You are on page 1of 11

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫«تفسير الجاللين»‬
‫لـإلمام جالل الدين المحلِّي‬
‫رحمه هللا‬
‫المتوفَّى سنة‪ 864( :‬هـ)‬
‫واإلمام جالل الدين السيوطي‬
‫رحمه هللا‬
‫المتوفَّى سنة‪ 911( :‬هـ)‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫التعريف بمؤلِّفَي هذا التفسير‪:‬‬
‫ألَّف هذا التفسير الجلي َل اإلمامان الجليالن‪ :‬جالل الدين المحلِّي‪ ،‬وجالل الدين السيوطي‪.‬‬
‫جالل الدين ال َمحلِّي‬
‫اسمه ونسبه‪:‬‬
‫تفتــازاني العــرب‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫هو جالل الدين محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلِّي الشافعي‪،‬‬
‫اإلمام العالَّمة(‪.)1‬‬
‫مولده ونشأته‪ ،‬شيوخه وتالمذته‪:‬‬
‫ُولد بمصر سنة (‪ 791‬هـ)‪ ،‬واشتغل وبرع في الفنون؛ فقهاً‪ ،‬وكالم ـاً‪ ،‬وأُصــوالً‪ ،‬ونحــواً‪،‬‬
‫ومنطقاً‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وأخذ المحلي العلم عن البيجوري‪ ،‬والشمس البساطي‪ ،‬والعالء البخاري‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫السـخاوي‪ ،‬وجالل الـدين الســيوطي‪ ،‬الــذي أكمــل‬ ‫وأ َّما أشهر تالميذه اثنان‪ :‬شــمس الــدين َّ‬
‫تفسيره بعد وفاته‪.‬‬
‫ثناء العلماء عليه‪:‬‬
‫السـلف‪ ،‬على الصــالح والـورع‪،‬‬ ‫قـال ابن العمــاد‪ :‬كـان غـ َّرةَ عصــره في سـلوك طريـق َّ‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬يواجه بذلك أكابر الظلَم ِة والح َّك ِام‪ ،‬ويأتون إليه فال يلتفت‬
‫ِ‬ ‫واألمر بالمعروف‬
‫ِ‬
‫ـات‪ ،‬و ُعــرض عليــه القضــاء األكــب ُر‬‫إليهم‪ ،‬وال يــأذن لهم في الــدخول عليــه‪ ،‬وظهــرت لــه كرامـ ٌ‬
‫فامتنع‪ ،‬وولي تدريس الفقه ببعض المدارس في مصر‪ ،‬وقرأ عليه جماعةٌ(‪.)2‬‬
‫مصنَّفاته‪:‬‬
‫وقد ألَّف المحلي ‪ ‬كتبا ً وهي غايةٌ في االختصــار والتحريــر والتنقيح‪ ،‬وقــد أقبــل النــاس‬
‫على مؤلَّفاته‪ ،‬وتلقَّوْ ها بالقبول‪ ،‬وتداولوها في دراساتهم‪ ،‬ف ِمن ُمؤلَّفاته‪:‬‬
‫«شرح جمع الجوامع» في أصول الفقه على مذهب اإلمام الشافعي‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫«شرح الورقات» في األصول أيضاً‪.‬‬ ‫‪)2‬‬
‫«شرح المنهاج» المس َّمى بـ «كنز الراغبين» في فقه الشافعية‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫«تفسير القرآن» الذي نحن بصدد تعريفه‪.‬‬ ‫‪)4‬‬
‫قال تلميذه السيوطي‪ :‬وأجلُّ كتبه التي لم تُك َمل‪« :‬تفسير القــرآن»‪ ،‬كتب منــه أ َّول الكهــف‬
‫ت يســيرة من‬ ‫إلى آخر القرآن‪ ،‬وهو ممزوج مح ـرَّر في غايــة الحســن‪ ،‬وكتب على الفاتحــة وآيــا ٍ‬
‫البقرة‪ ،‬وقد أكملتُه بتكملة على ن َمطه ِمن أ َّول البقرة إلى آخر اإلسراء(‪.)3‬‬

‫‪ )(1‬انظر لترجمته‪« :‬الضوء الالمع» للسخاوي ( ‪/7‬ـ ‪ ،)41-39‬و«سلم الوصول» (‪/3‬ـ ‪ ،)89-88‬و«البدر الطالع» (‬
‫‪/2‬ـ ‪ ،)116-115‬و«طبقات المفسرين» للداوودي (‪/2‬ـ ‪ ،)85-84‬و«طبقـات المفسـرين» لألدرنـه وي (ص ‪-336‬‬
‫‪ ،)337‬و«األعالم» ‪.333 /5‬‬
‫‪ )(2‬انظر‪« :‬شذرات الذهب» (‪ )447 /9‬باختصار يسير‪.‬‬
‫‪ )(3‬انظر‪« :‬حسن المحاضرة» للسيوطي (‪.)444 /1‬‬

‫‪2‬‬
‫ومنها مصنَّفات لم يُكملها‪ ،‬كـ «شرح القواعد» البن هشام‪ ،‬و«شرح التســهيل» كتب منــه‬
‫قليالً ج ـ ًّدا‪ ،‬و«حاشــية على شــرح جــامع المختصــرات»‪ ،‬و«حاشــية على جــواهر اإلســنوي»‪،‬‬
‫و«شرح الشمسية» في المنطق‪.‬‬
‫وفاته‪:‬‬
‫توفِّي ‪ ‬في أ َّول ٍ‬
‫يوم ِمن سنة‪ )864( :‬من الهجرة‪.‬‬
‫سيوطي‬
‫جالل الدين ال ُّ‬
‫اسمه ونسبه‪:‬‬
‫هــو جالل الــدين عبــد الــرحمن بن أبي بكــر بن محمــد ابن ســابق الــدين ال ُخ َ‬
‫ضــيري‪،‬‬
‫السيوطي‪ ،‬الشافعي‪ ،‬ال ُمسنِد المحقِّق المدقِّق‪ ،‬صاحب المؤلَّفات الفائقة النافعة(‪.)4‬‬
‫مولده ونشأته‪:‬‬
‫ـلت عنــد والدتـه حادثــة طريفـة‪:‬‬ ‫ُولد السيوطي في «أسيوط»‪ ،‬سنة‪ 849( :‬هـ)‪ ،‬وقد حصـ ْ‬
‫وهي أن والده ــ وكان من أهل العلم ــ احتاج إلى كتاب‪ ،‬فأمر زوجتَــه أن تأتيــه بــه ِمن المكتبــة‪،‬‬
‫فوضع ْته؛ فلُقّب بـ (ابن الكتب)‪.‬‬
‫َ‬ ‫فجأها المخاض ــ وهي بين الكتب ــ‬ ‫فل َّما ذهبت َ‬
‫وتُوفِّي والده ــ وله من العمر خمس سنوات وســبعة أشــهر ــــ‪ ،‬وقــد وصــل في القــرآن إذ‬
‫ذاك إلى ســورة التّحــريم‪ ،‬وأُســند وصــايتُه إلى جماعــة‪ ،‬منهم‪ :‬الكمــال بن الهمــام‪ ،‬وختم القــرآن‬
‫العظيم‪ ،‬وله من العمر دون ثمان سنين‪ ،‬ث َّم حفِظ «عمدة األحكام»‪ ،‬و«منهاج النــووي»‪ ،‬و«ألفيَّة‬
‫ابن مالك»‪ ،‬و«منهاج البيضاوي»‪ ،‬وعرض ذلك على علماء عصره وأجازوه‪.‬‬
‫شيوخه‪ ،‬وتالمذته‪:‬‬
‫شرع السيوطي ‪ ‬في االشتغال بالعلم من ابتداء ربيع األول سنة‪ 864( :‬هـ)‪ ،‬وأخــذ عن‬
‫كثير من أعيان عصره‪ ،‬فمن أشهرهم‪:‬‬
‫«فرضـ ّي‬
‫الشــيخ شــهاب الــدين الشار ْمســاحي‪ ،‬أخــذ عنــه الفــرائض‪ ،‬ووصــفه بـ ـ َ‬ ‫‪)1‬‬
‫زمانه»‪.‬‬
‫شيخ اإلسالم َعلَم الدين صالح بن عمر بن رسالن البُلقيني‪ ،‬لزمه في الفقــه إلى أن‬ ‫‪)2‬‬
‫مات‪.‬‬
‫شيخ اإلسالم شرف الدين ال ُمناوي‪ ،‬أخذ عنه الفقه والتفسير‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫اإلمام تق ِّي الدين الشبلي الحنفي‪ ،‬واظبه في الحديث أربع سنين حتَّى توفِّي‪.‬‬ ‫‪)4‬‬
‫السـيوطي أربعـة عشـر عامـاً‪ ،‬وأخـذ منـه‬
‫ُّ‬ ‫العالمة محيي الدين الكـافِيَجي‪ ،‬الزمـه‬ ‫‪)5‬‬
‫أغلب علمه من التفسير‪ ،‬واألصول‪ ،‬والعربيَّة‪ ،‬والمعاني‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫الشيخ سيف الدين محمد الحنفي‪ ،‬أخذ عنه التفسير‪ ،‬واألصول‪ ،‬والبالغة‪.‬‬ ‫‪)6‬‬
‫السيوطي مجالسه سنةً كاملــة في كـ ِّل أســبوع مـرَّتين‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الجالل ال َمحلِّي‪ ،‬وقد حضر‬ ‫‪)7‬‬
‫وغيرُهم من فضالء زمانه‪.‬‬

‫‪ )(4‬انظر لترجمته‪« :‬الضوء الالمع» (‪/4‬ـ ‪ ،)70-65‬و«شـذرات الـذهب» (‪/10‬ـ ‪ ،)79-74‬و«سـلم الوصـول» (‪/2‬‬
‫‪ ،)249-248‬و«األعالم» (‪/3‬ـ ‪ ،)302-301‬و«الحافظ جالل الدين الســيوطي معلمــة العلـوم اإلســالمية» للطبــاع‪،‬‬
‫و«اإلمام السيوطي وجهوده في علوم القرآن» للشيخ محمد يوسف الشربجي‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أن الداوودي (تلميذ السيوطي) أحصى في ترجمة السيوطي‬ ‫وقد ذكر ابن العماد الحنبلي‪َّ :‬‬
‫أســما َء شــيوخه إجــازةً وقــراءةً وســماعا ً ـــ ُمرتَّبين على حــروف المعجم ـــ فبلغت ِعـ َّدتهم أحــداً‬
‫وخمسين نفسا ً(‪.)5‬‬
‫وأخذ عن السيوطي‪ :‬محمد بن علي الداوودي‪ ،‬والعلقمي ــ وهو صاحب أ َّول حاشية على‬
‫«تفسير الجاللين» ــ‪ ،‬وشمس الدين ابن طولون‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ثناء العلماء عليه‪:‬‬
‫قال عنه تلميذه الداوودي‪:‬ـ وكــان أعلم أهــل زمانــه بعلم الحــديث وفنونــه رجـاالً وغريبـاً‪،‬‬
‫ومتنا ً وسنداً‪ ،‬واستنباطا ً لألحكام منه‪ ،‬وأخبر عن نفسه أنَّه يحفظ مــائتي ألــف حــديث‪ ،‬قــال‪ :‬ولــو‬
‫وجدت أكثر لحفِظتُه‪ .‬قال‪ :‬ولعلَّه ال يوجد على وجه األرض اآلن أكثر من ذلك(‪.)6‬‬ ‫ُ‬
‫مصنَّفاته‪:‬‬
‫ول ّما بلغ السيوطي ‪ ‬أربعين سنةً شرع في تحريـر مؤلَّفاتـه‪ ،‬وتـرك اإلفتـاء والتــدريس‪،‬‬
‫وأقام في روضة المقياس‪ ،‬فلم يتح َّول منها إلى أن مات‪.‬‬
‫استقصى تلميذه الداوودي مؤلَّفاتــه الكثــيرة النَّافعــة المحـرَّرة المعتــبرة‪ ،‬فبلــغ عــددها إلى‬
‫خمسمئة (‪ )500‬مؤلَّف‪ ،‬وهي ما بين مؤلَّفات كبار‪ ،‬ورسائل صغار‪ ،‬في شـتَّى فنــون العلم‪ ،‬وقــد‬
‫اشتهر أكثر مصنَّفاته في حياتـه في أقطـار األرض شـرقا ً وغربـاً‪ ،‬وكـان آيـةً كـبرى في سـرعة‬
‫التأليف‪.‬‬
‫وجاء في «شذرات الذهب» في ترجمته‪ :‬ولو لم يكن له ِمن الكرامات إال كثرة المؤلَّفــات‬
‫ــ مع تحريرها وتدقيقها ــ لكفى ذلك شاهداً لمن يؤمن بالقدرة(‪.)7‬‬
‫السـيوطي وأمــاكن‬ ‫خاصـةٌ‪ ،‬منهــا‪« :‬دليــل مخطوطــات ّ‬ ‫َّ‬ ‫صنِّف في تعداد مؤلَّفاتِه كتُب‬‫وقد ُ‬
‫َّ‬
‫وجودها»‪ ،‬صنَّفه األستاذان أحمد الخازندار ومحمد إبراهيم الشيباني‪ ،‬وقد بلغت ِع َّدة مؤلفاته فيه‬
‫(‪ )981‬مؤلَّفاً‪ ،‬وقد أوصلها الطبَّاع في كتابه المسـ َّمى بـــ«الحافــظ جالل الــدين الســيوطي معلمــة‬
‫العلوم اإلسالمية» (ص‪ )312‬إلى (‪ )1194‬مؤلَّفاً‪ ،‬ما بين مطبوع ومخطوط ومفقود‪ ،‬وهللا تعالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫إن علم التفسير من العلوم الــتي رُزق الســيوطي ‪ ‬فيهــا التبحُّ ر‪ ،‬فقــد كثُــرت فيــه‬ ‫وحيث َّ‬
‫مصـنَّفاته‪ ،‬إذ بلغت مؤلَّفاتُـه في التفسـير وعلو ِمـه سـتِّين مصـنَّفاً‪ ،‬بحسـب إحصـاء الشـيخ محمـد‬
‫يوسف الشربجي في كتابه‪« :‬اإلمام السيوطي وجهوده في علوم القرآن»(‪ ،)8‬ونحن سنقتصر هنــا‬
‫على ذكر أشهرها بحسب المقام‪:‬‬
‫‪«)1‬اإلتقان في علوم القرآن»‪.‬‬
‫‪«)2‬اإلكليل في استنباط التنزيل» كتاب في تفسير آيات األحكام‪.‬‬
‫‪«)3‬التحبير في علم التفسير»‪.‬‬
‫‪«)4‬تكملة تفسير الجالل المحلي»‪.‬‬

‫‪ )(5‬انظر‪« :‬شذرات الذهب» (‪.)76-75 /10‬‬


‫‪ )(6‬انظر‪« :‬شذرات الذهب» (‪.)76 /10‬‬
‫‪ )(7‬انظر‪« :‬شذرات الذهب» (‪.)78 /10‬‬
‫‪ )(8‬انظر‪« :‬اإلمام السيوطي وجهوده في علوم القرآن» للشيخ محمد يوسف الشربجي (ص ‪.)241-217‬‬

‫‪4‬‬
‫‪«)5‬تناسق الدرر في تناسب اآليات والسور»‪.‬‬
‫‪«)6‬الدرُّ المنثور في التفسير بالمأثور»‪.‬‬
‫‪«)7‬طبقات المفسرين»‪.‬‬
‫‪«)8‬لباب النقول في أسباب النزول»‪.‬‬
‫‪«)9‬مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع»‪.‬‬
‫‪«)10‬معترك األقران في إعجاز القرآن»‪.‬‬
‫‪«)11‬مفحمات األقران في مبهمات القرآن»‪.‬‬
‫‪«)12‬نواهد األبكار وشوارد األفكار» وهي حاشية على «تفسير البيضاوي»‪ ،‬كتبــه الســيوطي في‬
‫عشرين عاماً‪ ،‬وحقِّقت هذه الحاشية وطبعت مع «تفسير البيضاوي» عن دار اللباب‪.‬‬
‫وفاته‪:‬‬
‫وتوفِي السيوطي سنةَ‪ 911( :‬هـ)‪ ،‬في منزله بروضة المقياس‪ ،‬رحمه هللا تعالى‪.‬‬
‫***‬
‫التعريف بـ «تفسير الجاللين»‬
‫اشترك في تأليف هذا التفسير المشــهور ـــ كمــا أشــرنا إليــه ـــ اإلمامــان الجليالن‪ ،‬جالل‬
‫الدين المحلِّي‪ ،‬وجالل الدين السيوطي‪ ،‬رحمهما هللا‪.‬‬
‫أ َّما جالل الدين المحلِّي‪ ،‬فقد ابتدأ تفسيره ِمن أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس‪ ،‬ثم‬
‫ابتدأ بتفسير الفاتحة‪ ،‬وبعد أن أت َّمها وكتب في تفسير سورة البقرة يسيراً اخترمته المنيَّةُ فلم يُفسِّر‬
‫ما بعدها‪.‬‬
‫وأ َّما جالل الــدين الســيوطي فقــد جــاء بعــد شــيخه الجالل المحلِّي‪ ،‬فك َّمل تفســيره‪ ،‬فابتــدأ‬
‫بتفسير سورة البقرة‪ ،‬وانتهى عند آخر سورة اإلسراء‪.‬‬
‫فسـره بعبــارة مــوجزة محـرَّرة‪ ،‬في غايــة‬ ‫وبعد هذا‪ ،‬فالجالل المحلِّي‪ ،‬فسَّر الجــزء الــذي َّ‬
‫يتوسـعْ؛ ألنَّه الــتزم بــأن يُتِ َّم الكتــاب‬
‫َّ‬ ‫الحسن ونهاية الدقة‪ ،‬والجالل السيوطي تابعه على ذلــك ولم‬
‫على النمط الذي جرى عليه الجالل المحلِّي‪ ،‬كما أوضح ذلــك في مقدمتــه‪ ،‬وهــذا هــو الصــحيح‪،‬‬
‫خالفا ً لمن زعم عكس ذلك‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫لقد تتابع الناس في الثناء على هــذا التفســير‪ ،‬ســواء ِمن أصــحاب الحواشــي عليــه‪ ،‬أو ِمن‬
‫المتكلِّمين على الكتب والمؤلفات‪ ،‬أو أصحاب كتب مناهج المفسرين‪.‬‬
‫فقــال الصــاوي ‪ ‬في حاشــيته على «تفســير الجاللين»‪ :‬وكــان كتــاب الجاللين ِمن أجــلِّ‬
‫كتب التفسير‪ ،‬وأج َم َع على االعتناء به الج ُّم الغفير‪ ،‬من أهل البصائر والتنوير(‪.)9‬‬
‫وقــال حــاجي خليفــة‪ :‬وهــو ـــ مــع كونــه صــغي َر الحجم ـــ كبــي ُر المعــنى‪ ،‬ألنَّه لبُّ لبــاب‬
‫التفاسير(‪.)10‬‬

‫‪ )(9‬انظر‪« :‬حاشية الصاوي على تفسير الجاللين» (‪.)3 /1‬‬


‫‪ )(10‬انظر‪« :‬كشف الظنون» (‪.)445 /1‬‬

‫‪5‬‬
‫إن «تفسير الجاللين» غايـةٌ في االختصــار واإليجــاز‪ ،‬ومــع‬ ‫وقال األستاذ حسين الذهبي‪َّ :‬‬
‫هذا االختصار فالكتاب قَيِّ ٌم في بابه‪ ،‬وهو من أعظم التفاسير انتشاراً‪ ،‬وأكثرها تداوالً ونفعاً‪ ،‬وقــد‬
‫طُبِع مراراً كثيرة‪ ،‬وظفِر بكثير من تعاليق العلماء وحواشيهم عليه(‪.)11‬‬
‫وقال الشيخ عبد العظيم الزرقاني‪ :‬أ َّما «تفسير الجاللين» فكتاب قيِّم‪ ،‬سهل المأخذ إلى ح ٍّد‬
‫ـغرها أو ِمن‬‫مختص ُر العبارة كثيراً‪ ،‬يكاد يكون أعظ َم التفاسير انتشاراً ونفع ـاً‪ ،‬وإن كــان أصـ َ‬
‫َ‬ ‫ما‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أصغرها شرحا وحجما‪ ،‬تَداولَ ْته طبقات مختلِفــة من أهــل العلم وغــيرهم‪ ،‬وطبــع طبعــات كثــيرة‬ ‫ِ‬
‫(‪)12‬‬
‫متنوعة ‪.‬‬‫ِّ‬
‫فتفسير الجاللين‪ :‬هو أحد تفاسير الدراية‪ ،‬جم َع فيه مصنِّفاه تفسيراً مختصــراً فيــه ُمجم ـ ُل‬
‫ما ذكره المفسِّرون‪ ،‬أو ما اختاراه ِمن أقوال السابقين‪ ،‬وأورداه بعبار ٍة مو َجزة محرَّرة‪ ،‬فيه بيــان‬
‫الفهم والبيــا ِن‪ ،‬مزَ جــا‬
‫ِ‬ ‫ب‪ ،‬م َّما يُســاعد على‬
‫ت واإلعــرا ِ‬
‫معــاني القــرآن‪ ،‬وبعض وجــوه القــراءا ِ‬
‫القرآني‪ ،‬في غاية اإلتقان‪ ،‬فكان كما قال حاجي خليفة‪« :‬لبُّ لباب التفاسير»‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫تفسيرهما بالنصِّ‬
‫طريقة الجاللين في تفسيريهما‪:‬‬
‫يمكن لنا تلخيص طريقتهما في «تفسير الجاللين» على ما يلي‪:‬‬
‫‪)1‬ذكر م ِّكيَّ ِة السورة ومدنِيَّتها‪ ،‬ث َّم بيان عد ِد آياتها‪.‬‬
‫‪)2‬ذكر ما تدلُّ عليه اآليات القرآنيَّة‪ ،‬وما يُفهم منها‪ ،‬واختيار أرجح األقوال وأصحِّ ها‪.‬‬
‫توسـع أو تطويــل‬ ‫الفهم والبيــا ِن‪ ،‬دون ُّ‬‫ِ‬ ‫ب عند الحاجــة‪ ،‬م َّما يُســاعد على‬ ‫‪)3‬ذكر بعض وجوه اإلعرا ِ‬
‫يُخرج عن القصد‪.‬‬
‫‪)4‬التنبيه على القراءات القرآنيَّة المشهورة‪ ،‬على وجه لطيــف‪ ،‬وبتعبــير وجــيز‪( ،‬يتابعــان في ذلــك‬
‫قــراءةَ أبي عمــر ٍو بن العالء البصــري‪ ،‬ولكن يخالفــان تلــك القــراءة أحيانــاً) واإلعــراضُ عن‬
‫القراءات الشا َّذة غير المرضيَّة‪.‬‬
‫‪ )5‬اإلشارة عند تفسير آي األحكام ــ بإيجاز شديد‪ ،‬وبدون ذكر الخالف ــ إلى قو ِل الشــافعي ‪ ‬في‬
‫ذكر األدلَّة في الغالب‪.‬‬
‫المسألة ــ وكالهما في الفقه على مذهب الشافعي ــ دون ِ‬
‫‪)6‬إيراد األحاديث في الغالب بِمعناها‪ ،‬ال بلفظها‪ ،‬ويذكرانها مختصراً‪ ،‬أو موض َع الشــاه ِد منهــا‪ ،‬أو‬
‫طرفَها؛ لالختصار‪.‬‬
‫ـديث ِمن أصــحاب الكتب‪ ،‬كالشــيخين‪ ،‬وكــذلك راويــه ِمن الصــحابة‪ ،‬ودرجــة‬ ‫‪)7‬ذكر َمن خرَّج الحـ َ‬
‫أن ذلك نادر‪.‬‬ ‫الحديث من الصحَّة‪ ،‬إال َّ‬
‫مصادرهما في تفسيريهما‪:‬‬
‫نصَّ الســيوطي على بعض المصــادر الــتي اعتمــد عليهــا هــو وشــيخه المحلِّي في كتابــه‬
‫«بغية الوعـاة»(‪ ،)13‬ويمكن ـــ باالعتمـاد على مـا بيَّنـه هنـاك ـــ أن نُ ِ‬
‫حصـر اعتمـا َد الجاللين في‬
‫تفسيريهما على أربعة مصادر أصليَّة‪:‬‬
‫‪« )1‬التفسير الوجيز» للواحدي (ت‪ 468 :‬هـ)‪.‬‬
‫أصل «تفسير الجاللين»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يمكن أن يُع َّد هذا التفسير‬

‫‪ )(11‬انظر‪« :‬التفسير والمفسرون» (‪.)337 /1‬‬


‫‪ )(12‬انظر‪« :‬مناهل العرفان» للزرقاني (‪.)66 /2‬‬
‫‪ )(13‬انظر‪« :‬بغية الوعاة في طبقات اللغويِّين والنحاة» للسيوطي (‪.)401 /1‬‬

‫‪6‬‬
‫المتبصـر»‬
‫ِّ‬ ‫‪« )2‬تفسـير الكواشـي» (الصـغير)‪،‬ـ المسـمى بـــ«تلخيص تبصـرة المتـذ ِّكر وتــذكرة‬
‫لموفَّق الدين الكواشي (ت‪ 680 :‬هـ)‪.‬‬
‫استفاد الجالالن من هــذا التفســير في نــاحيتين؛ القــراءات‪ ،‬وترجمــات الســور‪ ،‬أي‪ :‬ذكــر‬
‫م ِّكيَّتِها أو مدنيَّتِها‪ ،‬وعدد آياتها‪.‬‬
‫‪« )3‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل» للقاضي البيضاوي (ت‪ 685 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪« )4‬تفسير القرآن العظيم» البن كثير (ت‪ 774 :‬هـ)‪.‬‬
‫وهذه األربعة هي التي نصَّ عليها الجالل الســيوطي‪ ،‬لكن هنــاك مصــادر أخــرى‪ ،‬أشــار‬
‫َّ‬
‫الميس ـر» (س‪ :‬مقدِّمــة‬ ‫إليها محقق تفسير الجاللين األستاذ فخر الدين قباوة في «تفســير الجاللين‬
‫التحقيــق)‪ ،‬كــ «معــاني القــرآن وإعرابــه» للزجــاج‪ ،‬و«التبيــان في إعــراب القــرآن» للعكــبري‪،‬‬
‫و«الكشاف» للزمخشري‪ ،‬و«البحر المحيط» ألبي حيان‪ ،‬و«الدر المصون» للسمين‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫حواشي «تفسير الجاللين»‪:‬‬
‫ولقي هــذا التفســير العنايــةَ من العلمــاء‪ ،‬فدرســوه وشــرحوه‪ ،‬وكثُــرت عليــه الحواشــي‬
‫والتعليقات‪ ،‬وقد وقف بعض الباحثين على تسمية أربعين (‪ )40‬حاشية على تفســير الجاللين(‪،)14‬‬
‫ما بين مطبوعة ومخطوطة ومفقودة‪ ،‬وسنقتصر هنا على ذكر األه ِّم واألشهر منها‪:‬‬
‫‪«)1‬قبس النيرين على تفسير الجاللين»‪ ،‬لشمس الدين محمد بن عبد الــرحمن بن علي بن أبي بكــر‬
‫العلقمي الشافعي (ت‪ 969 :‬هـ)‪ ،‬وهو من تالميذ السـيوطي‪ ،‬وقـد فـرغ من تـأليف هـذه الحاشـية‬
‫سنة‪ 952( :‬هـ)‪ .‬وهي ال تزال مخطوطةً‪ ،‬وتع ُّد أ َّو َل حاشية على تفسير الجاللين‪.‬‬
‫‪«)2‬مجمع البحرين ومطلع البدرين على تفسير اإلمامين الجاللين»‪ ،‬لبدر الدين أبي عبــد هللا محمــد‬
‫بن محمد الكرخي البكري الشافعي (ت‪1006 :‬هـــ)‪ ،‬وهــذه الحاشــية تقــع في أربــع مجلَّدات‪ ،‬وال‬
‫تزال مخطوطةً‪ ،‬وقد فرغ من تأليفها سنة‪981( :‬هـ)‪ ،‬وينقــل عنــه ســليمان الجمــل في حاشــيته ــ‬
‫اآلتي ذكرها ــ كثيراً‪.‬‬
‫‪«)3‬الجمالين على تفســير الجاللين» لنــور الــدين المال علي بن ســلطان محمــد القــاري الهــروي ثم‬
‫المكي الحنفي (ت‪1014 :‬هـ)‪ ،‬قال حاجي خليفة‪ :‬وهي حاشية مفيدة‪ ،‬ثم قال‪ :‬فرغ ِمن تأليفها في‬
‫أواخر ذي الحجة سنة‪1004( :‬هـ)(‪ ،)15‬وقد استفاد منها الجمل أيضا ً في حاشيته الشهيرة‪.‬‬
‫‪«)4‬كتــاب الكوكــبين الــنيِّرين في حــلِّ ألفــاظ الجاللين»‪ ،‬لعطيــة بن عطيــة األُجهــوري الشــافعي‬
‫الضرير (ت‪1190 :‬هـ)‪ ،‬وهي مخطوطة في أربعة أجزاء‪.‬‬
‫‪«)5‬الفتوحــات اإللهيَّة بتوضــيح تفســير الجاللين للــدقائق الخفيَّة»‪ ،‬ألبي داود ســليمان بن عمــر بن‬
‫منصور العجيلي المصري األزهري الشافعي‪ ،‬المعروف بالجمل (ت‪1204 :‬هـ)‪ ،‬وتعرف هــذه‬
‫الحاشية ــ نسبةً إلى مؤلِّفها ــ بـ«حاشية الجمل على الجاللين»‪ ،‬وقد طبعت ع َّدة طبعات‪.‬‬
‫وهي حاشية كبيرة‪ ،‬مليئة بالنقول عن نحو عشرين كتابا ً في التفسير‪ ،‬منها بعض حواشي‬
‫الجاللين السابقة عليه ــ كحاشية الكرخي‪ ،‬وهو كثير النقل عنها ــ وحاشية المال علي القاري‪.‬‬

‫‪ )(14‬انظر‪« :‬التفاسير المختصرة اتّجاهها ومناهجها» لمحمد بن راشد البركة (ص ‪ )448‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ )(15‬انظر‪« :‬كشف الظنون» (‪.)445 /1‬‬

‫‪7‬‬
‫‪«)6‬حاشية على تفســير الجاللين» ألبي العبــاس أحمــد بن محمــد الصــاوي الخلــوتي المــالكي (ت‪:‬‬
‫‪1241‬هـ)‪ ،‬وقد اشتهرت هذه الحاشية بنسبتها إلى مؤلفهــا بـــ«حاشــية الصــاوي على الجاللين»‪،‬‬
‫وهي مطبوعة ع َّدة طبعات‪.‬‬
‫وقد ل َّخصها المؤلف من حاشية شيخه الجمل‪« :‬الفتوحات اإللهيــة» الســابق ذكرهــا‪ ،‬كمــا‬
‫صرَّح بذلك في مقدمته(‪ ،)16‬وقال عنها الغماري في «بدع التفاســير»‪ :‬فيهــا تحقيقــات رائعــة‪ ،‬إال‬
‫أنَّه يعتمد اإلسرائيليَّات(‪.)17‬‬
‫‪«)7‬حاشــية على تفســير الجاللين» لمحمــد بن أبي الســعود صــالح الســباعي المصــري الشــافعي‬
‫المعـــروف بالحفنـــاوي (ت‪1268 :‬هــــ)‪ ،‬وتقـــع هـــذه الحاشـــية في ثالث مجلـــدات‪ ،‬وال زالت‬
‫مخطوطةً‪.‬‬
‫‪«)8‬تفسير الجاللين الميسَّر»‪ ،‬لألستاذ فخر الدين قباوة‪ ،‬وهي مطبوعة‪ ،‬وسيأتي الكالم عليها ــ ـ إن‬
‫شاء هللا ــ في وصف طبعات الكتاب‪.‬‬
‫صل في تفسير القرآن العظيم» لمؤلف الحاشية السابقة نفسه‪ ،‬وهي مطبوعــة‪ ،‬لكنّهــا أكــثر‬ ‫‪«)9‬المف َّ‬
‫َّ‬
‫«المفصـل» إذا ضــاق المجــال في‬ ‫تفصيالً‪ ،‬وأوسع بحثاً‪ ،‬ولــذلك فهــو يحيــل على هــذه الحاشــية‬
‫صرة)ـ للمؤلف نفسه‪.‬‬ ‫الحاشية السابقة (المخت َ‬
‫طبعات «تفسير الجاللين»‪:‬‬
‫يوجد لـ«تفسير الجاللين» أكــثر من (‪ )600‬نســخة خطِّيَّة‪ ،‬مــا بين كاملــة وناقصــة‪ ،‬وهي‬
‫نســـخ مفرَّقـــة على كثـــير من المكتبـــات في دول العـــالم‪ ،‬العربيَّة‪ ،‬واإلســـالميَّة‪ ،‬واألوروبيَّة‪،‬‬
‫واألمريكيَّة‪.‬‬
‫أ َّما طبعــات الكتــاب فهي كثــيرة ِجـ ّداً‪ ،‬حيث كــان يطبــع مســتقالً أو مــع إحــدى حواشــيه‪،‬‬
‫وعموما ً فهي تبلغ عشرات الطبعات‪ ،‬خصوصا ً في السنوات األخيرة‪ ،‬حيث يصدر لــه أكــثر من‬
‫طبعة في العام الواحد!‬
‫لكن حظي هذا التفسير بطبعتين‪ ،‬لقي فيهما عناية متميِّزة‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪«)1‬قـــرة العيـــنين على تفســـير الجاللين» للقاضـــي محمـــد أحمـــد كنعـــان‪ ،‬صـــدر عن «المكتب‬
‫اإلسالمي» في بيروت‪ ،‬سنةَ (‪ 1402‬هـ)‪.‬‬
‫الميس ـر» حقَّقــه وعلَّق عليــه‪ :‬فخــر الــدين قبــاوة‪ ،‬وصــدر عن «مكتبــة لبنــان‬
‫ّ‬ ‫‪«)2‬تفســير الجاللين‬
‫ناشرون» في بيروت‪ ،‬سنةَ (‪ 1423‬هـ) على هامش مصحف المدينة‪ ،‬في مجلَّد واحد ضخم‪ ،‬في‬
‫(‪ )606‬صفحات ِمن القطع الكبير‪ ،‬والحرف الصغير‪.‬‬
‫***‬

‫‪ )(16‬انظر‪« :‬حاشية الصاوي على تفسير الجاللين» (‪.)3 /1‬‬


‫‪ )(17‬انظر‪« :‬بدع التفاسير» للغماري (ص‪.)160‬‬

‫‪8‬‬
‫نصوص مختارة من «تفسير الجاللين»‬
‫سورة الفاتحة‬
‫آخرها‪ ،‬وإن لم‬ ‫ص َراطَ الَّ ِذينَ ﴾ إلى ِ‬ ‫كانت منها‪ ،‬والسابعةُ‪ِ ﴿ :‬‬ ‫ْ‬ ‫ت بالبسمل ِة إن‬ ‫م ِّكيَّةٌ‪ ،‬سبع آيا ٍ‬
‫آخرها‪.‬‬ ‫ب﴾ إلى ِ‬ ‫تكن منها فالسابعةُ‪َ ﴿ :‬غي ِْر ْال َم ْغضُو ِ‬
‫ك نَ ْعبُ ُد﴾ منا ِسبا ً له بكونها ِمن مقو ِل العباد‪.‬‬ ‫قبل ﴿إِيَّا َ‬‫ويُق َّدر في أ َّولها‪« :‬قولوا»؛ ليكونَ ما َ‬
‫يم (‪﴿ )1‬ا ْل َح ْم ُد هَّلِل ِ َر ِّب ا ْل َعالَ ِمينَ (‪﴾)2‬‬ ‫س ِم هَّللا ِ ال َّر ْحم ِن ال َّر ِح ِ‬ ‫بِ ْ‬
‫لجميــع‬
‫ِ‬ ‫﴿ا ْل َح ْم ُد هَّلِل ِ﴾ جملةٌ خبريَّةٌ قُصد بها الثنا ُء على هللاِ بمضمونِها ِمن أنَّه تعالى مال ٌ‬
‫ك‬
‫ق(‪.)18‬‬ ‫ألن يح َمدوه‪ .‬وهللاُ علَ ٌم على المعبود بح ٍّ‬ ‫ق ْ‬ ‫مستح ٌّ‬
‫ِ‬ ‫الحم ِد ِمن الخلق‪ ،‬أو‬
‫جميــع الخلــق ِمن اإلنس والجنِّ والمالئكــ ِة والــدوابِّ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر ِّب ا ْل َعــالَ ِمينَ (‪ ﴾)2‬أي‪ :‬مالِــ ِ‬
‫ك‬
‫غير ذلــك‪ ،‬و ُغلِّب في‬ ‫وغيرهم‪ ،‬وكلٌّ ِمنها يُطلَق عليه عالَ ٌم‪ ،‬يقال‪ :‬عالَ ُم اإلنس وعالَم الجن إلى ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫غيرهم‪ ،‬وهو ِمن ال َعالم ِة‪ ،‬ألنه عالمة على ُمو ِج ِده‪.‬‬ ‫ج ْم ِعه باليا ِء والنو ِن أولو ال ِع ِلم على ِ‬
‫يم (‪ ﴾)3‬أي‪ :‬ذي الرحمة‪ ،‬وهي إرادةُ الخير ألهله‪.‬‬ ‫﴿ال َّر ْح َم ِن ال َّر ِح ِ‬
‫ملــكَ‬ ‫ـذكر؛ ألنَّه ال ْ‬ ‫ِّين (‪ ﴾)4‬أي‪ :‬الجــزا ِء‪ ،‬وهــو يــوم القيامــة‪ ،‬وخصَّ بالـ ِ‬ ‫ـو ِم الـد ِ‬ ‫ـك يَـ ْ‬
‫﴿ َملِـ ِ‬
‫ـك﴾‬ ‫ك ْاليَــوْ َم هَّلِل ِ﴾ [غــافر‪ ،]16 :‬و َمن قــرأ ﴿مالِ ِ‬ ‫ظــاهراً فيـه ألحـ ٍد إال هللِ تعــالى‪ ،‬بــدليل‪﴿ :‬لِ َم ِن ْال ُم ْلـ ُ‬
‫ب» فصـ َّح‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬أي‪ :‬هو موصوف بذلك دائما ً كـ«غافِ ِر الـ َّذ ْن ِ‬ ‫األمر كلِّه في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬
‫فمعناه‪ :‬مال ِ‬
‫وقو ُعه صفةً للمعرف ِة‪.‬‬
‫ـيره‪ ،‬ونطلُبُ منــك‬ ‫ستَ ِعينُ (‪ ﴾)5‬أي‪ :‬نَخصُّ ك بالعبــادة ِمن توحيـ ٍد وغـ ِ‬ ‫﴿إِيَّا َك نَ ْعبُ ُد َوإِيَّاكَ نَ ْ‬
‫وغيرها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫المعونةَ على العباد ِة‬
‫أرش ْدنا إليه‪ ،‬ويُبدل منه‪:‬‬ ‫ستَقِي َم (‪ ﴾)6‬أي‪ِ :‬‬ ‫الص َراطَ ا ْل ُم ْ‬ ‫﴿ا ْه ِدنَا ِّ‬
‫ب‬‫ض ـو ِ‬ ‫بصـلَتِه‪َ ﴿ :‬غ ْيـ ِر ا ْل َم ْغ ُ‬ ‫﴿ص َراطَ الَّ ِذينَ أَ ْن َع ْمتَ َعلَ ْي ِه ْم﴾ بالهداي ِة‪ ،‬ويُبــد ُل ِمن «الــذين» ِ‬ ‫ِ‬
‫ضالِّينَ (‪ ﴾)7‬وهُم النَّصا َرى‪.‬‬ ‫وغير ﴿ال َّ‬
‫ِ‬ ‫﴿واَل ﴾‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم﴾ وهم اليهو ُد َ‬
‫أن ال ُمهتدينَ ليسوا يهوداً وال نصارى‪.‬‬ ‫ونكتةُ البدل إفادةُ َّ‬
‫***‬
‫صيَّةً أِل َ ْز َوا ِج ِه ْم َمتَاعًا إِلَى ا ْل َح ْو ِل َغ ْي َر إِ ْخ َر ٍ‬
‫اج‬ ‫اجا َو ِ‬ ‫﴿ َوالَّ ِذينَ يُتَ َوفَّ ْونَ ِم ْن ُك ْم َويَ َذ ُرونَ أَ ْز َو ً‬
‫ع ِزيـ ٌز َح ِكي ٌم﴾ [البقــرة‪:‬‬ ‫وف َوهَّللا ُ َ‬
‫س ِهنَّ ِمنْ َم ْعـ ُر ٍ‬ ‫اح َعلَ ْي ُك ْم فِي َما فَ َع ْلنَ فِي أَ ْنفُ ِ‬ ‫فَإِنْ َخ َر ْجنَ فَاَل ُجنَ َ‬
‫‪.]240‬‬
‫ص ـيَّةًـ﴾ وفي قــراء ٍة بــالرفع‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫اجا﴾ ْفليوصــوا ﴿ َو ِ‬ ‫﴿ َواَلَّ ِذينَ يُتَ َوفَّ ْونَ ِم ْن ُك ْم َويَ ـ َذ ُرونَ أَ ْز َو ً‬
‫تمام ﴿ا ْل َحــ ْو ِل﴾‬ ‫ُعطوهن ﴿ َمتَاعًا﴾‪ :‬ما يَتمتَّ ْعنَ به ِمن النفق ِة والكسو ِة ﴿إِلَى﴾ ِ‬ ‫َّ‬ ‫اج ِه ْم﴾ ْ‬
‫ولي‬ ‫عليهم‪﴿ .‬أِل َ ْز َو ِ‬
‫مسكنهن‪﴿ .‬فَـإِنْ‬
‫َّ‬ ‫ت ِمن‬‫راج﴾ حالٌ‪ ،‬أي‪ :‬غي َر ُمخ َرجا ٍ‬ ‫عليهن تربُّصه ﴿ َغ ْي َر إِ ْخ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫من موتهم الواجب‬

‫ق البتَّة‪،‬‬
‫أن لفظة الجاللة اسم علَم غــير مشــت ٍّ‬
‫‪ )(18‬قد اختار كثير من المفسِّرين ــ كأبي حيان‪ ،‬وفخر الدين الرازي ــ َّ‬
‫وهو قول الخليل‪ ،‬وسيبويه‪ ،‬وأكثر األصــوليِّين‪ ،‬والفقهــاء أيضـاً‪ .‬انظــر‪« :‬تفســير الــرازي» (‪/1‬ـ ‪ )143‬ومــا بعــده‪،‬‬
‫و«البحر المحيط» (‪ )39 /1‬و (‪ ،)362 /1‬و«تفسير ابن كثير» (‪.)124 /1‬‬

‫‪9‬‬
‫وف﴾‬ ‫ت ﴿فِي َمــا فَ َع ْلنَ فِي أَ ْنفُســهنَّ ِمنْ َم ْعـ ُر ٍ‬ ‫اح َعلَ ْي ُك ْم﴾ يا أوليــاء الميِّ ِ‬ ‫بأنفسهن ﴿فَاَل ُجنَ َ‬‫َّ‬ ‫َخ َر ْجنَ ﴾‬
‫ك اإلحداد‪ ،‬وقطع النفقة عنها‪َ ﴿ .‬وهَّللا ُ َع ِزي ٌز﴾ في ُمل ِكه ﴿ َح ِكي ٌم﴾ في صنعه‪.‬‬ ‫شرعاً‪ ،‬كالتزي ُِّن‪ ،‬وتَر ِ‬
‫ث‪ ،‬وتــربُّصُ الحــو ِل بآي ـ ِة‪﴿ :‬أَرْ بَ َعـ ةَ أَ ْش ـه ٍُر‬ ‫والوص ـيَّةُ المــذكورة منســوخةٌ بآي ـ ِة المــيرا ِ‬
‫َو َع ْشراً﴾ [البقرة‪ ]234 :‬السابق ِة المتأ ِّخر ِة في النزول‪ ،‬والسُّكنى ثابتةٌ لها عن ـ َد الشــافعي رحمــه‬
‫هللا‪.‬‬
‫***‬
‫حـ إِ َذا‬
‫الصـ ْب ِ‬
‫س (‪َ )17‬و ُّ‬ ‫ـل إِ َذا ع ْ‬
‫َسـ َع َ‬ ‫س (‪َ )16‬واللَّ ْيـ ِ‬ ‫س (‪ )15‬ا ْل َج َوا ِر ا ْل ُكنَّ ِ‬ ‫س ُم بِا ْل ُخنَّ ِ‬ ‫﴿فَاَل أُ ْق ِ‬
‫اع ثَ َّم أَ ِمي ٍن‬
‫ين (‪ُ )20‬مطَ ٍ‬ ‫ش َم ِك ٍ‬ ‫يم (‪ِ )19‬ذي قُ َّو ٍة ِع ْن َد ِذي ا ْل َع ْر ِ‬ ‫سو ٍل َك ِر ٍ‬ ‫س (‪ )18‬إِنَّهُ لَقَ ْو ُل َر ُ‬ ‫تَنَفَّ َ‬
‫ضــنِي ٍن‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ين (‪َ )23‬و َما ُه َو َعلَى ا ْل َغ ْي ِ‬ ‫ق ا ْل ُمبِ ِ‬‫ون (‪َ )22‬ولَقَ ْد َرآهُ بِاأْل ُفُ ِ‬ ‫صا ِحبُ ُك ْم بِ َم ْجنُ ٍ‬ ‫(‪َ )21‬و َما َ‬
‫ـو إِاَّل ِذ ْكـ ٌر لِ ْل َعــالَ ِمينَ (‪)27‬‬ ‫يم (‪ )25‬فَأَيْنَ تَـ ْـذ َهبُونَ (‪ )26‬إِنْ ُهـ َ‬ ‫ان َر ِج ٍ‬ ‫ش ْيطَ ٍ‬ ‫(‪َ )24‬و َما ُه َو بِقَ ْو ِل َ‬
‫ب ا ْل َعالَ ِمينَ (‪ ﴾)29‬ـ [التكــوير‪:‬‬ ‫ستَقِي َم (‪َ )28‬و َما تَشَا ُءونَ إِاَّل أَنْ يَشَا َء هَّللا ُ َر ُّ‬ ‫لِ َمنْ شَا َء ِم ْن ُك ْم أَنْ يَ ْ‬
‫‪]24‬‬
‫س﴾ ‪:‬‬‫س ُم﴾ «ال» زائدة‪﴿ .‬بِا ْل ُخنَّ ِ‬ ‫﴿فَاَل أُ ْق ِ‬
‫والزهــرة‪،‬‬‫س﴾ هي‪ :‬النجــوم الخمســة‪ُ :‬زحــلُ‪ ،‬وال ُمشــتري‪ ،‬وال ِمــ ِّريخ‪ُّ ،‬‬ ‫﴿ا ْل َجــ َوا ِر ا ْل ُكنَّ ِ‬
‫طار ٌد‪ ،‬تَخنُسُ ــ بضم النو ِن ــ أي‪ :‬ترجع في مجراهــا وراءهــا‪ ،‬بينمــا تــرى النج َم في آخــر‬ ‫و ُع ِ‬
‫النون‪:‬ـ تَد ُخل في ِكناسها‪ ،‬أي‪ :‬تغيب في المواضــع‬ ‫ِ‬ ‫البُرج إذ ك َّر راجعا ً إلى أ َّولِه‪ ،‬وتَكنِس بكسر‬
‫التي تغيب فيها‪.‬‬
‫أدبر‪.‬‬
‫س﴾‪ :‬أقبل بظالمه أو َ‬ ‫س َع َ‬ ‫﴿ َواللَّ ْي ِل إِ َذا َع ْ‬
‫يصير نهاراً بيِّناً‪.‬‬ ‫َ‬ ‫س﴾‪ :‬امت َّد حتَّى‬ ‫ح إِ َذا تَنَفَّ َ‬‫الص ْب ِ‬
‫﴿ َو ُّ‬
‫يم﴾ على هللا تعــالى‪ ،‬وهــو جبريــل‪ ،‬أُضــيفَ إليــه؛‬ ‫ـول َكـ ِر ٍ‬‫ـو ُل َرسـ ٍ‬ ‫﴿إنَّهُ﴾ أي‪ :‬القــرآنَ ﴿لَقَـ ْ‬
‫لنزوله به‪.‬‬
‫ش﴾ أي‪ :‬هللاِ تعــالى ﴿ َم ِكي ٍن﴾‪ :‬ذي مكان ـ ٍة‪.‬‬ ‫ـر ِ‬ ‫﴿ع ْن ـ َد ِذي ا ْل َعـ ْ‬ ‫﴿ ِذي قُ ـ َّو ٍة﴾ أي‪ :‬شــدي ِد القُــوى ِ‬
‫متعلِّق به «عندَ»‪.‬‬
‫اع ثَ َّم﴾ أي‪ :‬تطيعه المالئكةُ في السماوات ﴿أَ ِمي ٍن﴾ على الوحي‪.‬‬ ‫﴿ ُمطَ ٍ‬
‫آخر ال ُمق َسم عليــه‪.‬‬‫عطف على «إنَّه» إلى ِ‬ ‫ٌ‬ ‫احبُ ُك ْم﴾‪ :‬محم ٌد صلَّى هللا عليه وسلَّم‪.‬‬ ‫ص ِ‬ ‫﴿ َو َما َ‬
‫ون﴾ كما زعَمتُم‪.‬‬ ‫﴿بِ َم ْجنُ ٍ‬
‫ق عليهــا‬ ‫﴿ َولَقَ ْد َرآهُ﴾ رأى مح َّم ٌد صـلَّى هللا عليــه وسـلَّم ِجبريـ َل على صــورته الــتي ُخلِـ َ‬
‫ين﴾‪ :‬البي ِِّن‪ ،‬وهو األعلى بناحية المشرق‪.‬‬ ‫ق ا ْل ُمبِ ِ‬‫﴿بِاأْل ُفُ ِ‬
‫وخبر السماء‬ ‫ِ‬ ‫ب﴾‪ :‬ما غاب ِمن الوحي‬ ‫﴿ َو َما ُه َو﴾‪ :‬محمد صلى هللا عليه وسلم ﴿ َعلَى ا ْل َغ ْي ِ‬
‫ص شيئا ً منه‪.‬‬ ‫هم‪ ،‬وفي قراءة بالضاد‪ ،‬أي‪ :‬ببخيل‪ ،‬فيُنقِ َ‬ ‫ين) أي‪ :‬بمتَّ ٍ‬ ‫(بِظَنِ ٍ‬
‫يم﴾‪ :‬مرجوم‪.‬‬ ‫﴿ر ِج ٍ‬‫السمع َ‬
‫ِ‬ ‫سترق‬
‫ِ‬ ‫طان﴾ ُم‬‫ش ْي ٍ‬ ‫القرآن ﴿بِقَ ْو ِل َ‬
‫ُ‬ ‫﴿ َو َما ه َُو﴾ أي‪:‬‬
‫ضكمـ عنه؟‬‫إنكاركم القرآنَ ‪ ،‬وإعرا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق تَ ْسلُكونَ في‬ ‫ي طري ٍ‬ ‫﴿فَأَيْنَ ت َْذ َهبُونَ ﴾‪ :‬فأ َّ‬
‫اإلنس والجنِّ ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫﴿إِنْ ﴾‪ :‬ما ﴿ه َُو إِاَّل ِذ ْك ٌر﴾‪ِ :‬عظةٌ ﴿لِ ْل َعالَ ِمينَ ﴾‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫ستَقِي َم﴾ باتِّباع الحقِّ‪.‬‬ ‫﴿لِ َمنْ شَا َء ِم ْن ُك ْم﴾ بد ٌل ِمن «العالمين» بإعادة الجارِّ‪﴿ .‬أَنْ يَ ْ‬
‫ــق‬ ‫ق ﴿إاَّل أَنْ يَ َ‬
‫شــا َء هللاُ َر ُّب ا ْل َعــالَ ِمينَ ﴾‪ :‬الخالئِ ِ‬ ‫َشــا ُؤونَ ﴾ االســتقامةَ على الحــ ِّ‬
‫﴿ َو َمــا ت َ‬
‫استِقا َمتكم عليه‪.‬‬
‫***‬

‫‪11‬‬

You might also like