Professional Documents
Culture Documents
تأليف
شرح على
الملقب
بإمام الهدى
1
مل تعرف البشريةُ مصدرا من مصادر املعرفة انبثق عنه من العلوم واملعارف مثلما هو احلال بالنسبة لإلسالم،
فهاهي علوم :العقيدة وعلم الكالم ،وأصول الفقه ،والفقه ،واحلديث ،والتفسري ،والتصوف ،1والتاريخ والسرية،
واللغة بكافة فروعه ا ،واملنطق اإلس المي ،وغريها باإلض افة إىل مش اركات علم اء املس لمني يف العل وم اإلنس انية
املختلفة ش اهدة بفضل ه ذه الش ريعة وعل ِّو مرتبته ا ،ولقد ص نف العلم اء يف كل فن من ه ذه الفن ون املعرفية كتبا
ومص نفات مل يس بق ومل يش هد هلا البشر م ثيال ،ولكن ما أن جنحت مكائد احلاق دين على الدولة اإلس المية يف
ه دمها حىت حتولت احلض ارة اإلس المية ب دولتها وش عوهبا وعلومها وتراثها إىل ش تات وتش تت ،وملا بلغ علم اء
اإلسالم ما بلغوا من التدقيق والتعميق يف مسائل العلوم ،وكان قد حصل هبذه األمة ما حصل ،أُغلقت الكثري من
املباحث واملسائل بل رمبا وفنون كاملة على أبناء األمة ،فكان البد من أن يُتعب املخلصون من أذكياء هذه األمة
عق وهَل م يف استنطاق علوم األولني وذلك من خالل ما تركوه لنا من كتب ليستفيدوا ويفيدوا املسلمني من علوم
السابقني ،وكان من هذا القبيل شيخي وأستاذي العالمة املبجل سعيد عبد اللطيف فودة ،حفظه اهلل ورعاه،
ورزقنا يف هذه الدنيا صحباه ،فإنه ما من خلية يف جسم كاتب هذه السطور إال وهي مبتهلة إىل رهبا يف أن يوفقه
إىل ما فيه خري اإلسالم واملسلمني ،وكان من مثرة اجلهود املباركة اليت قضيناها يف حلقاته العلمية النفيسة أن نويت
مجع بعض املختص رات اليت وض عها العلم اء للمبت دئني يف علم العقائ د ،وقد وقعت على جمموعة منها ف أردت أن
سن من ُوضعت له مثل هذه املختصرات. أعيد صفها على الكمبيوتر مث حتقيقها والتعليق عليها مبا يناسب َّ
وقد ك ان أصل كل كت اب منها عب ارة عن منت وش رح ،ممزوجة أو مفص ولة ،ولكننا جعلنا املنت يف أول كل
كت اب مث أتبعنا كل منت بش رحه حىت يتسىن االس تفادة من ه ذه املت ون والش روح بالص ورة اليت يراها كل إنس ان
مناسبا له .وقمنا بالتعريف بكل من املاتن والشارح ،وحتقيق ما يف هذه املختصران من آيات وأحاديث ،وتراجم،
وغري ذلك.
وندعوا اهلل أن ينفع هبا املسلمني ،وأن جيعل هذا العمل يف ميزان حسنات شيخنا.
واحلمد اهلل رب العاملني
محمد يوسف إدريس
األردن /الزرقاء
12/12/20008
1وهو علم األخالق الشامل آلداب القلوب واجلوارح والسلوك مع الناس .واملقصود هنا علم التصوف املقيد بالكتاب والسنة اخلايل
من البدع واالحنرافات.
2
وها حنن نقدم بذكر ترمجة لكل من املؤلف و الشارح قبل الشروع بالكتاب.
*التعريف بالمؤلف:
أبو الليث السمرقندي 373 -..( :هـ | 983م):
عالمة ،من أئمة
نصر بن حممد بن أمحد بن إبراهيم السمرقندي ،أبو الليث ،امللقب بإمام اهلدىَّ ،
الحنفية ،من الزهاد املتصوفني.
له تصانيف نفيسة ،منها:
" تفسري القرآن -خ " أجزاء متفرقة منه ،وهو غري كبري ،أوله تفسري سورة "احلاقة"
وله " عمدة العقائد -خ ".
و " بستان العارفني -ط " تصوف ،مساه " البستان ".
و " خزانة الفقه -ط " رسالة.
و " تنبيه الغافلني -ط " مواعظ.
و " فضائل رمضان -خ ".
و " املقدمة -ط " يف الفقه.
و " شرح اجلامع الصغري " يف الفقه.
و " عيون املسائل -خ " فتاوى وتراجم.
و " دقائق األخبار يف بيان أهل اجلنة وأهوال النار -خ ".
و " خمتلف الرواية -خ " يف اخلالفيات بني أيب حنيفة ومالك والشافعي.
و " شرعة اإلسالم -خ " فقه.
و " النوازل من الفتاوى -خ ".
و " تفسري جزء :عم يتساءلون -خ " موجز.
ورسالة يف " أصول الدين -خ." 1
*التعريف بالشارح:
محمد نووي الجاوي (ت 1316:هـ | 1898م):
مفسر ,متصوف ,من فقهاء الشافعية .هاجر إىل
حممد بن عمر اجلاوي البنتين إقليما ,التناري بلداٌ :
مكة ,وتويف هبا .عرفه " تيمور" :بـ [عالِم الحجاز].
مراح لبيد لكشف معاين القرآن اجمليد -ط ،جملدان كبريان ,وهو تفسريُه.
له مصنفات كثرية ,منهاْ :
1وهي هذه الرسالة اليت نطبعها يف هذا الكتاب بشرح اإلمام احملقق والعالمة املدقق حممد نووي اجلاوي ،رمحه اهلل تعاىل.
3
شرح لـِ [بداية اهلداية] ،حلجة اإلسالم اإلمام الغزايل - ,ط ،فرغ من تأليفه سنة
مراقي العبوديةٌ ،
1289هـ .قامع الطغيان على منظومة شعب اإلميان -ط .قطر الغيث يف شرح مسائل أيب الليث-
ط .قود اللجني يف بيان حقوق الزوجني -ط .نهاية الزين بشرح قرة العني -ط ،فقه.
شرح فتح الرمحن -ط ،جتويد .ور الظالم يف شرح قصيدة عقيدة العوام ألمحد املرزوقي ـ ط.
مرقاة صعود التصديق يف شرح سلم التوفيق البن طاهر -ط ،تصوف ,املتوىف سنة .1272
كاشفة السجا يف شرح سفينة النجا -ط ،يف أصول الدين والفقه.1حاشية النفحات على شرح
الورقات ،إلمام احلرمني اجلويين –ط ،يف أصول الفقه .نصائح العباد شرح على املنبهات على
االستعداد ليوم امليعاد ،البن حجر العسقالين (852-773هـ).الفتوحات املدنية شرح الشعب
اإلميانية .الثمار اليانعة يف شرح الرياض البديعية ،للفاضل الشيخ حممد حسب اهلل ،يف الفقه.
هبجة الرسائل بشرح مسائل على الرسالة اجلامعة بني أصول الدين والفقه والتصوف ،للسيد أمحد زين
احلبشي" .قوت احلبيب الغريب ،2توشيح على" :فتح القريب اجمليب" ،3شرح "غاية التقريب".4
متن
قطر الغيث
بسم اهلل الرحمن الحيم
محمد ِ
وآله وأصحابِه. ٍ رب العالمين ,والعاقبةُ للمتقين ،والصالةُ والسالم على ِ
سيدنا الحم ُد ِ
هلل ِّ
ُ َ َ
مسألة:
قيل لك :ما اإليما ُن؟
إذا َ
1تاريخ الشعراء الحضرميين ،]171 : 3[ :وفيه ذكر وفاته بمكة سنة "1316هـ" ،وفهرس الخزانة التيمورية،]8-307[ :
وهو فيه( :المتوفى سنة 1312هـ على ما اخبرنا به أحد فضالء جاوة) 2,والكتبخانة 36 :2[ :و 37و 58و 59و 134و165
و 168ثم 263 :3و 274و .]287واألعالم للزركلي ،ص.319
2للشيخ نووي جاوي.
3ألبي عبد اهلل محمد بن قاسم العبادي الشافعي تلميذ الجالل المحلي2.
4للقاضي أبي شجاع ،أحمد بن الحسين أحمد األصفهاني ،الشافعي.
4
وشره ِمن ِ ِ ِ ِ ِ فالجوابِ ُ :
اهلل تعالى. آمنت باهلل ,ومالئكته ,وكتبه ,ورسله ,واليوم اآلخ ِر ,والقد ِر خي ِره ِّ َ ُ
مسألة:
إذا قيل لك :وكيف تؤمن ِ
باهلل؟ ُ
ٍ
متكلم ,باق ,خالَّ ٌق ,رزَّا ٌقٌّ ،
رب, بصير, فالجوابَّ :
ٌ سميعٌ ,
قادر ,مري ٌدٌ ,
عالمٌ ,
حيٌ ,
إن اهللَ تعالى أح ٌد ,واح ٌدٌّ , ُ
ضد وال ندٍّ.شريك وال ٍ
ٍ ومالك بال
ٌ
مسألة:
إذا قيل لك :وكيف تؤمن بالمالئكة؟
ِ
العرش ,ومنهم حافو َن ,ومنهم ُروحانيون ،ومنهم كروبيو َن, أصناف ،فمنهم :حملةُ
ٌ فالجوابَّ :
إن المالئكةَ
وإسرافيل وعزرائيل ،ومنهم حفظةٌ ،ومنهم كتبةٌ ،وكلُّهم مخلوقون 2,عبي ُد
َ وميكائيل
َ جبريل
َ ومنهم سفرةٌ ،أي:
نفس ,وال أب ،وال أمٌّ ,وال يشربون ,وال يأكلون, ٍ ٍ ِ
اهلل ,ال يوصفون 2بذكورة وال بأنوثة ،وليس لهم شهوةٌ ,وال ٌ
كفر. ِ
ط اإليمان ,وبغضهم ٌ وال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون 2ما يؤمرون ،ومحبتُهم شر ُ
مسألة:
إذا قيل لك :وكيف تؤمن بالكتب؟
وم ْن شك فيها من ٍ ٍ
مخلوقة ,قديمةٌ بغي ِر فالجوابَّ :
تناقضَ ، غير
الكتب على أنبيائه ,وهي منزلةٌ ُ
َ إن اهللَ أنزل ُ
آية أو كلمة فقد كفر.
مسألة:
وكم كتاباً أنزل على أنبيائه؟
إذا قيل لكْ :
عشر ٍ
كتب على آدم – عليه السالم – وأنزل اهللُ تعالى فالجوابِ :مائةُ ٍ
كتاب وأربعةُ ٍ
كتب ,أ ْن َزل اهللُ منها َ
منها خمسين كتاباً على شيث – عليه السالم – وأنزل اهللُ تعالى منها ثالثين كتاباً على إدريس – عليه السالم
كتب على إبراهيم – عليه السالم – ,وأنزل اهللُ تعالى اإلنجيل على عيسى – عشر ٍ
– ,وأنزل اهللُ تعالى منها َ
الزبور على داود –
َ عليه السالم – وأنزل اهللُ تعالى التورا َة على موسى – عليه السالم – وأنزل اهللُ تعالى
ٍ
محمد المصطفى. عليه السالم – وأنزل اهللُ تعالى القرآ َن على
مسألة:
إذا قيل لك :وكيف تؤمن باألنبياء؟
ٍ
محمد صلوات اهلل عليهم أجمعين ،كلُّهم وآخرهم سي ُدنا ِ فالجوابَّ :
آدم – عليه السالم – َأول األنبياء ُ
أن َ ُ
كانوا مخبرين ,ناصحين ,صادقين ,مبلغين ,آمرين ،ناهين ,أمناء ِ
اهلل تعالى ,معصومين من الزلل والكبائر، َ
كفر. ِ
ضهم ٌ اإليمان ,وبغ ُ ط
ومحبتُهم شر ُ
مسألة:
ِ
أصحاب الشرائ ِع؟ إذا قيل لك :وكم من
5
ٍ
شريعة وكل
وإبراهيم ,وموسى ,وعيسى ,ومحم ٌد صلوات اهلل عليهم أجمعينُّ ، ونوح, آدم,
ُ ُ فالجواب :ستةٌُ :
ُ
ٍ
محمد صلى اهللُ عليه وسلم. ِ
بشريعة منسوخةٌ
مسألة:
إذا قيل لك :وكم من األنبياء؟
فالجواب :مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي.
مسألة:
إذا قيل لك :وكم كانوا من األنبياء المرسلين؟
فالجواب :ثالثُمائة وثالثةَ عشر مرسالً.
مسألة:
إذا قيل لك :وأسماؤهم وعددهم شرط اإليمان أم ال؟
ِ
اإليمان ،لقوله تعالى" :ومنهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك". ِ
بشرط فالجواب :ليس عندنا
مسألة:
إذا قيل لك :وكيف تؤمن باليوم اآلخر؟
ويحشرهم
ُ الخالئق كلَّهم إالَّ َم ْن كان في الجنة والنار ويُحييهم اهللُ تعالى
َ ميت فالجوابَّ :
أن اهللَ تعالى يُ ُ
فمن كان فاسقاً لم
فم ْن كان من المالئكة والجن واإلنس فإنهم يتالشونْ ،
ويحاسبُهم ،ويَحكم بينهم بالعدلَ ،
يبق في النار بعد الحساب.
َ
والنار وال أهلُهما ,ومن
ُ وأما المؤمنون ففي الجنة خالدون ،وأما الكافرون ففي النار خالدون ,وال تفنى الجنةُ
شك في شيء من هذه األشياء فقد كفر.
مسألة:
إذا قيل لك :وكيف تؤمن بالقد ِر خي ِره وش ِره من اهلل تعالى؟
إن اهللَ خلق الخالئق وأمر ونهى وخلق اللوح والقلم وأمرهما أ ْن يكتبا أعمال العباد ،فالطاعةُ فالجوابَّ :
بقضاء اهلل تعالى وقدره في األزل وإرادتِه وأمره ورضاه ،والعصيا ُن بقضاء اهلل تعالى وقدره وإرادته في األزل
وكل ذلك بوعده تعالى ووعيده.
وليس بأمره وال برضاه ،وهم يثابون ويعاقبونُّ ،
مسألة:
إذا قيل لك :اإليمان يتجزأ أم ال؟
والروح من بني آدم ،إ ْذ هو هدايةُ ِ
اهلل تعالى عليه فمن ِ ِ
والعقل فالجواب :اإليما ُن ال يتجزأ ألنه نور في ِ
القلب
أنكر شيئاً منها فقد كفر.
مسألة:
إذا قيل لك :ما المراد باإليمان؟
ِ
التوحيد. فالجواب :اإليما ُن عبارةٌ عن
مسألة:
6
وحب ال َق َد ِر خيره وشره ِ ِ
الر ُس ِل ّ
وحب ُّ
الكتب ُّ وحب
ُّ المالئكة وحب
والصوم والزكاةُ ُّ
ُ إذا قيل لك :الصالةُ
اهلل عليه وسلم أهو من اإليمان أم ال؟ النبي صلى ِ
ِّباع سنة ِّ وغير ذلك من األم ِر ْ
والنه ِي وات ِ من اهلل تعالىُ ،
ِ
اإليمان. ِ
شرائط ط من ِ
التوحيد ,وما سوى ذلك شر ٌ فالجواب :الَّ ,
ألن اإليما َن عبارةٌ عن
مسألة:
ِ
الطهارة أم ال؟ إذا قيل لك :اإليما ُن ِ
بصفة
الجوارح.
ِ جميع وينتقض به ث الطهارة والكفر ِ
بصفة الح َد ِ ِ فالجواب :اإليما ُن ِ
بصفة
ُ ُ َ ُ
مسألة:
ٍ
مخلوق؟ غير
إذا قيل لك :اإليما ُن مخلو ٌق أو ُ
ِّيق بالقلب بما جاء به النبي صلى اهلل عليه وسلم من عند اهلل اهلل تعالى ،والتصد ُ فالجواب :اإليما ُن هدايةٌ ِمن ِ
َ
وكل ما
ثُّ ، ِ
فعل العبد وهو ُم ْح َد ٌ الر ِ
واإلقرار ُ
ُ والتصديق
ُ قديم،
ب وهو ٌ صنع َّ
واإلقرار باللسان ،فالهدايةُ ُ
ُ تعالى،
ث يكون محدثاًِ. وكل ما جاء من الم ْح َد ِ جاء من القديم يكون قديماًُّ ،
ُ
7
(بسم اهلل الرمحن الرحيم)
شرح ألفاظ البسملة:
ٍ1 فاسم "الجاللة" ليس ٍ
جامع
اسم ٌمبشتق وال منقول ،و" ال " فيه زائدة الزمة للتعريف ،بل ُوضع كذلك ،وهو ٌ
ِ
وصفاته العُْليَا. جلمي ِع ِ
أمساء ِ
اهلل احلسىن
ِ ِ
الرمحة بالنع ِم
العظيمة. و"الرحمن" :كثريُ
و"الرحيم" :كثري الرمحة بالنعم الصغرية.
سبب ذكر هذه األسماء الحسنى في البسملة:
احلقيقي معطي
ُّ املعبود
ُ املستحق بأن يُستعان به يف مجيع األمور هو
َ العارف َّ
أن ُ وختصيص التسمية هبذه األمساء ،ليعل َم
النع ِم كلِّها جليلِها وحق ِريها.
ق ال اإلم ام السنوسي يف عقيدته "ش رح الوس طى" ص : 27اعلم أنه كما حتريت األوه ام يف ذاته وص فاته ك ذلك حتريت يف
علم أو غريُ ٍ
علم إىل غري ذلك .والحق 2أن هذا االسم غير ٍ
مشتقٌ ، صفة مشت ٌق أو ُ
اسم أو ٌ
"لفظ" اجلاللة ،الداللة عليه جل وعال يف أنه ٌ
الكرمي علمٌ عليه جل وعال وال اشتقاق له....اخل.
وقال يف "شرح املواقف"( :اهلل) :هو اسم خاص بذاته تعاىل ,ال يطلق على غريه أصالً.
فقيل :هو علم جامد ال اشتقاق له ,وهو أحد قويل اخلليل وسببويه ,واملروي عن أيب حنيفة والشافعي والغزايل.
وقيل مشتق ,أصله :اإلله ,حذفت اهلمزة الثانية لثقلها وأدغم الالم ,وهو من "ألَه" ـ بفتح الالم ـ أي :عبد إذا تعبد.
أقول :معىن "تعبد" :اختذ غريه عبدا ,,فمعىن "أله" حينئذ :تأله.
وقيل :من "الوله" ,وهو احلرية ,ومرجعهما "صفة إضافية" هي :كونه معبوداً للخالئق وحماراً للعقول ,أي :حمل حرية.
8
تعاىل( ،على سيدنا محمد) ,هو ابن عبد اهلل ,أكمل اخللق َخلقاً ُ
وخلقاً ،مبعوث يف مكة ومدفون يف املدينة
املشرفة( ,وآله) أي :أعوانه من أهل اإلميان( ,وأصحابه) ،وهم الذين اجتمعوا به صلى اهلل عليه وسلم يف حياته بعد
نبوته مؤمنني به.
1ههنا أربع مسائل :بيان "حقيقة" اإلميان ،وبيان "متعلقات" اإلميان ،وبيان "أحوال" اإلميان ،وبيان مراتب اإلميان:
أما حقيقته :فالتصديق واجلزم القليب بكل أمر من األمور اليت أخرب عنها الدين.
وأما متعلقاته :فاألمور واملسائل ،كعذاب القرب ،والصراط ،وامليزان ،واإلميان باهلل تعاىل والرسل ،وغريها.
وأما أحوال اإلميان فحالتان :حالة اليأس ،وحالة غري اليأس ،وسيتكلم عليهما املؤلف ،و على التفريق بني ذلك وبني توبة اليائس.
وأما مراتب اإلميان فثالثة :إميان تقليد ،وإميان حتقيق ،وإميان استدالل.
وبقي عليك أن تعرف "أركان" اإلميان ،و"شروطه" ،و"عالماته".
2رواه البخاري يف كتاب اإلميان .ومسلم يف كتاب اإلميان .والنسائي يف كتاب اإلميان وشرائعه .وأبو داود يف كتاب السنة .والرتمذي
يف كتاب اإلميان عن رسول اهلل .وابن ماجة يف املقدمة وكتايب اإلميان والفنت .وأمحد يف املسند يف مسند العشرة املبشرين وباقي مسند
املكثرين.
9
والمعنى :صدقت بوجود اهلل وبصفاته الواجبة له ،وبوجود املالئكة ,وأهنم عباد مكرمون ,وبرؤيته تعاىل يف اآلخرة
للمؤمنَّ ،
وبأن رسلَه صادقون فيما أخربوا به عن اهلل تعاىل ,وبالبعث من القبور.
بعض األحكام الشرعية المتعلقة باإليمان:
ضهم :من تعلَّم يف ِ
الصغر :آمنت باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وقدره خريه وشره من اهلل تعاىل، قال بع ُ َ ْ
تفسريه ،فال حُي كم بإميانه.
َ وعلِ َم َّ
أن ذلك إميا ٌن إال أنه ال حُي سن َ
يأس ،أي :وقت سكرات املوت عند رؤية مكانه يف اجلنة أو يف النار غير ٍ
مقبول حال ٍشخص َ ٍِ ضهم :إيما ُنوقال بع ُ
ُ
النيب صلى اهلل عليه وسلم
العبد يرى مكانه يف ذلك الوقت كما ُروي عن ِّ فإن َلعدم اإلتيان باملأمور به عن اختيارَّ ،
أنه قال" :إن العبد لن ميوت حىت يرى موضعه في الجنة أو في النار" بخالف توبة اليائس ،1فإنها مقبولة 2بعد
صحة
إيمانه لما روي عن ابن عمر أنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" :تقبل توبة العبد املؤمن ما مل يغرغر،"2
احللقوم.
َ روحه
أي :ما مل تبلغ ُ
بيان مراتب اإليمان:
واعلم أن اإلميان باهلل على ثالثة أقسام :إميان تقليدي ،وإميان حتقيقي ،وإميان استداليل:
يعتقد بوحدانية اهلل تعاىل تقليداً بقول العلماء من غري برهان ،وهذا ال يأمن من التزلزل بتشكيك فالتقليدي :هو أ ْن َ
ُّ
ٍ
مشكك.
يطوي قلبَه على وحدانية اهلل تعاىل ،حبيث لو خالفه أهل العلم فيما طوى عليه قلبَه ملا ُو ِج َد يف
َ والحقيقي :هو أ ْن
ُّ
قلبه زلةٌ.
يستدل من املصنوع على الصانع ،ومن األثر على املؤثر ،فاألثر يدل على املؤثر ،والبناء يدل َ واالستداللي :هو أ ْن
ُّ
على الباين ،واملصنوع يدل على الصانع ،والبعرة تدل على البعري مثالً ،إذ األثر بال مؤثر حمال.
10
يؤمن اإلنسا ُن باهلل تعالى
شرح وبيان كيف ُ
ِ
وأفعاله ِ
وأسمائه ِ2
وصفاته ِ
بذاته تعالى
مسألة:
(إذا قيل لك وكيف تؤمن باهلل؟)
(فاجلواب) أن تقول( :إن اهلل تعالى) أحد ،أي :منفرد بالصفات ال مشارك له( ,واحد) ،أي :منفرد بالذات ال
قدمي قائ ٍم بالذات ٍ
حميط بالواجب واجلائز شريك له( ،حي) حبياة قدمية قائمة بالذات ،ال بروح( ,عالم) بعل ٍم ٍ
واملستحيل( ،قادر) بقدرة قدمية قائمة بالذات ،ال مبعاجلة وال واسطة ,ال يلحقها عجز ,عامة التعلق للمكنات,
(مريد) بإرادة قدمية قائمة بالذات ,عامة التعلق للمكنات( ,سميع) أي :مدرك املسموعات بسمع قدمي بالذات,
(بصير) أي :مدرك املبصرات حال وجودها ببصر قدمي قائم بالذات( ,متكلم) بكالم قدمي باق قائم بالذات ،ليس
عدم ,متعلِّ ٌق:1
عدم وال يلح َقه ٌ
حبرف وال صوت ،فال يسبَقه ٌ
ﭼ [طه] . ﭝ بالواجب :كقوله تعاىل :ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
[املائدة]. و بالمستحيل :كقوله تعاىل :ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ
ﭼ [الصافات]. و بالجائز :كقوله تعاىل :ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
بيان مدلول الكالم المنزل والكالم النفسي األزلي:
1كالم اهلل تعاىل يدل ويتعلق بثالثة أقسام من األمور ،األمور الواجبة ،كذاته تعاىل وصفاته وأمسائه ،واألمور المستحيلة ،كشريك
اهلل تعاىل ،واألمور الجائزة ،2أي :اليت يصح خلقها وإجيادها ويصح إعدامها وإفناؤها.
11
النفسي ال َق ِديم ،كما قاله ابن قاسم ،2واتفق على ِ
الكالم قات ِ
األلفاظ التي نقرؤها متعلَّ ُ
1
مدلول
َ والصحيح َّ
أن
ِّ ُ
جميع المتأخرين.
ُ ذلك
بيان مسألة خلق القرآن:
وإن ُسئلت عن القرآن :هل هو قدمي أو حادث؟
السائل:
َ تستفسر
َ فينبغي لك أ ْن
بيننَا ،3فقل :هو قدمي بقدم الذات ،ألنه من مجلة صفاهتا فإن قال لك ُمرادي[ :القائم بذاته تعاىل] ُّ
الدال عليه ما َ
الواجبة هلا.
وإ ْن قال لك مرادي[ :ما بني الدفتني من النقوش] ,فقل له :ذلك حادث حبدوث النقوش وكذلك األلفاظ.
الكالم نوعان ،الكالم المنزل ،وهو القرآن الذي نزل على سيدنا حممد ،وهو امللفوظ املركب من األصوات واحلروف العربية، 1
والنوع الثاني ،الكالم األزلي ،القائم بذات اهلل تعاىل ،ويسمى يف اصطالح العلماء بالكالم النفسي ،وهو عبارة عن معىن أزيل وليس
ومتعلق بكل أمر علمه تعاىل بعلمه ،ومعلومات اهلل ال هناية هلا ،فكذا متعلقات كالمه ال ٌ دال
حبروف وال أصوات ،وكالم اهلل النفسي ٌ
هناية له ،وأما القرآن املنزل واملوجود بني دفيت املصحف فيدل على بعض ما يدل عليه الكالم األزيل.
2أمحد بن قاسم الصبَّاغ العبادي القاهري الشافعي األزهري ،لقبه شهاب الدين ،وكنيته أبو العباس.
من ش يوخه :قطب ال دين الص فوي957( :هـ) ،والش يخ ش هاب ال دين أمحد الربلس ي953(:هـ) ،والش هاب أمحد ال رملي957(:هـ)،
والشيخ حممد ناصر الدين اللقاين985(:هـ).
وأك ثر املؤرخني على أن وفاته ك انت س نة994(:هـ)،وقيل غري ذل ك .ق ال جنم ال دين الغ زي يف الك واكب الس ائرة :ت ويف الش هاب
القامسي سنة (994هـ) عائدا من احلج ،ودفن باملدينة املنورة ،كما قرأته خبط تلميذه ابن داود املقدسي رمحه اهلل.
وله من املؤلفات:
شرح منت الغاية والتقريب يف الفقه الشافعي ،وهو الذي عليه حاشية البيجوري.
وحاشية جليلة جدا على شرح ابن حجر اهليتمي على منت منهاج الطالبني لإلمام النووي رمحه اهلل تعاىل.
وشرحان على منت الورقات يف أصول الفقه ،مطول ،وهو على نفس منت الورقات ،وهو مطبوع ،وهو نفيس جدا ،وخمتصر شرح فيه
شرح اإلمام جالل الدين احمللي على الورقات ،وهو مطبوع .انظر ترمجة ابن قاسم يف :شذرات الذهب( ،)8/433هدية العارفني( :
،)1/149الكواكب السائرة ،)3/124( :إيضاح املكنون ،)1/423( :األعالم.)1/19( :
دال على كالم اهلل األزيل القدمي القائم بذاته تعاىل والذي ال ينفك عن ذات اهلل تعاىل.
3يعين :أن القرآن الذي بني أيدينا ٌ
12
وإن قال لك مرادي[ :من حيث املدلول ، ]1فقل له :إن ما دل على ذاته أو صفة من صفاته أو حكاية له تعاىل هو
قدمي ,وما دل على احلوادث أو صفاهتا ،مثل ذوات املخلوقات أو صفاهتا ،كجهلنا وعلمنا هو حادث ,وكذلك
حكايات احلوادث.
العبارات بكالم اهلل ،فإهنا دالةٌ على كالم اهلل تعاىل ،فإن معناه إمنا ينفهم هبا ،فإ ْن عرب عنه بالعربية فهو
ُ ومُس يت تلك
قرآن ،وإن عرب عنه بالعربية – وهو لغة اليهود – فهو توراة ،وإن عرب عنه بالسريانية فهو إجنيل وزبور.
خمتلفة َم َع أن ذاتَه تعاىل واحدةٌ. ٍ
بعبارات ٍ سمى واختالف العبارات ال تستلزم اختالف الكالم ،كما َّ
أن اهلل يُ َّ
(باق) بذاته العليا ،أي :دائم الوجود ال يقبل الفناء( ,خالَّق) ،أي :كثري إظهار املوجودات بقدرته ,وكثري تقدير
كل واحد مبقدار معني بإرادته( ،رزَّاق) ،أي :خالق األرزاق أو املرتزقة وموصلها إليهم.
بيان مسألة الرزق:
وملبوس وغ ِريها.
ٍ ٍ
ومشروب ٍ
مأكول واسم "الرزق" ال خيتص باملأكول واملشروب ،بل كل ما انتفع به احليوا ُن من
ومن أعظم الرزق التوفيق للطاعات.
والرزق قسمان:
ظاهر :وهو األقوات واألطعمة وذلك لألبدان.
وباطن :وهي املعارف واملكاشفات ،وذلك للقلوب واألسرار.
وأن من أسباب سعة الرزق كثرة الصالة ،لقوله تعاىل :ﭽ ﮰ ﮱ الرزق إىل مجيع خملوقاتهَّ ،
واعلم أنه تعاىل يوصل َ
ﯠ ﭼ [طه] ,والصالة والسالم على النيب صلى اهلل عليه وسلم ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ
معبود ،ومنه قولك :ربنا اهلل( ,ومالك) ،ومنه قوله تعاىل( :هلل ملك السموات
واالستغفار( ,رب) ،ومعناهٌ :
واألرض)( ،بال شريك) أي :شبيه له ،أي :يف الربوبية ،وال ضد أي :ال نظري (وال ند) أي :مماثل.
بيان معاني بعض المصطلحات المفيدة في دراسة العقيدة اإلسالمية:
1املدلول هو األمور اليت تفهم وتستفاد من ألفاظ القرآن املنزل ،أو اليت تعلق هبا كالم اهلل األزيل ،وعليه نقول :إذا كانت ألفاظ القرأن
تتحدث عن اهلل تعاىل وصفاته ،فال شك أن مدلول تلك األلفاظ يكون قدميا أزليا ،وكذا احلال يف كالم اهلل األزيل املتعلق باهلل وصفاته،
وإذا ك انت ألف اظ الق رأن تتح دث عن أفع ال اهلل وخملوقاته فال شك أن املدلول يك ون خملوقا حادث ا ،وك ذا احلال يف كالم اهلل األزيل
املتعلق بأفعاله تعاىل وخملوقاته ،ويبقى فيما إذا تعلق الكالمان" :األزيل" و"املنزل" باألمور املستحيلة ،فاملدلوالت املستحيلة ال تتصف ال
بالقدم وال األزلية ،وهبذا تفرق بني الدال ،وهو إما كالم اهلل املنزل وإما كالم اهلل األزيل ،وبني مدلوليهما ،وأن مدلوالت الكالم املنزل
أقل من مدلوالت الكالم األزيل.
واعلم أن املعتزلة والش يعة وابن تيمية ومن تبعه من الس لفية والوهابية اليفرق ون بني الكالم اإلهلي الق دمي األزيل وبني كالم اهلل تع اىل
املنزل ،فه ؤالء ذهب وا مجيعا إىل أن هلل كالما مبعىن واحد وهو احلروف واألص وات العربي ة ،إالَّ أن الف ارق الوحيد بني ه ؤالء ليس يف
حقيقة ص فة الكالم اإلهلي ،فهم متفقون على أهنا األص وات واحلروف العربية ،ولكنهم خمتلف ون يف احملل الذي خيلق اهلل كالمه الصويت
أو احلريف فيه:
فمذهب املعتزلة والشيعة أن اهلل خيلق حروفه وأصواته خارج ذاته كأن خيلقها يف اللوح احملفوظ مثالً أو يف غريه.
ومذهب ابن تيمية أنه تعاىل خيلق حروفه وأصواته يف داخل ذاته مث يلفظها خارجها ،وهذا يف احلقيقة الغاية يف التشبيه والتجسيم.
ونس تخلص من ذلك أن املعتزلة والش يعة وابن تيمية وأتباعه من الس لفية والوهابية ق ائلون ببدعة خلق الق رآن وذلك لق وهلم بص وتية
وحرفية الكالم اإلهلي ،مث إن ابن تيمية وأتباعه زادوا على البدعة األوىل بدعة أخ رى وهي ك ون ذات اهلل حمال ومكانا خيلق اهلل فيها
أصواته وحروفه ،.وهذا جتسيم ،فاجتمع يف مذهبه بدعتا التجسيم والقول خبلق القرآن.
13
والفرق بني" :الشبيه" و"النظير" و"المماثل":
أن "النظير" :ما يساوي ولو يف وجه.
و"الشبيه" :ما يساوي أكثر الوجوه.
و"المماثل" :ما يساوي يف مجيع الوجوه.
قال الرباوي :1وال جيوز البحث عن ذات اهلل تعاىل وال عن صفاته ،ألن ترك اإلدراك إدراك والبحث يف ذات اهلل
تعاىل إشراك ،وكل ما خطر ببالك من صفات احلوادث فاهلل خبالف ذلك.
14
شرح وبيان كيف يؤمن اإلنسان بالمالئكة
بيان حقيقتهم وأصنافهم ووظائفهم
بيان أصناف المالئكة ووظائفهم:
مسألة:
(إذا قيل لك :وكيف تؤمن بالمالئكة؟).
(فالجواب) أن تقول( :إن المالئكة أصناف) أي :أنواع كثرية يف أحواهلم وأفعاهلم وأشكاهلم:
(فمنهم حملة العرش) :وهم أعلى طبقات املالئكة ،وأوهلم وجوداً ،وهم يف الدنيا أربعة ،ويف يوم القيامة مثانية على
صورة األوعال ,ما بني أظالفها إىل ركبها مسرية سبعني عاماً للطائر املسرع.
بيان معنى العرش:
وأما صفة العرش :فقيل :إنه جوهرة خضراء ،وهو من أعظم املخلوقات خلقاً ،ويُكسى َّ
كل يوم ألف لون من
النور ،ال يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق اهلل تعاىل ،واألشياء كلها يف العرش كحلقة يف فالة.
وقيل :إن العرش قبلة أهل السماء ،كما أن الكعبة قبلة أهل األرض.
(ومنهم حافون) ,قال :وهب بن ُمنَبِّه :إن حول العرش سبعني ألف صف من املالئكة ،صف خلف صف ,يطوفون
بالعرش ,يقبل هؤالء ويقبل هؤالء ،فإذا استقبل بعضهم بعضاً هلل هؤالء وكرب هؤالء ،ومن ورائهم سبعون ألف
صف قيام أيديهم إىل أعناقهم واضعني هلا على عواتقهم ،فإذا مسعوا تكبري أولئك وهتليلهم رفعوا أصواهتم فقالوا:
سبحانك اللهم وحبمدك ما أعظمك وأحلمك ،أنت اهلل ال إله غريك ،أنت األكرب واخللق كلهم لك راجعون ،ومن
15
وراء هؤالء مائة ألف صف من املالئكة قد وضعوا اليمىن على اليسرى ،ليس منهم أحد إال يسبح بتسبيح ال يسبحه
اآلخر ,ما بني جناحي أحدهم مسرية مثامنائة عام ،وما بني شحميت أذن أحدهم إىل عاتقه أربعمائة عام ،واحتجب
اهلل عن املالئكة الذين حول العرش بسبعني حجاباً من نور ،وسبعني حجاباً من ظلمة ،وسبعني حجاباً من در
أبيض ،وسبعني حجاباً من ياقوت أمحر ،وسبعني حجاباً من زبرجد أخضر ،وسبعني حجاباً من ثلج ،وسبعني
حجاباً من ماء و سبعني من برد ،وما ال يعلمه إال اهلل.
(ومنهم روحانيون) ,قيل :هم يف أرض بيضاء كالرخام ،عرضها مسرية الشمس أربعني يوماً ،طوهلا ال يعلمه إال
أهل األرض من هول صوته ،منتهاهم إىل اهلل ،وهلم زجل بالتسبيح والتهليل ،لو ُكشف عن صوت أحدهم هللك ُ
محلة العرش.
(ومنهم َكروبيون) بفتح الكاف وختفيف الراء ،هم سادات املالئكة ،وهم الذين حول العرش.
(ومنهم سفرة) أي :وسائط بني اهلل وبني أنبيائه والصاحلني يبلغون إليهم رسالته بالوحي واإلهلام والرؤيا الصاحلة ،أو
بينه وبني خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه.
و"السفرة" هنا مجع سفري مبعىن :رسول ،وليس مجع سافر مبعىن :كاتب؛ ألن املصنف فسرها هبؤالء األربعة (أي:
نازل على مجيع األنبياء ،وميكائيل وكيل األمطار،
وعزرائيل) بفتح العني ،فجبريل ٌ
جبريل وميكائيل وإسرافيل َ
وإسرافيل وكيل نفخ الصور ينفخ فيموت اخللق ،وينفخ إلحياء اخللق فرتجع األرواح ألجسادها ،و َعزرائيل وكيل
روح ذلك العبد ,ومللك املوت أعوان من ِ ِ
يقبض َ
أجل العبد أمر اهللُ تعاىل ملَك املوت أ ْن َ
قبض األرواح ،فإذا حضر ُ
املالئكة ،يأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده ،فإذا وصلت إىل احللقوم توىل قبضها ملك املوت بنفسه،
وخروج الروح يكون من "اليافوخ" ،كما أن دخوهلا يف البدن منه ،وأما فتح احملتضر فمه عند خروجها فقيل:
لشدة ما يراه من األهوال.
و"اليافوخ" هو املوضع الذي يتحرك يف رأس الطفل.
(ومنهم حفظة) 2،قال حممد اخلليلي :1روي أن عثمان بن عفان رضي اهلل عنه سأل النيب صلى اهلل عليه وسلم :كم
من ملك على اإلنسان؟ فقال :عشرون ملكاً ،منهم ملك عن ميينك على حسناتك ،وهو أمني على الذي عن
يسارك ،فإذا عملت حسنة كتبت عشراً وإذا عملت سيئة ،قال الذي على الشمال للذي على اليمني :أأكتب؟
فيقول :دعه سبع ساعات لعله يتوب ،فإذا مل يتب قال :نعم ،اكتب أراحنا اهلل منه.
فاسم امللك الذي على اليمني "رقيب" وهو الذي يكتب احلسنات ،واسم امللك الذي على الشمال "عتيد" وهو
الذي يكتب السيئات ,وملكان بني يديك ومن خلفك ،وملك قابض على ناصيتك إذا تواضعت هلل تعاىل رفعك،
وإذا جتربت على اهلل قصمك ،وملكان على شفتيك ليس حيفظان عليك إال الصالة على النيب صلى اهلل عليه وسلم،
وملك على فيك ال يدع احلية أو اهلوام تدخل يف فيك ،وملكان على عينيك ،ويقال :إن امسهما "شوية" ،فهؤالء
عشرة أمالك على كل آدمي ،فتنزل مالئكة الليل على مالئكة النهار فهؤالء وهؤالء عشرون ملكاً على كل آدمي.
1ترمجة حممد اخلليلي :مل أجد ترمجة باسم حممد ولكن باسم أمحد وهي هذه:
قال املؤرخ اجلربيت يف تارخيه :)1/480(:ومات العالمة املعمر الصاحل الشيخ أمحد اخلليلي الشامي ،أحد املدرسني يف األزهر ،تلقى عن
أشيخ عصره ،ودرس وأفاد ،وكان به انتفاع للطلبة تام عام ،وألف إعراب اآلجرومية،وغريه ،تويف يف عاشر صفر من السنة.
16
(ومنهم َكتَبَةٌ) ,وهم الذين ينسخون من اللوح احملفوظ ,وهم املالئكة الكرام الكاتبون ،ومنهم أصحاب أجنحة,
جناحني جناحني لكل واحد منهم ,وثالثة ثالثة لصنف آخر منهم ،وأربعة أربعة لصنف آخر منهم ،ويزيد اهلل يف
خلق األجنحة يف غريه ما تقتضيه مشيئته وحكمته.
تنبيه:
ٍ
وكاتب. ٍ
وحافظ حامل وسف ٍري
مجع ٍوح َفظَةٌ و َكتَبَةٌ" بفتح أحرفها الثالثة ،وهي ُ
وس َفَرةٌ َ
قوله" :مَحَلَةٌ َ
مبحث في بيان أحكام شرعية متعلقة بالمالئكة:
(وكلهم مخلوقون) 2أي :موجودون بإجياد اهلل إياهم كغريهم( ,عبي ٌد ِ
هلل) ،فال يقولون شيئاً حىت يقوله كما هو
شأن العبيد املؤدبني( ،ال يوصفون 2بذكورة وال بأنوثة) ,فمن اعتقد أنوثة املالئكة أو خنوثتهم فهو كافر باالتفاق،
نفس).
ومن اعتقد ذكورهتم فهو فاسق( ،وليس لهم شهوةٌ) أي :اشتياق النفس( ،وال ٌ
بيان مراتب النفوس وأنواعها:
فالنفس سبع مراتب:
أمارةٌ :وحملها الصدر ،وجنودها :البخل ,واحلرص ,واحلسد ,واجلهل ,والكرب ,والشهوة ,والغضب.
َّ
مث لوامة :وحملها القلب ،وهو حتت الثدي األيسر بقدر أصبعني ،وجنودها :اللوم ,واهلوى ,واملكر ,والعجب,
والغيبة ,والرياء ,والظلم ,والكذب ,والغفلة.
مث ملهمة :وحملها الروح ،وهو حتت الثدي األمين بقدر أصبعني ،وجنودها :السخاوة ,والقناعة ,واحللم ,والتواضع,
والتوبة ,والصرب ,والتحمل.
مث مطمئنة :وحملها :السر ,وهو يف جانب الثدي األيسر بقدر أصبعني إىل جهة الصدر ،وجنودها :اجلود ,والتوكل,
والعبادة ,والشكر ,والرضا ,واخلشية.
مث راضية :وحملها :سر السر ,ولعل املراد هبا القالَب _ باأللف بعد القاف وبفتح الالم ،وهو مجيع اجلسد،
وجنودها :الكرم ,والزهد ,واإلخالص ,والورع ,والرياضة ,والوفاء.
مث مرضية :وحملها اخلفي :وهو يف جانب الثدي األمين بقدر أصبعني إىل أوسط الصدر ,وجنودها :حسن اخللق,
وترك ما سوى اهلل ,واللطف باخللق ,ومحلهم على الصالح والصفح عن ذنوهبم وحبهم ،وامليل إليهم إلخراجهم من
ظلمات طبائعهم وأنفسهم إىل أنوار أرواحهم.
مث كاملة :وحملها األخفى :وهو وسط الصدر ،وجنودها :علم اليقني ,وعني اليقني ,وحق اليقني.
(وال أب وال أم) ,فإهنم أجسام نورانية ،أي :خملوقة من نور غالباً ،وقد يكون بعضهم خملوقاً من القطرات اليت
تقطر من جربيل بعد اغتساله من هنر حتت العرش ،وهم قادرون على التشكل بأشكال خمتلفة.
(وال يشربون وال يأكلون) وال ينامون ،ودليل كوهنم ال ينامون قوله تعاىل :ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ
[األنبياء] ,فالنوم فتور يعرتي اإلنسان وال يفقد معه عقله( ،و ﭽ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭼ [التحرمي]),
قال تعاىل( :ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ [النحل]) ,أي :من الطاعة والتدبري ,وقال تعاىل( :ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ [األنبياء]) ,أي :بل املالئكة عباد من عباده تعاىل مكرمون بالعصمة من الزلل ال
17
يسبقون إذنه تعاىل بالقول ,وهم بأمره تعاىل إذا أمرهم يعملون ،ألهنم يف غاية املراقبة له تعاىل ،فجمعوا يف الطاعة
بني القول والفعل وذلك غاية الطاعة.
بيان حكم محبة المالئكة أو بغضهم في الشريعة:
). ﭼ [البقرة] ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ (ومحبتهم) بالقلب (شرط) صحة( 1اإليمان ،وبغضهم :كفر) لقوله تعاىل( :ﭽ ﮠ
1أي ال يكون اإلميان يف القلب صحيحا وال معتربا إال مبحبتهم ،فالكالم ههنا عن صحة اإلميان العن كماله.
2الحظ أن الكتب السماوية توصف باإلنزال خبالف كالم اهلل النفسي القائم بذاته تعاىل مع أن الكالم املنزل يسمى بكالم اهلل أيضا
من حيث أن اهلل هو الذي أنزله على أنبيائه واختاره كالما وكتبا مساوية هلم.
18
(إذا قيل لك :وكم كتاباً أنزل على أنبيائه؟) أي :املرسلني ،فـ "كم" اسم استفهام يف حمل نصب مفعول مقدم,
و"كتاباً" متييز.
(فالجواب) أن تقول :يف رواية( :مائة كتاب) باإلفراد( ,وأربعة كتب) ،باجلمع َّ
املكسر:
(أنزل اهلل منها) ،أي :من املائة واألربع (عشر كتب على) صفي اهلل أيب البشر (آدم عليه السالم ،وأنزل اهلل
تعالى منها خمسين كتاباً على شيث عليه السالم) ،فشيث – بالشني مث املثلثة – وقيل :باملثناة الفوقية بينهما ياء,
واألكثر صرفه وقد ال يصرف ،ومعناه :هبة اهلل ،وقيل :عطية اهلل ،وهو ابن آدم لصلبه ،كان من أمجل أوالده
وأفضلهم ،وأشبهه بأبيه وأحبهم إليه ،وعاش سبعمائة واثنيت عشرة سنة.
(وأنزل اهلل تعالى منها ثالثين كتاباً على إدريس) ج ّد أيب نوح (عليه السالم) ،وامسه أ ْ
َخُن ْوخ _ بفتح اهلمزة
وسكون اخلاء ،أو َخنوخ _ بفتح اخلاء مع حذف اهلمزة ،قيل :مسي إدريس لكثرة درسه الكتب ،وهو أول من خط
الثياب ولبسها ،وكانوا من قبله يلبسون اجللود ،وأول من
َ بالقلم ونظر يف علم النجوم واحلساب ،وأول من خاط
اختذ السالح وقاتل الكفار.
(وأنزل اهلل تعالى منها عشر كتب على إبراهيم عليه السالم) ،وقيل :إن يف صحف إبراهيم هذه الكلمات :ينبغي
للعاقل أن يكون حافظاً للسانه ،عارفاً بزمانه ،مقبالً على شأنه.
(وأنزل اهلل تعالى اإلنجيل) مجلة (على عيسى) ابن مرمي (عليه السالم ،وأنزل اهلل تعالى التوراة) مجلة (على
موسى) بن عمران (عليه السالم).
بعضهم :التوراة واإلنجيل امسان عربانيان ،وقيل :سريانيان كالزبور.
قال ُ
وقيل :مسيت التوراة بذلك ألن فيها نوراً خيرج به من الضالل إىل اهلدى ،كما خيرج بالنار من الظالم إىل النور،
وقيل :مسيت بذلك ألن أكثرها تلوحيات ومعاريض.
وقال بعضهم :مسي اإلنجيل بذلك ألن فيه توسعة مل تكن يف التوراة ،إذ حلل فيه أشياء كانت حمرمة يف التوراة،
وقيل :مسي بذلك الستخراجه خالصة نور التوراة.
(وأنزل اهلل تعالى الزبور على داود) بن إيشا (عليه السالم) ،وهو من أتباع موسى وبعده بأزمان متطاولة.
(وأنزل اهلل تعالى القرآن) منجماً مفرقاً يف ثالث وعشرين سنة ،بعد أن كتب يف صحف ،وأنزل دفعة واحدة يف
ليلة القدر يف بيت العزة ،وهو حمل يف مساء الدنيا ،ومسي القرآن فرقاناً لفرقه بني احلق والباطل ،ولكونه منجماً
ومفرقاً يف سنني كثرية ،ومسي قرآناً ألنه قام مقام التوراة واإلجنيل والزبور يف كثرة القراءة( ,على محمد
المصطفى) أي :املختار صلى اهلل عليه وسلم.
املطلب ب ِن هاشم ب ِن عبد مناف بن قصي بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ِ اهلل ب ِن ِ
عبد عبد ِوهو :ابن ِ
ُ
بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزمية بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ،من أوالد
سيدنا إمساعيل بن إبراهيم عليه السالم.
أيب بن كعب أنه سأل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :كم أنزل اهلل تعاىل من كتاب؟ فقال: وذلك ما ُروي عن ّ
"مائة وأربعة كتب ،منها :على آدم عشر صحف .وعلى شيث مخسون صحيفة .وعلى أخنوخ وهو إدريس ثالثون
صحيفة .وعلى إبراهيم عشر صحائف .والتوراة واإلجنيل والزبور والفرقان" ،كما ذكره الشربيين 1يف تفسريه.
19
والحق عدم حصر الكتب في عدد معين لكثرة اختالف الروايات ،بل الواجب أن يعتقد أن اهلل تعالى أنزل
كتباً من السماء ويعرف الكتب األربعة.
حممد بن أمحد الشربيين ،مشس الدين ،فقيه شافعي ،مفسر ،من أهل القاهرة .له تصانيف منها:
السراج املنري يف تفسري القرآن ،وهو مطبوع يف أربعة جملدات .اإلقناع يف حل ألفاظ أيب شجاع .مغين احملتاج إىل معرفة معاين املنهاج
للنووي يف الفقه الشافعي .شرح التنبيه لإلمام الشريازي يف الفقه الشافعي .شرح شواهد قطر الندى وبل الصدى البن هشام يف علم
النحو العريب ،مطبوع يف البايب احلليب سنة1950( :م).
وهو من أجل علماء القرن العاشر وأعظمهم ،العالمة الفاضل ،واإلمام الكامل ،الشيخ الصاحل ،الزاهد ،الورع ،املقبل على عبادة ربه
ليال وهنارا ،مشس الدين حممد بن أمحد الشربيين ،اخلطيب ،املتوىف سنة977( :هـ).
كان رضي اهلل عنه منكبا على االشتغال بطلب العلم وتعلمه وتعليمه للناس والعمل به ،يقطع زمانه يف مطالعة العلم والصالة والقرآة
والصيام متفكرا يف أهوال يوم القيامة ،وله هتجد يف الليل وصيام كثري يف النهار.
وكان رمحه اهلل ال يذكر أحدا من أقرانه بسوء،وال حيسد أحدا منهم على ما آتاه اهلل من علم أو مال أو إقبال من األكابر ،وال غري
ذلك من رعونات النفس .وكان ال يسعى إىل شيء من أمور الدنيا ،وال يزاحم أحدا على رياسة وال صحبة أحد من الوالة والقضاة،
بل رمبا ال يعرف أحد منهم .وكان كثري االعتكاف يف رمضان وغريه ،كما كان من عادته أن يدخل اجلامع األزهر من أول ليلة
الصيام فال خيرج منه إالَّ بعد صالة العيد ،وكان ال يتعشى أالَّ بعد صالة الرتاويح ،فيأكل لقيمات يسرية ،ويشرب ماء يسريا ،ورمبا
أعطى السائل عشاءه وطوى تلك الليلة ،وكان إذا حج يثر املشي وال يركب إالَّ بعد تعب شديد ،فيعزم عليه َّ
"اجلمال" بالركوب
فيأىب.
ومل يزل من حني خيرج من بركة احلج يعلم الناس املناسك وآداب الطريق وكيفية القصر واجلمع وحيثهم على الصالة .وكان غالب
أوقاته يف السفر ومدة اإلقامة مبكة صائما يكتفي بشرب ماء زمزم ويؤثر غريه عليه بطعامه.
أخذ العلم عن مجاعة من علماء مصر ،فأجل أشياخه شيخ اإلسالم زكريا األنصاري ،وهو يذكره يف تصانيفه بقوله"شيخي" ،وبعده
أخذ عن الشيخ نار الدين اللقاين ،والشهاب الرملي ،والشيخ الطبالوي ،وغريهم ،وتبحر يف العلوم ،فأجازوه باإلفتاء والتدريس ،فدرس
وأفىت يف حياة مشاخيه.
20
شرح وبيان كيف يؤمن اإلنسان باألنبياء والمرسلين2
بعض األحكام الشرعية المتعلقة 2باألنبياء والمرسلين
مسألة:
(إذا قيل لك :وكيف تؤمن باألنبياء؟)
ِ (فالجواب) أن تقولَّ :
أول األنبياء آدم عليه السالم) ,وهو امسه الشريف ,وكنيته أبو البشر ,ولقبه ّ
صفي اهلل، (إن َ
(وآخرهم) وأفضلهم (سيدنا محمد) فال نيب بعده( ,صلوات اهلل عليهم أجمعين ،كلهم كانوا مخبرين) عن
الغيوب ،كالساعة وأحواهلا من البعث والنشر واحلشر واحلساب واجلزاء واحلوض والشفاعة وامليزان والصراط واجلنة
قومهم( ,صادقين) يف أخبارهم
والنار وغري ذلك( ,ناصحين) أي :مصفِّني العمل من شوائب الفساد ,وال يغشون َ
األحكام اليت أمروا بتبليغها إىل األمم إليهم ،إذ هم مأمورون بالتبليغ( ,آمرين)
َ ويف دعواهم( ,مبلغين) أي :موصلني
على الطاعات هلل عز وجل( ،ناهين) عن املعاصي( ,أمناء اهلل تعالى) على "وحيه اخلفي" ،وهو الذي مل يظهر إال
على ألسنة الرسل ،وهو إعالم اهلل تعالى أنبياءه بما شاء "بكتاب" أو بإرسال "ملك" أو "بمنام" أو "إلهام" أو
"بال واسطة" ،كما وقع لنبينا صلى اهلل عليه وسلم ليلة اإلسراء من فرض الصالة بال واسطة( ,معصومين من
الزلل) أي :اخلطايا وهي الصغائر" ،فال ِزلل" _ بكسر الزاي _ مجع ِزلة .قاله حممد اجلوهري 1يف "شرح اجلزائرية"
21
"الزلل" _ بفتحها _ فهو مصدر زل يزل من باب علم وضرب ،كما يف "القاموس" و"املصباح"( ,والكبائر)، وأما َ
أي أن اهلل تعاىل حفظ بواطنهم وظواهرهم عن التلبس مبنهى عنه ،ولو هني كراهة ولو حالة الطفولية ،كما قال
أمحد الدردير.1
والذي عليه الجمهور ،وهو الصحيح أنهم معصومون 2من الكبائر والصغائر قبل النبوة وبعدها ,فعصمتهم واجبة
كما قاله أمحد البيلي.2
بيان حكم محبة األنبياء والمرسلين أو بغضهم في الشريعة:
كفر). ِ ط) ِ
ضهم ٌ (اإليمان ,وبغ ُ صحة (ومحبتهم) بالقلب (شر ُ
بيان من هم أصحاب الشرائع من األنبيا والمرسلين:
1ترجمة الدردير1201( :م):
هو اإلمام العالمة ,أوحد وقته يف الفنون العقلية والنقلية ,شيخ أهل اإلسالم ,وبركة األنام ,الشيخ أمحد بن أيب حامد العدوي,
وجوده ,وأحب العلم,
املالكي ,األزهري ,اخللويت ,الشهري بالدردير .أخرب عن نفسه أنه ولد ببين عدي سنة 1127هـ .حفظ القرآنَّ ,
ولكن جل اعتماده
األزهر ,وحضر دروس العلماء ,وأفىت يف حياة شيوخه ,وحضر دروس الشيخ أمحد امللوي ,واجلوهريْ , َ اجلامع
َ َو َر َد
على الشيخني احلفين والصعيدي.
وملا ك ان من أدبي ات العلم اء االهتم ام بكل كت اب ينتشر ويش تهر يف كل الع امل اإلس المي فيقوم ون بكتابة التعليق ات واحلواشي
َّ
على ألفاظه وعباراته لِ َما أنه يكتسب ب ذلك االش تهار واالنتش ار ص فة الوثيقة العلمية املعت ربة يف م ذهب اؤلئكم العلم اء ،وك ان ه ذا
الكالم منطبقا على منت اخلريدة وشرحه لإلمام الدردير ،فقد أولع احملققون من العلماء بكتابة التعليقات واحلواشي عليه ،ومنها:
( )1حاشية العالمة أمحد الصاوي (ت1241:هـ) صاحب احلاشية على تفسري اجلاللني ،والشرح على منظومة اجلوهرة يف علم
التوحيد ،مطبوع.
( )2وحاشية العالمة أبو السعود السباعي ( ت1268:هـ) .مطبوع.
22
مسألة:
(إذا قيل لك :وكم من أصحاب الشرائع؟)
(فالجواب) أن تقول :هم (ستة :آدم ونوح) ,وعمره ألف سنة وأربعمائة ومخسون سنة( ,وإبراهيم وموسى
وعيسى ومحمد صلوات اهلل عليهم أجمعين).
فرع :قال ابن عباس وقتادة :1وأولو العزم ،أي :الثبات واجلد يف األمور ،مخسةٌ ،وهم أصحاب الشرائع ،وهم حممد
بعضهم يف بيت من الطويل فقال:
وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح ،ونظمهم ُ
حممد إبراهيم موسى كليمه وعيسى ونوح هم أولو العزم فاعلم
وملا ت ويف اإلم ام علي الص22 2عيدي تعني ال دردير ش يخاً على املالكي ة ،ومفتيا ون اظراً على وقف الص عايدة ،وش يخا على طائفة
ص َر بأس ِرها يف وقته حس اً ومعن اً ...فإنه كان رمحه اهلل تعاىل يأمر باملعروف وينهى عن املنكر ،ويصدع ِ
الرواق ،بل شيخا على أهل م ْ
باحلق ،وال خياف يف اهلل لومة الئم ،وله يف السعي على اخلري يد بيضاء.
تعلل أياماً ،ولزم الفراش مدة حىت تويف يف سادس شهر ربيع األول من سنة 1201م وصلى عليه باألزهر الشريف مبشهد عظيم
حافل.
2ترمجة أحمد البيلي1213/ 1141( :هـ) 1798 /1728( /م) :أمحد بن موسى بن أمحد بن حممد ,أبو العباس البيلي العدوي,
فقيه مالكي ,ولد يف بين عدي بصعيد مصر.
تفقه باألزهر ,وويل مشيخة رواق الصعايدة بعد وفاة أمحد الدردير ,وتصدر للتدريس.
قال اجلربيت ......" :كانت له قرحية جيدة وحافظة غريبة ,ميلي على الطلبة ما ذكره أرباب احلواشي ,وقد مجع بعض ما أماله فصار
جملدات ,وتويف بالقاهرة .....اهـ.
من كتبه:
-املنح املتكفلة حبل ألفاظ العقيدة املوسومة :مبورد الطمآن يف صناعة البيان ,خمطوط.
-فائدة الورود يف الكالم مع أما بعد ,خمطوط.
-منظومة يف العرف ,خمطوط.
-منظومة يف مهزة الوصل ,خمطوط.
-شرح أبيات ,خمطوط.
-حاشية على الشرح الصغري للملوي على السمرقندية ,خمطوط.
-منظومة يف مسائل فقهية على مذهب مالك ,خمطوط.
قال اجلربيت:)2/276(:
" .......اإلمام العمدة ,الفقيه العالمة ,احملقق الفهامة ,املتقن ،املتفنن ،املتبحر،عني أعيان الفضالء األزهرية ،الشيخ أمحد بن موسى بن
أمحد بن حممد البيلي العدوي املالكي.
ولد ببين عدي سنة إحدى وأربعني ومائة وألف ,وهبا نشأ فقرأ القرآن.
األزهر والزم الشيخ علي الصعيدي مالزمة كلية حىت متهر يف العلوم ,وهبر فضله يف اخلصوص والعموم. اجلامع ِ
وقد َم
َ َ
23
وقال مقاتل :2وأولو العزم ستة:
نوح :صرب على أذى قومه.
وإبراهيم :صرب على النار.
وإسحاق :صرب على الذبح.
ويعقوب :صرب على فقد ولده وذهاب بصره.
ويوسف :صرب يف اجلب والسجن.
وأيوب :صرب على الضر.
وكان له قرحية جيدة ,وحافظة غريبة مُيْلِي يف تقرير ِه خالصةَ ما ذكره أرباب احلواشي مع حسن ٍ
سبك والطلبةُ يكتبون بني يديه ,وقد
صارت جملدات ,وانتفع هبا الطلبة انتفاعا عاما. تقاريرهُ على عدة كتب كان يقرأها حىت ٍ
ْ مُج َع من ُ
س يف حياة شيخه سنني عديدة ,واشتهر بالفتوح ،وكان الشيخ الصعيدي يأمر الطلبة حبضوره ومالزمته ،وكان فيه اتصاف زائد ودر َ
َّ
وتؤدة ومروءة ,وتوجه إىل احلق ,و لديه أسرار ومعارف وفوائد ومتائم ,وعلم بتنزيل األوفاق ,والوفق املئيين العددي واحلريف ,وطرائق
تنزيله بالتطويق واملربعات وغري ذلك.
وملا تويف الشيخ حممد حسن جلس موضعه للتدريس بإشارة من أهل الباطن ،وملا تويف الشيخ أمحد الدردير ويل مشيخة رواق الصعايدة
وله مؤلفات منها" :مسائل كل صالة بطلت على اإلمام" ،وغري ذلك.
ومل يزل على حالته وإفادته ومالزمة دروسه واجلماعة حىت تويف يف هذه السنة ,ودفن يف تربة اجملاورين ,رمحة اهلل تعاىل عليه.
1ترمجة قتادة :قتادة بن دعامة بن قتادة ،و يقال قتادة بن دعامة بن عكابة ،السدوسى ،أبو اخلطاب البصري ،املولود سنة 60( :هـ أو
61هـ) ،من الطبقة ،)4(:طبقة تلي الوسطى من التابعني ،تويف سنة 100( :و بضع عشرة هـ) بواسط ،روى له :البخاري -مسلم
-أبو داود -الرتمذي -النسائي -ابن ماجه .رتبته عند ابن حجر :ثقة ثبت ،و رتبته عند الذهيب :احلافظ.
ترمجة مقاتل :مقاتل بن حيان النبطي ،أبو بسطام البلخي ،اخلزاز ،موىل بكر بن وائل ،الطبقة ( ،) 6من الذين عاصروا صغارا 2
لتابعين .تويف قبيل سنة 150( :هـ) ،بـاهلند ( كابل ) .روى له :مسلم -أبو داود -الرتمذي -النسائي -ابن ماجه ،رتبته عند ابن
حجر :صدوق فاضل ،أخطأ األزدى ىف زعمه أن وكيعا كذبه و إمنا كذب الذى بعده ( ،رقم ،) 6868رتبته عند الذهيب :ثقة
عامل صاحل.
2سبقت ترمجته.
24
ترك حص ِرهم في عدد معين ألنه ال يؤمن في ذكر العدد أن يدخل فيهم من ليس منهم لجواز أن
"واألولى ُ
يذكر أكثر من الواقع ،أو يخرج منهم من هو منهم إن كان العدد أقل".
وما روي أن النيب صلى اهلل عليه وسلم سئل عن عددهم فقال" :مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ،"1وفي رواية:
"مائتا ألف وأربعة وعشرون ألفاً ،"2فخبر آحاد ال يفيد القطع ،وال عبرة بالظن في باب االعتقادات
هم ،هل ذلك من شرط "صحة" اإليمان أو شرط في "كمال" اإليمان:ِ ِ ِ بيا ُن ِ
هم وأسمائ ْ
حكم معرفة عدد ْ
مسألة:3
(إذا قيل لك :وأسماؤهم) أي :املرسلني (وعددهم) أي :حفظهم علينا (شرط اإليمان أم ال؟ )
(فالجواب) أن تقول( :ليس) ذلك املذكور من حفظ األمساء ،والعدد (عندنا بشرط اإليمان) أي :يف صحته
أي :بكثرة "من قبلك" يا أشرف اخللق إىل أممهم [غافر] وكماله (لقوله تعالى) يف سورة غافر :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭼ ﭳ
ليبلغوا عنا ما أمرناهم به( ,منهم) أي :الرسل (من قصصنا عليك) أي :أخبارهم( ،ومنهم من لم نقصص عليك)
الرسل مل جيب
أي :ال أخبارهم وال ذكرناهم لك بأمسائهم ،وإ ْن كان لنا العلم التام والقدرة الكاملة ،وإذا ثبت أن ُ
علينا معرفة عددهم مع قلتهم فمعرفة غري الرسل من األنبياء أوىل لكثرهتا ،ولكن جيب اإلميان بوجودهم تفصيالً
فيما علم كذلك ،وهم اخلمسة والعشرون الذين هم يف القرآن وهم :حممد وآدم ونوح وإدريس وهود وصاحل
واليسع وذو الكفل وإلياس ويونس وأيوب وإبراهيم ،وإمساعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف ،ولوط وداود وسليمان
وشعيب ،وموسى وهارون وزكريا وحيىي وعيسى.
بيان معنى وجوب اإليمان بهؤالء بالتفصيل:
1أخرجه أمحد بن حنبل يف مس نده ( ,)5/266والط رباين يف املعجم الكبري ( ,)8/259واهليثمي يف اجملمع ( ,)1/159وابن حب ان يف
ص حيحه ( -94م وارد) ,والس يوطي يف ال دار املنث ور ( ,)1/51وابن حجر يف املط الب العالية ( ,)3454وابن كثري يف تفس ريه (
,)2/424ويف البداية والنهاية له ( ,)1/97والبيهقي يف السنن الكربى (.)9/4
2
3األنبياء ثالثة أقسام :قسم جيب اإلميان هبم تفصيال ،وهم املذكورون يف القرآن ،وقسم جيب اإلميان هبم إمجاال ،وقسم خمتلف يف
نبوهتم.
25
ِ
نبوتَه وال رسالتَه ،ولو مل حيفظ ومعنى وجوب اإليمان بهؤالء بالتفصيل أنه لو عُ ِر َ
ض عليه واح ٌد منهم لم ُي ْنك ْر ّ
أمساءهم فإن احلفظ ال جيب فمن أنكر نبوة واحد من هؤالء أو رسالته فقد كفر ،لكن العامي ال حيكم عليه بالكفر،
إال إن أنكر بعد تعلمه.
اإليمان اإلجمالي ببقيتهم:
ونبوتهم وإرسالهم ويص ّدق بأن هلل رسالً وأنبياء،
ويجب اإليمان إجماالً في غير هؤالء بأن يصدق بوجودهم ّ
فمن لم يؤمن بهم كذلك لم يصح إيمانه فيكون كافراً.
األشخاص المختلف في نبوتهم:
26
واملختلف يف نبوهتم ثالثة :ذو القرنني 1والعزير 2ولقمان ،3واختُلف يف اخلضر 4أيضاً ،فقيل :إنه نيب ورسول .وقيل:
وىل وهو باق إىل اآلن أعطي علم الشريعة واحلقيقة ،وجيتمع مع إلياس كل سنة مبكة ,ويشربان من نيب فقط .وقيلّ :
بالرب ،واخلضر موكل بالبحر ،كذا قاله عيسى
ماء زمزم شربة إىل العام القابل ،وطعامها الكرفس ،فإلياس موكل ِّ
الرباوي 5وأمحد البيلي 6والشيخ يوسف السنبالويين.7
1ذو القرنني:
روى وكيع عن إسرائيل عن جابر عن جماهد عن عبداهلل بن عمرو قال" :كان ذو القرنني نبيا" ،وروى احلافظ بن عساكر من
حديث أيب حممد بن أيب نصر عن أيب إسحاق بن إبراهيم بن حممد بن أيب ذؤيب حدثنا حممد بن محاد أنبأنا عبد الرزاق عن معمر
عن ابن أيب ذؤيب عن املقربي عن أيب هريرة قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم( :ال أدري أتبع كان لعينا أم ال وال أدري
احلدود كفارات ألهلها أم ال وال أدري ذو القرنني كان نبيا أم ال) وهذا غريب من هذا الوجه .وقال إسحاق بن بشر عن عثمان
بن الساج عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال" :كان ذو القرنني ملكا صاحلا رضي اهلل عمله" وأثىن عليه يف كتابه ،وكان
منصورا ،وكان اخلضر وزيره ،وذكر أن اخلضر عليه السالم كان على مقدمة جيشه ،وكان عنده مبنزلة املشاور الذي هو من
امللك مبنزلة الوزير يف إصالح الناس اليوم ،وقد ذكر أألزرقي وغريه أن ذا القرنني أسلم على يدي إبراهيم اخلليل ،وطاف معه
بالكعبة املكرمة هو وإمساعيل عليه السالم ،وروى عن عبيد بن عمري وابنه عبداهلل وغريمها أن ذا القرنني حج ماشيا ،وأن إبراهيم
ملا مسع بقدومه تلقاه ودعا له ورضاه ،وأن اهلل سخر لذي القرنني السحاب حيمله حيث أراد واهلل اعلم.
واختلفوا يف السبب الذي مسى به ذا القرنني ،فقيل :ألنه كان له يف رأسه شبه القرنني .قال وهب بن منبه :كان له قرنان من
حناس يف رأسه ،وهذا ضعيف ،وقال بعض اهل الكتاب :ألنه ملك فارس والروم :وقيل :ألنه بلغ قرين الشمس غربا وشرقا وملك
ما بينهما من األرض ،وهذا أشبه من غيه وهو قول الزهري .وقال احلسن البصري :كانت له غديرتان من شعر يطافهما فسمي
ذي القرنني .وقال إسحاق ابن بشر عن عبداهلل بن زياد بن مسعان عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال :دعا ملكا جبارا
إىل اهلل فضربه على قرنه فكسره ورضه مث دعاه فدق قرنه الثاين فكسره فسمي ذي القرنني.
2العزير:
قال احلافظ أبو القاسم بن عساكر هو عزير بن جروة ويقال بن سوريق بن عديا بن أيوب بن درزنا بن عري بن تقي بن اسبوع
بن فنحاص بن العازر بن هارون بن عمران ويقال عزير بن سروخا جاء يف بعض اآلثار ان قربه بدمشق مث ساق من طريق أيب
القاسم البغوي عن داود بن عمرو عن حبان بن علي عن حممد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا ال أدري العني بيع أم ال
وال أدري أكان عزير نبيا أم ال مث رواه من حديث مؤمل بن احلسن عن حممد بن اسحاق السجزي عن عبدالرزاق عن معمر عن
ابن أيب ذؤيب عن سعيد املقربي عن أيب هريرة مرفوعا حنوه مث روى من طريق اسحاق بن بشر وهو مرتوك عن جويرب ومقاتل
عن الضحاك عن ابن عباس ان عزيرا كان ممن سباه خبت نصر وهو غالم حدث فلما بلغ اربعني سنة أعطاه اهلل احلكمة قال ومل
يكن أحد أحفظ وال أعلم بالتوراة منه قال وكان يذكر مع األنبياء حىت حمى اهلل امسه من ذلك حني سأل ربه عن القدر وهذا
ضعيفومنقطع ومنكر واهلل أعلم
وقال اسحاق بن بشر عن سعيد عن أيب عروبة عن قتادة عن احلسن عن عبداهلل بن سالم أن عزيرا هو العبد الذي أماته اهلل مائة
عام مث بعثه وقال اسحاق بن بشر أنبأنا سعيد بن بشري عن قتادة عن كعب وسعيد بن أيب عروبة عن قتادة عن احلسن ومقاتل
وجويرب عن الضحاك عن ابن عباس وعبداهلل بن امساعيل السدي عن أبيه عن جماهد عن ابن عباس وادريس عن جده وهب بن
منبه قال اسحاق كل هؤالء حدثوين عن حديث عزير وزاد بعضهم على بعض قالوا باسنادهم ان عزيرا كان عبدا صاحلا حكيما
خرج ذات يوم إىل ضيعة له يتعاهدها فلما انصرف أتى إىل خربة حني قامت الظهرية وأصابه احلر ودخل اخلربة وهو على محاره
27
فنزل عن محاره ومعه سلة فيها تني وسلة فيها عنب فنزل يف ظل تلك اخلربة وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان
معه يف القصعة مث أخرج خبزا يابسا معه فألقاه يف تلك القصعة يف العصري ليبتل ليأكله مث استلقى على قفاه وأسند رجليه إىل
احلائط فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ورأى عظاما بالية فقال أىن حييي هذه اهلل
بعد موهتا فلم يشك أن اهلل حيييها ولكن قاهلا تعجبا فبعث اهلل ملك املوت فقبض روحه فأماته اهلل مائة عام فلما أتت عليه مائة
عام وكانت فيما بني ذلك يف بين إسرائيل أمور واحداث قال فبعث اهلل إىل عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل قلبه وعينيه لينظر هبما
فيعقل كيف حييي اهلل املوتى مث ركب خلقه وهو ينظر مث كسى عظامه اللحم والشعر واجللد مث نفخ فيه الروح كل ذلك وهو
يرى ويعقل فاستوى جالسا فقال له امللك كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم وذلك أنه كان لبث صدر النهار عند الظهرية
وبعث يف آخر النهار والشمس مل تغب فقال أو بعض يوم ومل يتم يل يوم فقال له امللك بل لبثت مائة عام فانظر إىل طعامك
وشرابك يعين الطعام اخلبز اليابس وشرابه العصري الذي كان اعتصره يف القصعة فإذا مها على حاهلما مل يتغري العصري واخلبز يابس
فذلك قوله مل يتسنه يعين مل يتغري وكذلك التني والعنب غض مل يتغري شيء من حاهلما فكأنه أنكر يف قلبه فقال له امللك أنكرت
ما قلت لك انظر إىل محارك فنظر إىل محاره قد بليت عظامه وصارت خنرة فنادى امللك عظام احلمار فأجابت وأقبلت من كل
ناحية حىت ركبه امللك وعزير ينظر إليه مث ألبسها العروق والعصب مث كساها اللحم مث أنبت عليها اجللد والشعر مث نفخ فيه امللك
فقام احلمار رافعا رأسه وأذنيه إىل السماء ناهقا يظن القيامة قد قامت فذلك قوله وانظر إىل محارك ولنجعلنك آية للناس وانظر إىل
العظام كيف ننشزها مث نكسوها حلما يعين وانظر إىل عظام محارك كيف يركب بعضها بعضا يف أوصاهلا حىت إذا صارت عظاما
مصورا محارا بال حلم مث انظر كيف نكسوها حلما فلما تبني له قال اعلم أن اهلل على كل شيء قدير من أحياء املوتى وغريه قال
فركب محاره حىت أتى حملته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر منزله فانطلق على وهم منه حىت أتى منزله فإذا هوبعجوز عمياء
مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة هلم فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته فلما أصاهبا
الكرب أصاهبا الزمانة فقال هلا عزير يا هذه اهذا منزل عزير قالت نعم هذا منزل عزير فبكت وقالت ما رأيت أحدا من كذا وكذا
سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس قال فإين انا عزير كان اهلل أماتين مائة سنة مث بعثين قالت سبحان اهلل فإن عزيرا قد فقدناه منذ
مائة سنة فلم نسمع له بذكر قال فاىن أنا عزير قالت فإن عزيرا رجل مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البالء بالعافية
والشفاء فادع اهلل أن يرد على بصري حىت أراك فإن كنت عزيرا عرفتك قال فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحتا وأخذ
بيدها وقال قومي بإذن اهلل فأطلق اهلل رجليها فقامت صحيحة كأمنا نشطت من عقال فنظرت فقالت اشهد أنك عزير وانطلقت
إىل حملة بين إسرائيل وهم يف أنديتهم وجمالسهم وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة ومثاين عشر سنة وبين بنيه شيوخ يف اجمللس فنادهتم
فقالت هذا عزير قد جائكم فكذبوها فقالت أنا فالنة موالتكم دعا يل ربه فرد على بصري واطلق رجلي وزعم أن اهلل أماته مائة
سنة مث بعثه قال فنهض الناس فأقبلوا اليه فنظروا اليه فقال ابنه كان أليب شامة سوداء بني كتفيه فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير
فقالت بنو اسرائيل فإنه مل يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غري عزير وقد حرق خبت نصر التوراة ومل يبق منها شيء إال
ما حفظت الرجال فاكتبها لنا وكان أبوه سروخا وقد دفن التوراة أيام خبت نصر يف موضع يعرفه أحد غري عزير فانطلق هبم إىل
ذلك املوضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب قال وجلس يف ظل شجرة وبنو اسرائيل حوله فجدد
هلم التوراة ونزل من السماء شهابان حىت دخال جوفه فتذكر التوراة فجددها لبين اسرائيل فمن مث قالت اليهود عزير بن اهلل للذي
كان من أمر الشهابني وجتديده التوراة وقيامه بأمر بين إسرائيل وكان جدد هلم التوراة بأرض السواد بدير حزقيل والقرية اليت مات
28
شرح وبيان كيف يؤمن اإلنسان باليوم اآلخر
بيان معنى اليوم اآلخر ،وبدايته ،وأسمائه ،وموت الخالئق فيه ،ومعنى الموت عند أهل السنة ،وأنه يكون
بانتهاء األجل ،وذكر المستثنيين من الموت ،وبيان اإلحياء لألموات في القبر ،وسؤال الملكين ،معنى
التعذيب والتنعيم في القبر ،وأنه بالروح والجسد ،وذكر أنواع التعذيب للكفار فيه ،وضغطة القبر ،وبين
إرجاع األرواح إلى األبدان يوم القيامة ،وما يتبع ذلك من النفخ ،والبعث ،والحشر ،والعرض ،والحساب،
وتوزيع الكتب ،ونصب الميزان ،وحكم اهلل بالعدل بين الخالئق ،والشفاعة 2،وبيان مصير المالئكة وغيرهم
فيها يقال هلا سايراباذ قال ابن عباس فكان كما قال اهلل تعاىل ولنجعلك آية للناس يعين لبين اسرائيل وذلك انه كان جيلس مع
بنيه وهم شيوخ وهو شاب ألنه مات وهو ابن أربعني سنة فبعثه اهلل شابا كهيئة يوم مات
لقمان: 3
قال تعاىل ولقد آتينا لقمان احلكمة أن اشكر هلل ومن يشكر فإمنا يشكر لنفسه ومن كفر فإن اهلل غين محيد وإذ قال لقمان البنه
وهو يعظه يا بين ال تشرك باهلل إن الشرك لظلم عظيم ووصينا اإلنسان بوالديه محلته أمه وهنا على وهن وفصاله يف عامني أن
اشكر يل ولوالديك إيل املصري وإن جاهداك على أن تشرك يب مال ليس لك به علم فال تطعهما وصاحبهما يف الدنيا معروفا
واتبع سبيل من أناب إيل مث إيل مرجعكم فأنبئكم مبا كنتم تعملون يا بين إهنا إن تك مثقال حبة من خردل فتكن يف صخرة أو
يف السموات أو يف األرض يأيت هبا اهلل إن اهلل لطيف خبري يا بين أقم الصالة وأمر باملعروف وانه عن املنكر واصرب على ما
أصابك إن ذلك من عزم األمور وال تصعر خدك للناس وال متش يف األرض مرحا إن اهلل ال حيب كل خمتال فخور واقصد يف
مشيك واغضض من صوتك إن أنكر األصوات لصوت احلمري هو لقمان بن عنقاء بن سدون ويقال لقمان بن ثاران حكاه
السهيلي عن ابن جرير والقتييب قال السهيلي وكان نوبيا من أهل أيلة قلت وكان رجال صاحلا ذا عبادة وعبارة وحكمة عظيمة
ويقال كان قاضيا يف زمن داود عليه السالم فاهلل أعلم وقال سفيان الثوري عن األشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال كان عبدا
حبشيا جنارا وقال قتادة عن عبداهلل بن الزبري قلت جلابر بن عبداهلل ما انتهى إليكم يف شأن لقمان قال كان قصريا أفطس من
النوبة وقال حيىي بن سعيد األنصاري عن سعيد بن املسيب قال كان لقمان من سودان مصر ذو مشافر أعطاه اهلل احلكمة ومنعه
النبوة وقال األوزاعي حدثين عبدالرمحن بن حرملة قال جاء أسود إىل سعيد بن املسيب يسأله فقال له سعيد ال حتزن من اجل
أنك أسود فإنه كان من أخري الناس ثالثة من السودان بالل ومهجع موىل عمر ولقمان احلكيم كان أسود نوبيا ذا مشافر وقال
األعمش عن جماهد كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتني مشقق القدمني ويف رواية مصفح القدمني وقال عمر بن قيس كان عبدا
أسود غليظ الشفتني مصفح القدمني فأتاه رجل وهو يف جملس أناس حيدثهم فقال له ألست الذي كنت ترعى معي الغنم يف مكان
كذا وكذا قال نعم قال فما بلغ بك ما أرى قال صدق احلديث والصمت عما ال يعنيين رواه ابن جرير عن ابن محيد عن احلكم
عنه وقال ابن أيب حامت حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا عبدالرمحن بن أيب يزيد بن جابر قال إن اهلل رفع لقمان
احلكيم حلكمته فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال ألست عبد بن فالن الذي كنت ترعى غنمي باألمس قال بلى قال فما بلغ
بك ما أرى قال قدر اهلل وأداء األمانة وصدق احلديث وترك ما ال يعنيين وقال ابن وهب أخربين عبداهلل بن عياش الفتياين عن
عمر موىل عفرة قال وقف رجل على لقمان احلكيم فقال أنت لقمان أنت عبد بين النحاس قال نعم قال فأنت راعي الغنم
األسود قال أما سوادي فظاهر فما الذي يعجبك من امري قال وطء الناس بساطك وغشيهم بابك ورضاهم بقولك قال يا ابن
أخي إن صنعت ما أقول لك كنت كذلك قال ما هو قال لقمان غضي بصري وكفي لساين وعفة مطمعي وحفظي فرجي
وقيامي بعديت ووفائي بعهدي وتكرميت ضيفي وحفظي جاري وتركي ما ال يعنيين فذاك الذي صريين كما ترى وقال ابن أيب
حامت حدثنا أيب حدثنا ابن فضيل حدثنا عمرو بن واقد عن عبدة ابن رباح عن ربيعة عن أيب الدرداء انه قال يوما وذكر لقمان
احلكيم فقال ما أويت عن أهل وال مال وال حسب وال خصال ولكنه كان رجال ضمضامة سكيتا طويل التفكر عميق النظر مل
ينم هنارا قط ومل يره احد يبزق وال يتنحنح وال يبول وال يتغوط وال يغتسل وال يعبث وال يضحك وكان ال يعيد منطقا نطقه
29
من المخلوقات ،وبيان مصير المؤمنين والكافرين ،ومصير الجنة والنار وأهلهما ،ثم ذكر حكم من ينكر هذه
العقائد.
مسألة:
فأوله من النفخة الثانية وهي نفخة البعث ،ومُس ي ذلك
(إذا قيل لك :وكيف تؤمن باليوم اآلخر؟) أي :بوجودهّ ،
آخر أيام الدنيا ،ومُس ي أيضاً بالقيامة لقيام الناس فيه من قبو ِرهم ووقوفِهم بني يدي رب العاملني.
اليوم باآلخر ألنه ُ
ُ
ِّ
الروح (كلهم) ,ﭧ ﭨ ﭽﭽ ِ َّ
مجيع احليوانات من ذوي ِ (فالجواب) أن تقول( :إن اهللَ تعالى يُميت الخالئق) أيَ :
ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ [العنكبوت ] ,
إال أن يقول حكمة يستعيدها إياه أحد وكان قد تزوج وولد له اوالد فماتوا فلم يبك عليهم وكان يغشى السلطان ويأيت احلكام
لينظر ويتفكر ويعترب فبذلك أويت ما أويت ومنهم من زعم أنه عرضت عليه النبوة فخاف أن ال يقوم بأعبائها فاختار احلكمة الهنا
أسهل عليه ويف هذا نظر واهلل أعلم
ف يف اخلضر يف امسه ،ونسبه ،ونبوته ،وحياته إىل اآلن على أقوال سأذكرها لك ههنا إن شاء اهلل وحبوله وقوته:
اختلِ َ
ُ
قال احلافظ ابن عساكر يقال :إنه اخلضر بن آدم عليه السالم لصلبه.
مث روى من طريق الدار قطني حدثنا حممد بن الفتح القالنسي حدثنا العباس بن عبداهلل الرومي حدثنا رواد بن اجلراح
يء له في أجله حتى يكذب الدجال)،
س َحدثنا مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس قال( :الخضر 2ابن آدم لصلبه ،ونُ ِ
وهذا منقطع وغريب.
وقال أبو حامت سهل بن حممد بن عثمان السجستاين :مسعت مشيختنا منهم أبو عبيدة وغريه قالوا :إن أطول بين آدم عمرا
اخلضر ،وامسه :خضرون بن قابيل بن آدم ،قال :وذكر ابن اسحق أن آدم عليه السالم ملا حضرته الوفاة أخرب بنيه أن الطوفان
سيقع بالناس وأوصاهم إذا كان ذلك أن حيملوا جسده معهم يف السفينة وأن يدفنوه يف مكان عينه هلم ،فلما كان الطوفان محلوه
معهم ،فلما هبطوا إىل األرض أمر نوح بنيه أن يذهبوا ببدنه فيدفنوه حيث أوصى ،فقالوا :إن األرض ليس هبا أنيس وعليها وحشة
فحرضهم وحثهم على ذلك ،وقال :إن آدم دعا ملن يلي دفنه بطول العمر فهابوا املسري إىل ذلك املوضع يف ذلك الوقت فلم يزل
جسده عندهم حىت كان اخلضر هو الذي توىل دفنه وأجنز اهلل ما وعده فهو حيىي إىل ما شاء اهلل له أن حيىي.
وذكر ابن قتيبة يف "املعارف" عن وهب بن منبه أن اسم اخلضر بليا ،ويقال :إيليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شاخل بن
أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السالم.
وقال إمساعيل بن أيب أويس :اسم اخلضر فيما بلغنا ـ واهلل أعلم ـ املعمر بن مالك بن عبداهلل بن نصر بن الزد.
وقال غريه :هو خضرون بن عمياييل بن اليفز بن العيص بن اسحق بن ابراهيم اخلليل.
ويقال :هو أرميا بن خلقيا فاهلل أعلم.
وقيل :إنه كان ابن فرعون صاحب موسى ملك مصر ،وهذا غريب جدا ،قال ابن اجلوزي :رواه حممد بن أيوب عن ابن
هليعة ومها ضعيفان.
وقيل :إنه ابن مالك وهو أخو الياس ،قاله السدي كما سيأيت.
وقيل :إنه كان على مقدمة ذي القرنني.
30
الوقت الذي كتب اهللُ يف األزل انتهاءَ حياتِه فيه ،فال مَي وت أح ٌد بدونه،
ُ و"الموت" :ال يكون إالَّ باألجل ،وهو
ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ غريه لقوله تعاىل :ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ مقتوالً كان أو َ
اهلل ومشيئتِه أو ِ
بقضاء ِ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ آ [آل عمران] ,أي :وما كان لنفس أ ْن مَت وت إال
يتأخر (إالَّ َم ْن كان في الجنة ِ ِ ِ
يتقدم وال ُ روحه ،كتب اهللُ ذلك َ
املوت كتاباً مؤقتاً ال ُ بإذنهِ مللَك املوت يف قبضه َ
امليت بإعادة الروح إىل مجيع البدن ألجل سؤال الملكين :منكر ونكري ،وبعد السؤال خُي ر ُ
ِج والنار) ،مث حُيْيي اهللُ َ
الروح جبسده ،كاتصال شعاعحياة بسبب اتصال ِ نوع ٍعذب من أراد تعذيبَه بأ ْن خيلق اهللُ يف امليت َ الروح ويُ ُ
َ منه
ِ
الجسد ،وإ ْن كان خارجاً منه. الروح مع الشمس باألرض بقدر ما يُ ْد ِر ُك األملَ ،فيتألم
ُ
قال ابن جرير :والصحيح 2أنه كان متقدما في زمن أفريدون ابن اثفيان حتى أدركه موسى عليهما السالم.
وروى احلافظ بن عساكر عن سعيد بن املسيب أنه قال :اخلضر أمه رومية وأبوه فارسي.
وقد ورد ما يدل على أنه كان من بين إسرائيل يف زمان فرعون أيضا:
قال أبو زرعة يف "دالئل النبوة" :حدثنا صفوان بن صاحل الدمشقي حدثنا الوليد حدثنا سعيد بن بشري عن قتادة عن جماهد
عن ابن عباس عن أيب بن كعب عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم (أنه ليله أسري به وجد رائحة طيبة ،فقال :يا جبريل ما
هذه الرائحة الطيبة؟ قال :هذه ريح قبر الماشطة وابنتها وزوجها) ،وقال :وكان بدء ذلك أن اخلضر كان من أشراف بين
إسرائيل ،وكان ممره براهب يف صومعته ،فتطلع عليه الراهب فعلمه اإلسالم ،فلما بلغ اخلضر زوجه أبوه امرأة فعلمها اإلسالم
وأخذ عليها أن ال تعلم أحدا وكان ال يقرب النساء ،مث طلقها ،مث زوجه أبوه بأخرى فعلمها اإلسالم وأخذ عليها أن ال تعلم
أحدا ،مث طلقها ،فكتمت إحدامها وأفشت عليه األخرى ،فانطلق هاربا حىت أتى جزيرة يف البحر ،فأقبل رجالن حيتطبان ،فرأياه
فكتم أحدمها وأفشى عليه اآلخر ،قال قد رأيت العزقيل ومن رآه معك؟ قال :فالن ،فسئل فكتم ،وكان من دينهم انه من كذب
قتل فقتل ،وكان قد تزوج الكامت املرأة الكامتة ،قال :فبينما هي متشط بنت فرعون اذ سقط املشط من يدها فقالت نعس فرعون،
فأخربت أباها وكان للمرأة ابنان وزوج فأرسل إليهم فراود املرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما فأبيا ،فقال :إين قاتلكما! فقاال:
إحسان منك إلينا إن أنت قتلتنا أن جتعلنا يف قرب واحد فجعلتها يف قرب واحد ،فقال :وما وجدت رحيا أطيب منهما وقد دخلت
اجلنة ،وقد تقدمت قصة مائلة بنت فرعون وهذا املشط يف أمر اخلضر قد يكون مدرجا من كالم أيب بن كعب أو عبداهلل بن
عباس واهلل أعلم.
ب غََلبَ عليه:
وقال بعضهم :كنيته أبو العباس ،واألشبه واهلل أعلم أن "اخلضر" َلَق ٌ
قال البخاري ـ رحمه اهلل ـ حدثنا محمد بن سعيد األصبهاني حدثنا ابن المبارك عن معمر عن همام عن أبي هريرة 2عن
النبي صلى اهلل عليه وسلم ،قال( :إنما سمي الخضر ألنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء) ،تفرد به
البخاري ،وكذلك رواه عبد الرزاق عن معمر به ،مث قال عبدالرزاق :الفروة احلشيش األبيض وما أشبهه يعين اهلشيم اليابس.
وقال اخلطايب :وقال أبو عمر :الفروة األرض البيضاء اليت ال نبات فيها ،وقال غريه :هو اهلشيم اليابس شبهه بالفروة ،ومنه
قيل :فروة الرأس وهي جلدته مبا عليها من الشعر كما قال الراعي:
ولقد ترى احلبشي حول بيوتنا ...جذال إذا ما نال يوما ما كال
جعدا أصك كأن فروة رأسه ...بذرت فأنبت جانباه فلفال
31
العذاب يف يوم اجلمعة ويف شهر رمضان حلرمة النيب
ُ دائم إىل يوم القيامة ،ويُرفع عن "املؤم ِن"
و"الكافر" عذابُه ٌ
ُ
العذاب ساعةً واحد ًة ,وضغطةُ 2القب ِر كذلك ،مث ينقطع ِ
اجلمعة أو ليلتَه يكون يوم
ُ صلى اهلل عليه وسلم ،وإ ْن مات َ
وال يعود إىل يوم القيامة.
ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ [البقرة] ,ويكون (ويُحييهم اهللُ تعالى) بعد فنائهم بإعادة أرواحهم إىل أجسادهم ،ﭧ ﭨ ﭽ ﮎ
اإلحياء بنفخة البعث بعد إماتتهم بنفخة 2الصعق ،وبني النفختني أربعون سنة ،ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭼ [الزمر]( ,و) بعد إحيائهم يسوقهم حفاةً عراةً غرالً
إىل أرض المحشر أرض بيضاء ال ترى فيها عوجاً وال أمتا ،و(يحشرهم) أي :جيمعهم للعرض 2والحساب ،ﭧ ﭨ
ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ [التغابن]( ,ويحاسبُهم) ،قال اهلل تعاىل :ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ ﯲ ﭽﯰ ﯱ
[األنبياء]:
كتاب عملِه الذي
فمنهم من حُي اسب حساباً شديداً على رؤوس األشهاد لفضيحته ،وهو من يُعطى يف ذلك اليوم َ
المنافق ,فتغل ميناه إىل عنقه وجتعل يسراه وراء الكافر أو كتبْته املالئكةُ احلفظةُ أيام حياتِه من ِ
وراء ظه ِره ،وهو
ُ ُ َ
ظهره ،فيأخذ هبا كتابه.
قال اخلطايب :إمنا مسي اخلضر خضرا حلسنه وإشراق وجهه ،قلت :هذا ال ينايف ما ثبت يف الصحيح ،فإن كان وال بد من
التعليل بأحدمها فما ثبت يف الصحيح أوىل وأقوى بل ال يلتفت إىل ما عداه.
وقد روى احلافظ بن عساكر هذا احلديث أيضا من طريق إمساعيل بن حفص بن عمر األيلي حدثنا عثمان وأبو جزي ومهام
بن حيىي عن قتادة عن عبداهلل بن احلارث بن نوفل عن ابن عباس عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال( :إمنا مسي اخلضر خضرا ألنه
صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء) ،وهذا غريب من هذا الوجه.
وقال قبيصة عن الثوري عن منصور عن جماهد قال :إمنا مسي اخلضر ألنه كان إذا صلى اخضر ما حوله ،وتقدم أن موسى
ويوشع عليهما السالم ملا رجعا يقصان االثر وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر وهو مسجى بثوب قد جعل طرفاه من
حتت رأسه وقدميه فسلم عليه السالم فكشف عن وجهه فرد وقال :أين بأرضك السالم من أنت؟ قال :أنا موسى .قال :موسى
بين إسرائيل؟ قال :نعم ،فكان من أمرمها ما قصه اهلل يف كتابه عنهما.
5سبقت ترمجته.
6سبقت ترمجته.
7ترمجة يوسف السنبالويين( :ت1207 :هـ):
قال اجلربيت........." :)2/154(:اإلمام العالمة النبيه الوجيه الفاضل املستعد الشيخ يوسف بن عبداهلل بن منصور السنبالويين الشهري
بـ(رزة) الشافعي.
تفقه على بلديِِّه الشيخ أمحد رزة وحضر دروس الشيخ احلفين والشيخ الرباوي والشيخ عطية األجهوري والشيخ الصعيدي وغريهم من
األشياخ.
وأجنب ودرس وأفاد والزم اإلقراء وكان إنسانا وجيها حمتشما ساكن اجلأش وقورا هبي الشكل قانعا حباله اليتداخل كغريه يف أمور
الدنيا جممل املالبس اليزيد على ركوب احلمار يف بعض األحيان لبعض األمور الضرورية ومل يزل حىت تعلل.
وتويف يف هذه السنة رمحه اهلل تعاىل (.)1207
32
ومنهم من ال حياسبه اهلل على يد أحد من املالئكة ،وال غريهم سرتاً على ذلك احملاسب ،وإمنا حياسبه املوىل بينه
يقول له :هذه أفعالُك اليت فع ْلتها يف دار الدنيا وسرتهتا عليك ،واليوم أغفرها ,وهو
ض عملَه عليه بأ ْن َ وي ْع ِر ُ
وبينهَ ,
كتاب عملِه من أمامه ،وهو املؤمن املطيع.
من يُعطى يف ذلك اليوم َ
علت بعد موت صاحبها يف خزانة حتت العرش ،فإذا كانوا يف الموقف بعث اهللُ رحياً فتطريها، ِ
األعمال ُج ْ وكتب
ُ
فكل صحيفة تلتصق بعنق صاحبها ال تتجاوزه ،مث تأخذها املالئكة من األعناق فيعطوهنا إليهم يف أيديهم فيأخذوهنا.
اخلطاب وله شعاع كشعاع الشمس ،وأما أبو بكر فهو رئيس السبعني ألفاً ِ بن
عمر ُوأول من يأخذ كتابه بيمينه ُ
الذين يدخلون اجلنة بغري حساب ،فهم مل يأخذوا صحائف ،وبعد عمر أبو سلمة عبد اهلل بن عبد األسد املخزومي,
أول من يأخذ كتابه بشماله أخوه األسود بن عبد األسد.
ِ
القبيحة. ِ
احلسنة أو ِ
األعمال حسبالعبد كتابَه َو َج َد حروفَه نري ًة أو مظلمةً على ْ
مث إذا أخذ ُ
وجههُ
ابيض ُ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ [اإلسراء] ،فإذا قرأه َّ ﮯ وأول خط يف الصحائف ﭽ ﮭ ﮮ
ﯛ ﭼ [آل عمران]. إْن كان مؤمناً ،و َّ
اسود إ ْن كان كافراً ،وذلك قوله تعاىل :ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
1هذان مصطلحان شرعيان ،ـ أى" :أول قدم" و"آخر قدم" ـ وقد ذكره النيب صلى اهلل عليه وسلم يف احلديث الذي يقول فيه":فيضع
قدمه يف النار" فقوله""قدمه"" أي :أول من يقدم على النار ويدخلوهنا ،ومن الشنيع جدا ما ذهب إليه الوهابية والسلفية من أن اجلبار َ
هلل قدما ،أي :العضو الذي هو آخر ال ِر ِجل ،مث يقولون أنه تعاىل يضع قدمه يف النار ،وهذا يف احلقيقة جتسيم وتشبيه هلل خبلقه ،مث إن
33
وهو الذي يكون آخر اخلارجني من النار ،ومنهم من يكب عند آخر قدم ،فيكون أول اخلارجني منها ،وتفاوت
المرور ْ
حبسب التفاوت يف األعمال الصاحلة واإلعراض عن حرمات اهلل تعاىل إذا خطرت على القلوب.
وأول من يأيت إىل النار "قابيل" الذي قتل أخاه "هابيل" بغري حق ،ألنه أول من أظهر هذه اخلصلة ،وهذا أول من
يدخلها من اإلنس ،و"إبليس" هو أول من يدخلها من اجلن.
(فمن كان) أي :فالذي وجد (من المالئكة والجن واإلنس فإنهم يتالشون) ،أي :ميوتون ،لكن ال ميوت أح ٌد
من املالئكة قبل النفخة األوىل ،بل هبا إال محلة العرش واملالئكة األربعة ،فإهنم ميوتون بعدها وحييون قبل النفخة
الثانية ،وآخر من ميوت ملك املوت ،كذا قال الشرقاوي.1
وقيل :إن محلة العرش ال ميوتون ألهنم خلقوا للبقاء.
34
ب طاعاتُه على معاصيِه ِ
(فمن كان فاسقاً) أي :خارجاً عن أمر اهلل بارتكاب كبرية أو إصرار على صغرية ،ومل َت ْغل ْ
(لم يبق في النار بعد الحساب) أي :بعد فراغ مقدار ذنبه ،ألن ذلك ال خيرجه عن اإلميان إال إذا اعتقد
ألن اإلميا َن عند األشاعرة وحمققي الماتريدية تصديق ِ
املعصية سواءً كانت كبري ًة أم صغري ًةَّ , حل
َّ
بالقلب فقط ،وأما اإلقرار من القادر فهو شرط إلجراء األحكام الدنيوية اليت من مجلتها وجوب
اعتقاد أهنم غريُ خملدين يف النار ,وإذا كان اإلميان هو التصديق لزم أن ال خيرج العبد عن االتصاف به
إال مبا ينافيه من "الكفر" ،وهو عدم التصديق مبا علم ضرورة جميء النيب صلى اهلل عليه وسلم به ،أو
االمتناع من شرطه وهو النطق بالشهادتني مع القدرة.
وكما َّ
أن العصاةَ من املؤمنني ال خلود هلم يف النار ،كذلك "الشفاعة" ال تصل للكفار ،ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭼ [املدثر].
أعظمها الشفاعةُ اليت ردها الرسل ،وهي الشفاعة إلنقاذ اخللق من خوف شديد ومن ٍ ِ
شفاعات غريُ حمصورة ُ
ٌ وللرسل
فزع.
تعم اخللق أمجع ,وبالمقام المحمود أيضاً لكونه حيمده صلى اهلل عليه وسلم
ِّبت هذه الشفاعة بالعظمى لكوهنا ّ
ولُق ْ
فيها األولون واآلخرون.
ثم الشفاعة يف إدخال قوم اجلنة بغري حساب ،وهذه من خصائصه صلى اهلل عليه وسلم كاليت قبلها.
ثم الشفاعة فيمن استحقوا دخول النار فلم يدخلوها.
ثم الشفاعة يف زيادة الدرجات يف اجلنة مث الشفاعة يف قوم من الصلحاء ،ليتجاوز اهلل عنهم يف تقصريهم يف
الطاعات.
ثم الشفاعة يف اخراج من أدخل النار من املوحدين ،وهذه ال ختتص به صلى اهلل عليه وسلم بل يشاركه فيها األنبياء
واملالئكة واملؤمنون.
ثم الشفاعة يف ختفيف العذاب ملن استحق اخللود يف النار يف بعض أوقات كأيب طالب.
ثم الشفاعة يف أطفال املشركني ليدخلوا اجلنة.
35
كفر (ففي الجنة خالدون) ,وال يصح أن
(وأما المؤمنون) أي :الذين ماتوا على دين اإلسالم وإ ْن تقدم منهم ٌ
يدخلوا اجلنة مث يدخلوا النار ،ألن من يدخل اجلنة ال خيرج منها ،ﭧ ﭨ ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭼ [احلجر],
فالدخول يف اجلنة إما بدون دخول النار باملرة أو بعد دخول النار بقدر الذنب.
(وأما الكافرون) من اإلنس واجلن ،أي :الذين ماتوا على الكفر وإن عاشوا طول عمرهم على اإلميان (ففي النار
خالدون) فال يزالون فيها معذبني إما باحليات أو بالعقارب أو بالضرب أو بغري ذلك.
36
وقال الشربيين 1نقالً عن النسفي :2سبعةٌ ال تفنى :العرش ,والكرسي ,واللوح ,والقلم ,واجلنة ,والنار بأهلهما,
واألرواح ،اهـ.
كون الشيء _ هالكاً _ واختُلف يف تفسري قوله تعاىل :ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [القصص] ,فإن كان معىن ِ
كونُه قابالً للهلك يف ذاتهَّ ،
ألن كل ما عاده تعاىل ممكن الوجود قابل العدم ،فهذه السبعة حممولة على هذا املعىن،
وإن كان معىن كونِه _ هالكاً _ كونه خارجاً عن كونه منتفعاً به باإلماتة أو تفريق األجزاء ،فهذه مستثناة من
اهلالك.
حكم من يشك في شيء من هذه العقائد:
(ومن شك في شيء من هذه األشياء) املذكورة (فقد كفر).
1سبقت ترمجته.
2ترمجة النسفي508 / 418( :هـ) :هو من مدرسه أيب منصور املاتريدي وهنج منهجه يف االحتجاج وسلكوا مسلكه يف إعالء
كلمه احلق جيمع يف االستدالل بني الدليلني العقلي والنقلي يف الرد على املخالفني ألهل السنة.
سلك طريقة الغزايل يف الردود على الفالسفة ,حيث سرب أقواهلم وأدلتهم ومقاصدهم مث الرد عليها.
يذكر غي كتبه كالم اخلصوم يف كل مبحث مث يذكر مذهب أهل السنة فيها.
عصره أزهى عصور اخلالفة العباسية ألهنا شجعت البحث العلمي.
هو :ميمون بن حممد بن حممد بن معتمد بن مكحول املولود بسمرقند سنة 418هـ ,وتويف سنة 508هـ فهو من علماء القرن اخلامس
وأوائل السادس.
سكن خبارى وهو حنفي املذهب روى عنه شيخ اإلسالم حممود بن امحد الساغرجي وعبد الرشيد الولواجي
قال عمر بن محمد في كتابه :كان علماء الشرق والغرب يغترف من بحاره ويستضيء بأنواره ،أصولي فقيه متكلم متبحر في
العلوم ،ترج له صاحب الفوائد البهية يف تراجم احلنفية ص 216واألعالم.
ومن مؤلفاته:
العمدة يف أصول الفقه ،حبر الكالم يف علم الكالم ،تبصرة األدلة يف علم الكالم ،التمهيد لقواعد التوحيد يف علم الكالم ،العامل
واملتعلم ،إيضاح احملجة لكون العقل حجة ،شرح اجلامع الكبري للشيباين يف فروع احلنفية ،مناهج األئمة يف الفروع.
كان يف عصره إمام أهل السنة املاتريدية وشيخا عليهم.
37
شرح وبيان كيف يؤمن اإلنسان بالقضاء والقدر
مسألة":أفعال اإلنسان"
والشر من خلق اهلل تعالى عند أهل السنة
ُ الخير
ُ
والشر والخير من خلق اإلنسان عند المعتزلة والشيعة
ُ
1
38
وروي أنه صلى اهلل عليه وسلم قال" :كتب اهلل مقادير اخلالئق كلها قبل أن خيلق السموات واألرض خبمسني ألف
عام ،"1وقال صلى اهلل عليه وسلم" :ال يؤمن عبد حىت يؤمن بأربعة :يشهد أن ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل بعثين
باحلق ،ويؤمن بالبعث بعد املوت ،ويؤمن بالقدر خريه وشره."2
39
هذه اآلية عنده :يا أيها املؤمنون أطيعوا ،ويا أيها الكافرون آمنوا ،ويا أيها املنافقون أخلِصوا ،فإن الناس على ثالثة
أصناف:
مؤمن مخلص في إيمانه :وهو الذي ّ
يقر باللسان ويصدق باجلنان ويعمل باألركان.
وكافر جاحد في كفره :وهو الذي مل يقر بلسانه ومل يؤمن بقلبه.
ومنافق مداهن في نفاقه :وهو الذي ّ
أقر بلسانه ومل يؤمن بقلبه وداهن مع املؤمنون
(وهم يثابون) على الطاعة (ويعاقبون) على العصيان (وكل ذلك) ،أي :الثواب والعقاب( ،بوعده تعالى) يف
الطاعة (ووعيده) يف العصيان ،ﭧ ﭨ ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯸﭼ [النازعات]. ﯮ ﯳ ﭼ [النازعات] أي :قيامه بني يدي ربه :ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ
فصل
40
في أحكام اإليمان
[الحكم األول] :هل أصل اإليمان يتجزأ؟
مسألة:
(إذا قيل قيل لك :اإليمان) أي :أصله (يتجزأ) أي :يقبل القسمة بأن جيعل أجزاء (أم ال) ,قوله :اإلميان _ مبد
اهلمزة _ إذ أصله :اإلميان _ هبمزتني _ ف ُقلبت الثانيةُ ألفاً فتمد مداً الزماً.
والروح من بني آدم ،إذ
ِ ِ
والعقل (نور في ِ
القلب (فالجواب) أن تقول( :اإليمان ال يتجزأ ،ألنه) أي :اإلميانٌ :
هو) أي :اإلميان (هداية اهلل تعالى عليه) ،أي :املؤمن (فمن أنكر) أي :جحد (شيئاً منها) أي :من كون اإلميان
هداية اهلل تعاىل (فقد كفر).
(فالجواب) أن تقول " ( :اإليمان " عبارة عن " التوحيد ") ,وح ّد " التوحيد " عند " علماء الكالم " :إفراد
ِ
اعتقاد َو ْح َدتِِه ذاتاً وصفات وأفعاالً ،ويقال أيضاً :هو اعتقاد ما جيب هلل ورسله ،وما جيوز وما املعبود بالعبادة َم َع
يستحيل.
ٍ
وسكون واقع ذلك يف ٍ
وحركة كل ٍ
فعل أن َّ وأما عند " أهل التصوف " :فهو أن ال يُرى إال اهللُ تعاىل ,بمعنى َّ
الكون ،فمن اهلل تعاىل وحده ال شريك له ,ال يرون لغيره تعالى فعالً أصالً.
ِ
باإلميان عالمتُه 1كقوله صلى اهلل عليه وسلم لقوم من العرب قدموا عليه صلى اهلل عليه وسلم" :أتدرون ما وقد يُراد
اإلميان باهلل تعاىل وحده؟" فقالوا :اهلل ورسوله أعلم ،فقال صلى اهلل عليه وسلم" :شهادة أن ال إله إال اهلل ،وأن
حممداً رسول اهلل ،وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وأن تعطوا من املغنم اخلمس."2
[الحكم الثالث] :التفريق بين "أصل" اإليمان وبين "كماله" من أركانه وشروطه وشعبه:
مسألة:
(وحب
ُ (والصوم) أي :يف رمضان( ,والزكاةُ) أي :لألموال واألبدان,
ُ (إذا قيل لك :الصالةُ) أي :اخلمس,
وحب الكتب) أي :السماوية اليت أنزهلا اهلل على بعض الرسل( ,وحب الرسل) واألنبياء – عليهم الصالة ِ
المالئكة
ُ
والسالم – (وحب ال َق َد ِر خي ِره وش ِره من ِ
اهلل تعالى ،وغير ذلك من األمر والنهي واتباع سنة النبي صلى اهلل ُ
عليه وسلم أهو) أي :املذكور (من اإليمان) أي :من حقيقته وأصله (أم ال؟ ).
41
(فالجواب) أن تقول( :ال) أي :إن ذلك ليس من حقيقة اإلميان وأصله ،بل هو فرع اإلميان( ,ألن اإليمان عبارة
عن التوحيد) كما تقدم( ,وما سوى ذلك) أي :املذكور (شرط من شرائط اإليمان) وشعبة من شعب اإلميان،
حب ِ
اهلل ,ومالئكته ,وأنبيائه ,وأوليائه ,وخوف عذاب اهلل ,ورجاء رمحة اهلل ,وتعظيم شرط ِ
صحة اإلميان ُّ ألن من ِ
َّ
أمر اهلل وهنيه ،وبغض أعداء اهلل وهم الكفار.
ط ٍ
كمال " على املختار عند أهل السنة ،فمن تركها واعتقد وجوهبا وأما الصالة والصوم والزكاة واحلج فهي " شر ُ
عليه أو ترك واحداً منها كذلك فهو مؤمن كامل يف جريان أحكام املؤمنني يف الدنيا واآلخرة ،ألن مرجعه إىل اجلنة
وإن دخل النار إن مل ينل شفاعة من أحد الشافعني أو غفراناً من اهلل تعاىل ،وهو مؤمن ناقص من جهة ضعف
اإلميان لرتكه لبعض املأمورات ،وإن تركها معانداً للشرع ،أو شاكاً في وجوبها فهو كافر إجماعاً وكذا إن ترك
واحداً منها كذلك ،ألهنا معلومة من أدلة الدين بالضرورة.
واعلم أن أمور الدين أربعة:
والشبَ ِه من ضالالت أهل األهواء.
أوهلا :صحة العقد :بأن تعتقد اعتقاداً صحيحاً خالياً عن الرتديد ُ
وثانيها :صدق القصد :بأن تكون صادقاً يف قصدك لقوله صلى اهلل عليه وسلم" :إمنا األعمال بالنيات".
وثالثها :الوفاء بالعهد :فإذا عاهدت عهداً تفي به لئال يكون فيك خصلة من النفاق ألن من خصال املنافق إذا
عاهد غدر.
املعاصي كلَّها.
َ ورابعها :اجتناب الحد ,بأن جتتنب
تنبيه:
فلو قيل لك " :الكفر " يكون " بقضاء " اهلل تعاىل و" قدره " ,و" الرضا " بالقضاء والقدر واجب ،والرضا بالكفر
كفر ،فكيف اجتماع الواجب والكفر.
مقضي ومقدور ال "قضاء" وقدر" ,والرضا إمنا جيب بالقضاء والقدر دون املقضي واملقدور.ٌ قلت" :الكفر"
وأيضاً الشيء املخالف للشرع يكرهه العبد من حيث ذاته ،وأما من حيث كونه مقضياً فريضى به مبعىن ال يعرتض
على مراد اهلل تعاىل فيه ،وال يكلف العبد مبحبته ولو من حيث أنه مقضي ،وإمنا هو مكلف برتك االعرتاض على اهلل
واعتقاد احلكمة على ذلك والعدل على اهلل.
[الحكم الرابع] :أن اإليمان بصفة الطهارة والكفر بصفة النجاسة والحدث:
مسألة:
(إذا قيل لك :اإليمان بصفة الطهارة أم ال؟)
األعمال( ,والكفر بصفة الح َد ِ
ث) أو ِ
َ ُ متلبس (بصفة الطهارة ) ,فيصح به ُ
مجيع ٌ نقول( :اإليما ُن)
(فالجواب) أ ْن َ
بصفة النجس كما ﭧ ﭨ ﭽ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ [التوبة] أي :يف اعتقادهم دون أبداهنم( ,وينتقض) أي :يبطل (به) أي:
ُثيب على ما فعله من القرب اليت
الكافر أ َ
ُ الكفر (جميع الجوارح) أي :األعمال اليت يعملها بأعضائهْ ،
لكن لو أسلم
ال حتتاج إىل نية كصدقة ,وصلة ,وعتق ,ونحكم بالصحة من حينئذ ،كما نقله الونائي عن النووي ،ودليل ذلك
قوله تعاىل :ﭽ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ [املائدة] أي :ومن يرتد عن اإلميان فقد بطل
عملُه الصاحلُ قبل ذلك ،فال يعتد به وال يثاب عليه ،ولو عاد إىل اإلسالم ،وهو يف اآلخرة من اخلاسرين إذا مات
على الكفر ،واملعىن :ومن يكفر بكلمة التوحيد ،وهي :شهادة أن ال إله إال اهلل ،فقد فسد عمله الصاحل.
42
أما من أسلم قبل املوت فإن ثوابه يفسد دون عمله فال جيب عليه إعادة حج قد فعله وال صالة قد صالها قبل
الردة.
1سبقت ترمجته.
2سبقت ترمجته.
43
وقال حممد اخلليلي 1نقالً عن الشمس الرملي 2و" اإليمان " عند جمهور المحققين :تصديق القلب بما علم
ضرورة مجيء الرسول صلى اهلل عليه وسلم به من عند اهلل تعالى ،وأما اإلقرار باللسان فإنما هو شرط إلجراء
األحكام في الدنيا.
وقيل :إنه اإلقرار والتصديق معاً.
وقيل :إنه اإلقرار واألعمال.
قول منها هو مخلو ٌق ،ألنه فعل العبد املخلوق لقوله تعاىل :ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ [الصافات].كل ٍوعلى ِّ
1سبقت ترمجته.
2ترمجة الرملي (1004 / 919هـ):
هو اإلمام األنصاري املعروف بـ [الشافعي الصغير] ،حممد بن أمحد بن محزة بن شهاب الدين الرملي ،املنويف ،املصري ،امللقب بـ
ووالده شهاب الدين أو[ :الشهاب الرملي] نسبةً إىل "رملة" وهي قرية صغرية قريبا من اهلجر بالقرب من منية
[مشس الدين] الرمليُ .
(الوجه اهلجري).
ولد مبصر يف شهر مجادى األوىل سنة 919هـ ونشأ هبا حتت رعاية ِ
والده اإلمام الشهاب الرملي .وكان وال ُده مرجع العلماء في وقته
بال خالف.
فاختلط الفقه بلحمه ودمه منذ الصغر حىت كان والده يقول" :تركت حممدا حبمد اهلل تعاىل الحيتاج إىل أحد من علماء عصره إال يف
النادر".
أخذ العلم عن والده وقد أغناه ذلك عن الرتدد على بقية العلماء حيث كان معظمهم من تالميذ والده.
والده يف بعض شيوخه كالشيخ زكريا األنصاري ،والشيخ برهان الدين ابن أيب شريف ،فقد أخذ عنهما كما أخذ عنهما وشارك َ َ
والده من قبل.
ُ
ِ
قال عنه الشيخ عبد الوهاب الشعراين يف طبقاته الوسطى :صحْبتُهُ من حني كنت أمحله على كتفي إىل وقتنا هذا فما رأيت عليه ما
والده
يشينه يف دينه وال كان يلعب يف صغره مع األطفال بل نشأ على الدين والتقوى والصيانة وحفظ اجلوارح ونقاء العرض ،رباه ُ
والده يف املدرسة "الناصرية" كنت أرى عليه لوائح الصالح والتوفيق فحقق اهلل رجائي فأحسن تربيته ،وملا كنت أمحلُه وأنا أقرا على ِ
ُ
فيه وأقر عني احملبني ،فإنه اآلن مرجع أهل مصر يف حترير الفتاوى وأمجعوا على دينه وورعه وحسن خلقه وكرم نفسه ومل يزل حبمد اهلل
يف زيادة من ذلك اهـ انتهى.
جلس للتدريس بعد وفاة والده ،وحضر درسه أكثر تالمذة والده ،منهم :الشهاب أمحد بن قاسم ،والشيخ ناصر الدين الطبالوي،
وغريمها.
وويل منصب افتاء الشافعية ,وأقام عدة مدارس.
وكان يدرس يف احلديث والتفسري واألصول والفروع والنحو واملعاين والبيان وبرع يف العلوم النقلية والعقلية.
له تآليف نافعة منا:
)1هناية احملتاج شرح املنهاج.
)2شرح البهجة الوردية.
)3عمدة الرابح يف شرح الطريق الواضح.
)4شرح العباب( مل يتمه).
)5شرح الزبد ،وهو غري شرح والده.
)6شرح اإليضاح يف مناسك احلج.
)7شرح منظومة ابن العماد.
)8شرح العقود يف النحو.
44
إقرار وهدايةٌ ,فاإلقرار صنع العبد ,وهو
وأما قول أيب الليث السمرقندي يف جواب [ :إنه خملوق أو :ال ] :اإلميا ُن ٌ
ِ ِ ِ خملوق ,والهداية صنع الرب ,وهو غري خملوق ،ففي ذلك تسمحَّ ،
سبب اإلميان ال جزءٌ
ألن هدايةَ اهلل تعاىل للعبد ُ
منه ،واملسؤول عنه نفس اإلميان ال هو وسببه معاً ,واهلل أعلم.
وصلى اهلل على سيدنا حممد وآله وصحبه وسلم ،واحلمد هلل رب العاملني.
)9شرح اآلجرومية.
)10شرح خمتصر الشيخ عبد اهلل بافضل الصغري.
)11له حاشية على شرح التحرير.
)12حاشية على العباب.
وغري ذلك ،حىت قيل :عنه أنه جمدد القرن العاشر.
وهكذا أمضى عمره كله يف نفع الناس وتعليمهم وتأليف الكتب النافعة املباركة ,حىت وافاه األجل احملتوم ببلدة مصر يوم األحد الثالث
عشر من مجادى األوىل سنة 1004هـ رضي اهلل عنه ونفعنا بعلومه اهـ انتهى باختصار من كتاب "خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي
عشر" لـ( احمليب).
45