00‬الى ال ألج‪00‬رة‪ ،‬وكالعلم‪00‬اء الع‪00‬املين‪ ،‬وحمل‪00‬ة الق‪00‬رآن‬
‫المالزمين لتالوته العاملين بما فيه المعظمين له بض‪00‬بط لس‪00‬انهم وطه‪00‬ارتهم وآدابهم‪ ،‬إلى‬
‫غير ذلك مما نقل عن الشارع فإن المسألة توقيفية‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرج ابن حبان في صحيحه في كتاب الرقائق ب‪00‬رقم (‪ )900‬عن أوس بن أوس ق‪00‬ال‪:‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وس‪0‬لم‪( :‬إن من أفض‪0‬ل أي‪0‬امكم ي‪0‬وم الجمع‪0‬ة في‪0‬ه خل‪0‬ق هللا آدم‬
‫وفيها قبض‪ ،‬وفيه النفخة‪ 0،‬وفيه الصعقة‪ ،‬فأكثروا علي من الص‪0‬الة في‪0‬ه ف‪0‬إن ص‪00‬التكم معروض‪00‬ة‬
‫علي) قالوا‪ :‬وكيف تعرض صالتنا عليك وقد أرمت؟ فق‪00‬ال‪( :‬إن هللا ج‪00‬ل وعال ح‪00‬رم على األرض‬
‫أن تأك‪00‬ل أجس‪00‬امنا) وأخرج‪00‬ه أب‪00‬و داود في كت‪00‬اب الص‪00‬الة ب‪00‬رقم (‪ )1046‬واإلم‪00‬ام أحم‪00‬د (‪)4/8‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫‪306‬‬
‫‪{ -180‬في إعادة األعراض قوالن}‬
‫وفي إعادة العرض قوالن‪ ##‬ورجحت إعادة األعيان‬ ‫‪-99‬‬
‫(قوله وفي إعادة العرض ق‪00‬والن) لم‪00‬ا اختل‪00‬ف الق‪00‬ائلون بإع‪00‬ادة الجس‪00‬م في إع‪00‬ادة‬
‫العرض الذي كان قائما ً به في الدنيا أشار إلى ذلك االختالف بقوله “ وفي إعادة الع‪00‬رض‬
‫قوالن “ فالقول األول وهو م‪00‬ذهب األك‪00‬ثرين وإلي‪00‬ه م‪00‬ال إمامن‪00‬ا األش‪00‬عري أن‪00‬ه يع‪00‬اد حين‬
‫إع‪00‬ادة الجس‪00‬م‪ ،‬ال ف‪00‬رق في ذل‪00‬ك بين الع‪00‬رض ال‪00‬ذي يط‪00‬ول بق‪00‬اؤه كالبي‪00‬اض؛ وبين غ‪00‬يره‬
‫كالصوت‪ .‬وال فرق في ذلك أيضا ً بين ما هو مقدور للعبد كالضرب‪،‬وبين غيره كالعلم‪ ،‬وال‬
‫يلزم أن تكون إعادته بالتلبس به كما كان في الدنيا‪ ،‬ب‪0‬ل م‪0‬ا ك‪0‬ان من األع‪0‬راض المالزم‪0‬ة‬
‫للذات من بياض ونح‪00‬وه وط‪00‬ول ونح‪00‬وه‪ ،‬فإن‪00‬ه يع‪00‬اد متعلق‪0‬ا ً به‪00‬ا وم‪00‬ا ك‪00‬ان من غ‪00‬ير ذل‪00‬ك‬
‫كضرب وكفر وبقية المعاصي وصالة وصوم وبقية الطاع‪0‬ات فإن‪0‬ه يع‪0‬اد مص‪ّ 0‬وراً بص‪0‬ورة‬
‫جسمية‪ ،‬لكن الحسنات في صورة حسنة والسيئات في صورة قبيحة‪ ،‬هذا هو الظاهر‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬يلزم على ذلك اجتماع المتنافيات كالطول والقصر والكبر والصغر‪ .‬أجيب‬
‫بأن إعادة العرض ليست دفعية ب‪0‬ل على الت‪0‬درج حس‪0‬بما ك‪0‬انت في ال‪0‬دنيا‪ ،‬لكن يم‪ّ 0‬ر علي‪0‬ه‬
‫جميع األعراض كلمح البصر‪ ،‬وربك على كل شيء قدير‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬امتناع إعادته مطلقاً‪ ،‬فيوجد الجسم بعرض آخر فإنه ال ينف‪00‬ك عقالً‬
‫عن ع‪00‬رض‪ ،‬وإلى ه‪00‬ذا ذهب بعض أص‪00‬حابنا أيض ‪0‬ا ً (قول‪00‬ه ورجحت إعادت‪00‬ه األعي‪00‬ان) أي‬
‫ورجح جماعة من العلم‪00‬اء إع‪00‬ادة األع‪00‬راض بأعيانه‪00‬ا‪ .‬أي بأشخاص‪00‬ها وأنفس‪00‬ها ف‪00‬المراد‬
‫باألعيان‪ :‬األشخاص واألنفس‪ :‬أي شخص العرض ونفسه‪ ،‬فيعاد الع‪00‬رض ال‪00‬ذي ك‪00‬ان في‬
‫الدنيا ال عرض آخر مغاير له‪ ،‬بل يعاد بعينه‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫‪ -100‬وفي الزمن قوالن‪ 1‬والحساب ‪ ##‬حق وما في حق ارتياب‬
‫(قوله وفي الزمن قوالن) أي وفي إع‪00‬ادة ال‪00‬زمن ق‪00‬والن‪ ،‬أح‪00‬دهما –وه‪00‬و األرجح‪:‬‬
‫أنه يعاد جميع أزمنة األجسام التي مرت عليها في الدنيا لتشهد لإلنسان وعلي‪00‬ه بم‪00‬ا وق‪00‬ع‬
‫فيه من الطاعات واآلثام وثانيهما امتن‪00‬اع إعادت‪00‬ه الجتم‪00‬اع المتنافي‪00‬ات كالماض‪00‬ي والح‪00‬ال‬
‫واالستقبال‪ .2‬وأج‪0‬اب عن ذل‪0‬ك الق‪0‬ائلون ب‪0‬القول األول ب‪0‬أن إعادت‪0‬ه ليس‪0‬ت دفعي‪0‬ة ب‪0‬ل على‬
‫التدريج حسبما كانت عليه في الدنيا‪ ،‬لكن في أسرع وقت‬
‫‪{ -181‬الحساب حق}‬
‫(س‪ِ 0‬ري ُع‬
‫(قوله والحساب حق) أي ث‪00‬ابت بالكت‪00‬اب والس‪0‬نة واإلجم‪0‬اع‪ ،‬ففي الكت‪0‬اب َ‬
‫ب) (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )202‬وفي السنة (حاسبوا أنفسكم‪ 0‬قبل أن تحاسبوا)‪ .3‬وأجمع‬ ‫ا ْل ِح َ‬
‫سا ِ‬
‫المسلمون عليه‪ ،‬وهو لغ‪00‬ة‪ :‬الع‪00‬دد ‪ ،‬واص‪00‬طالحاً‪ :‬توقي‪00‬ف هللا الن‪00‬اس على أعم‪00‬الهم خ‪00‬يراً‬
‫‪4‬‬

‫كانت أو شراً‪ ،‬قوالً كانت أو فعالً تفصيالً بعد أخذهم كتبها‪.‬‬


‫ويكون للمؤمن والكافر إنسا ً وجنا ً إال من استثني منهم ففي الحديث‪ :‬ي‪00‬دخل الجن‪00‬ة‬
‫من أمتي سبعون ألفا ً ليس عليهم حساب) فقيل ل‪0‬ه‪ :‬هال اس‪00‬تزدت رب‪0‬ك؟ فق‪00‬ال‪( :‬اس‪00‬تزدته‬
‫فزادني مع كل واحد من السبعين ألفا ً س‪00‬بعين ألف‪0‬اً) فقي‪00‬ل ل‪00‬ه‪ :‬هال اس‪00‬تزدت رب‪00‬ك؟ فق‪00‬ال‪:‬‬
‫(استزدته فزادني ثالث حثيات بيده الكريمة) أو كم‪00‬ا ورد‪5‬؛ والثالث حثي‪00‬ات‪ :‬ثالث دفع‪00‬ات‬

‫‪ 1‬قوله‪ :‬وفي الزمان‪ 0‬قوالن‪ :‬انظر ما معنى إعادة الزمان‪ .‬فإن الزمان‪ 0‬كما تقدم تحقيقه‬
‫إما أمر اعتباري انتزاعي كما عليه المتكلمون أو حركات الفل‪00‬ك كم‪00‬ا علي‪00‬ه الفالس‪00‬فة‪ ،‬أو عب‪00‬ارة‬
‫عن الليل والنهار‪ 0‬كما هو العرف‪ ،‬وعلى القول األول ليس ه‪00‬و أم‪00‬راً موج‪00‬وداً ح‪00‬تى يع‪00‬اد‪ ،‬وعلى‬
‫الوجهين األخيرين‪ 0‬موجود لكن بدون مادة وقد عدم‪ ،‬وال يمكن إعادت‪00‬ه‪ ،‬فل‪00‬و أعي‪00‬د فالمع‪00‬اد مثل‪00‬ه‬
‫وليس عينه‪ ،‬فال يظهر وجه للقول بإعادته‪ .‬ويق‪0‬ال مث‪0‬ل ه‪0‬ذا في إع‪0‬ادة األع‪0‬راض ب‪0‬ل في إع‪0‬ادة‬
‫الجسم عن عدم أيضاً‪ ،‬ألن المعدوم ال يعاد‪ ،‬ولو وقعت اإلع‪0‬ادة فالمع‪00‬اد مثل‪0‬ه وليس عين‪00‬ه‪ ،‬ومن‬
‫أجل ذلك قال المتكلمون‪ 0‬إن البعث يكون بجم‪0‬ع األج‪0‬زاء األص‪0‬لية ولم يقول‪0‬وا‪ :‬إن‪0‬ه يك‪0‬ون بإع‪0‬ادة‬
‫األجزاء األصلية‪ 0‬بعد إعدامها‪ ،‬هذا ما ظهر لي‪ .‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬لعل مراده ما كان ماضياً‪ 0‬وحاالً واستقباالً‪ ،‬وإال فحين اإلعادة قد صارت هذه األزمن‪00‬ة‬
‫كلها ماضية فالمراد حينئذ اجتماع‪ 0‬األزمنة المختلفة وهي متنافية‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا من كالم عمر رضي هللا تعالى‪ 0‬عنه رواه عنه ابن أبي شيبة في المصنف ب‪00‬رقم (‬
‫‪ )16307‬وابن المبارك‪ 0‬في الزهد برقم (‪ )306‬وأحمد في الزهد برقم (‪ )631‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ 4‬هكذا في النسخ والصواب‪ :‬العدّ‪.‬‬
‫‪ 5‬أقرب الروايات‪ 0‬إلى ما أورده الشارح‪ 0‬ما أخرجه الترمذي في كتاب صفة يوم القيام‪00‬ة‬
‫الباب‪ )13( 0‬ب‪0‬رقم (‪ )2437‬عن أبي أمام‪0‬ة ق‪0‬ال‪ :‬س‪0‬معت رس‪0‬ول هللا ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‬
‫بقول‪( :‬وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي بغير حساب سبعين ألفاً‪ 0‬ال حساب عليهم وال عذاب‬
‫مع كل ألف سبعون ألفاً‪ ،‬وثالث حثي‪0‬ات‪ 0‬من حثيات‪0‬ة)‪ 0‬وقض‪0‬ية إدخ‪0‬ال طائف‪0‬ة من المؤم‪0‬نين الجن‪0‬ة‬
‫‪308‬‬
‫من غير عدد‪ ،‬فهؤالء يدخلون الجنة بغير حساب‪ ،‬وإذا كان من المؤمنين من يك‪00‬ون أدنى‬
‫إلى الرحمة فيدخل الجنة من غير حساب‪ ،‬وكان من الكافرين من يكون أدنى إلى الغض‪00‬ب‬
‫فيدخل الن‪0‬ار من غ‪0‬ير حس‪0‬اب‪ ،‬فطائف‪0‬ة ت‪0‬دخل الجن‪0‬ة بال حس‪00‬اب‪ ،‬وطائف‪0‬ة ت‪0‬دخل الن‪0‬ار بال‬
‫حساب‪ ،‬وطائفة توقف للحساب‪ ،‬فال تنافي بين النصوص في مثل ذلك‪.‬‬
‫وقد اختلف في المراد بتوقيف هللا الناس على أعمالهم‪ :‬فقيل الم‪00‬راد ب‪00‬ه أن يخل‪00‬ق‬
‫هللا في قلوبهم علوما ً ضرورية بمقادير أعمالهم من الثواب والعق‪00‬اب‪ ،‬وه‪00‬ذا ق‪00‬ول الفخ‪00‬ر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المراد به أن ي‪0‬وقفهم بين يدي‪0‬ه وي‪00‬ؤتيهم كتب أعم‪00‬الهم فيه‪0‬ا س‪00‬يئاتهم وحس‪00‬ناتهم؛‬
‫فيقول‪ :‬هذه سيئاتكم وقد تجاوزت عنها‪ ،‬وهذه حسناتكم وق‪00‬د ض‪00‬اعفتها لكم؛ وه‪00‬ذا الق‪00‬ول‬
‫نقل عن ابن عباس وفيه قصور؛ ألن الحساب غير قاصر على هذا المق‪00‬دار‪ ،‬وق‪00‬د ورد أن‬
‫الكافر ينكر فتشهد جوارحه‪ ،1‬وقيل‪ :‬المراد به أن يكلمهم في شأن أعمالهم وكيفي‪00‬ة ماله‪00‬ا‬
‫من الث‪00‬واب وم‪00‬ا عليه‪00‬ا من العق‪00‬اب فيس‪00‬معهم كالم‪00‬ه الق‪00‬ديم‪ ،‬وه‪00‬ذا ه‪00‬و ال‪00‬ذي تش‪00‬هد ل‪00‬ه‬
‫األحاديث الصحيحة‪ ،2‬وال يشغله تعالى محاسبة أحد عن أحد بل يحاسب الناس جميعا ً معا ً‬
‫حتى إن ك‪00‬ل أح‪00‬د ي‪0‬رى أن‪00‬ه المحاس‪00‬ب وح‪00‬ده وكيفيت‪00‬ه مختلف‪00‬ة‪ :‬فمن‪00‬ه اليس‪00‬ير‪ ،‬والعس‪00‬ير‪،‬‬
‫والس‪00‬ر‪ ،‬والجه‪00‬ر‪ ،‬والت‪00‬وبيخ‪ ،‬والفض‪00‬ل‪ ،‬والع‪00‬دل‪ ،‬وحكمت‪00‬ه‪ :‬إظه‪00‬ار تف‪00‬اوت الم‪00‬راتب في‬
‫الكمال‪ ،‬وفضائح أهل النقص؛ ففيه ترغيب في الحسنات وزج‪00‬ر عن الس‪00‬يئات (قول‪00‬ه وم‪00‬ا‬
‫في حق ارتياب) أي وليس في وقوع حق شك؛ أي ال ينبغي أن يقع فيه ذلك‪.‬‬

‫بغير حساب قد ورد فيه‪0‬ا أح‪00‬اديث مخرج‪00‬ة في الص‪0‬حيحين منه‪0‬ا م‪00‬ا أخرج‪0‬ه البخ‪00‬اري في كت‪0‬اب‪0‬‬
‫الطب برقم (‪ )5705‬ومسلم في كتاب اإليمان‪ 0‬برقم (‪ )316‬والشارح‪ 0‬رحم‪00‬ه هللا ق‪00‬د أورد الح‪00‬ديث‬
‫بالمعنى أو جمع بين عدة من األحاديث‪.‬‬
‫‪ 1‬أخرجه مسلم (‪ )2969‬عن أنس بن مالك‪.‬‬
‫‪ 2‬منها ما أخرجه البخاري‪ 0‬في التفسير باب‪َ ( :‬ويَقُو ُل اأْل َ ْ‬
‫ش ‪َ 0‬ها ُد َه‪0‬ؤُال ِء الَّ ِذينَ َك‪َ 0‬ذبُوا َعلَى‬
‫َربِّ ِه ْم أَال لَ ْعنَةُ هَّللا ِ َعلَى الظَّالِ ِمينَ )‪( 0‬هود‪ :‬من اآلية‪ .)18‬برقم (‪ )4685‬عن ابن عمر ق‪00‬ال‪ :‬س‪00‬معت‬
‫النبي صلى هللا عليه وآله وسلم يقول‪( :‬ي‪00‬دنى الم‪00‬ؤمن من رب‪00‬ه ح‪00‬تى يض‪00‬ع علي‪0‬ه‪ 0‬كنف‪00‬ه فيق‪00‬رره‬
‫بذنوبه‪ :‬تعرف ذنب كذا؟ يقول‪ :‬أعرف رب‪ ،‬يقول‪ :‬أع‪0‬رف‪ ،‬م‪0‬رتين‪ 0،‬فيق‪0‬ول‪ :‬س‪0‬ترتها في ال‪00‬دنيا‪،‬‬
‫وأغفرها لك اليوم‪ ،‬ثم تط‪00‬وى ص‪00‬حيفة حس‪00‬ناته‪ ،‬وأم‪00‬ا اآلخ‪00‬رون أو الكف‪00‬ار فين‪00‬ادى على رؤوس‬
‫األشهاد‪ ،‬هؤالء الذين كذبوا على ربهم)‪.‬‬
‫‪309‬‬
‫‪{ -182‬يجزى العبد على السيآت بالمثل‪ ،‬وتضاعف له الحسنات}‬
‫‪-101‬فالسيئات عنده بالمثل ‪ ##‬والحسنات ضوعفت بالفضل‬
‫‪1‬‬
‫(قول‪0‬ه فالس‪0‬يئات عن‪0‬ده بالمث‪0‬ل) أي جزاؤه‪0‬ا عن‪0‬ده تع‪0‬الى مق‪0‬دّر بمثلها إن ج‪0‬ازاه‬
‫عليها‪ ،‬وله أن يعفو عنه‪0‬ا إن لم تكن كف‪0‬راً‪ ،‬وإال خل‪00‬د في الن‪0‬ار‪ ،‬والس‪00‬يئات‪ :‬جم‪0‬ع س‪00‬يئة‪:‬‬
‫وهي ما يذم فاعله شرعاً‪ ،‬صغيرة كانت أو كبيرة‪ ،‬وس‪0‬ميت س‪0‬يئة ألن فاعله‪0‬ا يس‪0‬اء عن‪0‬د‬
‫المقابلة عليها يوم القيامة‪ ،‬والمراد التي عملها العبد حقيق‪00‬ة أو حكم‪0‬ا ً ب‪00‬أن ط‪00‬رحت علي‪00‬ه‬
‫لظالمة الغير بعد نفاد حسناته فإنه يؤخذ من حسنات الظالم ويعطي للمظل‪00‬وم‪ ،‬ف‪00‬إذا نف‪00‬دت‬
‫حس‪00‬نات الظ‪00‬الم ط‪00‬رح علي‪00‬ه من س‪00‬يئات المظل‪00‬وم ثم ق‪00‬ذف بالظ‪00‬الم في الن‪00‬ار‪ ،2‬وقول‪00‬ه‪“ :‬‬
‫والحس‪000‬نات ض‪000‬وعفت بالفض‪000‬ل “ أي ض‪000‬اعفها هللا تع‪000‬الى بفض‪000‬له ال وجوب‪000‬ا ً علي‪000‬ه‪،‬‬
‫والحس‪00‬نات‪ :‬جم‪00‬ع حس‪00‬نة‪ :‬وهي م‪00‬ا يم‪00‬دح فاعل‪00‬ه ش‪00‬رعاً‪ ،‬وس‪00‬ميت حس‪00‬نة لحس‪00‬ن وج‪00‬ه‬
‫صاحبها عند رؤيتها يوم القيامة‪.3‬‬
‫والمراد بالحسنات‪ :‬المقبولة األصلية المعمولة للعبد‪ ،‬أو ما في حكمها بأن عمله‪00‬ا‬
‫عن‪00‬ه غ‪00‬يره كم‪00‬ا إذا تص‪00‬دق غ‪00‬يرك عن‪00‬ك بص‪00‬دقة ال الم‪00‬أخوذة في نظ‪00‬ير ظالم‪00‬ة‪ ،‬فخ‪00‬رج‬
‫‪4‬‬
‫بالمقبولة‪ :‬المردودة بنحو رياء فال ثواب فيه‪00‬ا أص‪0‬الً‪ ،‬وباألص‪00‬لية‪ :‬الحاص‪00‬لة بالتض‪00‬عيف‬
‫فال تضاعف ثانياً؛ وبالمعمولة أو ما في حكمه‪0‬ا‪ :‬الحس‪0‬نة ال‪0‬تي هم به‪0‬ا فتكتب واح‪0‬دة من‬
‫غير تضعيف‪ ،‬وكذلك من إذا صمم على المعصية ثم تركها فله حسنة من غ‪00‬ير مض‪00‬اعفة‪.‬‬

‫‪ 1‬قوله "بمثلها" أي بعقاب يليق بتلك السيئة‪ 0،‬هذا هو الم‪00‬راد من المماثل‪00‬ة‪ ،‬أجه‪00‬وري‪.‬‬
‫سيِّئَةٌ ِم ْثلُ َها)‪( 0‬الشورى‪ :‬من اآلية‪.)40‬‬ ‫قال هللا تعالى‪َ ( 0:‬و َجزَ ا ُء َ‬
‫سيِّئَ ٍة َ‬
‫‪ 2‬أخرج مسلم في كتاب البر والص‪00‬لة‪ 0‬ب‪00‬اب تح‪00‬ريم الظلم ب‪00‬رقم ( ‪ )2581‬عن أبي هري‪00‬رة‬
‫رضي هللا تعالى عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم قال‪( :‬أتدرون ما المفلس)؟‪ 0‬ق‪00‬الوا‪:‬‬
‫المفلس فين‪0‬ا من ال درهم ل‪0‬ه وال مت‪0‬اع‪ ،‬فق‪0‬ال‪( :‬إن المفلس من أتى ي‪0‬وم القيام‪0‬ة بص‪0‬الة وص‪0‬يام‬
‫وزكاة‪ ،‬ويأتي قد شتم هذا‪ ،‬وقذف هذا‪ ،‬وأكل مال هذا‪ ،‬وسفك دم هذا‪ ،‬وض‪00‬رب ه‪00‬ذا‪ ،‬فيعطي ه‪00‬ذا‬
‫من حسناته‪ ،‬وهذا من حسناته‪ 0،‬فإن فنيت حس‪00‬ناته قب‪00‬ل أن يقض‪00‬ي م‪00‬ا علي‪00‬ه أخ‪00‬ذ من خطاي‪00‬اهم‪0،‬‬
‫فطرحت عليه ثم طرح في النار"‪.‬‬
‫‪ 3‬األولى لحسنها‪ 0‬في نفسها وحسن ما ي‪00‬ترتب‪ 0‬عليه‪0‬ا‪ 0‬من اآلث‪00‬ار‪ 0،‬وذل‪00‬ك ألن التس‪00‬مية ال‬
‫تالحظ فيها أمور اآلخرة‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله "وباألصلية الحاصلة بالتضعيف" هذا غ‪0‬ير ظ‪0‬اهر؛‪ 0‬ألن تض‪00‬عيف الحس‪00‬نة ال‪0‬تي‬
‫هي الطاعة‪ 0‬إكثار ثوابه‪00‬ا ب‪00‬أن يعطي هللا العب‪00‬د ق‪00‬دراً من الث‪00‬واب‪ 0‬زائ‪00‬داً على الث‪00‬واب‪ 0‬الالئ‪00‬ق بتل‪00‬ك‬
‫الطاعة؛‪ 0‬فالحاصل بالتضعيف إنما هو مقدار من الثواب زائد على المقدار الالئ‪00‬ق بتل‪00‬ك الطاع‪00‬ة‪0،‬‬
‫وأما الطاع‪0‬ة‪ 0‬نفس‪00‬ها فلم تق‪00‬ع فيه‪00‬ا زي‪0‬ادة أص‪0‬الً؛‪ 0‬فقول‪0‬ه‪" :‬وباألص‪00‬لية‪ 0‬الحاص‪00‬لة‪ 0‬بالتض‪0‬عيف"‪ 0‬ال‬
‫يظه‪00‬ر‪ ،‬ألن‪00‬ه ليس لن‪0‬ا‪ 0‬حس‪00‬نة حاص‪00‬لة بالتض‪00‬عيف أص‪0‬الً‪ ،‬لم‪00‬ا علمت من أن التض‪00‬عيف في ث‪00‬واب‬
‫الطاعة ال في نفسها‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪310‬‬
‫وبقولنا “ ال المأخوذة في نظير ظالم‪00‬ة “ الحس‪00‬نة ال‪00‬تي يأخ‪00‬ذها المظل‪00‬وم من ظالم‪00‬ه فال‬
‫تض‪00‬اعف والتض‪00‬عيف من خص‪00‬ائص ه‪00‬ذه األم‪00‬ة‪ .‬وأم‪00‬ا غيره‪00‬ا من األمم فك‪00‬انت حس‪00‬نتهم‬
‫بواحدة‪ ،‬وأقل مراتب التضعيف عشرة‪ ،‬وقد تضاعف إلى سبعين إلى سبعمائة أو أكثر من‬
‫غير انتهاء إلى ح ّد تقف عنده‪ ،‬وتفاوت مراتب التضعيف بحس‪0‬ب م‪0‬ا يق‪0‬ترن بالحس‪0‬نة من‬
‫اإلخالص وحسن النية‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫‪{ -183‬تغفر صغائر المؤمن بإجتنابه للكبائر}‬
‫‪ -102‬وباجتناب للكبائر تغفر ‪ ##‬صغائر وجا الوضو يكفر‬
‫(قوله وباجتناب للكبائر بسكون الراء ألنه رجز‪ ،‬والمراد باجتناب الكب‪00‬ائر‪ :‬م‪00‬ا يعم‬
‫التوبة منها بع‪00‬د فعله‪00‬ا‪ ،‬ال م‪00‬ا يخص ع‪0‬دم ارتكابه‪00‬ا ب‪0‬المرة‪ ،‬بخالف التلبس به‪0‬ا من غ‪0‬ير‬
‫توبة؛ والكبائر‪ :‬هي الذنوب العظيمة من حيث المؤاخذة بها‪ .‬وقوله “ تغفر صغائر “ أي‬
‫تكفر الذنوب الصغائر‪ .‬قال تعالى‪( :‬إِنْ ت َْجتَنِبُوا َكبَائِ َر َما تُ ْن َه ْونَ َع ْن ‪0‬هُ نُ َكفِّ ْر َع ْن ُك ْم َ‬
‫س ‪0‬يِّئَاتِ ُك ْم)‬
‫(النساء‪ :‬من اآلية‪ )31‬أي الصغائر‪ .‬وقال صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬ما من عب‪00‬د م‪00‬ؤمن‬
‫يؤدي الصوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إال فتحت له ثمانية أب‪00‬واب‬
‫الجنة يوم القيامة حتى إنها لتصفق (أي يضرب بعضها بعضا ً من خلوها‪ -‬فال يدخلها أح‪00‬د‬
‫حتى يدخلها)‪ 1‬والسبع ليست بقيد بل غيرها كذلك‪ ،‬والم‪00‬راد به‪00‬ا الموبق‪00‬ات الس‪00‬بع وهي‪:‬‬
‫الشرك باهلل‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس بغير حق‪ ،‬وأكل مال الييتيم‪ ،‬وأكل الربا والت‪00‬ولي ي‪00‬وم‬
‫الزحف وقدف المحص‪00‬نات الغ‪00‬افالت‪ .‬وفي ح‪00‬ديث آخ‪00‬ر‪( :‬الص‪00‬لوات الخمس والجمع‪00‬ة إلى‬
‫الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)‪.2‬‬
‫وقد اتفقوا‪ 0‬على ترتب التكفير على االجتناب‪ ،‬ثم اختلفوا‪ :‬هل ه‪00‬و قطعي أو ظ‪00‬ني؟‬
‫فذهب جماعة من الفقهاء والمحدثين والمعتزلة إلى األ ّول‪ ،‬وذهب أئم‪00‬ة الكالم إلى الث‪00‬اني‬
‫وهو الحق‪ .‬واعلم أن غفر الذنب العفو‪ 0‬عنه‪ :‬أي عدم المؤاخ‪00‬ذة ب‪00‬ه إم‪00‬ا بس‪00‬تره عن أعين‬
‫المالئك‪00‬ة م‪00‬ع بقائ‪00‬ه في الص‪00‬حيفة‪ ،‬وإم‪00‬ا بمح‪00‬وه من ص‪00‬حف المالئك‪00‬ة‪ .‬وحكى بعض‪00‬هم أن‬
‫األ ّول هو الصحيح عند المحققين‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه وج‪00‬ا الوض‪00‬و) بالقص‪00‬ر لل‪00‬وزن‪ .‬وقول‪00‬ه “ يكف‪00‬ر “ أي الص‪00‬غائر‪ .‬وم‪00‬راد‬
‫المصنف أنه جاء في السنة أن الوضوء يكفر الذنوب؛ ففي الحديث عن عثم‪00‬ان بن عف‪00‬ان‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يقول‪( :‬ال يس‪00‬بغ أح‪00‬د الوض‪00‬وء إال غف‪00‬ر‬
‫له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر)‪ 3‬وفي الحديث ايضاً‪( :‬من توضأ نحو وض‪00‬وئي ه‪00‬ذا ثم ق‪00‬ام‬
‫فركع ركعتين ال يحدث فيهما نفسه –يعني بسوء‪ -‬غفر له ما تقدم من ذنبه)‪ 4‬وفي رواية‪:‬‬
‫(ال يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء فيصلي صالة إال غف‪00‬ر ل‪00‬ه م‪00‬ا بينه‪00‬ا وبين الص‪00‬الة‬
‫التي تليها)‪ 5‬وذكر الصالة في ه‪00‬ذين الح‪00‬ديثين لل‪0‬ترغيب في س‪0‬نة الوض‪0‬وء ليزي‪0‬د ثواب‪00‬ه‪،‬‬

‫‪ 1‬أخرجه ابن حبان في ص‪00‬حيحه في كت‪00‬اب الص‪00‬الة ب‪00‬رقم (‪ .)1748‬والنس‪0‬ائي (‪ )5/8‬عن‬


‫أبي سعيد الخدري‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه مسلم في كتاب الطهارة برقم (‪ .)233‬عن أبي هريرة‪.‬‬
‫‪ 3‬ق‪00‬ال الهيثمي في مجم‪00‬ع الزوائ‪00‬د كت‪00‬اب الطه‪00‬ارة رقم (‪ )1/237( 0)1216‬رواه ال‪00‬بزار‪0‬‬
‫ورجاله موثقون‪ ،‬والحديث حسن إن شاء هللا‪.‬‬
‫‪4‬أخرجه البخاري في كتاب الوضوء برقم (‪ )159‬ومسلم في كتاب الطهارة برقم (‪.)226‬‬
‫‪5‬أخرجه البخاري في كتاب الوضوء برقم (‪ )160‬ومسلم في كتاب الطهارة برقم (‪.)227‬‬
‫‪312‬‬
‫وإال فالتكفير ال يتوقف على الصالة‪ ،‬كما أخرجه أحمد مرفوعاً‪( :‬الوض‪00‬وء يكف‪00‬ر م‪00‬ا قبل‪00‬ه‬
‫ثم تص‪00‬ير الص‪00‬الة نافل‪00‬ة)‪ 1‬وأش‪0‬ار المص‪00‬نف ب‪00‬ذلك إلى أن‪00‬ه ال ينحص‪0‬ر تكف‪00‬ير الص‪00‬غائر في‬
‫اجتناب الكبائر‪ ،‬فالوضوء يكفرها أيضاً‪ ،‬وكذلك الصلوات الخمس‪ ،‬وكذلك صوم رمضان‪،‬‬
‫وكذلك الحج المبرور‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إذا كفر الوض‪00‬وء لم يج‪00‬د الص‪00‬وم م‪00‬ا يكف‪00‬ره وهك‪00‬ذا؛ أجيب ب‪00‬أن ال‪00‬ذنوب‬
‫كاألمراض والطاعات كاألدوية‪ ،‬فكم‪0‬ا أن لك‪0‬ل ن‪0‬وع من أن‪0‬واع األم‪0‬راض نوع‪0‬ا ً من أن‪0‬واع‬
‫األدوية ال ينفع فيه غيره‪،‬كذلك الطاعات مع الذنوب‪ ،‬ويدل ل‪00‬ه ح‪00‬ديث‪( :‬إن من ال‪00‬ذنوب ال‬
‫يكفرها صوم وال صالة وال جهاد ولكن يكفرها السعي على العيال)‪.2‬‬
‫وهذا كله في الذنوب المتعلقة بحقوق هللا تع‪00‬الى‪ .‬وأم‪00‬ا المتعلق‪00‬ة بحق‪00‬وق اآلدم‪00‬يين‬
‫فال ب ّد فيها من المقاصة بأن يؤخذ من حسنات الظالم ويعطى للمظلوم‪ ،‬فإذا نفدت حسنات‬
‫الظالم طرح عليه من سيئات المظلوم لكن ق‪00‬د أخ‪00‬رج ال‪00‬بزار عن أنس بن مال‪00‬ك مرفوع‪0‬اً‪:‬‬
‫(من تال قل هو هللا أحد مائة ألف مرة فقد اش‪0‬ترى نفس‪0‬ه من هللا ون‪0‬ادى من‪0‬اد من قب‪0‬ل هللا‬
‫تعالى في سمواته وفي أرضه‪ :‬إن فالنا ً عتيق هللا فمن له قبله تباعا ً فليأخذها من هللا ع‪00‬ز‬
‫وجل‪ )3‬وظاهر ذلك تكفير الكبائر بهذا أيضا ً وهذه هي العتاقة الكبرى‪ .‬ومن جملة مكفرات‬
‫الكبائر‪ :‬الحج المبرور‪ ،‬لحديث‪( :‬الحج الم‪0‬برور ليس ل‪0‬ه ج‪00‬زاء إال الجن‪0‬ة)‪ 4‬ومن جملته‪00‬ا‬
‫أيضا ً الجهاد‪ ،‬فق‪00‬د ورد أن الغ‪00‬زو في ال‪00‬بر يكفره‪00‬ا إال التبع‪00‬ات‪ ،‬وفي البح‪00‬ر يكفره‪00‬ا ح‪00‬تى‬
‫التبعات‪.5‬‬

‫‪ 1‬أخرجه اإلمام أحم‪00‬د عن أبي أمام‪00‬ة (‪ )5/351‬ق‪00‬ال الهيثمي في مجم‪00‬ع الزوائ‪00‬د‪ :‬طري‪00‬ق‬
‫أحمد صحيحة‪.‬‬
‫‪ 2‬أخ‪00‬رج أب‪00‬و نعيم في الحلي‪00‬ة (‪ )6/235‬والط‪00‬براني‪ 0‬في األوس‪00‬ط ب‪00‬رقم (‪ )103‬عن أبي‬
‫هريرة رضي هللا تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬إن من ال‪00‬ذنوب ال‬
‫يكفرها الصالة وال الصيام‪ 0‬وال الحج وال العمرة) قالوا‪ :‬فما يكفرها يا رس‪00‬ول هللا؟ ق‪00‬ال‪( :‬الهم‪00‬وم‬
‫في طلب المعيش‪00‬ة) ق‪00‬ال الهيثمي في مجم‪00‬ع الزوائ‪00‬د كت‪00‬اب ال‪00‬بيوع رقم ( ‪ :)4/64( 0)6239‬في‪00‬ه‬
‫محمد بن سالم المصري قال الذهبي حدث عن يحيى بن بكير بخبر موضوع‪ ،‬قلت‪ :‬وهذا الحديث‬
‫رواه عن يحيى بن بكير‪.‬‬
‫‪ 3‬نقله الزبيدي في إتح‪0‬اف الس‪0‬ادة المتقين‪ )3/294( 0‬عن ت‪0‬اريخ ق‪0‬زوين لل‪0‬رافعي بلف‪0‬ظ‬
‫(من قرأ قل هو هللا أحد أل‪0‬ف م‪0‬رة فق‪0‬د اش‪0‬ترى نفس‪00‬ه من هللا) ونق‪0‬ل أيض‪0‬ا‪ 0‬من ح‪0‬ديث أنس (من‬
‫قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه من الجنة‪.‬‬
‫‪ 4‬أخرجه البخاري في أبواب العمرة برقم (‪ )1773‬ومسلم في كتاب الحج برقم (‪.)1349‬‬
‫‪ 5‬أقرب حديث وقفت عليه‪ 0‬إلى ما أورده الش‪0‬ارح م‪0‬ا أخرج‪0‬ه ابن ماج‪0‬ة في كت‪0‬اب الجه‪0‬اد‬
‫برقم (‪ )2778‬والطبراني في الكبير رقم (‪ )7716‬برواي‪00‬ة قيس بن محم‪00‬د الكن‪00‬دي عن عف‪00‬ير بن‬
‫معدان من حديث أبي أمامة رض‪0‬ي هللا ت‪0‬الى عن‪0‬ه ق‪0‬ال‪ :‬س‪0‬معت رس‪0‬ول هللا ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه‬
‫وسلم يقول‪ …( :‬ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إال الدين‪ ،‬ولشهيد البحر الذنوب كلها والدين‪.‬‬
‫قال الزين العراقي‪ :‬عفير بن معدان ضعيف جداً‪.‬‬
‫وأخرج نحوه أبو نعيم في الحلية (‪ )4/167‬وفيه يزي‪0‬د الرقاش‪00‬ي م‪00‬تروك فالح‪0‬ديث منك‪0‬ر‬
‫لمخالفته‪ 0‬لم‪00‬ا أخرج‪00‬ه مس‪00‬لم في كت‪00‬اب اإلم‪00‬ارة رقم ( ‪ )1886‬عن عب‪00‬د هللا بن عم‪00‬رو بن الع‪00‬اص‬
‫‪313‬‬
‫‪{ -184‬اليوم اآلخر وهول الموقف حق}‬
‫‪ -103‬واليوم اآلخر ثم هول الوقف ‪ ##‬حق فخفف يا رحيم واسعف‬
‫(قوله واليوم اآلخر‪ :‬بدرج الهمزة وتسكين الراء؛ و “ اليوم “ مبتدأ‪ ،‬و “ اآلخر‬
‫“ صفته و “ حق “ خبره‪ .‬واليوم اآلخر‪ :‬هو يوم القيام‪00‬ة‪ ،‬وأ ّول‪00‬ه من وقت الحش‪00‬ر إلى‬
‫ما ال يتناهى على الص‪00‬حيح‪ .‬وقي‪00‬ل‪ :‬إلى أن ي‪00‬دخل أه‪00‬ل الجن‪00‬ة الجن‪00‬ة وأه‪00‬ل الن‪00‬ار والن‪00‬ار‪،‬‬
‫وسمي باليوم اآلخر النه آخر أيام الدنيا‪ ،‬بمعنى أنه متصل بآخر أيام الدنيا ألنه ليس منها‬
‫حتى يكون آخرها‪ ،‬وسمي بيوم القيامة لقيام الناس من قبورهم وقيامهم بين يدي خالقهم‬
‫وقيام الحجة لهم وعليهم‪ ،‬وله نحو ثلثمائة اسم‪.‬‬
‫و(قوله ثم هول الموقف) أي الهول الحاصل في الموقف‪ ،‬فهو من إض‪00‬افة الش‪00‬يء‬
‫إلى مكانه‪ ،‬والمراد بهول الموقف‪ :‬ما ينال الن‪00‬اس في‪00‬ه من الش‪00‬دائد لط‪00‬ول الموق‪00‬ف‪ ،‬قي‪00‬ل‬
‫(س ‪0‬أ َ َل) (المع‪00‬ارج‪:‬‬
‫ألف سنة كما في آية السجدة‪ ،1‬وقيل‪ :‬خمسين ألف سنة‪ ،‬كم‪00‬ا في آي‪00‬ة َ‬
‫‪ 2)1‬وال تنافي ألن العدد ال مفهوم له‪ ،‬وهو‪ 3‬مختلف باختالف أحوال‪ 0‬الن‪00‬اس‪ ،‬فيط‪00‬ول على‬
‫الكف‪00‬ار‪ ،‬ويتوس‪00‬ط على الفس‪00‬اق‪ ،‬ويخ‪00‬ف على الط‪00‬ائعين ح‪00‬تى يك‪00‬ون كص‪00‬الة ركع‪00‬تين‪،4‬‬
‫وكإلجام الناس ب‪00‬العرق ال‪00‬ذي ه‪00‬و أنتن من الجيف‪00‬ة ح‪00‬تى تعل‪00‬و آذانهم وي‪00‬ذهب في األرض‬
‫سبعين ذراعا ً والناس يكونون فيه على قدر أعمالهم؛ ففي ح‪00‬ديث مس‪00‬لم‪( :‬ت‪00‬دنو الش‪00‬مس‬
‫يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل‪ ،‬فيكون الناس على ق‪00‬در أعم‪00‬الهم من‬
‫الع‪00‬رق‪ :‬فمنهم من يك‪00‬ون إلى كعب‪00‬ه‪ ،‬ومنهم من يك‪00‬ون إلى ركبت‪00‬ه‪ ،‬ومنهم من يك‪00‬ون إلى‬
‫حقويه‪ ،‬ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ً –وأشار عليه الص‪00‬الة والس‪00‬الم إلى في‪00‬ه)‪ 5‬وفس‪00‬ر‬
‫الميل بمرود المكحلة‪ ،‬وبالمس‪00‬احة المخصوص‪00‬ة‪ .‬ق‪0‬ال س‪00‬ليم بن ع‪00‬امر‪ :‬وهللا م‪00‬ا أدري م‪00‬ا‬
‫يعني الميل‪ :‬أمس‪00‬افة األرض أو المي‪00‬ل ال‪00‬ذي يكحت‪00‬ل ب‪00‬ه؟ واأل ّول أق‪00‬رب‪ .6‬وحقوي‪00‬ه‪ :‬تثني‪00‬ة‬
‫حق‪00‬و‪ ،‬وه‪00‬و الكش‪00‬ح ال‪00‬ذي بين الخاص‪00‬رة إلى الض‪00‬لع الخل‪00‬ف‪ ،‬وكس‪00‬ؤال المالئك‪00‬ة لهم عن‬
‫رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم قال‪( :‬يغفر للشهيد كل ذنب إال الدين)‪.‬‬
‫الس ‪َ 0‬ما ِء إِلَى اأْل َ ْر ِ‬
‫ض ثُ َّم يَ ْع‪ُ 0‬ر ُج إِلَ ْي ‪ِ 0‬ه فِي يَ‪ْ 0‬‬
‫‪0‬و ٍم َك‪00‬انَ‬ ‫‪ 1‬وهي قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬يُ ‪َ 0‬دبِّ ُر اأْل َ ْم‪َ 0‬ر ِمنَ َّ‬
‫سنَ ٍة ِم َّما تَ ُعدُّونَ ) (السجدة‪.)5:‬‬ ‫ِم ْقدَا ُرهُ أَ ْلفَ َ‬
‫س‪00‬نَ ٍة)‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سينَ ألفَ َ‬ ‫وح إِلَ ْي ِه فِي يَ ْو ٍم َكانَ ِم ْقدَا ُرهُ َخ ْم ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫‪ 2‬وهي قوله تعالى‪( :‬تَ ْع ُر ُج ال َمالئِ َكة َو ُّ‬
‫(المع‪0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000‬ارج‪0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000)40:‬‬
‫‪.‬‬
‫قول‪00‬ه "وه‪00‬و" ال‪00‬واو بمع‪00‬نى أو؛ ألن‪00‬ه ج‪00‬واب آخ‪00‬ر عن التن‪00‬افي الواق‪00‬ع بين اآلي‪00‬تين‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أجهوري‪.‬‬
‫‪ 4‬أخرج ابو يعلى في مسنده رقم (‪ )1386‬عن أبي سعيد الخ‪00‬دري رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى عن‪00‬ه‬
‫قال‪ :‬قيل‪ :‬يا رسول هللا يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول ه‪00‬ذا! فق‪00‬ال رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم‪( :‬والذي نفس محمد بيده إنه لتخفف على الم‪00‬ؤمن ح‪00‬تى يك‪00‬ون أخ‪00‬ف علي‪0‬ه‪0‬‬
‫من صالة مكتوبة يصليها في الدنيا)‪ 0‬قال الهيثمي في مجمع الزوائ‪00‬د كت‪0‬اب‪ 0‬البعث‪ 0،‬إس‪00‬ناده حس‪00‬ن‬
‫على ضعف راويه‪.‬‬
‫‪ 5‬أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (‪ )2864‬عن المقداد بن األسود‪.‬‬
‫‪ 6‬والظاهر أنه كناية عن شدة قربها وحرارتها‪.‬‬
‫‪314‬‬
‫سؤُولُونَ ) (الصافات‪ )24:‬وكش‪00‬هادة‬ ‫(وقِفُو ُه ْم إِنَّ ُه ْم َم ْ‬
‫أعمالهم وتفريطهم فيها‪ .‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫األلس‪00‬نة واألي‪00‬دي واألرج‪00‬ل والس‪00‬مع والبص‪00‬ر والجل‪00‬د واألرض واللي‪00‬ل والنه‪00‬ار والحفظ‪0‬ة‪0‬‬
‫الكرام‪.‬‬
‫‪0‬ائر الص‪00‬لحاء‪ ،‬لقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬ال‬
‫وال ينال شيء مما ذكر األنبي‪00‬اء واألولي‪00‬اء وال س‪َ 0‬‬
‫ع اأْل َ ْكبَ ُر) (األنبياء‪ :‬من اآلية‪ )103‬فهم آمنون من عذاب هللا‪ ،‬لكنهم يخ‪00‬افون‬
‫يَ ْح ُزنُ ُه ُم ا ْلفَ َز ُ‬
‫ربهم خوف إجالل وإعظام‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه ح‪00‬ق) أي ث‪00‬ابت ال محال‪00‬ة‪ ،‬فيجب اإليم‪00‬ان ب‪00‬ه ل‪00‬وروده في الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‬
‫وإجماع المسلمين عليه‪.‬‬
‫‪{ -185‬عالمات الساعة ووجوب اإليمان بها}‬
‫وكذا يجب اإليمان بعالماته المتواترة؛ فمن عالماته الصغرى ما قد وقع ومنها م‪00‬ا‬
‫لم يقع‪ ،‬وعالماته الكبرى عش‪0‬رة‪ ،1‬أوله‪00‬ا‪ :‬ظه‪00‬ور المه‪00‬دي‪ ،‬ثم خ‪00‬روج ال‪00‬دجال‪ ،‬ثم ن‪0‬زول‬
‫عيس‪00‬ى ابن م‪00‬ريم‪ ،‬ثم خ‪00‬روج ي‪00‬أجوج وم‪00‬أجوج‪ ،‬وخ‪00‬روج الداب‪00‬ة ال‪00‬تي تكتب بين عي‪00‬ني‬
‫المؤمن مؤمنا ً فيضيئ وجهه‪ ،‬وبين عيني الكافر ك‪00‬افراً فيس ‪ّ 0‬ود وجه ‪0‬هُ‪ ،‬وطل‪00‬وع الش‪00‬مس‬
‫من مغربها‪ ،‬وظهور الدخان يمكث في األرض اربعين يوما ً يخرج من أنف الكافر وعيني‪0‬ه‬
‫وأذنيه ودبره حتى يصير كالسكران‪ ،‬ويصيب المؤمن منه كهيئ‪00‬ة الزك‪00‬ام‪ .‬وخ‪00‬راب الكعب‪00‬ة‬
‫على أيدي الحبشة بعد موت عيسى‪ ،‬ورفع القرآن من المصاحف والصدور‪ .‬ورجوع أه‪00‬ل‬
‫األرض كلهم كفاراً‪ ،‬و(قوله فخفف يا رحيم واسعف) بوصل الهمزة للضرورة فإنها همزة‬
‫قطع‪ :‬أي خفف يا رحيم هوله وأعن‪00‬ا علي‪00‬ه‪ .‬ومن أس‪0‬باب تخفيف‪0‬ه واإلعان‪00‬ة علي‪0‬ه‪ :‬قض‪00‬اء‬
‫الحوائج للمسلمين وتفريج الكرب عنهم‪ ،‬وإشباع الجائع‪ ،‬وإيواء ابن السبيل‪.‬‬

‫‪{ -186‬أخذ العباد الصحف حق}‬


‫‪ 1‬أخ‪00‬رج مس‪00‬لم في كت‪00‬اب الفتن وأش‪00‬راط الس‪00‬اعة ب‪00‬رقم (‪ )2901‬عن حذيف‪00‬ة بن أس‪00‬يد‬
‫الغف‪00‬اري ق‪00‬ال‪ :‬اطل‪00‬ع علين‪00‬ا رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ونحن نت‪00‬ذاكر‪ .‬فق‪00‬ال‪( :‬م‪00‬ا‬
‫تذكرون؟) قالوا‪ :‬نذكر الساعة‪ .‬قال‪( :‬إنها لن تقوم حتى ترون قبله‪0‬ا عش‪00‬ر آي‪00‬ات) ف‪0‬ذكر ال‪0‬دخان‪0‬‬
‫والدجال والداب‪00‬ة‪ ،‬وطل‪00‬وع الش‪00‬مس من مغربه‪00‬ا‪ ،‬ون‪00‬زول عيس‪00‬ى بن م‪00‬ريم‪ ،‬وي‪00‬أجوج وم‪00‬أجوج‪،‬‬
‫وثالثة خسوف‪ :‬خسف بالمش‪00‬رق وخس‪0‬ف ب‪0‬المغرب‪ ،‬وخس‪0‬ف بجزي‪00‬رة الع‪0‬رب‪ ،‬وآخ‪00‬ر ذل‪0‬ك ن‪0‬ار‪0‬‬
‫تخرج من اليمن تطرد الناس‪ 0‬إلى محشرهم‪.‬‬
‫ومن أراد التفص‪00‬يل فل‪00‬يرجع إلى كت‪00‬اب الفتن‪ 0‬وأش‪00‬راط الس‪00‬اعة‪ 0‬من كتب الس‪00‬نة المش‪00‬رفة‬
‫والكتب المؤلفة في أشراط الساعة‪.‬‬
‫‪315‬‬
‫‪-104‬وواجب أخذ العباد الصحفا ‪ ##‬كما من القرآن نصا ً عرفا‬
‫(قول‪00‬ه وواجب أخ‪00‬ذ العب‪00‬اد الص‪00‬حفا) “ واجب “ خ‪00‬بر مق‪00‬دم “ “ وأخ‪00‬ذ العب‪00‬اد “‬
‫مبت‪00‬دأ م‪00‬ؤخر‪ ،‬واألص‪00‬ل‪ :‬وأخ‪00‬ذ العب‪00‬اد الص‪00‬حفا واجب‪ :‬أي س‪00‬معا ً ل‪00‬وروده كتاب ‪0‬ا ً وس‪00‬نة‪،‬‬
‫والنعقاد اإلجماع عليه‪ ،‬فيجب اإليمان به‪ ،‬ومن أنكره كف‪00‬ر؛ والم‪00‬راد من الص‪00‬حف‪ :‬الكتب‬
‫التي كتبت فيها المالئكة ما فعله العباد في الدنيا‪ ،‬واألحاديث صريحة الظ‪00‬واهر في أن ك‪00‬ل‬
‫مكلف له صحيفة واحدة يوم القيامة مع أنها كانت متعددة في الدنيا كما يدل عليه ح‪00‬ديث‪:‬‬
‫(ما من م‪00‬ؤمن إال ول‪00‬ه ك‪00‬ل ي‪00‬وم ص‪00‬حيفة‪ ،‬ف‪00‬إذا ط‪00‬ويت وليس فيه‪00‬ا اس‪00‬تغفار ط‪00‬ويت وهي‬
‫سوداء مظلمة‪ ،‬وإذا طويت وفيها اس‪00‬تغفار ط‪00‬ويت وله‪00‬ا ن‪00‬ور يتألأل‪ )1‬وق‪00‬د اختل‪00‬ف فقي‪00‬ل‪:‬‬
‫توصل صحف األيام والليالي‪ ،‬وقيل‪ :‬ينسخ ما في جميعها في صحيفة واحدة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إذا كان كل مكلف له صحيفة واحدة ي‪00‬وم القيام‪00‬ة‪ ،‬فلم جمعه‪00‬ا المص‪00‬نف؟‬
‫أجيب بأنه جمعها في مقابلة جمع العباد‪ ،‬فهو من مقابلة الجم‪00‬ع ب‪00‬الجمع‪ ،‬فتقس‪00‬م اآلح‪00‬اد‬
‫على اآلح‪00‬اد‪ ،‬وظ‪00‬واهر اآلي‪00‬ات واآلح‪00‬اديث ش‪00‬اهدة بعموم‪00‬ه لجمي‪00‬ع األمم‪ ،‬نعم األنبي‪00‬اء ال‬
‫يأخذون صحفا ً‪ ،‬وكذا المالئكة لعصمتهم‪ ،‬ومن يدخل الجنة بغير حساب ورئيسهم أبو بكر‬
‫الصديق رضي هللا تعالى عنه‪ ،‬ولم يذكر المصنف من يدفع الصحف للعباد‪.‬‬
‫وق‪00‬د ورد أن ال‪00‬ريح تُطيِّره‪00‬ا من خزان‪00‬ة تحت الع‪00‬رش فال تخطئ ص‪00‬حيفة عن‪00‬ق‬
‫صاحبها‪ ،2‬وورد أيضا ً أن كل أحد يدعى فيعطى كتاب‪00‬ه‪ ،‬فحص‪00‬ل التع‪00‬ارض بين الرواي‪00‬تين‪،‬‬
‫وجمع بينهما بأن الريح تطيرها أوالً من الخزان‪00‬ة فتتعل‪00‬ق ك‪00‬ل ص‪00‬حيفة بعن‪00‬ق ص‪00‬احبها ثم‬
‫تناديهم المالئك‪00‬ة فتأخ‪0‬ذها من أعن‪0‬اقهم وتعطيه‪00‬ا لهم في أي‪0‬ديهم؛ ف‪0‬المؤمن المطي‪0‬ع يأخ‪00‬ذ‬
‫كتاب‪00‬ه بيمين‪00‬ه‪ ،‬والك‪00‬افر يأخ‪00‬ذه بش‪00‬ماله من وراء ظه‪00‬ره‪ .‬وأم‪00‬ا الم‪00‬ؤمن الفاس‪00‬ق فج‪00‬زم‬
‫الماوردي بأنه يأخذه بيمينه‪ .‬قال‪ :‬وهو المش‪00‬هور‪ ،‬ثم حكى ق‪00‬والً ب‪00‬الوقف‪ ،‬ق‪00‬ال‪ :‬وال قائ‪00‬ل‬
‫أنه يأخذه بشماله‪ .‬وفي كالم بعضهم‪ :‬أن هناك قوالً بأن‪00‬ه يأخ‪00‬ذه بش‪00‬ماله‪ .‬واختل‪00‬ف‪ :‬فقي‪00‬ل‬
‫يأخذه قبل دخول النار‪ ،‬وقيل‪ :‬بعد خروجه منها‪.‬‬
‫وأول من يعطى كتابه بيمينه مطلقا ً عمر بن الخطاب رضي هللا تعالى عنه‪ ،‬وبعده‬
‫أبو سلمة عبد هللا بن عبد األسد‪ ،‬وأول من يأخذه بشماله أخوه األسود بن عبد األسد ألنه‬
‫أول من بادر النبي صلى هللا عليه وآله وسلم ب‪00‬الحرب ي‪00‬وم ب‪00‬در‪ .‬وق‪00‬د روي أن‪00‬ه يم‪ّ 0‬د ي‪00‬ده‬
‫ليأخذه بيمينه فيجذبه مل‪00‬ك فيخل‪00‬ع ي‪00‬ده‪ ،‬فيأخ‪00‬ذه بش‪00‬ماله من وراء ظه‪00‬ره‪( .‬قول‪00‬ه كم‪00‬ا من‬
‫القرآن نصا ً عرفا) أي كأألخذ الذي عرف من القرآن ح‪00‬ال كون‪00‬ه منصوص‪0‬اً‪ ،‬فـ “ نص‪0‬ا ً “‬
‫بمعنى منصوصاً‪ ،‬حال من ضمير “ عرفا “ المبني للمفعول‪ ،‬وهو صلة الموص‪00‬ول‪ ،‬و “‬
‫من القرآن “ متعلق به قدم عليه الس‪00‬تقامة ال‪00‬وزن؛ وذل‪00‬ك كقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬فَأ َ َّما َمنْ أُوتِ َي‬
‫س ‪0‬ابِيَ ْه) (الحاق‪00‬ة‪)20-19:‬‬ ‫الق ِح َ‬ ‫ِكتَابَهُ بِيَ ِمينِ ِه فَيَقُو ُل هَا ُؤ ُم ا ْق َرأوا ِكتَابِيَ ‪ْ 0‬ه‪ ،‬إِنِّي ظَنَ ْنتُ أَنِّي ُم ٍ‬
‫ش َمالِ ِه فَيَقُو ُل يَا لَ ْيتَنِي لَ ْم أُوتَ ِكتَابِيَ ْه‪َ ،‬ولَ ْم أَ ْد ِر َما ِح َ‬
‫سابِيَ ْه‪ ،‬يَ‪0‬ا لَ ْيتَ َه‪00‬ا‬ ‫( َوأَ َّما َمنْ أُوتِ َي ِكتَابَهُ بِ ِ‬

‫‪ 1‬لم أجده‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه العقيلي‪ 0‬في الضعفاء‪ )4/466( 0‬من طريق نعيم بن سالم عن أنس قال ابن حيان‬
‫في المج‪00‬روحين (‪ )3/145‬نعيم بن س‪00‬الم يض‪00‬ع الح‪00‬ديث عن أنس بن مال‪00‬ك‪ 0،‬وروي عن‪00‬ه نس‪00‬خة‬
‫موضوعة‪.‬‬
‫‪316‬‬
‫اضيَةَ) (الحاقة‪ )27-25 :‬فيقول األول أله‪00‬ل المحش‪0‬ر فرح‪00‬ا‪َ ( :‬ه‪00‬اؤم) أي خ‪00‬ذوا‪،‬‬ ‫ت ا ْلقَ ِ‬‫َكانَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فهو اسم فع‪00‬ل لجماع‪00‬ة ال‪00‬ذكور (اق‪َ 0‬رأوا ِكتَابِيَ‪ْ 0‬ه‪ ،‬إِنِّي ظنَ ْنتُ ) أي علمت‪ ،‬ألن‪00‬ه ج‪00‬ازم‪( :‬أنِّي‬
‫سابِيَ ْه) ويقول الثاني لما يرى من سوء عاقبته (يَ‪00‬ا لَ ْيتَنِي لَ ْم أُوتَ ِكتَابِيَ ‪ْ 0‬ه‪َ ،‬ولَ ْم أَ ْد ِر‬ ‫الق ِح َ‬
‫ُم ٍ‬
‫اض ‪0‬يَة) أي القاطع ‪0‬ة‪ 0‬ألم‪00‬ره فلم يبعث‬ ‫سابِيَ ْه‪ ،‬يَا ل ْيتَها) أي الموتة التي ماتها ( َكانَت القَ ِ‬ ‫َما ِح َ‬
‫ص‪0‬لَى‬ ‫ُ‬
‫س‪ْ 0‬وفَ يَ‪ْ 0‬دعُو ثبُ‪00‬وراً‪َ ،‬ويَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫بعدها‪ ،‬وكقوله تعالى‪َ ( :‬وأ َّما َمنْ أوتِ َي ِكتَابَهُ َو َرا َء ظ ْه‪ِ 0‬ر ِه‪ ،‬ف َ‬
‫س ِعيراً) (االنشقاق‪ )12-9 :‬وظاهر كالمهم أن القراءة حقيقة‪ 0‬وه‪00‬و ال‪00‬راجح‪ ،‬وقي‪00‬ل مج‪00‬از‬ ‫َ‬
‫عن علم كل أحد بما له وعليه‪ ،‬ويقرأ كل أحد كتابه ولو كان أمياً‪ ،‬لكن من اآلخذين من لم‬
‫يق‪00‬را كتاب‪00‬ه ذه‪00‬والً ودهش‪00‬ة الش‪00‬تماله على القب‪00‬ائح‪ ،‬والم‪00‬ؤمن يأتي‪00‬ه كتاب‪00‬ه أبيض بكتاب‪00‬ة‬
‫بيضاء ويأخذه بيمينه فيقرئه في‪0‬بيض وجه‪0‬ه‪ ،‬والك‪0‬افر يأتي‪0‬ه كتاب‪0‬ه أس‪0‬ود بكتاب‪0‬ة س‪0‬وداء‬
‫فيقرؤه فيس ّود وجهه كما ذكره المصنف في كب‪0‬يره‪ ،‬وال‪0‬ذي ذك‪0‬ره الش‪0‬يخ عب‪0‬د الس‪0‬الم أن‬
‫ابيض وجه‪00‬ه والك‪00‬افر بض‪ّ 0‬د ذل‪00‬ك‪ .‬انتهى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أول سطر من صحيفة المؤمن أبيض فإذا ق‪00‬رأه‬
‫ويمكن ترجيع كالمه لكالم والده بأن يقال‪ :‬ال مفه‪0‬وم‪ 0‬لقول‪0‬ه‪ :‬أ َّول س‪0‬طر‪ ،‬ب‪0‬ل مثل‪0‬ه الب‪0‬اقي‬
‫فتأمل‪.‬‬

‫‪-105‬ومثل هذا الوزن والميزان ‪ ##‬فتوزن الكتب أو األعيان‬

‫‪317‬‬
‫‪{ -187‬الوزن والميزان حق}‬
‫(قول‪00‬ه ومث‪00‬ل ه‪00‬ذا ال‪00‬وزن والم‪00‬يزان) أي ومث‪00‬ل أخ‪00‬ذ العب‪00‬اد الص‪00‬حف في الوج‪00‬وب‬
‫السمعي‪ :‬وزن أفعال العباد والميزان‪ .‬وهو م‪00‬يزان واح‪00‬د على ال‪00‬راجح ل‪00‬ه قص‪00‬بة وعم‪00‬ود‬
‫وكفتان كل واحدة منهما أوسع من طباق السموات واألرض‪ ،‬وجبريل آخذ بعموده الناظر‬
‫إلى لسانه وميكائيل أمين عليه‪ ،‬ومحله بعد الحساب‪ .‬وقيل‪ :‬لكل عامل موازين يوزن بك‪00‬ل‬
‫(وا ْل َو ْزنُ يَ ْو َمئِ ‪ٍ 0‬ذ ا ْل َح‪ 0‬قُّ) (األع‪00‬راف‪:‬‬ ‫منها صنف من عمله‪ ،‬ويدل على الوزن قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫سط لِيَ ْو ِم القِيَا َم‪ِ 0‬ة) (األنبي‪00‬اء‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ض ُع ا ْل َم َوا ِزينَ القِ ْ‬
‫ْ‬ ‫من اآلية‪ )8‬وعلى الميزان قوله تعالى‪َ ( :‬ونَ َ‬
‫من اآلية‪ )47‬وقول‪000‬ه تع‪000‬الى‪( :‬فَ َمنْ ثَقُلَتْ َم َوا ِزينُ‪000‬هُ فَأُولَئِ‪000‬كَ ُه ُم ا ْل ُم ْفلِ ُح‪ 000‬ونَ ‪َ ،‬و َمنْ َخفتَّْ‬
‫س ُه ْم) (المؤمن‪00‬ون‪ )103-102 :‬وخف‪00‬ة الم‪00‬وزون وثقل‪00‬ه‬ ‫َم َوا ِزينُهُ فَأُولَئِكَ الَّ ِذينَ َخ ِ‬
‫س ُروا أَ ْنفُ َ‬
‫على صورته في الدنيا‪ ،‬وقيل على عكس ص‪00‬ورته في ال‪00‬دنيا‪ ،‬فالثقي‪00‬ل يص‪00‬عد إلى األعلى‪،‬‬
‫الص‪0‬الِ ُح يَ ْرفَ ُع‪0‬هُ) (ف‪00‬اطر‪ :‬من اآلية‪)10‬‬ ‫(وا ْل َع َم‪ُ 0‬ل َّ‬ ‫والخفيف ينزل إلى أسفل‪ ،‬لقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫والجم‪00‬ع فيم‪00‬ا ذك‪00‬ر للتعظيم‪ ،‬على المش‪00‬هور من أن‪00‬ه م‪00‬يزان واح‪00‬د لجمي‪00‬ع األمم ولجمي‪00‬ع‬
‫األعمال؛ وقد بلغت أحاديثه مبلغ التواتر‪ ،‬فيجب اإليم‪00‬ان ب‪00‬ه ونمس‪00‬ك عن تع‪00‬يين حقيقت‪00‬ه‪،‬‬
‫وال يكون الوزن في حق كل أحد‪ ،‬ألنه ال يكون لألنبياء والمالئكة ومن ي‪00‬دخل الجن‪00‬ة بغ‪00‬ير‬
‫حساب‪ ،‬فإنه فرع عن الحساب‪ ،‬وال مانع من وزن سيئات الكفار ليجازوا عليها بالعق‪00‬اب‪،‬‬
‫فقوله تعالى (فَال نُقِي ُم لَ ُه ْم يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة َو ْزن‪0‬اً) (الكه‪00‬ف‪ :‬من اآلية‪ )105‬معن‪00‬اه‪ :‬ال نقيم لهم‬
‫يوم القيامة وزنا ً نافعا ً‪.1‬‬
‫فإن قيل وزن أعمال المؤمنين وجهه ظاهر إذ له من الحسنات ما يقاب‪00‬ل الس‪00‬يئات‪،‬‬
‫وأم‪00‬ا الكف‪00‬ار فليس لهم حس‪00‬نات ح‪00‬تى تقاب‪00‬ل بهم س‪00‬يئاتهم! أجيب بأن‪00‬ه يك‪00‬ون منهم ص‪00‬لة‬
‫الرحم ومواساة الناس وعتق المماليك ونحوها من األعمال ال‪00‬تي ال تتوق‪00‬ف ص‪00‬حتها على‬
‫نية‪ ،‬فتُجعل هذه األمور –إن صدرت منهم‪ -‬في مقابل‪00‬ة س‪00‬يئاتهم غ‪00‬ير الكفر‪ ،2‬أم‪00‬ا ه‪00‬و فال‬
‫فائدة في وزنه‪ ،‬ألن عذابه دائم‪ ،‬وفي كالم القرطبي ما يصرح بوزنه حيث قال‪ :‬فتجمع له‬
‫هذه األمور وتوضع في ميزانه –يعني الكافر‪ -‬فيرجح الكفر بها‪.3‬‬
‫‪{ -188‬والموزون قيل هي كتب األعمال ‪ ،‬وقيل هي األعمال نفسها}‬
‫(قول‪00‬ه فت‪00‬وزن الكتب أو األعي‪00‬ان) أش‪00‬ار ب‪00‬ذلك إلى اختالف العلم‪00‬اء في الم‪00‬وزون‪،‬‬
‫فذهب جمهور المفسرين إلى أن الموزون الكتب ال‪00‬تي اش‪00‬تملت على أعم‪00‬ال العب‪00‬اد‪ ،‬بن‪00‬اء‬
‫على أن الحس‪00‬نات مم‪00‬يزة بكت‪00‬اب والس‪00‬يئات ب‪00‬آخر‪ ،‬ويش‪00‬هد ل‪00‬ه ح‪00‬ديث البطاق‪00‬ة –بكس‪00‬ر‬
‫‪ 1‬التحقيق أن عدم إقامة ال‪00‬وزن كناي‪00‬ة عن الحق‪00‬ارة‪ 0‬وع‪00‬دم المب‪00‬االة‪ 0،‬يق‪00‬ال‪ :‬ال يق‪00‬ام لفالن‬
‫وزن‪ ،‬أو ال يقام لكالمه وزن كناية عن الحقارة وعدم االعتداد والمباالة به أو بكالمه ويؤيده م‪00‬ا‬
‫أخرجه البخاري في التفسير‪ 0‬رقم (‪ )4729‬ومسلم في كت‪00‬اب ص‪00‬فات المن‪00‬افقين رقم (‪ )2785‬عن‬
‫أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم قال‪( :‬إنه ليأتي‪ 0‬الرجل‬
‫العظيم السمين يوم القيامة‪ 0‬ال يزن عند هللا جناح بعوضة) وقال‪( :‬اقرؤوا إن ش‪00‬ئتم (فَال نُقِي ُم لَ ُه ْم‬
‫يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِ‪0‬ة َو ْزناً) (الكهف‪ :‬من اآلية‪.)105‬‬
‫‪ 2‬فيخفف عنهم بذلك‪ .‬راجع تفصيل المسألة‪ 0‬والخالف فيها فتح الباري (‪.)9/49‬‬
‫‪ 3‬راجع التذكرة للقرطبي‪.)240-239( 0‬‬
‫‪318‬‬
‫الموحدة‪ -‬وهي‪ :‬ورقة صغيرة‪ .‬وحديثها‪ :‬ما روي عن عبد هللا بن عم‪00‬رو بن الع‪00‬اص عن‬
‫رسول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم أن‪00‬ه ق‪00‬ال‪( :‬إن هللا يس‪00‬تخلص رجالً من أم‪00‬تي على‬
‫ش ُر عليه تسعة وتسعون سجالً كل سجل منه‪00‬ا م‪00‬د البص‪00‬ر‬ ‫رؤوس الخالئق يوم القيامة فيُ ْن َ‬
‫ثم يقول‪ :‬أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول‪ :‬ال يا رب‪ ،‬فيقول‪ :‬ألك عذر‬
‫فيقول‪ :‬ال يارب‪ ،‬فيقول‪ :‬ألك حسنة؟ فيقول‪ :‬ال ي‪00‬ا رب‪ ،‬فيق‪00‬ول‪ :‬بلى إن ل‪0‬ك عن‪0‬دنا لحس‪0‬نة‬
‫وإنه ال ظلم عليك؛ فتخ‪0‬رج ل‪00‬ه بطاق‪00‬ة كاألنمل‪00‬ة فيه‪00‬ا “ أش‪00‬هد أن ال إل‪00‬ه إال هللا وأش‪00‬هد أن‬
‫محمداً رسول هللا “ فيقول‪ :‬يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجالت؟ فيقال‪ :‬إنك ال تظلم‪،‬‬
‫فتوضع السجالت في كفة والبطاقة في كفة‪ ،‬فطاشت الس‪00‬جالت وثقلت البطاق‪00‬ة‪ ،‬وال يثق‪00‬ل‬
‫مع اسم هللا شيء)‪1‬وهذا ليس لكل عبد بل لعبد أراد هللا به خيراً‪.‬‬
‫وذهب بعضهم إلى أن الموزون أعيان األعمال‪ ،‬فتص ّور األعمال الصالحة بص‪00‬ورة‬
‫حسنة نوارنية‪ ،‬ثم تطرح في كف‪0‬ة الن‪00‬ور وهي اليم‪00‬نى المع‪0‬دّة للحس‪00‬نات فتثق‪0‬ل بفض‪0‬ل هللا‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وتص ّور األعمال السيئة بصورة قبيحة ظلمانية ثم تطرح في كفة الظلمة‬
‫وهي الشمال المعدّة للسيئات فتخف‪ ،‬وهذا في المؤمن‪ .‬وأما الكافر فتخف حسناته وتثق‪00‬ل‬
‫سيئاته بعدل هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وال يرد أن في ذل‪00‬ك قلب الحق‪00‬ائق‪ ،‬وه‪00‬و ممتن‪00‬ع ألن امتن‪00‬اع قلب الحق‪00‬ائق مختص‬
‫بأقسام الحكم العقلي‪ ،‬فال ينقلب الواجب جائزاً مثال‪ ،‬وأما انقالب المعنى جرم‪0‬ا ً فال يمتن‪00‬ع‪.‬‬
‫وقي‪00‬ل‪ :‬يخل‪00‬ق هللا أجس‪00‬اما ً على ع‪00‬دد تل‪00‬ك األعم‪00‬ال من غ‪00‬ير قلب له‪00‬ا‪ ،‬قي‪00‬ل‪ :‬وق‪00‬د ي‪00‬وزن‬
‫الشخص نفس‪00‬ه‪ ،‬لح‪00‬ديث ابن مس‪00‬عود‪( :2‬رجل‪00‬ه في الم‪00‬يزان أثق‪00‬ل من جب‪00‬ل أح‪00‬د)‪ .‬وفائ‪00‬دة‬
‫الوزن‪ :‬جعله عالمة ألهل السعادة والشقاوة‪ ،‬وتعريف العباد ما لهم وما عليهم من الخ‪00‬ير‬
‫والشر‪ ،‬وإقامة الحجة عليهم‪.‬‬

‫‪{ -189‬الصراط حق والناس مختلفون في المرور عليه}‬

‫‪ 1‬أخرجه ابن حبان في صحيحه كتاب اإليمان‪ 0‬رقم (‪ )225‬والترم‪00‬ذي في كت‪00‬اب العلم رقم‬
‫‪ )2639‬وابن ماجة في الزهد رقم (‪ )4300‬واإلمام أحمد (‪.)2/213‬‬
‫‪ 2‬أخرج‪00‬ه أحم‪00‬د (‪ )1/421‬وأب‪00‬و يعلى في مس‪00‬نده من طري‪00‬ق عاص‪00‬م بن أبي النج‪00‬ود ق‪00‬ال‬
‫الهيثمي‪ :‬وهو حسن على ضعفه وبقية رجالها‪ 0‬رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪319‬‬
‫‪-106‬كذا الصراط فالعباد مختلف ‪ ##‬مرورهم فسالم ومنتلف‬
‫(قوله كذا الصراط) ك‪00‬ذا‪ :‬خ‪00‬بر مق‪00‬دم‪ ،‬والص‪00‬راط‪ :‬مبت‪00‬دأ م‪00‬ؤخر‪ :‬أي الص‪00‬راط مث‪00‬ل‬
‫المذكور من أخذ العباد الصحف وال‪00‬وزن والم‪00‬يزان في الوج‪00‬وب الس‪00‬معي –وه‪00‬و بالص‪00‬اد‬
‫أوبالسين أو بالزاي المحض‪00‬ة أو باإلش‪00‬مام‪ ،‬وق‪00‬رئ في الس‪00‬بع بم‪00‬ا ع‪00‬دا ال‪00‬زاي المحض‪00‬ة‪-‬‬
‫ومعناه لغة‪ :‬الطريق الواضح‪ ،‬مأخوذ من صرطه يصرطه إذا ابتلع‪00‬ه‪ ،‬ألن‪00‬ه يبتل‪00‬ع الم‪00‬ارة‪.‬‬
‫وش‪00‬رعاً‪ :‬جس‪00‬ر مم‪00‬دود على متن جهنم ي‪00‬رده األ ّول‪00‬ون واآلخ‪00‬رون ح‪00‬تى الكف‪00‬ار‪ ،‬خالف ‪0‬ا ً‬
‫للحليمي حيث ذهب إلى أنهم ال يمرون عليه‪ ،‬ولعله أراد الطائفة التي ترمى في جهنم من‬
‫الموقف بال صراط‪ :‬وشمل ما ذكر‪ ،‬النبيين والصديقيين ومن ي‪00‬دخل الجن‪00‬ة بغ‪00‬ير حس‪00‬اب‪،‬‬
‫وكلهم ساكتون إال األنبياء فيقولون‪ :‬اللهم سلم سلم؛ كما في الصحيح‪.1‬‬
‫وفي بعض الرواي‪00‬ات‪ :‬أن‪00‬ه أدق من الش‪00‬عرة وأح ‪ّ 0‬د من الس‪00‬يف؟ وه‪00‬و المش‪00‬هور‪،‬‬
‫ونازع في ذلك العز بن عبد الس‪00‬الم والش‪00‬يخ الق‪00‬رافي وغيرهم‪00‬ا كالب‪00‬در الزركش‪00‬ي ق‪00‬الوا‪:‬‬
‫وعلى فرض صحته فهو محمول على غير ظاهره بأن يؤول بأنه كناية عن ش‪00‬دة المش‪00‬قة‬
‫وحينئ‪00‬ذ فال ين‪00‬افي م‪00‬ا ورد من األح‪00‬اديث الدال‪00‬ة على قي‪00‬ام المالئك‪00‬ة على جنبي‪00‬ه وك‪00‬ون‬
‫الكالليب فيه‪ .‬زاد القرافي‪ :‬والص‪00‬حيح أن‪00‬ه ع‪00‬ريض وفي‪00‬ه طريق‪00‬ان يم‪00‬نى ويس‪00‬رى‪ ،‬فأه‪00‬ل‬
‫السعادة يسلك بهم ذات اليمين وأه‪00‬ل الش‪00‬قاوة يس‪00‬لك بهم ذات الش‪00‬مال‪ ،‬وفي‪00‬ه طاق‪00‬ات ك‪00‬ل‬
‫طاقة تنفذ إلى طبقة من طبقات جهنم‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إنه يدق ويتسع بحسب ض‪00‬يق الن‪00‬ور‬
‫وانتشاره‪ ،‬فعرض صراط كل أحد بقدر انتش‪00‬ار ن‪00‬وره‪ ،‬ف‪00‬إن ن‪00‬ور ك‪00‬ل إنس‪00‬ان ال يتع‪00‬داه إلى‬
‫غيره‪ ،‬فال يمشي أحد في نور أح‪0‬د‪ ،‬ومن هن‪0‬ا ك‪0‬ان دقيق‪0‬ا ً في ح‪0‬ق ق‪0‬وم وعريض‪0‬ا ً في ح‪0‬ق‬
‫آخرين‪ ،‬وطوله ثالث‪00‬ة آالف س‪00‬نة‪ :‬أل‪00‬ف ص‪00‬عود‪ ،‬وأل‪00‬ف هب‪00‬وط‪ ،‬وأل‪00‬ف اس‪00‬تواء‪ .‬وفي كالم‬
‫الشيخ األكبر ما يفيد عدم التعويل على ظاهر هذه اآلالف‪ ،‬مع أن مآله االمتداد للعل ّو ح‪0‬تى‬
‫يوصل للجن‪00‬ة فإنه‪00‬ا عالي‪00‬ة ج‪00‬داً؛ وأف‪00‬اد الش‪00‬عراني أن‪00‬ه ال يوص‪00‬ل له‪00‬ا حقيق‪00‬ة‪ ،‬ب‪00‬ل يوص‪00‬ل‬
‫لمرجها الذي فيه الدرج الموصل لها‪ .‬قال‪ :‬يوض‪00‬ع لهم هن‪00‬اك مائ‪00‬دة‪ .‬ق‪00‬ال‪ :‬ويق‪00‬وم أح‪00‬دهم‬
‫فيتناول مما تدلي هناك من ثمار الجنة‪.‬‬
‫ص َراط) (يّـس‪ :‬من اآلية‪ )66‬والس‪00‬نة‪:‬‬ ‫وقد ورد به الكتاب‪ :‬قال تعالى‪( :‬فَا ْ‬
‫ستَبَقُوا ال ِّ‬
‫قال صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول‬
‫من يجوز) واتفقت الكلمة عليه في الجملة‪ .‬أي بقط‪00‬ع النظ‪00‬ر عن إبقائ‪00‬ه على ظ‪00‬اهره كم‪00‬ا‬
‫هو مذهب أهل السنة‪ ،‬وصرفه عنه كما هو مذهب كثير من المعتزلة؛ فإنهم ذهبوا إلى أن‬
‫المراد به طريق الجنة وطريق النار‪ .‬وقيل‪ :‬المراد به األدلة الواضحة‪ ،‬وجبري‪00‬ل في أول‪00‬ه‬
‫وميكائيل في وسطه يسأالن الناس عن عمرهم فيما أفنوه وعن شبابهم فيم‪00‬ا أبل‪00‬وه وعن‬
‫علمهم ماذا عملوا به‪ ،‬وفي حافتيه كالليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به‪.‬‬
‫(قوله فالعباد مختلف مرورهم) أي إذا علمت أن الص‪0‬راط واجب؛ ف‪0‬اعلم أن العب‪0‬اد‬
‫متفاوت م‪00‬رورهم علي‪00‬ه في س‪00‬رعة النج‪00‬اة وع‪00‬دمها‪ ،‬فليس‪00‬وا في الم‪00‬رور علي‪00‬ه على ح‪ّ 0‬د‬

‫‪ 1‬حديث الصراط والمرور عليه –وهو حديث طويل‪ -‬أخرجه البخاري في كتاب اإليمان‪0‬‬
‫(‪ )806‬ومسلم في كتاب اإليمان‪ 0‬برقم (‪ )182‬وأحمد (‪.)534-533-276-3/275‬‬
‫‪320‬‬
‫سواء‪( .1‬قول‪00‬ه فس‪00‬الم ومنتل‪00‬ف) أي فمنهم فري‪00‬ق س‪00‬الم من الوق‪00‬وع في ن‪00‬ار جهنم ومنهم‬
‫فريق منتلف بالوقوع فيه‪00‬ا إم‪00‬ا على ال‪00‬دوام والتأبي‪00‬د كالكف‪00‬ار والمن‪00‬افقين‪ ،‬وإم‪00‬ا إلى م‪00‬دة‬
‫يري‪00‬دها هللا تع‪00‬الى‪ ،‬ثم ينج‪00‬و كبعض عص‪00‬اة المؤم‪00‬نين ممن قض‪00‬ى هللا عليهم بالع‪00‬ذاب‪،‬‬
‫والفريق األ ّول هم السالمون من السيئات وأهل رجحان األعمال الصالحة ممن خصهم هللا‬
‫بس‪00‬ابقة الحس‪00‬نى وه‪00‬ؤالء يج‪00‬وزون كط‪00‬رف العين‪ ،2‬وبع‪00‬دهم ال‪00‬ذين يج‪00‬وزون ك‪00‬الجواد‬
‫السابق‪ ،‬وبعدهم الذين يجوزون سعيا ً ومشياً‪ ،‬وبع‪00‬دهم ال‪00‬ذين يج‪00‬وزون حب‪00‬واً‪ ،‬وتف‪00‬اوتهم‬
‫في المرور بحسب تفاوتهم في اإلع‪00‬راض عن حرم‪00‬ات هللا تع‪00‬الى؛ فمن ك‪00‬ان منهم أس‪00‬رع‬
‫إعراض ‪0‬ا ً عم‪00‬ا ح‪00‬رم هللا ك‪00‬ان أس‪00‬رع م‪00‬روراً في ذل‪00‬ك الي‪00‬وم‪ ،‬والحكم ‪0‬ة‪ 0‬في م‪00‬رورهم على‬
‫الصراط ظهور النج‪00‬اة من الن‪00‬ار‪ ،‬وأن يتحس‪00‬ر الكف‪00‬ار بف‪00‬وز المؤم‪00‬نين بع‪00‬د اش‪00‬تراكهم‪ 0‬في‬
‫المرور‪.‬‬

‫‪{ -190‬والعرش والكرسي والقلم والكاتبون واللوح حق}‬


‫والعرش والكرسي ثم القلم ‪ ##‬والكاتبون اللوح كل حكم‬ ‫‪-107‬‬
‫‪ 1‬المناسب بالمقام وبالمتن‪ 0‬أن يقول الش‪0‬ارح‪ :‬ف‪0‬اعلم أن الن‪0‬اس مختلف‪0‬ون في م‪0‬رورهم‬
‫على الصراط‪ 0‬في السرعة‪ 0‬وعدمها‪ ،‬وفي النجاة‪ 0‬منه وعدمه‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله "وهؤالء‪ ..‬إلخ" ظاهر ه‪00‬ذا أن الفري‪00‬ق الس‪00‬الم من الوق‪00‬وع كلهم يم‪00‬رون كط‪00‬رف‬
‫العين وأن بقية األقسام من يمر كالبرق الخاطف ومن بعده أقسام للفري‪00‬ق المنتل‪00‬ف‪ ،‬وه‪0‬ذا بعي‪00‬د؛‬
‫والمصنف في ش‪0‬رحه جع‪0‬ل ه‪0‬ذه األقس‪0‬ام‪ :‬من يم‪0‬ر كط‪0‬رف العين‪ 0،‬ومن بع‪0‬ده أقس‪0‬اما ً للمؤم‪0‬نين‬
‫المارين‪ 0‬على الصراط ومن غير نظر إلى السالمة وعدمها‪ .‬أجهوري‪.‬‬
‫‪321‬‬
‫(قوله والعرش) وهو جسم عظيم نوراني علوي‪ .‬قيل‪ :‬من نور‪ .‬وقيل‪ :‬من زبرج‪00‬د‬
‫خضراء‪ .‬وقيل‪ :‬من ياقوتة حمراء؛ واألولى اإلمساك عن القطع بتعيين حقيقته لع‪00‬دم العلم‬
‫بها‪ ،‬والتحقيق أنه ليس كرويا ً بل هو قبة فوق العالم ذات أعمدة أربع‪00‬ة تحمل‪00‬ه المالئك‪00‬ة؛‬
‫في الدنيا أربع‪00‬ة‪ ،‬وفي اآلخ‪00‬رة ثم‪00‬ان لزي‪00‬ادة الجالل والعظم‪00‬ة في اآلخ‪00‬رة‪ ،‬رؤوس‪00‬هم عن‪00‬د‬
‫العرش في السماء السابعة‪ ،‬وأق‪00‬دامهم في األرض الس‪00‬فلى‪ ،‬وق‪0‬رونهم كق‪00‬رون الوع‪00‬ل أي‬
‫بقر الوحش‪ ،‬ما بين أصل قرن أحدهم إلى منتهاه خمسمائة عام‪ .‬وقيل‪ :‬إنه ك‪00‬روي محي‪00‬ط‬
‫بجميع األجسام‪ ،‬وهذا خالف التحقيق‪.‬‬
‫و(قوله والكرسي) معطوف على العرش‪ ،‬وهو جسم عظيم ن‪00‬وراني تحت الع‪00‬رش‬
‫ملتصق به ف‪0‬وق الس‪0‬ماء الس‪00‬ابعة بين‪00‬ه وبينه‪0‬ا مس‪00‬يرة خمس‪0‬مائة ع‪0‬ام كم‪00‬ا نق‪00‬ل عن ابن‬
‫عباس‪ ،‬واألولى أن نمسك عن الج‪00‬زم بتع‪00‬يين حقيقت‪00‬ه لع‪00‬دم العلم به‪00‬ا وه‪00‬و غ‪00‬ير الع‪00‬رش‬
‫خالفا ً للحسن البصري‪.‬‬
‫و(قوله ثم القلم) معطوف على الكسري‪ ،‬وهو جسم نوراني خلقه هللا وأم‪00‬ره بكتب‬
‫ما كان وما يكون إلى يوم القيامة‪ .‬قيل‪ :‬هو اليراع وه‪00‬و القص‪00‬ب؛ واألولى أن نمس‪00‬ك عن‬
‫الج‪00‬زم بتع‪00‬يين حقيقت‪00‬ه‪.‬وقول‪00‬ه “ والك‪00‬اتبون “ معط‪00‬وف على القلم‪ ،‬وأقس‪00‬امهم ثالث‪00‬ة‪:‬‬
‫الك‪00‬اتبون على العب‪00‬اد أعم‪00‬الهم في ال‪00‬دنيا والك‪00‬اتبون من الل‪00‬وح المحف‪00‬وظ م‪00‬ا في ص‪00‬حف‬
‫المالئك‪0‬ة الم‪0‬وكلين بالتص‪0‬رف في الع‪0‬الم ك‪0‬ل ع‪0‬ام‪ ،‬والك‪0‬اتبون من ص‪0‬حف المالئك‪0‬ة كتاب‪0‬ا ً‬
‫يوضع تحت العرش‪.‬‬
‫وقوله “ اللوح “ معطوف على ما قبله بتقدير حرف العطف؛ فهو مرف‪00‬وع وليس‬
‫معموالً لكاتبين كما قد يتوهم؛ ألن المالئكة ال تكتب فيه؛ بل القلم يكتب فيه بمجرد الق‪00‬درة‬
‫وهو جسم نوراني كتب فيه القلم بإذن هللا ما كان وما يكون إلى ي‪00‬وم القيام‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬و يكتب‬
‫فيه اآلن على التحقيق من أنه يقب‪00‬ل المح‪00‬و والتغي‪0‬ير؛ ونمس‪00‬ك عن الج‪00‬زم بحقيقت‪00‬ه‪ ،‬وفي‬
‫بعض اآلثار (إن هلل لوحا ً أحد وجهي‪00‬ه ياقوت‪00‬ة حم‪00‬راء والوج‪00‬ه الث‪00‬اني زم‪00‬ردة خض‪00‬راء “‬
‫كما في شرح المص‪00‬نف‪ .‬وقول‪0‬ه “ ك‪00‬ل حكم “ أي ك‪00‬ل من ه‪0‬ذه الم‪00‬ذكورات ذو حكم؛ فك‪00‬ل‬
‫واحدة منه‪0‬ا لحكم يعلمه‪00‬ا هللا س‪00‬بحانه وتع‪0‬الى وإن قص‪0‬رت عقولن‪00‬ا عن الوق‪00‬وف عليه‪0‬ا‪،‬‬
‫س‪00‬أ َ ُل َع َّما يَ ْف َع‪ُ 00‬ل‪)1‬‬
‫وبعض‪00‬هم لم يل‪00‬تزم الحكم‪00‬ة؛ ألن هللا تع‪00‬الى يتص‪00‬رف بم‪00‬ا يش‪00‬اء (ال يُ ْ‬
‫(األنبياء‪ :‬من اآلية‪ )23‬والحكمة‪ 0‬هي األم‪00‬ر الص‪00‬ائب‪ ،‬وه‪00‬و س‪00‬ر الفع‪00‬ل وفائدت‪00‬ه المترتب‪00‬ة‬
‫عليه‪.‬‬

‫‪ -108‬ال إلحتياج وبها اإليمان ‪ ##‬يجب عليك أيها اإلنسان‬

‫‪ 1‬ال أدري من هو ال‪00‬ذي لم يل‪0‬تزم‪ 0‬الحكم‪00‬ة في أفع‪00‬ال هللا تع‪0‬الى ومخلوقات‪00‬ه نعم ق‪0‬د وق‪0‬ع‬
‫الخالف في تعليل أفعاله تعالى‪ 0،‬والذين ال يقولون بالتعليل وهم جمه‪00‬ور األش‪00‬اعرة متفق‪00‬ون على‬
‫أن أفعال‪00‬ه تع‪00‬الى ال تخل‪00‬و عن الحكم والمص‪00‬الح‪ ،‬ف‪00‬القول بع‪00‬دم خل‪00‬و أفعال‪00‬ه تع‪00‬الى عن الحكم‬
‫والمصالح مجمع عليه بين الفريقين‪ 0،‬وال أعلم فيه خالفا‪ ،‬وكي‪0‬ف يت‪0‬أتى لواح‪0‬د أن يخ‪0‬الف في‪0‬ه‪،‬‬
‫ومن أسماه الحسنى الحكيم‪.‬‬
‫‪322‬‬
‫(وقوله ال ال حتياج) أي ك ٌل مخلوق لحكمة ال الحتياجه تعالى إلى ش‪00‬يء منه‪00‬ا‪ ،‬فلم‬
‫يخلق الع‪00‬رش لالرتق‪00‬اء وال الكرس‪00‬ي للجل‪00‬وس وال القلم الستحض‪00‬ار م‪00‬ا غ‪00‬اب عن علم‪00‬ه‬
‫تعالى‪ ،‬وال الكاتبين وال اللوح لضبط ما يخاف نسيانه‪ ،‬وقوله “ وبها اإليم‪00‬ان يجب علي‪00‬ك‬
‫‪0‬الح ُجب‬
‫أيها اإلنسان “ أي بهذه المذكورات كغيرها من ك‪00‬ل م‪00‬ا ثبت بص‪00‬حيح األح‪00‬اديث ك‪ُ 0‬‬
‫واألن‪00‬وار‪ ،‬التص‪00‬ديق يجب علي‪00‬ك أيه‪00‬ا اإلنس‪00‬ان المكل‪00‬ف‪ ،‬فيجب اإليم‪00‬ان بوجوده‪00‬ا ش‪00‬رعا ً‬
‫حسبما علم‪ ،‬تفصيالً أو إجماالً‪ ،‬غاية األمر أن اإليمان بها تعبدي‪.‬‬

‫‪{ -191‬الجنة والنار حق‪ ،‬وهما موجوداتان اآلن}‬

‫‪323‬‬
‫أوجدَت كالجنة ‪ ##‬فال تمل لجاحد ذي ِجنَّ ٍة‬
‫‪ -109‬والنار حق ِ‬
‫(قوله والنار حق أوجدت كالجن‪00‬ة) أي والن‪00‬ار ال‪00‬تي هي دار الع‪00‬ذاب ثابت‪00‬ة بالكت‪00‬اب‬
‫والسنة واتفاق علم‪0‬اء األم‪0‬ة‪ ،‬أوج‪0‬دها هللا فيم‪0‬ا مض‪0‬ى‪ ،‬كالجن‪0‬ة ال‪0‬تي هي دار الث‪0‬واب في‬
‫كونه‪00‬ا حق ‪0‬ا ً وأنه‪00‬ا أوج‪00‬دت فيم‪00‬ا مض‪00‬ى‪ ،‬ور ّد المص‪00‬نف بحقيتهم‪00‬ا على منكرهم‪00‬ا ب‪00‬المرة‬
‫كالفالسفة‪ ،‬وبإيجادها فيما مضى على منكر وجودهما فيما مض‪00‬ى‪ ،‬وأنهم‪00‬ا إنم‪00‬ا يوج‪00‬دان‬
‫يوم القيامة كأبي هاشم وعبد الجبار المعتزليين‪.‬‬
‫ويدل لنا قصة آدم وحواء عليهما السالم على ما ج‪00‬اء ب‪00‬ه الق‪00‬رآن والس‪00‬نة وانعق‪0‬د‪0‬‬
‫عليه اإلجماع قبل ظهور المخ‪0‬الف؛ ف‪0‬ذلك ي‪0‬دل على ثب‪0‬وت الجن‪00‬ة‪ ،‬وال قائ‪0‬ل بثبوته‪00‬ا دون‬
‫النار فهي ثابتة أيضاً‪ ،‬واآليات صريحة في ذاك‪ .‬وق‪00‬د أجم‪00‬ع العلم‪00‬اء على أن تأويله‪00‬ا من‬
‫غير ضرورة إلحاد في الدين‪ ،‬كما قيل‪ :‬آدم كان رجالً في جنة أي بستان ل‪00‬ه‪ ،‬على رب‪00‬وة‪:‬‬
‫أي محل مرتفع؛ فعصى ربه فأنزله لبطن الوادي‪.‬‬
‫ولم ي‪00‬رد نص ص‪00‬ريح في تع‪00‬يين مك‪00‬ان الجن‪00‬ة والن‪00‬ار كم‪00‬ا في ش‪00‬رح المقاص‪00‬د‪،‬‬
‫واألكثرون على أن الجنة فوق السموات السبع وتحت العرش؛ وأن الن‪00‬ار تحت األرض‪00‬ين‬
‫السبع‪ ،‬والحق تفويض علم ذلك إلى اللطيف الخبير كما في شرح المصنف‪.‬‬
‫وطبقات النار سبع‪ :‬أعاله‪00‬ا جهنم وهي لمن يع‪00‬ذب على ق‪00‬در ذنب‪00‬ه من المؤم‪00‬نين‪،‬‬
‫وتصير خرابا ً بخروجهم منها؛ وتحتها لظى وهي لليه‪00‬ود ثم الحطم‪00‬ة وهي للنص‪00‬ارى‪ ،‬ثم‬
‫السعير وهي للص‪00‬ائبين وهم فرق‪00‬ة من اليه‪00‬ود‪ ،‬ثم س‪00‬قر وهي للمج‪00‬وس‪ ،‬ثم الجحيم وهي‬
‫لعبدة األصنام‪ ،‬ثم الهاوية وهي للمنافقين‪.‬‬
‫وذكر ابن العربي أن هذه النار التي في الدنيا ما أخرجه‪00‬ا هللا إلى الن‪00‬اس من جهنم‬
‫حتى غمست في البحر مرتين‪ ،‬ولو ال ذلك لم ينتفع بها أح‪0‬د من ح ّره‪0‬ا وكفى به‪0‬ا زاج‪0‬راً‪،‬‬
‫وبعد أخذ نار الدنيا منها أوقد عيها ألف سنة حتى اببيضت‪ ،‬ثم ألف سنة حتى احم ّرت‪ ،‬ثم‬
‫ألف سنة حتى اسودّت‪ ،‬فهي سوداء مظلمة‪،1‬وح ّرها هواء محرق وال جمر لها سوى بني‬
‫آدم واألحجار المتخ‪00‬ذة آله‪00‬ة من دون هللا‪ .‬ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪( :‬يَ‪00‬ا أَيُّ َه‪00‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪00‬وا قُ‪00‬وا أَ ْنفُ َ‬
‫س‪ُ 0‬ك ْ‪0‬م‬
‫شدَا ٌد ال يَ ْعصُونَ هَّللا َ َم‪00‬ا أَ َم‪َ 0‬ر ُه ْم‬ ‫ارةُ َعلَ ْي َها َمالئِ َكةٌ ِغالظٌ ِ‬ ‫َوأَ ْهلِي ُك ْم نَاراً َوقُو ُدهَا النَّ ُ‬
‫اس َوا ْل ِح َج َ‬
‫َويَ ْف َعلُونَ َما يُؤْ َمرُونَ ) (التحريم‪.)6:‬‬
‫واختلف في الجنة هل هي سبع جنات متجاورة أفضلها وأوسطلها الفردوس وهي‬
‫أعالها –والمجاورة ال تنافي العلو‪ -‬وفوقها عرش ال‪00‬رحمن‪ ،‬ومنه‪00‬ا تنفج‪00‬ر أنه‪00‬ار الجن‪00‬ة‪،‬‬
‫ويليها في األفضلية جنة عدن‪ ،‬ثم جنة الخلد‪ ،‬ثم جنة النعيم‪ ،‬جنة الم‪00‬أوى‪ ،‬ودار الس‪00‬الم‪،‬‬
‫‪ 1‬أخ‪00‬رج الترم‪00‬ذي كت‪00‬اب ص‪00‬فة جهنم رقم (‪ )2591‬عن أبي هري‪00‬رة رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه عن‬
‫النبي صلى هللا عليه وآله وسلم قال‪( :‬أوقد على الن‪00‬ار‪ 0‬أل‪00‬ف س‪00‬نة ح‪00‬تى احم‪00‬رت‪ ،‬ثم أوق‪00‬د عليه‪00‬ا‬
‫ألف سنة حتى ابيضت‪ ،‬ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت‪ ،‬فهي سوداء مظلمة)‪.‬‬
‫وأخ‪00‬رج مس‪00‬لم في كت‪00‬اب الجن‪00‬ة وص‪00‬فة نعيمه‪00‬ا رقم (‪ )2843‬عن أبي هري‪00‬رة رض‪00‬ي هللا‬
‫تعالى عنه أن النبي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ق‪00‬ال‪( :‬ن‪00‬اركم ه‪00‬ذه ال‪00‬تي يوق‪00‬د بن آدم ج‪00‬زء من‬
‫سبعين جزءاً من حر جهنم) قالوا‪ :‬وهللا إن كانت لكافية يا رسول هللا‪ ،‬قال‪( :‬فإنها فض‪00‬لت عليه ‪0‬ا‪0‬‬
‫بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها)‪.‬‬
‫‪324‬‬
‫ودار الجالل‪ ،‬والجنان كلها متصلة بمقام الوسيلة ليتنعم أه‪00‬ل الجن‪00‬ة بمش‪00‬اهدته ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وس‪00‬لم لظه‪00‬وره ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم لهم منه‪00‬ا ألنه‪00‬ا تش‪00‬رق على أه‪00‬ل‬
‫الجنة‪ ،‬كما أن الشمس تشرق على أه‪00‬ل ال‪00‬دنيا‪ ،‬وه‪00‬ذا م‪0‬ا ذهب إلي‪0‬ه ابن عب‪00‬اس‪ .‬أو أرب‪0‬ع‬
‫(ولِ َمنْ َخ‪ 0‬افَ َمقَ‪00‬ا َم َربِّ ِه َجنَّتَ‪00‬ا ِن) (ال‪00‬رحمن‪ )46:‬جن‪00‬ة النعيم‬ ‫ورجحه جماعة لقوله تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫َان (الرحمن‪ )62:‬جنة عدن وجنة الفردوس كما‬ ‫وجنة المأوى‪ ،‬ثم قال‪َ ( :‬و ِمنْ دُونِ ِه َما َجنَّت ِ‬
‫قاله بعض المفسرين‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه الجمه‪00‬ور؛ أو جن‪00‬ة واح‪00‬دة وه‪00‬ذه األس‪00‬ماء كله‪00‬ا‬
‫جارية عليها لتحق‪00‬ق معانيه‪00‬ا فيه‪00‬ا‪ ،‬إذ يص‪00‬دق على الجمي‪00‬ع جن‪00‬ة ع‪00‬دن أي إقام‪00‬ة‪ ،‬وجن‪00‬ة‬
‫المأوى‪ :‬أي مأوى المؤمنين‪ ،‬وجنة الخلد ودار السالم‪ ،‬ألن جميعها للخلود والس‪0‬المة من‬
‫كل خوف وحزن‪ ،‬وجنة النعيم ألنه‪00‬ا كله‪00‬ا مش‪00‬حونة بأص‪00‬نافه (قول‪00‬ه فال تم‪00‬ل لجاح‪00‬د) أي‬
‫ُص ِغ لقول منكر لهما بالم ّرة لكفره كالفالسفة‪ ،‬أو منكر لوجودها فيما مضى لبدعته كأبي‬ ‫ت ْ‬
‫هاشم وعبد الجبار المعتزل‪0‬يين وق‪0‬ول “ ذي جن‪0‬ة “ أي ص‪00‬احب جن‪0‬ون‪ :‬ألن إنكارهم‪0‬ا ال‬
‫يصدر عن ذي عقل فإنه يؤدي إلى إحالة ما علم من الدين بالضرورة‪.‬‬

‫‪{ -192‬الجنة والنار دارا خلود}‬


‫‪ -110‬دارا خلود للسعيد والشقي ‪ ##‬معذب منعم مهما بقي‬
‫‪325‬‬
‫(قوله داراً خل‪00‬ود) أي دارا إقام‪00‬ة مؤب‪00‬دة‪ .‬ورد المص‪00‬نف ب‪00‬ذلك على الجهمي‪00‬ة وهم‬
‫منسوبون لجهم –اسم رجل‪ -‬يقولون بفنائهما وفناء أهلهما وهم كفار‪ ،‬لمخالفتهم للكت‪00‬اب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫وقوله “ للس‪00‬عيد والش‪00‬قي “ ‪ .‬أي فالجن‪00‬ة دار خل‪00‬ود للس‪00‬عيد‪ ،‬وه‪00‬و من م‪00‬ات على‬
‫اإلسالم وإن تقدم منه كفر‪ ،‬ودخ‪00‬ل في الس‪00‬عيد عص‪00‬اة المؤم‪00‬نين ف‪00‬دار خل‪00‬ودهم الجن‪00‬ة فال‬
‫يخلدون في النار إن دخلوها‪ ،‬ب‪00‬ل ال ي‪00‬دوم ع‪00‬ذابهم فيه‪00‬ا م‪00‬دة بق‪00‬ائهم‪ ،‬ألنهم يموت‪00‬ون بع‪00‬د‬
‫الدخول بلحظة ما يعلم إال هللا مقدارها فال يحيون حتى يخرجوا منها‪1‬والمراد بموتهم أنهم‬
‫يفقدون إحساس ألم العذاب أل أنهم يموتون موتا ً حقيقيا ً بخروج ال‪00‬روح‪ ،‬وبعض‪00‬هم اخت‪00‬ار‬
‫أنهم يموتون حقيقة‪.‬‬
‫والنار دار خلود للش‪00‬قي‪ :‬وه‪00‬و من م‪00‬ات على الكف‪00‬ر وإن ع‪00‬اش ط‪00‬ول عم‪00‬ره على‬
‫اإليمان‪ ،‬ودخل في الشقي‪ :‬الك‪00‬افر الجاه‪00‬ل‪ ،‬والمعان‪00‬د‪ ،‬ومن ب‪0‬الغ في النظ‪00‬ر فلم يص‪00‬ل إلى‬
‫الحق وترك التقليد الواجب عليه‪ ،‬وال يدخل فيه أطفال المش‪00‬ركين‪ ،‬ب‪00‬ل هم في الجن‪00‬ة على‬
‫الصحيح من أقوال كثيرة‪ ،‬فمنه‪00‬ا أنهم في الن‪00‬ار‪ ،‬وقي‪00‬ل على األع‪00‬راف‪ ،‬إلى غ‪0‬ير ذل‪00‬ك من‬
‫األقوال وأما أطفال المؤمنين ففي الجنة عند الجمهور‪ ،‬ومقابله أنهم في المش‪00‬يئة‪ ،‬وأنك‪00‬ر‬
‫ذلك القول وهذا في غير أوالد األنبياء‪ ،‬وأما أوالد األنبي‪00‬اء ففي الجن‪00‬ة إجماع ‪0‬اً‪ ،‬وال ف‪00‬رق‬
‫في السعيد والشقي بين اإلنس والجن‪ ،‬ويدل على ما ذكر من أن الجنة دار خلود للس‪00‬عيد‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫س‪ِ 0‬عيدٌ…) (ه‪00‬ود‪ :‬من اآلية‪)105‬‬ ‫والن‪0‬ار دار خل‪0‬ود للش‪00‬قي قول‪0‬ه تع‪0‬الى‪( :‬فَ ِم ْن ُه ْم َ‬
‫ش‪0‬قِ ٌّي َو َ‬
‫اآلية والمراد بالس‪00‬موات واألرض في ه‪00‬ذه اآلي‪00‬ة‪ :‬س‪00‬قف الن‪00‬ار وأرض‪00‬ها‪ ،‬وس‪00‬قف الجن‪00‬ة‬
‫وأرضها ال سماء الدنيا وأرضها لتبدلهما‪.‬‬
‫وقوله “ مع‪00‬ذب منعم “ أي ف‪00‬داخل الن‪00‬ار مع‪00‬ذب فيه‪00‬ا ب‪00‬أنواع الع‪00‬ذاب ك‪00‬الزمهرير‬
‫والحيات والعقارب وغير ذلك وداخل الجنة منعم فيها بأنواع النعيم وأعاله رؤية وجه هللا‬
‫الكريم‪ .‬وقوله “ مهما بقي “ أي مدة بقاء كل من الفريقين في إحدى الدارين‪ .‬وم‪00‬ا يق‪00‬ال‬
‫‪ 1‬أخرج مسلم في كتاب اإليمان رقم (‪ )185‬عن أبي سعيد الخدري رضي هللا تع‪00‬الى عن‪00‬ه‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‪ 0‬وآله وسلم‪( :‬أما أهل النار‪ 0‬ال‪00‬ذين هم أهله‪00‬ا ف‪00‬إنهم ال يموت‪00‬ون‬
‫فيها وال يحيون‪ ،‬ولكن ناس أصابتهم النار‪ 0‬بذنوبهم ‪-‬أو قال‪ -‬بخطاي‪00‬اهم فأم‪00‬اتهم هللا إمات‪00‬ة ح‪00‬تى‬
‫إذا كانوا فحما ً أُ ِذنَ بالشفاعة‪ ،‬فجيء بهم ضبائر‪ 0‬ضبائر فبثوا على أنهار الجن‪00‬ة ثم قي‪00‬ل‪ :‬ي‪00‬ا أه‪00‬ل‬
‫الحبَّة تكون في حميل السيل‪ .‬والضبائر‪ 0‬الجماعات‪.‬‬ ‫الجنة أفيضوا عليهم‪ ،‬فينبتون نبات‪ِ 0‬‬
‫قال النووي في شرحه (‪ )3/38‬معناه أن المذنبين من المؤمنين‪ 0‬يميتهم هللا إماتة بع‪00‬د أن‬
‫يعذبوا المدة التي أرادها هللا تعالى‪ 0،‬وهذه اإلماتة إمات‪00‬ة حقيقي‪00‬ة ي‪00‬ذهب معه‪00‬ا اإلحس‪00‬اس ويك‪00‬ون‬
‫عذابهم على قدر ذن‪00‬وبهم‪ ،‬ثم يميتهم‪ ،‬ثم يكون‪00‬ون محبوس‪00‬ين في الن‪00‬ار من غ‪00‬ير إحس‪00‬اس الم‪00‬دة‬
‫التي قدرها هللا تعالى‪ .‬ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحمى فيحمل‪00‬ون ض‪00‬بائر ض‪00‬بائركما‬
‫تحل األمتعة ويلقون على أنهار الجنة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‪ِ 0‬عيدٌ‪ ،‬فأ َّما‬‫ش‪0‬قِ ٌّي َو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫س إِاَّل بِإِذنِ‪ِ 0‬ه ف ِم ْن ُه ْم َ‬‫ت ال تَ َكلَّ ُم نَ ْف ٌ‬ ‫ْ‬
‫‪ 2‬اآلية بتمامها مع ما بعدها‪( :‬يَ ْو َم يَ‪00‬أ ِ‪0‬‬
‫ات َواأْل َ ْر ُ‬
‫ض إِاَّل َم‪00‬ا‬ ‫او ُ‪0‬‬‫الس ‪َ 0‬م َ‬
‫ت َّ‬ ‫ش ِهيقٌ‪َ ،‬خالِ ِدينَ فِي َه‪00‬ا َم‪00‬ا دَا َم ِ‬ ‫شقُوا فَفِي النَّا ِ‪0‬ر لَ ُه ْم ِفي َها زَ فِي ٌر َو َ‬‫الَّ ِذينَ َ‬
‫ات‬
‫الس ‪َ 0‬ما َو ُ‪0‬‬
‫ت َّ‬ ‫ين فِي َه‪00‬ا َم‪00‬ا دَا َم ِ‬ ‫س ِعدُوا فَفِي ا ْل َجنَّ ِة َخالِ ِد َ‪0‬‬ ‫َ‬
‫شَا َء َربُّكَ إِنَّ َربَّكَ فَعَّا ٌل لِ َما يُ ِريدُ‪َ ،‬وأ َّما الَّ ِذينَ ُ‬
‫ض إِاَّل َما شَا َء َربُّ َك َعطَا ًء َغ ْي َر َم ْج ُذو ٍذ) (هود‪.)108-105 :‬‬ ‫َواأْل َ ْر ُ‬
‫‪326‬‬
‫يتمرن أهل النار بالعذاب حتى لو القوا في الجنة لتألموا‪ :‬مدسوس على القوم‪ 0.‬كي‪00‬ف وق‪00‬د‬
‫قال تعالى‪( :‬فَ ُذوقُوا فَلَنْ نَ ِزي َد ُك ْم إِاَّل َع َذاباً) (النبأ‪.)30:‬‬
‫{فائ‪00‬دة} الن‪00‬اس يكون‪00‬ون في الموق‪00‬ف على ح‪00‬التهم ال‪00‬تي م‪00‬اتوا عليه‪00‬ا‪ ،‬ثم ي‪00‬دخل‬
‫المؤمنون الجنة جرداً مرداً أبناء ثالث وثالثين سنة ط‪00‬ول ك‪00‬ل واح‪00‬د منه‪00‬ا س‪00‬تون ذراع‪0‬ا ً‬
‫وعرضه سبعة اذرع‪ ،‬ثم ال يزيدون وال ينقصون‪ .1‬وأما أجس‪00‬ام الكف‪00‬ار فختلف‪00‬ة المق‪00‬ادير‪،‬‬
‫حتى ورد أن ضرس الكافر في النار مثل أحد‪ ،‬وفخذه مثل ورق‪00‬ان‪ 2‬وهم‪00‬ا جبالن بالمدين‪00‬ة‬
‫كما في شرح المصنف‪.‬‬

‫‪{ -193‬يجب اإليمان بالحوض}‬


‫‪ -111‬إيماننا بحوض خير الرسل ‪ ##‬حتم كما قد جاءنا في النقل‬
‫‪ 1‬أخرج اإلمام أحمد (‪ )3/295‬عن أبي هريرة رضي هللا تعالى عن‪00‬ه عن الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم قال‪( :‬يدخل أهل الجنة جردا مرداً بيضاً‪ 0‬جعداً مكحلين أبن‪00‬اء ثالث وثالثين‪ 0،‬على‬
‫خلق آدم س‪00‬تون ذراع‪0‬ا ً في ع‪00‬رض س‪00‬بع أذرع) ق‪00‬ال الهيثمي في مجم‪00‬ع الزوائ‪00‬د رقم (‪)18658‬‬
‫رواه الطبراني‪ 0‬في الصغير‪ 0‬واألوسط‪ ،‬وإسناده حسن‪.‬‬
‫‪ 2‬أخ‪00‬رج مس‪00‬لم في كت‪00‬اب الجن‪00‬ة وص‪00‬فة نعيمه‪00‬ا رقم ( ‪ )2851‬عن أبي هري‪00‬رة رض‪00‬ي هللا‬
‫تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد‬
‫وغلظ جلده مسيرة ثالث)‪.‬‬
‫وأخرج أحمد (‪ )3/328‬عن أبي هريرة رضي هللا تعالى‪ 0‬عنه ق‪00‬ال‪ :‬ق‪00‬ال رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم‪( :‬ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد‪ ،‬وعرض جلده سبعون ذراعاً‪ ،‬وفخ‪00‬ذه‬
‫مثل ورقان‪ ،‬ومقعده من النار مثل ما بيني وبين الربذة)‪.‬‬
‫‪327‬‬
‫(قول‪0‬ه إيمانن‪0‬ا بح‪0‬وض خ‪0‬ير الرس‪0‬ل حتم) أي تص‪0‬ديقنا ب‪0‬الحوض ال‪0‬ذي يعط‪0‬اه في‬
‫اآلخرة أفضل المرسلين وهو نبينا محمد صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم واجب‪ ،‬لكن ال يكف‪00‬ر‬
‫من أنكره وإنما يفسق‪ ،‬وقد نفته المعتزلة ولذلك أشار المصنف للر ّد عليهم بما ذكر‪ .‬وهو‬
‫جسم مخصوص كبير متس‪0‬ع الج‪0‬وانب يك‪0‬ون على األرض المبدل‪0‬ة وهي األرض البيض‪0‬اء‬
‫كالفضة‪ ،‬من شرب منه ال يظمأ أبداً‪ ،‬ترده هذه األمة‪ ،‬وقد ورد أن لك‪00‬ل ن‪00‬ب ّي حوض‪0‬ا ً ت‪00‬رده‬
‫أمته‪ ،‬فعن الحسن مرفوعاً‪( :‬إن لكل نب ّي حوضا ً وهو قائم على حوضه وبيده عصا ي‪00‬دعو‬
‫من عرف‪00‬ه من أمت‪00‬ه‪ ،‬أال وإنهم يتب‪00‬اهون أيهم أك‪00‬ثر تبع ‪0‬اً‪ ،‬وإني ألرج‪00‬و أن أك‪00‬ون أك‪00‬ثرهم‬
‫تبعاً)‪ 1‬وفي أثر أن حوضه صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم أع‪00‬رض الحيض‪00‬ان وأك‪00‬ثرهم وارداً‪،‬‬
‫وتخصيص حوض نبين‪00‬ا بال‪00‬ذكر ل‪00‬وروده باألح‪00‬اديث البالغ‪00‬ة مبل‪00‬غ الت‪00‬واتر‪ ،‬بخالف غ‪00‬يره‬
‫لوروده باآلحاد‪.‬‬
‫(وقوله كما ق‪0‬د جاءن‪0‬ا في النق‪0‬ل) أي للنص ال‪0‬ذي ق‪0‬د ورد إلين‪0‬ا في المنق‪0‬ول عن‪0‬ه‬
‫ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم؛ ففي الص‪00‬حيحين من ح‪00‬ديث عب‪00‬د هللا بن عم‪00‬رو بن الع‪00‬اص‬
‫رضي هللا عنهما‪( :‬حوضي مسيرة شهر‪ ،‬وزواي‪00‬اه س‪00‬واء‪ ،‬م‪00‬اؤه أبيض من اللبن وريح‪00‬ه‬
‫أطيب من المسك وكيزانه أكثر من نجوم السماء‪ ،‬من شرب منه فال يظمأ أبداً)‪ 2‬وق‪00‬د ورد‬
‫تحديده بجهات مختلفة‪ ،‬ففي رواية ألحم‪00‬د‪( :‬إن الح‪00‬وض كم‪00‬ا بين ع‪00‬دن وعم‪00‬ان)‪ 3‬وذل‪00‬ك‬
‫نحو شهر‪ .‬وفي رواية الصحيحين‪( :‬ما بين صنعاء والمدينة)‪ 4‬وذل‪00‬ك نح‪00‬و ش‪00‬هرين‪ .‬وفي‬
‫رواية‪( :‬ما بين مكة وأيلة)‪5‬وذل‪00‬ك نح‪00‬و ش‪00‬هر ك‪00‬األولى‪ .‬وفي رواي‪00‬ة البن ماج‪00‬ه‪( :‬م‪00‬ا بين‬
‫المدينة إلى بيت المقدس)‪ 6‬وهو كالذي قبله‪ ،‬فقد تحدث المصطفى بحديث الحوض م‪00‬رات‬
‫وذكر فيه تلك األلفاظ المختلفة فكان يخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها‪ ،‬وال تنافي من‬
‫حيث تقدير المسافة بنحو ش‪00‬هر في بعض الرواي‪00‬ات وبنح‪00‬و ش‪00‬هرين في بعض آخ‪00‬ر‪ ،‬ألن‬
‫هللا سبحانه وتعالى تفضل عليه باتساعه شيئا ً فشيئاً‪ ،‬ف‪00‬أخبر ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬

‫‪ 1‬في مجم‪0‬ع الزوائ‪0‬د كت‪0‬اب البعث‪ 0‬رقم (‪ )18461‬عن س‪0‬مرة بن جن‪0‬دب رض‪0‬ي هللا تع‪0‬الى‬
‫عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ق‪00‬ال‪( :‬إن األنبي‪00‬اء يتب‪00‬اهون‪ 0‬أيهم أك‪00‬ثر أص‪00‬حاباً‪ 0‬من‬
‫أمته‪ ،‬فأرجو أن أكون يؤمئذ أك‪00‬ثرهم كلهم واردة‪ ،‬ف‪00‬إن ك‪00‬ل رج‪00‬ل منهم يؤمئ‪00‬ذ ق‪00‬ائم على ح‪00‬وض‬
‫مآلن معه عصا يدعو من عرف من أمت‪00‬ه ولك‪00‬ل أم‪00‬ة س‪00‬يما يع‪00‬رفهم به‪00‬ا ن‪00‬بيهم) رواه الط‪00‬براني‬
‫وفيه مروان بن جعد السمري وثقه ابن أبي حاتم وقال األزدي يتكلمون فيه‪ ،‬وبقية رجاله ثقات‪.‬‬
‫وأخرجه الترمذي مختصرا‪ )2443( 0‬وقال‪ :‬حديث غريب‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه البخاري في الرقاق رقم (‪ )6579‬ومسلم في الفضائل رقم (‪.)2299‬‬
‫‪ 3‬المسند (‪ )5/250‬من حديث أبي أمامة‪.‬‬
‫‪ 4‬أخرجه البخاري في الرقاق رقم (‪ )6592‬ومسلم في الفضائل رقم (‪.)2298‬‬
‫‪ 5‬رواه أحمد (‪ )3/345‬قال الهيثمي (‪ :)18467‬رواه أحمد مرفوع ‪0‬ا ً وموقوف ‪0‬ا ً في إس‪00‬ناد‬
‫المرفوع ابن لهيعة ورجال الموقوف رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪ 6‬أخ‪00‬رج ابن ماج‪00‬ة في الزه‪00‬د رقم (‪ )4301‬عن أبي س‪00‬عيد الخ‪00‬دري أن الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم قال‪( :‬إن لي حوضا ً ما بين الكعبة وبيت المقدس‪ ،‬أبيض مثل اللبن‪ ،‬آنيت‪00‬ه ع‪00‬دد‬
‫النجوم‪ ،‬وإني ألكثر األنبياء تبعا ً يوم القيامة) وفي إسناده عطية العوفي وهو ضعيف‪ .‬فالم‪00‬ذكور‬
‫في هذا الحديث الكعبة بدل المدينة‪.‬‬
‫‪328‬‬
‫بالمسافة القصيرة أوالً ثم أخبر بالمسافة الطويلة‪ ،‬واالعتماد على م‪00‬ا ي‪00‬دل على أطولها‪،7‬‬
‫كما أشار إليه النووي‪ ،‬وفيما أوحى هللا تعالى إلى عيسى عليه الصالة والس‪00‬الم من ص‪00‬فة‬
‫نبينا صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬له ح‪00‬وض أبع‪0‬د من مك‪0‬ة إلى مطل‪0‬ع الش‪0‬مس‪ ،‬في‪00‬ه آني‪0‬ة‬
‫ب الجن‪00‬ة وطعم ك‪00‬ل ثماره‪00‬ا) وقول‪00‬ه في ه‪00‬ذه‬ ‫مثل عدد نجوم الس‪00‬ماء‪ ،‬ول‪00‬ه ل‪00‬ون ك‪00‬ل ش‪00‬را ِ‬
‫الرواية “ مثل عدد نجوم السماء “ ال ينافي قوله في الرواية الس‪0‬ابقة “ أك‪0‬ثر من نج‪0‬وم‬
‫السماء “ الحتمال أنه أُخبر أوالً بأنها مثل‪ ،‬ثم أخ‪00‬بر ثاني‪0‬ا ً بأنه‪00‬ا أك‪00‬ثر‪ ،‬ومع‪00‬نى كون‪00‬ه ل‪00‬ه‬
‫لون كل شراب الجنة أن بعضه لونُ‪00‬ه أحم‪0‬ر وبعض‪0‬ه لون‪0‬ه أبيض وهك‪00‬ذا‪ ،‬فال ي‪0‬رد أن في‪00‬ه‬
‫الجمع بين األضداد‪ ،‬وهو ممتن‪0‬ع‪ ،‬ومع‪00‬نى كون‪0‬ه ل‪0‬ه طعم‪ 0‬ك‪0‬ل ثماره‪0‬ا‪ :‬أن ل‪0‬ه طعم الخ‪00‬وخ‬
‫والموز والمشمش وغيرها‪ ،‬فمن يشرب منه يجد طعم ثمار الجنة‪.‬‬
‫واختلف في محله‪ :‬فقيل قبل الصراط وهو ق‪00‬ول الجمه‪00‬ور وص‪00‬ححه بعض‪00‬هم‪ ،‬ألن‬
‫الناس يخرجون من قبورهم عطاشا ً فيردون الحوض للش‪0‬رب من‪0‬ه‪ .‬وقي‪0‬ل بع‪0‬ده وص‪0‬ححه‬
‫بعض‪0‬هم‪ ،‬ألن‪0‬ه ينص‪0‬ب في‪0‬ه الم‪00‬اء من الك‪00‬وثر وه‪00‬و النه‪0‬ر ال‪00‬ذي في داخ‪0‬ل الجن‪0‬ة‪ ،‬فيك‪00‬ون‬
‫الحوض بعد الصراط بج‪0‬انب الجن‪00‬ة‪ ،‬ول‪00‬و ك‪0‬ان قبل‪0‬ه لح‪00‬الت الن‪00‬ار بين‪0‬ه وبين الم‪00‬اء ال‪00‬ذي‬
‫ينصب فيه من الكوثر‪ ،‬وأورد عليه أن الحوض إذا كان عند الجنة لم يُحتج للش‪00‬رب من‪00‬ه‪،‬‬
‫وأجيب بأنهم يحبسون هناك ألجل المظالم التي بينهم ح‪00‬تى يتحلل‪00‬وا منه‪00‬ا‪ ،‬وه‪00‬و المس‪00‬مى‬
‫بموقف القصاص‪ .‬وقيل‪ :‬له ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم حوض‪00‬ان‪ :‬ح‪00‬وض قب‪00‬ل الص‪00‬راط‬
‫وحوض بعده وصححه القرطبي‪ ،‬وهذا كله ال يجب اعتقاده‪ ،‬وإنما يجب اعتقاد أن‪00‬ه ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم له حوض وال يضر الجهل بكونه قبل الصراط أو بعده‪.‬‬

‫‪ 7‬قوله "واالعتماد على م‪00‬ا ي‪00‬دل على أطواله‪00‬ا" أي على الح‪00‬ديث ال‪00‬دال على أط‪0‬ول تل‪00‬ك‬
‫النواحي مسافة‪ .‬وهو أن الحوض ما بين صنعاء والمدينة‪.‬‬
‫‪329‬‬
‫‪ -112‬ينال شربا ً منه أقوام وفوا ‪ ##‬بعهدهم وقل يذاد من طغوا‬
‫(قوله ينال شربا ً منه أقوام) أي يتعاطى الشرب من ذل‪00‬ك الح‪00‬وض أق‪00‬وام‪ ،‬والم‪00‬راد‬
‫بهم م‪00‬ا يش‪00‬مل ال‪00‬ذكور واإلن‪00‬اث‪ ،‬وأح‪00‬والهم‪ 0‬في الش‪00‬رب مختلف‪00‬ة فمنهم من يش‪00‬رب ل‪00‬دفع‬
‫العطش‪ ،‬ومنهم من يشرب للتلذذ‪ ،‬ومنهم من يشرب لتعجيل المس‪00‬رة‪ ،‬وأطف‪00‬ال‪ 0‬المس‪00‬لمين‬
‫ذكورهم وإناثهم حول الحوض وعليهم أقبية ال‪00‬ديباج ومنادي‪00‬ل من ن‪00‬ور وبأي‪00‬ديهم أب‪00‬اريق‬
‫الفضة وأقداح الذهب يسقون آباءهم وأمهاتهم إال من س‪00‬خط في فق‪00‬دهم فال ي‪00‬ؤذن لهم أن‬
‫يس‪00‬قوه‪ .‬وقول‪00‬ه “ وف‪00‬وا بعه‪00‬دهم “ وص‪00‬ف ألق‪00‬وام‪ :‬أي وف‪00‬وا هللا تع‪00‬الى بعه‪00‬دهم‪ :‬وه‪00‬و‬
‫(وأَ ْ‬
‫ش ‪َ 0‬ه َد ُه ْم َعلَى‬ ‫الميث‪00‬اق ال‪00‬ذي أخ‪00‬ذه عليهم حين أخ‪00‬رجهم من ظه‪00‬ر آدم علي‪00‬ه الس‪00‬الم‪َ :‬‬
‫ستُ بِ َربِّ ُك ْم) (األعراف‪ :‬من اآلية‪ 1)172‬قالوا‪ :‬بلى‪ :‬أي أنت ربنا‪ ،‬وأول من ق‪00‬ال‬ ‫س ِه ْم أَلَ ْ‬
‫أَ ْنفُ ِ‬
‫بلى‪ :‬النبي صلى هللا عليه وآله وسلم‪ .‬ومعنى وفائهم بعهدهم‪ :‬أنهم لم يغيروه ولم يب‪00‬دلوه‬
‫ح‪00‬تى م‪00‬اتوا‪ ،‬وه‪00‬ذا الوص‪00‬ف وإن ش‪00‬مل جمي‪00‬ع مؤم‪00‬ني األمم الس‪00‬ابقة لكن‪00‬ه خالف ظ‪00‬اهر‬
‫األحاديث من أنه ال يرده إال مؤمنوا هذه األمة‪ ،‬ألن كل أمة إنما ترد حوض نبيها‪.‬‬
‫(قوله وقل يذاد من طغوا) أي وقل قوالً باطني‪0‬ا ً ‪-‬وه‪0‬و االعتق‪0‬اد‪ -‬يط‪0‬رد عن‪0‬ه أق‪0‬وام‬
‫ظلموا انفسهم‪ 0‬بأن غيروا وبدلوا عهدهم الذي أخذه هللا عليهم‪ ،‬فالمرت‪00‬د من المط‪00‬رودين‪،‬‬
‫ومن أحدث في الدين م‪0‬ا ال يرض‪0‬اه هللا تع‪00‬الى‪ ،‬ومن خ‪00‬الف جماع‪0‬ة المس‪00‬لمين ك‪0‬الخوارج‬
‫وال‪000‬روافض والمعتزل‪000‬ة على اختالف ف‪000‬رقهم‪ ،‬والظلم‪000‬ة الج‪000‬ائرون‪ ،‬والمعلن بالكب‪000‬ائر‬
‫المستخف بالمعاصي‪ ،‬وأهل الزيغ والبدع‪ ،‬لكن المبدل باالرتداد مخل‪00‬د في الن‪00‬ار‪ ،‬والمب‪00‬دل‬
‫بالمعاصي في المشيئة‪ ،‬فإن شاء هللا عفا عنه وإن شاء عاقبه‪.‬‬
‫وظ‪00‬اهر ذل‪00‬ك أن جمي‪00‬ع من ذك‪00‬ر ال يش‪00‬رب من‪00‬ه أب‪00‬داً‪ ،‬وال‪00‬ذي علي‪00‬ه المحقق‪00‬ون أن‬
‫المطرودين عن الحوض قسمان‪ :‬قسم يط‪0‬رد حرمان‪0‬ا ً وهم الكف‪0‬ار فال يش‪0‬ربون من‪0‬ه أب‪0‬داً‪،‬‬
‫وقسم يطرد عقوبة له ثم يشرب وهم عصاة المؤمنين فيش‪0‬ربون قب‪0‬ل دخ‪0‬ولهم الن‪0‬ار على‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫‪{ -194‬شفاعة نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم حق}‬
‫‪ -113‬وواجب شفاعة المشفع ‪ ##‬محم ٍد مقدما ً ال تمنع‬
‫(قوله وواجب شفاعة المشفع) أي وواجب سمعا ً عند أهل الح‪00‬ق ش‪00‬فاعة المش‪00‬فع‬
‫بفتح الف‪00‬اء‪ -‬وه‪00‬و ال‪00‬ذي تقب‪00‬ل ش‪00‬فاعته‪ ،‬وأم‪00‬ا بكس‪00‬رها فه‪00‬و ال‪00‬ذي يقب‪00‬ل ش‪00‬فاعة غ‪00‬يره‪.‬‬
‫والشفاعة لغة‪ :‬الوسيلة والطلب‪ .‬وعرفاً‪ :‬سؤال الخير من الغير للغير‪.‬‬

‫‪ 1‬اآلية بتمامها‪َ ( :‬وإِ ْذ أَ َخ َذ َربُّ َك ِمنْ بَنِي آ َد َم ِمنْ ظُ ُهو ِر ِه ْم ُذ ِّريَّتَ ُه ْم َوأَ ْ‬
‫ش ‪َ 0‬ه َد ُه ْم َعلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫س ‪ِ 0‬ه ْم‬
‫ش ِه ْدنَا أَنْ تَقُولُوا يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة إِنَّا ُكنَّا عَنْ َه َذا َغافِلِينَ )‪( 0‬األعراف‪.)172:‬‬ ‫أَلَ ْ‬
‫ستُ بِ َربِّ ُك ْم قَالُوا بَلَى َ‬
‫‪330‬‬
‫وشفاعة المولى‪ :1‬عبارة عن عف‪00‬وه؛ فإن‪00‬ه تع‪00‬الى يش‪00‬فع فيمن ق‪00‬ال‪ :‬ال إل‪00‬ه إال هللا‬
‫وأثبت الرسالة للرسول الذي أرسل إليه ولم يعمل خيراً قط فيتفضل هللا تع‪00‬الى علي‪0‬ه بع‪0‬دم‬
‫دخوله النار بال شفاعة أحد‪.‬‬
‫وقوله “ محمد “ بدل من المشفع‪ ،‬دفع ب‪00‬ه إبهام‪00‬ه‪ ،‬وقول‪00‬ه “ مق‪00‬دما ً “ أي ح‪00‬ال‬
‫كونه مقدّما ً على غيره من األنبياء والمرسلين والمالئكة المقربين‪ ،‬فه‪00‬و ال‪00‬ذي يفتح ب‪00‬اب‬
‫الشفاعة لغيره كما قال ابن العربي‪ .‬وفي الصحيحين‪( :‬أنا أول شافع وأول مشفع)‪.2‬‬
‫وفي كالم المصنف إشارة إلى واجبات ثالثة؛ ف‪00‬األول‪ :‬كون‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم شافعاً‪ .‬والثاني‪ :‬كونه مشفعا ً أي مقبول الشفاعة‪ .‬والثالث‪ :‬كونه مقدّما ً على غيره؛‬
‫فإن‪00‬ه حين يش‪00‬ت ّد اله‪00‬ول ويتم‪00‬نى الن‪00‬اس االنص‪00‬راف ول‪00‬و للن‪00‬ار يلهم‪00‬ون أن األنبي‪00‬اء هم‬
‫الواسطة بين هللا وخلقه‪ ،‬فيذهبون إلى آم فيقولون له‪ :‬أنت أب‪00‬و البش‪00‬ر اش‪00‬فع لن‪00‬ا فيق‪00‬ول‪:‬‬
‫لست لها لست له‪00‬ا‪ ،‬نفس‪00‬ي نفس‪00‬ي‪ ،‬ال أس‪00‬أل الي‪00‬وم غيره‪00‬ا‪ ،‬ويعت‪00‬ذر باألك‪00‬ل من الش‪00‬جرة؛‬
‫فيذهبون إلى نوح ويسألونه الشفاعة‪ ،‬فيعتذر لهم؛ وهكذا‪ ،‬وبين كل نب ّي ونب ّي ألف سنة؛‬
‫فلما يذهبون إلى سيدنا محمد صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم ويس‪00‬ألونه الش‪00‬فاعة فيق‪00‬ول‪ :‬أن‪00‬ا‬
‫لها أنا لها‪ ،‬أمتى أمتى؛ فيسجد تحت العرش فينادي من قب‪00‬ل هللا‪ :‬ي‪00‬ا محم‪00‬د ارف‪00‬ع رأس‪00‬ك‪،‬‬
‫واشفع تشفع؛ فيرفع رأسه ويشفع في فصل القضاء‪ .3‬وحينئذ يفتح باب الش‪00‬فاعة لغ‪00‬يره؛‬
‫وهذه هي الشفاعة العظمى‪ ،‬وهي مختصة به صلى هللا عليه وآله وس‪0‬لم قطع‪0‬اً‪ ،‬وهي أول‬
‫سى أَنْ يَ ْب َعثَكَ َر ُّبكَ َمقَاما ً َم ْح ُموداً) (اإلس‪00‬راء‪:‬‬
‫المقام المحمود المذكور في قوله تعالى‪َ ( :‬ع َ‬
‫من اآلية‪ 4)79‬أي يحمدك فيه األ ّولون واآلخرون‪ ،‬وآخره اس‪00‬تقرار أه‪00‬ل الجن‪00‬ة في الجن‪00‬ة‬
‫وأهل النار في النار‪.‬‬
‫وله صلى هللا عليه وآله وسلم شفاعات أخر‪ ،‬منها ش‪0‬فاعته في إدخ‪0‬ال ق‪0‬وم الجن‪0‬ة‬
‫بغير حساب‪ ،‬ومنها شفاعته في عدم دخول النار لقوم استحقوا دخوله‪00‬ا‪ ،‬ومنه‪00‬ا ش‪00‬فاعته‬
‫في إخ‪00‬راج الموح‪00‬دين من الن‪00‬ار‪ ،‬ومنه‪00‬ا ش‪00‬فاعته في زي‪00‬ادة ال‪00‬درجات في الجن‪00‬ة ألهله‪00‬ا‪،‬‬
‫ومنها غير ذلك كما ذكره السيوطي وغيره‪.‬‬
‫(قوله ال تمنع) أي ال تعتق‪00‬د امتن‪00‬اع ش‪00‬فاعته ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم في أه‪00‬ل‬
‫الكبائر وغيرهم‪ ،‬ال قبل دخولهم النار وال بعده‪ ،‬وقصد المصنف بذلك ال‪00‬رد على المعتزل‪00‬ة‬
‫ومن وافقهم في إنك‪00‬ارهم ش‪00‬فاعته ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم فيمن اس‪00‬تحق الن‪00‬ار أن ال‬
‫‪ 1‬قوله "وشفاعة المولى" محل هذه العبارة عن‪00‬د ق‪00‬ول المص‪00‬نف "وغ‪00‬يره من مرتض‪00‬ى‬
‫األخي‪00‬ار‪ ## 0‬يش‪00‬فع" ف‪00‬إن الش‪00‬ارح‪ 0‬عب‪00‬د الس‪00‬الم ذك‪00‬ر أن الغ‪00‬ير يش‪00‬مل الم‪00‬ولى س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى‬
‫أجهوري‪ .‬أق‪00‬ول‪ :‬ه‪00‬ذا خط‪00‬أ ف‪00‬احش ف‪00‬إن المص‪00‬نف ق‪00‬د فس‪00‬ر الغ‪00‬ير بمرتض‪00‬ى األخي‪00‬ار ومن ال‪00‬ذي‬
‫ارتضى هللا تعالى للشفاعة أو لغيرها‪ 0‬تعالى هللا عن ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه البخاري (‪ )4712‬ومسلم (‪ )194‬من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫‪ 3‬حديث الشفاعة‪ 0‬طويل أخرجه البخاري‪ 0‬في كتاب األنبياء رقم ( ‪ )4712‬ومسلم في كتاب‬
‫اإليمان رقم (‪.)193‬‬
‫َس‪0‬ى أَنْ يَ ْب َعثَ‪0‬كَ َربُّ َك َمقَام‪0‬ا ً َم ْح ُم‪0‬ودا)ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪0‬ل فت َه َّج ْد بِ‪ِ 0‬ه نافِل‪0‬ة ل‪0‬كَ ع َ‬ ‫َّ‬
‫‪ 4‬اآلية بتمامه‪0‬ا‪َ ( :‬و ِمنَ الل ْي ِ‬
‫(اإلسراء‪.)79:‬‬
‫‪331‬‬
‫يدخلها وفيمن دخلها أن يخرج منها‪ .‬وأما الشفاعة العظمى فال ينكرونها‪ ،‬وك‪00‬ذا الش‪00‬فاعة‬
‫في زيادة الدرجات وحديث‪( :‬ال تن‪0‬ال ش‪0‬فاعتي أه‪00‬ل الكب‪0‬ائر من أم‪00‬تي) موض‪00‬وع باتف‪0‬اق‪،‬‬
‫وبتقدير صحته فهو محمول على من ارتد منهم‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫‪{ -195‬ويشفع غير نبينا محمد ‪-‬صلى هللا تعالى عليه وسلم‪ -‬من األخيار}‬
‫‪ -114‬وغيره من مرتضى األخيار ‪ ##‬يشفع كما قد جاء في األخبار‬
‫(قوله وغيره من مرتض‪0‬ى األخي‪00‬ار ‪ ##‬يش‪00‬فع) بس‪00‬كون العين لل‪00‬وزن‪ :‬أي وغ‪00‬يره‬
‫ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ممن ارتض‪00‬اه هللا تع‪00‬الى من األخي‪00‬ار كاألنبي‪00‬اء والمرس‪00‬لين‬
‫والمالئكة والصحابة والشهداء والعلماء العاملين واألولياء يشفع في أرباب الكب‪00‬ائر على‬
‫قدر مقامه عند هللا تعالى‪ ،‬وشفاعة المالئكة على ال‪00‬ترتيب؛ ف‪00‬أولهم في الش‪00‬فاعة جبري‪00‬ل‪،‬‬
‫وآخرهم فيها التس‪00‬عة عش‪00‬ر ال‪00‬ذين على الن‪00‬ار‪ .‬وقول‪00‬ه “ كم‪00‬ا ق‪00‬د ج‪00‬اء في األخب‪00‬ار “ أي‬
‫للنص الذي قد جاء في األخبار الدالة على ذلك كما أجمع عليه أهل السنة‪ ،‬وال يشفع أح‪00‬د‬
‫ممن ذكر إال بعد انتهاء مدة المؤاخذة‪.1‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ال فائدة في الشفاعة حينئذ‪ .‬أجيب بأن فائدتها أظه‪00‬ار مزي‪00‬ة الش‪00‬افع على‬
‫غيره‪ ،‬على أنه لوال الشفاعة لجوزنا البقاء وعدمه بحسب الظاهر لنا‪ .‬وبالجملة فذلك من‬
‫باب القضاء المعلق‪.‬‬

‫‪ 1‬المراد منها انتهائها‪ 0‬في علم هللا تعالى كما يدل عليه الكالم اآلتي‪.‬‬
‫‪333‬‬
‫‪ -115‬إذ جائز غفران غير الكفر ‪ ##‬فال نكفّر مؤمنا ً بالوزر‬
‫(قوله إذ جائز غفران غير الكفر) هذا تعليل للشفاعة‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬ألنه يجوز عقالً‬
‫وسمعا ً غفران غير الكفر من ال‪00‬ذنوب بال ش‪00‬فاعة‪ ،‬فبالش‪00‬فاعة أولى‪ ،‬وأم‪00‬ا غف‪00‬ران الكف‪00‬ر‬
‫فهو وإن جاز عقالً ممتنع سمعاً‪ .‬قال تعالى‪( :‬إِنَّ هَّللا َ ال يَ ْغفِ ُر أَنْ يُش َْركَ بِ‪ِ 0‬ه َويَ ْغفِ‪ُ 0‬ر َم‪00‬ا دُونَ‬
‫ش‪00‬ا ُء) (النس‪00‬اء‪ :‬من اآلية‪ )48‬وعلم مم‪00‬ا تق‪ّ 00‬رر أن الم‪00‬راد ب‪00‬الجواز في كالم‬ ‫َذلِ‪00‬كَ لِ َمنْ يَ َ‬
‫المصنف الجواز العقلي والسمعي معاً‪ ،‬ول‪00‬ذلك قي‪00‬د بغ‪00‬ير الكف‪00‬ر ألن غف‪00‬ران الكف‪00‬ر ممتن‪00‬ع‬
‫س‪00‬معا ً وإن ج‪00‬از عقالً‪ .‬والحكم‪00‬ة في غف‪00‬ران ال‪00‬ذنوب دون الكف‪00‬ر أنه‪00‬ا ال تنف‪00‬ك عن خ‪00‬وف‬
‫عقاب ورجاء عف‪00‬و ورحم‪00‬ة بخالف الكف‪00‬ر‪ ،‬وذل‪00‬ك أن ص‪00‬احب ال‪00‬ذنوب مس‪00‬لم يعتق‪00‬د نقص‬
‫نفسه فيخاف العقاب ويرجو العف‪00‬و والرحم‪00‬ة‪ ،‬بخالف ص‪00‬احب الكف‪00‬ر فإن‪00‬ه ال يعتق‪00‬د نقص‬
‫نفسه فال يخاف العقاب وال يرجو العف‪00‬و والرحم‪00‬ة‪ .‬وال يخفى أن ه‪00‬ذا التعلي‪00‬ل ال‪00‬ذي ذك‪00‬ره‬
‫المص‪00‬نف في‪00‬ه قص‪00‬ور‪ ،‬ألن الش‪00‬فاعة ش‪00‬املة للش‪00‬فاعة في فص‪00‬ل القض‪00‬اء وللش‪00‬فاعة في‬
‫غفران الذنوب‪ ،‬وهذا التعليل خاص بالشفاعة في غفران ال‪00‬ذنوب فتأمل‪00‬ه (قول‪00‬ه فال نكف‪00‬ر‬
‫مؤمنا ً بالوزر) مفرع على م‪0‬ا ذك‪00‬ر‪ ،‬أي فال نكف‪00‬ر –ب‪0‬النون– أي معاش‪00‬ر أه‪00‬ل الس‪00‬نة أو –‬
‫بالتاء‪ -‬أي أيها المخاطب أحداً من المؤمنين بارتكاب الذنب صغيرة كان ال‪00‬ذنب أو كب‪00‬يرة‪،‬‬
‫عالما ً كان مرتكبه أو جاهالً‪ ،‬بش‪00‬رط أن ال يك‪00‬ون ذل‪00‬ك ال‪00‬ذنب من المكف‪00‬رات كإنك‪00‬ار علم‪00‬ه‬
‫تعالى بالجزئيات‪ ،‬وإال كفر مرتكبه قطعاً‪ ،‬وبشرط أن ال يكون مستحالً له‪ .‬وهو معل‪00‬وم من‬
‫الدين بالضرورة كالزنا‪ ،‬وإال كفر باستحالله لذلك‪.‬‬
‫وخالفت الخوارج فكفروا مرتكب الذنوب وجعلوا جميع الذنوب كبائر كم‪0‬ا س‪0‬يأتي‪،‬‬
‫ولم يكفروا بتكفير مرتكب الذنوب‪ ،‬م‪0‬ع أن من كف‪0‬ر مؤمن‪0‬ا ً كف‪0‬ر؛ ألنهم ق‪0‬الوا ذل‪0‬ك بتأوي‪0‬ل‬
‫واجتهاد‪ .‬وأما المعتزلة فأخرجوا م‪00‬رتكب الكب‪00‬يرة من اإليم‪00‬ان‪ ،‬ولم ي‪00‬دخلوه في الكف‪00‬ر إال‬
‫باستحالل‪ ،‬فجعلوه منزلة بين المنزلتين‪ ،‬فمرتكب الكبيرة مخل‪00‬د عن‪00‬د الف‪00‬ريقين في الن‪00‬ار‪،‬‬
‫ويعذب عند الخوارج عذاب الكفار‪ ،‬وعند المعتزلة عذاب الفساق‪.‬‬

‫‪334‬‬
‫‪{ -196‬مذهب‪ 0‬أهل السنة أن العاصي مفوض إلى ربه}‬
‫‪ -116‬ومن يمت ولم يتب من ذنبه ‪ ##‬فأمره مفوض لربه‬
‫(قوله ومن) اسم شرط جازم مبتدأ‪ ،‬و “ يمت “ فع‪00‬ل الش‪00‬رط مج‪00‬زوم بالس‪00‬كون‪،‬‬
‫وجملة فعل الشرط في محل رفع خبر المبت‪00‬دأ على ال‪00‬راجح “ ولم يتب من ذنب‪00‬ه “ جمل‪00‬ة‬
‫حالية مرتبطة بالواو‪ ،‬وجملة “ فأمره مف ّوض لربه “ في محل ج‪00‬زم ج‪00‬واب الش‪00‬رط‪ :‬أي‬
‫ومن يمت بعد أن ارتكب ذنبا ً من الكبائر غير المكفرة بال استحالل والحال أن‪00‬ه لم يتب من‬
‫ذنبه إلى هللا فأمره وشأنه مفوض وموكل إلى ربه فال نقطع بالعفو عنه لئال تكون الذنوب‬
‫في حكم المباحة وال بالعقوبة‪ ،‬ألنه تعالى يجوز عليه أن يغفر ما عدا الكفر؛ وعلى تق‪00‬دير‬
‫وقوع العقاب نقطع ل‪0‬ه بع‪00‬دم الخل‪00‬ود في الن‪0‬ار‪ ،‬كم‪0‬ا أش‪00‬ار إلي‪0‬ه بقول‪0‬ه اآلتي “ ثم الخل‪0‬ود‬
‫مجتنب “ وهذا هو مذهب أهل الحق‪ ،‬واستدلوا عليه باآلي‪00‬ات واآلح‪00‬اديث الدال‪00‬ة على أن‬
‫المؤمنين يدخلون الجنة البت‪00‬ة‪ .‬كقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬فمن يعم‪00‬ل مثق‪00‬ال ذرة خ‪00‬يراً ي‪00‬ره) وقول‪00‬ه‬
‫عليه الصالة والسالم‪( :‬من قال ال إله إال هللا دخل الجنة “ ‪ 1‬وال يص‪0‬ح أن ي‪00‬دخل الجن‪00‬ة ثم‬
‫يدخل الن‪0‬ار؛ ألن من دخ‪0‬ل الجن‪0‬ة ال يخ‪0‬رج منه‪0‬ا‪ .‬ق‪0‬ال تع‪0‬الى‪َ ( :‬و َم‪0‬ا ُه ْم ِم ْن َه‪0‬ا بِ ُم ْخ‪َ 0‬ر ِجينَ )‬
‫(الحجر‪ :‬من اآلية‪ )48‬فتعين أن يكون دخوله الجنة بدون دخول الن‪00‬ار ب‪0‬المرة‪ ،‬وه‪0‬ذا ه‪0‬و‬
‫العفو التام‪ .‬أو بعد دخول النار بقدر ذنبه‪ ،‬وهذا هو عدم الخلود في النار‬

‫‪ 1‬أخرج مس‪00‬لم في كت‪00‬اب اإليم‪00‬ان ب‪00‬رقم (‪ )94‬عن أبي ذر رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه ق‪00‬ال‪ :‬أتيت إلى‬
‫النبي صلى هللا عليه وآله وسلم وهو نائم علي‪00‬ه ث‪00‬وب ابيض‪ ،‬ثم أتيت‪00‬ه وه‪0‬و ن‪0‬ائم‪ 0،‬ثم أتيت‪0‬ه وق‪0‬د‬
‫استيقظ‪ ،‬فجلست إليه فقال‪( :‬ما من عبد قال‪ :‬ال إله إال هللا ثم مات على ذلك إال دخل الجنة)‪ 0‬قلت‪:‬‬
‫وإن زنى وإن س‪00‬رق؟ ق‪00‬ال‪( :‬وإن زنى وإن س‪00‬رق) قلت‪ :‬وإن زنى وإن س‪00‬رق؟ ق‪00‬ال‪( :‬وإن زنى‬
‫وإن سرق) ثالثاً‪ 0‬ث قال في الرابعة‪( 0:‬على رغم أنف أبي ذر)‪.‬‬
‫‪335‬‬
‫‪{ -197‬يجب تعذيب بعض العصاة}‬
‫‪ -117‬وواجب تعذيب بعض ارتكب ‪ ##‬كبيرة ثم الخلود مجتنب‬
‫(قوله‪ :‬وواجب تعذيب بعض ارتكب ‪ ##‬كبيرة) “ واجب “ خبر مقدم و “ تع‪00‬ذيب‬
‫“ مبتدأ مؤخر‪ :‬أي وتعذيب بعض غير معين من عصاة هذه األمة ارتكب كبيرة من غ‪00‬ير‬
‫تأويل يعذر به ومات بال توبة واجب؛ أي ثابت وواق‪00‬ع ش‪00‬رعاً‪ ،‬بخالف من ارتكب ص‪00‬غيرة‬
‫أو ارتكب كبيرة بتأويل كما يقع من البغاة المتأ ّولين‪ ،‬أو ارتكبها من غير تأويل‪ ،‬لكن مات‬
‫بعد التوبة‪ .‬وهل المراد بهذه األم‪00‬ة أم‪00‬ة ال‪00‬دعوة فتش‪00‬مل الكف‪00‬ار فيج‪00‬وز أن يك‪00‬ون البعض‬
‫المع‪00‬ذب على الكب‪00‬ائر غ‪00‬ير الكف‪00‬ر بعض الكف‪00‬ار؛ وعلى ه‪00‬ذا يج‪00‬وز طلب المغف‪00‬رة لجمي‪00‬ع‬
‫المس‪00‬لمين؛ أو أم‪00‬ة اإلجاب‪00‬ة‪ ،‬فال تش‪00‬مل الكف‪00‬ار فال يج‪00‬وز أن يك‪00‬ون البعض المع‪00‬ذب على‬
‫الكبائر بعض الكفار‪ ،‬بل ال بد أن يكون من المسلمين؟ ق‪00‬والن‪ ،‬ج‪00‬رى الش‪00‬يخ عب‪00‬د الس‪00‬الم‬
‫على األ ّول‪ ،‬والمعتمد الثاني‪ ،‬والمراد بالبعض المذكور‪ :‬طائفة ولو واح‪00‬داً من ك‪00‬ل ص‪00‬نف‬
‫من العصاة كالزناة وقتلة النفس وشربة الخمر وهكذا‪ ،‬فال ب ّد من نفوذ الوعي‪00‬د في طائف‪00‬ة‬
‫من كل ص‪00‬نف أقله‪00‬ا واح‪00‬د‪ ،‬لكن ه‪0‬ذه المس‪00‬ألة مبني‪00‬ة على طريق‪00‬ة الماتريدي‪00‬ة‪ :‬من أن‪00‬ه ال‬
‫يجوز تخلف الوعيد‪ ،‬وأما على طريق األش‪00‬اعرة من أن‪00‬ه يج‪00‬وز تخل‪00‬ف الوعي‪00‬د ألن‪00‬ه على‬
‫تقدير المشيئة كما هو عادة الكريم‪ ،‬فإنه إذا ق‪0‬ال‪ :‬إذا فع‪0‬ل زي‪00‬د ك‪0‬ذا أعاقب‪0‬ه‪ .‬ك‪00‬ان الم‪0‬راد‪:‬‬
‫أعاقبه إن شئت‪ ،‬فال يجب تعذيب بعض العصاة لجواز تخلف الوعي‪00‬د‪ ،‬نعم ق‪00‬د ورد تع‪00‬ذيب‬
‫بعض الموحدين والشفاعة فيهم لكن ال يعم األنواع كلها‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه ثم الخل‪00‬ود مجتنب) أي ثم خل‪00‬ود من أراد هللا تعذيب‪00‬ه من عص‪00‬اة المؤم‪00‬نين‬
‫مجتنب وقوعه فال نقول به‪ .‬والحاص‪00‬ل أن الن‪00‬اس على قس‪00‬مين‪ :‬م‪00‬ؤمن‪ ،‬وك‪00‬افر‪ ،‬فالك‪00‬افر‬
‫مخلد في النار إجماعا ً والمؤمن على قسمين‪ :‬طائع وعاص؛ فالط‪00‬ائع في الجن‪00‬ة إجماع‪0‬اً‪،‬‬
‫والعاصي على قسمين‪ ،‬تائب‪ ،‬وغير تائب؛ فالت‪00‬ائب في الجن‪00‬ة إجماع‪0‬اً‪ ،‬وغ‪00‬ير الت‪00‬ائب في‬
‫المشيئة‪ ،‬وعلى تقدير عذابه ال يخلد في النار‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫‪{ -198‬الشهداء أحباء عند ربهم يرزقون}‬
‫‪ -118‬وصف شهيد الحرب بالحياة ‪ ##‬ورزقه من مشتهى الجنات‬
‫(قوله وصف شهيد الحرب بالحياة) أي اعتقد وجوبا ً اتصاف شهيد الحرب بالحياة‬
‫الكامل‪00‬ة وإن ك‪00‬انت كيفيته‪00‬ا غ‪00‬ير معلوم‪00‬ة لن‪00‬ا‪ ،‬والم‪00‬وتى وإن ك‪00‬انوا كلهم أحي‪00‬اء التص‪00‬ال‬
‫أرواحهم بأجس‪00‬امهم‪ ،‬لكن الش‪00‬هداء أكم‪00‬ل حي‪00‬اة من غ‪00‬يرهم‪ ،‬واألنبي‪00‬اء أكم‪00‬ل حي‪00‬اة من‬
‫الشهداء‪ ،‬وهي ثابتة للذات والروح جميعا ً فهي حي‪0‬اة حقيق‪00‬ة‪ .‬وال يل‪0‬زم من كونه‪00‬ا حقيق‪00‬ة‬
‫أن تكون األبدان معها كما ك‪00‬انت في ال‪00‬دنيا من االحتي‪00‬اج للطع‪00‬ام والش‪00‬راب وغيرهم‪00‬ا من‬
‫صفات األجسام التي نشاهدها في الدنيا‪ ،‬بل يكون لها حكم آخر‪ ،‬فأكلهم وشربهم للتل‪00‬ذذ ال‬
‫لالحتياج‪.‬‬
‫ف‪00‬إن قي‪00‬ل‪ :‬كي‪00‬ف تعق‪00‬ل حي‪00‬اتهم م‪00‬ع م‪00‬ا ورد من أن أرواحهم‪ 0‬في حواص‪00‬ل طي‪00‬ور‬
‫خضر‪1‬؟ أجيب ب‪00‬أن أرواحهم متص‪00‬لة بأجس‪00‬امهم اتص‪00‬االً قوي ‪0‬ا ً وإن ك‪00‬ان مق ّره‪00‬ا حواص‪00‬ل‬
‫الطيور‪ ،‬على أنها أمور خارقة للعادة‪ 2‬فال يقاس عليها غيرها‪.‬‬
‫وقوله “ ورزقه “ بفتح ال‪00‬راء‪ :‬مص‪00‬در مض‪00‬اف لمفعول‪00‬ه بع‪00‬د ح‪00‬ذف الفاع‪00‬ل‪ ،‬أي‬
‫رزق هللا إي‪0‬اه أي ش‪0‬هيد الح‪0‬رب‪ ،‬وقول‪0‬ه “ من مش‪0‬تهى الجن‪0‬ات “ أي من محب‪0‬وب نعيم‬
‫س ‪0‬بَنَّ الَّ ِذينَ قُتِلُ‪00‬وا فِي‬
‫(وال ت َْح َ‬
‫الجنات من مأكول ومشروب وملبوس وغيرها‪ .‬قال تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫يل هَّللا ِ أَ ْم َوات‪0‬ا ً بَ‪ْ 0‬ل أَ ْحيَ‪00‬ا ٌء ِع ْن‪َ 0‬د َربِّ ِه ْم يُ ْر َزقُ‪00‬ونَ ) (آل عم‪0‬ران‪ )169:‬وال ي‪0‬رد على ك‪00‬ونهم‪0‬‬
‫سب ِ ِ‬
‫َ‬
‫مرزوقين متنعمين ما ورد من أن أرواحهم‪ 0‬في حواصل طيور خضر كم‪00‬ا م ‪ّ 0‬ر‪ ،‬م‪00‬ع أن في‬
‫هذا ضرراً عليهم وحبسا ً لهم؛ ألن أجواف الطيور ش‪00‬فافة ال تحجبه‪00‬ا فال تتض‪00‬رر به‪00‬ا‪ ،‬أو‬
‫أنه كناية عن سرعة قطع المسافة البعيدة كالطير‪.‬‬
‫والمراد بش‪0‬هيد الح‪00‬رب ش‪0‬هيد ال‪0‬دنيا واآلخ‪00‬رة‪ ،‬وه‪00‬و ال‪0‬ذي قات‪00‬ل إلعالء كلم‪00‬ة هللا‬
‫تعالى؛ بخالف شهيد الدنيا وهو الذي قاتل ألجل الغنيمة فإن‪00‬ه ليس ل‪00‬ه الث‪00‬واب وإن ج‪00‬رت‬
‫عليه أحكام‪ 0‬الشهداء في الدنيا‪ ،‬وأما شهيد اآلخرة فقط ك‪00‬المطعون والمبط‪00‬ون ونحوهم‪00‬ا‪،‬‬
‫فهو كاأل ّول في الثواب‪ ،‬لكنه دونه في الحياة والرزق‪ ،‬وال تجري عليه أحكام‪ 0‬الشهداء في‬
‫الدنيا فإنه يغسل ويصلى عليه‪ ،‬فظهر أن الشهداء ثالثة‪ :‬ش‪00‬هيد ال‪00‬دنيا واآلخ‪00‬رة‪ ،‬وش‪00‬هيد‬
‫الدنيا فقط‪ ،‬وشهيد اآلخرة فقط‪ ،‬واألول هو المراد هن‪00‬ا‪ ،‬خالف‪0‬ا ً لم‪00‬ا وق‪00‬ع في كالم الش‪00‬ارح‬
‫في آخ‪00‬ر عبارت‪00‬ه من أن الم‪00‬راد األوالن؛ فإن‪00‬ه خالف م‪00‬ا ص‪00‬رح ب‪00‬ه أوالً من التخص‪00‬يص‬
‫باألول‪ ،‬وهو الموافق للنصوص‪ ،‬وس‪00‬مي ش‪00‬هيداً الن هللا ومالئكت‪00‬ه يش‪00‬هدون ل‪00‬ه بالجن‪00‬ة‪،‬‬

‫‪ 1‬أخرج مسلم في كتاب اإلمارةرقم (‪ )1887‬حديثا ً فيه‪( :‬ارواحهم في ح‪0‬وف ط‪0‬ير خض‪0‬ر‬
‫لها قناديل معلقة بالعرش‪ 0‬تسرح من الجنة حيث ش‪00‬اءت ثم ت‪00‬أوي إلى تل‪0‬ك‪ 0‬القنادي‪00‬ل…) الح‪00‬ديث‬
‫وأخرج نحوه الترمذي في كتاب الجهاد رقم (‪.)1641‬‬
‫‪ 2‬أي لعادته تعالى في الدنيا وإال فله تعالى في ذلك العالم‪ 0‬ع‪00‬ادات تخ‪00‬الف عادات‪00‬ه في ه‪00‬ذا‬
‫العالم فكان األولى أن يقول ألنها أمور مناسبة لذلك العالم فال تقاس بما في هذا العالم‪.‬‬
‫‪337‬‬
‫فهو فعيل بمعنى مفعول؛ وألنّ روحه شهدت دار السالم‪ ،‬فه‪00‬و أيض‪0‬ا ً‪3‬فعي‪00‬ل بمع‪00‬نى فاع‪0‬ل‪،‬‬
‫بخالف غيره فإنه ال يشهدها إال يوم القيامة‪ .‬واستشكل‪ 0‬بأن أرواح المسلمين تدخل الجن‪00‬ة‬
‫اآلن كما دلت عليه األح‪0‬اديث‪ ،‬وأجيب ب‪0‬أن غ‪0‬ير الش‪0‬هيد إن دخلت روح‪0‬ه الجن‪0‬ة ال يك‪0‬ون‬
‫كالشهيد في الحياة والرزق‪ ،‬بل ال يأكل فيها وال يتمتع كما قاله النسفي‪.‬‬

‫‪ 3‬األولى حذف كلمة أيضاً‪ 0،‬وعلى وجودها هي مرتبطة بفعي‪0‬ل فق‪0‬ط ب‪0‬دون مالحظ‪0‬ة كون‪0‬ه‬
‫بمعنى فاعل‪.‬‬
‫‪338‬‬
‫‪{ -199‬والرزق عند أهل السنة ما انتفع المرأ به وإن كان حراما}‬
‫‪ -119‬والرزق عند القوم ما به ا ْنتُفِ ْع ‪ ##‬وقيل ال بل ما ُملك وما اتُّبِع‬
‫(قوله والرزق عند القوم ما به انتفع) أي وال‪00‬رزق –بكس‪00‬ر ال‪0‬راء بمع‪00‬نى الش‪0‬يء‬
‫المرزوق‪ -‬عند أهل الس‪00‬نة‪ :‬م‪00‬ا س‪00‬اقه هللا إلى الحي‪00‬وان ف‪00‬انتفع ب‪00‬ه بالفع‪00‬ل‪ ،‬وال ي‪00‬رد قول‪00‬ه‬
‫تعالى‪َ ( :‬و ِم َّما َر َز ْقنَا ُه ْم يُ ْنفِقُونَ ) (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )3‬فإنه يقتضي أنه ال يعت‪00‬بر في ال‪00‬رزق‬
‫االنتفاع بالفع‪00‬ل‪ ،‬ألن الم‪00‬راد ب‪00‬ه المع‪00‬نى اللغ‪00‬وي؛ ف‪00‬المعنى‪ :‬ومم‪00‬ا أعطين‪00‬اهم ينفق‪00‬ون‪ ،‬أو‬
‫المراد به ما هيئ لكونه رزقاً‪ ،‬ودخل في الرزق على هذا التعريف رزق اإلنسان والدواب‬
‫وغيرهما‪ ،‬وشمل المأكول وغيره مما انتفع به؛ و خرج ما لم ينتفع به بالفع‪00‬ل؛ فمن مل‪00‬ك‬
‫شيئا ً وتمكن من االنتفاع به ولم ينتفع به بالفعل فليس ذلك الشيء رزقا ً ل‪00‬ه‪ ،‬وإنم‪00‬ا يك‪00‬ون‬
‫رزقا ً لمن انتفع به بالفعل؛ وبهذا ظهر قول أكابر أهل السنة‪ :‬أن كل أح‪00‬د يس‪00‬توفي رزق‪00‬ه‪،‬‬
‫وأنه ال يأكل أح ٌد رزق غيره وال يأكل غيره رزقه‪ ،‬وفي الخبر عن ابن مسود مرفوعاً‪ :‬إن‬
‫روح القدس نفث في روعي‪ :1‬لن تموت نفس حتى تس‪00‬تكمل رزقه‪00‬ا‪ ،‬ف‪00‬اتقوا هللا وأجمل‪00‬وا‬
‫في الطلب‪ ،‬وال يحملن أحدكم‪ 0‬اس‪0‬تبطاء ال‪0‬رزق أن يطلب‪0‬ه بمعص‪0‬ية هللا ف‪0‬إن هللا ال ين‪0‬ال م‪0‬ا‬
‫عنده إال بطاعته)‪ 2‬أي أن جبريل ألقى في قلبي‪ :‬لن تموت نفس… إلخ‪.‬‬
‫{فائ‪00‬دة} األرزاق نوع‪00‬ان‪ :‬ظ‪00‬اهرة لألب‪00‬دان ك‪00‬األقوات‪ ،‬وباطن‪00‬ة للقل‪00‬وب ك‪00‬العلوم‬
‫والمعارف‪.‬‬
‫وقوله “ وقيل ال ب‪00‬ل م‪00‬ا مل‪00‬ك “ أي وق‪00‬ال جماع‪00‬ة من المعتزل‪00‬ة‪ :‬ليس ال‪00‬رزق م‪00‬ا‬
‫انتفع به بل هو ما مل‪0‬ك‪ ،‬فال يعت‪00‬بر في‪0‬ه االنتف‪00‬اع‪ ،‬ويعت‪0‬بر في‪00‬ه المملوكي‪0‬ة انتف‪00‬ع ب‪0‬ه أم ال‪.‬‬
‫ويلزم على هذا أن الشخص قد ال يستوفي رزقه وأن‪00‬ه ق‪00‬د يأك‪00‬ل رزق غ‪00‬يره ويأك‪00‬ل غ‪00‬يره‬
‫رزقه‪ .‬وقوله “ وما اتبع “ أي ولم يتبع هذا القول أئمتنا لفساده ط‪00‬رداً وه‪00‬و التالزم‪ 3‬في‬
‫الثبوت‪ ،‬وعكسا ً وهو التالزم في النفي؛ أما األ ّول فألنّ هللا تعالى مالك لجميع األش‪00‬ياء وال‬
‫يسمى ملكه رزقا ً اتفاقاً‪ ،‬وإال لكان هللا تعالى مرزوقاً‪ .‬وأم‪00‬ا الث‪00‬اني فلخ‪00‬روج رزق ال‪00‬دواب‬
‫والعبيد واإلماء عند بعض األئم‪00‬ة كالش‪00‬افعي رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى عن‪00‬ه‪ ،‬فإن‪00‬ه يق‪00‬ول‪ :‬ال مل‪00‬ك‬
‫للعبيد واإلماء أصالً‪ .‬وقال اإلمام مالك‪ :‬يملكون ملكا ً غير تام‪.‬‬

‫‪ 1‬قول‪00‬ه "في روعي" ال‪00‬روع ‪-‬بض‪00‬م ال‪00‬راء كم‪00‬ا في المص‪00‬باح‪ :0-‬ه‪00‬و القلب‪ 0‬كم‪00‬ا س‪00‬يقول‬
‫المحشي‪ .‬أجهوري‬
‫‪ 2‬أخرجه البيهقي في ش‪00‬عب اإليم‪00‬ان رقم (‪ )1185‬وال‪00‬بزار في مس‪00‬نده عن حذيف‪00‬ة رقم (‬
‫‪ )2914‬وابن أبي شيبة رقم (‪ )34332‬وأخرجه أحمد عن أبي أمام‪00‬ة‪ .‬والح‪00‬اكم في المس‪00‬تدرك (‬
‫‪)2/4‬من حديث جابر وصححه وأقره الذهبي‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله "وهو التالزم"‪ 0‬بأن‪ 0‬يقال‪ :‬كل م‪0‬ا مل‪0‬ك فه‪0‬و رزق‪ ،‬والتالزم في االنتف‪0‬اء أن يق‪0‬ال‪:‬‬
‫كل ما لم يملك فليس برزق‪ .‬أجهوري‬
‫‪339‬‬
‫‪ -120‬فيرزق هللا الحالل فاعلما ‪ ##‬ويرزق المكروه والمحرما‬
‫(قوله فيرزق هللا الحالل) مفرع على مذهب أهل السنة‪ ،‬والحالل‪ :‬م‪00‬ا ك‪00‬ان مباح ‪0‬ا ً‬
‫بنص أو إجماع أو قياس جل ّي ‪ ،‬وال ينبغي اليوم أن يسأل عن أصل الشيء‪ ،‬ألن الحالل ما‬
‫جهل أصله‪ ،‬واألصول قد فسدت واستحكم فسادها‪ ،‬فأخذ الشيء على ظ‪00‬اهر الش‪00‬رع أولى‬
‫من السؤال عن شيء يتبين تحريمه‪ .‬قال القزويني‪ :‬ومن ق‪00‬ال‪ :‬إن الحالل ليس بموج‪00‬ود‪،‬‬
‫فقط طعن في الشريعة‪ ،‬وهو أحمق حصل له ذلك من جهله؛ فإن هللا لم يكلف الخل‪00‬ق عين‬
‫الحالل في علم هللا تع‪00‬الى‪ ،‬ب‪00‬ل كلفهم‪ 0‬أن يص‪00‬يبوا الحالل في اعتق‪00‬ادهم وظنهم‪ .‬قول‪00‬ه “‬
‫فاعلما “ –بنون التوكيد الخفيفة‪ 0‬المنقلبة ألفاً‪ -‬وك‪00‬ان حق‪00‬ه الت‪00‬أخير عن قول‪00‬ه “ وي‪00‬رزق‬
‫المكروه والمحرما “ لكنه قدّمه للضرورة‪ ،‬ونب‪0‬ه ب‪0‬ه على أن‪0‬ه تع‪0‬الى ي‪0‬رزق ك‪0‬ل أح‪0‬د من‬
‫األقسام الثالثة اجتماعا ً وانفراداً‪ ،‬كذا ق‪00‬ال الش‪00‬ارح تبع‪0‬ا ً لوال‪00‬ده‪ ،‬وفي‪00‬ه خف‪00‬اء؛ ألن ذل‪00‬ك ال‬
‫يش‪00‬عر ب‪00‬ه قول‪00‬ه “ فاعلم‪00‬ا “ وإنم‪00‬ا يس‪00‬تفاد ذل‪00‬ك من ذك‪00‬ره األقس‪00‬ام الثالث‪00‬ة م‪00‬ع جع‪00‬ل‬
‫الواوبمعنى “ أو “ التي لمنع الخلو‪ .‬وقوله “ ويرزق المك‪00‬روه والمحرم‪00‬ا “ ف‪00‬األ ّول م‪00‬ا‬
‫نهى عنه نهيا ً غير أكيد كما في خبر ابن عمر‪( :‬وهو أنه صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم نهى‬
‫الجاللة وشرب لبنها حتى تعل‪00‬ف أربعين ليلة‪ .1‬والث‪00‬اني م‪00‬ا نهى عن‪00‬ه نهي‪0‬ا ً أكي‪00‬داً‬ ‫عن أكل ُّ‬
‫ور ّد المصنف بذلك على المعتزلة القائلين بأن الحرام ال يكون رزق‪0‬اً‪ ،‬بن‪00‬اء على التحس‪00‬ين‬
‫والتقبيح العقليين‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرج‪00‬ه الترم‪00‬ذي في كت‪00‬اب األطعم‪00‬ة عن ابن عم‪00‬ر رقم (‪ )1824‬وق‪00‬ال‪ :‬ح‪00‬ديث حس‪00‬ن‬
‫غريب ورواه برقم (‪ )1825‬عن ابن عباس وقال‪ :‬حس‪00‬ن ص‪00‬حيح‪ ،‬وأخرج‪00‬ه أب‪00‬و داود في كت‪00‬اب‪0‬‬
‫األطعم‪00‬ة رقم (‪ )3785‬عن ابن عم‪00‬ر ورقم (‪ )3786‬عن ابن عب‪00‬اس كلهم ب‪00‬دون قول‪00‬ه‪( :‬أربعين‬
‫ليلة) فهذه الزيادة ال أصل لها‪.‬‬
‫‪340‬‬
‫‪{ -200‬اختلف في أيهما أفضل االكتساب أو التوكل}‬
‫‪-121‬في االكتساب والتوكل اختلف ‪ ##‬والراجح التفصيل حسبما عرف‬
‫(قوله في االكتساب والتوكل اختل‪00‬ف) أي في أفض‪00‬لية االكتس‪00‬اب وأفض‪00‬لية التوك‪00‬ل‬
‫اختل‪00‬ف العلم‪00‬اء‪ ،‬ف‪00‬الخالف إنم‪00‬ا ه‪00‬و في األفض‪00‬لية‪ ،‬ف‪00‬رجح ق‪00‬وم االكتس‪00‬اب وه‪00‬و مباش‪00‬رة‬
‫األسباب باالختيار كالبيع والشراء ألجل الربح‪ ،‬ومثله تعاطي الدواء ألج‪00‬ل الص‪00‬حة ونح‪00‬و‬
‫ذلك؛ وإنما رجحوه لما فيه من كف النفس عن التطل‪0‬ع لم‪00‬ا في أي‪00‬دي الن‪00‬اس‪ ،‬ومنعه‪00‬ا من‬
‫الخضوع لهم والت‪0‬ذلل بين أي‪00‬ديهم‪ ،‬م‪0‬ع حي‪00‬ازة منص‪0‬ب التوس‪00‬عة على عب‪0‬اد هللا ومواس‪00‬اة‬
‫المحتاجين وصلة الرحم بتوفيق هللا تعالى‪ .‬ورجح قوم التوكل وهو االعتم‪00‬اد علي‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫وقطع النظر عن األسباب مع التمكن منها‪ ،‬وإنما رجحوه لما في‪00‬ه من ت‪00‬رك م‪00‬ا يش‪00‬غل عن‬
‫هللا تعالى واالتصاف بالرغبة إلى هللا تعالى والوثوق بما عن‪00‬ده م‪00‬ع حي‪00‬ازة مق‪00‬ام الس‪00‬المة‬
‫من فتنة المال والمحاسبة عليه‪ .‬وقد أخرج القضاعي (من انقط‪00‬ع إلى هللا تع‪00‬الى كف‪00‬اه هللا‬
‫كل مؤنة ورزقه من حيث ال يحتسب‪ ،‬ومن انقطع إلى الدنيا وكله هللا إليها)‪ 1‬ق‪00‬ال س‪00‬ليمان‬
‫الخواص‪ :‬لو أن رجالً توكل على هللا بصدق النية الحتاج إليه األمراء ومن دونهم‪ ،‬وكيف‬
‫يحتاج هو إلى أحد ومواله هو الغني الحميد؟ وفي شرح المص‪00‬نف ت‪00‬رجيح تفض‪00‬يل الغ‪00‬ني‬
‫الشاكر على الفقير الصابر‪.‬‬
‫وقوله “ والراجح التفصيل حسبما عرف “ أي والراجح القول بالتفص‪00‬يل حس‪00‬بما‬
‫ع‪00‬رف من كتب الق‪00‬وم‪ 0‬كاإلحي‪00‬اء للغ‪00‬زالي‪ ،‬والرس‪00‬الة للقش‪00‬يري‪ .‬وحاص‪00‬ل التفص‪00‬يل أنهم‪00‬ا‬
‫يختلف‪00‬ان ب‪00‬اختالف أح‪00‬وال الن‪00‬اس‪ ،‬فمن يص‪00‬بر عن‪00‬د ض‪00‬يق معيش‪00‬ته بحيث ال يتس‪00‬خط وال‬
‫يتطلع لسؤال أحد فالتوكل في حقه أرجح‪ ،‬لما فيه من مجاهدة النفس على ترك ش‪00‬هواتها‬
‫ول‪00‬ذاتها والص‪00‬بر على ش‪00‬دتها ومن لم يكن ك‪00‬ذلك فاالكتس‪00‬اب في حق‪00‬ه أرجح ح‪00‬ذراً من‬
‫التسخط وعدم الصبر‪ ،‬بل ربما وجب االكتساب في حقه‪ ،‬وه‪00‬ذا كل‪00‬ه إنم‪00‬ا يتمش‪00‬ى على أن‬
‫التوكل ينافي الكسب كما هو طريقة أبي جعفر الط‪00‬بري ومن وافق‪00‬ه‪ ،‬بخالف‪00‬ه على طريق‪00‬ة‬
‫الجمهور‪ :‬وهو أن التوكل ال ينافي الكسب‪ ،‬فق‪00‬د يك‪00‬ون مت‪00‬وكالً وه‪00‬و يكتس‪00‬ب‪ :‬ألن حقيق‪00‬ة‬
‫التوكل على هذه الطريقة الثقة باهلل تعالى واالعتم‪00‬اد علي‪00‬ه واعتق‪00‬اد أن األم‪00‬ر من‪00‬ه وإلي‪00‬ه‬
‫ولو مع مباشرة االسباب كما كان يفعله صلى هللا عليه وآله وسلم‪.2‬‬
‫{فائدة} قال الغزالي‪ :‬أخذ الزاد في السفر بنية عون المسلم أفضل‪ ،‬واألفضل تركه‬
‫ي القلب يشغله الزاد عن عبادة هللا‪ .‬وق‪00‬د ك‪00‬ان المص‪00‬طفى ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫لمنفرد قو ّ‬
‫وسلم وأصحابه والسلف الصالح يحملون الزاد بنيات الخير ال لميل قلوبهم إلى ال‪00‬زاد عن‬
‫‪ 1‬أخرجه الطبراني في المعجم الصغير‪ ،‬وابن أبي الدنيا‪ 0،‬ومن طريق‪00‬ه ال‪00‬بيهقي في ش‪00‬عب‬
‫اإليمان من رواية الحسن‪ 0‬عن عمران بن حصين‪ ،‬ولم يسمع منه‪ ،‬وفيه إبراهيم بن األشعث تكلم‬
‫فيه أبو حاتم‪ .‬قاله العراقي في تخريج أحاديث اإلحياء‪ 0‬كتاب التوحيد (‪.)4/301‬‬
‫‪ 2‬وكذلك كان يأمر أصحابه‪ 0‬به أخرج الترمذي في كت‪00‬اب ص‪00‬فة ي‪0‬وم القيام‪0‬ة رقم (‪)2517‬‬
‫عن أنس قال رجل‪ :‬يا رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم أَعقله ‪0‬ا‪َ 0‬وأَت ََو َّك ُل‪ ،‬أو أُ ْطلِقُ َه‪00‬ا َوأَتَ َو َّك ُل؟‬
‫قال‪( :‬ا ْعقِ ْل َها‪ 0‬وتو َك ْل)‪.‬‬
‫‪341‬‬
‫هللا تعالى‪ ،‬والمعتبر القصد‪ ،‬فكم حامل زاد وقلبه م‪00‬ع هللا وكم ت‪00‬ارك زاد وقلب‪00‬ه م‪00‬ع ال‪00‬زاد‪،‬‬
‫والدخول في الب‪00‬وادي بال زاد ت‪00‬وكالً‪ :‬بدع‪00‬ة لم تنق‪00‬ل عن أح‪00‬د من الس‪00‬لف‪ ،‬ألن‪00‬ه مخ‪00‬اطرة‬
‫بالروح‪ ،‬وقد قال تعالى‪َ ( :‬وال تُ ْلقُوا بِأ َ ْي ِدي ُك ْم إِلَى التَّ ْهلُ َك ِة) (البقرة‪ :‬من اآلية‪.)195‬‬

‫‪342‬‬
‫‪{ -201‬مذهب أهل السنة أن المعدوم ليس بشيء وال تقرر له في الخارج}‬
‫‪ -122‬وعندنا الشيء هو الموجود ‪ ##‬وثابت في الخارج الموجود‬
‫(قوله وعندنا الشيء ه‪00‬و الموج‪00‬ود‪ )1‬أي عن‪00‬دنا معش‪00‬ر أه‪00‬ل الح‪00‬ق من األش‪00‬اعرة‬
‫وغيرهم الشيء هو الموجود‪ ،‬فإن األمر باعتبار تحققه في نفسه يقال له شيء وباعتب‪00‬ار‬
‫تحققه في الخارج يقال له موجود‪ ،‬فهما متساويان ما صدقا‪ ،‬فكل ما صدق علي‪00‬ه الش‪00‬يء‬

‫‪ 1‬قوله‪ :‬وعندنا الشيء هو الموجود‪ :‬هذه المسألة‪ 0‬متعلقة بمسالة‪ 0‬أن الماهيات ه‪00‬ل هي‬
‫مجعولة أم ال‪ ،‬و مسألة ه‪00‬ل وج‪0‬ود الش‪00‬يء عين‪0‬ه أم ال‪ ،‬فال ب‪0‬د من بي‪00‬ان ه‪0‬اتين‪ 0‬المس‪00‬ألتين أوال‪،‬‬
‫وننق‪00‬ل في بيانهم‪00‬ا كالم المحق‪00‬ق عب‪00‬د الحكيم الس‪00‬يالكوتي‪ ،‬ونتب‪00‬ع كالم‪00‬ه بكالم العط‪00‬ار‪ .‬ق‪00‬ال‬
‫السيالكوتي‪ 0:‬بعد اتفاق الكل على أن الماهيات الممكن‪00‬ة محتاج‪00‬ة في كونه‪00‬ا موج‪00‬ودة إلى الفاع‪00‬ل‬
‫اختلفوا في أن الماهيات‪ 0‬في حد ذاتها ‪-‬مع قطع النظر عن الوجود وما يتبعه والعدم وم‪00‬ا يلزم‪00‬ه‪-‬‬
‫أثر الفاعل‪ 0،‬ومعنى التأثير استتباع‪ 0‬المؤثر األثر حتى لو ارتفع المؤثر ارتفع األثر ب‪00‬المرة‪ 0،‬ال م‪00‬ا‬
‫يتبادر إلى الوهم أعنى إيجاد األثر‪ ،‬فيكون الوجود انتزاعيا‪ 0‬محض‪00‬ا‪ 0،‬واالتص‪00‬اف ب‪00‬ه غ‪00‬ير حقيقي‬
‫بأن ال يكون زائدا‪ ،‬وإليه ذهب األشعري واإلشراقيون القائلون‪ 0‬بعينة الوجود‪.‬‬
‫أم ال‪ ،‬بل الماهيات في حد ذواتها ماهي‪00‬ات‪ ،‬والت‪00‬أثير‪ 0‬والجع‪00‬ل بإعتب‪00‬ار كونه‪00‬ا موج‪00‬ودة‬
‫وما يتبع الوجود‪ ،‬ومعنى التاثير جعل الشيء شيئا‪ 0،‬فيكون االتصاف بالوجود حقيقيا‪ 0،‬بأن يك‪00‬ون‬
‫الوجود أمرا زائدا على الماهية‪ 0‬تتصف الماهية به س‪00‬واء ك‪00‬ان موج‪00‬ودا أو مع‪00‬دوما‪ ،‬وإلي‪00‬ه ذهب‬
‫جمهور المتكلمين‪ 0‬القائلين بزيادة الوجود وحينئذ فالنزاع معنوي‪.‬‬
‫والخالف في أن الماهيات نفس‪00‬ها أث‪00‬ر الفاع‪00‬ل‪ ،‬وك‪00‬ون الماهي‪00‬ة موج‪00‬ودة أم‪00‬ر ان‪00‬تزاعي‪0‬‬
‫محض‪ ،‬أو أن الماهي‪00‬ات في نفس‪00‬ها ماهي‪00‬ات‪ ،‬وت‪00‬أثير الفاع‪00‬ل في اتص‪00‬اف الماهي‪00‬ة ب‪00‬الوجود‪،‬‬
‫فالقائلون‪ 0‬بعينية الوجود قائلون باألول‪ ،‬والقائلون‪ 0‬بزيادته يقولون بالثانى‪ ،‬أي ألال يل‪00‬زم أن‪00‬ه إذا‬
‫ارتفع الجعل ارتفعت الماهية عن نفسها‪ 0،‬وهو باطل‪.‬‬
‫ورد بأنه ال مانع من ارتفاعه‪0‬ا‪ 0‬عن نفس‪0‬ها بع‪00‬دمها كالمع‪00‬دوم انتهى‪ .‬نقل‪00‬ه الش‪00‬ربيني‪ 0‬في‬
‫تعليقاته‪ 0‬على شرح المحلي‪ 0‬لجمع الجوامع (‪. )2/470‬‬
‫وقال العطار‪ 0‬في حواشي شرح المحلي‪ 0‬لجمع الجوامع‪ :‬المراد بالماهية هنا ما به الشيء‬
‫هو هو‪ ،‬وهذا المعنى يقال له بإعتبار تشخصه هوية‪ ،‬ومع قطع النظر عن ذلك ماهية‪ ،‬وباعتبار‬
‫تحققه حقيقة‪ ...‬والنزاع في أن أثر الفاع‪00‬ل نفس الماهي‪00‬ات‪ ،‬أو الماهي‪00‬ات‪ 0‬باعتب‪00‬ار الوج‪00‬ود‪ ،‬فمن‬
‫ذهب إلى األول يقول‪ :‬إنها أثر مترتب على تأثير‪ 0‬الفاعل‪ 0،‬ثم العقل ينزع منه‪0‬ا الوج‪0‬ود‪ ،‬ويص‪0‬فها‬
‫ب‪00‬ه‪ ،‬ف‪00‬الوجود اعتب‪00‬اري عقلي ان‪00‬تزاعي‪ 0،‬وعلى ه‪00‬ذا يك‪00‬ون وج‪00‬ود ك‪00‬ل ش‪00‬يء عين‪00‬ه وإلي‪00‬ه ذهب‬
‫األشعري وق‪00‬ال ب‪00‬ه الحكم‪00‬اء اإلش‪00‬راقيون‪ ،‬ومن ذهب إلى الث‪0‬اني‪ 0‬يق‪00‬ول‪ :‬إن أث‪00‬ر الفاع‪00‬ل الماهي‪0‬ة‬
‫باعتبار الوج‪00‬ود أي أث‪00‬ر الفاع‪00‬ل ثبوته‪00‬ا في الخ‪00‬ارج ووجوده‪00‬ا في‪00‬ه‪ ،‬بمع‪00‬نى أن‪00‬ه يجع‪00‬ل الماهي‪00‬ة‬
‫متصفة بالوجود في الخارج‪ 0،‬فالماهية أث‪0‬ر ل‪0‬ه باعتب‪00‬ار الوج‪0‬ود‪ ،‬ال من حيث هي هي ب‪00‬أن تك‪0‬ون‬
‫نفسها صادرة عنه‪ ،‬وال من حيث كونها تلك الماهية بان يجع‪00‬ل الماهي‪00‬ة ماهي‪00‬ة‪ ،‬وإلى ه‪00‬ذا ذهب‬
‫المش‪0‬ائون وعلى كال التق‪00‬ديرين‪0‬‬ ‫ّ‬ ‫المعتزلة القائلون‪ 0‬بأن‪ 0‬للماهية‪ 0‬ثبوتا في الق‪00‬دم‪ ،‬وك‪00‬ذلك الحكم‪00‬اء‬
‫أثر الفاعل هو الشيء الموجود في الخارج‪ 0‬إما بنفسه وإما باعتب‪00‬ار الوج‪00‬ود ولم ي‪00‬ذهب أح‪00‬د إلى‬
‫أن الماهيات مجعولة بمعنى ك‪0‬ون الماهي‪0‬ة‪ 0‬ماهي‪0‬ة‪ ،‬إذ ال مع‪0‬نى ل‪0‬ه ه‪0‬ذا ه‪0‬و تحري‪0‬ر‪ 0‬مح‪0‬ل ال‪0‬نزاع‬
‫حسبما حققه الجالل الدواني في حواش الزوراء‪.)2/471( ،‬‬
‫‪343‬‬
‫صدق عليه الموجود وبالعكس‪ ،‬فكل شيء موجود‪ ،‬وك‪00‬ل موج‪00‬ود ش‪00‬يء‪ ،‬والمع‪00‬دوم‪ 0‬ليس‬
‫بشيء سواء كان ممكنا ً أو ممتنعا ً‪ ،1‬ألن األمور قبل وجودها ال ثبوت لها في نفس األمر‪،‬‬
‫خالفا ً للمعتزلة‪ ،‬فالمعدوم عندهم ش‪00‬يء ألن األش‪00‬ياء قب‪00‬ل وجوده‪00‬ا ثابت‪00‬ة في نفس‪00‬ها‪ ،2‬إال‬
‫أنها مستترة كاستتار الثوب في الصندوق ولذلك يقولون إن الحقائق ليس‪00‬ت بجع‪00‬ل جاع‪00‬ل‬
‫ولم تتعلق القدرة إال بظهورها الستتارها قبل ذلك‪ .‬وأما أه‪00‬ل الس‪00‬نة فيقول‪00‬ون إنه‪00‬ا بجع‪00‬ل‬
‫جاع‪00‬ل تعلقت الق‪00‬درة بوجوده‪00‬ا لع‪00‬دم ثبوته‪00‬ا قب‪00‬ل ذل‪00‬ك‪ ،‬وه‪00‬ذا كل‪00‬ه إنم‪00‬ا ه‪00‬و في الش‪00‬يء‬
‫اصطالحا ً‪ ،3‬وأما لغة‪ :‬فالشيء هو األمر مطلقا ً موجوداً أو معدوماً‪.‬‬
‫‪{ -202‬حقائق األشياء ثابتة}‬
‫ومحل النزاع‪ 0‬كما في شرح المواقف وشرح المحلي لجم‪00‬ع الجوام‪00‬ع الماهي‪00‬ات الممكن‪00‬ة‪،‬‬
‫قال الشربيني في حواشيه على شرح المحلي‪ :‬إنه مح‪00‬ل ال‪00‬نزاع في أن الماهي‪00‬ات له‪00‬ا تق‪00‬رر قب‪00‬ل‬
‫الوجود أوال المبني عليه أن الماهيات مجعولة أوال‪ .‬أما الماهيات الممتنع‪0‬ة فليس متق‪0‬ررة اتفاق‪00‬ا‬
‫كما في عبد الحكيم (‪.)2/470‬‬
‫وبعد بيان هاتين المسألتين نقول‪ :‬من قال‪ :‬الماهيات‪ 0‬مجعولة‪ ،‬وقال‪ :‬إن وج‪00‬ود الش‪00‬يء‬
‫عينه قال‪ :‬المعدوم الممكن الوجود ليس في الخارج بشيء وال ذات وال ثابت أي ال حقيقة له في‬
‫الخارج‪ 0،‬وإنما يتحقق بوجوده في‪0‬ه أي وج‪0‬وده االن‪0‬تزاعي ه‪0‬و ال‪0‬ذي منش‪0‬أ ذات‪0‬ه ول‪0‬ذا ق‪0‬الوا‪ :‬إن‬
‫وجوده عين ذاته ال أمر زائد‪ ،‬وذلك لما عرفت أن الماهي‪00‬ات عن‪00‬د ه‪00‬ؤالء نفس‪00‬ها مجعول‪00‬ة أي أن‬
‫أثر الفاعل ه‪0‬و نفس الماهي‪0‬ات‪ 0،‬وين‪0‬تزع العق‪0‬ل منه‪0‬ا الوج‪0‬ود فليس له‪0‬ا تق‪0‬رر قب‪0‬ل وجوده‪0‬ا‪ ،‬ال‬
‫اتصافها بالوجود حتى يكون لها تقرر قبله‪.‬‬
‫وأما من قال‪ :‬إن الماهيات‪ 0‬غير مجعولة فذهب أكثرهم إلى أن المعدوم ليس بشيء وذلك‬
‫بناء على أن الوجود والثبوت والتقرر‪ 0‬شيء واحد زائد على الذات فلو كان المعدوم متقررا ثابتا‬
‫كان موجودا معدوما‪.‬‬
‫وذهب كثير منهم‪ ،‬وهم طائفة من المعتزلة‪ 0‬إلى أنه شيء أي حقيقة متقررة‪ ،‬ألنه متم‪00‬يز‬
‫في نفسه وكل متميز ثابت متقرر في الخارج‪ 0‬منفك عن صفة الوجود‪.‬‬
‫ومعنى أنه حقيقة متقررة كما قال الشربيني‪ )2/472( 0‬أن شيئية الماهيات هو كونها تلك‬
‫الماهية مع التميز عن غيرها ثابت حال العدم‪ ،‬بمع‪0‬نى أن هن‪0‬اك أم‪0‬را في نفس‪0‬ه يتعل‪0‬ق ب‪0‬ه العلم‪.‬‬
‫وهذا التق‪0‬رر‪ 0‬واس‪00‬طة بين الوج‪0‬ود والع‪00‬دم المحض‪ ،‬إذ الموج‪0‬ود ي‪0‬ترتب‪ 0‬علي‪00‬ه آث‪00‬اره‪ ،‬والمع‪00‬دوم‬
‫المحض ال يتميز وال يتعلق به العلم‪ ،‬وبعد هذا البيان‪.‬‬
‫أقول‪ :‬أشار المصنف بقوله‪ :‬وعندنا الش‪00‬يء ه‪00‬و الموج‪00‬ود إلى أن المع‪00‬دوم ليس بش‪00‬يء‬
‫عندنا أهل السنة في الخارج‪ 0‬أي ال حقيقة له في الخارج‪ ،‬وإنما يتحق‪00‬ق بوج‪00‬وده في‪00‬ه‪ ،‬وذل‪00‬ك إم‪00‬ا‬
‫ألن الماهيات نفسها مجعولة أي أثر الفاعل ال اتصافها بالوجود حتى يكون لها تقرر في الخارج‪0‬‬
‫قبل الوجود ولذا قالوا‪ :‬إن وجودها عينها‪ ،‬أو ألن الوج‪00‬ود والثب‪00‬وت والتق‪00‬رر ش‪00‬يء واح‪00‬د زائ‪00‬د‬
‫على الذات‪ ،‬فلو كان المعدوم متقررا ثابتا‪ 0‬كان موجودا معدوما‪.‬‬
‫فالخالف مبني على أنه هل للماهيات‪ 0‬تقرر في الخارج قبل وجوده‪00‬ا فمن ق‪00‬ال نعم ‪-‬وهم‬
‫المعتزلة‪ -‬قال المعدوم شيء أي متقرر في الخارج وإن كان معدوما فيه ومن ق‪00‬ال‪:‬ال –وهم أه‪00‬ل‬
‫السنة‪ -‬قال‪ :‬المعدوم ليس بشيء والشيء عندهم هو الموجود في الخارج‪.‬‬
‫ومن أجل أن المسألة متعلقة بأن وجود الشيء هل هو عين‪00‬ه أو غ‪0‬يره عقب ه‪0‬ذا ال‪00‬بيت‬
‫بقوله‪ :‬وجود الشيء عينه‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫وقوله “ وث‪00‬ابت في الخ‪00‬ارج الموج‪00‬ود “ جمل‪00‬ة من مبت‪00‬دأ وخ‪00‬بر‪ ،‬فـ “ ث‪00‬ابت في‬
‫الخارج “ خبر مقدم و “ الموج‪00‬ود “ مبت‪00‬دأ م‪00‬ؤخر‪ ،‬يع‪00‬ني أن الث‪00‬ابت في الخ‪00‬ارج بحيث‬
‫تصح رؤيته هو الموجود‪ 1‬وغرضه بذلك‪ ،‬الرد على السوفسطائية ال‪0‬ذين ينك‪0‬رون حق‪0‬ائق‬
‫األشياء ويزعمون أنها خياالت‪ ،‬ولذلك قال في أول العقائد “ حقائق األش‪0‬ياء ثابت‪0‬ة والعلم‬
‫بها متحقق خالفا ً للسوفسطائية “ وقد حكى أن سوفسطائيا ً أتى على بغلة إلى اإلمام أبي‬
‫حنيفة ليناظره؛ فأمر اإلم‪00‬ام بعض تالمذت‪00‬ه أن ي‪00‬ذهب بالبغل‪00‬ة‪ ،‬فلم‪00‬ا خ‪00‬رج الس‪00‬وفطائي لم‬
‫يجدها فطلبها‪ ،‬فقال له اإلمام‪ :‬أنت تزعم أنه لم يكن لبغلتك حقيقة فال تطلبه‪00‬ا‪ ،‬فرج‪00‬ع عن‬
‫معتقده وردّت إليه بغلته‪.‬‬

‫‪ 1‬كان عليه‪ 0‬أن يقول‪ :‬والمعدوم الممكن ليس بشيء ألن خالف المعتزلة في الممكن فقط‪،‬‬
‫وأما الممتنع فقد وافقوا أهل السنة في أنه ليس متقررا في الخارج وأنه ليس بشيء‪.‬‬
‫‪ 2‬قالوا‪ :‬ألنها متميزة في نفسها‪ ،‬وكل متميز ثابت‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله‪ :‬وهذا كله إنما ه‪0‬و في الش‪0‬يء اص‪0‬طالحا‪...‬الخ ه‪0‬ذا الكالم ليس بس‪0‬ديد وذل‪0‬ك أن‬
‫هاهنا بحثان األول معنوي وهو أنه هل للمعدوم ثبوت وتقرر حال العدم أم ال وهذا ما بيناه آنفا‪،‬‬
‫والثاني بحث لفظي لغوي متعلق باللغة أي متعلق ببيان ما وضع له لفظ الشيء لغة‪ ،‬ه‪00‬ل وض‪00‬ع‬
‫للموجود فقط أو لما يعمه والمع‪00‬دوم؟ أه‪00‬ل الس‪00‬نة على األول والمعتزل‪00‬ة على الث‪00‬اني‪ ،‬ومن أج‪00‬ل‬
‫ذل‪00‬ك ق‪00‬ال القاض‪00‬ي عض‪00‬د ال‪00‬دين في المواق‪00‬ف‪( :‬وال‪00‬نزاع‪ 0‬لفظي‪ .‬والح‪00‬ق م‪00‬ا يس‪00‬اعد علي‪00‬ه اللغ‪00‬ة‬
‫والظاهر معنا) وقال السيد الش‪00‬ريف ش‪00‬ارحا‪ 0‬له‪00‬ذا الكالم‪( :‬وال‪00‬نزاع‪ 0‬لفظي) متعل‪00‬ق بلف‪00‬ظ الش‪00‬يء‬
‫وأنه على ماذا يطلق (والحق ما يساعد عليه‪ 0‬اللغ‪0‬ة) والنق‪0‬ل إذ ال مج‪0‬ال للعق‪0‬ل في إثب‪0‬ات اللغ‪0‬ات‪0‬‬
‫(والظاهر معنا) فإن أهل اللغة في كل عصر يطلقون لفظ الشيء على الموجود‪ .‬ش‪00‬رح المواق‪00‬ف‬
‫(‪.)213-2/211‬‬
‫ه‪00‬ذا م‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه القاض ‪0‬ي‪ 0‬عض‪00‬دالدين‪ 0‬والس‪00‬يد الش‪00‬ريف من أن هن‪00‬اك بحث‪00‬ان معن‪00‬وي‬
‫ولفظي‪ .‬ورد عليهم‪00‬ا المحق‪00‬ق الكب‪00‬ير‪ 0‬موالن‪00‬ا الش‪00‬يخ خال‪00‬د البغ‪00‬دادي في تعليقات ‪0‬ه‪ 0‬على حواش‪00‬ي‬
‫السيالكوتي‪ 0‬على شرح العقائد‪ 0‬النسفية‪ 0‬بأن‪00‬ه ليس هن‪00‬اك خالف لفظي بين أه‪00‬ل الس‪00‬نة والمعتزل‪00‬ة‬
‫وال بحث لفظي‪ ،‬وإنما الخالف والبحث‪ 0‬معنويان فق‪00‬ط ‪ ،‬وبين أن م‪00‬راد أه‪00‬ل الس‪00‬نة بق‪00‬ولهم‪" :‬إن‬
‫الش‪00‬يء ه‪00‬و الموج‪00‬ود" أن المع‪00‬دوم ليس ل‪00‬ه ثب‪00‬وت وتق‪00‬رر في الخ‪00‬ارج‪ 0،‬ألن الماهي‪00‬ات عن‪00‬دهم‬
‫مجعولة‪ .‬وأما المعتزلة‪ 0‬فالماهيات‪ 0‬عندهم غير مجعولة‪ ،‬أي إنها قبل وجودها متقررة وثابت‪00‬ة في‬
‫الخارج ‪ ،‬فمن أجل ذلك قالوا‪ :‬إن المعدوم شيء بمعنى أنه أمر متقرر وثابت في الخارج‪.‬‬
‫قال موالنا الشيخ خال‪00‬د ص ‪ :94‬إن قلت‪ :‬النص‪00‬وص إنم‪00‬ا تص‪00‬رح بإحاط‪0‬ة‪ 0‬علم‪00‬ه تب‪00‬ارك‬
‫وتعالى بكل شيء‪ ،‬والشيء عن‪00‬دنا بمع‪00‬نى الموج‪0‬ود كم‪00‬ا س‪0‬بق التص‪0‬ريح ب‪00‬ه من الش‪00‬ارح وفاق‪00‬ا‬
‫للمحققين‪ ،‬والمعدوم عن‪00‬دنا ليس بش‪00‬يء فكي‪00‬ف ت‪00‬دل النص‪00‬وص على علم‪00‬ه تع‪00‬الى بنعيم الجن‪00‬ان‪0‬‬
‫الغير المتناهي قبل وجودها مثال؟‪.‬‬
‫قلت‪ :‬معنى كون المعدوم ليس بش‪00‬يء عن‪00‬دنا أن‪00‬ه ليس ل‪00‬ه ول‪00‬و ممكن‪00‬ا ثب‪00‬وت وتق‪00‬رر في‬
‫الخارج منفكا عن صفة الوجود بخالفه عند المعتزلة‪ 0،‬ال أنه ال يطلق عليه لفظ الشيء لغة‪ ،‬ف‪00‬إن‬
‫مفهومه اللغوي – وهو ما يمكن اإلخبار عنه – يتناول حتى الممتنع كما ص‪00‬رح ب‪00‬ه في الكش‪00‬اف‬
‫وتبعه الشارح‪ 0‬والسيد في شرحيهما عليه ومحققواالمحشين للبيضاوي‬
‫وال يوهمنك ظاهر عبارة البيضاوي وشرحي المواقف والمقاصد الدال على خالف ذل‪00‬ك‪،‬‬
‫فإن المتبادر منها غير مراد‪ ،‬أو معترض كم‪00‬ا نب‪00‬ه على بعض ذل‪00‬ك بعض المحققين في حواش‪00‬ي‬
‫ش‪00‬رح المواق‪00‬ف‪ ،‬وأش‪00‬ار إال بعض من‪00‬ه الش‪00‬هاب الخف‪00‬اجي‪ 0‬في حواش‪00‬ي البيض‪00‬اوي ( ‪)1/412‬‬
‫‪345‬‬
‫‪ -123‬وجود شيء عينه والجوهر ‪ ##‬الفرد حادث عندنا ال ينكر‬
‫‪{ -203‬وجود الشيء عينه}‬
‫(قوله وجود شيء عينه) أي إن وجود شيء من الموجودات عين حقيقته كما قال‬
‫األشعري ومن تبعه‪ .‬وقال اإلمام الرازي‪ :‬وجود الشيء ليس عين حقيقت‪00‬ه‪ ،‬وفس‪00‬ره بأن‪00‬ه‬
‫الحال الثابتة لل‪0‬ذات م‪0‬ا دامت ال‪00‬ذات‪ ،‬وه‪0‬ذه الح‪00‬ال غ‪00‬ير معلل‪00‬ة بعل‪0‬ة‪ ،‬ثم إن بعض‪0‬هم أبقى‬
‫عبارة األشعري على ظاهره‪0‬ا‪ ،‬وجع‪0‬ل في ع‪ّ 0‬د الوج‪0‬ود ص‪0‬فة تس‪0‬امحا ً وأوله‪0‬ا المحقق‪0‬ون‬
‫كالسعد ب‪00‬أن الم‪00‬راد أن وج‪00‬ود الش‪00‬يء ليس زائ‪00‬داً في الخ‪00‬ارج ي‪00‬رى كالق‪00‬درة واإلرادة فال‬
‫ينافي أنه أمر اعتباري‪ ،‬وهو ثب‪00‬وت الش‪00‬يء؛ وه‪00‬ذا ه‪00‬و التحقي‪00‬ق وإن ك‪00‬ان ظ‪00‬اهر عب‪00‬ارة‬

‫‪ .‬فليراجع‪.‬‬
‫أقول‪ :‬قد تكلم اآللوسي في تفسيره (‪ )1/178‬على المسألة‪ 0‬بكلم متين‪ ،‬قال‪ :‬إن الش‪00‬يء‬
‫في اللغة بمعنى ما يصح أن يعلم ويخبر عنه كما نص على ذلك س‪00‬يبويه‪ ،‬وه‪00‬و ش‪00‬امل للمع‪00‬دوم‪،‬‬
‫والموجود‪ ،‬وال‪00‬واجب‪ ،‬والممكن‪ ،‬وتختل‪00‬ف إطالقات‪00‬ه‪ ،‬ويعلم الم‪00‬راد من‪00‬ه ب‪00‬القرائن‪ 0،‬فيطل‪00‬ق ت‪00‬ارة‬
‫ويراد منه جميع أفراده كقول‪00‬ه تع‪0‬الى‪ ( 0:‬وهللا بك‪0‬ل ش‪0‬يء عليم)‪ ...‬وق‪0‬د يطل‪0‬ق وي‪00‬راد ب‪00‬ه الممكن‬
‫الخارجي الموجود في الذهن كما في قوله تعالى‪ ( :‬وال تقولن لشيء إني فاعل ذل‪00‬ك غ‪00‬دا إال أن‬
‫يشاء هللا ) بقرينة كونه متصورا مشيئا فعله غدا‪ ،‬وقد يطلق ويراد ب‪00‬ه الممكن المع‪00‬دوم كم‪00‬ا في‬
‫قوله تعالى‪( :‬إنما قولن‪00‬ا لش‪00‬يء إذا أردن‪00‬اه أن نق‪0‬ول ل‪00‬ه كن فيك‪0‬ون) بقرين‪00‬ة أرادة التك‪00‬وين ال‪00‬تي‬
‫تختص بالمعدوم‪ ،‬وقد يطلق ويراد به الموجود الخارجي‪ 0‬كما في قوله تع‪00‬الى‪ ( 0:‬وق‪00‬د خلقت ‪0‬ك‪ 0‬من‬
‫قبل ولم تك شيئا) أي موجود خارجيا‪ ...‬وشيوع إستعماله في الموج‪00‬ود ال ينهض ص‪00‬ارفا‪ 0‬إذ ذاك‬
‫إنما هو لكون تعلق الغرض في المحاورات بأحوال الموجودات أكثر‪ ،‬ال إلختصاصه به لغة‪.‬‬
‫ثم رد اآللوس‪00‬ي على الق‪00‬ائلين‪ 0‬باختصاص‪00‬ه ب‪00‬الموجود ومنهم البيض‪00‬اوي في تفس‪00‬يره‬
‫والسعد التفتازاني‪ 0‬والسيد الشريف الجرجاني في شرحي المقاصد والمواقف‪.‬‬
‫أقول‪ :‬اتفقت معظم المصادر اللغوية الموثوقة على نقل كالم سيبويه المتقدم على وجه‬
‫اإلرتض‪00‬اء واإلستش‪00‬هاد‪ ،‬فليكن ه‪00‬و الفيص‪00‬ل‪ 0‬في المس‪00‬ألة‪ 0،‬ثم إن س‪00‬ياق كالم المتكلمين‪ 0‬عن‪00‬دما‬
‫يتكلم‪00‬ون على أن الماهي‪00‬ات‪ 0‬ه‪00‬ل هي ثابت‪00‬ة أم ال ي‪00‬دل على أنهم أرادوا م‪00‬ا ذك‪00‬ره المحق‪00‬ق الش‪00‬يخ‬
‫خالد‪ ،‬ولم يريدوا بيان المعنى اللغوي للفظ الشيء‪ ،‬وال بيان الخالف فيه‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله "يع‪00‬ني أن الث‪00‬ابت‪ ..‬إلخ" ه‪00‬ذا التفس‪00‬ير باعتب‪00‬ار الظ‪00‬اهر من كالم المص‪00‬نف من أن‬
‫مقصوده تفسير الموجود بأنه ما ثبت خارجاً‪ ،‬وهذا ليس مراداً للمصنف أصالً‪ ،‬ب‪00‬ل مقص‪00‬وده أن‬
‫الحقائق التي نتعقله‪00‬ا ونس‪00‬ميها باألس‪00‬ماء كمس‪00‬مى اإلنس‪00‬ان‪ 0‬ومس‪00‬مى الحي‪00‬وان ومس‪00‬مى األرض‬
‫والس‪00‬ماء ثابت‪00‬ة في الواق‪00‬ع رداً على السوفس‪00‬طائية‪ 0‬في ق‪00‬ولهم‪ :‬إنه‪00‬ا تخيالت‪ 0‬ال ثب‪00‬وت له‪00‬ا في‬
‫الواقع‪ ،‬فمراده بالموجود تلك الحقائق‪ ،‬يؤخذ هذا من عبارة الشيخ عبد السالم‪ .‬أجهوري أق‪00‬ول‪:‬‬
‫المناسب‪ 0‬بوقوع هذا الشطر‪ 0‬بين ق‪0‬ول المص‪00‬نف‪ :‬وعن‪00‬دنا الش‪00‬يء ه‪0‬و الموج‪00‬ود‪ ،‬وقول‪00‬ه‪ :‬وج‪00‬ود‬
‫الشيء عينه‪ ،‬أن يحمل هذا الكالم على ما هو الظاهر منه‪.‬‬
‫‪346‬‬
‫المصنف يفيد أن الوجود عين الموجود حقيقة كما هو ظاهر عبارة األش‪00‬عري‪ ،‬وق‪00‬د تق‪00‬دم‬
‫توضيح ذلك‬
‫‪{ -204‬الجوهر الفردموجود حادث}‬
‫(قول‪0‬ه والج‪00‬وهر الف‪0‬رد ح‪00‬ادث)‪ 1‬بس‪00‬كون المثلث‪00‬ة لض‪0‬رورة ال‪0‬وزن‪ :‬أي والج‪0‬وهر‬
‫الفرد هو الجزء الذي ال يتجزأ‪ ،‬بحيث ال يقبل القسمة أصالً ال قطع‪0‬ا ً‪ 2‬وال كس‪00‬راً وال وهم‪0‬ا ً‬
‫وال فرضا ً مطابقا ً للواقع‪ ،‬وإال فقد يفرض العقل المحال‪ ،‬ومعنى كونه حادث ‪0‬ا ً أن‪00‬ه مس‪00‬بوق‬
‫بالعدم؛ ألنه ال معنى للحادث إال ما كان مسبوقا ً بالعدم‪ ،‬وجميع األجسام متركبة من‪00‬ه فهي‬
‫حادثة‪ ،‬والعالم بجميع أجزائه حادث‪ ،‬وهذا مذهب المسلمين‪.‬‬
‫وقالت الفالسفة‪ :‬جميع األجسام متركبة من الهيولى‪ ،‬أي المادة‪ ،‬ك‪00‬الطين بالنس‪00‬بة‬
‫لإلبريق‪ ،‬ومن الصورة وهي عندهم ج‪00‬وهر ح‪00‬ا ّل في غ‪00‬يره كاإلبريقي‪00‬ة الحال‪00‬ة في الطين‪.‬‬
‫وأما عندنا فهي عرض ال جوهر‪ .‬قوله “ عندنا ال ينكر “ أي عندنا معاشر المس‪0‬لمين ال‬
‫ينكر ثبوته وتق‪00‬رره في الوج‪00‬ود‪ ،‬ألن هللا تع‪00‬الى ق‪00‬ادر على تفري‪0‬ق األجس‪00‬ام‪ 0‬بحيث ال يبقى‬
‫جزء على جزء‪ ،‬وغرضه بذلك الرد على الفالسفة المنكرين للجوهر الفرد‪ ،‬ويترتب على‬
‫الخالف في ثبوت‪0‬ه وعدم‪0‬ه الق‪0‬ول بح‪0‬دوث الع‪0‬الم وقدم‪0‬ه‪ ،‬وإذا علمت ذل‪0‬ك علمت أن ه‪0‬ذه‬
‫المسألة ينبغي معرفتها واالعتناء بها فتفطن‪.‬‬

‫‪{ -205‬الذنوب قسمان كبائر وصغائر}‬


‫‪ -124‬ثم الذنوب عندنا قسمان ‪ ##‬صغيرة كبيرة فالثاني‬
‫(قوله ثم الذنوب عندنا قسمان) أي ثم ال‪00‬ذنوب عن‪00‬د جمه‪00‬ور أه‪00‬ل الس‪00‬نة قس‪00‬مان‪:‬‬
‫صغائر وكبائر‪ ،‬كما سيذكره‪ ،‬خالفا ً للمرجئة حيث ذهبوا إلى أنه‪00‬ا كله‪00‬ا ص‪00‬غائر وال تض‪00‬ر‬
‫مرتكبها ما دام على اإلسالم‪ ،‬ولذلك قال شاعرهم‪:‬‬
‫مت مسلما ً ومن الذنوب فال تخف‪ ##‬حاشا المهيمن أن يُ ِري تنكيدا‬

‫‪ 1‬قوله "حادث" أي موجود بعد عدم‪ ،‬والمقصود بال‪00‬ذات‪ 0‬الحكم علي‪00‬ه ب‪00‬الوجود رداً على‬
‫من أنكر وجوده وهم الفالسفة‪ ،‬وأما حدوثه فهو معلوم من حدوث العالم‪ .‬أجهوري‬
‫‪ 2‬قول‪00‬ه "ال قطع‪00‬ا ً … إلخ" القط‪00‬ع‪ :‬م‪00‬ا يحت‪00‬اج‪ 0‬إلى آل‪00‬ة نف‪00‬اذة كالس‪00‬كين‪ ،‬أو إلى ج‪00‬ذب‬
‫الطرفين أي ش‪00‬دهما‪ ،‬والكس‪00‬ر ال يحت‪00‬اج إلى ش‪00‬يء من ذل‪00‬ك‪ ،‬وال‪00‬وهم والف‪00‬رض قي‪00‬ل مترادف‪00‬ان‪،‬‬
‫والمراد منهما على هذا اعتق‪0‬اد قب‪0‬ول القس‪0‬مة اعتق‪0‬اداً مطابق‪0‬اً‪ 0‬للواق‪0‬ع‪ ،‬وإنم‪0‬ا كان‪0‬ا به‪0‬ذا المع‪0‬نى‬
‫منفيين؛‪ 0‬ألن اعتقاد قبول القسمة ال يكون مطابقاً‪ 0‬للواق‪00‬ع إال فيم‪00‬ا ل‪00‬ه امت‪00‬داد‪ ،‬والج‪00‬وهر الف‪00‬رد ال‬
‫امتداد فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬متغايران‪ 0،‬والمراد بالوهم على هذا؛ اإلدراك بالقوة الواهم‪00‬ة المع‪00‬دودة إلدراك‬
‫الجزئيات‪ .‬والمراد بالفرض‪ :‬اإلدراك بالقوة العاقلة المع‪0‬دودة إلدراك الكلي‪00‬ات‪ 0،‬وال يص‪0‬ح نفيهم‪0‬ا‬
‫بهذا المع‪00‬نى أيض‪0‬اً‪ 0‬إال إذا قي‪00‬دا بالمطابق‪00‬ة للواق‪00‬ع‪ .‬ه‪00‬ذا م‪00‬ا تلخص من حاش‪00‬ية األم‪00‬ير م‪00‬ع ش‪00‬رح‬
‫المصنف‪ .‬أجهوري‬
‫‪347‬‬
‫لو رام أن يصليك نار جهنم ‪ ##‬ما كان ألهم قلبك التوحيدا‬
‫وخالفا ً للخوارج حيث ذهبوا إلى أنه‪0‬ا كلمه‪0‬ا كب‪0‬ائر‪ ،‬وأن ك‪0‬ل كب‪0‬يرة كف‪00‬ر‪ ،‬وخالف‪0‬ا ً‬
‫لمن ذهب إلى أنها كلها كبائر نظراً لعظمة من عصي به‪00‬ا‪ ،‬ولكن ال يكف‪00‬ر مرتكبه‪00‬ا إال بم‪00‬ا‬
‫هو كفر منها‪ :‬كسجود لصنم ورمي مصحف في قاذورة ونحو ذلك‪.‬‬
‫قوله “ صغيرة كبيرة “ بدل من قوله “ قسمان “ للتفصيل‪ ،‬وفيه حذف العطف‪،‬‬
‫واألصل‪ :‬صغيرة وكبيرة‪ ،‬وليست الكيبرة منحصرة في عدد‪.‬‬
‫وهي كما ق‪00‬ال ابن الص‪00‬الح‪ :‬ك‪00‬ل ذنب َكبُ‪00‬ر ِكبَ‪00‬راً يص‪00‬ح مع‪00‬ه أن يطل‪00‬ق علي‪00‬ه اس‪00‬م‬
‫الكبيرة؛ ولها أمارات‪ :‬منها إيج‪00‬اب الح‪0‬دّ‪ ،‬ومنه‪00‬ا اإليع‪00‬اد عليه‪00‬ا بالعق‪00‬اب‪ ،‬ومنه‪00‬ا وص‪00‬ف‬
‫فاعلها بالفسق‪ ،‬ومنها اللعن كلعن هللا السارق‪ ،‬وأكبرها الشرك باهلل‪ ،‬ثم قتل النفس ال‪00‬تي‬
‫حرم هللا قتلها إال بالحق؛ وما سوى هذين منها كالزنا واللواط وعقوق الوال‪00‬دين والس‪00‬حر‬
‫والق‪0‬ذف والف‪00‬رار ي‪0‬وم الزح‪0‬ف وأك‪0‬ل الرب‪0‬ا وغ‪00‬ير ذل‪0‬ك فمختل‪00‬ف أم‪0‬ره ب‪00‬اختالف األح‪0‬وال‬
‫والمفاس‪00‬د المترتب‪00‬ة علي‪00‬ه؛ فيق‪00‬ال لك‪00‬ل واح‪00‬دة من‪00‬ه‪ :‬هي من أك‪00‬بر الكب‪00‬ائر‪ ،‬وإن ج‪00‬اء في‬
‫موضع أنها أكبر الكبائر كان المراد منه أنها من أكبر الكبائر كما قاله النووي‪.‬‬
‫ومن أكبر الكبائر أيضا ً الكذب على رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ‪ ،‬ب‪00‬ل ق‪00‬ال‬
‫الشيخ أبو محمد الجويني‪ :‬إن من تعمد الكذب عليه صلى هللا عليه وآله وسلم يكف‪00‬ر كف‪00‬راً‬
‫يخرجه عن الملة‪ ،‬وتبعه على ذلك طائفة وهو ضعيف‪.‬‬
‫وكل ما خرج عن ح ّد الكبيرة وضابطها فه‪00‬و ص‪00‬غيرة‪ ،‬وق‪00‬د تعطى حكم الكب‪00‬يرة ال‬
‫أنه‪00‬ا تنقلب كب‪00‬يرة كم‪00‬ا قال‪00‬ه ابن حج‪00‬ر في ش‪00‬رح األربعين النووي‪00‬ة وإن وق‪00‬ع في عب‪00‬ارة‬
‫بعضهم أنها تنقلب كبيرة باإلصرار عليها‪ :‬وه‪0‬و مع‪00‬اودة ال‪00‬ذنب م‪0‬ع ني‪00‬ة الع‪0‬ود إلي‪00‬ه عن‪0‬د‬
‫الفعل؛ فإن ع‪0‬اوده من غ‪00‬ير ني‪00‬ة الع‪00‬ود لم يكن إص‪00‬راراً على األص‪00‬ح‪ .‬وق‪00‬ال بعض‪00‬هم‪ :‬ه‪00‬و‬
‫تكرير الذنب سواء عزم على العود أو ال‪ ،‬وبالتهاون بها وهو االستخفاف‪ 0‬وع‪00‬دم المب‪00‬االة‬
‫بها‪ ،‬وبالفرح واالفتخار بها وصدورها من عالم يقتدى به فيها‪.‬‬

‫منه المتاب واجب في الحال ‪ ##‬وال انتقاض إن يعد للحال‬ ‫‪-125‬‬


‫‪{ -206‬تجب التوبة من الذنوب}‬
‫(قول‪00‬ه فالث‪00‬اني من‪00‬ه المت‪00‬اب واجب في الح‪00‬ال) أي إذا علمت أن ال‪00‬ذنوب قس‪00‬مان‪:‬‬
‫صغائر وكب‪0‬ائر؛ ف‪0‬اعلم أن الث‪0‬اني وه‪0‬و الكب‪0‬ائر من‪0‬ه المت‪0‬اب واجب عين‪0‬ا ً في ح‪0‬ال التلبس‬
‫بالمعصية فوراً‪ ،‬فتأخيرها ذنب آخر لكنه ذنب واحد ول‪00‬و ت‪00‬راخى‪ ،‬نعم يتف‪00‬اوت في الكي‪00‬ف‬
‫باعتبار طول الزمان وقصره خالفا ً للمعتزلة القائلين بتعدّده بتعدّد الزمان‪ ،‬حتى لو أخرها‬
‫ب فأربع‪00‬ة ذن‪00‬وب‪ :‬ال‪00‬ذنب األ ّول‪ ،‬وت‪00‬أخير توبت‪0‬ه في اللحظ‪0‬ة األولى‪،‬‬
‫لحظة بعد لحظ‪ِ 0‬ة ال‪0‬ذن ِ‬

‫‪348‬‬
‫وتأخير التوبة من هذين في الثانية‪ ،‬وإن أخر لحظة أخرى فثمانية‪ .‬وهكذا‪ ،‬وإنم‪00‬ا اقتص‪00‬ر‬
‫المص‪00‬نف على الث‪00‬اني ألن‪00‬ه األهم‪ ،‬وإال ف‪00‬األول وه‪00‬و الص‪00‬غائر ك‪00‬ذلك‪ ،‬وعب‪00‬ارة الن‪00‬ووي “‬
‫واتفقوا‪ 0‬على أن التوبة من جيمع المعاصي واجب‪0‬ة على الف‪0‬ور وال يج‪0‬وز تأخيره‪0‬ا س‪0‬واء‬
‫كانت المعصية صغيرة أو كبيرة “ انتهت‪.‬‬
‫والمراد بالمت‪00‬اب‪ :‬التوب‪00‬ة‪ ،‬فه‪00‬و مص‪00‬در ميمي بمع‪00‬نى التوب‪00‬ة‪ :‬وهي –لغ‪00‬ة‪ -‬مطل‪00‬ق‬
‫الرجوع‪ .‬وشرعاً‪ :‬ما استجمع ثالثة أركان‪ :‬اإلقالع من الذنب فال تصح توبة المكاس مثالً‬
‫إال إذا أقلع عن المكس‪ .‬والندم على فعلها لوجه هللا تع‪00‬الى فال تص‪00‬ح توب‪00‬ة من لم ين‪00‬دم أو‬
‫ندم لغير وجه هللا تعالى كأن ندم ألج‪00‬ل مص‪00‬يبة حص‪00‬لت ل‪00‬ه‪ .‬والع‪00‬زم على أن ال يع‪00‬ود‪ 1‬إلى‬
‫مثله‪00‬ا أب‪00‬داً فال تص‪00‬ح توب‪00‬ة من لم يع‪00‬زم على ع‪00‬دم الع‪00‬ود‪ .‬وه‪00‬ذا إن لم تتعل‪00‬ق المعص‪00‬ية‬
‫باآلدمي؛ فإن تعلقت به فلها شرط رابع‪ :‬وهو ر ّد الظالمة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة‬
‫منه تفصيالً عندنا معاشر الشافعية وأما عند المالكية فيكفي تحصيل البراءة إجماالً‪ ،‬وفيه‬
‫فسحة‪ ،‬فإن لم يقدر على ذلك بأن كان مس‪00‬تغرق ال‪00‬ذمم‪ ،‬ف‪00‬المطلوب من‪00‬ه اإلخالص وك‪00‬ثرة‬
‫التضرع إلى هللا لعله يُرضي عنه خصماءه يوم القيام‪00‬ة‪ .‬ومن ش‪00‬روطها أيض‪0‬اً‪ :‬ص‪00‬دورها‬
‫قبل الغرغرة وهي حالة النزع‪ ،‬وقبل طل‪00‬وع الش‪00‬مس من مغربه‪00‬ا؛ ففي حال‪00‬ة الغرغ‪00‬رة ال‬
‫‪3‬‬
‫تقبل توبة وال غيرها‪ 2‬وكذلك إذا طلعت الشمس من مغربها فإنه حينئذ يغل‪00‬ق ب‪00‬اب التوبة‬
‫ويسمع له دوي‪،4‬فتمنع التوب‪00‬ة على من لم يكن ت‪00‬اب قب‪00‬ل ذل‪00‬ك‪ ،‬وال ف‪00‬رق في ع‪00‬دم ص‪00‬حة‬
‫التوبة في حال الغرغرة عند األشاعرة بين الكافر والمؤمن العاصي‪ ،‬وأما عند الماتريدية‬
‫فال تصح من الكافر في حال الغرغرة‪ ،‬وتصح من المؤمن حينئذ‪ ،‬وبعض‪00‬هم يعكس م‪00‬ذهب‬
‫الماتريدية‪ ،‬وعلى كل حال هو بعيد‪.‬‬
‫وال خالف في وجوب التوبة عيناً؛ وإنما الخالف في دلي‪00‬ل الوج‪00‬وب‪ ،‬فعن‪00‬دنا دليل‪00‬ه‬
‫سمعي كقوله تعالى‪َ ( :‬وتُوبُوا إِلَى هَّللا ِ َج ِميعا ً أَ ُّي َها ا ْل ُمؤْ ِمنُ‪0‬ونَ ) (الن‪0‬ور‪ :‬من اآلية‪ )31‬وعن‪0‬د‬

‫‪ 1‬قوله "والعزم على أن ال يعود ‪ ..‬إلخ" رخص ابن الع‪00‬ربي في ه‪00‬ذا ال‪00‬ركن فق‪00‬ال‪ :‬يكفي‬
‫الندم وال يشترط العزم على أن ال يعود بل التفويض‪ 0‬أولى كما وق‪00‬ع آلدم علي‪00‬ه الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪.‬‬
‫ذكره األمير في الحاشية‪ .‬أجهوري‬
‫‪ 2‬قوله "ففي حالة الغرغرة ال تقبل توبة وال غيرها" لم يظهر لهذا وجه‪ ،‬فإن‪00‬ه إذا ص‪00‬لى‬
‫في تلك الحالة باإليماء كانت صالته صحيحة‪ ،‬وكذا إذا كان صائماً‪ 0‬وصادف ص‪00‬ومه تل‪0‬ك‪ 0‬الحال‪00‬ة‪،‬‬
‫إلى غير ذلك من العبادات‪ .‬ويمكن أن يحمل كالم المحشي على م‪00‬ا إذا زال عقل‪00‬ه وقت الغرغ‪00‬رة‪0،‬‬
‫وإن ك‪00‬ان بعي‪00‬داً‪ .‬أجه‪00‬وري‪ .‬أق‪00‬ول لع‪00‬ل الش‪00‬ارح أراد بالتوب‪0‬ة‪ 0‬التوب‪00‬ة من المعاص‪0‬ي‪ 0‬غ‪00‬ير الكف‪00‬ر‪،‬‬
‫وبغيرها اإلسالم وهو التوبة من الكفر‪ 0،‬أخرج الترمذي في كتاب الدعوات رقم ( ‪ )3537‬عن ابن‬
‫عمر رضي هللا عنه عن النبي‪ 0‬صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ق‪00‬ال‪( :‬إن هللا يقب‪00‬ل توب‪00‬ة العب‪00‬د م‪00‬ا لم‬
‫يغرغر) وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪ .‬وأخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد رقم (‪.)4253‬‬
‫‪ 3‬أخرج مسلم في كتاب الذكر والدعاء رقم ( ‪ )2703‬عن أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‪ 0‬وآله وسلم‪( :‬من تاب‪ 0‬قبل أن تطلع الش‪00‬مس من مغربه‪00‬ا ت‪00‬اب‪0‬‬
‫هللا عليه)‪.‬‬
‫‪ 4‬وذلك تمثيالً لغلق بابها كما يسمع دوي للباب‪ 0‬حين رده‪.‬‬
‫‪349‬‬
‫المعتزلة دليله عقلي‪ ،‬ألن العقل يدرك حس‪00‬نها‪ ،‬وم‪00‬ا أدرك العق‪00‬ل حس‪00‬نه فه‪00‬و واجب بن‪00‬اء‬
‫على مذهبهم الفاسد من أن األحكام تابعة للتحسين والتقبيح العقليين‪.‬‬
‫(قوله وال انتقاض إن يعد للحال) أي وال انتق‪00‬اض لتوب‪00‬ة الت‪00‬ائب الش‪00‬رعية إن يع‪00‬د‬
‫للحال التي كان عليها من التلبس بالذنب‪ ،‬فال يعود ذنبه ال‪00‬ذي ت‪00‬اب من‪00‬ه بع‪00‬وده ل‪00‬ه خالف‪0‬ا ً‬
‫للمعتزلة في قولهم بانتقاض التوبة بعوده للذنب فيعود ذنبه الذي تاب منه بعوده ل‪00‬ه‪ ،‬ألن‬
‫من شروط التوبة عندهم أن ال يعاود الذنب بعد التوبة‪ ،‬وعند الصوفية معاودة الذنب بع‪00‬د‬
‫التوبة أقبح من سبعين ذنبا ً بال توبة‪.‬‬

‫‪ -126‬لكن يجدد توبة لما اقترف ‪ ##‬وفي القبول رأيهم قد اختلف‬


‫‪{ -207‬يجب على العائد إلى الذنب الذي تاب منه تجديد توبته}‬
‫(وقوله لكن يجدد توبة لما اقترف) بس‪00‬كون ال‪00‬دال ألن‪00‬ه رج‪00‬ز‪ :‬أي لكن يجب علي‪00‬ه‬
‫تجديد التوبة للذنب الذي ارتكبه ثانياً‪ ،‬فال يضر إال اإلصرار على المعاصي‪ ،‬بخالف ما إذا‬

‫‪350‬‬
‫كان كلما وقع في معصية تاب منه‪00‬ا‪ .‬ق‪00‬ال هللا تع‪00‬الى‪( :‬إِنَّ هَّللا َ يُ ِح ُّب التَّ َّوابِينَ ) (البق‪00‬رة‪ :‬من‬
‫اآلية‪ )222‬وهم الذين كلما أذنبوا تابوا‪ .‬وفي الحديث (التائب من الذنب كمن ال ذنب له)‪.1‬‬
‫‪{ -208‬هل قبول التوبة قطعي أو ظني}‬
‫وقوله “ وفي القب‪0‬ول رأيهم ق‪0‬د اختل‪0‬ف “ أي وفي قب‪0‬ول التوب‪0‬ة رأي العلم‪0‬اء ق‪0‬د‬
‫اختلف‪ ،‬فقال إمامنا أبو الحسن األشعري بأنها تقبل قطعا ً بدليل قطعي‪ ،‬كم‪00‬ا ي‪00‬دل ل‪00‬ه قول‪00‬ه‬
‫تعالى‪َ ( :‬و ُه َو الَّ ِذي يَ ْقبَ ُل التَّوبَةَ عَنْ ِعبَا ِد ِه) (الشورى‪ :‬من اآلية‪ )25‬والدعاء بقبولها لعدم‬
‫الوثوق بشروطها‪ ،‬وقال إمام الحرمين والقاضي بأنها تقب‪00‬ل ظن‪0‬ا ً ب‪00‬دليل ظ‪00‬ني لكن‪00‬ه ق‪0‬ريب‬
‫‪0‬و الَّ ِذي يَ ْقبَ‪ُ 0‬ل التَّوبَ‪0‬ةَ عَنْ ِعبَ‪00‬ا ِد ِه)‬ ‫(و ُه‪َ 0‬‬
‫من القطعي إذ يحتمل أن يكون مع‪00‬نى قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫(الشورى‪ :‬من اآلية‪ )25‬أنه يقبلها إن شاء‪ ،‬وهذا الخالف في غير توبة الكافر‪ ،‬وأم‪00‬ا هي‬
‫فمقبولة قطعا ً بدليل قطعي اتفاقا ً لقوله تعالى‪( :‬قُ ْل لِلَّ ِذينَ َكفَ ُروا إِنْ يَ ْنتَ ُهوا يُ ْغفَ ْر لَ ُه ْم َم‪00‬ا قَ ‪ْ 0‬د‬
‫سلَفَ ) (األنفال‪ :‬من اآلية‪ )38‬وهل توبة الكافر نفس إسالمه‪ ،‬أو ال بد م‪00‬ع ذل‪00‬ك من الن‪00‬دم‬ ‫َ‬
‫علىكفره؟ فأوجبه إمام الحرمين‪ .‬وقال غيره‪ :‬يكفيه إيمانه‪ ،‬ألن كفره ُمحي بإيمانه‪.‬‬

‫‪{ -209‬حفظ الكليات الست}‬


‫وعرض قد وجب‬ ‫‪ -127‬وحفظ دين ثم نفس مال نسب ‪ ##‬ومثلها عقل ِ‬
‫(قوله وحفظ‪ ..‬إلخ) هذا شروع في المسألة المعروفة عند الق‪00‬وم‪ 0‬بالكلي‪00‬ات الخمس‬
‫أو الست وهو الموافق للمتن حيث جع‪00‬ل الع‪0‬رض مس‪00‬تقال عن النس‪0‬ب فمن جع‪0‬ل الع‪00‬رض‬
‫راجع‪00‬ا للنس‪00‬ب ع‪00‬بر عنه‪00‬ا بالكلي‪00‬ات الخمس ومن جعل‪00‬ه مس‪00‬تقالً عن النس‪00‬ب ع‪00‬بر عن‪00‬ه‬

‫‪ 1‬أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد رقم (‪ )4250‬عن عبد هللا بن مس‪00‬عود ق‪00‬ال الس‪00‬خاوي‬
‫في المقاصد الحسنة (‪ )153‬رجاله ثقات‪ 0،‬بل حسنه شيخنا يعني لشواهده‪.‬‬
‫‪351‬‬
‫بالكليات الست‪ ،‬وإنما سميت بالكليات ألنه يتفرع عليه‪00‬ا أحك‪00‬ام كث‪00‬يرة؛ وألنه‪00‬ا وجبت في‬
‫كل ملة فلم تبح في ملة من الملل‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬يرد عليه أن ش‪00‬رب الخم‪00‬ر ك‪00‬ان ج‪0‬ائزاً في ص‪0‬در اإلس‪0‬الم ب‪0‬وحي وتك‪0‬رر‬
‫النس‪00‬خ ل‪00‬ه‪ .‬أجيب ب‪00‬أن الم‪00‬راد أن المجم‪00‬وع لم يبح في مل‪00‬ة من المل‪00‬ل أو أن‪00‬ه باعتب‪0‬ار م‪00‬ا‬
‫استقر عليه أمر ملتنا‪.‬‬
‫وآكد هذه األمور الدينُ ‪ ،‬ألن حفظ غيره وس‪00‬يلة لحفظ‪00‬ه‪ ،‬ثم النفس ألن قت‪00‬ل النفس‬
‫يلي الكفر كما تقدم‪ ،‬ثم النسب‪ ،‬ثم العقل‪ ،‬وبعضهم‪ 0‬قدّم العق‪00‬ل على النس‪00‬ب‪ ،‬واألول أولى؛‬
‫ألن الزنا أشد تحريما ً من شرب الخم‪00‬ر‪ ،‬ثم الم‪00‬ال وفي مرتبت‪00‬ه الع‪00‬رض إن لم ي‪00‬ؤد الطعن‬
‫فيه إلى قطع نسب؛ فإن أدّى إلى ذلك كأن قذف زوجت‪00‬ه بالزن‪00‬ا ونفى ول‪00‬دها عن‪00‬ه فه‪00‬و في‬
‫مرتبة النسب‪ ،‬ومنهم من يقدم العرض على المال‪ .‬قال السنوسي‪ :‬والذي يظهر –ل‪00‬و قي‪00‬ل‬
‫به‪ 1-‬عكسه‪ ،‬ألن العقوبة المترتبة على أخذ األموال كما في السرقة وقطع الطريق‪ ،‬أعظم‬
‫من العقوبة المترتبة على الخوض في األعراض كما في القذف‪.‬‬
‫وقول‪00‬ه “ دين “ أي م‪00‬ا ش‪00‬رعه هللا تع‪00‬الى لعب‪00‬اده من األحك‪00‬ام‪،‬والم‪00‬راد بحفظ‪00‬ه‬
‫ص‪00‬يانته عن الكف‪00‬ر وانته‪00‬اك حرم‪00‬ة المحرم‪00‬ات ووج‪00‬وب الواجب‪00‬ات؛ فانته‪00‬اك حرم‪00‬ة‬
‫المحرمات‪ :‬أن يفعل المحرمات غير مبال بحرمتها؛ وانتهاك وج‪0‬وب الواجب‪0‬ات‪ :‬أن ي‪00‬ترك‬
‫الواجب‪00‬ات غ‪00‬ير مب‪00‬ال بوجوبه‪00‬ا؛ ولحف‪00‬ظ ال‪00‬دين ش‪00‬رع قت‪00‬ال الكف‪00‬ار الحرب‪00‬يين وغ‪00‬يرهم‬
‫كالمرتدين‪.‬‬
‫وقول‪00‬ه “ ثم نفس “ أي عاقل‪00‬ة ول‪00‬و بحس‪00‬ب الش‪00‬أن في‪00‬دخل الص‪00‬غير والمجن‪00‬ون‪،‬‬
‫وتخرج البهيمة فيتصرف الشخص فيها بالوجه الشرعي كالذبح وغيره إن كانت له‪ ،‬فإن‬
‫كانت لغيره فهي داخلة في المال؛ ولحفظ النفس شرع القصاص في النفس والطرف ألن‪00‬ه‬
‫ربما أدّى إلى النفس‪.‬‬
‫وقوله “ مال “ يقرأ بسكون الالم وحذف األلف‪:‬أي ومال‪ ،‬فهو على حذف ح‪00‬رف‬
‫العطف‪ ،‬والمراد به‪ :‬كل ما يح ّل تملكه شرعا ً وإن ق‪00‬ل‪ ،‬ولحفظ‪00‬ه ش‪00‬رع ح‪ّ 0‬د الس‪00‬رقة وح‪ّ 0‬د‬
‫قطع الطريق‪.‬‬
‫وقوله “ نسب “ أي ونسب‪ ،‬فه‪00‬و على ح‪00‬ذف ح‪00‬رف العط‪00‬ف‪ ،‬والم‪00‬راد االرتب‪00‬اط‬
‫الذي يكون بين الوالد وولده‪ ،‬ولحفظه شرع ح ّد الزنا‪.‬‬
‫وقوله “ ومثلها عقل “ أي ومثل الم‪00‬ذكورات عق‪00‬ل في وج‪00‬وب الحف‪00‬ظ‪ ،‬ولحفظ‪00‬ه‬
‫شرع ح ّد الخمر والدية ممن أذهبه بجناية‪.‬‬
‫وع‪ 0‬رض “ أي ومثله‪00‬ا ع‪00‬رض في وج‪00‬وب الحف‪00‬ظ‪ ،‬وه‪00‬و بكس‪00‬ر العين‪:‬‬ ‫وقول‪00‬ه “ ِ‬
‫موضع المدح والذم من اإلنسان‪ ،‬وهو وصف اعتباري تقويه األفعال الحميدة وتُ‪0‬زري ب‪0‬ه‬
‫األفعال القبيحة‪ ،‬ولحفظه شرع ح ّد القذف للعفيف والتعزير لغيره‪ ،‬فيح ّد من ق‪00‬ذف عفيف ‪0‬اً‪،‬‬

‫‪ 1‬أي لو قيل بالتقديم‪.‬‬


‫‪352‬‬
‫ويعزر من قذف غير عفيف‪ :‬وقول‪00‬ه “ ق‪00‬د وجب “ أي حف‪00‬ظ الجمي‪00‬ع‪ ،‬وق‪00‬د ع‪00‬رفت اآلك‪00‬د‬
‫منها وإنما لم يرتبها الناظم على ترتيبها في اآلكدية لضيق النظم‪.‬‬

‫‪{ -210‬يكفر من أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة}‬


‫‪ -128‬ومن لمعلوم ضرورة جحد ‪ ##‬من ديننا يقتل كفراً ليس حد‬

‫‪353‬‬
‫(قوله من لمعلوم ضرورة جحد ‪ ##‬من ديننا يقتل كفراً ليس حد) “ من “ مبتدأ‪،‬‬
‫و “ لمعلوم “ معمول مقدّم لجحد‪ ،‬والالم زائدة لتقوية العامل فإنه ض‪00‬عف بالت‪00‬أخير‪ ،‬و “‬
‫ض‪00‬رورة “ منص‪00‬وب ب‪00‬نزع الخ‪00‬افض‪ :‬أي بالض‪00‬رورة‪ ،‬أو على التمي‪00‬يز‪ :‬أي من جه‪00‬ة‬
‫الضرورة‪ ،‬و “ جحد “ صلة “ من “ و “ من ديننا “ متعلق بـ “ معل‪00‬وم “ وجمل‪00‬ة “‬
‫يقتل‪ “ ..‬خبر‪ ،‬و “ كفرا “ منصوب على أنه مفعول ألجله‪ ،‬و “ ليس حد “ معلوم مم‪00‬ا‬
‫قبل‪00‬ه‪ ،‬لكن‪00‬ه أتى ب‪00‬ه توض‪00‬يحاً‪ ،‬والمع‪00‬نى‪ :‬من جح‪00‬د أم‪00‬راً معلوم ‪0‬ا ً من أدل‪00‬ة ديننا‪ 1‬يش‪00‬به‬
‫الضرورة بحيث يعرف‪0‬ه خ‪0‬واص المس‪0‬لمين وع‪0‬وامهم كوج‪0‬وب الص‪0‬الة والص‪0‬وم وحرم‪0‬ة‬
‫الزنا والخمر ونحوها‪ ،‬يقتل ألجل كفره‪ ،‬ألن جحده لذلك مس‪00‬تلزم لتك‪00‬ذيب الن‪00‬بي ص‪0‬لى هللا‬
‫عليه وآله وس‪0‬لم وليس قتل‪00‬ه ح‪ّ 0‬داً وال كف‪00‬ارة لذنب‪0‬ه كم‪00‬ا في س‪0‬ائر الح‪0‬دود فإنه‪00‬ا كف‪0‬ارات‬
‫للذنوب‪.‬‬

‫‪{ -211‬يكفر من جحد أمرا مجمعا له معلوم من الدين بالضرورة}‬

‫‪ 1‬قوله "من أدلة ديننا" األولى أن يقال‪ .‬الم‪00‬راد أن كون‪00‬ه من ال‪00‬دين وج‪00‬زءاً من اإلس‪00‬الم‬
‫معلوم بالضرورة بحيث ال يتشكك أحد في أنه جز ٌء من الدين سواء كان دليالً أو مدلوالً أي حكما ً‬
‫فإن مراد العلماء بقولهم هذا األمر معلوم من الدين بالضرورة ه‪00‬و ه‪00‬ذا المع‪00‬نى ال المع‪00‬نى ال‪00‬ذي‬
‫ذكره الشارح‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪354‬‬
‫‪ -129‬ومثل هذا من نفي لمجمع ‪ ##‬أو استباح كالزنا فلتسمع‬
‫(قول‪00‬ه ومث‪00‬ل ه‪00‬ذا من نفي لمجم‪00‬ع) أي ومث‪00‬ل من جح‪00‬د أم‪00‬راً معلوم ‪0‬ا ً من ال‪00‬دين‬
‫بالضرورة‪ :‬من نفى حكما ً مجمعا ً عليه إجماعا ً قطعياً‪ ،‬وهو ما اتفق المعتبرون على كونه‬
‫إجماع ‪0‬ا ً بخالف اإلجم‪00‬اع الس‪00‬كوتي فإن‪00‬ه ظ‪00‬ني ال قطعي‪ ،‬وظ‪00‬اهر كالم الن‪00‬اظم أن من نفى‬
‫مجمعا ً عليه يكفر وإن لم يكن معلوما ً من الدين بالضرورة كاس‪00‬تحقاق بنت االبن الس‪00‬دس‬
‫مع بنت الصلب‪ ،‬وهو ضعيف وإن جزم به الناظم‪ ،‬والراجح أن‪00‬ه ال يكف‪00‬ر من نفى المجم‪0‬ع‬
‫عليه إال إذا كان معلوما ً من الدين بالضرورة‪.‬‬
‫وقوله‪ “ :‬أو استباح كالزنا “ أي أو اعتقد إباح‪00‬ة مح‪00‬رم مجم‪00‬ع علي‪00‬ه معل‪00‬وم من‬
‫‪1‬‬
‫الدين بالضرورة ولو صغيرة سواء كان تحريمه لعينه كالزنا وشرب الخمر‪ ،‬أو لع‪00‬ارض‬
‫كصوم يوم العيد فإن تحريمه لعارض وهو اإلعراض عن ضيافة هللا تعالى‪ ،‬خالف‪00‬ا ً لبعض‬
‫الماتريدية حيث قال‪ :‬من اعتقد حل محرم فإن ك‪00‬ان تحريم‪00‬ه لعين‪00‬ه كالزن‪00‬ا وش‪00‬رب الخم‪00‬ر‬
‫كفر‪ ،‬وإال فال‪ ،‬كما إذا اس‪0‬تحل ص‪0‬وم ي‪00‬وم العي‪00‬د وال يخفى أن‪0‬ه يل‪00‬زم من اس‪0‬تباحة المح‪0‬رم‬
‫المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة أنه نفى مجمعا ً عليه فهو داخل فيما قبله‪ ،‬فم‪00‬ا‬
‫ذكره المصنف صريحا ً إال تبعا ً للقوم وتنصيصا ً على أعيان المسائل وزيادة في اإليض‪00‬اح‪.‬‬
‫وقوله “ فلتسمع “ تكملة‪.‬‬

‫‪{ -212‬يجب على األمة نصب إمام عادل وما يتعلق بذلك}‬

‫‪ 1‬لعل‪00‬ه أراد ب‪00‬المحرم‪ 0‬لعين‪00‬ه م‪00‬ا لم يبح في ش‪00‬رع من ش‪00‬رائع األنبي‪00‬اء‪ 0،‬والم‪00‬راد ب‪00‬المحرم‬
‫لعارض ما كان بأصله مباحا ً أو مطلوبا ً فعرض له التحريم لسبب من األسباب‪.‬‬
‫‪355‬‬
‫‪ -130‬وواجب نصب إمام عدل ‪ ##‬بالشرع فاعلم ال بحكم العقل‬
‫(قوله وواجب نصب إمام عدل) “ واجب “ خبر مقدم و “ نصب “ مبتدأ مؤخر‪:‬‬
‫أي ونص‪00‬ب إم‪00‬ام ع‪00‬دل واجب على األم‪00‬ة عن‪00‬د ع‪00‬دم النص من هللا أو رس‪00‬وله على معين‬
‫وعدم االستخالف‪ 1‬من اإلمام السابق بخالفه عند النص من هللا‪ ،‬كما في قوله تع‪00‬الى‪( :‬يَ‪00‬ا‬
‫(ص‪ :‬من اآلية‪ )26‬أو من رسوله أو االس‪00‬تخالف من‬ ‫ض) ّ‬ ‫دَا ُو ُد إِنَّا َج َع ْلنَا َك َخلِيفَةً فِي اأْل َ ْر ِ‬
‫اإلمام السابق كما وقع من ابي بكر‪ ،‬فإنه أوصى بالخالفة بعده لعم‪00‬ر رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه‪ ،‬وال‬
‫فرق في وجوب نصب اإلمام بين زمن الفتن‪00‬ة وغ‪00‬يره كم‪00‬ا ه‪00‬و م‪00‬ذهب أه‪00‬ل الس‪00‬نة وأك‪00‬ثر‬
‫المعتزلة‪ .‬وقيل يجب لتسكين الفتنة وقيل في غيرها ألنه زمن الطاعة‪ .‬وقيل ال يجب أصالً‬
‫والمراد بالعدل هنا‪ :‬عدل الشهادة‪ 2‬وال يتحقق إال بشروط خمس‪00‬ة‪ :‬اإلس‪00‬الم‪ ،‬ألن الك‪00‬افر ال‬
‫يراعي مصلحة المسلمين‪ .‬والبلوغ والعقل‪ ،‬ألن الصبي والمجن‪00‬ون ال يلي‪00‬ان أم‪00‬ر نفس‪00‬هما‬
‫فال يليان أمر غيرهم‪00‬ا‪ .‬والحري‪00‬ة‪ ،‬ألن الرقي‪0‬ق مش‪00‬غول بخدم‪00‬ة س‪00‬يده وألن‪00‬ه مس‪00‬تحقر في‬
‫أعين الناس فال يهاب وال يمتثل أمره‪ .‬وع‪00‬دم الفس‪00‬ق‪ ،‬ألن الفاس‪00‬ق ال يوث‪00‬ق ب‪00‬ه في أم‪00‬ره‬
‫ونهيه والمراد كونه عدالً ولو ظاهراً‪ ،‬ألنه الذي كلفنا به؛ فال يش‪00‬ترط العدال‪00‬ة الباطن‪00‬ة‪ .‬ثم‬
‫إن هذه الشروط إنما هي في االبتداء وحالة االختيار؛ وأما في الدوام فال يشترط كم‪00‬ا يعلم‬
‫مم‪00‬ا ي‪00‬أتي؛ ول‪00‬و تغلب عليه‪00‬ا ش‪00‬خص قه‪00‬راً انعق‪00‬دت ل‪00‬ه وإن لم يكن أهالً كص‪00‬بي وام‪00‬رأة‬
‫وفاسق‪ ،‬ويجب طاعته فيما أمر به أو نهى عنه كالمستوفي للشروط‪.‬‬
‫(قوله بالشرع فاعلم ال بحكم العقل) أي إن وجوب نصب اإلمام بالش‪00‬رع عن‪00‬د أه‪00‬ل‬
‫السنة فاعلم ذل‪0‬ك‪ .‬ور ّد بقول‪00‬ه “ ال بحكم العق‪00‬ل “ على بعض المعتزل‪00‬ة كالجاح‪00‬ظ وغ‪00‬يره‬
‫حيث ذهب‪00‬وا إلى أن ذل‪00‬ك بالعق‪00‬ل ال بالش‪00‬رع‪ ،‬بن‪00‬اء على قاع‪00‬دتهم من التحس‪00‬ين والتق‪00‬بيح‬
‫العقليين‪ ،‬ومن الوجوه الدالة على وجوب‪00‬ه بالش‪00‬رع‪ :‬أن الش‪00‬ارع أم‪00‬ر بإقام‪00‬ة الح‪00‬دود‬
‫وس ّد الثغور وتجه‪00‬يز الجي‪00‬وش وذل‪00‬ك ال يتم إال بإم‪00‬ام يرجع‪00‬ون إلي‪00‬ه في أم‪00‬ورهم ‪ .‬وق‪00‬د‬
‫أجمعت الصحابة عليه بعد مفارقته الدنيا صلى هللا عليه وآله وسلم واشتغلوا‪ 0‬به عن دفنه‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم؛ ألنه توفي ي‪00‬وم االث‪00‬نين عن‪00‬د ال‪00‬زوال فمكث ذل‪00‬ك الي‪00‬وم وليل‪00‬ة‬
‫الثالثاء‪،‬ودفن صلى هللا عليه وآله وسلم في آخر ليلة األربعاء‪ .‬وق‪00‬ال أب‪00‬و بك‪00‬ر رض‪00‬ي هللا‬
‫عنه‪ :‬وال ب ّد لهذا األمر ممن يقوم ب‪00‬ه‪ ،‬ف‪00‬انظروا وه‪00‬اتوا آراءكم رحمكم هللا تع‪00‬الى‪ ،‬فق‪00‬الوا‬
‫من ك‪00‬ل ج‪00‬انب من المس‪00‬جد‪ :‬ص‪00‬دقت ص‪00‬دقت‪ ،‬ولم يق‪00‬ل أح‪00‬د منهم ال حاج‪00‬ة بن‪00‬ا إلى إم‪00‬ام‪،‬‬
‫واجتمع المهاجرون يتشاورون في شأن الخالفة فقالوا ألبي بكر‪ :‬انطل‪00‬ق بن‪00‬ا إلى إخوانن‪00‬ا‬
‫األنصار ندخلهم معنا في أمر الخالفة‪ ،‬فقال األنصار‪ :‬من‪00‬ا أم‪00‬ير ومنكم أم‪00‬ير؛ فق‪00‬ال عم‪00‬ر‪:‬‬
‫من ثبت له مثل هذه الفضائل التي ألبي بكر؟ قال تع‪00‬الى‪( :‬ثَ‪00‬انِ َي ا ْثنَ ْي ِن إِ ْذ ُه َم‪00‬ا فِي ا ْل َغ‪00‬ا ِر إِ ْذ‬
‫احبِ ِه ال ت َْح َزنْ ) (التوبة‪ :‬من اآلية‪ )40‬فأثبت صحبته بذلك‪ ،‬وأثبت له معية كمعية‬ ‫يَقُو ُل ِل َ‬
‫ص ِ‬
‫‪ 1‬قوله "عند عدم النص من هللا أو رسوله على معين وعدم االس‪0‬تخالف" ال مع‪00‬نى له‪0‬ذا‬
‫الكالم ألن الكالم في وج‪00‬وب نص‪00‬ب اإلم‪00‬ام على ه‪00‬ذه األم‪00‬ة ولم ينص هللا وال رس‪00‬وله على معين‬
‫واإلمام عندما يستخلف إنما يفعل ذلك نيابة عن األمة بحكم القوامة والوص‪00‬اية عليه‪00‬ا ف‪00‬الوجوب‬
‫على األمة واإلمام ينوب عنها في نصب‪ 0‬اإلمام بعده‪ ،‬وابن تيمية يرى هذا النصب‪ 0‬ترشيحاً‪ 0‬لل‪00‬ذي‬
‫أراده لإلمامة‪.‬‬
‫‪ 2‬ال عدل الرواية الشامل للعبد والمرأة‪.‬‬
‫‪356‬‬
‫نبيه بقوله تعالى‪( :‬إِنَّ هَّللا َ َم َعنَا) (التوب‪0‬ة‪ :‬من اآلية‪ )40‬ثم م‪ّ 0‬د ي‪0‬ده فب‪0‬ايع أب‪0‬ا بك‪0‬ر وبايع‪0‬ه‬
‫الناس‪ ،‬ثم أمرهم بجهاز رسول هللا ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬ف‪0‬اختلفوا ه‪0‬ل يغس‪00‬ل في‬
‫ثياب‪00‬ه أو يج‪00‬رد منه‪00‬ا؟ ف‪00‬ألقى هللا عليهم الن‪00‬وم وس‪00‬معوا من ناحي‪00‬ة ال‪00‬بيت ق‪00‬ائالً يق‪00‬ول‪ :‬ال‬
‫تغسلوه فإنه طاهر‪ ،‬فقال العباس‪ :‬ال نترك سنة لصوت ال ندري ما ه‪00‬و‪ ،‬فغش‪00‬يهم النع‪00‬اس‬
‫فسمعوا قائالً يقول غسلوه وعليه ثيابه فإن ذلك إبليس وأنا الخضر؛ فغس‪00‬له علي وعلي‪00‬ه‬
‫قميصه‪ ،‬والعباس وابنه الفضل يعينانه‪ ،‬وقثم وأسامة وشقران مولى المص‪00‬طفي يص‪00‬بون‬
‫الماء وأعينهم معصوبة‪ ،‬وكفن في ثالثة أثواب بيض قطن‪ ،‬ولم يكن في كفن‪00‬ه قميص وال‬
‫عمامة‪ ،‬وصلوا عليه فرادى‪ :‬يدخل جماعة ويخرج جماعة‪ ،‬واختلف‪00‬وا في الموض‪00‬ع ال‪00‬ذي‬
‫يدفن فيه فقال أبو بكر‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وآله وس‪00‬لم يق‪00‬ول‪ :‬ال ي‪00‬دفن ن‪00‬ب ّي‬
‫إال حيث قبض‪ ،‬فدفن في بيت عائشة‪ .1‬ذكره الشنواني في حاشيته‪.‬‬

‫‪ -131‬فليس ركنا ً يعتقد في الدين ‪ ##‬وال تزغ عن أمره المبين‬

‫‪ 1‬راجع سيرة ابن هشام (‪)2/663‬‬


‫‪357‬‬
‫‪ -132‬إال بكفر فانبذن عهده ‪ ##‬فاهلل يكفينا أذاه َو ْحده‬
‫‪ -133‬بغير هذا ال يباح صرفه ‪ ##‬وليس يعزل إن أزيل وصفه‬
‫(قوله فليس ركنا ً يعتقد في ال‪00‬دين) أي فليس نص‪00‬ب اإلم‪00‬ام ركن‪0‬ا ً يعتق‪00‬د في قواع‪00‬د‬
‫الدين المجمع عليها المعلومة بالتواتر بحيث يكفر منكرها كالش‪00‬هادتين والزك‪00‬اة والص‪00‬الة‬
‫وصوم رمضان والحج‪ ،‬ألنه ليس معلوم‪0‬ا ً من ال‪00‬دين بالض‪00‬رورة فال يكف‪00‬ر منك‪00‬ره‪ .‬وقول‪00‬ه‬
‫(وال تزغ عن أمره المبين) أي ال تخرج عن أمره ونهي‪00‬ه‪ ،‬كم‪00‬ا أش‪00‬ار إلي‪00‬ه الش‪00‬ارح؛ ول‪00‬و‬
‫حم‪00‬ل األم‪00‬ر في النظم على الش‪00‬أن لعم األم‪00‬رين جميع‪0‬ا ً فتجب طاعت‪00‬ه على جمي‪00‬ع الرعاي‪00‬ا‬
‫سو َل َوأُولِي اأْل َ ْم ِر ِم ْن ُك ْم) (النساء‪ :‬من‬
‫ظاهراً وباطنا ً لقوله تعالى‪( :‬أَ ِطي ُعوا هَّللا َ َوأَ ِطي ُعوا ال َّر ُ‬
‫اآلية‪ )59‬وهم العلماء واألمراء‪ ،‬ولقوله ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬من أط‪00‬اع أم‪00‬يري‬
‫فقد أطاعني‪ ،‬ومن عصى أميري فقد عصاني)‪ 1‬لكن ال يط‪0‬اع في الح‪0‬رام والمك‪0‬روه‪ ،‬وأم‪0‬ا‬
‫المباح فإن كان فيه مصلحة عامة للمسلمين وجبت طاعته فيه‪ ،‬وإال فال؛ فل‪00‬و ن‪00‬ادى بع‪00‬دم‬
‫شرب الدخان المعروف اآلن وجبت عليهم طاعته؛ ألن في إبطال‪00‬ه مص‪00‬لحة عام‪00‬ة‪ ،‬إذ في‬
‫تعاطيه خسة لذوي الهيآت ووجوه الناس‪ ،‬خصوصا ً إذا كان في القه‪00‬اوي‪ ،‬وق‪00‬د وق‪00‬ع أن‪00‬ه‬
‫أمر بترك الدخان في األسواق والقهاوي‪ 0‬فيحرم اآلن‪.‬‬
‫(قوله إال بكفر فانبذن عهده) أي إال إذا أم‪0‬ر بكف‪0‬ر ف‪0‬اطر حنّ بيعت‪0‬ه جه‪0‬راً‪ ،‬ف‪0‬إن لم‬
‫تقدر على الجهر بذلك فاطرحها س‪00‬راً‪ .‬وقول‪00‬ه “ فاهلل يكفين‪00‬ا أذاه وح‪00‬ده “ أي فاهلل تع‪00‬الى‬
‫يكفينا أذى اإلمام الذي أمر بالكفر وحده إذ هو الذي ناصيته بقدرته‪.‬‬
‫(قوله بغير هذا ال يباح صرفه) أي بغير هذا الكف‪00‬ر من جمي‪00‬ع المعاص‪00‬ي ال يج‪00‬وز‬
‫خلعه عن اإلمامة ال جهراً وال سراً‪ .‬وقوله “ وليس يعزل إن أزيل وصفه “ بسكون الالم‬
‫من “ يع‪00‬زل “ لل‪00‬وزن‪ :‬أي وليس يع‪00‬زل إذا ُولّي مسس‪00‬تكمالً للش‪00‬روط ثم أزي‪00‬ل وص‪00‬فه‬
‫السابق وهو العدالة بطر ّو الفسق خالفا ً لطائفة ذهبوا إلى أنه يعزل بذلك‪.‬‬

‫‪ -134‬وأمر بعرف واجتنب نميمه ‪ ##‬وغيبة وخصلة ذميمة‬

‫‪ 1‬الحديث أخرجه مسلم في كتاب اإلمارة رقم (‪ )1835‬بلفظ‪00‬ه عن أبي هري‪00‬رة رض‪00‬ي هللا‬
‫تعلى عنه‪ ،‬وأخرجه البخاري بلفظ مقارب في كتاب الجهاد رقم (‪.)7137‬‬
‫‪358‬‬
‫‪{ -213‬يجب على األمة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر}‬
‫(قوله وأمر بعرف) أي وا ْنه عن منكر‪ ،‬ففيه حذف الواو مع ما عطفت‪ ،‬وإنما ترك‬
‫المصنف النهي عن المنكر الس‪00‬تلزم األم‪0‬ر ل‪00‬ه‪ .‬والع‪0‬رف بض‪0‬م العين‪ :‬لغ‪00‬ة في المع‪0‬روف‪،‬‬
‫وهو ما عرفه الشرع وهو الواجب والمندوب‪ .‬والمنكر‪ :‬م‪00‬ا أنك‪00‬ره الش‪00‬رع‪ ،‬وه‪00‬و الح‪00‬رام‬
‫والمكروه؛ فيندب األمر بالمندوب والنهي عن المكروه ويجب األمر ب‪00‬الواجب والنهي عن‬
‫الحرام وجوبا ً كفائياً‪ ،‬فإذا قام به البعض س‪00‬قط الطلب عن الب‪00‬اقين‪ ،‬وه‪00‬و ف‪00‬وري إجماع‪0‬اً‪،‬‬
‫وال يختص وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمن ال ي‪00‬رتكب مثل‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل من رأى‬
‫منكراً وهو يرتكب مثله فعليه أن ينهى عنه؛ ولهذا قال إمام الحرمين‪ :‬يجب على متعاطي‬
‫الكأس أن ينكر على الجالس‪.‬‬
‫وقال الغزالي‪ :‬يجب على من زنى بامرأة أمرها بستر وجهها عنه‪.‬‬
‫وال‪00‬دليل على وج‪00‬وب األم‪00‬ر ب‪00‬المعروف والنهي عن المنك‪00‬ر‪ “ :‬الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‬
‫(و ْلتَ ُكنْ ِم ْن ُك ْم أُ َّمةٌ يَ‪ْ 0‬دعُونَ إِلَى ا ْل َخ ْي‪ِ 0‬ر َويَ‪00‬أْ ُمرُونَ‬
‫واإلجم‪00‬اع “ أم‪00‬ا الكت‪00‬اب فكقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫َن ا ْل ُم ْن َك‪00‬ر) (آل عم‪00‬ران‪ :‬من اآلية‪ )104‬وأم‪00‬ا الس‪00‬نة فكح‪00‬ديث أبي‬ ‫‪0‬ونَ ع ِ‬ ‫بِ‪00‬ا ْل َم ْع ُر ِ‬
‫وف َويَ ْن َه‪ْ 0‬‬
‫سعيد الخدري رضي هللا تعالى عنه‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم يق‪00‬ول‪:‬‬
‫(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬ف‪00‬إن لم يس‪00‬تطع فبقلب‪00‬ه وذل‪00‬ك‬
‫أضعف اإليمان)‪ 1‬أي أق‪0‬ل ثمراته‪ 2‬لداللت‪0‬ه على ع‪0‬دم انتظام‪0‬ه‪ ،‬وإال فال يكل‪0‬ف هللا نفس‪0‬ا ً إال‬
‫وس‪0‬عها فم‪0‬راتب اإلنك‪00‬ار ثالث‪ ،‬أقواه‪00‬ا‪ :‬أن يغ‪00‬ير بي‪0‬ده‪ ،‬ويليه‪00‬ا التغي‪0‬ير ب‪00‬القول وأض‪00‬عفها‬
‫اإلنكار بالقلب بأن يكرهه بقلبه وال يرضى به‪ .‬وأما اإلجم‪00‬اع فألن المس‪00‬لمين في الص‪00‬در‬
‫األ ّول وبعده كانوا يتواص‪00‬ون ب‪00‬ذلك ويوبخ‪00‬ون تارك‪00‬ه م‪00‬ع االقت‪00‬دار علي‪00‬ه‪ ،‬وال يش‪00‬كل على‬
‫وج‪00‬وب األم‪00‬ر ب‪00‬المعروف والنهي عن المنك‪00‬ر قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬يَ‪00‬ا أَيُّ َه‪00‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪00‬وا َعلَ ْي ُك ْم‬
‫ض َّل إِ َذا ا ْهتَ َد ْيتُ ْم) (المائ‪00‬دة‪ :‬من اآلية‪ )105‬ألن المع‪00‬نى إذا فعلتم م‪00‬ا‬ ‫ض ُّر ُك ْم َمنْ َ‬ ‫أَ ْنفُ َ‬
‫س ُك ْ‪0‬م ال يَ ُ‬
‫كلفتم به –ومنه األمر ب‪00‬المعروف والنهي عن المنك‪00‬ر‪ -‬ال يض‪00‬ركم فع‪00‬ل غ‪00‬يركم للمعص‪00‬ية‪،‬‬
‫فصارت اآلية دالة على وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ :‬قال ابن مس‪00‬عود‪ :‬إن‬
‫من أكبر الذنوب عند هللا أن يقال للعبد‪ :‬اتق هللا فيقول‪ :‬عليك بنفسك‪ .3‬وفي الحديث‪( :‬من‬
‫قيل له اتق هللا‪ ،‬فغضب وقف يوم القيامة فلم يبق ملك إال مر به وق‪0‬ال ل‪00‬ه‪ :‬أنت ال‪0‬ذي قي‪00‬ل‬
‫لك اتق هللا فغضبت‪ )4‬يعني يوبخونه‪.‬‬

‫‪ 1‬وذلك ألن اإلنكار باليد واللسان يؤدي إلى رفع المنكر ويؤدي إلى دفع اإلثم عن الفاع‪00‬ل‬
‫وأما اإلنكار بالقلب‪ 0‬فيؤدي إلى دفع اإلثم فقط‪ .‬والحديث أخرجه مس‪00‬لم في كت‪00‬اب اإليم‪00‬ان عن أبي‬
‫سعيد الخدري رقم (‪.)49‬‬
‫‪ 2‬قوله "أي أقل ثمراته" عبارة الشيخ األمير‪ :‬المراد باإليمان هنا‪ :‬األعمال كما في قوله‬
‫(و َم‪00‬ا َك‪00‬انَ هَّللا ُ لِيُ ِ‬
‫ض‪0‬ي َع إِي َم‪00‬انَ ُك ْم) (البق‪00‬رة‪ :‬من اآلية ‪ )143‬ومع‪00‬نى ض‪00‬عف اإلنك‪00‬ار ب‪00‬القلب‪:‬‬ ‫تعالى‪َ :‬‬
‫داللته على غرابة اإلسالم وعدم انتظامه‪ 0،‬وهي أظهر من هذه العبارة‪ .‬أجهوري‬
‫‪ 3‬ق‪00‬ال الهيثمي في مجم‪00‬ع الزوائ‪00‬د كت‪00‬اب الفتن‪ 0‬رقم ( ‪ )12162‬رواه الط‪00‬براني ورجال‪00‬ه‬
‫رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪ 4‬لم نجد هذا الحديث‪.‬‬
‫‪359‬‬
‫‪{ -214‬شرائط األمر بالمعروف والنهي عن المنكر}‬
‫واعلم أن لوجوب األمر ب‪00‬المعروف والنهي عن المنك‪00‬ر ش‪00‬روطاً‪ ،‬أح‪00‬دها أن يك‪00‬ون‬
‫المتولي لذلك عالما ً بما يأمر به وينهى عنه‪ ،‬فالجاهل بالحكم‪ 0‬ال يحل ل‪00‬ه األم‪00‬ر وال النهي‪،‬‬
‫فليس للعوام أمر وال نهي فيما يجهلونه؛ وأما ال‪00‬ذي اس‪00‬توى في معرفت‪00‬ه الع‪00‬ام والخ‪00‬اص‬
‫ففيه للعالم وغيره األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وثانيها أن يأمن أن يؤدي إنك‪00‬اره‬
‫إلى منكر أكبر منه‪ ،‬كأن ينهى عن شرب الخمر فيؤدّي نهيه عنه إلى قتل النفس أو نحوه‬
‫فعدم ه‪00‬ذين الش‪00‬رطين ي‪00‬وجب التح‪00‬ريم‪ .‬وثالثه‪00‬ا‪ :‬أن يغلب على ظن‪00‬ه أن أم‪00‬ره ب‪00‬المعروف‬
‫مؤثر في تحصيله ونهيه عن المنكر مزيل له‪ ،‬وع‪00‬دم ه‪00‬ذا الش‪00‬رط يس‪00‬قط الوج‪00‬وب ويبقى‬
‫الجواز إذا قطع بع‪0‬دم اإلف‪0‬ادة‪ ،‬والن‪0‬دب إذا ش‪00‬ك فيه‪00‬ا‪ .‬قال‪00‬ه الق‪0‬رافي وغ‪00‬يره‪ .‬وق‪00‬ال الس‪0‬عد‬
‫واآلمدي بالوجوب فيما لو ظن عدم اإلفادة أو شك فيها بخالف م‪00‬ا إذا قط‪00‬ع بع‪00‬دم اإلف‪00‬ادة‪.‬‬
‫ولفظ السعد من الش‪0‬روط تج‪0‬ويز الت‪0‬أثير ب‪0‬أن ال يعلم قطع‪0‬ا ً ع‪0‬دم الت‪0‬أثير‪ ،‬لئال يك‪0‬ون عبث‪0‬ا ً‬
‫واشتغاالً بما ال يعني‪ .‬ونحوه قول اآلم‪0‬دي‪ :‬من ش‪0‬روط الوج‪0‬وب أن ال يي‪0‬أس من إجابت‪0‬ه‪.‬‬
‫وقال أكثر العلم‪0‬اء كالش‪00‬افعية‪ :‬ال يش‪0‬ترط ه‪0‬ذا الش‪0‬رط‪ ،‬ألن ال‪0‬ذي علي‪00‬ه‪ :‬األم‪0‬ر والنهي ال‬
‫غ) (المائ‪00‬دة‪ :‬من اآلية‪ )99‬وق‪00‬ال تع‪00‬الى‪:‬‬ ‫ول إِالَّ ا ْلبَال ُ‬
‫س ِ‬‫القبول‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ( :‬ما َعلَى ال َّر ُ‬
‫( َو َذ ِّك ْر فَإِنَّ ِّ‬
‫الذ ْك َرى تَ ْنفَ ُع ا ْل ُمؤْ ِمنِينَ ) (الذاريات‪ )55:‬ولذلك قال الن‪00‬ووي‪ :‬ق‪00‬ال العلم‪00‬اء‪ :‬وال‬
‫يسقط عن المكلف األم‪00‬ر ب‪00‬المعروف والنهي عن المنك‪00‬ر لكون‪00‬ه ال يفي‪00‬د في ظن‪00‬ه ب‪00‬ل يجب‬
‫عليه فعله‪ .‬انتهى ملخصا ً من شرح المصنف ومن حاشية الشنواني‪.‬‬
‫‪{ -215‬ذم النميمة}‬
‫(قول‪00‬ه واجتنب نميم‪00‬ة) أي انف‪00‬ر منه‪00‬ا وتباع‪00‬د عنه‪00‬ا‪ ،‬واألم‪00‬ر في ذل‪00‬ك للوج‪00‬وب‬
‫العي‪00‬ني‪ .‬والنميم‪00‬ة‪ :‬نق‪00‬ل كالم الن‪00‬اس بعض‪00‬هم إلى بعض على وج‪00‬ه اإلفس‪00‬اد بينهم كقول‪00‬ه‪:‬‬
‫فالن يقول فيك كذا‪ ،‬لكن قال أبو حامد الغزالي‪ :‬وليست النميمة مختصة ب‪00‬ذلك؛ ب‪00‬ل ح ‪0‬دّها‬
‫كشف ما يكره سواء ك‪00‬ان الكش‪00‬ف ب‪0‬القول أو بالكتاب‪00‬ة أو الرم‪0‬ز أو نحوه‪00‬ا‪ ،‬وس‪00‬واء ك‪00‬ان‬
‫المنقول من األعمال أو من األحوال‪ ،‬وس‪00‬واء ك‪00‬ان عيب‪0‬ا ً أو غ‪00‬يره‪ .‬ق‪00‬ال الن‪00‬ووي‪ :‬فحقيق‪00‬ة‬
‫النميمة‪ ،‬إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكل من ُح ِملت إليه نميم‪0‬ة لزم‪0‬ه س‪0‬تة أم‪0‬ور‪ ،‬األول أن ال يص‪0‬دّقه ألن النم‪0‬ام‬
‫فاسق والفاسق مردود الخبر‪ .‬الثاني‪ :‬أن ينهاه عن ذلك وينصحه‪ .‬الثالث‪ :‬أن يُبغضه فإنه‬
‫بغيض عن‪00‬د هللا ويجب بغض من أبغض‪00‬ه هللا تع‪00‬الى‪ .‬الراب‪00‬ع‪ :‬أن ال يظنّ ب‪00‬المنقول عن‪00‬ه‬
‫ض الظَّنِّ إِ ْث ٌم “ (الحج‪00‬رات‪ :‬من‬
‫اجتَنِبُ‪00‬وا َكثِ‪00‬يراً ِمنَ الظَّنِّ إِنَّ بَ ْع َ‬
‫الس‪00‬وء‪ ،‬لقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪ْ “ :‬‬
‫اآلية‪ .)12‬الخامس‪ :‬أن ال يحمله ما حكى له على التجسس والبحث عن تحقيق ذل‪00‬ك‪ .‬ق‪00‬ال‬
‫سوا “ (الحجرات‪ :‬من اآلية‪ )12‬السادس‪ :‬أن ال يحكي نميمة عن‪00‬ه‬ ‫س ُ‬
‫هللا تعالى‪َ “ :‬وال ت ََج َّ‬
‫فيقول‪ :‬فالن حكى لي كذا‪ ،‬فيصير بذلك نماماً‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫والنميمة محرمة باإلجماع‪ ،‬والمذاهب متتفقة على أنها كبيرة‪ ،‬لحديث الصحيحن‪:‬‬
‫“ ال يدخل الجنة نمام “ وفي رواية مسلم‪ “ :‬قتات “ ‪ 1‬بتاءين أوالهما مشددة‪ :‬أي نمام‪،‬‬
‫َ‬
‫الحديث‪ :‬نمه‪ ،‬والمراد‪ :‬ال يدخلها مع السابقين‪ ،‬إال إن غفر له‪.‬‬ ‫من قتّ‬
‫وكل ذلك ما لم تدّع الحاجة إليها وإال جازت‪ ،‬ألنها حنئيذ ليست نميمة بل نصيحة‪،‬‬
‫كما إذا أخبرك شخص ب‪00‬أن فالن‪0‬ا ً يري‪00‬د البطش بمال‪00‬ك أو بأهل‪00‬ك أو نح‪00‬و ذل‪00‬ك لتك‪00‬ون على‬
‫حذر‪ ،‬فليس ذلك بحرام لما فيه من دف‪00‬ع المفاس‪00‬د‪ ،‬وق‪00‬د يك‪00‬ون بعض‪00‬ه واجب‪0‬ا ً كم‪00‬ا إذا تيقن‬
‫وقوع ذلك لو لم يخبرك بهذا الخبر‪ ،‬وقد يكون بعضه مستحبا ً كما إذا شك في ذل‪00‬ك؛ ذك‪00‬ره‬
‫النووي‪ .‬أفاده المصنف في شرحه‪.‬‬
‫(وغيب‪0‬ة) أي واجتنب غيب‪0‬ة‪ ،‬واألم‪0‬ر في‪0‬ه للوج‪0‬وب العي‪0‬ني كم‪0‬ا في س‪0‬ابقه‪.‬‬ ‫قول‪0‬ه ِ‬
‫والغيبة –بكسر الغين‪ :-‬ذك‪00‬رك أخ‪0‬اك بم‪00‬ا يك‪0‬ره ول‪00‬و بم‪0‬ا في‪0‬ه ول‪00‬و بحض‪00‬وره‪ ،‬لكن ظ‪00‬اهر‬
‫المادة يؤيد ما قيل من أن ما في الحضور ال يسمى غيب‪0‬ة ب‪0‬ل بهتان‪0‬اً‪ ،‬وإذا ذك‪0‬ره بم‪0‬ا ليس‬
‫فيه فقد زاد إثم الكذب‪ .‬ومن الضالل ق‪00‬ول بعض العام‪00‬ة‪ :‬ليس ه‪00‬ذا غيب‪00‬ة إنم‪00‬ا ه‪00‬و إخب‪00‬ار‬
‫بالواقع‪ ،‬فربما ج ّره ذلك لكفر االستحالل –والعياذ باهلل‪.-‬‬
‫بالذ ْك ِر‪ ،‬بل ضابطها كل ما أفهمت ب‪0‬ه غ‪0‬يرك نقص‪0‬ان مس‪0‬لم‬ ‫وليست الغيبة مختصة ِّ‬
‫بلفظك أو كتابك‪ ،‬أو أشرت إليه بعينك أو يدك أو رأسك أو نحو ذل‪0‬ك‪ ،‬س‪0‬واء ك‪0‬ان ذل‪0‬ك في‬
‫بدن‪00‬ه أو دين‪00‬ه أو ول‪00‬ده أو وال‪00‬ده أو زوجت‪00‬ه أو خادم‪00‬ه أو حرفت‪00‬ه أو لون‪00‬ه أو مركوب‪00‬ه أو‬
‫عمامته أو ثوبه أو غير ذلك مما يتعلق به‪.‬‬
‫ومن ذلك قول المصنفين في كتبهم‪ :‬قال فالن كذا‪ ،‬وهو غلط أو خطأ أو نحو ذل‪00‬ك‪،‬‬
‫فه‪00‬و ح‪00‬رام إال إن أرادوا بي‪00‬ان غلط‪00‬ه أو خطئ‪00‬ه‪ ،‬لئال يقل‪00‬د؛ ألن ذل‪00‬ك نص‪00‬يحة ال غيب‪00‬ة‪.‬‬
‫وقولهم‪ :‬قال مصنف‪ ،‬أو قال قوم أو جماعة ك‪00‬ذا وه‪00‬و غل‪00‬ط أو خط‪00‬أ‪ ،‬أو نح‪00‬و ذل‪00‬ك‪ :‬ليس‬
‫غيبة‪ ،‬ألن الغيبة ال تكون إال في إنسان معين أو جماعة معي‪0‬نين‪ .‬وقول‪0‬ك‪ :‬فع‪00‬ل ك‪00‬ذا بعض‬
‫الناس أو بعض الفقهاء أو من يدعي العلم أو بعض المفتين أو نح‪00‬و ذل‪00‬ك‪ :‬غيب‪00‬ة محرم‪00‬ة‬
‫إذا ك‪00‬ان المخ‪00‬اطب يفهم‪00‬ه بعين‪00‬ه‪ ،‬وقض‪00‬ية ذل‪00‬ك أن‪00‬ك إذا ذك‪00‬رت شخص ‪0‬ا ً تعرف‪00‬ه أنت دون‬
‫المخاطب ال يكون غيبة‪ ،‬ويشكل عليه حرم‪00‬ة الغيب‪00‬ة في الخل‪00‬وة دون حض‪00‬ور أح‪00‬د‪ ،‬وك‪00‬ذا‬
‫بالقلب فقط فإنها بالقلب محرمة كهي باللسان‪ .‬ومح‪00‬ل ذل‪00‬ك في غ‪00‬ير من ش‪00‬ا َهدَ‪ .‬وأم‪00‬ا من‬
‫شاهد فيعذر في االعتقاد حينئذ‪ ،‬نعم ينبغي أن يحمله على أنه تاب‪ .‬وذك‪00‬ر بعض‪00‬هم أن‪00‬ه إن‬
‫كان معينا ً عند الذاكر والسامع حرمت‪ ،‬وإن كان مبهما ً عن‪00‬دهما ج‪00‬ازت‪ ،‬وإن ك‪00‬ان مبهم ‪0‬ا ً‬
‫عند السامع دون الذاكر حرمت على الذاكر دون السامع‪.‬‬
‫وذكر األخ في التعريف السابق لذكره في بعض األحاديث‪ ،‬وقد أخذ به جمع وقالوا‬
‫ال غيبة في الكافر‪ .‬والحق أنه إن كان حريبا ً فال غيبة فيه‪ ،‬وإن كان ذمي ‪0‬ا ً ح‪00‬رمت غيبت‪00‬ه‪،‬‬
‫وتخصيص المسلم بالذكر في األحاديث لشرفه‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرج مسلم الروايتين في كتاب اإليم‪00‬ان رقم (‪ )105‬وأخ‪0‬رج البخ‪00‬اري الرواي‪0‬ة الثاني‪00‬ة‬
‫في كتاب األدب رقم (‪.)6056‬‬
‫‪361‬‬
‫وحكم‪ 0‬الغيبة التحريم باإلجماع‪ ،‬وفي الكتاب العزي‪00‬ز‪ “ :‬أَيُ ِح ُّب أَ َح‪ُ 0‬د ُك ْم أَنْ يَأْ ُك‪َ 0‬ل لَ ْح َم‬
‫أَ ِخي ِه َم ْيتا ً “ (الحجرات‪ :‬من اآلية‪ )12‬اآلية وفي هذه اآلي‪00‬ة تنف‪00‬ير ش‪00‬ديد‪ ،‬ألنه‪00‬ا اش‪00‬تملت‬
‫على خمس‪00‬ة أم‪00‬ور وهي كون‪00‬ه لحم ‪0‬ا ً وميت‪00‬ا ً ونيئ ‪0‬ا ً ومن آدمي وأخ‪ .‬وفي س‪00‬نن أبي داود‬
‫والترمذي عن عائشة رضي هللا عنه‪0‬ا أنه‪00‬ا ق‪0‬الت‪ :‬قلت للنبيص‪0‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪:‬‬
‫ت كلم‪00‬ة ل‪00‬و م‪00‬زجت بم‪00‬اء البح‪00‬ر‬ ‫صفَيَّةَ كذا وكذا‪ ،‬تعني قصيرة؛ فقال‪ “ :‬لقد قل ِ‬
‫حسبك من ُ‬
‫لمزجته “ ‪.1‬قال النووي‪ :‬معنى مزجته‪ :‬خالطت‪00‬ه بحيث يتغ‪00‬ير به‪00‬ا طعم‪00‬ه أو ريح‪00‬ه لش‪0‬دّة‬
‫نتنها وقبحها‪ .‬وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة وأعمها‪.‬‬
‫وقد اختل‪00‬ف العلم‪00‬اء في مرتبته‪00‬ا من التح‪00‬ريم؛ فق‪00‬ال القرط‪00‬بي من المالكي‪00‬ة‪ :‬إنه‪00‬ا‬
‫كبيرة بال خالف يعني في الم‪00‬ذهب‪ ،‬وإلي‪00‬ه ذهب كث‪00‬ير من الش‪00‬افعية‪ ،‬وذك‪00‬ر ص‪00‬احب الع‪00‬دة‬
‫عنهم أنها صغيرة وأقره عليه الرافعي ومن تبعه لعموم البلوى بها‪ ،‬فق ّل من يس‪00‬لم منه‪00‬ا‪،‬‬
‫وفي التعليل نظر ال يخفى‪ ،‬ألن ذل‪0‬ك ال يقتض‪0‬ي كونه‪0‬ا من الص‪0‬غائر‪ ،‬وال‪0‬ذي ج‪0‬زم ب‪0‬ه ابن‬
‫حجر الهيتمي في شرح الشمائل أن غيب‪00‬ة الع‪00‬الم وحام‪00‬ل الق‪00‬رآن كب‪00‬يرة‪ ،‬وغيب‪00‬ة غيرهم‪00‬ا‬
‫صغيرة‪ ،‬وهو المعتمد‪.‬‬
‫وكم‪00‬ا يح‪00‬رم على المغت‪00‬اب ذك‪00‬ر الغيب‪00‬ة يح‪00‬رم على الس‪00‬امع اس‪00‬تماعها وإقراره‪00‬ا؛‬
‫فيجب على كل من سمع إنسانا ً يذكر غيب‪00‬ة محرم‪00‬ة أن ينه‪00‬اه إن لم يخ‪00‬ف ض‪00‬رراً ظ‪00‬اهراً‪.‬‬
‫وقد ورد‪( :‬من ر ّد غيبة مسلم ر ّد هللا عن وجهه النار يوم القيامة)‪.2‬ف‪00‬إن لم يس‪00‬تطع بالي‪00‬د‬
‫وال باللس‪00‬ان ف‪00‬ارق ذل‪00‬ك المجلس‪ ،‬وال يُخلِّص اإلنك‪00‬ا ُر بحس‪00‬ب الظ‪00‬اهر‪ .‬ف‪0‬إن ق‪00‬ال بلس‪00‬انه‪:‬‬
‫اسكت‪ ،‬وهو يشتهي بقلب‪00‬ه اس‪00‬تمراره‪ ،‬ف‪00‬ذلك نف‪00‬اق كم‪00‬ا قال‪00‬ه الغ‪00‬زالي فال ب‪00‬د من كراهت‪00‬ه‬
‫مجلس الغيبة بمظّان اإلجابة‪ 3‬فيق‪00‬ول‪ :‬هللا يلط‪00‬ف بن‪00‬ا وبفالن فع‪00‬ل ك‪00‬ذا‬
‫ُ‬ ‫بقلبه‪ ،‬وربما أُل ِح َ‬
‫ق‬
‫وكذا؛ ومن ذلك غيبة المتفقهين والمتعبدين فيق‪0‬ال ألح‪0‬دهم‪ :‬كي‪0‬ف ح‪0‬ال فالن؟ فيق‪0‬ول‪ :‬هللا‬
‫يصلحنا‪ ،‬وهللا يغفر لنا‪ ،‬هللا يصلحه‪ ،‬نسأل هللا العافية‪ ،‬هللا يتوب علينا‪ ،‬وما أشبه ذلك مما‬
‫يفهم منه تنقيصه‪ ،‬فكل ذلك غيبة محرمة‪ ،‬وكذلك إذا قال‪ :‬فالن ما له حيلة كلنا نفعل ذلك‪.‬‬

‫‪ 1‬الحديث أخرجه بلفظه أبو داود في كتاب األدب رقم (‪ )4842‬والترمذي نحوه في كت‪00‬اب‬
‫صفة يوم القيامة‪ 0‬رقم (‪.)2502‬‬
‫‪ 2‬أخرج الترمذي في كت‪00‬اب ال‪00‬بر والص‪00‬لة رقم (‪ )1931‬عن أبي ال‪00‬درداء رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه‬
‫عن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم قال‪( :‬من رد عن عرض أخيه رد هللا عن وجه‪00‬ه الن‪00‬ار‪ 0‬ي‪00‬وم‬
‫القيامة)‪ 0‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫‪ 3‬أي الدعاء بظهر الغيب‪.‬‬
‫‪362‬‬
‫‪{ -216‬الصور التى تباح فيها الغيبة}‬
‫واعلم أن العلم‪0‬اء ذك‪0‬روا أن الغيب‪0‬ة تب‪0‬اح في أح‪0‬وال للمص‪0‬لحة‪ ،‬ب‪0‬ل وربم‪0‬ا وجبت؛ وتل‪0‬ك‬
‫األحوال ستة نظمها الجوجري ‪ -‬بجيمين على الصواب‪ -‬في قوله‪:‬‬
‫ستٍّ ِغ ْيبَةً َك ِّر ْر َو ُخ ْذهَا ‪ ##‬منظمة كأمثا ِل الجواه ِر‬ ‫لِ ِ‬
‫ق ال ُم َجا ِه ْر‬‫واذكرنْ فس َ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫تَظل ْم واست ِعن واستفت َحذ ْر ‪ ##‬وع َِّرف‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫فاألول التظلم‪ ،‬ك‪00‬أن يق‪00‬ول المظل‪00‬وم لمن ل‪00‬ه الوالي‪00‬ة كالقاض‪00‬ي‪ :‬فالن ظلم‪00‬ني مثالً‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬االستعانة على تغير المنكر‪ ،‬كأن يقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر‪ :‬فالن‬
‫يعمل كذا ف‪0‬أعني على منع‪0‬ه‪ ،‬بش‪0‬رط أن يك‪0‬ون قص‪0‬ده التوص‪0‬ل إلى إزال‪0‬ة المنك‪0‬ر‪ ،‬ف‪0‬إن لم‬
‫يقصد ذلك كان حراماً‪ .‬والثالثة‪ :‬االستفتاء‪ ،‬كأن يقول للمفتي‪ :‬ظلمني فالن‪ ،‬فهل له ذل‪00‬ك؟‬
‫وم‪00‬ا ط‪00‬ريقي في الخالص من‪00‬ه‪ .‬والرابع‪00‬ة التح‪00‬ذير ك‪00‬أن ت‪00‬ذكر عي‪00‬وب ش‪00‬خص لمن يري‪00‬د‬
‫االجتماع عليه إذا لم ينكف بدون ذكرها وإال حرم‪ ،‬والخامسة التعريف‪ ،‬ك‪00‬أن يق‪00‬ول‪ :‬فالن‬
‫األعمش أو األعرج‪ ،‬أو نحو ذلك فيمن كان معروفا ً بذلك‪ ،‬بشرط أن يكون بنية التعري‪00‬ف‪،‬‬
‫فإن كان بقصد التنقيص حرم‪ .‬السادسة أن يكون مجاهراً بفسقه كالمجاهر بش‪00‬رب الخم‪00‬ر‬
‫ق به ال بغيره من العيوب‪ ،‬بش‪00‬رط أن يقص‪00‬د‬ ‫وأخذ المكس وغير ذلك‪ ،‬فيجوز ذكره بما فَ َ‬
‫س َ‬
‫أن تبلغه لينزجر‪ .‬وحديث‪) :‬ال غيبة في فاس‪00‬ق) غ‪00‬ير ث‪00‬ابت الص‪00‬حة عن‪00‬د أه‪00‬ل العلم ‪،1‬ول‪00‬و‬
‫سلمت صحته وجب تقييده بما إذا اغتابه بما فسق به بعد مجاهرته به بالشرط المذكور‪.‬‬
‫والتوبة تنفع في الغيبة من حيث اإلقدام عليه‪00‬ا‪ .‬وأم‪00‬ا من حيث الوق‪00‬وع في حرم‪00‬ة‬
‫من هي له فال بد فيها مع التوبة من طلب عفو صاحبها عنه إذا بلغته‪ ،‬وإذا لم تبلغ‪00‬ه كفى‬
‫االستغفار له‪ ،‬وإن بلغته بعد ذلك بلغتة ممح ّوة‪ ،‬وال يصح إبراء ص‪00‬احبها م‪00‬ع الجه‪00‬ل بم‪00‬ا‬
‫قاله‪ ،‬كأن يق‪00‬ول ل‪00‬ه‪ :‬أن‪00‬ا قلت في حق‪00‬ك كالم‪0‬ا ً فس‪00‬امحني من‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل ال ب‪00‬د من التع‪00‬يين على‬
‫األصح من وجهين عندنا معاشر الش‪00‬افعية‪ ،‬ك‪00‬أن يق‪00‬ول ل‪00‬ه‪ :‬قلت في حق‪00‬ك ك‪00‬ذا وك‪00‬ذا عن‪00‬د‬
‫فالن وفالن فسامحني‪ ،‬ويكفي اإلبراء م‪00‬ع الجه‪00‬ل عن‪00‬د المالكي‪00‬ة كم‪00‬ا ه‪00‬و ث‪00‬اني ال‪00‬وجهين‬
‫عندنا‪.‬‬
‫ومما يعين على ترك الغيب‪00‬ة ش‪00‬هود أن ض‪0‬ررها عائ‪00‬د على النفس؛ فإن‪00‬ه ورد أن‪0‬ه‬
‫تؤخذ حسنات المغت‪00‬اب لمن اغتاب‪00‬ه وتط‪00‬رح علي‪00‬ه س‪00‬يئاته‪ ،2‬وعن ابن المب‪00‬ارك‪ :‬ل‪00‬و كنت‬
‫ي ألنهما أحق بحسناتي؛ فالعاقل من اشتغل‪ 0‬بعيوب نفسه‪ .‬فإن قال‪ :‬ال‬ ‫مغتاباً؛ الغتبت وال ّد َّ‬
‫أعلم لي عيبا ً فهذا أعظم عيب‪ .‬ومما يرجى بركته االستغفار ألرباب الحق‪00‬وق؛ ومن أوراد‬
‫ي وألص‪000‬حاب الحق‪000‬وق عل ّي‬ ‫س‪000‬يدي أحم‪000‬د زروق‪ “ :‬أس‪000‬تغفر هللا العظيم لي ولوال‪000‬د ّ‬
‫وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمس‪00‬لمات األحي‪00‬اء منهم واألم‪00‬وات “ خمس م‪00‬رات‬
‫بعد كل فريضة‪ ،‬ملخصا ً من شرح المصنف بزيادة‪.‬‬

‫‪ 1‬وانظر كشف الخفاء‪.)3/171( 0‬‬


‫‪ 2‬ليس أخذ الحسنات‪ 0‬وطرح السيئات خاص‪0‬ا ً بالغيب‪00‬ة‪ 0،‬ب‪00‬ل يعم ك‪00‬ل من تع‪00‬دى على ع‪00‬رض‬
‫أخيه أو ماله‪ .‬أخرج مسلم في البر والصلة‪ 0‬رقم (‪ )2581‬عن أبي هري‪00‬رة رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى‪ 0‬عن‪00‬ه‬
‫أن رسول هللا صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ق‪00‬ال‪( :‬أت‪00‬درون من المفلس؟) وق‪00‬د أوردن‪00‬اه عن‪00‬د ق‪00‬ول‬
‫المصنف‪ :‬فالسيئات‪ 0‬عنده بالمثل‪.‬‬
‫‪363‬‬
‫(قوله وخصلة ذميمة) أي واجتنب كل خصلة ذميمة شرعاً‪ .‬وإنم‪00‬ا خص م‪00‬ا ذك‪00‬ره‬
‫بع ُد اهتماما ً بعيوب النفس؛ فإن بقاءها مع إصالح الظ‪0‬اهر كلبس ثي‪0‬اب حس‪0‬نة على جس‪0‬م‬
‫ملطخ بالقاذورات‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وقد أدخلت الكاف ما بقي من أفراد الخصلة الذميمة كالظلم والبغي وقطع الطريق‬
‫والغش‪ ،‬كأن يخلط الرديء بالجي‪00‬د‪ .‬وق‪00‬د روي أن الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم م‪00‬ر‬
‫برج‪00‬ل ي‪00‬بيع طعام‪0‬ا ً فأعجب‪00‬ه‪ ،‬فأدخ‪00‬ل ي‪00‬ده‪ ،‬ف‪00‬رأى بلالً فق‪00‬ال ل‪00‬ه‪( :‬م‪00‬ا ه‪00‬ذا؟) فق‪00‬ال أص‪00‬ابته‬
‫السماء‪ ،‬فقال‪( :‬هال جعلته من فوق الطعام ح‪00‬تى ي‪00‬راه الن‪0‬اس‪ ،‬من غش‪0‬نا فليس من‪00‬ا)‪ 2‬أي‬
‫فليس على طريقتنا الكاملة‪ ،‬وكالكذب لغير مصلحة ش‪00‬رعية‪ ،‬ف‪00‬إن ك‪00‬ان لمص‪00‬لحة ش‪00‬رعية‬
‫ج‪0‬از كالك‪0‬ذب للزوج‪0‬ة تطييب‪0‬ا ً لنفس‪0‬ها ب‪0‬ل ق‪0‬د يجب كالك‪0‬ذب إلنق‪0‬اذ مس‪0‬لم أو إلص‪0‬الح ذات‬
‫البين‪ ،3‬وكعقوق الوالدين‪ ،‬وترك الص‪00‬الة‪ ،‬ومن‪00‬ع الزك‪00‬اة‪ ،‬والمداهنة‪ 4‬إن ك‪00‬ان فيه‪00‬ا إفس‪00‬اد‬
‫الدين كأن يشكر ظالما ً على ظلم‪0‬ه أو مبطالً على باطل‪0‬ه فتح‪0‬رم حينئ‪0‬ذ‪ ،‬وق‪0‬د تجب كم‪0‬ا إذا‬
‫توقف عليها دفع محرم‪ ،‬وتندب إن كان وسيلة لمندوب‪ ،‬وتكره إن كانت وس‪00‬يلة لمك‪0‬روه‪،‬‬
‫وإن خلت عن ذلك أبيحت‪ ،5‬فتعتريها األحكام الخمسة‪.‬‬

‫‪ 1‬يعنى في قول المصنف اآلتي كالعجب‪.‬‬


‫‪ 2‬أخرجه مسلم في كتاب اإليمان برقم (‪.)102‬‬
‫‪ 3‬أخرج مسلم في البر والصلة رقم (‪ )2692‬عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ق‪00‬الت‪:‬‬
‫سمعت رسول هللا صلى هللا عليه‪ 0‬وآله وسلم يقول‪( :‬ليس الكذاب الذي يص‪00‬لح بين الن‪00‬اس فينمي‬
‫خيرا‪ ،‬أو يقول خيراً) وقالت‪ 0:‬ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس‪ 0‬إال في ثالث‪ 0:‬الح‪00‬رب‬
‫واإلصالح بين الناس‪ ،‬وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله "والمداهنة" قال في شرح المصنف المداهنة مقابلة الناس بم‪0‬ا يحب‪0‬ون من ق‪0‬ول‬
‫أو فعل‪ .‬أجهوري‬
‫‪ 5‬وذلك إن كانت على وجه مب‪00‬اح وقلم‪00‬ا تك‪00‬ون ك‪00‬ذلك‪ ،‬ف‪00‬إن اش‪00‬تملت على مح‪00‬رم كالك‪00‬ذب‬
‫حرمت‪.‬‬
‫‪364‬‬
‫الج َد ْل فَا ْعتَ ِم ْد‬
‫س ِد ‪َ ##‬و َكال ِم َرا ِء َو َ‬
‫الح َ‬ ‫‪َ -135‬كال ُع ْج ِ‬
‫ب َوال ِك ْب ِر َودَا ُء َ‬
‫‪{ -217‬ذم العجب}‬
‫ب العاب‪ُ 0‬د بعبادت‪0‬ه والع‪0‬الم‬
‫(قوله كالعجب) هو رؤي‪0‬ة العب‪0‬ادة واس‪0‬تعظامها كم‪0‬ا يُ ْع ِج ُ‬
‫بعلمه‪ ،‬فهذا حرام غير مفسد للطاعة‪ ،‬وكذلك الرياء فهو حرام غير مفسد للطاعة‪ ،‬خالف‪00‬ا ً‬
‫لمن قال بأنه يفسدها‪ ،‬ف‪00‬إن ال‪00‬ذي ص‪00‬رح ب‪00‬ه بعض المحققين أن‪00‬ه محب‪00‬ط للث‪00‬واب فق‪00‬ط م‪00‬ع‬
‫وقوع العمل صحيحا ً وإنما حرم العجب ألنه سوء أدب مع هللا تعالى‪ ،‬إذ ال ينبغي للعب‪00‬د أن‬
‫يستعظم ما يتق ّرب ب‪0‬ه لس‪0‬يده ب‪0‬ل يستص‪0‬غره بالنس‪0‬بة إلى عظم‪0‬ة س‪0‬يده‪ ،‬ال س‪0‬يما عظمت‪0‬ه‬
‫ق قَ‪ْ 0‬د ِر ِه) (األنع‪00‬ام‪ :‬من اآلية‪ )91‬أي م‪00‬ا‬‫(و َم‪00‬ا قَ‪َ 0‬د ُروا هَّللا َ َح‪َّ 0‬‬
‫سبحانه وتع‪00‬الى‪ .‬ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫‪1‬‬
‫عظموه حق عظمته‪ ،‬ومما يعين على دفع العجب أن الصادق المصدوق أخبر بأنه يفس‪00‬د‬
‫‪0‬ك هللا في العم‪00‬ل خ‪00‬يراً‪ ،‬وال‬
‫العمل أي يبطل ثواب‪00‬ه؛ ف‪00‬إذا أرادت نفس‪00‬ك العجب فق‪00‬ل‪ :‬عوض‪ِ 0‬‬
‫معنى للعجب بما لم يعلم أقبل أو لم يقبل؛ على أنه حيث شهد أن كل ش‪00‬يء من هللا لم يب‪00‬ق‬
‫له شيء يعجب به‪.2‬‬
‫‪{ -218‬ذم الكبر}‬
‫(قوله والكبر) هو بطر الحق وغمص الخلق –بالصاد‪ ،‬أو غمط الخلق بالطاء‪ -‬كما‬
‫فسره به عليه الصالة والسالم في حديث مسلم وهو‪( :‬لن ي‪00‬دخل الجن‪00‬ة من ك‪00‬ان في قلب‪00‬ه‬
‫مثقال ذرة من الكبر)‪ ،‬فقالوا‪ :‬ي‪00‬ا رس‪00‬ول هللا إن أح‪00‬دنا يحب أن يك‪00‬ون ثوب‪00‬ه حس‪00‬نا ً ونعل‪00‬ه‬
‫وغمص –أو وغم‪00‬ط‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫حسنة؛ فقال‪( :‬إن هللا جمي‪00‬ل يحب الجم‪00‬ال‪ ،‬ولكن الك‪00‬بر بط‪00‬ر الح‪00‬ق‬
‫الناس)‪3‬بالصاد والطاء‪ ،‬فقوله‪( :‬لن يدخل الجنة‪ ..‬إلخ) أي مع الس‪00‬ابقين أو محم‪00‬ول على‬
‫المستحل؛ وقد قيل ألول متكبر وهو إبليس (فَ َما يَ ُك‪00‬ونُ لَ‪َ 0‬ك أَنْ تَتَ َكبَّ َر ِفي َه‪00‬ا فَ‪ْ 0‬‬
‫‪0‬اخ ُر ْج إِنَّ َك ِمنَ‬
‫الص‪00‬ا ِغ ِرينَ ) (األع‪00‬راف‪ :‬من اآلية‪ )13‬وقول‪00‬ه‪( :‬إن هللا جمي‪00‬ل يحب الجم‪00‬ال) أي إن هللا‬ ‫َّ‬
‫‪ 1‬قوله ومما يعين على دفع العجب… إلى قوله عوض‪00‬ك هللا في العم‪00‬ل خ‪00‬يراً‪ :‬ه‪00‬ذا الكالم‬
‫قد أخذه الشارح‪ 0‬عن األمير فغيره وأفسده‪ .‬ونص كالم األمير هكذا‪ :‬ومم‪00‬ا يعين على دف‪00‬ع العجب‬
‫ت عجب‪0‬ا ً بعم‪00‬ل فعوض‪00‬ك هللا في العم‪00‬ل خ‪00‬يراً‬ ‫أن الصادق أخبر بإفساده العمل فقل لنفسك‪ :‬إن أرد ِ‬
‫فهو من باب شيء يؤدي ثبوته لنفيه محال وجوده‪ .‬انتهى‪ .‬لعل‪00‬ه أراد أن العجب يقتض‪00‬ي اعتق‪00‬اد‬
‫تعويض هللا تعالى على العمل خيراً والحال أنه سبب لعدم التعويض كما أخبر به الصادقصلى هللا‬
‫عليه وآله وسلم‪ ،‬فاعتقاد التعويض موجب لعدم التعويض‪ .‬هكذا ينبغي أن يقرر المق‪0‬ام‪ .‬وعب‪0‬ارة‬
‫األمير أيضاً‪ 0‬غير مس‪00‬تقيمة ألنه‪00‬ا تفي‪00‬د أن الم‪00‬وجب لع‪00‬دم التع‪00‬ويض ه‪00‬و التع‪00‬ويض وليس األم‪00‬ر‬
‫كذلك‪ ،‬فإن المفيد له إنما هو اعتقاد‪ 0‬التعويض الذي يوجب‪00‬ه العجب وليس التع‪00‬ويض نفس‪00‬ه‪ .‬وهللا‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬أقول‪ :‬إن العبد مهما حاول إصالح عمله وتهذيبه ال يخلو عمله عن النقائص والعي‪00‬وب‬
‫والخلل التي ال يليق أن يتقرب‪ 0‬بالعمل الذي اتصف به‪00‬ا إلى هللا تع‪00‬الى‪ .‬والم‪00‬ؤمن الموف‪00‬ق بص‪00‬ير‬
‫بهذه العيوب وشاعر بها دائماً‪ ،‬وهو خائف من عمله دائم‪0‬ا ً خوف‪0‬ه من المعاص‪0‬ي أو أش‪0‬د خوف‪0‬اً‪،‬‬
‫ومستغفر منه دائماً‪ .‬وقد علمنا‪ 0‬النبي صلى هللا عليه وآله وسلم هذا بأمره إيانا باالس‪00‬تغفار‪ 0‬عقب‬
‫الفراغ من الصالة‪ ،‬وقال هللا تعالى عن ح‪00‬ال ه‪0‬ؤالء المؤم‪00‬نين مثني‪0‬اً‪ 0‬عليهم‪َ ( :‬والَّ ِذينَ يُؤْ تُ‪0‬ونَ َم‪00‬ا‬
‫اج ُعونَ ) (المؤمنون‪ )60:‬فكيف يعجب من هذا حاله بعمله!‪.‬‬ ‫آت َْوا َوقُلُوبُ ُه ْم َو ِجلَةٌ أَنَّ ُه ْم إِلَى َربِّ ِه ْم َر ِ‬
‫‪ 3‬أخرجه مسلم في كتاب اإليمان رقم (‪ )91‬عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا تعالى عنه‪.‬‬
‫‪365‬‬
‫متصف بصفات الجمال وهي صفات الكمال يثيب على التجمل ب‪0‬المالبس ونحوه‪0‬ا إظه‪00‬اراً‬
‫لنعمت‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬فالتجم‪00‬ل ب‪00‬المالبس ونحوه‪00‬ا ليس ك‪00‬براً ب‪00‬ل يك‪00‬ون من‪00‬دوبا ً في الص‪00‬لوات‬
‫والجماعات ونحوها‪ ،‬وفي حق المرأة لزوجها‪ ،‬وفي حق العلم‪00‬اء لتعظيم العلم في نف‪00‬وس‬
‫الناس؛ ويكون واجبا ً في حق والة األمور وغ‪00‬يرهم إذا توق‪00‬ف علي‪00‬ه تنفي‪00‬ذ ال‪00‬واجب‪ ،‬ف‪00‬إن‬
‫الهيئة المزري‪00‬ة ال تص‪00‬لح معه‪00‬ا مص‪00‬الح العام‪00‬ة في العص‪00‬ور المت‪00‬أخرة‪ ،‬لم‪00‬ا طبعت علي‪00‬ه‬
‫النفوس اآلن من التعظيم بالصور‪ ،‬عكس ما كان عليه السلف الصالح من التعظيم بال‪00‬دين‬
‫والتقوى‪ .‬ويكون حراما ً إذا كان وسيلة لمحرم‪ ،‬ومكروها ً إذا كان وسيلة لمكروه‪ ،‬ومباح‪0‬ا ً‬
‫إذا خال عن هذه األسباب‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬بطر الح‪00‬ق‪ :‬ردّه على قائل‪00‬ه‪ ،‬أي ع‪00‬دم قبوله‪ 1‬من‪00‬ه‪ ،‬وغمص أو غم‪00‬ط‬
‫الناس‪ :‬احتقارهم‪ ،‬أي انتقاصهم والتهاون بهم؛ وقد عمت البلوى بالكبر ح‪00‬تى قي‪00‬ل‪ :‬آخ‪00‬ر‬
‫ما يخ‪00‬رج من قل‪00‬وب الص‪00‬ديقين حب الرياس‪00‬ة وه‪00‬و معص‪00‬ية إبليس؛ فإن‪00‬ه تك‪00‬بر حين أم‪00‬ر‬
‫بالسجود آلدم فامتنع واستقبح‪ 0‬أمر هللا له بالسجود‪ ،‬فلذلك كفر‪.‬‬
‫‪{ -219‬دواء الكبر}‬
‫ول‪00‬ه دواء عقلي وش‪00‬رعي وع‪00‬ادي‪ ،‬أم‪00‬ا العقلي ف‪00‬أن يعلم ب‪00‬أن الت‪00‬أثير هلل‪ ،‬وأن‪00‬ه ال‬
‫يملك لنفسه نفعا ً وال ضراً؛ فال ينبغي لعاقل أن يتكبر‪ ،‬فإن‪00‬ه ق‪0‬د اس‪00‬توى الق‪00‬وي والض‪0‬عيف‬
‫َي ٌء) (آل‬‫س لَكَ ِمنَ اأْل َ ْم ِر ش ْ‬
‫والرفيع والوضيع في الذل الذاتي؛ وقد قيل لسيد الكائنات‪( :‬لَ ْي َ‬
‫عم‪0‬ران‪ :‬من اآلية‪ )128‬وأم‪00‬ا الش‪00‬رعي فه‪00‬و الوعي‪00‬د ال‪00‬وارد في‪00‬ه لكون‪00‬ه ص‪00‬فة ال‪00‬رب من‬
‫نازعه فيها أهلكه‪ 2‬وغارت علي‪00‬ه جمي‪00‬ع الكائن‪00‬ات لخروج‪00‬ه على س‪00‬يدها فيُس‪0‬تَثقَل ظ‪00‬اهراً‬
‫وباطنا ً كما هو مشاهد‪ .‬وأما العادي فإنه ينظر ألص‪00‬له ومآل‪00‬ه وتقلبات‪00‬ه‪ ،‬ف‪00‬إن أص‪00‬له نطف‪00‬ة‬
‫قذرة أصلها من دم‪ ،‬وأقام م‪0‬دة وس‪0‬ط الق‪0‬اذورات من دم حيض وغ‪0‬يره‪ ،‬وم‪0‬دة يب‪0‬ول على‬
‫نفسه ويتغ ّوط‪ ،‬ثم هو اآلن محش ّو بقاذورات ال تحصى ويباشر العذرة بي‪00‬ده ك‪00‬ذا ك‪00‬ذا م‪00‬رة‬
‫يغس‪00‬لها عن جس‪00‬مه‪ ،‬ومآل‪00‬ه جيف‪00‬ة منتن‪00‬ة‪ .‬فمن تأم‪00‬ل ص‪00‬فات نفس‪00‬ه ع‪00‬رف مق‪00‬داره‪.‬‬
‫والمتواض‪00‬ع‪ :‬من ع‪00‬رف الح‪00‬ق‪ ،‬ورأى جمي‪00‬ع م‪00‬ا مع‪00‬ه من فض‪00‬ل هللا‪ ،‬وال يَحقُ‪00‬ر ش‪00‬يئا ً في‬
‫مملكة سيده‪ ،‬ويسأله دوام ما تفضل به عليه‪ ،‬ومحل كون الكبر حراما ً إذا كان على عب‪00‬اد‬
‫هللا الصالحين وأئمة المسلمين وهو حينئذ من الكبائر ومن أعظم الذنوب القلبية‪ .‬وأما إذا‬
‫كان على أع‪00‬داء هللا فه‪00‬و مطل‪00‬وب ش‪00‬رعا ً حس‪00‬ن عقالً‪ .‬والم‪00‬راد ب‪00‬الكبر عليهم‪ :‬احتق‪00‬ارهم‬
‫ألجل كفرهم ومعصيتهم ال احتقار ذاتهم‪.‬‬

‫‪ 1‬قوله "عدم قبوله" أي عدم الميل إليه بأن يحصل له في نفسه ضيق منه فليس الم‪00‬راد‬
‫برده على قائله تكذيبه باللسان ألن الكبر قلبي‪ .‬أجهوري‬
‫‪ 2‬أخرج مسلم في كتاب البر والص‪00‬لة رقم (‪ )2620‬عن أبي س‪00‬عيد الخ‪00‬دري وأبي هري‪00‬رة‬
‫رضي هللا تعالى عنهما قال‪ :‬ق‪00‬ال رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ :‬عن هللا تع‪00‬الى‪( :‬الع‪00‬ز‬
‫إزاري‪ ،‬والكبرياء‪ 0‬ردائي‪ ،‬فمن نازعني‪ 0‬عذبته)‪.‬‬
‫‪366‬‬
‫‪{ -220‬ذم الحسد}‬
‫(قول‪00‬ه وداء الحس‪00‬د) أي داء ه‪00‬و الحس‪00‬د؛ فاإلض‪00‬افة للبي‪00‬ان‪ ،‬وه‪00‬ذا إن أري‪00‬د ال‪00‬داء‬
‫المعنوي‪ ،‬فإن أريد الداء الحسي كان من إض‪00‬افة المش‪00‬به ب‪00‬ه للمش‪00‬به‪ .‬أي الحس‪00‬د الش‪00‬بيه‬
‫بالداء‪ :‬وهو تمني زوال نعمة الغير‪ ،‬س‪00‬واء تمناه‪00‬ا لنفس‪00‬ه أو ال‪ ،‬ب‪00‬أن تم‪00‬نى انتقاله‪00‬ا عن‬
‫غيره لغيره‪ ،‬وهذا أخس األخساء؛ ألنه باع آخرته بدنيا غ‪00‬يره؛ بخالف م‪00‬ا إذا تم‪00‬نى مث‪00‬ل‬
‫نعمة الغير فإنه غبطة محمودة في الخير كما ورد‪( :‬ال حسد إال في اثنتين… الحديث)‪.1‬‬
‫اس‪ٍ 0‬د إِ َذا َح َ‬
‫س‪0‬دَ)‬ ‫ش‪ِّ 0‬ر َح ِ‬
‫(و ِمنْ َ‬
‫ودليل تحريمه الكتاب والسنة واإلجماع‪ .‬ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫‪2‬‬
‫(الفلق‪ )5:‬وشره كثير‪ ،‬فمنه ما هو غير مكتسب وهو إصابة العين ‪ .‬ومنه ما هو مكتسب‬
‫كسعيه في تعطيل الخير عنه وتنقيص‪00‬ه عن‪00‬د الن‪00‬اس‪ ،‬وربم‪00‬ا دع‪00‬ا علي‪00‬ه أو بطش ب‪00‬ه‪ ،‬إلى‬
‫غير ذلك‪ .‬وقال صلى هللا عليه وآله وسلم‪( :‬إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحس‪00‬نات كم‪00‬ا‬
‫تأكل النار الحطب –أو العشب)‪.3‬‬
‫‪{ -221‬دواء الحسد}‬
‫ودواء الحس‪00‬د النظ‪00‬ر للوعيد م‪00‬ع أن‪00‬ه إس‪00‬اءة أدب م‪0‬ع هللا تع‪00‬الى كأن‪00‬ه ال يس‪00‬لم ل‪00‬ه‬
‫حكمه‪ ،‬ولذلك قال بعضهم‪:‬‬
‫أال قل لمن بات لي حاسداً‪ ##‬أتدري على من أسأت األدب‬
‫أسأت على هللا في فعله‪ ##‬كأنك لم ترض لي ما وهب‬
‫فكان جزاؤك أن خصني ‪ ##‬وس ّد عليك طريق الطلب‬
‫ومن الحكم‪ :‬الحسود ال يسود‪ :‬أي كثير الحسد ال تحصل ل‪00‬ه س‪00‬يادة‪ .‬ومن كالم أبي‬
‫حنيفة رضي هللا تعالى عنه‪:‬‬
‫إن يحسدوني فإني غير الئمهم ‪ ##‬قبلي من الناس أهل الفضل قد ُحسدوا‬
‫فدام لي ولهم ما بي وما بهم ‪ ##‬ومات أكثرنا غيظا ً بما يجد‬
‫أنا الذي يجدوني في صدورهم ‪ ##‬ال أرتقي صدراً منها وال أرد‬
‫ويروى أن إبليس قال لسيدنا نوح عليه الصالة والسالم ‪ :‬خذ مني خمساً‪ ،‬ق‪00‬ال‪ :‬ال‬
‫أصدّقك‪ ،‬فأوحى هللا إليه أن صدّقه‪ ،‬فقال‪ :‬ق‪00‬ل؛ فق‪00‬ال‪ :‬إي‪00‬اك والك‪00‬بر ف‪00‬إني إنم‪00‬ا وقعت فيم‪00‬ا‬
‫وقعت فيه بالكبر‪ ،‬وإياك والحسد فإن قابيل قتل أخاه هابي‪00‬ل بالحس‪00‬د‪ ،‬وإي‪00‬اك والطم‪00‬ع ف‪00‬إن‬

‫‪ 1‬أخرج البخاري في كتاب‪ 0‬العلم رقم (‪ )73‬عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا تع‪00‬الى عن‪00‬ه‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‪ 0‬وآله وسلم‪( :‬ال حسد إال في اثنتين‪ 0:‬رجل آتاه هللا ماالً فس‪00‬لطه‬
‫على هلكته في الحق‪ ،‬ورجل آتاه هللا الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)‪ .‬وأخرجه مسلم في ص‪00‬الة‬
‫المسافرين رقم (‪.)816‬‬
‫‪ 2‬قوله "وهو إصابة العين" في جعل هذا تابعاً‪ 0‬للحسد نظر ظاهر؛ ألن اإلنسان‪ 0‬قد يصيب‬
‫بالعين‪ 0‬نفسه وماله‪ ،‬ومعلوم أنه ال حس‪00‬د حينئ‪00‬ذ‪ .‬أجه‪00‬وري‪.‬أق‪00‬ول مقص‪00‬ود الش‪00‬ارح أن من آث‪00‬اره‬
‫إصابة العين‪ ،‬ال أن اصابة‪ 0‬العين ال تكون إال أثرا له‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرجه أبو داود في كتاب األدب عن أبي هريرة برقم (‪.)4903‬‬
‫‪367‬‬
‫آدم ما أورثه هللا ما أورثه إال بالطمع‪ ،‬وإي‪0‬اك والح‪0‬رص ف‪0‬إن ح‪0‬واء م‪0‬ا وقعت فيم‪0‬ا وقعت‬
‫فيه إال بالحرص‪ ،‬وإياك وطول األمل فإنهما ما وقعا فيما وقعا فيه إال بطول األمل‪.‬‬
‫‪{ -222‬ذم المراء}‬
‫(قوله وكالمراء) هو لغة‪ :‬االس‪00‬تخراج‪ ،‬يق‪00‬ال‪ :‬م‪00‬ارى فالن فالن‪0‬اً‪ :‬إذا اس‪00‬تخرج م‪00‬ا‬
‫عنده‪ ،‬وعرفاً‪ :‬منازعة الغير فيم‪00‬ا ي‪00‬دعي ص‪00‬وابه‪ ،‬ومح‪00‬ل كون‪00‬ه م‪00‬ذموما ً إذا ك‪00‬ان لتحق‪00‬ير‬
‫غ‪00‬يرك وإظه‪00‬ار مزيت‪00‬ك علي‪00‬ه‪ .‬وق‪00‬د ورد في الح‪00‬ديث‪( :‬هل‪00‬ك المتنطع‪00‬ون… ثالث ‪0‬اً)‪ 1‬أي‬
‫المتعمق‪0‬ون في البحث‪ .‬وأخ‪0‬رج الط‪0‬براني عن ثوب‪0‬ان مرفوع‪0‬اً‪( :‬س‪0‬يكون في أم‪0‬تي أق‪0‬وام‬
‫يغلّطُون فقهاءهم بعضل المس‪00‬ائل –بض‪00‬م العين وفتح الض‪00‬اد‪ :‬أي ص‪00‬عابها‪ -‬أولئ‪00‬ك ش‪00‬رار‬
‫أمتي)‪ 2‬وأما إذا كان إلحقاق ح‪0‬ق وإبط‪00‬ال باط‪00‬ل‪ :‬أي إلظه‪00‬ار حقي‪0‬ة الح‪00‬ق وإظه‪0‬ار بطالن‬
‫الباطل فممدوح شرعا ً ولو من ولد لوالده؛ فيكون عقوقا ً محموداً‬
‫‪{ -223‬ذم الجدل}‬
‫(قوله والجدل) بسكون آخره للوزن‪ :‬وهو دفع الش‪0‬خص خص‪0‬مه عن إفس‪0‬اد قول‪00‬ه‬
‫بحجة قاصداً به تصحيح كالمه‪ ،‬كذا عرفه الشارح‪ ،‬وعليه فالفرق بين‪00‬ه وبين الم‪00‬راء‪ :‬أن‬
‫الج‪00‬دال يك‪00‬ون من قب‪00‬ل ص‪00‬احب الق‪00‬ول ي‪00‬دفع عن قول‪00‬ه اإلفس‪00‬اد‪ .‬والم‪00‬راء يك‪00‬ون من قب‪00‬ل‬
‫الخصم؛ وإذا حققت النظ‪00‬ر وج‪00‬دتهما بمع‪00‬نى واح‪00‬د‪ ،‬وحينئ‪00‬ذ تق‪00‬ول في تعريفهم‪00‬ا‪ :‬مقابل‪00‬ة‬
‫الحجة بالحجة‪ .‬ومحل حرمته إذا كان إلفساد قول الغير‪ ،‬بخالف م‪00‬ا إذا ك‪00‬ان إلحق‪00‬اق ح‪00‬ق‬
‫أو إبطال باطل‪ .‬قال اإلمام الشافعي‪ :‬ما ذاكرت أحداً وقصدت إفحامه‪ ،‬وإنما أذاكره إلظهار‬
‫الحق من حيث هو حق‪.‬‬
‫(قوله فاعتمد) المقصود منه التكملة‪ ،‬وأشار به المصنف إلى انقضاء فن العقائد‪،‬‬
‫أي فاعتمد في العقائد على ما ذكرته ألنه مذهب أهل السنة والجماعة‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه مسلم في كتاب العلم برقم (‪.)2670‬‬


‫‪ 2‬أخرجه الديلمي في مس‪0‬ند الف‪0‬ردوس رقم (‪ )8723‬والط‪0‬براني‪ 0‬في المعجم الكب‪0‬ير رقم (‬
‫‪ )1431‬قال في مجم‪0‬ع الزوائ‪0‬د رقم (‪ )701‬رواه الط‪0‬براني في الكب‪0‬ير وفي‪0‬ه ابن لهيع‪0‬ة وحديث‪0‬ه‬
‫حسن‪.‬‬
‫‪368‬‬
‫‪{ -224‬طلب التخلق باألخالق الحميدة}‬
‫ق‬ ‫ق ‪َ ##‬حلِيْفَ ِح ْل ٍم تَابِ َعا ً َ‬
‫للح ِّ‬ ‫الخ ْل ِ‬
‫‪َ -136‬و ُكنْ َك َما َكانَ ِخيا ُر َ‬
‫(قول‪00‬ه وكن… إلخ) ه‪00‬ذا من ب‪00‬اب التخلص من التخلي‪00‬ة –بالخ‪00‬اء المعجم‪00‬ة‪ -‬أي‬
‫التخلي من الرذائ‪00‬ل ال‪00‬تي أش‪00‬ار إليه‪00‬ا بقول‪00‬ه “ واجتنب … إلخ “ إلى التحلي‪00‬ة –بالح‪00‬اء‬
‫المهملة‪ -‬أي التحلي بالفضائل التي أشار إليها بقوله “ وكن ‪ ..‬إلخ “ وقد ذك‪00‬ر المص‪00‬نف‬
‫ش‪00‬يئا ً من فن التص‪00‬وف ومن‪00‬ه مب‪00‬احث النميم‪00‬ة وم‪00‬ا بع‪00‬دها من المهلك‪00‬ات‪ ،‬فهي تص‪ّ 0‬وف‪،‬‬
‫وعرفوه بأنه‪ :‬علم بأصول يع‪0‬رف به‪0‬ا إص‪0‬الح القلب وس‪0‬ائر الح‪0‬واس‪ .‬وفائدت‪0‬ه‪ :‬إص‪0‬الح‬
‫أحوال اإلنس‪00‬ان لم‪00‬ا في‪00‬ه من الحث على تص‪00‬فية االعتق‪00‬اد وكم‪00‬ال األعم‪00‬ال بالس‪00‬داد‪ .‬وق‪00‬ال‬
‫الغ‪00‬زالي‪ :‬ه‪00‬و تجري‪00‬د القلب هلل تع‪00‬الى واحتق‪00‬ار م‪00‬ا س‪00‬واه‪ :‬أي تخليص القلب هلل تع‪00‬الى‪،‬‬
‫واعتقاد أن ما سواه ال ينفع وال يضر‪ ،‬فال يع ّول إال على هللا؛ ف‪00‬المراد باحتق‪00‬ار م‪00‬ا س‪00‬واه‪:‬‬
‫اعتقاد أنه ال يضر وال ينفع‪1‬؛ وليس المراد ب‪00‬ه االزدراء والتنقيص‪ .‬والح‪00‬ق أن التص ‪ّ 0‬وف‬
‫ثمرة جمي‪00‬ع عل‪00‬وم الش‪00‬ريعة وليس قواع‪00‬د مخصوص‪00‬ة مد ّونه‪ ،2‬وس‪00‬مي بالتص‪00‬وف لغلب‪00‬ة‬
‫لبس الصوف على أهله كالمرقعات؛ وحكمتها –كما قاله الشيخ الشعراني‪ -‬أن‪00‬ه ال يج‪00‬دون‬
‫ثوبا ً كامالً من الحالل بل قطعا ً قطعاً‪ .‬وقيل‪ :‬لتشبههم بأهل الصفة‪ .‬قال س‪00‬هل بن عب‪00‬د هللا‪:‬‬
‫الصوفي من صفا من الكدر‪ ،‬وامتأل من العبر‪ ،‬وانقطع إلى هللا عن البشر‪ ،‬وتساوى عن‪00‬ده‬
‫الذهب والمدر‪ .‬وينسب لسيدي عبد الغني النابلسي‪:‬‬
‫يا واصفي أنت في التحقيق موصوفي‪ ##‬وعارفي ال تغالط أنت معروفي‬
‫سمي الصوفي‬ ‫َ‬ ‫صوفِي لهذا‬‫صافي ف ُ‬ ‫إن الفتى من بعه ِد ْه في األزل يُوفي ‪َ ##‬‬
‫وما أحسن ما أنشده الشيخ ابن الحاج في كتابه المدخل‪:‬‬
‫س الصوف ت َْرقَ ُعه ‪ ##‬وال بكاؤك إن َغنى ال ُمغن ُونا‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ليس التصوفُ لَ ْب َ‬
‫ق والقرآنَ والدينا‬‫بل التصوف أن تصفو بال َك َد ٍر ‪ ##‬وتتب َع الح َ‬
‫وإن تُرى خاشعا ً هلل ُم ْكتَئِبا ً ‪ ##‬على ذنوبك طو َل الدهر محزونا ً‬
‫(قوله كما كان خيار الخلق) أي كن متصفا ً بأخالق مث‪00‬ل األخالق ال‪00‬تي ك‪00‬ان عليه‪00‬ا‬
‫خيار الخلق‪ ،‬فالكاف للتمثيل والتشبيه‪ ،‬ويحتم‪00‬ل أن تك‪00‬ون بمع‪00‬نى‪ 3‬الب‪00‬اء‪ :‬أي كن متص‪00‬فا ً‬
‫باألخالق التي كان عليها خيار الخلق‪ ،‬والمراد من خيار الخلق نبينا صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم‪ ،‬ألنه جمع ما تفرق في غيره من الخصال الحميدة فهو الخيار المطلق‪ .‬ويحتم‪00‬ل أن‬
‫المراد به األنبياء عليهم الصالة والسالم ألنهم خيار الخلق‪ .4‬واألولى أن ي‪00‬راد ب‪00‬ه ك‪00‬ل من‬

‫‪ 1‬هذا االعتقاد شرط لصحة اإليمان فليس هو الم‪0‬راد باالحتق‪0‬ار‪ ،‬ب‪0‬ل الم‪0‬راد ب‪0‬ه أن يك‪0‬ون‬
‫المرء شاعراً باعتقاده هذا دائما ً في كل األحوال‪.‬‬
‫‪ 2‬والقواعد المخصوصة متعلقة به وبكيفية تحصيله فتسمى تصوفا ً مجازاً‪.‬‬
‫‪ 3‬ال يخفى بعد هذا الوجه فإن مجيء الك‪0‬اف بمع‪0‬نى الب‪0‬اء يحت‪0‬اج إلى إثب‪0‬ات ويل‪0‬زم علي‪0‬ه‬
‫حذف متعلقه وهو متصفاً‪ 0‬وحذف الج‪00‬ار والمج‪00‬رور ال‪00‬ذي ه‪00‬و عائ‪00‬د الموص‪00‬ول وليس الكالم من‬
‫مظانه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ولفظ الخيار يصلح للمفرد وغيره‪.‬‬
‫‪369‬‬
‫ثبتت له الخيري‪00‬ة ول‪00‬و بالنس‪00‬بة لمن دون‪00‬ه‪ ،‬فيش‪00‬مله ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ويش‪00‬مل‬
‫األنبياء والعلم‪00‬اء والش‪00‬هداء واألولي‪00‬اء والزه‪00‬اد والعب‪00‬اد‪ ،‬ويك‪00‬ون الكالم موزع‪0‬ا ً باعتب‪00‬ار‬
‫األشخاص وأنواع الخير؛ فمن الناس من له ق‪0‬درة على ص‪0‬ورة مجاهدت‪0‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ومنهم من ل‪00‬ه ق‪00‬درة على ص‪00‬ورة مجاه‪00‬دة العلم‪00‬اء وهلم ج‪00‬را؛ وإذا ك‪00‬انت‬
‫المجاهدة على يد شيخ من العارفين كانت أنفع لقولهم‪ :‬حال رجل في ألف رج‪00‬ل أنف‪00‬ع من‬
‫َو ْعظ ألف رجل في رجل؛ فينبغي للشخص أن يلزم شيخا ً عارفا ً على الكت‪00‬اب والس‪0‬نة ب‪0‬أن‬
‫يزنه قبل األخذ به‪ ،‬فإن وجده على الكتاب والسنة الزمه وتأدب مع‪00‬ه‪ ،‬فعس‪00‬اه يكتس‪00‬ب من‬
‫حاله ما يكون به صفاء باطنه وهللا يتولى هداه‪.‬‬
‫(قوله حليف حلم) أي وكن حليف حلم‪ ،‬فه‪00‬و خ‪00‬بر ث‪00‬ان‪ ،‬لكن في قول‪00‬ه “ وكن كم‪00‬ا‬
‫كان خيار الخلق “ والحليف بمعنى المحالف والمالزم فهو فعيل بمع‪00‬نى مفاع‪00‬ل‪ ،‬والحلم‬
‫بمعنى تحمل مشاق عباد هللا بحيث ال يستفزك الش‪00‬يطان وال اله‪00‬وى وال يحرك‪00‬ك الغض‪00‬ب؛‬
‫ص َرعَة وإنما الشجاع من يملك نفسه عن‪00‬د الغض‪00‬ب‪ ،‬وإنم‪00‬ا خص الن‪00‬اظم‬ ‫فالشجاع ليس بال ُ‬
‫الحلم بالذكر مع دخوله في عموم ما ك‪00‬ان علي‪00‬ه خي‪00‬ار الخل‪00‬ق اهتمام‪0‬ا ً ب‪00‬ه‪ ،‬وألن‪00‬ه وص‪00‬ف‬
‫غضب هللا مذموم‪.‬‬
‫جامع ألوصاف الخير‪ ،‬لكن الحلم فيما يُ ِ‬
‫(قول‪00‬ه تابع ‪0‬ا ً للح‪00‬ق) أي وكن تابع ‪0‬ا ً للح‪00‬ق‪ ،‬فه‪00‬و خ‪00‬بر ث‪00‬الث “ لِ ُكنْ “ المتقدم‪00‬ة‪،‬‬
‫والمراد بالحق‪ :‬هللا تعالى‪ ،‬ألن الحق اسم من أسمائه‪ .‬وفي الكالم حذف مضاف‪ :‬أي لدين‬
‫الحق‪ ،‬ويحتمل أن المراد به ألحكام الحقة‪ ،‬وحينئذ فال حاج‪00‬ة لتق‪00‬دير المض‪00‬اف‪ .‬وال يخفى‬
‫عليك أيها الموفق أنك ال تكون تابعا ً للحق إال إذا كنت متمس‪00‬كا ً ب‪00‬ه ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه‬
‫س‪0‬و ُل فَ ُخ‪ُ 0‬ذوهُ َو َم‪00‬ا‬ ‫وآله وسلم متمثالً ألوامره مجتنبا ً لنواهيه‪ .‬ق‪0‬ال تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫(و َم‪0‬ا آتَ‪00‬ا ُك ُم ال َّر ُ‬
‫نَ َها ُك ْم َع ْنهُ فَا ْنتَ ُهوا) (الحشر‪ :‬من اآلية‪ )7‬فزن جميع أقوالك وأفعال‪00‬ك واعتقادات‪00‬ك بم‪00‬يزان‬
‫الشريعة‪ ،‬وعليك بحفظ الحواس وضبط األنفاس‪.‬‬

‫‪370‬‬
‫‪{ -225‬طلب اتباع السلف واجتناب ابتداع الخلف}‬
‫َاع َمنْ َخلَفْ‬ ‫سلَفْ ‪َ ##‬و ُك ُّل َ‬
‫ش ٍّر فِي ا ْبتِد ِ‬ ‫‪ -137‬فَ ُك ُّل َخ ْي ٍر فِي ا ْتبَ ِ‬
‫اع َمنْ َ‬
‫(قوله فكل خير في اتباع من سلف) هذا عل‪0‬ة لألم‪0‬ر الس‪0‬ابق في قول‪0‬ه “ وكن كم‪0‬ا‬
‫ك‪00‬ان خي‪00‬ار الخل‪00‬ق …إلخ “ ف‪0‬المعنى‪ :‬ألن ك‪00‬ل خ‪00‬ير حاص‪00‬ل في اتب‪00‬اع من س‪00‬لف‪ ،‬فالف‪00‬اء‬
‫بمع‪00‬نى الم التعلي‪00‬ل‪ ،‬والم‪00‬راد بمن س‪00‬لف‪ :‬من تق‪00‬دّم من األنبي‪00‬اء والص‪00‬حابة والت‪00‬ابعين‬
‫وتابعيهم‪ ،‬وخصوصا ً األئمة األربعة المجتهدون الذي انعقد اإلجماع على امتناع الخ‪00‬روج‬
‫عن مذاهبهم في اإلفتاء والحكم‪ .‬وأما عمل الشخص في نفسه فيجوز تقليد غيرهم فيه‪.‬‬
‫(قوله وكل ش ّر في ابتداع من خلف) هذا علة لما تضمنه األمر الس‪00‬ابق من النهي‪،‬‬
‫والتقدير‪ :‬وال تكن كما كان عليه شرار الخلق‪ ،‬ألن كل شر حاصل في ابتداع من خلف أي‬
‫من تأخر من الخلف السيئ الذين أضاعوا الصلوات واتبعوا‪ 0‬الشهوات‪.‬‬
‫واعلم أن البدعة تعتريها األحك‪00‬ام الخمسة‪1‬فت‪00‬ارة تك‪00‬ون واجب‪00‬ة كض‪00‬بط المص‪00‬حف‬
‫والش‪00‬رائع إذا خي‪00‬ف عليه‪00‬ا الض‪00‬ياع؛ وت‪00‬ارة تك‪00‬ون محرم‪00‬ة‪ ،‬ك‪00‬ال ُم ُكس وس‪00‬ائر المح‪00‬دثات‬
‫المنافية للقواع‪00‬د الش‪00‬رعية‪ ،‬وت‪00‬ارة تك‪00‬ون مندوب‪00‬ة كص‪00‬الة ال‪00‬تراويح جماعة‪ 2‬ول‪00‬ذلك ق‪00‬ال‬
‫س‪00‬يدنا عم‪00‬ر رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه في ال‪00‬تراويح‪ :‬نعمت البدع‪00‬ة هي؛ وت‪00‬ارة تك‪00‬ون مكروه‪00‬ة‬
‫كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف‪ ،‬وتارة تك‪0‬ون مباح‪0‬ة كاتخ‪0‬اذ المناخ‪0‬ل لل‪0‬دقيق؛ ففي‬
‫اآلث‪00‬ار‪ :‬إن أول ش‪00‬يء أحدث‪00‬ه الن‪00‬اس بع‪00‬د رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم اتخ‪00‬اذ‬
‫المناخل‪ ،‬وإنما كانت مباحة ألن لين العيش وإصالحه من المباحات فوسائله مباحة‪.‬‬

‫‪ 1‬قوله "واعلم أن البدعة‪ ..‬إلخ" كالمه في البدعة اللغوية؛ أم‪00‬ا البدع‪00‬ة في الش‪00‬رع فهي‬
‫منهي عنها لقول رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم "كل بدعة ضاللة" فتدبر الف‪00‬رق بينهم‪00‬ا‪.‬‬
‫أجهوري‬
‫‪ 2‬قوله "كص‪0‬الة ال‪0‬تراويح جماع‪0‬ة" اعلم أن ص‪0‬الة ال‪0‬تراويح جماع‪0‬ة س‪0‬نة وق‪0‬د ثبت أن‬
‫النبي صلى هللا عليه وآله وسلم صالها في جماعة‪ .‬أجهوري‬
‫أقول‪ :‬المبتدع هو جمع الناس‪ 0‬عليها‪ 0‬وإقامتها بجمع عظيم‪ ،‬وهو ما فعله عمر رضي هللا‬
‫تعالى عنه‪.‬‬
‫‪371‬‬
‫‪-‬و ُك ُّل َهدْي لِ ْلنَّبِ ِّي قَ ْد َر َج ْح ‪ ##‬فَ َما أُبِ ْي َح ا ْف َع ْل َو َد ْع َما لَ ْم يَبُ ْح‬
‫‪َ 138‬‬
‫َ‬
‫ب البِ ْد َعة ِم َّمنْ َخلَفَا‬ ‫سلَفَا ‪َ ##‬و َجانِ ِ‬ ‫صالِ َح ِم َّمنْ َ‬ ‫‪-139‬فَتَابِ ِع ال َّ‬
‫ص‬
‫الخال ِ‬ ‫الريَا ِء ثُ َّم فِي َ‬ ‫ص ‪ِ ##‬منَ ِّ‬ ‫‪َ -140‬ه َذا َوأَ ْر ُجو هللاَ فِي ا ِإل ْخال ِ‬
‫(قوله وكل هدي للنبي قد رجح) أي وكل هدي منسوب للنبي صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وس‪00‬لم ق‪00‬د رجح على م‪00‬ا لم ينس‪00‬ب ل‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم من األق‪00‬وال واألفع‪00‬ال‬
‫واالعتقادات فأفضل األح‪00‬وال أحواله‪ 1‬ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ال‪00‬تي لم تنس‪00‬خ‪ ،‬وليس‬
‫المقصود بها بي‪0‬ان الج‪0‬واز‪ ،‬وال م‪0‬ا ق‪0‬ام ال‪0‬دليل على اختصاص‪0‬ه ب‪0‬ه ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه‬
‫وسلم‪ ،‬بخالف ما نسخ كقيام الليل كله‪ ،‬وما قصد به مج‪ّ 0‬رد بي‪00‬ان الج‪00‬واز كوض‪00‬وئه ص‪00‬لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم مرة مرة‪ ،‬وما كان مختصا ً ب‪0‬ه علي‪00‬ه الص‪0‬الة والس‪00‬الم كتزوج‪00‬ه أك‪00‬ثر‬
‫من أربع‪.‬‬
‫(قوله فما أبيح افعل) أي فما لم يُنه عنه ولو تنزيها ً افعل‪ ،‬فالمراد بما أبيح‪ :‬م‪00‬ا لم‬
‫ينه عنه فيشمل الواجب والمندوب والمباح – وهو م‪00‬ا اس‪00‬توى طرف‪00‬اه‪ -‬أي فعل‪00‬ه وترك‪00‬ه‪،‬‬
‫وقول‪00‬ه “ ودع م‪00‬ا لم يبح “ أي وات‪00‬رك م‪00‬ا لم يبح ل‪00‬ك فعل‪00‬ه وه‪00‬و المنهي عن‪00‬ه ب‪00‬أن ك‪00‬ان‬
‫محرما ً أو مكروها ً أو خالف األولى‪.‬‬
‫قول‪00‬ه فت‪00‬ابع الص‪00‬الح ممن س‪00‬لفا) أي فت‪00‬ابع في عقائ‪00‬دك وأقوال‪00‬ك وأفعال‪00‬ك الفري‪00‬ق‬
‫الصالح ممن سلف كقوله عليه الصالة والسالم‪( :‬عليكم بسنتي وسنة الخلف‪00‬اء الراش‪00‬دين‬
‫من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)‪2‬وهذا كناية عن شدّة التمسك بها‪ ،‬والصالح‪ :‬ه‪00‬و الق‪00‬ائم‬
‫بحقوق هللا وحقوق العباد‪ ،‬وهذا أندر من الكبريت األحمر‪ ،‬ويطلق الصالح على النبي كما‬
‫يطلق على الولي إال أن الصالح في األنبياء أكمل منه في األولياء‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه وج‪00‬انب البدع‪00‬ة ممن خلف‪00‬ا) أي وات‪00‬رك البدع‪00‬ة المذموم‪00‬ة ممن ج‪00‬اء بع‪00‬د‬
‫خواص الصحابة وعلمائهم‪ .‬وقد علمت أن البدعة تعتريها األحكام‪ 0‬الخمسة‪ .‬والحاصل أن‬
‫كل ما وافق الكتاب والسنة أو اإلجماع أو القياس فهو سنة‪ .‬وما خرج عن ذلك فهو بدعة‬
‫مذمومة‪.‬‬
‫(قوله هذا) مفعول لمحذوف أي افهم هذا أو مبتدأ والخبر محذوف‪ ،‬والتق‪00‬دير ه‪00‬ذا‬
‫ال‪00‬ذي ذكرت‪00‬ه ل‪00‬ك في ه‪00‬ذه المنظوم‪00‬ة م‪00‬ذهب أه‪00‬ل الس‪00‬نة‪ ،‬أو نح‪00‬و ذل‪00‬ك‪ ،‬وه‪00‬ذا من ب‪00‬اب‬
‫التخلص‪ 3‬وهو االنتق‪00‬ال من غ‪0‬رض –وه‪00‬و هن‪00‬ا األم‪00‬ر بمتابع‪00‬ة الس‪00‬لف الص‪00‬الح ومجانب‪00‬ة‬

‫‪ 1‬من حيث العمل بها والتحقق بها أي االتصاف بها‪.‬‬


‫‪ 2‬أخرجه الترمذي في كتاب العلم رقم (‪ )2676‬وقال‪ :‬حديث حسن ص‪00‬حيح وأخرج‪00‬ه أب‪00‬و‬
‫داود في كتاب السنة رقم (‪)4607‬‬
‫‪ 3‬كون‪00‬ه من ب‪00‬اب‪ 0‬التخلص‪ 0‬يقتض‪00‬ي أن يك‪00‬ون التق‪00‬دير أنقض ه‪00‬ذا أو نح‪00‬وه‪ ،‬وم‪00‬ا ذك‪00‬ره‬
‫العلماء في هذا المقام من التقديرات ال تناسب التخلص‪.‬‬
‫‪372‬‬
‫البدعة ممن خلف‪ -‬إلى غ‪00‬رض آخ‪00‬ر –وه‪00‬و هن‪00‬ا رج‪00‬اء اإلخالص وم‪00‬ا ذك‪00‬ره بع‪00‬ده‪ -‬وبين‬
‫الغرضين تناسب‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه وأرج‪00‬و هللا) الرج‪00‬اء بالم‪0‬دّ‪ :‬ه‪00‬و تعل‪00‬ق القلب بمرغ‪00‬وب في‪00‬ه م‪00‬ع األخ‪00‬ذ في‬
‫األس‪00‬باب‪ ،‬وإال فه‪00‬و طم‪00‬ع م‪00‬ذموم‪ .‬ق‪00‬ال ابن الج‪00‬وزي‪ :‬مث‪00‬ل ال‪00‬راجي م‪00‬ع اإلص‪00‬رار على‬
‫المعصية‪ ،‬كمثل من رجا حصاداً وما زرع أو ولداً وما نكح‪ .‬وقال عبد هللا بن المبارك‪:‬‬
‫ما بال دينك ترضى أن تدنسه ‪ ##‬وثوبُكَ الدهر مغسول من الدنس‬
‫سلَكْ طريقتها ‪ ##‬إن السفينة ال تجري على اليبس‬ ‫ترجو النجاة ولم تَ ْ‬
‫وفي الحديث القدسي‪( :‬ما أقل حياء من يطم‪00‬ع في جن‪00‬تي بغ‪00‬ير عم‪00‬ل‪ ،‬كي‪00‬ف أج‪00‬ود‬
‫برحمتي على من بخل بطاعتي‪.)1‬‬
‫(قوله في اإلخالص) أي في اتصافي به وهو قصد هللا بالعبادة وح‪00‬ده‪ ،‬وه‪00‬و س‪00‬بب‬
‫للخالص من أهوال يوم القيامة‪ ،‬وه‪00‬و واجب عي‪00‬ني على ك‪0‬ل مكل‪00‬ف في جمي‪00‬ع الطاع‪0‬ات‪.‬‬
‫صينَ لَهُ الدِّينَ ) (البينة‪ :‬من اآلية‪ )5‬وقال ص‪00‬لى‬ ‫(و َما أُ ِم ُروا إِاَّل لِيَ ْعبُدُوا هَّللا َ ُم ْخلِ ِ‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫‪2‬‬
‫هللا عليه وآله وسلم‪( :‬إن هللا ال يقبل من العمل إال ما كان خالصا ً وم‪0‬ا ابتغي ب‪0‬ه وجه‪0‬ه )‬
‫وفي حديث أنس رضي هللا تعالى عنه ق‪00‬ال‪ :‬ق‪00‬ال رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪:‬‬
‫(من فارق الدنيا على اإلخالص هلل وحده ال شريك له وإقام الصالة وإيت‪00‬اء الزك‪00‬اة فارقه‪00‬ا‬
‫وهللا راض عنه)‪ .3‬وعن ثوبان قال‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم يق‪0‬ول‪:‬‬
‫(ط‪00‬وبى للمخلص‪00‬ين أولئ‪00‬ك مص‪00‬ابيح اله‪00‬دى تنجلي عنهم ك‪00‬ل فتن‪00‬ة ظلم‪00‬اء)‪ 4‬وفي رواي‪00‬ة‬
‫(قتماء) وهي بمعنى ظلماء‪.‬‬
‫ومما يعين على اإلخالص استحضار أن ما سوى هللا ال شيء بي‪00‬ده وأن ك‪00‬ل ش‪00‬يء‬
‫بيد هللا تعالى‪ ،‬والصادق في إخالصه ال يحب إطالع الناس على حسن عمله‪ ،‬وال يك‪00‬ره أن‬
‫يطلع الناس على سيئ عمله‪ ،‬وال يبالي بخ‪00‬روج ق‪00‬دره من قل‪00‬وب الخل‪00‬ق‪ ،‬ورؤي بعض‪00‬هم‬
‫في المنام بعد الموت يقول‪ “ :‬الجنة أرضها اإليمان‪ ،‬وشجرها األعمال وثمره‪00‬ا اإلخالص‬
‫“‪.‬‬
‫ض‪0‬يت ْمُ‬ ‫َ‬
‫(قوله من الرياء) بالم ّد أي بدله‪ ،‬فـ “ من “ للبدل على ح ّد قوله تعالى‪( :‬أ َر ِ‬
‫بِا ْل َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا ِمنَ اآل ِخ َرة) (التوبة‪ :‬من اآلية‪ )38‬أي بدلها‪ ،‬وليست للتعدية‪ ،‬ألن‪00‬ه لم يع‪00‬بر‬
‫بالخالص أو الخلوص بل عبر باإلخالص‪ .‬والري‪00‬اء‪ :‬أن يعم‪00‬ل القرب‪00‬ة ل‪00‬يراه الن‪00‬اس‪ .‬وأم‪00‬ا‬
‫التسميع‪ :‬فهو أن يعمل العمل وحده ثم يخبر الناس ألجل تعظيمهم له أو لجلب خير منهم‪،‬‬
‫وكل من الرياء والتسميع محبط للث‪00‬واب م‪00‬ع ص‪00‬حة العم‪00‬ل‪ ،‬خالف‪0‬ا ً لم‪00‬ا نص علي‪00‬ه الس‪00‬ادة‬
‫المالكية من أنه مبطل للعبادة‪ .‬وقول الحسن‪ :‬من أعطى غيره شيئا ً حياء منه له فيه أجر‪،‬‬
‫وقول ابن سيرين‪ :‬من تبع جنازة حياء من أهلها له أجر‪ :‬ك‪00‬ل منهم‪00‬ا محم‪00‬ول على م‪0‬ا إذا‬

‫‪ 1‬ال أصل له‪.‬‬


‫‪ 2‬أخرجه النسائي في الجهاد رقم (‪ .)3089‬عن أبي أمامة الباهلي‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرجه ابن ماجة في المقدم‪0‬ة رقم (‪ )70‬عن أنس بن مال‪0‬ك وق‪0‬ال في الزوائ‪0‬د‪ :‬إس‪0‬ناده‬
‫ضعيف‪ ،‬وأخرجه الحاكم وصححه (‪.)2/332‬‬
‫‪ 4‬رواه البيهقي‪ 0‬في شعب اإليمان‪.)6861( 0‬‬
‫‪373‬‬
‫قصد جبر خاطر من أعطاه وأهل الجنازة هلل‪ ،‬وإال فهو رياء‪ .‬وفي الح‪00‬ديث القدس‪00‬ي‪( :‬أن‪00‬ا‬
‫أغ‪00‬نى الش‪00‬ركاء عن الش‪00‬رك؛ فمن عم‪00‬ل عمالً أش‪00‬رك في‪00‬ه غ‪00‬يري تركت‪00‬ه لش‪00‬ريكي‪ 1‬وق‪00‬ال‬
‫س‪0‬اهُونَ ‪ ،‬الَّ ِذينَ ُه ْم يُ‪َ 0‬‬
‫‪0‬را ُؤونَ (الم‪00‬اعون‪:‬‬ ‫تعالى‪ ):‬فَ َو ْي‪ٌ 0‬ل لِ ْل ُم َ‬
‫ص‪0‬لِّينَ ‪ ،‬الَّ ِذينَ ُه ْم عَنْ َ‬
‫ص‪0‬التِ ِه ْم َ‬
‫‪.)4/6‬‬
‫والرياء قسمان‪ :‬جلي‪ ،‬وخفي‪ .‬ف‪0‬األول‪ :‬أن يفع‪0‬ل الطاع‪0‬ة بحض‪0‬رة الن‪0‬اس ال غ‪0‬ير‪،‬‬
‫فإن خال بنفسه ال يفعل شيئاً‪ .‬والثاني‪ :‬أن يفعلها مطلقا ً حضر الناس أو ال‪ ،‬لكن يفرح عند‬
‫حضورهم‪ .‬قال الفضيل بن عياض‪ :‬العمل ألجل الناس شرك‪ ،‬وترك العمل ألجل الناس هو‬
‫الرياء‪ ،‬واإلخالص أن يعافيك هللا منهما‪ ،‬فمن عزم على عبادة فتركها خ‪00‬وف الن‪00‬اس فه‪00‬و‬
‫مراء‪ ،‬إال إن تركها ليفعلها في الخلوة فهو مستحب‪.‬‬
‫(قوله ثم في الخالص‪ ..‬إلخ) أي وأرجو هللا في الخالص من هذه األم‪00‬ور‪ ،‬فـ “ ثم‬
‫“ هنا وفيما بعد بمعنى الواو‪ ،‬كما يدل علي‪00‬ه تعب‪00‬ير الن‪00‬اظم في قول‪00‬ه “ واله‪00‬وى “ وم‪00‬ا‬
‫أحسن قول بعضهم في هذا المعنى‪:‬‬
‫شراكا‬ ‫بأربع ترمينَنِي ‪ ##‬بالنَ ْبل قد نصبوا عل ّي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إني بُليتُ‬
‫إبليس والدنيا والهوى ‪ ##‬من أين أرجو بينهن ِفكاكا‬
‫يا رب ساعدني بعفوك إنني ‪ ##‬أصبحت ال أرجو لهن سواكا‬

‫‪ 1‬أخرج‪00‬ه مس‪00‬لم في الزه‪00‬د والرق‪00‬اق رقم (‪ )2985‬عن أبي هري‪00‬رة إال أن‪00‬ه ق‪00‬ال‪( :‬تركت‪00‬ه‬
‫وشركه)‪.‬‬
‫‪374‬‬
‫‪ -141‬من الرجيم ثم نفسي والهوى ‪ ##‬فمن يمل لهؤالء قد غوى‬
‫(قوله من الرجيم) أي من الوقوع في مكايد الشيطان‪ .‬وال‪00‬رجيم بمع‪00‬نى المرج‪00‬وم‪،‬‬
‫أي المطرود عن رحمة هللا تعالى؛ أو بمعنى الراجم للناس بوسوسته‪ ،‬فـ “ رجيم “ فعيل‬
‫بمعنى مفعول أو فاعل‪ ،‬والمراد بالشيطان الرجيم‪ :‬ما يش‪00‬مل إبليس وأعوان‪00‬ه وهم أوالده‬
‫من ظهره‪ ،‬فإنه لما هبط من الجنة الط بنفس‪00‬ه لكون‪00‬ه ال زوج‪00‬ة ل‪00‬ه فب‪00‬اض خمس بيض‪00‬ات‬
‫فكانت أصل ذريته‪ ،‬فه‪0‬و أول من الط‪ ،‬كم‪0‬ا روي عن‪0‬ه‪ ،‬وه‪0‬و أب‪0‬و الش‪0‬ياطين‪ ،‬كم‪0‬ا أن أب‪0‬و‬
‫اإلنس‪ ،‬والعداوة بين الثقلين – أع‪00‬ني اإلنس والجن‪ -‬ف‪00‬رع من الع‪00‬داوة‪ 0‬بين األب‪00‬وين‪ .‬ق‪00‬ال‬
‫ش ْيطَانَ لَ ُك ْم َع ُد ٌّو فَات َِّخ ُذوهُ َع ُد ّواً (فاطر‪ :‬من اآلية‪ )6‬أي في عقائ‪00‬دكم وأق‪00‬والكم‪0‬‬
‫تعالى‪ :‬إِنَّ ال َّ‬
‫وأفعالكم‪ ،‬وكونوا على حذر منه في جميع أحوالكم‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه ثم نفس‪00‬ي) أي أرج‪00‬و هللا في الخالص من مكاي‪00‬د نفس‪00‬ي ال‪00‬تي هي أش‪00‬د من‬
‫الشيطان في الكيد‪ ،‬ولذلك قال بعضهم‪:‬‬
‫فالنفس أخبث ِمنْ سبعين شيطانا‬‫ُ‬ ‫س َك ال تَأْ َمنَ َغوائِلَها ‪##‬‬
‫ق نَف َ‬ ‫تَ َو ّ‬
‫والمراد بالنفس هنا‪ :‬األمارة وهي التي ت‪00‬أمر بالس‪00‬وء وال ت‪00‬أمر ب‪00‬الخير إال ن‪00‬ادراً‪،‬‬
‫بخالف اللوامة‪ :‬وهي التي تغلب صاحبها ثم ترجع عليه باللوم على ما وق‪00‬ع من‪00‬ه لكونه‪00‬ا‬
‫أذعنت للح‪00‬ق بس‪00‬بب المجاه‪00‬دة‪ ،‬وال ُم ْل َهم‪00‬ة‪ :‬وهي ال‪00‬تي ألهمت فجوره‪00‬ا وتقواه‪00‬ا بس‪00‬بب‬
‫المجاه‪00‬دة‪ ،‬والمطمئن‪00‬ة‪ :‬وهي ال‪00‬تي اطم‪00‬أنت إلى مك‪00‬ارم األخالق‪ ،‬والراض‪00‬ية‪ :‬وهي ال‪00‬تي‬
‫رضيت باهلل ربا ً من غير منازعة باطنية بس‪00‬بب المجاه‪00‬دة‪ ،‬والمرض‪00‬ية‪ :‬وهي ال‪00‬تي تجلى‬
‫هللا عليها بالرضا والعف‪0‬و عم‪0‬ا مض‪0‬ى‪ ،‬والكامل‪0‬ة‪ :‬وهي ال‪0‬تي ص‪0‬ارت الكم‪0‬االت له‪0‬ا طبع‪0‬ا ً‬
‫وسجية‪ ،‬ومع ذلك تترقى في الكمال‪ ،‬ثم بع‪00‬د كم‪00‬ال النفس ال يج‪00‬وز للش‪00‬خص أن يتص‪00‬دى‬
‫لإلرش‪00‬اد إال ب‪00‬إذن ص‪00‬ريح‪ ،‬لكن ال‪00‬وقت ق‪00‬د ت‪00‬أخر‪ ،‬فق‪ّ 0‬ل من يتنب‪00‬ه من غفلت‪00‬ه ويص‪00‬دق في‬
‫رغبته‪ .‬فعلى العاقل بالجد واالجتهاد حتى يسير في طريق الرشاد‪.‬‬
‫(قوله والهوى) أي أرجو هللا في الخالص من الهوى‪ ،‬وه‪00‬و بالقص‪00‬ر‪ :‬مي‪00‬ل النفس‬
‫إلى مرغوبها ولو كان فيه هالكها‪ ،‬وإذا أطلق انصرف إلى الميل إلى خالف الح‪00‬ق غالب ‪0‬اً‪،‬‬
‫(ص‪ :‬من اآلية‪ )26‬وقد يستعمل في الميل للحق كما في قول الس‪00‬يدة‬ ‫ّ‬ ‫نحو َوال تَتَّبِ ِع ا ْل َه َوى‬
‫‪1‬‬
‫عائشة رضي هللا تعالى عنها‪ “ :‬ال أرى ربك إال يسارع في ه‪00‬واك “ تخاطب‪00‬ه لم‪00‬ا ن‪00‬زل‬
‫قوله تعالى‪ :‬ت ُْر ِجي َمنْ تَشَا ُء ‪( ..‬األحزاب‪ :‬من اآلية‪ )51‬اآلية‪ .‬وس‪00‬مى األول ه‪00‬وى‪ ،‬ألن‪00‬ه‬
‫يهوي بصاحبه إلى النار‪ ،‬وأما الهواء – بالمد‪ -‬فه‪00‬و م‪00‬ا بين الس‪00‬ماء واالرض من ال‪00‬ريح‬
‫الذي تسير به السفن‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬

‫‪ 1‬أخرج البخاري في التفسير رقم (‪ )4788‬عن عائشة رضي هللا تعالى عنها ق‪00‬الت‪ :‬كنت‬
‫أغار على الالتي وهبن أنفس‪0‬هن لرس‪0‬ول هللا ص‪0‬لى هللا علي‪0‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪ ،‬وأق‪0‬ول‪ :‬أتهب الم‪0‬رأة‬
‫َش‪0‬ا ُء َو َم ِن ا ْبتَ َغيْتَ ِم َّمنْ‬ ‫َش‪0‬ا ُء ِم ْن ُهنَّ َوتُ‪00‬ؤْ ِوي إِلَ ْي‪0َ 0‬‬
‫‪0‬ك َمنْ ت َ‬ ‫نفسها‍؟ فلما أنزل هللا تعالى‪( 0:‬تُ‪0ْ 0‬ر ِجي َمنْ ت َ‬
‫‪00‬اح َعلَ ْي‪00‬كَ )‪( 0‬األح‪00‬زاب‪ 0:‬من اآلية‪ )51‬قلت‪ :‬م‪00‬ا أرى رب‪00‬ك إال يس‪00‬ارع‪ 0‬في ه‪00‬واك‪.‬‬ ‫ت فَال ُجنَ َ‬
‫َع‪00‬زَ ْل َ‪0‬‬
‫وأخرجه مسلم في كتاب الرضاع رقم (‪.)1464‬‬
‫‪375‬‬
‫جمع الهواء مع الهوى في أضلعي ‪ ##‬فتكاملت في مهجتي ناران‬
‫فقصرت بالممدود عن نيل المنى ‪ ##‬ودرجت بالمقصور في أكفاني‬
‫ومعنى كالمه أنه اجتمع في‪00‬ه المم‪0‬دود والمقص‪0‬ور فبالمم‪00‬دود قص‪0‬ر عن ني‪00‬ل من‪0‬اه‬
‫لكونه ألف الريح اللينة وأحب الراحة ففاته خير كثير‪ ،‬وبالمقصور مات ودرج في أكفان‪00‬ه‬
‫ألنه تبع هوى نفسه فتمكن منه العشق فقتله (قوله فمن يمل لهؤالء قد غوى) أي ألن كل‬
‫مكل‪00‬ف يمي‪00‬ل ألح‪00‬د ه‪00‬ذه الثالث‪00‬ة ال‪00‬تي هي منش‪00‬أ ك‪00‬ل فتن‪00‬ة‪ ،‬فق‪00‬د ف‪00‬ارق الرش‪00‬د وخ‪00‬رج عن‬
‫االستقامة‪ ،‬فهذا تعليل لقوله “ ثم الخالص… إلخ “ ‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫‪ -142‬هذا وأرجو هللا أن يمنحنا ‪ ##‬عند السؤال مطلقا ً حجتنا‬
‫(قوله هذا) مبتدأ والخبر محذوف أو بالعكس‪ :‬أي هذا مطل‪0‬وبي أو المطل‪0‬وب ه‪0‬ذا‪،‬‬
‫أو مفعول لمحذوف‪ :‬أي اسأل هذا أو نحو ذلك‪ ،‬وهذا من باب التخلص كما مر في نظيره‪.‬‬
‫(قول‪00‬ه وأرج‪0‬و هللا) ال يخفى أن التعب‪0‬ير بالمض‪00‬ارع يش‪0‬عر بالتج‪00‬دد‪ ،‬ف‪0‬المعنى‪ :‬وأرج‪00‬و هللا‬
‫رجاء متجدداً بتجدد األحوال؛ واألزمنة واألمكنة‪ 0.‬وقوله “ أن يمنحنا “ أي يعطينا‪ .‬يقال‪:‬‬
‫َمنَ َح‪ 0‬هُ إذا أعط‪00‬اه‪ .‬والمنح‪00‬ة‪ :‬العطي‪00‬ة‪ ،‬و “ ن‪00‬ا “ ه‪00‬و المفع‪00‬ول‪ 0‬ال‪00‬ول‪ ،‬و “ حجتن‪00‬ا “ ه‪00‬و‬
‫الث‪00‬اني‪ ،‬ألن ه‪00‬ذا الفع‪00‬ل يتع‪00‬دى إلى مفع‪00‬ولين‪ .‬واألولى بمق‪00‬ام ال‪00‬دعاء أن يك‪00‬ون الم‪00‬راد‬
‫بالضمير الذي هو المفعول‪ 0‬األول معاشر المسلمين أو أهل العلم‪ ،‬لح‪00‬ديث‪( :‬إذا دع‪00‬وتم هللا‬
‫فاجمعوا‪ ،‬فلعل فيمن تجمعون من تنالون بركته) ويحتمل أن المراد به خص‪00‬وص الن‪00‬اظم‪،‬‬
‫ويكون تعبيره بضمير العظمة حيث قال “ يمنحنا “ ولم يقل “ يمنحني “ إلظه‪00‬ار س‪00‬بب‬
‫(وأَ َّما‬
‫العظمة وهو تأهيل هللا إياه لطلب الدعاء أو لطلب العلم تحدثا ً بالنعم‪00‬ة‪ .‬ق‪00‬ال تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫ِّث)(الضحى‪ )11:‬وهذا ال ين‪00‬افي أن‪00‬ه مت‪00‬ذلل متخاض‪00‬ع لم‪00‬واله‪ ،‬فال ي‪00‬رد أن‬ ‫بِنِ ْع َم ِة َربِّ َك فَ َحد ْ‬
‫مقام الدعاء مقام ذلة وخضوع والعظمة تنافي ذلك‪.‬‬
‫و(قول‪0‬ه عن‪00‬د الس‪0‬ؤال مطلق‪0‬اً) أي عن‪0‬د ورود الس‪00‬ؤال علين‪00‬ا من الغ‪0‬ير ح‪00‬ال ك‪0‬ون‬
‫السؤال مطلقا ً أي في الدنيا وفي القبر وفي القيامة كما يفهم ذلك من المقام وإن لم يفس‪00‬ر‬
‫اإلطالق هنا سابق وال الحق‪.‬‬
‫وق‪00‬ول العلم‪00‬اء “ اإلطالق يفس‪00‬ره س‪00‬ابق والح‪00‬ق “ أم‪00‬ر أغل‪00‬بي كم‪00‬ا قال‪00‬ه بعض‬
‫المحققين‪ .‬قوله “ حجتنا “ أي ما نحتج‪ 1‬به على جواب السؤال احتجاجا ً صحيحا ً شرعيا ً‬
‫بحيث ال طعن فيه وال امتناع من قبول‪00‬ه‪ .‬ق‪00‬ال بعض الع‪00‬ارفين‪ :‬من لُ ْط‪ِ 0‬‬
‫‪0‬ف‪ 2‬منح هللا الحج‪00‬ة‬
‫لإلنسان عند السؤال قوله تعالى‪( :‬يَا أَ ُّي َها اإْل ِ ْن َ‬
‫س‪0‬انُ َم‪00‬ا َغ‪َّ 0‬ركَ بِ َربِّكَ ا ْل َك‪ِ 0‬ر ِ‬
‫يم) (االنفط‪00‬ار‪)6:‬‬
‫فإنه ألهمه الحجة بأن يقول‪ :‬غرني كرمك يا رب‪.‬‬

‫‪ 1‬قول‪00‬ه "أي نحتج على ج‪00‬واب… إلخ" ه‪00‬ذا ظ‪00‬اهر في الس‪00‬ؤال ال‪00‬وارد في ال‪00‬دنيا‪ ،‬ألن‬
‫السائل في الدنيا يطلب دليالً على الجواب‪ .‬وأما جواب الس‪0‬ؤال ال‪0‬وارد في اآلخ‪00‬رة فاحتياج‪0‬ه‪ 0‬إلى‬
‫دليل يدل عليه‪ 0‬غير ظاهر‪ 0،‬ألنه لم يرد أن المالئكةو يطلبون من الميت‪ 0‬بعد جواب‪00‬ه دليالً يثبت‪ 0‬ب‪00‬ه‬
‫جوابه‪ ،‬بل متى وفقه هللا وأجابهم انصرفوا عنه وقالوا له‪ :‬نم نومة العروس‪ ،‬فكان الظاهر حمل‬
‫الحجة على نفس الجواب‪ .‬هذا ما ظهر‪ .‬أجهوري‬
‫‪ 2‬قوله "من لطف" عبارة األمير‪ :‬من لطيف‪ .‬أجهوري‬
‫‪377‬‬
‫‪ -143‬ثم الصالة والسالم الدائم ‪ ##‬على نبي دأبه المراحم‬
‫‪ -144‬محمد وآله وعترته ‪ ##‬وتابع لنهجه من أمته‬
‫(قول‪00‬ه ثم الص‪00‬الة والس‪00‬الم) “ ثم “ لالس‪00‬تئناف ال للعط‪00‬ف‪ ،‬وق‪00‬د تق‪00‬دمت مب‪00‬احث‬
‫الصالة والسالم في أول الكتاب وإنما أتى المصنف بهم‪00‬ا في أول كتاب‪00‬ه وفي آخ‪00‬ره رج‪00‬اء‬
‫لقبول ما بينهما‪ ،‬ألن الصالة على النبي ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم مقبول‪00‬ة ال م‪00‬ردودة‪.‬‬
‫وهللا أك‪00‬رم من أن يقب‪00‬ل الص‪00‬التين وي‪00‬رد م‪00‬ا بينهم‪00‬ا‪ .‬وق‪00‬د ورد في الح‪00‬ديث (ال‪00‬دعاء بين‬
‫الصالتين عل ّي ال يرد)‪ 1‬ويق‪00‬اس على ال‪00‬دعاء نح‪00‬و الت‪00‬أليف‪ ،‬واعلم أن‪00‬ه إذا أورد اإلنس‪00‬ان‬
‫الصالة والسالم في آخر عمله ال ينبغي أن يريد بهم‪00‬ا اإلعالم بتمام‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل ينبغي ل‪00‬ه أن ال‬
‫يقص‪00‬د إال تحص‪00‬يل فض‪00‬يلتهما وإال وق‪00‬ع في الكراه‪00‬ة‪ ،‬وك‪00‬ذا ق‪00‬ولهم “ وهللا أعلم “ عن‪00‬د‬
‫التمام‪ ،‬فينبغي أن ال يقصدوا ب‪00‬ذلك اإلعالم باالنته‪00‬اء‪ ،‬ب‪00‬ل ينبغي أن يقص‪00‬دوا ب‪00‬ه تف‪00‬ويض‬
‫العلم إليه تع‪00‬الى‪( .‬قول‪00‬ه ال‪00‬دائم) أي ك‪00‬ل منهم‪00‬ا‪ ،‬ويحتم‪00‬ل أن يك‪00‬ون ص‪00‬فة للس‪00‬الم ويك‪00‬ون‬
‫المصنف حذف من الصالة نظيره‪ ،‬والتقدير‪ :‬ثم الصالة الدائمة والسالم الدائم‪ .‬فيكون في‬
‫كالم‪0‬ه الح‪0‬ذف من األول لدالل‪0‬ة الث‪0‬اني‪ ،‬وإن ك‪0‬ان خالف الغ‪00‬الب وه‪0‬و الح‪0‬ذف من الث‪00‬اني‬
‫لداللة األول‪ .‬وال يخفى‪ 2‬أن الدوام باعتبار فضلهما وثمرتهم‪0‬ا ال باعتب‪0‬ار لفظهم‪0‬ا‪ ،‬ألنهم‪0‬ا‬
‫عرضان ينقضيان بمجرد النطق بهما‪( .‬قوله على نبي) أي كائنان على ن‪00‬بي‪ .‬قول‪00‬ه (دأب‪00‬ه‬
‫المراحم) جملة من مبتدأ و خبر صفة لن‪00‬بي‪ :‬أي على ن‪00‬بي موص‪00‬وف ب‪00‬أن دأب‪00‬ه الم‪00‬راحم‪.‬‬
‫ومعنى الدأب‪ :‬العادة والمراحم جمع مرحمة بمعنى الرحم‪00‬ة‪ ،‬ف‪00‬المعنى‪ :‬عادت‪00‬ه المس‪00‬تمرة‬
‫(و َما أَ ْر َ‬
‫س‪ْ 0‬لنَاكَ إِاَّل َر ْح َم‪ 0‬ةً لِ ْل َع‪00‬الَ ِمينَ ) (األنبي‪00‬اء‪:‬‬ ‫الرحمة للعالمين‪ .‬ففيه تلميح لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪ )107‬وقوله “ محمد “ بدل من “ نبي “ أو عطف بيان عليه زاده هللا تشريفا ً وتكريما ً‬
‫لديه‪ ،‬وإنما ترك الناظم وصفه صلى هللا عليه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم بالس‪00‬يادة لض‪00‬رورة النظم‪ ،‬وإال‬
‫فيستحب وصفه بالس‪00‬يادة اس‪00‬تعماالً لألدب كم‪00‬ا قال‪00‬ه الجالل المحلي في الص‪00‬الة وغيره‪00‬ا‪.‬‬
‫وأما حديث‪( :‬ال تسيدوني في صالتكم) فقال السيوطي‪ :‬ال أصل له‪.‬‬
‫(قوله وآله) أي والصالة والس‪00‬الم ال‪00‬دائم على آل‪00‬ه‪ ،‬وق‪00‬د تق‪00‬دم الكالم على اآلل في‬
‫أول هذه الكتابة‪ .‬وقوله “ وعترته “ بالمثناة الفوقية هم أهل بيته وقيل‪ :‬زوجاته‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫نسله ورهطه األدنون‪ .‬وقوله “ وتابع لنهجه “ أي وك‪00‬ل متب‪00‬ع لطريقت‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه‬
‫وآله وسلم ولو في اإليمان فقط‪ ،‬فدخل عصاة المؤمنين والقصد بهذا‪ :‬التعميم في ال‪00‬دعاء‬
‫ألنه أفضل‪ .‬وقوله “ من أمته “ أي من أم‪00‬ة إجابت‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ،‬وه‪00‬ذا‬
‫القيد‪ 3‬لبيان الواقع ال لالحتراز عن المتبع لطريقته صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم وليس من‬
‫أمت‪00‬ه ألن المتب‪00‬ع لش‪00‬ريعته ال يك‪00‬ون إال من أمت‪00‬ه لعم‪00‬وم بعثت‪00‬ه‪ ،‬ال يق‪00‬ال ق‪00‬د يك‪00‬ون المتب‪00‬ع‬

‫‪ 1‬قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث اإلحياء (‪ :)1/309‬لم أجده مرفوعا‪،‬وإنما‪ 0‬ه‪00‬و‬
‫موقوف على أبي درداء وروى أبو داود (‪ )1481‬من حديث فضالة بن عبيد عن النبي‪ 0‬صلى هللا‬
‫عليه وىله وسلم (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثن‪00‬اء علي‪00‬ه ثم يص‪00‬لى على الن‪00‬بي‪ 0‬ثم ي‪00‬دع‬
‫بما شاء)‪.‬‬
‫‪ 2‬قول‪000‬ه "وال يخفى ‪ ..‬إلخ" ال حاج‪000‬ة إلى ه‪000‬ذا ألن الص‪000‬الة في كالم المص‪000‬نف بمع‪000‬نى‬
‫الرحمة‪ ،‬والسالم في كالمه بمعنى التحي‪00‬ة وهم‪00‬ا موص‪00‬وفان بال‪00‬دوام‪ .‬ومع‪00‬نى كالم المص‪00‬نف‪ 0،‬ثم‬
‫الرحمة والتحية الدائمان على نبي أفاده األمير‪ .‬أجهوري‬
‫‪378‬‬
‫لشريعته صلى هللا عليه وآله وسلم من غير أمته كما في سيدنا عيسى حين ينزل في آخر‬
‫الزمان‪ ،‬ألنا نقول‪ :‬هو حينئذ من أمته صلى هللا عليه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم‪ ،‬وفائ‪0‬دة القي‪0‬د الم‪0‬ذكور‬
‫التنصيص على العموم‪ ،‬لئال يتوهم إرادة خصوص القرون الثالثة نظير ما قالوه في قوله‬
‫اح ْي‪ِ 0‬ه إِاَّل أُ َم ٌم أَ ْمثَ‪00‬الُ ُك ْم َم‪0‬ا فَ َّر ْطنَ‪00‬ا فِي‬ ‫تع‪0‬الى‪َ ( :‬و َم‪00‬ا ِمنْ دَابَّ ٍة فِي اأْل َ ْر ِ‬
‫ض َوال طَ‪00‬ائِ ٍر يَ ِط‪ 0‬ي ُر بِ َجنَ َ‬
‫َي ٍء) (األنعام‪ :‬من اآلية‪ )38‬كما أفاد السعد وهللا أعلم‪.‬‬ ‫ب ِمنْ ش ْ‬ ‫ا ْل ِكتَا ِ‬
‫وهذا آخر ما يسره هللا تعالى من غير حش‪00‬و وال تعقي‪00‬د على “ ج‪00‬وهرة التوحي‪00‬د “‬
‫وهللا أسأل وبنبيه أتوسل‪ :‬أن يجع‪00‬ل ه‪00‬ذه الكتاب‪00‬ة خالص‪00‬ة لوجه‪00‬ه الك‪00‬ريم‪ ،‬وأن ينف‪00‬ع به‪00‬ا‬
‫النفع العميم‪ ،‬والمرجو من صاحب العقل السليم والخلق الق‪00‬ويم أن يقب‪00‬ل ع‪00‬ثراتي ويس‪00‬تر‬
‫هف‪00‬واتي‪ ،‬وال ح‪00‬ول وال ق‪00‬وة إال باهلل العلي العظيم‪ ،‬وص‪00‬لى هللا وس‪00‬لم وش‪00‬رف وك‪00‬رم على‬
‫النبي الرؤوف الرحيم وعلى آله وصحبه أجميعن‪ ،‬وسالم على المرس‪00‬لين والحم‪00‬د هلل رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫وقد وافق الكمال ليلة الخميس المبارك من أوائل ش‪00‬هر ص‪00‬فر المب‪00‬ارك من ش‪00‬هور‬
‫سنة ألف ومائتين وأربعة وثالثين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصالة وأزكى‬
‫التحي‪00‬ة‪ ،‬على ي‪00‬د جامعه‪00‬ا “ إب‪00‬راهيم ال‪00‬بيجوري “ ذي التقص‪00‬ير‪ ،‬غف‪00‬ر ل‪00‬ه ولوالدي‪00‬ه‬
‫وللمسلمين الخبير البصير وص‪0‬لى هللا على س‪0‬يدنا محم‪0‬د وعلى آل‪0‬ه وص‪0‬حبه وس‪0‬لم كلم‪0‬ا‬
‫ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون‪ .‬آمين‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انتهى ما أردنا القيام به من التعلي‪00‬ق على ش‪00‬رح الب‪00‬اجوري على ج‪00‬وهرة التوحي‪00‬د‬
‫وكان االنتهاء من التعليق في جمادى اآلخ‪00‬رة من س‪00‬نة ‪1425‬هـ المواف‪00‬ق ‪ 24‬تم‪00‬وز من‬
‫سنة ‪2004‬م‪.‬‬

‫‪ 3‬هذا التعبير ليس على ما ينبغي ألن من للبيان‪ 0‬ال للتبعيض حتى يكون قيداً إال أن يك‪00‬ون‬
‫قد أطلق عليه من حيث وروده بعده كما أن القيد يرد بعد المقيد فاألولى أن يق‪00‬ول ومن للبي‪00‬ان ال‬
‫للتبعيض‪.‬‬
‫‪379‬‬
380
‫رسائل‬
‫متعلقة بأصول الدين‬
‫‪ -1‬حكم تعلم علم الكالم‪ ،‬والسبب في نهي السلف عنه‬
‫‪ -2‬تحقيق مسألة أن صفات اهلل ليست عينه وال غيره‬
‫‪ -3‬تعليل أفعال اهلل عز وجل وأحكامه‬
‫‪ -4‬تحقيق مسألة كالم اهلل تعالى‬
‫‪ -5‬مسألة العلو والفوقية‪ 1‬هلل تعالى‪:‬‬
‫‪ -6‬مسألة الكسب وخلق أفعال العباد‬
‫‪ -7‬التقسم الثالثي للتوحيد بين األشاعيرة وابن تيمية‬
‫‪ -8‬متشابه الصفات بين التأويل واإلثبات‬

‫تأليف‬
‫محمد صالح بن أحمد الغرسي‬

‫‪381‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫حكم تعلم علم الكالم‪ ،‬والسبب في نهي السلف عنه‬
‫خير ما نفتتح به هذه المقالة كالم إمام جليل عليم بالكالم خبير وهو حجة اإلس‪00‬الم‬
‫الغزالي‪.‬‬
‫‪382‬‬
‫قال اإلمام الغزالي في إحياء علوم الدين‬
‫فإن قلت‪ :‬تعلم الجدل والكالم مذموم كتعلم‪ 0‬النجوم‪ ،‬أو ه‪00‬و مب‪00‬اح أو من‪00‬دوب إلي‪00‬ه؟‬
‫فاعلم أن للناس في هذا غلوا وإسرافا في أطراف‪.‬‬
‫فمن قائ‪00‬ل‪ :‬إن‪00‬ه بدع‪00‬ة وح‪00‬رام‪ ،‬وأن العب‪00‬د ألن يلقى هللا ع‪00‬ز وج‪00‬ل بك‪00‬ل ذنب س‪00‬وى‬
‫الشرك خير له من أن يلقاه بعلم الكالم‪.‬‬
‫ومن قائ‪00‬ل‪ :‬إن‪00‬ه واجب وف‪00‬رض إم‪00‬ا على الكفاي‪00‬ة أو على األعي‪00‬ان‪ ،‬وإن‪00‬ه أفض‪00‬ل‬
‫األعمال وأعلى القربات‪ ،‬فإنه تحقيق لعلم التوحيد‪ ،‬ونضال عن دين هللا تعالى‪.‬‬
‫وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أه‪00‬ل الح‪00‬ديث‬
‫من السلف‪ ،‬ق‪00‬ال ابن عب‪00‬د األعلى رحم‪00‬ه هللا تع‪00‬الى ‪ :‬س‪00‬معت الش‪00‬افعي ‪-‬رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى‬
‫عنه‪ -‬يوم ناظر حفصا الفرد ‪ -‬وكان من متكلمي المعتزلة‪ -‬يقول ‪ :‬ألن يلقى هللاَ العب ُد بكل‬
‫ذنب م‪00‬ا خال الش‪00‬رك باهلل خ‪00‬ير ل‪00‬ه من أن يلق‪00‬اه بش‪00‬يء من علم الكالم‪ ،‬ولق‪00‬د س‪00‬معت من‬
‫حفص الفرد كالما ال أقدر أن أحكيه‪ ،‬وقال أيضا‪ :‬قد اطلعت من أهل الكالم على ش‪00‬يء م‪00‬ا‬
‫ظننته قط‪ ،‬وأن يبتلي هللا العبد بكل ما نهى هللا تعالى عنه ما ع‪00‬دا الش‪00‬رك خ‪00‬ير ل‪00‬ه من أن‬
‫ينظر في الكالم ‪ ،‬وقال‪ :‬لو علم الن‪00‬اس م‪00‬ا في الكالم من األه‪00‬واء لف‪00‬روا من‪00‬ه ف‪00‬رارهم من‬
‫األس‪00‬د‪ .‬وق‪00‬ال‪ :‬حكمي في أص‪00‬حاب الكالم أن يض‪00‬ربوا بالجري‪00‬د ويط‪00‬اف بهم في القبائ‪00‬ل‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة‪ ،‬وأخذ في الكالم‪.‬‬
‫وق‪00‬ال أحم‪00‬د بن حنب‪00‬ل ‪ :‬ال يفلح ص‪00‬احب الكالم أب‪00‬دا‪ ،‬وال تك‪00‬اد ت‪00‬رى أح‪00‬دا نظ‪00‬ر في‬
‫الكالم إال وفي قلبه دغل‪ ،‬وبالغ في ذمه‪ ،‬حتى هجر الحارث المحاسبي مع زه‪00‬ده وورع‪00‬ه‬
‫بسبب تصنيفه كتابا في الرد على المبتدعة‪ ،‬وق‪00‬ال ل‪00‬ه ويح‪00‬ك تحكي ب‪00‬دعتهم أوال‪ ،‬ثم ت‪00‬رد‬
‫عليهم ألس‪00‬ت تحم‪00‬ل الن‪00‬اس بتص‪00‬نيفك على مطالع‪00‬ة البدع‪00‬ة‪ ،‬والتفك‪00‬ر في تل‪00‬ك الش‪00‬بهات‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث‪ ،‬وقال أحمد –رحمه هللا تعالى‪ :-‬علماء الكالم زنادقة‪...‬‬
‫وق‪00‬د اتف‪00‬ق أه‪00‬ل الح‪00‬ديث من الس‪00‬لف على ه‪00‬ذا‪ ،‬وال ينحص‪00‬ر م‪00‬ا نق‪00‬ل عنهم من‬
‫التشديدات فيه‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬ما سكت عنه الصحابة مع أنهم أعرف بالحقائق‪ ،‬وأفصح ب‪00‬ترتيب األلف‪00‬اظ‬
‫من غيرهم إال لعلمهم بما يتولد منه من الشر‪ ،‬ولذلك قال النبي صلى هللا تعالى عليه وآله‬
‫وسلم (هلك المتنطعون‪ ،‬هلك المتنطعون ) أي المتعمقون في البحث واالستقصاء‪.‬‬
‫أما الفرقة األخرى فاحتجوا بأن ق‪00‬الوا ‪ :‬ال نع‪00‬نى ب‪00‬ه‪-‬أي ب‪00‬الكالم‪-‬إال معرف‪00‬ة ال‪00‬دليل‬
‫على حدوث العالم ووحدانية الخالق وصفاته كما جاء في الش‪00‬رع‪ ،‬فمن أين تح‪00‬رم معرف‪00‬ة‬
‫هللا تعالى بالدليل؟ وكيف يكون ذكر الحجة والمطالبة بها ‪ ،‬والبحث عنه‪00‬ا محظ‪00‬ورا؟ وق‪00‬د‬
‫قال هللا تعالى ( قل ه‪00‬اتوا بره‪00‬انكم إن كنتم ص‪00‬ادقين) فطلب منهم البره‪00‬ان ‪ ،‬وق‪00‬ال تع‪00‬الى‬
‫(ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة ) وقال تعالى ( قل فلل‪00‬ه الحج‪00‬ة البالغ‪00‬ة)‬
‫وقال تعالى ( ألم تر إلى الذي ح‪00‬اج إب‪00‬راهيم في رب‪00‬ه إلى قول‪00‬ه فبهت ال‪00‬ذي كف‪00‬ر ) إذ ذك‪00‬ر‬
‫سبحانه احتجاج إبراهيم ‪ ،‬ومجادلته وإفحامه خصمه في معرض الثناء عليه ‪ ،‬وق‪00‬ال ع‪00‬ز‬

‫‪ 1‬قد أورد اإلم‪00‬ام ابن عس‪00‬اكر م‪00‬ا ذكرناه‪00‬ا من أق‪00‬وال الس‪00‬لف في ذم الكالم وغيره‪00‬ا في‬
‫كتابه (تب‪00‬يين ك‪00‬ذب المف‪00‬ترى فيم‪00‬ا نس‪00‬ب ألبي الحس‪00‬ن األش‪00‬عري) باألس‪00‬انيد المتص‪00‬لة‪ ،‬فمن أراد‬
‫النظر في أسانيدها فليرجع إليه ( ص ‪ )333‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪383‬‬
‫وجل ( وتلك حجتنا آتيناها إب‪0‬راهيم على قوم‪0‬ه) وق‪0‬ال تع‪00‬الى ( ق‪0‬الوا ي‪00‬ا ن‪0‬وح ق‪0‬د جادلتن‪0‬ا‬
‫فأكثرت جدالنا) وقال تعالى في قصة موسي علي‪0‬ه الس‪0‬الم ومباحثت‪0‬ه م‪0‬ع فرع‪0‬ون‪ ( :‬وم‪0‬ا‬
‫رب العالمين إلى قوله ‪ :‬أو لو جئتك بشيء مبين )‬
‫وبالجملة فالقرآن من أوله إلى آخ‪0‬ره محاج‪0‬ة م‪0‬ع الكف‪0‬ار ممل‪0‬وء ب‪0‬الحجج واألدل‪0‬ة‬
‫وال‪00‬براهين في مس‪00‬ائل التوحي‪00‬د ‪ ،‬وإثب‪00‬ات الب‪00‬اري وال َمع‪00‬اد‪ ،‬وإرس‪00‬ال الرس‪00‬ل ‪ ،‬فال ي‪00‬ذكر‬
‫المتكلمون وغيرهم دليال ص‪0‬حيحا على ذل‪0‬ك إال وه‪0‬و في الق‪0‬رآن بأفص‪0‬ح عب‪0‬ارة وأوض‪0‬ح‬
‫بيان ‪ ،‬وأتم معنا ‪ ،‬وأبعد عن اإليراد واألسئلة ‪ ،‬وقد اعترف بهذا حذاق المتكلمين‪.‬‬
‫فعمدة المتكلمين في التوحيد قوله تعالى ( لو كان فيهما آلهة إال هللا لفسدتا ) وفي‬
‫النبوة ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ) وفي البعث ( ق‪00‬ل‬
‫يحييها الذي أنشأها أول مرة ) إلى غير ذلك من اآليات واألدل‪00‬ة ‪ ،‬ولم ت‪00‬زل الرس‪00‬ل عليهم‬
‫الصالة والسالم يحاجون المنكرين ويجادلونهم ‪ ،‬قال تعالى ( وجادلهم بالتي هي أحسن )‬
‫والصحابة رضي هللا تعالى عنهم أيضا كانوا يحاجون المنكرين ‪ ،‬ويج‪00‬ادلون ‪ ،‬ولكن عن‪00‬د‬
‫الحاجة ‪ ،‬وكانت الحاجة إليه قليلة في زمانهم فلذا كان الخوض فيه قليال‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬فم‪00‬ا المخت‪00‬ار عن‪00‬دك في‪00‬ه ف‪00‬اعلم أن إطالق الق‪00‬ول بذم‪00‬ه في ك‪00‬ل ح‪00‬ال‪ ،‬أو‬
‫بحمده في كل حال خطأ‪ ،‬بل البد فيه من تفصيل‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬إن فيه منفعة‪ ،‬وفيه مضرة فهو باعتبار منفعته في وقت االنتف‪00‬اع حالل أو‬
‫من‪0‬دوب إلي‪00‬ه أو واجب كم‪00‬ا يقتض‪00‬يه الح‪00‬ال‪ ،‬وه‪0‬و باعتب‪0‬ار مض‪0‬رته في وقت االستض‪00‬رار‬
‫ومحله حرام‪.‬‬
‫أما مضرته فإثارة الشبهات‪ ،‬وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم‪ ،‬ف‪00‬ذلك‬
‫مما يحصل في االبتداء‪ ،‬ورجوعها بالدليل مشكوك في‪00‬ه‪ ،‬ويختل‪00‬ف في‪00‬ه األش‪00‬خاص‪ ،‬فه‪00‬ذا‬
‫ضرره في االعتقاد الحق ‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا منفعت‪00‬ه فق‪00‬د يظن أن فائدت‪00‬ه كش‪00‬ف الحق‪00‬ائق‪ ،‬ومعرفته‪00‬ا على م‪00‬ا هي علي‪00‬ه‬
‫وعمارة القلب بنور اليقين ‪ ،‬وهيهات‪ ،‬فليس في الكالم وفاء بهذا المطلب الش‪00‬ريف ولع‪00‬ل‬
‫التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف‪.‬‬
‫وهذا الكالم إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء لم‪00‬ا‬
‫جهلوا فاسمع هذا الكالم ممن خبر ه‪00‬ذا الكالم‪ ،‬ثم قاله بع‪00‬د حقيق‪00‬ة الخ‪0‬برة‪ ،‬وبع‪0‬د التغلغ‪00‬ل‬
‫فيه إلى منتهى درجة المتكلمين‪ ،‬وج‪00‬اوز ذل‪00‬ك إلى التعم‪00‬ق في عل‪00‬وم أخ‪00‬رى تناس‪00‬ب ن‪00‬وع‬
‫الكالم‪ ،‬وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود ‪.‬‬
‫ولعم‪00‬ري ال ينف‪00‬ك الكالم عن كش‪00‬ف وتعري‪00‬ف‪ ،‬وإيض‪00‬اح لبعض األم‪00‬ور ولكن على‬
‫الندور‪ ،‬وفي أمور جلية تكاد تفهم قبل التعمق في صنعة الكالم‪.‬‬
‫بل منفعته شيء واحد وهو حراس‪00‬ة العقي‪00‬دة على الع‪00‬وام وحفظه‪00‬ا عن تشويش‪00‬ات‬
‫المبتدعة بأنواع الجدل‪ ،‬فان العامي ضعيف يستفزه جدل المبتدع وان كان فاسدا‪.‬‬
‫وإذا وقعت اإلحاط‪00‬ة بض‪00‬رره ومنفعت‪00‬ه ‪ ،‬فينبغي أن يك‪00‬ون الن‪00‬اظر في‪00‬ه ك‪00‬الطبيب‬
‫الحاذق في استعمال الدواء الخط‪00‬ر‪ ،‬إذ ال يض‪00‬عه إال في موض‪00‬عه‪ ،‬وذل‪00‬ك في وقت الحاج‪00‬ة‬
‫وعلى قدر الحاجة ‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫وتفصيله أن العوام المشتغلين بالحرف والص‪00‬ناعات يجب أن ي‪00‬تركوا على س‪00‬المة‬
‫عقائ‪00‬دهم ال‪00‬تي اعتق‪00‬دوها‪ ،‬ف‪0‬ان تعليمهم الكالم ض‪0‬رر محض في حقهم‪ ،‬إذ ربم‪00‬ا يث‪00‬ير لهم‬
‫شكا‪ ،‬ويزلزل عليهم االعتقاد‪ ،‬وال يمكن القيام بعد ذلك باإلصالح‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا الع‪00‬امي المعتق‪00‬د للبدع‪00‬ة فينبغي أن ي‪00‬دعى إلى الح‪00‬ق ب‪00‬التلطف ال بالتعص‪00‬ب‪،‬‬
‫وبالكالم المقنع للنفس المؤثر في القلب القريب من سياق أدلة القرآن والحديث الممزوج‬
‫بفن من الوعظ والتحذير‪ ،‬فان ذل‪00‬ك انف‪00‬ع من الج‪00‬دل الموض‪00‬وع على ش‪00‬رط المتكلمين‪ ،‬إذ‬ ‫ٍ‬
‫العامي إذا سمع ذلك اعتقد أنه نوع صنعة من الجدل تعلمها المتكلم ليس‪00‬تدرج الن‪00‬اس إلى‬
‫اعتقاده‪ ،‬فإن عجز عن الجواب قَ‪َّ 0‬د َر أن المج‪0‬ادلين من أه‪00‬ل مذهب‪00‬ه يق‪00‬درون على دفعه‪00‬ا‪،‬‬
‫فالج‪00‬دل م‪00‬ع ه‪00‬ذا وم‪00‬ع األول ح‪00‬رام‪ ،‬وك‪00‬ذا من وق‪00‬ع في ش‪00‬ك إذ يجب إزال‪00‬ة ش‪00‬كه ب‪00‬اللطف‬
‫والوعظ‪ ،‬واألدلة القريبة المقبولة‪ ،‬البعيدة عن تعمق الكالم واستقصاء الجدل‪....‬‬
‫فان كانت البدعة شائعة وكان يخاف على الصبيان أن يخدعوا فال بأس أن يعلم‪00‬وا‬
‫الق‪0‬در ال‪0‬ذي أودعن‪0‬اه كت‪0‬اب ( الرس‪0‬الة القدس‪0‬ية) ليك‪0‬ون ذل‪0‬ك س‪0‬ببا ل‪0‬دفع ت‪0‬أثير مج‪0‬ادالت‬
‫المبتدعة إن وقعت‪.‬‬
‫فإن كان فيه ذكاء وتنبه لموضع السؤال‪ ،‬أو ثارت في نفسه شبهة‪ ،‬فقد بدت العلة‬
‫المحذورة‪ ،‬وظهر الداء‪ ،‬فال بأس أن يرقي منه إلى القدر الذي ذكرناه في كتاب (االقتصاد‬
‫في االعتقاد) وهو قدر خمسين ورقة‪ ،‬وليس فيه خروج عن النظر في قواعد العقائ‪00‬د إلى‬
‫غير ذلك من مباحث المتكلمين‪.‬‬
‫وأما الزيادة على ذلك القدر بإيراد أسئلة وأجوب‪00‬ة وش‪00‬ب ٍه تنبعث من األفك‪00‬ار‪ ،‬فه‪00‬و‬
‫استقص‪00‬اء ال يزي‪00‬د إال ض‪00‬الالً وجهال في ح‪00‬ق من لم يقنع‪00‬ه ذل‪00‬ك الق‪00‬در‪ ،‬ف‪00‬رب كالم يزي‪00‬ده‬
‫اإلطناب والتقرير غموضاً‪.‬‬
‫فقد عرفت بهذا القدر المذموم والقدر المحمود من الكالم‪ ،‬والحال التي ي‪00‬ذم فيه‪00‬ا‪،‬‬
‫والحال التي يحمد فيها‪ ،‬والشخص الذي ينتفع به‪ ،‬والشخص الذي ال ينتفع به‪.‬‬
‫واتض‪00‬ح ل‪00‬ك أن المحم‪00‬ود من الكالم م‪00‬ا ه‪00‬و من جنس حجج الق‪00‬رآن من الكلم‪00‬ات‬
‫اللطيفة الم‪00‬ؤثرة في القل‪00‬وب المقنع‪00‬ة للنف‪00‬وس ‪ ،‬دون التغل‪00‬ل في التقس‪00‬يمات و الت‪00‬دقيقات‬
‫التي ال يفهمها أكثر الناس ‪ ،‬وإذا فهموها اعتقدوا أنها شعوذة وصناعة تعلمه‪00‬ا ص‪00‬احبها‬
‫للتلبيس‪ ،‬فإذا قابله مثله في الصناعة قاومه‪.‬‬
‫وعرفت أن الشافعي وكافة السلف إنما منعوا عن الخوض فيه والتجرد له لما فيه‬
‫من الضر ّر الذي نبهنا عليه‪ ،‬وأن ما نق‪00‬ل عن ابن عب‪00‬اس ‪ $‬من من‪00‬اظرة الخ‪00‬وارج ‪ ،‬وم‪00‬ا‬
‫نقل عن علي‪ $‬من المناظرة في القدر‪ ،‬وغيره‪ ،‬كان من الكالم الجلي الظاهر ‪ ،‬وفي مح‪00‬ل‬
‫الحاجة ‪ ،‬وذلك محمود في كل حال ‪.‬‬
‫نعم قد تختلف األعصار في كثرة الحاجة وقلتها‪ ،‬فال يبع‪00‬د أن يختل‪00‬ف الحكم ل‪00‬ذلك‪.‬‬
‫انتهى كالم الغزالي ‪ .‬ملخصا‬
‫أقول ‪:‬نهي السلف عن الكالم محمول على أوجه ‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أنهم نهوا عن كالم أهل الب‪00‬دع واأله‪00‬واء‪ ،‬فان‪00‬ه ك‪00‬ان في الق‪00‬ديم إنم‪00‬ا‬
‫يع‪00‬رف ب‪00‬الكالم أه‪00‬ل الب‪00‬دع واأله‪00‬واء‪ ،‬وأم‪00‬ا أه‪00‬ل الس‪00‬نة فمع‪00‬ولهم فيم‪00‬ا يعتق‪00‬دون الكت‪00‬اب‬
‫والسنة‪ ،‬وكانوا قلما يخوضون في الكالم قاله اإلمام ال‪00‬بيهقي‪ ،‬نقل‪00‬ه عن‪00‬ه ابن عس‪00‬اكر في‬

‫‪385‬‬
‫تبيين كذب المفتري (‪ )334‬ثم قال‪ :‬وناهي‪0‬ك بقائل‪00‬ه أبي بك‪00‬ر ال‪00‬بيهقي‪ ،‬فق‪00‬د ك‪00‬ان من أه‪00‬ل‬
‫الرواية والدراية‪.‬‬
‫ثم قال ابن عساكر (‪ :)345‬وإنما يع‪00‬ني الش‪00‬افعي ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬بقول‪00‬ه‪ “ :‬من ابتلي‬
‫ب‪00‬الكالم لم يفلح “ كالم أه‪00‬ل األه‪00‬واء ال‪00‬ذين ترك‪00‬وا الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‪ ،‬وجعل‪00‬وا مع‪00‬ولهم‬
‫عقولهم‪ ،‬وأخذوا في تسوية الكتاب عليها‪ ،‬وحين حملت عليهم السنة بزي‪00‬ادة بي‪00‬ان لنقض‬
‫أقاويلهم اتهموا رواتها‪ ،‬وأعرضوا عنه‪00‬ا‪ ،‬فأم‪00‬ا أه‪00‬ل الس‪00‬نة فم‪00‬ذهبهم في األص‪00‬ول مب‪00‬ني‬
‫على الكتاب والسنة‪ ،‬وإنما أخذ من أخذ منهم في العق‪00‬ل إبط‪00‬االً لم‪00‬ذهب من زعم أن‪00‬ه غ‪00‬ير‬
‫مستقيم على العقل‪ ،‬وباهلل التوفيق‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫أق‪0‬ول‪ :‬وعلى ه‪0‬ذا يحم‪0‬ل تش‪0‬ديدات الس‪0‬لف الغليظ‪0‬ة في النهي عن الكالم كم‪0‬ا ي‪0‬دل‬
‫عليه سياق كالم الشافعي المتقدم بعدما ناظر حفصا ً الفرد القدري‪ ،‬وقد ج‪00‬اء مص‪00‬رحا ً في‬
‫بعض الروايات عنه‪ ،‬روى عنه ابن عس‪00‬اكر بس‪00‬نده المتص‪00‬ل (‪ )337‬أن‪00‬ه ق‪00‬ال‪( :‬ألن يلقى‬
‫هللا عز وجل العبد بكل ذنب خال الشرك خير له ثم أن يلقاه بشيء من األهواء)‬
‫قال الشافعي هذا الكالم حينما رأى قوما ً يتج‪00‬ادلون في الق‪00‬در بين يدي‪00‬ه‪.‬وع‪00‬بر عن‬
‫كالمهم باألهواء‪.‬‬
‫وروى البيهقي أنه دخل حفص الفرد على الشافعي‪ ،‬فقال‪ :‬الشافعي بعد خروجه‪:‬‬
‫(ألن يلقى العب ُد هللاَ بذنوب مثل جبال تهامة خير له من أن يلقاه باعتقاد حرف مما‬
‫عليه هذا الرجل وأصحابه) وكان حفص يقول بخلق القرآن‪ ،‬نقله ابن عساكر في التب‪00‬يين‬
‫(‪)341‬‬
‫الوج‪00‬ه الث‪00‬اني‪ :‬أن النهي محم‪00‬ول على الخ‪00‬وص في الكالم لمعرف‪00‬ة المجادل‪00‬ة م‪00‬ع‬
‫الخصوم واإلحاطة بمناقضة أدلتهم‪ ،‬والتشدق بتكثير األس‪00‬ئلة واألجوب‪00‬ة الدقيق‪00‬ة‪ ،‬وإث‪00‬ارة‬
‫الشبه واللوازم البعيدة مما لم يكن يعرف شيء منه في العصر األول‪ ،‬ب‪00‬ل ك‪00‬انوا يش‪00‬ددون‬
‫النكير على من يفتح باب الجدل والممارات‪ ،‬ولذلك قال النبي ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وس‪00‬لم‪( :‬هل‪00‬ك المتنطع‪00‬ون) أي المتعمق‪00‬ون في البحث واالستقص‪00‬اء‪ ،‬وذل‪00‬ك الش‪00‬تمال ه‪00‬ذا‬
‫النوع من الكالم‪ ،‬على ما أشار إلي‪00‬ه الغ‪00‬زالي رحم‪00‬ه هللا على كث‪00‬ير من الخب‪00‬ط والتض‪00‬ليل‪،‬‬
‫وعدم وفائه بما هو المقصود من كشف الحقائق وعم‪00‬ارة القلب ب‪00‬اليقين‪ ،‬ب‪00‬ل إن‪00‬ه م‪00‬ورث‬
‫بالعكس من ذلك زعزعة في العقيدة‪ ،‬ووهنا ً في التصميم‪.‬‬
‫قال الغزالي‪ :‬وما أحدثه المتكلمون من تفسير وسؤال وتوجيه إشكال ثم االش‪00‬تغال‬
‫بحل‪00‬ه فه‪00‬و بدع‪00‬ة‪ ،‬وض‪00‬رره في ح‪00‬ق عم‪00‬وم الخل‪00‬ق ظ‪00‬اهر‪ ،‬فه‪00‬ذا ال‪00‬ذي ينبغي أن يت‪00‬وقى‪،‬‬
‫والدليل على تضرر الخلق به المشاهدة والتجربة‪ ،‬وما ثار من الفتن بين الخلق من‪00‬ذ نب‪00‬غ‬
‫المتكلمون وفشي صناعة الكالم مع سالمة العصر األول عن مثل ذلك‪.‬‬
‫وق‪00‬ال الغ‪00‬زالي أيض‪0‬اً‪ :‬فقس عقي‪00‬دة أه‪00‬ل الص‪00‬الح والتقى من ع‪00‬وام الن‪00‬اس بعقي‪00‬دة‬
‫المتكلمين والمجادلين فترى اعتقاد العامي في الثبات كالطود الشامخ ال تحرك‪00‬ه ال‪00‬دواهي‬
‫والصواعق‪ ،‬وعقيدة المتكلم الحارس اعتقاده بتقسيمات الجدل كخي‪00‬ط مرس‪00‬ل في اله‪00‬واء‬
‫الرياح مرةً هكذا ومرةً هكذا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تفَيئهه‬
‫الوجه الثالث‪ :‬ما في التغلغل في الكالم من خطر الدخول في البدعة أو الكفر وذلك‬
‫ألن الباحث فيه قد يخطئ‪ ،‬والخطأ فيه ال يخلو عن أحد الخط‪00‬رين الم‪00‬ذكورين‪ .‬وق‪00‬د أش‪00‬ار‬

‫‪386‬‬
‫إلى هذا اإلمام الشافعي رحمه هللا في م‪00‬ا رواه عن‪00‬ه ابن عس‪00‬اكر في التب‪00‬يين (‪ )343‬ق‪00‬ال‪:‬‬
‫وأما استحبابه أي الشافعي ترك الخوض فيه‪ ،‬واإلعراض عن المناظرة في‪00‬ه م‪00‬ع معرفت‪00‬ه‬
‫به‪ ،‬فأخبرنا أبو عبد هللا الحافظ ق‪00‬ال‪ :‬س‪00‬مت أب‪00‬ا الفض‪00‬ل الحس‪00‬ن بن يعق‪00‬وب الع‪00‬دل يق‪00‬ول‪:‬‬
‫سمعت أبا أحمد محمد بن روح يقول‪ :‬كنا عند باب الشافعي نتناظر في الكالم فخرج إلين‪00‬ا‬
‫الشافعي رحمه هللا فسمع ببعض ما كنا فيه فرجع عنا فما خرج إلين‪00‬ا إال بع‪00‬د س‪00‬بعة أي‪00‬ام‪،‬‬
‫ثم خرج فقال‪ :‬ما منع‪0‬ني من الخ‪0‬روج إليكم ِعلّ‪0‬ةٌ عرض‪0‬ت‪ ،‬ولكن لِ َم‪0‬ا س‪0‬معتكم‪ 0‬تتن‪0‬اظرون‬
‫فيه‪ ،‬أتظنون أني ال أحسنه؟ لقد دخلت في‪00‬ه ح‪00‬تى بلغت في‪00‬ه مبلغ‪0‬اً‪ ،‬وم‪00‬ا تع‪00‬اطيت ش‪00‬يئا ً إال‬
‫وبلغت فيه مبلغا ً حتى الرمي‪ ،‬كنت أرمي بين الغرض‪00‬ين‪ ،‬فأص‪0‬يب من عش‪0‬ر تس‪0‬عة‪ ،‬ولكن‬
‫الكالم ال غاية له‪ ،‬تناظروا في شيء إن أخط‪00‬أتم في‪00‬ه يق‪00‬ال لكم‪ :‬أخط‪00‬أتم‪ ،‬وال تن‪00‬اظروا في‬
‫شيء إن أخطأتم فيه يقال‪ :‬كفرتم‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬ما اشتمل عليه علم الكالم من حكاية مذاهب أه‪00‬ل الب‪00‬دع واأله‪00‬واء‪،‬‬
‫وذكر الشبه الواردة على اعتقاد أه‪00‬ل الس‪00‬نة‪ ،‬وه‪00‬ذا مفض إلى نش‪00‬ر ه‪00‬ذه الم‪00‬ذاهب‪ ،‬وق‪00‬د‬
‫أمرنا بإخمادها‪ ،‬وموجب لتمكن هذه الشبه في القلوب‪.‬‬
‫فإن الشبهة كثيراً ما تكون واضحة ويكون الجواب عنها خفياً‪ ،‬ثم إن هذا يجر إلى‬
‫الرأي والجدل والممارات في دين هللا تعالى‪ ،‬وقد علمت إنكار السلف ل‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬ذا م‪00‬ا أش‪00‬ار‬
‫إليه اإلمام أحمد رحمه هللا تع‪0‬الى حينم‪0‬ا أنك‪0‬ر على الح‪0‬ارث المحاس‪0‬بي تص‪0‬نيفه كتاب‪0‬ا ً في‬
‫الرد على المبتدعة‪ ،‬فقال له‪ :‬ويحك تحكي بدعتهم أوالً ثم ترد عليهم! ألست تحمل الناس‬
‫بتص‪00‬نيفك على مطالع‪00‬ة البدع‪00‬ة‪ ،‬والتفك‪00‬ر في تل‪00‬ك الش‪00‬بهات؟ في‪00‬دعوهم ذل‪00‬ك إلى ال‪00‬رأي‬
‫والبحث‪ ،‬وقد أشار إلى هذا الغزالي بقوله‪ :‬أما مضرته فإثارة الشبهات وتحري‪00‬ك العقائ‪00‬د‪،‬‬
‫وإزالتها عن الجزم والتصميم‪ ،‬فذلك مما يحصل في االبت‪00‬داء ورجوعه‪00‬ا بال‪00‬دليل مش‪00‬كوك‬
‫فيه‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬إن النهي محمول على االقتصار على الكالم لما في‪00‬ه من زعزع‪00‬ة‬
‫العقيدة وسقوط هيبة ال‪00‬رب من القلب‪ ،‬ق‪00‬ال ابن عس‪00‬اكر في التب‪00‬يين (‪ :)334‬ويحتم‪00‬ل أن‬
‫يكون مرادهم من النهي عن الكالم أن يقتصر عليه‪ ،‬وي‪00‬ترك تعلم الفق‪00‬ه ال‪00‬ذي يُتوص‪00‬ل ب‪00‬ه‬
‫إلى معرفة الحالل والحرام‪ ،‬ويرفض العمل بما أمر بفعل‪00‬ه من ش‪00‬رائع اإلس‪00‬الم‪ ،‬وال يل‪00‬تزم‬
‫فعل ما أمر به الشارع‪ ،‬وترك ما نهى عنه من األحكام‪.‬‬
‫وقد بلغني عن حاتم بن عنوان األص‪00‬م وك‪00‬ان من أفاض‪00‬ل الزه‪00‬اد وأه‪00‬ل العلم –أن‪00‬ه‬
‫قال‪ :‬الكالم أصل الدين‪ ،‬والفقه فرعه والعمل ثمره‪ ،‬فمن اكتفى بالكالم دون الفقه والعم‪00‬ل‬
‫تزن‪000‬دق‪ ،‬ومن اكتفى بالعم‪000‬ل دون الكالم والفق‪000‬ه ابت‪000‬دع‪ ،‬ومن اكتفى بالفق‪000‬ه دون الكالم‬
‫والعمل تفسق‪ ،‬ومن تفتن في األبواب كلها تخلص‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫والسبب فيما قاله حاتم األصم من أن المكتفي بالكالم يتزندق أن الخ‪00‬ائض في علم‬
‫الكالم المقتصر عليه تتزعزع عقيدته‪ ،‬وتسقط هيبة الرب من قلبه‪.‬‬
‫وذلك ألن عمل المتكلم هو الكالم على ذات هللا تعالى وصفاته وإيراد األدلة العقلية‬
‫على إثباتها‪ ،‬ثم إيراد الشبه على تلك األدلة ثم الجواب عنها‪ ،‬ثم الكالم على م‪00‬ا ي‪00‬رد على‬
‫الج‪00‬واب من النقض‪ ،‬واإلجاب‪00‬ة عن‪00‬ه وهلم ج‪00‬راً‪ ،‬وه‪00‬ذا العم‪00‬ل ي‪00‬وجب وهن‪00‬ا في العقي‪00‬دة‪،‬‬
‫ويفضي إلى سقوط هيبة ال‪00‬رب س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى عن القلب ومن أج‪00‬ل ذل‪00‬ك ك‪00‬ان كث‪00‬ير من‬

‫‪387‬‬
‫المتكلمين المقتص‪00‬رين على الكالم رقيقي ال‪00‬دين‪ ،‬ح‪00‬تى نق‪00‬ل عن بعض‪00‬هم الته‪00‬اون بإقام‪00‬ة‬
‫الصالة‪.‬‬
‫الوجه السادس‪ :‬أن النهي محمول على الدخول في الكالم والخوض فيه عند ع‪00‬دم‬
‫الحاجة إليه‪ ،‬وذلك ألن أدلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع بها قليل من الناس‪ ،‬ويتضرر بها‬
‫اآلخرون‪ ،‬فينبغي االقتصار منها على قدر الحاجة وعلى وقت الحاجة‪ .‬قال اإلمام الغ‪00‬زالي‬
‫في “ إلجام العوام عن علم الكالم “ ‪ :‬إن األدلة تنقسم إلى ما يحتاج فيه إلى تفكر وتدقيق‬
‫خارج عن تدقيق العامي وقدرته‪ ،‬وإلى ما هو جلي سابق إلى اإلفهام ببادئ ال‪00‬رأي‪ ،‬واق‪00‬ل‬
‫النظر‪ ،‬بل يشترك فيها كافة الناس بسهولة ال خط‪00‬ر في‪00‬ه‪ ،‬وم‪00‬ا يحت‪00‬اج إلى الت‪00‬دقيق فليس‬
‫على قدر وسعه‪.‬‬
‫فأدلة القرآن مثل الغذاء ينتفع به كل إنسان‪ ،‬وأدلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع ب‪00‬ه‬
‫آحاد الناس‪ ،‬ويستضر به األك‪00‬ثرون‪ ،‬ب‪00‬ل أدل‪00‬ة الق‪00‬رآن كالم‪00‬اء ينتف‪00‬ع ب‪00‬ه الص‪00‬بي والرج‪00‬ل‬
‫القوي‪ ،‬وسائر األدلة كاألطعمة‪ ،‬ينتفع بها األقوياء مرة‪ ،‬ويمرضون بها أخرى‪ ،‬وال ينتفع‬
‫بها الصبي أصالً‪.‬‬
‫وأما معرفة الكالم الذي ال يخالف الكتاب والس‪00‬نة‪ ،‬واس‪00‬تعماله عن‪00‬د الحاج‪00‬ة فليس‬
‫بمذموم‪ ،‬وقد اشتهر غير واحد من علماء اإلسالم ومن أهل السنة قديما ً بالكالم‪ .‬قال‪00‬ه ابن‬
‫عساكر (‪ )352‬وقدمنا أن اإلمام الشافعي كان ضليعا ً منه‪.‬‬
‫قال ابن عساكر (‪ )339‬والكالم المذموم كالم أصحاب األهوية‪ ،‬وما تزخرفه أرباب‬
‫البدع المردية‪ ،‬فأما الكالم الموافق للكتاب والسنة الموضح لحقائق األص‪00‬ول عن‪00‬د ظه‪00‬ور‬
‫س‪0‬نه‪ ،‬ويَ ْفهم‪00‬ه‪ ،‬وق‪00‬د‬‫الفتنة‪ ،‬فهو محمود عند العلماء ومن يعلم‪00‬ه‪ ،‬وق‪00‬د ك‪00‬ان الش‪00‬افعي يُ ْح ِ‬
‫تكلم مع غير واحد ممن ابتدع‪ ،‬وأقام الحجة عليه حتى انقطع‪ ،‬ثم أورد ابن عساكر جمل‪00‬ة‬
‫من مناظرات الشافعي للمبتدع‪0‬ة الدال‪0‬ة على أن‪0‬ه ك‪0‬ان متض‪0‬لعا ً من ه‪0‬ذا العلم‪ ،‬ثم ق‪0‬ال ص‬
‫‪ :351‬فأم‪00‬ا الكالم ال‪00‬ذي يواف‪00‬ق الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‪ ،‬وي‪00‬بين بالعق‪00‬ل والع‪00‬برة‪ ،‬فإن‪00‬ه محم‪00‬ود‬
‫مرغوب فيه عند الحاجة‪ ،‬تكلم فيه الشافعي وغيره من أئمتنا رضي هللا تع‪00‬الى عنهم عن‪00‬د‬
‫الحاجة كما سبق ذكرنا له‪.‬‬
‫وقال اإلمام تقي الدين السبكي في نق‪0‬ده لنوني‪0‬ة ابن القيم‪ :‬ال تش‪0‬تغل من العل‪0‬وم إال‬
‫بما ينفع‪ ،‬وهو القرآن والس‪00‬نة والفق‪0‬ه‪ 0‬وأص‪00‬ول الفق‪00‬ه والنح‪00‬و‪ ،‬وبأخ‪00‬ذها عن ش‪00‬يخ س‪00‬الم‬
‫العقي‪00‬دة‪ ،‬وبتجنب علم الكالم والحكم‪00‬ة اليوناني‪00‬ة‪ ،‬واالجتم‪00‬اع بمن ه‪00‬و فاس‪00‬د العقي‪00‬دة‪ ،‬أو‬
‫النظر في كالم‪00‬ه‪ ،‬وليس على العقائ‪00‬د أض‪00‬ر من ش‪00‬يئين‪ :‬علم الكالم‪ ،‬والحكم‪00‬ة اليوناني‪00‬ة‪،‬‬
‫وهم‪00‬ا في الحقيق‪00‬ة علم واح‪00‬د‪ ،‬وه‪00‬و العلم اإللهي‪ ،‬لكن اليون‪00‬ان طلب‪00‬وه بمج‪00‬رد عق‪00‬ولهم‪،‬‬
‫والمتكلمون طلبوه بالعقل والنقل‪ ،‬وافترقوا ثالث فرق‪:‬‬
‫إحداها غلب عليها جانب العقل‪ ،‬وهم المعتزلة‪.‬‬
‫والثانية غلب عليها جانب النقل‪ ،‬وهم الحشوية‪.‬‬
‫والثالثة استوى األمران عندهم‪ ،‬وهم األشعرية‪.‬‬
‫وجميع الف‪00‬رق الثالث في كالمه‪00‬ا مخ‪00‬اطر‪ ،‬إم‪00‬ا خط‪00‬أ في بعض‪00‬ه‪ ،‬أو س‪00‬قوط هيب‪00‬ة‪،‬‬
‫والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون على الفطرة‬

‫‪388‬‬
‫الس‪00‬ليمة‪ ،‬وله‪00‬ذا ك‪00‬ان الش‪00‬افعي رحم‪00‬ه هللا تع‪00‬الى ينهى الن‪00‬اس عن االش‪00‬تغال بعلم الكالم‪،‬‬
‫ويأمرهم باالشتغال بالفقه وهو طريق السالمة‪.‬‬
‫ولو بقي الناس على ما ك‪0‬انوا علي‪0‬ه في زمن الص‪0‬حابة ك‪0‬ان األولى للعلم‪0‬اء تجنب‬
‫النظر في علم الكالم جملة‪ ،‬لكن حدثت بدع أوجبت للعلماء النظر فيه لمقاومة المبتدعين‪،‬‬
‫ودفع شبههم عن أن تزيغ بها قلوب المهتدين‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫والحاصل أن المتكلمين قد وع‪00‬روا الطري‪00‬ق إلى تحص‪00‬يل العقي‪00‬دة وح‪00‬اولوا أثباته‪00‬ا‬
‫ودف‪00‬ع الش‪00‬به عنه‪00‬ا بكالم خفي دقي‪00‬ق طوي‪00‬ل مب‪00‬ني على مق‪00‬دمات فلس‪00‬فية غ‪00‬ير واض‪00‬حة‬
‫محتاج‪00‬ة ألى األثب‪00‬ات ب‪00‬دالئل ركيك‪00‬ة ص‪00‬عبة الفهم عس‪00‬يرة الهض‪00‬م‪ ،‬قابل‪00‬ة ل‪00‬ورود الش‪00‬به‬
‫والشكوك واألنتقادات عليها‪ ،‬فبعد تقرير هذه ال‪00‬دالئل يش‪00‬تغلون ب‪00‬دفع اإلنتق‪00‬ادات ال‪00‬واردة‬
‫عليها‪ ،‬وكثيرا ما يك‪00‬ون ال‪00‬دفع أيض‪00‬ا م‪00‬وردا لالنتق‪00‬اد‪ ،‬فيح‪00‬اولون دفع‪00‬ه‪ ،‬وهك‪00‬ذا‪ ...‬فص‪00‬ار‬
‫الكالم الذي مارسوه ووسعوا الكالم فيه قلي‪00‬ل النف‪00‬ع ك‪00‬ثر الض‪00‬رر مخلف‪00‬ا ورائ‪00‬ه ش‪00‬بها في‬
‫العقول ووهنا في العقيدة‪ ،‬بدال عن إيراثه الطمأنينة في الصدور والثلج في القل‪00‬وب‪ ،‬فه‪00‬و‬
‫كلحم جم‪00‬ل غث على رأس جب‪00‬ل وع‪00‬ر ال س‪00‬هل ف‪00‬يرتقي‪ ،‬وال س‪00‬مين فينتقي‪ ،‬وأحس‪00‬ن م‪00‬ا‬
‫عندهم فهو في القرآن أصح تقريراً‪ ،‬وأحسن تفسيراً‪ ،‬وليس عندهم إال التكل‪0‬ف والتطوي‪0‬ل‬
‫والتعقيد كما قيل‪:‬‬
‫لوال التنافس في الدنيا لما وضعت ‪ ##‬كتب التناظر ال المغني وال ال َع َمد‬
‫يحللون بزعم منهم عقدا ‪ ##‬وبالذي وضعوه زادت العقد‬
‫فهم يزعمون أنهم يدفعون بالذي وضعوه الش‪0‬به والش‪0‬كوك‪ ،‬والفاض‪0‬ل ال‪0‬ذكي يعلم‬
‫أن الشبه والشكوك زادت بذلك‪.‬‬
‫ومن طريف ما بلغني أن بعض األساتذة‪ -‬وكان المق‪0‬رر في قط‪0‬رهم ت‪0‬دريس ش‪0‬رح‬
‫العقائد النسفية للتفت‪00‬ازاني‪ -‬ك‪00‬ان عقب اإلنته‪00‬اء من ت‪00‬دريس ه‪00‬ذا الكت‪00‬اب ي‪00‬درس تالمذت‪00‬ه‬
‫كت‪00‬اب الش‪00‬فاء للقاض‪00‬ي عي‪00‬اض إص‪00‬الحا لم‪00‬ا أفس‪00‬ده الش‪00‬رح الم‪00‬ذكور وتالفي‪00‬ا لم‪00‬ا أورث‪00‬ه‬
‫تدريسه من زعزعة في العقيدة ومن الوهم في التصميم‪.‬‬
‫وهذا ما أشار إليه اإلمام الرازي في وصيته حيث قال فيها‪ :‬ولقد اخت‪00‬برت الط‪00‬رق‬
‫الكالمية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في الق‪00‬رآن‪،‬‬
‫ألن‪00‬ه يس‪00‬عى في تس‪00‬ليم العظم‪00‬ة والجالل هلل‪ ،‬ويمن‪00‬ع عن التعم‪00‬ق في إي‪00‬راد المعارض‪00‬ات‬
‫والمناقضات‪ ،‬وما ذلك إال للعلم بأن العقول البش‪00‬رية تتالش‪00‬ى في تل‪00‬ك المض‪00‬ايق العميق‪00‬ة‪،‬‬
‫والمناهج الخفية‪ ،‬فلهذا أقول‪:‬‬
‫كل ما ثبت بالدالئل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته وبرائته عن الشركاء كم‪00‬ا‬
‫في القدم واألزلية‪ ،‬والتدبير والفعالية فذلك هو الذي أقول به‪ ،‬وألقى هللا به‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا م‪00‬ا ال ينتهي األم‪00‬ر في‪00‬ه إلى الدق‪00‬ة والغم‪00‬وض‪ ،‬وك‪00‬ل م‪00‬ا ورد في الق‪00‬رآن‬
‫والصحاح المتعين للمعنى الواحد فهو كما قال‪.‬‬
‫والذي لم يكن كذلك أقول‪ :‬يا إله العالمين‪ :‬إني أرى الخلق مطبقين على أن‪00‬ك أك‪00‬رم‬
‫األكرمين‪ ،‬وأرحم الراحمين‪ ،‬فكل ما مده قلمي أو خطر ببالي فاستشهد وأق‪00‬ول‪ :‬إن علمت‬
‫مني أني أردت به تحقيق الباطل‪ ،‬أو إبطال حق‪ ،‬فافع‪0‬ل بي م‪0‬ا أن‪0‬ا أهل‪0‬ه‪ ،‬وإن علمت م‪0‬ني‬

‫‪389‬‬
‫أني ما سعيت إال في تقديس ما اعتقدت أنه الحق‪ ،‬وتص‪00‬ورت أن‪00‬ه الص‪00‬دق فلتكن رحمت‪00‬ك‬
‫مع قصدي ال مع حاصلي فذلك جهد المقل …‬
‫وقد أورد الوصية بتمامها تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى ‪.8/91‬‬

‫فظهر لنا مما نقدم أن هناك نوعان من الكالم‪ :‬محمود‪ ،‬ومذموم‪:‬‬


‫أما المذموم فهو الكالم على طريقة الفالسفة و على طريق‪00‬ة أه‪00‬ل أأله‪00‬واء والب‪00‬دع‬
‫ال‪00‬ذين غلب‪00‬وا ج‪00‬انب العق‪00‬ل‪ ،‬ترك‪00‬وا الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‪ ،‬وجعل‪00‬وا مع‪00‬ولهم عق‪00‬ولهم‪ ،‬وأخ‪00‬ذوا‪0‬‬
‫بتسوية الكتاب والسنة عليها‪ ،‬و الكالم على طريقة المتنطعين والمتغلغلين في التقسيمات‬
‫والتدقيقات التي ال يفهمها إال قلة قليل‪00‬ة من الن‪00‬اس المتش‪00‬دقين بتكث‪00‬ير األس‪00‬ئلة واألجوب‪00‬ة‬
‫الدقيقة مما أحدث‪00‬ه المتكلم‪00‬ون من تفس‪00‬ير وس‪00‬ؤال وتوجي‪00‬ه وإش‪00‬كال‪ ،‬ثم اإلش‪00‬تغال بحل‪00‬ه‪،‬‬
‫ومن إثارة اللوازم البعيدة واإلكثار من إيراد الشبه الواردة على عقائد أهل الس‪00‬نة مم‪00‬ا لم‬
‫يكن يع‪00‬رف ش‪00‬يء من‪00‬ه في العص‪00‬ر األول‪ ،‬ب‪00‬ل ك‪00‬انوا يش‪00‬ددون النك‪00‬ير على من يفتح ب‪00‬اب‬
‫الجدل والمماراة‪ ،‬ولذلك قال النبي صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪ “ :‬هل‪00‬ك المتنطع‪00‬ون “‬
‫أي المتعمقون في البحث واإلستقصاء‪ ،‬وذل‪00‬ك الش‪00‬تمال ه‪00‬ذا الن‪00‬وع من الكالم – كم‪00‬ا ق‪00‬ال‬
‫الغزالي – على كثير من الخبط والتضليل‪ ،‬وعدم وفائه بما ه‪00‬و المقص‪00‬ود من‪00‬ه من كش‪00‬ف‬
‫الحق‪00‬ائق وعم‪00‬ارت القل‪00‬وب ب‪00‬اليقين‪ ،‬ب‪00‬ل إن‪00‬ه م‪00‬ورث – ب‪00‬العكس من ذل‪00‬ك – زعزع‪00‬ة في‬
‫العقيدة ووهنا في التصميم‪.‬‬
‫فهذا هو الكالم الذي ذمه السلف‪ ،‬ونهوا عن اإلشتغال به‪ ،‬وكان علم الكالم عندهم‬
‫منصرفا إلى هذا النوع‪ ،‬ومن أجل ذلك أطلقوا‪ 0‬ذمه والنهي عنه ولم يفصلوا‪ .‬وال يزال هذا‬
‫اإلسم منصرفا إلى هذا النوع بحيث ال يتبادر إلى الذهن عند إطالق‪00‬ه إال ه‪00‬ذا الن‪00‬وع‪ ،‬وإن‬
‫ك‪00‬انت التعريف‪00‬ات ال‪00‬تي ص‪00‬اغوها لعلم الكالم أعم من‪00‬ه وش‪00‬املة للن‪00‬وع المحم‪00‬ود من‪00‬ه كم‪00‬ا‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫وأما الكالم المحمود‪ :‬فهو ما تورد فيه العقائد اإلس‪00‬المية ويس‪00‬تدل عليه‪00‬ا بم‪00‬ا ه‪00‬و‬
‫من جنس حجج القرآن من الكلمات المؤثرة في القلوب‪ ،‬المقنع‪00‬ة للنف‪00‬وس‪ ،‬المورث‪00‬ة لثلج‬
‫الصدور وطمأنينة القلوب من األدلة الجلية الظاهرة‪.‬‬
‫ف‪00‬إن أدل‪00‬ة الق‪00‬رآن – كم‪00‬ا ق‪00‬ال الغ‪00‬زالي‪ -‬مث‪00‬ل الغ‪00‬ذاء ينتف‪00‬ع ب‪00‬ه ك‪00‬ل إنس‪00‬ان‪ ،‬وأدل‪00‬ة‬
‫المتكلمين مثل الدواء ينتفع به آحاد الناس ويستضر به األك‪00‬ثرون‪ ،‬ب‪00‬ل أدل‪00‬ة الق‪00‬رآن مث‪00‬ل‬
‫الماء ينتفع به الص‪0‬بي والرج‪0‬ل الق‪0‬وي‪ ،‬وس‪0‬ائر األدل‪0‬ة كاألطعم‪0‬ة ينتف‪0‬ع ب‪0‬ه الق‪0‬وي م‪0‬رة‪،‬‬
‫ويمرض به أخرى‪ ،‬وال ينتفع به الصبي أصال‪.‬‬
‫وهذا النوع من الكالم قد جاء به األنبياء من لدن آدم إلى محمد صلى تعالى عليهم‬
‫أجمعين وسلم‪ .‬وقد حث هللا تعالى على تعلمه في آيات كثيرة تحث على اس‪00‬تعمال العق‪00‬ول‬
‫في فهم م‪00‬ا ج‪00‬اء ب‪00‬ه الق‪00‬رآن وفي قبول‪00‬ه واإلذع‪00‬ان ل‪00‬ه‪ ،‬وت‪00‬أمر باإلحتج‪00‬اج على الكف‪00‬ار و‬
‫بمطالبتهم بالحجة‪ ،‬وقد أوجبه هللا تعالى بقوله‪ ( :‬وجادلهم بالتي هي أحسن)‪ ،‬وقد حش‪00‬ى‬
‫هللا تعالى كتابه بهذا النوع من اإلستدالل فإن الق‪00‬رآن – كم‪00‬ا ق‪00‬ال الغ‪00‬زالي – من أول‪00‬ه إلى‬
‫آخره محاجة مع الكفار‪ ،‬مملوء بالحجج واألدلة والبراهين في مسائل التوحيد‪ ...‬إلى آخر‬
‫ما نقلناه عنه آنفا‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫هذا هو النوع المحمود من الكالم والنوع األول هو المذموم منه‪،‬‬
‫لكنه ال يخفى أن مجموعة كبيرة من علماء أهل السنة والجماعة من ل‪00‬دن عه‪00‬د‬
‫السلف قد اشتغلوا بالنوع األول منه‪ ،‬واعتنوا به ووس‪00‬عوا الكالم في‪00‬ه كالح‪00‬ارث بن أس‪00‬د‬
‫ب‪ ،‬وحس‪00‬ين بن علي الكرابس‪00‬ي‪ ،‬واإلم‪0‬امين‪ :‬أبي الحس‪0‬ن األش‪00‬عري‬ ‫المحاس‪0‬بي‪ ،‬وابن ُكالَ ٍ‬
‫وأبي منص‪00‬ور الماتري‪00‬دي‪ ،‬والقاض‪00‬ي أبي بك‪00‬ر الب‪00‬اقالني‪ ،‬وأبي المعين النس‪00‬في‪ ،‬وإم‪00‬ام‬
‫الحرمين‪ ،‬والغزالي‪ ،‬وفخرالدين الرازي‪ ،‬والشهر س‪00‬تاني‪ ،‬واآلم‪00‬دي‪ ،‬والقاض‪00‬ي عض‪00‬دين‬
‫اإليجي‪ ،‬وسعد الدين التفتازاني‪ ،‬والسيد الشريف الجرجاني‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫والعذر لألوائل من هؤالء العلماء في ذلك أنه قد نجم على عه‪00‬دهم ش‪00‬به مص‪00‬درها‬
‫الفلس‪00‬فة‪ ،‬ق‪00‬د أورده‪00‬ا أص‪00‬حابها على عقائ‪00‬د اإلس‪00‬الم وأص‪00‬وله‪ ،‬وظه‪00‬رت ب‪00‬دع وأه‪00‬واء‬
‫منشؤها كالم أهل البدع واألهواء‪ ،‬فرأى هؤالء العلماء أن‪00‬ه من ال‪00‬واجب عليهم – حفاظ‪00‬ا‬
‫على أص‪00‬ول اإلس‪00‬الم أن تتط‪00‬رق إليه‪00‬ا الش‪00‬به‪ ،‬وعلى عقي‪00‬دة المس‪00‬لمين أن ت‪00‬تزعزع وأن‬
‫تشوبها البدع‪ -‬أن يدفعوا تلك الشبه‪ ،‬ويردوا على تلك البدع واألهواء‪ ،‬ويبن‪00‬وا بطالنه‪00‬ا‪،‬‬
‫ورأوا أن أفضل أسلوب لدفع تلك الشبه وللرد على تلك الب‪00‬دع ه‪00‬و األس‪00‬لوب كالمي ال‪00‬ذي‬
‫هو منشئها كي يكون ال‪00‬رد أق‪00‬وى وأش‪00‬د إلزام‪00‬ا ألص‪00‬حابها‪ .‬وه‪00‬ذا م‪00‬ا أش‪00‬ار إلي‪00‬ه الغ‪00‬زالي‬
‫بقول‪00‬ه‪ “ :‬فه‪00‬و باعتب‪00‬ار منفعت‪00‬ه في وقت االنتف‪00‬اع حالل أو من‪00‬دوب إلي‪00‬ه أو واجب كم‪00‬ا‬
‫يقتضيه الحال “ ‪ ،‬ونبه عليه السبكي بقوله‪ “ :‬ول‪00‬و بقي الن‪00‬اس على م‪00‬ا ك‪00‬انوا علي‪00‬ه في‬
‫زمن الصحابة لك‪0‬ان األولى للعلم‪0‬اء تجنب النظ‪00‬ر في علم الكالم جمل‪0‬ة‪ ،‬ولكن ح‪00‬دثت ب‪00‬دع‬
‫أوجبت للعلم‪00‬اء النظ‪00‬ر في‪00‬ه لمقاوم‪00‬ة المبت‪00‬دعين ودف‪00‬ع ش‪00‬بههم عن أن يزي‪00‬غ به‪00‬ا قل‪00‬وب‬
‫المهتدين‪“ .‬‬
‫ثم بع‪00‬د م‪00‬وت تل‪00‬ك الش‪00‬به وان‪00‬دثار تل‪00‬ك الب‪00‬دع اس‪00‬تمر علم الكالم حي‪00‬ا على أي‪00‬دي‬
‫مجموعة من المتأخرين من علماء األمة‪ ،‬فصاروا يقارعون عدوا ميت‪00‬ا‪ ،‬وي‪00‬دفعون ش‪00‬بها‬
‫ويبطلون بدعا ال وجود لها في عالم العقول‪ 0‬الحية‪ ،‬وإنما مثواها بطون الكتب والزبر‪.‬‬
‫نعم بع‪00‬د م‪00‬ا دون ه‪00‬ذا العلم واس‪00‬تقر كأح‪00‬د عل‪00‬وم اإلس‪00‬الم ص‪00‬ار الع‪00‬الم اإلس‪00‬المي‬
‫الموسوعي بحاج‪00‬ة ماس‪00‬ة إلى معرفت‪00‬ه أو اإللم‪00‬ام ب‪00‬ه لم‪00‬ا ل‪00‬ه من العالق‪00‬ة القوي‪00‬ة ب‪00‬العلوم‬
‫اإلسالمية األخرى‪ ،‬والشتباك مصطالحاته ومسائله بكثير من تلك العلوم‪.‬‬
‫فمن أجل ذلك إستمر اإلعتناء بهذا العلم في األوساط العلمية‪ ،‬وتت‪00‬ابع تدريس‪00‬ه في‬
‫المدارس اإلسالمية‪.‬‬
‫وق‪00‬د ص‪00‬ار المس‪00‬لمون الي‪00‬وم بحاج‪00‬ة ماس‪00‬ة إلى علم كالم جدي‪00‬د ي‪00‬دلل العقائ‪00‬د‬
‫اإلسالمية بدالئل تتناسب مع عقول الناس اليوم وتت‪00‬وائم م‪00‬ع ثق‪00‬افتهم‪ ،‬وي‪00‬رد على الش‪00‬به‬
‫التي انتجتها عقول أعداء اإلسالم الذين يكيدون ل‪00‬ه‪ ،‬ويتربص‪00‬ون بالمس‪00‬لمين ال‪00‬دوائر من‬
‫المالحدة والمستشرقين وغيرهم‪ ،‬وقد تكفل هللا بالحفاظ على هذا الدين بقول‪0‬ه‪( :‬إن‪0‬ا نحن‬
‫نزانا الذكر وإنا له لح‪00‬افظون)‪ ،‬ونحم‪00‬د هللا تع‪00‬الى على أن أنج‪00‬ز وع‪00‬ده بتنش‪00‬ئة نخب‪00‬ة من‬
‫العلماء الربانيين النابغين في ش‪00‬تى المج‪00‬االت العلمي‪00‬ة المتحمس‪00‬ين ل‪00‬دينهم المض‪00‬حين في‬
‫سبيله بالنفس والنفيس قاموا بالذود عن حمى اإلسالم وحماي‪00‬ة حقيقت‪00‬ه‪ ،‬وبالت‪00‬دليل على‬
‫عقائده وأصوله‪ ،‬وبإثبات حقائقه وحقانيته‪ ،‬وبإبط‪00‬ال الش‪00‬به ال‪00‬تي أثاره‪00‬ا أع‪00‬داء اإلس‪00‬الم‬

‫‪391‬‬
‫ضد عقائده وأسسه ومقرراته‪ ،‬فأنشئوا بذلك علم كالم جديد يناس‪00‬ب عق‪00‬ول أه‪00‬ل العص‪00‬ر‪،‬‬
‫ويتوائم مع ثقافتهم‪ .‬ولهم في ذلك اتجاهات مختلفة‪.‬‬
‫فمنهم من اعت‪00‬نى بش‪00‬رح حجج الق‪00‬رآن ال‪00‬تي اس‪00‬تدل هللا به‪00‬ا على عقائ‪00‬د اإلس‪00‬الم‬
‫وحقائق‪00‬ه‪ ،‬فأخ‪00‬ذ يفس‪00‬رها ويفص‪00‬لها ويض‪00‬رب له‪00‬ا األمث‪00‬ال‪.‬وه‪00‬ذه الطريق‪00‬ة أفض‪00‬ل الط‪00‬رق‬
‫وأجداها وأقصرها‪ .‬وذلك لوضوح هذه األدلة وجالئه‪00‬ا وأليراثه‪00‬ا ثلج الص‪00‬دور وطمأنين‪00‬ة‬
‫القلوب للناس كافة عامتهم وخاصتهم‪،‬األميين منهم والفالسفة‪ ،‬وفي مقدمة من سلك هذا‬
‫المنهج العالم الرباني نابغة العصر اإلمام الملهم بديع الزمان سعيد النورسي في مؤلفات‪00‬ه‬
‫المبارك‪00‬ة المس‪00‬ماة برس‪00‬ائل الن‪00‬ور‪ ،‬فق‪00‬د أنش‪00‬أ في رس‪00‬ائله ه‪00‬ذه علم كالم جدي‪00‬د على ه‪00‬ذا‬
‫المنهج القويم‪ ،‬ومن أجل ذلك لقبه بعض العلماء بمتكلم العصر‪.‬‬
‫ومنهم من اس‪00‬تدل على عقائ‪00‬د اإلس‪00‬الم وحقائق‪00‬ه بم‪00‬ا اكتش‪00‬فه عق‪00‬ول العلم‪00‬اء في‬
‫العصر الحديث وتوصل إليه تج‪00‬اربهم المس‪00‬تندة إلى التكنولوجي‪00‬ا الحديث‪00‬ة المتقدم‪00‬ة تق‪00‬دم‬
‫هائال في شتى المجاالت‪.‬‬
‫ومنهم من اعتنى بما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن‪ ،‬والقرآن ال تنقضي عجائب‪00‬ه‪،‬‬
‫وبتفسير مجموعة من آيات‪0‬ه الكوني‪0‬ة بم‪0‬ا يواف‪0‬ق المكتش‪0‬فات العلمي‪0‬ة ال‪0‬تي توص‪0‬لت إلي‪0‬ه‬
‫عقول العلماء وتج‪0‬اربهم‪ ،‬وب‪0‬ذلك دعم‪0‬وا إيم‪0‬ان المؤم‪0‬نين وق‪0‬ووا نفوس‪0‬هم‪ 0‬وزادوا ثقتهم‬
‫بدينهم وكتابهم‪ ،‬وجذبوا إلى اإليم‪00‬ان مجموع‪00‬ة كب‪00‬يرة من العلم‪00‬اء والمتعلمين والمثقفين‬
‫من غير المؤمنين وهذه الطريقة طريقة محمودة نافعة إذا خلت عن التكلف والتعسف في‬
‫تفسير آي الذكر الحكيم‪ ،‬إلى غير ذلك من اإلتجاهات‪.‬‬
‫وهذه اإلتجاهات كلها تصب في مصب واحد‪ ،‬وهو مصب اثبات العقائ‪00‬د اإلس‪00‬المية‬
‫وبيان حقانيته‪ ،‬والدفاع عن حياضه بطريقة تناسب العصرالحديث‪.‬‬
‫وهذا العلم قد ول‪0‬د وتك‪00‬ون ‪ -‬كم‪00‬ا ه‪0‬و ع‪0‬ادة اإلبتك‪00‬ار والتك‪00‬ون‪ -‬مفرق‪0‬ا مش‪0‬تتا ك‪00‬ل‬
‫مجموعة منه في كتاب‪ ،‬وهو بحاجة إلى من يقوم بجمعه في كت‪00‬اب واح‪00‬د يرتب‪00‬ه وينس‪00‬قه‬
‫فيه‪.‬‬
‫وهللا نسأل أن يقيض لهذه االمة من يقوم بهذ العبأ‪ ،‬ويقدم له‪00‬ا ه‪00‬ذه الخدم‪00‬ة‪ .‬وم‪00‬ا‬
‫ذلك على هللا بعزيز‪.‬‬
‫وأخيرا نود أن ننبه على أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن أئمة علم الكالم ق‪0‬د عرف‪00‬وه بتعريف‪0‬ات مختلف‪00‬ة ش‪0‬املة لكال الن‪00‬وعين من‬
‫الكالم ‪ ،‬ونورد منها ثالثة تعريفات لثالثة من فحول علم الكالم‪ :‬اإليجي والتفت‪00‬ازاني وابن‬
‫الهمام‪.‬‬
‫قال القاضي عضد الدين اإليجي في المواقف‪ :‬والكالم‪ :‬علم يقتدر معه على إثب‪00‬ات‬
‫العقائد الدينية بإيراد الحجج والدفع الشبه‪.‬‬
‫وقال التفتازاني في المقاصد‪ :‬الكالم‪ :‬هو العلم بالعقائد الدينية عن األدلة اليقنية‪.‬‬
‫وق‪00‬ال ابن الهم‪00‬ام في المس‪00‬ايرة‪ :‬والكالم معرف‪00‬ة النفس م‪00‬ا عليه‪00‬ا من العقائ‪00‬د‬
‫المنسوبة إلى دين اإلسالم عن األدلة علما ( في أكثر العقائد) وظنا في البعض منها‪.‬‬
‫فأنت ترى أن هذه التعريف‪00‬ات ش‪00‬املة لكال الن‪00‬وعين من الكالم حيث عمم‪00‬وا األدل‪00‬ة‬
‫ولم يخص‪00‬وها ب‪00‬الواردة على أس‪00‬لوب الفالس‪00‬فة‪ ،‬ولعلهم الحظ‪00‬وا‪ 0‬أن علمهم ال يخل‪00‬وا عن‬

‫‪392‬‬
‫األدلة الواضحة ال‪00‬تي هي من جنس حجج الق‪0‬رآن فمن أج‪00‬ل ذل‪0‬ك عمم‪00‬وا األدل‪00‬ة وعمم‪00‬وا‬
‫التعريفات لتشمل كال النوعين من الكالم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن علماء الكالم بعد أن عرفوه بتلك التعريفات وما هو قريب منها قالوا‪:‬‬
‫إن العلم المع‪000‬رف به‪000‬ا يس‪000‬مى علم الكالم‪ ،‬وعلم أص‪000‬ول ال‪000‬دين‪ ،‬وعلم التوحي‪000‬د‬
‫والصفات‪ ،‬فجعلوا الثالثة أسماء مترادفة لمسمى واحد مع أن السلف قد ذم‪00‬وا علم الكالم‬
‫ونهوا عن اإلشتغال به‪ ،‬ولم يذم أحد منهم علم أصول الدين‪ ،‬وعلم التوحيد والصفات‪ ،‬بل‬
‫قد ألف فيه بعض من ذم علم الكالم‪ ،‬وكيف يذم‪00‬ه مس‪00‬لم وه‪00‬و علم األص‪00‬ول ال‪00‬دين‪ ،‬وعلم‬
‫التوحيد والصفات‪ ،‬وهو من آكد الواجب‪00‬ات أو آك‪00‬دوها؟! فينبغي أن يف‪00‬رق ب‪00‬أن علم الكالم‬
‫إسم للنوع المذموم‪ ،‬وعلم أصول الدين وعلم التوحيد والصفات إسم لن‪00‬وع المحم‪00‬ود‪ .‬نعم‬
‫علم الكالم علم متعلق بأصول ال‪00‬دين وبالتوحي‪00‬د والص‪00‬فات لكن وج‪00‬ه التس‪00‬مية ال يقتض‪00‬ي‬
‫التسمية‪ ،‬وذم السلف لعلم الكالم يقتضي ما ذكرناه من التفرقة‪ .‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬

‫‪393‬‬
‫تحقيق مسألة أن صفات هللا ليست عينه وال غيره‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اتفق المتكلمون والفالسفة على أنه تعالى عالم قادر سميع بص‪00‬ير‪ ،‬لكنهم اختلف‪00‬وا‬
‫في أن صفاته تعالى التي هي مأخذ اشتقاق ه‪00‬ذه األس‪00‬ماء ومبادئه‪00‬ا –وهي العلم والق‪00‬درة‬
‫والعلم والسمع والبصر‪ -‬هل هي غيره تعالى أو عينه‪ ،‬أو ليست عينه وال غيره‪.‬‬
‫فذهب فريق من المتكلمين –وهم الكرامية وبعض الحنابلة‪ -‬إلى أنها غيره تع‪00‬الى‪،‬‬
‫وذهب الفالسفة إلى أنها عينه تعالى‪ ،‬ووافقهم على ذل‪0‬ك مت‪00‬أخروا المعتزل‪00‬ة من ل‪0‬دن أبي‬
‫الحسين البصري‪ ،‬وأم‪00‬ا متق‪00‬دموا المعتزل‪00‬ة ف‪00‬ذهب أب‪00‬و علي الجب‪00‬ائي وأص‪00‬حابه إلى أنه‪00‬ا‬
‫أمور اعتبارية‪ ،‬وذهب مثبتوا األح‪00‬وال منهم –وهم أب‪00‬و هاش‪00‬م وأتباع‪00‬ه‪ -‬إلى أنه‪00‬ا أح‪00‬وال‬
‫متوسطة بين الموجود والمع‪00‬دوم فتك‪0‬ون الص‪0‬فات عن‪00‬د ه‪0‬ذين الف‪0‬ريقين مغ‪00‬ايرة لل‪00‬ذات ال‬
‫محالة‪ ،‬ألن الذات موجودة في الخارج‪ ،‬والصفات عندهم ليست موجودة في الخارج‪ ،‬لكن‬
‫ال يلزم عندهم تعدد الق‪00‬دماء الموج‪00‬ودة في الخ‪00‬ارج‪ ،‬وه‪00‬و م‪00‬ا ف‪0‬روا من‪00‬ه‪.‬و من أج‪00‬ل ذل‪00‬ك‬
‫ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه‪.‬‬
‫وذهب اإلمام األشعري وأتباعه والحنفية والماتريدية إلى أنها ليس‪00‬ت عين‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫وال غيره‪.‬‬
‫‪{-1‬بي‪0‬ان أن ص‪0‬فات هللا تع‪0‬الى ليس‪0‬ت عين‪0‬ه وال غ‪0‬يره على حس‪0‬ب بي‪0‬ان مت‪0‬أخرى‬
‫األشاعرة والماتريدية}‬
‫وقبل الدخول في تفاصيل المس‪0‬ألة ينبغي أن ن‪0‬بين مع‪0‬نى الغ‪0‬ير‪ ،‬ف‪0‬إن االختالف في‬
‫معنى الغير هو منشأ الخالف بين المتكلمين القائلين بنفي العينية والغيرية وبين الق‪00‬ائلين‬
‫بالغيرية‪.‬‬
‫فالغير عند القائلين بالغيرية عبارة عما ليس بعين‪ ،‬فه‪00‬و به‪00‬ذا المع‪00‬نى نقيض ه‪00‬و‬
‫هو‪ ،‬وال واسطة بين العين والغير بهذا المعنى‪.‬‬
‫وأما القائلون بأنها ليس‪00‬ت بعين وال غ‪00‬ير فق‪00‬د أثبت‪00‬وا الواس‪00‬طة بين العين والغ‪00‬ير‪،‬‬
‫وأما تعريف الغير عندهم فق‪00‬ال أب‪00‬و المعين النس‪00‬في في التبص‪00‬رة (‪ :)1/245‬ح‪00‬د الغ‪00‬يرين‬
‫عند أصحابنا –رحمهم هللا تعالى‪ -‬أنهما الموجودان اللذان يصح وج‪00‬ود أح‪00‬دهما م‪00‬ع ع‪00‬دم‬
‫اآلخر ‪ ..‬ثم قال‪ :‬وإذا صح هذا الحد –والعدم على القديم محال‪ -‬فال يتص‪00‬ور وج‪00‬ود ال‪00‬ذات‬
‫مع عدم علمه‪ ،‬وال وجود علمه تعالى مع عدم قدرته‪ ،‬دل على أنهما ليسا غيرين‪ ،‬وق‪00‬ال‪:‬‬
‫(‪ ) 1/200‬وهذه الصفات ال يقال لكل صفة منها‪ :‬إنها الذات‪ ،‬وال يقال‪ :‬غير الذات‪ ،‬وكذلك‬
‫كل صفة مع ما ورائها كالعلم ال يقال‪ :‬إنه غير القدرة‪ ،‬وال إنه عينها‪.‬‬
‫وقال الجالل الدواني في شرح العقائ‪00‬د العض‪00‬دية (‪ :)1/277‬وق‪00‬د َع‪ 0‬رَّفَ األش‪00‬عري‬
‫الغيرين بأنهما موجودان يصح عدم أحدهما مع وجود اآلخر‪.‬‬
‫ثم قال (‪ :)282-1/281‬المراد أنه يجوز ع‪0‬دم ؛أح‪0‬دهما م‪0‬ع وج‪00‬ود اآلخ‪00‬ر النتف‪0‬اء‬
‫عالقة بينهما توجب عدم االنفكاك‪ ،‬وحاصله نفي اللزوم بينهما ‪...‬‬

‫‪394‬‬
‫ثم قال‪ :‬وال شبهة في أن هذا المعنى هو الم‪00‬راد من التعري‪00‬ف‪ ،‬ف‪00‬إن عالق‪00‬ة الل‪00‬زوم‬
‫عندهم هي التي تنافي الغيرية لقرب أحدهما من اآلخر ال مجرد مصاحبتهما دائماً‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وإذا كان الخالف بين هذين الفريقين مبنيا ً على الخالف في تفسير الغير فال يخفى‬
‫أن الخالف بينهما يعود إلى اللفظ‪ ،‬وإلى أنه هل يجوز إطالق الغير على صفاته تعالى لغة‬
‫وشرعا ً أم ال يجوز‪.‬‬
‫القائلون بالغيرية قالوا بجواز اإلطالق‪ ،‬والنافون لها منعوا اإلطالق‪.‬‬
‫وإال فالفريقان متفقان على أن صفاته تعالى ليست عين ذات‪00‬ه‪ ،‬بمع‪00‬نى أنه‪00‬ا ليس‪00‬ت‬
‫هي‪ ،‬كما أنها متفقان على أنهما الزمة لذاته تعالى يمتنع وجود ذات‪00‬ه تع‪00‬الى ب‪00‬دونها‪ ،‬كم‪00‬ا‬
‫يمتنع وجودها بدون ذاته تعالى‪.‬‬
‫ويمتنع عدمها مع وجود ذاته تعالى كما يمتنع عدمه تعالى مع وجودها‪.‬‬
‫لكن المتقدمين قد امتنعوا‪ 0‬عن إطالق الغير عليها كما سيأتي‪.‬‬
‫وإذا كان هذان الفريقان متفقين على نفي العينية‪ ،‬وكان الخالف بينهم‪00‬ا في إثب‪00‬ات‬
‫الغيرية ونفيها راجعا ً إلى اللفظ‪ ،‬فالبد أن يك‪00‬ون الفريق‪00‬ان متفقين في االس‪00‬تدالل على نفي‬
‫العينية ضد الفالسفة ومن وافقهم‪ 0‬من المعتزلة‪.‬‬
‫‪{-2‬االستدالل على أن صفات هللا تعالى ليست عينه}‬
‫وقد استدلوا على ذلك بوجوه‪:‬‬
‫منها أن النصوص قد وردت بكونه تعالى عالما ً حيا ً قادراً ونحوها‪ ،‬وكون الش‪00‬يء‬
‫عالما ً معلل بقيام العلم به في الشاهد فكذا في الغائب‪ ،‬فيكون العلم قائما ً بالع‪00‬الم فه‪00‬و ليس‬
‫عينه ضرورة أن القائم بالشيء ليس عين ذلك الشيء‪.‬‬
‫وتحقيق ذلك أن العلم إنما يوجب كون الشخص عالما ً من حيث كونه علما ً قطعا ً ال‬
‫من حيث كونه حادثا ً أو قديما ً أو عرضا ً إلى غير ذل‪00‬ك‪ ،‬فال تق‪00‬دح ه‪00‬ذه الف‪00‬روق في ص‪00‬حة‬
‫هذا القياس كما قيل ألنه ال تأثير لها في العلة‪ ،‬فإن العلم إنما يوجب كون الشخص عالم‪00‬ا ً‬
‫من حيث كونه علما ً كما قلنا‪ ،‬ثم إن العلة في المقيس عليه منصوصة فيفيد القي‪00‬اس العلم‬
‫اليقيني كما ذكره أهل األصول‪ ،‬فال ي‪00‬رد أن ه‪00‬ذا قي‪00‬اس فقهي مفي‪00‬د للظن‪ ،‬وال يفي‪00‬د اليقين‬
‫المطلوب في المطالب الكالمية‪ ،‬وذلك ألن عل‪00‬ة عالمي‪00‬ة الش‪00‬اهد وقادريت‪00‬ه مثالً هي علم‪00‬ه‬
‫وقدرته قطعاً‪.‬‬
‫ومنها أن هللا تعالى أثبت هذه الصفات لنفسه في كتابه العزي‪00‬ز ف‪00‬وجب الق‪00‬ول به‪00‬ا‪،‬‬
‫ويس‪00‬تحيل إثب‪00‬ات موج‪00‬ود به‪00‬ذه الص‪00‬فات م‪00‬ع نفي ه‪00‬ذه الص‪00‬فات‪ ،‬وإذا ل‪00‬زم إثبات‪00‬ه به‪00‬ذه‬
‫األوصاف لزم إثبات هذه األوصاف‪ ،‬قال هللا تعالى‪( :‬وال يحيطون بش‪00‬يء من علم‪00‬ه إال ‪...‬‬
‫بما شاء)‪ ،‬وقال‪( :‬وسع كل شيء علما) وقال‪( :‬أنزله بعلم‪00‬ه) وق‪0‬ال‪( :‬إن هللا ه‪00‬و ال‪00‬رزاق‬
‫ذوالقوة المتين) فأثبت هللا لنفسه القوة وهي القدرة‪ ،‬وأثبت العلم فدل على أنه تعالى عالم‬
‫بعلمه وقادر بقدرته‪.‬‬
‫وإذا ثبت هذا في العلم والقدرة وجب مثله في باقي الصفات إذ ال قائل بالفرق‪.‬‬
‫ومنها أن أئمة اللغة العربية اتفق‪00‬وا على أن مع‪00‬نى اس‪00‬م الفاع‪00‬ل من ثبت ل‪00‬ه مأخ‪00‬ذ‬
‫االشتقاق أي من ثبت له مدلول المصدر‪ ،‬فمعنى العالم من ثبت له العلم ومعنى الق‪00‬ادر من‬
‫ثبت له الق‪0‬درة‪ ،‬والثب‪0‬وت ه‪0‬و القي‪0‬ام‪ ،‬ومن الض‪0‬روري أن الق‪0‬ائم بالش‪0‬يء ليس عين ذل‪0‬ك‬

‫‪395‬‬
‫الشيء‪ ،‬وقد أثبت هللا تعالى لنفسه في كتاب‪00‬ه العزي‪00‬ز المش‪00‬تق من ه‪00‬ذه الص‪00‬فات من نح‪00‬و‬
‫العالم والقادر وهذا يقتضي ثبوت هذه األوصاف له تعالى‪ ،‬وأنها ليست عينه تعالى‪.‬‬
‫والفرق بين هذا الدليل والدليل األول أن األول هو استدالل بالنص‪00‬وص عن طري‪00‬ق‬
‫العقل‪ ،‬وهذا استدالل بها عن طريق اللغة‪.‬‬
‫ومنها أنه يلزم على مذهب المعتزلة أن يصح أن يق‪00‬ال‪ :‬إن هللا تع‪00‬الى ع‪00‬الم بم‪00‬ا ال‬
‫علم له به‪ ،‬وقادر على ما ال ق‪00‬درة ل‪00‬ه علي‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬و كالم مح‪00‬ال متن‪00‬اقض ال يخفى تناقض‪00‬ه‬
‫على أغبى خليقة هللا تعالى‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه ال فرق عند أهل اللغة بين قول القائل‪ :‬هللا تعالى ليس بعالم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬هللا تعالى ال علم له بشيء‪ ،‬واألول فاسد فك‪00‬ذا الث‪00‬اني‪ ،‬وك‪00‬ذلك ال ف‪00‬رق بين‬
‫قوله‪ :‬هللا تعالى ليس بقادر على شيء‪ ،‬وقوله‪ :‬ال قدرة له على شيء‪.‬‬
‫فما ذهب إليه المعتزلة من جملة اآلراء المستشنعة المس‪00‬ترذلة ال‪00‬تي يتس‪00‬ارع ك‪00‬ل‬
‫سامع إلى نسبته إلى التناقض‪ ،‬ويستحيل أن يختاره عاقل‪ ،‬فضالً عن أن يعيب غيره‪.‬‬
‫قال أبو معين النسفي في التبصرة (‪ :)1/202‬وهذا النوع من االستدالل سمي عند‬
‫أرباب المنطق االستشهاد بشهادات المعارف‪ ،‬ويعن‪00‬ون بالمع‪00‬ارف العل‪00‬وم األولي‪00‬ة الثابت‪00‬ة‬
‫في أص‪00‬ل خلق‪00‬ة ك‪00‬ل مم‪00‬يز وجبلت‪00‬ه‪ ،‬وله‪00‬ذا يقول‪00‬ون‪ :‬إن من تمس‪00‬ك به‪00‬ذا ال‪0‬رأي ينبغي أن‬
‫تصور عقيدته للدهماء ليقابلوه بالطنز واالستهزاء‪ ،‬ويسمى هذا االس‪0‬تدالل عن‪0‬دهم أيض‪0‬ا ً‬
‫االستدالل باآلراء الذائعة‪.‬‬
‫‪{-3‬بيان مذهب الفالسفة والمعتزلة في أن صفات هللا تعالى عينه}‬
‫وأم‪00‬ا م‪00‬ذهب الفالس‪00‬فة ومن وافقهم‪ 0‬من المعتزل‪00‬ة فننق‪00‬ل في بيان‪00‬ه كالم الس‪00‬يد‬
‫الش‪0‬ريف في ش‪0‬رح المواق‪0‬ف ثم ن‪0‬ورد دالئلهم ال‪0‬تي اس‪0‬تدلوا به‪0‬ا على م‪0‬ذهبهم م‪0‬ع بي‪0‬ان‬
‫زيفها قال رحمه هللا تعالى‪)8/48( :‬‬
‫فإن قلت كيف يتصور كون صفة الشيء عين حقيقته‪ 0‬مع أن كل واح‪00‬د من الص‪00‬فة‬
‫والموصوف يشهد بمغايرته لصاحبه‪ ،‬هل هذا الكالم مخيل ال يمكن التص‪00‬ديق ب‪00‬ه كم‪00‬ا في‬
‫سائر القضايا المخيلة التي يمتنع التصديق بها‪ ،‬فال حاجة إلى االستدالل على بطالنه؟‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ليس مع‪00‬نى م‪00‬ا ذك‪00‬روه أن هن‪00‬اك ذات ول‪00‬ه ص‪00‬فة وهم‪00‬ا متح‪00‬دان حقيق‪00‬ة كم‪00‬ا‬
‫تخيلته‪ ،‬بل معناه أن ذاته تعالى يترتب عليها ما ي‪00‬ترتب على ذات وص‪00‬فة مع‪0‬اً‪ ،‬مثالً ذات‪00‬ك‬
‫ليست كافية في انكشاف األشياء عليك‪ ،‬بل تحتاج في ذلك إلى صفة العلم التي تق‪00‬وم ب‪00‬ك‪،‬‬
‫بخالف ذاته تعالى فإنه ال يحتاج في انكشاف األشياء‪ ،‬وظهورها عليه إلى صفة تقوم به‪،‬‬
‫بل المفهومات بأسرها منكشفة عليه ألجل ذاته تعالى‪ ،‬فذاته به‪00‬ذا االعتب‪00‬ار حقيق‪00‬ة العلم‪،‬‬
‫وكذا الحال في القدرة‪ ،‬فإن ذاته تعالى مؤثرة بذاتها ال بصفة زائدة عليها كما في ذواتن‪00‬ا‪،‬‬
‫فهي بهذا االعتبار حقيقة القدرة‪ ،‬وعلى ه‪00‬ذا تك‪00‬ون ال‪00‬ذات والص‪00‬فات متح‪00‬دة في الحقيق‪00‬ة‬
‫متغايرة باالعتبار والمفهوم‪.‬‬
‫ومرجع‪00‬ه إذا حق‪00‬ق إلى نفي الص‪00‬فات م‪00‬ع حص‪00‬ول نتائجه‪00‬ا وثمراته‪00‬ا من ال‪00‬ذات‬
‫وحدها‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫‪{-4‬دالئل المعتزلة على مذهبهم واألجوبة عنها}‬
‫واستدلت المعتزلة على مذهبهم بأمور‪:‬‬

‫‪396‬‬
‫منها‪ :‬أنه لو كان هللا تعالى عالما ً بعلم لك‪00‬ان محتاج ‪0‬ا ً إلى العلم واالحتي‪00‬اج على هللا‬
‫تعالى محال ألنه موجب لالستكمال بالغير‪.‬‬
‫وأجيب عنه أوال‪ :‬ب‪00‬أن الحاج‪00‬ة ال تك‪00‬ون إال بين متغ‪00‬ايرين‪ ،‬وال تغ‪00‬اير بين ذات هللا‬
‫تعالى وصفاته‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬بأن الحاجة نقص يوجد ويتحقق ثم يرتفع بوجود ما به دفعها‪.‬‬
‫ولم يكن ال‪0000‬ذات متعري‪0000‬ا ً عن العلم‪ ،‬ولم يكن العلم مع‪0000‬دوما ً لتتص‪0000‬ور الحاج‪0000‬ة‬
‫واندفاعها‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه لو كانت للواجب صفات موجودة فإما حادثة فيلزم قيام الحوادث بذات‪00‬ه‬
‫تعالى وخلوه عنها في األزل‪ ،‬وإما قديم‪00‬ة فيل‪0‬زم تع‪00‬دد الق‪00‬دماء والنص‪00‬ارى كف‪00‬رت بإثب‪00‬ات‬
‫ثالثة من القدماء فما ظنك بإثبات األكثر وأجيب عن هذه الشبهة بأجوبة‪:‬‬
‫األول أن األشعري يجيب عن لزوم تعدد القدماء‪ ،‬بنفي التعدد‪ ،‬ويقول‪ :‬إن الصفات‬
‫وإن كانت قديمة لكنها ليست متعددة‪ ،‬وإنما تك‪0‬ون متع‪0‬ددة ل‪0‬و ك‪0‬انت مغ‪0‬ايرة للموص‪0‬وف‪،‬‬
‫وليست كذلك‪.‬‬
‫الثاني أن تكفير النصارى إلثباتهم قدماء متغايرة مستقلة بذواتها‪.‬‬
‫وهي الوج‪00‬ود والعلم والحي‪00‬اة وس‪00‬موها األب واالبن وروح الق‪00‬دس‪ ،‬ول‪00‬ذا ج‪00‬وزوا‬
‫انتقال بعضها وهي صفة العلم إلى بدن عيسى وبعضها وهي صفة الحي‪00‬اة إلى ب‪00‬دن م‪00‬ريم‬
‫فجوزوا االنفكاك واالنتقال فكانت ذواتا ً متغايرة‪ ،‬لكن ح‪0‬ديث االنتق‪00‬ال ال يس‪0‬تقيم على زعم‬
‫النسطورية منهم القائلين باتحاد أقنوم العلم بجسد المسيح بطري‪00‬ق اإلش‪00‬راق كم‪00‬ا تش‪00‬رف‬
‫الشمس من كوة على بلور‪.‬‬
‫الثالث أن تكفير النصارى إلثباتهم آلهة ثالثة هم هللا تعالى والمسيح علي‪00‬ه الس‪00‬الم‬
‫ومريم سواء كان ذلك بطريق الحلول واالتحاد أو بطريق االمتزاج كامتزاج الخمر بالم‪00‬اء‬
‫أو بطريق اإلشراق‪ ،‬أو بطريق االنقالب لحما ً ودم‪0‬اً‪ ،‬أو بطري‪00‬ق آخ‪00‬ر كم‪00‬ا يزعم‪00‬ون‪ ،‬كم‪00‬ا‬
‫يدل عليه قوله تعالى‪( :‬لقد كفر الذين ق‪00‬الوا إن هللا ث‪00‬الث ثالث‪00‬ة وم‪00‬ا من إل‪00‬ه إال إل‪00‬ه واح‪00‬د‬
‫واحد) وقول‪00‬ه تع‪00‬الى خطاب‪0‬ا ً لعيس‪00‬ى علي‪00‬ه الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪( :‬أأنت قلت للن‪00‬اس اتخ‪00‬ذوني‬
‫وأمي إلهين من دون هللا‪.‬‬
‫‪{- 5‬استدالل الفالسف على العينية بأن الصفات لو كانت غيره تعالى لكانت مفتقرة‬
‫إليه ممكنة}‬
‫واستدلت الفالسفة بأنه لو وجدت الصفات لكانت غير الذات‪.‬ولو كانت غير ال‪00‬ذات‬
‫لزم أن تكون ممكنة الفتقارها واحتياجها في وجودها إلى الذات الموصوفة بها الس‪00‬تحالة‬
‫قيام الصفة بنفسها‪ ،‬والفتقار بعضها إلى بعض ألن بعضها وهي الحياة شرط في الب‪00‬اقي‪،‬‬
‫وهي العلم والقدرة واإلرادة ‪ ..‬الخ‪ ،‬والمشروط مفتقر إلى الشرط‪ ،‬واالفتقار ينافي وجوب‬
‫الوجود‪ ،‬إذ الواجب مستغن على اإلطالق فتكون ممكنة‪ ،‬ويمتنع قيام الممكن بذات‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫واتصافه تعالى به‪ ،‬ألن صفاته مث‪00‬ل ذات‪00‬ه الب‪00‬د أن تك‪00‬ون واجب‪00‬ة الوج‪00‬ود فثبت أن ص‪00‬فاته‬
‫تعالى عين ذاته‪.‬‬
‫وقد سلك متأخروا األشاعرة في اإلجابة على هذه الشبهة مسلكين‪:‬‬
‫‪{-6‬مسلك اإلمام الرازي في الجواب عن شبهة الفالسفة بتسليم أمكان الصفات}‬

‫‪397‬‬
‫األول‪ :‬مس‪00‬لك اإلم‪00‬ام فخ‪00‬ر ال‪00‬دين ال‪00‬رازي وتبع‪00‬ه معظم من أتى بع‪00‬ده من متكلمي‬
‫األعاجم مثل س‪00‬عد ال‪00‬دين التفت‪00‬ازاني والس‪00‬يد الش‪00‬ريف الجرج‪00‬اني وجالل ال‪00‬دين ال‪00‬دواني‪،‬‬
‫وعبد الحكيم السيالكوني‪ ،‬والكلنبوي‪ ،‬والبياضي‪.‬‬
‫وهؤالء سلموا أن صفاته تعالى ممكن‪0‬ة لكنهم ق‪0‬الوا‪ :‬إنه‪0‬ا ممكن‪00‬ة قديم‪00‬ة‪ ،‬وليس‪0‬ت‬
‫ممكنة حادثة فت‪00‬ابعوا الفالس‪00‬فة في الق‪00‬ول ب‪00‬الممكن الق‪00‬ديم كم‪00‬ا ق‪00‬ال الفالس‪00‬فة‪ :‬إن الع‪00‬الم‬
‫ممكن قديم وأن العقول‪ 0‬العشرة ممكن‪0‬ة قديم‪0‬ة‪ ،‬وذل‪0‬ك بن‪0‬اء على أص‪0‬ل الفالس‪0‬فة‪ :‬أن عل‪0‬ة‬
‫اإلمكان هي االفتقار‪.‬‬
‫وبيان مذهبهم أنهم قالوا‪ :‬إن ص‪00‬فاته تع‪00‬الى واجب‪00‬ة لذات‪00‬ه تع‪00‬الى أي ص‪00‬ادرة عن‪00‬ه‬
‫تعالى بطريق اإليجاب فيكون تعالى موجبا ً بالذات بالنسبة إليها‪.‬‬
‫وليس‪00‬ت واجب‪0‬ة ل‪00‬ذاتها ب‪0‬أن يك‪0‬ون وجوده‪0‬ا مقتض‪00‬ى ذاته‪0‬ا كم‪0‬ا أن وج‪0‬وده تع‪0‬الى‬
‫مقتضى ذاته‪ ،‬وقالوا في بيان ذلك‪ :‬إنه لما ثبت زيادة الص‪00‬فات الحقيقي‪00‬ة على ال‪00‬ذات فهي‬
‫إما مستندة إليه وجوداً أوالً‪ ،‬والثاني يستلزم كون الصفات واجب‪00‬ات بال‪00‬ذات غ‪00‬ير مفتق‪00‬رة‬
‫إلى الذات‪ ،‬وهو باطل‪ ،‬ضرورة افتقار الصفة وجودا إلى الموصوف‪ ،‬واألول إما أن يكون‬
‫استنادها إليه تعالى باإليج‪00‬اب أو باالختي‪00‬ار‪ ،‬والث‪00‬اني يس‪00‬تلزم ح‪00‬دوث الص‪00‬فات‪ ،‬ومحليت‪00‬ه‬
‫تع‪00‬الى للح‪00‬وادث‪ ،‬ض‪00‬رورة مقارن‪00‬ة االختي‪00‬ار لع‪00‬دم م‪00‬ا تعل‪00‬ق االختي‪00‬ار بإيج‪00‬اده‪ ،‬ويس‪00‬تلزم‬
‫التسلسل أو ال‪00‬دور ألن اإليج‪00‬اد باالختي‪00‬ار يس‪00‬تلزم س‪00‬بق الحي‪00‬اة والق‪00‬درة والعلم واإلرادة‪،‬‬
‫فتعين األول وهو أنها مستندة إليه تعالى باإليجاب‪.‬‬
‫‪{-7‬مسلك التلمساني والقرافي والسنوسي في الج‪00‬واب عن ش‪00‬بهة الفالس‪00‬فة بنفي‬
‫اإلمكان}‬
‫والمسلك الثاني مسلك القرافي وشرف الدين ابن التلمساني والسنوس‪00‬ي‪ ،‬وه‪00‬ؤالء‬
‫قالوا‪ :‬إن صفاته تعالى واجبة بذاتها مثل ذاته تعالى‪ ،‬وقالوا بثب‪00‬وت واج‪00‬بين ب‪00‬ذاتهما‪ :‬هللا‬
‫تعالى‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وسلموا افتقارها لذات‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬لكنهم منع‪00‬وا اس‪00‬تلزام االفتق‪00‬ار للح‪00‬دوث‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬ليس كل افتقار مستلزما ً للحدوث‪ ،‬بل المستلزم له هو االفتقار في الوجود‪ ،‬وليس‬
‫االفتق‪00‬ار في القي‪00‬ام‪ ،‬وص‪00‬فاته تع‪00‬الى إنم‪00‬ا تفتق‪00‬ر إلى ذات‪00‬ه تع‪00‬الى في القي‪00‬ام ال في الوج‪00‬ود‬
‫وانظر شرح السنوسي لعقيدته الكبرى (‪ )233-232‬طباعة مصطفى البابي‪.‬‬
‫قال القرافي في تعليقه على المسائل األربعين للرازي‪:‬‬
‫الص‪00‬فات يجب قيامه‪00‬ا بالموص‪00‬وف‪ ،‬ويس‪00‬تحيل عليه‪00‬ا القي‪00‬ام بنفس‪00‬ها‪ ،‬ف‪00‬إن ع‪00‬نيتم‬
‫باالفتقار هذا القدر فمسلم‪ ،‬لكن العبارة رديئة‪ ،‬وال يلزم منه اإلمكان‪ ،‬إذ االفتقار على ه‪00‬ذا‬
‫التقدير في القيام ال في الوجود‪ ،‬وال يلزم من االفتقار في القيام االفتقار في الوج‪00‬ود‪ ،‬ف‪00‬إن‬
‫العرض مفتقر إلى الجوهر في قيامه ومستغن عنه في وجوده‪ ،‬فإنه من هللا تعالى‪.‬‬
‫فال يل‪00‬زم من مطل‪00‬ق االفتق‪00‬ار اإلمك‪00‬ان فبط‪00‬ل قول‪00‬ه –أي ق‪00‬ول ال‪00‬رازي‪ -‬ك‪00‬ل مفتق‪00‬ر‬
‫ممكن‪ ،‬بل المفتقر يكون افتقاره باعتبار تركيبه‪ 1‬وباعتبار قيام‪00‬ه‪ ،‬وإن افتق‪00‬ار الص‪00‬فة إلى‬
‫موص‪00‬وفها باعتب‪00‬ار قيامه‪00‬ا ال باعتب‪00‬ار وجوده‪00‬ا كافتق‪00‬ار األث‪00‬ر إلى الم‪00‬ؤثر‪ ،‬وه‪00‬ذا ه‪00‬و‬
‫المقتضى لإلمكان‪ ،‬فاالفتقار أعم‪ ،‬واإلمكان أخص‪ ،‬واالستدالل باألعم غير مستقيم انتهى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫هكذا في إشارات المرام‪ ،‬والسياق يقتضي أن يقال بدله‪ :‬باعتبار‪ 0‬وجوده‪.‬‬
‫‪398‬‬
‫وتحرير محل النزاع أنه هل مطلق االحتياج للغ‪00‬ير مس‪00‬تلزم لإلمك‪00‬ان‪ ،‬أو االحتي‪00‬اج‬
‫في الوجود فقط؟ فالرازي ومن تبعه على األول‪ ،‬والق‪00‬رافي ومن نح‪00‬ا نح‪00‬وه على الث‪00‬اني‪،‬‬
‫وشنعوا على األولين‪ ،‬وانظر (إشارات المرام ص‪.)147‬‬
‫‪{-8‬تشنيع التلمس‪00‬اني وغ‪00‬يره على ال‪00‬رازي فيم‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه من إمك‪00‬ان ص‪00‬فات هللا‬
‫تعالى}‪.‬‬
‫قال السنوسي في شرح عقيدته الكبرى (‪ :)234‬قال شرف الدين ابن التلمساني‪:‬‬
‫ولما اعتقد الفخر صحة هذه الحجة يع‪00‬ني ش‪00‬بهة الفالس‪00‬فة‪ “ :‬أن االفتق‪00‬ار بمع‪00‬نى‬
‫مطلق التوقف يوجب اإلمكان “ و “ أن كل مركب يفتقر إلى جزئه “ و “ جزئه غيره “‬
‫و “ المفتقر إلى الغير ال يكون إال ممكنا ً “ و “ توهم ال‪00‬تركيب باعتب‪00‬ار الص‪00‬فات “ (أي‬
‫ت‪0‬وهم أن‪0‬ه ل‪00‬و أثبتن‪0‬ا الص‪0‬فات الحقيقي‪00‬ة هلل تع‪0‬الى ل‪0‬زم ت‪0‬ركب ذات‪0‬ه تع‪0‬الى‪ ،‬وه‪00‬و مس‪0‬تلزم‬
‫لالفتقار المستلزم لإلمك‪00‬ان)‪ ،‬واس‪00‬تعمل ه‪00‬ذه المق‪00‬دمات في االس‪00‬تدالل على إمك‪00‬ان ك‪00‬ل م‪00‬ا‬
‫سوى هللا تعالى‪ ،‬استشعر النقض بصفات هللا تعالى‪ ،‬فقال مرة‪ :‬هذا مما نستخير هللا تعالى‬
‫فيه‪ ،‬يعني القول بإمكانها باعتبار ذاته‪00‬ا‪ ،‬وج‪00‬زم أخ‪00‬رى وص‪00‬رح –والعي‪00‬اذ باهلل‪ -‬بكلم‪00‬ة لم‬
‫يسبق إليها فقال‪:‬‬
‫هي ممكنة باعتبار ذاته‪00‬ا واجب‪00‬ة بوج‪00‬وب ذات‪00‬ه –ج‪00‬ل وعال‪ -‬وض‪00‬اها في‬ ‫‪-1‬‬
‫ذلك قول الفالسفة‪ :‬إن الع‪00‬الم ممكن باعتب‪0‬ار ذات‪00‬ه‪ ،‬واجب بوج‪00‬وب مقتض‪00‬يه‪ ،‬ونع‪00‬وذ باهلل‬
‫من زلة العالم‪.‬‬
‫قلت وأشنع من هذا ونعوذ باهلل تعالى‪ -‬تصريحه بأن الذات قابلة لصفاتها‬ ‫‪-2‬‬
‫فاعلة لها (يعني ألن الصفات على هذا حادثة‪ ،‬وأما على األول فهي ممكنة لكنها قديمة)‪.‬‬
‫ومن شنيع مذهبه أيضا ً رد الصفات إلى مجرد نسب وإضافات‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وتسميته لها في بعض المواضع‪ :‬مغايرة للذات‪ ،‬مع ما علم من أن أئم‪00‬ة‬ ‫‪-4‬‬
‫السنة يمنعون إطالق الغيري‪00‬ة في ص‪00‬فاته تع‪00‬الى لم‪00‬ا ي‪00‬ؤذن ب‪00‬ه من ص‪00‬حة المفارق‪00‬ة‪ ،‬كم‪00‬ا‬
‫يمنعون أن يقال‪ :‬هي هو‪ ،‬لما يؤذن به من معنى االتحاد والذي قاده إلى أكثر ه‪00‬ذه اآلراء‬
‫الفاسدة بإجماع فراره من التركيب الذي توهمته الفالسفة الزما ً لثب‪00‬وت الص‪00‬فات‪ ،‬وألج‪00‬ل‬
‫ذلك نفوها‪ ،‬ه‪0‬ذا م‪0‬ع أن الش‪0‬يء ال يتك‪00‬ثر بتكث‪0‬ير ص‪00‬فاته كم‪00‬ا ال يتك‪00‬ثر بتكث‪0‬ير اعتبارات‪0‬ه‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫وممن شنع على الرازي العالمة المرجاني في حاشيته على شرح الجالل ال‪00‬دواني‬
‫للعقائد العض‪00‬دية ق‪00‬ال (‪ :)1/260( 0، 0)1/277‬أم‪00‬ا الحنفي‪00‬ة وغ‪00‬يرهم من أع‪00‬اظم الفقه‪00‬اء‬
‫وكبار مشايخ الصوفية فمذهب المتقدمين منهم في صفات هللا تعالى وأسمائه العلى ‪ ..‬هو‬
‫الثبات على بيان الشرع‪ ،‬والتقيد بقيوده‪ ،‬وع‪00‬دم التع‪00‬دي عن ح‪00‬دوده‪ ،‬فال يتكلم‪00‬ون فيه‪00‬ا‪،‬‬
‫وال يخوضون في البحث عنه‪0‬ا‪ ،‬ب‪0‬ل يفوض‪0‬ونها إلى هللا س‪0‬بحانه وتع‪0‬الى‪ ،‬ويص‪0‬دقون به‪0‬ا‬
‫على مراد هللا ومراد رسوله صلى هللا عليه وآله وسلم وال يتجاوزون عن إثبات ما أثبته‪،‬‬
‫شبَه التي أحدثها أرباب المقاالت‬ ‫ونفي ما نفاه‪ ،‬ويسكتون عما عداه‪ ،‬وإذا عرض عليهم ال ُ‬
‫في صفاته تعالى يقولون‪ :‬ال هو وال غيره بمعنى إنا ال نقول بهما‪ ،‬وال نخوض في البحث‬
‫عن ذلك لعدم الحاجة‪ ،‬وإنما الواجب علينا توصيفه سبحانه بما وصف به نفس‪00‬ه وس‪00‬ماه‪،‬‬

‫‪399‬‬
‫واعتقاد أنه حق ثابت له بالمعنى الذي عناه‪ ،‬وان الزيادة عليه بدعة يشترك فيها الس‪00‬ائل‬
‫لتعاطيه ما ليس له‪ ،‬والمجيب لتكلفه ما ليس عليه‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا المت‪00‬أخرون من أتب‪00‬اعهم فم‪00‬ذهبهم نفي العيني‪00‬ة والغيري‪00‬ة على الحقيق‪00‬ة ال‬
‫بمحض االصطالح على الوجه الذي أثبته بعض األشعرية‪.‬‬
‫والحق أنه لم يقل أحد ممن ينتمي إلى السنة بزيادة الص‪00‬فات وإمكانه‪00‬ا ومغايرته‪00‬ا‬
‫على الذات إال ابن الخطيب الرازي من أرجاف أتباع األشعرية في أواخر المائة السادس‪00‬ة‬
‫مخافة تكثر الواجبات وتعدد القدماء بالذات‪ ،‬إال أنه كان في بدأ حدوث ه‪0‬ذه المقال‪0‬ة الغث‪0‬ة‬
‫والعقي‪00‬دة الرث‪00‬ة يتج‪00‬افى عن إطالق أنه‪00‬ا ممكن‪00‬ة‪ ،‬ويتحاش‪00‬ى عن مخالف‪00‬ة الس‪00‬لف بعض‬
‫حشية‪ ،‬وال يرفض لفظ الوجوب‪ ،‬بل يطلقه عليها‪ ،‬ويكتفي بالتأويل‪ ،‬ويقول‪ :‬المع‪00‬نى أنه‪00‬ا‬
‫واجبة بذات ال‪00‬واجب‪ ،‬أو بم‪00‬ا ليس عينه‪00‬ا وال غيره‪0‬ا‪ ،‬أو واجب‪00‬ة له‪00‬ا (أي لل‪00‬ذات) إلى أن‬
‫تجاس‪000‬ر التفت‪000‬ازاني من مقلدي‪000‬ه وص‪000‬رح باإلمك‪000‬ان‪ ،‬ولم يخش من ال‪000‬رحمن في جعل‪000‬ه‬
‫العوارض الضعيفة الرقيقة الق‪00‬وام‪( 0‬وهي الص‪00‬فات الممكن‪00‬ة) ص‪00‬فات كمالي‪00‬ة للحي القي‪00‬وم‬
‫الملك المنان‪ ،‬وتهالك في إذاعة ذلك التعليم وإشاعته‪ ،‬فتبعهما من أهل القرن الثامن وم‪00‬ا‬
‫بعده كل ذي عقل سقيم ورأي عقيم‪ ،‬وصار ذلك مذهبا ً يتداوله في هذه األزمن‪00‬ة عام‪00‬ة من‬
‫ينتمي إلى السنة وينتسب إلى الجماعة وهو أرك المذاهب المحدثة في اإلسالم‪ ،‬وإنما هو‬
‫مذهب هذين الرجلين واتباعهما‪..‬‬
‫ولما لزمهم حدوث الصفات التجئوا إلى الفرق بين معنى القديم وال‪00‬واجب بال‪00‬ذات‪،‬‬
‫ومنعوا استحالة تعدد القديم على اإلطالق‪.‬‬
‫ولما لزمهم المغايرة تستروا بما ابتدعوه من مع‪00‬نى الغ‪00‬ير (يع‪00‬ني ق‪0‬الوا‪ :‬إن الغ‪00‬ير‬
‫هو المنفك) سبحانه وتعالى عما يصفون‪.‬‬
‫وقد أكثر المرجاني في التشنيع على الرازي في مواضع كثيرة من حاشيته وانظ‪00‬ر‬
‫(‪ )1/47‬و(‪ )1/271‬و(‪ )1/278‬و(‪ )1/296‬به‪0000‬امش حاش‪0000‬يته الكلنب‪0000‬وي على ش‪0000‬رح‬
‫الدواني‪ .‬للعقيدة العضدية‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولم يذهب أحد إلى الزيادة واإلمك‪00‬ان (يع‪00‬ني زي‪00‬ادة ص‪00‬فاته تع‪00‬الى على ذات‪00‬ه‪،‬‬
‫وكونها ممكنة) إلى أن ظهر فخر ال‪00‬دين ال‪00‬رازي‪ ،‬واش‪00‬تهر ب‪00‬العلم‪ ،‬فأح‪00‬دث ه‪00‬ذه الداهي‪00‬ة‪،‬‬
‫وأم‪00‬ا من قبل‪00‬ه فك‪00‬انوا مطبقين على نفي اإلمك‪00‬ان والزي‪00‬ادة‪ ،‬والمتق‪00‬دمون منهم‪ ،‬وإن لم‬
‫يصرحوا بالوجوب لعدم هذا االص‪00‬طالح فيم‪00‬ا بينهم حيث لم يطلق‪00‬وه على ال‪00‬ذات أيض ‪0‬ا ً إال‬
‫أنهم نص‪00‬وا عن آخ‪00‬رهم على أن ص‪00‬فات هللا تع‪00‬الى قديم‪00‬ة‪ ،‬وأنه‪00‬ا ليس‪00‬ت عين ال‪00‬ذات وال‬
‫غيره‪00‬ا‪ ،‬وك‪00‬انوا ال يري‪00‬دون من الق‪00‬ديم إال مع‪00‬نى ال‪00‬واجب‪ ،‬ول‪00‬ذلك ق‪00‬ال بعض‪00‬هم إن الق‪00‬دم‬
‫والوجوب مترادفان‪.‬‬
‫وك‪00‬ذلك جماع‪00‬ة ممن ت‪00‬أخر عن ال‪00‬رازي ك‪00‬انوا على ه‪00‬ذه الطريق‪00‬ة‪ ،‬ق‪00‬د حفظهم هللا‬
‫تعالى عن البدعة والوقوع في هذه الورطة كالبيضاوي وحاف‪00‬ظ ال‪00‬دين النس‪00‬في وغيرهم‪00‬ا‬
‫من أهل البصيرة‪ ،‬فلنورد في هذا المقام بعض عباراتهم ليكون ذلك طريق ‪0‬ا ً مؤدي ‪0‬ا ً إلى م‪00‬ا‬
‫طوين‪000‬ا عن إي‪000‬راده‪ ،‬ثم نق‪000‬ل المرج‪000‬اني عن كث‪000‬ير من األئم‪000‬ة المتق‪000‬دمين على ال‪000‬رازي‬
‫والمتأخرين عنه ما يدل على ما قاله‪ ،‬أو ما هو صريح فيه‪ ،‬وأطال في ذلك فراجعه‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫وقال‪ :)1/298( :‬والزيادة الموجبة للغيرية مستحيلة قطعا ً الستلزامها‪:‬‬
‫النقص بال‪00‬ذات والع‪00‬رو عن الكم‪00‬االت واالس‪00‬تكمال ب‪00‬األمور العرض‪00‬ية‬ ‫‪-1‬‬
‫الضعيفة القوام‪ 0‬الرقيقة الوجود (يعني الصفات الممكنة بالذات) وهو معنى قولهم‪ :‬إن هللا‬
‫فقير ونحن أغنياء‪.‬‬
‫وتعدد القدماء‬ ‫‪-2‬‬
‫‪-3‬وتكثر الواجبات‪ ،‬أو حدوث الصفات‪ ،‬وانظر (‪.)1/271‬‬
‫وق‪00‬ال (‪ )1/227‬والح‪00‬ق أن ص‪00‬فاته تع‪00‬الى واجب‪00‬ة بال‪00‬ذات فال تحت‪00‬اج إلى عل‪00‬ة وال‬
‫تستند إلى جاعل‪ ،‬وال يلزم التعدد لكونها غ‪00‬ير متغ‪00‬ايرة‪ ،‬وال مغ‪00‬ايرة ل‪00‬ه‪ ،‬وال زائ‪00‬دة علي‪00‬ه‬
‫على الحقيقة‪ ،‬ال بالمعنى الذي يتداوله إحداث األشعرية‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫‪{-9‬بيان فساد كال المسلكين}‬
‫أقول‪ :‬ال يخفى أنه على كال المسلكين يلزم تعدد القدماء وتكثر الواجب‪00‬ات أم‪00‬ا على‬
‫مسلك الرازي فألنه هناك واجب بذاته‪ ،‬وهو ذات هللا تعالى‪ ،‬وواجب ل‪00‬ذات ال‪00‬واجب بذات‪00‬ه‬
‫وهي صفات هللا تعالى فص‪00‬ار هن‪00‬اك نوع‪00‬ان من ال‪00‬واجب كم‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه الفالس‪00‬فة من أن‬
‫العقول العشرة والهيولي قديمة واجبة لذاته تعالى‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا على مس‪00‬لك ابن التلمس‪00‬اني والق‪00‬رافي والسنوس‪00‬ي فألن‪00‬ه هن‪00‬اك واجب‪00‬ان ك‪00‬ل‬
‫منهما واجب بذاته‪ ،‬وهما ذاته تعالى وصفاته‪ ،‬فصار هناك فردان للواجب بذاته ومن ثمة‬
‫قال الكلنبوي (‪ :)1/295‬تعدد القدماء الزم إلثبات الصفات الحقيقية البت‪00‬ة انتهى‪ ،‬وانتق‪00‬اد‬
‫المرجاني وتشنيعه وارد على كال المسلكين ال على مسلك ال‪00‬رازي فق‪00‬ط وإن ك‪00‬ان ه‪00‬و ق‪00‬د‬
‫وجهه إلى الرازي فقط وال يخفى أن المسلك الث‪00‬اني ليس أق‪00‬ل ش‪00‬ناعة من المس‪00‬لك األول‪،‬‬
‫فإنه كما لم يقل أحد من سلف األمة‪ ،‬إن صفاته تعالى ممكنة بذاتها واجبة لذاته تعالى‪.‬‬
‫كذلك لم يقل أحد منهم‪ :‬إن هناك واجبان بذاتهما‪ ،‬بل هذا أشنع من األول‪.‬‬
‫فإن ال‪0‬ذي أجم‪0‬ع علي‪0‬ه س‪0‬لف األم‪0‬ة‪ :‬أن‪0‬ه ليس في الوج‪0‬ود إال واجب واح‪0‬د وق‪0‬ديم‬
‫واحد وجوده مقتضى ذاته‪ ،‬وكذلك وجوبه وقدمه‪ ،‬وه‪00‬و هللا المتص‪00‬ف باألس‪00‬ماء الحس‪00‬نى‬
‫والصفات العلى‪ ،‬أي هو هللا تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى‪.‬‬
‫‪{-10‬تحقي‪00‬ق أن‪00‬ه ليس في الوج‪00‬ود إال واجب واح‪00‬د وق‪00‬ديم واح‪00‬د وه‪00‬و هللا تع‪00‬الى‬
‫بأسماه الحسنى وصفاته العلى}‪.‬‬
‫ً‬
‫وتحقي‪00‬ق ه‪00‬ذا أن المف‪00‬روض هن‪00‬ا وج‪00‬ود إل‪00‬ه‪ ،‬وليس وج‪00‬ود ذات مطلق‪0‬ا‪ ،‬واإلل‪00‬ه ال‬
‫يكون إلها ً إال بهذه الصفات‪ ،‬فهذه الصفات من مقومات اإلله وغ‪00‬ير خارج‪00‬ة عن‪00‬ه فليس‪00‬ت‬
‫الصفات شيئا ً آخر كما ذهب إليه أهل المسلكين حيث أثبتوا اإلثنيني‪00‬ة بالنس‪00‬بة إلى ذات هللا‬
‫تعالى وصفاته‪ ،‬وجعلوا أح‪00‬دهما نوع‪0‬ا ً غ‪0‬ير الن‪00‬وع اآلخ‪00‬ر أو ف‪0‬رداً غ‪00‬ير الف‪00‬رد اآلخ‪00‬ر من‬
‫الواجب‪ ،‬وال هي عارضة لذات اإلله كما ذهب إلي‪00‬ه أه‪00‬ل المس‪00‬لك األول‪ ،‬ب‪00‬ل هي موج‪00‬ودة‬
‫بوجوده تعالى‪ ،‬وليس لها وجود غير وجوده تعالى‪ ،‬وليس لها وجوب آخ‪00‬ر وال ق‪00‬دم آخ‪00‬ر‬
‫غير وجوبه وقدمه تعالى‪.‬‬
‫ونظير هذا في الشاهد أنه يوج‪00‬د للموج‪00‬ودات أوص‪00‬اف ذاتي‪00‬ة‪ ،‬وأوص‪00‬اف عرض‪00‬ية‬
‫وذاتيات الشيء عبارة عما ال يتكون الشيء وال يدخل في الوجود إال به‪00‬ا‪ ،‬فهي موج‪00‬ودة‬
‫بوجود الشيء ألنها داخلة في قوامه‪ ،‬وغير خارجة عنه‪ ،‬وأما العرضيات فهي ما يتك‪00‬ون‬

‫‪401‬‬
‫الشيء ب‪00‬دونها‪ ،‬وليس‪00‬ت بداخل‪00‬ة في قوام‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل هي خارج‪00‬ة عن‪00‬ه الحق‪00‬ة ب‪00‬ه بع‪00‬د تقوم‪00‬ه‬
‫وتكونه‪.‬‬
‫ونحن ال نطلق اسم الذاتيات على صفاته تعالى كما ال نطلق عليها اسم العرض‪00‬يات‬
‫لع‪0‬دم ورود الش‪0‬رع به‪00‬ذا اإلطالق وألن ه‪0‬ذه التس‪00‬مية اص‪00‬طالحية من اص‪00‬طالح المناطق‪00‬ة‬
‫والفالسفة‪ ،‬والشرع لم يرد على وف‪0‬ق االص‪0‬طالحات وإنم‪0‬ا ورد على وف‪0‬ق اللغ‪0‬ة العربي‪0‬ة‬
‫وقبل تقرر هذه االصطالحات‪.‬‬
‫لكننا نقول‪ :‬إن ص‪00‬فاته تع‪00‬الى من قبي‪00‬ل ال‪00‬ذاتيات‪ ،‬وإن نس‪00‬بتها إلي‪00‬ه تع‪00‬الى كنس‪00‬بة‬
‫الذاتيات إلى ما هي ذاتية له‪.‬‬
‫فصفاته تعالى موج‪00‬ودة بوج‪00‬وده تع‪00‬الى وواجب‪00‬ة بوجوب‪00‬ه‪ ،‬وقديم‪00‬ة بقدم‪00‬ه‪ ،‬فليس‬
‫هناك إال وجود واحد‪ ،‬ووجوب واحد‪ ،‬وقدم واحد بالنس‪00‬بة إلى هللا تع‪00‬الى وص‪00‬فاته‪ ،‬وليس‬
‫هناك وج‪0‬ودان وج‪0‬ود لذات‪0‬ه تع‪0‬الى ووج‪0‬ود لص‪0‬فاته ح‪0‬تى يك‪0‬ون هن‪0‬اك وجوب‪0‬ان وق‪0‬دمان‬
‫وواجبان وقديمان كما هو شأن الغيرين‪ ،‬وذل‪0‬ك ألن المف‪0‬روض ‪ -‬كم‪0‬ا قلن‪0‬ا ‪ -‬وج‪0‬ود إل‪0‬ه‪،‬‬
‫وليس وجود ذات مطلق‪0‬اً‪ ،‬واإلل‪00‬ه ال يك‪00‬ون إله‪0‬ا ً إال به‪00‬ذه الص‪00‬فات ال‪00‬تي يس‪00‬مونها ص‪00‬فات‬
‫الذات‪ ،‬وصفات ذاتية‪.‬‬
‫فليس لهذه الصفات وجود آخر غير وجود ذاته تعالى‪ ،‬كما ذهب إلي‪00‬ه من ق‪00‬ال‪ :‬إن‬
‫صفاته تع‪00‬الى غ‪00‬ير ذات‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬ذه الغيري‪00‬ة هي ال‪00‬تي اتف‪00‬ق على الق‪00‬ول به‪00‬ا أه‪00‬ل المس‪00‬لكين‬
‫السابقين‪ ،‬فإن الغيرية به‪00‬ذا المع‪00‬نى بين ذات‪00‬ه تع‪00‬الى وص‪00‬فاته الزم‪00‬ة لهم‪ ،‬وال ينفعهم في‬
‫نفيها تحاشيهم عن إطالق لفظ الغير‪ ،‬وتجنبهم إياه‪.‬‬
‫وليست هذه الصفات عارضة لذاته تعالى كما ذهب إليه أهل المسلك األول‪.‬‬
‫وتعبير أهل المسلكين باالفتقار بالنسبة إلى صفاته إيضا ً غير سديد‪ ،‬نعم إذا أرادوا‬
‫بافتقار صفاته تعالى إلى ذاته قيام صفاته بذاته‪ ،‬واتصاف ذاته بها ف‪00‬المعنى ص‪00‬حيح‪ ،‬لكن‬
‫التعبير غير صحيح‪ ،‬ألن االفتقار بمعنى االحتياج‪ ،‬وهو بالنسبة إلى ذات‪00‬ه تع‪00‬الى وص‪00‬فاته‬
‫محال‪ ،‬وألن التعبير مشعر بالمغايرة بين ذاته تعالى وصفاته‪ ،‬وهو أيضا ً ممتنع‪.‬‬
‫وما ذكرناه من المعنى هو الذي قصده المتقدمون بقولهم‪ :‬صفات هللا تعالى ليست‬
‫عينه وال غيره‪ ،‬فنفوا الغيرية بالمعنى الذي ذكرن‪00‬اه‪ ،‬وأثتبه‪00‬ا ب‪00‬المعنى الم‪00‬ذكور الق‪00‬ائلون‬
‫بالغيرية فكان الخالف بينهما معنوياً‪ ،‬وليس الخالف بينهم‪00‬ا لفظي‪0‬ا ً كم‪00‬ا قررن‪00‬اه في ص‪00‬در‬
‫ه‪00‬ذا البحث‪ ،‬ف‪00‬إن م‪00‬ا قررن‪00‬اه هن‪00‬اك مب‪00‬ني على م‪00‬ذهب المت‪00‬أخرين من المتكلمين‪ ،‬ونق‪00‬ل‬
‫لمذهبهم‪ ،‬ومقصودنا هنا الرد على هذا المذهب‪ .‬وبيان خطأه وتعريف األش‪00‬عري للغ‪00‬يرين‬
‫محمول على هذا المعنى‪ ،‬وذل‪00‬ك ب‪00‬أن يق‪00‬ال‪ :‬مع‪00‬نى قول‪00‬ه‪ :‬الغ‪00‬يران موج‪00‬ودان يص‪00‬ح ع‪00‬دم‬
‫أحدهما مع وجود اآلخر‪ ،‬أن‪00‬ه يص‪00‬ح انفك‪00‬اك أح‪00‬دهما عن ص‪00‬احبه بحس‪00‬ب الوج‪00‬ود ب‪00‬أن ال‬
‫يوجد بوجود صاحبه‪ ،‬بل يوجد بوجود آخر‪ ،‬فيكون لهذا وجود‪ ،‬ولذلك وجود آخ‪00‬ر‪،‬وله‪00‬ذا‬
‫النكتة عبر اإلمام بقوله‪ :‬موجودان يصح عدم أحدهما م‪00‬ع وج‪00‬ود اآلخ‪00‬ر‪ ،‬المقتض‪00‬ي لع‪00‬دم‬
‫اقتضاء وجود الغير وجود الغير‪ ،‬وه‪0‬ذا ه‪0‬و المقص‪0‬ود باإلف‪0‬ادة في ه‪0‬ذا المق‪0‬ام‪ ،‬ولم يع‪0‬بر‬
‫بموجودان يصح وجود أحدهما مع عدم اآلخر‪ ،‬المقتض‪00‬ي لع‪00‬دم اقتض‪00‬اء ع‪0‬دم الغ‪00‬ير ع‪00‬دم‬
‫الغير‪ ،‬فإن هذا المعنى ليس مقصوداً باإلفادة‪ ،‬وإن كان راجعا ًإلى المع‪00‬نى األول‪ ،‬فإن‪00‬ه إذا‬
‫لم يقتض عدم هذا عدم ذاك فال يقتضي وجوده وجوده‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫‪{-11‬تحقيق قيم للمسألة إلبن تيمية}‬
‫ثم رأيت كالما ً لإلمام ابن تيمية يؤيد ما حققناه فرأينا إيراده هنا‪.‬‬
‫قال رحمه هللا تعالى في “ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح “ م‪00‬ا ملخص‪00‬ه‪:‬‬
‫من الناس من يقول‪ :‬كل صفة للرب عز وجل غير األخرى‪ ،‬ويقول‪ :‬الغيران ما ج‪00‬از العلم‬
‫بأحدهما مع الجهل ب‪0‬اآلخر‪ ،‬ومنهم من يق‪00‬ول‪ :‬ليس‪0‬ت هي غ‪0‬ير األخ‪0‬رى وال هي هي‪ ،‬ألن‬
‫الغيرين ما جاز وجود أحدهما مع عدم اآلخر‪ ،‬أو ما جاز مفارقة أحدهما اآلخر بزم‪00‬ان أو‬
‫مكان أو وجود‪ ،‬والذي عليه سلف األمة وأئمته‪00‬ا إذا قي‪00‬ل لهم‪ :‬علم هللا وكالم هللا ه‪00‬ل ه‪00‬و‬
‫غير هللا أم ال لم يطلقوا النفي وال اإلثبات‪.‬‬
‫فإنه إذا قيل‪ :‬هو غير أوهم أنه مباين له‪ ،‬وإذا قيل‪ :‬ليس غيره أوهم أن‪00‬ه ه‪00‬و‪ ،‬ب‪00‬ل‬
‫يستفصل السائل‪ ،‬فإن أراد بقوله‪ :‬غيره أنه مباين له منفصل عنه فص‪00‬فات الموص‪00‬وف ال‬
‫تكون مباينة له منفصلة عنه وإن كان مخلوق‪0‬اً‪ ،‬فكي‪00‬ف بص‪00‬فات الخ‪00‬الق‪ ،‬وإن أراد ب‪00‬الغير‬
‫أنها ليست هي هو فليست الصفة هي الموصوف‪ ،‬فهي غيره بهذا االعتبار‪.‬‬
‫واسم الرب إذا أطلق يتناول الذات المقدسة بما تستحقه من صفات الكمال‪ ،‬فيمتنع‬
‫وجود ال‪0‬ذات عري‪0‬ة عن ص‪0‬فات الكم‪0‬ال‪ ،‬فاس‪0‬م هللا –ع‪0‬ز وج‪0‬ل‪-‬يتن‪0‬اول ال‪0‬ذات الموص‪0‬وفة‬
‫بصفات الكمال‪ ،‬وهذه الصفات ليست زائدة على هذا المسمى‪ ،‬بل هي داخلة في المسمى‪،‬‬
‫ولكنها زائدة على الذات المجردة التي تثبتها نفاة الصفات‪.‬‬
‫فأولئك لما زعموا أنه ذات مجردة‪ ،‬قال هؤالء (المثبتون للصفات)‪ :‬الصفات زائدة‬
‫على ما أثبتموه من الذات‪ ،‬وأما في نفس األم‪00‬ر فليس هن‪00‬اك ذات مج‪00‬ردة تك‪00‬ون الص‪00‬فات‬
‫زائدة عليها‪ ،‬بل ال‪00‬رب تع‪00‬الى ه‪00‬و ال‪00‬ذات المقدس‪00‬ة الموص‪00‬وفة بص‪00‬فات الكم‪00‬ال‪ ،‬وص‪00‬فاته‬
‫داخلة في مسى أسمائه تعالى‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫نقله السفاويني في “ لوامع األنوار البهية ‪ )219-1/218‬ثم قال‪ :‬وهذا تحقي‪00‬ق ال‬
‫مزيد عليه‪ ،‬فاحفظه فإنه مهم وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫‪{-12‬إشارة القاضي عضد الدين اإليجي إلى تحقيق المسألة}‬
‫أقول‪:‬وإلى ه‪00‬ذا التحقي‪00‬ق أش‪00‬ار اإلم‪00‬ام القاض‪00‬ي عض‪00‬د ال‪00‬دين في المواق‪00‬ف‪ ،‬فق‪00‬ال‪:‬‬
‫والحق أن م‪00‬رادهم‪ :‬أي م‪00‬راد أه‪00‬ل الس‪00‬نة من ق‪00‬ولهم‪ :‬إن ص‪00‬فاته تع‪00‬الى ليس‪00‬ت عين‪00‬ه وال‬
‫غيره تعالى أنها ال هو بحسب المفهوم‪ ،‬وال غيره بحسب الوجود والهوي‪00‬ة‪ ،‬كم‪00‬ا يجب أن‬
‫يكون في الحمل انتهى‪ .‬وقصد بقوله‪ :‬وال غ‪0‬يره بحس‪00‬ب الوج‪00‬ود م‪00‬ا قلن‪00‬اه من أن ص‪00‬فاته‬
‫تعالى موجودة بوجوده‪ ،‬وليس لها وجود مس‪00‬تقل عن وج‪00‬وده ح‪00‬تى تك‪00‬ون غ‪00‬يره بحس‪00‬ب‬
‫الوجود‪ ،‬وأراد بالهوي‪00‬ة الوج‪00‬ود الخ‪00‬ارجي‪ ،‬وأراد بقول‪00‬ه‪ :‬كم‪00‬ا يجب أن يك‪00‬ون في الحم‪00‬ل‬
‫التنظير‪ ،‬أي كما يجب أن يكون المحم‪00‬ول والمحم‪00‬ول علي‪00‬ه في نح‪00‬و‪ :‬زي‪00‬د ع‪00‬الم مختلفين‬
‫بحس‪00‬ب المفه‪00‬وم‪ 0‬متح‪00‬دين بحس‪00‬ب الوج‪00‬ود ح‪00‬تى يص‪00‬ح حم‪00‬ل أح‪00‬دهما على اآلخ‪00‬ر‪ ،‬ك‪00‬ذلك‬
‫الموج‪00‬ود هن‪00‬ا االختالف بين هللا وص‪00‬فاته بحس‪00‬ب المفه‪00‬وم‪ ،‬واتحادهم‪00‬ا بحس‪00‬ب الوج‪00‬ود‬
‫فالتنظير إنم‪0‬ا ه‪0‬و باعتب‪0‬ار االختالف بحس‪00‬ب المفه‪0‬وم‪ ،‬واالتح‪00‬اد بحس‪0‬ب الوج‪00‬ود‪ ،‬وليس‬
‫التنظير باعتبار الحمل لبداهة أن‪0‬ه ال يج‪0‬وز الحم‪0‬ل بين هللا تع‪0‬الى وص‪0‬فاته‪ ،‬فال يق‪0‬ال‪ :‬هللا‬
‫تعالى علم أو قدرة‪ ،‬فال يرد على القاضي ما أورده التفتازاني في شرح المقاصد‪ ،‬والس‪00‬يد‬
‫الشريف الجرجاني في شرح المواقف والدواني في شرح العقائد العضدية من أن ما قال‪00‬ه‬

‫‪403‬‬
‫القاضي العضد إنما يصح في المشتقات مثل العالم والقادر‪ ،‬ال في مبادئها والكالم إنما هو‬
‫في مبادئها‪ ،‬فإن األش‪00‬عري وغ‪00‬يره من أه‪00‬ل الس‪00‬نة يثبتونه‪00‬ا‪ ،‬والمعتزل‪00‬ة ينفونه‪00‬ا‪ ،‬إنتهى‬
‫وذلك ألن القاضي لم يقصد التنظير بحسب الحمل حتى ي‪00‬رد علي‪00‬ه م‪00‬ا ق‪00‬الوه‪ ،‬وإنم‪00‬ا قص‪00‬د‬
‫التنظير باعتبار االختالف بحسب المفهوم‪ ،‬واالتحاد بحسب الوجود‪.‬‬
‫‪{-13‬بيان أن المتقدمين من المتكلمين كانوا يتحرجون عن اطالق كل عبارة فيه‪00‬ا‬
‫شائبة إيهام التغاير واإلثنينية بالنسبة إلى هللا تعالى وصفاته}‬
‫وإكم‪00‬االً له‪00‬ذا التحقي‪00‬ق أورد هن‪00‬ا م‪00‬ا ي‪00‬دل على أن المتق‪00‬دمين من المتكلمين ك‪00‬انوا‬
‫يتحرجون عن إطالق كل عبارة فيها شائبة إيهام التغاير واإلثنينية بالنسبة إلى هللا تع‪00‬الى‬
‫وصفاته‪ ،‬ومن ثمة امتنعوا عن إطالق مثل القديم والباقي على ص‪00‬فاته تع‪00‬الى على س‪00‬بيل‬
‫االستقالل‪ ،‬وإنما أطلقوها عليها في ضمن إطالقها على الذات‪ ،‬وهذا يدل على أنهم أرادوا‬
‫بنفي الغير ما ذكرناه من نفي اإلثنينية والتغاير بحسب الوجود‪.‬‬
‫قال أبو المعين النسفي في التبصرة (‪ :)1/210‬إن قدماء أص‪00‬حابنا ‪ ..‬امتنع‪00‬وا عن‬
‫إطالق اسم القديم على الصفات‪ ،‬وإن كانت أزلية‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن هللا تعالى قديم بصفاته‪.‬‬
‫وقال (‪ :)1/211‬إن قدماء أصحابنا امتنعوا عن القول بأن شيئا ً من ص‪00‬فاته تع‪00‬الى‬
‫باق‪ ،‬بل يقولون‪ :‬إن هللا تعالى باق بصفاته‪.‬‬
‫وقال (‪ :)1/258‬واعلم أنه ال يق‪00‬ال‪ :‬إن علم‪00‬ه تع‪00‬الى مع‪00‬ه‪ ،‬ألن‪00‬ه (أي علم‪00‬ه) ليس‬
‫بقائم بنفسه فيكون معه‪ ،‬وال يق‪00‬ال‪ :‬ه‪00‬و في‪00‬ه‪ ،‬ألن‪00‬ه تع‪00‬الى ليس بظ‪00‬رف للعلم‪ ،‬والعلم ليس‬
‫متمكنا ً فيه‪ ،‬وال يقال‪ :‬إنه مجاور له‪ ،‬ألنه غير مم‪0‬اس ل‪0‬ه‪ ،‬وال إن‪0‬ه مب‪0‬اين ل‪0‬ه‪ ،‬لم‪0‬ا أن‪0‬ه ال‬
‫يقبل المفارقة‪ ،‬ولما أن هذه األلفاظ مستعملة في المتغايرات‪ ،‬وال تغاير في ما نحن فيه‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬ثم اعلم أن عبارة عامة متكلمي أهل الحديث في هذه المس‪00‬ألة أن يق‪00‬ال‪:‬إن‬
‫هللا تعالى عالم بعلم‪،‬وكذا فيما وراء ذلك من الصفات‪.‬‬
‫وأكثر مشايخنا امتنعوا عن هذه العبارة احتراز عما ي‪00‬وهم أن العلم آل‪00‬ة وأداة (أي‬
‫فيك‪00‬ون مغ‪00‬ايرا لل‪00‬ذات) فيقول‪00‬ون‪ :‬هللا تع‪00‬الى ع‪00‬الم‪ ،‬ول‪00‬ه العلم‪ ،‬وك‪00‬ذا فيم‪00‬ا وراء ذل‪00‬ك من‬
‫الصفات‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬والشيخ اإلمام أبو منصور الماتريدي يقول‪ :‬إن هللا تعالى عالم بذات‪00‬ه‪ ،‬حي‬
‫بذاته قادر بذاته‪ ،‬وال يريد به نفي الصفات‪ ،‬ألنه أثبت الص‪00‬فات في جمي‪00‬ع مص‪00‬نفاته‪،‬وأتى‬
‫بالدالئل إلثباتها‪ ،‬ودف‪0‬ع ش‪0‬بهاتهم على وج‪0‬ه ال مخلص للخص‪0‬وم عن ذل‪0‬ك‪ ،‬غ‪0‬ير أن‪0‬ه أراد‬
‫بذلك دفع وهم المغايرة‪،‬وأن ذاته يستحيل أن ال يكون عالماً‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫فهذه التحرجات من المتقدمين من المتكليمن‪ ،‬وهذه التعب‪00‬يرات واإلطالق‪00‬ات منهم‪،‬‬
‫وال سيما إطالق اإلمام أبي منصور تكاد تكون نص‪0‬ا ً فيم‪00‬ا قلن‪00‬اه من أنهم لم يقص‪00‬دوا بنفي‬
‫الغيرية إال المعنى الذي ذكرناه‪.‬‬
‫‪{-14‬بيان فساد قول من قال‪ :‬المراد ب‪00‬الغير في ق‪00‬ولهم (ص‪00‬فات هللا ليس‪00‬ت غ‪00‬يره)‬
‫الغير االصطالحي}‬
‫واعلم أنه قد وق‪00‬ع في كالم كث‪00‬ير من المت‪00‬أخرين أن إطالق اإلم‪00‬ام األش‪00‬عري الغ‪00‬ير‬
‫على المنفك في قوله‪ :‬صفات هللا تعالى ليست عينه وال غيره‪ ،‬اص‪00‬طالح من‪00‬ه‪ ،‬وأن‪00‬ه إنم‪00‬ا‬
‫نفى الغيري‪00‬ة عنه‪00‬ا ب‪00‬المعنى ال‪00‬ذي اص‪00‬طلح علي‪00‬ه للف‪00‬ظ غ‪00‬ير‪ ،‬ولم ين‪00‬ف الغيري‪00‬ة ب‪00‬المعنى‬

‫‪404‬‬
‫اللغوي وبحسب الشرع‪ ،‬وأول من قال ه‪00‬ذا الق‪00‬ول ه‪00‬و اإلم‪00‬ام ال‪00‬رازي‪ ،‬نقل‪00‬ه عن‪00‬ه الجالل‬
‫الدواني في شرح العقائد العضدية (‪ )1/295‬ثم قال‪ :‬رداً عليه‪ :‬وأنت خبير بأن الغرض –‬
‫وهو نفي لزوم تع‪00‬دد الق‪00‬دماء‪ -‬ال ي‪00‬ترتب على ذل‪00‬ك‪ ،‬فال فائ‪00‬دة في‪00‬ه‪ ،‬وال وج‪00‬ه إلدخال‪00‬ه في‬
‫المسائل االعتقادية‪.‬‬
‫ورده السعد التفتازاني في شرح المقاصد بما حاصله‪ :‬إنه لو ك‪00‬ان األم‪00‬ر كم‪00‬ا ق‪00‬ال‬
‫لكان الحكم بعدم مغايرة الصفات لل‪0‬ذات ب‪0‬ديهيا ً مس‪0‬تغنيا ً عن ال‪0‬دليل م‪0‬ع أن من األش‪0‬اعرة‬
‫من استدل عليه‪.‬‬
‫ورده السيد الشريف الجرجاني في شرح المواقف بأنه غ‪00‬ير مرض‪00‬ي ألنهم ذك‪00‬روا‬
‫ذلك في االعتقادات المتعلق‪00‬ة ب‪00‬ذات هللا تع‪00‬الى وص‪00‬فاته‪ ،‬فكي‪00‬ف يك‪00‬ون أم‪00‬را لفظي‪00‬ا محض‪0‬ا ً‬
‫متعلقا ً بمج‪0‬رد االص‪0‬طالح م‪0‬ع أن بعض‪0‬هم ق‪0‬د تص‪0‬دى لالس‪0‬تدالل علي‪0‬ه‪ ،‬والح‪0‬ق أن‪0‬ه بحث‬
‫معنوي‪.‬‬
‫قال الكلنبوي بعد نقله لرد السعد والس‪00‬يد(‪ :)1/295‬أق‪00‬ول‪ :‬وي‪00‬دل على كون‪00‬ه بحث‪0‬ا ً‬
‫معنوي‪0‬ا ً قطع‪0‬ا ً اس‪00‬تداللهم الس‪00‬ابق –يع‪00‬ني في كالم الش‪00‬ارح ال‪00‬دواني –ألن‪00‬ه ص‪00‬ريح في أن‬
‫األشاعرة قصدوا إثبات معنى الغير في الشرع والعرف واللغة‪ ،‬ال إثبات مع‪00‬نى اص‪00‬طلحوا‬
‫عليه وهو ظاهر‪.‬‬
‫‪{-15‬خالصة البحث}‬
‫أقول‪:‬أن هؤالء العلم‪00‬اء التفت‪00‬ازاني‪ ،‬والس‪00‬يد الش‪00‬ريف‪ ،‬وال‪00‬دواني‪ ،‬والكلنب‪00‬وي ق‪00‬د‬
‫أصابوا في قولهم بأن البحث معنوي بمعنى أنه ليس راجعا ً إلى االص‪00‬طالح لكنهم أخط‪00‬أوا‬
‫في تقريرهم الخالف على الوجه الذي قررناه في صدور هذا البحث‪ ،‬وهو بن‪00‬ائهم الخالف‬
‫في أن صفاته تعالى هل هي غير له تعالى أم ال‪ ،‬على الخالف في تفسير الغير لغة هل هو‬
‫نقيض هو هو‪ ،‬فال يكون بينه وبين العين واسطة‪ ،‬فتكون الصفات على هذا التفسير غ‪00‬ير‬
‫هللا تعالى‪.‬‬
‫أو هو بمعنى غير المالزم الذي يجوز انفكاكه‪ 0،‬فتثبت الواسطة على هذا بين العين‬
‫والغير‪ ،‬فال تكون الصفات على ه‪0‬ذا غ‪0‬ير هللا تع‪0‬الى لمالزمته‪00‬ا ل‪0‬ه وع‪0‬دم ج‪0‬واز انفكاكه‪0‬ا‪0‬‬
‫عنه‪.‬‬
‫ً‬
‫ف‪00‬إن تقري‪00‬ر الخالف على ه‪00‬ذا الوج‪00‬ه‪ ،‬وإن لم يكن راجع‪0‬ا إلى االص‪00‬طالح‪ ،‬لكن‪00‬ه ال‬
‫يخفى أنه ال يخرج عن أن يكون لفظياً‪ ،‬عائ‪00‬داً إلى أن‪00‬ه ه‪00‬ل يج‪00‬وز إطالق لف‪00‬ظ الغ‪00‬ير علي‬
‫صفات هللا تعالى لغة أم ال؟ مع اتفاق الفريقين في المعنى وه‪0‬و أنه‪0‬ا ليس‪00‬ت عين‪0‬ه تع‪00‬الى‪،‬‬
‫وال يجوز انفكاكها عنه‪.‬‬
‫ً‬
‫والصواب في تقرير الخالف ما قررناه أخيرا‪ ،‬وهو أن من قال‪ :‬إنه‪00‬ا ليس‪00‬ت عين‪00‬ه‬
‫وال غيره‪ ،‬أراد كما قال القاض‪00‬ي عض‪00‬د ال‪00‬دين‪ :‬ليس‪00‬ت عين‪00‬ه بحس‪00‬ب المفه‪00‬وم‪ ،‬وال غ‪00‬يره‬
‫بحسب الوجود‪ ،‬وأرادوا نفي اإلثنيني‪00‬ة بين ال‪00‬ذات والص‪00‬فات بحس‪00‬ب الوج‪00‬ود‪ ،‬ومن ق‪00‬ال‪:‬‬
‫إنها غ‪0‬يره أثبت اإلثنيني‪00‬ة‪ ،‬وق‪0‬ال‪ :‬إنه‪0‬ا غ‪0‬يره بحس‪00‬ب الوج‪00‬ود‪ ،‬ف‪0‬الخالف معن‪00‬وي بحت ال‬
‫عالقة له ال باالصطالح وال باللفظ‪ ،‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫محمد صالح بن أحمد الغرسي‬
‫ذي الحجة ‪1424‬هـ قونيه‬

‫‪405‬‬
406
‫تعليل أفعال هللا عز وجل وأحكامه‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫اختل‪00‬ف العلم‪00‬اء في أن أفع‪00‬ال هللا تع‪00‬الى وأحكام‪00‬ه ه‪00‬ل هي معلل‪00‬ة أو غ‪00‬ير معلل‪00‬ة‪،‬‬
‫والمسألة من عويص مسائل علم الكالم‪ ،‬ويب‪00‬دوا أن الس‪00‬لف لم يتكلم‪00‬وا في ه‪00‬ذه المس‪00‬ألة‬
‫إثباتا ً وال نفياً‪ ،‬وقد اختلف فيها من جاء بعدهم من العلماء‪:‬‬
‫فمنهم من نفى التعليل عن أفعاله تع‪0‬الى وأحكام‪0‬ه‪ ،‬وق‪0‬ال‪ :‬إن أفعال‪00‬ه تع‪0‬الى ليس‪0‬ت‬
‫معللة بالعل‪00‬ل واألغ‪00‬راض لكنه‪00‬ا ليس‪00‬ت خالي‪00‬ة عن الحكم والمص‪00‬الح الراجع‪00‬ة إلى العب‪00‬اد‪،‬‬
‫وه‪00‬ؤالء هم جمه‪00‬ور األش‪00‬اعرة‪ ،‬ومنهم من ق‪00‬ال‪ :‬بتعلي‪00‬ل أفعال‪00‬ه تع‪00‬الى وأحكام‪00‬ه‪ ،‬وهم‬
‫جمهور الماتريدية‪ ،‬وكثير من غيرهم‪.‬‬
‫واستدل القائلون بنفي التعليل بدليلين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه يلزم على التعليل أن تكون إرادته تعالى متأثرة‪ :‬ب‪00‬أمر خ‪00‬ارج‪ ،‬وه‪00‬و م‪00‬ا‬
‫يترتب على الفعل‪ 0‬من المصلحة‪ ،‬وهللا تعالى منزه عن أن يؤثر في إرادته أمر خارج عن‪00‬ه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫حاجتَ‪0‬ه تع‪0‬الى إلى المص‪0‬لحة ال‪0‬تي ت‪0‬ترتب على الفع‪0‬ل‪،‬‬ ‫الثاني‪ :‬أن التعلي‪0‬ل يس‪0‬تلزم َ‬
‫وتشريع الحكم‪ ،‬واس‪00‬تكمالَهُ به‪00‬ا‪ ،‬وهللا تع‪00‬الى غ‪00‬ني عن الع‪00‬المين‪ ،‬وكام‪00‬ل بذات‪00‬ه‪ ،‬وكمال‪00‬ه‬
‫مقتضى ذاته‪ ،‬وهذا مناف للحاجة واالستكمال بالغير‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك علواً كبيراً!‬
‫واستدل القائلون بالتعليل أيضا ً بدليلين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن ظ‪00‬واهر النص‪00‬وص من الكت‪00‬اب والس‪00‬نة مفي‪00‬دة للتعلي‪00‬ل‪ ،‬وص‪00‬رف ه‪00‬ذه‬
‫النصوص الكثيرة كلها عن ظواهرها بحمل الالم في مثل قوله تعالى‪( :‬الذي خل‪00‬ق الم‪00‬وت‬
‫والحي‪00‬اة ليبل‪00‬وكم أيكم أحس‪00‬ن عمالً) على مع‪00‬نى العاقب‪00‬ة ال على مع‪00‬نى التعلي‪00‬ل‪ ،‬مخ‪00‬الف‬
‫ألساليب اللغة العربية ال يجوز المصير إليه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن نفي التعليل يستلزم العبث‪ ،‬وهو في حقه تعالى مستحيل‪.‬‬
‫أقول –ومن هللا التوفيق‪ -‬أن هناك أمر مجمعا ً عليه من الفريقين‪ ،‬وه‪0‬و أن‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫متصف بالكمال الذاتي‪ ،‬والحكمة البالغة الدال عليها اس‪00‬مه تع‪00‬الى “ الحكيم “ ‪ ،‬ومتص‪00‬ف‬
‫بالعلم واإلرادة والقدرة‪ ،‬فاهلل تعالى يعلم بعلمه األزلي أن هذا الفع‪00‬ل أو ه‪00‬ذا الحكم ت‪00‬ترتب‬
‫عليه المصلحة الفالنية‪ ،‬وإرادته تعالى وقدرته كل منهما ص‪00‬الح للض‪00‬دين؛ أي لتوجههم‪00‬ا‬
‫إلى هذا الفعل‪ ،‬ولعدم توجههما إليه وللتوج‪0‬ه‪ ،‬إلى ض‪00‬د ه‪0‬ذا الفع‪00‬ل‪ ،‬ألن‪0‬ه تع‪00‬الى ال يحج‪0‬ز‬
‫إرادتَه وقدرتَه شي ٌء‪.‬‬
‫لكن كماله المطلق وحكمته البالغة يقتضيان توجه إرادت‪00‬ه وقدرت‪00‬ه تع‪00‬الى إلى ه‪00‬ذا‬
‫الفعل الذي يعلم ترتب المصلحة عليه‪ ،‬ويرجحان هذا التوجيه‪ ،‬فالمقتض‪00‬ي لتوج‪00‬ه إرادت‪00‬ه‬
‫وقدرته تعالى نحو الفعل‪ 0‬الذي تترتب عليه المصلحة والم‪00‬رجح له‪00‬ذا التوج‪00‬ه‪ ،‬ه‪00‬و كمال‪00‬ه‬
‫تعالى وحكمته اللذان هما وصفان ذاتيان له‪ ،‬وليس شيئا ً آخر خارجا ً عن ذاته تعالى‪.‬‬
‫وقريب من هذا أن إرادته تعالى وقدرته صالحتان للتوجه نحو ضد الصدق‪ ،‬ونحو‬
‫تأييد مدعي النبوة كذبا ً بالمعجزات‪ ،‬لكن كمال‪00‬ه تع‪00‬الى وحكمت‪00‬ه يقتض‪00‬يان ع‪00‬دم توجههم‪00‬ا‬
‫نحو ذلك ألن الكذب نقص يجب تنزه هللا تعالى عنه‪ ،‬وكذلك تصديق الك‪00‬اذب‪ ،‬ألن تص‪00‬ديق‬

‫‪407‬‬
‫الكاذب من الكذب‪ ،‬هذا ما ظهر لي أنه الحق في المسألة سواء سميناه تعليالً أم لم نسمه‪،‬‬
‫لكنه أقرب إلى أن يسمى تعليالً‪.‬‬
‫وقول القائلين بع‪00‬دم التعلي‪00‬ل‪ “ :‬إن أفعال‪00‬ه تع‪00‬الى ال تخل‪00‬و عن الحكم والمص‪00‬الح “‬
‫مبني على مالحظة ما قلنا‪:‬من أن هذا مقتضى كماله وحكمته‪.‬‬
‫قال سعد الدين التفتازاني في شرحه للعقائد النس‪00‬فية تعليق‪0‬ا ً على ق‪00‬ول النس‪00‬في‪“ :‬‬
‫وفي إرسال الرسل حكمة “ ‪ :‬أي مصلحة وعاقبة حميدة‪ ،‬وفي هذا إش‪00‬ارة إلى أن إرس‪00‬ال‬
‫الرسل واجب ال بمعنى الوجوب على هللا‪ ،‬بل بمعنى أن قضية الحكمة تقتضيه لما فيه من‬
‫الحكم والمص‪00‬الح‪ ،‬وليس بممتن‪00‬ع كم‪00‬ا زعمت الس‪00‬منية والبراهم‪00‬ة‪ ،‬وال بممكن يس‪00‬توي‬
‫طرفان كما ذهب إليه بعض المتكلمين‪ ،‬انتهى يعني أن‪00‬ه ممكن ت‪00‬رجح ج‪00‬انب وج‪00‬وده على‬
‫عدمه‪ ،‬والمرجح لذلك هو حكمته تعالى‪.‬‬
‫وعلق المحقق عبد الحكيم السيلكوتي على كالم التفتازاني بقوله ص‪:317‬‬
‫ليس الم‪00‬راد باقتض‪00‬اء الحكم‪00‬ة أنه‪00‬ا تقتض‪00‬يه بحيث ال يمكن ترك‪00‬ه‪ ،‬ب‪00‬ل الم‪00‬راد أن‬
‫الحكمة ترجح جانب وق‪00‬وع اإلرس‪00‬ال‪ ،‬وتخرج‪00‬ه عن ح‪00‬د المس‪00‬اواة‪ ،‬م‪00‬ع ج‪00‬واز ال‪00‬ترك في‬
‫نفسه‪ ،‬وهذا هو الوجوب العادي‪ ،‬بمعنى أنه يفعله ألبتة‪ ،‬وإن كان تركه ج‪0‬ائزاً في نفس‪0‬ه‪،‬‬
‫كعلمنا بأن جبل أحد لم ينقلب ذهبا مع جوازه‪ ،‬وليس من الوجوب الذي زعمت‪00‬ه المعتزل‪00‬ة‬
‫بحيث يك‪00‬ون ترك‪00‬ه موجب‪00‬ا ً للس‪00‬فه والعبث‪ ،‬انتهى يع‪00‬ني أن المعتزل‪00‬ة الق‪00‬ائلين بالتعلي‪00‬ل‬
‫يقولون بوجوب فعله تعالى لمقتضى الحكمة بمع‪00‬نى أن‪00‬ه ال يمكن ترك‪00‬ه ألن ترك‪00‬ه م‪00‬وجب‬
‫للسفه والعبث وهما عليه تعالى محال بإجماع المسلمين فيكون تركه محاالً‪.‬‬
‫فالفريقان اتفقا على وجوب فعله تعالى لمقتضى الحكمة‪ ،‬وإنما اختلفا في نوع هذا‬
‫الوجوب هل هو وجوب عادي أو وج‪00‬وب عقلي‪ ،‬فاألش‪00‬اعرة الن‪00‬افون للتعلي‪00‬ل على األول‪،‬‬
‫والمعتزلة القائلون به على الثاني‪.‬‬
‫وعند ما ندقق النظر في قول األشاعرة بوجوب فعل مقتض‪0‬ى الحكم‪00‬ة علي‪00‬ه تع‪0‬الى‬
‫وإن كان هذا الوجوب عاديا ً‪ ،‬وفي قولهم‪ :‬إن المرجح لهذا الفعل هو حكمته تعالى‪ ،‬نراهم‬
‫قائلين بالتعليل من حيث ال يشعرون‪ ،‬ألن هذا الق‪00‬ول يع‪00‬ود إلى أن‪00‬ه تع‪00‬الى من أج‪00‬ل علم‪00‬ه‬
‫بأن الفعل‪ 0‬الفالني تترتب عليه المصلحة الفالنية يجب علي‪00‬ه فعل‪00‬ه‪ ،‬والم‪00‬رجح له‪00‬ذا الفع‪0‬ل‪0‬‬
‫هو كماله المطل‪00‬ق وحكمت‪00‬ه البالغ‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬ذا ه‪00‬و نفس الق‪00‬ول بالتعلي‪00‬ل‪ ،‬وال ينفعهم‪ 0‬في نفي‬
‫التعليل قولهم بأن هذا الوجوب عادي‪ ،‬وليس بعقلي‪ ،‬وهذا هو الرأي الذى نريد أن نقرره‬
‫هنا‪.‬‬
‫وال ي‪00‬رد على ه‪00‬ذا ال‪00‬رأي م‪00‬ا ي‪00‬رد على نف‪00‬اة التعلي‪00‬ل من ص‪00‬رف النص‪00‬وص عن‬
‫ظواهرها‪ ،‬والعبث‪ ،‬وال ما يرد على القائلين بالتعلي‪00‬ل من ت‪00‬أثر إرادت‪00‬ه تع‪00‬الى ب‪0‬أمر خ‪00‬ارج‬
‫عن ذاته تعالى‪ ،‬والحاجة واالستكمال ب‪00‬الغير‪ ،‬ألن ه‪00‬ذا الفع‪00‬ل على ه‪00‬ذا التحقي‪00‬ق مقتض‪00‬ى‬
‫كماله تعالى وحكمته ال مقتضيا ً لحاجته واستكماله‪ ،‬وقد أشار إلى هذا التحقيق ابن الهمام‬
‫في (التحرير) في مبحث العلة‪ ،‬والكشميري في (فيض الباري ‪.)1/55‬‬
‫وال يعترض على هذا التحقيق بأنه يلزم علي‪0‬ه أن يك‪0‬ون الفع‪0‬ل ال‪0‬ذي ت‪0‬ترتب علي‪0‬ه‬
‫المصلحة واجبا ً عليه تعالى‪.‬‬

‫‪408‬‬
‫ألنا نق‪00‬ول‪ :‬نعم يل‪00‬زم علي‪00‬ه ذل‪00‬ك‪ ،‬لكن ه‪00‬ذا الوج‪00‬وب ليس خاص‪0‬ا ً به‪00‬ذا ال‪00‬رأي‪ ،‬ب‪00‬ل‬
‫الوجوب الزم لكل من قولي التعليل ونفيه‪ ،‬كما قدمناه‪ ،‬وه‪00‬ذا الوج‪00‬وب من ن‪00‬وع الوج‪00‬وب‬
‫الجائز عليه تع‪00‬الى – س‪00‬واء قلن‪00‬ا إن‪00‬ه وج‪00‬وب ع‪00‬ادي‪ ،‬أو قلن‪00‬ا‪ :‬إن‪00‬ه وج‪00‬وب عقلي –وه‪00‬و‬
‫الوجوب الذي ال يسلب إرادته تعالى وقدرته الص‪00‬الحتين للض‪00‬دين‪ ،‬ألن الك‪00‬ل ق‪00‬ائلون بأن‪00‬ه‬
‫يجب عليه تعالى أن يفعل هذا الفعل‪ 0‬باختياره وإرادته‪ ،‬بدون جبر وال اضطرار‪.‬‬
‫ومن الوجوب الجائز عليه تع‪00‬الى وج‪00‬وب م‪00‬ا أوجب‪00‬ه على نفس‪00‬ه تع‪00‬الى مم‪00‬ا وع‪00‬د‬
‫بفعله من تخليد المؤمنين في الجنة‪ ،‬وتخليد الكافرين في الن‪00‬ار‪ ،‬وغ‪00‬ير ذل‪00‬ك مم‪00‬ا ورد في‬
‫بعض األحاديث من قوله صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‪...( :‬حق على هللا أن يفعل كذا‪.‬‬
‫ومنه أيضا ً وجوب الصدق عليه تعالى‪ ،‬ووجوب تنزهه عن السفه والعبث‪.‬‬
‫وأما الوجوب الممتنع في حقه تعالى فهو الوجوب الذي قالت به الفالسفة من أن‪00‬ه‬
‫تعالى موجب بالذات وليس فاعالً باالختيار‪ ،‬فسلبوا عنه تعالى وصف االختيار‪.‬‬
‫وكذلك الوجوب الذي قالت به المعتزلة‪ ،‬وهو‪ :‬أنه يجب عليه تعالى ما هو األصلح‬
‫بالنسبة إلى كل فرد من أفراد الناس‪ ،‬ويل‪00‬زم علي‪00‬ه ع‪00‬دم قدرت‪00‬ه تع‪00‬الى على هداي‪00‬ة الك‪00‬افر‬
‫وإصالح الفاسق‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك علواً كبيراً! وهذا مخالف لنصوص الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‪،‬‬
‫كقوله تعالى‪( :‬ولو شاء ربك آلمن من في األرض كلهم جميعاً)‪.‬‬
‫وأما الحكمة التي يقول بها أهل الس‪00‬نة فهي الحكم‪00‬ة المطلق‪00‬ة العام‪00‬ة بالنس‪00‬بة إلى‬
‫نظام العالم‪ ،‬ال بالنسبة إلى الدنيا فقط‪ ،‬وال بالنسبة إلى اإلنسان فقط وهي قد تكون مفسدة‬
‫بالنسبة إلى بعض الن‪0‬اس‪ ،‬وق‪0‬د يطل‪0‬ع عليه‪0‬ا الن‪0‬اس كلهم أو بعض‪0‬هم‪ ،‬وق‪0‬د تخفى عليهم‪،‬‬
‫وهذا ما يقتضيه اسمه تعالى الحكيم‪.‬‬
‫قال المحقق الكبير عبد الحكيم السيلكوتي في حاشيته على ش‪00‬رح العقائ‪00‬د النس‪00‬فية‬
‫(ص‪:)218‬‬
‫وأما نحن أهل السنة فال نقول باستحالة ترك م‪00‬ا تقتض‪00‬يه الحكم‪00‬ة‪ ،‬وال باس‪00‬تلزامه‬
‫نقصاً‪ ،‬لجواز أن يكون في تركه ِح َك ٌم ومصالح أخرى ال نطلع عليها‪ ،‬وإن كان يجب علي‪00‬ه‬
‫رعاية مطلق الحكمة‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫وك‪00‬ذلك ال يع‪00‬ترض على ه‪00‬ذا التحقي‪00‬ق بأن‪00‬ه مب‪00‬ني على الق‪00‬ول بالحس‪00‬ن والقبح‬
‫العقليين‪ ،‬وذلك ألنه مبني على الحس‪00‬ن والقبح العقل‪00‬يين ب‪00‬المعنى المقب‪00‬ول عن‪00‬د الف‪00‬ريقين‬
‫أهل السنة والمعتزل‪00‬ة‪ ،‬وه‪0‬و الحس‪00‬ن بمع‪00‬نى ص‪0‬فة الكم‪0‬ال‪ ،‬والقبح بمع‪0‬نى ص‪00‬فة النقص‪،‬‬
‫كحسن الصدق والع‪0‬دل والج‪0‬ود والش‪0‬جاعة‪ ،‬وقبح أض‪0‬دادها‪ ،‬ف‪0‬إن الحس‪0‬ن والقبح به‪0‬ذين‬
‫المعنيين اتفق الفريقان على أنه مما يستقل العقل بإدراكه ورد به الش‪00‬رع أم لم ي‪00‬رد‪ ،‬كم‪00‬ا‬
‫اتفقا على أن العقل مستقل بإدراك الحسن والقبح بمع‪0‬نى مالئم‪0‬ة الطب‪0‬ع ومنافرت‪0‬ه ويع‪0‬بر‬
‫بعضهم عنه بالمصلحة والمفسدة كحسن إنقاذ الغريب‪ ،‬وقبح اتهام البريء‪.‬‬
‫وأما الحسن والقبح المختلف فيه الذي قالت به المعتزل‪0‬ة ونف‪0‬اه أه‪00‬ل الس‪00‬نة‪ ،‬فه‪0‬و‬
‫أنه هل للفعل في نفسه بقطع النظر عن ورود الشرع بحكم فيه صفة حسن أو قبح ذاتيين‬
‫أو لصفة فيه توجبهما له قد يستقل العق‪00‬ل بإدراكهم‪00‬ا‪ ،‬فيعلم باعتبارهم‪00‬ا حكم هللا في ذل‪00‬ك‬
‫الفعل من طلبه أو حظره‪ ،‬ويعلم ترتب الثواب أو العق‪0‬اب علي‪0‬ه قب‪0‬ل ورود الش‪0‬رع أم ليس‬
‫له صفة كذلك؟‬

‫‪409‬‬
‫قالت المعتزلة‪ :‬نعم‪ ،‬وقال أهل السنة‪ :‬ال‪ ،‬وقالوا‪ :‬الحسن ما ورد الش‪00‬رع بحس‪00‬نه‪،‬‬
‫والقبيح ما ورد الش‪00‬رع بقبح‪0‬ه‪ ،‬وقب‪00‬ل ورود الش‪0‬رع ال يتص‪00‬ف الفع‪0‬ل بش‪00‬يء من الحس‪00‬ن‬
‫والقبح بهذا المعنى‪.‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أن التعليل الذي يقول به األصوليون والفقهاء‪ ،‬وبنوا‬
‫عليه القياس ليس هو التعليل الذي اختل‪00‬ف في‪00‬ه المتكلم‪00‬ون‪ ،‬فال يل‪00‬زم من الق‪00‬ول بالتعلي‪00‬ل‬
‫الفقهي القول بالتعليل الكالمي‪ ،‬وذلك ألن العلة عند األصوليين والفقهاء بمع‪00‬نى الوص‪00‬ف‬
‫المعرف للحكم الذي يكون عالمة على الحكم‪ 0‬أي جعله هللا عالم‪00‬ة علي‪00‬ه‪ ،‬ولم يعت‪00‬بروا في‬
‫العلة أن تكون باعثة على تشريع الحكم‪ ،‬وأما العلة عند المتكلمين النافين للتعليل فبمعنى‬
‫الب‪0‬اعث على الفع‪0‬ل‪ ،‬فال يل‪0‬زم من الق‪0‬ول بالتعلي‪0‬ل ب‪0‬المعنى األول الق‪0‬ول بالتعلي‪0‬ل ب‪0‬المعنى‬
‫الثاني‪ ،‬وقد خفي هذا على بعض الناس فظن اللزوم‪ ،‬وجعل من القول بالتعليل في األحكام‬
‫دليالً على التعليل في األفعال‪.‬‬
‫نعم الذين يقولون بالتعلي‪0‬ل في األفع‪0‬ال يقول‪0‬ون بالتعلي‪0‬ل في األحك‪0‬ام‪ 0‬أيض‪0‬ا بمع‪0‬نى‬
‫البعث على التشريع‪ ،‬فكما يقولون‪ :‬إن علل األحكام‪ 0‬بمعنى األوص‪00‬اف المعرف‪00‬ة له‪00‬ا الدال‪00‬ة‬
‫عليها‪ ،‬كذلك يعتبرون فيها أنها باعثة على تشريع تلك األحكام‪.‬‬
‫وتعليل األفعال كما قلنا عبارة عن الحكمة المطلقة العام‪00‬ة ال‪00‬تي راعاه‪00‬ا هللا تع‪00‬الى‬
‫في خلق العالم‪ ،‬وخلق ما أودعه فيه من النظام من‪0‬ذ أن خل‪0‬ق هللا الع‪00‬الم إلى م‪00‬ا ال يتن‪0‬اهى‬
‫من الجنة ونعيمها والجحيم وعذابه‪.‬‬
‫ويدخل فيه خلق المنافع والمضار وخلق اإليمان والكفر‪ ،‬وقد تك‪00‬ون الحكم‪00‬ة به‪00‬ذا‬
‫المعنى مفسدة بالنسبة إلى بعض الناس‪.‬‬
‫وهذه الحكم‪00‬ة على م‪0‬راتب في الوض‪0‬وح والخف‪0‬اء‪ ،‬منه‪00‬ا م‪0‬ا يش‪00‬ترك في معرفته‪00‬ا‬
‫العام‪00‬ة والخاص‪00‬ة‪ ،‬ومنه‪00‬ا م‪00‬ا يختص بمعرفته‪00‬ا العلم‪00‬اء والحكم‪00‬اء‪ ،‬ومنه‪00‬ا م‪00‬ا يخص هللا‬
‫بمعرفتها بعض أصفيائه ومنها ما استأثر هللا تعالى بعلمه ولم يظهر عليه أحداً من خلقه‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا تعلي‪00‬ل األحك‪00‬ام على ه‪00‬ذا الم‪00‬ذهب فعب‪00‬ارة عم‪00‬ا راع‪00‬اه هللا تع‪00‬الى في أحكام‪00‬ه‬
‫التكليفي‪00‬ة والوض‪00‬عية من المص‪00‬الح بالنس‪00‬بة إلى المكلفين ومن ه‪00‬و تب‪00‬ع لهم كص‪00‬بيانهم‬
‫وأنعامهم‪.‬‬
‫والنافون للتعليل يوافقون القائلين به في ترتب المصالح على األحكام التش‪00‬ريعية‪،‬‬
‫وإنم‪000‬ا يخ‪000‬الفوهم في ك‪000‬ون ه‪000‬ذه المص‪000‬الح باعث‪000‬ة على التش‪000‬ريع‪ ،‬فهم ينف‪000‬ون البعث‪،‬‬
‫والمعللون يقولون به‪ ،‬وأما الترتب فمتفقون عليه‪ ،‬وهذه المصالح أيضا ً على م‪00‬راتب في‬
‫الوضوح والخفاء كما قلنا آنفاً‪.‬‬
‫وم‪00‬ا قررن‪00‬ا ب‪00‬ه م‪00‬ذهب األش‪00‬اعرة من أن‪00‬ه ليس فع‪00‬ل من أفع‪00‬ال هللا تع‪00‬الى معلال‬
‫باألغراض هو المشهور من مذهبهم‪ ،‬وقد أبدى التفت‪00‬ازانى في م‪00‬ذهبهم وجه‪00‬ا أخ‪00‬ر‪ :‬ق‪00‬ال‬
‫في شرح المقاصد ( ‪ :)157-2/156‬ما ذهب إليه األشاعرة من أن أفعال هللا تعالى ليس‪00‬ت‬
‫معللة باألغراض يفهم من بعض أدلتهم عموم السلب ولزوم النفي‪ ،‬بمعنى أن‪0‬ه يمتن‪0‬ع أن‬
‫يكون شيء من أفعاله معلال بالغرض‪ ،‬ومن بعضها سلب العموم‪ 0‬ونفي اللزوم‪ ،‬بمع‪00‬نى أن‬
‫ذلك ليس بالزم في كل فعل‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫وبعد أن أورد التفتازاني األدلة الدالة على الوجه األول واألدلة الدال‪00‬ة على الوج‪00‬ه‬
‫الثاني قال‪ :‬والحق أن تعليل بعض األفعال سيما شرعية األحكام بالحكم والمص‪00‬الح ظ‪00‬اهر‬
‫كإيجاب الحدود والكفارات‪ ،‬و تحريم المسكرات‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬والنصوص أيضا ش‪00‬اهدة‬
‫بذلك كقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬وم‪00‬ا خلقت اإلنس والجن إال ليعب‪00‬دون) و(ومن ذل‪00‬ك كتبن‪00‬ا على ب‪00‬ني‬
‫إسرائيل) أآلية‪ ( ،‬فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي ال يكون على المؤمنين ح‪00‬رج‬
‫في أزواج أدعيائهم)‪ .‬ولهذا كان القياس حجة أال عند شرذمة ال يعتد بهم‪ .‬أم‪00‬ا تعميم ذل‪00‬ك‬
‫بأن ال يخلو فعل من أفعاله عن غرض فمحل بحث‪.‬‬
‫هذا ما تحرر لنا في هذه المسألة‪ .‬وهللا تعالى أعلم بالصواب‪.‬‬

‫‪411‬‬
412
‫تحقيق مسألة كالم هللا تعالى‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫اف‪00‬ترق المس‪00‬لمون في مس‪00‬ألة كالم هللا تع‪00‬الى ه‪00‬ل ه‪00‬و ق‪0‬ديم أو مخل‪00‬وق‪ ،‬وإذا ك‪00‬ان‬
‫قديما ً فما هو حقيقته إلى مذاهب شتى نبينها فيما يلي‪:‬‬
‫‪( -1‬إجمال المذاهب في مسألة خلق القرآن)‪.‬‬
‫أجمع أهل الس‪00‬نة س‪00‬لفهم وخلفهم على أن كالم هللا تع‪00‬الى وص‪00‬ف ق‪00‬ديم ق‪0‬ائم بذات‪00‬ه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وذهبت المعتزل‪00‬ة إلى أن كالم هللا تع‪00‬الى مخل‪00‬وق‪ ،‬وأن‪00‬ه ليس بق‪00‬ائم بذات‪00‬ه تع‪00‬الى‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن كالم هللا تعالى مؤلف من أصوات وح‪00‬روف مترتب‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬و ق‪00‬ائم بغ‪00‬يره تع‪00‬الى‪،‬‬
‫وأن معنى كونه متكلما ً كونه موجداً لتلك الحروف واألصوات في جسم ك‪00‬اللوح المحف‪00‬وظ‪0‬‬
‫أو جبريل أو النبي أو غيرها كشجرة موسى عليه الصالة والسالم‪ ،‬ف‪0‬أثبتوا هلل تعالى‪00‬الكالم‬
‫اللفظي فقط‪ ،‬ونفوا عنه الكالم النفسي‪ ،‬كما نفوا قي‪00‬ام الكالم بذات‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬وم‪00‬ذهبهم ه‪00‬ذا‬
‫مردود بأمور‪:‬‬
‫منها‪ ،‬أن‪0‬ه مخ‪0‬الف للغ‪0‬ة ف‪0‬أن هللا تع‪0‬الى وص‪0‬ف نفس‪0‬ه في كتاب‪0‬ه ب‪0‬الكالم‪ ،‬ووص‪0‬فه‬
‫أنبيائه بكونه متكلما ً والمتكلم في اللغة من قام به الكالم ال من أوج‪0‬د الكالم في غ‪0‬يره كم‪0‬ا‬
‫أن العالم والضارب من قام به العلم والضرب ال من أوجد العلم والضرب في غيره‪.‬‬
‫ومنه‪00‬ا‪ :‬أن هللا تع‪00‬الى آم‪00‬ر ن‪00‬اه مخ‪00‬بر واألم‪00‬ر والنهي واإلخب‪00‬ار من أن‪00‬واع الكالم‪،‬‬
‫واآلمر الناهي المخبر من قام به األمر والنهي والخبر‪ ،‬فقام الكالم بذاته تعالى وما قام به‬
‫تعالى قديم فكالم هللا تعالى قديم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن هذا المذهب مستلزم للتسلسل‪ ،‬وقد أوضحه اإلمام البيهقي في كتاب‪00‬ه “‬
‫األسماء والصفات “ (‪ )226‬بقوله‪ :‬قال هللا تعالى‪( :‬إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول‬
‫له كن فيكون ) فوكد القول بالتكرار‪ ،‬ووكد المعنى بإنما‪ ،‬وأخ‪00‬بر أن‪00‬ه إذا أراد خل‪00‬ق ش‪00‬يء‬
‫قال له‪ :‬كن‪ ،‬ولو كان قوله‪( :‬كن) مخلوقا ً لتعلق بقول آخر‪ ،‬وك‪00‬ذلك حكم ذل‪00‬ك الق‪00‬ول ح‪00‬تى‬
‫يتعلق بما ال يتناهى‪ ،‬وذلك يوجب استحالة الق‪00‬ول‪ ،‬وذل‪00‬ك مح‪00‬ال‪ .‬ف‪00‬وجب أن يك‪00‬ون الق‪00‬ول‬
‫آمرا أزليا متعلقا بالمكون فيما ال يزال‪ ،‬فال يكون ال يزال إال وهو كائن على مقتضى تعلق‬
‫األمر به‪ ،‬وهذا كما أن األمر من جهة صاحب الشرع متعل‪0‬ق اآلن بص‪0‬الة غ‪0‬د‪ ،‬وغ‪0‬د غ‪0‬ير‬
‫موجود‪ ،‬ومتعلق بمن لم يخلق من المكلفين إلى يوم القيام‪00‬ة‪ ،‬وبع‪ُ 0‬د لم يوج‪00‬د بعض‪00‬هم‪ ،‬إال‬
‫أن تعلقه بها وبهم على الشرط الذي يصح فيما بعد‪ ،‬كذلك قول‪00‬ه تع‪00‬الى في التك‪00‬وين‪ ،‬وهللا‬
‫أعلم‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وذهبت الكرامي‪00‬ة إلى أن كالم‪00‬ه تع‪00‬الى ص‪00‬فة ل‪00‬ه مؤلف‪00‬ة من الح‪00‬روف واألص‪00‬وات‬
‫الحادثة‪ .‬وقائمة بذاته تعالى‪ ،‬فجوزوا قيام الح‪00‬وادث بذات‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ،‬وه‪00‬ذا الم‪00‬ذهب م‪00‬ردود‬
‫بدليل امتناع قيام الحوادث بذات هللا تعالى‪.‬‬
‫ف‪00‬الكالم على ه‪00‬ذين الم‪00‬ذهبين الق‪00‬ائلين بحدوث‪00‬ه عب‪00‬ارة عن األص‪00‬وات والح‪00‬روف‬
‫والكلمات اللفظية‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫هذا هو الخالف اإلجمالي بين الفرق اإلسالمية في مسألة الكالم‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل السنة في أن كالم هللا القديم القائم بذاته تعالى ما ه‪00‬و إلى م‪00‬ذاهب‬
‫شتى ونبين هذه المذاهب فيما بعد إن شاء هللا تعالى‪.‬‬
‫‪{-2‬نظرة إلى مسألة خلق القرآن من الجهة التاريخية}‬
‫وقبل ذل‪0‬ك نري‪0‬د أن نتع‪0‬رض للمس‪0‬ألة من الجه‪0‬ة التاريخي‪0‬ة‪ ،‬م‪0‬تى نش‪0‬أت؟ وممن؟‬
‫وكيف تطورت وص‪0‬ارت م‪0‬دار للص‪0‬راع الع‪0‬نيف بين الف‪0‬رق اإلس‪0‬المية؟ كم‪0‬ا ص‪0‬ارت أح‪0‬د‬
‫أسباب الجرح والتعديل بين المحدثين‪ ،‬فنقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫مس‪00‬ألة خل‪00‬ق الق‪00‬رآن لم تكن معروف‪00‬ة على عه‪00‬د الص‪00‬حابة رض‪00‬وان تع‪00‬الى عليهم‬
‫أجمعين‪ ،‬وإنما حدثت بعد انقضاء عصرهم‪.‬‬
‫قال البيهقي في “ األسماء والصفات “ (‪ )244‬قال أبو أحمد بن عدي الحاف‪00‬ظ‪ :‬ال‬
‫يعرف للصحابة رضي هللا تعالى عنهم الخوض في القرآن‪ ،‬قلت‪ :‬إنما أراد ب‪0‬ه أن‪0‬ه لم يق‪0‬ع‬
‫في الصدر األول وال الث‪0‬اني من ي‪0‬زعم‪ :‬أن الق‪0‬رآن مخل‪0‬وق‪ ،‬ح‪0‬تى يحت‪0‬اج إلى إنك‪0‬اره‪ ،‬فال‬
‫يثبت عنهم شيء بهذا اللفظ الذي روينا (يعني أن كالم هللا غير مخلوق)‪.‬‬
‫‪{-3‬أول من بخل‪00‬ق الق‪00‬رآن الجع‪00‬د بن درهم‪ ،‬وأول من ق‪00‬ال‪ :‬الق‪00‬رآن غ‪00‬ير مخل‪00‬وق‬
‫اإلمام جعفر الصادق}‬
‫أم‪000‬ا أول من ق‪000‬ال بخل‪000‬ق الق‪000‬رآن فه‪000‬و الجع‪000‬د بن درهم‪ ،‬وتابع‪000‬ه عليهم جهم بن‬
‫صفوان‪ ،‬ثم بشر المريسي‪ ،‬ثم سائر المعتزلة‪.‬‬
‫وأول من حفظ أنه قال‪ :‬القرآن غير مخل‪00‬وق ه‪00‬و اإلم‪00‬ام جعف‪00‬ر الص‪00‬ادق بن اإلم‪00‬ام‬
‫محمد الباقر‪ ،‬وتابعه عليه علماء األمصار‪.‬‬
‫قال البيهقي (‪ )253‬أخبرنا محمد بن عبد الحافظ ق‪0‬ال س‪00‬معت أب‪00‬ا جعف‪0‬ر محم‪00‬د بن‬
‫ص‪00‬الح بن ه‪00‬انئ يق‪00‬ول‪ :‬س‪00‬معت محم‪00‬د بن علي المش‪00‬يخاني يق‪00‬ول‪ :‬س‪00‬معت محم‪00‬د بن‬
‫إسماعيل البخاري يقول‪ :‬القرآن كالم هللا غير مخلوق‪ ،‬علي‪00‬ه أدركن‪0‬ا علم‪00‬اء الحج‪00‬از أه‪0‬ل‬
‫مكة والمدينة‪ ،‬وأهل الكوفة والبصرة‪ ،‬وأهل الشام ومصر‪ ،‬و علماء أهل خراسان‪.‬‬
‫ثم قال البيهقي (‪ :)254‬وحدثني أبو جعفر محمد بن عبد هللا قال حدثني محم‪00‬د بن‬
‫قدامة الدالل األنصاري‪ :‬قال سمعت وكيع‪0‬ا ً يق‪00‬ول‪ :‬ال تس‪00‬تخفوا بق‪00‬ولهم‪ :‬الق‪00‬رآن مخل‪00‬وق‪،‬‬
‫فإنه من شر قولهم‪ ،‬وإنما يذهبون إلى التعطيل‪.‬‬
‫قلت (القائ‪00‬ل ه‪00‬و ال‪00‬بيهقي)‪ :‬وق‪00‬د روين‪00‬ا نح‪00‬و ه‪00‬ذا عن جماع‪00‬ة آخ‪00‬رين من فقه‪00‬اء‬
‫األمصار وعلمائهم رضي هللا تعالى عنهم‪،‬ولم يصح عندنا خالف ه‪0‬ذا الق‪0‬ول عن أح‪0‬د من‬
‫الناس في زمن الصحابة والتابعين رضي هللا تعالى عنهم أجمعين‪.‬‬
‫وأول من خالف الجماعة في ذل‪00‬ك الجع‪00‬د بن درهم‪ ،‬ف‪00‬أنكر علي‪00‬ه خال‪00‬د بن عب‪00‬د هللا‬
‫القسري وقتله (بواسط)‪.‬‬
‫وقال البيهقي (‪ :)247‬أخبرن‪00‬ا أب‪00‬و عب‪00‬د هللا الحاف‪00‬ظ‪ :‬أخ‪00‬برني أحم‪00‬د بن محم‪00‬د ابن‬
‫عبدوس‪ :‬قال‪ :‬سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول‪ :‬سمعت علي ‪0‬ا ً –يع‪00‬ني ابن الم‪00‬ديني‪-‬‬
‫يقول في حديث جعفر بن محمد‪ :‬ليس القرآن بخ‪0‬الق وال مخل‪00‬وق‪ ،‬ولكن‪00‬ه كالم هللا تع‪00‬الى‪:‬‬
‫قال علي‪ :‬ال أعلم أنه تكلم بهذا الكالم في زمان أقدم من هذا‪ ،‬قال علي‪ :‬هو كفر‪ ،‬ق‪00‬ال أب‪00‬و‬
‫سعيد‪ :‬يعني من قال‪ :‬القرآن مخلوق فهو كافر‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫قال الكوثري في تأنيب الخطيب (‪ :)108-107-106‬قال ابن أبي حاتم في كتاب “‬
‫الرد على الجهمي‪00‬ة “ س‪00‬معت أبي يق‪00‬ول‪ :‬أول من أتى بخل‪00‬ق الق‪00‬رآن الجع‪00‬د بن درهم في‬
‫سنة ني‪00‬ف وعش‪00‬رين ومائ‪00‬ة‪ ،‬ثم جهم بن ص‪00‬فوان ثم بع‪00‬دهما بش‪00‬ر بن غي‪00‬اث (المريس‪00‬ي)‬
‫وق‪00‬ال الاللك‪00‬ائي في “ ش‪00‬رح الس‪00‬نة “ ‪ :‬وال خالف بين األم‪00‬ة أن أول من ق‪00‬ال‪ :‬الق‪00‬رآن‬
‫مخلوق‪ ،‬الجعد بن درهم في سنة نيف وعشرين ومائة‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫وألقي القبض على جعد في سنة ‪128‬هـ‪ ،‬وكان قتله أيضا ً في تل‪00‬ك الس‪00‬نة على م‪00‬ا‬
‫يذكره ابن جرير‪.‬‬
‫ولم يح‪00‬ل قت‪00‬ل جع‪00‬د دون ش‪00‬يوع رأي‪00‬ه في الق‪00‬رآن‪ ،‬ف‪00‬افتتن ب‪00‬ه أن‪00‬اس وش‪00‬ايعه‬
‫مشايعون‪ ،‬ونافره منافرون‪ ،‬فحصلت الحي‪00‬دة عن الع‪00‬دل إلى إف‪00‬راط وإلى تفري‪00‬ط من غ‪00‬ير‬
‫معرفة كثير منهم لمغزى هذا المبتدع‪ ،‬أناس جاروه في نفي الكالم النفسي‪ ،‬وأناس ق‪00‬الوا‬
‫في معاكسته‪ :‬بقدم الكالم اللفظي‪.‬‬
‫ولما رئي أبو حنيفة ذلك تدارك األمر وأبان الحق‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ما قام باهلل غير مخلوق‪ ،‬وما قام بالخلق مخلوق‪.‬‬
‫يريد أن كالم هللا باعتبار قيامه باهلل صفة له كباقي صفاته في القدم‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا م‪00‬ا في ألس‪00‬نة الت‪00‬الين وأذه‪00‬ان الحف‪00‬اظ والمص‪00‬احف من األص‪00‬وات والص‪00‬ور‬
‫الذهني‪00‬ة والنق‪00‬وش فمخلوق‪00‬ة كخل‪00‬ق حامله‪00‬ا‪ ،‬فاس‪00‬تقرت آراء أه‪00‬ل العلم والفهم على ذل‪00‬ك‬
‫بعده‪ ،‬انتهى كالم الكوثري‪.‬‬
‫(مسألة اللفظ)‬
‫وهكذا مضى السلف على القول بأن الق‪00‬رآن غ‪00‬ير مخل‪00‬وق‪ ،‬وعلى تب‪00‬ديع أو تكف‪00‬ير‬
‫من ق‪00‬ال بخل‪00‬ق الق‪00‬رآن‪ ،‬وك‪00‬ان ذل‪00‬ك منهم ب‪00‬دون بحث وتنقيب عن األش‪00‬ياء الغامض‪00‬ة في‬
‫المسألة‪ ،‬وبدون تشقيق لها على طريق‪0‬ة علم‪00‬اء الكالم‪ .‬ق‪0‬ال اإلم‪00‬ام البخ‪0‬اري في كتاب‪0‬ه “‬
‫خلق أفعال العباد “ (‪.)62‬‬
‫المع‪00‬روف عن أحم‪00‬د وأه‪00‬ل العلم أن كالم هللا غ‪00‬ير مخل‪00‬وق‪ ،‬وم‪00‬ا س‪00‬واه مخل‪00‬وق‪،‬‬
‫وأنهم كره‪00‬وا البحث والتنقيب عن األش‪00‬ياء الغامض‪00‬ة‪ ،‬وتجنب‪00‬وا أه‪00‬ل الكالم والخ‪00‬وض‬
‫والتنازع إال فيما جاء فيه العلم‪،‬وبينه رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وهكذا مضى السلف على القول بأن القرآن غير مخلوق‪ ،‬ولم ينق‪00‬ل عن أح‪00‬د منهم‬
‫أنه فرق بين المتلو والتالوة‪ ،‬وق‪0‬ال ب‪0‬أن المتل‪0‬و ق‪0‬ديم والتالوة حادث‪0‬ة إال م‪0‬ا نق‪0‬ل عن أبي‬
‫حنيفة رضي هللا عنه من اإلشارة إلى ذلك بقوله‪( :‬ما ق‪00‬ام باهلل تع‪00‬الى غ‪00‬ير مخل‪00‬وق‪ ،‬وم‪00‬ا‬
‫قام بالخلق مخلوق)‪ ،‬وهو كالم يستحق أن يكتب بماء الذهب‪.‬‬
‫‪{-4‬أول من قال‪ :‬لفظي بالقرآن مخلوق الحسين بن علي الكرابيسي}‬
‫واستمر الحال على ذلك إلى أن جاء الحسين بن علي الكرابيسي‪ ،‬وكان –كما قال‬
‫تاج الدين السبكي في (طبقات الشافعية (‪ )119-2/118‬من متكلمي أهل السنة أستاذاً في‬
‫علم الكالم‪ ،‬كما هو أستاذ في الحديث والفقه‪ ،‬ول‪00‬ه كت‪00‬اب في المق‪00‬االت ه‪00‬و عم‪00‬دة من أتى‬
‫بعده في معرفة الفرق اإلسالمية‪.‬‬
‫وق‪00‬ال ال‪00‬ذهبي في “ س‪00‬ير أعالم النبالء “ (‪ )82-12/80‬وك‪00‬ان الكرابيس‪00‬ي من‬
‫بحور العلم ذكيا ً فطنا ً فصيحا ً لسنا‪ ،‬تصانيفه في الفروع واألصول تدل على تبحره‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫فأظهر الكرابيس مسألة اللفظ‪ ،‬وف‪00‬رق بين المتل‪00‬و والتالوة‪ ،‬وق‪00‬ال‪ :‬لفظي ب‪00‬القرآن‬
‫مخلوق‪ ،‬قال الذهبي في تاريخ اإلسالم (‪ :)18/84‬وأول من أظهر اللفظ الحس‪00‬ين بن علي‬
‫الكرابيسي‪ ،‬وكان ذلك في سنة أربع وثالثين ومائتين‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وتابع الكرابيسي في مقالته ه‪00‬ذه كث‪00‬ير من األئم‪00‬ة‪ :‬عب‪00‬د هللا بن كالب‪ ،‬وأب‪00‬و ث‪00‬ور‪،‬‬
‫وداود بن علي و طبقاتهم‪ ،‬قاله ابن عبد البر في االنتفاء ( ‪ ،)106‬وقال تاج الدين السبكي‬
‫في طبقات الش‪0‬افعية (‪ :)119-2/118‬ومقال‪0‬ة الحس‪0‬ين ه‪0‬ذه ق‪0‬د نق‪00‬ل مثله‪00‬ا عن البخ‪00‬اري‬
‫والحارث بن أسد المحاسبي‪ ،‬ومحمد بن نصر ال َم ْر َوزي وغيرهم‪.‬‬
‫فلما بلغت مقالة الكرابيسي هذه اإلمام أحمد أنكرها وهجره من أجل ذلك‪ ،‬فكان كل‬
‫واحد منهما يتكلم في اآلخر‪ ،‬فتجنب الناس أخذ الحديث عن الكرابيسي لهذا الس‪00‬بب‪ ،‬فع‪00‬ز‬
‫حديثه‪.‬‬
‫قال الذهبي في السير (‪ )82-12/81‬ق‪00‬ال الحس‪00‬ين في الق‪00‬رآن‪ :‬لفظي ب‪00‬ه مخل‪00‬وق‪،‬‬
‫فبلغ قوله أحمد فأنكره‪ ،‬وقال‪ :‬هذه بدعة‪ ،‬فأوضح حسين المسألة‪ ،‬وقال‪ :‬تلفظ‪0‬ك ب‪0‬القرآن‬
‫غير الملفوظ‪ ،‬وق‪00‬ال في أحم‪00‬د‪ :‬أي ش‪00‬يء نعم‪00‬ل به‪00‬ذا الف‪00‬تى؟ إن قلن‪0‬ا مخل‪00‬وق ق‪0‬ال‪:‬‬ ‫يعني َ‬
‫بدعة‪ ،‬وإن قلنا‪ :‬غير مخلوق‪ ،‬قال‪ :‬بدع‪00‬ة‪ ،‬فغض‪00‬ب ألحم‪00‬د أص‪00‬حابه ون‪00‬الوا من الحس‪00‬ين‪،‬‬
‫وقال أحمد إنما بالؤهم من هذه الكتب التي وضعوها‪ ،‬وتركوا اآلثار‪.‬‬
‫ق‪00‬ال ابن ع‪00‬دي‪ :‬س‪00‬معت محم‪00‬د بن عب‪00‬د هللا الص‪00‬يرفي الش‪00‬افعي يق‪00‬ول لتالمذت‪00‬ه‪:‬‬
‫اعتبروا بالكرابيسي وأبو ثور‪ ،‬فالحسين في علمه وحفظ‪0‬ه ال يعش‪0‬ره أب‪00‬و ث‪00‬ور فتكلم في‪00‬ه‬
‫أحمد بن حنبل في باب مسألة اللفظ فسقط‪ ،‬وأثنى على أبي ثور فارتفع للزومه السنة‪.‬‬
‫مات الكرابيسي سنة ثمان وأربعين‪ ،‬وقيل‪ :‬خمس وأربعين ومائتين‪.‬‬
‫ثم قال الذهبي‪ :‬وال ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وح‪00‬رره في مس‪00‬ألة اللف‪00‬ظ‪ ،‬وأن‪00‬ه‬
‫مخلوق هو حق لكن أباه اإلمام أحمد لئال يتذرع به إلى الق‪00‬ول بخل‪00‬ق الق‪00‬رآن‪ ،‬فس‪00‬د الب‪00‬اب‬
‫ألنك ال تق‪0‬در أن تف‪0‬رز اللف‪0‬ظ من الملف‪0‬وظ ال‪0‬ذي ه‪0‬و كالم هللا إال في ذهن‪0‬ك‪ .‬أق‪0‬ول‪ :‬الف‪0‬رق‬
‫بينهما ليس ذهنيا فقط ألن ما قام باهلل تعالى أمر مغاير في الخ‪0‬ارج لم‪0‬ا ق‪0‬ام باإلنس‪0‬ان من‬
‫اللفظ‬
‫ً‬
‫وقال الذهبي أيضا في السير (‪:)290-11/288‬‬
‫قلت‪ :‬الذي استقر عليه الحال أن أبا عبد هللا (أحمد بن حنبل) كان يقول‪ :‬من ق‪00‬ال‪:‬‬
‫لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع‪ ،‬وأن‪0‬ه ق‪0‬ال‪ :‬من ق‪0‬ال‪ :‬لفظي ب‪0‬القرآن مخل‪0‬وق فه‪0‬و‬
‫جهمي‪ ،‬فكان رحمه هللا ال يقول هذا وال هذا‪.‬‬
‫وربما أوض‪00‬ح ذل‪00‬ك فق‪00‬ال‪ :‬من ق‪00‬ال‪ :‬لفظي ب‪00‬القرآن مخل‪00‬وق يري‪00‬د ب‪00‬ه الق‪00‬رآن فه‪00‬و‬
‫جهمي‪ ،‬قال البيهقي في األسماء والصفات (‪ :)266‬ه‪00‬ذا تقيي‪00‬د حفظ‪00‬ه عن‪00‬ه ابن‪00‬ه عب‪00‬د هللا‬
‫وه‪0‬و قول‪0‬ه‪ :‬يري‪0‬د ب‪0‬ه الق‪0‬رآن‪ ،‬فق‪0‬د غف‪0‬ل عن‪0‬ه غ‪0‬يره ممن حكي عن‪0‬ه في اللف‪0‬ظ خالف م‪0‬ا‬
‫حكيناه‪ ،‬حتى نسب إليه ما يتبرأ منه فيما ذكرناه‪.‬‬
‫ثم قال الذهبي‪ :‬فقد كان ه‪00‬ذا اإلم‪00‬ام ال ي‪00‬رى الخ‪00‬وض في ه‪00‬ذا البحث خوف‪0‬ا ً من أن‬
‫يتذرع به إلى القول بخلق القرآن‪ ،‬والكف عن هذا أولى ‪...‬‬
‫ومعلوم أن التلفظ شيء من كس‪0‬ب الق‪0‬ارئ غ‪00‬ير الملف‪00‬وظ‪ ،‬والق‪00‬راءة غ‪0‬ير الش‪0‬يء‬
‫المقروء‪ ،‬والتالوة وحسنها وتجويدها غير المتلو‪ ،‬وصوت القارئ من كسبه‪ ،‬فهو يحدث‬

‫‪416‬‬
‫التلفظ والصوت والحرك‪0‬ة والنط‪0‬ق‪ ،‬وإخ‪0‬راج الكلم‪0‬ات من أدواته‪0‬ا المخلوق‪0‬ة‪ ،‬ولم يح‪0‬دث‬
‫كلمات القرآن وال ترتيبه‪ ،‬وال تأليفه وال معانيه‪.‬‬
‫فلقد أحسن اإلمام أبو عبد هللا حيث منع من الخ‪00‬وض في المس‪00‬ألة من الط‪00‬رفين إذ‬
‫كل من إطالق الخلقية وعدمها على اللفظ موهم ولم يأت ب‪00‬ه كت‪00‬اب وال س‪00‬نة‪ ،‬ب‪00‬ل ال‪00‬ذي ال‬
‫نرتاب في‪00‬ه أن الق‪00‬رآن كالم هللا م‪00‬نزل غ‪00‬ير مخل‪00‬وق‪ .‬وق‪00‬ال في ت‪00‬اريخ اإلس‪00‬الم (‪:)18/86‬‬
‫اللفظ قدر مشترك بين هذا وهذا أي بين الملفوظ الذي هو كالم هللا والتلفظ الذي هو كسب‬
‫الق‪00‬ارئ –ول‪00‬ذا لم يج‪00‬وز اإلم‪00‬ام أحم‪00‬د لفظي ب‪00‬القرآن مخل‪00‬وق وال غ‪00‬يرمخلوق إذ ك‪00‬ل من‬
‫اإلطالقين موهم‪.‬‬
‫وقال تاج الدين السبكي في الطبقات (‪:)119-2/118‬‬
‫وال‪00‬ذي عن‪00‬دنا أن أحم‪00‬د رض‪00‬ي هللا عن‪00‬ه أش‪00‬ار بقول‪00‬ه ه‪00‬ذه بدع‪00‬ة إلى الج‪00‬واب عن‬
‫مسألة اللفظ‪ ،‬إذ ليس مما يعني المرء‪ ،‬وخوض المرء فيما ال يعنيه من علم الكالم بدعة‪،‬‬
‫فكان السكوت عن الكالم فيه أجمل وأولى‪ ،‬وال يظن بأحمد أنه يدعي أن اللفظ الخارج من‬
‫الشفتين قديم ‪ ..‬ثم قال‪:‬‬
‫وبما قال أحمد نقول‪ ،‬فنقول‪ :‬الصواب عدم الكالم في المسألة رأسا ً ما لم ت‪00‬دع إلى‬
‫الكالم حاجة ماسة‪.‬‬
‫وأما البخاري فكان يرى ما ذهب إليه الكرابيسي من غ‪00‬ير أن يص‪00‬رح ب‪00‬ه ب‪00‬ل ك‪00‬ان‬
‫يش‪00‬ير إلي‪00‬ه بقول‪00‬ه‪ :‬أفع‪00‬ال العب‪00‬اد مخلوق‪00‬ة‪ ،‬وك‪00‬ان ذل‪00‬ك من‪00‬ه خوف ‪0‬ا ً من ال‪00‬رأي الع‪00‬ام عن‪00‬د‬
‫المحدثين المنكرين على من يتكلم بمثل هذا الكالم‪.‬‬
‫وقال الذهبي في السير (‪ :)11/510‬وأما البخاري فكان من كبار األذكياء فقال‪ :‬ما‬
‫قلت‪ :‬ألفاظنا ب‪00‬القرآن مخلوق‪00‬ة‪ ،‬وإنم‪00‬ا حرك‪00‬اتهم وأص‪00‬واتهم وأفع‪00‬الهم مخلوق‪00‬ة‪ ،‬والق‪00‬رآن‬
‫المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كالم هللا غير مخل‪00‬وق‪ ،‬وص‪00‬نف في ذل‪00‬ك‬
‫كتاب “ أفعال العباد “ مجلد‪ ،‬فأنكر عليه طائفة وما فهموا مرامه كالذهلي‪ ،‬وأبي زرعة‪،‬‬
‫وأبي حاتم‪ ،‬وأبو بكر األعين وغ‪0‬يرهم‪ ،‬ومث‪0‬ل م‪0‬ا قال‪00‬ه ال‪0‬ذهبي مم‪00‬ا نقلن‪0‬اه عن‪0‬ه هن‪0‬ا ق‪0‬ال‬
‫البيهقي في كتابه األسماء والصفات‪ ،‬انظر (‪.)266-260‬‬
‫وأما اإلمام مسلم بن الحجاج فكان يظهر ه‪00‬ذا الق‪00‬ول وال يكتم‪00‬ه (انظ‪00‬ر س‪00‬ير أعالم‬
‫النبالء ‪.)12/572‬‬
‫[مذاهب فرق أهل السنة في الكالم القديم]‬
‫وقد اختلف علماء أهل السنة في أن القرآن الق‪00‬ديم الق‪00‬ائم بذات‪00‬ه تع‪00‬الى عب‪00‬ارة عن‬
‫أي شيء هو؟‪.‬‬
‫(مذهب جمهور السلف في الكالم القديم)‬
‫فالسلف الذين تقدم ذكرهم ونقلن‪00‬ا كالمهم آنف‪0‬ا ً على أن الق‪00‬رآن ال‪00‬ذي ق‪00‬الوا بقدم‪00‬ه‬
‫عبارة عن اللفظ العربي المنزل على محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‪ ،‬فهم على أن‬
‫القديم القائم بذاته تعالى هو لفظ الق‪00‬رآن‪ ،‬وقي‪00‬ام لفظ‪00‬ه يس‪00‬تلزم قي‪00‬ام معن‪00‬اه ب‪00‬ه تع‪00‬الى ألن‬
‫المعنى ه‪0‬و األص‪0‬ل‪ ،‬ب‪0‬ل الق‪0‬رآن عب‪0‬ارةعن اللف‪0‬ظ والمع‪0‬نى مع‪0‬اً‪ ،‬لكنهم لم يص‪0‬رحوا بقي‪0‬ام‬
‫المعنى به تعالى لظهوره‪ ،‬وألنه لم يكن من عادتهم تشقيق الكالم‪،‬‬

‫‪417‬‬
‫وليس القرآن عند هؤالء السلف عبارة عن المعنى النفسي فقط كما ذهب إليه عبد‬
‫هللا بن سعيد بن كالب وجمهور األشاعرة‪ ،‬والدليل على ذلك أمور‪.‬‬
‫األول‪ :‬أنه عندما ن‪00‬دقق النظ‪00‬ر في تعب‪00‬يراتهم وفي س‪00‬ياق كالمهم ن‪00‬رى أنهم ك‪00‬انوا‬
‫يقصدون القرآن المنزل على محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم وهو اللفظ العربي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن إنكار بعضهم كاإلمام أحمد رضي هللا عنه على من ق‪00‬ال‪ :‬لفظي ب‪00‬القرآن‬
‫مخلوق‪ ،‬وتحرج بعضهم عن ذلك كان ألجل إيهام ه‪00‬ذا الكالم أن الملف‪00‬وظ مخل‪00‬وق‪ ،‬وألن‪00‬ه‬
‫قد يتذرع به إلى القول بخلق الملفوظ‪ ،‬مع أن الملف‪00‬وظ عن‪00‬دهم ق‪00‬ديم‪ ،‬والملف‪00‬وظ إنم‪00‬ا ه‪00‬و‬
‫الكالم اللفظي‪ ،‬وأما الكالم النفسي الذي هو عبارة عن معنى الملفوظ فال يمكن التلفظ به‪،‬‬
‫وكذلك قول من قال‪ :‬لفظي بالقرآن مخلوق حيث قال ذلك‪ ،‬وتحرج عن أن يقول‪ :‬ملفوظي‬
‫مخلوق ليس إال ألن الملفوظ عنده غير مخلوق‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه لم تجر المحنة التاريخية المعروفة بمحنة خلق القرآن على أهل السنة‬
‫إال المتناعهم عن القول بخلق القرآن بمعنى اللفظ المنزل‪ ،‬ف‪0‬إن ذل‪0‬ك ه‪0‬و ال‪0‬ذي ك‪0‬ان يري‪0‬د‬
‫المعتزلة من أهل السنة القول به‪ ،‬ألن المعتزلة لم يقولوا إال بالكالم اللفظي دون النفسي‪،‬‬
‫فلو كان السلف قائلين بقدم الكالم النفسي‪ ،‬وحدوث اللفظي كم‪00‬ا علي‪00‬ه جمه‪00‬ور األش‪00‬اعرة‬
‫لكانوا موافقين للمعتزلة في حدوث الكالم اللفظي‪ ،‬ولم‪00‬ا ج‪00‬رت عليهم المحن‪00‬ة المعروف‪00‬ة‪.‬‬
‫وليس الكالم عند السلف عب‪00‬ارة عن الح‪00‬روف واألص‪00‬وات ح‪00‬تى يل‪00‬زم حدوث‪00‬ه‪ ،‬وذل‪00‬ك ألن‬
‫الحروف واألصوات البد فيها من الترتيب والتقدم والتأخر واالبتداء واالنقضاء‪ ،‬وه‪00‬ذه ال‬
‫تكون إال في الحادث‪ ،‬بل الكالم عندهم عبارة عن األلف‪00‬اظ النفس‪00‬ية ب‪00‬ترتيب وتق‪00‬دم وت‪00‬أخر‬
‫ذاتي ال زماني‪ ،‬وبدون ابتداء وال انقضاء‪ ،‬وبدون أصوات‬
‫ق‪000‬ال العالم‪000‬ة المحق‪000‬ق البياض‪000‬ي في “ إش‪000‬ارات الم‪000‬رام “ (‪ :)169‬ق‪000‬ال بعض‬
‫المحققين‪ :‬ليس معناه أنه ليس بين أجزائه ترتب وضعي‪ ،‬وهيئة تأليفية‪ ،‬كيف والحروف‬
‫بدون‪00‬ه ال تك‪00‬ون كلم‪00‬ة‪ ،‬والكلم‪00‬ة بدون‪00‬ه ال تك‪00‬ون كالم‪0‬اً‪ ،‬والدالل‪00‬ة على المع‪00‬اني الوض‪00‬عية‬
‫والمزايا الخطابية ال يتم بدونه‪ ،‬بل معن‪00‬اه أن‪0‬ه ليس بينه‪0‬ا ت‪0‬رتيب في الوج‪0‬ود‪ ،‬وال تع‪0‬اقب‬
‫فيه حتى يكون وجود بعضها مشروطا ً بانقضاء البعض كما في القراءة‪ ،‬فإن‪00‬ه ال يمكن أن‬
‫يتلفظ ببعض الحروف ما لم يفرغ من بعضها لعدم مساعدة اآلالت للتلفظ بجميع الحروف‬
‫معاً‪ ،‬بخالف وجوده‪00‬ا في ذات الب‪00‬اري تع‪00‬الى‪ ،‬ف‪00‬إن وج‪00‬ود جميعه‪00‬ا هن‪00‬اك مع‪0‬ا ً الزم لذات‪00‬ه‬
‫تعالى دائم بدوامه‪ ،‬فال يلزم حدوث شيء منه‪00‬ا‪ ،‬ومم‪00‬ا يح‪00‬اكي ذل‪00‬ك محاك‪00‬اة بعي‪00‬دة وج‪00‬ود‬
‫األلف‪00‬اظ في نفس الحاف‪00‬ظ‪ ،‬ف‪00‬إن جمي‪00‬ع الح‪00‬روف بهيئاته‪00‬ا التأليفي‪00‬ة العارض‪00‬ة لمواده‪00‬ا‬
‫ومركباتها المحفوظ‪0‬ة‪ 0‬في نفس‪00‬ه مجتمع‪00‬ة الوج‪00‬ود فيه‪00‬ا‪ ،‬وليس وج‪00‬ود بعض‪00‬ها مش‪00‬روطا ً‬
‫بانقضاء البعض وانعدامه عن نفسه ‪ ..‬فبطل ما يت‪00‬وهم من أن‪00‬ه إذا لم يكن ت‪00‬رتيب ال يبقى‬
‫فرق بين ملع ولمع ونظائرهما‪.‬‬
‫وقال اإلمام البيهقي في كتاب “ األسماء والصفات “ (‪:)273‬‬
‫الكالم هو نطق نفس المتكلم بدليل م‪00‬ا روين‪00‬ا عن أم‪00‬ير المؤم‪00‬نين عم‪00‬ر رض‪00‬ي هللا‬
‫عنه في حديث السقيفة‪ :‬فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر رضي هللا تع‪00‬الى عنهم‪00‬ا‪ ،‬فك‪00‬ان‬
‫عمر يقول‪ :‬وهللا ما أردت بذلك إال أني قد هيأت كالما ً أعجبني‪.‬‬

‫‪418‬‬
‫وفي رواية أخرى‪ :‬وكنت زودت مقال‪00‬ة أعجبت‪00‬ني‪ ،‬فس‪00‬مى تزوي‪00‬ر الكالم في نفس‪00‬ه‬
‫كالما ً قبل التلفظ به‪.‬‬
‫ثم إن كان المتكلم ذا مخ‪00‬ارج س‪00‬مع كالم‪00‬ه ذا ح‪00‬روف وأص‪00‬وات‪ ،‬وإن ك‪00‬ان المتكلم‬
‫غير ذي مخارج سمع كالم‪0‬ه غ‪0‬ير ذي ح‪0‬روف وأص‪00‬وات‪ ،‬والب‪00‬اري ج‪0‬ل ثنائ‪0‬ه ليس ب‪00‬ذي‬
‫مخارج وكالمه ليس بحروف وأصوات‪ ،‬فإذا فهمناه ثم تلوناه تلوناه بحروف وأصوات‪.‬‬
‫(مذهب اإلمام أحمد في الكالم القديم)‬
‫وأما مذهب اإلمام أحمد فقد ثبت عنه بطرق ص‪00‬حيحة أن‪00‬ه ك‪00‬ان يق‪00‬ول‪ :‬الق‪00‬رآن من‬
‫(ولَئِ ِن اتَّبَعْتَ أَ ْه‪َ 0‬‬
‫‪0‬وا َء ُه ْم بَ ْع‪َ 0‬د الَّ ِذي‬ ‫علم هللا‪ ،‬واس‪00‬تدل على ذل‪00‬ك بالكت‪00‬اب مث‪00‬ل قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫اجكَ فِي ِه ِمنْ بَ ْع ِد َما َج‪ 0‬ا َءكَ‬ ‫َجا َء َك ِمنَ ا ْل ِع ْل ِم) (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )120‬وقوله تعالى‪( :‬فَ َمنْ َح َّ‬
‫ِمنَ ا ْل ِع ْل ِم) (آل عم‪0000‬ران‪ :‬من اآلية‪ )61‬وق‪0000‬ال‪ :‬الق‪0000‬رآن من علم هللا فمن زعم أن علم هللا‬
‫مخلوق فهو كافر باهلل العظيم‪ ،‬وانظ‪00‬ر الش‪00‬ريعة لآلج‪00‬ري (‪ )72-71‬وحلي‪00‬ة األولي‪00‬اء ألبي‬
‫نعيم (‪ )9/219‬وت‪00‬اريخ بغ‪00‬داد للخطيب البغ‪00‬دادي‪ )4/375( 0‬ومن‪00‬اقب اإلم‪00‬ام أحم‪00‬د البن‬
‫الجوي (‪ ،)435-433‬وسير أعالم النبالء للذهبي (‪ )286-245-11/243‬وتاريخ اإلسالم‬
‫للذهبي (‪ )101-99-18‬وطبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي‪.‬‬
‫قال الذهبي في س‪00‬ير أعالم النبالء (‪ :)11/286‬ق‪00‬ال اإلم‪00‬ام أحم‪00‬د في آخ‪00‬ر رس‪00‬الة‬
‫أمالها على ابنه عبد هللا ‪ ..‬القرآن من علم هللا ‪ ..‬وقد روي عن غير واحد ممن مضى من‬
‫سلفنا أنهم ك‪00‬انوا يقول‪00‬ون‪ :‬الق‪00‬رآن كالم هللا غ‪00‬ير مخل‪00‬وق‪ ،‬وه‪00‬و ال‪00‬ذي أذهب إلي‪00‬ه‪ ،‬لس‪00‬ت‬
‫بصاحب كالم‪ ،‬وال أدري الكالم في شيء من ه‪00‬ذا إال م‪00‬ا ك‪00‬ان في كت‪00‬اب هللا‪ ،‬أو في ح‪00‬ديث‬
‫رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين‪ ،‬فأما غير ذلك ف‪00‬إن‬
‫الكالم فيه غير محمود‪ ،‬ثم قال الذهبي‪ :‬فهذه الرسالة إسنادها كالشمس‪.‬‬
‫وقال في تاريخ اإلسالم (‪:)386-18‬‬
‫قلت‪ :‬رواة هذه الرسالة عن أحمد أئمة أثب‪00‬ات‪ ،‬أش‪00‬هد باهلل أن‪00‬ه أماله‪00‬ا على ول‪00‬ده‪،‬‬
‫ورواها أبو نعيم في حلية األولياء وابن الجوزي في مناقب اإلمام أحمد ‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫وقد تابع اإلمام أحمد على أن الق‪00‬رآن من علم هللا تع‪00‬الى ابن ح‪00‬زم في “ الفص‪00‬ل “‬
‫وفي “ الدرة “ ‪.‬‬
‫وإذا ك‪00‬ان الق‪00‬رآن عن‪00‬د اإلم‪00‬ام أحم‪00‬د من علم هللا‪ ،‬وال ريب أن علم هللا تع‪00‬الى ليس‬
‫عب‪00‬ارة عن الح‪00‬روف واألص‪00‬وات‪ ،‬ف‪00‬القرآن عن‪00‬ده على ه‪00‬ذا ليس عب‪00‬ارة عن الح‪00‬روف‬
‫واألصوات والقرآن من كالم هللا تعالى‪ ،‬فكالم هللا ليس عبارة عن الحروف واألصوات‪.‬‬
‫لكنه قد جاء عن اإلمام أحمد أن هللا يتكلم بصوت‪ ،‬قال الذهبي في ت‪00‬اريخ اإلس‪00‬الم‬
‫(‪ :)18/88‬قال عبد هللا بن اإلمام أحمد في كتاب “ ال‪00‬رد على الجهمي‪00‬ة “ تأليف‪00‬ة‪ :‬س‪00‬ألت‬
‫أبي عن قوم يقولون‪ :‬لما كلم هللا موسى لم يتكلم بصوت‪ ،‬فقال أبي‪ :‬بل تكلم –ج‪00‬ل ثنائ‪00‬ه‪-‬‬
‫بصوت‪ ،‬هذه األحاديث نرويها كما جائت‪،‬وقال أبي‪ :‬حديث ابن مسعود‪ :‬إذا تكلم هللا س‪00‬مع‬
‫له صوت كمر السلسلة على ص‪00‬فوان‪ ،‬ق‪00‬ال‪ :‬وه‪00‬ذه الجهمي‪00‬ة تنك‪00‬ره‪ ،‬وه‪00‬ؤالء يري‪00‬دون أن‬
‫يموهوا على الناس‪ ،‬ثم ق‪0‬ال‪ :‬ح‪00‬دثنا المح‪0‬اربي عن األعمش عن مس‪00‬لم عن مس‪0‬روق عن‬
‫عبد هللا قال‪ :‬إذا تكلم هللا بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجداً‪،‬‬

‫‪419‬‬
‫هكذا روي عن اإلمام أحمد أن هللا يتكلم بصوت وهو مناقض لما ثبت عنه أن كالم‬
‫هللا تع‪00‬الى من علم‪00‬ه‪ .‬وم‪00‬ا قال‪00‬ه اإلم‪00‬ام أحم‪00‬د من أن الق‪00‬رآن من علم هللا‪ ،‬وأن هللا يتكلم‬
‫بصوت ‪-‬إن ثبت ه‪00‬ذا عن‪00‬ه‪ -‬ج‪00‬ار على مذهب‪00‬ه من الوق‪00‬وف في ب‪00‬اب العقي‪00‬دة عن‪00‬د ظ‪00‬واهر‬
‫النصوص‪ ،‬وعدم تجاوزها وكراهة البحث والتنقيب عن األمور الغامض‪00‬ة‪ ،‬كم‪00‬ا ق‪00‬ال فيم‪00‬ا‬
‫نقلنا‪ ،‬عن‪0‬ه آنف‪0‬اً‪ :‬لس‪0‬ت بص‪0‬احب كالم‪ ،‬وال أدري الكالم في ش‪0‬يء من ه‪0‬ذا إال م‪0‬ا ك‪0‬ان في‬
‫كتاب هللا أو حديث رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين‪،‬‬
‫فأما غير ذلك فإن الكالم فيه غ‪00‬ير محم‪00‬ود‪ ،‬وكم‪00‬ا ق‪00‬ال اإلم‪00‬ام البخ‪00‬اري عن‪00‬ه‪ :‬في “ خل‪00‬ق‬
‫أفع‪00‬ال العب‪00‬اد “ (‪ :)62‬المع‪00‬روف عن أحم‪00‬د وأه‪00‬ل العلم أن كالم هللا غ‪00‬ير مخل‪00‬وق‪ ،‬وم‪00‬ا‬
‫سواه مخلوق‪ ،‬وأنهم كرهوا البحث والتنقيب عن األشياء الغامض‪00‬ة‪ ،‬وتجنب‪00‬وا أه‪00‬ل الكالم‬
‫والخوض والتنازع إال فيما جاء ب‪00‬ه العلم‪ ،‬وبين‪00‬ه رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫انتهى فإن اإلمام أحمد ظاهري المذهب في العقيدة كما أن مذهبه في الفقه أقرب المذاهب‬
‫إلى الظاهر‪ ،‬ومن أجل ذلك لم يعده بعض العلم‪00‬اء من المجته‪00‬دين وع‪00‬دوه من المح‪00‬دثين‪،‬‬
‫ومن أجل ذلك اختار ابن حزم مذهبه أن القرآن من علم هللا‪.‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه عليه أن اإلمام أحمد قال بالص‪00‬وت ل‪00‬ورود ظ‪00‬اهر الخبري‪00‬ة ولم‬
‫يقل بالحرف أي بأن هللا تعالى يتكلم بالحروف لعدم ورود الخبر بذلك‪ ،‬وقد أخطأ من نسب‬
‫القول بأن هللا يتكلم بالحروف وتعاقب الكلمات إلى اإلمام أحمد أو غيره‪ ،‬وممن نسب ه‪00‬ذا‬
‫القول إليه ابن القيم قال في نونيته‪ :‬وآخرون كأحمد (بن حنبل) ومحمد (البخاري) ق‪00‬الوا‪:‬‬
‫لم يزل متكلما ً بمشيئة وإرادة وتعاقب كلمات‪.‬‬
‫قال اإلمام تقي الدين السبكي في تعليق‪00‬ه على النوني‪00‬ة‪ :‬ه‪00‬ذا ه‪00‬و ال‪00‬ذي ابتدع‪00‬ه ابن‬
‫تيمية‪ ،‬والتزم به حوادث ال أول لها‪ ،‬والعجب قوله مع ذلك‪ :‬إنه قديم‪.‬‬
‫وحين النطق بالباء لم تكن السين موجودة‪ ،‬فإن قال‪ :‬النوع ق‪00‬ديم‪ ،‬وك‪00‬ل واح‪00‬د من‬
‫الحروف حادث عدنا إلى الكالم في كل واحد من حروف القرآن‪ ،‬فيلزم ح‪00‬دوثها وحدوث‪00‬ه‪،‬‬
‫فالذي التزمه من قيام حوادث بذات الرب ال ينجيه بل يرديه‪.‬‬
‫وهذا آفة التخليط‪ ،‬والتطفل على العلوم‪ ،‬وعدم األخذ عن الشيوخ‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫أي ويلزم هذا الق‪00‬ول أن يك‪00‬ون هللا محالً للح‪00‬وادث‪ ،‬وابن تيمي‪00‬ة ت‪00‬ابع الكرامي‪00‬ة في‬
‫ذلك‪ ،‬وأربى عليهم بدعوى القدم النوعي في الكالم كما ق‪00‬ال الفالس‪00‬فة بالق‪00‬دم الن‪00‬وعي في‬
‫دورات الفلك‪ ،‬مع أنه ال وجود للكلي إال في ض‪00‬من أف‪00‬راده‪ ،‬فال وج‪00‬ه للوص‪00‬ف بالق‪00‬دم بع‪00‬د‬
‫االعتراف بحدوث كل فرد من أفراده بل هما‪ ،‬دعوي‪00‬ان متناقض‪00‬تان‪ ،‬فه‪00‬ذا الم‪00‬ذهب ينقض‬
‫نفسه بدون أن ينقضه أحد‪.‬‬
‫ً‬
‫ومعنى قول أحمد‪( :‬إن هللا لم ي‪00‬زل متكلم‪0‬ا إن ش‪00‬اء) أن الكالم ص‪00‬فة قديم‪00‬ة قائم‪00‬ة‬
‫بذاته تعالى وأن هللا تعالى يكلم أنبيائه متى شاء بالوحي أو من وراء الحجاب‪ ،‬أو بإرسال‬
‫ب أَ ْو‬
‫ش‪ٍ 0‬ر أَنْ يُ َكلِّ َم‪ 0‬هُ هَّللا ُ إِاَّل َو ْحي‪0‬ا ً أَ ْو ِمنْ َو َرا ِء ِح َج‪ 0‬ا ٍ‬
‫(و َما َك‪00‬انَ لِبَ َ‬
‫الرسل كما قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫سوالً فَيُو ِح َي بِإِ ْذنِ ِه َما يَشَا ُء) (الشورى‪ :‬من اآلية‪.)51‬‬ ‫س َل َر ُ‬
‫يُ ْر ِ‬

‫‪420‬‬
‫وقد كان هللا تعالى متكلما ً قب‪00‬ل أن يكلم األنبي‪00‬اء كم‪00‬ا أن‪00‬ه ك‪00‬ان خالق‪0‬ا ً قب‪00‬ل أن يخل‪0‬ق‬
‫الخلق‪.‬‬
‫وأما الصوت فلم يثبته هلل تعالى جمهور علماء األمة‪ ،‬وإنما أثبتوا هلل تع‪00‬الى الكالم‬
‫الذي هو نطق نفس المتكلم كما قدمنا بيانه‪ ،‬قال البيهقي‪ :‬إن كان المتكلم ذا مخارج سمع‬
‫كالمه ذا حروف وأصوات‪ ،‬وإن كان المتكلم غير ذي مخارج سمع كالمه غير ذي حروف‬
‫وأصوات‪ ،‬والباري جل ثنائه ليس بذي مخارج‪ ،‬وكالمه ليس بحرف وصوت‪ ،‬فإذا فهمناه‬
‫ثم تلون‪00‬اه تلون‪00‬اه بح‪00‬روف وأص‪00‬وات‪ ،‬ثم ق‪00‬ال ال‪00‬بيهقي (‪ :)276 00،273‬ولم يثبت ص‪00‬فة‬
‫الصوت في كالم هللا عز وجل أو في حديث صحيح عن النبي صلى هللا تعالى علي‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫غير حديثه (أي غير حديث عبد هللا بن أنيس) وليس بنا ضرورة إلى إثباته (ألنه قد نق‪00‬ده‬
‫قبل هذا الكالم) وحديثه هو قوله صلى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬يحش‪00‬ر هللا العب‪00‬اد ‪-‬أو ق‪00‬ال‬
‫الناس‪ -‬عُراة ُغ ْرالً بُ ْهما‪ ،‬ثم يناديهم بصوت يسمعه من بَ ُع َد كما سمعه من قَ ُر َب أن‪00‬ا المل‪00‬ك‬
‫الديان)‪.‬‬
‫وقد يجوز أن يكون الصوت فيه إن كان ثابتا ً راجعا ً إلى غيره كم‪00‬ا روين‪00‬ا عن عب‪00‬د‬
‫هللا بن مسعود موقوفاً‪ ،‬وموقف الصحابي في ما ال مجال للرأي فيه من المرفوع حكم‪00‬ا “‬
‫إذا تكلم هللا بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفاء “ وفي ح‪00‬ديث‬
‫أبي هريرة‪( :‬إذا قضى هللا األمر في السماء ضربت المالئكة بأجنحتها خصعانا ً لقوله كأنه‬
‫سلس‪00‬لة على ص‪00‬فوان) ففي ه‪00‬ذين الح‪00‬ديثين الص‪00‬حيحين دالل‪00‬ة على أنهم يس‪00‬معون عن‪00‬د‬
‫الوحي صوتا ً لكن للسماء وألجنحة المالئكة‪ ،‬تعالى هللا عن شبه المخلوقين علواً كب‪00‬يراً ‪..‬‬
‫وكما روينا عن نبينا صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‪( :‬أنه ك‪00‬ان يأتي‪00‬ه ال‪00‬وحي أحيان ‪0‬ا ً في‬
‫مثل صلصلة الجرس) وكل ذلك مضاف إلى غير هللا سبحانه‪ .‬وذكر البيهقي هنا جملة من‬
‫األحاديث التي ورد فيها ثبوت الصوت هلل تعالى‪ ،‬وبين ضعف جملة منها‪ ،‬وما ك‪00‬ان منه‪00‬ا‬
‫صحيحا ً حمله على إضافة الصوت فيها إلى غيره تعالى‪.‬‬
‫وقال القاضي أبو بكر بن العربي في “ عارضة األحوذي ش‪00‬رح الترم‪00‬ذي‪ :‬ال يح‪00‬ل‬
‫لمس‪00‬لم أن يعتق‪00‬د أن كالم هللا تع‪00‬الى ص‪00‬وت وح‪00‬رف ال من طري‪00‬ق العق‪00‬ل وال من طري‪00‬ق‬
‫الشرع‪ ،‬فأما طريق العقل فألن الصوت والحرف مخلوقان محصوران وكالم هللا يج‪00‬ل عن‬
‫ذلك كله‪ ،‬وأما من طريق الشرع فألنه لم يرد في كالم هللا وكالم رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم صوت وحرف من طريق صحيحة‪ ،‬ولهذا لم نج‪00‬د طريق‪0‬ا ً ص‪00‬حيحة لح‪00‬ديث ابن‬
‫أنيس‪ ،‬وابن مسعود‪.‬‬
‫(مذهب جمهور األشاعرة والماتريدية في الكالم القديم)‬
‫وذهب جمهور األشعرية والماتريدية إلى أن كالم هللا القديم القائم بذاته عبارة عن‬
‫المع‪00‬نى النفس‪00‬ي فق‪00‬ط‪ ،‬ولم يثبت‪00‬وا الكالم اللفظي الق‪00‬ديم هلل تع‪00‬الى ال اللفظي النفس‪00‬ي‪ ،‬وال‬
‫اللفظي المؤل‪00‬ف من الح‪00‬روف واألص‪00‬وات‪ ،‬وق‪00‬الوا‪ :‬إن الق‪00‬رآن يطل‪00‬ق على اللف‪00‬ظ وعلى‬
‫المعنى النفسي والقائم باهلل تعالى هو المعنى النفسي وأما اللفظ فمخلوق هلل تع‪00‬الى انف‪00‬رد‬
‫هللا بخلقه بدون كسب من أحد فيه‪ ،‬وبهذا المع‪00‬نى يض‪00‬اف إلى هللا تع‪00‬الى ويق‪00‬ال‪ :‬إن‪00‬ه كالم‬
‫هللا‪ ،‬لكنهم منعوا إطالق الح‪00‬ادث علي‪00‬ه إال في مق‪00‬ام التعليم إليهام‪00‬ه ح‪00‬دوث الق‪00‬رآن الق‪00‬ائم‬
‫بذاته تعالى الذي هو المعنى النفسي‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫وشبهتهم في ذلك هي شبهة المعتزلة من أن اللفظ الب‪00‬د في‪00‬ه من ال‪00‬ترتيب والتق‪00‬دم‪0‬‬
‫والتأخر واالبتداء واالنقضاء‪ ،‬وهذا ال يكون إال في الحادث‪.‬‬
‫وهذا منهم قياس للغائب على الشاهد ومن المقرر أنه غ‪00‬ير مقب‪00‬ول‪ ،‬ف‪00‬إن ال‪00‬ترتيب‬
‫المذكورة إنما هو في كالم المخلوق لعدم مساعدة اآلالت‪ ،‬وأما كالم هللا تعالى فه‪00‬و اللف‪00‬ظ‬
‫مع المعنى وهو لفظ نفسي كالمعنى قائم بذاته تعالى بترتيب وتقدم وتأخر ذاتي ال زماني‪،‬‬
‫وبدون ابتداء‪ ،‬وال انقضاء‪ ،‬وقد قدمنا بيانه‪ .‬ومن نظائره التي تقربه إلى األفهام أننا حين‬
‫نكتب بالقلم فالبد –من أج‪00‬ل وج‪00‬ود الكتاب‪00‬ة‪ -‬من ال‪00‬ترتيب الزم‪00‬ني‪ ،‬وأم‪00‬ا حينم‪00‬ا نستنس‪00‬خ‬
‫المكتوب بآلة االستنساخ ونطبعه فال يوجد في االستنساخ والطباعة ت‪00‬رتيب زم‪00‬ني ال بين‬
‫الكلمات وال بين الحروف مع وجود الترتيب الذاتي فيها‪ ،‬وإال لم‪00‬ا ك‪00‬انت كلم‪00‬ات وال جمالً‬
‫وال كالماً‪.‬‬
‫وأول من ذهب إلى هذا القول من قدماء أهل السنة هو أبو محمد عبد هللا بن سعيد‬
‫القطان المعروف بابن ُكالّب من متكلمة أهل السنة وأبو العباس القالنسي وق‪00‬اال‪ :‬إن كالم‬
‫هللا القائم بذات‪00‬ه ص‪00‬فة واح‪00‬دة في األزل ال يتص‪00‬ف ب‪00‬األمر والنهي والخ‪00‬بر في األزل‪ ،‬إنم‪00‬ا‬
‫يتصف بذلك ويصير أحد ه‪00‬ذه األش‪00‬ياء فيم‪00‬ا ال ي‪00‬زال بحس‪00‬ب التعل‪00‬ق‪ ،‬فهي ليس‪00‬ت أنواع‪0‬ا ً‬
‫حقيقية للكالم حتى يرد م‪00‬ا اع‪00‬ترض ب‪00‬ه على ه‪00‬ذا الم‪00‬ذهب من أن الجنس ال يوج‪00‬د إال في‬
‫ضمن شيء من أنواعه‪ ،‬وأن القدر المشترك ال يوجد إال بواحد من خصوص‪00‬ياته‪ ،‬ب‪00‬ل هي‬
‫أنواع اعتبارية تحصل فيه بحسب تعلقه باألشياء‪ ،‬فجاز أن يوجد جنس‪00‬ها ب‪00‬دونها ومعه‪00‬ا‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا المعنى إن عبر عنه بالعربية فهو القرآن‪ ،‬وإن عبر عنه بالعبرية فهو‬
‫توراة‪ ،‬وإن عبر عنه بالسريانية فهو إنجيل‪ ،‬قالوا‪ :‬واختالف العبارات ال يس‪0‬تلزم اختالف‬
‫الكالم‪.‬‬
‫قال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية (‪ :)2/300‬ابن كالب مع أهل السنة في‬
‫أن صفات ال‪00‬ذات ليس‪00‬ت هي ال‪00‬ذات وال غيره‪00‬ا‪ ،‬ثم زاد ه‪00‬و وأب‪00‬و العب‪00‬اس القالنس‪00‬ي على‬
‫سائر أهل السنة ف‪00‬ذهبا إلى أن كالم هللا تع‪00‬الى ال يتص‪00‬ف ب‪0‬األمر والنهي والخ‪00‬بر في األزل‬
‫لحدوث هذه األمور وقدم الكالم النفسي وإنما يتصف بذلك فيما ال يزال‪.‬انتهى‬
‫ه‪00‬ذا ه‪00‬و الكالم النفس‪00‬ي عن‪00‬د ابن كالب والقالنس‪00‬ي واخت‪00‬اره اإلم‪00‬ام أب‪00‬و الحس‪00‬ن‬
‫األشعري فيما هو المشهور عنه وكثير من األشاعرة‪.‬‬
‫وذهب بعض األش‪00‬اعرة إلى أن الكالم النفس‪00‬ي عب‪00‬ارة عن الخ‪00‬بر فق‪00‬ط‪ ،‬وأن األم‪00‬ر‬
‫والنهي راجعان إليه ألن الطلب من هللا تعالى يرجع إلى الخبر بوصول الثواب أو العق‪00‬اب‪،‬‬
‫ونسبه اآلمدي إلى اإلمام األشعري كما في “ إشارات المرام “ ‪.‬‬
‫وذهب بعضهم إلى انقسامه إلى األمر والنهي والخبر‬
‫وذهب بعضهم إلى انقسامه في األزل إلى األقسام الخمس‪00‬ة‪ :‬األم‪00‬ر والنهي‪ ،‬الخ‪00‬بر‬
‫واالستخبار والنداء‪.‬‬
‫وهؤالء كلهم متفقون على نفي قي‪00‬ام الكالم اللفظي باهلل تع‪00‬الى وإثب‪00‬ات قي‪00‬ام الكالم‬
‫النفسي فقط باهلل تعالى‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫وقد فسر التفتازاني في شرح المقاصد الكالم النفس‪00‬ي بقول‪00‬ه‪ :‬المع‪00‬نى ال‪00‬ذي يج‪00‬ده‬
‫اإلنس‪00‬ان في نفس‪00‬ه‪ ،‬وي‪00‬دور في َخلَ‪ِ 0‬ده‪ ،‬وال يختل‪00‬ف ب‪00‬اختالف العب‪00‬ارات بحس‪00‬ب األوض‪00‬اع‬
‫واالصطالحات‪ ،‬ويقصد المتكلم حصوله في نفس السامع ليجري على موجب‪00‬ه‪ ،‬ه‪00‬و ال‪00‬ذي‬
‫نسميه كالم النفس‪.‬‬
‫وقال المحقق الكبير عبد ال‪00‬رحمن الش‪00‬ربيني في تعليق‪00‬ه على ش‪00‬رح المحلي لجم‪00‬ع‬
‫الجوامع (‪ )1/110‬الكالم النفس‪0‬ي على م‪0‬ا قال‪0‬ه الس‪00‬عد والعض‪00‬د والس‪0‬يد والخي‪0‬الي وعب‪00‬د‬
‫الحكيم‪ ،‬ه‪00‬و المع‪00‬نى ال‪00‬ذي نج‪00‬ده في أنفس‪00‬نا عن‪00‬د إخبارن‪00‬ا عن قي‪00‬ام زي‪00‬د‪ ،‬أع‪00‬ني النس‪00‬بة‬
‫اإليجابية بينهما‪.‬‬
‫وهو الذي ال يتغير بتغير العبادات ومدلوالتها المتغ‪00‬يرة بتغيره‪00‬ا أع‪00‬ني الم‪00‬دلوالت‬
‫اللغوي‪00‬ة ال‪00‬تي يس‪00‬مونها في االص‪00‬طالح مع‪00‬اني أول‪ ،‬فه‪00‬و غ‪00‬ير الكالم اللفظي ومدلوالت‪00‬ه‬
‫المتغ‪000‬يرة‪ ،‬فه‪000‬و األص‪000‬ل بالنس‪000‬بة إلى األلف‪000‬اظ المع‪000‬بر عن‪000‬ه بالمع‪000‬اني الثاني‪000‬ة في‬
‫االصطالح‪.‬انتهى‬
‫وهذا التفسير للكالم النفسي ال ينطبق على ما ذهب إليه ابن كالب وأكثر األشاعرة‬
‫والمشهور عن اإلمام األشعري ألن الكالم النفسي عندهم أمر واحد بسيط ليس فيه تك‪00‬ثر‪،‬‬
‫وعلى هذا التفسير الكالم النفسي هو المع‪0‬اني الثاني‪0‬ة للمركب‪0‬ات والجم‪0‬ل‪ ،‬وه‪0‬ذه المع‪0‬اني‬
‫تتكثر بتكثر الجمل والمركبات‪.‬‬
‫ويرد على ما ذهب إليه ابن ُكالّب أمور‪ :‬األول‪ :‬أن ما ذهب إليه من المع‪00‬نى الغ‪00‬ير‬
‫المنقسم إلى ما ذكر من األقس‪00‬ام أم‪00‬ر غ‪00‬ير معق‪00‬ول‪ ،‬وق‪00‬د اع‪00‬ترف بأن‪00‬ه غ‪00‬ير معق‪00‬ول إم‪00‬ام‬
‫الحرمين‪ ،‬نقله عنه التفتازاني في شرح المقاصد (‪ )3/119-2/106‬وأقره عليه‪.‬‬
‫‪0‬زنَى) (اإلس‪00‬راء‪ :‬من‬ ‫(وال تَ ْق َربُ‪00‬وا ال‪ِّ 0‬‬‫الثاني‪ :‬أنه يلزم علي‪00‬ه أن مع‪00‬نى قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ :‬‬
‫الص‪0‬الةَ) (البق‪00‬رة‪ :‬من اآلية‪ )43‬ومع‪00‬نى آي‪00‬ة الكرس‪00‬ي‬ ‫(وأَقِي ُموا َّ‬ ‫اآلية‪ )32‬هو معنى قوله‪َ :‬‬
‫َب) (المس‪00‬د‪:‬‬ ‫هو معنى آية الدين‪ ،‬ومعنى سورة اإلخالص هو معنى (تَبَّتْ يَ ‪0‬دَا أَبِي لَ َه ٍ‬
‫ب َوت َّ‬
‫‪.)1‬‬
‫ً‬
‫الث‪00‬الث‪ :‬يل‪00‬زم علي‪00‬ه أن تك‪00‬ون الق‪00‬رآن والت‪00‬وراة واإلنجي‪00‬ل والزب‪00‬ور أم‪00‬ورا متح‪00‬دة‬
‫بالذات مختلفة باالعتبار‪ ،‬وهذا ما ال يقوله عاقل‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت َربِّي لنفِ ‪َ 0‬د البَ ْح‪ُ 0‬ر‬ ‫الرابع‪ :‬أنه مخالف لقوله تعالى‪( :‬قُ ْل لَ ْو َكانَ البَ ْح ُر ِمدَادا لِكلِ َم‪00‬ا ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫‪0‬و أَنَّ َم‪00‬ا‬ ‫قَ ْب َل أَنْ تَ ْنفَ َد َكلِ َماتُ َربِّي َولَ ْو ِج ْئنَا بِ ِم ْثلِ ِه َمدَداً) (الكهف‪ )109:‬وقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪َ ( :‬ولَ‪ْ 0‬‬
‫س ْب َعةُ أَ ْب ُح ٍر َم‪00‬ا نَفِ ‪0‬دَتْ َكلِ َم‪00‬اتُ هَّللا ِ إِنَّ هَّللا َ‬
‫ض ِمنْ ش ََج َر ٍة أَ ْقال ٌم َوا ْلبَ ْح ُر يَ ُم ُّدهُ ِمنْ بَ ْع ِد ِه َ‬
‫فِي اأْل َ ْر ِ‬
‫َع ِزي ٌز َح ِكي ٌم) (لقمان‪ )27:‬ف‪00‬إن اآلي‪00‬تين ت‪00‬دالن على ك‪00‬ثرة كالم‪00‬ه تع‪00‬الى ك‪00‬ثرة خارج‪00‬ة عن‬
‫الحصر‪.‬‬
‫والحاص‪00‬ل أن جمه‪00‬ور األش‪00‬اعرة والماتريدي‪00‬ة على نفي قي‪00‬ام الكالم اللفظي بذات‪00‬ه‬
‫تعالى وإثبات قيام الكالم النفسي فقط بذاته تعالى‪.‬‬
‫(مذهب بعض متأخري األشاعرة)‬
‫بعض المحققين من المت‪00‬أخرين منهم‪ ،‬وذهب‪00‬وا إلى م‪00‬ا‬ ‫ُ‬ ‫‪0‬ور األش‪00‬اعرة‬ ‫وخالف جمه‪َ 0‬‬
‫ذهب إليه جمهور السلف من أهل السنة من قدم الكالم اللفظي الحاصل في النفس‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫وفي مقدم‪00‬ة ه‪00‬ؤالء اإلم‪00‬ام محم‪00‬د بن عب‪00‬د الك‪00‬ريم الشهرس‪00‬تاني في كتاب‪00‬ه نهاي‪00‬ة‬
‫األق‪00‬دام‪( ،‬وراجع‪00‬ه ‪ )313-312‬واستحس‪00‬ن رأي‪00‬ه كث‪00‬ير ممن أتى من بع‪00‬ده من المحققين‪،‬‬
‫منهم القاضي عضد الدين اإليجي في مقالة مف‪00‬ردة ل‪00‬ه أورده‪00‬ا الس‪00‬يد الش‪00‬ريف في ش‪00‬رح‬
‫المواقف (‪ )104-8/103‬ومنهم سعد الدين التفتازاني والس‪00‬يد الش‪00‬ريف الجرج‪00‬اني‪ ،‬وق‪00‬د‬
‫علق السعد التفتازاني القول به على إمكان تصور وجود األلفاظ بدون ترتيب‪ ،‬وق‪00‬د ق‪00‬دمنا‬
‫بيان إمكانه‬
‫ومحصل كالم العضد‪ :‬أن لفظ المعنى يطلق تارة على م‪00‬دلول اللف‪00‬ظ‪ ،‬وأخ‪00‬رى على‬
‫األمر القائم بالغير‪ ،‬فاإلمام األشعري لما قال في بعض كالمه‪( :‬الكلم هو المع‪00‬نى النفس‪00‬ي)‬
‫فهم األصحاب منه أن مراده مدلول اللفظ وح‪00‬ده‪ ،‬وأن‪00‬ه ه‪00‬و الق‪00‬ديم عن‪00‬ده‪ ،‬وأم‪00‬ا العب‪00‬ارات‬
‫فإنما تسمى كالما ً مجازاً لداللتها على ما هو كالم حقيقة‪ 0‬ح‪00‬تى ص‪00‬رحوا ب‪00‬أن اللف‪00‬ظ ح‪00‬ادث‬
‫على مذهبه لكونه ليس كالمه حقيقة‪0.‬‬
‫وهذا الذي فهموه من كالم اإلمام له لوازم كثيرة فاس‪0‬دة‪ :‬كع‪00‬دم إكف‪0‬ار من أنك‪0‬ر أن‬
‫ما بين دفتي المصحف كالم هللا مع أنه قد علم من الدين بالضرورة كونه كالم هللا حقيقة‪،‬‬
‫وكعدم كون التحدي بكالم هللا الحقيقي‪ ،‬وكعدم كون المقروء المحفوظ كالم هللا حقيق‪00‬ة إلى‬
‫غير ذلك مما ال يخفى على المتفطن في األحكام‪ 0‬الدينية‪ ،‬فوجب حمل كالم الشيخ على أن‪00‬ه‬
‫أراد بالمعنى األمر القائم بالغير‪ ،‬وهو شامل للف‪00‬ظ والمع‪00‬نى‪ ،‬فيك‪00‬ون الكالم النفس‪00‬ي عن‪00‬ده‬
‫أمراً شامالً للفظ والمعنى جميعا ً قائما ً بذات‪00‬ه تع‪00‬الى وه‪00‬و مكت‪00‬وب في المص‪00‬احف‪ ،‬مق‪00‬روء‬
‫باأللسن‪ ،‬محفوظ في الصدور‪ ،‬وهو غير الكتابة والقراءة والحفظ الحادثة‪.‬‬
‫وما يقال من أن الحروف واأللف‪00‬اظ مترتب‪00‬ة متعاقب‪00‬ة فهي حادث‪00‬ة‪ ،‬فجواب‪00‬ه أن ذل‪00‬ك‬
‫الترتب إنما هو في التلفظ بسبب عدم مساعدة اآللة‪ ،‬فالتلفظ حادث‪.‬‬
‫واألدلة الدالة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث اللف‪00‬ظ جمع‪0‬ا ً بين‬
‫األدلة‪.‬‬
‫وهذا المعنى الذي ذكرناه وإن كان مخالفا ً لم‪00‬ا علي‪00‬ه مت‪00‬أخرو‪ ،‬أص‪00‬حابنا لكن‪00‬ه بع‪00‬د‬
‫التأمل يعرف حقيته‪ .‬هذا هو محصل كالم القاضي عضد الدين‪.‬‬
‫قال السيد الشريف في شرح المواقف بعد إيراده لكالم العضد‪ :‬وهذا المحم‪00‬ل لكالم‬
‫الشيخ مما اختاره محمد الشهرستاني في كتابه المس‪00‬مى “ نهاي‪00‬ة األق‪0‬دام “ وال ش‪00‬ك في‬
‫أنه أقرب إلى األحكام‪ 0‬الظاهرية المنسوبة إلى قواعد الملة‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫أق‪00‬ول‪ :‬وم‪00‬ا حم‪00‬ل القاض‪00‬ي علي‪00‬ه كالم الش‪00‬يخ األش‪00‬عري ال ينطب‪00‬ق علي‪00‬ه م‪00‬ا ه‪00‬و‬
‫المشهور عنه من أن مذهب‪00‬ه في الكالم الق‪00‬ديم ه‪00‬و م‪00‬ذهب ابن ُكالّب من أن كالم‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫واحد ليس بأمر وال نهي وال خبر‪ ،‬وإنما يصير أحد هذه األشياء بحسب التعلق‪ ،‬فإن ه‪00‬ذه‬
‫األوصاف ال تنطبق على الكالم اللفظي‪ ،‬كما ال ينطب‪00‬ق علي‪00‬ه م‪00‬ا نس‪00‬ب إلي‪00‬ه من أن كالم‪00‬ه‬
‫تع‪00‬الى عب‪00‬ارة عن الخ‪00‬بر فق‪00‬ط‪ ،‬فإن‪00‬ه من الب‪00‬ديهي أن الكالم اللفظي منقس‪00‬م إلى الخ‪00‬بر‬
‫واإلنشاء واألمر والنهي إلى غير ذلك‪ ،‬وليس خبرا فقط‪ .‬فهذا الحمل غير صحيح‪.‬‬
‫وقد أجاب العلماء عما قاله القاضي عضد الدين من لزوم المفاسد المذكورة بأنها‬
‫إنما تلزم إذا أنكر أن القرآن الملف‪00‬وظ كالم هللا‪ ،‬واعتق‪00‬د أن‪00‬ه من مخترع‪00‬ات البش‪00‬ر أم‪00‬ا إذا‬
‫اعتقد أنه كالم هللا بمعنى أنه المنفرد بخلقه بدون مداخلة كسب من أحد في وجوده‪ ،‬لكن‪00‬ه‬

‫‪424‬‬
‫ليس وصفا ً قديما ً قائما ً بذاته تعالى‪ ،‬فال يلزم شيء مما ذك‪00‬ره من المفاس‪00‬د‪ ،‬لكن‪00‬ه مخ‪00‬الف‬
‫لما عليه سلف األمة كما ق‪00‬دمنا كم‪00‬ا أن‪00‬ه مخ‪00‬الف لظ‪00‬واهر النص‪00‬وص من الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‬
‫الصريحة في نسبة الكالم إلى هللا تعالى‪ ،‬ف‪00‬إن المتب‪00‬ادر من الكالم ه‪00‬و الكالم اللفظي‪ ،‬دون‬
‫المعنى النفسي بدون اللفظ والظاهر من ه‪0‬ذه النس‪0‬بة ه‪0‬و النس‪0‬بة على وج‪0‬ه القي‪0‬ام بذات‪0‬ه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وقد كان شيخنا المحقق الكبير‪ ،‬والمربي العظيم الشيخ محمد العربكندي‪ ،‬يؤيد م‪00‬ا‬
‫ذهب إليه القاضي عضد الدين‪ ،‬ويذهب إلى ما ذهب إليه‪.‬‬
‫والف‪0‬رق بين ه‪0‬ذا الم‪0‬ذهب وم‪0‬ذهب الحش‪0‬وية أن أه‪0‬ل ه‪0‬ذا الم‪0‬ذهب يقول‪0‬ون بق‪0‬دم‬
‫الكالم النفسي وقيامه بذاته تعالى بمعنى اللفظ النفسي من نوع ما يعبر عن‪00‬ه بالنس‪00‬بة إلى‬
‫اإلنسان بحديث النفس‪ ،‬وهو يكون بدون صوت كما يفيده وصف الكالم بالنفسي‪.‬‬
‫وأما الحشوية فقد ذهبوا إلى أن كالمه تعالى مؤلف من أصوات وحروف مترتب‪00‬ة‪،‬‬
‫وأنها قائمة بذاته تعالى‪.‬‬
‫(حاصل الكالم)‬
‫وحاصل الكالم أن في هذا المقام قياسين متعارضي النتيجة‬
‫أولهما‪ :‬كالم هللا صفة له‪ ،‬وكل ما هو صفة له فهو قديم‪ ،‬فكالم هللا قديم‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬كالم هللا مؤلف من ح‪00‬روف مترتب‪00‬ة متعاقب‪00‬ة في الوج‪00‬ود‪ ،‬وك‪00‬ل م‪00‬ا ك‪00‬ان‬
‫كذلك فهو حادث‪ ،‬فكالم هللا حادث‪.‬‬
‫فاضطر كل طائفة إلى القدح في أح‪00‬د القياس‪0‬ين ض‪0‬رورة امتن‪00‬اع حقي‪0‬ة النقيض‪0‬ين‪،‬‬
‫ألن المراد بالكالم في صغرى القياسين ما كان هللا متكلما ً به‪ ،‬فالمناف‪00‬اة ليس‪00‬ت منفي‪00‬ة بين‬
‫النتيجتين كما ظنه البعض‪.‬‬
‫فمنع كل طائفة بعض المقدمات‪:‬‬
‫أما أهل السنة من السلف والماتريدية واألشعرية فمنعوا ص‪00‬غرى القي‪00‬اس الث‪00‬اني‪،‬‬
‫(وه‪00‬و أن كالم هللا مؤل‪00‬ف من ح‪00‬روف مترتب‪00‬ة متعاقب‪00‬ة في الوج‪00‬ود)‪ ،‬وأثبت‪00‬وا هلل الكالم‬
‫النفسي‪.‬‬
‫واختلفوا‪ 0‬في تعيينه كما تقدم آنفا‪ً.‬‬
‫وأما الحشوية من المحدثين والحنابلة فمنعوا كبرى القياس الثاني‪ ،‬وه‪00‬و (أن ك‪00‬ل‬
‫ما هو مؤلف من حروف وأص‪00‬وات مترتب‪00‬ة فه‪00‬و ح‪00‬ادث)‪ ،‬وذهب‪00‬وا إلى أن كالم هللا تع‪00‬الى‬
‫مؤلف من أصوات وحروف مترتبة‪ ،‬وأنها قائمة بذاته تعالى وقديمة‪.‬‬
‫وأما المعتزلة فمنعوا صغرى القياس األولى‪ ،‬وهو (أن كالم هللا صفة له)‪ ،‬وذهبوا‬
‫إلى أن كالم هللا تعالى مؤلف من أصوات وحروف مترتب‪0‬ة‪ ،‬وه‪0‬و ق‪0‬ائم بغ‪0‬يره تع‪0‬الى‪ ،‬وأن‬
‫معنى كونه متكلما ً كونه تعالى خالقا ً لتلك الحروف واألصوات في مح‪00‬ل ك‪00‬اللوح المحف‪00‬وظ‪0‬‬
‫وجبريل‪.‬‬
‫وأما الكرامية فمنعوا كبرى القياس األول‪ ،‬وهو (ك‪0‬ل م‪0‬ا ه‪0‬و ص‪0‬فة هلل تع‪0‬الى فه‪0‬و‬
‫قديم)‪ ،‬وذهب‪00‬وا إلى أن كالم‪00‬ه تع‪00‬الى ص‪00‬فة ل‪00‬ه مؤل‪00‬ف من الح‪00‬روف واألص‪00‬وات الحادث‪00‬ة‪،‬‬
‫وقائمة بذات هللا تعالى‪.‬‬

‫‪425‬‬
‫ويلزم على مذهب الكرامية كونه تعالى محالً للحوادث‪ ،‬وعلى مذهب الحشوية قدم‬
‫الحروف واألصوات مع بداهة تعاقبها وتجددها المستلزم لحدوثها‪.‬‬
‫ويل‪00‬زم على م‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه جمه‪00‬ور األش‪00‬اعرة والماتريدي‪00‬ة ك‪00‬ون األلف‪00‬اظ المترتب‪00‬ة‬
‫ليست كالم هللا تعالى‪ ،‬بل كالم هللا تعالى هو المعنى فقط على اختالفهم في المعنى‪.‬‬
‫ويلزم على مذهب المعتزلة كون كالمه تعالى لفظا ً قائما ً بغيره تعالى‪.‬‬
‫وال يلزم على م‪00‬ذهب المتق‪00‬دمين ش‪00‬يء من المفاس‪00‬د ألنهم ق‪00‬ائلون ب‪00‬أن الكالم ه‪00‬و‬
‫المعاني المدلولة والعبارات المترتبة بترتيب ذاتي من غير أصوات‪ ،‬ومن غير ت‪00‬رتيب في‬
‫الوجود الخارجي‪.‬‬
‫ولما لم يكن هن‪0‬اك ع‪0‬برة بكالم الكرامي‪0‬ة والحش‪0‬وية لكون‪0‬ه في مقابل‪0‬ة الض‪0‬رورة‪،‬‬
‫يبقى النزاع بين جمهور متأخري أهل السنة والمعتزلة‪ ،‬وهو في التحقيق عائد إلى إثبات‬
‫الكالم النفس‪00‬ي ونفي‪00‬ه‪ ،‬وأن الق‪00‬رآن ه‪00‬ل ه‪00‬و النفس‪00‬ي‪ ،‬أو الحس‪00‬ي المؤل‪00‬ف من الح‪00‬روف‬
‫المترتب‪000‬ة؟ وإال فجمه‪000‬ور أه‪000‬ل الس‪000‬نة علي ح‪000‬دوث الكالم الم‪000‬رتب الحس‪000‬ي‪ ،‬وال خالف‬
‫للمعتزلة في ق‪00‬دم الكالم النفس‪00‬ي ل‪00‬و ثبت عن‪00‬دهم لكنهم ال يثبتون‪00‬ه‪ .‬كم‪00‬ا يبقى الخالف بين‬
‫هؤالء والسلف‪ ،‬فالسلف يثبتون الكالم اللفظي النفسي القديم هلل تعالى‪ ،‬وهؤالء ينفونه‪.‬‬
‫هذا ما تحرر لنا في هذه المسألة التي هي من أعوص مسائل الكالم‪.‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى هللا تع‪00‬الى على س‪00‬يدنا محم‪00‬د وعلى آل‪00‬ه وص‪00‬حبه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫‪426‬‬
427
‫مسألة العلو والفوقية هلل تعالى‪:‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫من عقائد أهل السنة أن هللا تعالى منزه عن الجهة والمكان‪،‬‬
‫فنورد أوال م‪00‬ا اس‪0‬تدلوا ب‪00‬ه على المس‪0‬ألة‪ ،‬ثم نش‪0‬رح س‪0‬ت كلم‪00‬ات متعلق‪0‬ة به‪00‬ا‪ ،‬ثم‬
‫نحقق المسألة‪ ،‬ونحاول بذلك الجمع بين ق‪00‬ول الق‪00‬ائلين بالجه‪00‬ة وق‪00‬ول الق‪00‬ائلين بت‪00‬نزه هللا‬
‫تعالى عنها‪.‬‬
‫[ الدالئل على أن هللا تعالى منزه عن الجهة ]‬
‫‪ -1‬قال النسفي في ش‪00‬رح العم‪00‬دة اس‪00‬تدالال على ذل‪00‬ك‪ :‬الص‪00‬ور والجه‪00‬ات مختلف‪00‬ة‪،‬‬
‫واجتماعه‪00‬ا علي‪00‬ه تع‪00‬الى مس‪00‬تحيل لتنافيه‪00‬ا في أنفس‪00‬ها‪ ،‬وليس البعض أولى من البعض‬
‫الستواء الكل في إفادة الم‪00‬دح والنقص وع‪00‬دم دالل‪00‬ة المح‪00‬دثات علي‪00‬ه‪ ،‬فل‪00‬و اختص بجه‪00‬ة‬
‫لكان بتخصيص مخصص وهذا من أمارات الحدوث‪.‬‬
‫‪ -2‬وقال السبكي‪ :‬صانع العالم ال يك‪00‬ون في جه‪00‬ة ألن‪00‬ه ل‪00‬و ك‪0‬ان في جه‪0‬ة لك‪0‬ان في‬
‫مكان ضرورة أنها المكان أو المستلزمة له‪ ،‬ولو ك‪00‬ان في مك‪00‬ان لك‪00‬ان متح‪00‬يزاً‪ ،‬ول‪00‬و ك‪00‬ان‬
‫متح‪00‬يزاً لك‪00‬ان مفتق‪00‬راً إلى ح‪00‬يزه ومكان‪00‬ه‪ ،‬فال يك‪00‬ون واجب الوج‪00‬ود‪ ،‬وثبت أن‪00‬ه واجب‬
‫الوجود‪ ،‬وهذا خلف‪.‬‬
‫‪ -3‬وأيضا ً لو كان في جه‪0‬ة فإم‪0‬ا في ك‪0‬ل الجه‪0‬ات‪ ،‬وه‪0‬و مح‪0‬ال وش‪0‬نيع‪ ،‬وإم‪0‬ا في‬
‫البعض فيلزم االختصاص المستلزم لالفتق‪00‬ار إلى المخص‪00‬ص المن‪00‬افي للوج‪00‬وب‪ .‬نق‪00‬ل كالم‬
‫النسفي والسبكي الزبيدي في “ إتحاف السادة المتقين ‪.)2/104‬‬
‫‪ -4‬ومن الدليل على تنزه هللا تعالى عن الجهة والمك‪00‬ان من الس‪00‬نة م‪00‬ا رواه مس‪00‬لم‬
‫في ص‪00‬حيحه (‪ )4/2804‬عن أبي هري‪00‬رة رض‪00‬ي هللا تع‪00‬الى عن‪00‬ه أن رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا‬
‫تعالى عليه وآله وسلم كان يقول في دعائه‪:‬‬
‫((اللهم أنت األول فليس قبلك شيء‪ ،‬وأنت اآلخر فليس بعدك شيء‪ ،‬وأنت الظاهر‬
‫فليس فوقك شيء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك ش‪00‬يء‪ ،‬اقض عن‪00‬ا ال‪00‬دين وأغنن‪00‬ا من الفق‪00‬ر)‬
‫قال اإلمام الحافظ البيهقي في “ األسماء الصفات “ ص‪ :41‬استدل بعض أص‪00‬حابنا به‪00‬ذا‬
‫الح‪00‬ديث على نفي المك‪00‬ان عن هللا‪ ،‬ف‪00‬إذا لم يكن فوق‪00‬ه ش‪00‬يء وال دون‪00‬ه ش‪00‬يء لم يكن في‬
‫مكان‪.‬‬
‫[ الكلمات المتعلقة بالمسألة ]‬
‫ونشرح هنا ست كلمات متعلقة بهذه المسألة يكثر دورانها ويقع االش‪00‬تباه والزل‪00‬ل‬
‫فيها‪ ،‬يك‪00‬ون ش‪0‬رحها مس‪00‬اعدا لتحقي‪0‬ق المس‪0‬ألة وفهمه‪00‬ا وهي “ لف‪0‬ظ الجه‪0‬ة “ و “ أن‪00‬ه‬
‫تعالى فوق عرش‪00‬ه “ وأن‪00‬ه “ ب‪00‬ائن عن خلق‪00‬ه “ و “ أن‪00‬ه تع‪00‬الى ليس ب‪00‬داخل الع‪00‬الم وال‬
‫خارجه “ و “ أنه استوى على العرش “ ‪ .‬و “ أنه تعالى في السماء “ ‪.‬‬
‫أما لفظ الجهة فلم يقع ذكره في حق هللا تعالى في كت‪00‬اب هللا وال في س‪00‬نة‬ ‫‪-1‬‬
‫رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وآله وس‪00‬لم‪ ،‬وال في لف‪00‬ظ ص‪00‬حابي أو ت‪00‬ابعي‪ ،‬وال في كالم‬
‫أحد ممن تكلم في ذات هللا تعالى وصفاته سوى إقحام المجسمة‪ ،‬قاله الك‪00‬وثري في تكمل‪00‬ة‬
‫الرد على نونية ابن القيم (‪ )117‬وقال في صفحة (‪.)54‬‬

‫‪428‬‬
‫وأم‪00‬ا لف‪00‬ظ أن‪00‬ه تع‪00‬الى ف‪00‬وق عرش‪00‬ه فلم ي‪00‬رد مرفوع‪0‬ا ً إال في بعض ط‪00‬رق‬ ‫‪-2‬‬
‫حديث األوعال من رواية ابن منده في كتاب التوحي‪00‬د وأس‪00‬انيده مثخن‪00‬ة ب‪0‬الجراح ب‪00‬ل خ‪0‬بر‬
‫األوع‪00‬ال ملف‪00‬ق من اإلس‪00‬رائيليات كم‪00‬ا نص علي‪00‬ه أب‪00‬و بك‪00‬ر بن الع‪00‬ربي في ش‪00‬رح س‪00‬نن‬
‫الترمذي‪.‬‬
‫وأما أنه تعالى بائن عن خلقه فقد نقل البيهقي في “ األس‪00‬ماء والص‪00‬فات‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ “ 411‬عن أبي الحسن األشعري أنه قال‪ :‬إن هللا مستو على عرشه‪ ،‬وأنه فوق األش‪00‬ياء‬
‫بائن منها بمعنى أنها ال تحله وال يحلها‪ ،‬وال يمسها وال يشبهها‪ ،‬وليست البينونة بالعزلة‬
‫تعالى هللا عن الحلول والمماثلة علواً كبيراً‪.‬‬
‫يعني أن البينونة ال‪0‬تي أثبته‪0‬ا اإلم‪0‬ام أب‪0‬و الحس‪0‬ن هلل تع‪0‬الى بمع‪0‬نى نفي الممازج‪0‬ة‬
‫واالختالط وليست بمعنى االعتزال والتباعد‪ ،‬ألن المماسة والمباينة التي هي ضدها –كما‬
‫قال‪ -‬من أوصاف األجسام‪ ،‬وهللا عز وجل أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد‪.‬‬
‫فال يجوز عليه ما يجوز على األجسام‪.‬‬
‫وقال العالمة المحقق محمد زاهد الكوثري في تكمل‪00‬ة ال‪00‬رد على نوني‪00‬ة ابن القيم (‬
‫‪:)54-53‬‬
‫ولفظ “ بائن عن خلقه “ لم يرد في كت‪00‬اب وال س‪00‬نة‪ ،‬وإنم‪00‬ا أطلق‪00‬ه من أطلق‪00‬ه من‬
‫الس‪00‬لف بمع‪00‬نى نفي الممازج‪00‬ة رداً على جهم‪( ،‬يع‪00‬نى في قول‪00‬ه‪ :‬إن هللا في ك‪00‬ل مك‪00‬ان) ال‬
‫بمعنى االبتعاد بالمسافة تعالى هللا عن ذلك‪ ،‬ذكره البيهقي في األسماء والصفات‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وهذا معنى ق‪00‬ول المتكلمين‪( :‬إن هللا تع‪00‬الى ال يك‪00‬ون داخ‪00‬ل الع‪00‬الم)‬ ‫‪-4‬‬
‫قصدوا به نفي الممازجة لتعاليه تع‪00‬الى عن الحل‪00‬ول واالتح‪00‬اد‪ ،‬وأم‪00‬ا ق‪00‬ولهم‪( :‬وال خارج‪0‬ا ً‬
‫عنه) فقد قصدوا به نفي الجهة ونفي االبتعاد بالمسافة‪ ،‬أشار إلي‪00‬ه البياض‪00‬ي في إش‪00‬ارات‬
‫المرام (‪ )197‬وإال فمن الضروري أن الذي ال يكون داخل العالم يكون بائنا ً عنه وخارج‪00‬ا ً‬
‫عنه‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا أن‪00‬ه تع‪00‬الى اس‪00‬توى على الع‪00‬رش فق‪00‬د ق‪00‬ال ال‪00‬بيهقي في األس‪00‬ماء‬ ‫‪-5‬‬
‫والصفات (‪ )397-396‬وليس معنى قول المسلمين‪ :‬إن هللا استوى على الع‪00‬رش ه‪00‬و أن‪00‬ه‬
‫مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته لكنه ب‪00‬ائن من جمي‪00‬ع خلق‪00‬ه‪ ،‬وإنم‪00‬ا‬
‫خبر جاء به التوقيف‪ .‬فقلنا به‪ ،‬ونفينا عنه التك‪00‬ييف‪ ،‬إذ ليس كمثل‪00‬ه ش‪00‬يء وه‪00‬و الس‪00‬ميع‬
‫البصير‪ .‬وسننقل كالم اإلمام األشعري في االستواء في آخر هذه المقالة‪.‬‬
‫وأما أن هللا تعالى في السماء فقد قال ابن تيمية‪ :‬ومن توهم أن ك‪00‬ون هللا‬ ‫‪-6‬‬
‫تعالى في السماء بمعنى أن السماء تحيط به أو تحوي‪00‬ه أو أن‪00‬ه محت‪00‬اج إلى مخلوقات‪00‬ه‪ ،‬أو‬
‫أنه محصور فيها‪ ،‬فهو مبطل كاذب إن نقله عن غيره‪ ،‬وضال إن اعتقده في رب‪00‬ه فإن‪00‬ه لم‬
‫يقل به أحد من المسلمين‪ ،‬بل ل‪0‬و س‪0‬ئل الع‪0‬وام‪ 0‬ه‪0‬ل تفهم‪0‬ون من ق‪0‬ول هللا تع‪0‬الى ورس‪0‬وله‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم‪ :‬إن هللا في الس‪00‬ماء أن الس‪00‬ماء تحوي‪00‬ه؟ لب‪00‬ادر ك‪00‬ل واح‪00‬د منهم‬
‫بقوله‪ :‬هذا شيء لم يخطر ببالنا‪ ،‬بل عند المسلمين أن مع‪00‬نى ك‪00‬ون هللا تع‪00‬الى في الس‪00‬ماء‬
‫وكونه على العرش واحد‪ ،‬بمعنى أن هللا تعالى في العلو ال في السفل‪.‬‬
‫نقل ه‪0‬ذا الكالم عن ابن تيمي‪0‬ة زين ال‪0‬دين م‪0‬رعي بن يوس‪0‬ف الك‪0‬رمي في كتاب‪0‬ه “‬
‫أقاويل الثقات (‪)94‬‬

‫‪429‬‬
‫[ شرح المسألة وإيضاحها ]‬
‫ونتكلم هنا على المسألة من ثالث جهات‪ :‬من جهة التحقيق‪ ،‬فنحقق المسألة‪ ،‬ثم‬
‫نتكلم عنها من جهة حكم الوهم فيها‪ ،‬ثم نتكلم عليها من جهة العرف‬
‫[ تحقيق المسألة ]‬ ‫‪-1‬‬
‫أقول‪ :‬قد شرح العالمة زين الدين الكرمي في كتابه (أقاويل الثقات) قول الق‪00‬ائلين‬
‫بالجهة والعلو بوجه جيد ال يخالف مذهب النافين لهما من أهل السنة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫القائل بالجهة يقول‪ :‬إن الجهات تنقطع بانقطاع العالم‪ ،‬وتنتهي بانتهاء آخ‪00‬ر ج‪00‬زء‬
‫من الكون‪ ،‬واإلشارة إلى الفوق تقع على أعلى جزء من الكون حقيقة‪.‬‬
‫ومما يحقق هذا أن الكون الكلي ال في جهة ألن الجهات عبارة عن المكان‪.‬‬
‫والمكان الكلي ال في مكان‪ ،‬فلما عدمت األماكن من جوانبه لم يقل‪ :‬إن‪00‬ه يمين‪ ،‬وال‬
‫يسار‪ ،‬وال قدام‪ ،‬وال وراء‪ ،‬وال فوق وال تحت‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن ما عدى الك‪00‬ون الكلي وم‪00‬ا خال ال‪00‬ذات القديم‪00‬ة ليس بش‪00‬يء‪ ،‬وال يش‪00‬ار‬
‫إلي‪00‬ه‪ ،‬وال يع‪00‬رف بخالء وال مالء‪ ،‬وانف‪00‬رد الك‪00‬ون الكلي بوص‪00‬ف التحت‪ ،‬ألن هللا تع‪00‬الى‬
‫وصف نفسه بالعلو وتمدح به‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن هللا أوجد األك‪00‬وان ال في مح‪00‬ل وح‪00‬يز‪ ،‬وه‪00‬و في قدم‪00‬ه تع‪00‬الى م‪00‬نزه عن‬
‫المحل والحيز‪ ،‬فيستحيل شرعا ً وعقالً عند حدوث العالم أن يح‪0‬ل في‪0‬ه‪ ،‬أو يختل‪0‬ط ب‪0‬ه‪ ،‬ألن‬
‫القديم ال يحل في الحادث وليس محالً للحوادث‪ ،‬فيلزم أن يكون بائنا ً عنه‪ ،‬فإذا ك‪00‬ان بائن ‪0‬ا ً‬
‫عن‪00‬ه‪ ،‬يس‪00‬تحيل أن يك‪00‬ون الع‪00‬الم من جه‪00‬ة الف‪00‬وق وال‪00‬رب في جه‪00‬ة التحت‪ ،‬ب‪00‬ل ه‪00‬و فوق‪00‬ه‬
‫بالفوقية الالئقة التي ال تكيف وال تمثل‪ ،‬ب‪00‬ل تعلم من جه‪00‬ة الجمل‪00‬ة والثب‪00‬وت‪ ،‬ال من جه‪00‬ة‬
‫التمثيل والكيف‪ ،‬فيوصف الرب بالفوقي‪00‬ة كم‪00‬ا يلي‪00‬ق بجالل‪00‬ه وعظمت‪00‬ه‪ ،‬وال يفهم منه‪00‬ا م‪00‬ا‬
‫يفهم من صفات المخلوقين‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن الدليل القاطع دل على وجود الباري وثبوت ذاته بحقيقة الثبوت‪ .‬وأن‪00‬ه‬
‫ال يصلح أن يماس المخلوقين أو تماسه المخلوقات‪ ،‬ح‪00‬تى إن الخص‪00‬م يس‪00‬لم أن‪00‬ه تع‪00‬الى ال‬
‫يماس الخلق‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وهذا التوجيه الذي ذكره الكرمي ناسبا ً له إلى القائلين بالجه‪0‬ة توجي‪0‬ه جي‪0‬د يجم‪0‬ع‬
‫بين قول القائلين بالجهة‪ ،‬وقول القائلين بت‪00‬نزه هللا تع‪00‬الى عن‪00‬ه‪ ،‬ويرتف‪00‬ع ب‪00‬ه م‪00‬ا وق‪00‬ع بين‬
‫الفرق اإلسالمية من الخالف والنزاع الذي أدى بها إلى الفرقة والشحناء والبغضاء‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا الوج‪00‬ه القاض‪00‬ي عض‪00‬د ال‪00‬دين اإليجي في كتاب‪00‬ه المواق‪00‬ف‪ .‬ق‪00‬ال‪:‬‬
‫ومنهم –أي القائلين بالجهة‪ -‬من قال ليس كون‪0‬ه في جه‪0‬ة كك‪0‬ون األجس‪0‬ام في جه‪0‬ة‪ .‬ق‪0‬ال‬
‫السيد الشريف الجرجاني في شرحه (‪.)8/19‬‬
‫والمنازعة مع هذا القائل راجعة إلى اللفظ دون المعنى‪ ،‬واإلطالق اللفظي متوق‪00‬ف‬
‫على ورود الشرع به‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وحاصل هذا التوجيه أن هللا تعالى ليس داخل العالم مختلطا ً ب‪00‬ه ممازج‪0‬ا ً إي‪00‬اه‪ ،‬كم‪00‬ا‬
‫أن العالم ليس بداخل فيه ألن هللا تعالى لم يخلق العالم في نفسه وإنما خلق الع‪00‬الم خارج‪0‬ا ً‬

‫‪430‬‬
‫عن نفس‪00‬ه‪ ،‬كم‪00‬ا أن‪00‬ه تع‪00‬الى لم يح‪00‬ل في‪00‬ه بع‪00‬د أن خلق‪00‬ه‪ ،‬واال ل‪00‬زم الممازج‪00‬ة والمخالط‪00‬ة‬
‫والحلول واالتحاد وقيام الحوادث به تعالى وهذه األمور منتفية عن هللا تعالى باإلجماع‪.‬‬
‫بل هللا تعالى بائن عن العالم ليس داخالً فيه‪ ،‬وليس في جهة منه‪.‬‬
‫وذل‪00‬ك ألن الجه‪00‬ات تنقط‪00‬ع بانقط‪00‬اع الع‪00‬الم‪ ،‬وتنتهي بانته‪00‬اء آخ‪00‬ر ج‪00‬زء من‪00‬ه‪ ،‬فال‬
‫يوصف العالم –وهو الكون الكلي بجملته‪ -‬ب‪00‬أن ل‪00‬ه يمين‪0‬ا ً وال يس‪00‬اراً‪ ،‬وال ق‪0‬داما ً وال خلف‪0‬اً‪،‬‬
‫وال فوقا ً وال تحتاً‪ ،‬كما ال يوصف هللا تعالى بذلك‪ ،‬فال يكون هللا في جهة منه كم‪00‬ا ال يك‪00‬ون‬
‫هو في جهة من هللا تعالى‪.‬‬
‫وقد وصف هللا تعالى نفسه بالعلو والفوقية وتمدح بهما‪ ،‬فنثبتهم‪00‬ا ل‪00‬ه تع‪00‬الى على‬
‫أنهما وصف مدح له تعالى‪ ،‬وبالمعنى الالئق ب‪00‬ه تع‪00‬الى ال‪00‬ذي ال يمث‪00‬ل وال يكي‪00‬ف‪ ،‬ونعتق‪00‬د‬
‫العلو والفوقية هلل تع‪0‬الى من جه‪0‬ة الجمل‪0‬ة والثب‪0‬وت‪ ،‬م‪0‬ع نفي التمثي‪0‬ل والتك‪0‬ييف‪ ،‬فنعتق‪0‬د‬
‫وصف الرب بالعلو والفوقية كما يليق بجالله وعظمته‪ ،‬ب‪00‬دون أن نفهم منه‪0‬ا م‪00‬ا يفهم من‬
‫ص‪00‬فات المخل‪00‬وقين‪ .‬ق‪00‬ال الحاف‪00‬ظ ابن حج‪00‬ر في فتح الب‪00‬اري(‪ :)6/136‬وال يل‪00‬زم من ك‪00‬ون‬
‫جهتي العلو والسفل محاال على هللا تعالى أن ال يوصف بالعلو ألن وصفه بالعلو من جه‪00‬ة‬
‫المع‪00‬نى والمس‪00‬تحيل ك‪00‬ون ذل‪00‬ك من جه‪00‬ة الحس‪ ،‬ول‪00‬ذلك ورد في ص‪00‬فته الع‪00‬الي والعلي‬
‫والمتعالي ولم يرد ضد ذلك‪ .‬إنتها‪ .‬هذا بحسب التحقيق‪.‬‬
‫‪ [ -2‬حكم الوهم بالعلو والفوقية هلل تعالى ]‬
‫وأما الوهم فيحكم بأن م‪00‬ا وراء الع‪00‬الم ف‪00‬وق ل‪00‬ه‪ ،‬وهللا تع‪00‬الى ب‪00‬ائن عن خلق‪00‬ه ليس‬
‫بداخل فيه‪ ،‬فيحكم الوهم بأنه فوقه‪ ،‬فالفوقية بحسب حكم الوهم ت‪00‬ؤول إلى البينون‪00‬ة ال‪00‬تي‬
‫أثبتها العلماء هلل تعالى‪ ،‬وهذه الفوقية الوهمية هي المركوزة في فطرة كل إنسان‪.‬‬
‫ال يذكر أحد من بني آدم هللا تعالى إال وهو يشعر بفوقيته تعالى‪.‬‬
‫وهي فوقية يحكم به‪00‬ا ال‪00‬وهم مخالف‪0‬ا ً لحكم العق‪00‬ل كم‪00‬ا ه‪00‬و الح‪00‬ال في معظم‪ 0‬أحك‪00‬ام‬
‫الوهم‪ ،‬فإن معظم أحكامه مخالفة لحكم العقل‪ ،‬ومن أجل ذلك عد المناطقة القياس المؤلف‬
‫من القض‪00‬ايا الوهمي‪00‬ة من األقيس‪00‬ة ال‪00‬تي ال تفي‪00‬د اليقين‪ ،‬وس‪00‬موا ه‪00‬ذا القي‪00‬اس بالمغالط‪00‬ة‬
‫والسفسطة‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن النفس أطوع للوهميات منها لليقينيات‪ :‬مث‪00‬ال ذل‪0‬ك أن العق‪00‬ل يحكم ب‪00‬أن‬
‫الميت ال يخاف منه ألن‪0‬ه جم‪0‬اد وك‪0‬ل جم‪0‬اد ال يخ‪0‬اف من‪0‬ه‪ ،‬وأم‪0‬ا ال‪0‬وهم فيحكم ب‪0‬أن الميت‬
‫يخاف منه مخالفا ً للعقل فاإلنسان مع تيقنه بحكم العقل ال يطيعه وال ينقاد له‪ ،‬وإنم‪00‬ا ينق‪00‬اد‬
‫لحكم الوهم فيخاف من الميت‪،‬‬
‫وكث‪00‬يراً م‪00‬ا تلتبس الوهمي‪00‬ات باليقيني‪00‬ات عن‪00‬د اإلنس‪00‬ان فيعتق‪00‬د الوهمي‪00‬ات يقيني‪00‬ات‬
‫ويجزم بها كجزمه باليقينيات حتى يتبين ل‪00‬ه بال‪00‬دليل بطالنه‪00‬ا‪ ،‬فيحكم ببطالنه‪00‬ا وم‪00‬ع ذل‪00‬ك‬
‫يبقى منقاداً لها‪ .‬ومن هذا القبيل الفوقية هلل تعالى‪ ،‬فإن معظم بني آدم جازمين بها اتباع‪00‬ا ً‬
‫لحكم ال‪00‬وهم وانقي‪00‬ادا ل‪00‬ه وعن‪00‬دما يت‪00‬بين لبعض العلم‪00‬اء بال‪00‬دليل القطعي بطالنه‪00‬ا يحكم‪0‬‬
‫ببطالنها ومع ذلك يبقى شاعراً بها في قرار نفسه‪.‬‬
‫ومن أجل ص‪0‬عوبة التخلص من ه‪0‬ذا الحكم ال‪0‬وهمي رخص الن‪0‬بي ص‪0‬لى هللا تع‪0‬الى‬
‫عليه وآله وسلم في اعتقاد الجه‪00‬ة في ح‪00‬ديث الجاري‪00‬ة حينم‪00‬ا س‪00‬ألها أين هللا؟ فق‪00‬الت‪ :‬في‬

‫‪431‬‬
‫السماء‪ ،‬فقال‪ :‬صلى هللا تعالى عليه وسلم‪ ،‬إنها مؤمنة‪ ،‬ولم ينك‪00‬ر عليه‪00‬ا‪ ،‬ولكن‪00‬ه لم يق‪0‬ل‪:‬‬
‫إنها صادقة‪ ،‬أو إنها على الحق‪ ،‬أو نحو هذا الكالم مما يفيد أن ما اعتقدته حق‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك لم يحكم علماء أهل السنة بكفر معتق‪00‬د الجه‪00‬ة هلل تع‪00‬الى‪ ،‬وق‪00‬الوا إن‬
‫هذا االعتقاد معفو للعوام‬
‫وأما امتناعه ص‪0‬لى هللا تع‪0‬الى علي‪0‬ه وس‪0‬لم عن بي‪0‬ان بطالن ه‪0‬ذه العقي‪0‬دة للجاري‪0‬ة‬
‫وعن بيان الحق في المسألة لها فألن بيان الحق فيه‪0‬ا يحت‪0‬اج إلى فلس‪0‬فة لم تكن الجاري‪0‬ة‬
‫أهالً ألن تفهمها‪ ،‬كما أنها لم تكن مكلفة باعتقاد نفي الجهة عن هللا تعالى‪ ،‬وقد أمر صلى‬
‫هللا عليه وسلم أن يكلم الناس على قدر عقولهم‪ ،‬فلم يكن ه‪00‬ذا االمتن‪00‬اع من ت‪00‬أخير البي‪00‬ان‬
‫عن وقت الحاجة‪ ،‬وهو ليس بجائز عليه صلى هللا تعالى عليه وسلم‪ ،‬ألن هذا البيان ليس‬
‫من البيان الواجب عليه صلى هللا تعالى عليه وسلم حتى يك‪00‬ون ت‪00‬أخيره عن وقت الحاج‪00‬ة‬
‫ممتنعا ً عليه صلى هللا تعالى عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ [ -3‬الفوقية العرفية هلل تعالى ]‬
‫ثم إننا إذا صرفنا النظر عن التدقيق الفلس‪00‬في ال‪00‬ذي قررن‪00‬ا ب‪00‬ه نفي الجه‪00‬ة عن هللا‬
‫تعالى فمما ال ريب فيه وال ينبغي أن يختلف فيه اثن‪00‬ان أن م‪00‬ا وراء الع‪00‬الم ف‪00‬وق لب‪00‬ني آدم‬
‫كلهم بحسب العرف‪ ،‬ألنه مقابل لرؤسهم كما أن األرض تحت لهم ألنه‪00‬ا مقابل‪00‬ة ألرجلهم‪،‬‬
‫وإن لم يكن فوقا ً لهم بحسب التحقيق ال‪00‬ذي نقل‪00‬ه الك‪00‬رمي عن الق‪00‬ائلين بالجه‪00‬ة‪ ،‬النقط‪00‬اع‬
‫الجهات بانقط‪00‬اع الع‪00‬الم‪ ،‬والع‪00‬رف ه‪00‬و ال‪00‬ذي يق‪00‬ع ب‪00‬ه التخ‪00‬اطب في اللغ‪00‬ة بين أهله‪00‬ا دون‬
‫التدقيقات الفلسفية؛ وهللا تعالى بائن عن خلقه فهو فوقه بحسب العرف‪ ،‬فالفوقية العرفية‬
‫أيضا تؤل إلى البينونة التي أثبتها العلماء هلل تعالى‪.‬‬
‫وبهذا المعنى قال اإلمام أبو الحسن األشعري‪ :‬فيما نقله عنه البيهقي‪( :‬وإنه ف‪00‬وق‬
‫األشياء بائن منها) ومن أجل ذلك لم ينك‪00‬ر الن‪00‬بي ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم على‬
‫الجارية إشارتها إلى فوق‪.‬‬
‫وبهذا المعنى جاء إثبات العلو والفوقية هلل في نصوص الكتاب والسنة مما يصعب‬
‫حصره‪ ،‬فتثبت العلو والفوقية هلل تعالى بهذا المعنى‪ ،‬بدون كيف وال تمثيل ونتوقف عنده‪،‬‬
‫وال نتجاوزه إلى التفاصيل التي لم يرد بها شيء من الكتاب والسنة ونعترف بالعجز عم‪00‬ا‬
‫وراء ذلك‪.‬‬
‫ون‪00‬ورد هن‪00‬ا جمل‪00‬ة من نص‪00‬وص الكت‪00‬اب والس‪00‬نة ال‪00‬تي ورد فيه‪00‬ا إثب‪00‬ات الفوقي‪00‬ة‬
‫والعلوهلل تع‪00‬الى‪ ،‬ق‪00‬ال هللا تع‪00‬الى‪( :‬يخ‪00‬افون ربهم من ف‪00‬وقهم)‪ ،‬وق‪00‬ال‪( :‬إلي‪00‬ه يص‪00‬عد الكلم‬
‫الطيب)‪.‬‬
‫وق‪00‬ال‪( :‬اأمنتم من في الس‪00‬ماء أن يخس‪00‬ف بكم األرض ف‪00‬إذا هي تم‪00‬ور أم أمنتم من‬
‫في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) وق‪00‬ال‪ ( :‬تع‪00‬رج المالئك‪00‬ة وال‪00‬روح إلي‪00‬ه في ي‪00‬وم ك‪00‬ان‬
‫مقداره خمسين ألف سنة)‪.‬‬
‫وقال النبي صلىاهلل عليه وسلم‪( :‬الراحمون يرحمهم الرحمن‪ ،‬ارحموا أهل األرض‬
‫يرحمكم‪ 0‬من في السماء) أخرجه الترمذي وقال‪ :‬حسن‪.‬‬
‫وق‪00‬ال‪ ( :‬من اش‪00‬تكى منكم ش‪00‬يئا أو اش‪00‬تكى أخ ل‪00‬ه فليق‪00‬ل‪ :‬ربن‪00‬ا أل‪00‬ذي في الس‪00‬ماء‬
‫تقدس اسمك‪ )...‬أخرجه أبو داود‪.‬‬

‫‪432‬‬
‫وقال‪( :‬اآل تأمنوني وأنا أمين من في السماء ي‪00‬أتيني خ‪00‬بر من في الس‪00‬ماء ص‪00‬باحا‬
‫ومساء) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وقال‪( :‬والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرائت‪00‬ه إلى فراش‪00‬ها فت‪00‬أبى علي‪00‬ه إال‬
‫كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها) أخرجه الشيخان‪.‬‬
‫وقال‪( :‬إن هللا كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فه‪00‬و عن‪00‬ده‬
‫فوق العرش)‪ .‬أخرجه الشيخان‪ ،‬إلى غ‪00‬ير ذل‪00‬ك من نص‪00‬وص الكت‪00‬اب والس‪00‬نة ال‪00‬واردة في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وقد تقدم قول ابن تيمية أن معنى كون هللا تع‪00‬الى في الس‪00‬ماء وكون‪00‬ه على الع‪00‬رش‬
‫واحد‪ .‬وهو أن هللا تعالى في العلو ال في السفل‪ .‬وتقدم أن قلنا‪ :‬إن وصف العل‪00‬و هلل تع‪00‬الى‬
‫يؤل إلى البينونة التي أثبتها العلماء هلل تعالى‪.‬‬
‫ونختم بحثنا هذا بإيراد نص لإلمام أبي الحسن األشعري قال رحم‪00‬ه هللا تع‪00‬الى في‬
‫كتاب “ اإلبانة “ (‪ )71‬وأن هللا استوى على الع‪00‬رش على الوج‪00‬ه ال‪00‬ذي قال‪00‬ه‪ ،‬وب‪00‬المعنى‬
‫الذي أراده استواء منزها ً عن المماسة واالستقرار والتمكن والحلول واالنتقال‪ ،‬ال يحمل‪00‬ه‬
‫العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرت‪00‬ه‪ ،‬ومقه‪00‬ورون في قبض‪00‬ته‪ ،‬وه‪00‬و ف‪00‬وق‬
‫العرش وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى فوقية ال تزيده قربا ً إلى الع‪0‬رش والس‪00‬ماء‪ ،‬وه‪00‬و‬
‫رفيع الدرجات عن العرش كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى‪ ،‬وهو مع ذلك ق‪00‬ريب من ك‪00‬ل‬
‫موجود‪ ،‬وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد‪ ،‬وهو على كل شيء شهيد‪.‬‬
‫وهذا النص من اإلبانة ليس بموجود في النسخ المطبوع‪00‬ة المتداول‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬و ث‪00‬ابت‬
‫في مخطوط‪00‬ة نس‪00‬خة بلدي‪00‬ة اإلس‪00‬كندرية‪ ،‬وق‪00‬د ق‪00‬امت بتحقيقه ‪0‬ا‪ 0‬ال‪00‬دكتورة فوقي‪00‬ة حس‪00‬ين‬
‫محمود‪ ،‬وطبعت الطبعة األولى منها بدار األنصار بالقاهرة‪ ،‬والطبعة الثانية ب‪00‬دار الكت‪00‬اب‬
‫للنشر والتوزيع بالقاهرة‪.‬‬
‫وهللا تع‪0‬الى أعلم‪ ،‬والحم‪0‬د هلل رب الع‪0‬المين‪ ،‬والص‪00‬الة والس‪0‬الم على س‪00‬يدنا محم‪0‬د‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪433‬‬
434
‫مسألة الكسب وخلق أفعال العباد‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحم‪00‬د هلل‪ ،‬والص‪00‬الة والس‪00‬الم على رس‪00‬ول هللا‪ ،‬وعلى ال‪00‬ه وص‪00‬حبه ومن اهت‪00‬دى‬
‫بهداه‪.‬‬
‫أم‪00‬ا بع‪00‬د فنح‪0‬اول أن نحق‪0‬ق في ه‪0‬ذا البحث مس‪0‬ألة خل‪00‬ق أفع‪0‬ال العب‪0‬اد عن‪00‬د الف‪0‬رق‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ونبين ما عندهم من اإلش‪00‬تراك واالف‪00‬تراق في المس‪00‬ألة ال‪00‬تي هي من اع‪00‬وص‬
‫مسائل علم الكالم‪ ،‬فنقول وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫{تمهيد}‬
‫وقبل الخوض في المقصود نمهد له ببيان ثالثة مسائل متعلقة به‪ .‬فنقول‪:‬‬
‫‪-1‬اعلم أن العبد متصف بنوعين من القدرة ‪.‬‬
‫النوع األول‪ :‬القدرة الكلية‪ :‬وهي صفة خلقها هللا في العبد صالحة للتعلق بك‪00‬ل من‬
‫الفعل والترك به‪0‬ا يتمكن العب‪00‬د من الفع‪00‬ل وال‪0‬ترك ‪ ،‬ومن ش‪0‬أنها الت‪00‬أثير في الفع‪0‬ل‪ 0‬وإن لم‬
‫تكن مؤثرة فيه بالفعل‪ ،‬و هي متقدمة على الفعل‪ 0‬مخلوقة هلل تعالى بال اختيار للعبد فيها‬
‫النوع الثاني‪ :‬القدرة الجزئي‪0‬ة‪ :‬وهي عب‪0‬ارة عن تعل‪0‬ق الق‪0‬درة الكلي‪0‬ة بأح‪0‬د ط‪0‬رفي‬
‫الفع‪00‬ل وال‪00‬ترك‪ ،‬وعن ص‪00‬رف اآلالت إلى أح‪00‬دهما‪ .‬وه‪00‬ذه الق‪00‬درة مقارن‪00‬ة للفع‪00‬ل وهي من‬
‫األمور االعتبارية االنتزاعية‪ ،‬وليس من الموجودات الخارجية‪ ،‬بخالف القدرة الكلية‪،‬‬
‫كما أن العبد متصف بنوعين من اإلرادة‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬اإلرادة الكلية وهي صفة خلقها هللا في العبد‪ ،‬صالحة للتعلق بك‪0‬ل من‬
‫طرفي الفعل والترك‪ ،‬والصرف إلى أحدهما وهذه اإلرادة خلقها هللا في العبد بدون اختي‪00‬ار‬
‫منه وال دخل للعبد في وجودها كالقدرة الكلية‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬اإلرادة الجزئية والقصد الج‪00‬زئي‪ ، :‬وهي تعل‪00‬ق اإلرادة الكلي‪00‬ة بأح‪00‬د‬
‫طرفي الفعل والترك وصرفها إلى أحدهما‪ ،‬وهي من األمور االعتبارية كالقدرة الجزئية‪.‬‬
‫وهذا التعلق عب‪00‬ارة عن ت‪00‬رجيح أح‪00‬د الج‪00‬انبين _ الفع‪00‬ل وال‪00‬ترك_ على اآلخ‪00‬ر الن‬
‫اإلرادة شأنها الترجيح فقط وال تأثير لها‪،‬‬
‫ويتفرع على هذه اإلرادة الجزئية القدرة الجزئية التي هي عبارة عن تعلق الق‪00‬درة‬
‫الكلي‪00‬ة بأح‪00‬د الج‪00‬انبين وص‪00‬رف اآلالت إلي‪00‬ه‪ ،‬بمع‪00‬نى أن تعل‪00‬ق اإلرادة يص‪00‬ير س‪00‬ببا عادي‪0‬ا ً‬
‫لتحقق صفة في العبد متعلقة بالفعل‪ ،‬وهي القدرة الجزئية المقارن‪00‬ة للفع‪00‬ل بحيث ل‪00‬و ك‪00‬ان‬
‫لها ت‪00‬أثير باالس‪00‬تقالل ألوج‪00‬دت الفع‪00‬ل‪ ،‬وليس مع‪00‬نى التف‪00‬رع أن اإلرادة أث‪00‬رت في ص‪00‬رف‬
‫القدرة الن اإلرادة شأنها الترجيح ال التأثير‪.‬‬
‫ويترتب على اإلرادة الجزئية والقدرة الجزئية تعلق ق‪0‬درة هللا تع‪0‬الى بخل‪0‬ق الفع‪00‬ل‪،‬‬
‫بمعنى أن هللا تعالى اج‪00‬ري عادت‪00‬ه أن ال يخل‪00‬ق الفع‪00‬ل االختي‪00‬اري في العب‪00‬د إال عقب تعل‪00‬ق‬
‫إرادة العبد وقدرته بالفعل وصرف اآلالت إليه فهما شرطان لخلق هللا الفعل ال سببان له‪.‬‬

‫‪435‬‬
‫وهذا الترتب والتعقيب ذاتيان وليسا زمانيين التحاد زم‪00‬ان تعل‪00‬ق اإلرادة والق‪00‬درة وزم‪00‬ان‬
‫‪1‬‬
‫خلق هللا الفعل‪ ،‬كما أنهما عاديان يجوز تخلفهما كما في خرق العادة‬
‫‪-2‬أن المفهومات المتصورة في العقل إما أن يكون إلفرادها وج‪00‬ود في الخ‪00‬ارج أو‬
‫ال وتسمى هذه باألمور االعتبارية‪.‬‬
‫واالعتباريات قسمان‪:‬‬
‫القسم األول ال وج‪00‬ود ل‪00‬ه ال أص‪00‬ال وال تبع‪00‬ا وه‪00‬و مع‪00‬دوم‪ 0‬محض كبح‪00‬ر من زئب‪00‬ق‪،‬‬
‫وجبل من ذهب‪ ،‬وشريك الباري تعالى‪ ،‬وتسمى هذه ب‪00‬األمور االختراعي‪00‬ة الخ‪00‬تراع العق‪00‬ل‬
‫إياها بدون أن ينتزعها من الموجودات الخارجية‪ ،‬وهذه معدومات محضة ‪.‬‬
‫القسم الث‪00‬اني من االعتباري‪00‬ات موج‪00‬ود بوج‪00‬ود متعلق‪00‬ه‪ ،‬بمع‪00‬نى أن وج‪00‬ود متعلق‪00‬ه‬
‫وجود له‪ ،‬أي أن هناك وجودا واحداً منس‪00‬وبا إلى المتعل‪00‬ق بنفس‪00‬ه وإلى األم‪00‬ر االعتباري‪00‬ة‬
‫بتبعه‪ ،‬وتسمى هذه باألمور االعتبارية االنتزاعي‪00‬ة‪ ،‬الن‪00‬تزاع العق‪00‬ل إياه‪00‬ا من الموج‪00‬ودات‬
‫الخارجية‪ .‬والوهم يحكم بوجودها في الخارج حكما خطأ ً ككثير من أحكامه مخالفا في ذلك‬
‫لحكم العقل‪.‬‬

‫‪ 1‬وههن‪00‬ا ينبغي التنبي‪00‬ه على أم‪00‬رين مهمين‪ :‬األول‪ :‬أن‪00‬ه ليس الم‪00‬راد بكلي‪00‬ة الن‪00‬وعين‪0‬‬
‫األولين من القدرة واإلرادة وجزئية النوعين‪ 0‬األخرين‪ 0‬ما هو متعارف المناطقة‪ ،‬وذل‪00‬ك ألن الكلي‬
‫المنطقي من المفهومات العقلية التى ال وجود لها في الخ‪00‬ارج‪ 0‬المنتزع‪00‬ة من أفراده‪00‬ا الموج‪00‬ودة‬
‫فيه‪ ،‬والقدرة واإلرادة بالمعنيين‪ 0‬األولين من الموجودات الخارجية وذلك ألنهما معرفتان (بص‪00‬فة‬
‫خلقها هللا في العبد‪ )...‬وألن الجزئي المنطقي من أفراد المفهوم الكلي ومشموالته وتعلق الق‪00‬درة‬
‫واإلرادة ليس من مشموالت القدرة واإلرادة‪ ،‬بل هما مباينان‪ 0‬لهما‪ ،‬فاطالق الكلية على المعن‪00‬يين‬
‫األولين بمع‪00‬نى ع‪00‬دم تعلقهم‪00‬ا بط‪00‬رف معين من الفع‪00‬ل وال‪00‬ترك‪ ،‬واطالق الجزئي‪00‬ة على المعن‪00‬يين‬
‫األخيرين‪ 0‬بمعنى تعلقها بطرف معين‪ ،‬وبهذا اندفع اعتراض شيخ اإلسالم مص‪00‬طفى ص‪00‬بري على‬
‫الماتريدية‪ 0‬في كتابه "موقف البشر تحت سلطان‪ 0‬القدر" صـ [‪ ]80‬بأن الكليات‪ 0‬ال وج‪00‬ود له‪00‬ا في‬
‫الخارج‪ 0،‬وهم قد اعتبروا اإلرادة الكلية من الموجودات الخارجية‪ ،‬وإعتراضه وارد ‪-‬على حسب‬
‫ما فهمه‪ -‬على القدرة الكلية أيضا‪ 0‬لكنه لم يورده عليها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن اثبات‪ 0‬اإلرادة الكلية وجعل اإلرادة الجزئية عبارة عن تعلقها وص‪00‬رفها ال‪00‬ذي‬
‫ه‪00‬و أم‪00‬ر اعتب‪00‬اري‪ 0،‬م‪00‬ذهب الماتريدي‪00‬ة‪ .‬وبن‪00‬وا على ذل‪00‬ك ق‪00‬ولهم‪ :‬إن الكس‪00‬ب عب‪00‬ارة عن اإلرادة‬
‫الجزئية وقولهم‪ :‬إنها أثر قدرة العبد‪ ،‬وقالوا‪ :‬من أجل أنها من األمور االعتبارية‪ 0‬غير الموجودة‬
‫في الخارج ال يلزم أن يكون أثر قدرة العبد الخلق الذي هو من خص‪00‬ائص هللا تعال‪00‬ة‪ .‬ف‪00‬إن الخل‪00‬ق‬
‫عبارة عن إيجاد الموجود الخارجي‪ 0،‬وأثر قدرة العبد هو الت‪00‬أثير في األم‪00‬ر االعتب‪00‬اري‪ ،‬ف‪00‬االرادة‬
‫الكلية عند الماتريدية صفة خلقها هللا في العباد‪ 0،‬وجعلها مبدأ لإلرادات‪ 0‬الجزئية‪ 0‬الصادرة عنهم‪.‬‬
‫وأما األشعرية فلم يقولوا بوجود اإلرادة الكلية للعبد ح‪00‬تى يقول‪00‬وا ب‪00‬أن اإلرادة الجزئي‪0‬ة‪0‬‬
‫عبارة عن تعلقها وصرفها وإنها من األمور االعتبارية‪ 0،‬بل ق‪00‬الوا‪ :‬بوج‪00‬ود اإلرادة الجزئي‪0‬ة‪ 0‬فق‪00‬ط‬
‫على أنها من األفعال القلبية‪ 0‬ومن األعراض‪ 0‬العارضة للعبد‪ ،‬وأفعال العباد كلها سواء كانت قلبية‬
‫أوظاهري‪00‬ة مخلوق‪00‬ة هلل تع‪00‬الى عن‪00‬د أه‪00‬ل الس‪00‬نة‪ ،‬وك‪00‬ذلك األع‪00‬راض‪ 0‬من الموج‪00‬ودات الخارجي‪00‬ة‬
‫المنقس‪00‬م إليه‪00‬ا وإلى ال‪00‬ذات مطل‪00‬ق الموج‪00‬ود‪ .‬ف‪00‬اإلرادة الجزئي ‪0‬ة‪ 0‬عن‪00‬دهم ليس من جنس التعل‪00‬ق‬
‫والصرف ح‪00‬تى تك‪00‬ون من األم‪00‬ور االعتباري‪00‬ة‪ 0،‬ب‪00‬ل هي من جنس المتعلِ‪00‬ق –بالكس‪00‬ر‪ -‬وه‪00‬ذا أح‪00‬د‬
‫أوجه االفتراق بين المذهبين‪.‬‬
‫‪436‬‬
‫وصرحوا بان وصف هذا القسم بالوجود الخارجي من قبي‪00‬ل وص‪00‬ف الش‪00‬يء بح‪00‬ال‬
‫متعلقه‪،‬‬
‫وهذا القسم‪ 0‬وان كان غير موجود في الخارج لكنه متحقق في نفس األم‪00‬ر‪ .‬بمع‪00‬نى‬
‫أنه مع تحققه في نفس األمر ال وجود له في الخارج‪ .‬وأما القس‪00‬م األول فال تحق‪00‬ق ل‪00‬ه في‬
‫نفس األمر أيضا‪.‬‬
‫والذين اثبتوا األحوال‪ 0‬من المتكلمين ‪-‬أي األمور التي ليست موجودة وال معدومة‪-‬‬
‫أرادوا بها هذه األمور االعتبارية االنتزاعية‪.‬‬
‫ومن هذا القسم األخير اإليجاد والتأثير وهما عبارة عن صرف إرادة العب‪00‬د قدرت‪00‬ه‬
‫إلى أحد األمرين دون اآلخر‪ ،‬فان ه‪00‬ذا الص‪00‬رف أم‪00‬ر اعتب‪00‬اري ال وج‪00‬ود ل‪00‬ه في الخ‪00‬ارج ‪،‬‬
‫تابع في الكون والتحقق لوجود متعلقه‪ ،‬وه‪0‬و الحاص‪00‬ل بالمص‪00‬در‪ ،‬ويك‪0‬ون وج‪0‬ود متعلق‪0‬ه‬
‫وجودا له‪ ،‬بمعنى أن العقل‪ 0‬ينتزع وجوده وتكون‪00‬ه من وج‪00‬ود متعلق‪00‬ه‪ ،‬لكن وج‪00‬ود متعلق‪00‬ه‬
‫موقوف على تحققه‪ ،‬وكونه أمراً اعتباريا ال ينافي هذا التوق‪00‬ف إذ الوج‪00‬ود ب‪00‬دون اإليج‪00‬اد‬
‫محال‪.‬‬
‫وهذا القسم‪ 0‬األخير أقرب إلى الموجودات الخارجي‪00‬ة من الع‪00‬دم لم‪00‬ا ع‪00‬رفت من أن‪00‬ه‬
‫متحقق في نفس األمر‪ ،‬وأنه أثر صادر عن الفاعل‪ ،‬وأنه يوصف بالوجود الخ‪00‬ارجي تبع‪00‬ا‬
‫فصح التكليف به دون المعدوم‪.‬‬‫ّ‬ ‫لمتعلقه وان لم يوجد في الخارج إال وهما‪،‬‬
‫المصدر يطلق باالشتراك‪ ،‬وقيل بالحقيقة والمجاز على أمرين‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫على تعلق القدرة وهو اإليجاد والتأثير وهو متعلق بالفاع‪00‬ل ووص‪00‬ف ل‪00‬ه ويس‪00‬مى‬
‫بالمعنى المصدري ‪.‬‬
‫وعلى األثر الناشئ عن‪00‬ه كالحرك‪00‬ات والس‪00‬كنات في الض‪00‬رب وه‪00‬و متعل‪00‬ق بالفاع‪00‬ل‬
‫باعتبار الصدور عنه‪ ،‬وبالمفعول باعتبار الوقوع عليه‪ ،‬ويسمى بالحاصل بالمصدر‪.‬‬
‫والمع‪00‬نى المص‪00‬دري أم‪00‬ر اعتب‪00‬اري ان‪00‬تزاعي غ‪00‬ير موج‪00‬ود في الخ‪00‬ارج‪ ،‬وه‪00‬و من‬
‫األحوال عند القائلين بها‪ ،‬وكونه أمراً اعتباريا ال ينافي كونه صادرا عن الفاعل المختار‪،‬‬
‫غايت‪00‬ه ان‪00‬ه ت‪00‬ابع في الك‪00‬ون والتحق‪00‬ق لغ‪00‬يره‪ ،‬وه‪00‬و الحاص‪00‬ل بالمص‪00‬در‪ ،‬وان لم يوج‪00‬د في‬
‫الخارج إال وهما‬
‫وأما الحاصل بالمصدر فمن الموجودات الخارجية متعلَق للفعل بالمعنى المصدري‬
‫ومتوقف وجوده في الخارج على تحقق المعنى المصدري إذ الوجود بدون اإليجاد محال‪.‬‬
‫[مذهب‪ 0‬المعتزلة والجبرية]‬
‫‪ -4‬ذهبت المعتزل‪00‬ة إلى أن أفع‪00‬ال اإلنس‪00‬ان االختي‪00‬ارة ب‪00‬المعنى المص‪00‬دري وبمع‪00‬نى‬
‫الحاصل بالمصدر أثر قدرة العبد التى خلقه‪00‬ا هللا تع‪00‬الى في‪00‬ه وليس‪00‬ت أث‪00‬ر ق‪00‬درة هللا تع‪00‬الى‬
‫مباشرة‪ ،‬بل هي أثرها بواسطة قدرة العب‪00‬د ال‪00‬تى هي أثره‪00‬ا‪ .‬ويل‪00‬زم علي‪00‬ه أن يك‪00‬ون العب‪00‬د‬
‫شريكا هلل في الخلق‪ .‬تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬

‫‪437‬‬
‫وذهبت الجبرية إلى أنه ال فعل للعبد وال قدرة وال إرادة له‪ ،‬وإلى أن هذه كلها أثر‬
‫قدرة هللا تعالى‪ ،‬وأن العبد بالنسبة إلى قدرة هللا تعالى كالريشة في اله‪00‬واء تقلبه‪00‬ا الري‪00‬اح‬
‫كيف شائت‪ ،‬فيكون تكليف العبد بناء على هذا المذهب من قبيل قول الشاعر‪:‬‬
‫ألقاه في اليم مكتوفا وقال له ‪ ::‬إياك إياك أن تبتل بالماء‬
‫[مذهب اإلمام األشعري في الكسب]‬
‫‪ -5‬أن الكسب عند اإلمام األشعري عبارة عن تعلق قدرة العبد بالمق‪00‬دور م‪00‬ع ع‪00‬دم‬
‫ت‪00‬أثير لقدرت‪00‬ه عن‪00‬ده ال في أص‪00‬ل الفع‪0‬ل‪ 0‬وال في وص‪00‬فه‪ ،‬ال في الفع‪00‬ل وال في تعل‪00‬ق اإلرادة‬
‫والقدرة به‪ .‬وتعلق القدرة تابع لتعلق اإلرادة كم‪00‬ا ق‪00‬دمنا‪ ،‬فص‪00‬ار م‪00‬دار الكس‪00‬ب على تعل‪00‬ق‬
‫اإلرادة‬
‫فعند األشعري ال تأثير لقدرة العبد في الفعل أصال ال في وجود نفسه وال في وجود‬
‫وصفه وال في تعلق كل من اإلرادة والقدرة به ‪ ،‬بل كلها من هللا تعالى وأث‪00‬ر قدرت‪00‬ه تع‪00‬الى‬
‫عنده‪ ،‬لكن لها دخل في الفعل باعتبار السببية العادية أي كون قدرته الجزئية ‪-‬وهو تعل‪00‬ق‬
‫قدرته الكلية بالفعل‪ -‬سببا عاديا لتأثير قدرة هللا تعالى في الفعل‪.‬‬
‫والمش‪00‬هور من م‪00‬ذهب األش‪00‬عري أن ق‪00‬درة العب‪00‬د كم‪00‬ا أنه‪00‬اغير م‪00‬ؤثرة في ش‪00‬يء‬
‫بالفعل‪ ،‬غير مؤثرة في‪0‬ه ب‪0‬القوة أيض‪0‬ا‪ ،‬لكن ذهب اآلم‪0‬دي في “ أبك‪0‬ار األفك‪0‬ار “ والس‪0‬عد‬
‫التفتازاني في “ شرح المقاصد “ والسيد الشريف في “ شرح المواقف “ إلى أنها عند‬
‫األشعري مؤثرة بالقوة‪ ،‬بمعنى أنه لوال تعلق قدرة هللا تعالى بالفعل ألثرت ق‪00‬درة العب‪00‬د في‬
‫إيجاده ‪ ،‬لكن تعلق قدرة هللا تع‪00‬الى بالفع‪00‬ل حين تعل‪0‬ق ق‪0‬درة العب‪0‬د جعلت ق‪00‬درة العب‪00‬د غ‪00‬ير‬
‫مؤثرة فيه‪ ،‬فاختطفت قدرة هللا تعالى الفعل واس‪00‬تبدت بالت‪00‬أثير في‪00‬ه لقوته‪00‬ا ولع‪00‬دم قبوله‪00‬ا‬
‫الشريك والتبعيض‪ ،‬فلم يبقى لقدرة العبد شيء من التأثير‪.‬‬
‫واستدل اإلمام األشعري واألشاعرة على مذهبهم بالنصوص الكثيرة التى يص‪00‬عب‬
‫حصرها من الكتاب والسنة الصريحة في أن كل شيء مخلوق هلل تعالى‪ ،‬وأن كل أمر أث‪00‬ر‬
‫عن قدرته‪ ،‬وإذا سلمنا تخصيص الشيء ال‪00‬وارد في جمل‪00‬ة من تل‪00‬ك النص‪00‬وص ب‪00‬الموجود‬
‫الخارجي دون األم‪00‬ر االعتب‪00‬اري‪ ،‬وس‪00‬لمنا تخص‪00‬يص الخل‪00‬ق ال‪00‬وارد فيه‪00‬ا بإيج‪00‬اد الموج‪00‬د‬
‫الخارجي‪ ،‬فال سبيل لنا إلى مثل ذلك التخصيص في النص‪00‬وص الص‪00‬ريحة في أن ك‪00‬ل أم‪00‬ر‬
‫سواء كان من الموجودات الخارجية أو من األمور االعتبارية أث‪00‬ر ق‪00‬درة هللا تع‪00‬الى ال أث‪00‬ر‬
‫لقدرة العبد فيه‪.‬‬
‫لكن ذلك التخصيص غير مس‪00‬لم‪ ،‬ف‪00‬إن الش‪00‬يء في اللغ‪00‬ة بمع‪00‬نى م‪00‬ا يص‪00‬ح اإلخب‪00‬ار‬
‫عنه‪ ،‬وهو شامل لألمور االعتبارية والمع‪00‬دومات والممتنع‪00‬ات مث‪00‬ل ش‪00‬موله للموج‪00‬ودات‬
‫الخارجية‪.‬‬
‫وأما قول أهل السنة‪" :‬إن الشيء هو الموج‪0‬ود" فليس م‪0‬رادهم ب‪0‬ه أن الش‪0‬يء ال‬
‫يطلق لغة على المعدوم‪ ،‬بل مرادهم به أن المعدوم‪ 0‬ليس له تق‪0‬رر وثب‪0‬وت في الخ‪0‬ارج ألن‬
‫الماهيات عن‪00‬دهم مجعول‪00‬ة‪ ،‬وق‪00‬الت المعتزل‪00‬ة‪ :‬إن الماهي‪00‬ات غ‪00‬ير مجعول‪00‬ة فمن أج‪00‬ل ذل‪00‬ك‬

‫‪438‬‬
‫قالوا‪ :‬إن المعدوم‪ 0‬ش‪00‬يء بمع‪00‬نى أن‪00‬ه ل‪00‬ه تق‪00‬رر وثب‪00‬وت في الخ‪00‬ارج‪ ،‬فليس خالفهم في م‪00‬ا‬
‫يطلق عليه لفظ الشيء‪ ،‬بل خالفهم إنما هو في أن الماهيات هل هي مجعولة أم ال‪.‬‬
‫وإذا كان الشيء بمعنى ما يصح اإلخب‪00‬ار عن‪00‬ه لم يكن الخل‪00‬ق خاص‪0‬ا بإيج‪00‬اد الموج‪0‬ود‬
‫الخ‪00‬ارجي‪ ،‬ألن هللا تع‪00‬الى خ‪00‬الق ك‪00‬ل ش‪00‬يء‪ ،‬والش‪00‬يء ليس مخصوص‪00‬ا ب‪00‬الموجود‬
‫الخارجي بل شامل لألمر االعتباري‪ ،‬فيشمل الخلق التأثير فيه أيضا‪.‬‬
‫فمن النوع األول من النصوص قول هللا تعالى‪( :‬أهلل خالق كل شيء) وقوله‪( :‬ه‪00‬ل‬
‫من خالق غير هللا) وقوله‪( :‬وهللا خلقكم وم‪00‬ا تعمل‪00‬ون) ف‪00‬إن الم‪00‬راد بم‪00‬ا تعمل‪00‬ون الحاص‪00‬ل‬
‫بالمصدر دون األصنام ودون المعنى المصدري‪ ،‬وذل‪00‬ك ألن الحاص‪00‬ل بالمص‪00‬در ه‪00‬و ال‪00‬ذي‬
‫يعمله العبد ويوجده دون األصنام‪ ،‬وألنه الموجود الخارجي الذي يتعل‪00‬ق ب‪00‬ه الخل‪00‬ق‪ ،‬دون‬
‫المعنى المصدري‪.‬‬
‫ومن النوع الثاني من النصوص قول هللا تعالى‪( :‬قل إن األمر كله هلل) وقوله‪( :‬بل‬
‫هلل األم‪00‬ر جميع‪00‬ا) واألم‪00‬ر أعم من الش‪00‬يء وش‪00‬امل لألم‪00‬ور االعتباري‪00‬ة كم‪00‬ا ه‪00‬و ش‪00‬امل‬
‫للموجودات الخارجية‪ ،‬وقوله تعالى‪( :‬قل كل من عند هللا) ولفظ الك‪00‬ل من غ‪00‬ير تع‪00‬يين م‪00‬ا‬
‫يضاف إليه تدخل فيه األمور االعتبارية أيضا‪ ،‬وقوله‪( :‬وربك يخلق ما يش‪00‬اء ويخت‪00‬ار م‪00‬ا‬
‫كان لهم الخيرة) وقوله تع‪00‬الى‪( :‬ول‪00‬و ش‪00‬اء هللا لجعلكم أم‪00‬ة واح‪00‬دة ولكن يض‪00‬ل من يش‪00‬اء‬
‫ويهدى من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون)‪.‬‬
‫وقول النبي صلى هللا تعالى علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬ال ح‪00‬ول وال ق‪00‬وة إال باهلل) وتعل‪00‬ق‬
‫القدرة واإلرادة وصرفهما من الحول المنفي عن العب‪0‬د المحص‪0‬ور في هللا تع‪0‬الى‪ ،‬وقول‪0‬ه‪:‬‬
‫(ما شاء هللا كان وما لم يشأ لم يكن) ولفظ ما من ألفاظ العموم تش‪00‬مل األم‪00‬ور االعتباري‪00‬ة‬
‫كاإلرادة الجزئية عند الماتريدية والقدرة الجزئية‪ ،‬والجمل‪00‬ة األولى تقتض‪00‬ى دخوله‪00‬ا تحت‬
‫مشيئة هللا تع‪00‬الى‪ ،‬والجمل‪00‬ة الثاني‪00‬ة تقتض‪00‬ى ع‪00‬دم تحققه‪00‬ا على تق‪00‬دير ع‪00‬دم دخوله‪00‬ا تحت‬
‫مشيئة هللا تعالى‪ ،‬فهذا الحديث يدل على أن كل م‪00‬ا ش‪00‬اء هللا واق‪00‬ع‪ ،‬والنص‪00‬وص المتقدم‪00‬ة‬
‫دالة على أن كل ما هو واقع فهو أثر قدرة هللا تعالى‪ ،‬فينتج أن ك‪00‬ل م‪00‬ا ش‪00‬اء هللا فه‪00‬و أث‪00‬ر‬
‫قدرته إلى غير ذلك من النصوص التى ال مجال هنا اليرادها ويصعب حصرها‪.‬‬
‫واستدل األشاعرة على أن العبد كاسب ألفعاله وليس بخالق لها من المعق‪00‬ول‪ 0‬ب‪00‬أن‬
‫الخلق يقتضى العلم التفصيلي بالمخلوق دون الكس‪00‬ب ق‪00‬ال هللا تع‪00‬الى‪( :‬أال يعلم من خل‪00‬ق)‬
‫واإلنسان ليس بعالم بتفاصل أفعاله وإذا تأم‪00‬ل اإلنس‪00‬ان في حرك‪00‬ات أعض‪00‬ائه في المش‪00‬ي‪،‬‬
‫واألخذ‪ ،‬والبطش ونحو ذلك مما يحتاج إلى تحريك العضالت وتمديد األعصاب وغير ذل‪00‬ك‬
‫ظهر له جهله بتفاصيلها ظهورا جليا‪.‬‬
‫قال السيالكوتي في حاشيته على شرح العقائ‪0‬د النس‪0‬فية [‪ ]245‬في بي‪0‬ان ذل‪0‬ك‪ :‬إن‬
‫الخلق إفاضة الوجود فهو موقوف على العلم التفصيلي‪ ،‬ألن األزيد واألنقص مما أتى ب‪00‬ه‬
‫ممكن‪ ،‬وكذلك كل فعل من أفعاله يمكن وقوعه على وجوه مختلفة وأنح‪00‬اء ش‪00‬تى‪ ،‬فوق‪00‬وع‬
‫ذلك المعين ألجل القصد إليه بخصوصه‪ .‬والقصد إلي‪00‬ه بخصوص‪00‬ه موق‪00‬وف على العلم ب‪00‬ه‬
‫كذلك ألن القصد الجزئي ال ينبعث عن العلم الكلي كما تشهد ب‪00‬ه البديه‪00‬ة‪ ،‬والخل‪00‬ق إعط‪00‬اء‬

‫‪439‬‬
‫الوجود ألمر جزئي‪ ،‬فما لم يتصور بوجه جزئي ال تتعلق اإلرادة به‪ ،‬بخالف الكس‪00‬ب فإن‪00‬ه‬
‫عبارة عن صرف اإلرادة والق‪00‬درة نح‪00‬و المق‪00‬دور من غ‪00‬ير أن يك‪00‬ون ل‪00‬ه ت‪00‬أثير في إيج‪00‬اده‬
‫فيكفيه العلم اإلجمالي‪ .‬إنتهى‪.‬‬
‫وإذا كانت قدرة العبد عند األشعري غير مؤثرة ال في الفعل‪ 0‬وال في وص‪00‬فه وال في‬
‫تعلق كل من اإلرادة والقدرة به ‪ ،‬فما معنى كون العبد مختارا عن‪00‬ده؟وم‪00‬ا ه‪00‬و الف‪00‬رق بين‬
‫هذا المذهب ومذهب الجبرية؟‬
‫والجواب‪ :‬أن معنى كونه مختارا عنده كون فعله اختياري‪00‬ا مس‪00‬بوقا بالقص‪00‬د‪ ،‬فلم‪00‬ا‬
‫كان الفعل مسبوقا بالقصد كان اختياريا بهذا المعنى‪ ،‬ولما لم يكن قبل القصد قصد آخ‪00‬ر ال‬
‫ن القصد مخل‪00‬وق هلل تع‪00‬الى في العب‪00‬د ب‪00‬دون ت‪00‬أثير لقدرت‪00‬ه في‪00‬ه‪ ،‬وه‪00‬ذا القص‪00‬د عب‪0‬ارة عن‬
‫اإلرادة الجزئي‪00‬ة لم يكن القص‪00‬د مس‪00‬بوقا بالقص‪00‬د ‪ ،‬فلم يكن اختياري‪00‬ا‪ ،‬وه‪00‬ذا مع‪00‬نى ق‪00‬ول‬
‫األش‪00‬عري‪( :‬أن العب‪00‬د مخت‪00‬ار في أفعال‪00‬ه مض‪00‬طر في اختي‪00‬اره أو في إرادت‪00‬ه) قال‪00‬ه موالن‪00‬ا‬
‫الشيخ خالد‪ .‬وقريب منه ما قاله شيخ اإلسالم مصطفى صبري في كتابه “ موق‪00‬ف البش‪00‬ر‬
‫“ [صـ‪ :]175‬إن الجبر بمعنى كون اإلنسان يت‪0‬ابع إرادة هللا تع‪0‬الى وال يخالفه‪0‬ا مطلق‪0‬ا –‬
‫وهو م‪0‬ذهب األش‪0‬عرية‪ -‬من حيث كون‪0‬ه ج‪0‬برا معنوي‪0‬ا‪ ،‬وع‪00‬دم مش‪00‬ابهته الج‪0‬بر المتع‪00‬ارف‬
‫بمعنى اإلكراه‪ ،‬ال يمنع مختارية العباد‪ ،‬وتصح معه مسؤليتهم‪ ،‬فإذا كانت إرادة هللا تع‪00‬الى‬
‫تميل إرادة البشر إلى متعلقها من غير تضييق وإرهاق‪ ،‬بل بطريق اإلقناع واإلرض‪00‬اء ب‪00‬ه‬
‫وتزيينه له وتحبيبه إليه‪ ،‬وك‪00‬ان اإلنس‪00‬ان يعم‪00‬ل على وف‪00‬ق إرادت‪00‬ه وقناعت‪00‬ه‪ ،‬فليس هن‪00‬اك‬
‫جبر‪ ،‬وال مخلص عن المسؤلية‪.‬‬
‫وق‪00‬ال‪ :‬صـ[‪ ]55‬وتلخيص م‪00‬ا يف‪00‬ترق ب‪00‬ه م‪00‬ذهب األش‪00‬اعرة عن م‪00‬ذهب الج‪00‬بر أن‬
‫الجبرية ال قدرة عندهم لإلنسان وال إرادة‪ ،‬حتى وال فعل‪ ،‬وعند األشاعرة ل‪00‬ه ق‪00‬درة لكن ال‬
‫تأثير لقدرت‪0‬ه في جنب ق‪0‬درة هللا تع‪0‬الى‪ ،‬ول‪0‬ه أفع‪0‬ال وهللا خالقه‪0‬ا‪ ،‬ول‪0‬ه إرادة أيض‪0‬ا تس‪0‬تند‬
‫أفعاله إليها‪ ،‬ولذا يعد مختارا في أفعال‪00‬ه‪ ،‬ويكفي في‪00‬ه وفي تس‪00‬مية أفعال‪00‬ه أفع‪00‬اال اختياري‪00‬ة‬
‫استناد تلك األفعال إلى إرادته واختياره‪.‬‬
‫هذا هو مذهب األشاعرة في المسألة‪،‬وأما غيرهم من علماء الكالم من أهل الس‪00‬نة‬
‫الذين اعترفوا بأن هللا تعالى خالق كل شيء‪ ،‬وأرادوا مع ذل‪00‬ك تخليص العب‪00‬اد في أفع‪00‬الهم‬
‫من الجبر‪ ،‬فلم يروا ما ذهب إليه األشاعرة كافي‪00‬ا في ذل‪00‬ك‪ ،‬فاحت‪00‬اجوا إلى البحث عن أم‪00‬ر‬
‫يصدر منهم عند أفعالهم ويكون لهم تأثير فيه من غير أن ي‪00‬رتقي ذل‪00‬ك الت‪00‬أثير إلى درج‪00‬ة‬
‫الخل‪0‬ق واإليج‪0‬اد‪ ،‬وس‪0‬موا ه‪0‬ذا الت‪0‬أثير كس‪0‬با اص‪0‬طالحا منهم على ه‪0‬ذا اللف‪0‬ظ دون الخل‪0‬ق‬
‫وااليجاد والفعل‪ ،‬فالتزموا أن يكون ذلك األمر دون الموجود لئال يبلغ التأثير المتعل‪00‬ق ب‪00‬ه‬
‫مبلغ الخلق‪ ،‬فال مانع عندهم أن يصدر من العباد ما ال يجعلهم ش‪00‬ركاء هلل في خلق‪00‬ه‪ ،‬فاهلل‬
‫يخلق واإلنسان يكسب‪.‬‬
‫ثم اختلفوا‪ 0‬في تعيين ما هو مكسوب للعبد عند أفعاله‪ ،‬فنشده الماتريدية في إرادته‬
‫الجزئي‪00‬ة‪ ،‬والقاض‪00‬ي أب‪00‬و بك‪00‬ر في وص‪00‬ف الفع‪00‬ل‪،‬وص‪00‬در الش‪00‬ريعة في الفع‪00‬ل ب‪00‬المعنى‬
‫المصدري‪ .‬ونتكلم فيما يلى على هذه المذاهب‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫‪440‬‬
‫{مذهب الماتريدية في الكسب}‬
‫‪ -6‬وأما الكسب عند الماتريدية فه‪00‬و عب‪0‬ارة عن اإلرادة الجزئي‪00‬ة ال‪00‬تى هي عن‪0‬دهم‬
‫عبارة عن تعلق إرادته الكلية بالفعل وص‪0‬رفها إلي‪0‬ه‪ ،‬وهي عن‪0‬دهم من األم‪0‬ور االعتباري‪0‬ة‬
‫وقد ع‪00‬بر عنه‪00‬ا ابن الهم‪00‬ام في المس‪00‬ايرة ب‪00‬العزم المص‪َّ 0‬مم‪ ،‬وفس‪00‬ره بتوج‪00‬ه العب‪00‬د توجه‪00‬ا‬
‫صادقا للفعل طالبا إياه‪ ،‬لكن مقتضى سياق كالم ابن الهمام أنه يرى أن العزم المصمم من‬
‫الموجودات الخارجية كما ذهب إلي‪00‬ه األش‪00‬اعرة‪ .‬ومغ‪00‬ايرة اإلردة الجزئي‪00‬ة للفع‪00‬ل ب‪00‬المعنى‬
‫المصدري وب‪0‬المعنى الحاص‪0‬ل بالمص‪0‬در بديهي‪0‬ة‪ ،‬ألنه‪0‬ا أم‪0‬ر متق‪0‬دم عليهم‪0‬ا ذات‪0‬ا ومت‪0‬أخر‬
‫عنهما وصفا‪ ،‬بمعنى انها ال تسمى كسبا إال بع‪00‬د خل‪00‬ق هللا تع‪00‬الى الفع‪00‬ل‪ ،‬وإن ك‪00‬ان الخل‪00‬ق‬
‫متفرع‪00‬ا عليه‪00‬ا ع‪00‬ادة‪ ،‬ك‪00‬الرمي ال يس‪00‬مى قتال إال عقب خل‪00‬ق هللا تع‪00‬الى الم‪00‬وت وإن ك‪00‬ان‬
‫الموت ناشئا عنه‪.‬‬
‫والماتريدية ذهبوا إلى أن اإلرادة الجزئية التى هي الكسب عندهم أثر قدرة العب‪00‬د‪،‬‬
‫وأما المعنى المصدري والحاصل بالمصدر فهما عندهم مخلوقان هلل تعالى‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫إن هللا تعالى خلق للعبد إرادة كلية ومكنه من أن يعلقها بك‪00‬ل من األم‪00‬رين _ الفع‪00‬ل‬
‫والترك_ وأن يص‪00‬رفها إلي‪00‬ه على الب‪00‬دل باختي‪00‬ار من‪00‬ه من غ‪00‬ير وج‪00‬وب علي‪00‬ه الن‪00‬ه ين‪00‬افي‬
‫االختي‪00‬ار‪ ،‬فتعلي‪00‬ق العب‪00‬د ه‪00‬ذه اإلرادة الكلي‪00‬ة بواح‪00‬د معين وص‪00‬رفها إلي‪00‬ه فع‪00‬ل للعب‪00‬د وأث‪00‬ر‬
‫لقدرته‪ ،‬ال مخلوق هلل تعالى‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وال يلزم من هذا أن يكون هن‪00‬اك موج‪00‬ود مخل‪00‬وق لغ‪00‬ير هللا تع‪00‬الى‪ ،‬الن ه‪00‬ذا‬
‫التعلق والص‪00‬رف ال‪00‬ذي ه‪00‬و أث‪00‬ر ق‪00‬درة العب‪00‬د أم‪00‬ر اعتب‪00‬اري ال وج‪00‬ود ل‪00‬ه في الخ‪00‬ارج كم‪00‬ا‬
‫عرفت‪ .‬والخلق إعطاء الوجود للموجود الخ‪00‬ارجي كالحاص‪00‬ل بالمص‪00‬در وه‪00‬و مخص‪00‬وص‬
‫باهلل تعالى‪.‬‬
‫والف‪00‬رق بين م‪00‬ذهب الماتريدي‪00‬ة وم‪00‬ذهب ابن الهم‪00‬ام أن الماتريدي‪00‬ة جعل‪00‬وا اإلرادة‬
‫الجزئية من األمور االعتبارية‪ ،‬وأما ابن الهمام ف‪00‬يرى –كم‪00‬ا ه‪00‬و مقتض‪00‬ى س‪00‬ياق كالم‪00‬ه‪-‬‬
‫أنها من األمور الموجودة في الخ‪00‬ارج ذاهب‪00‬ا إلى تخص‪00‬يص النص‪00‬وص الدال‪00‬ة على أن هللا‬
‫تعالى خالق كل شيء بما عدى العزم المصمم وذلك لدفع الجبر وتصحيح التكليف‪.‬‬
‫والفرق بين مذهبه ومذهب المعتزلة أن المعتزلة يقولون‪ :‬إن العب‪00‬د خ‪00‬الق ألفعال‪00‬ه‬
‫األختيارية كلها‪ ،‬وهو يقول‪ :‬إنه خالق للعزم المصمم فقط ‪.‬‬
‫ونود أن ننقل هنا كالما قيما للمحقق الكبير الشيخ خالد البغ‪00‬دادي في بي‪00‬ان م‪00‬ذهب‬
‫الماتريدية في الكسب ‪ .‬قال في رسالته العقد الج‪00‬وهري في الف‪00‬رق بين كس‪0‬بي الماتري‪00‬دي‬
‫واألشعري وهي مدرجة ضمن مكتوباته‪:‬‬
‫واعلم أن اإلرادة الجزئية عند الماتريدية صادرة عن العبد باختي‪00‬اره واث‪00‬ر لقدرت‪00‬ه‬
‫عندهم‪ ،‬ألنهم مع منعهم أن يكون العبد موجدا إجماعا من محققيهم يجوزون أن يكون له‬
‫قدرة ما تختلف بها النسب واإلضافات‪ 1‬على وجه ال يلزم منه وجود أمر حقيقي أصال كما‬
‫‪ 1‬وهي من األم‪00‬ور اإلعتباري‪00‬ة ال‪00‬تى ليس‪00‬ت‪ 0‬بموج‪00‬ودة في الخ‪00‬ارج‪ .‬والم‪00‬راد بالنس‪00‬ب‬
‫واإلضافات أمور تقتضى النس‪00‬بة‪ 0‬واإلض‪00‬افة ل‪00‬ذاتها بمع‪00‬نى ك‪00‬ون مفهومه‪00‬ا معق‪00‬وال بالقي‪00‬اس‪ 0‬إلى‬
‫‪441‬‬
‫صرح به ص‪00‬در الش‪00‬ريعة في التوض‪00‬يح‪ ،‬ونس‪00‬به إلى مش‪00‬ايخ الماتريدي‪00‬ة‪ ،‬وأف‪00‬اده الم‪00‬ولى‬
‫حسن الجلبي في حاشية شرح المواقف‪،‬‬
‫وهي شرط أو سبب ع‪0‬ادي لخل‪00‬ق هللا تع‪00‬الى الفع‪00‬ل‪ ،‬وتتعل‪00‬ق بوص‪00‬ف الفع‪00‬ل أع‪00‬ني‬
‫كونه طاعة أو معصية‪ ،‬كلطم اليتيم إن أريد به تأديبه فطاعة أو إهانته فمعصية‪ ،‬فهي أي‬
‫اإلرادة الجزئية اثر لقدرة العبد‪.‬‬
‫ووصفُ الفعل الذي هو أيضا أمر اعتباري عدمي كما تدل عليه الكلية الم‪00‬ارة عن‬
‫أهل الحق ‪ -‬أي أن الموجود ال يكون إال اثر ق‪00‬درة هللا تع‪00‬الى ‪-‬وص‪00‬رح ب‪00‬ه غ‪00‬ير واح‪00‬د من‬
‫فضالء المذهبين‪ - ،‬أثر لها أي لإلرادة الجزئية واثر األث‪0‬ر اث‪00‬ر ‪ ،‬واألم‪00‬ر الع‪00‬دمي ‪ -‬وه‪0‬و‬
‫الكسب هنا_ يجوز أن يتوقف عليه األمر الموجود وهو الحاصل بالمصدر كعدم‪ 0‬الموانع‬
‫فاندفع بهذا أمور ‪:‬‬
‫احدها‪ :‬كيف يترتب الموجود في الخارج على غير الموجود فيه‬
‫ص َّم َم … ينافي قولهم هو ك‪00‬ون الفع‪00‬ل‬ ‫والثاني‪ :‬أن قولهم‪ :‬اثر القدرة هو العزم الم َ‬
‫طاعة أو معصية‬
‫والثالث‪ :‬أن معنى كون القدرة مؤثرة عندهم إن كان أنها من الشروط العادية مثال‬
‫فه‪00‬و عين م‪00‬ذهب األش‪00‬عري‪ ،‬أو أنه‪00‬ا م‪00‬ؤثرة باإليج‪00‬اد في أص‪00‬ل الفع‪00‬ل فه‪00‬و عين م‪00‬ذهب‬
‫االعتزال إن أريد التأثير باالستقالل‪ ،‬وعائد إلى مذهب االستاذ إن أريد على جه‪00‬ة اإلعان‪00‬ة‬
‫‪1‬‬
‫واإلسعاد …‬
‫ووج‪00‬ه االن‪00‬دفاع أنه‪00‬ا _ أي ق‪00‬درة العب‪00‬د_ ال ت‪00‬أثير له‪00‬ا في أص‪00‬ل الفع‪00‬ل كم‪00‬ا عن‪00‬د‬
‫المعتزلة واألس‪00‬تاذ‪ ،‬وم‪00‬ؤثرة في أم‪00‬رين اعتب‪00‬اريين هم‪00‬ا اإلرادة ووص‪00‬ف الفع‪00‬ل بالطاع‪00‬ة‬
‫والمعصية ‪ ،‬بخالف مذهب األشعري‪ ،‬فإنها ال تأثير لها عنده حتى فيهما‪.‬‬
‫وزعم بعضهم أن العدم ال يصير أثرا للقدرة وال مع‪00‬نى لت‪00‬أثير الق‪00‬درة في ش‪00‬يء إال‬
‫إخراج‪00‬ه إلى الوج‪00‬ود‪ .‬ومنش‪00‬أه ع‪00‬دم الف‪00‬رق بين األع‪00‬دام األزلي‪00‬ة‪ ،‬واألع‪00‬دام الحادث‪00‬ة بع‪00‬د‬
‫الوجود‪ ،‬واألمور االعتبارية المتجددة‪ ،‬فإن األولى ال تصير أثر للقدرة … واألخيرين ال‬
‫خالف في جواز صيرورتهما أثر القدرة كالحوادث الموجودة‪ ،‬والمنكر له‪00‬ذا مع‪00‬ذور لع‪00‬دم‬
‫إطالعه بشرط أن ال ينازع فيه‬
‫الغير‪ ،‬وليس المراد بها النس‪0‬ب‪ 0‬المتك‪00‬ررة بمع‪00‬نى أن تك‪00‬ون النس‪00‬بة‪ 0‬معقول‪00‬ة بالقي‪00‬اس‪ 0‬إلى نس‪00‬بة‬
‫أخرى تكون هي أيضا معقولة بالقياس إلى األولي كاألبوة والبن‪00‬وة‪ ،‬ف‪00‬إن ه‪00‬ذا المع‪00‬نى أخص من‬
‫المعنى األول‪ ،‬وقد يخص بإسم اإلضافة‪.‬‬

‫‪1‬ذهب األس‪00‬تاذ أب‪00‬و إس‪00‬حاق اإلس‪00‬فراييني إلى أن فع‪00‬ل العب‪00‬د االختي‪00‬اري موج‪00‬ود بكال‬
‫القدرتين‪ 0:‬قدرة العبد‪ ،‬وقدرة هللا تع‪00‬الى على جه‪00‬ة اإلعان‪0‬ة‪ 0‬واإلس‪00‬عاد لق‪00‬درة العب‪00‬د على أن ت‪00‬ؤثر‬
‫كالهما في الفعل بالمعنى المصدري وبمعنى الحاصل‪ 0‬بالمصدر‪ .‬ويل‪00‬زم على ه‪00‬ذا الم‪00‬ذهب تبعض‬
‫قدرة هللا‪ ،‬أي تعلق بعضها ال كلها بفعل العبد‪ ،‬بأن يمسك بعضها ويصرف بعض‪00‬ها اآلخ‪00‬ر‪ ،‬ألنه‪00‬ا‬
‫لو تعلقت‪ 0‬كلها ب‪00‬ه ال س‪00‬تبدت ب‪0‬ه واحتطفت‪00‬ه من العب‪0‬د‪ ،‬ولم‪0‬ا أبقت لق‪0‬درة العب‪0‬د ش‪00‬يئا من الت‪00‬أثير‬
‫لقوتها وعدم قبولها الشريك‪ .‬والتبعض على قدرة هللا تعالى محال‪ ،‬كم‪00‬ا يل‪00‬زم على ه‪00‬ذا الم‪00‬ذهب‬
‫قبول قدرة هللا تعالى للشريك‪،‬‬
‫‪442‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬ال معنى لتأثير القدرة في ش‪00‬يء إال إخراج‪00‬ه إلى الوج‪00‬ود) ال مع‪00‬نى ل‪00‬ه‪،‬‬
‫الن من جملة مع‪00‬اني ت‪00‬أثير الق‪00‬درة في ش‪00‬يء إخراج‪00‬ه إلى نفس األم‪00‬ر ‪ ،‬ومنه‪00‬ا إعدام‪00‬ه‪،‬‬
‫ومنها إفاضة الوجود عليه‪.‬‬
‫أن قلت ‪ :‬فهال ل‪00‬زمت الش‪00‬ركة ال‪00‬تي ب‪00‬الغت في الف‪00‬رار عنه‪00‬ا وم‪00‬ا الف‪00‬رق بين ه‪00‬ذا‬
‫التأثير والت‪00‬أثير ال‪00‬ذي انكرت‪00‬ه على اإلم‪00‬ام ابن الهم‪00‬ام (وه‪00‬و ت‪00‬أثير ق‪00‬درة العب‪00‬د في إيج‪00‬اد‬
‫الموجود الخارجي )؟‬
‫قلت بينهما فرق عقال ونقال ‪.‬‬
‫أما األول فألن إفاضة الوجود أتم وابل‪00‬غ من تف‪00‬رع األم‪00‬ر االعتب‪00‬اري‪ ،‬ب‪00‬ل ال نس‪00‬بة‬
‫بينهما‪ ،‬ومن ثمة رتب الحق تعالى على الخلق ال‪00‬ذي ه‪00‬و عين إفاض‪00‬ة الوج‪00‬ود اس‪00‬تحقاق‬
‫العبدية في آيات شتى‬
‫وأما الثاني فألنه تبارك وتع‪00‬الى أطل‪00‬ق م‪00‬رارا على نفس‪00‬ه المقدس‪00‬ة أن‪00‬ه خ‪00‬الق ك‪00‬ل‬
‫شيء ‪ ،‬والخلق بمعنى اإليجاد ‪ ،‬والشيء باصطالح أهل الس‪00‬نة بمع‪00‬نى الموج‪00‬ود‪ ،‬واألم‪00‬ر‬
‫االعتباري والحال ليسا بموج‪00‬ودين ‪ ،‬فجع‪00‬ل الموج‪00‬ود أث‪00‬ر ق‪00‬درة العب‪00‬د يص‪00‬ادم النص‪00‬وص‬
‫بخالف األمر االعتباري والحال‪.1‬‬
‫وبه يندفع استعظام بعضهم أيضا مطلق تأثير القدرة ‪ ،‬ألنه ناشئ عن ع‪00‬دم الف‪00‬رق‬
‫بين اإليجاد وبين التأثير في األمر االعتباري‪ .‬انتهى كالم الشيخ خالد‪.‬‬
‫{مذهب القاضي‪ 0‬أبي بكر الباقالني}‪0‬‬
‫‪ -6‬مذهب القاضي‪ 0‬أبي بكر الباقالني‪ 0‬أن قدرة هللا تعالى مؤثرة في أصل الفع‪00‬ل‪ ،‬وق‪00‬درة‬
‫العبد مؤثرة في وصفه‪ ،‬كلطم اليتيم‪ 0،‬من حيث هو حركة مخلوق هلل تعالى ومن حيث كونه طاعة‬
‫ومعصية أثر لقدرة العبد‪ ،‬فإن عزم التأديب فطاع‪00‬ة‪ ،‬وإن ع‪00‬زم اإلي‪0‬ذاء فمعص‪00‬ية‪ ،‬وه‪0‬ذا الم‪0‬ذهب‬
‫‪-‬كما قال ابن أبي شريف في ش‪00‬رح المس‪00‬ايرة (‪ )111‬وغ‪00‬يره‪-‬ه‪00‬و عين م‪00‬ذهب الماتريدي‪00‬ة‪ 0،‬ف‪00‬إن‬
‫قدرة العبد عندهم مؤثرة في العزم المص‪00‬مم‪ ،‬وه‪00‬و عب‪00‬ارة عن تعل‪00‬ق إرادة العب‪00‬د بالفع‪00‬ل‪ ،‬وك‪00‬ون‬
‫الفعل طاعة أو معصية أثرللعزم‪ ،‬ألن العبد قد عزم على أحدهما‪ ،‬فالفعل إنما اكتس‪00‬ب أح‪00‬د ه‪00‬ذين‬
‫الوصفين من عزمه الذي هو أثر قدرته عنده فيكون الوصف أثر قدرته ألنه أثر عزمه الذي ه‪00‬و‬
‫أثر قدرته‪ ،‬وأثر األثر أثر‪ .‬والفرق بين المذهبين أن القاضي لم يصرح بالعزم المصمم‪ ،‬وبكيفي‪00‬ة‬
‫تأثير‪ 0‬قدرة العبد في وص‪0‬ف الفع‪0‬ل‪ ،‬وه‪0‬و على م‪0‬ا ذكرن‪0‬اه‪ .‬والماتريدي‪0‬ة لم يص‪0‬رحوا بالت‪00‬أثير في‬
‫وصف الفعل‪ ،‬لكن لزمهم ذلك من قولهم بتأثير قدرة العبد في اإلرادة الجزئي‪00‬ة ألن وص‪00‬ف الفع‪00‬ل‬
‫أثر عنها‪.‬‬
‫والقاضي‪ 0‬لم يقصد خصوص وصف الطاعة والمعصية‪ 0،‬بل أراد عموم وص‪00‬ف األفع‪00‬ال‪،‬‬
‫وذلك أن أفعال الجوارح كلها عبارة عن حركات متصفة بص‪00‬فات‪ 0‬وإنم‪00‬ا تتم‪00‬ايز‪ 0‬فيم‪00‬ا بينه‪00‬ا بتل‪0‬ك‪0‬‬
‫الصفات‪ 0‬كالقيام والقعود والمشي والص‪00‬الة والزن‪0‬ا‪ 0‬فالحرك‪00‬ات‪ 0‬مخلوق‪0‬ة هلل تع‪0‬الى‪ 0،‬والص‪00‬فات‪ 0‬أث‪00‬ر‬
‫‪ 1‬أقول‪ :‬صحيح أن جعل األمر االعتباري أثر قدرة العبد ال يصادم النصوص الدالة على‬
‫أن هللا تعالى خالق كل شيء إذا سلمنا أن الشيء في اللغة بمعنى الموجود الخارجي‪ 0‬وس‪00‬لمنا أن‬
‫الخلق بمعنى إيجاد الموجود الخارجي‪ ،‬لكنه يصادم النصوص األخرى من الكتاب والسنة الدال‪00‬ة‬
‫على أن كل أمر أثر قدرة هللا تعالى كما تقدم في بيان مذهب األشاعرة‪.‬‬
‫وهذا االعتراض‪ 0‬كم‪00‬ا ي‪00‬رد على م‪00‬ذهب الماتريدي‪00‬ة ي‪00‬رد على م‪00‬ذهب القاض‪0‬ي‪ 0‬الب‪00‬اقالني‬
‫ومذهب صدر الشريعة‪ 0‬أيضا‪.‬‬
‫وأما مذهب المعتزلة‪ ،‬ومذهب ابن الهمام فيصادمان كال النوعين من النصوص‪.‬‬
‫‪443‬‬
‫قدرة العبد عند القاضي‪ ،‬ويق‪00‬ال مث‪00‬ل ه‪0‬ذا في أفع‪00‬ال النف‪00‬وس فإنه‪00‬ا حرك‪00‬ات نفس‪00‬ية م‪0‬ع ص‪00‬فات‪.‬‬
‫صرح به‪0‬ذا العم‪0‬وم الس‪0‬يد الش‪00‬ريف في ش‪00‬رح المواق‪0‬ف (‪ )8/147‬حيث ق‪0‬ال ص‪0‬احب المواق‪0‬ف‪:‬‬
‫(وقال القاضي‪ 0‬على أنه تتعلق قدرة هللا بأصل الفعل وقدرة العبد بكونه طاعة ومعص‪00‬ية)‪ 0،‬فش‪00‬رح‬
‫السيد هذا الكالم بقوله‪( :‬بصفته أعنى (بكونه طاعة ومعصية) إلى غير ذلك من األوص‪0‬اف ال‪0‬تى‬
‫ال يوصف بها أفعاله تعالى)‪ 0،‬فأض‪00‬اف إلى كالم المتن قول‪00‬ه‪ :‬بص‪00‬فته‪ 0،‬وقول‪00‬ه‪ :‬إلى غ‪00‬ير ذل‪00‬ك من‬
‫األوصاف التى ال يوصف بها أفعاله تعالى‪ .‬ف‪00‬ذكر المتكلمين للطاع‪0‬ة‪ 0‬والمعص‪00‬ية في بي‪00‬ان‪ 0‬م‪00‬ذهب‬
‫القاضي إنما هو على سبيل المثال‪ ،‬ال ألن التأثير خاص بهما كما توهمه البعض‪ ،‬وذلك ألن كالم‬
‫القاض ‪0‬ي‪ 0‬كغ‪00‬يره مف‪00‬روض في األفع‪00‬ال اإلختياري‪00‬ة كله‪00‬ا‪ ،‬وال توص‪00‬ف كله‪00‬ا بالطاع‪00‬ة والمعص‪00‬ية‬
‫كالمباحات وكاألفعال قبل ورود الشرع‪.‬‬

‫{مذهب‪ 0‬صدر الشريعة}‬


‫‪ -7‬ذهب صدر الشريعة إلى أن أثر قدرة العبد هو الفع‪0‬ل‪ 0‬بمع‪00‬نى المص‪00‬دري ويع‪00‬بر‬
‫عنه باإليج‪00‬اد والت‪00‬أثير‪ ،‬وه‪00‬و ص‪00‬رف الق‪00‬درة الكلي‪00‬ة نح‪00‬و الحاص‪00‬ل بالمص‪00‬در ق‪00‬ال‪ :‬الفع‪00‬ل‬
‫بالمعنى المصدري يتحقق باختيار الفاعل‪ ،‬وهو أثر الفاعل المختار صادر عنه‪ ،‬ال بمع‪00‬نى‬
‫أن‪00‬ه أوج‪00‬ده في الخ‪00‬ارج ألن‪00‬ه من األم‪00‬ور االعتباري‪00‬ة ال‪00‬تي ال وج‪00‬ود له‪00‬ا في الخ‪00‬ارج‪ ،‬وال‬
‫بمعنى انه جعل التعل‪00‬ق تعلق‪00‬ا أو موج‪00‬ودا أو متعلق‪00‬ا بالفع‪00‬ل‪ ،‬ب‪00‬ل بمع‪00‬نى ان‪00‬ه ‪-‬أي الفاع‪00‬ل‬
‫المختار‪ -‬جعل القدرة متعلقةً باألثر الذي هو الحاصل بالمصدر‪.1‬‬
‫وصدور الفع‪00‬ل به‪00‬ذا المع‪00‬نى عن الفاع‪00‬ل المخت‪00‬ار بنفس‪00‬ه بال واس‪00‬طة ت‪00‬أثير آخ‪00‬ر‪،‬‬
‫بمعنى أن إيجاد اإليجاد نفس اإليجاد‪ ،‬كما قيل‪ :‬إن وجود الوجود عين الوجود‪ ،‬بمع‪00‬نى أن‬
‫وجود الوجود بنفسه ال بوجود آخر‪ .‬وهنا نقول‪ :‬إن اإليج‪00‬اد ص‪00‬ادر عن الفاع‪00‬ل بنفس‪00‬ه ال‬

‫‪ 1‬أراد صدر الشريعة أن الذي هو أثر قدرة العب‪00‬د ه‪00‬و تعلي‪00‬ق قدرت‪00‬ه‪ ،‬وتعلي‪00‬ق الق‪00‬درة ال‬
‫يستلزم وجود ما تعلقت به كما في تعليق العبد قدرته بما ه‪00‬و ف‪00‬وق طاقت‪00‬ه كتعليقه‪00‬ا برف‪00‬ع مت‪00‬اع‬
‫ثقيل‪ ،‬فهو يرى أن هذا التعليق غير مؤثر بحسب التحقيق فيما هو تحت طاقته أيضا مع وج‪00‬وده‬
‫عند تعليق قدرته به‪ ،‬وإنما هو أث‪0‬ر ق‪0‬درة هللا تع‪0‬الى لتعل‪0‬ق ق‪0‬درة هللا تع‪0‬الى ب‪0‬ه ح‪0‬ال تعل‪0‬ق ق‪0‬درة‬
‫العبد‪ ،‬فتختطفه قدرة هللا تعالى‪ ،‬وتستبد به لقوتها‪ ،‬ولعدم قبولها الشريك‪ ،‬ولم تب‪00‬ق لق‪00‬درة العب‪00‬د‬
‫شيئا من التأثير‪.‬‬
‫وأما تس‪00‬مية ه‪00‬ذا التعلي‪0‬ق‪ 0‬إيقاع‪00‬ا وإيج‪00‬ادا وفعال ب‪00‬المعنى‪ 0‬المص‪00‬دري‪ ،‬وتس‪00‬مية متعلق‪00‬ه‬
‫حاصال بالمصدر‪ ،‬فغير منظور فيه إلى التحقيق؛ بل هي تسمية له بما يسمى به بحسب الظ‪00‬اهر‬
‫وفي العرف‪ ،‬كما يس‪00‬مى العب‪00‬د ف‪00‬اعال للحاص‪00‬ل بالمص‪00‬در عرف‪00‬ا م‪00‬ع أن‪00‬ه ليس بفاع‪00‬ل ل‪00‬ه بحس‪00‬ب‬
‫التحقيق‪.‬‬
‫وبهذا التقرير يندفع ما أورده شيخ اإلسالم مصطفى صبري على مذهب صدر الشريعة‬
‫في كتاب‪00‬ه "موق‪00‬ف البش‪00‬ر"‪ ]66-65[ 0‬من أن‪00‬ه ال مع‪00‬نى إليق‪00‬اع‪ 0‬الفع‪00‬ل إال إيج‪00‬اده وك‪00‬ون موقع‪00‬ه‬
‫خالقه‪ ،‬وأن الفعل بالمعنى‪ 0‬المص‪00‬دري أع‪0‬نى اإليق‪0‬اع مس‪0‬تلزم للفع‪00‬ل ب‪00‬المعنى الحاص‪0‬ل بالمص‪0‬در‪0‬‬
‫ومحصل له‪ ،‬فإذا كان األول من العبد فال جرم يكون الث‪0‬انى أيض‪0‬ا من‪0‬ه‪ ،‬ب‪0‬ل المع‪0‬نى األول عب‪0‬ارة‬
‫عن إصدار المعنى الثانى وإيقاعه‪ ،‬وال معنى إليقاع العبد ما يخلقه هللا تعالى‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫بواسطة تأثير إيجاد آخر وإيجاده‪ ،‬و اال لزم أن يصدر منا حال صدور األثر ت‪00‬أثيرات غ‪00‬ير‬
‫متناهية‪ ،‬كما يلزم نظيره في الوجود‪ .‬والوجدان يكذب ذلك‪.‬‬
‫( مناط التكليف في المكلف )‬
‫‪ -8‬ومن هذا التفص‪00‬يل ظه‪00‬ر أن م‪0‬راد أه‪00‬ل الس‪00‬نة بالكس‪00‬ب في ق‪00‬ولهم‪ ( :‬أن للعب‪00‬د‬
‫كسبا كلف به) هو اإلرادة الجزئية عند الماتريدية والفعل بالمعنى المصدري‪ ،‬وه‪00‬و تعل‪00‬ق‬
‫قدرة العبد الكية بأمر معين عند األشاعرة وصدر الشريعة‪ ،‬لكن األش‪00‬اعرة ي‪00‬رون أن ه‪00‬ذا‬
‫التعلق أثر قدرة هللا تعالى‪ ،‬ال أثر قدرة العبد‪ ،‬ويرى ص‪00‬در الش‪00‬ريعة أن‪00‬ه أث‪00‬ر ق‪00‬درة العب‪00‬د‪،‬‬
‫وليس المراد بالكسب الفعل بالمعنى الحاصل بالمصدر‪ ،‬فالذي كل‪00‬ف ب‪00‬ه العب‪00‬د ه‪00‬و اإلرادة‬
‫الجزئية أو المعنى المصدري‪ ،‬ال الحاصل بالمصدر كم‪00‬ا ه‪00‬و ظ‪00‬اهر كال م التفت‪00‬ازاني حيث‬
‫قال‪( :‬أن مناط التكليف هو المعنى الحاصل بالمص‪00‬در) ‪ ،‬على أن الحاص‪00‬ل بالمص‪00‬در ليس‬
‫باختياري فال يكون مناطا للتكليف ‪ ،‬بخالف المعنى المص‪00‬دري‪ ،‬أو اإلرادة الجزئي‪00‬ة إال أن‬
‫يفسر االختياري بالحاصل باالختيار ‪ ،‬بان يكون موقوفا على أمر اختياري‪،‬‬
‫نعم الفع‪0‬ل ب‪0‬المعنى الحاص‪0‬ل بالمص‪0‬در ه‪0‬و المقص‪0‬ود ب‪0‬التكليف‪ ،‬لكن‪0‬ه ليس مناط‪0‬ا‬
‫للتكليف وال متعلَقا له ‪ ،‬أي إن هللا تعالى كلف العبد بصرف إرادت‪00‬ه أوقدرت‪00‬ه ألم‪00‬ر معين ‪-‬‬
‫وهو الكسب‪ -‬ليترتب على هذا الصرف ذلك المعين الذي هو الحاصل بالمصدر‪ ،‬ف‪00‬المكلف‬
‫به هو هذا الصرف‪ ،‬والمقصود بالتكليف ه‪00‬و الحاص‪0‬ل بالمص‪00‬در‪ ،‬وه‪0‬و م‪00‬ترتب على ه‪0‬ذا‬
‫الصرف‪ ،‬ولعل هذا مراد التفتازاني بقوله اآلنف‪.‬‬
‫( حاصل ماتقدم )‬
‫‪ -9‬والحاصل أن الكس‪00‬ب عن‪00‬د االش‪00‬اعرة وص‪00‬در الش‪00‬ريعة عب‪00‬ارة عن تعل‪00‬ق ق‪00‬درة‬
‫العبد بالفعل‪ ،‬على أنه أثر قدرة هللا عند األشاعرة‪ ،‬وأثر قدرة العب‪00‬د عن‪00‬د ص‪00‬در الش‪00‬ريعة‪،‬‬
‫وعند الماتريدية عبارة عن تعلق إرادته بالفعل‪.‬‬
‫وهذا التعلق عند الماتريدية أثر لقدرة العبد وهو األثر الوحيد لها عن‪0‬دهم‪ ،‬وب‪0‬ذلك‬
‫يكون الماتريدية وصدر الشريعة قد تخلصوا من الجبر تخلصا جلي‪00‬ا ‪ ،‬ألن‪00‬ه إذا ك‪00‬ان تعل‪00‬ق‬
‫اإلرادة الذي هو منشأ تعلق قدرته وهو منشأ األفع‪00‬ال االختياري‪00‬ة أث‪0‬ر ق‪00‬درة العب‪00‬د أو ك‪00‬ان‬
‫تعلق القدرة نفسه أثر قدرة العبد فقد انتفى الجبر تماما‪ ،‬وثبت االختيار ثبوتا جليا‪.‬‬
‫وأما األشاعرة فتعلق اإلرادة عندهم كتعلق القدرة وهو الفع‪00‬ل ب‪00‬المعنى المص‪00‬دري‬
‫وكالفعل بمعنى الحاصل بالمصدر أثر لقدرة هللا تعالى‪ ،‬ال تأثير لقدرة العبد في شيء منه‪00‬ا‬
‫ومن أجل ذلك قيل‪ :‬إن مذهب األشاعرة جبر خفي‪ ،‬وق‪00‬الوا ‪ :‬إن العب‪00‬د عن‪00‬دهم مض‪00‬طر في‬
‫صورة مختار‪ ،‬وصار الكسب عن‪00‬د األش‪00‬عري مض‪00‬رب المث‪00‬ل في الخف‪00‬اء‪ ،‬فق‪00‬الوا‪ :‬الش‪00‬يء‬
‫‪1‬‬
‫الفالني أخفى من كسب األشعري‪.‬‬

‫‪ 1‬تحصل لنا‪ 0‬أن الفرق بين األشاعرة والماتريدية في مسألة الكسب من ثالثة أوجه‪:‬‬
‫‪-1‬أن الكسب عند األشاعرة عب‪0‬ارة عن تعل‪0‬ق ق‪0‬درة العب‪0‬د بالمق‪0‬دور‪ 0،‬وعن‪0‬د الماتريدي‪0‬ة‬
‫عبارة عن اإلرادة الجزئية‪ 0‬للعبد‪.‬‬
‫‪445‬‬
‫لكن األشاعرة مع ذلك قالوا أن للعبد إختيارا به ص‪00‬ار محال للتكلي‪00‬ف‪ ،‬وذل‪00‬ك لقي‪00‬ام‬
‫الدالئل القطعية‪ 0‬علي هذا االختيار‪.‬‬
‫منها دفع الجبر المصحح للتكليف ولورود األمر والنهي‪.‬‬
‫ومنها التفرقة الضرورية بين حركتي البطش واالرتعاش‬
‫ومنها الشعور النفسي الذي ال يخالطه شك باالختيار‬
‫ومنها ظواهر النصوص من الكتاب والسنة حيث نس‪0‬بت أفع‪0‬ال العب‪0‬اد إليهم ‪ ،‬مث‪0‬ل‬
‫قول‪00‬ه تع‪00‬الى‪ ( :‬م‪00‬ا رميت إذ رميت ولكن هللا رمى) حيث أثبت هللا تع‪00‬الى للن‪00‬بي ‪ $‬م‪00‬ا ه‪00‬و‬
‫باختي‪00‬اره وداخ‪00‬ل تحت قدرت‪00‬ه وه‪00‬و أص‪00‬ل ال‪00‬رمي ‪ ،‬ونفى عن‪00‬ه م‪00‬ا ه‪00‬و خ‪00‬ارج عن قدرت‪00‬ه‬
‫واختياره ‪ ،‬وه‪00‬و إيص‪00‬ال الرم‪00‬ل الم‪00‬رمي إلى أعين األع‪00‬داء‪.‬إلى غ‪00‬ير ذل‪00‬ك من النص‪00‬وص‬
‫يصعب حصرها‪.‬‬

‫وقالت االشاعرة في بيان مذهبهم ‪ :‬قد وردت النصوص بأن كل أمر أثر لق‪00‬درة هللا‬
‫تعالى ‪ ،‬وأنه ال أثر لقدرة العبد في شيء منها‪ ،‬مثل قول‪0‬ه تع‪0‬الى (هللا خ‪0‬الق ك‪0‬ل ش‪0‬يء) و‬
‫(وهللا خلقكم وما تعملون) و(هل من خالق غ‪00‬ير هللا) و(ق‪00‬ل إن األم‪00‬ر كل‪00‬ه هلل) و(هلل األم‪00‬ر‬
‫من قبل ومن بع‪00‬د) ومث‪00‬ل قول‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وس‪00‬لم (ال ح‪00‬ول وال ق‪00‬وة إال باهلل) وتعل‪00‬ق‬
‫اإلرادة والقدرة من الح‪00‬ول المنفي عن العب‪00‬د المحص‪00‬ور في هللا تع‪00‬الى‪ .‬إلى غ‪00‬ير ذل‪00‬ك من‬
‫النصوص الكثيرة التي يصعب إحصائها‪.‬‬
‫وكذلك قامت الدالئل القطعية‪ 0‬على أن العبد مختار في أفعال‪00‬ه‪ ،‬من ه‪00‬ذا ال‪00‬دالئل م‪00‬ا‬
‫ذكرناه آنفا‪ .‬قالوا‪ :‬فنقول‪ :‬بمقتضى كل من النصوص ومن الدالئل المذكورة‪ ،‬ونق‪00‬ول‪ :‬إن‬
‫العبد مختار لقيام الدالئل عليه ‪ ،‬وال علينا أن ال نستطيع اإلفص‪00‬اح عن اختي‪00‬اره ف‪00‬ان العلم‬
‫بالشيء ال يستلزم العلم بكيفية ذل‪0‬ك الش‪0‬يء‪ ،‬ونق‪0‬ول‪ :‬إن الجم‪0‬ع بين ه‪0‬ذين األم‪0‬رين س‪0‬ر‬
‫القدر‪ ،‬ووراء طور العقل ‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن غموض المذهب دليل على كون‪00‬ه األق‪00‬رب إلى الص‪00‬واب‪ ،‬وال‪00‬دليل على‬
‫ذلك نهي السلف عن الخوض في القدر‪ ،‬وقولهم‪ :‬إنه سر هللا تعالى‬
‫قال اإلمام الغزالي‪ :‬لم‪00‬ا بط‪00‬ل الج‪00‬بر المحض ببداه‪00‬ة الف‪00‬رق بين حرك‪00‬ة الم‪00‬رتعش‬
‫وحرك‪00‬ة المخت‪00‬ار‪ ،‬وبطلت خالقي‪00‬ة العب‪00‬د باألدل‪00‬ة العقلي‪00‬ة والنقلي‪00‬ة المبس‪00‬وطة في الكتب‬
‫الكالمية‪ ،‬وجب اعتقاد أن فعل العبد مقدور بق‪00‬درة هللا تع‪00‬الى اختراع‪00‬ا وبق‪00‬درة العب‪00‬د على‬
‫وج‪00‬ه آخ‪00‬ر مع‪00‬بر عن‪00‬ه بالكس‪00‬ب انتهى‪ .‬ق‪00‬ال موالن‪00‬ا الش‪00‬يخ خال‪00‬د بع‪00‬د نقل‪00‬ه له‪00‬ذا الكالم‪:‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن للقدرة الحادثة عالقة بالمقدور عليها مدار التكليف والث‪00‬واب‪ ،‬ووج‪00‬ود ه‪00‬ذه‬
‫العالقة بديهي‪ ،‬وهي المسماة بالكسب‪ ،‬وال يلزم أن نعلم حقيقتها وكيفيتها‪ .‬وهو في غاية‬

‫‪-2‬أن الكس‪00‬ب عن‪00‬د األش‪00‬اعرة أث‪00‬ر ق‪00‬درة هللا تع‪00‬الى‪ 0‬ال ت‪00‬أثير‪ 0‬لق‪00‬درة العب‪00‬د في‪00‬ه‪ ،‬وعن‪00‬د‬
‫الماتريدية‪ 0‬أثر قدرة العبد‪.‬‬
‫‪-3‬أن اإلرادة الجزئية‪ 0‬من الموجودات الخارجية عند األشاعرة‪ ،‬ومن األمور االعتبارية‬
‫عند الماتريدية‪ 0،‬ومن أجل ذلك جوزوا أن تكون أثر قدرة العبد‪ .‬ويتفرع عن هذه الف‪00‬روق ف‪00‬روق‬
‫أخ‪00‬رى أورده‪00‬ا وأورد الوج‪00‬وه ال‪00‬تى به‪00‬ا االش‪00‬تراك موالن‪00‬ا الش‪00‬يخ خال‪00‬د في رس‪00‬الته "العق‪00‬د‬
‫الجوهري"‪.‬‬
‫‪446‬‬
‫الحسن و مالئم لقواعد السنة السنية الغراء إذ المسألة مما ال ب‪00‬د فيه‪00‬ا من ن‪00‬وع تف‪00‬ويض‬
‫في الكيفية مع االعتقاد الراسخ في أصله‪.‬‬
‫ومذهب األشاعرة أوفق بالنص‪00‬وص‪ ،‬وم‪00‬ذهب الماتريدي‪00‬ة وص‪00‬در الش‪00‬ريعة أوف‪00‬ق‬
‫بالمعقول‪،‬‬
‫فمن أراد إبقاء النص‪0‬وص على ظواهره‪0‬ا ب‪0‬دون تخص‪0‬يص له‪0‬ا اض‪0‬طر إلى الق‪0‬ول‬
‫وتخصيص هذه النصوص الكثيرة التي لم يرد واح‪00‬د منه‪00‬ا خاص‪00‬ا ليس‬ ‫ُ‬ ‫بمذهب األشاعرة‪.‬‬
‫باألمر الهين‬
‫ومن أراد ح‪00‬ل المس‪00‬ألة بطري‪00‬ق معق‪00‬ول اض‪00‬طر إلى الق‪00‬ول بم‪00‬ذهب الماتريدي‪00‬ة‪ ،‬أو‬
‫مذهب صدر الشريعة وإلى تخصيص النصوص الصريحة في أن كل أمر أثر عن قدرة هللا‬
‫تعالى بما عدى تعليق العبد أرادته أو قدرت‪00‬ه بالفع‪00‬ل‪ ،‬وإلى إخ‪00‬راج ه‪00‬ذا التعلي‪00‬ق عن ه‪00‬ذه‬
‫العمومات‪.‬‬
‫هذا ما تحرر لنا في بيان هذه المسألة‪ .‬وهللا تعالى اعلم بالصواب‬

‫‪447‬‬
448
‫التقسم الثالثي للتوحيد بين األشاعيرة وابن تيمية‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫قسم األشاعرة التوحيد إلى ثالثة اقسام‪ :‬توحيد الذات‪ ،‬و توحيد الصفات‪ ،‬وتوحيد األفعال‪.‬‬
‫وك‪00‬ذلك قس‪00‬م ابن تيمي‪00‬ة التوحي‪00‬د إلى ثالث‪00‬ة أقس‪00‬ام‪ :‬توحي‪00‬د الربوبي‪00‬ة‪ ،‬وتوحي‪00‬د األلوهي‪00‬ة‬
‫أي التقسيمين أق‪00‬رب إلى‬ ‫وتوحيد األسماء والصفات‪ .‬ومقصدنا في هذا البحث أن نبين أن ُّ‬
‫الصواب‪ ،‬وأولى بالقبول‪.‬‬
‫فننقل أوال كالم األشاعرة في التوحيد وأقسامه‪ ،‬ثم كالمهم على الكفر وأس‪0‬بابه وأقس‪0‬امه‪،‬‬
‫وبعد ذلك ننثنِّي على تقسيم ابن تيمية للتوحيد ونتكلم عليه‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫قد قسم األش‪00‬اعرة التوحي‪00‬د إلى ثالث‪00‬ة أقس‪00‬ام‪ :‬توحي‪00‬د ال‪00‬ذات‪ ،‬وتوحي‪00‬د الص‪00‬فات‪ ،‬وتوحي‪00‬د‬
‫األفعال‪ .‬قال كمال الدين ابن أبي شريف في المسامرة شرح المسايرة (‪ :)43‬التوحيد ه‪00‬و‬
‫اعتقاد الوحدانية في الذات والصفات واألفعال‪ .‬أي إنه ثالثة أقسام‪ :‬توحيد الذات‪ ،‬وتوحيد‬
‫الصفات‪ ،‬وتوحيد األفعال‪.‬‬
‫وقد يختصر األشاعرة‪ :‬فيقولون‪ :‬التوحيد اعتقاد عدم الشريك في األلهية وخواصها‪ .‬ق‪00‬ال‬
‫سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد (‪:)3/27‬‬
‫حقيقة التوحيد اعتقاد عدم الشريك في األلهية وخواصها‪ ،‬وال ن‪0‬زاع أله‪00‬ل اإلس‪00‬الم في أن‬
‫ت‪00‬دبير الع‪00‬الم‪ ،‬وخل‪00‬ق األجس‪00‬ام‪ ،‬واس‪00‬تحقاق العب‪00‬ادة‪ ،‬وق‪00‬دم م‪00‬ا يق‪00‬وم بنفس‪00‬ه‪ ،‬كله‪00‬ا من‬
‫الخواص‪...‬‬
‫وبالجملة فنفي الشريك في األلهية ثابت عقال وشرعا‪ ،‬وفي استحقاق العبادة شرعا (وم‪00‬ا‬
‫أمروا إال ليعبدوا إلها واحدا ال إله إال هو سبحانه عما يشركون) [التوبة ‪.]31‬‬
‫وقال ابن الهمام في المسايرة‪( :‬لما ثبت وحدانيت‪0‬ه في األلهي‪0‬ة ثبت اس‪0‬تناد ك‪0‬ل الح‪0‬وادث‬
‫إليه)‪.‬‬
‫وق‪0‬ال ابن أبي ش‪0‬ريف في ش‪0‬رحه‪ :‬األلهي‪0‬ة االتص‪0‬اف بالص‪0‬فات ال‪0‬تي ألجله‪0‬ا اس‪0‬تحق أن‬
‫يكون معبودا‪ ،‬وهي صفاته التى توحد بها سبحانه فال شريك له في شيء منه‪00‬ا‪ ،‬وتس‪00‬مى‬
‫خواص األلهية‪ ،‬ومنها اإليجاد من العدم وتدبير العالم والغنى المطلق (المسامرة ‪)58‬‬

‫‪449‬‬
‫وقال أيضا‪( :‬صـ ‪ :)43‬واعلم أن الوح‪00‬دة تطل‪00‬ق بمع‪00‬نى انتف‪00‬اء قب‪00‬ول اإلنقس‪00‬ام‪ ،‬وبمع‪00‬نى‬
‫انتف‪00‬اء الش‪00‬بيه‪ ،‬والب‪00‬اري تع‪00‬الى واح‪00‬د بك‪00‬ل من المعن‪00‬يين أيض‪00‬ا‪ .‬أم‪00‬ا األول‪ :‬فلتعالي‪00‬ه عن‬
‫الوصف بالكمي‪00‬ة وال‪00‬تركيب من األج‪00‬زاء والح‪00‬د والمق‪00‬دار‪ .‬وأم‪00‬ا الث‪00‬اني‪ :‬فحاص‪00‬له انتف‪00‬اء‬
‫المشابه له تعالى بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫وأما كالم األشاعرة على الكفر وأسبابه وأقسامه فننقل فيه كالم ابن الهمام في المسايرة‬
‫مع شرحه البن أبي شريف وذلك لما اش‪0‬تمل علي‪0‬ه كالمهم‪0‬ا من بيان‪0‬ات تتعل‪0‬ق بموض‪0‬وع‬
‫التوحيد والشرك‪ ،‬ومن االستدالل على وجود هللا تعالى باألدلة القرآنية وبشهادة الفط‪00‬رة‪.‬‬
‫وابن الهم‪0‬ام وإن ك‪0‬ان حنفي الم‪0‬ذهب لكن‪0‬ه ج‪0‬ار على منهج األش‪0‬اعرة في العقي‪0‬دة‪ ،‬وأم‪0‬ا‬
‫كمال الدين ابن أبي شريف فهو شافعي أشعري‪ .‬وإليك كالمهما‬
‫(األصل األول العلم بوجوده) تعالى‪ ،‬وأولى ما تستضاء به من األنوار‪ ،‬ويس‪00‬لك من ط‪00‬رق‬
‫االعتبار ما اشتمل عليه القرآن‪ ،‬فليس بعد بيان هللا تعالى بيان ( وقد أرشد سبحانه إلي‪00‬ه)‬
‫أي إلى وجوده تعالى (بآيات نحو) قوله تعالى‪( :‬إن في خلق السموات واألرض واختالف‬
‫الليل والنهار والفلك التى تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل هللا من السماء فأحي‪00‬ا‬
‫به األرض بعد موته‪00‬ا وبث فيه‪00‬ا من ك‪00‬ل داب‪00‬ة وتص‪00‬ريف الري‪00‬اح والس‪00‬حاب المس‪00‬خر بين‬
‫الس‪00‬ماء واألرض آلي‪00‬ات‪ .‬و) نح‪00‬و (قول‪00‬ه)‪ ( :‬أف‪00‬رأيتم م‪00‬ا تمن‪00‬ون أأنتم تخلقون‪00‬ه أم نحن‬
‫الخالقون‪ .‬و) قوله تعالى‪( :‬أفرايتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء‬
‫لجعلناه حطاما) أي متحطما وهو المتكس‪00‬ر ليبس‪00‬ه (و) قول‪00‬ه تع‪00‬الى (أف‪00‬رايتم الم‪00‬اء ال‪00‬ذي‬
‫تشربون أأنتم‪ 0‬أنزلتم‪0‬وه من الم‪0‬زن) أي‪ :‬الس‪0‬حاب (أم نحن الم‪0‬نزلون) ل‪0‬و نش‪0‬اء لجعلن‪0‬اه‬
‫أجاجا‪ .‬أي شديد الملوحة ال يمكن ذوقه (و) قوله تعالى‪ ( :‬أفرئيتم النار التي تورون أأنتم‬
‫أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون)‪.‬‬
‫فمن أدار نظ‪00‬ره في عج‪00‬ائب تل‪00‬ك الم‪00‬ذكورات من األرض‪00‬ين والس‪00‬ماوات وب‪00‬دائع فط‪00‬رة‬
‫الحيوان والنبات‪ ،‬وسائر م‪00‬ا اش‪00‬تملت علي‪00‬ه اآلي‪00‬ات (اض‪00‬طره) ذل‪00‬ك (إلى الحكم ب‪00‬أن ه‪00‬ذه‬
‫األمور مع هذا الترتيب المحكم‪ 0‬الغريب ال يستغنى كل) منها ( عن صانع أوجده) من العدم‬
‫(وحكيم رتبته) على قانون أوضع في‪0‬ه فنون‪0‬ا من الحكم (وعلى ه‪0‬ذا درجت ك‪0‬ل العقالء إال‬
‫من ال عبرة بمكابرتهم) وهم بعض الدهرية‪.‬‬
‫(وإنما كفروا باإلشراك) حيث دعوا مع هللا إلها آخر‪.‬‬
‫(ونسبة) أي بنسبة (بعض الح‪00‬وادث إلى غ‪0‬يره تع‪00‬الى وإنك‪00‬ار) أي وبإنك‪00‬ار (م‪0‬ا جع‪00‬ل هللا‬
‫تعالى إنكاره كفرا كالبعث وإحياء الموتى) ‪.‬‬
‫ومث‪00‬ل المص‪00‬نف ال‪00‬ذين أش‪00‬ركوا بقول‪00‬ه‪( :‬ك‪00‬المجوس بالنس‪00‬بة إلى الن‪00‬ار) حيث عب‪00‬دوها‪،‬‬
‫فدعوها إلها آخر‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك (والوثنيين باألصنام) أي بسببها فإنهم عبدوها‪.‬‬
‫(والصائبئة بالكواكب) أي بسبب الكواب حيث عبدوها من دون هللا تعالى‪.‬‬
‫وأما نسبة الحوادث إلى غ‪00‬يره تع‪00‬الى ف‪00‬المجوس ينس‪00‬بون الش‪00‬ر إلى أه‪00‬رمن‪ ،‬والوث‪00‬نيون‬
‫ينسبون بعض اآلثار إلى األصنام كما أخبر هللا تعالى عنهم بقول‪00‬ه‪( :‬إن نق‪00‬ول إال اع‪00‬تراك‬
‫بعض آالهتن‪00‬ا بس‪00‬وء)‪ ،‬والص‪00‬ابئون ينس‪00‬بون بعض اآلث‪00‬ار إلى الك‪00‬واكب‪ ،‬تع‪00‬الى هللا عم‪00‬ا‬
‫يشركون‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫(واعترف الكل بأن خلق السماوات واألرض واأللوهية األصلية هلل تعالى‪ .‬قال هللا تع‪00‬الى‪:‬‬
‫(ولئن سألتهم من خل‪00‬ق الس‪00‬ماوات واألرض ليق‪00‬ولن هللا) (فه‪00‬ذا) أي اإلع‪00‬تراف بم‪00‬ا ذك‪00‬ر‬
‫(كان) ثابتا (في فطرهم) من مبدأ خلقهم‪ ،‬قد جبلت علي‪00‬ه عق‪00‬ولهم‪ .‬ق‪00‬ال هللا تع‪00‬الى‪( :‬ف‪00‬أقم‬
‫وجهك للدين حنيفا فطرة هللا التي فطر الناس عليها ال تبديل لخل‪00‬ق هللا ذال‪00‬ك ال‪00‬دين القيم‪،‬‬
‫ولكن أكثر الناس ال يعلمون)‪.‬‬
‫(ول‪00‬ذا) أي لك‪00‬ون اإلع‪00‬تراف بم‪00‬ا ذك‪00‬ر ثابت‪00‬ا في فط‪00‬رهم (ك‪00‬ان المس‪00‬موع من األنبي‪00‬اء)‪-‬‬
‫المبعوثين عليهم أفض‪00‬ل الص‪00‬الة والس‪00‬الم‪( -‬دع‪00‬وة الخل‪00‬ق إلى التوحي‪00‬د) والم‪00‬راد ب‪00‬ه هن‪00‬ا‬
‫إعتقاد ع‪0‬دم الش‪0‬ريك في األلوهي‪0‬ة وخواص‪0‬ها كت‪0‬دبير الع‪0‬الم‪ ،‬واس‪0‬تحقاق العب‪0‬ادة‪ ،‬وخل‪0‬ق‬
‫األجس‪00‬ام‪ ،‬ب‪00‬دليل أن‪00‬ه بين التوحي‪00‬د بقول‪00‬ه‪( :‬ش‪00‬هادة أن ال إل‪00‬ه إال هللا‪ ،‬دون أن يش‪00‬هدوا أن‬
‫للخلق إلها) لما مر من أن ذلك كان ثابت‪00‬ا في فط‪00‬رهم‪ ،‬ففي فط‪00‬رة اإلنس‪00‬ان وش‪00‬هادة آي‪00‬ات‬
‫القرآن ما يغنى عن إقامة البرهان‪ .‬انتهى كالم المسايرة مع شرحها المس‪00‬امرة (‪-16-15‬‬
‫‪.)17‬‬
‫هذا هو كالم األشاعرة في التوحيد وفي الشرك حيث فسروا التوحيد بإعتقاد الوحدانية هلل‬
‫تعالى في الذات والصفات واألفعال‪ ،‬أي اعتقاد أنه ال يوجد ذات مثل ذاته‪ ،‬وال يوجد لغيره‬
‫صفات مثل صفاته وأنه المتفرد بخلق األش‪0‬ياء وإيجاده‪0‬ا وليس لغ‪0‬يره أي دخ‪0‬ل في خل‪0‬ق‬
‫األشياء وإيجادها‪.‬‬
‫وبعبارة أخ‪0‬رى‪ :‬التوحي‪00‬د‪ :‬اعتق‪0‬اد ع‪0‬دم الش‪00‬ريك في اإللوهي‪00‬ة وخواص‪0‬ها‪ .‬واإللوهي‪00‬ة هي‬
‫اإلتصاف بالصفات التى ألجلها استحق أن يكون معبودا‪.‬‬
‫وهذه الصفات هي المسمات بخ‪00‬واص اإللوهي‪00‬ة‪ ،‬وهي خل‪00‬ق الع‪00‬الم‪ ،‬وت‪00‬دبيره واس‪00‬تحقاق‬
‫العبادة‪ ،‬والتفرد بحق التشريع‪ ،‬والغنى المطلق عن غيره‪.‬‬
‫وقد يعبرون عن هذا التوحيد بنفي التشبيه أي‪ :‬اعتقاد أنه ال مش‪00‬ابه ل‪00‬ه تع‪00‬الى بوج‪00‬ه من‬
‫الوجوه ال في ذاته وال في صفاته وال في أفعاله ( ليس كمثله شيء وهو السميع العليم)‪.‬‬
‫هذا هو معنى التوحيد‪ ،‬وهو الذي به بعثت األنبياء‪ ،‬ويقابله الشرك‪ ،‬وهو اعتقاد الش‪00‬ريك‬
‫هلل تعالى في ذاته‪ ،‬أو في صفاته أو في أفعاله‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى هو اعتقاد الشريك في اإللهية وخواصها أو شيء من خواصها‪.‬‬
‫وبعباة أخرى هو اعتقاد المشابه هلل تعالى في ذاته أو في صفاته أو في أفعاله‪.‬‬
‫وقد يطلق التوحيد على نفي قبول االنقسام‪ 0‬لتعاليه تعالى عن الوص‪00‬ف بالكمي‪00‬ة وال‪00‬تركيب‬
‫من األجزاء والحد والمقدار‪.‬‬
‫هذا حاصل كالم األشاعرة في التوحيد والشرك‪ ،‬وهو كالم دقيق محقق ال غبار عليه‪.‬‬
‫وأما التقسيم الثالثي للتوحيد الذي قرره ابن تيمية فنتكلم عليه بش‪00‬يء من التوس‪00‬ع ونب‪00‬دأ‬
‫أوال بالكالم على توحيد الربوبية وتوحيد األلوهية‪.‬‬
‫وقبل الخوض في ذلك نتكلم على كلمتي الربوبية واأللوهية‪ .‬فنقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫الربوبية‪ :‬اسم موضوع للداللة على الصفات التى يتصف بها ال‪00‬رب الخ‪00‬الق ج‪00‬ل وعال أي‬
‫الصفات التى يقتضيها كونه تعالى ربا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ًّ‬
‫ب فالنٌ الولد أو الصبي أو المهر يَ ُرًبّ‪0‬هُ رب‪00‬ا‪،‬‬‫ب يَ ُر ُّب‪ ،‬يقال‪َ :‬ر َّ‬
‫والرب‪ :‬في األصل مصدر َر ّ‬
‫كما يقال‪ :‬رباه يربيه تربية‪ ،‬والتربية –كما يقولون‪ -‬تبليغ الشيء إلى الكمال شيئا فشيئا‪.‬‬

‫‪451‬‬
‫ثم نقلت كلمة الرب من مع‪0‬نى المص‪0‬در إلى مع‪0‬نى الم‪0‬ربي‪ ،‬ثم توس‪0‬ع في معناه‪0‬ا ف‪0‬أطلقت‬
‫على الس‪00‬يد واألم‪00‬ير‪ ،‬ومال‪00‬ك الش‪00‬يء‪ ،‬والمنعم‪ 0‬إلى غ‪00‬ير ذل‪0‬ك من المع‪00‬اني القريب‪00‬ة ألص‪00‬ل‬
‫معن‪00‬اه‪ .‬ولم‪00‬ا ك‪00‬انت التربي‪00‬ة الحقيقي‪00‬ة لك‪00‬ل المخلوق‪00‬ات بخلقه‪00‬ا ابت‪00‬داء‪ ،‬وإم‪00‬دادها بالبق‪00‬اء‬
‫ورعايتها وتنميتها‪ ،‬صفة من صفات الرب جل وعال كان سبحانه هو رب العالمين‪ ،‬ورب‬
‫كل شيء فالربوبية هي الوصف الجامع لكل صفات هللا ذات العالق‪00‬ة واألث‪00‬ر في مخلوقات‪00‬ه‬
‫واسم الرب هو اإلسم الدال على كل هذه الصفات‪.‬‬
‫وأما كلمة األلوهية فبمعنى العبادة‪ ،‬ويقال فيها‪ :‬ألوهة وإلهة‪ ،‬وقال أهل اللغة‪ :‬التأل‪00‬ه ه‪00‬و‬
‫التعبد والتنسك‪ ،‬والتأليه هو التعبيد‪ ،‬وقالوا‪ :‬إله على وزن فعال ه‪00‬و بمع‪00‬نى مفع‪00‬ول‪ ،‬أي‪:‬‬
‫مألوه بمعنى معبود‪ ،‬سواء كان معبودا بحق أم بباط‪00‬ل‪ ،‬فاإلل‪00‬ه ه‪00‬و المعب‪00‬ود‪(.‬انظ‪00‬ر لس‪00‬ان‬
‫العرب والقاموس المحيط)‪.‬‬
‫فظهر من هذا أن األلوهية بمعنى العبادة‪ ،‬وليس بمعنى الكون إلها‪ ،‬وأن إطالقه على ه‪00‬ذا‬
‫المعنى في كالم كثير من العلماء لحن‪ ،‬وإنما الذي يصح إطالقه على هذا المعنى هو كلمة‬
‫اإللهية مصدر جعلي من كلمة اإلله‪ ،‬وهو الذي استعمله المحققون من العلماء‪ ،‬فمع‪00‬نى ال‬
‫إله إال هللا ال معبود بحق إال هللا‪ ،‬بمعنى ال متصف بالصفات التي ألجلها استحق أن يك‪00‬ون‬
‫معبودا إال هللا‪ ،‬وهذه الصفات هي المسماة بخواص اإللوهي‪0‬ة‪ ،‬وهي خل‪0‬ق الع‪0‬الم وت‪0‬دبيره‬
‫وتربيته أي تبليغه إلى الكمال شيئا فشيئا‪ ،‬والغنى المطل‪00‬ق عن غ‪00‬يره‪ ،‬وافتق‪00‬ار م‪00‬ا س‪00‬واه‬
‫إليه وتفرده بحق التشريع‪ ،‬ويتفرع عن هذه الصفات وينبنى عليها استحقاق العبادة‪.‬‬
‫فظهر من هذا أن توحيد اإللهية أي إفراد هللا تع‪00‬الى بالعب‪0‬ادة متف‪0‬رع عن توحي‪00‬د الربوبي‪00‬ة‬
‫ومنبن عليه ومالزم له‪ ،‬فالناس إنما يعب‪00‬دون من يعتق‪00‬دون في‪00‬ه الربوبي‪00‬ة س‪00‬واء اعتق‪00‬دوا‬
‫فيه ربوبية كب‪0‬يرة مطلق‪0‬ة‪ ،‬وه‪0‬ذا م‪0‬ا أثبت‪0‬ه المت‪0‬ألهون هلل تع‪0‬الى‪ ،‬أم اعتق‪0‬دوا في‪0‬ه ربوبي‪0‬ة‬
‫محدودة صغيرة مستمدة من الرب األكبر‪ ،‬وهذا ما كان يعتقده معظم أصناف ال‪00‬ذين ك‪00‬انوا‬
‫يعبدون إلها أو آلهة من دون هللا في معبوديهم‪ ،‬ف‪00‬إن معظمهم ك‪00‬انوا يعب‪00‬دونهم بن‪00‬اء على‬
‫اعتق‪00‬ادهم أن هللا تع‪00‬الى ق‪00‬د ف‪00‬وض إليهم التص‪00‬رف في بعض األم‪00‬ور‪ ،‬وتخلى لهم عنه‪00‬ا‬
‫بمع‪00‬نى أن هللا تع‪00‬الى ق‪00‬د خ‪00‬ولهم ربوبي‪00‬ة ص‪00‬غيرة مح‪00‬دودة فاس‪00‬تحقوا‪ 0‬ب‪00‬ذلك أن يُ ْعبَ‪00‬دُوا‬
‫اس ‪00‬تعطافا ل ‪00‬رحمتهم‪ ،‬وابتع ‪00‬ادا عن غض ‪00‬بهم وس ‪00‬خطهم‪ 0.‬فمن أج ‪00‬ل أنهم اعتق‪000‬دوا فيهم‬
‫الربوبية اعتقدوا فيهم اإللهية‪.‬‬
‫والذين يعبدون إلها أو آلهة من دون هللا أصناف‪:‬‬
‫الصنف األول‪ :‬هم الذين تحدث هللا عنهم بقوله‪( :‬أال هلل الدين الخالص والذين اتخ‪00‬ذوا‪ 0‬من‬
‫دون‪00‬ه أولي‪00‬اء م‪00‬ا نعب‪00‬دهم إال ليقربون‪00‬ا إلى هللا زلفى إن هللا يحكم بينهم فيم‪00‬ا ك‪00‬انوا في‪00‬ه‬
‫يختلفون إن هللا ال يهدى من هو كاذب كفار) [الزمر ‪.]3‬‬
‫فهذا الصنف من المشريكين يؤمنون باهلل تعالى‪ ،‬وال يعتق‪0‬دون فيم‪0‬ا يعبدون‪0‬ه من دون هللا‬
‫مشاركة هلل ال في الخلق وال في التصرف في أحوال أهل األرض من رزق وص‪00‬حة وحم‪00‬ل‬
‫ووالدة وكون الجنين ذكرا أو سليما‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وإنما يعتقدون فيهم أن هللا تعالى قد جعلهم وسطاء بين‪00‬ه وبين عب‪00‬اده‪ ،‬وأن‪00‬ه ال يتم تق‪00‬رب‬
‫العبد إلى هللا تعالى إال بواسطتهم‪ 0‬وعن طريق تقريب هذا الوسيط لهم إلى هللا تعالى‬

‫‪452‬‬
‫والصنف الثاني‪ :‬هم الذين تحدث هللا تعالى عنهم بقول‪00‬ه‪( :‬فمن أظلم ممن اف‪00‬ترى على هللا‬
‫كذبا أو كذب بآياته إنه ال يفلح المجرمون ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪0‬ه وس‪0‬لم ويعب‪0‬دون من دون‬
‫هللا ما ال يضرهم وال ينفعهم ويقولون هؤالء ش‪00‬فعائنا عن‪00‬د هللا ق‪00‬ل أتنب‪00‬ؤن هللا بم‪00‬ا ال يعلم‬
‫في السماوات واألرض سبحانه وتعالى عما يشركون) [يونس ‪.]18-17‬‬
‫فهذا الصنف من المشركين لم يكونوا‪ 0‬يعبدون آلهتهم ألجل أن تنفعهم‪ 0‬في أمور دنياهم وال‬
‫ألجل أن ال تضرهم فيها بل كانوا يعبدونهم ألنهم ك‪00‬انوا يعتق‪00‬دون في آلهتهم أنهم يملك‪00‬ون‬
‫الش‪00‬فاعة عن‪00‬د هللا ب‪00‬دون إذن من هللا‪ ،‬أو أن هللا ق‪00‬د خ‪00‬ولهم ه‪00‬ذا التص‪00‬رف الخ‪00‬اص وه‪00‬و‬
‫التص‪00‬رف في الش‪00‬فاعة‪ ،‬وأنهم يتص‪00‬رفون في الش‪00‬فاعة على حس‪00‬ب م‪00‬ا يش‪00‬اءون ال على‬
‫حسب ما يشاء هللا تعالى‪.‬‬
‫وقد أشار هللا تعالى إلى هذا المعنى بقوله تعالى‪( :‬أم اتخذوا من دون هللا شفعاء ق‪00‬ل أول‪00‬و‬
‫كانوا ال يملكون شيئا وال يعقلون صلى هللا عليه وآله وسلم قل هلل الشفاعة جميعا له مل‪0‬ك‬
‫الس‪00‬ماوات واألرض ثم إلي‪00‬ه ترجع‪00‬ون) [الزمر‪ ]44-43‬ف‪00‬رد هللا تع‪00‬الى عليهم ب‪00‬أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنهم اليملكون شيئا ال الشفاعة وال غيره‪0‬ا‪ .‬وه‪00‬ذا رد على اعتق‪0‬ادهم أنهم يملك‪0‬ون‬
‫الشفاعة عند هللا بدون إذن من هللا‪ ،‬فإن الملك يقتضى تص‪00‬رف ص‪00‬احبه فيم‪0‬ا ملك‪00‬ه ب‪00‬دون‬
‫إذن من أحد‪ .‬واألمر الثاني‪ :‬أن الشفاعة كلها هلل فم‪0‬ا من ش‪0‬افع يش‪0‬فع إال بإذن‪0‬ه‪ ،‬وليس‪0‬ت‬
‫الش‪00‬فاعة وح‪00‬دها هلل‪ ،‬ب‪00‬ل ل‪00‬ه مل‪00‬ك الس‪00‬ماوات واألرض وإلي‪00‬ه ترجع‪00‬ون‪ ،‬فيفص‪00‬ل بينكم‬
‫ويجازيكم على وعقائدكم‪ ،‬أعمالكم‪.‬‬
‫فالمش‪00‬ركون من ه‪00‬ذا الص‪00‬نف ك‪00‬انوا يعتق‪00‬دون في آلهتهم مل‪00‬ك الش‪00‬فاعة والتص‪00‬رف فيه‪00‬ا‬
‫حسب ما شاءوا ال حسب ما ش‪00‬اء هللا‪ ،‬وك‪00‬ان المش‪00‬ركون يعب‪00‬دونهم اس‪00‬تعطافا لهم وجلب‪00‬ا‬
‫لرحمتهم أن يشفعوا‪ 0‬لهم عند هللا‪.‬‬
‫والصنف الثالث من المشركين‪ :‬كانوا يعتقدون في آلهتهم النفع والضر‪ ،‬وإنه‪00‬ا تجلب لهم‬
‫الخيرات وتدفع عنهم الباليا وتنصرهم على أعدائهم‪ ،‬ويعتقدون أن هللا تع‪00‬الى ق‪00‬د خ‪00‬ولهم‬
‫هذه الربوبية الصغيرة وتخلى لهم عنها كما يولي الملوك الوالة على المن‪00‬اطق الص‪00‬غيرة‪،‬‬
‫فك‪00‬ان ه‪00‬ذا الص‪00‬نف يعتق‪00‬دون في آلهتهم ه‪00‬ذه الربوبي‪00‬ة الص‪00‬غيرة ومن أج‪00‬ل ذل‪00‬ك ك‪00‬انوا‬
‫يعبدونهم ويألهونهم‪.‬‬
‫وقد ذكر هللا تعالى هذا الصنف بقوله‪( :‬واتخذو من دون هللا آله‪00‬ة لعلهم ينصرونص‪0‬لى هللا‬
‫عليه وآله وسلم ال يس‪00‬تطيعون نص‪00‬رهم وهم لهم جن‪00‬د محض‪00‬رون) [يس‪ .]75-74‬وقول‪00‬ه‬
‫تع‪00‬الى‪( :‬واتخ‪00‬ذوا من دون هللا آله‪00‬ة ليك‪00‬ون لهم ع‪00‬زا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لمكال‬
‫سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) [مريم ‪.]82-81‬أي واتخذ المش‪00‬ركون من دون‬
‫هللا آله‪00‬ة يعب‪00‬دونها لتج‪00‬ازيهم على عب‪00‬ادتهم ب‪00‬أن تك‪00‬ون بتأثيراته‪00‬ا الغيبي‪00‬ة س‪00‬ببا لع‪00‬زهم‬
‫وغلبتهم على أعدائهم‪.‬‬
‫وه‪00‬ذه األن‪00‬واع الثالث‪00‬ة من الش‪00‬رك هي ال‪00‬تي ك‪00‬ان عليه‪00‬ا معظم المش‪00‬ركين من الع‪00‬رب في‬
‫جاهليتهم‪ .‬وربما كانوا يعتقدون في آلهتهم مجموع هذه المعاني الثالثة أو اثنين منها‪.‬‬
‫والصنف الرابع من المشركين‪ :‬كانوا يعطون ح‪00‬ق التش‪00‬ريع ال‪00‬ذي ه‪00‬و خ‪00‬اص باهلل تع‪00‬الى‬
‫لغيره من األحب‪00‬ار والرهب‪00‬ان وق‪00‬د ذك‪00‬ر هللا تع‪00‬الى ه‪00‬ذا الص‪00‬نف بقول‪00‬ه‪( :‬اتخ‪00‬ذوا أحب‪00‬ارهم‬
‫ورهبانهم أرباب‪00‬ا من دون هللا) [التوب‪00‬ة ‪ ]31‬وأش‪00‬ار إلي‪00‬ه بقول‪00‬ه‪( :‬واليتخ‪00‬ذ بعض‪00‬نا بعض‪00‬ا‬

‫‪453‬‬
‫أربابا من دون هللا )[آل عمران‪ ]64‬فأعطى هذا الصنف من المشركين األحب‪00‬ار والرهب‪00‬ان‬
‫حق التشرع وهو من خ‪00‬واص الربوبي‪00‬ة وص‪0‬فاتها‪ ،‬فاتخ‪0‬ذوهم ب‪0‬ذلك أرباب‪0‬ا‪ ،‬ثم أط‪00‬اعوهم‬
‫فيما شرعوا من األحكام‪ ،‬وبذلك كانوا ق‪00‬د عب‪00‬دوهم وأله‪00‬وهم؛ ف‪00‬إن اإلطاع‪00‬ة في التش‪00‬ريع‬
‫نوع من العبادة‪.‬‬
‫والص‪00‬نف الخ‪00‬امس‪ :‬هم ال‪00‬ذين يعتق‪00‬دون فيمن يعب‪00‬دونهم أنهم هم األرب‪00‬اب وأن‪00‬ه ال خ‪00‬الق‬
‫للسماوات واألرض وال متصرف فيها إال أرابابهم التى يعبدونها‪ .‬وه‪00‬ؤالء أص‪00‬ناف كث‪00‬يرة‬
‫فمنهم أهل التثنية وأهل التثليث ومنهم من يعددون اآللهة فوق ذلك‪.‬‬
‫وأهل هذا الشرك لهم أرباب يجعلونه‪00‬ا مش‪00‬تركة فيم‪00‬ا بينه‪00‬ا في الربوبي‪00‬ة وتص‪00‬اريفها في‬
‫الكون‪ ،‬وقد يجسدونها في أجسام مادية‪ ،‬أو يعتقدون أنه‪00‬ا ق‪00‬د تح‪00‬ل في أجس‪00‬ام مادي‪00‬ة‪ ،‬أو‬
‫تظهر بصور بشرية‪.‬‬
‫وه‪00‬ذه األص‪00‬ناف الخمس‪00‬ة من المش‪00‬ركين هم ال‪00‬ذين ك‪00‬انوا يعب‪00‬دون آله‪00‬ة من دون هللا عن‬
‫اقتناع‪ ،‬وكانوا يألهونها بناء على اعتقادهم فيه‪00‬ا الربوبي‪00‬ة إم‪00‬ا ربوبي‪00‬ة ص‪00‬غيرة مح‪00‬دودة‬
‫مس‪00‬تمدة من ربوبي‪00‬ة هللا تع‪00‬الى كم‪00‬ا ه‪00‬و ح‪00‬ال األص‪00‬ناف األربع‪00‬ة األول‪ ،‬وه‪00‬و ح‪00‬ال معظم‬
‫مشركي العرب في جاهليته‪ ،‬أو ربوبية حقيقية كبيرة كما هو حال الصنف الخامس‪.‬‬
‫الصنف السادس من المشركين‪ :‬ن‪0‬اس ك‪0‬انوا ال يعتق‪00‬دون في معب‪00‬وداتهم ش‪00‬يئا من مع‪00‬انى‬
‫الربوبية فلم يكونوا يعبدونها عن عقيدة واقتناع بل كانوا يعب‪00‬دونها ويألهونه‪00‬ا بن‪00‬اء على‬
‫مصلحة اجتماعية وهو الحفاظ على الوحدة القومية‪ ،‬وعدم تفريق الكلمة فيها حيث كانت‬
‫آلهتهم التي يعبدونها ويقدسونها بمثابة رم‪0‬وز رب‪0‬اط وح‪0‬دة قومي‪0‬ة‪ ،‬تجم‪0‬ع أف‪0‬رادهم على‬
‫مودة تسوقوهم على التع‪00‬اون والتناص‪00‬ر وعلى ك‪00‬ل م‪00‬ا تقتض‪00‬يه األخ‪00‬وة بين جماع‪00‬ة ذات‬
‫كيان واحد‪.‬‬
‫وهذا ما كشفه إبراهيم عليه السالم لقومه‪ .‬قال هللا تعالى في معرض ذكر لقطات من قصة‬
‫إبراهيم وقومه‪( :‬وقال إنما اتخذتم من دون هللا أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم ي‪00‬وم‬
‫القيامة يكف‪00‬ر بعض‪00‬كم ببعض ويلعن بعض‪00‬كم بعض‪00‬ا وم‪0‬أواكم‪ 0‬الن‪0‬ار وم‪0‬ا لكم من ناص‪0‬رين)‬
‫[العنكبوت ‪.]25‬‬
‫من هذا التصنيف للمشركين‪ ،‬ومما تق‪00‬دم س‪0‬رده من النص‪0‬وص القرآني‪00‬ة‪ ،‬وهي غيض من‬
‫فيض وقليل من كثير من النصوص المتعلقة بالموض‪00‬وع‪ ،‬من ه‪00‬ذا ظه‪00‬ر لن‪00‬ا أن الربوبي‪00‬ة‬
‫هي األساس الذي تنبني عليه اإللهية‪ ،‬فمن كانت له الربوبية فمن حق‪00‬ه على مربوبي‪00‬ه أن‬
‫يؤلهوه‪ ،‬وظهر أن المشركين الذين ك‪00‬انوا يعب‪00‬دون من دون هللا آله‪00‬ة عن عقي‪00‬دة واقتن‪00‬اع‬
‫إنما كانوا يعب‪00‬دونهم وي‪00‬ألهونهم بن‪00‬اء على اعتق‪00‬ادهم فيهم الربوبي‪00‬ة إم‪00‬ا ربوبي‪00‬ة ص‪00‬غيرة‬
‫محدودة أو ربوبية أصلية مطلقة‪.‬‬
‫ومن هذا ظهر خط‪0‬أ ال‪0‬ذين ي‪0‬رون أن جمي‪00‬ع الع‪0‬رب في ج‪0‬اهليتهم ك‪00‬انوا يؤمن‪0‬ون بتوحي‪00‬د‬
‫الربوبية هلل عز وجل‪ ،‬إال أنهم كانوا يعبدون مع هللا آلهة أخرى فيتخذونها ش‪00‬ركاء هلل في‬
‫إلهيته دون أن يجعلوها شركاء هلل في ربوبيته‪.‬‬
‫وذلك ألن النصوص القرآنية ومنها ما أوردناه آنفا تبين أن أكثر العرب كانوا يجعلون مع‬
‫هللا ش‪00‬ركاء في بعض ص‪00‬فات ربوبيت‪00‬ه ال في كله‪00‬ا‪ ،‬ومن أج‪00‬ل ذل‪00‬ك ك‪00‬انوا يطلب‪00‬ون من‬
‫شركائهم الرحمة والرزق والنصر‪ ،‬وكثيرا من مطالبهم الدنيوية‪ ،‬وك‪00‬انوا يعب‪00‬دون آلهتهم‬

‫‪454‬‬
‫طمعا في أن يحققوا‪ 0‬لهم ما يرجون بمعونات غيبية هي من خصائص الرب الخ‪00‬الق ال‪00‬ذي‬
‫بيده مقاليد كل شيء‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫ولما كانت اإللهية هي الالزم العقلي المباشر للربوبية‪ ،‬وك‪00‬انت الربوبي‪00‬ة في الوج‪00‬ود كل‪00‬ه‬
‫هلل وحده ال شريك له فيها وجب عقال وجوبا حتميا أن تكون اإللهية خاص‪00‬ة باهلل وح‪00‬ده ال‬
‫يشاركه فيها أحد‪.‬‬
‫ومن أج‪00‬ل ه‪00‬ذه الحقيق‪0‬ة‪ 0‬ك‪00‬ان منهج الق‪00‬رآن الك‪00‬ريم لإلقن‪00‬اع بتوحي‪00‬د اإللهي‪00‬ة هلل وح‪00‬ده ال‬
‫شريك له‪ ،‬يعتمد على تذكير ذوى الفكر بتوحيد الربوبية هلل عز وج‪00‬ل‪ ،‬وأن‪00‬ه ال ش‪00‬ريك ل‪00‬ه‬
‫في الربوبي‪00‬ة‪ ،‬أو على تن‪00‬بيههم على ه‪00‬ذه الحقيق‪00‬ة‪ ،‬ويعتم‪00‬د في بعض النص‪00‬وص على‬
‫استئناف عرض أدلة تثبت أن الربوبية في الوجود كل‪00‬ه هلل وح‪00‬ده ال ش‪00‬ريك ل‪00‬ه‪ ،‬وت‪00‬راعى‬
‫في هذا التنويع مقتضيات أحوال المخاطبين إبّان نزول النص‪.‬‬
‫ومن هذه النصوص القرآنية ما يلى‪( :‬يا أيها الناس اعبدوا ربكم ال‪00‬ذي خلقكم وال‪00‬ذين من‬
‫قبلكم) [البقرة‪( ]21‬وما لي ال أعبد الذي فط‪00‬رني وإلي‪00‬ه ترجع‪00‬ون ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وس‪00‬لم أأتخ‪00‬ذ من دون‪00‬ه آله‪00‬ة إن ي‪00‬ردن ال‪00‬رحمن بض‪00‬ر ال تغ‪00‬ني ع‪00‬نى ش‪00‬فاعنهم ش‪00‬يئا وال‬
‫ينقذونصلى هللا عليه وآله وسلم إني إذا لفي ضالل مبين ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم إني‬
‫آمنت ب‪00‬ربكم فاس‪00‬معون) [يس ‪ ( ]25-22‬رب الس‪00‬موات واألرض وم‪00‬ا بينهم‪00‬ا فاعب‪00‬دوه‬
‫واصطبر لعبادت‪0‬ه ه‪0‬ل تعلم ل‪0‬ه س‪0‬ميا) [م‪0‬ريم‪( ]65‬واتخ‪0‬ذوا من دون هللا آله‪0‬ة ال يخلق‪0‬ون‬
‫ش‪0‬يئا وهم يخلق‪0‬ون وال يملك‪0‬ون ألنفس‪00‬هم ض‪0‬را وال نفع‪0‬ا وال يملك‪00‬ون موت‪00‬ا وال حيات‪0‬ا وال‬
‫نشورا) [الفرقان‪( ]3‬يا أيها الناس اذكروا نعمة هللا عليكم هل من خالق غ‪00‬ير هللا ي‪00‬رزقكم‬
‫من السماء واألرض ال إله إال هو فأنى تؤفكون) [الفاطر ‪( ]3‬أال يسجدوا هلل ال‪00‬ذي يخ‪00‬رج‬
‫الخبأ في السموات واألرض) [النمل ‪( ]25‬قل أعوذ برب الناس مل‪00‬ك الن‪00‬اس إل‪00‬ه الن‪00‬اس)‬
‫[الناس‪ ]3-1‬جاء البيان في هذه السورة مرتبا ترتيب‪00‬ا عقلي‪00‬ا منطقي‪00‬ا‪ ،‬فإثب‪00‬ات ربوبي‪00‬ة هللا‬
‫للناس يلزم منه لزوما عقليا منطقيا إثبات كونه مالكا لهم فهم عبيده وكون‪00‬ه ملك‪00‬ا عليهم‪،‬‬
‫ويلزم منهما لزوما عقليا منطقيا إثبات إلهيته لهم‪ ،‬وبما أنهم ال رب لهم غيره فال إله لهم‬
‫غيره‪.‬‬
‫والحاصل أنه قد استقر في عقول بني آدم أن من ثبتت له الربوبية فمستحق للعب‪00‬ادة ومن‬
‫انتفت عن‪00‬ه الربوبي‪00‬ة فه‪00‬و غ‪00‬ير مس‪00‬تحق للعب‪00‬ادة‪ ،‬فثب‪00‬وت الربوبي‪00‬ة واس‪00‬تحقاق العب‪00‬ادة‬
‫متالزمان فيما شرع هللا من شرائعه‪ ،‬وفي عقول الناس‪.‬‬
‫وعلى أساس اعتقاد الشركة في الربوبية بنى المشركون استحقاق العبادة لمن اعتقدوهم‬
‫أربابا من دون هللا تعالى‪ ،‬ومتى انهدم هذا األساس من نفوسهم تبعه انهدام‪ 0‬ما بني علي‪00‬ه‬
‫من استحقاق غير هللا للعبادة‪ ،‬وال يسلم المش‪00‬رك ب‪00‬إنفراد هللا س‪00‬بحانه بإس‪00‬تحقاق العب‪00‬ادة‬
‫حتى يسلم بإنفراده عز وجل بالربوبية‪ ،‬وما دام في نفسه اعتقاد الربوبية لغيره عز وجل‬
‫استتبع ذلك اإلعتقاد في هذا الغير اإلستحقاق للعبادة‪.‬‬
‫ولذلك كان من الواضح عند أولى األلباب أن توحيد الربوبية وتوحيد اإللهية متالزم‪00‬ان ال‬
‫ينفك أحدهما عن اآلخر ال في اإلعتقاد وال في الوجود‪ ،‬وك‪00‬ان تقس‪00‬يم التوحي‪00‬د إلى توحي‪00‬د‬
‫الربوبية وتوحيد األلوهية بناء على انفصال أحدهما عن اآلخ‪00‬ر وع‪00‬دم التالزم بينهم‪00‬ا من‬
‫الخطأ الواض‪0‬ح‪ ،‬فإن‪0‬ه من اع‪0‬ترف أن‪0‬ه ال رب إال هللا ك‪0‬ان معترف‪0‬ا بأن‪0‬ه ال يس‪0‬تحق العب‪0‬ادة‬

‫‪455‬‬
‫غيره‪ ،‬ومن أقر بأنه ال يستحق العبادة غيره كان مذعنا بأن‪00‬ه ال رب س‪00‬واه وه‪00‬ذا مع‪00‬نى ال‬
‫إله إال هللا في قلوب جميع المسلمين‪.‬‬
‫ول‪00‬ذلك ن‪00‬رى الق‪00‬رآن في كث‪00‬ير من المواض‪00‬ع يكتفي بأح‪00‬دهما عن اآلخ‪00‬ر‪ ،‬وي‪0‬رتب الل‪00‬وازم‬
‫المترتبة على انتفاء أحدهما على انتفاء اآلخر ليستدل بذلك على ثبوته‪ ،‬ف‪00‬انظر إلى قول‪00‬ه‬
‫تعالى‪( :‬لو كان فيهما آلهة إال هللا لفسدتا) [األنبياء ‪ ]22‬وقوله تعالى‪( :‬وما كان مع‪00‬ه من‬
‫إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعال بعضهم على بعض) [المؤمن‪00‬ون ‪ ] 91‬حيث رتب على‬
‫تعدد اإلله ما يترتب على تعدد الرب من فس‪00‬اد الس‪00‬موات واألرض ليثبت ب‪00‬ذلك ع‪00‬دم تع‪00‬دد‬
‫الرب ووحدانيته‪.‬‬
‫هذا وقد اشتمل تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد اإللهية على أخطاء‪:‬‬
‫األول‪ :‬تخصيص الربوبية بالخالقية مع أنها تشمل كل خص‪00‬ائص األلوهي‪00‬ة وهي الص‪00‬فات‬
‫التى من أجلها استحق الرب أن يكون معب‪00‬ودا من خل‪00‬ق الع‪00‬الم وت‪00‬دبيره وتص‪00‬ريفه وح‪00‬ق‬
‫التشريع والغنى المطلق عن غيره‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬التعبير عن الكون إلها باأللوهية فإن األلوهية هي العب‪00‬ادة والتعب‪00‬ير الص‪00‬حيح عن‬
‫الكون إلها هو اإللهية‪ ،‬وليس األلوهية‪.‬‬
‫الث‪00‬الث‪ :‬ادع‪00‬اء أن توحي‪00‬د الربوبي‪00‬ة منفص‪00‬ل عن توحي‪00‬د اإللهي‪00‬ة وغ‪00‬ير مالزم ل‪00‬ه يتحق‪00‬ق‬
‫توحيد الربوبية مع الشرك في اإللهية‪ ،‬وقد حققنا أنه مالزم له‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ما بنى صاحب هذا التقسيم عليه من أن المشركين من العرب كانوا في ج‪00‬اهليتهم‬
‫يوحدون هللا تعالى توحيد الربوبية‪ ،‬ولكنهم لم يكونوا يوحدونه توحيد اإللهية‪.‬‬
‫والخطأ الخامس‪ :‬وهو األدهى واألمر‪ ،‬وهو الذي كان يه‪00‬دف إلي‪00‬ه ص‪00‬احب التقس‪00‬يم‪ ،‬ه‪00‬و‬
‫حكمه على كثير من المسلمين بمثل ما حكم ب‪00‬ه على المش‪00‬ركين من الع‪00‬رب في ج‪00‬اهليتهم‬
‫الجهالء‪ .‬وبنائه هذا على التقسيم المذكور‪.‬‬
‫فظهر بهذا حطأ هذا التقسيم وخطأ ما بناه عليه صاحبه‪.‬‬
‫وأما التقسيم الصحيح للتوحي‪00‬د فه‪00‬و تقس‪00‬يم األش‪00‬اعرة‪ ،‬وه‪00‬و تقس‪00‬يم التوحي‪00‬د إلى توحي‪00‬د‬
‫الذات‪ ،‬وتوحيد الصفات‪ ،‬وتوحيد األفعال‪ .‬وهللا سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫وأما ثالث األقسام من التقسيم الثالثي وهو توحيد األسماء والصفات فقد قصد به ص‪00‬احب‬
‫التقسيم أن يثبت هلل من األسماء والصفات ما أثبته لنفسه ب‪00‬دون إهم‪00‬ال ش‪00‬يء مم‪00‬ا أثبت‪00‬ه‬
‫لنفس‪0‬ه ب‪0‬أن ينفي عن هللا تع‪0‬الى بعض م‪0‬ا أثبت‪0‬ه لنفس‪0‬ه‪ ،‬وال أن ي‪0‬زاد عليه‪0‬ا ب‪0‬أن يثبت هلل‬
‫تع‪00‬الى من األس‪00‬ماء والص‪00‬فات م‪00‬ا لم يثبت إطالق‪00‬ه على هللا تع‪00‬الى في الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‬
‫الصحيحة‪ .‬هذا هو الذي قرره صاحب التقسيم وسماه توحيد األسماء والصفات‪.‬‬
‫أما تقرير المسألة فهو تقرير غير مح‪00‬رر أدى ع‪00‬دم تحري‪00‬ر التقري‪00‬ر بص‪00‬احبه إلى أخط‪00‬اء‬
‫عقدية جسيمة‪.‬‬
‫والتحرير أن يقال‪ :‬يجب أن يثبت هلل تعالى من األسماء والصفات ما ورد إطالق‪00‬ه على هللا‬
‫تعالى في الكتاب والسنة الصحيحة مما كان إطالقه علي‪00‬ه تع‪00‬الى على وج‪00‬ه الحقيق‪00‬ة دون‬
‫المجاز والكناية‪ ،‬وتحرير المسألة بهذا الوج‪00‬ه ثم تطبيقه‪00‬ا على نص‪00‬وص الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‬
‫تطبيقا صحيح هو الذي يقي الوالج في المسألة من الخطأ‪ ،‬ويجنبه من اإللحاد في أس‪00‬ماء‬
‫هللا تع‪00‬الى وص‪00‬فاته‪ ،‬وأم‪0‬ا ع‪0‬دم تحري‪0‬ر المس‪00‬ألة أو تحريره‪0‬ا ثم تطبيقه‪00‬ا على النص‪0‬وص‬

‫‪456‬‬
‫تطبيقا غير صحيحا فيورط صاحبه في األخطاء العقدية الجسيمة‪ ،‬وفي اإللحاد في أسماء‬
‫هللا تعالى وصفاته‪ .‬وهذا ما تورط فيه صاحب التقسيم الثالثي‪.‬‬
‫وبعد هذه المقدمة نقول‪ :‬قد تورط صاحب التقس‪00‬يم الثالثي بالنس‪00‬بة إلى القس‪0‬م‪ 0‬الث‪00‬الث في‬
‫أخطاء‪.‬‬
‫الخطأ األول‪ :‬في العنوان حيث عنون المسألة بتوحيد األسماء والص‪00‬فات‪ ،‬وإنم‪00‬ا المس‪00‬ألة‬
‫مسألة إثبات األسماء والصفات‪ .‬وقد عبر بهذا التعبير في كتابه منهاج السنة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عدم تحرير تقرير المسألة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن صاحب التقسيم لم يثبت هلل تع‪00‬الى كث‪00‬يرا مم‪00‬ا ورد في الكت‪00‬اب والس‪00‬نة إطالق‪00‬ه‬
‫على هللا تعالى مما هو داخل تحت القاعدة غير المح‪00‬ررة‪ .‬وذل‪00‬ك مث‪00‬ل النس‪00‬يان ال‪00‬وارد في‬
‫قوله تعالى‪( :‬نسوا هللا فنسيهم) [‪ ]67‬وكذلك ورد في األحاديث الصحيحة إثبات الهرول‪00‬ة‬
‫والضحك والمرض والج‪00‬وع هلل تع‪00‬الى‪ ،‬ولم يثبته‪00‬ا ص‪0‬احب التقس‪00‬يم هلل تع‪00‬الى‪ ،‬وذل‪00‬ك من‬
‫أجل اعتقاده أن هذه اإلطالقات إنما وردت على سبيل المجاز ال على سبيل الحقيقة بسبب‬
‫اعتقاده استحالة ثبوت هذه األمور هلل تعالى على سبيل الحقيقة‪ ،‬وهو اعتقاد صحيح‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬إن صاحب التقس‪0‬يم ق‪0‬د أثبت هلل تع‪0‬الى أم‪0‬ورا لم ي‪0‬رد به‪0‬ا الكت‪0‬اب وال الس‪0‬نة حيث‬
‫أثبت هلل تعالى ما يلى‪:‬‬
‫‪ -1‬الحد‪ .‬انظر (موافقة صريح المفعول‪ 0‬لصحيح المنقول) (‪)2/29‬‬
‫‪ -2‬الجل‪000‬وس على الع‪000‬رش ق‪000‬ال في مجم‪000‬وع الفت‪000‬اوى (‪ :)4/374‬ح‪000‬دث العلم‪000‬اء‬
‫المرضيون واألولياء المتقون أن محم‪00‬دا رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا تع‪00‬الى علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم يجلسه ربه على العرش معه‪ ...‬وقد أشار إليه ابن القيم في ب‪00‬دائع الف‪00‬واد (‬
‫‪.)4/39‬‬
‫‪ -3‬يقول بجواز اطالق أن هللا تعالى جسم قال في التأسيس في رد (أساس التق‪00‬ديس)‬
‫(‪ ( )1/101‬وليس في كت‪0‬اب هللا وال س‪00‬نة رس‪0‬وله وال ق‪00‬ول أح‪0‬د من س‪0‬لف األم‪00‬ة‬
‫وأئمتها أن‪00‬ه ليس بجس‪00‬م وأن ص‪00‬فاته ليس‪00‬ت أجس‪00‬اما وال أعراض‪00‬ا) وس‪00‬يأتى عن‬
‫اإلمام أحمد نفي الجسمية عن هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬ويقول في كتابه التأسيس (‪ :)1/568‬ولو شاء –هللا – الستقر على ظهر بعوضة‬
‫فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم‪.‬‬
‫‪ -5‬ويقول في كتابه (بي‪00‬ان تل‪00‬بيس الجهمي‪00‬ة) (‪ :)1/109‬م‪00‬ا نص‪00‬ه‪( :‬فاس‪00‬م المش‪00‬بهة‬
‫ليس له ذكر ب‪00‬ذم في الكت‪00‬اب والس‪00‬نة‪ ،‬وال في كالم أح‪00‬د من الص‪00‬حابة والت‪00‬ابعين)‬
‫ومعنى هذا أن التشبيه ليس به بأس‪ .‬هذا ما يراه ابن تيمية مخالفا لقوله تع‪00‬الى‪:‬‬
‫(ليس كمثله شيء) وقوله‪( :‬ولم يكن له كفوا‪ 0‬أحد) ومخالفا األمة وس‪00‬يأتى قريب‪00‬ا‬
‫نقل جملة من أقوالهم في ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬والس‪00‬ادس‪ :‬وه‪00‬و بيت القص‪00‬يد من ذك‪00‬ر توحي‪00‬د األس‪00‬ماء والص‪00‬فات‪ ،‬أن ص‪00‬احب‬
‫التقسيم قد أثبت هلل تعالى أمورا ورد في الكت‪00‬اب والس‪00‬نة إطالقه‪00‬ا على هللا تع‪00‬الى‬
‫على سيل المجاز أو الكناية فأثبتها هلل تعالى على سبيل الحقيقة‪ 0‬فأدى به ذلك إلى‬
‫التشبيه الذي ال يرى به بأسا‪ ،‬ويكون ب‪0‬ذلك مخالف‪0‬ا لكت‪00‬اب هللا ولس‪00‬نة رس‪0‬ول هللا‬
‫ولسلف األمة‪.‬‬

‫‪457‬‬
‫وننق‪00‬ل هن‪00‬ا مجموع‪00‬ة من أق‪00‬وال علم‪00‬اء األم‪00‬ة وأئمته‪00‬ا من الس‪00‬لف والخل‪00‬ف في نفي‬
‫التشبيه عن هللا تعالى‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬نقل الذهبي (في سير أعالم النبال ) (‪ )7/202‬عن اإلمام أبو حنيفة رضي هللا‬
‫تعالى عنه أنه قال‪( :‬أتان‪00‬ا من المش‪00‬رق رأي‪00‬ان خبيث‪00‬ان‪ :‬جهم معط‪00‬ل ومقات‪00‬ل مش‪00‬به)‪.‬‬
‫وذك‪00‬ر ابن جري‪00‬ر الط‪00‬بري في تفس‪00‬ير س‪00‬ورة اإلخالص عن أبي العالي‪00‬ة وغ‪00‬يره من‬
‫السلف‪( :‬أن هللا تعالى ليس له شبيه وال مثيل)‪.‬‬
‫ونقل اإلمام البيهقي في كتابه مناقب اإلمام أحمد عن اإلمام أحمد ما نصه‪:‬‬
‫(أنكر أحمد على من قال بالجس‪00‬م‪ ،‬وق‪00‬ال‪ :‬إن األس‪00‬ماء م‪00‬أخوذة من الش‪00‬ريعة واللغ‪00‬ة‪،‬‬
‫وأه‪00‬ل اللغ‪00‬ة وض‪00‬عوا ه‪00‬ذا االس‪00‬م على ذي ط‪00‬ول وع‪00‬رض وس‪00‬مك وت‪00‬ركيب وص‪00‬ورة‬
‫وتأليف‪ .‬وهللا سبحانه خ‪00‬ارج عن ذل‪00‬ك كل‪00‬ه‪ ،‬فلم يج‪00‬ز أن يس‪00‬مى جس‪00‬ما لخروج‪00‬ه عن‬
‫معنى الجسمية‪ ،‬ولم يجىء في الشريعة ذلك فبطل) انتهى بنصه‪.‬‬
‫وورد في طباق‪00‬ات الحنابل‪00‬ة البن أبي يعلى الحنبلي (‪ )2/394‬في ذك‪00‬ر عقي‪00‬دة اإلم‪00‬ام‬
‫أحمد رضي هللا تعالى عنه‪( :‬كان اإلم‪00‬ام أحم‪00‬د – رحم‪00‬ه هللا – يق‪00‬ول‪ :‬هلل تع‪00‬الى ي‪00‬دين‬
‫وهما صفة له في ذاته‪ ،‬ليستا بجارحتين‪ ،‬وليستا بمركب‪00‬تين‪ ،‬وال جس‪00‬م وال من جنس‬
‫األجس‪00‬ام‪ ،‬وال من جنس المح‪00‬دود وال‪00‬تركيب واألبع‪00‬اض والج‪00‬وارح‪ ،‬وال يق‪00‬اس على‬
‫ذلك‪ ،‬وال له مرفق‪ ،‬وال له عضد ‪ ،‬وال فيما يقتضى ذلك من اطالق ق‪0‬ولهم “ ي‪0‬د “ إال‬
‫ما نطق به القرآن الكريم)‬
‫وفي الطبقات أيضا (‪ )2/297‬أن اإلمام أحم‪00‬د ك‪00‬ان يق‪0‬ول‪ :‬وهللا تع‪00‬الى لم يلحق‪00‬ه تغ‪0‬ير‬
‫وال تبدل‪ ،‬وال يلحقه الحدود قبل خلق العرش وال بعد خلق العرش)‪.‬‬
‫وقال اإلمام الطحاوي في عقيدت‪0‬ه ال‪0‬تي هي بي‪0‬ان أه‪0‬ل الس‪0‬نة والجماع‪0‬ة باتف‪0‬اق أه‪0‬ل‬
‫السنة (وتعالى –أي هللا‪ -‬عن الح‪00‬دود والغاي‪00‬ات‪ ،‬واألرك‪00‬ان واألعض‪00‬اء واألدوات‪ ،‬وال‬
‫تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات)‪.‬‬
‫وقال اإلمام أبو سليمان الخط‪0‬ابي في (أعالم الح‪0‬ديث ش‪0‬رح البخ‪0‬اري) (‪ :)2/147‬م‪0‬ا‬
‫نصه‪ :‬وليس معنى قول المسلمين إن هللا على الع‪00‬رش ه‪00‬و أن‪00‬ه تع‪00‬الى مم‪00‬اس ل‪00‬ه‪ ،‬أو‬
‫متمكن فيه‪ ،‬أو متحيز في جهة من جهاته‪ ،‬لكنه بائن من جميع خلقه‪ ،‬وإنما هو خ‪00‬بر‬
‫جاء به التوقيف‪ ،‬فقلنا به ونفين‪00‬ا عن‪00‬ه التك‪00‬ييف إذ (ليس كمثل‪00‬ه ش‪00‬يء وه‪00‬و الس‪00‬ميع‬
‫البصير)‪.‬‬
‫وقال اإلمام ابن الج‪00‬وزي في مجالس‪00‬ه في المتش‪00‬ابهات (ص ‪( )54‬وليس الخالف في‬
‫الي‪000‬د‪ ،‬وإنم‪000‬ا الخالف في الجارح‪000‬ة‪ ،‬وليس الخالف في الوج‪000‬ه‪ ،‬وإنم‪000‬ا الخالف في‬
‫الصورة الجسمية‪ ،‬وليس الخالف في العين‪ ،‬وإنما الخالف في الحدقة)‪.‬‬
‫وق‪00‬ال اإلم‪00‬ام ع‪00‬ز ال‪00‬دين بن عب‪00‬د الس‪00‬الم‪( :‬ليس – هللا – بجس‪00‬م مص‪00‬ور‪ ،‬وال ج‪00‬وهر‬
‫محدود مقدر‪ ،‬وال يش‪00‬به ش‪00‬يئا وال يش‪0‬بهه ش‪0‬يء‪ ،‬وال تحي‪0‬ط ب‪0‬ه الجه‪00‬ات‪ ،‬وال تكتنف‪00‬ه‬
‫األرضون والسموات‪ ،‬كان قبل أن كون المكان ودبر األزمان‪ ،‬وهو اآلن على ما عليه‬
‫كان) (طبقات الشافعية الكبرى ‪.)8/219‬‬

‫‪458‬‬
‫وقال الحاف‪00‬ظ العس‪00‬قالني في فتح الب‪00‬اري (‪ :)6/136‬وال يل‪00‬زم من ك‪00‬ون جه‪00‬تي العل‪00‬و‬
‫والس‪00‬فل مح‪00‬اال على هللا أن ال يوص‪00‬ف ب‪00‬العلو‪ ،‬ألن وص‪00‬فه ب‪00‬العلو من جه‪00‬ة المع‪00‬نى‪،‬‬
‫والمستحيل كون ذلك من جهة الحس‪.‬‬
‫وقال أيضا عند شرح حديث ال‪00‬نزول (‪( :)3/30‬اس‪00‬تدل ب‪00‬ه من أثبت الجه‪00‬ة وق‪00‬ال هي‬
‫جهة العلو‪ ،‬وأنكر ذلك الجمهور‪ ،‬ألن الق‪00‬ول ب‪00‬ذلك يفض‪00‬ي إلى التح‪00‬يز‪ ،‬تع‪00‬الى هللا عن‬
‫ذلك) ‪.‬‬
‫وقال أيضا (‪ :)7/124‬فمعتم‪00‬د س‪00‬لف األم‪00‬ة وعلم‪00‬اء الس‪00‬نة من الخل‪00‬ف أن هللا تع‪00‬الى‬
‫منزه عن الحركة والتحول والحلول‪ ،‬ليس كمثله شيء‪.‬‬
‫فظهر بهذا التحقيق أن التقسيم الثالثي للتوحيد الذي اخترعه ابن تيمية تقس‪00‬يم فاس‪00‬د‬
‫في التعبير‪ ،‬وفاسد في مضمونه‪ ،‬وفاسد فيما قصد منه‪.‬‬
‫والتقسيم الص‪00‬حيح للتوحي‪00‬د ه‪00‬و تقس‪00‬يم الثالثي ال‪00‬ذي ذك‪00‬ره األش‪00‬اعرة‪ ،‬وه‪00‬و توحي‪00‬د‬
‫الذات‪ ،‬وتوحيد الصفات‪ ،‬وتوحيد األفعال‪.‬‬
‫أما توحيد الذات فمأخوذ من قوله تعالى‪( :‬قل هو هللا أحد) وغيرها من اآلي‪00‬ات‪ ،‬وأم‪00‬ا‬
‫توحيد الصفات فمأخوذ من قوله تعالى‪( :‬ليس كمثله شيء) وقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪( :‬ولم يكن‬
‫له كف‪0‬وا أح‪0‬د) وأم‪0‬ا توحي‪0‬د األفع‪0‬ال فم‪0‬أخوذ من قول‪0‬ه تع‪0‬الى‪( :‬هللا خ‪0‬الق ك‪0‬ل ش‪0‬يء)‬
‫وقوله‪( :‬وهللا خلقكم‪ 0‬وم‪0‬ا تعمل‪00‬ون) إلى غيره‪00‬ا من اآلي‪00‬ات الكريم‪0‬ة‪ .‬وهللا تع‪00‬الى أعلم‬
‫بالصواب‪.‬‬

‫‪459‬‬
460
‫متشابه الصفات بين التأويل واإلثبات‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فنريد أن نحقق في هذا البحث مسألة صفات هللا المتشابهة الواردة في الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وقبل الدخول في المسألة البد أن نقرر أمورا‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنَّ النصوص الشرعية إذا كان ظاهرها مخالف‪00‬ا لص‪0‬رائح العق‪00‬ول ومقرراته‪0‬ا‬
‫وجب أن يحكم أن ظاهرها غير مراد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن النصوص الشرعية منها ما هو محكم‪ 0‬ومنها ما هو متشابه كم‪00‬ا ق‪00‬ال هللا‬
‫تع‪00‬الى‪( :‬ه‪00‬و ال‪00‬ذي أن‪00‬زل الكت‪00‬اب من‪00‬ه آي‪00‬ات محكم‪00‬ات هن أم الكت‪00‬اب وأخ‪00‬ر متش‪00‬ابهات)‬
‫والنص ‪00‬وص المحكم ‪00‬ات هي األص‪000‬ول الث ‪00‬وابت لإلس‪000‬الم‪ ،‬وأم ‪00‬ا المتش ‪00‬ابهات ف‪000‬ترد إلى‬
‫المحكمات ويحكم بأن ظاهرها غير مراد‪.‬‬
‫الث‪00‬الث‪ :‬أن الكت‪00‬اب والس‪00‬نة ق‪00‬د وردا على أس‪00‬اليب اللغ‪00‬ة العربي‪00‬ة‪ ،‬واللغ‪00‬ة العربي‪00‬ة‬
‫كس‪00‬ائر اللغ‪00‬ات ق‪00‬د وردت على ثالث‪00‬ة أن‪00‬واع من األس‪00‬اليب‪ :‬أس‪00‬لوب الحقيق‪00‬ة‪ ،‬وأس‪00‬لوب‬
‫المجاز‪ ،‬وأسلوب الكناية‪ ،‬وذلك ألن كل كلمة من كلمات اللغة العربي‪00‬ة ق‪00‬د وض‪00‬عت لمع‪00‬نى‬
‫معين‪ ،‬وكذلك كل مركب منه‪00‬ا‪ ،‬وه‪00‬ذه الكلم‪00‬ات والمركب‪00‬ات ق‪00‬د تس‪00‬تعمل في المع‪00‬نى ال‪00‬ذي‬
‫وضعت له‪ ،‬وقد ال تستعمل فيه‪ ،‬ب‪00‬ل تس‪0‬تعمل في مع‪0‬نى يناس‪0‬ب المع‪0‬نى ال‪00‬ذي وض‪00‬عت ل‪00‬ه‬
‫بإحدى المناسبات‪ ،‬وذلك كاألس‪00‬د ق‪00‬د يس‪00‬تعمل في المع‪00‬ني ال‪00‬ذي وض‪00‬ع ل‪00‬ه وه‪00‬و الحي‪00‬وان‬
‫المفترس المع‪00‬روف‪ ،‬وق‪00‬د يس‪00‬تعمل في الرج‪00‬ل الش‪00‬جاع لمناس‪00‬بته للحي‪00‬وان المف‪00‬ترس في‬
‫الشجاعة‪ ،‬ولمشابهته ل‪00‬ه فيه‪00‬ا‪ .‬وه‪00‬ذا م‪00‬ا ال ينبغي أن يختل‪00‬ف في‪00‬ه أح‪00‬د من العقالء‪ .‬ف‪00‬إذا‬
‫استعمل اللفظ في المعني الذي وضع له سمى في اصطالح علماء البالغة بالحقيق‪00‬ة‪ ،‬وإذا‬
‫استعمل في غير ما وضع له إلحدى المناسبات مع قرينة ت‪00‬دل علي ه‪0‬ذا االس‪0‬تعمال س‪00‬مي‬
‫مجازا أو كناية‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الكالم على التأويل وبي‪00‬ان معن‪00‬اه‪ ،‬وننق‪00‬ل هن‪00‬ا كالم‪00‬ا البن القيم وتعلي‪00‬ق تقي‬
‫الدين السبكي عليه‪ .‬قال ابن القيم في النونية‪ :‬التأويل الصحيح هو تفسيره وظهور معناه‬

‫‪461‬‬
‫كقول عائشة‪ :‬يتأول الق‪00‬ران‪ .‬وحقيق‪00‬ة التأوي‪00‬ل معن‪00‬اه الرج‪00‬وع إلي الحقيق‪00‬ة‪ .‬ال خل‪00‬ف بين‬
‫أئمة التفسير في هذا‪ .‬تأويله عندهم تأويله بالظاهر‪ .‬م‪0‬ا ق‪0‬ال منهم ش‪00‬خص واح‪0‬د‪ :‬تأويل‪00‬ه‬
‫صرفه عن الرجحان‪.‬‬
‫قال تقي الدين السبكي تعليقا علي هذا الكالم (السيف الص‪00‬قيل ‪ :158‬ق‪0‬ال هللا تع‪0‬الي‬
‫في المتش‪000‬ابه‪( :‬وم‪000‬ا يعلم تأويل‪000‬ه اال هللا) آل عم‪000‬ران‪ .‬فكي‪000‬ف يك‪000‬ون تأويل‪000‬ه بالظ‪000‬اهر‪،‬‬
‫والمتشابه ال ظاهر له‪ .‬وقوله‪( :‬ما قال منهم أحد إن التأوي‪00‬ل ص‪00‬رف عن الرجح‪00‬ان) ك‪00‬ذب‬
‫بل خلق قالوا به‪ .‬ويطلق التأويل أيضا علي تدبر القرآن وتفهم‪ 0‬معناه‪.‬‬
‫يقصد اإلمام التقي الس‪0‬بكي أن حم‪00‬ل التأوي‪00‬ل على مع‪00‬نى التفس‪0‬ير بالظ‪00‬اهر في ب‪00‬اب‬
‫المتشابهات غ‪0‬ير ص‪0‬حيح‪ ،‬وذل‪0‬ك ألن المتش‪0‬ابه مدلول‪0‬ه خفي غ‪0‬ير واض‪0‬ح‪ ،‬وإال لم‪0‬ا ك‪0‬ان‬
‫متشابها‪ ،‬والظاهر في اللغة يقابل الخفي‪ ،‬فال يجوز أن يقال في المتشابه ال‪00‬ذي ه‪00‬و غاي‪00‬ة‬
‫في الخفاء‪ :‬إن تأويله تفسيره بالظاهر‪ ،‬فإنه كالم متناقض ينقض نفسه‪ .‬وأما الظ‪00‬اهر في‬
‫أصول الفقه‪ 0‬فبمعني الراجح من االحتمالين بالوضع أو بالدليل‪ ،‬وه‪00‬و من أقس‪00‬ام الواض‪00‬ح‬
‫المقابل للخفي الذي من أقسامه المتشابه ويقابل الظاهر المؤول‪ ،‬فال يتص‪00‬ور اجتماعهم‪00‬ا‬
‫في لفظ أيضا‪.‬‬
‫وإذا تقرر هذا فنقول‪ :‬إنه من األم‪00‬ور المجم‪00‬ع عليه‪00‬ا بين علم‪00‬اء المس‪00‬لمين أن من‬
‫نصوص الكتاب والسنة ما إذا قطع عن سياقه وسباقه‪ ،‬ولوح‪00‬ظ ب‪00‬المعنى ال‪00‬ذي وض‪00‬ع ل‪00‬ه‬
‫في اللغة وهو المعنى الحقيقي كان إما مخالفا لصرائح العق‪0‬ول‪ ،‬أو مخالف‪0‬ا للمحكم‪0‬ات من‬
‫نصوص الكتاب والسنة‪ .‬وهذه النصوص هي النصوص المتش‪00‬ابهات الم‪00‬ذكورة في اآلي‪00‬ة‬
‫الكريمة‪.‬‬
‫وهذه النصوص المتشابهات ق‪00‬د أجمعت األم‪00‬ة على س‪00‬بيل اإلجم‪00‬ال على أن معناه‪00‬ا‬
‫الموض‪00‬وع ل‪00‬ه ليس بم‪00‬راد منه‪00‬ا‪ .‬ه‪00‬ذا إجم‪00‬اع على س‪00‬بيل اإلجم‪00‬ال‪ ،‬وأم‪00‬ا إذا أتين‪00‬ا إلى‬
‫التفاصيل وإلى جزئيات هذه النصوص فقد يجري فيها الخالف‪.‬‬
‫ثم اختلفت األمة فذهب معظم السلف في معظم هذه النصوص إلى التوقف عن‪00‬د ه‪00‬ذا‬
‫الحد‪ ،‬وهو أن المعنى الموضوع له لهذه النصوص غير مراد‪ ،‬بدون أن يتجاوز هذا الح‪00‬د‬
‫إلى تعيين المعنى المجازي‪ ،‬أو الكنائي لها‪ ،‬وذلك تورعا منهم‪ ،‬ومخاف‪00‬ة أن يفس‪00‬روا كالم‬
‫هللا تعالى وكالم رسوله على خالف مرادهما‪ .‬وهذا يسمى بالتأويل اإلجمالي‪.‬‬
‫وذهب معظم الخلف إلى جواز تأويلها وص‪00‬رفها إلى مع‪00‬ان تناس‪00‬ب المع‪00‬ني الحقيقي‬
‫لهذه النص‪0‬وص‪ ،‬وذل‪0‬ك بمعون‪00‬ة الق‪0‬رائن والس‪00‬ياق والس‪0‬باق واأللف‪00‬اظ المقرون‪0‬ة به‪0‬ا لكن‬
‫بدون قطع بالمعنى المؤول به‪ ،‬بل يكون الصرف على س‪00‬بيل االحتم‪00‬ال والرجح‪00‬ان‪ .‬وذل‪00‬ك‬
‫بشروط‪.‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون المعنى الذي حمل عليه النص ثابتا هلل تعالى‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ال يكون حمل النص على المعنى الذي صرف إليه مخالفا ألس‪00‬اليب اللغ‪00‬ة‬
‫العربية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن ال يكون مخالفا لسياق النص بل يكون مناسبا له‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن ال يكون المعنى الذي صرف إليه النص مشعرا ب‪00‬النقص بالنس‪00‬بة إلى هللا‬
‫تعالى‪.‬‬

‫‪462‬‬
‫الخامس‪ :‬أن يكون مشعرا بالعظمة‪.‬‬
‫وههنا نكتة نبه عليها اإلمام الغزالي في كت‪00‬اب (ق‪00‬انون التأوي‪00‬ل)‪-‬وه‪00‬و كت‪00‬اب ج‪00‬دير‬
‫بالعناية بقرائته‪ -‬وهي أنه ال يجوز بالنسبة إلى ه‪00‬ذه النص‪00‬وص تفري‪00‬ق مجتم‪00‬ع وال جم‪00‬ع‬
‫متفرق‪ ،‬وذلك ألن كل واحد من ه‪00‬ذه النص‪00‬وص في س‪00‬ياقه وس‪00‬باقه م‪00‬ا ي‪00‬دل علي المع‪00‬نى‬
‫المجازي أو الكنائي الذي اس‪00‬تعمل في‪00‬ه‪ ،‬ف‪0‬إذا قط‪00‬ع من س‪00‬ياقه وأف‪0‬رد عن س‪00‬ابقه والحق‪00‬ه‬
‫فاتت هذه الداللة‪ ،‬وكذالك إذا جمعت ه‪0‬ذه النص‪0‬وص على ص‪00‬عيد واح‪00‬د عض‪00‬دت الظ‪0‬واهر‬
‫بعضها البعض‪ ،‬فيترجح بقاؤها على ظواهره‪0‬ا المفي‪00‬د للتش‪00‬بيه‪ .‬وذل‪00‬ك كم‪00‬ا أل‪00‬ف بعض‪00‬هم‬
‫مؤلفات فذكر فيها باب ما ورد في العين‪ ،‬وباب ما ورد في اليد‪ ،‬وباب م‪00‬ا ورد في الوج‪00‬ه‬
‫إلي غير ذلك‬
‫وقريب من هذا الكالم ما قاله اإلمام تقي الدين السبكي في الس‪00‬يف الص‪00‬قيل(‪:)169‬‬
‫حيث قال‪:‬‬
‫وانظر إلى هذه الصفات التي يثبتها هذا المبتدع لم تجيء قط في الغ‪00‬الب مقص‪00‬ودة‪،‬‬
‫وإنم‪00‬ا في ض‪00‬من كالم يقص‪00‬د من‪00‬ه أم‪00‬ر أخ‪00‬ر‪ ،‬وج‪00‬اءت لتقري‪00‬ر ذل‪00‬ك األم‪00‬ر‪ ،‬وق‪00‬د فهمه‪00‬ا‬
‫الصحابة‪ ،‬ول‪00‬ذلك لم يس‪00‬ألوا عنه‪00‬ا الن‪00‬بي ص‪00‬لي هللا تع‪00‬الي علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم ألنه‪00‬ا ك‪00‬انت‬
‫معقولة عندهم بوضع اللسان وقرائن األحوال‪ ،‬وسياق الكالم‪ ،‬وسبب النزول‪.‬‬
‫ومض‪00‬ت األعص‪00‬ار الثالث‪00‬ة ال‪00‬تي هي خي‪00‬ار الق‪00‬رون على ذل‪00‬ك‪ ،‬ح‪00‬تى ح‪00‬دثت الب‪00‬دع‬
‫واألهواء‪ ،‬فيجيء مث‪00‬ل ه‪00‬ذا المتخل‪00‬ف بجم‪00‬ع كلم‪00‬ات وقعت في أثن‪00‬اء آي‪00‬ات أو أخب‪00‬ار فهم‬
‫الموفق‪00‬ون معناه‪00‬ا بانض‪00‬مامها م‪00‬ع الكالم المقص‪00‬ود‪ ،‬فجعله‪00‬ا ه‪00‬ذا المتخل‪00‬ف في أمثال‪00‬ه‬
‫مقصودة‪ ،‬وبالغ فيها‪ ،‬فأورث الريب في قلوب المهتدين‪.‬‬
‫وانظر إلى أكثرها ال تجده مقصودا بالكالم‪ ،‬بل المقصود غيره إم‪00‬ا بس‪00‬ياق قبل‪00‬ه‪ ،‬أو‬
‫بسباق بعده‪ ،‬أو يكون المحدث عنه معنى آخر‪ ...‬ويكون ذلك م‪00‬ذكورا على جه‪00‬ة الوص‪00‬ف‬
‫المقوي لمعنى ما سيق الكالم ألجله‪ .‬إنتهى كالم السبكي‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وتوسط اإلمام تقي الدين ابن دقيق العيد بين م‪00‬ذهب الس‪00‬لف والخل‪00‬ف‪ ،‬فق‪00‬ال‪ :‬نق‪00‬ول‬
‫في الصفات المشكلة‪ :‬إنها ح‪00‬ق وص‪00‬دق على المع‪00‬نى ال‪00‬ذي أراده هللا تع‪00‬الى‪ .‬ومن تأوله‪00‬ا‬
‫نظرنا فإن كان تأويله قريبا على مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه‪ ،‬وإن كان بعيد توقفنا‬
‫عنه‪ ،‬ورجعنا إلى التصديق مع التنزيه‪.‬‬
‫وما كان منها معناه ظاهرا مفهوما من تخاطب الع‪00‬رب حملن‪00‬اه علي‪00‬ه كقول‪00‬ه تع‪00‬الى‪:‬‬
‫(على ما فرطت في جنب هللا) فإن المراد به في اس‪00‬تعمالهم الش‪00‬ائع ح‪00‬ق هللا‪ ،‬فال يتوق‪00‬ف‬
‫في حمله عليه‪ ،‬وكلك قوله صلي هللا عليه وآله وسلم‪( :‬إن قلب ابن آدم بين إص‪00‬بعين من‬
‫أصابع ال‪00‬رحمن) ف‪00‬إن الم‪00‬راد ب‪00‬ه إرادة قلب ابن آدم مص‪00‬رفة بق‪00‬درة هللا وم‪00‬ا يوقع‪00‬ه في‪00‬ه‪،‬‬
‫وكذلك قوله تعالى‪( :‬فأتى هللا بنيانهم من القواعد) معناه خ‪00‬رب هللا بنيان‪00‬ه‪ ،‬وقول‪00‬ه‪( :‬إنم‪00‬ا‬
‫نطعمكم لوجه هللا) معناه ألجل هللا‪ ،‬وقس على ذل‪00‬ك‪ .‬وه‪00‬و تفص‪00‬يل ب‪00‬الغ ق‪00‬ل من تيق‪00‬ظ ل‪00‬ه‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫وهلل در ابن دقيق العيد ما أدق نظره وأسده‪ ،‬فإن‪00‬ه إذا ك‪00‬ان المع‪00‬نى المج‪00‬ازي للنص‬
‫مفهوما من تخاطب العرب بحيث ال يفهم العربي من ذلك النص إال المعنى المجازي‪ ،‬ك‪00‬ان‬
‫ذلك النص من قبيل المجاز المشهور والحقيقة‪ 0‬المهجورة‪ ،‬فيكون صرفه عن ذلك المع‪00‬نى‬

‫‪463‬‬
‫المجازي إلحادا في آيات هللا وتحريفا للكلم عن مواضعه‪ 0.‬كيف وكثير من ذل‪00‬ك النص‪00‬وص‬
‫لو ترجمت ترجمة حرفية إلى لغة آخري لما فهم منها أهل تلك اللغة إال المعني المجازي‪،‬‬
‫فكيف يجوز إ ًذا صرفها عن تلك المعاني‪ ،‬وهل نزل الق‪00‬رآن إال على أس‪00‬اليب اللغ‪00‬ة الع‪00‬رب‬
‫وذلك كقوله تع‪00‬الى (تب‪00‬ارك ال‪00‬ذي بي‪00‬ده المل‪00‬ك) فإن‪00‬ه ال أح‪00‬د يفهم من‪00‬ه إال إثب‪00‬ات المل‪00‬ك هلل‬
‫تعالى‪ ،‬ال إثبات اليد هلل‪ ،‬كيف والملك بالضم هو السلطنة‪ ،‬وه‪00‬و أم‪00‬ر معن‪00‬وي ال يك‪00‬ون في‬
‫الي‪00‬د وال ملتص‪00‬قا به‪00‬ا‪ ،‬وكقول‪00‬ه ص‪00‬لى هللا تعلى علي‪00‬ه وآل‪00‬ه وس‪00‬لم‪ ( :‬إن قلب ابن آدم بين‬
‫إصبعين من أصابع الرحمن) ال يفهم منه أحد إال أن قلوب ب‪00‬ني آدم ط‪00‬وع إرادت‪00‬ه وقدرت‪00‬ه‬
‫تعالى ال إثبات اإلصبعين هلل تعالى‪ ،‬كيف وال يوجد في داخل أح‪00‬د إص‪00‬بعان مكتنف‪00‬ان بقلب‪00‬ه‬
‫وهذا أمر معلوم لكل عاقل‪،‬‬
‫وقد نقل بعضهم كالم ابن دقيق بوجه مختصر محرر‪ ،‬فقال‪ :‬قال اإلمام المجته‪00‬د ابن‬
‫دقيق العيد‪ :‬إن كان التأويل من المجاز ال‪0‬بين الش‪0‬ائع ف‪0‬الحق س‪00‬لوكه من غ‪0‬ير توق‪0‬ف‪ ،‬أو‬
‫من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه‪ ،‬وإن اس‪00‬توى األم‪00‬ران ف‪00‬االختالف في ج‪00‬وازه وع‪00‬دم‬
‫جوازه مسألة فقهية اجتهادية‪ ،‬واألمر فيها ليس بالخطر بالنسبة إلى الفريقين‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وهو كالم نفيس ينبئ عن علم جم‪ ،‬وصراحة في بيان الحق‪ ،‬وتوسط حكيم‪.‬‬
‫وههنا نريد أن نركز على تحقيق أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬تحقيق أن السلف قد توقفوا عند حد أن المعنى الموضوع له لهذه النصوص‬
‫غير مراد بدون أن يتجاوزوا هذا الحد إلى تعيين المعنى المج‪00‬ازي أو الكن‪00‬ائي له‪00‬ا‪ .‬وه‪00‬ذا‬
‫ما سماه العلماء بالتفويض‪ ،‬وتحقيق هذا إنما يكون بنقل كالم السلف المتعلق بذلك‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬قال اإلم‪00‬ام الحاف‪00‬ظ ال‪00‬بيهقي في الس‪00‬نن الك‪00‬برى(‪ :)3/3‬أخبرن‪00‬ا عب‪00‬د هللا بن‬
‫محمد الحافظ‪ ،‬ثنا أبو بكر محمد بن احمد بن با لوي‪00‬ه‪ ،‬ثن‪00‬ا محم‪00‬د بن بش‪00‬ير بن مط‪00‬ر‪ ،‬ثن‪00‬ا‬
‫الهيثم بن خارجه‪،‬ثن‪0‬ا الولي‪00‬د بن مس‪0‬لمه‪ ،‬ق‪0‬ال‪ :‬س‪0‬ئل األوزاعي ومال‪0‬ك وس‪0‬فيان الث‪0‬وري‬
‫والليث بن سعد عن هذه األحاديث التي جاءت‪ ،‬فقالوا‪ :‬أمروها كما جاءت بال كيفية‪.‬‬
‫وقال الحاف‪00‬ظ في فتح الب‪00‬اري (‪ :)13/342‬وأخ‪00‬رج أب‪00‬و القاس‪00‬م الاللك‪00‬ائي في كت‪00‬اب‬
‫الس‪00‬نة من طري‪00‬ق الحس‪00‬ن البص‪00‬ري عن أم‪00‬ه عن أم س‪00‬لمة أنه‪00‬ا ق‪00‬الت‪ :‬اإلس‪00‬تواء غ‪00‬ير‬
‫مجهول‪ ،‬والكيف غير معقول‪ ،‬واإلقرار به إيمان‪ ،‬والجحود به كفر‪.‬‬
‫وقال اإلمام الترمذي في سننه (‪ :)598‬وق‪00‬د ق‪00‬ال غ‪00‬ير واح‪00‬د من أه‪00‬ل العلم في ه‪00‬ذا‬
‫الحديث ‪ -‬حديث الصدقة – وما يشبه هذا من الروايات في الصفات‪ ،‬ونزول ال‪00‬رب تب‪00‬ارك‬
‫وتعالى كل ليلة إلى الس‪00‬ماء ال‪00‬دنيا‪ ،‬ق‪00‬الوا‪ :‬ق‪00‬د ثبتت الرواي‪00‬ات في ه‪00‬ذا‪ ،‬وي‪00‬ؤمن به‪00‬ا‪ ،‬وال‬
‫يتوهم‪ ،‬وال يق‪0‬ال‪ :‬كي‪0‬ف؟ هك‪0‬ذا روي عن مال‪0‬ك وس‪0‬فيان بن عيين‪0‬ة وعب‪0‬د هللا بن المب‪0‬ارك‬
‫أنهم ق‪00‬الوا في ه‪00‬ذه األح‪00‬اديث‪ :‬أمروه‪00‬ا بال كي‪00‬ف‪ ،‬وهك‪00‬ذا ق‪00‬ول أه‪00‬ل العلم من أه‪00‬ل الس‪00‬نة‬
‫والجماعة‪.‬‬
‫وق‪00‬ال ال‪00‬ذهبي في س‪00‬ير أعالم النبالء (‪ :)8/105‬والمحف‪00‬وظ‪ 0‬عن مال‪00‬ك رحم‪00‬ه هللا‬
‫رواية الوليد بن مسلم أنه سأله عن أحاديث الصفات فقال‪ :‬أمروها كما جائت بال تفسير‪.‬‬
‫وقال الحافظ في فتح الباري (‪ :)13/343‬وأسند البيهقي بسند صحيح عن أحمد بن‬
‫الحواري عن سفيان بن عيينة قال‪ :‬كل ما وصف هللا به نفسه في كتابه فتفس‪00‬يره تالوت‪00‬ه‬
‫والسكوت عنه‪.‬‬

‫‪464‬‬
‫وقال الترمذي عند الكالم على حديث (يمين الرحمن مألى سخاء)‪ :‬وهذا ح‪00‬ديث ق‪00‬د‬
‫روته األئمة‪ ،‬نؤمن به كما ج‪00‬اء من غ‪00‬ير أن يفس‪00‬ر أو يت‪00‬وهم‪ ،‬هك‪00‬ذا ق‪00‬ال غ‪00‬ير واح‪00‬د من‬
‫األئمة‪ .‬منه الثوري‪ ،‬ومالك بن أنس‪ ،‬وابن عيينة‪ ،‬وابن المبارك أنه ت‪00‬روى ه‪00‬ذه األش‪00‬ياء‬
‫ويؤمن بها فال يقال كيف‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ونق‪00‬ل ابن أبي يعلى في طبق‪00‬ات الحنابل‪00‬ة (‪ )2/23‬عن أبي محم‪00‬د البربه‪00‬اري ش‪00‬يخ‬
‫الحنابلة في بغداد (ت ‪ )329‬وكان معاصرا لإلمام أبي حسن األشعري‪ .‬أنه ق‪00‬ال‪ :‬وك‪00‬ل م‪00‬ا‬
‫سمعت من اآلثار شيئا لم يبلغ‪0‬ه عقل‪0‬ك نح‪00‬و ق‪0‬ول رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لي هللا تع‪0‬الى علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم‪( :‬قلوب العباد بين إص‪00‬بعين من أص‪00‬ابع ال‪00‬رحمن) وقول‪00‬ه‪ (:‬إن هللا ي‪00‬نزل الي س‪00‬ماء‬
‫الدنيا‪ .‬وينزل يوم عرفة‪ .‬وينزل يوم القيامة)‪ .‬و(إن جهنم ال يزال يطرح فيه‪00‬ا ح‪00‬تى يض‪00‬ع‬
‫عليها قدمه جل ثناءه) وقول هللا تعالي للعبد (إن مشيتَ إل َّي ه َْر َو ْلتُ إليك) وقول‪00‬ه‪( :‬خل‪00‬ق‬
‫هللا آدم علي ص‪00‬ورته) وق‪00‬ول رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لي هللا علي‪00‬ه وس‪00‬لم‪( :‬رأيت ربي في أحس‪00‬ن‬
‫صورة) وأشباه هذه األحاديث‪ ،‬فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض والرضاء وال تفس‪00‬ر‬
‫شيئا من هذه بهواك‪ ،‬فإن االيمان بها واجب‪ ،‬فمن فس‪00‬ر ش‪00‬يئا من ه‪00‬ذه به‪00‬واه ورده فه‪00‬و‬
‫جهمي‪ .‬انتهي‪.‬‬
‫وقال البيهقي في السنن الكبرى(‪ )2/3‬أخبرنا أبو عبد هللا الحافظ‪ ،‬ق‪00‬ال‪ :‬س‪00‬معت أب‪00‬ا‬
‫محمد أحمد بن عبد هللا المزني يقول‪ :‬حديث النزول قد ثبت عن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى‪( :‬وجاء رب‪00‬ك‬
‫والملك صفا صفا) والنزول والمجيء ص‪00‬فتان منفيت‪00‬ان عن هللا تع‪00‬الى من طري‪00‬ق الحرك‪00‬ة‬
‫واالنتقال من حال إلى حال‪ ،‬بل هما صفتان من صفات هللا تعالى بال تشبيه ج‪00‬ل هللا تع‪00‬الى‬
‫عما تقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا‪ .‬قلت ‪-‬القائل ال‪00‬بيهقي ‪ : -‬وك‪00‬ان أب‪00‬و‬
‫سليمان الخطابي رحمه هللا تعالى يقول‪ :‬إنما ينكر هذا وما أش‪00‬بهه من الح‪00‬ديث من يقيس‬
‫األمور في ذلك بم‪0‬ا يش‪0‬اهده من ال‪0‬نزول ال‪0‬ذي ه‪0‬و ت‪0‬دل من أعلى إلى أس‪0‬فل‪ ،‬وانتق‪0‬ال من‬
‫فوق إلى تحت‪ ،‬وهذه صفة األجسام واألشباح‪.‬‬
‫فأما نزول من ال تستولي علي‪00‬ه ص‪00‬فات األجس‪00‬ام ف‪00‬إن ه‪00‬ذه المع‪00‬اني غ‪00‬ير متوهم‪00‬ة‪،‬‬
‫وإنم‪00‬ا ه‪00‬و خ‪00‬بر عن قدرت‪00‬ه تع‪00‬الى ورأفت‪00‬ه بعب‪00‬اده‪ ،‬وعطف‪00‬ه عليهم‪ ،‬واس‪00‬تجابته دع‪00‬ائهم‪،‬‬
‫ومغف‪00‬رتهم‪ 0‬لهم‪ .‬يفع‪00‬ل م‪00‬ا يش‪00‬اء‪ .‬ال يتوج‪00‬ه على ص‪00‬فاته كيفي‪00‬ة‪ ،‬وال على أفعال‪00‬ه كمي‪00‬ة‪.‬‬
‫سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع العليم‪.‬‬
‫ه‪00‬ذه النص‪00‬وص ال‪00‬واردة عن س‪00‬لف األم‪00‬ة وهي غيض من فيض وقلي‪00‬ل من كث‪00‬ير‬
‫بعضها ظاهر‪ ،‬وبعضها اآلخر صريح في أن السلف كان مذهبهم التفويض‪ .‬وهو الصرف‬
‫عن المعنى الحقيقي بدون تعيين للمعنى المجازي أو المعنى الكنائي‪ ،‬فإن ما نقله ال‪00‬ذهبي‬
‫عن اإلمام المالك من أنه قال‪ ( :‬أمروها كما جاءت بال تفسير) صريح في ذلك‪ .‬وكذلك م‪00‬ا‬
‫نقله الحافظ العسقالني عن سفيان بن عيينة أنه قال‪ :‬ك‪00‬ل م‪00‬ا وص‪00‬ف ب‪00‬ه نفس‪00‬ه في كتاب‪00‬ه‬
‫فتفسيره تالوته‪ ،‬والسكوت عنه‪ ،‬ومثل‪00‬ه كالم البربه‪00‬اري‪ ،‬وذل‪00‬ك ألن‪00‬ه حكم أوال ب‪00‬أن ه‪00‬ذه‬
‫النصوص ال تبلغها العق‪0‬ول‪ ،‬ثم حكم بوج‪0‬وب التص‪0‬ديق والتف‪0‬ويض له‪0‬ا‪ ،‬وع‪0‬دم تفس‪0‬رها‪.‬‬
‫وكذلك ما نقله ال‪00‬بيهقي عن أحم‪00‬د بن عب‪00‬د هللا الم‪00‬زني‪ ،‬وذل‪00‬ك حيث نفي المع‪00‬نى الحقيقي‪0‬‬
‫لل‪00‬نزول والمجيء بقول‪00‬ه‪ :‬وال‪00‬نزول والمجيء ص‪00‬فتان منفيت‪00‬ان عن هللا تع‪00‬الى من طري‪00‬ق‬

‫‪465‬‬
‫الحركة واالنتقال من حال إلى حال‪ ،‬ثم فوض المعني المراد إلي هللا تعالى بقوله‪ :‬ب‪00‬ل هم‪00‬ا‬
‫صفتان من صفات هللا تعالى بال تشبيه‪.‬‬
‫وتعبير البربهاري عن كل من المجيء والنزول بالصفة جار على طريقة فري‪00‬ق من‬
‫السلف منهم اإلمام أبو حنيفة في “ الفقه األك‪00‬بر “ واإلم‪00‬ام أب‪00‬و الحس‪00‬ن األش‪00‬عري في “‬
‫اإلبانة “ يعبرون عن مثلها بالصفات‪ ،‬فيقولون‪ :‬يد هللا صفة له وعينه صفة ل‪00‬ه‪ ،‬وهك‪00‬ذا‬
‫كل ما ورد في الكتاب والسنة مم‪00‬ا يك‪00‬ون حمل‪00‬ه على حقيقت‪00‬ه مفض‪00‬يا إلى التش‪00‬بيه المنفي‬
‫بقوله تعالى (ليس كمثله شيء)‪ ،‬فمن ق‪0‬ال من الس‪0‬لف إن العين والي‪0‬د ص‪0‬فتان ت‪0‬برأ به‪0‬ذا‬
‫القول عن القول بالجارحة‪ ،‬بل يكون ق‪0‬ائال ب‪0‬أن الم‪0‬راد مع‪00‬نى ق‪0‬ائم باهلل‪ ،‬وك‪00‬ذلك الي‪00‬د لكن‬
‫يقول ال أعين ذلك المعنى المراد‪ ،‬بأن أق‪00‬ول‪ :‬إن‪00‬ه الحف‪00‬ظ أو الق‪00‬درة أو النعم‪00‬ة‪ ،‬أو العناي‪00‬ة‬
‫الخاص‪00‬ة‪ ،‬لك‪00‬ون تع‪00‬يين الم‪00‬راد من بين المحتمالت الموافق‪00‬ة للتنزي‪00‬ه تحكم على م‪00‬راد هللا‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وتسميته لهما صفتين يدل على أنه جازم بأنهما ليسا من قبيل أجزاء ال‪00‬ذات تع‪00‬الى‬
‫هللا عن ذلك‬
‫وأما من قال‪ :‬له ي‪0‬د يبطش به‪00‬ا‪ ،‬وعين ي‪0‬رى به‪0‬ا فق‪00‬د جعلهم‪0‬ا من قبي‪00‬ل الج‪0‬وارح‪،‬‬
‫وخالف السلف الصالح‪.‬‬
‫نعم قد يقع في كالم من يميل إلى التش‪00‬بيه ذك‪00‬ر الوج‪00‬ه والعين والي‪00‬د وغيره‪00‬ا بأنه‪00‬ا‬
‫صفات‪ ،‬لكن السياق والسباق في كالمه يناديان أنهم أرادوا به‪00‬ا أج‪00‬زاء ال‪00‬ذات ال المع‪00‬اني‬
‫القائمة باهلل تعالى كما يقول السلف‪ .‬يقول ابن تيمية في األجوبة المص‪00‬رية‪ :‬إن هللا يقبض‬
‫السموات واألرض باليدين اللتين هما اليدان‪ .‬فما يجدي بعد هذا التصريح أن يس‪00‬مى الي‪00‬د‬
‫صفة‪ ،‬وذلك أنه حمل القبض على القبض الحسين‪ ،‬وذلك من لوازم الجارحة والتجسيم‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا م‪00‬ا نقل‪00‬ه ال‪00‬بيهقي عن الخط‪00‬ابي فج‪00‬ار على طريق‪00‬ة الت‪00‬أول حيث عين المع‪00‬نى‬
‫المجازي بقوله‪ :‬وإنما هو خبر عن قدرته تعالى ورأفته بعباده وعطفه عليهم واس‪00‬تجابته‬
‫دع‪00‬ائهم‪ .‬وه‪00‬ذا م‪00‬ا ذهب إليهم فري‪00‬ق من المحققين كت‪00‬اج ال‪00‬دين الس‪00‬بكي وس‪00‬عد ال‪00‬دين‬
‫التفتازاني والسيد الشريف الجرجاني من أن هذه النصوص من قبي‪00‬ل االس‪00‬تعارة المركب‪00‬ة‬
‫ويسمونها باالستعارة التمثيلي‪00‬ة‪ ،‬وبالتمثي‪00‬ل‪ ،‬وي‪00‬دل علي‪00‬ه كالم اإلم‪00‬ام تقي ال‪00‬دين الس‪00‬بكي‬
‫الذي أوردناه آنفا‪.‬‬
‫وأم‪00‬ا م‪00‬ا ذهب إلي‪00‬ه بعض من يمي‪00‬ل إلى التش‪00‬بيه من أن م‪00‬ذهب الس‪00‬لف في ه‪00‬ذه‬
‫النصوص هو بقاؤها على معانيها الحقيقي‪00‬ة م‪00‬ع نفي الكيفي‪0‬ة‪ 0‬عنه‪00‬ا‪ .‬فه‪00‬ذا الق‪00‬ول مخ‪00‬الف‬
‫لصريح كالم السلف‪ .‬ثم إنه كالم فاسد في نفسه ومتناقض‪.‬‬
‫وذلك ألن المعاني الحقيقية‪ 0‬لهذه النصوص هي المعاني المعروف‪00‬ة المكيف‪00‬ة‪ .‬ف‪00‬القول‬
‫ببقائها على معانيها الحقيقية مع نفي الكيفية عنها كالم متناقض ينقض نفسه بنفسه‪.‬‬

‫قال اإلمام تقي الدين السبكي في السيف الصقبل (‪ )167‬في مع‪0‬رض ال‪0‬رد على من‬
‫قال إن هذه النصوص مع بقائها على معانيها الحقيقي ‪0‬ة‪ 0‬هي أوص‪00‬اف وليس‪00‬ت عب‪00‬ارة عن‬
‫األجزاء والجوارح ‪:‬‬

‫‪466‬‬
‫قال‪ :‬وهذه األش‪00‬ياء ال‪00‬تى ذكرناه‪00‬ا (من الوج‪00‬ه‪ ،‬والي‪00‬د‪ ،‬والس‪00‬اق‪ ،‬والق‪00‬دم‪ ،‬والجنب‪،‬‬
‫والعين) هي عند أهل اللغة أجزاء ال أوصاف‪ ،‬فهي صريحة في ال‪00‬تركيب لألجس‪00‬ام‪ ،‬ف‪00‬ذكر‬
‫لفظ األوصاف تلبيس‪ ،‬وكل أهل اللغة ال يفهمون من الوجه‪ ،‬والعين‪ ،‬والق‪00‬دم إال األج‪00‬زاء‪،‬‬
‫وال يفهم من االس‪00‬تواء بمع‪00‬نى القع‪00‬ود إال أن‪00‬ه هيئ‪00‬ة المتمكن‪ ،‬وال من المجيء واإلتي‪00‬ان‬
‫والنزول إال الحركة الخاصة بالجسم‪.‬‬

‫وأم‪00‬ا المش‪00‬يئة والعلم والق‪00‬درة ونحوه‪00‬ا فهي ص‪00‬فات ذات‪ ،‬وهي فين‪00‬ا ذات أم‪00‬رين‪:‬‬
‫أحدهما عرض قائم بالجس‪00‬م‪ ،‬وهللا تع‪00‬الى م‪00‬نزه عن‪00‬ه والث‪00‬اني‪ :‬المع‪00‬اني المتعلق‪00‬ة ب‪00‬المراد‬
‫والمعل‪00‬وم‪ 0‬والمق‪00‬دور‪ ،‬وهي الموص‪00‬وف به‪00‬ا ال‪00‬رب س‪00‬بحانه وتع‪00‬الى‪ ،‬وليس‪00‬ت مختص‪00‬ة‬
‫باألجسام‪ .‬فظهر الفرق‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫فالقول بأن هذه النصوص باقية على معانيها الحقيقية يلزمه التجس‪00‬يم لزوم‪00‬ا بين‪00‬ا‪،‬‬
‫وال ينجي صاحبه من التجسيم القول بنفي الكيفية‪ ،‬وال القول بأنها صفات وليس‪00‬ت عب‪00‬ارة‬
‫عن الجوارح واألبعاض ألنه بعد القول ببقائها على معانيها الحقيقية‪ 0‬لم يبق مع‪0‬نى للق‪00‬ول‬
‫بنفي الكيفية وال للقول بأنها صفات‪ .‬وحينئذ ينطبق على ه‪00‬ذا الق‪00‬ول م‪00‬ا قال‪00‬ه اإلم‪00‬ام فخ‪00‬ر‬
‫الدين الرازي في تفسيره (‪ )7/148‬حيث قال‪ :‬من قال‪ :‬إنه مركب من األعضاء واألجزاء‬
‫فإما أن يثبت األعضاء التي ورد ذكرها في القرآن‪ ،‬وال يزيد عليه‪00‬ا‪ ،‬ف‪00‬إن ك‪00‬ان األول ل‪00‬زم‬
‫إثبات صورة ال يمكن أن ي‪00‬زاد عليه‪00‬ا في القبح‪ ،‬ألن‪00‬ه إثب‪00‬ات وج‪00‬ه بحيث ال يوج‪00‬د من‪00‬ه إال‬
‫رقعة الوجه لقوله تعالى ( كل شيء هالك إال وجهه) (القصص ‪ .)88‬ويلزمه أن يثبت في‬
‫تلك الرقعة عيونا كثيرة لقول‪00‬ه تع‪0‬الى‪( :‬تج‪00‬ري بأعينن‪00‬ا) ( القم‪0‬ر ‪ )14‬وأن يثبت ل‪0‬ه جنب‪0‬ا‬
‫واحدا لقوله تعالى‪( :‬يا حسرتا على ما ف‪00‬رطت في جنت هللا) (الزم‪00‬ر ‪ .)56‬وأن يثبت على‬
‫ذلك الجنب أيدي كث‪00‬يرة لقول‪0‬ه تع‪0‬الى‪( :‬مم‪0‬ا عمل‪00‬ة أي‪0‬دينا أنعام‪00‬ا) (يس ‪ .)71‬وبتق‪0‬دير أن‬
‫يكون له يدان فإنه يجب أن يك‪00‬ون كالهم‪00‬ا على ج‪00‬انب واح‪00‬د لقول‪00‬ه ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وآل‪00‬ه‬
‫وسلم‪ ( :‬وكلتا يديه يمين) وأن يثبت له ساقا واحدا لقوله تعالى‪( :‬يوم يكش‪00‬ف عن س‪00‬اق)‬
‫(القلم ‪ .)42‬فيكون الحاصل من هذه الصورة مج‪00‬رد رقع‪00‬ة الوج‪00‬ه‪ ،‬ويك‪00‬ون عليه‪00‬ا عي‪00‬ون‬
‫كثيرة وجنب واحد ويكون عليها أيد كثيرة وساق واحد‪.‬‬

‫ومعلوم أن هذه الصورة أقبح الصور‪ ،‬ولو كان هذا عبدا لم يرغب أح‪00‬د في ش‪00‬رائه‪.‬‬
‫فكيف يقول عاقل‪ :‬إن رب العلمين موصوف بهذه الصورة؟‬

‫وإن ك‪00‬ان الث‪00‬اني وه‪00‬و أن ال تقتص‪00‬ر على األعض‪00‬اء الم‪00‬ذكورة في الق‪00‬رآن ب‪00‬ل يزي‪00‬د‬
‫وينقص على وفق التأويالت‪ ،‬فحينئذ يبطل مذهبه في الحمل على مجرد الظ‪00‬واهر‪ ،‬وال ب‪00‬د‬
‫له من قبول دالئل العقل‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫فالحق هو التوسط بين الظاهرية والغلو في التأويل ‪ .‬قال اإلمام ابن عقي‪00‬ل الحنبلي‪:‬‬
‫هل‪00‬ك اإلس‪00‬الم بين ط‪00‬ائفتين الباطني‪00‬ة والظاهري‪00‬ة‪ ،‬والح‪00‬ق بين المنزل‪00‬تين‪ .‬وه‪00‬و أن نأخ‪00‬ذ‬
‫بالظاهر ما لم يصرف عنه دليل‪ ،‬ونرفض كل باطن ال يشهد به دليل من أدلة الشرعي‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬بيان أن التأويل ليس خاصا بمذهب الخلف وبي‪00‬ان أن فريق‪00‬ا من س‪00‬لف‬
‫األم‪00‬ة ق‪00‬د أول مجموع‪00‬ة من النص‪00‬وص إم‪00‬ا لمخالفت‪00‬ه لص‪00‬رائح العق‪00‬ول‪ ،‬أو لمخالفت‪00‬ه‬
‫للنصوص المحكمات‪.‬‬

‫وذلك ألن أصل التأويل أمر ضرري ال بد منه ف‪00‬إن من النص‪00‬وص م‪00‬ا ال يمكن حمل‪00‬ه‬
‫على المعنى الذي وضع اللفظ له إما لمخالفت‪00‬ه لص‪00‬رائح العق‪00‬ول‪ ،‬أو لمخالفت‪00‬ه للنص‪00‬وص‬
‫المحكمات‪ ،‬وقد اقترن به قرينة تعين المعنى المستعمل في‪00‬ه المناس‪00‬ب للمع‪00‬نى الموض‪00‬وع‬
‫له‪ ،‬فمثل هذه النصوص ال وج‪00‬ه للتوق‪00‬ف فيه‪00‬ا ويتعين حمله‪00‬ا على المع‪00‬اني ال‪00‬تي تعينه‪00‬ا‬
‫القرائن‪ ،‬وهذا هو مع‪00‬نى ق‪00‬ول اإلم‪00‬ام ابن دقي‪00‬ق العي‪00‬د الس‪00‬ابق‪( :‬وم‪00‬ا ك‪00‬ان منه‪00‬ا –أي من‬
‫النصوص – معناه ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب حملناه علي‪00‬ه‪ ،‬كقول‪00‬ه تع‪00‬الى ‪( :‬على‬
‫ما فرطت في جنب هللا) فإن معناه في استعمالهم الش‪00‬ائع‪ :‬ح‪00‬ق هللا‪ ،‬فال يتوق‪00‬ف في حمل‪00‬ه‬
‫عليه) إلى آخر كالمه‪.‬‬

‫فالتأويل قد يكون متعينا كما قد يكون جائزا وقد يكون ممتنعا‪ ،‬وق‪00‬د ذكرن‪00‬ا ش‪00‬رائطه‬
‫آنفا‪.‬‬

‫وقد غال في باب التأويل فريقان‪ :‬فريق غلق باب التأويل وسد الطري‪00‬ق على العق‪00‬ل‬
‫وهم المشبهة ظاهرية العقيدة‪ ،‬وفريق آخر غال في التأويل‪ ،‬وقلد المعتزل‪00‬ة في ت‪00‬أويالتهم‬
‫التي بدَّعهم السلف من أهل الس‪00‬نة من أجله‪00‬ا‪ ،‬وهم كث‪00‬ير من مت‪00‬أخري األش‪00‬اعرة‪ ،‬وخ‪00‬ير‬
‫األمور أوسطها وهو ما ذهب إليه اإلمام ابن دقيق العيد‪.‬‬

‫ومن أجل أن أصل التأويل أمر ض‪00‬روري الب‪00‬د من‪00‬ه أول فري‪00‬ق من س‪00‬لف األم‪00‬ة بم‪00‬ا‬
‫فيهم بعض الصحابة والتابعين مجموعة من نصوص الكتاب والسنة وإليك مجموع‪00‬ة من‬
‫هذه التأويالت‪.‬‬

‫تأويل حبر األمة عبد هللا بن عباس رض‪0‬ي هللا تع‪0‬الى عنهم‪0‬ا‪ :‬أول ابن عب‪0‬اس قول‪0‬ه‬
‫تعالى‪( :‬يوم يكشف عن ساق) القلم ‪ .42‬فقال‪ :‬يكشف عن شدة‪ ،‬فأول الكشف عن الس‪0‬اق‬
‫بكشف الشدة‪ ،‬نقل ذلك عنه بسند صحيح الحافظ العس‪00‬قالني في فتح الب‪00‬اري (‪.)13/428‬‬
‫واإلمام الطبري في تفسيره ( ‪ .)29/38‬وقال في صدر كالمه على هذه اآلية‪ :‬قال جماع‪00‬ة‬
‫من الصحابة والتابعين من أهل التأويل‪ :‬يبدو عن أمر ش‪00‬ديد‪ .‬فنس‪00‬ب التأوي‪00‬ل إلى جماع‪00‬ة‬
‫من الصحابة والتابعين‪.‬‬

‫وأ َّول ابن عباس رضي هللا تعالى عنهما األيد في قوله تعالى (والسماء بنيناها بأي‪00‬د‬
‫وإنا لموسعون) الذاريات ‪ .47‬بالقوة نقله الطبري في التفسير (‪ )27/7‬ونقل هذا التأوي‪00‬ل‬
‫عن جماعة من أئمة السلف منهم مجاهد وقتادة ومنصور وابن زيد وسفيان فالي‪00‬د مف‪00‬ردا‬
‫كان أو مثنى كما في قوله تعالى‪( :‬لما خلقت بيدي) أو جمعا كما هنا يفسر بالقوة والقدرة‬
‫مف‪00‬ردا‪ .‬وال يفس‪00‬ر المث‪00‬نى بالق‪00‬درتين وال الجم‪00‬ع بالق‪00‬درات كم‪00‬ا قي‪00‬ل‪ ،‬فق‪00‬د ورد في ح‪00‬ديث‬
‫يأجوج وماجوج‪( :‬ال يدان ألحد بهم) ومعناه ال قوة ألحد بقتالهم ومقاومتهم‪0.‬‬

‫‪468‬‬
‫وأول ابن عباس رضي هللا عنهما النسيان ال‪00‬وارد في قول‪00‬ه تع‪00‬الى (ف‪0‬اليوم ننس‪00‬اهم‬
‫كما نسوا لقاء يومهم هذا )األعراف ‪ .15‬بالترك في الع‪00‬ذاب‪ .‬نقل‪00‬ه الط‪00‬بري في تفس‪00‬يره (‬
‫‪ )8/201‬وروى هذا التأويل بأسانيده عن مجاهد وغيره‪.‬‬

‫تأويل اإلمام احمد‬

‫روي األمام البيهقي في كتابه من‪0‬اقب اإلم‪0‬ام أحم‪0‬د وه‪0‬و كت‪0‬اب مخط‪0‬وط وعن‪0‬ه نق‪0‬ل‬
‫الحافظ ابن الكثير في البداية والنهاية‪ :‬فقال‪ :‬روي البيهقي عن الح‪00‬اكم عن أبي عم‪00‬ر بن‬
‫السماك عن حنبل ان أحمد بن حنبل تأول قوله تع‪00‬الي‪ ( :‬وج‪00‬اء رب‪00‬ك) أن‪00‬ه ج‪00‬اء ثوب‪00‬ه‪ ،‬ثم‬
‫قال البيهقي‪ :‬وهذا إسناد ال غبار عليه (‪.)10/327‬‬

‫وقال ابن الكثير في البداية والنهاية (‪ :)10/327‬ومن طريق أبي الحسن الميم‪00‬وني‬
‫عن أحمد ين حنبل أنه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى‪( :‬ما يأتيهم من ذك‪00‬ر‬
‫من ربهم محدث إال استمعوه‪ 0‬وهم يلعبون) قال‪ :‬يحتمل أن يكون تنزيله إلينا ه‪00‬و المح‪00‬دث‬
‫ال الذكر نفسه هو المحدث‪.‬‬

‫تأويل اإلمام النضر بن شميل‬

‫وهو اإلمام الحافظ اللغوي من رجال الستة‪ .‬ولد (‪122‬هـ) ذك‪00‬ر الحاف‪00‬ظ ال‪00‬ذهبي في‬
‫األسماء والصفات (‪ )444‬أن النضر بن شميل قال‪ :‬إن معنى حديث‪( :‬ح‪00‬تى يض‪00‬ع الجب‪00‬ار‬
‫قدمه فيها) من سبق في علمه أنه من أهل النار‪.‬‬

‫تأويل اإلمام سفيان الثوري رضي هللا تعالى عنه‪.‬‬

‫ذك‪0‬ر ال‪0‬ذهبي في س‪0‬ير أعالم النبالء (‪ :)7/274‬أن مع‪0‬دان س‪0‬أل اإلم‪0‬ام الث‪0‬وري عن‬
‫قوله تعالى‪( :‬وهو معكم‪ 0‬أينم‪00‬ا كنتم) فق‪00‬ال‪ :‬علم‪00‬ه‪ ،‬وس‪00‬ئل س‪00‬فيان عن أح‪00‬اديث الص‪00‬فات‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أمروها كما جاءت‪.‬‬

‫تأويل اإلمام عبد هللا ابن مبارك‪.‬‬

‫روى البخاري عن سفيان بن محرز عن ابن عمر رضي هللا عنهم‪00‬ا ق‪00‬ال‪ :‬بينم‪00‬ا أن‪00‬ا‬
‫أمشى معه إذ جاء رجل فقال‪ :‬يا ابن عمر كيف س‪00‬معت رس‪00‬ول هللا ص‪00‬لى هللا علي‪00‬ه وس‪00‬لم‬
‫ي‪00‬ذكر في النج‪00‬وى؟ ق‪00‬ال‪ :‬س‪00‬معته يق‪00‬ول‪ :‬ي‪00‬دنو من رب‪00‬ه ح‪00‬تى يض‪00‬ع علي‪00‬ه كنف‪00‬ه‪...‬ثم‪ 0‬ق‪00‬ال‬
‫البخاري‪ :‬قال ابن المبارك كنفه يعنى س‪00‬تره‪ .‬رواه البخ‪00‬اري في خل‪00‬ق أفع‪00‬ال العب‪00‬اد (‪)61‬‬
‫ونقله الحافظ في فتح الباري (‪.)13/477‬‬

‫تأويل اإلمام الترمذي‬

‫‪469‬‬
‫روى الترمذي في جامعه الحديث المشهور‪( :‬أنا عن‪00‬د ظن عب‪00‬دي بي‪ ....‬وإن أت‪00‬اني‬
‫يمشي أتيته هرولة) ثم قال‪ :‬هذا ح‪00‬ديث حس‪00‬ن ص‪00‬حيح‪ ،‬وي‪00‬روى عن األعمش في تفس‪00‬ير‬
‫هذا الحديث (من تقرب منى شبرا تق‪00‬ربت من‪00‬ه ذراع‪00‬ا) يع‪00‬نى ب‪00‬المغفرة والرحم‪00‬ة‪ ،‬وهك‪00‬ذا‬
‫فسر بعض أهل العلم هذا الحديث‪ ،‬قالوا‪ :‬إنما معناه‪ :‬يق‪00‬ول‪ :‬إذا تق‪00‬رب إلي العب‪00‬د بط‪00‬اعتى‬
‫وبما أمرت‪ ،‬تسارع إليه مغفرتي ورحمتي (تحفة األحوذي ‪.)10/64‬‬

‫هذه نموذج من تأويل السلف للنصوص واستقصائه يتعسر أو يتعذر من كثرته‪.‬‬

‫وما ذكرناه هنا هو حاصل مذاهب علماء األمة وأئمتها من السلف والخلف في ب‪00‬اب‬
‫الصفات وباب التأويل محققا محررا‪.‬‬

‫وهللا تعالى يتولى هدانا وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫‪470‬‬
‫مقدمة المعلق‬
‫ترجمة مؤلف جوهرة التوحيد الشيخ إبراهيم اللقاني‬ ‫‪-2‬‬
‫ترجمة الشارح الشيخ إبراهيم الباجوري‬ ‫‪-3‬‬
‫مقدمة المؤلف‬ ‫‪-4‬‬
‫ما يتعلق بالبسملة‬ ‫‪-5‬‬
‫ما يتعلق بالحمد والصالة والسالم‬ ‫‪-6‬‬
‫الالم في الحمد هلل هل هي للجنس أو لالستغراق‬ ‫‪-7‬‬
‫هل ينتفع األنبياء بالصالة عليهم‬ ‫‪-8‬‬
‫مجيء النبي على فترة من الرسل‬ ‫‪-9‬‬
‫تعريف النبي والرسول والكالم عليهما‬ ‫‪-10‬‬
‫تعريف التوحيد لغة واصطالحا وشرعا‬ ‫‪-11‬‬
‫مبادي علم التوحيد‬ ‫‪-12‬‬
‫أئمة علم التوحيد‪،‬وبيان أن أهل السنة متفقون في أصول العقائد‬ ‫‪-13‬‬
‫وأن معظم علماء األمة من األش‪00‬اعرة والماتري‪00‬دة وأول من ص‪0‬نف‬
‫في علم التوحيد‬
‫تعريف الدين‬ ‫‪-14‬‬
‫أمهات أمور الدين أربعة‬ ‫‪-15‬‬
‫تعريف الحق والباطل‬ ‫‪-16‬‬
‫معاني لفظ الرب‬ ‫‪-17‬‬

‫‪471‬‬
‫تعريف الصحابي‬ ‫‪-18‬‬
‫معنى كلمة (وبعد) وأحكامها‬ ‫‪-19‬‬
‫وجوب معرفة العقيدة بالدليل اإلجمالي أو التفصيلي‬ ‫‪-20‬‬
‫تحقيق دليل االمكان ودليل الحدوث‬ ‫‪-21‬‬
‫مسمى أسما الكتب والتراجم‬ ‫‪-22‬‬
‫مقدمة الكتاب‬
‫وهي القسم األول من مباحث الفن‬
‫وجوب معرفة ما يجب هلل تعالى وما يجوز عليه وما يمتنع عليه‬ ‫‪-23‬‬
‫تعريف التكليف‬ ‫‪-24‬‬
‫شروط التكليف‬ ‫‪-25‬‬
‫هل يكفي في التكليف بالعقائد بلوغ دعوة أي نبي؟‬ ‫‪-26‬‬
‫نجاة والدي المصطفي واالستدالل على ذلك‬ ‫‪-27‬‬
‫وجوب معرفة هللا تعالى بالشرع ال بالعقل‬ ‫‪-28‬‬
‫تحقيق مسالة تحكيم العقل ومسألة الحسن والقبح‬ ‫‪-29‬‬
‫تقسيم صفات هللا باعتبار دليلها إلى ثالثة أقسام‬ ‫‪-30‬‬
‫حكم التقليد في العقيدة‬ ‫‪-31‬‬
‫الخالف في حكم إيمان المقلد‬ ‫‪-32‬‬
‫المراد بالتقليد هنا مقابل النظر في الدليل‬ ‫‪-33‬‬
‫تحقيق مسألة أول الواجبات على المكلف‬ ‫‪-34‬‬
‫أول الواجبات على المكلف هو المعرفة‬ ‫‪-35‬‬
‫أقوال العلماء في أول الواجبات على المكلف‬ ‫‪-36‬‬
‫االستدالل على وجود هللا تعالى بالنظر في اآلفاق وفي األنفس‬ ‫‪-37‬‬
‫تعريف النظر‬ ‫‪-38‬‬
‫دالئل امتناع قيام الحوادث باهلل تعالى وما هو الح‪00‬ادث ال‪00‬ذي يمتن‪00‬ع‬ ‫‪-39‬‬
‫قيامه باهلل تعالى؟‬
‫دالئل حدوث العالم‬ ‫‪-40‬‬
‫‪472‬‬
‫اإليمان هو التصديق القلبي‬ ‫‪-41‬‬
‫اإليمان باألنبياء والمالئكة إجماال وتفصيال‬ ‫‪-42‬‬
‫الخالف في النطق بما يدل على التصديق القلبي‬ ‫‪-43‬‬
‫هل يشترط في النطق لفظ الشهادتين وترتيبهما؟‬ ‫‪-44‬‬
‫اشتراط النطق هل هو في صحة اإليمان أم في اجراء األحكام‬ ‫‪-45‬‬
‫الدنيوية‬
‫مذهب‪ 0‬المعتزلة والخوارج في العمل‬ ‫‪-46‬‬
‫االستدالل لمذهب‪ 0‬أهل السنة‬ ‫‪-47‬‬
‫معنى اإل سالم‪ ،‬والنسبة بينه وبين اإليمان‬ ‫‪-48‬‬
‫هل يزيد اإليمان وينقص‬ ‫‪-49‬‬
‫القسم الثاني من مباحث الفن اإللهيات‬ ‫‪-50‬‬
‫الصفة النفسية هلل تعالى‪ ،‬وهي الوجود‬ ‫‪-51‬‬
‫حقيقة الدور والتسلسل وبيان استحالتهما‬ ‫‪-52‬‬
‫تقرير برهان التطبيق وإيراد دالئل أخرى على بطالن التسلسل‬ ‫‪-53‬‬
‫وحدة الوجود‬ ‫‪-54‬‬
‫‪ -55‬بيان مذهب من قال بعدم زيادة الوجود على الذات‪ ،‬ومذهب من قال‬
‫بزيادته‬
‫الصفات السلبية هلل تعالى‬ ‫‪-56‬‬
‫القدم هلل تعالى‬ ‫‪-57‬‬
‫القديم واألزلي‬ ‫‪-58‬‬
‫البقاء هلل تعالى‬ ‫‪-59‬‬
‫مخالفة هللا للحوادث‬ ‫‪-60‬‬
‫قيام هللا تعالى بنفسه‬ ‫‪-61‬‬
‫وحدانية هللا تعالى‬ ‫‪-62‬‬
‫الوحدانية تنفى كموما خمسة‬ ‫‪-63‬‬
‫تقرير برهان التمانع‬ ‫‪-64‬‬

‫‪473‬‬
‫تنزه هللا تعالى عن الضد والشبه والشريك والوالدين واألصدقاء‬ ‫‪-65‬‬
‫صفات المعاني هلل تعالى‬ ‫‪-66‬‬
‫قدرة هللا تعالى‬ ‫‪-67‬‬
‫إرادة هللا تعالى‬ ‫‪-68‬‬
‫مغايرة اإلرادة لألمر والعلم والرضى‬ ‫‪-69‬‬
‫علم هللا تعالى‬ ‫‪-70‬‬
‫بيان قول الفالسفة إن هللا ال يعلم الجزئيات‬ ‫‪-71‬‬
‫هل العلم اإلجمالي ثابت هلل تعالى‬ ‫‪-72‬‬
‫حياة هللا تعالى‬ ‫‪-73‬‬
‫كالم هللا تعالى‬ ‫‪-74‬‬
‫سمع هللا‬ ‫‪-75‬‬
‫بصر هللا تعالى‬ ‫‪-76‬‬
‫هل هلل تعالى صفة تسمى باإلدراك‬ ‫‪-77‬‬
‫ثبوت صفة التكوين هلل تعالى وقيامها به تعالى‬ ‫‪-78‬‬
‫بيان أن التكوين الذي قال به الماتريدية بمعنى مبدأ األفعال‪ ،‬ال‬ ‫‪-79‬‬
‫بمعنى القدر المشترك بين األفعال‬
‫الحال واألمور االعتبارية‬ ‫‪-80‬‬
‫معنى قول المعتزلة‪ :‬إن صفات هللا تعالى عين ذاته‬ ‫‪-81‬‬
‫صفات هللا الثبوتية ليست عينه وال غيره‬ ‫‪-82‬‬
‫هل صفات هللا واجبة لذاتها أو ممكنة واجبة لذات هللا تعالى‬ ‫‪-83‬‬
‫بيان فساد كل من القولين‬ ‫‪-84‬‬
‫قدرة هللا تعالى تتعلق بالممكن فقط بال تناهي ما تعلقت به‬ ‫‪-85‬‬
‫ومثل القدرة فيما ذكر اإلرادة‬ ‫‪-86‬‬
‫علم هللا تعالى يتعلق بالممكنات والواجبات والمستحيالت‬ ‫‪-87‬‬
‫الترتيب في تعلق العلم واإلرادة والقدرة‬ ‫‪-88‬‬
‫كالم هللا تعالى متعلق بالممكنات والواجبات والمستحيالت‬ ‫‪-89‬‬
‫‪474‬‬
‫سمع هللا تعالى وبصره وإدراكه تتعلق بالموجودات فقط‬ ‫‪-90‬‬
‫الدليل على أن السمع والبصر ليسا عبارتين عن العلم بالمسموعات‬ ‫‪-91‬‬
‫والمبصرات‬
‫أسماء هللا تعالى وصفاته قديمة‬ ‫‪-92‬‬
‫المختار أن إثبات األسماء والصفات هلل توقيفي‬ ‫‪-93‬‬
‫حكم إطالق الصانع والقديم والذات ونحوها على هللا تعالى‬ ‫‪-94‬‬
‫الصفات المتشابهة‬ ‫‪-95‬‬
‫ال يجوز تأويل النصوص إال بأربعة شروط‬ ‫‪-96‬‬
‫نزول هللا تعالى إلى السماء الدنيا‬ ‫‪-97‬‬
‫القرآن كالم هللا قديم‬ ‫‪-98‬‬
‫القرآن متلو بألسنتنا محفوظ في صدورنا مكتوب في مصاحفنا‬ ‫‪-99‬‬
‫غير‬
‫حال فيها‬
‫محنة خلق القرآن وممهداتها‬ ‫‪-100‬‬
‫‪ - 101‬مسألة اللفظ‪:‬‬
‫‪ -102‬معنى إنزال القرآن‬
‫الممتنع على هللا تعالى‬ ‫‪-103‬‬
‫الجائز على هللا تعالى‬ ‫‪-104‬‬
‫‪ -105‬هللا تعالى خالق للعبد ولعمله‬
‫القدرية إذا سلموا العلم خصموا‬ ‫‪-106‬‬
‫‪ -107‬بيان مذهب الباقالني ومذهب الماتريدية‬
‫‪ -108‬معنى التوقيف والخالف فيه‬
‫الخالف في جواز تخلف الوعيد من هللا تعالى‬ ‫‪-109‬‬
‫‪ -110‬مقالة تاج الدين السبكي في اثبات الكسب‬
‫‪ -111‬للعبد كسب غير مؤثر في فعله عند أهل السنة وبيان المذاهب‬
‫في ذلك‬

‫‪475‬‬
‫‪ -112‬تعريف الكسب‬
‫إثابة هللا تعالى الطائع بفضله وعقابه العاص بعدله‬ ‫‪-113‬‬
‫‪ -114‬ال يجب على هللا تعالى الصالح واألصلح للعباد‬
‫‪ -115‬ما يجوز على هللا تعالى‬
‫قال أهل السنة إن هللا تعالى يريد الخير والشر‪ ،‬وقالت المعتزلة‬ ‫‪-116‬‬
‫ال يريد إال الخير‬
‫‪ -117‬وجوب اإليمان بالقضاءوالقدر‬
‫‪ -118‬الرضا بالقضاء والقدر‬
‫‪ -119‬االحتجاج بالقضاء والقدر‬
‫‪ -120‬تعريف كل من القضاء والقدر‬
‫‪ -121‬من الجائز على هللا تعالى أن ينظر باألبصار‬
‫‪ -122‬يرى هللا تعالى بال كيفية وال تحيز وال انحصار‬
‫‪ -123‬محل رؤية هللا تعالى الجنة وعرصات القيامة‬
‫‪ - 124‬المختار أن النبي صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم رأى ربه ليلة‬
‫اإلسراء‬
‫القسم الثالث من الفن النبويات‬
‫‪ -125‬من الجائز على هللا تعالى إرسال الرسل‬
‫‪ -126‬ما يجب لألنباء من الصفات‬
‫‪ -127‬يجب لألنباء األمانة‬
‫‪ -128‬يجب لألنباء الصدق‬
‫‪ -129‬وجوب الفطانة لألنبياء‬
‫‪ -130‬يجب لألنباء التبليغ‬
‫الممتنع على األنبياء‬ ‫‪-131‬‬
‫‪ -132‬ما يجوز على األنبياء‬
‫‪ -133‬ما يجوز ويمتنع على األنبياء من األعراض البشرية‬

‫‪476‬‬
‫جمع الشهادتين لعقائد اإلسالم وبيان ذلك‬ ‫‪-134‬‬
‫النبوة غير مكتسبة‬ ‫‪-135‬‬
‫أفضل الخلق نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‬ ‫‪-136‬‬
‫‪ -137‬أفضل الخلق بعد نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‬
‫األنبياء‪ ،‬ويليهم المالئكة‬
‫طريقة الماتريدية في التفاضل بين البشر والمالئكة‬ ‫‪-138‬‬
‫‪ -139‬قد أيد هللا تعالى أنبيائه بالمعجزات‬
‫‪ - 140‬تعريف المعجزة والفرق بينها وبين غيرها من خوارق العادات‬
‫‪ -141‬يجب لألنبياء والمالئكة العصمة‬
‫‪ -142‬محمد صلى هللا تعالى عليه وسلم خاتم األنبياء ومرسل إلى الناس‬
‫كافة‬
‫‪ -143‬شريعة محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم ال تنسخ بغيرها‬
‫‪ -144‬شريعة محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم قد نسخت‬
‫الشرائع المتقدمة عليها‬
‫‪ -145‬يجوز نسخ بعض شرع نبينا بالبعض‬
‫أقسام النسخ‬ ‫‪-146‬‬
‫ومعجزات نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم كثيرة‬ ‫‪-147‬‬
‫جملة من معجزات نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‬ ‫‪-148‬‬
‫‪ -149‬اإلسراء والمعراج‬
‫‪ -150‬تبرئة أم المؤمنين عائشة من اإلفك‬
‫القسم الرابع من الفن السمعيات وتوابعها‬
‫أفضل القرون قرن الصحابة‬ ‫‪-151‬‬
‫أفضل األمة بعد الصحابة التابعون فتابعوهم‬ ‫‪-152‬‬
‫أفضل الصحابة الخلفاء الراشدون‬ ‫‪-153‬‬
‫‪ -154‬فضل العشرة المبشرة‬

‫‪477‬‬
‫‪ -155‬فضل أهل بدر‬
‫‪ -156‬قصة غزوة بدر‬
‫‪ -157‬فضل أهل أُ ُحد وقصة وقعته‬
‫‪ -158‬فضل أهل بيعة الرضوان وقصتها‬
‫‪ -159‬فضل السابقين األولين‪ ،‬ومن هم‬
‫‪ -160‬يجب تأويل التشاجر الذي جرى بين الصحابة عند الخوض فيه‬
‫‪ -161‬ما ورد من األحاديث في األئمة األربعة‬
‫‪ - 162‬يجب على غير المجتهد تقليد أحد األئمة‪ ،‬وبيان شرائط االجتهاد‬
‫‪ -163‬يجب اعتقاد ثبوت الكرامات لألولياء‬
‫‪ -164‬مذهب أهل السنة أن الدعاء ينفع‬
‫‪ -165‬شروط الدعاء وآدابه‬
‫‪ -166‬وكل بكل عبد مالئكة حافظون وكاتبون ألعماله‬
‫‪ -167‬محاسبة النفس‬
‫اإليمان بالموت‬ ‫‪-168‬‬
‫المقتول ميت بإنقضاء عمره‬ ‫‪-169‬‬
‫‪ -170‬هل تفنى النفس عند النفخ‬
‫‪ -171‬هل يفنى عجب الذنب عند النفخ‬
‫االمساك عن الخوض في الروح‬ ‫‪-172‬‬
‫االمساك عن الخوض في العقل‬ ‫‪-173‬‬
‫أنواع العقل‬ ‫‪-174‬‬
‫‪ -175‬يجب اإليمان بالسؤال في القبر وبنعيمه وعذابه وبالبعث‬
‫‪ -176‬كيفية السؤال في القبر‬
‫‪ -177‬من اليسأل في قبره‬
‫‪ -178‬هل يعاد البدن عن عدم أو عن تفريق‬
‫‪ -179‬ال تأكل األرض أجسام األنبياء والشهداء والعلماء العاملين‬

‫‪478‬‬
‫‪ -180‬في إعادة األعراض قوالن‬
‫الحساب حق‬ ‫‪-181‬‬
‫‪ -182‬يجزى العبد على السيآت بالمثل‪ ،‬وتضاعف له الحسنات‬
‫‪ -183‬تغفر صغائر المؤمن بإجتنابه للكبائر‬
‫اليوم اآلخر وهول الموقف حق‬ ‫‪-184‬‬
‫‪ -185‬عالمات الساعة ووجوب اإليمان بها‬
‫أخذ العباد الصحف حق‬ ‫‪-186‬‬
‫الوزن والميزان حق‬ ‫‪-187‬‬
‫‪ -188‬والموزون قيل هي كتب األعمال ‪ ،‬وقيل هي األعمال نفسها‬
‫الصراط حق والناس مختلفون في المرور عليه‬ ‫‪-189‬‬
‫‪ -190‬والعرش والكرسي والقلم والكاتبون واللوح حق‬
‫الجنة والنار حق‪ ،‬وهما موجوداتان اآلن‬ ‫‪-191‬‬
‫الجنة والنار دارا خلود‬ ‫‪-192‬‬
‫‪ -193‬يجب اإليمان بالحوض‬
‫‪ -194‬شفاعة نبينا محمد صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم حق‬
‫‪ -195‬ويشفع غير نبينا محمد ‪-‬صلى هللا تعالى عليه وسلم‪ -‬من األخيار‬
‫‪ -196‬مذهب أهل السنة أن العاصي مفوض إلى ربه‬
‫‪ -197‬يجب تعذيب بعض العصاة‬
‫الشهداء أحباء عند ربهم يرزقون‬ ‫‪-198‬‬
‫‪ - 199‬والرزق عند أهل السنة ما انتفع المرأ به وإن كان حراما‬
‫اختلف في أيهما أفضل االكتساب أو التوكل‬ ‫‪-200‬‬
‫‪ -201‬مذهب أهل السنة أن المعدوم ليس بشيء وال تقرر له في الخارج‬
‫حقائق األشياء ثابتة‬ ‫‪-202‬‬
‫‪ -203‬وجود الشيء عينه‬
‫الجوهر الفردموجود حادث‬ ‫‪-204‬‬

‫‪479‬‬
‫الذنوب قسمان كبائر وصغائر‬ ‫‪-205‬‬
‫‪ -206‬تجب التوبة من الذنوب‬
‫‪ -207‬يجب على العائد إلى الذنب الذي تاب منه تجديد توبته‬
‫‪ -208‬هل قبول التوبة قطعي أو ظني‬
‫حفظ الكليات الست‬ ‫‪-209‬‬
‫حفظ الكليات الست‬ ‫‪-209‬‬
‫‪ -210‬يكفر من أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة‬
‫‪ -211‬يكفر من جحد أمرا مجمعا له معلوم من الدين بالضرورة‬
‫‪ -212‬يجب على األمة نصب إمام عادل وما يتعلق بذلك‬
‫‪ -213‬يجب على األمة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫‪ -214‬شرائط األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫‪ -215‬ذم النميمة‬
‫الصور التى تباح فيها الغيبة‬ ‫‪-216‬‬
‫‪ -217‬ذم العجب‬
‫‪ -218‬ذم الكبر‬
‫‪ -219‬دواء الكبر‬
‫‪ -220‬ذم الحسد‬
‫‪ -221‬دواء الحسد‬
‫‪ -222‬ذم المراء‬
‫‪ -223‬ذم الجدل‬
‫طلب التخلق باألخالق الحميدة‬ ‫‪-224‬‬
‫طلب إتباع السلف واجتناب ابتداع الخلف‬ ‫‪-225‬‬

‫‪480‬‬

You might also like