You are on page 1of 45

‫قطر الغيث في شرح مسائل أبي الليث‬

‫تأليف‬

‫محمد نووي بن عمر بن عربي الشافعي الجاوي‬

‫شرح على‬

‫مسائل أبي الليث‬

‫اإلمام نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي‬

‫الملقب‬
‫بإمام الهدى‬

‫حققه‪ 2‬واعتنى به‬


‫محمد يوسف إدريس‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫خطبة الكتاب‬

‫‪1‬‬
‫مل تعرف البشريةُ مصدرا من مصادر املعرفة انبثق عنه من العلوم واملعارف مثلما هو احلال بالنسبة لإلسالم‪،‬‬
‫فهاهي علوم‪ :‬العقيدة وعلم الكالم‪ ،‬وأصول الفقه‪ ،‬والفقه‪ ،‬واحلديث‪ ،‬والتفسري‪ ،‬والتصوف‪ ،1‬والتاريخ والسرية‪،‬‬
‫واللغة بكافة فروعه ا‪ ،‬واملنطق اإلس المي‪ ،‬وغريها باإلض افة إىل مش اركات علم اء املس لمني يف العل وم اإلنس انية‬
‫املختلفة ش اهدة بفضل ه ذه الش ريعة وعل ِّو مرتبته ا‪ ،‬ولقد ص نف العلم اء يف كل فن من ه ذه الفن ون املعرفية كتبا‬
‫ومص نفات مل يس بق ومل يش هد هلا البشر م ثيال‪ ،‬ولكن ما أن جنحت مكائد احلاق دين على الدولة اإلس المية يف‬
‫ه دمها حىت حتولت احلض ارة اإلس المية ب دولتها وش عوهبا وعلومها وتراثها إىل ش تات وتش تت‪ ،‬وملا بلغ علم اء‬
‫اإلسالم ما بلغوا من التدقيق والتعميق يف مسائل العلوم‪ ،‬وكان قد حصل هبذه األمة ما حصل‪ ،‬أُغلقت الكثري من‬
‫املباحث واملسائل بل رمبا وفنون كاملة على أبناء األمة‪ ،‬فكان البد من أن يُتعب املخلصون من أذكياء هذه األمة‬
‫عق وهَل م يف استنطاق علوم األولني وذلك من خالل ما تركوه لنا من كتب ليستفيدوا ويفيدوا املسلمني من علوم‬
‫السابقني‪ ،‬وكان من هذا القبيل شيخي وأستاذي العالمة املبجل سعيد عبد اللطيف فودة‪ ،‬حفظه اهلل ورعاه‪،‬‬
‫ورزقنا يف هذه الدنيا صحباه‪ ،‬فإنه ما من خلية يف جسم كاتب هذه السطور إال وهي مبتهلة إىل رهبا يف أن يوفقه‬
‫إىل ما فيه خري اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وكان من مثرة اجلهود املباركة اليت قضيناها يف حلقاته العلمية النفيسة أن نويت‬
‫مجع بعض املختص رات اليت وض عها العلم اء للمبت دئني يف علم العقائ د‪ ،‬وقد وقعت على جمموعة منها ف أردت أن‬
‫سن من ُوضعت له مثل هذه املختصرات‪.‬‬ ‫أعيد صفها على الكمبيوتر مث حتقيقها والتعليق عليها مبا يناسب َّ‬
‫وقد ك ان أصل كل كت اب منها عب ارة عن منت وش رح‪ ،‬ممزوجة أو مفص ولة‪ ،‬ولكننا جعلنا املنت يف أول كل‬
‫كت اب مث أتبعنا كل منت بش رحه حىت يتسىن االس تفادة من ه ذه املت ون والش روح بالص ورة اليت يراها كل إنس ان‬
‫مناسبا له‪ .‬وقمنا بالتعريف بكل من املاتن والشارح‪ ،‬وحتقيق ما يف هذه املختصران من آيات وأحاديث‪ ،‬وتراجم‪،‬‬
‫وغري ذلك‪.‬‬
‫وندعوا اهلل أن ينفع هبا املسلمني‪ ،‬وأن جيعل هذا العمل يف ميزان حسنات شيخنا‪.‬‬
‫واحلمد اهلل رب العاملني‬
‫محمد يوسف إدريس‬
‫األردن ‪ /‬الزرقاء‬
‫‪12/12/20008‬‬

‫التعريف بالمؤلف و الشارح‬


‫تبت يف علم العقائد يف مذهب أهل السنة‪ ،‬وذلك‬
‫هذا الكتاب من الكتب املميزة من بني املختصرات الكثرية اليت ُك ْ‬
‫كل مسألة منها تتعلق مببحث خاص من أركان‬‫يغ و ُكتب بأسلوب تقسيم العقائد اإلسالمية إىل مسائل‪ُّ ،‬‬‫أنه ِص َ‬
‫اإلميان‪ ،‬بطريقة السؤال واجلواب‪ ،‬وهذا مما يساعد يف فهم العقائد بسهولة ويسر خصوصا للعوام واملبتدئين من‬
‫طالب العلم‪.‬‬

‫‪ 1‬وهو علم األخالق الشامل آلداب القلوب واجلوارح والسلوك مع الناس‪ .‬واملقصود هنا علم التصوف املقيد بالكتاب والسنة اخلايل‬
‫من البدع واالحنرافات‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وها حنن نقدم بذكر ترمجة لكل من املؤلف و الشارح قبل الشروع بالكتاب‪.‬‬
‫*التعريف بالمؤلف‪:‬‬
‫أبو الليث السمرقندي‪ 373 -..( :‬هـ | ‪ 983‬م)‪:‬‬
‫عالمة‪ ،‬من أئمة‬
‫نصر بن حممد بن أمحد بن إبراهيم السمرقندي‪ ،‬أبو الليث‪ ،‬امللقب بإمام اهلدى‪َّ ،‬‬
‫الحنفية‪ ،‬من الزهاد املتصوفني‪.‬‬
‫له تصانيف نفيسة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫" تفسري القرآن ‪ -‬خ " أجزاء متفرقة منه‪ ،‬وهو غري كبري‪ ،‬أوله تفسري سورة "احلاقة"‬
‫وله " عمدة العقائد ‪ -‬خ "‪.‬‬
‫و " بستان العارفني ‪ -‬ط " تصوف‪ ،‬مساه " البستان "‪.‬‬
‫و " خزانة الفقه ‪ -‬ط " رسالة‪.‬‬
‫و " تنبيه الغافلني ‪ -‬ط " مواعظ‪.‬‬
‫و " فضائل رمضان ‪ -‬خ "‪.‬‬
‫و " املقدمة ‪ -‬ط " يف الفقه‪.‬‬
‫و " شرح اجلامع الصغري " يف الفقه‪.‬‬
‫و " عيون املسائل ‪ -‬خ " فتاوى وتراجم‪.‬‬
‫و " دقائق األخبار يف بيان أهل اجلنة وأهوال النار ‪ -‬خ "‪.‬‬
‫و " خمتلف الرواية ‪ -‬خ " يف اخلالفيات بني أيب حنيفة ومالك والشافعي‪.‬‬
‫و " شرعة اإلسالم ‪ -‬خ " فقه‪.‬‬
‫و " النوازل من الفتاوى ‪ -‬خ "‪.‬‬
‫و " تفسري جزء‪ :‬عم يتساءلون ‪ -‬خ " موجز‪.‬‬
‫ورسالة يف " أصول الدين ‪ -‬خ‪." 1‬‬

‫*التعريف بالشارح‪:‬‬
‫محمد نووي الجاوي (ت‪ 1316:‬هـ | ‪1898‬م)‪:‬‬
‫مفسر‪ ,‬متصوف‪ ,‬من فقهاء الشافعية‪ .‬هاجر إىل‬
‫حممد بن عمر اجلاوي البنتين إقليما‪ ,‬التناري بلدا‪ٌ :‬‬
‫مكة‪ ,‬وتويف هبا‪ .‬عرفه " تيمور"‪ :‬بـ [عالِم الحجاز]‪.‬‬
‫مراح لبيد لكشف معاين القرآن اجمليد‪ -‬ط‪ ،‬جملدان كبريان‪ ,‬وهو تفسريُه‪.‬‬
‫له مصنفات كثرية‪ ,‬منها‪ْ :‬‬

‫‪ 1‬وهي هذه الرسالة اليت نطبعها يف هذا الكتاب بشرح اإلمام احملقق والعالمة املدقق حممد نووي اجلاوي‪ ،‬رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫شرح لـِ [بداية اهلداية]‪ ،‬حلجة اإلسالم اإلمام الغزايل‪ - ,‬ط‪ ،‬فرغ من تأليفه سنة‬
‫مراقي العبودية‪ٌ ،‬‬
‫‪1289‬هـ‪ .‬قامع الطغيان على منظومة شعب اإلميان‪ -‬ط‪ .‬قطر الغيث يف شرح مسائل أيب الليث‪-‬‬
‫ط‪ .‬قود اللجني يف بيان حقوق الزوجني‪ -‬ط‪ .‬نهاية الزين بشرح قرة العني‪ -‬ط‪ ،‬فقه‪.‬‬
‫شرح فتح الرمحن‪ -‬ط‪ ،‬جتويد‪ .‬ور الظالم يف شرح قصيدة عقيدة العوام ألمحد املرزوقي ـ ط‪.‬‬
‫مرقاة صعود التصديق يف شرح سلم التوفيق البن طاهر‪ -‬ط‪ ،‬تصوف‪ ,‬املتوىف سنة ‪.1272‬‬
‫كاشفة السجا يف شرح سفينة النجا‪ -‬ط‪ ،‬يف أصول الدين والفقه‪.1‬حاشية النفحات على شرح‬
‫الورقات‪ ،‬إلمام احلرمني اجلويين –ط‪ ،‬يف أصول الفقه‪ .‬نصائح العباد شرح على املنبهات على‬
‫االستعداد ليوم امليعاد‪ ،‬البن حجر العسقالين (‪852-773‬هـ)‪.‬الفتوحات املدنية شرح الشعب‬
‫اإلميانية‪ .‬الثمار اليانعة يف شرح الرياض البديعية‪ ،‬للفاضل الشيخ حممد حسب اهلل‪ ،‬يف الفقه‪.‬‬
‫هبجة الرسائل بشرح مسائل على الرسالة اجلامعة بني أصول الدين والفقه والتصوف‪ ،‬للسيد أمحد زين‬
‫احلبشي‪" .‬قوت احلبيب الغريب‪ ،2‬توشيح على‪" :‬فتح القريب اجمليب"‪ ،3‬شرح "غاية التقريب"‪.4‬‬

‫متن‬
‫قطر الغيث‬
‫بسم اهلل الرحمن الحيم‬

‫محمد ِ‬
‫وآله وأصحابِه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫رب العالمين‪ ,‬والعاقبةُ للمتقين‪ ،‬والصالةُ والسالم على ِ‬
‫سيدنا‬ ‫الحم ُد ِ‬
‫هلل ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مسألة‪:‬‬
‫قيل لك‪ :‬ما اإليما ُن؟‬
‫إذا َ‬

‫‪ 1‬تاريخ الشعراء الحضرميين‪ ،]171 : 3[ :‬وفيه ذكر وفاته بمكة سنة "‪1316‬هـ"‪ ،‬وفهرس الخزانة التيمورية‪،]8-307[ :‬‬
‫وهو فيه‪( :‬المتوفى سنة ‪1312‬هـ على ما اخبرنا به أحد فضالء جاوة)‪ 2,‬والكتبخانة‪ 36 :2[ :‬و‪ 37‬و‪ 58‬و‪ 59‬و‪ 134‬و‪165‬‬
‫و‪ 168‬ثم ‪ 263 :3‬و‪ 274‬و‪ .]287‬واألعالم للزركلي‪ ،‬ص‪.319‬‬
‫‪ 2‬للشيخ نووي جاوي‪.‬‬
‫‪ 3‬ألبي عبد اهلل محمد بن قاسم العبادي الشافعي تلميذ الجالل المحلي‪2.‬‬
‫‪ 4‬للقاضي أبي شجاع‪ ،‬أحمد بن الحسين أحمد األصفهاني‪ ،‬الشافعي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وشره ِمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فالجواب‪ِ ُ :‬‬
‫اهلل تعالى‪.‬‬ ‫آمنت باهلل‪ ,‬ومالئكته‪ ,‬وكتبه‪ ,‬ورسله‪ ,‬واليوم اآلخ ِر‪ ,‬والقد ِر خي ِره ِّ َ‬ ‫ُ‬
‫مسألة‪:‬‬
‫إذا قيل لك‪ :‬وكيف تؤمن ِ‬
‫باهلل؟‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫متكلم‪ ,‬باق‪ ,‬خالَّ ٌق‪ ,‬رزَّا ٌق‪ٌّ ،‬‬
‫رب‪,‬‬ ‫بصير‪,‬‬ ‫فالجواب‪َّ :‬‬
‫ٌ‬ ‫سميع‪ٌ ,‬‬
‫قادر‪ ,‬مري ٌد‪ٌ ,‬‬
‫عالم‪ٌ ,‬‬
‫حي‪ٌ ,‬‬
‫إن اهللَ تعالى أح ٌد‪ ,‬واح ٌد‪ٌّ ,‬‬ ‫ُ‬
‫ضد وال ندٍّ‪.‬‬‫شريك وال ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ومالك بال‬
‫ٌ‬
‫مسألة‪:‬‬
‫إذا قيل لك‪ :‬وكيف تؤمن بالمالئكة؟‬
‫ِ‬
‫العرش‪ ,‬ومنهم حافو َن‪ ,‬ومنهم ُروحانيون‪ ،‬ومنهم كروبيو َن‪,‬‬ ‫أصناف‪ ،‬فمنهم‪ :‬حملةُ‬
‫ٌ‬ ‫فالجواب‪َّ :‬‬
‫إن المالئكةَ‬
‫وإسرافيل وعزرائيل‪ ،‬ومنهم حفظةٌ‪ ،‬ومنهم كتبةٌ‪ ،‬وكلُّهم مخلوقون‪ 2,‬عبي ُد‬
‫َ‬ ‫وميكائيل‬
‫َ‬ ‫جبريل‬
‫َ‬ ‫ومنهم سفرةٌ‪ ،‬أي‪:‬‬
‫نفس‪ ,‬وال أب‪ ،‬وال أمٌّ‪ ,‬وال يشربون‪ ,‬وال يأكلون‪,‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪ ,‬ال يوصفون‪ 2‬بذكورة وال بأنوثة‪ ،‬وليس لهم شهوةٌ‪ ,‬وال ٌ‬
‫كفر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ط اإليمان‪ ,‬وبغضهم ٌ‬ ‫وال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون‪ 2‬ما يؤمرون‪ ،‬ومحبتُهم شر ُ‬
‫مسألة‪:‬‬
‫إذا قيل لك‪ :‬وكيف تؤمن بالكتب؟‬
‫وم ْن شك فيها من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مخلوقة‪ ,‬قديمةٌ بغي ِر‬ ‫فالجواب‪َّ :‬‬
‫تناقض‪َ ،‬‬ ‫غير‬
‫الكتب على أنبيائه‪ ,‬وهي منزلةٌ ُ‬
‫َ‬ ‫إن اهللَ أنزل‬ ‫ُ‬
‫آية أو كلمة فقد كفر‪.‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫وكم كتاباً أنزل على أنبيائه؟‬
‫إذا قيل لك‪ْ :‬‬
‫عشر ٍ‬
‫كتب على آدم – عليه السالم – وأنزل اهللُ تعالى‬ ‫فالجواب‪ِ :‬مائةُ ٍ‬
‫كتاب وأربعةُ ٍ‬
‫كتب‪ ,‬أ ْن َزل اهللُ منها َ‬
‫منها خمسين كتاباً على شيث – عليه السالم – وأنزل اهللُ تعالى منها ثالثين كتاباً على إدريس – عليه السالم‬
‫كتب على إبراهيم – عليه السالم –‪ ,‬وأنزل اهللُ تعالى اإلنجيل على عيسى –‬ ‫عشر ٍ‬
‫–‪ ,‬وأنزل اهللُ تعالى منها َ‬
‫الزبور على داود –‬
‫َ‬ ‫عليه السالم – وأنزل اهللُ تعالى التورا َة على موسى – عليه السالم – وأنزل اهللُ تعالى‬
‫ٍ‬
‫محمد المصطفى‪.‬‬ ‫عليه السالم – وأنزل اهللُ تعالى القرآ َن على‬

‫مسألة‪:‬‬
‫إذا قيل لك‪ :‬وكيف تؤمن باألنبياء؟‬
‫ٍ‬
‫محمد صلوات اهلل عليهم أجمعين‪ ،‬كلُّهم‬ ‫وآخرهم سي ُدنا‬ ‫ِ‬ ‫فالجواب‪َّ :‬‬
‫آدم – عليه السالم – َ‬‫أول األنبياء ُ‬
‫أن َ‬ ‫ُ‬
‫كانوا مخبرين‪ ,‬ناصحين‪ ,‬صادقين‪ ,‬مبلغين‪ ,‬آمرين‪ ،‬ناهين‪ ,‬أمناء ِ‬
‫اهلل تعالى‪ ,‬معصومين من الزلل والكبائر‪،‬‬ ‫َ‬
‫كفر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ضهم ٌ‬ ‫اإليمان‪ ,‬وبغ ُ‬ ‫ط‬
‫ومحبتُهم شر ُ‬
‫مسألة‪:‬‬
‫ِ‬
‫أصحاب الشرائ ِع؟‬ ‫إذا قيل لك‪ :‬وكم من‬

‫‪5‬‬
‫ٍ‬
‫شريعة‬ ‫وكل‬
‫وإبراهيم‪ ,‬وموسى‪ ,‬وعيسى‪ ,‬ومحم ٌد صلوات اهلل عليهم أجمعين‪ُّ ،‬‬ ‫ونوح‪,‬‬ ‫آدم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فالجواب‪ :‬ستةٌ‪ُ :‬‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫محمد صلى اهللُ عليه وسلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بشريعة‬ ‫منسوخةٌ‬
‫مسألة‪:‬‬
‫إذا قيل لك‪ :‬وكم من األنبياء؟‬
‫فالجواب‪ :‬مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي‪.‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫إذا قيل لك‪ :‬وكم كانوا من األنبياء المرسلين؟‬
‫فالجواب‪ :‬ثالثُمائة وثالثةَ عشر مرسالً‪.‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫إذا قيل لك‪ :‬وأسماؤهم وعددهم شرط اإليمان أم ال؟‬
‫ِ‬
‫اإليمان‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ومنهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بشرط‬ ‫فالجواب‪ :‬ليس عندنا‬
‫مسألة‪:‬‬
‫إذا قيل لك‪ :‬وكيف تؤمن باليوم اآلخر؟‬
‫ويحشرهم‬
‫ُ‬ ‫الخالئق كلَّهم إالَّ َم ْن كان في الجنة والنار ويُحييهم اهللُ تعالى‬
‫َ‬ ‫ميت‬ ‫فالجواب‪َّ :‬‬
‫أن اهللَ تعالى يُ ُ‬
‫فمن كان فاسقاً لم‬
‫فم ْن كان من المالئكة والجن واإلنس فإنهم يتالشون‪ْ ،‬‬
‫ويحاسبُهم‪ ،‬ويَحكم بينهم بالعدل‪َ ،‬‬
‫يبق في النار بعد الحساب‪.‬‬
‫َ‬
‫والنار وال أهلُهما‪ ,‬ومن‬
‫ُ‬ ‫وأما المؤمنون ففي الجنة خالدون‪ ،‬وأما الكافرون ففي النار خالدون‪ ,‬وال تفنى الجنةُ‬
‫شك في شيء من هذه األشياء فقد كفر‪.‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫إذا قيل لك‪ :‬وكيف تؤمن بالقد ِر خي ِره وش ِره من اهلل تعالى؟‬
‫إن اهللَ خلق الخالئق وأمر ونهى وخلق اللوح والقلم وأمرهما أ ْن يكتبا أعمال العباد‪ ،‬فالطاعةُ‬ ‫فالجواب‪َّ :‬‬
‫بقضاء اهلل تعالى وقدره في األزل وإرادتِه وأمره ورضاه‪ ،‬والعصيا ُن بقضاء اهلل تعالى وقدره وإرادته في األزل‬
‫وكل ذلك بوعده تعالى ووعيده‪.‬‬
‫وليس بأمره وال برضاه‪ ،‬وهم يثابون ويعاقبون‪ُّ ،‬‬

‫مسألة‪:‬‬
‫إذا قيل لك‪ :‬اإليمان يتجزأ أم ال؟‬
‫والروح من بني آدم‪ ،‬إ ْذ هو هدايةُ ِ‬
‫اهلل تعالى عليه فمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعقل‬ ‫فالجواب‪ :‬اإليما ُن ال يتجزأ ألنه نور في ِ‬
‫القلب‬
‫أنكر شيئاً منها فقد كفر‪.‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫إذا قيل لك‪ :‬ما المراد باإليمان؟‬
‫ِ‬
‫التوحيد‪.‬‬ ‫فالجواب‪ :‬اإليما ُن عبارةٌ عن‬
‫مسألة‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫وحب ال َق َد ِر خيره وشره‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُس ِل ّ‬
‫وحب ُّ‬
‫الكتب ُّ‬ ‫وحب‬
‫ُّ‬ ‫المالئكة‬ ‫وحب‬
‫والصوم والزكاةُ ُّ‬
‫ُ‬ ‫إذا قيل لك‪ :‬الصالةُ‬
‫اهلل عليه وسلم أهو من اإليمان أم ال؟‬ ‫النبي صلى ِ‬
‫ِّباع سنة ِّ‬ ‫وغير ذلك من األم ِر ْ‬
‫والنه ِي وات ِ‬ ‫من اهلل تعالى‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫اإليمان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫شرائط‬ ‫ط من‬ ‫ِ‬
‫التوحيد‪ ,‬وما سوى ذلك شر ٌ‬ ‫فالجواب‪ :‬ال‪َّ ,‬‬
‫ألن اإليما َن عبارةٌ عن‬
‫مسألة‪:‬‬
‫ِ‬
‫الطهارة أم ال؟‬ ‫إذا قيل لك‪ :‬اإليما ُن ِ‬
‫بصفة‬
‫الجوارح‪.‬‬
‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫وينتقض به‬ ‫ث‬ ‫الطهارة والكفر ِ‬
‫بصفة الح َد ِ‬ ‫ِ‬ ‫فالجواب‪ :‬اإليما ُن ِ‬
‫بصفة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مسألة‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مخلوق؟‬ ‫غير‬
‫إذا قيل لك‪ :‬اإليما ُن مخلو ٌق أو ُ‬
‫ِّيق بالقلب بما جاء به النبي صلى اهلل عليه وسلم من عند اهلل‬ ‫اهلل تعالى‪ ،‬والتصد ُ‬ ‫فالجواب‪ :‬اإليما ُن هدايةٌ ِمن ِ‬
‫َ‬
‫وكل ما‬
‫ث‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫فعل العبد وهو ُم ْح َد ٌ‬ ‫الر ِ‬
‫واإلقرار ُ‬
‫ُ‬ ‫والتصديق‬
‫ُ‬ ‫قديم‪،‬‬
‫ب وهو ٌ‬ ‫صنع َّ‬
‫واإلقرار باللسان‪ ،‬فالهدايةُ ُ‬
‫ُ‬ ‫تعالى‪،‬‬
‫ث يكون محدثاً‪ِ.‬‬ ‫وكل ما جاء من الم ْح َد ِ‬ ‫جاء من القديم يكون قديماً‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫وبعضهم بالعصيان‪ ،‬والصالة والسالم على‬ ‫ِ‬


‫بعض عباده بالطاعات َ‬ ‫احلمد هلل الذي هدانا لإلسالم واإلميان‪ ،‬وخص َ‬
‫ِ‬
‫وأزواجه وذريَّتِه عدد ما جرى به القلم‪.‬‬ ‫سيدنا ٍ‬
‫حممد وآله وأصحابِه‬ ‫ولد آدم‪ِ ،‬‬
‫سيد ِ‬ ‫أفضل الرسل ِ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫شرح عن مسائل الشيخ اإلمام أيب الليث‬
‫فيقول مرتكب الذنوب "حممد نووي بن عمر بن عريب" الشافعي‪ :‬هذا ٌ‬
‫احملدث املفسر املعروف بإمام اهلدى نصر بن حممد بن أمحد بن إبراهيم احلنفي السمرقندي‪ ،‬يوضح معانيَها ويُشيد‬
‫مبانيَها‪ .‬ومسيته‪:‬‬
‫مسائل أبي ِ‬
‫الليث‬ ‫ِ‪2‬‬ ‫شرح‬ ‫قطر ِ‬
‫الغيث في ِ‬ ‫ُ‬
‫كل من تلقاه ٍ‬
‫بقلب سلي ٍم‪ ،‬وأ ْن جيعلَه خالصاً لوجهه الكرمي‪ ،‬إنه الرؤوف الرحيم‪.‬‬ ‫ينفع به َّ‬
‫أسأل أ ْن َ‬
‫واهللَ ُ‬

‫‪7‬‬
‫(بسم اهلل الرمحن الرحيم)‬
‫شرح ألفاظ البسملة‪:‬‬
‫ٍ‪1‬‬ ‫فاسم "الجاللة" ليس ٍ‬
‫جامع‬
‫اسم ٌ‬‫مبشتق وال منقول ‪ ،‬و" ال " فيه زائدة الزمة للتعريف‪ ،‬بل ُوضع كذلك‪ ،‬وهو ٌ‬
‫ِ‬
‫وصفاته العُْليَا‪.‬‬ ‫جلمي ِع ِ‬
‫أمساء ِ‬
‫اهلل احلسىن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحة بالنع ِم‬
‫العظيمة‪.‬‬ ‫و"الرحمن"‪ :‬كثريُ‬
‫و"الرحيم"‪ :‬كثري الرمحة بالنعم الصغرية‪.‬‬
‫سبب ذكر هذه األسماء الحسنى في البسملة‪:‬‬
‫احلقيقي معطي‬
‫ُّ‬ ‫املعبود‬
‫ُ‬ ‫املستحق بأن يُستعان به يف مجيع األمور هو‬
‫َ‬ ‫العارف َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫وختصيص التسمية هبذه األمساء‪ ،‬ليعل َم‬
‫النع ِم كلِّها جليلِها وحق ِريها‪.‬‬

‫سبب ابتداء المؤلف كتابه هذا بالبسملة‪:‬‬


‫املصنف كتابَه هذا بالبسملة اقتداءً بالكتب السماوية‪ ،‬وعمالً باألحاديث املروية‪ ،‬كما روي عن رسول‬
‫ُ‬ ‫وإمنا افتتح‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪" :‬إذا كتب العبد بسم اهلل الرمحن الرحيم يف لوح أو يف كتاب فإنه تكتب له‬
‫املالئكة األجر‪ ،‬وتستغفر له ما دام ذلك االسم يف اللوح أو الكتاب‪."2‬‬

‫خطبة ومقدمة المتن مع شرحها‪:‬‬


‫(الحمد هلل رب العالمين) أي‪ :‬مالك مجيع املخلوقات‪( ,‬والعاقبة) أي‪ :‬األجر احملمود‪( ،‬للمتقين) أي‪ :‬عقاب اهلل‬
‫تعاىل برتك املعاصي‪( ،‬والصالة) أي‪ :‬زيادة الرمحة من اهلل تعاىل املقرونة بالتعظيم‪( ،‬والسالم) أي‪ :‬التحية من اهلل‬
‫مذهب من مذاهب العلماء‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ 1‬حصل خالف بني العلماء يف لفظ اجلاللة‪ :‬أمنقول هو أو مشتق أو موضوع أصال هكذا؟ وقد قال ٍ‬
‫بكل‬
‫وال راجح هو ما رجحه الش ارح‪ ،‬رمحه اهلل تع اىل‪ .‬واعلم أن اللفظ من حيث حقيقته ينقسم إىل املرجتل‪ ،‬واملنق ول‪ ،‬واملش تق‪ .‬أما املرجتل‬
‫فهو اللفظ املس تعمل يف غري املعىن املوض وع له ب دون وج ود عالقة أو مناس بة كـ (أمساء األعالم) حنو‪ :‬ص احل ورش يد‪ .‬وأما املنق ول فهو‬
‫اللفظ ال ذي نقل من اس تعماله يف معن اه اللغ وي ليس تعمل يف معىن آخر لوج ود مناس بة أو عالقة بينهم ا‪ ،‬إما ش رعي حنو لفظة الص الة‬
‫نقلت من الدعاء إىل األقوال واألفعال املخصوصة‪ ،‬وإما عريف‪ .‬وأما املشتق فكاشتقاق اسم الفاعل أو اسم املفعول‪.‬‬

‫ق ال اإلم ام السنوسي يف عقيدته "ش رح الوس طى" ص‪ : 27‬اعلم أنه كما حتريت األوه ام يف ذاته وص فاته ك ذلك حتريت يف‬
‫علم أو غريُ ٍ‬
‫علم إىل غري ذلك‪ .‬والحق‪ 2‬أن هذا االسم‬ ‫غير ٍ‬
‫مشتق‪ٌ ،‬‬ ‫صفة مشت ٌق أو ُ‬
‫اسم أو ٌ‬
‫"لفظ" اجلاللة‪ ،‬الداللة عليه جل وعال يف أنه ٌ‬
‫الكرمي علمٌ عليه جل وعال وال اشتقاق له‪....‬اخل‪.‬‬

‫وقال يف "شرح املواقف"‪( :‬اهلل)‪ :‬هو اسم خاص بذاته تعاىل‪ ,‬ال يطلق على غريه أصالً‪.‬‬

‫فقيل‪ :‬هو علم جامد ال اشتقاق له‪ ,‬وهو أحد قويل اخلليل وسببويه‪ ,‬واملروي عن أيب حنيفة والشافعي والغزايل‪.‬‬

‫وقيل مشتق‪ ,‬أصله‪ :‬اإلله‪ ,‬حذفت اهلمزة الثانية لثقلها وأدغم الالم‪ ,‬وهو من "ألَه" ـ بفتح الالم ـ أي‪ :‬عبد إذا تعبد‪.‬‬
‫أقول‪ :‬معىن "تعبد"‪ :‬اختذ غريه عبدا‪ ,,‬فمعىن "أله" حينئذ‪ :‬تأله‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬من "الوله"‪ ,‬وهو احلرية‪ ,‬ومرجعهما "صفة إضافية" هي‪ :‬كونه معبوداً للخالئق وحماراً للعقول‪ ,‬أي‪ :‬حمل حرية‪.‬‬

‫‪ 2‬مل أجده يف التسعة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫تعاىل‪( ،‬على سيدنا محمد)‪ ,‬هو ابن عبد اهلل‪ ,‬أكمل اخللق َخلقاً ُ‬
‫وخلقاً‪ ،‬مبعوث يف مكة ومدفون يف املدينة‬
‫املشرفة‪( ,‬وآله) أي‪ :‬أعوانه من أهل اإلميان‪( ,‬وأصحابه)‪ ،‬وهم الذين اجتمعوا به صلى اهلل عليه وسلم يف حياته بعد‬
‫نبوته مؤمنني به‪.‬‬

‫بيان عدد الصحابة الذين توفي الرسول عنهم‪:‬‬


‫والصحابة الذين توىف رسول صلى اهلل عليه وسلم وهم أحياء مائة ألف صحايب وأربعة وعشرون ألفاً‪ ،‬رضي اهلل‬
‫عنهم أمجعني‪ ،‬كعدد األنبياء وعدد أولياء كل عصر‪.‬‬

‫شرح ما يتعلق باإليمان‬


‫‪1‬‬
‫ِ‪2‬‬
‫ومتعلقاته‬ ‫ِ‬
‫اإليمان‬ ‫ِ‬
‫حقيقة‬ ‫بيا ُن‬
‫مسألة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التصديق؟‬
‫ُ‬ ‫اإلميان الذي هو‬ ‫"حقيقة"‬ ‫(إذا قيل لك)‪ :‬يا مؤمن‪( :‬ما اإليما ُن؟)‪ ،‬أي‪ :‬ما "متعلَّ ُ‬
‫قات"‬
‫(فالجواب) أن تقول‪( :‬آمنت)‪ ،‬أي‪ :‬صدقت وأقررت (باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والق َدر) –‬
‫بفتح الدال – (خيره وشره من اهلل تعالى)‪ ،‬وهذا كما رواه مسلم عن سيدنا عمر من حديث جربيل‪ ،‬وإ ْن أُخذت‬
‫من رواية البخاري عن أيب هريرة من حديث جربيل أيضاً‪ ،‬فتقول‪ :‬آمنت باهلل ومالئكته وبلقائه ورسله وبالبعث‪.2‬‬

‫‪ 1‬ههنا أربع مسائل‪ :‬بيان "حقيقة" اإلميان‪ ،‬وبيان "متعلقات" اإلميان‪ ،‬وبيان "أحوال" اإلميان‪ ،‬وبيان مراتب اإلميان‪:‬‬
‫أما حقيقته‪ :‬فالتصديق واجلزم القليب بكل أمر من األمور اليت أخرب عنها الدين‪.‬‬
‫وأما متعلقاته‪ :‬فاألمور واملسائل‪ ،‬كعذاب القرب‪ ،‬والصراط‪ ،‬وامليزان‪ ،‬واإلميان باهلل تعاىل والرسل‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫وأما أحوال اإلميان فحالتان‪ :‬حالة اليأس‪ ،‬وحالة غري اليأس‪ ،‬وسيتكلم عليهما املؤلف‪ ،‬و على التفريق بني ذلك وبني توبة اليائس‪.‬‬
‫وأما مراتب اإلميان فثالثة‪ :‬إميان تقليد‪ ،‬وإميان حتقيق‪ ،‬وإميان استدالل‪.‬‬
‫وبقي عليك أن تعرف "أركان" اإلميان‪ ،‬و"شروطه"‪ ،‬و"عالماته"‪.‬‬
‫‪ 2‬رواه البخاري يف كتاب اإلميان‪ .‬ومسلم يف كتاب اإلميان‪ .‬والنسائي يف كتاب اإلميان وشرائعه‪ .‬وأبو داود يف كتاب السنة‪ .‬والرتمذي‬
‫يف كتاب اإلميان عن رسول اهلل‪ .‬وابن ماجة يف املقدمة وكتايب اإلميان والفنت‪ .‬وأمحد يف املسند يف مسند العشرة املبشرين وباقي مسند‬
‫املكثرين‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫والمعنى‪ :‬صدقت بوجود اهلل وبصفاته الواجبة له‪ ،‬وبوجود املالئكة‪ ,‬وأهنم عباد مكرمون‪ ,‬وبرؤيته تعاىل يف اآلخرة‬
‫للمؤمن‪َّ ،‬‬
‫وبأن رسلَه صادقون فيما أخربوا به عن اهلل تعاىل‪ ,‬وبالبعث من القبور‪.‬‬
‫بعض األحكام الشرعية المتعلقة باإليمان‪:‬‬
‫ضهم‪ :‬من تعلَّم يف ِ‬
‫الصغر‪ :‬آمنت باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وقدره خريه وشره من اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫قال بع ُ َ ْ‬
‫تفسريه‪ ،‬فال حُي كم بإميانه‪.‬‬
‫َ‬ ‫وعلِ َم َّ‬
‫أن ذلك إميا ٌن إال أنه ال حُي سن‬ ‫َ‬
‫يأس‪ ،‬أي‪ :‬وقت سكرات املوت عند رؤية مكانه يف اجلنة أو يف النار غير ٍ‬
‫مقبول‬ ‫حال ٍ‬‫شخص َ‬ ‫ٍِ‬ ‫ضهم‪ :‬إيما ُن‬‫وقال بع ُ‬
‫ُ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫العبد يرى مكانه يف ذلك الوقت كما ُروي عن ِّ‬ ‫فإن َ‬‫لعدم اإلتيان باملأمور به عن اختيار‪َّ ،‬‬
‫أنه قال‪" :‬إن العبد لن ميوت حىت يرى موضعه في الجنة أو في النار" بخالف توبة اليائس‪ ،1‬فإنها مقبولة‪ 2‬بعد‬
‫صحة‬
‫إيمانه لما روي عن ابن عمر أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬تقبل توبة العبد املؤمن ما مل يغرغر‪،"2‬‬
‫احللقوم‪.‬‬
‫َ‬ ‫روحه‬
‫أي‪ :‬ما مل تبلغ ُ‬
‫بيان مراتب اإليمان‪:‬‬
‫واعلم أن اإلميان باهلل على ثالثة أقسام‪ :‬إميان تقليدي‪ ،‬وإميان حتقيقي‪ ،‬وإميان استداليل‪:‬‬
‫يعتقد بوحدانية اهلل تعاىل تقليداً بقول العلماء من غري برهان‪ ،‬وهذا ال يأمن من التزلزل بتشكيك‬ ‫فالتقليدي‪ :‬هو أ ْن َ‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫مشكك‪.‬‬
‫يطوي قلبَه على وحدانية اهلل تعاىل‪ ،‬حبيث لو خالفه أهل العلم فيما طوى عليه قلبَه ملا ُو ِج َد يف‬
‫َ‬ ‫والحقيقي‪ :‬هو أ ْن‬
‫ُّ‬
‫قلبه زلةٌ‪.‬‬
‫يستدل من املصنوع على الصانع‪ ،‬ومن األثر على املؤثر‪ ،‬فاألثر يدل على املؤثر‪ ،‬والبناء يدل‬ ‫َ‬ ‫واالستداللي‪ :‬هو أ ْن‬
‫ُّ‬
‫على الباين‪ ،‬واملصنوع يدل على الصانع‪ ،‬والبعرة تدل على البعري مثالً‪ ،‬إذ األثر بال مؤثر حمال‪.‬‬

‫‪ 1‬ففرق بني إيمان اليائس‪ ،‬وبني توبة اليائس‪ ،‬فتنبه‪.‬‬


‫‪ 2‬رواه الرتمذي يف كتاب الدعوات عن رسول اهلل‪ .‬وأمحد يف املسند‪ ،‬مسند املكثرين من الصحابة‪ ،‬ومسند املكيني‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫يؤمن اإلنسا ُن باهلل تعالى‬
‫شرح وبيان كيف ُ‬
‫ِ‬
‫وأفعاله‬ ‫ِ‬
‫وأسمائه‬ ‫ِ‪2‬‬
‫وصفاته‬ ‫ِ‬
‫بذاته تعالى‬
‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل لك وكيف تؤمن باهلل؟)‬
‫(فاجلواب) أن تقول‪( :‬إن اهلل تعالى) أحد‪ ،‬أي‪ :‬منفرد بالصفات ال مشارك له‪( ,‬واحد)‪ ،‬أي‪ :‬منفرد بالذات ال‬
‫قدمي قائ ٍم بالذات ٍ‬
‫حميط بالواجب واجلائز‬ ‫شريك له‪( ،‬حي) حبياة قدمية قائمة بالذات‪ ،‬ال بروح‪( ,‬عالم) بعل ٍم ٍ‬
‫واملستحيل‪( ،‬قادر) بقدرة قدمية قائمة بالذات‪ ،‬ال مبعاجلة وال واسطة‪ ,‬ال يلحقها عجز‪ ,‬عامة التعلق للمكنات‪,‬‬
‫(مريد) بإرادة قدمية قائمة بالذات‪ ,‬عامة التعلق للمكنات‪( ,‬سميع) أي‪ :‬مدرك املسموعات بسمع قدمي بالذات‪,‬‬
‫(بصير) أي‪ :‬مدرك املبصرات حال وجودها ببصر قدمي قائم بالذات‪( ,‬متكلم) بكالم قدمي باق قائم بالذات‪ ،‬ليس‬
‫عدم‪ ,‬متعلِّ ٌق‪:1‬‬
‫عدم وال يلح َقه ٌ‬
‫حبرف وال صوت‪ ،‬فال يسبَقه ٌ‬
‫ﭼ [طه] ‪.‬‬ ‫ﭝ‬ ‫بالواجب‪ :‬كقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫[املائدة]‪.‬‬ ‫و بالمستحيل‪ :‬كقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ‬
‫ﭼ [الصافات]‪.‬‬ ‫و بالجائز‪ :‬كقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫بيان مدلول الكالم المنزل والكالم النفسي األزلي‪:‬‬

‫‪ 1‬كالم اهلل تعاىل يدل ويتعلق بثالثة أقسام من األمور‪ ،‬األمور الواجبة‪ ،‬كذاته تعاىل وصفاته وأمسائه‪ ،‬واألمور المستحيلة‪ ،‬كشريك‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬واألمور الجائزة‪ ،2‬أي‪ :‬اليت يصح خلقها وإجيادها ويصح إعدامها وإفناؤها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫النفسي ال َق ِديم‪ ،‬كما قاله ابن قاسم‪ ،2‬واتفق على‬ ‫ِ‬
‫الكالم‬ ‫قات‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ التي نقرؤها متعلَّ ُ‬
‫‪1‬‬
‫مدلول‬
‫َ‬ ‫والصحيح َّ‬
‫أن‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫جميع المتأخرين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ذلك‬
‫بيان مسألة خلق القرآن‪:‬‬
‫وإن ُسئلت عن القرآن‪ :‬هل هو قدمي أو حادث؟‬
‫السائل‪:‬‬
‫َ‬ ‫تستفسر‬
‫َ‬ ‫فينبغي لك أ ْن‬
‫بيننَا‪ ،3‬فقل‪ :‬هو قدمي بقدم الذات‪ ،‬ألنه من مجلة صفاهتا‬ ‫فإن قال لك ُمرادي‪[ :‬القائم بذاته تعاىل] ُّ‬
‫الدال عليه ما َ‬
‫الواجبة هلا‪.‬‬
‫وإ ْن قال لك مرادي‪[ :‬ما بني الدفتني من النقوش]‪ ,‬فقل له‪ :‬ذلك حادث حبدوث النقوش وكذلك األلفاظ‪.‬‬

‫الكالم نوعان‪ ،‬الكالم المنزل‪ ،‬وهو القرآن الذي نزل على سيدنا حممد‪ ،‬وهو امللفوظ املركب من األصوات واحلروف العربية‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫والنوع الثاني‪ ،‬الكالم األزلي‪ ،‬القائم بذات اهلل تعاىل‪ ،‬ويسمى يف اصطالح العلماء بالكالم النفسي‪ ،‬وهو عبارة عن معىن أزيل وليس‬
‫ومتعلق بكل أمر علمه تعاىل بعلمه‪ ،‬ومعلومات اهلل ال هناية هلا‪ ،‬فكذا متعلقات كالمه ال‬ ‫ٌ‬ ‫دال‬
‫حبروف وال أصوات‪ ،‬وكالم اهلل النفسي ٌ‬
‫هناية له‪ ،‬وأما القرآن املنزل واملوجود بني دفيت املصحف فيدل على بعض ما يدل عليه الكالم األزيل‪.‬‬
‫‪ 2‬أمحد بن قاسم الصبَّاغ العبادي القاهري الشافعي األزهري‪ ،‬لقبه شهاب الدين‪ ،‬وكنيته أبو العباس‪.‬‬
‫من ش يوخه‪ :‬قطب ال دين الص فوي‪957( :‬هـ)‪ ،‬والش يخ ش هاب ال دين أمحد الربلس ي‪953(:‬هـ)‪ ،‬والش هاب أمحد ال رملي‪957(:‬هـ)‪،‬‬
‫والشيخ حممد ناصر الدين اللقاين‪985(:‬هـ)‪.‬‬
‫وأك ثر املؤرخني على أن وفاته ك انت س نة‪994(:‬هـ)‪،‬وقيل غري ذل ك‪ .‬ق ال جنم ال دين الغ زي يف الك واكب الس ائرة‪ :‬ت ويف الش هاب‬
‫القامسي سنة (‪994‬هـ) عائدا من احلج‪ ،‬ودفن باملدينة املنورة‪ ،‬كما قرأته خبط تلميذه ابن داود املقدسي رمحه اهلل‪.‬‬
‫وله من املؤلفات‪:‬‬
‫شرح منت الغاية والتقريب يف الفقه الشافعي‪ ،‬وهو الذي عليه حاشية البيجوري‪.‬‬
‫وحاشية جليلة جدا على شرح ابن حجر اهليتمي على منت منهاج الطالبني لإلمام النووي رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وشرحان على منت الورقات يف أصول الفقه‪ ،‬مطول‪ ،‬وهو على نفس منت الورقات‪ ،‬وهو مطبوع‪ ،‬وهو نفيس جدا‪ ،‬وخمتصر شرح فيه‬
‫شرح اإلمام جالل الدين احمللي على الورقات‪ ،‬وهو مطبوع‪ .‬انظر ترمجة ابن قاسم يف‪ :‬شذرات الذهب(‪ ،)8/433‬هدية العارفني‪( :‬‬
‫‪ ،)1/149‬الكواكب السائرة‪ ،)3/124( :‬إيضاح املكنون‪ ،)1/423( :‬األعالم‪.)1/19( :‬‬
‫دال على كالم اهلل األزيل القدمي القائم بذاته تعاىل والذي ال ينفك عن ذات اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ 3‬يعين‪ :‬أن القرآن الذي بني أيدينا ٌ‬

‫‪12‬‬
‫وإن قال لك مرادي‪[ :‬من حيث املدلول‪ ، ]1‬فقل له‪ :‬إن ما دل على ذاته أو صفة من صفاته أو حكاية له تعاىل هو‬
‫قدمي‪ ,‬وما دل على احلوادث أو صفاهتا‪ ،‬مثل ذوات املخلوقات أو صفاهتا‪ ،‬كجهلنا وعلمنا هو حادث‪ ,‬وكذلك‬
‫حكايات احلوادث‪.‬‬
‫العبارات بكالم اهلل‪ ،‬فإهنا دالةٌ على كالم اهلل تعاىل‪ ،‬فإن معناه إمنا ينفهم هبا‪ ،‬فإ ْن عرب عنه بالعربية فهو‬
‫ُ‬ ‫ومُس يت تلك‬
‫قرآن‪ ،‬وإن عرب عنه بالعربية – وهو لغة اليهود – فهو توراة‪ ،‬وإن عرب عنه بالسريانية فهو إجنيل وزبور‪.‬‬
‫خمتلفة َم َع أن ذاتَه تعاىل واحدةٌ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بعبارات ٍ‬ ‫سمى‬ ‫واختالف العبارات ال تستلزم اختالف الكالم‪ ،‬كما َّ‬
‫أن اهلل يُ َّ‬
‫(باق) بذاته العليا‪ ،‬أي‪ :‬دائم الوجود ال يقبل الفناء‪( ,‬خالَّق)‪ ،‬أي‪ :‬كثري إظهار املوجودات بقدرته‪ ,‬وكثري تقدير‬
‫كل واحد مبقدار معني بإرادته‪( ،‬رزَّاق)‪ ،‬أي‪ :‬خالق األرزاق أو املرتزقة وموصلها إليهم‪.‬‬
‫بيان مسألة الرزق‪:‬‬
‫وملبوس وغ ِريها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومشروب‬ ‫ٍ‬
‫مأكول‬ ‫واسم "الرزق" ال خيتص باملأكول واملشروب‪ ،‬بل كل ما انتفع به احليوا ُن من‬
‫ومن أعظم الرزق التوفيق للطاعات‪.‬‬

‫والرزق قسمان‪:‬‬
‫ظاهر‪ :‬وهو األقوات واألطعمة وذلك لألبدان‪.‬‬
‫وباطن‪ :‬وهي املعارف واملكاشفات‪ ،‬وذلك للقلوب واألسرار‪.‬‬
‫وأن من أسباب سعة الرزق كثرة الصالة‪ ،‬لقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮰ ﮱ‬ ‫الرزق إىل مجيع خملوقاته‪َّ ،‬‬
‫واعلم أنه تعاىل يوصل َ‬
‫ﯠ ﭼ [طه]‪ ,‬والصالة والسالم على النيب صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ‬
‫معبود‪ ،‬ومنه قولك‪ :‬ربنا اهلل‪( ,‬ومالك)‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪( :‬هلل ملك السموات‬
‫واالستغفار‪( ,‬رب)‪ ،‬ومعناه‪ٌ :‬‬
‫واألرض)‪( ،‬بال شريك) أي‪ :‬شبيه له ‪ ،‬أي‪ :‬يف الربوبية‪ ،‬وال ضد أي‪ :‬ال نظري (وال ند) أي‪ :‬مماثل‪.‬‬
‫بيان معاني بعض المصطلحات المفيدة في دراسة العقيدة اإلسالمية‪:‬‬
‫‪ 1‬املدلول هو األمور اليت تفهم وتستفاد من ألفاظ القرآن املنزل‪ ،‬أو اليت تعلق هبا كالم اهلل األزيل‪ ،‬وعليه نقول‪ :‬إذا كانت ألفاظ القرأن‬
‫تتحدث عن اهلل تعاىل وصفاته‪ ،‬فال شك أن مدلول تلك األلفاظ يكون قدميا أزليا‪ ،‬وكذا احلال يف كالم اهلل األزيل املتعلق باهلل وصفاته‪،‬‬
‫وإذا ك انت ألف اظ الق رأن تتح دث عن أفع ال اهلل وخملوقاته فال شك أن املدلول يك ون خملوقا حادث ا‪ ،‬وك ذا احلال يف كالم اهلل األزيل‬
‫املتعلق بأفعاله تعاىل وخملوقاته‪ ،‬ويبقى فيما إذا تعلق الكالمان‪" :‬األزيل" و"املنزل" باألمور املستحيلة ‪ ،‬فاملدلوالت املستحيلة ال تتصف ال‬
‫بالقدم وال األزلية‪ ،‬وهبذا تفرق بني الدال‪ ،‬وهو إما كالم اهلل املنزل وإما كالم اهلل األزيل‪ ،‬وبني مدلوليهما‪ ،‬وأن مدلوالت الكالم املنزل‬
‫أقل من مدلوالت الكالم األزيل‪.‬‬
‫واعلم أن املعتزلة والش يعة وابن تيمية ومن تبعه من الس لفية والوهابية اليفرق ون بني الكالم اإلهلي الق دمي األزيل وبني كالم اهلل تع اىل‬
‫املنزل‪ ،‬فه ؤالء ذهب وا مجيعا إىل أن هلل كالما مبعىن واحد وهو احلروف واألص وات العربي ة‪ ،‬إالَّ أن الف ارق الوحيد بني ه ؤالء ليس يف‬
‫حقيقة ص فة الكالم اإلهلي‪ ،‬فهم متفقون على أهنا األص وات واحلروف العربية‪ ،‬ولكنهم خمتلف ون يف احملل الذي خيلق اهلل كالمه الصويت‬
‫أو احلريف فيه‪:‬‬
‫فمذهب املعتزلة والشيعة أن اهلل خيلق حروفه وأصواته خارج ذاته كأن خيلقها يف اللوح احملفوظ مثالً أو يف غريه‪.‬‬
‫ومذهب ابن تيمية أنه تعاىل خيلق حروفه وأصواته يف داخل ذاته مث يلفظها خارجها‪ ،‬وهذا يف احلقيقة الغاية يف التشبيه والتجسيم‪.‬‬
‫ونس تخلص من ذلك أن املعتزلة والش يعة وابن تيمية وأتباعه من الس لفية والوهابية ق ائلون ببدعة خلق الق رآن وذلك لق وهلم بص وتية‬
‫وحرفية الكالم اإلهلي‪ ،‬مث إن ابن تيمية وأتباعه زادوا على البدعة األوىل بدعة أخ رى وهي ك ون ذات اهلل حمال ومكانا خيلق اهلل فيها‬
‫أصواته وحروفه‪ ،.‬وهذا جتسيم‪ ،‬فاجتمع يف مذهبه بدعتا التجسيم والقول خبلق القرآن‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫والفرق بني‪" :‬الشبيه" و"النظير" و"المماثل"‪:‬‬
‫أن "النظير"‪ :‬ما يساوي ولو يف وجه‪.‬‬
‫و"الشبيه"‪ :‬ما يساوي أكثر الوجوه‪.‬‬
‫و"المماثل"‪ :‬ما يساوي يف مجيع الوجوه‪.‬‬
‫قال الرباوي‪ :1‬وال جيوز البحث عن ذات اهلل تعاىل وال عن صفاته‪ ،‬ألن ترك اإلدراك إدراك والبحث يف ذات اهلل‬
‫تعاىل إشراك‪ ،‬وكل ما خطر ببالك من صفات احلوادث فاهلل خبالف ذلك‪.‬‬

‫بيان قواعد هامة في تنزيه اهلل عن النقص عند أهل السنة‪:‬‬


‫فائدة‪:‬‬
‫كم َل إميانُه‪ :‬أين‪ ,‬وكيف‪ ,‬ومتى‪ ,‬وكم‪:‬‬
‫من ترك أربع كلمات ُ‬
‫فإ ْن قال لك قائل‪ :‬أين اهلل؟‪ ,‬فجوابه‪ :‬ليس يف مكان وال مير عليه زمان‪.‬‬
‫وإ ْن قال لك‪ :‬كيف‪ 2‬اهلل؟‪ ,‬فقل له‪ :‬ليس كمثله شيء‪.‬‬
‫وإ ْن قال لك‪ :‬متى اهلل؟‪ ,‬فقل‪ :‬له أول بال ابتداء وآخر بال انتهاء‪.‬‬
‫وإ ْن قال لك‪ :‬كم اهلل؟‪ ,‬فقل له‪ :‬واحد ال من قلة‪ ,‬قل‪ :‬اهلل أحد‪.‬‬

‫‪ 1‬عيسى الرباوي‪1182( :‬هـ ‪1768 /‬م)‪:‬‬


‫عيسى بن أمحد بن عيسى بن حممد الزبريي الرباوي األزهري‪ ،‬فاضل مصري‪ ،‬من فقهاء الشافعية‪ ،‬تعلم باألزهر‪ ،‬وتويف بالقاهرة‪.‬‬
‫له مؤلفات منها‪:‬‬
‫التيسري حلل ألفاظ اجلامع الصغري‪ ،‬خمطوط‪.‬‬
‫حاشية على شرح جوهرة التوحيد البراهيم القاين‪.‬‬
‫قال املؤرخ اجلربيت يف تارخيه‪( :‬ا‪ ......... :)366 /‬العالمة واحلرب الفهامة الفقيه الدراكه األصويل شيخ اإلسالم وعمدة ذوي األفهام‬
‫عيسى بن أمحد بن عيسى بن حممد الزبريي الرباوي األزهري‪ ،‬ورد اجلامع األزهر وهو صغري‪ ،‬فقرأ العلم على مشايخ وقته‪ ،‬وتفقه على‬
‫الشيخ مصطفى العزيزي‪ ،‬وابن الفقيه‪ ،‬وحضر دروس امللوي‪ ،‬واجلوهري‪ ،‬والشرباي‪.‬‬
‫وأجنب‪ ،‬وشهد له بالفضل أهل عصره‪ ،‬وقرأ الدروس يف الفقه‪ ،‬وأحدقت به الطلبة‪ ،‬واتسعت حلقته‪ ،‬واشتهر حبفظ الفروع الفقهية‪،‬‬
‫حىت لقب بالشافعي الصغري لكثرة استحضاره يف الفقه وجودة تقريره‪ .‬وانتفع به طلبة عصره طبقة بعد طبقة‪ ،‬وصاروا مدرسني‪.‬‬
‫وروى احلديث عن الشيخ حممد الدفري‪ ،‬وكان حسن االعتقاد يف الشيخ عبد الوهاب العفيفي ويف سائر الصلحاء‪.‬‬
‫وله مؤلفات منها‪:‬‬
‫حاشية على شرح جوهرة التوحيد‪.‬‬
‫شرح على اجلامع الصغري للسيوطي‪ ،‬يف جملد‪ ،‬يذكر يف كل حديث ما يتعلق بالفقه خاصة‪.‬‬
‫وبقي ال ي زال ميلي ويفيد وي درس ويعيد حىت ت ويف ليلة س حر ليلة اإلث نني‪،‬رابع رجب‪ ،‬وجهز يف ص باحه‪ ،‬وص لي عليه ب األزهر مبش هد‬
‫حافل‪ ،‬ودفن باجملاورين‪ ،‬وبين على قربه مزار ومقام‪.‬‬
‫واستقر مكانه يف التصدير والتدريس ابنه العالمة الشيخ أمحد‪ ،‬والزم حضوره تالمذة أبيه رمحه اهلل‪.‬‬
‫‪ 2‬الحظ أن مذهب أهل السنة نفي "الكيف" عن اهلل‪ ،‬يف حني أن مذهب أهل البدعة من السلفية املعاصرة والوهابية تبعا لشيخهم ابن‬
‫تيمية إثبات "الكيفية" هلل ـ تعاىل عن قوهلم ـ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫شرح وبيان كيف يؤمن اإلنسان بالمالئكة‬
‫بيان حقيقتهم وأصنافهم ووظائفهم‬
‫بيان أصناف المالئكة ووظائفهم‪:‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬وكيف تؤمن بالمالئكة؟)‪.‬‬
‫(فالجواب) أن تقول‪( :‬إن المالئكة أصناف) أي‪ :‬أنواع كثرية يف أحواهلم وأفعاهلم وأشكاهلم‪:‬‬
‫(فمنهم حملة العرش)‪ :‬وهم أعلى طبقات املالئكة‪ ،‬وأوهلم وجوداً‪ ،‬وهم يف الدنيا أربعة‪ ،‬ويف يوم القيامة مثانية على‬
‫صورة األوعال‪ ,‬ما بني أظالفها إىل ركبها مسرية سبعني عاماً للطائر املسرع‪.‬‬
‫بيان معنى العرش‪:‬‬
‫وأما صفة العرش‪ :‬فقيل‪ :‬إنه جوهرة خضراء‪ ،‬وهو من أعظم املخلوقات خلقاً‪ ،‬ويُكسى َّ‬
‫كل يوم ألف لون من‬
‫النور‪ ،‬ال يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق اهلل تعاىل‪ ،‬واألشياء كلها يف العرش كحلقة يف فالة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن العرش قبلة أهل السماء‪ ،‬كما أن الكعبة قبلة أهل األرض‪.‬‬
‫(ومنهم حافون)‪ ,‬قال‪ :‬وهب بن ُمنَبِّه‪ :‬إن حول العرش سبعني ألف صف من املالئكة‪ ،‬صف خلف صف‪ ,‬يطوفون‬
‫بالعرش‪ ,‬يقبل هؤالء ويقبل هؤالء‪ ،‬فإذا استقبل بعضهم بعضاً هلل هؤالء وكرب هؤالء‪ ،‬ومن ورائهم سبعون ألف‬
‫صف قيام أيديهم إىل أعناقهم واضعني هلا على عواتقهم‪ ،‬فإذا مسعوا تكبري أولئك وهتليلهم رفعوا أصواهتم فقالوا‪:‬‬
‫سبحانك اللهم وحبمدك ما أعظمك وأحلمك‪ ،‬أنت اهلل ال إله غريك‪ ،‬أنت األكرب واخللق كلهم لك راجعون‪ ،‬ومن‬

‫‪15‬‬
‫وراء هؤالء مائة ألف صف من املالئكة قد وضعوا اليمىن على اليسرى‪ ،‬ليس منهم أحد إال يسبح بتسبيح ال يسبحه‬
‫اآلخر‪ ,‬ما بني جناحي أحدهم مسرية مثامنائة عام‪ ،‬وما بني شحميت أذن أحدهم إىل عاتقه أربعمائة عام‪ ،‬واحتجب‬
‫اهلل عن املالئكة الذين حول العرش بسبعني حجاباً من نور‪ ،‬وسبعني حجاباً من ظلمة‪ ،‬وسبعني حجاباً من در‬
‫أبيض‪ ،‬وسبعني حجاباً من ياقوت أمحر‪ ،‬وسبعني حجاباً من زبرجد أخضر‪ ،‬وسبعني حجاباً من ثلج‪ ،‬وسبعني‬
‫حجاباً من ماء و سبعني من برد‪ ،‬وما ال يعلمه إال اهلل‪.‬‬
‫(ومنهم روحانيون)‪ ,‬قيل‪ :‬هم يف أرض بيضاء كالرخام‪ ،‬عرضها مسرية الشمس أربعني يوماً‪ ،‬طوهلا ال يعلمه إال‬
‫أهل األرض من هول صوته‪ ،‬منتهاهم إىل‬ ‫اهلل‪ ،‬وهلم زجل بالتسبيح والتهليل‪ ،‬لو ُكشف عن صوت أحدهم هللك ُ‬
‫محلة العرش‪.‬‬
‫(ومنهم َكروبيون) بفتح الكاف وختفيف الراء‪ ،‬هم سادات املالئكة‪ ،‬وهم الذين حول العرش‪.‬‬
‫(ومنهم سفرة) أي‪ :‬وسائط بني اهلل وبني أنبيائه والصاحلني يبلغون إليهم رسالته بالوحي واإلهلام والرؤيا الصاحلة‪ ،‬أو‬
‫بينه وبني خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه‪.‬‬
‫و"السفرة" هنا مجع سفري مبعىن‪ :‬رسول‪ ،‬وليس مجع سافر مبعىن‪ :‬كاتب؛ ألن املصنف فسرها هبؤالء األربعة (أي‪:‬‬
‫نازل على مجيع األنبياء‪ ،‬وميكائيل وكيل األمطار‪،‬‬
‫وعزرائيل) بفتح العني‪ ،‬فجبريل ٌ‬
‫جبريل وميكائيل وإسرافيل َ‬
‫وإسرافيل وكيل نفخ الصور ينفخ فيموت اخللق‪ ،‬وينفخ إلحياء اخللق فرتجع األرواح ألجسادها‪ ،‬و َعزرائيل وكيل‬
‫روح ذلك العبد‪ ,‬ومللك املوت أعوان من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقبض َ‬
‫أجل العبد أمر اهللُ تعاىل ملَك املوت أ ْن َ‬
‫قبض األرواح‪ ،‬فإذا حضر ُ‬
‫املالئكة‪ ،‬يأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده‪ ،‬فإذا وصلت إىل احللقوم توىل قبضها ملك املوت بنفسه‪،‬‬
‫وخروج الروح يكون من "اليافوخ"‪ ،‬كما أن دخوهلا يف البدن منه‪ ،‬وأما فتح احملتضر فمه عند خروجها فقيل‪:‬‬
‫لشدة ما يراه من األهوال‪.‬‬
‫و"اليافوخ" هو املوضع الذي يتحرك يف رأس الطفل‪.‬‬
‫(ومنهم حفظة)‪ 2،‬قال حممد اخلليلي‪ :1‬روي أن عثمان بن عفان رضي اهلل عنه سأل النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬كم‬
‫من ملك على اإلنسان؟ فقال‪ :‬عشرون ملكاً‪ ،‬منهم ملك عن ميينك على حسناتك‪ ،‬وهو أمني على الذي عن‬
‫يسارك‪ ،‬فإذا عملت حسنة كتبت عشراً وإذا عملت سيئة‪ ،‬قال الذي على الشمال للذي على اليمني‪ :‬أأكتب؟‬
‫فيقول‪ :‬دعه سبع ساعات لعله يتوب‪ ،‬فإذا مل يتب قال‪ :‬نعم‪ ،‬اكتب أراحنا اهلل منه‪.‬‬
‫فاسم امللك الذي على اليمني "رقيب" وهو الذي يكتب احلسنات‪ ،‬واسم امللك الذي على الشمال "عتيد" وهو‬
‫الذي يكتب السيئات‪ ,‬وملكان بني يديك ومن خلفك‪ ،‬وملك قابض على ناصيتك إذا تواضعت هلل تعاىل رفعك‪،‬‬
‫وإذا جتربت على اهلل قصمك‪ ،‬وملكان على شفتيك ليس حيفظان عليك إال الصالة على النيب صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫وملك على فيك ال يدع احلية أو اهلوام تدخل يف فيك‪ ،‬وملكان على عينيك‪ ،‬ويقال‪ :‬إن امسهما "شوية"‪ ،‬فهؤالء‬
‫عشرة أمالك على كل آدمي‪ ،‬فتنزل مالئكة الليل على مالئكة النهار فهؤالء وهؤالء عشرون ملكاً على كل آدمي‪.‬‬

‫‪ 1‬ترمجة حممد اخلليلي‪ :‬مل أجد ترمجة باسم حممد ولكن باسم أمحد وهي هذه‪:‬‬
‫قال املؤرخ اجلربيت يف تارخيه‪ :)1/480(:‬ومات العالمة املعمر الصاحل الشيخ أمحد اخلليلي الشامي‪ ،‬أحد املدرسني يف األزهر‪ ،‬تلقى عن‬
‫أشيخ عصره‪ ،‬ودرس وأفاد‪ ،‬وكان به انتفاع للطلبة تام عام‪ ،‬وألف إعراب اآلجرومية‪،‬وغريه‪ ،‬تويف يف عاشر صفر من السنة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫(ومنهم َكتَبَةٌ)‪ ,‬وهم الذين ينسخون من اللوح احملفوظ‪ ,‬وهم املالئكة الكرام الكاتبون‪ ،‬ومنهم أصحاب أجنحة‪,‬‬
‫جناحني جناحني لكل واحد منهم‪ ,‬وثالثة ثالثة لصنف آخر منهم‪ ،‬وأربعة أربعة لصنف آخر منهم‪ ،‬ويزيد اهلل يف‬
‫خلق األجنحة يف غريه ما تقتضيه مشيئته وحكمته‪.‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وكاتب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وحافظ‬ ‫حامل وسف ٍري‬
‫مجع ٍ‬‫وح َفظَةٌ و َكتَبَةٌ" بفتح أحرفها الثالثة‪ ،‬وهي ُ‬
‫وس َفَرةٌ َ‬
‫قوله‪" :‬مَحَلَةٌ َ‬
‫مبحث في بيان أحكام شرعية متعلقة بالمالئكة‪:‬‬
‫(وكلهم مخلوقون)‪ 2‬أي‪ :‬موجودون بإجياد اهلل إياهم كغريهم‪( ,‬عبي ٌد ِ‬
‫هلل)‪ ،‬فال يقولون شيئاً حىت يقوله كما هو‬
‫شأن العبيد املؤدبني‪( ،‬ال يوصفون‪ 2‬بذكورة وال بأنوثة)‪ ,‬فمن اعتقد أنوثة املالئكة أو خنوثتهم فهو كافر باالتفاق‪،‬‬
‫نفس)‪.‬‬
‫ومن اعتقد ذكورهتم فهو فاسق‪( ،‬وليس لهم شهوةٌ) أي‪ :‬اشتياق النفس‪( ،‬وال ٌ‬
‫بيان مراتب النفوس وأنواعها‪:‬‬
‫فالنفس سبع مراتب‪:‬‬
‫أمارةٌ‪ :‬وحملها الصدر‪ ،‬وجنودها‪ :‬البخل‪ ,‬واحلرص‪ ,‬واحلسد‪ ,‬واجلهل‪ ,‬والكرب‪ ,‬والشهوة‪ ,‬والغضب‪.‬‬
‫َّ‬
‫مث لوامة‪ :‬وحملها القلب‪ ،‬وهو حتت الثدي األيسر بقدر أصبعني‪ ،‬وجنودها‪ :‬اللوم‪ ,‬واهلوى‪ ,‬واملكر‪ ,‬والعجب‪,‬‬
‫والغيبة‪ ,‬والرياء‪ ,‬والظلم‪ ,‬والكذب‪ ,‬والغفلة‪.‬‬
‫مث ملهمة‪ :‬وحملها الروح‪ ،‬وهو حتت الثدي األمين بقدر أصبعني‪ ،‬وجنودها‪ :‬السخاوة‪ ,‬والقناعة‪ ,‬واحللم‪ ,‬والتواضع‪,‬‬
‫والتوبة‪ ,‬والصرب‪ ,‬والتحمل‪.‬‬
‫مث مطمئنة‪ :‬وحملها‪ :‬السر‪ ,‬وهو يف جانب الثدي األيسر بقدر أصبعني إىل جهة الصدر‪ ،‬وجنودها‪ :‬اجلود‪ ,‬والتوكل‪,‬‬
‫والعبادة‪ ,‬والشكر‪ ,‬والرضا‪ ,‬واخلشية‪.‬‬
‫مث راضية‪ :‬وحملها‪ :‬سر السر‪ ,‬ولعل املراد هبا القالَب _ باأللف بعد القاف وبفتح الالم‪ ،‬وهو مجيع اجلسد‪،‬‬
‫وجنودها‪ :‬الكرم‪ ,‬والزهد‪ ,‬واإلخالص‪ ,‬والورع‪ ,‬والرياضة‪ ,‬والوفاء‪.‬‬
‫مث مرضية‪ :‬وحملها اخلفي‪ :‬وهو يف جانب الثدي األمين بقدر أصبعني إىل أوسط الصدر‪ ,‬وجنودها‪ :‬حسن اخللق‪,‬‬
‫وترك ما سوى اهلل‪ ,‬واللطف باخللق‪ ,‬ومحلهم على الصالح والصفح عن ذنوهبم وحبهم‪ ،‬وامليل إليهم إلخراجهم من‬
‫ظلمات طبائعهم وأنفسهم إىل أنوار أرواحهم‪.‬‬
‫مث كاملة‪ :‬وحملها األخفى‪ :‬وهو وسط الصدر‪ ،‬وجنودها‪ :‬علم اليقني‪ ,‬وعني اليقني‪ ,‬وحق اليقني‪.‬‬
‫(وال أب وال أم)‪ ,‬فإهنم أجسام نورانية‪ ،‬أي‪ :‬خملوقة من نور غالباً‪ ،‬وقد يكون بعضهم خملوقاً من القطرات اليت‬
‫تقطر من جربيل بعد اغتساله من هنر حتت العرش‪ ،‬وهم قادرون على التشكل بأشكال خمتلفة‪.‬‬
‫(وال يشربون وال يأكلون) وال ينامون‪ ،‬ودليل كوهنم ال ينامون قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ‬
‫[األنبياء]‪ ,‬فالنوم فتور يعرتي اإلنسان وال يفقد معه عقله‪( ،‬و ﭽ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭼ [التحرمي])‪,‬‬
‫قال تعاىل‪( :‬ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ [النحل])‪ ,‬أي‪ :‬من الطاعة والتدبري‪ ,‬وقال تعاىل‪( :‬ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ [األنبياء])‪ ,‬أي‪ :‬بل املالئكة عباد من عباده تعاىل مكرمون بالعصمة من الزلل ال‬

‫‪17‬‬
‫يسبقون إذنه تعاىل بالقول‪ ,‬وهم بأمره تعاىل إذا أمرهم يعملون‪ ،‬ألهنم يف غاية املراقبة له تعاىل‪ ،‬فجمعوا يف الطاعة‬
‫بني القول والفعل وذلك غاية الطاعة‪.‬‬
‫بيان حكم محبة المالئكة أو بغضهم في الشريعة‪:‬‬
‫)‪.‬‬ ‫ﭼ [البقرة]‬ ‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬ ‫(ومحبتهم) بالقلب (شرط) صحة‪( 1‬اإليمان‪ ،‬وبغضهم‪ :‬كفر) لقوله تعاىل‪( :‬ﭽ ﮠ‬

‫شرح وبيان كيف يؤمن اإلنسان بالكتب السماوية‬


‫بعض األحكام الشرعية المتعلقة بالكتب السماوية‬
‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬وكيف تؤمن بالكتب؟)‬
‫(فالجواب) أن تقول‪( :‬إن اهلل أنزل الكتب على أنبيائه‪ ,‬وهي) أي‪ :‬الكتب (منزلة‪ )2‬على الرسل يف األلواح‪ ،‬أو‬
‫على لسان ملك (غير مخلوقة)‪ 2‬أي‪ :‬إن الكتب املنزلة من تأليفه تعاىل ال من تأليف اخللق‪( ،‬قديمة) من حيث‬
‫داللتها على املعىن القدمي‪( ,‬بغير تناقض) أي‪ :‬اختالف يف معىن الكالم‪.‬‬
‫إبطال ٍ‬
‫بعض يف حمل آخر‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ﭽ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ‬ ‫و"التناقض"‪ :‬بأن يكون ُ‬
‫بعض الكالم يف حمل يقتضي َ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ [النساء] ) أي‪ :‬أفال يتفكرون يف القرآن؟ ولو كان من كالم البشر‬ ‫ﮀ‬
‫مطابق للواقع وبعض ِ‬
‫بعض أخبا ِره غري ٍ‬
‫نظمه فصيحاً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لوجدوا فيه "تناقضاً" يف معانيه وتبايناً يف نظمه بأن يكون ُ‬
‫اختالف كثريٌ فضالً عن القليل‪ ،‬لكنه من عند اهلل‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وبعضه ركيكاً‪ ،‬أي‪ :‬ولو كان من عند غري اهلل للزم أن يكون فيه‬
‫ُ‬
‫فليس فيه اختالف ال كثري وال قليل‪.‬‬
‫(ومن شك فيها) أي‪ :‬يف الكتب املنزلة على الرسل بأن مل يؤمن بشيء منها‪( ،‬من آية أو كلمة فقد كفر)‪.‬‬
‫بيان عدد الكتب السماوية المنزلة على كل نبي أو رسول‪:‬‬
‫مسألة‪:‬‬

‫‪ 1‬أي ال يكون اإلميان يف القلب صحيحا وال معتربا إال مبحبتهم‪ ،‬فالكالم ههنا عن صحة اإلميان العن كماله‪.‬‬
‫‪ 2‬الحظ أن الكتب السماوية توصف باإلنزال خبالف كالم اهلل النفسي القائم بذاته تعاىل مع أن الكالم املنزل يسمى بكالم اهلل أيضا‬
‫من حيث أن اهلل هو الذي أنزله على أنبيائه واختاره كالما وكتبا مساوية هلم‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬وكم كتاباً أنزل على أنبيائه؟) أي‪ :‬املرسلني‪ ،‬فـ "كم" اسم استفهام يف حمل نصب مفعول مقدم‪,‬‬
‫و"كتاباً" متييز‪.‬‬
‫(فالجواب) أن تقول‪ :‬يف رواية‪( :‬مائة كتاب) باإلفراد‪( ,‬وأربعة كتب)‪ ،‬باجلمع َّ‬
‫املكسر‪:‬‬
‫(أنزل اهلل منها)‪ ،‬أي‪ :‬من املائة واألربع (عشر كتب على) صفي اهلل أيب البشر (آدم عليه السالم‪ ،‬وأنزل اهلل‬
‫تعالى منها خمسين كتاباً على شيث عليه السالم)‪ ،‬فشيث – بالشني مث املثلثة – وقيل‪ :‬باملثناة الفوقية بينهما ياء‪,‬‬
‫واألكثر صرفه وقد ال يصرف‪ ،‬ومعناه‪ :‬هبة اهلل‪ ،‬وقيل‪ :‬عطية اهلل‪ ،‬وهو ابن آدم لصلبه‪ ،‬كان من أمجل أوالده‬
‫وأفضلهم‪ ،‬وأشبهه بأبيه وأحبهم إليه‪ ،‬وعاش سبعمائة واثنيت عشرة سنة‪.‬‬
‫(وأنزل اهلل تعالى منها ثالثين كتاباً على إدريس) ج ّد أيب نوح (عليه السالم)‪ ،‬وامسه أ ْ‬
‫َخُن ْوخ _ بفتح اهلمزة‬
‫وسكون اخلاء‪ ،‬أو َخنوخ _ بفتح اخلاء مع حذف اهلمزة‪ ،‬قيل‪ :‬مسي إدريس لكثرة درسه الكتب‪ ،‬وهو أول من خط‬
‫الثياب ولبسها‪ ،‬وكانوا من قبله يلبسون اجللود‪ ،‬وأول من‬
‫َ‬ ‫بالقلم ونظر يف علم النجوم واحلساب‪ ،‬وأول من خاط‬
‫اختذ السالح وقاتل الكفار‪.‬‬
‫(وأنزل اهلل تعالى منها عشر كتب على إبراهيم عليه السالم)‪ ،‬وقيل‪ :‬إن يف صحف إبراهيم هذه الكلمات‪ :‬ينبغي‬
‫للعاقل أن يكون حافظاً للسانه‪ ،‬عارفاً بزمانه‪ ،‬مقبالً على شأنه‪.‬‬
‫(وأنزل اهلل تعالى اإلنجيل) مجلة (على عيسى) ابن مرمي (عليه السالم‪ ،‬وأنزل اهلل تعالى التوراة) مجلة (على‬
‫موسى) بن عمران (عليه السالم)‪.‬‬
‫بعضهم‪ :‬التوراة واإلنجيل امسان عربانيان‪ ،‬وقيل‪ :‬سريانيان كالزبور‪.‬‬
‫قال ُ‬
‫وقيل‪ :‬مسيت التوراة بذلك ألن فيها نوراً خيرج به من الضالل إىل اهلدى‪ ،‬كما خيرج بالنار من الظالم إىل النور‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬مسيت بذلك ألن أكثرها تلوحيات ومعاريض‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬مسي اإلنجيل بذلك ألن فيه توسعة مل تكن يف التوراة‪ ،‬إذ حلل فيه أشياء كانت حمرمة يف التوراة‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬مسي بذلك الستخراجه خالصة نور التوراة‪.‬‬
‫(وأنزل اهلل تعالى الزبور على داود) بن إيشا (عليه السالم)‪ ،‬وهو من أتباع موسى وبعده بأزمان متطاولة‪.‬‬
‫(وأنزل اهلل تعالى القرآن) منجماً مفرقاً يف ثالث وعشرين سنة‪ ،‬بعد أن كتب يف صحف‪ ،‬وأنزل دفعة واحدة يف‬
‫ليلة القدر يف بيت العزة‪ ،‬وهو حمل يف مساء الدنيا‪ ،‬ومسي القرآن فرقاناً لفرقه بني احلق والباطل‪ ،‬ولكونه منجماً‬
‫ومفرقاً يف سنني كثرية‪ ،‬ومسي قرآناً ألنه قام مقام التوراة واإلجنيل والزبور يف كثرة القراءة‪( ,‬على محمد‬
‫المصطفى) أي‪ :‬املختار صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫املطلب ب ِن هاشم ب ِن عبد مناف بن قصي بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ب ِن ِ‬
‫عبد‬ ‫عبد ِ‬‫وهو‪ :‬ابن ِ‬
‫ُ‬
‫بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزمية بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‪ ،‬من أوالد‬
‫سيدنا إمساعيل بن إبراهيم عليه السالم‪.‬‬
‫أيب بن كعب أنه سأل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬كم أنزل اهلل تعاىل من كتاب؟ فقال‪:‬‬ ‫وذلك ما ُروي عن ّ‬
‫"مائة وأربعة كتب‪ ،‬منها‪ :‬على آدم عشر صحف‪ .‬وعلى شيث مخسون صحيفة‪ .‬وعلى أخنوخ وهو إدريس ثالثون‬
‫صحيفة‪ .‬وعلى إبراهيم عشر صحائف‪ .‬والتوراة واإلجنيل والزبور والفرقان"‪ ،‬كما ذكره الشربيين‪ 1‬يف تفسريه‪.‬‬

‫‪ 1‬ترمجة الشربيين‪977( :‬هـ ‪1570 /‬م)‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫والحق عدم حصر الكتب في عدد معين لكثرة اختالف الروايات‪ ،‬بل الواجب أن يعتقد أن اهلل تعالى أنزل‬
‫كتباً من السماء ويعرف الكتب األربعة‪.‬‬

‫حممد بن أمحد الشربيين‪ ،‬مشس الدين‪ ،‬فقيه شافعي‪ ،‬مفسر‪ ،‬من أهل القاهرة‪ .‬له تصانيف منها‪:‬‬
‫السراج املنري يف تفسري القرآن‪ ،‬وهو مطبوع يف أربعة جملدات‪ .‬اإلقناع يف حل ألفاظ أيب شجاع‪ .‬مغين احملتاج إىل معرفة معاين املنهاج‬
‫للنووي يف الفقه الشافعي‪ .‬شرح التنبيه لإلمام الشريازي يف الفقه الشافعي‪ .‬شرح شواهد قطر الندى وبل الصدى البن هشام يف علم‬
‫النحو العريب‪ ،‬مطبوع يف البايب احلليب سنة‪1950( :‬م)‪.‬‬
‫وهو من أجل علماء القرن العاشر وأعظمهم‪ ،‬العالمة الفاضل‪ ،‬واإلمام الكامل‪ ،‬الشيخ الصاحل‪ ،‬الزاهد‪ ،‬الورع‪ ،‬املقبل على عبادة ربه‬
‫ليال وهنارا‪ ،‬مشس الدين حممد بن أمحد الشربيين‪ ،‬اخلطيب‪ ،‬املتوىف سنة‪977( :‬هـ)‪.‬‬
‫كان رضي اهلل عنه منكبا على االشتغال بطلب العلم وتعلمه وتعليمه للناس والعمل به‪ ،‬يقطع زمانه يف مطالعة العلم والصالة والقرآة‬
‫والصيام متفكرا يف أهوال يوم القيامة‪ ،‬وله هتجد يف الليل وصيام كثري يف النهار‪.‬‬
‫وكان رمحه اهلل ال يذكر أحدا من أقرانه بسوء‪،‬وال حيسد أحدا منهم على ما آتاه اهلل من علم أو مال أو إقبال من األكابر‪ ،‬وال غري‬
‫ذلك من رعونات النفس‪ .‬وكان ال يسعى إىل شيء من أمور الدنيا‪ ،‬وال يزاحم أحدا على رياسة وال صحبة أحد من الوالة والقضاة‪،‬‬
‫بل رمبا ال يعرف أحد منهم‪ .‬وكان كثري االعتكاف يف رمضان وغريه‪ ،‬كما كان من عادته أن يدخل اجلامع األزهر من أول ليلة‬
‫الصيام فال خيرج منه إالَّ بعد صالة العيد‪ ،‬وكان ال يتعشى أالَّ بعد صالة الرتاويح‪ ،‬فيأكل لقيمات يسرية‪ ،‬ويشرب ماء يسريا‪ ،‬ورمبا‬
‫أعطى السائل عشاءه وطوى تلك الليلة‪ ،‬وكان إذا حج يثر املشي وال يركب إالَّ بعد تعب شديد‪ ،‬فيعزم عليه َّ‬
‫"اجلمال" بالركوب‬
‫فيأىب‪.‬‬
‫ومل يزل من حني خيرج من بركة احلج يعلم الناس املناسك وآداب الطريق وكيفية القصر واجلمع وحيثهم على الصالة‪ .‬وكان غالب‬
‫أوقاته يف السفر ومدة اإلقامة مبكة صائما يكتفي بشرب ماء زمزم ويؤثر غريه عليه بطعامه‪.‬‬
‫أخذ العلم عن مجاعة من علماء مصر‪ ،‬فأجل أشياخه شيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪ ،‬وهو يذكره يف تصانيفه بقوله"شيخي" ‪ ،‬وبعده‬
‫أخذ عن الشيخ نار الدين اللقاين‪ ،‬والشهاب الرملي‪ ،‬والشيخ الطبالوي‪ ،‬وغريهم‪ ،‬وتبحر يف العلوم‪ ،‬فأجازوه باإلفتاء والتدريس‪ ،‬فدرس‬
‫وأفىت يف حياة مشاخيه‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫شرح وبيان كيف يؤمن اإلنسان باألنبياء والمرسلين‪2‬‬
‫بعض األحكام الشرعية المتعلقة‪ 2‬باألنبياء والمرسلين‬
‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬وكيف تؤمن باألنبياء؟)‬
‫ِ‬ ‫(فالجواب) أن تقول‪َّ :‬‬
‫أول األنبياء آدم عليه السالم)‪ ,‬وهو امسه الشريف‪ ,‬وكنيته أبو البشر‪ ,‬ولقبه ّ‬
‫صفي اهلل‪،‬‬ ‫(إن َ‬
‫(وآخرهم) وأفضلهم (سيدنا محمد) فال نيب بعده‪( ,‬صلوات اهلل عليهم أجمعين‪ ،‬كلهم كانوا مخبرين) عن‬
‫الغيوب‪ ،‬كالساعة وأحواهلا من البعث والنشر واحلشر واحلساب واجلزاء واحلوض والشفاعة وامليزان والصراط واجلنة‬
‫قومهم‪( ,‬صادقين) يف أخبارهم‬
‫والنار وغري ذلك‪( ,‬ناصحين) أي‪ :‬مصفِّني العمل من شوائب الفساد‪ ,‬وال يغشون َ‬
‫األحكام اليت أمروا بتبليغها إىل األمم إليهم‪ ،‬إذ هم مأمورون بالتبليغ‪( ,‬آمرين)‬
‫َ‬ ‫ويف دعواهم‪( ,‬مبلغين) أي‪ :‬موصلني‬
‫على الطاعات هلل عز وجل‪( ،‬ناهين) عن املعاصي‪( ,‬أمناء اهلل تعالى) على "وحيه اخلفي"‪ ،‬وهو الذي مل يظهر إال‬
‫على ألسنة الرسل‪ ،‬وهو إعالم اهلل تعالى أنبياءه بما شاء "بكتاب" أو بإرسال "ملك" أو "بمنام" أو "إلهام" أو‬
‫"بال واسطة"‪ ،‬كما وقع لنبينا صلى اهلل عليه وسلم ليلة اإلسراء من فرض الصالة بال واسطة‪( ,‬معصومين من‬
‫الزلل) أي‪ :‬اخلطايا وهي الصغائر‪" ،‬فال ِزلل" _ بكسر الزاي _ مجع ِزلة‪ .‬قاله حممد اجلوهري‪ 1‬يف "شرح اجلزائرية"‬

‫‪1‬ترجمة محمد الجوهري‪:‬‬


‫قال اجلربيت يف تارخيه‪ :)2/440( :‬مات العالمة األملعي والذكي اللوذعي من عجنت طينته مباء املعارف وتآخت طبيعته مع العوارف‬
‫العمدة العالمة والنحرير الفهامة فريد عصره ووحيد دهره الشيخ حممد بن أمحد بن حسن بن عبد الكرمي اخلالدي الشافعي الشهري بابن‬
‫اجلوهري‪ ،‬وهو أحد اإلخوة الثالثة وأصغرهم ويعرف بالصغري‪.‬‬
‫ولد سنة‪1151( :‬هـ)‪ ،‬ونشأ يف حجر والده يف عفة وصون وعفاف‪ ،‬وقرأ عليه وعلى أخيه األكرب الشيخ أمحد بن أمحد‪ ،‬وعلى الشيخ‬
‫خليل املغريب‪ ،‬والشيخ حممد الفرماوي‪ ،‬وغريهم من فضالء الوقت‪ .‬وأجازه الشيخ امللوي يف فهرسته‪ ،‬وحضر دروس الشيخ عطية‬
‫األجهوري يف األصول والفقه‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬فالزمه وخترج عليه يف اإللقاء‪ .‬وحضر على الشيخ الصعيدي‪ ،‬والرباوي‪ ،‬وتلقى عن الشيخ‬
‫الوالد حسن اجلربيت كثريا من العلوم‪ ،‬والزم الرتداد عليه‪ ،‬واألخذ منه مع اجلماعة ومنفردا‪ ،‬وكان حيبه ومييل إليه‪ ،‬ويقبل بكليته عليه‪.‬‬
‫حج مع والده‪ ،‬وجاور معه‪ ،‬فاجتمع بالشيخ السيد عبداهلل املريغين صاحب الطائف‪ ،‬واقتبس من أنواره‪ ،‬واجتىن من مثاره‪.‬‬
‫وكان آية يف الفهم والذكاء والغوص واالقتدار على حل املشكالت‪ .‬وأقرأ الكتب وألقى الدروس باألشرفية‪ ،‬وأظهر التعفف واالجنماع‬
‫عن خلطة الناس والذهاب والرتداد ‪ ..............‬إكمال الرتمجة ص‪. 2/441‬‬

‫‪21‬‬
‫"الزلل" _ بفتحها _ فهو مصدر زل يزل من باب علم وضرب‪ ،‬كما يف "القاموس" و"املصباح"‪( ,‬والكبائر)‪،‬‬ ‫وأما َ‬
‫أي أن اهلل تعاىل حفظ بواطنهم وظواهرهم عن التلبس مبنهى عنه‪ ،‬ولو هني كراهة ولو حالة الطفولية‪ ،‬كما قال‬
‫أمحد الدردير‪.1‬‬
‫والذي عليه الجمهور‪ ،‬وهو الصحيح أنهم معصومون‪ 2‬من الكبائر والصغائر قبل النبوة وبعدها‪ ,‬فعصمتهم واجبة‬
‫كما قاله أمحد البيلي‪.2‬‬
‫بيان حكم محبة األنبياء والمرسلين أو بغضهم في الشريعة‪:‬‬
‫كفر)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ط) ِ‬
‫ضهم ٌ‬ ‫(اإليمان‪ ,‬وبغ ُ‬ ‫صحة‬ ‫(ومحبتهم) بالقلب (شر ُ‬
‫بيان من هم أصحاب الشرائع من األنبيا والمرسلين‪:‬‬
‫‪ 1‬ترجمة الدردير‪1201( :‬م)‪:‬‬

‫هو اإلمام العالمة‪ ,‬أوحد وقته يف الفنون العقلية والنقلية‪ ,‬شيخ أهل اإلسالم‪ ,‬وبركة األنام‪ ,‬الشيخ أمحد بن أيب حامد العدوي‪,‬‬
‫وجوده‪ ,‬وأحب العلم‪,‬‬
‫املالكي‪ ,‬األزهري‪ ,‬اخللويت‪ ,‬الشهري بالدردير‪ .‬أخرب عن نفسه أنه ولد ببين عدي سنة ‪1127‬هـ‪ .‬حفظ القرآن‪َّ ,‬‬
‫ولكن جل اعتماده‬
‫األزهر‪ ,‬وحضر دروس العلماء‪ ,‬وأفىت يف حياة شيوخه‪ ,‬وحضر دروس الشيخ أمحد امللوي‪ ,‬واجلوهري‪ْ ,‬‬ ‫َ‬ ‫اجلامع‬
‫َ‬ ‫َو َر َد‬
‫على الشيخني احلفين والصعيدي‪.‬‬

‫وله مؤلفات ‪:‬‬

‫أما يف [الفقه] فله ٌ‬


‫شرح على خمتصر خليل يف الفقه املالكي‪ ,‬أورد فيه خالصة ما ذكره األجهوري والزرقاين يف شرحيهما عليه‪,‬‬
‫واقتصر على ال راجح من األق وال‪ .‬وكتب متنا يف الفقه املالكي مساه‪ :‬أق رب املس الك ملذهب مال ك‪ .‬وله يف [الق‪22 2 2‬رآن] رس الة يف‬
‫متشاهبات القرآن‪ ,‬ورسالة يف طريقة حفص‪ .‬وله يف [التصوف] حتفة اإلخوان يف آداب أهل العرفان‪ .‬وله يف [العربية] حتفة اإلخوان يف‬
‫نفسه عليها شرحا‪ ،‬وللعالمة أمحد الصاوي حاشية علي الشرح مفيدة للمبتدئين يف هذا الفن‪ .‬وللدردير‬
‫الدردير ُ‬
‫ُ‬ ‫املعاين والبيان‪ ,‬ووضع‬
‫رس الة يف االس تعارات الثالث ة‪ .‬وله رس الة يف [المولد النب‪22‬وي] الش ريف‪ .‬وله ش رح على [الش ‪22‬مائل النبوية]‪ .‬وله ش رح على [آداب‬
‫وشرح على منظومة العالمة السيد محمد‬
‫ٌ‬ ‫شرح على رسالة العالمة الدمرداش يف علم التوحيد‪،‬‬
‫البحث]‪ .‬كتبه يف [علم التوحيد]‪ :‬له ٌ‬
‫كم‪22‬ال ال‪22‬دين البك‪22‬ري‪ ،‬وش ٌ‬
‫رح على أمساء اهلل احلسىن مسَّاه‪ :‬التوجه األسىن بش رح أمساء اهلل احلس ىن‪ ،‬وله ه ذا املنت ال ذي بني أي دينا يف‬
‫ص فحة واح دة‪ .‬ومن أش هر ما كتب اإلم ام أمحد ال دردير يف العقي دة اإلس المية منظومة ش عرية مساها باخلري دة البهية‪ ،‬مث ق ام اإلم ام‬
‫ال دردير نفسه بكتابة ش رح عليها يف غاية النفاسة واإلف ادة‪ ،‬ال يس تغين عنه ط الب العلم‪ .‬ولقد كتب اهللُ تع اىل هلذا الكت اب (متنا‬
‫التوفيق؛ فانتشر واشتهر يف كل العامل اإلسالمي فما تكاد جتد صرحا علميا أصيال إالَّ ويدرس املشايخ والعلماء فيه لتالميذهم‬‫َ‬ ‫وشرحا)‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬بل وحيثوهنم على حفظه‪.‬‬

‫وملا ك ان من أدبي ات العلم اء االهتم ام بكل كت اب ينتشر ويش تهر يف كل الع امل اإلس المي فيقوم ون بكتابة التعليق ات واحلواشي‬
‫َّ‬
‫على ألفاظه وعباراته لِ َما أنه يكتسب ب ذلك االش تهار واالنتش ار ص فة الوثيقة العلمية املعت ربة يف م ذهب اؤلئكم العلم اء‪ ،‬وك ان ه ذا‬
‫الكالم منطبقا على منت اخلريدة وشرحه لإلمام الدردير‪ ،‬فقد أولع احملققون من العلماء بكتابة التعليقات واحلواشي عليه‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫(‪ )1‬حاشية العالمة أمحد الصاوي (ت‪1241:‬هـ) صاحب احلاشية على تفسري اجلاللني‪ ،‬والشرح على منظومة اجلوهرة يف علم‬
‫التوحيد‪ ،‬مطبوع‪.‬‬
‫(‪ )2‬وحاشية العالمة أبو السعود السباعي ( ت‪1268:‬هـ)‪ .‬مطبوع‪.‬‬

‫وهاتان احلاشيتان يف غاية اإلفادة للطلبة‪.‬‬


‫(‪ )3‬وحاشية شيخ األزهر السابق حممد خبيت املطيعي‪ ،‬وفيها إشكاالت ينبغي التنبه إليها‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬وكم من أصحاب الشرائع؟)‬
‫(فالجواب) أن تقول‪ :‬هم (ستة‪ :‬آدم ونوح)‪ ,‬وعمره ألف سنة وأربعمائة ومخسون سنة‪( ,‬وإبراهيم وموسى‬
‫وعيسى ومحمد صلوات اهلل عليهم أجمعين)‪.‬‬
‫فرع‪ :‬قال ابن عباس وقتادة‪ :1‬وأولو العزم‪ ،‬أي‪ :‬الثبات واجلد يف األمور‪ ،‬مخسةٌ‪ ،‬وهم أصحاب الشرائع‪ ،‬وهم حممد‬
‫بعضهم يف بيت من الطويل فقال‪:‬‬
‫وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح‪ ،‬ونظمهم ُ‬
‫حممد إبراهيم موسى كليمه وعيسى ونوح هم أولو العزم فاعلم‬

‫ممن حيضرون دروس شيخ القراءات يف األردن سعيد العنبت‪2‬اوي ـ رمحه‬


‫وشيخنا سعيد فودة ـ حفظه اهلل ـ ْ‬
‫ُ‬ ‫هذا‪ ،‬وملا كان استأذنا‬
‫اهلل‪ ،‬ورأى فيه من النجابة وال ذكاء وجهه إىل اختص ار اخلري دة وش رحها فاختص رها بإش رافه أك ثر من م رة مثَّ نص حه بت دريس ذلك‬
‫املختصر للطالب ففعل ذلك‪ ،‬مث قام شيخنا بكتابة حاشية على خمتصره هذا‪ ،‬وقد درسه مرات عديدة لطلبة العلم‪ ،‬وهي مسجلة على‬
‫قرص كمبيوتر ممغنط (سي دي) ‪.‬‬

‫وملا ت ويف اإلم ام علي الص‪22 2‬عيدي تعني ال دردير ش يخاً على املالكي ة‪ ،‬ومفتيا ون اظراً على وقف الص عايدة‪ ،‬وش يخا على طائفة‬
‫ص َر بأس ِرها يف وقته حس اً ومعن اً‪ ...‬فإنه كان رمحه اهلل تعاىل يأمر باملعروف وينهى عن املنكر‪ ،‬ويصدع‬ ‫ِ‬
‫الرواق‪ ،‬بل شيخا على أهل م ْ‬
‫باحلق‪ ،‬وال خياف يف اهلل لومة الئم‪ ،‬وله يف السعي على اخلري يد بيضاء‪.‬‬
‫تعلل أياماً‪ ،‬ولزم الفراش مدة حىت تويف يف سادس شهر ربيع األول من سنة ‪1201‬م وصلى عليه باألزهر الشريف مبشهد عظيم‬
‫حافل‪.‬‬

‫‪ 2‬ترمجة أحمد البيلي‪1213/ 1141( :‬هـ) ‪1798 /1728( /‬م)‪ :‬أمحد بن موسى بن أمحد بن حممد‪ ,‬أبو العباس البيلي العدوي‪,‬‬
‫فقيه مالكي‪ ,‬ولد يف بين عدي بصعيد مصر‪.‬‬
‫تفقه باألزهر‪ ,‬وويل مشيخة رواق الصعايدة بعد وفاة أمحد الدردير‪ ,‬وتصدر للتدريس‪.‬‬
‫قال اجلربيت‪ ......" :‬كانت له قرحية جيدة وحافظة غريبة‪ ,‬ميلي على الطلبة ما ذكره أرباب احلواشي‪ ,‬وقد مجع بعض ما أماله فصار‬
‫جملدات‪ ,‬وتويف بالقاهرة‪ .....‬اهـ‪.‬‬
‫من كتبه‪:‬‬
‫‪ -‬املنح املتكفلة حبل ألفاظ العقيدة املوسومة‪ :‬مبورد الطمآن يف صناعة البيان‪ ,‬خمطوط‪.‬‬
‫‪ -‬فائدة الورود يف الكالم مع أما بعد‪ ,‬خمطوط‪.‬‬
‫‪ -‬منظومة يف العرف‪ ,‬خمطوط‪.‬‬
‫‪-‬منظومة يف مهزة الوصل‪ ,‬خمطوط‪.‬‬
‫‪ -‬شرح أبيات‪ ,‬خمطوط‪.‬‬
‫‪ -‬حاشية على الشرح الصغري للملوي على السمرقندية‪ ,‬خمطوط‪.‬‬
‫‪ -‬منظومة يف مسائل فقهية على مذهب مالك‪ ,‬خمطوط‪.‬‬
‫قال اجلربيت‪:)2/276(:‬‬
‫"‪ .......‬اإلمام العمدة‪ ,‬الفقيه العالمة‪ ,‬احملقق الفهامة‪ ,‬املتقن‪ ،‬املتفنن‪ ،‬املتبحر‪،‬عني أعيان الفضالء األزهرية‪ ،‬الشيخ أمحد بن موسى بن‬
‫أمحد بن حممد البيلي العدوي املالكي‪.‬‬
‫ولد ببين عدي سنة إحدى وأربعني ومائة وألف‪ ,‬وهبا نشأ فقرأ القرآن‪.‬‬
‫األزهر والزم الشيخ علي الصعيدي مالزمة كلية حىت متهر يف العلوم ‪ ,‬وهبر فضله يف اخلصوص والعموم‪.‬‬ ‫اجلامع‬ ‫ِ‬
‫وقد َم‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫‪23‬‬
‫وقال مقاتل‪ :2‬وأولو العزم ستة‪:‬‬
‫نوح‪ :‬صرب على أذى قومه‪.‬‬
‫وإبراهيم‪ :‬صرب على النار‪.‬‬
‫وإسحاق‪ :‬صرب على الذبح‪.‬‬
‫ويعقوب‪ :‬صرب على فقد ولده وذهاب بصره‪.‬‬
‫ويوسف‪ :‬صرب يف اجلب والسجن‪.‬‬
‫وأيوب‪ :‬صرب على الضر‪.‬‬

‫بيان عالقة شرائع األنبياء ببعضها البعض‪:‬‬


‫ٍ‬
‫(محمد صلى اهلل عليه وسلم) إذا مل تكن موافقةً‬ ‫(بشريعة) ِ‬
‫سيدنا‬ ‫ِ‬ ‫حكمها‬ ‫ٍ‪2‬‬
‫شريعة منسوخةٌ) أي‪ُ :‬م ٌ‬ ‫(وكل‬
‫زال ُ‬ ‫ُّ‬
‫لشريعته صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقد كان من شريعة آدم – عليه السالم – تزويج األخ من أخته اليت ليست توأمته‪،‬‬
‫وقد اتفقوا على حترميه بعد آدم – عليه السالم – كما قاله حممد اجلوهري‪ ،‬والدليل على ذلك قوله تعاىل‪ :‬ﭽﭯ ﭰ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ [آل عمران]‪.‬‬ ‫ﭱ ﭲ‬

‫بيان عدد األنبياء والمرسلين‪:‬‬


‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬وكم من األنبياء؟)‬
‫(فالجواب)‪ :‬أن تقول هم يف رواية (مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي)‪.‬‬
‫قال أمحد الدردير‪:2‬‬

‫وكان له قرحية جيدة‪ ,‬وحافظة غريبة مُيْلِي يف تقرير ِه خالصةَ ما ذكره أرباب احلواشي مع حسن ٍ‬
‫سبك والطلبةُ يكتبون بني يديه‪ ,‬وقد‬
‫صارت جملدات‪ ,‬وانتفع هبا الطلبة انتفاعا عاما‪.‬‬ ‫تقاريرهُ على عدة كتب كان يقرأها حىت‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫مُج َع من ُ‬
‫س يف حياة شيخه سنني عديدة‪ ,‬واشتهر بالفتوح‪ ،‬وكان الشيخ الصعيدي يأمر الطلبة حبضوره ومالزمته‪ ،‬وكان فيه اتصاف زائد‬ ‫ودر َ‬
‫َّ‬
‫وتؤدة ومروءة‪ ,‬وتوجه إىل احلق‪ ,‬و لديه أسرار ومعارف وفوائد ومتائم‪ ,‬وعلم بتنزيل األوفاق‪ ,‬والوفق املئيين العددي واحلريف‪ ,‬وطرائق‬
‫تنزيله بالتطويق واملربعات وغري ذلك‪.‬‬
‫وملا تويف الشيخ حممد حسن جلس موضعه للتدريس بإشارة من أهل الباطن‪ ،‬وملا تويف الشيخ أمحد الدردير ويل مشيخة رواق الصعايدة‬
‫وله مؤلفات منها‪" :‬مسائل كل صالة بطلت على اإلمام"‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫ومل يزل على حالته وإفادته ومالزمة دروسه واجلماعة حىت تويف يف هذه السنة‪ ,‬ودفن يف تربة اجملاورين‪ ,‬رمحة اهلل تعاىل عليه‪.‬‬
‫‪ 1‬ترمجة قتادة‪ :‬قتادة بن دعامة بن قتادة‪ ،‬و يقال قتادة بن دعامة بن عكابة‪ ،‬السدوسى‪ ،‬أبو اخلطاب البصري‪ ،‬املولود سنة‪ 60( :‬هـ أو‬
‫‪ 61‬هـ)‪ ،‬من الطبقة ‪ ،)4(:‬طبقة تلي الوسطى من التابعني‪ ،‬تويف سنة‪ 100( :‬و بضع عشرة هـ) بواسط‪ ،‬روى له‪ :‬البخاري ‪ -‬مسلم‬
‫‪ -‬أبو داود ‪ -‬الرتمذي ‪ -‬النسائي ‪ -‬ابن ماجه‪ .‬رتبته عند ابن حجر‪ :‬ثقة ثبت‪ ،‬و رتبته عند الذهيب‪ :‬احلافظ‪.‬‬
‫ترمجة مقاتل‪ :‬مقاتل بن حيان النبطي‪ ،‬أبو بسطام البلخي‪ ،‬اخلزاز‪ ،‬موىل بكر بن وائل‪ ،‬الطبقة (‪ ،) 6‬من الذين عاصروا صغارا‬ ‫‪2‬‬

‫لتابعين‪ .‬تويف قبيل سنة‪ 150( :‬هـ)‪ ،‬بـاهلند ( كابل )‪ .‬روى له‪ :‬مسلم ‪ -‬أبو داود ‪ -‬الرتمذي ‪ -‬النسائي ‪ -‬ابن ماجه‪ ،‬رتبته عند ابن‬
‫حجر‪ :‬صدوق فاضل‪ ،‬أخطأ األزدى ىف زعمه أن وكيعا كذبه و إمنا كذب الذى بعده‪ ( ،‬رقم ‪ ،) 6868‬رتبته عند الذهيب‪ :‬ثقة‬
‫عامل صاحل‪.‬‬
‫‪ 2‬سبقت ترمجته‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ترك حص ِرهم في عدد معين ألنه ال يؤمن في ذكر العدد أن يدخل فيهم من ليس منهم لجواز أن‬
‫"واألولى ُ‬
‫يذكر أكثر من الواقع‪ ،‬أو يخرج منهم من هو منهم إن كان العدد أقل"‪.‬‬
‫وما روي أن النيب صلى اهلل عليه وسلم سئل عن عددهم فقال‪" :‬مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً‪ ،"1‬وفي رواية‪:‬‬
‫"مائتا ألف وأربعة وعشرون ألفاً‪ ،"2‬فخبر آحاد ال يفيد القطع‪ ،‬وال عبرة بالظن في باب االعتقادات‬

‫بيان تفصيل من كان منهم من األنبياء ومن كان منهم من المرسلين‪:‬‬


‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬وكم كانوا من األنبياء والمرسلين؟)‬
‫(فالجواب) أن تقول‪ :‬هم يف رواية‪( :‬ثلثمائة وثالثة عشر مرسالً)‪ ،‬كعدد أهل بدر‪ ،‬ويف رواية‪ :‬وأربعة عشر‪،‬‬
‫كعدد جيش طالوت الذين صربوا معه على قتال جيش جالوت‪ ،‬ويف رواية‪ :‬ومخسة عشر‪ ،‬وروي أن اهلل تعاىل بعث‬
‫مثانية آالف نيب‪ ،‬أربعة آالف من بين إسرائيل وأربعة آالف من سائر الناس‪.‬‬
‫بيان الفرق بين النبي وبين الرسول‪:‬‬
‫والفرق بني "الرسول" و"النيب"‪ :‬أن "الرسول"‪ :‬هو من أمر بتبليغ األحكام إىل املرسل إليهم‪ ،‬و"النبي"‪ :‬من مل يؤمر‬
‫نيب ليحرتم‪.‬‬
‫بذلك‪ ،‬بل أمر بتبليغ أنه ّ‬

‫هم‪ ،‬هل ذلك من شرط "صحة" اإليمان أو شرط في "كمال" اإليمان‪:‬‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بيا ُن ِ‬
‫هم وأسمائ ْ‬
‫حكم معرفة عدد ْ‬
‫مسألة‪:3‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬وأسماؤهم) أي‪ :‬املرسلني (وعددهم) أي‪ :‬حفظهم علينا (شرط اإليمان أم ال؟ )‬
‫(فالجواب) أن تقول‪( :‬ليس) ذلك املذكور من حفظ األمساء‪ ،‬والعدد (عندنا بشرط اإليمان) أي‪ :‬يف صحته‬
‫أي‪ :‬بكثرة "من قبلك" يا أشرف اخللق إىل أممهم‬ ‫[غافر]‬ ‫وكماله (لقوله تعالى) يف سورة غافر‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭼ ﭳ‬
‫ليبلغوا عنا ما أمرناهم به‪( ,‬منهم) أي‪ :‬الرسل (من قصصنا عليك) أي‪ :‬أخبارهم‪( ،‬ومنهم من لم نقصص عليك)‬
‫الرسل مل جيب‬
‫أي‪ :‬ال أخبارهم وال ذكرناهم لك بأمسائهم‪ ،‬وإ ْن كان لنا العلم التام والقدرة الكاملة‪ ،‬وإذا ثبت أن ُ‬
‫علينا معرفة عددهم مع قلتهم فمعرفة غري الرسل من األنبياء أوىل لكثرهتا‪ ،‬ولكن جيب اإلميان بوجودهم تفصيالً‬
‫فيما علم كذلك‪ ،‬وهم اخلمسة والعشرون الذين هم يف القرآن وهم‪ :‬حممد وآدم ونوح وإدريس وهود وصاحل‬
‫واليسع وذو الكفل وإلياس ويونس وأيوب وإبراهيم‪ ،‬وإمساعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف‪ ،‬ولوط وداود وسليمان‬
‫وشعيب‪ ،‬وموسى وهارون وزكريا وحيىي وعيسى‪.‬‬
‫بيان معنى وجوب اإليمان بهؤالء بالتفصيل‪:‬‬

‫‪ 1‬أخرجه أمحد بن حنبل يف مس نده (‪ ,)5/266‬والط رباين يف املعجم الكبري (‪ ,)8/259‬واهليثمي يف اجملمع (‪ ,)1/159‬وابن حب ان يف‬
‫ص حيحه (‪ -94‬م وارد)‪ ,‬والس يوطي يف ال دار املنث ور (‪ ,)1/51‬وابن حجر يف املط الب العالية (‪ ,)3454‬وابن كثري يف تفس ريه (‬
‫‪ ,)2/424‬ويف البداية والنهاية له (‪ ,)1/97‬والبيهقي يف السنن الكربى (‪.)9/4‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬األنبياء ثالثة أقسام‪ :‬قسم جيب اإلميان هبم تفصيال‪ ،‬وهم املذكورون يف القرآن‪ ،‬وقسم جيب اإلميان هبم إمجاال‪ ،‬وقسم خمتلف يف‬
‫نبوهتم‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ِ‬
‫نبوتَه وال رسالتَه‪ ،‬ولو مل حيفظ‬ ‫ومعنى وجوب اإليمان بهؤالء بالتفصيل أنه لو عُ ِر َ‬
‫ض عليه واح ٌد منهم لم ُي ْنك ْر ّ‬
‫أمساءهم فإن احلفظ ال جيب فمن أنكر نبوة واحد من هؤالء أو رسالته فقد كفر‪ ،‬لكن العامي ال حيكم عليه بالكفر‪،‬‬
‫إال إن أنكر بعد تعلمه‪.‬‬
‫اإليمان اإلجمالي ببقيتهم‪:‬‬
‫ونبوتهم وإرسالهم ويص ّدق بأن هلل رسالً وأنبياء‪،‬‬
‫ويجب اإليمان إجماالً في غير هؤالء بأن يصدق بوجودهم ّ‬
‫فمن لم يؤمن بهم كذلك لم يصح إيمانه فيكون كافراً‪.‬‬
‫األشخاص المختلف في نبوتهم‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫واملختلف يف نبوهتم ثالثة‪ :‬ذو القرنني‪ 1‬والعزير‪ 2‬ولقمان‪ ،3‬واختُلف يف اخلضر‪ 4‬أيضاً‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه نيب ورسول‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫وىل وهو باق إىل اآلن أعطي علم الشريعة واحلقيقة‪ ،‬وجيتمع مع إلياس كل سنة مبكة‪ ,‬ويشربان من‬ ‫نيب فقط‪ .‬وقيل‪ّ :‬‬
‫بالرب‪ ،‬واخلضر موكل بالبحر‪ ،‬كذا قاله عيسى‬
‫ماء زمزم شربة إىل العام القابل‪ ،‬وطعامها الكرفس‪ ،‬فإلياس موكل ِّ‬
‫الرباوي‪ 5‬وأمحد البيلي‪ 6‬والشيخ يوسف السنبالويين‪.7‬‬

‫‪ 1‬ذو القرنني‪:‬‬
‫روى وكيع عن إسرائيل عن جابر عن جماهد عن عبداهلل بن عمرو قال‪" :‬كان ذو القرنني نبيا"‪ ،‬وروى احلافظ بن عساكر من‬
‫حديث أيب حممد بن أيب نصر عن أيب إسحاق بن إبراهيم بن حممد بن أيب ذؤيب حدثنا حممد بن محاد أنبأنا عبد الرزاق عن معمر‬
‫عن ابن أيب ذؤيب عن املقربي عن أيب هريرة قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ال أدري أتبع كان لعينا أم ال وال أدري‬
‫احلدود كفارات ألهلها أم ال وال أدري ذو القرنني كان نبيا أم ال) وهذا غريب من هذا الوجه‪ .‬وقال إسحاق بن بشر عن عثمان‬
‫بن الساج عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال‪" :‬كان ذو القرنني ملكا صاحلا رضي اهلل عمله" وأثىن عليه يف كتابه‪ ،‬وكان‬
‫منصورا‪ ،‬وكان اخلضر وزيره‪ ،‬وذكر أن اخلضر عليه السالم كان على مقدمة جيشه‪ ،‬وكان عنده مبنزلة املشاور الذي هو من‬
‫امللك مبنزلة الوزير يف إصالح الناس اليوم‪ ،‬وقد ذكر أألزرقي وغريه أن ذا القرنني أسلم على يدي إبراهيم اخلليل‪ ،‬وطاف معه‬
‫بالكعبة املكرمة هو وإمساعيل عليه السالم‪ ،‬وروى عن عبيد بن عمري وابنه عبداهلل وغريمها أن ذا القرنني حج ماشيا‪ ،‬وأن إبراهيم‬
‫ملا مسع بقدومه تلقاه ودعا له ورضاه‪ ،‬وأن اهلل سخر لذي القرنني السحاب حيمله حيث أراد واهلل اعلم‪.‬‬
‫واختلفوا يف السبب الذي مسى به ذا القرنني‪ ،‬فقيل‪ :‬ألنه كان له يف رأسه شبه القرنني‪ .‬قال وهب بن منبه‪ :‬كان له قرنان من‬
‫حناس يف رأسه‪ ،‬وهذا ضعيف‪ ،‬وقال بعض اهل الكتاب‪ :‬ألنه ملك فارس والروم‪ :‬وقيل‪ :‬ألنه بلغ قرين الشمس غربا وشرقا وملك‬
‫ما بينهما من األرض‪ ،‬وهذا أشبه من غيه وهو قول الزهري‪ .‬وقال احلسن البصري‪ :‬كانت له غديرتان من شعر يطافهما فسمي‬
‫ذي القرنني‪ .‬وقال إسحاق ابن بشر عن عبداهلل بن زياد بن مسعان عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال‪ :‬دعا ملكا جبارا‬
‫إىل اهلل فضربه على قرنه فكسره ورضه مث دعاه فدق قرنه الثاين فكسره فسمي ذي القرنني‪.‬‬

‫‪ 2‬العزير‪:‬‬
‫قال احلافظ أبو القاسم بن عساكر هو عزير بن جروة ويقال بن سوريق بن عديا بن أيوب بن درزنا بن عري بن تقي بن اسبوع‬
‫بن فنحاص بن العازر بن هارون بن عمران ويقال عزير بن سروخا جاء يف بعض اآلثار ان قربه بدمشق مث ساق من طريق أيب‬
‫القاسم البغوي عن داود بن عمرو عن حبان بن علي عن حممد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا ال أدري العني بيع أم ال‬
‫وال أدري أكان عزير نبيا أم ال مث رواه من حديث مؤمل بن احلسن عن حممد بن اسحاق السجزي عن عبدالرزاق عن معمر عن‬
‫ابن أيب ذؤيب عن سعيد املقربي عن أيب هريرة مرفوعا حنوه مث روى من طريق اسحاق بن بشر وهو مرتوك عن جويرب ومقاتل‬
‫عن الضحاك عن ابن عباس ان عزيرا كان ممن سباه خبت نصر وهو غالم حدث فلما بلغ اربعني سنة أعطاه اهلل احلكمة قال ومل‬
‫يكن أحد أحفظ وال أعلم بالتوراة منه قال وكان يذكر مع األنبياء حىت حمى اهلل امسه من ذلك حني سأل ربه عن القدر وهذا‬
‫ضعيفومنقطع ومنكر واهلل أعلم‬
‫وقال اسحاق بن بشر عن سعيد عن أيب عروبة عن قتادة عن احلسن عن عبداهلل بن سالم أن عزيرا هو العبد الذي أماته اهلل مائة‬
‫عام مث بعثه وقال اسحاق بن بشر أنبأنا سعيد بن بشري عن قتادة عن كعب وسعيد بن أيب عروبة عن قتادة عن احلسن ومقاتل‬
‫وجويرب عن الضحاك عن ابن عباس وعبداهلل بن امساعيل السدي عن أبيه عن جماهد عن ابن عباس وادريس عن جده وهب بن‬
‫منبه قال اسحاق كل هؤالء حدثوين عن حديث عزير وزاد بعضهم على بعض قالوا باسنادهم ان عزيرا كان عبدا صاحلا حكيما‬
‫خرج ذات يوم إىل ضيعة له يتعاهدها فلما انصرف أتى إىل خربة حني قامت الظهرية وأصابه احلر ودخل اخلربة وهو على محاره‬

‫‪27‬‬
‫فنزل عن محاره ومعه سلة فيها تني وسلة فيها عنب فنزل يف ظل تلك اخلربة وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان‬
‫معه يف القصعة مث أخرج خبزا يابسا معه فألقاه يف تلك القصعة يف العصري ليبتل ليأكله مث استلقى على قفاه وأسند رجليه إىل‬
‫احلائط فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ورأى عظاما بالية فقال أىن حييي هذه اهلل‬
‫بعد موهتا فلم يشك أن اهلل حيييها ولكن قاهلا تعجبا فبعث اهلل ملك املوت فقبض روحه فأماته اهلل مائة عام فلما أتت عليه مائة‬
‫عام وكانت فيما بني ذلك يف بين إسرائيل أمور واحداث قال فبعث اهلل إىل عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل قلبه وعينيه لينظر هبما‬
‫فيعقل كيف حييي اهلل املوتى مث ركب خلقه وهو ينظر مث كسى عظامه اللحم والشعر واجللد مث نفخ فيه الروح كل ذلك وهو‬
‫يرى ويعقل فاستوى جالسا فقال له امللك كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم وذلك أنه كان لبث صدر النهار عند الظهرية‬
‫وبعث يف آخر النهار والشمس مل تغب فقال أو بعض يوم ومل يتم يل يوم فقال له امللك بل لبثت مائة عام فانظر إىل طعامك‬
‫وشرابك يعين الطعام اخلبز اليابس وشرابه العصري الذي كان اعتصره يف القصعة فإذا مها على حاهلما مل يتغري العصري واخلبز يابس‬
‫فذلك قوله مل يتسنه يعين مل يتغري وكذلك التني والعنب غض مل يتغري شيء من حاهلما فكأنه أنكر يف قلبه فقال له امللك أنكرت‬
‫ما قلت لك انظر إىل محارك فنظر إىل محاره قد بليت عظامه وصارت خنرة فنادى امللك عظام احلمار فأجابت وأقبلت من كل‬
‫ناحية حىت ركبه امللك وعزير ينظر إليه مث ألبسها العروق والعصب مث كساها اللحم مث أنبت عليها اجللد والشعر مث نفخ فيه امللك‬
‫فقام احلمار رافعا رأسه وأذنيه إىل السماء ناهقا يظن القيامة قد قامت فذلك قوله وانظر إىل محارك ولنجعلنك آية للناس وانظر إىل‬
‫العظام كيف ننشزها مث نكسوها حلما يعين وانظر إىل عظام محارك كيف يركب بعضها بعضا يف أوصاهلا حىت إذا صارت عظاما‬
‫مصورا محارا بال حلم مث انظر كيف نكسوها حلما فلما تبني له قال اعلم أن اهلل على كل شيء قدير من أحياء املوتى وغريه قال‬
‫فركب محاره حىت أتى حملته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر منزله فانطلق على وهم منه حىت أتى منزله فإذا هوبعجوز عمياء‬
‫مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة هلم فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته فلما أصاهبا‬
‫الكرب أصاهبا الزمانة فقال هلا عزير يا هذه اهذا منزل عزير قالت نعم هذا منزل عزير فبكت وقالت ما رأيت أحدا من كذا وكذا‬
‫سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس قال فإين انا عزير كان اهلل أماتين مائة سنة مث بعثين قالت سبحان اهلل فإن عزيرا قد فقدناه منذ‬
‫مائة سنة فلم نسمع له بذكر قال فاىن أنا عزير قالت فإن عزيرا رجل مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البالء بالعافية‬
‫والشفاء فادع اهلل أن يرد على بصري حىت أراك فإن كنت عزيرا عرفتك قال فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحتا وأخذ‬
‫بيدها وقال قومي بإذن اهلل فأطلق اهلل رجليها فقامت صحيحة كأمنا نشطت من عقال فنظرت فقالت اشهد أنك عزير وانطلقت‬
‫إىل حملة بين إسرائيل وهم يف أنديتهم وجمالسهم وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة ومثاين عشر سنة وبين بنيه شيوخ يف اجمللس فنادهتم‬
‫فقالت هذا عزير قد جائكم فكذبوها فقالت أنا فالنة موالتكم دعا يل ربه فرد على بصري واطلق رجلي وزعم أن اهلل أماته مائة‬
‫سنة مث بعثه قال فنهض الناس فأقبلوا اليه فنظروا اليه فقال ابنه كان أليب شامة سوداء بني كتفيه فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير‬
‫فقالت بنو اسرائيل فإنه مل يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غري عزير وقد حرق خبت نصر التوراة ومل يبق منها شيء إال‬
‫ما حفظت الرجال فاكتبها لنا وكان أبوه سروخا وقد دفن التوراة أيام خبت نصر يف موضع يعرفه أحد غري عزير فانطلق هبم إىل‬
‫ذلك املوضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب قال وجلس يف ظل شجرة وبنو اسرائيل حوله فجدد‬
‫هلم التوراة ونزل من السماء شهابان حىت دخال جوفه فتذكر التوراة فجددها لبين اسرائيل فمن مث قالت اليهود عزير بن اهلل للذي‬
‫كان من أمر الشهابني وجتديده التوراة وقيامه بأمر بين إسرائيل وكان جدد هلم التوراة بأرض السواد بدير حزقيل والقرية اليت مات‬

‫‪28‬‬
‫شرح وبيان كيف يؤمن اإلنسان باليوم اآلخر‬
‫بيان معنى اليوم اآلخر‪ ،‬وبدايته‪ ،‬وأسمائه‪ ،‬وموت الخالئق فيه‪ ،‬ومعنى الموت عند أهل السنة‪ ،‬وأنه يكون‬
‫بانتهاء األجل‪ ،‬وذكر المستثنيين من الموت‪ ،‬وبيان اإلحياء لألموات في القبر‪ ،‬وسؤال الملكين‪ ،‬معنى‬
‫التعذيب والتنعيم في القبر‪ ،‬وأنه بالروح والجسد‪ ،‬وذكر أنواع التعذيب للكفار فيه‪ ،‬وضغطة القبر‪ ،‬وبين‬
‫إرجاع األرواح إلى األبدان يوم القيامة‪ ،‬وما يتبع ذلك من النفخ‪ ،‬والبعث‪ ،‬والحشر‪ ،‬والعرض‪ ،‬والحساب‪،‬‬
‫وتوزيع الكتب‪ ،‬ونصب الميزان‪ ،‬وحكم اهلل بالعدل بين الخالئق‪ ،‬والشفاعة‪ 2،‬وبيان مصير المالئكة وغيرهم‬

‫فيها يقال هلا سايراباذ قال ابن عباس فكان كما قال اهلل تعاىل ولنجعلك آية للناس يعين لبين اسرائيل وذلك انه كان جيلس مع‬
‫بنيه وهم شيوخ وهو شاب ألنه مات وهو ابن أربعني سنة فبعثه اهلل شابا كهيئة يوم مات‬

‫لقمان‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫قال تعاىل ولقد آتينا لقمان احلكمة أن اشكر هلل ومن يشكر فإمنا يشكر لنفسه ومن كفر فإن اهلل غين محيد وإذ قال لقمان البنه‬
‫وهو يعظه يا بين ال تشرك باهلل إن الشرك لظلم عظيم ووصينا اإلنسان بوالديه محلته أمه وهنا على وهن وفصاله يف عامني أن‬
‫اشكر يل ولوالديك إيل املصري وإن جاهداك على أن تشرك يب مال ليس لك به علم فال تطعهما وصاحبهما يف الدنيا معروفا‬
‫واتبع سبيل من أناب إيل مث إيل مرجعكم فأنبئكم مبا كنتم تعملون يا بين إهنا إن تك مثقال حبة من خردل فتكن يف صخرة أو‬
‫يف السموات أو يف األرض يأيت هبا اهلل إن اهلل لطيف خبري يا بين أقم الصالة وأمر باملعروف وانه عن املنكر واصرب على ما‬
‫أصابك إن ذلك من عزم األمور وال تصعر خدك للناس وال متش يف األرض مرحا إن اهلل ال حيب كل خمتال فخور واقصد يف‬
‫مشيك واغضض من صوتك إن أنكر األصوات لصوت احلمري هو لقمان بن عنقاء بن سدون ويقال لقمان بن ثاران حكاه‬
‫السهيلي عن ابن جرير والقتييب قال السهيلي وكان نوبيا من أهل أيلة قلت وكان رجال صاحلا ذا عبادة وعبارة وحكمة عظيمة‬
‫ويقال كان قاضيا يف زمن داود عليه السالم فاهلل أعلم وقال سفيان الثوري عن األشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال كان عبدا‬
‫حبشيا جنارا وقال قتادة عن عبداهلل بن الزبري قلت جلابر بن عبداهلل ما انتهى إليكم يف شأن لقمان قال كان قصريا أفطس من‬
‫النوبة وقال حيىي بن سعيد األنصاري عن سعيد بن املسيب قال كان لقمان من سودان مصر ذو مشافر أعطاه اهلل احلكمة ومنعه‬
‫النبوة وقال األوزاعي حدثين عبدالرمحن بن حرملة قال جاء أسود إىل سعيد بن املسيب يسأله فقال له سعيد ال حتزن من اجل‬
‫أنك أسود فإنه كان من أخري الناس ثالثة من السودان بالل ومهجع موىل عمر ولقمان احلكيم كان أسود نوبيا ذا مشافر وقال‬
‫األعمش عن جماهد كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتني مشقق القدمني ويف رواية مصفح القدمني وقال عمر بن قيس كان عبدا‬
‫أسود غليظ الشفتني مصفح القدمني فأتاه رجل وهو يف جملس أناس حيدثهم فقال له ألست الذي كنت ترعى معي الغنم يف مكان‬
‫كذا وكذا قال نعم قال فما بلغ بك ما أرى قال صدق احلديث والصمت عما ال يعنيين رواه ابن جرير عن ابن محيد عن احلكم‬
‫عنه وقال ابن أيب حامت حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا عبدالرمحن بن أيب يزيد بن جابر قال إن اهلل رفع لقمان‬
‫احلكيم حلكمته فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال ألست عبد بن فالن الذي كنت ترعى غنمي باألمس قال بلى قال فما بلغ‬
‫بك ما أرى قال قدر اهلل وأداء األمانة وصدق احلديث وترك ما ال يعنيين وقال ابن وهب أخربين عبداهلل بن عياش الفتياين عن‬
‫عمر موىل عفرة قال وقف رجل على لقمان احلكيم فقال أنت لقمان أنت عبد بين النحاس قال نعم قال فأنت راعي الغنم‬
‫األسود قال أما سوادي فظاهر فما الذي يعجبك من امري قال وطء الناس بساطك وغشيهم بابك ورضاهم بقولك قال يا ابن‬
‫أخي إن صنعت ما أقول لك كنت كذلك قال ما هو قال لقمان غضي بصري وكفي لساين وعفة مطمعي وحفظي فرجي‬
‫وقيامي بعديت ووفائي بعهدي وتكرميت ضيفي وحفظي جاري وتركي ما ال يعنيين فذاك الذي صريين كما ترى وقال ابن أيب‬
‫حامت حدثنا أيب حدثنا ابن فضيل حدثنا عمرو بن واقد عن عبدة ابن رباح عن ربيعة عن أيب الدرداء انه قال يوما وذكر لقمان‬
‫احلكيم فقال ما أويت عن أهل وال مال وال حسب وال خصال ولكنه كان رجال ضمضامة سكيتا طويل التفكر عميق النظر مل‬
‫ينم هنارا قط ومل يره احد يبزق وال يتنحنح وال يبول وال يتغوط وال يغتسل وال يعبث وال يضحك وكان ال يعيد منطقا نطقه‬

‫‪29‬‬
‫من المخلوقات‪ ،‬وبيان مصير المؤمنين والكافرين‪ ،‬ومصير الجنة والنار وأهلهما‪ ،‬ثم ذكر حكم من ينكر هذه‬
‫العقائد‪.‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫فأوله من النفخة الثانية وهي نفخة البعث‪ ،‬ومُس ي ذلك‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬وكيف تؤمن باليوم اآلخر؟) أي‪ :‬بوجوده‪ّ ،‬‬
‫آخر أيام الدنيا‪ ،‬ومُس ي أيضاً بالقيامة لقيام الناس فيه من قبو ِرهم ووقوفِهم بني يدي رب العاملني‪.‬‬
‫اليوم باآلخر ألنه ُ‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫الروح (كلهم)‪ ,‬ﭧ ﭨ ﭽﭽ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫مجيع احليوانات من ذوي ِ‬ ‫(فالجواب) أن تقول‪( :‬إن اهللَ تعالى يُميت الخالئق) أي‪َ :‬‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ [العنكبوت ] ‪,‬‬

‫إال أن يقول حكمة يستعيدها إياه أحد وكان قد تزوج وولد له اوالد فماتوا فلم يبك عليهم وكان يغشى السلطان ويأيت احلكام‬
‫لينظر ويتفكر ويعترب فبذلك أويت ما أويت ومنهم من زعم أنه عرضت عليه النبوة فخاف أن ال يقوم بأعبائها فاختار احلكمة الهنا‬
‫أسهل عليه ويف هذا نظر واهلل أعلم‬

‫‪ 4‬الخضر‪ 2‬عليه السالم‪:‬‬

‫ف يف اخلضر يف امسه‪ ،‬ونسبه‪ ،‬ونبوته‪ ،‬وحياته إىل اآلن على أقوال سأذكرها لك ههنا إن شاء اهلل وحبوله وقوته‪:‬‬
‫اختلِ َ‬
‫ُ‬

‫قال احلافظ ابن عساكر يقال‪ :‬إنه اخلضر بن آدم عليه السالم لصلبه‪.‬‬
‫مث روى من طريق الدار قطني حدثنا حممد بن الفتح القالنسي حدثنا العباس بن عبداهلل الرومي حدثنا رواد بن اجلراح‬
‫يء له في أجله حتى يكذب الدجال)‪،‬‬
‫س َ‬‫حدثنا مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس قال‪( :‬الخضر‪ 2‬ابن آدم لصلبه‪ ،‬ونُ ِ‬
‫وهذا منقطع وغريب‪.‬‬
‫وقال أبو حامت سهل بن حممد بن عثمان السجستاين‪ :‬مسعت مشيختنا منهم أبو عبيدة وغريه قالوا‪ :‬إن أطول بين آدم عمرا‬
‫اخلضر‪ ،‬وامسه‪ :‬خضرون بن قابيل بن آدم‪ ،‬قال‪ :‬وذكر ابن اسحق أن آدم عليه السالم ملا حضرته الوفاة أخرب بنيه أن الطوفان‬
‫سيقع بالناس وأوصاهم إذا كان ذلك أن حيملوا جسده معهم يف السفينة وأن يدفنوه يف مكان عينه هلم‪ ،‬فلما كان الطوفان محلوه‬
‫معهم‪ ،‬فلما هبطوا إىل األرض أمر نوح بنيه أن يذهبوا ببدنه فيدفنوه حيث أوصى‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن األرض ليس هبا أنيس وعليها وحشة‬
‫فحرضهم وحثهم على ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬إن آدم دعا ملن يلي دفنه بطول العمر فهابوا املسري إىل ذلك املوضع يف ذلك الوقت فلم يزل‬
‫جسده عندهم حىت كان اخلضر هو الذي توىل دفنه وأجنز اهلل ما وعده فهو حيىي إىل ما شاء اهلل له أن حيىي‪.‬‬
‫وذكر ابن قتيبة يف "املعارف" عن وهب بن منبه أن اسم اخلضر بليا‪ ،‬ويقال‪ :‬إيليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شاخل بن‬
‫أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السالم‪.‬‬
‫وقال إمساعيل بن أيب أويس‪ :‬اسم اخلضر فيما بلغنا ـ واهلل أعلم ـ املعمر بن مالك بن عبداهلل بن نصر بن الزد‪.‬‬

‫وقال غريه‪ :‬هو خضرون بن عمياييل بن اليفز بن العيص بن اسحق بن ابراهيم اخلليل‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬هو أرميا بن خلقيا فاهلل أعلم‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬إنه كان ابن فرعون صاحب موسى ملك مصر‪ ،‬وهذا غريب جدا‪ ،‬قال ابن اجلوزي‪ :‬رواه حممد بن أيوب عن ابن‬
‫هليعة ومها ضعيفان‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬إنه ابن مالك وهو أخو الياس‪ ،‬قاله السدي كما سيأيت‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه كان على مقدمة ذي القرنني‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الوقت الذي كتب اهللُ يف األزل انتهاءَ حياتِه فيه‪ ،‬فال مَي وت أح ٌد بدونه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫و"الموت"‪ :‬ال يكون إالَّ باألجل‪ ،‬وهو‬
‫ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫غريه لقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫مقتوالً كان أو َ‬
‫اهلل ومشيئتِه أو‬ ‫ِ‬
‫بقضاء ِ‬ ‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ آ [آل عمران]‪ ,‬أي‪ :‬وما كان لنفس أ ْن مَت وت إال‬
‫يتأخر (إالَّ َم ْن كان في الجنة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يتقدم وال ُ‬ ‫روحه‪ ،‬كتب اهللُ ذلك َ‬
‫املوت كتاباً مؤقتاً ال ُ‬ ‫بإذنهِ مللَك املوت يف قبضه َ‬
‫امليت بإعادة الروح إىل مجيع البدن ألجل سؤال الملكين‪ :‬منكر ونكري‪ ،‬وبعد السؤال خُي ر ُ‬
‫ِج‬ ‫والنار)‪ ،‬مث حُيْيي اهللُ َ‬
‫الروح جبسده‪ ،‬كاتصال شعاع‬‫حياة بسبب اتصال ِ‬ ‫نوع ٍ‬‫عذب من أراد تعذيبَه بأ ْن خيلق اهللُ يف امليت َ‬ ‫الروح ويُ ُ‬
‫َ‬ ‫منه‬
‫ِ‬
‫الجسد‪ ،‬وإ ْن كان خارجاً منه‪.‬‬ ‫الروح مع‬ ‫الشمس باألرض بقدر ما يُ ْد ِر ُك األملَ‪ ،‬فيتألم‬
‫ُ‬

‫وقيل‪ :‬كان ابن بعض من آمن بإبراهيم اخلليل وهاجر معه‪.‬‬


‫وقيل‪ :‬كان نبيا يف زمن بشتاسب بن هلراسب‬

‫قال ابن جرير‪ :‬والصحيح‪ 2‬أنه كان متقدما في زمن أفريدون ابن اثفيان حتى أدركه موسى عليهما السالم‪.‬‬

‫وروى احلافظ بن عساكر عن سعيد بن املسيب أنه قال‪ :‬اخلضر أمه رومية وأبوه فارسي‪.‬‬
‫وقد ورد ما يدل على أنه كان من بين إسرائيل يف زمان فرعون أيضا‪:‬‬

‫قال أبو زرعة يف "دالئل النبوة"‪ :‬حدثنا صفوان بن صاحل الدمشقي حدثنا الوليد حدثنا سعيد بن بشري عن قتادة عن جماهد‬
‫عن ابن عباس عن أيب بن كعب عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم (أنه ليله أسري به وجد رائحة طيبة‪ ،‬فقال‪ :‬يا جبريل ما‬
‫هذه الرائحة الطيبة؟ قال‪ :‬هذه ريح قبر الماشطة وابنتها وزوجها)‪ ،‬وقال‪ :‬وكان بدء ذلك أن اخلضر كان من أشراف بين‬
‫إسرائيل‪ ،‬وكان ممره براهب يف صومعته‪ ،‬فتطلع عليه الراهب فعلمه اإلسالم‪ ،‬فلما بلغ اخلضر زوجه أبوه امرأة فعلمها اإلسالم‬
‫وأخذ عليها أن ال تعلم أحدا وكان ال يقرب النساء‪ ،‬مث طلقها‪ ،‬مث زوجه أبوه بأخرى فعلمها اإلسالم وأخذ عليها أن ال تعلم‬
‫أحدا‪ ،‬مث طلقها‪ ،‬فكتمت إحدامها وأفشت عليه األخرى‪ ،‬فانطلق هاربا حىت أتى جزيرة يف البحر‪ ،‬فأقبل رجالن حيتطبان‪ ،‬فرأياه‬
‫فكتم أحدمها وأفشى عليه اآلخر‪ ،‬قال قد رأيت العزقيل ومن رآه معك؟ قال‪ :‬فالن‪ ،‬فسئل فكتم‪ ،‬وكان من دينهم انه من كذب‬
‫قتل فقتل‪ ،‬وكان قد تزوج الكامت املرأة الكامتة‪ ،‬قال‪ :‬فبينما هي متشط بنت فرعون اذ سقط املشط من يدها فقالت نعس فرعون‪،‬‬
‫فأخربت أباها وكان للمرأة ابنان وزوج فأرسل إليهم فراود املرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما فأبيا‪ ،‬فقال‪ :‬إين قاتلكما! فقاال‪:‬‬
‫إحسان منك إلينا إن أنت قتلتنا أن جتعلنا يف قرب واحد فجعلتها يف قرب واحد‪ ،‬فقال‪ :‬وما وجدت رحيا أطيب منهما وقد دخلت‬
‫اجلنة‪ ،‬وقد تقدمت قصة مائلة بنت فرعون وهذا املشط يف أمر اخلضر قد يكون مدرجا من كالم أيب بن كعب أو عبداهلل بن‬
‫عباس واهلل أعلم‪.‬‬

‫ب غََلبَ عليه‪:‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬كنيته أبو العباس‪ ،‬واألشبه واهلل أعلم أن "اخلضر" َلَق ٌ‬

‫قال البخاري ـ رحمه اهلل ـ حدثنا محمد بن سعيد األصبهاني حدثنا ابن المبارك عن معمر عن همام عن أبي هريرة‪ 2‬عن‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قال‪( :‬إنما سمي الخضر ألنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء)‪ ،‬تفرد به‬
‫البخاري‪ ،‬وكذلك رواه عبد الرزاق عن معمر به‪ ،‬مث قال عبدالرزاق‪ :‬الفروة احلشيش األبيض وما أشبهه يعين اهلشيم اليابس‪.‬‬

‫وقال اخلطايب‪ :‬وقال أبو عمر‪ :‬الفروة األرض البيضاء اليت ال نبات فيها‪ ،‬وقال غريه‪ :‬هو اهلشيم اليابس شبهه بالفروة‪ ،‬ومنه‬
‫قيل‪ :‬فروة الرأس وهي جلدته مبا عليها من الشعر كما قال الراعي‪:‬‬

‫ولقد ترى احلبشي حول بيوتنا‪ ...‬جذال إذا ما نال يوما ما كال‬
‫جعدا أصك كأن فروة رأسه ‪ ...‬بذرت فأنبت جانباه فلفال‬

‫‪31‬‬
‫العذاب يف يوم اجلمعة ويف شهر رمضان حلرمة النيب‬
‫ُ‬ ‫دائم إىل يوم القيامة‪ ،‬ويُرفع عن "املؤم ِن"‬
‫و"الكافر" عذابُه ٌ‬
‫ُ‬
‫العذاب ساعةً واحد ًة‪ ,‬وضغطةُ‪ 2‬القب ِر كذلك‪ ،‬مث ينقطع‬ ‫ِ‬
‫اجلمعة أو ليلتَه يكون‬ ‫يوم‬
‫ُ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وإ ْن مات َ‬
‫وال يعود إىل يوم القيامة‪.‬‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ [البقرة]‪ ,‬ويكون‬ ‫(ويُحييهم اهللُ تعالى) بعد فنائهم بإعادة أرواحهم إىل أجسادهم‪ ،‬ﭧ ﭨ ﭽ ﮎ‬
‫اإلحياء بنفخة البعث بعد إماتتهم بنفخة‪ 2‬الصعق‪ ،‬وبني النفختني أربعون سنة‪ ،‬ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭼ [الزمر]‪( ,‬و) بعد إحيائهم يسوقهم حفاةً عراةً غرالً‬
‫إىل أرض المحشر أرض بيضاء ال ترى فيها عوجاً وال أمتا‪ ،‬و(يحشرهم) أي‪ :‬جيمعهم للعرض‪ 2‬والحساب‪ ،‬ﭧ ﭨ‬
‫ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ [التغابن]‪( ,‬ويحاسبُهم)‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ‬ ‫ﯲ‬ ‫ﭽﯰ ﯱ‬
‫[األنبياء]‪:‬‬
‫كتاب عملِه الذي‬
‫فمنهم من حُي اسب حساباً شديداً على رؤوس األشهاد لفضيحته‪ ،‬وهو من يُعطى يف ذلك اليوم َ‬
‫المنافق‪ ,‬فتغل ميناه إىل عنقه وجتعل يسراه وراء‬ ‫الكافر أو‬ ‫كتبْته املالئكةُ احلفظةُ أيام حياتِه من ِ‬
‫وراء ظه ِره‪ ،‬وهو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ظهره‪ ،‬فيأخذ هبا كتابه‪.‬‬

‫قال اخلطايب‪ :‬إمنا مسي اخلضر خضرا حلسنه وإشراق وجهه‪ ،‬قلت‪ :‬هذا ال ينايف ما ثبت يف الصحيح‪ ،‬فإن كان وال بد من‬
‫التعليل بأحدمها فما ثبت يف الصحيح أوىل وأقوى بل ال يلتفت إىل ما عداه‪.‬‬
‫وقد روى احلافظ بن عساكر هذا احلديث أيضا من طريق إمساعيل بن حفص بن عمر األيلي حدثنا عثمان وأبو جزي ومهام‬
‫بن حيىي عن قتادة عن عبداهلل بن احلارث بن نوفل عن ابن عباس عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪( :‬إمنا مسي اخلضر خضرا ألنه‬
‫صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء)‪ ،‬وهذا غريب من هذا الوجه‪.‬‬

‫وقال قبيصة عن الثوري عن منصور عن جماهد قال‪ :‬إمنا مسي اخلضر ألنه كان إذا صلى اخضر ما حوله‪ ،‬وتقدم أن موسى‬
‫ويوشع عليهما السالم ملا رجعا يقصان االثر وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر وهو مسجى بثوب قد جعل طرفاه من‬
‫حتت رأسه وقدميه فسلم عليه السالم فكشف عن وجهه فرد وقال‪ :‬أين بأرضك السالم من أنت؟ قال‪ :‬أنا موسى‪ .‬قال‪ :‬موسى‬
‫بين إسرائيل؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فكان من أمرمها ما قصه اهلل يف كتابه عنهما‪.‬‬

‫‪ 5‬سبقت ترمجته‪.‬‬
‫‪ 6‬سبقت ترمجته‪.‬‬
‫‪ 7‬ترمجة يوسف السنبالويين‪( :‬ت‪1207 :‬هـ)‪:‬‬
‫قال اجلربيت‪........." :)2/154(:‬اإلمام العالمة النبيه الوجيه الفاضل املستعد الشيخ يوسف بن عبداهلل بن منصور السنبالويين الشهري‬
‫بـ(رزة) الشافعي‪.‬‬
‫تفقه على بلديِِّه الشيخ أمحد رزة وحضر دروس الشيخ احلفين والشيخ الرباوي والشيخ عطية األجهوري والشيخ الصعيدي وغريهم من‬
‫األشياخ‪.‬‬
‫وأجنب ودرس وأفاد والزم اإلقراء وكان إنسانا وجيها حمتشما ساكن اجلأش وقورا هبي الشكل قانعا حباله اليتداخل كغريه يف أمور‬
‫الدنيا جممل املالبس اليزيد على ركوب احلمار يف بعض األحيان لبعض األمور الضرورية ومل يزل حىت تعلل‪.‬‬
‫وتويف يف هذه السنة رمحه اهلل تعاىل (‪.)1207‬‬

‫‪32‬‬
‫ومنهم من ال حياسبه اهلل على يد أحد من املالئكة‪ ،‬وال غريهم سرتاً على ذلك احملاسب‪ ،‬وإمنا حياسبه املوىل بينه‬
‫يقول له‪ :‬هذه أفعالُك اليت فع ْلتها يف دار الدنيا وسرتهتا عليك‪ ،‬واليوم أغفرها‪ ,‬وهو‬
‫ض عملَه عليه بأ ْن َ‬ ‫وي ْع ِر ُ‬
‫وبينه‪َ ,‬‬
‫كتاب عملِه من أمامه‪ ،‬وهو املؤمن املطيع‪.‬‬
‫من يُعطى يف ذلك اليوم َ‬
‫علت بعد موت صاحبها يف خزانة حتت العرش‪ ،‬فإذا كانوا يف الموقف بعث اهللُ رحياً فتطريها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األعمال ُج ْ‬ ‫وكتب‬
‫ُ‬
‫فكل صحيفة تلتصق بعنق صاحبها ال تتجاوزه‪ ،‬مث تأخذها املالئكة من األعناق فيعطوهنا إليهم يف أيديهم فيأخذوهنا‪.‬‬
‫اخلطاب وله شعاع كشعاع الشمس‪ ،‬وأما أبو بكر فهو رئيس السبعني ألفاً‬ ‫ِ‬ ‫بن‬
‫عمر ُ‬‫وأول من يأخذ كتابه بيمينه ُ‬
‫الذين يدخلون اجلنة بغري حساب‪ ،‬فهم مل يأخذوا صحائف‪ ،‬وبعد عمر أبو سلمة عبد اهلل بن عبد األسد املخزومي‪,‬‬
‫أول من يأخذ كتابه بشماله أخوه األسود بن عبد األسد‪.‬‬
‫ِ‬
‫القبيحة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلسنة أو‬ ‫ِ‬
‫األعمال‬ ‫حسب‬‫العبد كتابَه َو َج َد حروفَه نري ًة أو مظلمةً على ْ‬
‫مث إذا أخذ ُ‬
‫وجههُ‬
‫ابيض ُ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ [اإلسراء] ‪ ،‬فإذا قرأه َّ‬ ‫ﮯ‬ ‫وأول خط يف الصحائف ﭽ ﮭ ﮮ‬
‫ﯛ ﭼ [آل عمران]‪.‬‬ ‫إْن كان مؤمناً‪ ،‬و َّ‬
‫اسود إ ْن كان كافراً‪ ،‬وذلك قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬

‫ظ"‪ _ 2‬حبيث يَُر ِّك ُ‬


‫ب فيه إدراكاً وعقالً‬ ‫اللوح المحفو َ‬
‫َ‬ ‫حاسب اهللُ تعالى‬
‫ُ‬ ‫أول من يُ‬ ‫وقد ورد في الحديث‪َّ :‬‬
‫"إن َ‬
‫ونطقاً _‪:‬‬
‫فرائصه‪ :‬فيقول له‪ :‬هل بلغت ما فيك إلسرافيل؟‬
‫ُ‬ ‫فيُدعى به‪ ،‬فرتتعد‬
‫فيقول‪ :‬بلغت‪.‬‬
‫فيُدعى بإسرافيل فرتتعد فرائصه خوفاً من اهلل فيقول له‪ :‬ما صنعت فيما روى إليك اللوح؟‬
‫فيقول‪ :‬بلغته جلربيل‪.‬‬
‫فيدعى جبربيل فرتتعد فرائصه فيقول له‪ :‬ما صنعت فيما رواه إليك إسرافيل؟‬
‫فيقول‪ :‬بلغته إىل الرسل‪.‬‬
‫فيدعى هبم فيقول هلم‪ :‬ما صنعتم فيما رواه إليكم جربيل؟‬
‫فيقولون‪ :‬بلغناه إىل الناس‪ ,‬فيُسألون عن عمرهم فيم أفنوه‪ ،‬وعن شباهبم فيم أبلوه‪ ،‬وعن أمواهلم من أين اكتسبوها‬
‫وفيم أنفقوها‪ ،‬وعن علومهم ماذا عملوا بها‪ ،‬وذلك قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ [األعراف]‪،‬‬
‫ﭜ ﭝ ﭼ [احلجر]‪.‬‬ ‫ﭽﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫أتقع يف اليمني أو يف الشمال‪ ،‬مث إىل لسان امليزان أمييل‬
‫األبصار إىل الكتب ُ‬
‫ُ‬ ‫وتشخص‬
‫ُ‬ ‫ينصب اهللُ " الميزا َن "‪,‬‬
‫ُ‬ ‫مث‬
‫إىل جانب السيئات أو إىل جانب احلسنات‪( ,‬ويحكم بينهم بالعدل)‪ ,‬وأول ما يقضى يف املوقف يف "الصالة"‪ ،‬مث‬
‫بعدها "الدعاوى"‪ ،‬من قتل نفسا بغري نفس‪.‬‬
‫مث يساقون إىل " الصراط "‪ ،‬وهو جسر ممدود على منت النار بني املوقف واجلنة‪ ،‬فإن النار بينهما‪ ،‬أرق من الشعرة‬
‫وأح ّد من السيف‪ ،‬فهو مثل املوسى‪ ،‬فالناجون جيوزونه كلمحة البصر‪ ,‬مث كالربق‪ ,‬مث كالريح‪ ,‬مث كالطري‪ ,‬مث‬
‫ب بأول قدم‪,1‬‬
‫كاخليل‪ ,‬مث جيوزونه‪ ,‬سعياً‪ ,‬مث مشياً‪ ,‬مث حبواً‪ ,‬مث زحفاً‪ ,‬فهم يتفاوتون كاهلالكني‪ ،‬فمنهم من يُ َك ُّ‬

‫‪ 1‬هذان مصطلحان شرعيان‪ ،‬ـ أى‪" :‬أول قدم" و"آخر قدم" ـ وقد ذكره النيب صلى اهلل عليه وسلم يف احلديث الذي يقول فيه‪":‬فيضع‬
‫قدمه يف النار" فقوله""قدمه"" أي‪ :‬أول من يقدم على النار ويدخلوهنا ‪ ،‬ومن الشنيع جدا ما ذهب إليه الوهابية والسلفية من أن‬ ‫اجلبار َ‬
‫هلل قدما‪ ،‬أي‪ :‬العضو الذي هو آخر ال ِر ِجل ‪ ،‬مث يقولون أنه تعاىل يضع قدمه يف النار‪ ،‬وهذا يف احلقيقة جتسيم وتشبيه هلل خبلقه‪ ،‬مث إن‬

‫‪33‬‬
‫وهو الذي يكون آخر اخلارجني من النار‪ ،‬ومنهم من يكب عند آخر قدم‪ ،‬فيكون أول اخلارجني منها‪ ،‬وتفاوت‬
‫المرور ْ‬
‫حبسب التفاوت يف األعمال الصاحلة واإلعراض عن حرمات اهلل تعاىل إذا خطرت على القلوب‪.‬‬
‫وأول من يأيت إىل النار "قابيل" الذي قتل أخاه "هابيل" بغري حق‪ ،‬ألنه أول من أظهر هذه اخلصلة‪ ،‬وهذا أول من‬
‫يدخلها من اإلنس‪ ،‬و"إبليس" هو أول من يدخلها من اجلن‪.‬‬
‫(فمن كان) أي‪ :‬فالذي وجد (من المالئكة والجن واإلنس فإنهم يتالشون)‪ ،‬أي‪ :‬ميوتون‪ ،‬لكن ال ميوت أح ٌد‬
‫من املالئكة قبل النفخة األوىل‪ ،‬بل هبا إال محلة العرش واملالئكة األربعة‪ ،‬فإهنم ميوتون بعدها وحييون قبل النفخة‬
‫الثانية‪ ،‬وآخر من ميوت ملك املوت‪ ،‬كذا قال الشرقاوي‪.1‬‬
‫وقيل‪ :‬إن محلة العرش ال ميوتون ألهنم خلقوا للبقاء‪.‬‬

‫هذا مذهب يف تفسري احلديث بدعي ال جيوز اتباعه‪.‬‬


‫‪ 1‬ترمجة عبداهلل الشرقاوي‪:‬‬
‫الشيخ اإلمام العالمة والتحرير الفهامة الفقهيه األصويل النحوي شيخ االسامت واملسلمني الشيخ عبد اهلل بن حجازي بن ابراهيم الشافعي‬
‫األزهري الشهري بالشرقاوي شيخ اجلامع األزهر ولد ببلده تسمى الطويلة بشرقيه بلبيس بالقرب يف حدود اخلمسني بعد املائة وترىب‬
‫بالقرين فلما ترعرع و حفظ القران فدم إىل اجلامع األزهر ومسع الكثري عن الشهابني امللوي واجلوهري واحلنفي وأخيه يوسف‬
‫والدمنهوري والبليدي و عطية اجلهوري وحممد الفارسي و علي املنسفيسي الشهري بالصعيدي و عمر الطحالوي ومسع املوطأ فقط‬
‫على علي بن العريب الشهري بالسقاط وباخرة تلقن بالسلوك والطريفة على شيخنا الشيخ حممود الكردي والزمه وحضر معنا يف‬
‫أذكاره ومجعياته ودرس الدروس باجلامع األزهر ومبدرسه السنانيه بالصنادقيه وبرواق اجلربت والطيربسيه وأفىت يف مذهبه ومتيز يف‬
‫اإللقاء والتحرير وله مؤلفات داله على سعه فضله من ذلك حاشية على التحرير وشرح نظم حيي العمريطي و شرح العقائد‬
‫املشرقيه و املنت له أيضا وشرح خمتصر يف العقائد والفقه والتصوف مشهور يف بالد داغستان وشرح رساله عبد الفتاح العاديل يف‬
‫العقائد و خمتصر الشمائل و شرحه له ورساله يف ال اله إال اهلل ورساله يف مسئلة أصولية يف مجع اجلوامع وشرح احلكم والوصايا‬
‫الكردية يف التصوف وشرح ورد سحر للبكري وخمتصر املغين يف النحو ‪............‬واستمر على حا لته حىت مات الشيخ امحد‬
‫العروسي فتوىل بعده مشيخه اجلامع األزهر فزاد يف تكبري غمامته وتعظيمها حىت كان يضرب بعظمتها املثل‪ ..............‬وملا‬
‫حضرت الفرنساوية اىل مصر يف سنه ثالث عشر ومائتين وألف ورتبوا ديوانا الجراءاألحكام بني املسلني جعلوا املرتجم رئيس‬
‫الديوان‪ ..............‬وللمرتجم طبقات مجعها يف تراجم لفقهاء الشافعية املتقدمني واملتأخرين من أهل عصره ومن قبله من أهل‬
‫القرن نقل تراجم املتقدمني من طبقات السبكي واإلسنوي‪ ،‬أما املتأخرون فنقلهم تارخينا هذا باحلرف الواحد وأظن إن ذلك آخر‬
‫تاليفاته وعمل تارخيا قبله خمتصرا يف حنو أربعة كراريس عند قدوم الوزير يوسف باشا اىل مصر وخروج الفرنساوية منها واهداه إليه‬
‫عدد فيه ملوك مصر وذكر يف آخره خروج الفرنسيس ودخول العثمانية يف حنو ورقتني وهو يف غاية الربود وغلط فيه غلطات منها‬
‫انه ذكر األشرف شعبان ابن األمري حسن بن الناصر حممد بن قالوون فجعله ابن السلطان حسن وحنو ذلك ومل يزل املرتجم حىت‬
‫تعلل ومات يف يوم اخلميس ثاين شهر شوال من السنة وصلي عليه باألزهر يف مجع كثري ودفن مبدفنه الذي بناه لنفسه كما ذكر‬
‫ووضعوا على تابوته املذكور عمامة كبريه اكرب من طبيزيته اليت كان يلبسها يف حيلته بكثري وعموها بشاش اخضر وعصبوها بشال‬
‫كشمريي امحر ووقف شخص عند باب مقصورته وبيده مقرعه يدعوا الناس لزيارته ويا خذ منهم دراهم‪.‬‬
‫أقول‪ :‬قد روى اجلربيت يف تارخيه ما حصل بعد موت الشرقاوي من نزاع وخالف فيمن يتوىل مشيخة اجلامع األزهر من السادة‬
‫العلماء‪ ،‬ومنهم‪ :‬الشيخ املهدي‪ ،‬والشيخ الشنواين‪ ،‬والشيخ حممد األمري‪ ،‬وابن الشيخ العروسي‪ ،‬والشيخان القويسين والفضايل‬
‫الشافعيان‪ ،‬والشيخ بدوي اهليثمي‪ ،‬ومنصور اليافاوي شيخ الشوام‪ ،‬واستمر اخلالف إىل أن نصب الباشا يف القلعة الشيخ حممد الشنواين‬
‫شيخا على األزهر‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ب طاعاتُه على معاصيِه‬ ‫ِ‬
‫(فمن كان فاسقاً) أي‪ :‬خارجاً عن أمر اهلل بارتكاب كبرية أو إصرار على صغرية‪ ،‬ومل َت ْغل ْ‬
‫(لم يبق في النار بعد الحساب) أي‪ :‬بعد فراغ مقدار ذنبه‪ ،‬ألن ذلك ال خيرجه عن اإلميان إال إذا اعتقد‬
‫ألن اإلميا َن عند األشاعرة وحمققي الماتريدية تصديق‬ ‫ِ‬
‫املعصية سواءً كانت كبري ًة أم صغري ًة‪َّ ,‬‬ ‫حل‬
‫َّ‬
‫بالقلب فقط‪ ،‬وأما اإلقرار من القادر فهو شرط إلجراء األحكام الدنيوية اليت من مجلتها وجوب‬
‫اعتقاد أهنم غريُ خملدين يف النار‪ ,‬وإذا كان اإلميان هو التصديق لزم أن ال خيرج العبد عن االتصاف به‬
‫إال مبا ينافيه من "الكفر"‪ ،‬وهو عدم التصديق مبا علم ضرورة جميء النيب صلى اهلل عليه وسلم به‪ ،‬أو‬
‫االمتناع من شرطه وهو النطق بالشهادتني مع القدرة‪.‬‬
‫وكما َّ‬
‫أن العصاةَ من املؤمنني ال خلود هلم يف النار‪ ،‬كذلك "الشفاعة" ال تصل للكفار‪ ،‬ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭼ [املدثر]‪.‬‬

‫أعظمها الشفاعةُ اليت ردها الرسل‪ ،‬وهي الشفاعة إلنقاذ اخللق من خوف شديد ومن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫شفاعات غريُ حمصورة ُ‬
‫ٌ‬ ‫وللرسل‬
‫فزع‪.‬‬
‫تعم اخللق أمجع‪ ,‬وبالمقام المحمود أيضاً لكونه حيمده صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ِّبت هذه الشفاعة بالعظمى لكوهنا ّ‬
‫ولُق ْ‬
‫فيها األولون واآلخرون‪.‬‬
‫ثم الشفاعة يف إدخال قوم اجلنة بغري حساب‪ ،‬وهذه من خصائصه صلى اهلل عليه وسلم كاليت قبلها‪.‬‬
‫ثم الشفاعة فيمن استحقوا دخول النار فلم يدخلوها‪.‬‬
‫ثم الشفاعة يف زيادة الدرجات يف اجلنة مث الشفاعة يف قوم من الصلحاء‪ ،‬ليتجاوز اهلل عنهم يف تقصريهم يف‬
‫الطاعات‪.‬‬
‫ثم الشفاعة يف اخراج من أدخل النار من املوحدين‪ ،‬وهذه ال ختتص به صلى اهلل عليه وسلم بل يشاركه فيها األنبياء‬
‫واملالئكة واملؤمنون‪.‬‬
‫ثم الشفاعة يف ختفيف العذاب ملن استحق اخللود يف النار يف بعض أوقات كأيب طالب‪.‬‬
‫ثم الشفاعة يف أطفال املشركني ليدخلوا اجلنة‪.‬‬

‫ثم شفاعته صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬


‫ملن مات باملدينة‪.‬‬
‫ولمن صرب على ألوائها‪.‬‬
‫ولمن زاره صلى اهلل عليه وسلم بعد موته‪.‬‬
‫ولمن أجاب املؤذن ودعا له صلى اهلل عليه وسلم بالوسيلة‪.‬‬
‫ولمن صلى عليه ليلة اجلمعة ويومها‪.‬‬
‫ولمن حفظ أربعني حديثاً يف أمر الدين وعمل هبا‪.‬‬
‫ولمن صام شعبان حلبه صلى اهلل عليه وسلم صيامه‪.‬‬
‫ولمن مدح آل البيت وأثىن عليهم‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫كفر (ففي الجنة خالدون)‪ ,‬وال يصح أن‬
‫(وأما المؤمنون) أي‪ :‬الذين ماتوا على دين اإلسالم وإ ْن تقدم منهم ٌ‬
‫يدخلوا اجلنة مث يدخلوا النار‪ ،‬ألن من يدخل اجلنة ال خيرج منها‪ ،‬ﭧ ﭨ ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭼ [احلجر]‪,‬‬
‫فالدخول يف اجلنة إما بدون دخول النار باملرة أو بعد دخول النار بقدر الذنب‪.‬‬
‫(وأما الكافرون) من اإلنس واجلن‪ ،‬أي‪ :‬الذين ماتوا على الكفر وإن عاشوا طول عمرهم على اإلميان (ففي النار‬
‫خالدون) فال يزالون فيها معذبني إما باحليات أو بالعقارب أو بالضرب أو بغري ذلك‪.‬‬

‫بيان أقسام الناس في الشريعة اإلسالمية‪:‬‬


‫مؤمٍن " و" ٌٌٍ‬
‫كافٍر "‪:‬‬ ‫واحلاصل أن الناس على قسمني‪ٌٌٍ " :‬‬
‫"فالكافر" خملد يف النار‪.‬‬
‫و"المؤمن" على قسمني‪" :‬طائع" و"عاص"‪:‬‬
‫"فالطائع" يف اجلنة‪.‬‬
‫و"العاصي" على قسمني‪" :‬تائب" و"غري تائب"‪:‬‬
‫"فالتائب" يف اجلنة‪.‬‬
‫و"غير التائب" يف مشيئة اهلل تعاىل‪ ،‬إن شاء عفا عنه وأدخله اجلنة بفضله وكرمه‪ ،‬وذلك بربكة اإلميان والطاعة أو‬
‫بشفاعة بعض األخيار‪ ،‬وإن شاء عذبه بقدر ذنبه صغرياً كان أو كبرياً‪ ،‬مث آخر أمره اجلنة‪ ،‬فال خيلد يف النار‪.‬‬
‫بيان حكم الجنة والنار وأهلهما‪:‬‬
‫(وال تفنى الجنة)‪ ,‬وهي سبعة‪ :‬فردوس مث عدن‪ ،‬مث خلد‪ ,‬مث نعيم‪ ,‬مث مأوى‪ ,‬مث دار السالم‪ ,‬مث دار اجلالل‪ ،‬وكلها‬
‫متصلة مبقام صاحب الوسيلة صلى اهلل عليه وسلم ليتنعم أهل اجلنة مبشاهدته صلى اهلل عليه وسلم‪ ,‬ألنه صلى اهلل‬
‫عليه وسلم يظهر هلم منها‪ ،‬فهي مشرفة على أهل اجلنة كما أن الشمس مشرقة على أهل الدنيا‪.‬‬
‫(والنار) وطبقاهتا سبع أعالها‪ :‬جهنم‪ ,‬وهي لعصاة املؤمنني‪ ،‬مث لظى لليهود‪ ،‬مث احلطمة للنصارى‪ ،‬مث السعري‬
‫للصابئني‪ ،‬وهم فرقة من اليهود‪ ،‬مث سقر للمجوس‪ ,‬مث اجلحيم لعبدة األصنام‪ ،‬مث اهلاوية للمنافقني‪.‬‬
‫(وال أهلهما) من احلور العني والولدان وخزنة اجلنة‪ ،‬ومالئكة العذاب‪ ,‬والعقارب‪ ,‬واحليات‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وقال الشربيين‪ 1‬نقالً عن النسفي‪ :2‬سبعةٌ ال تفنى‪ :‬العرش‪ ,‬والكرسي‪ ,‬واللوح‪ ,‬والقلم‪ ,‬واجلنة‪ ,‬والنار بأهلهما‪,‬‬
‫واألرواح‪ ،‬اهـ‪.‬‬
‫كون الشيء _ هالكاً _‬ ‫واختُلف يف تفسري قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [القصص]‪ ,‬فإن كان معىن ِ‬
‫كونُه قابالً للهلك يف ذاته‪َّ ،‬‬
‫ألن كل ما عاده تعاىل ممكن الوجود قابل العدم‪ ،‬فهذه السبعة حممولة على هذا املعىن‪،‬‬
‫وإن كان معىن كونِه _ هالكاً _ كونه خارجاً عن كونه منتفعاً به باإلماتة أو تفريق األجزاء‪ ،‬فهذه مستثناة من‬
‫اهلالك‪.‬‬
‫حكم من يشك في شيء من هذه العقائد‪:‬‬
‫(ومن شك في شيء من هذه األشياء) املذكورة (فقد كفر)‪.‬‬

‫‪1‬سبقت ترمجته‪.‬‬
‫‪ 2‬ترمجة النسفي‪508 / 418( :‬هـ)‪ :‬هو من مدرسه أيب منصور املاتريدي وهنج منهجه يف االحتجاج وسلكوا مسلكه يف إعالء‬
‫كلمه احلق جيمع يف االستدالل بني الدليلني العقلي والنقلي يف الرد على املخالفني ألهل السنة‪.‬‬
‫سلك طريقة الغزايل يف الردود على الفالسفة‪ ,‬حيث سرب أقواهلم وأدلتهم ومقاصدهم مث الرد عليها‪.‬‬
‫يذكر غي كتبه كالم اخلصوم يف كل مبحث مث يذكر مذهب أهل السنة فيها‪.‬‬
‫عصره أزهى عصور اخلالفة العباسية ألهنا شجعت البحث العلمي‪.‬‬
‫هو‪ :‬ميمون بن حممد بن حممد بن معتمد بن مكحول املولود بسمرقند سنة ‪418‬هـ ‪ ,‬وتويف سنة ‪508‬هـ فهو من علماء القرن اخلامس‬
‫وأوائل السادس‪.‬‬
‫سكن خبارى وهو حنفي املذهب روى عنه شيخ اإلسالم حممود بن امحد الساغرجي وعبد الرشيد الولواجي‬
‫قال عمر بن محمد في كتابه‪ :‬كان علماء الشرق والغرب يغترف من بحاره ويستضيء بأنواره‪ ،‬أصولي فقيه متكلم متبحر في‬
‫العلوم‪ ،‬ترج له صاحب الفوائد البهية يف تراجم احلنفية ص‪ 216‬واألعالم‪.‬‬
‫ومن مؤلفاته‪:‬‬
‫العمدة يف أصول الفقه‪ ،‬حبر الكالم يف علم الكالم‪ ،‬تبصرة األدلة يف علم الكالم‪ ،‬التمهيد لقواعد التوحيد يف علم الكالم‪ ،‬العامل‬
‫واملتعلم‪ ،‬إيضاح احملجة لكون العقل حجة‪ ،‬شرح اجلامع الكبري للشيباين يف فروع احلنفية‪ ،‬مناهج األئمة يف الفروع‪.‬‬
‫كان يف عصره إمام أهل السنة املاتريدية وشيخا عليهم‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫شرح وبيان كيف يؤمن اإلنسان بالقضاء والقدر‬
‫مسألة‪":‬أفعال اإلنسان"‬
‫والشر من خلق اهلل تعالى عند أهل السنة‬
‫ُ‬ ‫الخير‬
‫ُ‬
‫والشر والخير من خلق اإلنسان عند المعتزلة والشيعة‬
‫ُ‬

‫بيان كيف يؤمن المكلف بالقدر‪:‬‬


‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬وكيف تؤمن بالقدر خيره وشره من اهلل تعالى؟)‬
‫تقول‪َّ :‬‬
‫(إن اهللَ) تعاىل (خلق الخالئق وأمر) بالطاعات‪( ،‬ونهى) عن السيئات‪( ,‬وخلق اللوح)‪،‬‬ ‫(فالجواب) أ ْن َ‬
‫الدر والياقوت‪،‬‬
‫وهو لوح من درة بيضاء طوله ما بني السماء واألرض‪ ،‬وعرضه ما بني املشرق واملغرب‪ ,‬وحافتاه ّ‬
‫ودفتاه ياقوتة محراء‪ ,‬وأصله يف ِح ْج ِر ملك‪ ،‬وهو يف اهلواء فوق السماء‪.‬‬
‫وعن ابن عباس أنه قال‪َّ :‬‬
‫إن يف صدر اللوح‪ :‬ال إله إال اهلل وحده‪ ،‬دينه اإلسالم‪ ,‬وحممد عبده ورسوله‪ ,‬فمن آمن‬
‫باهلل عز وجل‪ ،‬وص ّدق بوعيده واتبع رسله أدخله اجلنة‪.1‬‬
‫(والقلم)‪ ,‬وهو قلم من نور‪ ،‬طوله كما بني السماء واألرض‪.2‬‬
‫وعن ابن عباس أنه قال‪ :‬أول ما خلق اهلل القلم‪ ،‬مث قال له‪ :‬اكتب‪ ،‬قال له‪ :‬ما أكتب‪ ،‬قال‪ :‬ما كان وما هو كائن‬
‫إىل يوم القيامة من عمل أو أجل أو رزق أو شر‪ ،‬فجرى القلم مبا هو كائن إىل يوم القيامة‪ ،‬وروى جماهد احلديث‪:‬‬
‫"أول ما خلق اهلل تعاىل القلم‪ ،‬فقال‪ :‬اكتب املقدر‪ ،‬فكتب ما هو كائن إىل يوم القيامة‪ ،‬وإمنا جيري يف الناس على‬
‫أمر قد فرغ منه‪ ،"3‬وذلك هو املراد بقوله رمحه اهلل تعاىل‪( :‬وأمرهما أن يكتبا أعمال العباد)‪ ،‬ﭧ ﭨ ﭽ ﰌ ﰍ‬
‫ٍ‬
‫وقضاء‬ ‫ﰑ ﭼ [ القمر] أي‪ :‬إنا كل شيء من األشياء املخلوقة صغ ِريها وكب ِريها خلقناه بقدر‬ ‫ﰎ ﰏ ﰐ‬
‫وقوة ٍ‬
‫بالغة‪ ،‬وتدب ٍري حُمْ َك ٍم يف وقت معلوم ومكان حمدود‪ ,‬مكتوب ذلك يف‬ ‫حمدودة‪ٍ ,‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وقسمة‬ ‫ٍ‬
‫مضبوط‪,‬‬ ‫ٍ‬
‫وقياس‬ ‫وحك ٍم‬
‫اللوح قبل وقوعه‪ ،‬وﭧ ﭨ ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ [القمر] أي‪ :‬وكل صغري وكبري من اخللق وأعماهلم وآجاهلم‬
‫مكتوب يف اللوح احملفوظ من الشياطني ومن الزيادة فيه والنقصان‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ 2‬هذا تعريف القلم الذي به يكتب مقادير اخلالئق‪.‬‬


‫‪ 3‬الرتمذي يف كتايب القدر عن رسول اهلل‪ ،‬وتفسري القرآن عن رسول اهلل‪ .‬وأبو داود يف كتاب السنة‪ .‬وأمحد يف املسند‪ ،‬باقي مسند‬
‫األنصار‪ ،‬وحديث أول ما خلق اهلل القلم صححه العلماء‪ ،‬وأما حديثا أن أول ما خلق اهلل العقل أن النور احملمدي فضعيفان جدا جدا‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وروي أنه صلى اهلل عليه وسلم قال‪" :‬كتب اهلل مقادير اخلالئق كلها قبل أن خيلق السموات واألرض خبمسني ألف‬
‫عام‪ ،"1‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ال يؤمن عبد حىت يؤمن بأربعة‪ :‬يشهد أن ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل بعثين‬
‫باحلق‪ ،‬ويؤمن بالبعث بعد املوت‪ ،‬ويؤمن بالقدر خريه وشره‪."2‬‬

‫بيان أن الطاعة والمعصية بقضاء اهلل وقدره عند أهل السنة‪:‬‬


‫ِ‬
‫وأمره ورضاهُ‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫(وإرادته‬ ‫‪1‬ـ (فالطاعة)‪ ،‬وهي‪ :‬ما يثاب به‪( ،‬بقضاء اهلل تعالى وقدره في األزل)‪ ،‬أي‪ِ :‬‬
‫الق َدِم‪،‬‬
‫ِ‬
‫وختليقه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وتوفيقه‬ ‫ِ‬
‫وحمبته‬
‫قال بعضهم‪" :‬القضاء"‪ :‬إرادته األزلية املتعلقة باألشياء على ما هي عليه‪.‬‬
‫و"القدر"‪ :‬إجياده إياها على ما يطابق العلم‪.‬‬
‫"فالقضاء" مبنزلة األساس‪ ،‬و"القدر" مبنزلة البناء‪ ،‬والقضاء مبنزلة آلة الكيل‪ ،‬والقدر مبنزلة املكيل‪ ،‬والقضاء مبنزلة ما‬
‫أعد اللبس‪ ،‬والقدر مبنزلة اللبس‪ ،‬والقضاء مبنزلة تصوير النقاش الصورة يف ذهنه‪ ،‬والقدر مبنزلة رمسها‪.‬‬
‫‪2‬ـ (والعصيان) وهو ما يعاقب عليه (بقضاء اهلل تعالى وقدره وإرادته)‪ ،‬أي‪ :‬مشيئته (في األزل) أي‪ :‬القدم‬
‫وختليقه وخذالنه (وليس بأمره وال برضاه) وال مبحبته وال بتوفيقه‪.‬‬
‫ابن احلاك ِم‬
‫مدلول األمر ِ" غريُ " مدلول اإلرادة "‪ ،‬فقد ينفك " األمر " عن " اإلرادة "‪ ،‬كما إذا قتل ُ‬
‫َ‬ ‫واعلم َّ‬
‫أن "‬
‫احلاكم يأمره بقتل ابنه‪ ،‬وال يكون مريداً له‪ ،‬ومعىن " الرضا " قبول الشيء واإلثابة عليه أو ترك‬
‫َ‬ ‫رجالً عمداً‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫التعذيب عليه‪.‬‬
‫وأما "المباحات" فليست بأمره تعاىل‪ ،‬فكل ما علم اهلل تعاىل أنه يوجد أراد وجوده سواء أمر به أو مل يأمر‪.‬‬
‫مث اعلم أن الكافر مأمور بالعمل كما هو مأمور باإلميان‪ ,‬وهذا عند الشافعية ‪ ،‬خالفاً للحنفي حيث قال‪ :‬إن الكافر‬
‫ال يكون مأموراً بالعمل بل هو مأمور باإلميان ودليله قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭼ [احلج]‪ ,‬بناءً على َّ‬
‫أن تفسري‬

‫‪ 1‬رواه مسلم يف كتاب القدر‪.‬‬


‫‪ 2‬رواه الرتمذي يف كتاب القدر‪ .‬وابن ماجة يف املقدمة‪ .‬وأمحد يف املسند‪ ،‬مسند العشرة املبشرين باجلنة‪.‬‬
‫‪ 3‬من قواعد أهل السنة التفريق بني وظيفة صفة اإلرادة ووظيفة صفة الكالم اإلهلية‪ ،‬فاإلرادة عند أهل السنة صفة اختيار خيتار اهلل هبا ما‬
‫يشاء فعله وخلقه وقد خيتار اهلل فعل وخلق اخلري وقد خيتار فعل وخلق الشر كاإلميان والكفر‪ ،‬فكالمها بإرادة اهلل‪ .‬وليس بالضرورة عند‬
‫أهل الس نة أن اهلل إذا أراد واخت ار ش يئا أن حيبه ويرضى عن ه‪ ،‬بل قد خيت ار ويش اء ما يبغضه ويكره ه‪ ،‬وحىت اإلنس ان ف إن أرادته إرادة‬
‫اختي ار وفد خيت ار اإلنس ان بإرادته أم ورا يكرهها كتناوله ال دواء املر العلقم‪ ،‬وهبذا تعلم أن الطاع ات كلها واملعاصي كلها بإرادته‬
‫واختياره ومشيئته‪ ،‬ولكن السؤال الذي جيول يف الصدر هو‪ :‬كيف أفرق بني اختيارات اهلل اليت حيبها وبني اختياراته اليت ال حيبها؟؟؟‬
‫واجلواب عن ذل ك‪ :‬أن ذلك يكون بواسطة أوامره ونواهيه‪ ،‬فإنه تع اىل إذا أمر بفعل فألنه حيبه‪ ،‬وإذا هنى عن فعل فألنه يكرهه‪ ،‬وحنن‬
‫نعرف مجيعا أن األمر والنهي من وظيفة صفة الكالم وذلك ألن األوامر والنواهي راجعة إىل خطاب الشريعة واخلطاب الشرعي راجع‬
‫إىل صفة الكالم اإلهلي‪.‬‬
‫وملخص ما س بق أن اهلل ي أمر بكالمه عن بعض أفعاله اليت اختارها بإرادت ه‪ ،‬وينهى أيضا عن بعض أفعاله اليت اختارها بإرادت ه‪ .‬وهبذا‬
‫يتبني لك أن رضا اهلل وحبه تابع ألوامره وهذا يكون بالكالم‪ ،‬وأن بغضه للشيء وكرهه له تابع لنهيه وهذا يكون بالكالم أيضا‪.‬‬
‫وأما املعتزلة والش يعة فقد قص روا أرادة اهلل على اختي ار اخلري فق ط‪ ،‬وأما الش رور فقد نس بوا خلقها وإجيادها من الع دم إىل الوج ود إىل‬
‫قدرة اإلنسان‪ ،‬ومن هنا جاءت بدعتهم أن اإلنسان خالق ألفعاله‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫هذه اآلية عنده‪ :‬يا أيها املؤمنون أطيعوا‪ ،‬ويا أيها الكافرون آمنوا‪ ،‬ويا أيها املنافقون أخلِصوا‪ ،‬فإن الناس على ثالثة‬
‫أصناف‪:‬‬
‫مؤمن مخلص في إيمانه‪ :‬وهو الذي ّ‬
‫يقر باللسان ويصدق باجلنان ويعمل باألركان‪.‬‬
‫وكافر جاحد في كفره‪ :‬وهو الذي مل يقر بلسانه ومل يؤمن بقلبه‪.‬‬
‫ومنافق مداهن في نفاقه‪ :‬وهو الذي ّ‬
‫أقر بلسانه ومل يؤمن بقلبه وداهن مع املؤمنون‬
‫(وهم يثابون) على الطاعة (ويعاقبون) على العصيان (وكل ذلك)‪ ،‬أي‪ :‬الثواب والعقاب‪( ،‬بوعده تعالى) يف‬
‫الطاعة (ووعيده) يف العصيان‪ ،‬ﭧ ﭨ ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯸﭼ [النازعات]‪.‬‬ ‫ﯮ ﯳ ﭼ [النازعات] أي‪ :‬قيامه بني يدي ربه‪ :‬ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬

‫فصل‬

‫‪40‬‬
‫في أحكام اإليمان‬
‫[الحكم األول]‪ :‬هل أصل اإليمان يتجزأ؟‬
‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل قيل لك‪ :‬اإليمان) أي‪ :‬أصله (يتجزأ) أي‪ :‬يقبل القسمة بأن جيعل أجزاء (أم ال)‪ ,‬قوله‪ :‬اإلميان _ مبد‬
‫اهلمزة _ إذ أصله‪ :‬اإلميان _ هبمزتني _ ف ُقلبت الثانيةُ ألفاً فتمد مداً الزماً‪.‬‬
‫والروح من بني آدم‪ ،‬إذ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعقل‬ ‫(نور في ِ‬
‫القلب‬ ‫(فالجواب) أن تقول‪( :‬اإليمان ال يتجزأ‪ ،‬ألنه) أي‪ :‬اإلميان‪ٌ :‬‬
‫هو) أي‪ :‬اإلميان (هداية اهلل تعالى عليه)‪ ،‬أي‪ :‬املؤمن (فمن أنكر) أي‪ :‬جحد (شيئاً منها) أي‪ :‬من كون اإلميان‬
‫هداية اهلل تعاىل (فقد كفر)‪.‬‬

‫[الحكم الثاني]‪ :‬تعريف اإليمان‪:‬‬


‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬ما المراد باإليمان؟) الذي هو نور وهداية من اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(فالجواب) أن تقول‪ " ( :‬اإليمان " عبارة عن " التوحيد ")‪ ,‬وح ّد " التوحيد " عند " علماء الكالم "‪ :‬إفراد‬
‫ِ‬
‫اعتقاد َو ْح َدتِِه ذاتاً وصفات وأفعاالً‪ ،‬ويقال أيضاً‪ :‬هو اعتقاد ما جيب هلل ورسله‪ ،‬وما جيوز وما‬ ‫املعبود بالعبادة َم َع‬
‫يستحيل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وسكون واقع ذلك يف‬ ‫ٍ‬
‫وحركة‬ ‫كل ٍ‬
‫فعل‬ ‫أن َّ‬ ‫وأما عند " أهل التصوف "‪ :‬فهو أن ال يُرى إال اهللُ تعاىل‪ ,‬بمعنى َّ‬
‫الكون‪ ،‬فمن اهلل تعاىل وحده ال شريك له‪ ,‬ال يرون لغيره تعالى فعالً أصالً‪.‬‬

‫ِ‬
‫باإلميان عالمتُه‪ 1‬كقوله صلى اهلل عليه وسلم لقوم من العرب قدموا عليه صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬أتدرون ما‬ ‫وقد يُراد‬
‫اإلميان باهلل تعاىل وحده؟" فقالوا‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن‬
‫حممداً رسول اهلل‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وأن تعطوا من املغنم اخلمس‪."2‬‬

‫[الحكم الثالث]‪ :‬التفريق بين "أصل" اإليمان وبين "كماله" من أركانه وشروطه وشعبه‪:‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫(وحب‬
‫ُ‬ ‫(والصوم) أي‪ :‬يف رمضان‪( ,‬والزكاةُ) أي‪ :‬لألموال واألبدان‪,‬‬
‫ُ‬ ‫(إذا قيل لك‪ :‬الصالةُ) أي‪ :‬اخلمس‪,‬‬
‫وحب الكتب) أي‪ :‬السماوية اليت أنزهلا اهلل على بعض الرسل‪( ,‬وحب الرسل) واألنبياء – عليهم الصالة‬ ‫ِ‬
‫المالئكة‬
‫ُ‬
‫والسالم – (وحب ال َق َد ِر خي ِره وش ِره من ِ‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬وغير ذلك من األمر والنهي واتباع سنة النبي صلى اهلل‬ ‫ُ‬
‫عليه وسلم أهو) أي‪ :‬املذكور (من اإليمان) أي‪ :‬من حقيقته وأصله (أم ال؟ )‪.‬‬

‫‪ 1‬هذه األمر اليت سيذكرها عبارة عن عالمات لإلميان‪.‬‬


‫‪ 2‬رواه البخاري يف كتاب اإلميان‪ .‬والرتمذي يف كتايب اإلميان عن رسول اهلل‪ ،‬والفرائض إىل اإلميان‪ .‬وأبو داود يف كتاب السنة‪ .‬وأمحد‬
‫يف املسند‪ ،‬ومن مسند بين هاشم‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫(فالجواب) أن تقول‪( :‬ال) أي‪ :‬إن ذلك ليس من حقيقة اإلميان وأصله‪ ،‬بل هو فرع اإلميان‪( ,‬ألن اإليمان عبارة‬
‫عن التوحيد) كما تقدم‪( ,‬وما سوى ذلك) أي‪ :‬املذكور (شرط من شرائط اإليمان) وشعبة من شعب اإلميان‪،‬‬
‫حب ِ‬
‫اهلل‪ ,‬ومالئكته‪ ,‬وأنبيائه‪ ,‬وأوليائه‪ ,‬وخوف عذاب اهلل‪ ,‬ورجاء رمحة اهلل‪ ,‬وتعظيم‬ ‫شرط ِ‬
‫صحة اإلميان ُّ‬ ‫ألن من ِ‬
‫َّ‬
‫أمر اهلل وهنيه‪ ،‬وبغض أعداء اهلل وهم الكفار‪.‬‬
‫ط ٍ‬
‫كمال " على املختار عند أهل السنة‪ ،‬فمن تركها واعتقد وجوهبا‬ ‫وأما الصالة والصوم والزكاة واحلج فهي " شر ُ‬
‫عليه أو ترك واحداً منها كذلك فهو مؤمن كامل يف جريان أحكام املؤمنني يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ألن مرجعه إىل اجلنة‬
‫وإن دخل النار إن مل ينل شفاعة من أحد الشافعني أو غفراناً من اهلل تعاىل‪ ،‬وهو مؤمن ناقص من جهة ضعف‬
‫اإلميان لرتكه لبعض املأمورات‪ ،‬وإن تركها معانداً للشرع‪ ،‬أو شاكاً في وجوبها فهو كافر إجماعاً وكذا إن ترك‬
‫واحداً منها كذلك‪ ،‬ألهنا معلومة من أدلة الدين بالضرورة‪.‬‬
‫واعلم أن أمور الدين أربعة‪:‬‬
‫والشبَ ِه من ضالالت أهل األهواء‪.‬‬
‫أوهلا‪ :‬صحة العقد ‪ :‬بأن تعتقد اعتقاداً صحيحاً خالياً عن الرتديد ُ‬
‫وثانيها‪ :‬صدق القصد‪ :‬بأن تكون صادقاً يف قصدك لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬إمنا األعمال بالنيات"‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬الوفاء بالعهد‪ :‬فإذا عاهدت عهداً تفي به لئال يكون فيك خصلة من النفاق ألن من خصال املنافق إذا‬
‫عاهد غدر‪.‬‬
‫املعاصي كلَّها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ورابعها‪ :‬اجتناب الحد‪ ,‬بأن جتتنب‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫فلو قيل لك‪ " :‬الكفر " يكون " بقضاء " اهلل تعاىل و" قدره "‪ ,‬و" الرضا " بالقضاء والقدر واجب‪ ،‬والرضا بالكفر‬
‫كفر‪ ،‬فكيف اجتماع الواجب والكفر‪.‬‬
‫مقضي ومقدور ال "قضاء" وقدر"‪ ,‬والرضا إمنا جيب بالقضاء والقدر دون املقضي واملقدور‪.‬‬‫ٌ‬ ‫قلت‪" :‬الكفر"‬
‫وأيضاً الشيء املخالف للشرع يكرهه العبد من حيث ذاته‪ ،‬وأما من حيث كونه مقضياً فريضى به مبعىن ال يعرتض‬
‫على مراد اهلل تعاىل فيه‪ ،‬وال يكلف العبد مبحبته ولو من حيث أنه مقضي‪ ،‬وإمنا هو مكلف برتك االعرتاض على اهلل‬
‫واعتقاد احلكمة على ذلك والعدل على اهلل‪.‬‬

‫[الحكم الرابع]‪ :‬أن اإليمان بصفة الطهارة والكفر بصفة النجاسة والحدث‪:‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬اإليمان بصفة الطهارة أم ال؟)‬
‫األعمال‪( ,‬والكفر بصفة الح َد ِ‬
‫ث) أو‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫متلبس (بصفة الطهارة )‪ ,‬فيصح به ُ‬
‫مجيع‬ ‫ٌ‬ ‫نقول‪( :‬اإليما ُن)‬
‫(فالجواب) أ ْن َ‬
‫بصفة النجس كما ﭧ ﭨ ﭽ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ [التوبة] أي‪ :‬يف اعتقادهم دون أبداهنم‪( ,‬وينتقض) أي‪ :‬يبطل (به) أي‪:‬‬
‫ُثيب على ما فعله من القرب اليت‬
‫الكافر أ َ‬
‫ُ‬ ‫الكفر (جميع الجوارح) أي‪ :‬األعمال اليت يعملها بأعضائه‪ْ ،‬‬
‫لكن لو أسلم‬
‫ال حتتاج إىل نية كصدقة‪ ,‬وصلة‪ ,‬وعتق‪ ,‬ونحكم بالصحة من حينئذ‪ ،‬كما نقله الونائي عن النووي‪ ،‬ودليل ذلك‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ [املائدة] أي‪ :‬ومن يرتد عن اإلميان فقد بطل‬
‫عملُه الصاحلُ قبل ذلك‪ ،‬فال يعتد به وال يثاب عليه‪ ،‬ولو عاد إىل اإلسالم‪ ،‬وهو يف اآلخرة من اخلاسرين إذا مات‬
‫على الكفر‪ ،‬واملعىن‪ :‬ومن يكفر بكلمة التوحيد‪ ،‬وهي‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬فقد فسد عمله الصاحل‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫أما من أسلم قبل املوت فإن ثوابه يفسد دون عمله فال جيب عليه إعادة حج قد فعله وال صالة قد صالها قبل‬
‫الردة‪.‬‬

‫[الحكم الخامس]‪ :‬أن اإليمان مخلوق‪:‬‬


‫مسألة‪:‬‬
‫(إذا قيل لك‪ :‬اإليمان مخلوق أو غير مخلوق؟)‬
‫(فالجواب) أن تقول‪( :‬اإليمان هداية من اهلل تعالى‪ ,‬والتصديق بالقلب بما جاء به النبي صلى اهلل عليه وسلم‬
‫من عند اهلل تعالى‪ ,‬واإلقرار) بالشهادتني (باللسان‪" .‬فالهداية" صنع الرب‪ ,‬وهو قديم‪ .‬و" التصديق" و"اإلقرار‬
‫مو َج ٌد بعد العدم‪( ,‬وكل ما جاء من القديم يكون‬ ‫") كل منهما (فعل العبد وهو مح َدث) _ بفتح الدال‪ ،‬أي‪ُْ :‬‬
‫ث يكون محدثاً)‪ ,‬وقال الشيخ أبو معني النسفي‪ :1‬ال يقال َّ‬
‫إن اإلميا َن‬ ‫قديماً) غري خملوق‪( ,‬وكل ما جاء من الم ْح َد ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالقلب ومن اهلل تعاىل اهلداية‬ ‫والتصديق‬ ‫ِ‬
‫اإلقرار باللسان‬ ‫ِ‬
‫إن اإلميا َن من العبد‬ ‫خملوق أو غري ٍ‬
‫خملوق‪ ،‬بل يقال‪َّ :‬‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والتوفيق‪.‬‬
‫بعضهم‪ :‬ال جيوز أن يكون اإلميان امساً للهداية والتوفيق‪ ،‬وإن كان ال يوجد إال هبما ألن العبد مأمور به واألمر‬ ‫وقال ُ‬
‫إمنا يكون فيما هو داخل حتت قدرة العبد‪ ،‬وما كان كذلك يكون خملوقاً؟‬
‫خملوق‪،‬‬
‫باجلنان أو هو مع اإلقرار باللسان‪ ،‬وكل منهما ٌ‬ ‫ِ‬ ‫تصديق‬ ‫خملوق ألنه إما‬
‫أن اإلميا َن ُ‬ ‫الصواب َّ‬ ‫وقال الباجوري‪:2‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫خروج عن حقيقة اإلميان على أن اهلداية حادثة‪ ،‬نعم إن نظرنا إىل أن اإلميان‬ ‫ٌ‬ ‫وما يقال من إنه قدمي باعتبار اهلداية‬
‫بالقضاء األزيل صح أن يقال إنه قدمي‪ ،‬اهـ‪.‬‬

‫‪ 1‬سبقت ترمجته‪.‬‬
‫‪ 2‬سبقت ترمجته‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫وقال حممد اخلليلي‪ 1‬نقالً عن الشمس الرملي‪ 2‬و" اإليمان " عند جمهور المحققين‪ :‬تصديق القلب بما علم‬
‫ضرورة مجيء الرسول صلى اهلل عليه وسلم به من عند اهلل تعالى‪ ،‬وأما اإلقرار باللسان فإنما هو شرط إلجراء‬
‫األحكام في الدنيا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه اإلقرار والتصديق معاً‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه اإلقرار واألعمال‪.‬‬
‫قول منها هو مخلو ٌق‪ ،‬ألنه فعل العبد املخلوق لقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ [الصافات]‪.‬‬‫كل ٍ‬‫وعلى ِّ‬

‫‪ 1‬سبقت ترمجته‪.‬‬
‫‪ 2‬ترمجة الرملي (‪1004 / 919‬هـ)‪:‬‬
‫هو اإلمام األنصاري املعروف بـ [الشافعي الصغير]‪ ،‬حممد بن أمحد بن محزة بن شهاب الدين الرملي‪ ،‬املنويف‪ ،‬املصري‪ ،‬امللقب بـ‬
‫ووالده شهاب الدين أو‪[ :‬الشهاب الرملي] نسبةً إىل "رملة" وهي قرية صغرية قريبا من اهلجر بالقرب من منية‬
‫[مشس الدين] الرملي‪ُ .‬‬
‫(الوجه اهلجري)‪.‬‬
‫ولد مبصر يف شهر مجادى األوىل سنة ‪919‬هـ ونشأ هبا حتت رعاية ِ‬
‫والده اإلمام الشهاب الرملي‪ .‬وكان وال ُده مرجع العلماء في وقته‬
‫بال خالف‪.‬‬
‫فاختلط الفقه بلحمه ودمه منذ الصغر حىت كان والده يقول‪" :‬تركت حممدا حبمد اهلل تعاىل الحيتاج إىل أحد من علماء عصره إال يف‬
‫النادر"‪.‬‬
‫أخذ العلم عن والده وقد أغناه ذلك عن الرتدد على بقية العلماء حيث كان معظمهم من تالميذ والده‪.‬‬
‫والده يف بعض شيوخه كالشيخ زكريا األنصاري‪ ،‬والشيخ برهان الدين ابن أيب شريف‪ ،‬فقد أخذ عنهما كما أخذ عنهما‬ ‫وشارك َ‬ ‫َ‬
‫والده من قبل‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫قال عنه الشيخ عبد الوهاب الشعراين يف طبقاته الوسطى‪ :‬صحْبتُهُ من حني كنت أمحله على كتفي إىل وقتنا هذا فما رأيت عليه ما‬
‫والده‬
‫يشينه يف دينه وال كان يلعب يف صغره مع األطفال بل نشأ على الدين والتقوى والصيانة وحفظ اجلوارح ونقاء العرض‪ ،‬رباه ُ‬
‫والده يف املدرسة "الناصرية" كنت أرى عليه لوائح الصالح والتوفيق فحقق اهلل رجائي‬ ‫فأحسن تربيته‪ ،‬وملا كنت أمحلُه وأنا أقرا على ِ‬
‫ُ‬
‫فيه وأقر عني احملبني‪ ،‬فإنه اآلن مرجع أهل مصر يف حترير الفتاوى وأمجعوا على دينه وورعه وحسن خلقه وكرم نفسه ومل يزل حبمد اهلل‬
‫يف زيادة من ذلك اهـ انتهى‪.‬‬
‫جلس للتدريس بعد وفاة والده‪ ،‬وحضر درسه أكثر تالمذة والده‪ ،‬منهم‪ :‬الشهاب أمحد بن قاسم‪ ،‬والشيخ ناصر الدين الطبالوي‪،‬‬
‫وغريمها‪.‬‬
‫وويل منصب افتاء الشافعية‪ ,‬وأقام عدة مدارس‪.‬‬
‫وكان يدرس يف احلديث والتفسري واألصول والفروع والنحو واملعاين والبيان وبرع يف العلوم النقلية والعقلية‪.‬‬
‫له تآليف نافعة منا‪:‬‬
‫‪ )1‬هناية احملتاج شرح املنهاج‪.‬‬
‫‪ )2‬شرح البهجة الوردية‪.‬‬
‫‪ )3‬عمدة الرابح يف شرح الطريق الواضح‪.‬‬
‫‪ )4‬شرح العباب( مل يتمه)‪.‬‬
‫‪ )5‬شرح الزبد‪ ،‬وهو غري شرح والده‪.‬‬
‫‪ )6‬شرح اإليضاح يف مناسك احلج‪.‬‬
‫‪ )7‬شرح منظومة ابن العماد‪.‬‬
‫‪ )8‬شرح العقود يف النحو‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫إقرار وهدايةٌ‪ ,‬فاإلقرار صنع العبد‪ ,‬وهو‬
‫وأما قول أيب الليث السمرقندي يف جواب‪ [ :‬إنه خملوق أو‪ :‬ال ]‪ :‬اإلميا ُن ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خملوق‪ ,‬والهداية صنع الرب‪ ,‬وهو غري خملوق‪ ،‬ففي ذلك تسمح‪َّ ،‬‬
‫سبب اإلميان ال جزءٌ‬
‫ألن هدايةَ اهلل تعاىل للعبد ُ‬
‫منه‪ ،‬واملسؤول عنه نفس اإلميان ال هو وسببه معاً‪ ,‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وصلى اهلل على سيدنا حممد وآله وصحبه وسلم‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪ )9‬شرح اآلجرومية‪.‬‬
‫‪ )10‬شرح خمتصر الشيخ عبد اهلل بافضل الصغري‪.‬‬
‫‪ )11‬له حاشية على شرح التحرير‪.‬‬
‫‪ )12‬حاشية على العباب‪.‬‬
‫وغري ذلك‪ ،‬حىت قيل‪ :‬عنه أنه جمدد القرن العاشر‪.‬‬
‫وهكذا أمضى عمره كله يف نفع الناس وتعليمهم وتأليف الكتب النافعة املباركة‪ ,‬حىت وافاه األجل احملتوم ببلدة مصر يوم األحد الثالث‬
‫عشر من مجادى األوىل سنة ‪1004‬هـ رضي اهلل عنه ونفعنا بعلومه اهـ انتهى باختصار من كتاب "خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي‬
‫عشر" لـ( احمليب)‪.‬‬

‫‪45‬‬

You might also like