You are on page 1of 138

‫طريقـــــة حفظ‬

‫القـــرآن الكريم‬
‫عنــــد الشناقطة‬
‫ألول مرة ‪ :‬خطة الحفظ المتقن ‪ +‬نظام وجبات‬
‫يساعد على الحفظ‬

‫كتبه الفقير إلى هللا تعالى الغني به ‪:‬‬


‫إبراهيم بن أُبُّ الحسني الشنقيطي‬

‫‪1‬‬
2
‫اإلهداء‬
‫لوالدي‬
‫( رب ارمحهما كما ربياين صغريا )‬
‫اللهم أسألك أن جتعل عملي هذا خالصا لوجهك الكرمي ‪ ،‬وأن جتعل جزاءه‬
‫ثوابا ألمي – رمحها اهلل تعاىل – وأليب – حيفظه اهلل تعاىل – وأن ترحم به‬
‫ُب وأن تسكنه به فسيح‬ ‫أخي املغفور له الدكتور ‪ :‬حممد األمني بن أ ُّ‬
‫جناتك‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫شكر وتقدير‬
‫احلمد والشكر هلل أوال وآخرا ؛ فهو الذي نعمه ال تعد ‪ ،‬وفضله ال حيصى ‪،‬‬
‫وهو الذي بتفضله وكرمه أعان على إمتام هذا اجلهد ‪ ،‬ويسره ‪ ،‬فله احلمد‬
‫الدائم والشكر األبدي‪..‬‬
‫إيل نصحا مفيدا ‪ ،‬أو‬
‫وإن من متام شكر اهلل تعاىل أن أشكر كل من أسدى ّ‬
‫رأيا صائبا ؛ وقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ال يشكر اهلل من‬
‫ال يشكر الناس ) (‪ ، )1‬وأخص بذلك كال من ‪:‬‬
‫ُب احلسين‪ .‬الشيخ ‪ :‬حممد حيي بن سعيد اهلامشي‪.‬‬ ‫الشيخ ‪ :‬حممد بن أ ُّ‬
‫الشيخ ‪ :‬إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدي‪.‬‬
‫الشيخ الدكتور ‪ :‬حممد بن سيدي بن احلبيب‪ .‬الشيخ ‪ :‬حممد مبارك السالك‬
‫ويف احلقيقة أنه ال تأخري يف هؤالء املشايخ حفظهم اهلل ؛ وإن أخر بعضهم‬
‫يف الكتابة فللضرورة وكلهم مقدمون ‪ ،‬فجزاهم اهلل عين خري اجلزاء ‪،‬‬
‫وجعل جهودهم اليت أعانوين هبا على إخراج هذا العمل املبارك‪ s‬يف موازين‬
‫حسناهتم ‪ ،‬ووفقين وإياهم لكل خري‪.‬‬

‫() رواه "أبو داود" يف سننه باب شكر املعروف ‪4811‬حديث رقم ج ‪ 4‬ص ‪255‬‬ ‫‪1‬‬

‫و"الرتمذي" يف سننه باب ما جاء يف شكر من أحسن إليك حديث رقم ‪ 1954‬ج ‪ 4‬ص‬
‫‪ 339‬وقال ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح ‪ .‬واحلديث صححه األلباين يف خترجيه لسنن أيب‬
‫داود والرتمذي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫حفظه اهلل ‪.‬‬ ‫تقريظ فضيلة الشيخ الدكتور ‪ :‬محمد بن سيدي بن الحبيب‬

‫أما بعد ‪:‬‬ ‫احلمد هلل رب العاملني وأصلي وأسلم على أفضل املرسلني‬
‫فقد قرأ علي إبراهيم بن حممد عبد اهلل احلسين حبثه املعنون ب ( طريقة حفظ‬
‫القرآن الكريم عند الشناقطة ) فإذا هو أجاد وأفاد حيث رتب البحث على‬
‫مراحل احلفظ ترتيبا دقيقا جيدا ذكر فيه صفات املعلم واملتعلمني وآداب‬
‫كل منهم وما ينبغي‪ s‬أن يتصف به املعلم من األخالق وما هو ضروري له‬
‫من العلوم وذكر العادات اجلارية بني املعلم والتالميذ وبني املعلم وأولياء‬
‫أمور التالميذ وعلى كل حال فهذا البحث جيد جدا يظهر من خالله أن‬
‫صاحبه مارس هذه املهنة وعاصر أهلها أحسبه كذلك وال أزكي على اهلل‬
‫أحدا ‪.‬‬

‫كتبه يف ‪ 1427 / 3 / 29‬هـ الدكتور حممد بن سيدي بن احلبيب‬


‫عضو هيئة التدريس جبامعة أم القرى مبكة املكرمة ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫حفظه اهلل‬ ‫تقريظ فضيلة الشيخ ‪ :‬محمد مبارك السالك‬
‫احلمد هلل والصالة‪ s‬والسالم على سيد األنبياء واملرسلني وعلى آله وصحابته‬
‫أما بعد ‪:‬‬ ‫أمجعني ‪..‬‬
‫فقد اطلعت على ما كتبه األخ الفاضل ‪ :‬إبراهيم بن أب يف طريقة حفظ‬
‫القرآن الكريم عند الشناقطة ‪..‬‬
‫وقد استمتعت‪ s‬واستفدت من قراءته حيث وجدت فيه الكثري مما جيب‬
‫االهتمام به يف حفظ القرآن الكرمي يف وقتنا احلاضر ‪ ،‬هذا الوقت الذي‬
‫جتتاح العامل فيه دعوات تربوية تنبذ احلفظ وتسخر من الذين يهتمون به ‪،‬‬
‫جاعلة مكان ذلك احلرص على الفهم فحسب ‪ ،‬ومع أين ال أعرف إن كان‬
‫ذلك من قبيل احلرب على الثقافة اإلسالمية‪ s‬بشموهلا وعلى القرآن الكرمي‬
‫خبصوصه ؛ فإنين أراه خطأ جسيما يف كل األحوال ؛ فالعلوم كلها ال ميكن‬
‫أن تستغين عن احلفظ ‪ ،‬والذاكرة املنفصلة ال تغين عن الذاكرة املتصلة دائما‪.‬‬
‫ومع ترحييب مبا هو واضح من عودة الناس إىل االهتمام بكتاب اهلل فإنين ال‬
‫أعتقد أن ما يبذل يف سبيل ذلك من الوقت واجلهد واملال كاف لتحقيق‬
‫نتائج حتتاج األمة بإحلاح إىل جنيها ‪.‬‬
‫وأمتىن أن يوضع ما كتبه األخ إبراهيم بني يدي رب كل أسرة مسلمة حىت‬
‫يدرك ما عليه حال األمة يف زمن القوة واالزدهار وما حنن عليه اليوم‪ s‬؛ لكي‬
‫يشمر اجلميع عن ساعد اجلد لعلهم أن يسامهوا يف إنقاذ األمة من حاهلا‬
‫الراهن املزري الذي تعيش فيه ‪ ،‬والذي ال ختفى معامله على ذي عينني ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ويف نظري أن هذا الكتاب بأصالته اللغوية واعتماده الواضح على النصوص‪s‬‬
‫األصلية من اآليات القرآنية ‪ ،‬واألحاديث النبوية املنسوبة إىل مصادرها‬
‫األساسية‪ s‬جدير بأن يأخذ مكانه املناسب يف املكتبة‪ s‬العربية اإلسالمية‪. s‬‬
‫هذا الكتاب – أعين القرآن الكرمي ‪ -‬الذي غطى مساحة كبرية من الزمن‬
‫اإلسالمي الذي بدأ بدرس غاية يف األمهية ‪ ،‬شيخه واحد هو ‪ :‬جربيل عليه‬
‫السالم ‪ ،‬وتلميذه واحد هو ‪ :‬حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬هذا الدرس الذي‬
‫كان نقطة البداية‪ s‬يف احللقة األخرية من حلقات الوحي اإلهلي ألهل األرض‬
‫؛ فال نيب بعد حممد صلى اهلل عليه وسلم وهو درس جتلت فيه حكمة‬
‫الضغط على املتعلم ؛ "فغطين حىت بلغ مين اجلهد" ‪ ،‬وهو أمر يشعر بأمهية‪ s‬ما‬
‫ميكن تسميته الضرب الرتبوي ‪.‬‬
‫وألن الوقت ال يتسع لإلطالة فإنين أكتفي هبذه اإلشارات العابرة سائال‬
‫املوىل هلذا الكاتب‪ s‬أن يوفقه ويأخذ بيده إىل الصواب‪ s‬ويعينه على الصرب يف‬
‫هذا الطريق الشاق ‪ ،‬وأوصيه بصدق النية والتوكل على اهلل ‪.‬‬
‫كتبه الفقري إىل ربه ‪ :‬حممد مبارك السالك‬
‫حماضر سابق يف جامعة أم القرى مبكة املكرمة‬

‫‪7‬‬
‫حفظه‬ ‫تقريظ الشيخ ‪ :‬موالي بن حمين الحسني (‪ )1‬الشنقيطي‬
‫اهلل‬

‫حبث تناول من أغلى املضاميـن‬ ‫حبث "الطريقة" روض من أفانيـن‬


‫عاشوا زمانا على الزيتون والتيـن‬ ‫قوما أرادوا كتاب اهلل يف شغـف‬
‫نبض القلوب على مر األحاييـن‬ ‫احلفظ رائدهم والعـلم عندهـم‬
‫يف الفقه يف الفهم يف حنو الدماميين‬ ‫حيكي طريقة قوم يف تعلمه ــم‬
‫ريق شعار أو عناويــن‬
‫ليست بَ َ‬ ‫يفيــد صاحبه علما وجتربــة‬
‫ذخرا له ورصيدا يف املوازيــن‬ ‫جهد يعد له واهلل جيعل ـ ــه‬

‫() نسبة إىل قبيلة "إداب حلسن" وهي من قبائل الزوايا املعروفة يف موريتانيا‪.‬‬‫‪1‬‬

‫‪8‬‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫المقدمة ‪:‬‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ، s‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له ‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن حممدا عبده‬
‫ورسوله ‪" ،‬يا أيها الذين آمنوا‪ s‬اتقوا اهلل حق تقاته وال متوتن إال وأنتم‬
‫مسلمون"(‪" )1‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق‬
‫منها زوجها وبث منهما رجاال كثريا ونساء واتقوا‪ s‬اهلل الذي تساءلون به‬
‫واألرحام إن اهلل كان عليكم رقيبا"(‪" ، )2‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا‪ s‬اهلل وقولوا‬
‫قوال سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع اهلل ورسوله‬
‫فقد فاز فوزا عظيما"(‪ )3‬أما بعد (‪ :)4‬فإنه مما ال خيتلف فيه اثنان من‬
‫املسلمني أن العلم باهلل تعاىل هو أشرف العلوم على اإلطالق ‪ ،‬وأجلها‬
‫باالتفاق ‪ ،‬وهو غاية الصلحاء ‪ ،‬ومرمى النجباء ‪ ،‬هو طريق الفالح والنجاح‬

‫() آل عمران اآلية ‪102‬‬ ‫‪1‬‬

‫() النساء اآلية ‪1‬‬


‫‪2‬‬

‫() األحزاب اآلية ‪71 - 70‬‬ ‫‪3‬‬

‫() هذه تسمى خطبة احلاجة ‪ ،‬وقد رواها "أبو داود" يف سننه ‪ ،‬باب خطبة النكاح ‪،‬‬‫‪4‬‬

‫حديث رقم ‪ 2118‬ج ‪ 2‬ص ‪ 238‬و"النسائي" يف سننه ‪ ،‬باب اخلطبة ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪ 1404‬ج ‪ 3‬ص ‪104‬‬

‫‪9‬‬
‫يف الدنيا واآلخرة ‪ ،‬من وفق له اهتدى ‪ ،‬ومن حاد عنه غوى ‪ ،‬ومن ارتقى‬
‫به رقي ‪ ،‬ومن اهتدى به هدي ‪..‬‬
‫وليس من طريق للعلم باهلل تعاىل إال مبعرفة كتابه ‪ ،‬وحفظ آياته ‪ ،‬وتدبر‬
‫معانيه والعمل مبحكمه ‪ ،‬واإلميان مبتشاهبه ‪..‬‬
‫ولذا فقد كان السلف الصاحل حيرصون كل احلرص على تعليم أطفاهلم‬
‫كتاب اهلل تعاىل حىت يرسخ يف أذهاهنم ‪ ،‬فينشؤوا على الفطرة ‪ ،‬وتسبق إىل‬
‫قلوهبم أنوار احلكمة‪.‬‬
‫قال العالمة املؤرخ ابن خلدون (‪ – )1‬رمحه اهلل تعاىل – يف مقدمته ‪:‬‬
‫( تعليم الولدان‪ s‬للقرآن شعار من شعائر الدين ‪ ،‬أخذ به أهل امللة ‪ ،‬ودرجوا‬
‫عليه يف مجيع أمصارهم ؛ ملا يسبق إىل القلوب من رسوخ اإلميان وعقائده ؛‬
‫بسبب آيات القرآن ‪ ،‬ومتون األحاديث ‪ ،‬وصار القرآن أصل التعليم الذي‬
‫(‪)2‬‬
‫ينبين عليه ما حيصل من امللكات )‬
‫() هو ‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن حممد بن حممد بن احلسن بن حممد بن جابر ‪ ،‬اإلشبيلي‬ ‫‪1‬‬

‫األصل ‪ ،‬التونسي ‪ ،‬مث القاهري ‪ ،‬املالكي ‪ ،‬املعروف بابن خلدون ‪ ،‬ولد يف أول رمضان‬
‫سنة ‪ 732‬هـ بتونس ‪ ،‬وحفظ القرآن ‪ ،‬والشاطبية ‪ ،‬وخمتصر ابن احلاجب ‪ ،‬والتسهيل يف‬
‫النحو ‪ ،‬وتفقه جبماعة من أهل بلده ‪ ،‬ومسع احلديث هنالك ‪ ،‬وقرأ يف كثري من الفنون ‪،‬‬
‫ومهر يف مجيع ذلك ‪ ،‬السيما األدب ‪ ،‬وفن الكتابة ‪ ،‬ويل القضاء مث عزل ‪ ،‬مث أعيد حىت‬
‫مات قاضيا يف يوم األربعاء ألربع بقني من رمضان سنة ‪ 808‬هـ‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف "البدر الطالع" ج‪ 1‬ص‪337‬‬
‫() انظر ‪" :‬مقدمة ابن خلدون" ص ‪ 397‬نقال عن كتاب "أطفال املسلمني كيف رباهم‬ ‫‪2‬‬

‫النيب األمني" ص ‪168‬‬

‫‪10‬‬
‫وإذا كان تعليم القرآن الكرمي لألطفال هو ديدن السلف الصاحل ‪ ،‬وحمل‬
‫اهتمامهم ورعايتهم ؛ فلقد كان للشناقطة حظ ال يستهان به من ذلك‬
‫االهتمام وتلك الرعاية ‪ ،‬فحرصوا على أن يكون‪ s‬القرآن الكرمي هو اللبنة‬
‫األوىل ‪ ،‬وحجر األساس يف تعليم أطفاهلم وناشئتهم ‪ ،‬وبذلوا كل طاقاهتم‬
‫وجهودهم للوصول إىل حفظه ؛ حفظا ال يكاد ينسى مع مشاغل احلياة‬
‫املتكاثرة ‪...‬‬
‫وسوف أذكر هنا الطريقة اليت اتبعوها للوصول هلذا اهلدف السامي ‪،‬‬
‫والوسائل اليت وضعوها لبلوغ هذه الغاية النبيلة ‪ ،‬مع بعض الفوائد‪ s‬املتعلقة‬
‫هبذا املوضوع ‪..‬‬
‫وحملاولة الوصول هلذا اهلدف قسمت هذه العجالة إىل مقدمة ‪ ،‬وتسعة‬
‫مباحث وخامتة ‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬تعريفات مهمة‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬تعريف احلفظ‪.‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬تعريف القرآن الكرمي لغة ‪ ،‬واصطالحا‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬بعض األدلة من الكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬وعمل سلف األمة ‪،‬‬
‫على الرتغيب‪ s‬يف حفظ القرآن الكرمي ‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬بعض األدلة من كتاب اهلل تعاىل على الرتغيب‪ s‬يف حفظه ‪،‬‬
‫وتالوته‪s.‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬بعض األدلة من السنة على الرتغيب يف حفظ القرآن الكرمي‪.‬‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬اهتمام السلف الصاحل حبفظ كتاب اهلل تعاىل ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫املبحث الثالث‪ : s‬من فوائد حفظ القرآن‪.‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬أمور أساسية تعني على حفظ كتاب اهلل تعاىل‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬اغتنام‪ s‬سن الطفولة والصغر ‪.‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬اغتنام‪ s‬األوقات املناسبة للحفظ ‪.‬‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬اتباع اخلطوات اليت تسهل عملية احلفظ‪.‬‬
‫املطلب الرابع ‪ :‬أمور تضعف الذاكرة ‪ ،‬وتعيق عملية احلفظ ‪.‬‬
‫املبحث اخلامس ‪ :‬طريقة الشناقطة يف حفظ كتاب اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬التعريف بالشناقطة ‪.‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬صفات الشيخ الذي يتوىل التدريس عند الشناقطة‪.‬‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬الصالحيات املمنوحة لشيخ احملضرة‪.‬‬
‫املطلب الرابع ‪ :‬سرد طريقة الشناقطة يف حفظ كتاب اهلل تعاىل‪.‬‬
‫املطلب اخلامس ‪ :‬أهم القواعد املتبعة يف احملضرة ‪.‬‬
‫املطلب السادس ‪ :‬أقرب الطرق الرتبوية‪ s‬إىل طريقة الشناقطة‪.‬‬
‫املبحث السادس ‪ :‬مشكلة النسيان ‪ ،‬وكيف عاجلها الشناقطة ‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬تعريف النسيان‪s‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬التغليظ يف نسيان القرآن الكرمي بعد حفظه ‪.‬‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬عالج الشناقطة للنسيان‪s.‬‬
‫املبحث السابع ‪ :‬بعض املآخذ على طريقة الشناقطة يف احلفظ‬
‫املبحث الثامن ‪ :‬بعض األخطاء الشائعة يف تالوة القرآن الكرمي‬
‫املبحث التاسع ‪ :‬خطة احلفظ املتقن‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫اخلامتــة ‪.‬‬

‫‪13‬‬
14
‫المبحث األول ‪ :‬تعريفات مهمة‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعريف الحفظ ‪:‬‬
‫احلفظ ‪ :‬ضبط الصور املدركة ‪ ،‬وقيل هو تأكد املعقول واستحكامه‪ s‬يف‬
‫العقل ‪ ،‬وقيل هو التعاهد وقلة الغفلة نقيض النسيان‪ ، s‬ويقال تارة هليئة‬
‫النفس اليت هبا يثبت ما يؤدي إليه التفهم ‪ ،‬وتارة لضبط الشيء يف النفس ‪،‬‬
‫وتارة الستعمال تلك القوة‪ s‬؛ فيقال حفظت كذا حفظا ‪ ،‬مث استعمل يف كل‬
‫(‪)1‬‬
‫تفقد ‪ ،‬وتعهد ورعاية‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تعريف القرآن الكريم‬
‫أ ‪ -‬القرآن الكريم في اللغة ‪:‬‬
‫اختلف أهل اللغة يف لفظة القرآن على فريقني ‪:‬‬
‫‪ – 1‬الفريق األول قال إهنا مشتقة ‪ ،‬وانقسموا‪ s‬إىل ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫أ – أهنا مشتقة من "قرأ" اليت مبعىن اجلمع والضم ‪ ،‬أي ضم ومجع احلروف‬
‫بعضها إىل بعض‪.‬‬
‫ب – أهنا مشتقة من "قرأ" اليت مبعىن أظهر وبني ‪ ،‬ألن القارئ يظهره ويبينه‪.‬‬
‫ج – أهنا مشتقة من "قرأ" مبعىن تال ‪ ،‬فتكون‪ s‬مصدرا على وزن فعالن ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كرجحان ‪ ،‬وغفران ‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫() انظر ‪" :‬لسان العرب" ج ‪ 7‬ص ‪ 441‬و "التعريفات" ج ‪ 1‬ص ‪285‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر"مناهل العرفان" ج‪1‬ص‪ 7‬و"مباحث يف علوم القرآن" مناع القطان ص‪20‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ – 2‬أما الفريق اآلخر فقال ‪ :‬إن لفظة القرآن غري مشتقة ‪ ،‬وإمنا هي علم‬
‫على كتاب اهلل املنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فإذا أطلقت ال‬
‫(‪)1‬‬
‫تنصرف إال إليه شأهنا يف ذلك شأن الزبور ‪ ،‬والتوراة ‪ ،‬واإلجنيل وغريها‪.‬‬
‫ولذلك مل جيدوا لفظا جيمعون عليه كلمة قرآن من لفظه ؛ فاستحدثوا كلمة‬
‫(‪)2‬‬
‫"مصحف" ؛ لينطقوا‪ s‬هبا يف صيغة اجلمع‪.‬‬
‫ويعرتض عليه بأن املصحف إمنا يقال للصحائف املدون فيها القرآن ‪ ،‬أما‬
‫القرآن فهو األلفاظ ذاهتا‪.‬‬
‫وقال الزرقاين تعليقا على األقوال السابقة ‪ .. ( :‬وأما القول بأنه وصف من‬
‫القرء مبعىن اجلمع ‪ ،‬أو أنه مشتق من القرائن ‪ ،‬أو أنه مشتق من قرنت الشيء‬
‫بالشيء ‪ ،‬أو أنه مرجتل أي موضوع من أول األمر علما على الكالم املعجز‬
‫املنزل ‪ ،‬غري مهموز ‪ ،‬وال جمرد من أل ؛ فكل ذلك ال يظهر له وجه وجيه ‪،‬‬
‫وال خيلو توجيه بعضه من كلفة ‪ ،‬وال من بعد عن قواعد االشتقاق ‪ ،‬وموارد‬
‫اللغة وعلى الرأي املختار ‪ ،‬فلفظ القرآن مهموز ‪ ،‬وإذا حذف مهزه فإمنا‬
‫ذلك للتخفيف وإذا دخلته أل بعد التسمية ؛ فإمنا هي للمح األصل ال‬
‫(‪)3‬‬
‫للتعريف )‪.‬‬

‫() انظر ‪" :‬مناهل العرفان" ج‪ 1‬ص‪7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪" :‬اإلتقان يف علوم القرآن" ج‪ 1‬ص‪.185‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪" :‬مناهل العرفان" ج ‪ 1‬ص ‪8 -7‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪16‬‬
‫ب ‪ -‬القرآن في االصطالح ‪:‬‬
‫أما القرآن الكرمي يف االصطالح ؛ فقد عرف بأنه ‪ :‬كالم اهلل املعجز املنزل‬
‫(‪)1‬‬
‫على حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬املنقول‪ s‬إلينا بالتواتر املتعبد بتالوته‪s.‬‬
‫وكل مفردة من مفردات هذا التعريف أضافت قيدا ‪ ،‬خيرج ما سوى القرآن‬
‫الكرمي ؛ فلفظة كالم اهلل تشمل كل كالم تكلم به سبحانه يف هذا الكتاب‬
‫الكرمي ‪ :‬املفرد منه ‪ ،‬واملركب (‪ )2‬وإضافته إىل اهلل تعاىل خُت رج كالم غريه ‪،‬‬
‫من املالئكة ‪ ،‬واإلنس ‪ ،‬واجلن ‪ ،‬وغريهم ‪.‬‬
‫ولفظ "املنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم" قيد خيرج به ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أ‪ -‬كالم اهلل تعاىل الذي استأثر به يف علمه ‪ ،‬فال يسمى قرآنا‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ما أُنزل على األنبياء‪ s‬السابقني قبله ‪ ،‬كصحف إبراهيم ‪ ،‬والتوراة ‪،‬‬
‫واإلجنيل ‪ ،‬والزبور ‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫ولفظ " املنقول إلينا بالتواتر " خيرج مجيع ما سوى القرآن من منسوخ‬

‫() انظر ‪" :‬التعاريف" ج‪ 1‬ص‪578‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪" :‬مناهل العرفان" ج‪ 1‬ص‪13‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪" :‬مباحث يف علوم القرآن" مناع القطان ص‪21‬‬‫‪3‬‬

‫‪17‬‬
‫(‪)2‬‬
‫التالوة‪ ،)1(s‬والقراءات غري املتواترة‪.‬‬
‫أما لفظ "املتعبد بتالوته" فإنه خيرج األحاديث القدسية املنقولة‪ s‬بالتواتر ؛‬
‫ألهنا ال يتعبد بتالوهتا ‪ ،‬ال يف الصالة ‪ ،‬وال يف غريها ‪.‬‬
‫وقد عرف القرآن الكرمي بتعريفات كثرية ‪ ،‬فيها إضافات ‪ ،‬واحرتازات ‪،‬‬
‫وقيود كثرية ‪.‬‬
‫وأدق التعريفات يف نظري أن القرآن هو ‪ :‬كالم اهلل تعاىل ‪ ،‬املنزل على‬
‫حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬املتعبد بتالوته‪ ، s‬املنقول إلينا بالتواتر‪.‬‬
‫فهو تعريف جامع مانع – إن شاء اهلل ‪ -‬ومجيع الزيادات على هذا التعريف‬
‫‪ ،‬ال ختلو – يف نظري ‪ -‬من نظر ‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() منسوخ التالوة ‪ :‬يطلق على اآليات اليت نسخ لفظها ‪ ،‬كآية الرجم ‪ ،‬وهي ‪" :‬الشيخ ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫والشيخة إذا زنيا ؛ فارمجوهم البتة نكاال من اهلل ‪ ،‬واهلل عزيز حكيم" وكآية االدعاء لغري‬
‫األب على قول بعضهم ‪ ،‬وهي‪" :‬وال ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن‬
‫آبائكم"‪.‬‬
‫() انظر ‪" :‬مناهل العرفان" ج‪ 1‬ص‪13‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪18‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬بعض األدلة من الكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬وعمل سلف األمة على‬
‫الترغيب في حفظ القرآن الكريم‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬بعض األدلة من كتاب اهلل تعالى على الترغيب في حفظه‬
‫وتالوته‪.‬‬
‫إن أمهية حفظ القرآن الكرمي ال ختفى على مسلم ‪ ،‬فهو املعجزة اخلالدة للنيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وهو الذي ال تنقضي‪ s‬عجائبه ‪ ،‬وال ميل مع كثرة‬
‫التكرار ‪ ،‬فيه خرب ما كان وما سيكون ‪ ،‬فيه تنظيم حياة الفرد واجملتمعات‬
‫‪ ،‬إن أراد اإلنسان‪ s‬الفالح يف الدنيا واآلخرة فليعتصم به ‪ ،‬وإن أحب التقدم‬
‫املادي واملعنوي فلينهل من معينه ‪ ،‬وليستمسك هبديه ‪...‬‬
‫ومن نعم اهلل على أفراد هذه األمة أن خصهم هبذا الكتاب الكرمي ‪ ،‬وجعل‬
‫قلوهبم أناجيل (‪ )1‬يتلون كتابه مىت شاؤوا ‪ ،‬وعلى أي حال أرادوا ‪.‬‬
‫قال قتادة (‪ ( : )2‬وكان من قبلكم من األمم يقرؤون كتاهبم نظرا ‪ ،‬فإذا‬

‫() اإلجنيل اسم كتاب اهلل تعاىل الذي أنزله على عيسى بن مرمي ‪ ،‬ومجعه أناجيل ‪ ،‬قيل إنه‬ ‫‪1‬‬

‫اسم عريب ‪ ،‬وقيل هو عرباين ‪ ،‬وقيل سريياين ‪ ،‬وعلى القول األول ‪ ،‬قيل مشتق من "النجل"‬
‫وهو األصل ‪ ،‬يقال ‪ :‬هو كرمي النَّ ْـجل أَي األَصل والطَّْبع ‪ ،‬أو من جنلت الشيء أي أظهرته‬
‫‪ ،‬أو من جنله إذا استخرجه ‪ .‬انظر ‪" :‬تاج العروس" ج ‪ 8‬ص ‪ 128‬و "لسان العرب" ج‬
‫‪ 11‬ص ‪ 648‬و "النهاية" ج ‪ 5‬ص ‪22‬‬
‫() هو ‪ :‬قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز السدوسي ‪ ،‬حافظ العصر ‪ ،‬قدوة املفسرين ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫واحملدثني ‪ ،‬أبو اخلطاب السدوسي البصري الضرير األكمه ‪ ،‬وسدوس هو ابن شيبان بن‬
‫ذهل بن ثعلبة من بكر بن وائل ‪ ،‬ولد سنة ستني ‪ ،‬وروى عن عبد اهلل بن سرجس ‪ ،‬وأنس‬
‫بن مالك ‪ ،‬وأيب الطفيل الكناين ‪ ،‬وسعيد بن املسيب ‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬وروى عنه أئمة اإلسالم‬

‫‪19‬‬
‫رفعوه مل حيفظوا منه شيئا ‪ ،‬ومل يعوه ‪ ،‬وإن اهلل تعاىل أعطاكم من احلفظ‬
‫شيئا مل يعطه أحدا من األمم قبلكم ‪ ،‬خاصة خصكم اهلل هبا ‪ ،‬وكرامة‬
‫(‪)1‬‬
‫أكرمكم اهلل هبا )‪.‬‬
‫ولعظمة هذا لكتاب الكرمي فقد امنت اهلل سبحانه على عباده بإرساله رسوال‬
‫يتلو عليهم آياته قال تعاىل ‪ ( :‬هو الذي بعث يف األميني رسوال منهم يتلوا‬
‫عليهم آياته ويزكيهم ‪ ،‬ويعلمهم الكتاب واحلكمة ‪ ،‬وإن كانوا من قبل لفي‬
‫(‪)2‬‬
‫ضالل مبني )‬

‫‪ :‬أيوب السختياين ‪ ،‬وابن أيب عروبة ‪ ،‬ومعمر بن راشد ‪ ،‬واألوزاعي ‪ ،‬قال الذهيب ‪ ( :‬وهو‬
‫حجة باإلمجاع إذا بني السماع ؛ فإنه مدلس معروف بذلك ‪ ،‬وكان يرى القدر نسأل اهلل‬
‫العفو ‪ ،‬ومع هذا فما توقف أحد يف صدقه ‪ ،‬وعدالته ‪ ،‬وحفظه ‪ ،‬ولعل اهلل يعذر أمثاله ممن‬
‫تلبس ببدعة يريد هبا تعظيم الباري ‪ ،‬وتنزيهه ‪ ،‬وبذل وسعه ‪ ،‬واهلل حكم عدل لطيف‬
‫بعباده ‪ ،‬وال يسأل عما يفعل ‪ ،‬مث إن الكبري من أئمة العلم إذا كثر صوابه ‪ ،‬وعلم حتريه‬
‫للحق‪ ، s‬واتسع علمه ‪ ،‬وظهر ذكاؤه ‪ ،‬وعرف صالحه ‪ ،‬وورعه ‪ ،‬واتباعه ‪ ،‬نغفر له زالته‬
‫‪ ،‬وال نضلله ‪ ،‬ونطرحه ‪ ،‬وننسى حماسنه ‪ ،‬نعم ‪ ،‬وال نقتدي به يف بدعته ‪ ،‬وخطئه ‪،‬‬
‫ونرجوا له التوبة من ذلك ) قلت ‪ :‬ومما يدل على ورعه ‪ ،‬وخوفه من اهلل ‪ ،‬ما روي عن‬
‫أيب هالل ‪ ،‬قال ‪ :‬سألت قتادة عن مسألة ؛ فقال ‪ :‬ال أدري ؛ فقلت ‪ :‬قل فيها برأيك ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ما قلت برأيي منذ أربعني سنة ‪ ،‬وكان يومئذ له حنو من مخسني سنة ‪ .‬قال الذهيب ‪:‬‬
‫فدل على أنه ما قال يف العلم شيئا برأيه ‪ ،‬تويف – رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬سنة مثاين عشرة ومائة‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬سري أعالم النبالء" ج‪ 5‬ص‪ 269‬و "طبقات احلنفية" ج‪ 1‬ص‪548‬‬
‫() انظر ‪" :‬متشابه القرآن العظيم" ص‪22 - 21‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اجلمعة اآلية ‪2‬‬


‫‪2‬‬

‫‪20‬‬
‫ورغب تعاىل يف حفظه يف آيات متعددة ‪ ،‬فقال جل من قائل ‪ ( :‬إن الذين‬
‫يتلون كتاب اهلل وأقاموا الصالة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعالنية‪ s‬يرجون‬
‫(‪)1‬‬
‫جتارة لن تبور )‪.‬‬
‫قال اإلمام الشوكاين (‪ – )2‬رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬أي يستمرون عــلى‬
‫تالوته ‪ ،‬ويداوموهنا ‪ ،‬والكتاب هو القرآن الكرمي ‪ ،‬وال وجه ملا قيل ‪ :‬إن‬
‫(‪)3‬‬
‫املراد به جنس كتب اهلل )‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن املداومة‪ s‬على تالوته تستلزم حفظه ‪ ،‬وتصعب مع عدم احلفظ‬
‫‪ ،‬فقد يكون‪ s‬اإلنسان يف مكان ال جيد فيه مصحفا ‪ ،‬أو هو مشغول عن فتح‬
‫املصحف والنظر فيه ‪ ،‬كما إذا كان يسوق السيارة وحنو ذلك ‪ ،‬فإذا كان‬
‫حيفظه عن ظهر قلب ‪ ،‬كان ذلك أدعى ملداومته على تالوته ‪ ،‬كما هو‬
‫ظاهر‪.‬‬

‫() فاطر اآلية ‪29‬‬


‫‪1‬‬

‫() هو ‪ :‬حممد بن علي بن حممد الشوكاين اإلمام العالمة الرباين‪ ،‬حبر العلوم ومشس الفهوم‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،‬ولد سنة ‪ 1173‬ه ـ وأخذ عن أغلب علماء زمانه خمتلف العلوم ‪ ،‬وبرع يف جلها ‪،‬‬
‫صنف كثريا من التصانيف املفيدة من أمهها ‪" :‬نيل األوطار شرح منتقى األخبار" و "فتح‬
‫القدير" يف التفسري ‪ ،‬وغريمها ‪ ،‬ومن آخر ما ألف كتابه ‪" :‬السيل اجلرار املتدفق على حدائق‬
‫األزهار" تويف يف مجادى اآلخرة سنة ‪ 1250‬هـ رمحه اهلل تعاىل ‪ .‬انظر ترمجته يف ‪" :‬أجبد‬
‫العلوم" ج‪ 3‬ص‪201‬‬
‫() انظر ‪" :‬فتح القدير" ج ‪ 4‬ص ‪348‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪21‬‬
‫وقال ابن اجلوزي (‪ – )1‬رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬قوله تعاىل ‪" :‬إن الذين يتلون‬
‫مطرف‬
‫كتاب اهلل" يعين قراء القرآن ؛ فأثىن عليهم بقراءة القرآن ‪ ،‬وكان ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫يقول ‪ :‬هذه آية القراء )‪.‬‬
‫وكان حال النيب صلى اهلل عليه وسلم املداومة‪ s‬على تالوة القرآن ‪ ،‬كما قال‬
‫تعاىل ‪ ( :‬إمنا أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء‬
‫(‪)3‬‬
‫وأمرت أن أكون من املسلمني وأن أتلو القرآن ‪.) ...‬‬

‫() هو ‪ :‬العالمة احلافظ املفسر شيخ اإلسالم أبو الفرج عبد الرمحن بن علي بن حممد بن‬ ‫‪1‬‬

‫علي البغدادي احلنبلي الواعظ ‪ ،‬صاحب التصانيف ‪ ،‬يرجع نسبه إىل أيب بكر الصديق –‬
‫رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه ‪ -‬ولد سنة تسع أو عشر ومخسمائة ‪ ،‬مسع من ابن احلصني ‪،‬‬
‫واحلسني بن حممد البارع ‪ ،‬وعلي بن عبد الواحد الدينوري ‪ ،‬وطائفة ‪ ،‬جمموعهم يزيد على‬
‫الثمانني شيخا ‪ ،‬حدث عنه ولده العالمة حميي الدين يوسف ‪ ،‬وولده الكبري علي الناسخ ‪،‬‬
‫واحلافظ عبد الغين ‪ ،‬والشيخ موفق الدين ابن قدامة ‪ ،‬وخلق ‪ ،‬وصنف يف التفسري "املغين" مث‬
‫اختصره يف أربع جملدات ومساه "زاد املسري" ‪ ،‬وله "تذكرة األريب" يف اللغة ‪ ،‬و"فنون‬
‫األفنان" ‪ ،‬ويصل جمموع تصانيفه حنو مائتني ومخسني كتابا ‪.‬مرض مخسة أيام ‪ ،‬وتويف ليلة‬
‫اجلمعة بني العشاءين الثالث عشر من رمضان سنة سبع وتسعني ومخسمائة‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬سري أعالم النبالء" ج‪ 21‬ص‪365‬‬
‫() انظر ‪" :‬زاد املسري" ج ‪ 6‬ص ‪486‬‬ ‫‪2‬‬

‫() النمل اآلية ‪92 - 91‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪22‬‬
‫قال اإلمام الشوكاين – رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬أي أداوم تالوته ‪ ،‬وأواظب‪s‬‬
‫على ذلك ‪ ،‬قيل ‪ :‬وليس املراد من تالوة القرآن هنا إال تالوة الدعوة إىل‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلميان واألول أوىل )‬
‫ويف القرآن الكرمي من اآليات اليت حتث على تالوة القرآن ‪ ،‬وتبني فضلها‬
‫غري ما ذكرنا كثري ‪ ،‬وال يتسع املقام لسرده والتوسع فيه‪...‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬بعض األدلة من السنة على الترغيب في حفظ القرآن‬
‫الكريم ‪:‬‬
‫لقد بني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فضل حفظ القرآن ‪ ،‬وتعاهده ‪،‬‬
‫والعمل به ‪ ،‬يف كثري من األحاديث النبوية‪ s‬الشريفة ‪ ،‬فعن عثمان بن عفان ‪-‬‬
‫رضي اهلل تعاىل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪( :‬خريكم‬
‫(‪)2‬‬
‫من تعلم القرآن وعلمه )‪.‬‬

‫() انظر ‪" :‬فتح القدير" ج ‪ 4‬ص ‪156‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه "البخاري" يف صحيحه باب ‪ :‬خريكم من تعلم القرآن وعلمه حديث رقم‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 4739‬ج ‪ 4‬ص ‪1919‬‬

‫‪23‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر (‪ – )1‬رمحه اهلل تعاىل ‪ ... ( : -‬والذي يعلم غريه‬
‫حيصل له النفع املتعدي ‪ ،‬خبالف من يعمل فقط ؛ بل إن من أشرف العمل‬
‫تعليم الغري فمعلم غريه يستلزم أن يكون‪ s‬تعلمه وتعليمه لغريه عمال ‪،‬‬
‫وحتصيل نفع متعد وال يقال لو كان املعىن حصول النفع املتعدي الشرتك‬
‫كل من علم غريه علما ما يف ذلك ؛ ألنا نقول ‪ :‬القرآن أشرف العلوم ؛‬
‫فيكون‪ s‬من تعلمه وعلمه لغريه أشرف ممن تعلم غري القرآن ‪ ،‬وإن علمه ‪،‬‬
‫وال شك أن اجلامع بني تعلم القرآن وتعليمه ‪ ،‬مكمل لنفسه ولغريه ‪ ،‬جامع‬
‫بني النفع القاصر والنفع املتعدي ‪ ،‬وهلذا كان أفضل ‪ ،‬وهو من مجلة من عىن‬
‫سبحانه وتعاىل بقوله ‪" :‬ومن أحسن قوال ممن دعا إىل اهلل وعمل صاحلا‬
‫وقال إنين من املسلمني" (‪)2‬والدعاء إىل اهلل يقع بأمور شىت ‪ ،‬من مجلتها تعليم‬
‫(‪)3‬‬
‫القرآن ‪ ،‬وهو أشرف اجلميع )‪.‬‬
‫وعن أيب موسى األشعري (‪ – )4‬رضي اهلل تعاىل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬مثل املؤمن الذي يقرأ القرآن مثل األترجة ‪ ،‬رحيها‬

‫() هو‪ :‬أمحد بن على بن حممد ‪ ،‬املعروف بابن حجر نسبة إىل بعض أجداده ‪ ،‬الكناين‬ ‫‪1‬‬

‫العسقالين ‪ ،‬مث املصري ‪ ،‬أبو الفضل‪ s‬شهاب الدين الشافعي املذهب ‪ ،‬ولد سنة ‪ 773‬هـ‬
‫واشتهر بالتصانيف الكثرية املفيدة ومن أشهرها ‪ ( :‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ) و‬
‫( هتذيب التهذيب ) و( اإلصابة يف متييز الصحابة) وغريها تويف سنة ‪852‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬حسن احملاضرة" ج ‪ 1‬ص ‪ 311‬و "هدية العارفني" ج ‪ 1‬ص ‪128‬‬
‫() فصلت‪ s‬اآلية ‪33‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪" :‬فتح الباري" ج ‪ 9‬ص ‪76‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪24‬‬
‫طيب‪ ، s‬وطعمها طيب‪ s‬ومثل املؤمن الذي ال يقرأ القرآن مثل التمرة ‪ ،‬ال‬
‫ريح هلا ‪ ،‬وطعمها حلو ومثل املنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرحيانة ‪ ،‬رحيها‬
‫طيب‪ s‬وطعمها مر ‪ ،‬ومثل املنافق الذي ال يقرأ القرآن كمثل احلنظلة ‪ ،‬ال‬
‫(‪)1‬‬
‫ريح هلا وطعمها مر )‪.‬‬
‫فانظر كيف جعله ميزانا ومعيارا ؛ يرتفع املرء ويسمو حبسب كثرة قراءته له‬
‫وينتكس‪ s‬ويتقهقر حبسب بعده عن تالوته ‪ ،‬والعمل به‪.‬‬
‫وقال وهو الصادق املصدوق صلوات اهلل وسالمه عليه ‪ ( :‬إن اهلل يرفع هبذا‬
‫(‪)2‬‬
‫الكتاب أقواما ‪ ،‬ويضع به آخرين )‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫() هو ‪ :‬عبد اهلل بن قيس بن سليم بن حضار أبو موسى األشعري ‪ ،‬قدم املدينة بعد فتح‬
‫خيرب ‪ ،‬واستعمله النيب صلى اهلل عليه وسلم على بعض اليمن ‪ ،‬كان أحد احلكمني بصفني ‪،‬‬
‫مث اعتزل الفريقني ‪ ،‬روى عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬واخللفاء األربعة ‪ ،‬ومعاذ ‪،‬‬
‫وغريهم ‪ ،‬وعنه أوالده ‪ :‬موسى ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وأبو بردة ‪ ،‬وأبو بكر ‪ ،‬وامرأته أم عبد اهلل ‪،‬‬
‫ومن الصحابة ‪ :‬أبو سعيد ‪ ،‬وأنس ‪ ،‬وطارق ‪ ،‬وقال له النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬لقد‬
‫أوتيت مزمارا من مزامري آل داود ‪ ،‬عاش ثالثا وستني سنة ‪ ،‬ومات – رضي اهلل عنه‬
‫وأرضاه – يف سنة مخسني‪ .‬انظر ترمجته يف ‪" :‬اإلصابة يف متييز الصحابة" ج‪ 4‬ص‪ 211‬و‬
‫"الطبقات الكربى" ج‪ 4‬ص‪ 105‬و "سري أعالم النبالء" ج‪ 2‬ص‪380‬‬
‫() رواه "البخاري" يف صحيحه ‪ ،‬باب ذكر الطعام ‪ ،‬حديث رقم ‪ 5111‬ج ‪ 5‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2070‬و "مسلم" يف صحيحه باب فضيلة حافظ القرآن حديث رقم ‪ 797‬ج ‪ 1‬ص‬
‫‪549‬‬
‫() رواه "مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه ‪ ،‬حديث رقم ‪ 817‬ج‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1‬ص ‪559‬‬

‫‪25‬‬
‫وقال ‪ ( :‬إن هلل أهلني من الناس قالوا ‪ :‬من هم يا رسول اهلل ؟ قال ‪ :‬أهل‬
‫(‪)2‬‬
‫القرآن هم أهل اهلل وخاصته )‪ )1( .‬ومعىن أهل اهلل أي أولياؤه‪ s‬وأنصاره‬
‫قال القرطيب (‪ – )3‬رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬فقرأة القرآن محلة سر اهلل املكنون‬
‫‪ ،‬وحفظة علمه املخزون ‪ ،‬وخلفاء أنبيائه وأمناؤه‪ ، s‬وهم أهله وخاصته ‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وخريته وأصفياؤه )‪.‬‬

‫() رواه "احلاكم" يف مستدركه ‪ ،‬باب أخبار يف فضائل القرآن مجلة ‪ ،‬حديث رقم ‪2046‬‬ ‫‪1‬‬

‫ج‪ 1‬ص ‪ 743‬وقال ‪ ( :‬وقد روي هذا احلديث من ثالثة أوجه عن أنس ‪ ،‬هذا أمثلها )‪.‬‬
‫() انظر ‪" :‬كيف حتفظ القرآن" ص ‪ 13‬حممد بن علي العرفج‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() حممد بن أمحد بن أيب بكر بن فرح ‪ ،‬الشيخ اإلمام أبو عبد اهلل األنصاري األندلسي‬ ‫‪3‬‬

‫القرطيب ‪ ،‬صاحب التفسري ‪ ،‬كان من عباد اهلل الصاحلني ‪ ،‬والعلماء العارفني الورعني‬
‫الزاهدين ‪ ،‬حدث عن أيب علي احلسن بن حممد ‪ ،‬وحممد البكري ‪ ،‬وغريمها ‪ ،‬صنف كتبا‬
‫كثرية مفيدة من أمهها ‪ :‬تفسريه املشهور بتفسري القرطيب وكتاب األسىن يف أمساء اهلل احلسىن‬
‫‪ ،‬وكتاب التذكرة ‪ ،‬وكان مستقرا‪ s‬مبنية بين خصيب ‪ ،‬وتويف هبا ‪ ،‬ودفن يف شوال من سنة‬
‫إحدى وسبعني وستمائة ‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬الوايف بالوفيات" ج‪ 2‬ص‪ 87‬و"الديباج املذهب" ج‪ 1‬ص‪317‬‬
‫() انظر ‪" :‬تفسري القرطيب" ج ‪ 1‬ص ‪1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪26‬‬
‫وعن أيب أمامة الباهلي (‪ – )1‬رضي اهلل تعاىل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬اقرؤوا القرآن ‪ ،‬فإنه يأيت يوم القيامة شفيعا‬
‫ألصحابه ‪ ،‬اقرؤوا الزهراوين (‪ )2‬البقرة ‪ ،‬وسورة آل عمران ؛ فإهنما تأتيان‪s‬‬
‫يوم القيامة‪ s‬كأهنما غمامتان ‪ ،‬أو كأهنما غيايتان (‪ )3‬أوكأهنما فرقان من طري‬

‫‪1‬‬
‫() هو ‪ُ :‬‬
‫ص َدى – بالتصغري ‪ -‬بن عجالن بن احلارث بن عريب بن وهب بن رياح بن‬
‫احلارث بن معن بن مالك بن أعصر الباهلي أبو أمامة ‪ ،‬مشهور بكنيته ‪ ،‬روى عن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وعن عمر وعثمان ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وروى عنه ‪ :‬أبو سالم األسود ‪،‬‬
‫وحممد بن زياد ‪ ،‬وشرحبيل بن مسلم‪ . s‬مات سنة ست ومثانني ‪ ،‬وله مائة وست سنني ؛‬
‫فقد صح عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مات حينما كان عمره ثالثا وثالثني سنة ‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬اإلصابة يف متييز الصحابة" ج‪ 3‬ص‪ 420‬و "الوايف بالوفيات" ج‪ 16‬ص‬
‫‪177‬‬
‫() قال القرطيب ‪ ( :‬للعلماء‪ s‬يف تسمية البقرة وآل عمران بالزهراوين ثالثة أقوال ‪ ،‬األول ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫أهنما النريتان مأخوذ من الزهر والزهرة ؛ فإما هلدايتهما قارئهما مبا يزهر له من أنوارمها أي‬
‫‪ :‬من معانيهما ‪ ،‬وإما ملا يرتتب على قراءهتما من النور التام يوم القيامة ‪ ،‬وهو القول الثاين‬
‫‪ ،‬الثالث ‪ :‬مسيتا بذلك ألهنما اشرتكتا فيما تضمنه اسم اهلل األعظم ‪ ،‬كما ذكره أبو داود ‪،‬‬
‫وغريه ‪ ،‬عن أمساء بنت يزيد أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ ( :‬إن اسم اهلل األعظم‬
‫يف هاتني اآليتني ‪" :‬وإهلكم إله واحد ال إله إال هو الرمحن الرحيم" ‪ ،‬واليت يف آل عمران ‪:‬‬
‫"اهلل ال إله إال هو احلي القيوم" ) انظر ‪" :‬تفسري القرطيب" ج‪ 4‬ص‪3‬‬
‫() الغمام السحاب امللتف ‪ ،‬وهو الغياية إذا كانت قريبا من الرأس ‪ ،‬وهي الظلة أيضا ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫واملعىن أن قارئهما يف ظل ثواهبما ‪ .‬انظر ‪" :‬تفسري القرطيب" ج‪ 4‬ص‪3‬‬

‫‪27‬‬
‫صواف ‪ ،‬حتاجان عن أصحاهبما ‪ ،‬اقرؤوا سورة البقرة ؛ فإن أخذها بركة ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وتركها حسرة ‪ ،‬وال تستطيعها البطلة(‪.) )1‬‬
‫وعن عائشة (‪ – )3‬رضي اهلل تعاىل عنها – قالت ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ( :‬املاهر بالقرآن مع السفرة الكرام الربرة ‪ ،‬والذي يقرأ القرآن‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬ويتتعتع فيه ‪ ،‬وهو عليه شاق ‪ :‬له أجران )‪.‬‬

‫() املقصود بالبطلة ‪ :‬السحرة ‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫() رواه "مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة ‪ ،‬حديث رقم ‪804‬‬ ‫‪2‬‬

‫ج ‪ 1‬ص ‪553‬‬
‫‪3‬‬
‫() هي ‪ :‬عائشة بنت أيب بكر الصديق عبد اهلل بن عثمان رضي اهلل عنهم ‪ ،‬وأمها ‪ :‬أم‬
‫رومان بنت عامر الكنانية ‪ ،‬ولدت بعد املبعث بأربع سنني أو مخس ‪ ،‬تكىن أم عبد اهلل ‪،‬‬
‫قالت عائشة ‪ :‬فضلت‪ s‬بعشر فذكرت جميء جربيل بصورهتا ‪ ،‬قالت ‪ :‬ومل ينكح بكرا غريي‬
‫‪ ،‬وال امرأة أبواها مهاجران غريي ‪ ،‬وأنزل اهلل براءيت من السماء ‪ ،‬وكان ينزل عليه الوحي‬
‫وهو معي ‪ ،‬وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد ‪ ،‬وكان يصلي وأنا معرتضة بني يديه ‪،‬‬
‫وقبض بني سحري وحنري ‪ ،‬يف بييت ‪ ،‬ويف ليليت ‪ ،‬ودفن يف بييت ‪ ،‬روت عائشة عن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم الكثري من األحاديث ‪ ،‬وروت أيضا عن أبيها ‪ ،‬وعن عمر ‪ ،‬وفاطمة‬
‫رضي اهلل عن اجلميع ‪ ،‬وروى عنها عدد من الصحابة منهم ‪ :‬عمر ‪ ،‬وابنه عبد اهلل ‪ ،‬وأبو‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي اهلل عنهم ‪ ،‬ماتت سنة مثان ومخسني يف ليلة الثالثاء لسبع عشرة خلت من‬
‫رمضان ‪ ،‬وقيل سنة سبع ‪ ،‬ودفنت بالبقيع رضي اهلل عنها وأرضاها ‪ .‬انظر ترمجتها يف ‪:‬‬
‫"اإلصابة يف متييز الصحابة" ج‪ 8‬ص‪ 16‬و"الوايف بالوفيات" ج‪ 1‬ص‪77‬‬
‫() رواه "مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب فضل املاهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه ‪ ،‬حديث رقم‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 798‬ج ‪ 1‬ص ‪549‬‬

‫‪28‬‬
‫قال النووي (‪ – )5‬رمحه اهلل تعاىل ‪ ... ( : -‬واملاهر ‪ :‬احلاذق الكامل احلفظ‬

‫() هو ‪ :‬اإلمام الفقيه احلافظ األوحد القدوة شيخ اإلسالم ‪ ،‬علم األولياء ‪ ،‬حمىي الدين ‪،‬‬
‫‪5‬‬

‫أبو زكريا حيىي بن شرف بن مري احلزامي احلوراين الشافعي ‪ ،‬ولد يف احملرم سنة إحدى‬
‫وثالثني وستمائة ‪ ،‬وقدم دمشق‪ s‬سنة تسع وأربعني ‪ ،‬وحج مرتني ‪ ،‬ومسع من الرضي ابن‬
‫الربهان ‪ ،‬والنعمان بن أيب اليسر ‪ ،‬وغريمها ‪ ،‬وصنف التصانيف النافعة يف احلديث ‪ ،‬والفقه‬
‫‪ ،‬وغريمها ‪ ،‬ومن كتبه النافعة القيمة ‪ :‬شرح مسلم ‪ ،‬والروضة ‪ ،‬وشرح املهذب ‪ ،‬واألذكار‬
‫‪ ،‬وغريها ‪ ،‬ومل يتزوج ‪ ،‬وويل مشيخة دار احلديث األشرفية بعد أيب شامة ؛ فلم يتناول‬
‫منها درمها ‪ .‬مات – رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬يف رابع عشر رجب سنة ست وسبعني وستمائة‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬طبقات احلفاظ" ج‪ 1‬ص‪ 513‬و "املعني يف طبقات احملدثني" ج‪ 1‬ص‬
‫‪215‬‬

‫‪29‬‬
‫الذي ال يتوقف ‪ ،‬وال تشق عليه القراءة ؛ جبودة حفظه ‪ ،‬وإتقانه ‪ ،‬قال‬
‫القاضي ‪ :‬حيتمل أن يكون‪ s‬معىن كونه مع املالئكة أن له يف اآلخرة منازل‬
‫يكون‪ s‬فيها رفيقا للمالئكة السفرة ؛ التصافه بصفتهم من محل كتاب اهلل‬
‫تعاىل ‪ ،‬قال ‪ :‬وحيتمل أن يراد أنه عامل بعملهم ‪ ،‬وسالك مسلكهم ‪ ،‬وأما‬
‫الذي يتتعتع‪ s‬فيه ؛ فهو ‪ :‬الذي يرتدد يف تالوته ؛ لضعف حفظه ؛ فله أجران‬
‫‪ ،‬أجر بالقراءة ‪ ،‬وأجر بتتعتعه يف تالوته ومشقته ‪ ،‬قال القاضي ‪ ،‬وغريه من‬
‫العلماء ‪ :‬وليس معناه الذي يتتعتع عليه له من األجر أكثر من املاهر به ؛ بل‬
‫املاهر أفضل ‪ ،‬وأكثر أجرا ؛ ألنه مع السفرة ‪ ،‬وله أجور كثرية ‪ ،‬ومل يذكر‬
‫هذه املنزلة لغريه ‪ ،‬وكيف يلحق به من مل يعنت بكتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬وحفظه ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وإتقانه‪ ، s‬وكثرة تالوته ‪ ،‬وروايته كاعتنائه‪ s‬؛ حىت مهر فيه‪.‬واهلل أعلم )‪.‬‬
‫وقال القرطيب – رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬التتعتع ‪ :‬الرتدد يف الكالم‪ِ s‬عيَّا‬
‫وصعوبة ‪ ،‬وإمنا كان له أجران من حيث التالوة ‪ ،‬ومن حيث املشقة ‪،‬‬
‫ودرجات املاهر فوق ذلك كله ؛ ألنه قد كان القرآن متعتعا‪ s‬عليه ‪ ،‬مث ترقى‬
‫(‪)2‬‬
‫عن ذلك إىل أن شبه باملالئكة )‪.‬‬

‫() انظر ‪" :‬شرح النووي على صحيح مسلم" ج ‪ 6‬ص ‪84‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪" :‬تفسري القرطيب" ج ‪ 1‬ص ‪7‬‬


‫‪2‬‬

‫‪30‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود (‪ – )1‬رضي اهلل تعاىل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬من قرأ حرفا من كتاب اهلل فله به حسنة ‪،‬‬
‫واحلسنة بعشر أمثاهلا ‪ ،‬ال أقول امل حرف ‪ ،‬ولكن ألف حرف ‪ ،‬والم حرف‬
‫(‪)2‬‬
‫وميم حرف )‪.‬‬

‫() هو ‪ :‬عبد اهلل بن مسعود بن غافل بن حبيب بن فار بن مشخ بن خمزوم بن صاهلة بن‬ ‫‪1‬‬

‫كاهل بن احلارث بن متيم بن سعد بن هذيل بن مدركة ‪ ،‬يكىن أبا عبد الرمحن ‪ ،‬مهاجر‬
‫هجرتني ‪ ،‬بدري ‪ ،‬وهو من النقباء النجباء ‪ ،‬حدث عن النيب صلى اهلل عليه وسلم بالكثري‬
‫‪ ،‬وعن عمر وسعد بن معاذ ‪ ،‬وروى عنه ابناه ‪ :‬عبد الرمحن ‪ ،‬وأبو عبيدة ‪ ،‬وابن أخيه ‪:‬‬
‫عبد اهلل بن عتبة ‪ ،‬وغريهم ‪ .‬تويف باملدينة سنة اثنتني وثالثني ‪ ،‬وصلى عليه عثمان بن عفان‬
‫رضي اهلل عنه ‪ ،‬ودفن بالبقيع ‪ ،‬وهو ابن بضع وستني سنة‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬اإلصابة يف متييز الصحابة" ج‪ 4‬ص‪ 233‬و"اآلحاد واملثاين" ج‪ 1‬ص‬
‫‪186‬‬
‫() رواه "الرتمذي" يف سننه ‪ ،‬باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ما له من األجر ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫حديث رقم ‪ 2910‬ج ‪ 5‬ص ‪ 175‬وقال ‪ ( :‬ويروى هذا احلديث من غري هذا الوجه‬
‫عن ابن مسعود ‪ ،‬ورواه ‪ :‬أبو األحوص عن ابن مسعود ‪ ،‬رفعه بعضهم ‪ ،‬ووقفه بعضهم‬
‫على ابن مسعود ‪ ،‬قال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه )‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬الذي يظهر أنه ال يضر يف مثل هذا الوقف ؛ ألن مثله ال يقال بالرأي ‪ ،‬فله حكم‬
‫الرفع كما هو معروف ‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وعن أيب هريرة (‪ – )1‬رضي اهلل تعاىل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ( :‬من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس اهلل عنه‬
‫كربة من كرب يوم القيامة ‪ ،‬ومن يسر على معسر يسر اهلل عليه يف الدنيا‬
‫واآلخرة ‪ ،‬ومن سرت مسلما سرته اهلل يف الدنيا واآلخرة ‪ ،‬واهلل يف عون العبد‬
‫ما كان العبد يف عون أخيه ‪ ،‬ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما ؛ سهل اهلل‬
‫له طريقا إىل اجلنة ‪ ،‬وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اهلل ‪ ،‬يتلون كتاب‬
‫اهلل ‪ ،‬ويتدارسونه بينهم ‪ ،‬إال نزلت عليهم السكينة ‪ ،‬وغشيتهم الرحمة ‪،‬‬
‫وحفتهم المالئكة ‪ ،‬وذكرهم اهلل فيمن عنده ‪ ،‬ومن أبطأ به عمله مل‬
‫(‪)2‬‬
‫يسرع به نسبه )‪.‬‬
‫وتكثر األحاديث يف هذا املعىن ‪ ،‬ويصعب‪ s‬حصرها ‪ ،‬واإلحاطة هبا ‪ ،‬وفيما‬
‫ذكرنا كفاية يف الرتغيب يف تالوة القرآن الكرمي وحفظه ‪ ،‬وتدبر معانيه ‪،‬‬
‫واالنشغال به عن كل شاغل ‪...‬‬

‫‪1‬‬
‫() هو ‪ :‬اإلمام الفقيه اجملتهد احلافظ صاحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أبو هريرة‬
‫عبد الرمحن بن صخر الدوسي ‪ ،‬سيد احلفاظ األثبات ‪ ،‬محل عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫علما كثريا طيبا مباركا فيه ؛مل يلحق يف كثرته ‪ ،‬صحب أربع سنني ‪ ،‬حدث عنه خلق‬
‫كثري ‪ ،‬قال أبو صاحل ‪ :‬كان أبو هريرة أحفظ أصحاب حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬تويف‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه وأرضاه ‪ -‬سنة ‪ 57‬هـ وقيل سنة ‪ 60‬هـ‪ .‬انظر ترمجته يف ‪" :‬اإلصابة يف‬
‫متييز الصحابة" ج‪ 7‬ص‪ 425‬و "سري أعالم النبالء" ج‪ 2‬ص‪578‬‬
‫() رواه "مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب فضل االجتماع على تالوة القرآن وعلى الذكر ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫حديث رقم ‪ 2699‬ج ‪ 4‬ص ‪2074‬‬

‫‪32‬‬
‫فنسأل اهلل العلي القدير أن يشغلنا به ال عنه ‪ ،‬ويرزقنا حفظه ‪ ،‬وتالوته ‪،‬‬
‫والعمل به إنه مسيع جميب الدعوات ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬اهتمام السلف الصالح بحفظ كتاب اهلل تعالى‬
‫لقد اهتم السلف الصاحل برتبية‪ s‬أبناء املسلمني تربية سليمة ‪ ،‬هدفها نشر العلم‬
‫يف صفوفهم ‪ ،‬وتزكية نفوسهم هبدي القرآن الكرمي ‪ ،‬والسنة النبوية الشريفة‬
‫فكان من ضروريات ذلك وأولوياته‪ ، s‬غرس القرآن الكرمي يف عقول‬
‫األطفال منذ بداية حياهتم ‪ ،‬واالهتمام حبفظهم له ‪ ،‬وتعليمهم معانيه ‪،‬‬
‫وتعويدهم على تدبره (‪ )1‬واالتعاظ مبواعظه ‪ ،‬والعمل بأوامره‪ ، s‬واالنتهاء عن‬
‫نواهيه‪s.‬‬
‫وهكذا كان ديدن السلف الصاحل ؛ فقد حرص الصحابة – رضوان‪ s‬اهلل‬
‫تعاىل عليهم ‪ -‬على حفظ القرآن الكرمي ؛ فكلما نزلت آية ‪ ،‬أو آيات ‪ ،‬أو‬
‫سور بادروا إىل حفظ ما نزل ‪ ،‬حىت مجع بعضهم القرآن الكرمي كامال يف‬
‫صدره موازنا بني احلفظ ‪ ،‬والعمل مبا حفظ ‪..‬‬
‫ومن الذين حفظوا القرآن على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم األربعة‬
‫الذين ذكرهم أنس بن مالك – رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه ‪.. -‬‬

‫() تدبر القرآن ‪ ،‬وتفهم معانيه ‪ ،‬خيتلف عن القول يف القرآن بالرأي ‪ ،‬كما قد يتبادر‬ ‫‪1‬‬

‫ألذهان البعض ؛ فنحن مطالبون بتدبر معانيه ‪ ،‬وحماولة فهمها ‪ ،‬وسؤال أهل العلم عنها ‪،‬‬
‫أما القول يف القرآن بالرأي فهو مما هنينا عنه ‪ ،‬وفيه من اخلطر على الدين ما فيه ‪ ،‬أقصد‬
‫الرأي املذموم ‪ ،‬وهو الناشئ عن هوى ‪ ،‬أو جهل‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫فعن قتادة – رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬عن أنس – رضي اهلل تعاىل عنه ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫مجع القرآن على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أربعة ؛ كلهم من‬
‫األنصار ‪ :‬أيب بن كعب ‪ ،‬ومعاذ بن جبل ‪ ،‬وزيد بن ثابت ‪ ،‬وأبو زيد ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قلت ‪ :‬من أبو زيد ؟ قال ‪ :‬أحد عموميت‪.‬‬
‫وال شك أن الذين حفظوا القرآن من الصحابة على عهد رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم أكثر بكثري من األربعة املذكورين يف حديث أنس ‪.‬‬
‫قال النووي – رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬قال املازري ‪ :‬هذا احلديث مما تعلق به‬
‫بعض املالحدة يف تواتر القرآن ‪ ،‬وجوابه من وجهني ‪ ،‬أحدمها ‪ :‬أنه ليس فيه‬
‫تصريح بأن‪ s‬غري األربعة مل جيمعه ؛ فقد يكون‪ s‬مراده الذين علمهم من‬
‫األنصار أربعة ‪ ،‬وأما غريهم من املهاجرين واألنصار الذين ال يعلمهم فلم‬
‫ينفهم ‪ ،‬ولو نفاهم كان املراد نفي علمه ‪ ،‬ومع هذا فقد روى غري مسلم‬
‫حفظ مجاعات من الصحابة يف عهد النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وذكر منهم‬
‫املازري مخسة عشر صحابيا ‪ ،‬وثبت‪ s‬يف الصحيح أنه قتل يوم اليمامة سبعون‪s‬‬
‫ممن مجع القرآن ‪ ،‬وكانت اليمامة قريبا من وفاة النيب صلى اهلل عليه وسلم ؛‬
‫فهؤالء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ ؛ فكيف الظن مبن مل يقتل ممن حضرها‬
‫‪ ،‬ومن مل حيضرها وبقي باملدينة ‪ ،‬أو مبكة ‪ ،‬أو غريمها ‪ ،‬ومل يذكر يف هؤالء‬
‫األربعة أبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وحنوهم من كبار الصحابة‬
‫() رواه "البخاري" يف صحيحه ‪ ،‬باب مناقب زيد بن ثابت – رضي اهلل عنه – ‪ ،‬حديث‬
‫‪1‬‬

‫رقم ‪ 3599‬ج ‪ 3‬ص ‪ 1386‬و"مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب من فضائل أيب بن كعب‬


‫ومجاعة من األنصار – رضي اهلل تعاىل عنهم ‪ ، -‬حديث رقم ‪ 2465‬ج ‪ 4‬ص ‪1914‬‬

‫‪34‬‬
‫الذين يبعد كل البعد أهنم مل جيمعوه ؛ مع كثرة رغبتهم يف اخلري ‪ ،‬وحرصهم‬
‫على ما دون ذلك من الطاعات ‪ ،‬وكيف نظن هذا هبم ‪ ،‬وحنن نرى أهل‬
‫عصرنا حفظه منهم يف كل بلدة ألوف؟ مع بعد رغبتهم يف اخلري عن درجة‬
‫الصحابة ‪ ،‬مع أن الصحابة مل يكن هلم أحكام مقررة يعتمدوهنا يف سفرهم‬
‫وحضرهم إال القرآن ‪ ،‬وما مسعوه من النيب صلى اهلل عليه وسلم ؛ فكيف‬
‫نظن هبم إمهاله ؟ فكل هذا وشبهه يدل على أنه ال يصح أن يكون معىن‬
‫احلديث أنه مل يكن يف نفس األمر أحد جيمع القرآن إال األربعة املذكورون‪، s‬‬
‫واجلواب الثاين ‪ :‬أنه لو ثبت أنه مل جيمعه إال األربعة مل يقدح يف تواتره ؛‬
‫فإن أجزاءه حفظ كل جزء منها خالئق ال حيصون ؛ حيصل التواتر ببعضهم‬
‫‪ ،‬وليس من شرط التواتر أن ينقل مجيعهم مجيعه ؛ بل إذا نقل كل جزء عدد‬
‫التواتر صارت اجلملة متواترة بال شك ‪ ،‬ومل خيالف يف هذا مسلم وال‬
‫(‪)1‬‬
‫ملحد)‪.‬‬
‫مث أقرأ الصحابة التابعني ؛ فكانوا‪ s‬أهل حرص على حفظ كتاب اهلل تعاىل ‪،‬‬
‫وتدبر معانيه ‪ ،‬وسؤال الراسخني يف العلم عما أشكل عليهم من ذلك‪..‬‬

‫() انظر ‪" :‬شرح النووي على صحيح مسلم" ج‪ 16‬ص ‪ 20 – 19‬وراجع ‪ :‬فتح‬ ‫‪1‬‬

‫الباري" ج‪ 9‬ص‪ 52‬فقد ذكر فيه ابن حجر إجابة أيب بكر الباقالين ‪ ،‬وغريه من العلماء‬
‫عن هذا احلديث من مثانية وجوه ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫فحفظه من التابعني خلق كثري ‪ ،‬منهم علقمة بن قيس ‪ ،‬وأبو متيم اجليشاين ‪،‬‬
‫وأبو األسود الدؤيل ‪ ،‬وسليم بن عرت ‪ ،‬واحلارث األعور ‪ ،‬وثابت البناين ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وخالئق ال حيصون ‪.‬‬
‫مث تواىل حفظ القرآن الكرمي ‪ ،‬واالعتناء به ‪ ،‬تدقيقا يف قراءته ‪ ،‬وتفسريا‪s‬‬
‫ملعانيه‪ ، s‬وبيانا ملشكله ‪ ،‬وتوضيحا لبقية علومه إىل اليوم‪ ، s‬واحلمد هلل تعاىل‬
‫على ذلك ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬من فوائد حفظ القرآن الكريم ‪:‬‬
‫إن الفوائد‪ s‬اليت جينيها حافظ القرآن العظيم أكثر من أن حتصى ؛ فإذا كان‬
‫جملرد تالوته جيد بكل حرف حسنة ‪ ،‬واحلسنة بعشر أمثاهلا كما تقدم ‪،‬‬
‫أفليس ذلك يكفي‪ s‬من الفوائد واألرباح ؟ وإذا كانت منزلته مع السفرة‬
‫الكرام الربرة ؛ أفال يكفيه ذلك علوا وشرفا ؟‬
‫ال شك أن ذلك هو منتهى ما حيلم به كل مسلم ‪ ،‬ولكن فضل اهلل أكثر ‪،‬‬
‫ونعمته أمشل ‪ ،‬ورمحته أوسع ‪ ،‬وقد خص حافظ القرآن الكرمي بكثري من‬
‫فضله ‪ ،‬وحنله مجا من رمحته ‪ ،‬وهو – سبحانه وتعاىل – يرزق من يشاء ‪،‬‬
‫وخيلق ما يشاء وخيتار ‪ ،‬وخيص من أراد من خلقه مبا أراد ‪..‬‬
‫وقد خص حامل كتابه خبصائص كثرية منها ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أنه من أهل اهلل وخاصته ‪ ،‬وكفى بذلك شرفا ‪ ،‬وفضال ‪ ،‬وقد تقدم‬
‫احلديث الدال على ذلك ‪.‬‬

‫() انظر ‪ :‬تراجم هؤالء يف سري أعالم النبالء‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ – 2‬أنه موصوف بأنه من الذين أوتوا العلم ‪ ،‬قال تعاىل ‪.. ( :‬بل هو‬
‫(‪)1‬‬
‫آيات بينات يف صدور الذين أوتوا‪ s‬العلم ‪)..‬‬
‫قال اإلمام الشوكاين – رمحه اهلل تعاىل ‪" ( : -‬بل هو آيات بينات" يعين‬
‫القرآن "يف صدور الذين أوتوا العلم" يعين املؤمنني الذين حفظوا القرآن على‬
‫(‪)2‬‬
‫عهده صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪ ،‬وحفظوه بعده )‪.‬‬
‫‪ – 3‬أنه موعود برفع درجته في الجنة ‪ :‬فعن عبد اهلل بن عمرو بن‬
‫العاص(‪ -)3‬رضي اهلل تعاىل عنهما ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ( :‬يقال لصاحب القرآن اقرأ ‪ ،‬وارق ‪ ،‬ورتل ‪ ،‬كما كنت ترتل يف‬
‫(‪)4‬‬
‫الدنيا ‪ ،‬فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها )‪.‬‬

‫() العنكبوت اآلية ‪49‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪" :‬فتح القدير" ج‪ 4‬ص‪ 207‬وراجع ‪" :‬تفسري القرطيب" ج‪ 13‬ص‪354‬‬ ‫‪2‬‬

‫() هو ‪ :‬عبد اهلل بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن‬ ‫‪3‬‬

‫هصيص بن كعب بن لؤي ‪ ،‬روى عن النيب صلى اهلل عليه وسلم كثريا ‪ ،‬وعن عمر ‪ ،‬وأيب‬
‫الدرداء ‪ ،‬ومعاذ ‪ ،‬وحدث عنه من الصحابة ‪ :‬ابن عمر ‪ ،‬وأبو أمامة ‪ ،‬واملسور ‪ ،‬وغريهم ‪،‬‬
‫ومن التابعني خالئق ‪ ،‬وكان قد أسلم قبل أبيه ‪ ،‬ويقال مل يكن بني مولدمها إال اثنتا عشرة‬
‫سنة ‪ ،‬مات بالشام سنة مخس وستني ‪ ،‬وهو يومئذ ابن اثنتني وسبعني سنة ‪ .‬انظر ترمجته يف‬
‫"اإلصابة يف متييز الصحابة" ج‪ 4‬ص‪192‬‬
‫() رواه "أبو داود" يف سننه ‪ ،‬باب استحباب الرتتيل يف القراءة ‪ ،‬حديث رقم ‪ 1464‬ج‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 2‬ص ‪ 73‬و"الرتمذي" يف سننه ‪ ،‬حديث رقم ‪ 2915‬ج ‪ 5‬ص ‪ ، 177‬وقال ‪ :‬حديث‬


‫حسن صحيح ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ – 4‬أنه موعود بأن القرآن سيشفع له ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ (:‬أبشروا وأبشروا ! أليس تشهدون أن ال إله إال اهلل ‪ ،‬وأين رسول اهلل‬
‫؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد اهلل ‪ ،‬وطرفه بأيديكم‬
‫(‪)1‬‬
‫؛ فتمسكوا به ؛ فإنكم لن تضلوا ولن هتلكوا بعده أبدا )‪.‬‬
‫وقد تقدم حديث شفاعة القرآن لصاحبه ولفظه ‪ ( :‬اقرأوا القرآن ؛ فإنه يأيت‬
‫يوم القيامة‪ s‬شفيعاً ألصحابه )‪.‬‬
‫‪ – 5‬وهو موعود كذلك بوضع تاج الكرامة على رأسه ‪ ،‬ويكسى‬
‫والداه حلتين ‪ :‬يقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ...( :‬وإن القرآن‬
‫يلقى صاحبه يوم القيامة – حني ينشق عنه قربه – كالرجل الشاحب ‪،‬‬
‫فيقول له‪ :‬هل تعرفين ؟ فيقول ‪ :‬ما أعرفك ‪ .‬فيقول له ‪ :‬هل تعرفين ؟‬
‫فيقول ‪ :‬ما أعرفك ‪ .‬فيقول ‪ :‬أنا صاحبك القرآن ‪ ،‬الذي أظمأتك يف‬
‫اهلواجر ‪ ،‬وأسهرت ليلك ‪ ،‬وإن كل تاجر من وراء جتارته ‪ ،‬وإنك اليوم‪ s‬من‬
‫وراء كل جتارة ‪ .‬فيعطى امللك بيمينه ‪ ،‬واخللد بشماله ‪ ،‬ويوضع على رأسه‬
‫تاج الوقار ‪ ،‬ويكسى والداه حلتني ال يقوم هلما أهل الدنيا ‪ ،‬فيقوالن ‪ :‬مب‬
‫كسينا هذه ؟ فيقال ‪ :‬بأخذ ولدكما القرآن ‪ .‬مث يقال له ‪ :‬اقرأ ‪ ،‬واصعد يف‬

‫() رواه "ابن حبان" يف صحيحه ‪ ،‬باب ذكر نفي الضالل عن األخذ بالقرآن ‪ ،‬حديث‬
‫‪1‬‬

‫رقم ‪ 122‬ج ‪ 1‬ص ‪ 329‬و"ابن أيب شيبة" يف مصنفه ‪ ،‬باب يف التمسك بالقرآن ‪،‬‬
‫حديث رقم ‪ 30006‬ج ‪ 6‬ص ‪125‬‬

‫‪38‬‬
‫درجة اجلنة ‪ ،‬وغرفها ‪ ،‬فهو يف صعود ما دام يقرأ ‪ ،‬هذا كان ‪ ،‬أو ترتيال )‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وما أحسن قول اإلمام الشاطيب (‪ )2‬رمحه اهلل تعاىل ‪:‬‬


‫جمال له يف كل حال مبجـال‬ ‫فيا أيها القاري به متمسكـ ــا‬
‫مالبس أنوار من التاج واحلال‬ ‫هنيئا‪ s‬مريئا والداك عليهمـ ــا‬
‫أولئك أهل اهلل والصفوة املال‬ ‫فما ظنكم بالنجل عند جزائــه‬
‫أولو الرب واإلحسان والصرب والتـقى‪ s‬حالهم هبا جاء القران مفصال‬
‫وبع نفسك الدنيا بأنفاسها‪ s‬العال‬ ‫عليك هبا ما عشت فيها منافســا‬
‫‪ – 6‬أنه ال يغبط في الدنيا غير اثنين ‪ ،‬حافظ القرآن أحدهما ‪ :‬فعن‬
‫أيب هريرة – رضي اهلل تعاىل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬

‫() رواه "أمحد" يف مسنده ‪ ،‬حديث رقم ‪ 23000‬ج ‪ 5‬ص ‪ 348‬و"ابن أيب شيبة" يف‬ ‫‪1‬‬

‫مصنفه ‪ ،‬باب من قال يشفع القرآن لصاحبه ‪ ،‬حديث رقم ‪ 30045‬ج ‪ 6‬ص ‪129‬‬
‫() هو ‪ :‬الشيخ اإلمام العامل العامل القدوة سيد القراء ‪ ،‬أبو حممد ‪ ،‬القاسم بن فريه بن‬
‫‪2‬‬

‫خلف بن أمحد الرعيين األندلسي الشاطيب الضرير ‪ ،‬ناظم الشاطبية ‪ ،‬والرائية ‪ ،‬ولد سنة‬
‫مثان وثالثني ومخسمائة ‪ ،‬وتال ببلده بالسبع على أيب عبد اهلل بن أيب العاص النفري ‪ ،‬ورحل‬
‫إىل بلنسية فقرأ القراءات‪ s‬على أيب احلسن بن هذيل ‪ ،‬وعرض عليه التيسري ‪ ،‬وبعض الكتب‬
‫‪ ،‬ومسع أيضا من أيب احلسن ابن النعمة ‪ ،‬وأيب عبد اهلل ابن سعادة ‪ ،‬وآخرون ‪ ،‬حدث عنه ‪:‬‬
‫أبو احلسن‪ s‬بن خرية ‪ ،‬وحممد بن حيىي اجلنجايل ‪ ،‬وأبو بكر بن وضاح ‪ ،‬وخلق ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنه‬
‫كان حيفظ وقر بعري من العلوم ‪.‬‬
‫تويف – رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬مبصر يف الثامن والعشرين من مجادى اآلخرة سنة تسعني‬
‫ومخسمائة ‪ .‬انظر ترمجته يف ‪" :‬سري أعالم النبالء" ج‪ 21‬ص‪261‬‬

‫‪39‬‬
‫وسلم ‪ ( :‬ال حسد(‪ )1‬إال يف اثنتني ‪ :‬رجل علمه اهلل القرآن ؛ فهو يتلوه آناء‬
‫الليل ‪ ،‬وآناء النهار ؛ فسمعه جار له ؛ فقال ‪ :‬ليتين أوتيت مثل ما أويت‬
‫فالن فعملت مثل ما يعمل ‪ ،‬ورجل آتاه اهلل ماال ؛ فهو يهلكه يف احلق ؛‬
‫(‪)2‬‬
‫فقال رجل ‪ :‬ليتين أوتيت‪ s‬مثل ما أويت فالن ؛ فعملت مثل ما يعمل )‪.‬‬

‫() الـحسد‪ : s‬أن تتمىن النعمة اليت أنعم اهلل هبا على احملسود علـى أن تتـحول عنه ‪ ،‬وتصبح‬
‫‪1‬‬

‫لك ‪ ،‬وهو من أعظم الذنوب ‪ ،‬وال يكون إال يف األراذل من الناس – أعين ما كان منه‬
‫مزمنا – وإال فإنه قل من ينجو منه ‪ ،‬ولكن املؤمن إذا رأى نعمة اهلل على أخيه دعا له‬
‫بالربكة ‪ ،‬وسأل اهلل أن يرزقه هو مثل ما رزق فالنا من العلم ‪ ،‬أو املال ‪ ،‬وهذا ما يسمى‬
‫بالغبطة بالكسر ‪ ،‬وهي ‪ :‬أن تتمىن مثل حال املغبوط من غري أن تريد زواهلا عنه ‪ ،‬وليس‬
‫حبسد ‪ ،‬واملقصود باحلديث هو الغبطة ‪ ،‬وليس احلسد املذموم شرعا ‪ ،‬وعقال ‪.‬‬
‫راجع ‪" :‬لسان العرب" ج ‪ 7‬ص ‪ 359‬و "القاموس احمليط" ج‪ 1‬ص‪877‬‬
‫() رواه "البخاري" يف صحيحه ‪ ،‬باب اغتباط صاحب القرآن ‪ ،‬حديث رقم ‪ 4738‬ج‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 4‬ص ‪ 1919‬و"مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪ 815‬ج ‪ 1‬ص ‪558‬‬

‫‪40‬‬
‫كما أن من فوائد حفظ القرآن الكريم أن صاحبه يقدم على غيره في مواطن‬
‫كثيرة من أهمها ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬إمامة الصالة ‪ :‬فعن أيب مسعود البدري (‪ )1‬رضي اهلل تعاىل عنه أن‬
‫(‪)2‬‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ ( :‬يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اهلل تعاىل )‪.‬‬
‫قال العالمة الصنعاين (‪ – )3‬رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬الظاهر أن املراد أكثرهم له‬

‫() هو ‪ :‬عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسرية بن عسرية وقيل يسرية بن عسرية بضمهما بن‬ ‫‪1‬‬

‫عطية بن خدارة بن عوف بن احلارث بن اخلزرج ‪ ،‬مل يشهد بدرا على الصحيح ‪ ،‬وإمنا‬
‫نزل ماء ببدر ؛ فشهر بذلك ‪ ،‬شهد بيعة العقبة ‪ ،‬وكان شابا من أقران جابر يف السن ‪،‬‬
‫روى أحاديث كثرية ‪ ،‬وهو معدود يف علماء الصحابة‪ .‬حدث عنه ‪ :‬ولده بشري ‪ ،‬وعلقمة‬
‫‪ ،‬وأبو وائل ‪ ،‬وقيس بن أيب حازم ‪ ،‬وربعي بن حراش ‪ ،‬وغريهم ‪.‬‬
‫مات أبو مسعود قبل األربعني ‪ ،‬وقال ابن قانع سنة تسع وثالثني ‪ ،‬وقال املدائين وغريه ‪:‬‬
‫سنة أربعني‪.‬انظر ترمجته يف ‪" :‬سري أعالم النبالء" ج‪ 2‬ص‪494‬‬
‫() رواه "مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب من أحق الناس باإلمامة ‪ ،‬حديث رقم ‪ 673‬ج ‪ 1‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪465‬‬
‫() هو ‪ :‬حممد بن إمساعيل بن صالح بن حممد بن على بن حفظ الكحالىن ‪ ،‬مث الصنعاىن‬ ‫‪3‬‬

‫املعروف باألمري اإلمام الكبري ‪ ،‬ولد ‪ :‬ليلة اجلمعة نصف مجادى اآلخرة سنة ‪ 1099‬هـ‬
‫وأخذ عن العالمة زيد بن حممد بن احلسن ‪ ،‬وصالح بن احلسني األخفش وعبد اهلل بن على‬
‫الوزير البدر ‪ ،‬وأخذ عنه ‪ :‬العالمة عبد القادر بن أمحد ‪ ،‬والقاضى أمحد بن حممد قاطن ‪،‬‬
‫والقاضى أمحد بن صاحل بن أىب الرجال ‪ ،‬صنف التصانيف املفيدة ‪ ،‬ومنها "سبل السالم" و‬
‫"منحة الغفار" وتويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬سنة ‪ 1182‬هـ يف يوم الثالثاء ثالث شهر شعبان ‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬البدر الطالع" ج‪ 2‬ص‪ ، 133‬ومقدمة سبل السالم ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫(‪)4‬‬
‫حفظا ‪ ،‬وقيل أعلمهم بأحكامه )‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وحمل الداللة منه أنه حديث صحيح صريح يف تقدمي القارئ يف اإلمامة‬
‫بل إن القارئ مقدم في اإلمامة ‪ ،‬ولو كان صبيا مميزا (‪ )3‬مع رجال‬
‫كبار إذا كان أقرأ منهم ؛ فعن عمرو بن سلمة (‪ - )4‬رضي اهلل تعاىل عنه ‪-‬‬
‫قال ‪ .. ( :‬فلما كانت وقعة الفتح ‪ ،‬بادر كل قوم بإسالمهم ‪ ،‬وبادر أيب‬

‫() انظر ‪" :‬سبل السالم" ج‪ 2‬ص‪27‬‬ ‫‪4‬‬

‫() اختلف العلماء يف األوىل باإلمامة ‪ ،‬فقال مالك ‪ ،‬والشافعي ‪ :‬يؤم القوم أفقههم ‪ ،‬ال‬
‫‪2‬‬

‫أقرؤهم ‪ ،‬وقال أبو حنيفة ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬وأمحد ‪ ،‬وبعض الشافعية ‪ :‬يؤم القوم أقرؤهم ‪،‬‬
‫وذهب ابن حزم إىل تقدمي القارئ مطلقا ‪ ،‬على سبيل الندب ‪ ،‬إال إذا كان حبضرة السلطان‬
‫‪ ،‬أو أمريه على الصالة ‪ ،‬أو صاحب املنزل ‪ ،‬فيجب عندئذ تقدمي هؤالء ‪ ،‬فإن أم أحد بغري‬
‫إذهنم مل جتزئ‪ .‬انظر ‪" :‬احمللى" ج‪ 4‬ص‪ 207‬و "بداية اجملتهد" ج‪ 1‬ص‪ 104‬و"شرح‬
‫النووي على صحيح مسلم" ج‪ 5‬ص‪172‬‬
‫() اختلف أهل العلم يف إمامة الصيب إذا كان هو األقرأ ؛ فذهب احلسن‪ s‬البصري ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫والشافعي ‪ ،‬إىل صحتها ‪ ،‬وكرهها مالك ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬والشعيب ‪ ،‬واألوزاعي ‪ ،‬وعن أيب‬
‫حنيفة ‪ ،‬وأمحد روايتان ‪ ،‬واملشهور عنهما اإلجزاء يف النوافل دون الفرائض‪ .‬انظر ‪" :‬فتح‬
‫الباري" ج‪ 2‬ص‪ 186‬و"نيل األوطار" ج‪ 3‬ص‪203‬‬
‫() هو ‪ :‬عمرو بن سلمة بكسر الالم اجلرمي ‪ ،‬يكىن أبا يزيد ‪ ،‬واختلف يف ضبطه ‪ ،‬روى‬ ‫‪4‬‬

‫عن أبيه قصة إسالمه وعوده إىل قومه احلديث ‪ ،‬وقيل إن له رؤية ‪ ،‬حدث عنه ‪ :‬أبو قالبة‬
‫اجلرمي ‪ ،‬وأبو الزبري املكي ‪ ،‬وعاصم األحول ‪ ،‬وأيوب السختياين ‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬وله رواية يف‬
‫صحيح البخاري ‪ ،‬ويف سنن النسائي ‪ ،‬وكان قد نزل البصرة ‪ ،‬وقد أرخ اإلمام أمحد موته‬
‫يف سنة مخس ومثانني ‪ .‬انظر ترمجته يف ‪" :‬اإلصابة يف متييز الصحابة" ج‪ 4‬ص‪ 643‬و"سري‬
‫أعالم النبالء" ج‪ 3‬ص‪524‬‬

‫‪42‬‬
‫قومه بإسالمهم ‪ ،‬فلما قدم قال ‪ :‬جئتكم من عند النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫حقا ‪ :‬فقال ‪ :‬صلوا صالة كذا يف حني كذا ‪ ،‬وصالة كذا يف حني كذا ؛‬
‫فإذا حضرت الصالة ؛ فليؤذن أحدكم ‪ ،‬وليؤمكم أكثركم قرآنا ؛ فنظروا ؛‬
‫فلم يكن أحد أكثر قرآنا مين ؛ فقدموين بني أيديهم ‪ ،‬وأنا ابن ست أو سبع‬
‫سنني ‪ ،‬وكانت علي بردة ‪ ،‬كنت إذا سجدت تقلصت عين ؛ فقالت امرأة‬
‫من احلي ‪ :‬أال تغطون عنا است قارئكم ؟ فاشرتوا ؛ فقطعوا يل قميصا ؛‬
‫(‪)1‬‬
‫فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص )‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المشورة والرأي ‪ :‬فقد كان السلف الصاحل يستعينون حبفظة‬
‫كتاب اهلل تعاىل يف املسائل اليت تشكل عليهم ‪ ،‬ويستشريوهنم يف النوازل اليت‬
‫تنزل هبم تكرميا للقرآن احملفوظ يف صدورهم ‪ ،‬واستفادة‪ s‬مما ينتجه حفظه من‬
‫صفاء يف الذاكرة ‪ ،‬وإصابة يف الرأي ‪ ،‬وموازنة بني األمور ‪ ،‬وعدل يف‬
‫األحكام ‪..‬‬
‫فعن ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل تعاىل عنهما ‪ -‬قال ‪.. ( :‬وكان القراء‬
‫(‪)2‬‬
‫أصحاب جملس عمر ومشاورته ‪ ،‬كهوال كانوا أو شبانا )‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬اإلمارة ‪:‬‬

‫() رواه "البخاري" يف صحيحه ‪ ،‬باب من شهد الفتح ‪ ،‬حديث رقم ‪ 4051‬ج ‪ 4‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪1564‬‬
‫() رواه "البخاري" يف صحيحه ‪ ،‬باب خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن اجلاهلني ‪،‬‬‫‪2‬‬

‫حديث رقم ‪ 4366‬ج ‪ 4‬ص ‪1702‬‬

‫‪43‬‬
‫فالقارئ مقدم على غريه يف اإلمارة والرئاسة ؛ فعن أيب هريرة ‪ -‬رضي اهلل‬
‫تعاىل عنه ‪ -‬قال ‪ ( :‬بعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعثا ؛ ‪ ،‬فاستقرأ‬
‫كل واحد منهم – ما معه من القرآن – فأتى على رجل من أحدثهم سنا ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ما معك يا فالن ؟ قال ‪ :‬معي كذا وكذا ‪ ،‬وسورة البقرة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أمعك سورة البقرة ؟ قال نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬اذهب ؛ فأنت أمريهم ‪.) ...‬‬
‫رابعا ‪ :‬الدفن ‪:‬‬
‫وذلك أن تقدمي حافظ القرآن ليس خاصا بأمور احلياة ‪ ،‬ومتطلباهتا ‪ ،‬من‬
‫إمامة للصالة ‪ ،‬ومشورة ورأي ‪ ،‬وحنو ذلك ؛ بل إنه مقدم حىت بعد مماته ‪،‬‬
‫ومفارقة روحه لبدنه ؛ فعن جابر (‪ - )2‬رضي اهلل تعاىل عنه ‪ ( : -‬أن النيب‬

‫() رواه "الرتمذي" يف سننه ‪ ،‬باب فضل سورة البقرة ‪ ،‬حديث رقم ‪ 2876‬ج ‪ 5‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،156‬و"النسائي" يف الكربى ‪ ،‬باب من أوىل باإلمامة ‪ ،‬حديث رقم ‪ 8749‬ج ‪ 5‬ص‬


‫‪227‬‬
‫‪2‬‬
‫() هو ‪ :‬جابر بن عبد اهلل بن عمرو بن حرام بن كعب األنصاري السلمي‪ ، s‬يكىن أبا عبد‬
‫اهلل ‪ ،‬أحد املكثرين عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وحدث عنه ابن املسيب ‪ ،‬وعطاء بن‬
‫أيب رباح ‪ ،‬ويف الصحيح عنه أنه كان مع من شهد العقبة ‪ ،‬وقال غزوت مع رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم تسع عشرة غزوة ‪ ،‬قال جابر ‪ :‬مل أشهد بدرا ‪ ،‬وال أحدا ‪ ،‬منعين أيب‬
‫؛ فلما قتل مل أختلف ‪.‬‬
‫مات – رضي اهلل عنه وأرضاه ‪ -‬سنة مثان وسبعني ‪ .‬ويقال إنه عاش أربعا وتسعني سنة ‪.‬‬
‫انظر ‪" :‬اإلصابة يف متييز الصحابة" ج‪ 1‬ص‪ 434‬و "سري أعالم النبالء" ج‪ 3‬ص‪189‬‬

‫‪44‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم كان جيمع بني الرجلني من قتلى أحد ‪ ،‬مث يقول ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أيهما أكثر أخذا للقرآن ‪ ،‬فإن أشري إىل أحدمها قدمه يف اللحد )‪.‬‬
‫وفوائد حفظ القرآن ال حتصى ‪ ،‬ومزاياه ال تعد ‪ ،‬؛ فعلى املسلم أن جيعل من‬
‫تالوته ديدنه ‪ ،‬ومن حفظه مطلبه ورغبته ‪ ،‬وأن ال يقنط من احلفظ عند أول‬
‫إخفاق أو تعثر يف احملاولة ؛ بل يعاود احملاولة من جديد ‪ ،‬فحفظ القرآن‬
‫الكرمي جدير بأن‪ s‬يبذل فيه من اجلهد ما ال يبذل يف غريه ‪ ،‬وأن جيتهد يف‬
‫حتصيله أكثر مما جيتهد يف حتصيل غريه ‪..‬‬
‫ولقد أحسن اإلمام الشاطيب – رمحه اهلل تعاىل – حني قال ‪:‬‬
‫فجاهد به حبل العدا متحبـال‬ ‫وبعد فحبل اهلل فينا كتابــه‬
‫جديدا مواليه على اجلد مقبال‬ ‫وأخلق به إذ ليس خيلق جـدة‬
‫كاألترج حاليه مرحيا وموكال‬ ‫وقارئه املرضي قر مثال ــه‬
‫وميمه ظل الرزانة قنقــال‬ ‫هو املرتضى أما إذا كان أمـة‬
‫له بتحريه إىل أن تنب ــال‬ ‫هو احلر إن كان احلري حواريا‬
‫وأغىن غناء واهبا‪ s‬متفضـال‬ ‫وإن كتاب اهلل أوثق شافــع‬
‫وترداده يزداد فيه جتمـال‬ ‫وخري جليس ال ميل حديثــه‬
‫من القرب يلقاه سنا متهلـال‬ ‫وحيث الفىت يرتاع يف ظلماتـه‬
‫إىل آخر ما قال رمحه اهلل تعاىل وغفر له وجزاه عنا خري اجلزاء ‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬أمور أساسية تعين على حفظ كتاب اهلل تعالى‬
‫() رواه "البخاري" يف صحيحه ‪ ،‬باب الصالة على الشهيد ‪ ،‬حديث رقم ‪ 1278‬ج ‪1‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪450‬‬

‫‪45‬‬
‫إن حفظ كتاب اهلل تعاىل ليس باألمر الصعب‪ s‬جدا ‪ ،‬كما قد يظنه كثري من‬
‫الناس ‪ ،‬ولكنه ‪ -‬أيضا – ليس باألمر السهل حبيث ال حيتاج إىل بذل جهد‬
‫‪ ،‬وطول نظر ‪ ،‬ومداومة تكرار ‪...‬‬
‫إن حتصيل أي علم حيتاج إىل جهد ‪ ،‬وحفظ كتاب اهلل يستحق ما يبذل فيه‬
‫من اجلهود ‪ ،‬كما أن له خصوصياته اليت منها تسهيل اهلل حلفظه وتالوته ‪،‬‬
‫ومنها أنه ال بد فيه من شيخ ؛ ألنه ليس من العلوم اليت حتصل باملطالعة ‪،‬‬
‫واالعتماد على النفس ‪..‬‬
‫وحري بطالب حفظه ‪ -‬بل وطالب العلم مطلقا ‪ -‬أن يتمتع باملؤهالت‪ s‬اليت‬
‫قررها اإلمام الشافعي – رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬حني قال ‪:‬‬
‫أخي لن تنال العلم إال بستة‬
‫سأنبيك عن تفصيلها ببيان‪s‬‬
‫ذكاء ‪ ،‬وحرص ‪ ،‬واجتهاد ‪ ،‬وبلغة‬
‫وصحبة أستاذ ‪ ،‬وطول زمان‪.‬‬
‫فالذين يريدون حفظ القرآن الكرمي بني يوم وليلة ؛ ال شك أهنم يف أحالم‬
‫اليقظة ‪ ،‬ويعيشون حالة من األماين ال تنفعهم ‪ ،‬وال يستفيدون‪ s‬منها إال‬
‫فوات الزمن ‪ ،‬وانصرام أيام العمر دون استفادة منها والعياذ باهلل‪..‬‬

‫‪46‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬اغتنام سن الصغر والطفولة ‪:‬‬
‫الشك أن مرحلة الطفولة هي أحسن مراحل العمر للحفظ بشكل عام ‪،‬‬
‫وخاصة حفظ كتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬فالذاكرة فيها تكون‪ s‬صافية ال مشوش هلا ‪،‬‬
‫واجلسم يف كامل صحته ‪ ،‬وليست للطفل انشغاالت تشغله عن احلفظ‪.‬‬
‫وفرتة الطفولة الذهبية‪ s‬هذه تبدأ من سن اخلامسة حىت بلوغ الثالثة والعشرين‬
‫(‪)1‬‬
‫تقريبا ‪..‬‬
‫فالواجب على األهل أن ال يفوتوا‪ s‬على أوالدهم فرتة الصفاء هذه ‪ ،‬فالعلم‬
‫فيها أرسخ يف الذاكرة ‪ ،‬وأبعد عن النسيان‪ ، s‬وأدعى للفهم ‪ ،‬فيجب الرتكيز‬
‫على حفظ العلوم فيها ؛ قبل أن تنقضي‪ s‬أيامها ‪ ،‬وتنصرم لياليها ‪..‬‬
‫فعن يزيد بن معمر قال مسعت احلسن يقول ‪ ( :‬احلفظ يف الصغر كالنقش يف‬
‫(‪)2‬‬
‫احلجر )‪.‬‬

‫() انظر ‪" :‬الوسيط يف تراجم أدباء شنقيط" ص ‪ 517‬وراجع ‪" :‬كيف حتفظ القرآن‬ ‫‪1‬‬

‫الكرمي" ص ‪ 28‬حممد بن علي العرفج‪ .‬ومن املعتاد عند الشناقطة أن يبدؤوا بتعليم الطفل‪s‬‬
‫احلروف وقصار السور وهو ابن ثالث سنني أو أربع‪.‬‬
‫() حسن ‪ ،‬رواه البيهقي يف "املدخل" رقم ‪ 640‬و ابن عبد الرب يف جامع بيان العلم‬ ‫‪2‬‬

‫وفضله ‪.‬انظر ‪" :‬الفقيه واملتفقه" ج ‪ 2‬ص ‪181‬‬

‫‪47‬‬
‫وقال الشاعر ‪:‬‬
‫وما العلم إال بالتعلم يف الصغــر‬ ‫ما احللم إال بالتحلم يف الكبـر‬
‫أللفيت فيه العلم كالنقش يف احلجر‪.‬‬ ‫ولو ثقب القلب املعلم يف الصبا‬
‫واحلفظ يف الصغر من املسائل اليت ال حتتاج إىل استدالل ؛ ألهنا جمربة ‪،‬‬
‫والناس متفقون عليها ؛ فيجب اغتنامها ‪ ،‬وعدم تفويتها ‪...‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬اغتنام األوقات المناسبة للحفظ ‪:‬‬
‫إن أكثر األوقات مناسبة للحفظ هو من وقت السحر إىل الفجر ‪ ،‬مث من‬
‫بعد صالة الفجر إىل وقت الضحى (‪ ،)1‬وأكثر األوقات مناسبة للمراجعة هو‬
‫من املغرب إىل العشاء ‪ ،‬وكذا قبيل النوم‪ s‬بقليل ‪...‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬اتباع الخطوات التي تسهل عملية الحفظ ‪:‬‬
‫اعلم أوال أنه لوال تيسري اهلل عز وجل هذا القرآن للحفظ ؛ ملا استطاعت‬
‫القلوب أن حتفظه ‪ ،‬ولوال تقوية اهلل لقلوب املؤمنني ؛ النفطرت عند أول‬
‫مساعها له ‪ ،‬ولكن نعم اهلل على هذه األمة أكثر من أن حتصى أو تستقصى‪s.‬‬
‫قال العالمة القرطيب – رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬ولوال أنه سبحانه جعل يف‬
‫قلوب عباده من القوة على محله ما جعله ؛ ليتدبروه ‪ ،‬وليعتربوا‪ s‬به ‪،‬‬
‫وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته ‪ ،‬وأداء حقوقه ‪ ،‬وفرائضه‪ ، s‬لضعفت‬
‫والندكت بثقله ‪ ،‬أو لتضعضعت له ‪ ،‬وأىن تطيقه ‪ ،‬وهو يقول تعاىل جده‬
‫وقوله احلق ‪" :‬لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من‬

‫() انظر ‪" :‬كيف حتفظ القرآن الكرمي" حممد بن علي العرفج ص ‪30‬‬‫‪1‬‬

‫‪48‬‬
‫خشية اهلل" (‪ )1‬فأين قوة القلوب من قوة اجلبال ؟ ولكن اهلل تعاىل رزق‬
‫(‪)2‬‬
‫عباده من القوة على محله ما شاء أن يرزقهم فضال منه ورمحة )‪.‬‬
‫وقد يسر اهلل تعاىل حفظه ‪ ،‬وأعان عليه من شاء من خلقه ‪ ،‬فقد قال تعاىل‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )‪.‬‬
‫ومعىن اآلية أن اهلل سهل لفظه ‪ ،‬وتالوته‪ s‬على األلسن ‪ ،‬ويسر معناه ‪ ،‬وهون‬
‫قراءته ملن أراده ؛ ليتذكر الناس ‪.‬‬
‫قال ابن عباس – رضي اهلل تعاىل عنهما ‪" : -‬لوال أن اهلل يسره على لسان‬
‫اآلدميني ما استطاع أحد من اخللق أن يتكلم بكالم‪ s‬اهلل عز وجل"‬
‫فهل من متذكر هبذا القرآن الذي قد يسر اهلل حفظه ومعناه ؟ وهل من‬
‫(‪)4‬‬
‫طالب حلفظه ‪ ،‬وما حواه من العلم ؛ فيعان عليه ؟‪.‬‬
‫أما اخلطوات (‪ )5‬اليت تعني بعد توفيق اهلل تعاىل على حفظه ؛ فمن أمهها ‪:‬‬

‫() احلشر اآلية ‪21‬‬


‫‪1‬‬

‫() انظر ‪" :‬تفسري القرطيب" ج ‪ 1‬ص ‪4‬‬‫‪2‬‬

‫() القمر اآلية ‪17‬‬


‫‪3‬‬

‫() انظر ‪" :‬تفسري ابن كثري" ج ‪ 4‬ص ‪ 265‬و"زاد املسري" ج ‪ 8‬ص ‪94‬‬ ‫‪4‬‬

‫() اعتمدت يف بعض هذه اخلطوات على طريقة الشناقطة يف حفظ كتاب اهلل يف حماضرهم‬ ‫‪5‬‬

‫‪ ،‬وراجع ‪" :‬كيف حتفظ القرآن" ص ‪ 23‬حممد بن علي العرفج و "طرق تدريس القرآن‬
‫الكرمي" ص ‪ 113‬د‪ /.‬حممد السيد الزعبالوي‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ – 1‬إخالص النية هلل تعالى ‪ ،‬حبفظ كتابه ‪ ،‬والعمل به ‪ ،‬وتدبر معانيه ‪،‬‬
‫وتعليمه للناس ‪ ،‬ودعوهتم حلفظه ‪ ،‬والعمل مبا فيه ‪ ،‬فإمنا حياسب املرء على‬
‫(‪)1‬‬
‫نيته ‪ ،‬وقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إمنا األعمال بالنية )‬
‫فمن حفظه لوجه اهلل تعاىل ؛ فهو – إن شاء اهلل – من الفائزين الراحبني ‪،‬‬
‫ومن حفظه ليقال حافظ ‪ ،‬أو لغرض من الدنيا ‪ ،‬فهو آمث حبفظه ‪ ،‬مسحوب‬
‫على وجهه يف النار يوم القيامة ‪ ،‬والعياذ باهلل ‪...‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬أول الناس يقضى فيه يوم القيامة‬
‫ثالثة ‪ ،‬وذكر منهم ‪ .. :‬ورجل تعلم العلم وعلمه ‪ ،‬وقرأ القرآن ؛ فأيت به ؛‬
‫فعرفه نعمه ؛ فعرفها ‪ ،‬قال ‪ :‬فما عملت فيها ؟ قال ‪ :‬تعلمت العلم وعلمته‬
‫‪ ،‬وقرأت فيك القرآن ‪ ،‬قال ‪ :‬كذبت ‪ ،‬ولكنك تعلمت العلم ليقال ‪ :‬عامل‬
‫‪ ،‬وقرأت القرآن ليقال ‪ :‬هو قارئ ؛ فقد قيل ‪ ،‬مث أمر به ؛ فسحب على‬
‫(‪)2‬‬
‫وجهه ‪ ،‬حىت ألقي يف النار )‪.‬‬
‫‪ – 2‬تسميع المقرر اليومي للشيخ حىت يتأكد من نطقه سليما ‪.‬‬
‫‪ – 3‬عدم مجاوزة المقرر يوميا للحفظ حىت يتم إتقانه والتأكد من‬
‫حفظه‪.‬‬
‫() رواه "البخاري" يف صحيحه ‪ ،‬باب النية يف اإلميان ‪ ،‬حديث رقم ‪ 6311‬ج ‪ 6‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2461‬و"مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب قوله صلى اهلل عليه وسلم إمنا األعمال بالنية ‪ ،‬حديث‬
‫رقم ‪ 1907‬ج ‪ 3‬ص ‪1515‬‬
‫() رواه "مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب من قاتل رياء ومسعة استحق النار ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪2‬‬

‫‪ 1905‬ج ‪ 3‬ص ‪1513‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ – 4‬كثرة التكرار ‪ ،‬وهذه أهم هذه اخلطوات على اإلطالق ‪ ،‬فعلى‬
‫طالب حفظ القرآن أن يكثر التكرار ‪ ،‬وال ميل منه ‪ ،‬حىت ولو تأكد من‬
‫احلفظ ‪ ،‬فليكرر ‪ ،‬ويكرر ‪ ،‬مث يكرر ‪...‬‬
‫‪ – 5‬كتابة الدرس اليومي باليد ‪ :‬فإن استطاع أن يكتب بيده درسه‬
‫اليومي‪ ، s‬فيبدأ بكتابة‪ s‬الكلمة األوىل ‪ ،‬ويظل يكررها حىت ينتهي‪ s‬من كتابتها‬
‫‪ ،‬مث يبدأ بكتابة‪ s‬الكلمة الثانية‪ ، s‬ويكررها مع اليت سبقت‪ ، s‬وهكذا حىت‬
‫ينهي‪ s‬درسه اليومي‪ ، s‬مث يكرر اجلميع كوحدة واحدة ؛ فذلك أفضل ‪،‬‬
‫وأدعى للحفظ ‪.‬‬
‫‪ – 6‬ربط آخر درسه في األمس بأول درسه اليوم ‪..‬‬
‫‪ – 7‬كثرة التسميع على الشيخ ‪ ،‬وعلى طالب سبقوه باحلفظ ‪ ،‬ويساعد‬
‫الذين دونه يف احلفظ باالستماع هلم ؛ فتكون مراجعة له ‪...‬‬
‫‪ – 8‬أن ال يخلط مع القرآن الكريم غيره من املواد اليت يراد حفظها ؛‬
‫بل يتفرغ حلفظ كتاب اهلل تعاىل أوال ‪ ،‬فإذا أتقنه ‪ ،‬وثبت حفظه ؛ انتقل‬
‫بعد ذلك إىل غريه ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬أما الذين خيلطون بني كثري من املواد ‪،‬‬
‫ويرغبون‪ s‬يف حفظ اجلميع ؛ فإن هنايتهم يف الغالب تكون‪ s‬بعدم حفظ أي‬
‫منها ‪...‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ - 9‬يجب أن يهتم باآليات المتشابهة (‪ )1‬يف األلفاظ ‪ ،‬وهناك‪ s‬كتب‬
‫ألفت يف املتشابه ‪ ،‬من أكثرها إحاطة ‪ ،‬وال أعلم كتابا أحاط باملتشابه مثله‬
‫‪ ،‬كتاب "البحر احمليط" للعالمة ‪ :‬حممد ولد انبوجا التشييت الشنقيطي‪– s‬‬
‫رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬وهو مطبوع طباعة‪ s‬ليست باجليدة (‪)2‬؛ فلعل اهلل أن ييسر‬
‫من يطبعه طباعة متقنة‪ ، s‬يستفيد منها طالب العلم ‪..‬‬
‫وهناك‪ s‬أيضا كتاب السخاوي – رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬وهو مطبوع طباعة‪s‬‬
‫جيدة ‪ ،‬ومتوفر يف املكتبات وهناك‪ s‬كتب أخرى كثرية‪..‬‬
‫‪ – 10‬هناك مطعومات قد تساعد على الحفظ ‪ ،‬وتنشط الذاكرة ‪،‬‬
‫ومن أمهها ‪:‬‬

‫() جاء يف كتاب "متشابه القرآن العظيم" ص ‪ ( : 58‬إن املتشابه كائن يف أشياء ‪ :‬فمنها‬ ‫‪1‬‬

‫متشابه إعراب حروف القرآن ‪ ،‬ومنها متشابه غريب حروف القرآن ومعانيه ‪ ..‬ومنها‬
‫متشابه تأويل القرآن ‪ ،‬ويف ذلك كتب عن أهل التأويل كمجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأيب العالية ‪،‬‬
‫وسعيد بن جبري ‪ ،‬وعطاء بن يسار ‪ ،‬وعطية ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وأيب صاحل ‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬ومنتهى‬
‫أكثر ذلك إىل ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ ،‬ويدخل يف ذلك متشابه ناسخ القرآن ومنسوخه‬
‫‪ ،‬وتقدميه وتأخريه ‪ ،‬وخصوصه وعمومه ‪ ،‬وأكثر من مسينا قبل هلم كتب يف ذلك )‪.‬‬
‫واملقصود باآليات املتشاهبة هنا أي اليت تتشابه ألفاظها ‪ ،‬وتتقارب ‪ ،‬فال بد من االعتناء هبا‬
‫‪ ،‬حىت تتميز كل آية عن األخرى‪.‬‬
‫() ذلك أنه ال ميكن أن يستفاد منها ؛ فهي طبعة قدمية غري مقروءة ‪ ،‬وعندي منها نسخة‬ ‫‪2‬‬

‫بشرح حممد أمحد األسود الشنقيطي ‪ ،‬ومل يطبع غريها حسب علمي إىل اآلن ‪...‬‬

‫‪52‬‬
‫أ – العسل ‪ :‬وهو نافع يف الصحة عامة ‪ ،‬وجمرب يف تقوية احلفظ ؛ خاصة‬
‫إذا كان على الريق ‪ ،‬وفيه شفاء من كثري من األمراض ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫( خيرج من بطوهنا شراب خمتلف ألوانه‪ s‬فيه شفاء للناس )‪.‬‬
‫ب – شرب ماء زمزم ‪ :‬فإن من شربه بنية احلفظ حفظ – إن شاء اهلل –‬
‫(‪)2‬‬
‫فقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ماء زمزم ملا شرب له )‬

‫() النحل اآلية ‪69‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه "ابن ماجه" يف سننه ‪ ،‬باب الشرب‪ s‬من زمزم ‪ ،‬حديث رقم ‪ 3062‬ج ‪ 2‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1018‬ورواه أيضا أمحد ‪ ،‬وابن أيب شيبة ‪ ،‬والبيهقي ‪ ،‬وقال ‪ :‬تفرد به عبد اهلل وهو‬
‫ضعيف ‪ ،‬واعرتض عليه ابن امللقن بأنه توبع ‪ ،‬ومل أجده ذكر املتابعات اليت اعرتض هبا‪.‬‬
‫ورواه العقيلي‪ s‬من حديث ابن املؤمل ‪ ،‬وقال ‪ :‬ال يتابع عليه ‪ ،‬واعرتض عليه ابن امللقن –‬
‫أيضا ‪ -‬بأنه توبع ‪ ،‬ومل أجده ذكر املتابعات اليت اعرتض هبا أيضا ‪ ،‬وأعله ابن القطان‬
‫بعلتني ‪ :‬األوىل ‪ :‬بابن املؤمل ‪ ،‬والثانية ‪ :‬بعنعنة أيب الزبري ‪ ،‬قال ابن حجر ‪ :‬لكن الثانية‬
‫مردودة ‪ ،‬ففي رواية ابن ماجة التصريح بالسماع ‪.‬‬
‫ورواه البيهقي يف شعب اإلميان ‪ ،‬واخلطيب يف تاريخ بغداد من حديث سويد بن سعيد عن‬
‫ابن املبارك عن ابن أيب املوال عن حممد بن املنكدر عن جابر ‪ ،‬قال البيهقي ‪ :‬غريب تفرد به‬
‫سويد‪ .‬قال ابن حجر ‪ ( :‬وهو ضعيف جدا ‪ ،‬وإن كان مسلم قد أخرج له يف املتابعات ‪،‬‬
‫وأيضا كان أخذه عنه قبل أن يعمى ويفسد حديثه ‪ ،‬وكذلك أمر أمحد بن حنبل ابنه‬
‫باألخذ عنه كان قبل عماه ‪ ،‬وملا أن عمي صار يلقن فيتلقن ؛ حىت قال حيىي بن معني ‪ :‬لو‬
‫كان يل فرس ورمح لغزوت سويدا من شدة ما كان يذكر له عنه من املناكري )‪.‬‬
‫وقال احلافظ شرف الدين الدمياطي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ( : -‬هذا حديث على رسم الصحيح فإن‬
‫عبد الرمحن بن أيب املوال انفرد به البخاري ‪ ،‬وسويد بن سعيد انفرد به مسلم‪. ) s‬‬

‫‪53‬‬
‫قال اإلمام الشوكاين – رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬قوله ‪" :‬ماء زمزم ملا شرب له"‬
‫فيه دليل على أن ماء زمزم ينفع الشارب ألي أمر شربه ألجله ‪ ،‬سواء كان‬
‫من أمور الدنيا ‪ ،‬أو اآلخرة ؛ ألن ما يف قوله ‪" :‬ملا شرب له" من صيغ‬
‫(‪)2‬‬
‫العموم (‪.) )1‬‬
‫وهكذا كان عمل السلف الصاحل ؛ فإذا هم أحدهم حباجة شرب من ماء‬
‫زمزم ‪ ،‬ودعا اهلل أن ييسرها له ؛ ومن األمثلة على ذلك ‪:‬‬
‫الخطيب البغدادي – رمحه اهلل تعاىل ‪ : -‬فإنه ملا حج شرب من ماء زمزم‬
‫ثالث شربات ‪ ،‬وسأل اهلل ثالث حاجات ‪ :‬أن حيدث بتاريخ بغداد هبا ‪،‬‬
‫وأن ميلي احلديث جبامع املنصور ‪ ،‬وأن يدفن عند بشر احلايف ؛ فقضيت له‬
‫(‪)3‬‬
‫الثالث ‪.‬‬
‫وشرب اإلمام الحاكم – رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬ماء زمزم بنية التصنيف ‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫واجلمع ؛ فرزق حسن التصنيف والتأليف‪.‬‬

‫واعرتض عليه ابن حجر ‪ :‬بأن مسلما إمنا أخرج لسويد ما توبع عليه ؛ ال ما انفرد به ‪،‬‬
‫فضال عما خولف فيه‪ .‬انظر ‪" :‬تلخيص احلبري" ج‪ 2‬ص‪ 268‬و "حتفة احملتاج" ج‪ 2‬ص‬
‫‪ 189‬و"خالصة البدر املنري" ج‪ 2‬ص‪26‬‬
‫() ذلك أن لفظة ‪ :‬ما ‪ ،‬ومن ‪ ،‬وأي ‪ ،‬تعم مطلقا ‪ ،‬سواء كانت للشرط ‪ ،‬أم موصولة ‪ ،‬أم‬ ‫‪1‬‬

‫لالستفهام‪.‬وهي هنا موصولة‪.‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬


‫() انظر ‪" :‬نيل األوطار" ج ‪ 5‬ص ‪170‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪" :‬سري أعالم النبالء" ج ‪ 18‬ص ‪279‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪" :‬األنساب" ج ‪ 3‬ص ‪433‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪54‬‬
‫وشربه أمري املؤمنني يف احلديث العالمة ابن حجر – رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬ليصل‬
‫(‪)1‬‬
‫إىل مرتبة الذهيب – رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬يف احلفظ ؛ فبلغها وزاد عليها‪.‬‬
‫وغري هؤالء كثري ‪ ،‬واملقام‪ s‬ال يتسع للتطويل ‪.‬‬
‫ج – الحبة السوداء ‪ :‬فهي شفاء من كل داء ‪ ،‬قالت عائشة – رضي اهلل‬
‫تعاىل عنها وأرضاها – مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ ( :‬إن‬
‫هذه احلبة السوداء شفاء من كل داء إال من السام ‪ ،‬قلت ‪ :‬وما السام ؟ قال‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ :‬املوت )‪.‬‬
‫وليس املقصود أهنا تستعمل دائما صرفا ؛ بل تارة تستعمل مفردة ‪ ،‬وتارة‬
‫خملوطة مع غريها ‪ ،‬كالعسل وحنوه ‪ ،‬حسب احلاجة ‪.‬‬
‫د – التمر ‪ :‬وهو جمرب يف تقوية احلفظ ‪ ،‬وخاصة ما صار منه مترا ‪ ،‬ومل‬
‫يعد رطبا ‪ ،‬وكان حمببا إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وعامة العرب‬
‫؛ بل إنه كان سببا يف موت بعض العلماء من شدة حرصهم على احلفظ ‪،‬‬
‫وعدم النسيان ‪ ،‬فقد روي أنه كان هو سبب موت اإلمام مسلم صاحب‬
‫الصحيح رمحه اهلل تعاىل ‪.‬‬

‫() انظر ‪" :‬ذيل تذكرة احلفاظ" ج ‪ 1‬ص ‪381‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه "البخاري" يف صحيحه ‪ ،‬باب احلبة السوداء ‪ ،‬حديث رقم ‪ 5363‬ج ‪ 5‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 2153‬و"مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب التداوي باحلبة السوداء ‪ ،‬حديث رقم ‪ 2215‬ج ‪4‬‬
‫ص ‪ ، 1735‬ولفظه ‪ ( :‬إن يف احلبة السوداء شفاء من كل داء إال السام ‪ ،‬والسام املوت ‪،‬‬
‫واحلبة السوداء ‪ :‬الشونيز )‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫قال اإلمام الذهيب – رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬قال أمحد بن سلمة ‪ .. :‬وعقد‬
‫ملسلم جملس املذاكرة ؛ فذكر له حديث مل يعرفه ؛ فانصرف إىل منزله ‪،‬‬
‫وأوقد السراج ‪ ،‬وقال ملن يف الدار ‪ :‬ال يدخل أحد منكم ؛ فقيل له ‪:‬‬
‫أهديت لنا سلة متر ؛ فقال قدموها ؛ فقدموها إليه ؛ فكان يطلب احلديث‬
‫ويأخذ مترة مترة فأصبح وقد فين التمر ‪ ،‬ووجد احلديث‪..‬‬
‫(‪)1‬‬
‫رواها أبو عبد اهلل احلاكم مث قال زادين الثقة من أصحابنا أنه منها مات )‬
‫هـ ‪ -‬ابتالع أحداق عيون المعز والضأن ‪ ،‬دون مضغ ‪ :‬وهو أمر معتاد‬
‫عند الشناقطة ؛ حيث يأخذون حدق العيون من الرؤوس املطبوخة‬
‫ويضعوهنا يف فم الطفل ‪ ،‬مث يتبعوهنا باملاء حىت تبتلع دون مضغ ‪ ،‬وقد جربوا‬
‫ذلك يف احلفظ ‪ ،‬فأعطى مفعوال جيدا ‪..‬‬
‫وحدثين األخ الفاضل ‪ :‬حممد حيىي ولد سعيد (‪ )2‬أن الشيخ احلافظ امللقب‬
‫عندنا بالنووي(‪ )3‬حدثه أنه كان يبتلع كثريا من حداق العيون‪ s‬يف الصغر ‪،‬‬

‫() انظر ‪" :‬سري أعالم النبالء" ج‪ 12‬ص‪564‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سيأيت التعريف به‪.‬‬‫‪2‬‬

‫() هو الشيخ العامل الفاضل حممد سيديا بن سليمان ‪ ،‬يرجع نسبه إىل جعفر بن أيب طالب‬ ‫‪3‬‬

‫رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه ‪ ،‬ولد يف حدود سنة ‪1958‬م وأمه هي العاملة الزاهدة خدجية‬
‫بنت حممد سيديا ابنة عم والده ‪ ،‬وهي اليت لقبته بالنووي ‪ ،‬تفاؤال منها أن يصري مثل اإلمام‬
‫النووي يف العلم ‪ ،‬والزهد يف الدنيا ‪ ،‬فاشتهر هبذا اللقب ‪ ،‬حىت صار علما عليه ‪ ،‬فإذا ذكر‬
‫لقب ‪ :‬النووي يف غالب مناطق شنقيط ‪ ،‬فإنه ال ينصرف إال إليه ‪ ،‬توجه إىل حمضرة العالمة‬
‫ناصر السنة وقامع البدعة الشيخ عبد اهلل بن داداه – رمحه اهلل تعاىل وغفر له – فحفظ‬

‫‪56‬‬
‫وقد قابلته – أي الشيخ النووي ‪ -‬بنفسي يف مكة املكرمة مرات عديدة ‪،‬‬
‫وجالسته وحاورته يف مسائل متعددة ‪ ،‬من احلديث واألصول والفقه ‪،‬‬
‫وعلمت أن اهلل أعطاه من احلفظ ‪ ،‬والعلم باحلديث ‪ ،‬وحسن اخللق ‪،‬‬
‫والتواضع لطلبة العلم ما أعطاه ؛ فأسأل اهلل العلي القدير أن حيفظه ‪ ،‬وينفع‬
‫به اإلسالم واملسلمني‪.‬‬
‫كما أن الشناقطة ينصحون طالب احلفظ – أيضا – بتجنب كل ما يزيد‬
‫محوضة املعدة ‪ ،‬كالفلفل احلار وحنوه‪.‬‬
‫مث إن بعض الباحثني يضيف على تلك املطعومات ‪ :‬الزبيب ‪ ،‬وألبان البقر ‪،‬‬
‫والسمك الطازج ‪ ،‬والرمان ‪ ،‬وغريها ‪.‬‬

‫القرآن ‪ ،‬وأجازه الشيخ حيىي بن اباه يف قراءة نافع من رواييت ورش وقالون ‪ ،‬ودرس عليه‬
‫كثريا من علوم احلديث وغريها ‪ ،‬مث تفرغ بعد ذلك للمطالعة وتدريس طلبة العلم ‪ ،‬وبرع‬
‫يف علوم كثرية ‪ ،‬مث تعرض حملن بسبب الصدع باحلق ؛ فسجن‪ s‬وعذب يف فرتة حكومة‬
‫معاوية ولد سيد أمحد الطايع ‪ ،‬وقبل سقوط احلكومة املذكورة اعتقلته مع جمموعة من طلبة‬
‫العلم منهم الشيخ الشاعر وغريه ‪ ،‬فزجت هبم يف السجن وال زالوا فيه ‪ ،‬نسأل اهلل عز وجل‬
‫أن يعاقب من شارك يف سجنه وسجن طلبة العلم الذين سجنوا معه مبا يستحق وأن يفرج‬
‫عنهم عاجال غري آجل ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬أمور تضعف الذاكرة ‪ ،‬وتعيق عملية الحفظ ‪:‬‬
‫‪ – 1‬المعاصي ‪ :‬فهي تضعف الذاكرة ‪ ،‬ومتيت القلب ‪ ،‬وال جيتمع اإلكثار‬
‫من املعاصي‪ s‬مع حفظ العلم الشرعي ‪ ،‬وخاصة كتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬وقد قال‬
‫جل من قائل ‪ ( :‬واتقوا اهلل ويعلمكم اهلل ) (‪ )1‬فإن حاولت حفظ العلم ‪،‬‬
‫وبذلت جهدا ‪ ،‬ومل تالحظ حتسنا ؛ فاعلم أنك متلبس بذنب حجبك عن‬
‫احلفظ والفهم ؛ فتب إىل اهلل تعاىل منه ‪ ،‬وعاود احملاولة‪.‬‬
‫ويف هذا املعىن يقول اإلمام الشافعي رمحه اهلل ‪:‬‬
‫فأرشدين إىل ترك املعاصي‪s‬‬ ‫شكوت إىل وكيع (‪ )2‬سوء حفظي‬

‫() البقرة اآلية ‪282‬‬‫‪1‬‬

‫() هو ‪ :‬وكيع بن اجلراح بن مليح بن عدي بن فرس بن مججمة بن سفيان بن احلارث بن‬ ‫‪2‬‬

‫عمرو بن عبيد بن رؤاس ‪ ،‬اإلمام ‪ ،‬احلافظ ‪ ،‬حمدث العراق ‪ ،‬أبو سفيان الرؤاسي الكويف ‪،‬‬
‫أحد األعالم ‪ ،‬ولد سنة تسع وعشرين ومائة ‪ ،‬ومسع من هشام بن عروة ‪ ،‬وسليمان‬
‫األعمش ‪ ،‬واألوزاعي ‪ ،‬وجعفر بن برقان وخلق‪ .‬حدث عنه ‪ :‬سفيان الثوري أحد شيوخه‬
‫‪ ،‬وعبد اهلل بن املبارك ‪ ،‬والفضل بن موسى السيناين ومها أكرب منه ‪ ،‬وحيىي بن آدم ‪ ،‬وعبد‬
‫الرمحن بن مهدي ‪ ،‬واحلميدي ‪ ،‬ومسدد ‪ ،‬وأمحد بن حنبل ‪ ،‬وابن معني وغريهم ‪.‬‬
‫قال حيىي بن معني ‪ :‬وكيع يف زمانه كاألوزاعي يف زمانه ‪ ،‬وقال أمحد بن حنبل ‪ :‬ما رأيت‬
‫أحدا أوعى للعلم‪ s‬وال أحفظ من وكيع ‪ ،‬وقال عبد الرزاق ‪ :‬رأيت الثوري ‪ ،‬وابن عيينه ‪،‬‬
‫ومعمرا ‪ ،‬ومالكا ‪ ،‬ورأيت ‪ ،‬ورأيت ؛ فما رأت عيناي قط مثل وكيع ‪.‬‬
‫قال أمحد بن حنبل ‪ :‬حج وكيع سنة ست وتسعني ومائة ‪ ،‬ومات بفيد رمحه اهلل تعاىل‬
‫وغفر له ‪ ،‬قال الذهيب ‪ :‬عاش مثانا وستني سنة سوى شهر أو شهرين‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪ " :‬سري أعالم النبالء" ج‪ 9‬ص‪ 140‬و "طبقات احلنفية" ج‪ 1‬ص‪540‬‬

‫‪58‬‬
‫وأخـربين بــأن العلم نــور ونـور اهلل ال يعطى لعاص‪.‬‬
‫‪ – 2‬االنشغال بأمور الدنيا ‪ ، :‬وعدم التفرغ حلفظ كتاب اهلل ‪ :‬فعن عبد‬
‫الرمحن بن األسود عن أبيه قال ‪ :‬أصبت أنا وعلقمة صحيفة ‪ ،‬فانطلقنا هبا‬
‫إىل عبد اهلل بن مسعود – رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه – فذكر قصة قال‬
‫(‪)1‬‬
‫فيها ‪ :‬إن هذه القلوب أوعية‪ s‬فاشغلوها بالقرآن وال تشغلوها بغريه ‪.‬‬
‫وناهيك به خبريا هبذا الشأن ؛ فقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫(خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد ؛ فبدأ به ‪ ،‬ومعاذ بن جبل ‪ ،‬وأيب‬
‫(‪)2‬‬
‫بن كعب وسامل موىل أيب حذيفة )‪.‬‬
‫وهو الذي قال عن نفسه – رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه ‪ ( : -‬واهلل الذي‬
‫ال إله غريه ما أنزلت سورة من كتاب اهلل إال أنا أعلم أين أنزلت ‪ ،‬وال‬
‫أنزلت آية من كتاب اهلل إال أنا أعلم فيم أنزلت ‪ ،‬ولو أعلم أحدا أعلم مين‬
‫(‪)3‬‬
‫بكتاب اهلل تبلغه اإلبل لركبت إليه )‪.‬‬

‫() انظر القصة كاملة يف "جامع بيان فضل العلم" البن عبد الرب ج ‪ 1‬ص ‪ 66‬وراجع ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫"متشابه القرآن العظيم" ص ‪50‬‬


‫() رواه "مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب من فضائل عبد اهلل بن مسعود وأمه رضي اهلل تعاىل‬‫‪2‬‬

‫عنهما ‪ ،‬حديث رقم ‪ 2464‬ج ‪ 4‬ص ‪1913‬‬


‫() رواه "البخاري" يف صحيحه ‪ ،‬باب القراء من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،‬حديث رقم ‪ 4716‬ج ‪ 4‬ص ‪1912‬‬

‫‪59‬‬
‫وعن شقيق (‪ )4‬عن عبد اهلل بن مسعود – رضي اهلل تعاىل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال‬
‫اهلل تعاىل ‪" :‬ومن يغلل يأت مبا غل يوم القيامة"(‪ )5‬مث قال على قراءة من‬
‫تأمروين أن أقرأ ؟ فلقد قرأت على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بضعا‬
‫وسبعني سورة ‪ ،‬ولقد علم أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أين‬
‫أعلمهم بكتاب اهلل ‪ ،‬ولو أعلم أن أحدا أعلم مين لرحلت إليه ‪ ،‬قال شقيق‬
‫فجلست يف حلق أصحاب حممد صلى اهلل عليه وسلم فما مسعت أحدا يرد‬
‫(‪)6‬‬
‫ذلك عليه ‪ ،‬وال يعيبه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ولو كان ما قال غري صحيح لردوه عليه ‪ ،‬وليس يف ذلك سوء أدب‬
‫؛ ألن املقام مقام إحقاق حق متعلق بكتاب اهلل ‪ ،‬وبتعليمه للناس ‪ ،‬ولكنه ما‬
‫كان ليكذب رضي اهلل عنه وأرضاه أصال ؛ فكيف بشيء متعلق حببل اهلل‬
‫املتني ‪ ،‬وصراطه املستقيم ‪ ،‬فرضي اهلل عنه ‪ ،‬وعن مجيع الصحابة ‪ ،‬وجزاهم‬
‫عنا خري اجلزاء ‪...‬‬

‫() هو ‪ :‬شقيق بن سلمة ‪ ،‬اإلمام الكبري ‪ ،‬شيخ الكوفة ‪ ،‬أبو وائل األسدي أسد خزمية ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫الكويف ‪ ،‬خمضرم أردك النيب صلى اهلل عليه وسلم وما رآه ‪ ،‬حدث عن عمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬
‫وعلي ‪ ،‬وعمار ‪ ،‬ومعاذ ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬وحدث عنه ‪ :‬عمرو بن مرة ‪ ،‬وحبيب‬
‫بن أيب ثابت ‪ ،‬واحلكم بن عتيبة ‪ ،‬مات سنة اثنتني ومثانني ‪.‬انظر ترمجته يف ‪" :‬سري أعالم‬
‫النبالء" ج‪ 4‬ص‪161‬‬
‫() آل عمران اآلية ‪161‬‬ ‫‪5‬‬

‫() رواه "مسلم" يف صحيحه ‪ ،‬باب من فضائل عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه ‪ ،‬حديث‬ ‫‪6‬‬

‫رقم ‪ 2462‬ج ‪ 4‬ص ‪1912‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ - 3‬عدم المراجعة الدائمة ‪ :‬فالقرآن أشد تفلتا من اإلبل ‪ ،‬قال النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬تعاهدوا القرآن ؛ فو الذي نفسي بيده هلو أشد‬
‫(‪)2‬‬
‫تفصيا(‪)1‬من اإلبل من عقلها )‬
‫وهو تعبري ‪ ،‬وتشبيه من أبلغ ما يكون‪ ، s‬فالقرآن ال بد له من التكرار ‪،‬‬
‫واملراجعة الدائمة أكثر من أي مادة حمفوظة أخرى ‪...‬‬
‫وميكن أن تأخذ املراجعة أي شكل يناسب احلافظ ‪ ،‬كأن يفرض على نفسه‬
‫مراجعة جزء كل يوم ‪ ،‬أو أكثر ‪ ،‬حسب ظروفه ومشاغله ‪ ،‬ولكن أفضل‬
‫طريقة ملراجعة القرآن الكرمي بعد حفظه املتقن ؛ تكون‪ s‬بالصالة به يف الليل ‪،‬‬
‫قال تعاىل ‪ ( :‬ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما‬
‫(‪)3‬‬
‫حممودا )‪.‬‬
‫قال اإلمام الشوكاين – رمحه اهلل ‪" ( : -‬ومن الليل فتهجد به نافلة لك"‬
‫من للتبعيض‪ ، s‬وانتصابه‪ s‬على الظرفية مبضمر ‪ ،‬أي قم بعض الليل ؛ فتهجد‬
‫(‪)4‬‬
‫به ‪ ،‬والضمري اجملرور راجع إىل القرآن )‪.‬‬
‫‪ – 4‬الحفظ الزائد ‪ :‬فعلى طالب العلم أن ال حيفظ إال ما يستطيع ‪،‬‬
‫ومبشورة الشيخ ‪ ،‬فبخربته يستطيع أن حيدد له مقدار احلفظ اخلاص به ‪...‬‬
‫() أَي أَش ّد َت َفلُّتَاً وخروجاً ‪ .‬انظر ‪" :‬لسان العرب" ج ‪ 15‬ص ‪156‬‬‫‪1‬‬

‫() رواه "البخاري" يف صحيحه ‪ ،‬باب استذكار القرآن وتعاهده ‪ ،‬حديث رقم ‪ 4746‬ج‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 4‬ص ‪1921‬‬
‫() اإلسراء اآلية ‪79‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪" :‬فتح القدير" ج‪ 3‬ص‪251‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ – 5‬البطنة ‪ :‬فإن كثرة األكل ‪ ،‬واملبالغة يف ملء البطن مذمومة شرعا ‪،‬‬
‫وأضرارها ليست على عملية احلفظ وحدها ؛ بل على صحة اجلسم بالكامل‬
‫‪ ،‬ولذا فقد حذر منها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫( ما مأل آدمي وعاء شرا من بطن ؛ حبسب ابن آدم أكالت يقمن صلبه ؛‬
‫(‪)1‬‬
‫فإن كان ال حمالة فثلث لطعامه ‪ ،‬وثلث لشرابه ‪ ،‬وثلث لنفسه )‪.‬‬
‫قال القرطيب – رمحه اهلل تعاىل ‪ .. ( : -‬مث قيل يف قلة األكل منافع كثرية ‪،‬‬
‫منها ‪ :‬أن يكون‪ s‬الرجل أصح جسما ‪ ،‬وأجود حفظا ‪ ،‬وأزكى فهما ‪ ،‬وأقل‬
‫نوما ‪ ،‬وأخف نفسا ‪ ،‬ويف كثرة األكل كظ املعدة وننت التخمة ‪ ،‬وتتولد‬
‫منه األمراض املختلفة ؛ فيحتاج من العالج أكثر مما حيتاج إليه القليل األكل‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬وقال بعض احلكماء ‪ :‬أكرب الدواء تقدير الغذاء )‪.‬‬
‫وقد كان السلف الصاحل حيذرون من البطنة فمن األمثال املتداولة عندهم ‪:‬‬
‫البطنة تذهب الفطنة ‪.‬‬
‫وقال ابن مجاعة – رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬كثرة األكل جالبة لكثرة الشرب ‪،‬‬
‫وكثرته جالبة للنوم ‪ ،‬والبالدة ‪ ،‬وقصور الذهن ‪ ،‬وفتور احلواس ‪ ،‬وكسل‬
‫(‪)3‬‬
‫اجلسم ‪ ،‬هذا مع ما فيه من الكراهة‪ s‬الشرعية ‪.) ..‬‬

‫() رواه "الرتمذي" يف سننه ‪ ،‬باب ما جاء يف كراهية كثرة األكل ‪ ،‬حديث رقم ‪2380‬‬ ‫‪1‬‬

‫ج ‪ 4‬ص ‪ 590‬و"ابن ماجه" يف سننه ‪ ،‬باب االقتصاد يف األكل وكراهة الشبع ‪ ،‬حديث‬
‫رقم ‪ 3349‬ج ‪ 2‬ص ‪1111‬‬
‫() انظر ‪" :‬تفسري القرطيب" ج ‪ 7‬ص ‪192‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪" :‬كيف حتفظ القرآن الكرمي" د‪ /‬حيىي بن عبد الرزاق الغوثاين ص ‪148‬‬
‫‪3‬‬

‫‪62‬‬
‫وليس ذم كثرة األكل قاصرا على الشرع ؛ فإن العرب كانوا يذمون بكثرته‬
‫‪ ،‬وميدحون بقلته كما قال قائلهم ‪:‬‬
‫تكفيه‪ s‬فلذة كبد إن أمل هبا من الشواء ويروي شربه الغمر‬
‫وقال حامت الطائي ‪:‬‬
‫فإنك إن أعطيت بطنك سؤله وفرجك ناال منتهى الذم أمجعا‪.‬‬
‫‪ - 6‬كثرة النظر في التلفزيون ‪ ،‬والكومبيوتر ‪ ،‬وخاصة إطالة العكوف‬
‫على اإلنرتنت‪ ، s‬فذلك يضعف الذاكرة ‪ ،‬ويتعب‪ s‬أعصاب الدماغ ‪ ،‬ويصعب‪s‬‬
‫عملية احلفظ كثريا ‪...‬‬

‫‪63‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬طريقة الشناقطة في حفظ كتاب اهلل تعالى‬
‫المطلب األول ‪ :‬التعريف بالشناقطة ‪:‬‬
‫ال بد أن نلقي نظرة تعريفية على هذا املسمى ‪ -‬أعين الشناقطة ‪ -‬حىت‬
‫يكون‪ s‬القارئ على بصرية من املوضوع‪ s‬الذي نعاجله ‪.‬‬
‫كلمة شنقيط تكتب بالقاف واجليم ‪ ،‬وقد اقتصر املؤرخون يف العصور‬
‫األول على كتابتها باجليم ‪ ،‬ووجد ذلك يف الصكوك‪ s‬القدمية ‪ ،‬وكتبها‬
‫بعضهم بالكاف وهو خطأ ‪...‬‬
‫وقد اختلف يف معناها ‪ ،‬والذي قرره العالمة الشيخ سيدي عبد اهلل بن‬
‫احلاج إبراهيم العلوي(‪ – )1‬رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬أهنا تطلق على عيون‪ s‬اخليل ‪،‬‬
‫وهي‬
‫اآلن مدينة من مدن "آدرار"(‪ )2‬واقعة فوق جبل يف غرب الصحراء الكربى ‪،‬‬

‫() هو الشيخ العالمة األصويل الفقيه احملدث عبد اهلل بن احلاج إبراهيم بن اإلمام حمنض‬
‫‪1‬‬

‫أمحد العلوي ‪ ،‬نسبة إىل قبيلة "إدوعل" اليت يرجع نسبها إىل علي بن أيب طالب – رضي اهلل‬
‫عنه – ‪ ،‬ولد بعد منتصف القرن الثاين عشر اهلجري ‪ ،‬ألف تآليف مفيدة ‪ ،‬ونظم أنظاما‬
‫عديدة منها ‪ :‬كتابه "مراقي السعود" وشرحه "نشر البنود" وهو من أفضل‪ s‬ما يقرأ يف علم‬
‫األصول ‪ ،‬وله كتاب "طلعة األنوار" يف مصطلح احلديث ‪ ،‬وشرحها هدى األبرار ‪ ،‬وغري‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬مذكرة أصول الفقه" ص ‪57‬‬
‫() "آدرار" قال صاحب الوسيط ‪ ( :‬سألت بعض أهل اللغة الشلحية ‪ ،‬فقال يل ‪ :‬معناه‬ ‫‪2‬‬

‫عندهم اجلبل ‪ ،‬وهو عبارة عن جبال شاهقة ‪ ،‬يعاينها الصاعد ‪ ،‬مقدار أربع ساعات ‪ ،‬وهي‬
‫كالدائرة حملقة يف السماء ‪ ،‬حىت إذا انتهى إليها الصاعد ‪ ،‬وجد أرضا مستوية ‪ ،‬فوقها‬
‫جبال شاخمة ‪ ،‬ومدن ‪ ،‬وأودية خنل ‪ ،‬وكثبان رملية ‪ ،‬كأنه يف أرض أخرى ‪ ،‬وهي اليت‬

‫‪64‬‬
‫مث صارت تطلق على مجيع القطر املعروف حاليا ب ‪" :‬موريتانيا"(‪ )1‬وهو‬
‫(‪)2‬‬
‫من باب تسمية الشيء باسم بعضه ‪.‬‬
‫وهذا القطر املعروف قدميا باسم شنقيط ‪ ،‬وحاليا باسم موريتانيا‪ s‬يسكنه‬
‫كثري من القبائل العربية (‪ )3‬اليت ينتهي نسب أغلبها إىل احلسنني ابين علي‬
‫رضي اهلل عنهم ‪ -‬وجعفر بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ، -‬وبعضها إىل‬
‫تسمى "اظهر" يسري فيها الراكب مقدار ستة أيام طوال ‪ ،‬وأقل من ذلك عرضا ‪ ،‬وقد‬
‫توجهت إليه من جهة أرض القبلة ‪ ،‬فرأيته مما يزيد على يوم ‪ ،‬وظننه سحائب سوداء )‪.‬‬
‫انظر "الوسيط يف تراجم أدباء شنقيط" ص ‪428‬‬
‫() هذه التسمية استحدثها املستعمرون ‪ ،‬واالسم الذي كان يطلق على هذه البالد يف كل‬ ‫‪1‬‬

‫مكان من العامل هو ‪ :‬شنقيط ‪ ،‬وما زال هذا االسم هو املعروف إىل اآلن يف كثري من البالد‬
‫‪ ،‬وخاصة يف اجلزيرة العربية فإهنم ال يعرفون – يف الغالب – موريتانيا ‪ ،‬وإمنا يعرفون‬
‫شنقيط‪.‬‬
‫() انظر ‪" :‬الوسيط يف تراجم أدباء شنقيط" ص ‪ 422‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أنبه هنا على نقطتني مهمتني ‪ ،‬األولى ‪ :‬أن القبائل العربية اليت تسكن يف الصحراء‬ ‫‪3‬‬

‫الغربية ‪ ،‬واليت يقع غالبها اآلن حتت السيطرة املغربية تنتمي للشناقطة بكل املقاييس ‪ ،‬فلغة‬
‫اجلميع هي اللغة العربية ‪ ،‬وهلجة اجلميع هي احلسانية ‪ ،‬واللباس متحد ‪ ،‬والتاريخ مشرتك ؛‬
‫بل إنك جتد القبيلة الواحدة منقسمة قسمني ‪ ،‬قسم يف أرض شنقيط ‪ ،‬واآلخر يف الصحراء‬
‫الغربية ‪..‬‬
‫والنقطة الثانية ‪ :‬أن كثريا من األعاجم من دولة مايل يدعي أنه من الشناقطة وليست‬
‫حقيقية ؛ فهم ال يتكلمون اللهجة احلسانية ‪ ،‬واملالبس ختتلف ‪ ،‬والعادات خمتلفة ‪ ،‬بل وال‬
‫قواسم مشرتكة إال يف القليل‪ s‬النادر ‪ ،‬وال نعين بذلك بعض القبائل العربية اليت نزحت من‬
‫أرض شنقيط إىل دولة مايل ‪ ،‬فهم شناقطة حقيقيون ولكنهم قلة قليلة ‪..‬‬

‫‪65‬‬
‫األنصار ‪ ،‬وقبائل معدودة إىل محري وهناك‪ s‬نسبة قليلة من الزنوج ‪ ،‬قدرت يف‬
‫بعض اإلحصائيات بنسبة ‪ % 4‬ورمبا زادت يف الفرتة‪ s‬األخرية بسبب عوامل‬
‫(‪)1‬‬
‫متعددة‪.‬‬
‫أما اللغة السائدة فهي اللغة العربية ‪ ،‬مع استعمال عريض ملا يسمى باللهجة‬
‫احلسانية ‪ ،‬وهي قريبة من اللغة العربية إىل حد كبري ؛ بل هي أقرب‬

‫() من هذه العوامل ‪ :‬قلة تعدد الزوجات بني العرب ‪ ،‬فقد غرس االستعمار الفرنسي‬ ‫‪1‬‬

‫أفكاره اخلبيثة يف اجملتمع ‪ ،‬ومن ضمنها تشويهه لتعدد الزوجات ‪ ،‬ونعته بأنه ظلم للمرأة ‪،‬‬
‫يف حني فتحت حكومة معاوية ولد سيد أمحد الطايع ‪ -‬واليت سقطت حبمد اهلل قبل سنة‬
‫ونصف تقريبا ‪ -‬كل وسائل تعدد الزوجات للزنوج حىت تضمن هلم تفوقا عدديا يف‬
‫املستقبل على حساب العرب ‪.‬‬
‫ومع أين ال أومن مبفهوم القوميات ‪ ،‬وصراعها ‪ ،‬والذي أدين اهلل به هو اإلسالم الذي‬
‫يستوي فيه األسود واألبيض ‪ ،‬والعريب ‪ ،‬والزجني ‪ ،‬إال أين أنبه على أن احلرب على تلك‬
‫القبائل العربية ليست حربا قومية وإمنا املقصود منها هو حصر املد اإلسالمي ‪ ،‬فكل مسلم‪s‬‬
‫موضوعي سواء كان زجنيا ‪ ،‬أو عربيا يعلم أن اإلسالم ما كان لينتشر لوال فضل اهلل أوال ‪،‬‬
‫مث جهود تلك القبائل العربية العريقة ‪ ،‬فاحلرب عليها إذن حرب على اإلسالم ‪ ،‬فضال عن‬
‫أنه استحداث لصراع ‪ ،‬وعداء غري موجود أصال ؛ فلقد‪ s‬تعايشت تلك القبائل العربية مع‬
‫الزنوج على أساس اإلسالم منذ قرون عديدة ‪ ،‬تعايشا سلميا ملؤه الثقة بني اجلميع ‪،‬‬
‫والتعاون يف السراء والضراء ‪ ،‬شأهنم يف ذلك شأن كل البالد اإلسالمية ‪ ،‬فما عرف‬
‫املسلمون يوما التفرقة على أساس اللون ‪ ،‬أو اجلنس ‪ ،‬وإمنا كان ميزاهنم ‪ ،‬ومعيارهم ‪ ( :‬إن‬
‫أكرمكم عند اهلل أتقاكم )‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫اللهجات العربية إىل الفصحى ‪ ،‬كما أن هناك ثالث هلجات زجنية مستعملة‬
‫عند الزنوج فقط (‪...)1‬‬
‫وبعد هذه النبذة‪ s‬املوجزة عن بالد شنقيط ؛ جيدر بنا أن نعرج على املقصود‬
‫‪ ،‬وهو طريقة حفظ كتاب اهلل تعاىل عند هذا الشعب الذي اشتهر بقوة‬
‫(‪)2‬‬
‫الذاكرة ‪ ،‬ومتانة احلفظ ‪ ،‬وسرعته أيضا‪..‬‬

‫() وتسمى هذه اللهجات ‪ :‬البوالرية ‪ ،‬والسننكية ‪ ،‬والولفية ‪ ،‬ورمبا وجدت هلجة تسمى‬ ‫‪1‬‬

‫الرببرية ‪ ،‬وهي نادرة جدا ‪.‬‬


‫() قد جتد من هذا الشعب من حيفظ القصيدة الطويلة من أول مساع هلا ‪ ،‬ورمبا جتد منهم‬ ‫‪2‬‬

‫من حيفظ ما يعادل جملدات‪ s‬كثرية ‪ ،‬وحيكى عن أحدهم ‪ :‬أنه جاء إىل مكتبة ؛ ليشرتي‬
‫القاموس احمليط للفريوزآبادي ‪ ،‬فأعطاه صاحب املكتبة القاموس يف جملد واحد ؛ لينظر يف‬
‫الطبعة وجودهتا ‪ ،‬وبعد تصفحه للكتاب أرجعه لصاحب املكتبة ؛ ألنه مل يعد حباجة إليه ؛‬
‫فقد حفظه ‪ ،‬فليحذر أصحاب املكتبات من مثله ‪.‬‬
‫وقد يكون يف هذا مبالغة ‪ ،‬ولكن املقصود منه هو التعبري عن سرعة احلفظ ومتانته عند هذا‬
‫الشعب‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬صفات الشيخ (‪ )1‬الذي يتولى التدريس عند‬
‫الشناقطة ‪:‬‬
‫إن التعليم هو الوسيلة اليت تتبعها‪ s‬األمة لتعريف أبنائها‪ s‬بعقيدهتم ‪ ،‬وتراث‬
‫أمتهم وتبصريهم مبتطلبات احلياة ‪ ،‬وتسليحهم مبهارات متكنهم من املساعدة‬
‫يف تقدمها ورقيها ‪..‬‬
‫وأهم علم يساعد على حتقيق هذه الغايات النبيلة هو العلم بكتاب اهلل تعاىل‬
‫‪ ،‬وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ولكن املعلم الذي يضطلع بإيصال‬
‫تلك الرسالة إىل الطالب ؛ ال بد أن يكون‪ s‬مستوعبا لقدر املسؤولية‪ s‬امللقاة‬
‫على عاتقه ‪ ،‬فهو مصلح ‪ ،‬واملصلحون ينبغي‪ s‬أن يكونوا‪ s‬قد حققوا الصالح‬
‫يف أنفسهم أوال ‪ ،‬كما أنه من املهم أن يكونوا‪ s‬قد حصلوا وسائل توصيل‬
‫هذا الصالح إىل غريهم ‪ ،‬حىت ال يكون صالحهم قاصرا عليهم ال‬
‫يستطيعون‪ s‬جتاوز ذواهتم ‪ ،‬وال يقدرون على جعل تلك املعارف اليت حصلوا‬
‫عليها مثارا يأكل منها اجلياع الذين ضمرت عقوهلم من قلة الوجبات املقدمة‬
‫هلم يف هذا اجملال ‪...‬‬
‫ولذا فإن اختيار الشيخ املناسب يعترب أهم لبنة يف البناء التعليمي ‪ ،‬وأهم‬
‫ركن يقوم عليه بناؤه ‪ ،‬وقد درج السلف الصاحل على االهتمام باختياره ‪،‬‬
‫والعناية‪ s‬بأمره ‪ ،‬وكرسوا صفحات من كتبهم لذلك ‪...‬‬

‫() املقصود هو الشيخ الذي تكون عنده حمضرة لتدريس العلوم الشرعية ‪ ،‬ومنها القرآن‬ ‫‪1‬‬

‫الكرمي ‪ ،‬وال أقصد احملفظني الذين ال يتولون إال حتفيظ األطفال فقط‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫قال املاوردي (‪ – )1‬رمحه اهلل تعاىل ‪ ( : -‬جيب أن جيتهد يف اختيار املعلم‬
‫واملؤدب ‪ ،‬االجتهاد يف اختيار الوالدة والظئر ؛ بل أشد منه ؛ فإن الولد‬
‫يأخذ من مؤدبه من األخالق ‪ ،‬والشمائل ‪ ،‬واآلداب ‪ ،‬والعادات ؛ أكثر مما‬
‫يأخذ من والده ؛ ألن جمالسته له أكثر ‪ ،‬ومدارسته معه أطول ‪ ،‬والولد قد‬
‫أمر حيث سلم إىل املدرس باالقتداء به مجلة ‪ ،‬واالئتمار له دفعة ‪ ،‬وإذا كان‬
‫هكذا ؛ فيجب أال يقتصر من املعلم واملؤدب على أن يكون قارئا للقرآن ‪،‬‬
‫حافظا للغة ‪ ،‬أو راويا للشعر ‪ ،‬حىت يكون‪ s‬تقيا ‪ ،‬ورعا ‪ ،‬عفيفا ‪ ،‬دينا ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فاضل األخالق ‪ ،‬أديب النفس ‪ ،‬نقي اجليب ‪.) ..‬‬
‫وقد وعى الشناقطة هذه األمور ‪ ،‬واهتموا‪ s‬هبا حق االهتمام ؛ فلم يعطوا‬
‫ألحد احلق يف تدريس كتاب اهلل إال إذا كانت عنده مؤهالت تسمح له‬
‫بذلك ‪ ،‬ومن أمهها ‪:‬‬

‫() هو اإلمام ‪ :‬علي بن حممد بن حبيب املاوردي البصري الشافعي ‪ ،‬ولد سنة ‪ 364‬هـ‬ ‫‪1‬‬

‫بالبصرة ‪ ،‬وأخذ عن مجلة من أجالء العلماء منهم ‪ :‬الصريمي ‪ ،‬واإلسفرائيين ‪ ،‬واخلوارزمي‬


‫‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬وعنه أخذ كثري من الطالب العلم منهم ‪ :‬الباقالين ‪ ،‬وابن كادش العكربي ‪،‬‬
‫واخلطيب البغدادي ‪ ،‬وشهد له العلماء يف كل عصر بسعة العلم ‪ ،‬ووفور العقل ‪ ،‬قال‬
‫السبكي ‪ :‬كان املاوردي إماما جليال ‪ ،‬له اليد الباسطة يف املذاهب ‪ ،‬والتفنن التام يف سائر‬
‫العلوم ‪ ،‬ألف جمموعة من الكتب ‪ ،‬من أشهرها كتابه "احلاوي" يف الفقه الشافعي تويف –‬
‫رمحه اهلل – ‪ 30‬ربيع األول سنة ‪ 450‬هـ ودفن يف بغداد ‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف "احلاوي" ج ‪ 1‬ص ‪ 3‬و "طبقات الشافعية" ج ‪ 3‬ص ‪303‬‬
‫() انظر ‪" :‬نصيحة امللوك" للماوردي ص ‪ 170‬نقال عن كتاب "أطفال املسلمني كيف‬ ‫‪2‬‬

‫رباهم النيب األمني" ص ‪177‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ – 1‬حصوله على سند بقراءة القرآن الكريم من شيخ موثوق به ‪،‬‬
‫فالقرآن ليس كغريه من العلوم اليت ميكن حتصيلها باملطالعة ‪ ،‬فال بد فيه من‬
‫السماع إىل شيخ خبري مبخارج احلروف ‪ ،‬وأحكام التجويد ‪ ،‬يعرف مقدار‬
‫الغنة ‪ ،‬واملد وأنواعه‪ ، s‬إىل غري ذلك من األحكام ‪ ،‬اليت ال بد يف تعلمها من‬
‫اجللوس إىل املشايخ (‪..)1‬‬
‫‪ – 2‬معرفته بطرق تدريس القرآن الكريم ‪ ،‬ويعرفون ذلك من خالل‬
‫التجربة ؛ فقلما جيلس شيخ لإلقراء إال لوحظ مدى انتفاع‪ s‬الطالب به من‬
‫عدمه ‪ ،‬ولذا جتد بعضهم يذهب بابنه مسافات بعيدة ؛ ألنه مسع بشيخ‬
‫يتمتع بأهلية التدريس ‪ ،‬يف حني يتجاوز حماضر عدة بسبب قصور مدرسيها‬
‫يف اجملال الرتبوي ؛ رغم حصوهلم على إجازات من قراء معروفني ‪.‬‬

‫() لقد كثرت األغالط يف هذا الزمن – ولألسف الشديد – يف التجويد ‪ ،‬حىت يف بعض‬ ‫‪1‬‬

‫القراء هداهم اهلل ‪ ،‬فإنك قد جتد بعضهم يسرع يف القراءة حىت ال يعطي أي مد حقه ‪ ،‬وال‬
‫يعطي للغنه حقها ‪ ،‬وال يقلقل املقلقل ‪ ،‬وال يفخم املفخم ‪ ،‬وال يرقق املرقق ‪ ،‬إىل غري ذلك‬
‫‪ ،‬والبعض منهم يبالغ يف ذلك حىت يزيد يف املد وجيعله عشر حركات ؛ بل وحىت عشرين‬
‫حركة أحيانا ‪ ،‬ويزيد الغنة إىل ست أو سبع حركات ‪ ،‬وحنو ذلك ‪ ،‬قال محزة الزيات‬
‫القارئ ملن مسعه يبالغ يف حتقيق احلروف عن املطلوب ‪ ( :‬أما علمت أن ما كان فوق‬
‫اجلعودة فهو قطط ‪ ،‬وما كان فوق البياض فهو برص وما كان فوق القراءة فليس بقراءة )‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وال عيب إن وقع هذا من غري خبري هبذا الشأن ‪ ،‬ولكن املشكلة أن تصدر مثل هذه‬
‫األخطاء عن قراء مشهورين ‪ ،‬هلم أسانيدهم ‪ ،‬وإجازاهتم ‪..‬‬
‫ويف رأيي أن أهم سبب لذلك هو االهتمام الزائد بتحسني الصوت ‪ ،‬حىت خيرج عن‬
‫املطلوب شرعا ‪.‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ – 3‬غزارة المادة العلمية ‪ :‬ففي أغلب األحيان يكون الشيخ الذي يتوىل‬
‫التدريس واسع اإلطالع‪ ، s‬وخاصة يف العلوم الشرعية من فقه ‪ ،‬ولغة ‪ ،‬وغري‬
‫ذلك ‪ ،‬مما يثري املادة العلمية عنده ؛ ليشبع هنم األطفال املتزايد من األسئلة‬
‫‪ ،‬ويكون‪ s‬عندهم بالتايل جمموعة ال يستهان هبا من املعارف ‪ ،‬من خالل‬
‫إجابته على تلك األسئلة اليت يثري النص القرآين نسبة كبرية منها‪.‬‬
‫‪ – 4‬حسن األخالق ‪ :‬من أهم مواصفات الشيخ أن يكون‪ s‬زكي السرية ‪،‬‬
‫حسن األخالق ‪ ،‬متواضعا ‪ ،‬مستقيما ‪ ،‬حىت يفيد الطالب يف هذه الناحية‬
‫اليت هي من أهم مثار تعلم العلم عامة ‪ ،‬وخاصة كتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬الذي‬
‫يدعو إىل كل خلق محيد ‪ ،‬وينهى عن كل خلق ذميم ‪.‬‬
‫فإذا كان الشيخ متأدبا بآداب القرآن والسنة ‪ ،‬كان أهال لرتبية األجيال حىت‬
‫يتأثروا‪ s‬به ‪ ،‬ويقتدوا‪ )1( s‬بأفعاله وأقواله ‪..‬‬
‫ذكر ابن اجلوزي – رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬عن نفسه أن تأثره ببكاء بعض‬
‫(‪)2‬‬
‫شيوخه كان أكثر من تأثره بعلمهم ‪.‬‬
‫وقال عتبة بن أيب سفيان‪ – )3( s‬رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬ملؤدب ولده ‪ ( :‬ليكن أول‬

‫() ال ُقدوة ‪ :‬بالكسر والضم االقتداء بالغري ومتابعته والتأسي به ‪ .‬قال الشاعر ‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫بأبه اقتدى عدي يف الكرم ومن يشابه أبه فما ظلم‪.‬‬


‫انظر ‪" :‬لسان العرب" ج ‪ 15‬ص ‪ 171‬و"التعاريف" ج‪ 1‬ص‪577‬‬
‫() انظر ‪" :‬صيد اخلاطر" ص ‪140‬‬ ‫‪2‬‬

‫() هو ‪ :‬عتبة بن أيب سفيان بن حرب بن أمية األموي ‪ ،‬أخو معاوية ألبويه ‪ ،‬قال ابن‬ ‫‪3‬‬

‫منده ‪ :‬ولد يف عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وحج بالناس سنة إحدى وأربعني‬

‫‪71‬‬
‫إصالحك لولدي إصالحك لنفسك ‪ ،‬فإن عيوهنم معقودة بك ‪ ،‬فاحلسن‬
‫عندهم ما صنعت ‪ ،‬والقبيح عندهم ما تركت ‪ ،‬وعلمهم كتاب اهلل ‪ ،‬وال‬
‫تكرههم عليه فيملوه ‪ ،‬وال ترتكهم منه فيهجروه ‪ ،‬مث روهم من الشعر أعفه‬
‫‪ ،‬ومن احلديث أشرفه ‪ ،‬وال خترجهم من علم إىل غريه حىت حيكموه ‪ ،‬فإن‬
‫(‪)1‬‬
‫ازدحام الكالم يف السمع مضلة للفهم ‪)..‬‬
‫وقال عبد امللك بن مروان(‪ – )2‬رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬ملؤدب ولده ‪ ( :‬علم‬

‫وبعدها ‪ ،‬مث ويل مبصر على اجلند بعد عزل عبد اهلل بن عمرو بن العاص – رضي اهلل تعاىل‬
‫عنهما ‪ -‬فمات باإلسكندرية ‪ .‬انظر ترمجته يف ‪" :‬اإلصابة يف متييز الصحابة" ج‪ 5‬ص‪60‬‬
‫() انظر ‪" :‬البيان والتبيني" ص ‪249‬‬ ‫‪1‬‬

‫() هو ‪ :‬عبد امللك بن مروان بن احلكم بن أيب العاص بن أمية بن عبد مشس بن عبد مناف‬ ‫‪2‬‬

‫األموي ‪ ،‬أمري املؤمنني ‪ ،‬بويع بعهد من أبيه يف خالفة ابن الزبري ‪ ،‬وكان عابدا ناسكا ‪،‬‬
‫شهد يوم الدار مع أبيه وهو ابن عشر سنني ‪ ،‬قال ابن سعد ‪ :‬واستعمله معاوية على املدينة‬
‫وهو ابن ست عشرة سنة ‪ ،‬ومسع عثمان ‪ ،‬وأبا هريرة ‪ ،‬وأبا سعيد ‪ ،‬وأم سلمة ‪ ،‬وابن عمر‬
‫‪ ،‬ومعاوية ‪ ،‬رضي اهلل عن اجلميع ‪ ،‬وهو أول من مسى عبد امللك يف اإلسالم ‪ ،‬قال أبو‬
‫الزناد ‪ :‬فقهاء املدينة ‪ :‬سعيد بن املسيب ‪ ،‬وعبد امللك بن مروان ‪ ،‬وعروة بن الزبري ‪،‬‬
‫وقبيصة بن ذؤيب ‪ .‬ولد له سبعة عشر ولدا ‪ ،‬ومات يف شوال سنة ست ومثانني للهجرة‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬فوات الوفيات" ج‪ 2‬ص‪24‬‬

‫‪72‬‬
‫أوالدي الصدق كما تعلمهم القرآن ‪ ،‬وعلمهم الشعر(‪ ، )1‬وجنبهم السفه ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وجالس هبم علية القوم يناطقوهم بالكالم )‬
‫ويستلزم كل ذلك أن يكون الشيخ نفسه يتمتع بأخالق عالية ‪ ،‬فهو قدوهتم‬
‫األول ‪ ،‬وتأثري أفعاله ‪ ،‬وأقواله على سلوكهم أعلى من أي تأثري آخر ‪،‬‬
‫فينبغي‪ s‬أن يكون علمه يف ذاكرته ‪ ،‬ومنعكسا‪ s‬على جوارحه على حد سواء‪.‬‬
‫قال اخلطيب البغدادي ‪ .. ( :‬ويكون‪ s‬قد وسم نفسه بآداب العلم ‪ ،‬من‬
‫استعمال للصرب ‪ ،‬واحللم ‪ ،‬والتواضع للطالبني ‪ ،‬والرفق باملتعلمني ‪ ،‬ولني‬
‫اجلانب ‪ ،‬ومداراة الصاحب ‪ ...‬وغري ذلك من األوصاف احلسنة ‪ ،‬والنعوت‬
‫(‪)3‬‬
‫اجلميلة )‪.‬‬
‫أما الشيخ الذي يفيد غريه من علمه دون أن ينتفع هو به ‪ ،‬ودون أن‬
‫ينعكس‪ s‬على هديه ‪ ،‬وأخالقه ‪ ،‬وتعامله مع اآلخرين ‪ ،‬فإنه يكون‪ s‬كالكتاب‬

‫() ال ينبغي اإلطالق هكذا ‪ ،‬فتعلم الشعر ليس مباحا يف الشريعة بصفة مطلقة ‪ ،‬فكم من‬ ‫‪1‬‬

‫القصائد يذم جمرد االستماع هلا شرعا ‪ ،‬فضال عن تعلمها أو حفظها ‪ ،‬ولكن مقصود عبد‬
‫امللك ‪ -‬فيما يظهر واهلل أعلم ‪ -‬هو تعلم الشعر املباح ‪ ،‬أو املندوب إليه ‪ ،‬كأشعار العرب‬
‫احملتج هبم لالستشهاد هبا يف معاين القرآن الكرمي وإعرابه وكالشواهد املعروفة يف علم النحو‬
‫‪ ،‬وكاملديح املباح غري الزائد عن املأذون فيه شرعا ‪ ،‬وحنو ذلك ‪ ،‬أما اهلجاء ‪ ،‬والغزل‬
‫الفاحش ‪ ،‬فهذا النوع من الشعر تأباه املروءة ؛ فضال عن الدين ‪ ،‬فال ينبغي تعلمه ‪ ،‬وال‬
‫إضاعة الوقت فيه ‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫() انظر ‪" :‬املعلم املثايل" ص ‪11‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪" :‬الفقيه واملتفقه" ج ‪ 2‬ص ‪ 192‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪73‬‬
‫يفيد غريه باحلكمة ‪ ،‬وهو يفتقدها ‪ ،‬وكالشمعة حترتق ؛ لتضيء لآلخرين‬
‫‪..‬‬
‫وآخر األحوال هلؤالء هي حال من استفاد علما ‪ ،‬ومل ينتفع هو به ‪ ،‬وال‬
‫نفع غريه ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫عن محله كف جان وهو منتهب‬ ‫كالنخل يشرع أشواكا يذود هبا‬
‫‪ – 5‬الرأفة بالتالميذ ‪ :‬على املعلم أن ينزل تالمذته منزلة أوالده ‪ ،‬فقد قال‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وهو معلم البشرية كلها ‪ ( :‬إمنا أنا لكم مثل‬
‫(‪)2‬‬
‫الوالد أعلمكم ‪) ...‬‬
‫وال شك أن العلماء هم الوارثون هلذه املهنة النبوية اليت هي تعليم الناس اخلري‬
‫‪ ،‬وحتذيرهم من الشر ‪ ،‬فعليهم أن يشفقوا‪ s‬على تالمذهتم ‪ ،‬ويعاملوهم باللني‬
‫والرمحة ‪ ،‬وأن ال يلجؤوا إىل العقاب إال حينما يكون‪ s‬ضروريا ‪..‬‬
‫‪ – 6‬عزة النفس ‪ :‬من صفات الشيخ كذلك أن يكون‪ s‬عزيز النفس ‪،‬‬
‫زاهدا يف الدنيا ‪ ،‬مقدرا ملا أعطاه اهلل من العلم ‪ ،‬وأن ال يتخذه وسيلة جلمع‬
‫املال ‪ ،‬ومطية لتحصيل املكاسب‪ s‬املادية ‪ ،‬وأن ال يذل نفسه عند املتعلمني‬

‫() انظر ‪" :‬الذريعة إىل مكارم األخالق" ص ‪ 116‬نقال عن كتاب "مدارس الرتبية يف‬
‫‪1‬‬

‫احلضارة اإلسالمية" ص ‪. 266‬د‪ /‬حسان حممد حسان و د‪ /‬نادية مجال الدين ‪.‬‬
‫() قطعة من حديث طويل رواه "ابن ماجه" يف سننه ‪ ،‬باب االستنجاء باحلجارة والنهي‬
‫‪2‬‬

‫عن الروث والرمة ‪ ،‬حديث رقم ‪ 313‬ج ‪ 1‬ص ‪ 114‬و "النسائي" يف سننه ‪ ،‬باب النهي‬
‫عن االستطابة بالروث ‪ ،‬حديث رقم ‪ 40‬ج ‪ 1‬ص ‪38‬‬

‫‪74‬‬
‫بالطمع فيما يف أيديهم ؛ فإن من رزقه اهلل حفظ كتابه ؛ حري به أن يكون‪s‬‬
‫عزيز النفس يف غري كرب ‪ ،‬متواضعا من غري ذل ‪..‬‬
‫ومن هذا املنطلق كان مقر الطالب الشناقطة عند الشيخ ‪ ،‬واستقرارهم يف‬
‫حمضرته ‪ ،‬ويرحتلون إليه من أماكن بعيدة ؛ ومل يكن لريحتل هو إليهم ؛‬
‫(‪)1‬‬
‫مهما كان مستوى أسرهم املادي ‪ ،‬أو املعنوي ‪..‬‬
‫وقد توجد بعض االستثناءات – يف القليل النادر جدا ‪ ، -‬فقد يستقدم‬
‫بعض أمراء القبائل ‪ ،‬مقرئني ليؤدبوا هلم أوالدهم وخواصهم ‪ ،‬وهم قلة جدا‬
‫‪ ،‬سواء بالنسبة حلال سلف األمة ‪ ،‬أو بالنسبة للشناقطة أيضا ؛ ألن األصل‬
‫أن العلم يؤتى‪ s‬وال يأيت ‪ ،‬ومن أراد استفادة ولده أكثر ؛ فعليه أن يؤدبه‬
‫بأدب العلم ‪ ،‬ومنه أن يأيت إىل الشيخ ‪ ،‬إال إذا كانت هناك ضرورة من‬
‫خوف قتل عليه ‪ ،‬وحنو ذلك ‪ ،‬وعلى هذا درج كثري من السلف الصاحل ‪،‬‬
‫فلم يكونوا‪ s‬يستقدمون العلماء – مع قدرة كثري منهم على ذلك – إال‬
‫لضرورة ‪.‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫قال الزهري ‪ ( :‬هوان بالعلم أن حيمله العامل إىل بيت املتعلم )‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وينبغي أن يستثىن من ذلك ما كان لضرورة ‪ ،‬أو مصلحة راجحة ‪،‬‬
‫ما مل يكن فيه تعال للمتعلم على العامل ‪ ،‬أو االستهانة‪ s‬مبا علمه اهلل من كتابه‬
‫‪ ،‬أو سنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم ‪...‬‬
‫() املقصود هو شيخ العلم ‪ ،‬أما جمرد احملفظ لألطفال ؛ فقد كان يستقدم لكن مع اإلجالل‬ ‫‪1‬‬

‫واإلكبار والتقدير ‪..‬‬


‫() انظر ‪" :‬تذكرة السامع" ص ‪45‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪75‬‬
‫ومن أحسن ما قيل يف هذا املعىن قول أيب شجاع اجلرجاين حني قال ‪:‬‬
‫ومل أبتذل يف خدمة العلم مهجيت ألخدم من ال قيت لكن ألخدما‬
‫أأشقى‪ s‬به غرسا وأجنيه ذلــة إذن فاتباع اجلهل قد كان أحزما‬
‫ولو أن أهل العلم صانوه صاهنم ولو عظموه يف النفوس لعظمـا‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬الصالحيات الممنوحة لشيخ المحضرة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الخدمة ‪:‬‬
‫ففي غالب احملاضر عند الشناقطة يكون التالميذ‪ s‬حتت تصرف الشيخ ‪،‬‬
‫يرعون له ماشيته ‪ ،‬ويطبخون له الطعام إذا مل يكن عنده إماء للخدمة ‪،‬‬
‫ويغسلون له املالبس‪ ، s‬إىل غري ذلك من أنواع اخلدمة الكثرية‪ s‬؛ بل إن خدمة‬
‫الشيخ عندهم مقدمة على خدمة األهل ‪ ،‬ومهامه الثانوية تسبق حوائج‬
‫األهل الضرورية ‪..‬‬

‫‪76‬‬
‫ب ‪ -‬العقاب ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف العقاب ‪:‬‬
‫يعرف علماء الرتبية العقاب بأنه "الوسيلة الرتبوية‪ s‬اليت يهدف منها إىل وقف‬
‫‪ ،‬أو ضبط ‪ ،‬أو تعديل السلوكيات غري املرغوب فيها" ويضيف علماء الرتبية‬
‫اإلسالمية هلذا اهلدف أمرين مهمني ‪ ،‬أوهلما ‪ :‬محاية اآلخرين من نتائج‬
‫األفعال السيئة اليت قد تلحق هبم الضرر ‪ ،‬والثاين ‪ :‬الرتبية الوقائية‪ s‬لألفراد ؛‬
‫وذلك ألن من مسع ‪ ،‬أو شاهد عقاب املخطئ ‪ ،‬فإنه سريدعه ذلك عن‬
‫(‪)1‬‬
‫ارتكاب اخلطأ حىت ال يتعرض للعقاب مثله‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬شروط العقاب ‪:‬‬
‫وقد وضع العلماء شروطا هلذا العقاب ‪ ،‬حىت يعطي مثاره املرجوة منه ‪ ،‬ومن‬
‫أهم هذه الشروط ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن جيرب املريب كافة وسائل التقومي من النصح ‪ ،‬واحلوار ‪ ،‬واإلرشاد‬
‫قبل اللجوء إىل العقاب ‪.‬‬
‫‪ – 2‬عدم املبالغة‪ s‬يف العقاب حىت ال يتعود عليه الطفل ويسمرئه‪.‬‬
‫‪ – 3‬عدم التهديد بعقاب ال يقبل التنفيذ مثل ‪ :‬سأقتلك إن مل تفعل كذا‪.‬‬
‫‪ – 4‬تنفيذ العقاب يف مرحلة الذنب األوىل ؛ حبيث ال تطول املدة بني‬
‫ارتكاب الذنب وبني العقاب‪.‬‬

‫() انظر ‪" :‬جملة البيان" العدد ‪ 220‬ص ‪28‬‬‫‪1‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ – 5‬إذا كان العقاب بالضرب ؛ فعلى املريب أن يقدر عدد الضربات ؛‬
‫حبسب حال املعاقَب‪ s‬اجلسمية والعقلية ‪ ،‬ومبراعاة‪ s‬سنه ‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪ – 6‬أن يفرق الضرب ‪ ،‬وجيعله خفيفا ‪ ،‬فاهلدف منه التأديب ‪ ،‬وليس‬
‫االنتقام‪ s‬أو التشفي‪. s‬‬
‫‪ – 7‬أن يتقي‪ s‬أماكن اجلسم اليت تشكل إصابتها خطرا ‪ ،‬كالرأس ‪ ،‬والصدر‬
‫‪ ،‬والبطن ‪ ،‬والفرج ‪ ،‬واملفاصل ‪ ،‬ويتجنب ضرب الوجه للنهي عن ذلك يف‬
‫(‪)1‬‬
‫احلديث الصحيح‪.‬‬
‫‪ – 8‬عدم الغضب‪ s‬حال ضرب الطفل ‪ ،‬حىت ال يقع الظلم واإلجحاف ‪،‬‬
‫وخيرج العقاب بالتايل عن اهلدف منه ‪.‬‬
‫‪ – 9‬أن ينتقي‪ s‬ما يضرب به ‪ ،‬وأفضله أن يكون سوطا معتدل احلجم‬
‫والرطوبة‪s.‬‬
‫‪ – 10‬أن ال يويل أحد الصبيان‪ – s‬وخباصة أقرانه – ضربه ‪ ،‬بل يباشره‬
‫(‪)2‬‬
‫املريب بنفسه ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬العقاب عند الشناقطة ‪:‬‬

‫() هنى النيب صلى اهلل عليه وسلم عن ذلك ففي صحيح البخاري ج ‪ 2‬ص ‪902‬‬ ‫‪1‬‬

‫عن أيب هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ ( :‬إذا قاتل أحدكم ؛ فليجتنب‬
‫الوجه )‪ .‬واملقصود منه تأديب الغالم ‪ .‬ويف صحيح مسلم ج ‪ 3‬ص ‪1673‬عن جابر رضي‬
‫اهلل تعاىل عنه قال هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن الضرب يف الوجه وعن الوسم يف‬
‫الوجه‪.‬‬
‫() انظر ‪" :‬جملة البيان" العدد ‪ 220‬ص ‪28‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪78‬‬
‫إن نظرة على غالب احملاضر الشنقيطية يتبني منها أن للشيخ كامل احلرية يف‬
‫أن يعاقب بالضرب أو احلبس ‪ ،‬أو غريمها من يشاء ‪ ،‬دون أي تدخل من‬
‫األهل واألقارب ولو أدى ذلك إىل كسر عضو ‪ ،‬وحنوه (‪ )1‬؛ بل ولو أدى‬
‫– كما يف حاالت نادرة – إىل موت الطالب ؛ بسبب اهلروب من احملضرة‬
‫‪ ،‬واملوت عطشا يف الفيايف ‪ ،‬والصحارى الواسعة‪...)2( s‬‬
‫ولكن الشيخ ال يبدأ بالضرب – يف أغلب األحيان – بل إنه يعاتب‪ s‬برفق‬
‫بأن‪ s‬يعرض عن التلميذ ‪ ،‬وال يلتفت إليه ‪ ،‬حىت ينتبه‪ s‬التلميذ نفسه خلطئه ‪،‬‬
‫وقد ينبه على طريقة التعميم ‪ ،‬فقد حكي عن حممذن فال بن أمحد فال‬
‫التندغي‪ )3( s‬أنه كان إذا أخطأ أحد تالمذته سواء من قبيلته ‪ ،‬أو من غريهم‬
‫؛ فإنه يقول للطالب مجيعا ‪:‬‬
‫لتندغ ‪ ،‬وال لغري تندغ‬ ‫وقول ما ال ينبغي‪ ، s‬ال ينبغي‬

‫() ال يقع هذا إال يف النادر جدا ‪ ،‬ولكن املقصود أنه حىت لو وقع ‪ ،‬فإن الشيخ آمن من‬ ‫‪1‬‬

‫ردة فعل األهل ‪ ،‬ألن الكالم يف مثل هذا يعترب عيبا عند اجملتمع ؛ فالشيخ مل يكن ليقصد‬
‫فعل ذلك قطعا ‪ -‬وهو الذي قدمنا مواصفاته اليت منها احللم ‪ ،‬وحسن اخللق‪ - s‬وإمنا كان‬
‫هدفه هو التأديب ‪ ،‬واملصلحة ‪ ،‬وال أحد يستطيع أن مينع القدر ‪...‬‬
‫() قد يسري املرء مئات الكيلومرتات يف تلك الصحاري دون أن جيد بئرا يشرب منها ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫فضال عن ماء جار وحنوه ‪ ،‬مما يسبب موت كثري من املسافرين بسبب العطش ‪ ،‬وال زالت‬
‫هذه املشكلة مطروحة حىت اليوم ‪..‬‬
‫() نسبة إىل قبيلة "تندغ" وهي من قبائل الزوايا املعروفة باالهتمام بالعلم ‪ ،‬وقد برز منها‬
‫‪3‬‬

‫علماء أجالء ‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫هذا إذا كان خطأ الطالب قوال ‪ ،‬أما إذا كان جرمه فعال ‪ ،‬فإنه يقول هلم‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫لتندغ ‪ ،‬وال لغري تندغ‬ ‫وفعل ما ال ينبغي‪ ، s‬ال ينبغي‬
‫وال شك أن التعريض‪ s‬وعدم تعيني املذنب أسلوب تربوي نبوي فقد كان‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ :‬ما بال أقوام يفعلون كذا أو يقولون‬
‫(‪)2‬‬
‫كذا‪.‬‬

‫() املقصود من البيتني ‪ :‬أن قول وفعل ما ال ينبغي قوله أو فعله ال يصلح وال ينبغي ألي‬ ‫‪1‬‬

‫أحد كائنا من كان ‪ ،‬سواء كان من أفراد قبيلة العامل ‪ ،‬أو من قبيلة أخرى ‪ ،‬وهو نوع من‬
‫التعميم السائغ نوعا ما ‪.‬‬
‫() كان صلى اهلل عليه وسلم يكثر توجيه الناس هبذه الطريقة ‪ ،‬وال يكاد يصرح بالفاعل ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫فقد قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ما بال أقوام يشرتطون شروطا ليست يف كتاب اهلل ؟ من‬
‫اشرتط شرطا ليس يف كتاب اهلل فليس له ‪ ،‬وإن اشرتط مائة مرة ) انظر ‪" :‬صحيح‬
‫البخاري" ج ‪ 1‬ص ‪ 174‬وعن أنس بن مالك رضي اهلل تعاىل عنه قال ‪ :‬قال النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إىل السماء يف صالهتم ؟ فاشتد قوله يف‬
‫ذلك حىت قال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم ) انظر ‪" :‬صحيح البخاري" ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ 261‬وعن عائشة رضي اهلل تعاىل عنها و أرضاها قالت ‪ :‬صنع النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫شيئا ؛ فرخص فيه ؛ فتنزه عنه قوم ؛ فبلغ ذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فخطب ‪،‬‬
‫فحمد اهلل ‪ ،‬مث قال ‪ ( :‬ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فو اهلل إين ألعلمهم باهلل ‪،‬‬
‫وأشدهم له خشية ) انظر ‪" :‬صحيح البخاري" ج ‪ 5‬ص ‪ 2263‬وعن أنس بن مالك أن‬
‫نفرا من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم سألوا أزواج النيب صلى اهلل عليه وسلم عن‬
‫عمله يف السر فقال بعضهم ‪ :‬ال أتزوج النساء ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬ال آكل اللحم ‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬ال أنام على فراش ‪ ،‬فحمد اهلل ‪ ،‬وأثىن عليه ‪ ،‬وقال ‪ ( :‬ما بال أقوام قالوا ‪ :‬كذا‬
‫وكذا ‪ ،‬لكين أصلي ‪ ،‬وأنام ‪ ،‬وأصوم ‪ ،‬وأفطر وأتزوج النساء ؛ فمن رغب عن سنيت فليس‬

‫‪80‬‬
‫ولكن التلميذ إذا مل يرتدع بالكالم ‪ ،‬واإلشارة (‪ )3‬فإن الشيخ يلجأ إىل‬
‫الضرب ال رغبة فيه ‪ ،‬ولكن حفاظا على املصلحة العامة للطالب نفسه ‪،‬‬
‫وللمحضرة أيضا‪.‬‬
‫ومع ما قد يظهر للمرء من خطورة منح مثل هذه الصالحيات للشيخ ‪ ،‬إال‬
‫أن احلقيقة‪ s‬أن الطبيعة الصحراوية هلذا البلد ‪ ،‬وانعكاسها‪ s‬على سلوكيات‬
‫أهله من حيث حرارة الطبع ‪ ،‬وصعوبة املراس ؛ يفرض هذا السلوك الرتبوي‬
‫الذي قد يراه البعض‪ s‬خاطئا ‪ ،‬ويعتربه‪ s‬آخرون شائنا ‪...‬‬
‫إن نوعية‪ s‬العقاب – يف نظري – جيب أن تراعى فيها طبيعة السكان‪، s‬‬
‫وظروفهم البيئية ‪ ،‬وسلوكياهتم االجتماعية ‪ ،‬أما أن نأخذ نظريات تربوية‬
‫متت جتربتها يف صحراء "سبرييا" ‪ ،‬ونطبقها حبذافريها على سكان الصحراء‬
‫الكربى ‪ ،‬أو اجلزيرة العربية ؛ دون نظر يف اخلصوصيات اجلغرافية ‪ ،‬والثقافية‬
‫لتلك البالد ‪ ،‬فإن ذلك لن يعطي النتائج املرجوة منه‪.‬‬
‫ولعل هذا من أهم أسباب التعثر الرتبوي الذي تعيشه األمة اإلسالمية‪ s‬اليوم ‪،‬‬
‫ذلك أن انبهار كثري منا بالتقدم التقين للغرب ؛ جعله يأخذ كل ما لفظته‬
‫احلضارة الغربية – إن جازت تلك التسمية – مث يطبقه كما هو على جمتمعه‬
‫الذي خيتلف متام االختالف عن اجملتمع الغريب ؛ فإذا كانت النظريات‬

‫مين ) انظر ‪" :‬صحيح مسلم" ج ‪ 2‬ص ‪ 1020‬إىل غري ذلك من األحاديث يف مثل هذا ‪.‬‬
‫() وعند الشناقطة مثل مشهور يف هذا اجملال وهو ‪" :‬احلاذق بقمز والفاسد بدبز" ومعناه‬ ‫‪3‬‬

‫أن احلاذق العاقل تكفيه اإلشارة ‪ ،‬ويرتدع هبا ‪ ،‬أما الفاسد ‪ ،‬فال بد له من الضرب الشديد‬
‫‪ ،‬حىت يرجع عن اخللق‪ s‬الذميم ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫الرتبوية‪ s‬املبنية‪ s‬على دراسات نفسية ‪ ،‬واجتماعية للمجتمع الفرنسي – مثال‪-‬‬
‫تصلح للمجتمع السويسري ؛ الشرتاكه مع الفرنسيني يف كثري من‬
‫اخلصوصيات ؛ فإن ذلك ال يعين بالضرورة صالحية تلك النظريات‬
‫للمجتمع السوداين ‪ ،‬أو الشنقيطي‪ ، s‬نتيجة لالختالف التام مع تلك‬
‫اجملتمعات اليت كانت ميدان جتربة لتلك النظريات‪...‬‬
‫وهذا ما وعاه الشناقطة ؛ فأوجدوا نظرياهتم اخلاصة هبم ‪ ،‬واليت تناسب‬
‫الطبيعة‪ s‬اجلغرافية ‪ ،‬والسكانية‪ s‬هلم ‪ ،‬فضال عن مناسبتها‪ s‬للمواد املقروءة‬
‫عندهم ‪ ،‬واليت تعتمد – يف غالبها – على احلفظ ‪..‬‬
‫وعملية احلفظ عملية معقدة ‪ ،‬ومتعبة‪ ، s‬ميلها املرء عند احملاولة مرتني ‪ ،‬أو‬
‫ثالثا ؛ فاستلزم ذلك أن تكون للشيخ الذي أسندت له مهمة حتفيظ األجيال‬
‫‪ ،‬وغرس هذه العلوم يف عقوهلم ‪ ،‬صالحية العقاب ‪ ،‬حىت يؤدي مهمته على‬
‫أكمل وجه ‪ ..‬ولذا فقد منح الشناقطة الشيخ كامل احلرية يف العقاب ‪ ،‬فنتج‬
‫عن ذلك سيل من حفاظ كتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬وحبر تتالطم أمواجه من العلماء‬
‫يف كل الفنون‪ s‬املتوفرة عندهم ‪ ،‬مع ضعف اإلمكانات املتاحة هلم ؛ سواء‬
‫من الناحية املادية ‪ ،‬أو حىت من ناحية توفر املراجع ‪ ،‬والكتب‪ ، s‬وغري ذلك‬
‫‪..‬‬
‫إن كثريا من البالد اإلسالمية‪ s‬اليوم تصرف ماليني الدوالرات على املدرسني‬
‫‪ ،‬والطالب من أجل حفظ القرآن الكرمي ‪ ،‬ومع ذلك جتد فيهم أعداد‬
‫احلفاظ أقل من القليل ‪ ،‬ومستوى إتقان‪ s‬احلفظ عندهم ضعيفا كذلك ‪ ،‬فما‬
‫السبب‪ s‬يا ترى ؟‬

‫‪82‬‬
‫إن نظرة عاجلة ‪ ،‬ودراسة مقارنة تبني أن من أهم أسباب تناقص احلفاظ يف‬
‫تلك البالد مع ما يصرف من أجل زيادة أعدادهم ‪ ،‬هو يف عدم منح القراء‬
‫‪ ،‬واملشايخ الصالحيات الضرورية لتوصيل املادة العلمية للطالب ‪ ،‬فإذا كان‬
‫الطالب ينظر إىل الشيخ نظرة دونية بسبب مستواه املادي ‪ ،‬أو العتبارات‬
‫أخرى ‪ ،‬أيا كانت ‪ ،‬فكيف يستفيد منه ‪ ،‬وحيفظ على يديه !؟‬
‫لقد أرسل اهلل األنبياء‪ s‬إىل خمتلف األمم ؛ ليعلموهم اخلري ‪ ،‬فهم أول املعلمني‬
‫‪ ،‬ومنحهم من الصالحيات ما حيتاج له كل معلم ‪ ،‬فكان يبعثهم من بيوتات‬
‫حسب ونسب ‪ ،‬وأوجب على أممهم حمبتهم ‪ ،‬وتعظيمهم ‪ ،‬وتوقريهم ؛ ألن‬
‫ذلك كله من ضروريات توصيل رسالة العلم اليت كلفوا هبا ‪..‬‬
‫ولنا فيهم قدوة حسنة ‪ ،‬فال بد لطالب العلم أن حيب شيخه ‪ ،‬ويعظمه‬
‫ويتأدب معه ‪ ،‬ال من أجل ذاته ‪ ،‬بل من أجل العلم الذي أعطاه اهلل ‪،‬‬
‫والذي حنن حباجة إليه ‪ ،‬حىت لو كانت به حاجة مادية من فقر وحنوه ‪،‬‬
‫فمىت تساوى فقر املال ‪ ،‬وفقر العلم ؟ ومىت تساوى غىن املال وغىن العلم؟‬
‫فاحلاصل أن الشناقطة رخصوا للشيخ بالعقاب مبا يراه مناسبا ‪ ،‬ويعاقب‬
‫الطفل واملراهق على حد سواء ‪ ،‬وليس عند التالميذ إال حتسني سلوكهم ‪،‬‬
‫والصرب على ضرب الشيخ ‪ ،‬أو تعنيفه‪ ، s‬ولسان حال والديهم يقول هلم‪:‬‬
‫اصرب لدائك إن جفوت طبيبه‪ s‬واصرب جلهلك إن جفوت معلما‬

‫‪83‬‬
‫ج – وجوب طاعة الشيخ ‪:‬‬
‫إن طاعة الشيخ – عند الشناقطة – ال تقف عند حد ‪ ،‬ما مل يأمر مبعصية ؛‬
‫وأسلوب العقاب الذي تقدم جيعل الطالب مطيعا للشيخ رغم أنفه ‪ ،‬فضال‬
‫عما يلقى على التلميذ من نصائح تؤكد على أمهية طاعة الشيخ ‪ ،‬وضرورهتا‬
‫‪ ،‬وكالم السلف يف ذلك ؛ فيصبح الطالب أمام الشيخ وكأنه آلة ‪ ،‬وهلذا‬
‫من الفوائد‪ s‬ما فيه ‪ ،‬وهو من أهم ما ركز عليه السلف الصاحل عند كالمهم‬
‫على حقوق الشيخ ‪..‬‬
‫قال الغزايل ‪ ... ( :‬ومهما أشار عليه شيخه بطريقة يف التعليم ؛ فليقلده ‪،‬‬
‫وليدع رأيه ؛ فخطأ مرشده أنفع له من صوابه يف نفسه ‪ ،‬وقد نبه تعاىل على‬
‫ذلك يف قصة موسى واخلضر عليهما الصالة‪ s‬والسالم(‪ )1‬بقوله ‪ " :‬إنك لن‬
‫تستطيع معي صربا ‪ " ..‬هذا مع علو قدر موسى الكليم يف الرسالة والعلم ‪،‬‬

‫() لقد ركز كثري من املتصوفة على هذه القصة ‪ ،‬وفهموها فهما خاطئا ‪ ،‬وحاولوا من‬ ‫‪1‬‬

‫خالهلا أن يربهنوا على كثري من ترهاهتم اليت ختالف نص القرآن الكرمي ؛ فضال عن خمالفتها‬
‫ألسس عقيدة املسلمني ؛ فمن ذلك تصريح بعضهم بأن اخلضر أعلم من موسى ‪ ،‬أو أنه‬
‫أفضل‪ s‬منه ‪ ،‬وأنه حي إىل اآلن ‪ ،‬وكذا استدالل بعضهم بأن أولياءهم ميكن أن يكون هلم‬
‫شرع خاص هبم ؛ ألهنم لصفاء قلوهبم ومشاهدهتا للحقائق‪ ، s‬صاروا يف غىن عن شريعة‬
‫حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬كما كان اخلضر يف غىن عن شريعة موسى عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ ،‬وكل هذه األباطيل ردها العلماء ‪ ،‬وبينوا أن أدلتها أوهى من بيت العنكبوت ‪،‬‬
‫ونصوا على أن اعتقاد بعضها كفر أكرب ‪ ،‬يقتل صاحبه وال يستتاب عند بعض العلماء ‪،‬‬
‫وبعضهم يستتاب عنده ‪.‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫حىت شرط عليه السكوت فقال ‪ " :‬فال تسألين عن شيء حىت أحدث لك‬
‫(‪)1‬‬
‫منه ذكرا ")‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬سرد طريقة الشناقطة في حفظ كتاب اهلل تعالى ‪:‬‬
‫لقد اهتم الشناقطة حبفظ كتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬وتعليمه للصغار يف سن مبكرة ‪،‬‬
‫ووضعوا احلوافز املادية واملعنوية للحفاظ ‪ ،‬وفتحوا احملاضر والكتاتيب لتعليم‬
‫كتاب اهلل تعاىل أوال ‪ ،‬مث كتب اللغة ‪ ،‬واألصول ‪ ،‬واحلديث ‪ ،‬وغريها ‪،‬‬
‫فقلما جتد قبيلة إال وفيها من احلفاظ العدد الكثري ‪ ،‬وخاصة يف قبائل الزوايا‬
‫اليت اهتمت‪ s‬هبذا اجملال ‪ ،‬وجعلته ميدانا يتنافس فيه املتنافسون‪.‬‬
‫وقد اختاروا للوصول إىل هدف حفظ كتاب اهلل تعاىل طريقة اتبعت على‬
‫مر العصور يف غالب مناطق شنقيط ‪ ،‬وميكن تلخيصها يف املراحل التالية‪: s‬‬
‫أوال ‪ :‬مرحلة الطفولة المبكرة ‪ ،‬وتعليم الحروف لألطفال ‪ :‬وتبدأ هذه‬
‫املرحلة عندما يبلغ الطفل سن اخلامسة – يف الغالب – فريسله أهله إىل من‬
‫يعلمه احلروف األجبدية ‪ ،‬وتتوىل النساء هذه املهمة غالبا (‪ )2‬؛ فتقوم امرأة‬
‫مشهورة هبذه املهنة بتعليم الطفل مجيع احلروف األجبدية ‪ ،‬مث تعلمه حركاهتا‬
‫‪ ،‬حىت إذا أتقن ذلك سردا وبدون تردد ‪ ،‬وصار يقرأ أي حرف كتب له‬
‫مفردا ‪ ،‬أو مع حركته ‪ ،‬فعند ذلك تستحق ما هو متعارف عليه يف تلك‬

‫() انظر ‪" :‬تذكرة السامع" ص ‪137‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪" :‬الوسيط يف تراجم أدباء شنقيط" ص ‪517‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪85‬‬
‫املنطقة‪ ، s‬فيعطيها أهل الطفل جذعة من اإلبل أو البقر ‪ ،‬هذا فضال عن‬
‫املعونات‪ s‬اليت كانوا يقدموهنا للمعلمة أثناء دراسة الطفل عليها (‪...)1‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الشيخ يكتب والطفل يكرر ‪:‬‬
‫يف هذه املرحلة يتعلم الطفل الكتابة‪ s‬تدرجييا ؛ فيضع الشيخ الدواة ‪ ،‬واللوح‬
‫‪،‬‬
‫والقلم ‪ )2(،‬وجيلس الطفل جبانبه ‪ ،‬فيبدأ الشيخ كتابة الكلمة حرفا حرفا ‪،‬‬
‫وينطق باحلرف حمركا حبركته ‪ ،‬مث ينطق به التلميذ بعد الشيخ مباشرة ‪،‬‬
‫وهكذا إىل أن تنتهي‪ s‬الكلمة ‪ ،‬مث يقرؤها الشيخ كلمة تامة ‪ ،‬ويعيدها التلميذ‬
‫بعده ‪ ،‬وهكذا حىت تنتهي آية أو آيتان ؛ حسب قدرات الطفل واستعداده ‪،‬‬
‫فيحفظ الطفل يف هذه املرحلة السور القصار ‪ ،‬حىت يكمل اجلزء الثالثني‬
‫وأحيانا يزيد حفظه يف هذه املرحلة على مخسة أجزاء ‪ ،‬أو أكثر ‪ ،‬ويتعلم يف‬
‫آخرها كتابة بعض الكلمات واآليات ببطء ‪ ،‬مث بسرعة ‪ ،‬مع مترينه دوما‬

‫() يقدم أهل الطفل‪ s‬مساعدات‪ s‬للمرأة اليت تعلم الطفل احلروف يف يومني من األسبوع ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫مها يوم االثنني ‪ ،‬ويوم األربعاء ‪ ،‬وختتلف هذه املساعدات ‪ ،‬فبعضهم يرسل طعاما ‪،‬‬
‫وآخرون يرسلون نقودا ‪ ،‬والبعض اآلخر يرسل مالبس وحنو ذلك ‪ ،‬هذا فضال عن اللنب‬
‫الذي تقدم فيه املدرسة كل ليلة على غريها ‪ ،‬وإن كان احلليب يف الغالب يستوي فيه‬
‫اجلميع ‪ ،‬إال أنه إن قل فإهنم يؤثروهنا حىت على أنفسهم ‪.‬‬
‫() هذه األدوات هي املتعارف عليها عند البدو الشناقطة ؛ فاللوح يكون من اخلشب ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫والقلم من اجلريد أو الثمام ‪ ،‬أما الدواة فإهنا تكون من احلجارة ‪ ،‬أو النحاس ‪ ،‬واملداد‬
‫يصنعونه من الصمغ العريب والفحم ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫من قبل الشيخ ‪ ،‬مث من قبل بعض الطالب الذين يسبقونه‪ s‬مبراحل ‪ ،‬كما‬
‫يشارك األهل بدورهم يف هذه املرحلة – أيضا – وخاصة األم‬
‫واألخوات‪...‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التلميذ يكتب والشيخ يملي ‪:‬‬
‫من خالل املرحلة السابقة ويف آخرها يكون‪ s‬التلميذ قد تعود على الكتابة‪ s‬؛‬
‫فيبدأ يف هذه املرحلة باالعتماد على نفسه ‪ ،‬وكتابة درسه من إمالء الشيخ ‪،‬‬
‫أو بعض من ينيبه من كبار التالميذ‪ ، s‬ويظل هكذا حيفظ كل يوم حسب‬
‫املستطاع ‪ ،‬ويرتاوح مقدار احلفظ ‪ -‬غالبا ‪ -‬يف هذه املرحلة بني ما يناهز‬
‫نصف الصفحة والصفحة إىل أن حيفظ قرابة نصف القرآن ؛ فيزيد الدرس‬
‫اليومي‪ s‬إىل حدود الصفحتني ‪ ،‬ويستمر يف هذه املرحلة إىل أن يكمل القرآن‬
‫الكرمي كامال ‪ ،‬ويسمع على الشيخ يف كل يوم عندما ينهي الكتابة‪ ، s‬وقبل‬
‫أن يكرر للحفظ ‪ ،‬ويركز الشيخ – يف هذه املرحلة – على نطق الطالب‬
‫للحروف نطقا سليما مع مراعاة حركاهتا ؛ فيمنع إبدال حركة بأخرى ‪ ،‬أو‬
‫إبدال حمرك بساكن ‪ ،‬أو تسكني احلرف احملرك يف حال الوصل ‪ ،‬وغري ذلك‬
‫‪ ،‬حىت إذا اطمأن‪ s‬الشيخ لنطقه بالكلمات نطقا صحيحا أعطاه اإلذن‬
‫لينصرف ‪ ،‬وجيلس جانبا ‪ ،‬مث يبدأ بالتكرار ‪ ،‬ويكرر درسه يف الصباح قرابة‬
‫مائة مرة ‪ ،‬مث يأيت ليسمعها على الشيخ نظرا ‪ ،‬وتبدأ فرتة االسرتاحة من‬
‫ارتفاع النهار ( الساعة ‪ 10‬تقريبا ) إىل صالة الظهر ‪ ،‬مث يعاود التكرار من‬
‫جديد حىت حيفظ درسه غيبا ‪ ،‬وبدون تردد مث يسمع على الشيخ غيبا ‪ ،‬فإذا‬
‫اطمأن‪ s‬حلفظه لدرس اليوم‪ s‬أمره بتكرار درس اليوم املاضي ‪ ،‬ويسمى عندهم‬

‫‪87‬‬
‫"الدرس" (‪ ، )1‬مث يأيت ليسمعه على الشيخ غيبا ‪ ،‬فإذا أهنى تسميع وجهي‬
‫لوحه ‪ ،‬أمره بتسميع األحزاب اخلمسة احملفوظة أخريا (‪ ،)2‬مث إن بقي من‬
‫الوقت شيء أعطاه تالميذ آخرين دون مستواه‪ s‬يقرؤون عليه دروسهم‬
‫اليومية‪ ، s‬وهلذه اخلطوة دور هام يف ترسيخ احلفظ وتقويته ‪ ،‬كما أهنا تدفع‬
‫بنفسية‪ s‬الطالب ‪ ،‬وتعوده على الثقة بالنفس ‪ ،‬ألنه يصبح هبا وكأنه شيخ‬
‫يقرئ الطالب‪.‬‬
‫مث إنه ال بد من التسميع على الشيخ ثالث مرات يف اليوم – على األقل ‪-‬‬
‫فتكون‪ s‬األوىل يف الصباح بعد احلفظ نظرا ‪ ،‬مث يرتاح التلميذ حىت يصلى‬
‫الظهر ‪ ،‬فيبدأ التكرار من جديد ‪ ،‬مث يأيت إىل الشيخ ويسمع عليه غيبا ‪ ،‬مث‬
‫يرتاح ‪ ،‬ويف املساء يعاود التكرار من جديد ‪ ،‬مث يسمع على الشيخ غيبا‬
‫(‪)3‬‬
‫أيضا‪.‬‬

‫ت الكتاب أ َْد ُر ُسه َد ْرساً‬ ‫() برتقيق الراء ‪ .‬مأخوذ من َد َر َس ْ‬


‫ت ‪ :‬أَي تقادمت ‪ ،‬أو من َد َر ْس ُ‬
‫‪1‬‬

‫ف عل َّـي حفظه ‪ ،‬أو من درس الثوب دروسا ‪ ،‬إذا بلي‬ ‫أَي ذللته بكثرة القراءة حتـى َخ َّ‬
‫س الناقة يَ ْد ُر ُسها َد ْرساً ‪ :‬مبعىن راضها‪ .‬انظر ‪" :‬لسان العرب" ج ‪ 6‬ص‬ ‫وأخلق ‪ ،‬أو من َد َر َ‬
‫‪ 80‬و"النهاية يف غريب األثر" ج‪ 2‬ص‪113‬‬
‫() وهذه األحزاب اخلمسة مستمرة ‪ ،‬تتقدم بتقدم احلفظ ؛ حبيث يضاف هلا كل يوم مثن‬ ‫‪2‬‬

‫أو مثنان حفظا من جديد ‪ ،‬وحيذف منها أول مثنني يف احلفظ ‪ ،‬وهكذا حىت يكمل حفظ‬
‫القرآن الكرمي ‪ ،‬واحلزب عندهم نصف اجلزء ‪ ،‬والثمن هو مثن احلزب ‪.‬‬
‫() إن تفريق جلسات احلفظ ‪ ،‬ووجود اسرتاحة بينها ‪ ،‬عامل مساعد على تثبيت احلفظ ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫وترسيخة ‪ ،‬وقد أثبتت ذلك جتربة قام هبا "هو فالند" عام ‪ 1940‬م على "‪ "22‬طالبا‬
‫جامعيا ‪ .‬انظر "طرق تدريس القرآن الكرمي" ص ‪ 118‬وراجع "مبادئ علم النفس‬

‫‪88‬‬
‫وال ننسى أن لكل طالب – يف هذه املرحلة – ورد من القرآن الكرمي‬
‫يراجعه كل يوم ‪ ،‬وأقله مخسة أجزاء ‪ ،‬أو أكثر ‪ ،‬حسب نظام كل شيخ يف‬
‫حمضرته ‪ ،‬وورد املراجعة هذا يسمعه التلميذ على نفسه غيبا ‪ ،‬ولكن الشيخ‬
‫ينادي بني الفينة‪ s‬واألخرى أحد الطالب لرياجع له كل ما حفظ ‪ ،‬فإذا وجد‬
‫حفظ بعض األجزاء غري جيد علم أن الطالب كان يغش ‪ ،‬ومن مث يقرتح‬
‫الشيخ العقاب املناسب‪ ، s‬وينفذه مباشرة ‪ ،‬وعندها فإنه لن يعود طالب‬
‫للغش يف املراجعة مرة أخرى ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬فبالرعاية من الشيخ ومداومة رقابته‬
‫على ما حفظ الطالب يرسخ احلفظ يف هذه املرحلة ويثبت‪.. s‬‬
‫وقراءة الطالب يف احملضرة تكون جهرية حبيث يسمعها الشيخ والطالب ‪،‬‬
‫وال يسمح لطالب باإلسرار بالقراءة ‪ ،‬ولهذه القراءة الجهرية فوائد في‬
‫عملية الحفظ من أمهها ‪:‬‬
‫‪ – 1‬كوهنا تعني الشيخ على مساع بعض األخطاء احملتملة للطالب ‪ ،‬فيبادر‬
‫إىل إصالحها قبل أن ترسخ يف ذاكرة التلميذ‪...‬‬
‫‪ – 2‬تنمي ثقة التلميذ بنفسه ‪ ،‬وجتعله جريئا على التالوة‪ s‬جهرا أمام احلفاظ‬
‫والعلماء ‪ ،‬وعلى اإلمامة يف الصلوات اجلهرية ‪ ،‬وخاصة صالة الرتاويح‪ s‬يف‬
‫رمضان ‪.‬‬

‫التعليمي" ص ‪147‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ – 3‬منع سريان اللهجات العامية يف قراءة الطالب ‪ ،‬وذلك أن بعض‬
‫األطفال قد يقرأ بعض احلروف يف القرآن الكرمي حسب ما ينطقها بالعامية‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فإذا أكمل الطالب القرآن الكرمي بالطريقة اليت تقدمت مسعه من بدايته إىل‬
‫هنايته على الشيخ نفسه مرات عديدة ‪ ،‬وال يسمح الشيخ ألحد التالميذ‪ s‬أن‬
‫ينوب عنه يف هذه اخلطوة ؛ ملا هلا من األمهية ‪ ،‬كما ال يسمح للتلميذ‬
‫بالوقف الذي ال يبني أصل احلركة ؛ بل يظهر حركة كل كلمة ؛ فإذا تأكد‬
‫من جودة حفظه ‪ ،‬وإتقانه ملا حفظ ؛ فإنه يأمره بقراءة القرآن الكرمي كامال‬
‫على اثنني من احلفاظ ‪ ،‬كل على انفراد ‪ ،‬حىت يتأكد أهله من أن الشيخ قام‬
‫مبهمته أحسن قيام ‪ ،‬وإمنا يفعل املشايخ ذلك إبراء للذمة ‪ ،‬وإبعادا ألنفسهم‬

‫() انظر ‪" :‬طرق تدريس القرآن الكرمي" ص ‪ 114‬د‪ .‬حممد السيد الزعبالوي‬‫‪1‬‬

‫‪90‬‬
‫عن التهم (‪ ،)2‬وحمافظة على صفاء األجواء بني املشايخ وأولياء التالميذ‪، s‬‬
‫وتواضعا منهم ‪ ،‬وإن كانوا غري ملزمني بذلك على سبيل الشرط‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬التلميذ يتعلم الرسم العثماني ‪:‬‬
‫بعد تسميع القرآن الكرمي كامال على الشيخ وعلى احلفاظ كما ذكرنا آنفا‬
‫يبدأ الطالب بتعلم الرسم العثماين وأشهر الكتب اليت يقرؤوهنا يف هذا اجملال‬
‫كتاب رسم الطالب عبد اهلل اجلكين الشنقيطي رمحه اهلل تعاىل (‪ )1‬وهو كتاب‬
‫() ومن السنة أن ينأى اإلنسان بنفسه عن حمل التهم ‪ ،‬وال يساعد الشيطان على إخوانه ؛‬ ‫‪2‬‬

‫ليقذف يف قلوهبم االحتماالت املمكنة ‪ ،‬وغري املمكنة ؛ فقد أخرج البخاري يف صحيحه ‪،‬‬
‫حديث رقم ‪ 1930‬ج ‪ 2‬ص ‪ 715‬عن صفية زوج النيب صلى اهلل عليه وسلم أهنا جاءت‬
‫إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم تزوره يف اعتكافه يف املسجد يف العشر األواخر من‬
‫رمضان ؛ فتحدثت عنده ساعة ‪ ،‬مث قامت تنقلب ؛ فقام النيب صلى اهلل عليه وسلم معها‬
‫يقلبها ‪ ،‬حىت إذا بلغت باب املسجد عند باب أم سلمة ‪ ،‬مر رجالن من األنصار ؛ فسلما‬
‫على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ؛ فقال هلما النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬على رسلكما‬
‫إمنا هي صفية بنت حيي ‪ ،‬فقاال ‪ :‬سبحان اهلل يا رسول اهلل ‪ ،‬وكرب عليهما ؛ فقال النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬إن الشيطان يبلغ من اإلنسان مبلغ الدم ‪ ،‬وإين خشيت أن يقذف يف‬
‫قلوبكما شيئا ‪.‬‬
‫فإذا كان الطاهر املطهر صلوات اهلل وسالمه عليه يعتذر عن مثل هذا ؛ فحري جبميع‬
‫املسلمني أن يقتدوا به ‪ ،‬وأن يسريوا على هنجه ‪ ،‬وال يرتكوا جماال للشيطان ينتهزه لتفريقهم‬
‫‪ ،‬وإذكاء نار العداوات بينهم ‪.‬‬
‫() وهو اآلن مطبوع طباعة جيدة ‪ ،‬ومشروح شرحا وافيا ‪ ،‬ومتوفر يف األسواق ‪ ،‬أما قدميا‬ ‫‪1‬‬

‫فكانوا يعتمدون يف تدريسه على حفظ الشيخ له ‪ ،‬ورمبا وجدت بعض النسخ املكتوبة باليد‬
‫تعني الطالب على االستذكار نادرا ‪ ،‬ألن الطريقة املتبعة عند الشناقطة هي االعتماد على‬

‫‪91‬‬
‫قيم ‪ ،‬حاول مؤلفه أن حييط بطريقة كتابة كل الكلمات القرآنية بالرسم‬
‫العثماين ‪ ،‬وضبط التابعني ‪ ،‬وقد جنح يف مسعاه إىل حد كبري ؛ فرمحه اهلل‬
‫تعاىل رمحة واسعة وجزاه عنا خري اجلزاء ‪.‬‬

‫احلفظ ‪ ،‬ويف حال النسيان يعتمد على الشيخ أو أحد الطالب ‪ ،‬وحيذرون من املذاكرة عن‬
‫طريق النظر إىل املصحف ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫خامسا ‪ :‬كتابة القرآن الكريم مع مراعاة قواعد الرسم العثماني ‪:‬‬
‫مث يبدأ الطالب بإعادة كتابة القرآن الكرمي مع مراعاة قواعد الرسم اليت قرأ ‪،‬‬
‫ويكتب‪ s‬يف هذه املرحلة ما يقارب ثالث صفحات ‪ ،‬من حفظه دون إمالء‬
‫من الشيخ ‪ ،‬أو نظر يف املصحف ‪ ،‬مث يعطي اللوح للشيخ لينظر يف األخطاء‬
‫احملتملة يف الكتابة‪ ، s‬ويبدأ يف التكرار مع النظر للكتابة ‪ ،‬حىت ترسخ يف‬
‫الذهن ألفاظ الكلمات ‪ ،‬وطريقة كتابتها ‪ ،‬كل ذلك مع تسميعه للطالب‬
‫الذين دونه يف املستوى‪ ، s‬وهذه اخلطوة ترسخ احلفظ إىل حد يصعب بعده‬
‫النسيان‪... s‬‬
‫فإذا استطاع الطالب أن يكتب مخسة أجزاء ‪ ،‬أو أكثر – حسب نظام كل‬
‫شيخ ‪ -‬بدون أي أخطاء يف الرسم العثماين ؛ فإن الشيخ يأمره بكتابة "ابن‬
‫بري" وهو كتاب قيم يف قراءة نافع من رواييت ورش وقالون ‪ ،‬ومها‬
‫الروايتان‪ s‬املقروء هبما يف تلك البالد ‪ ،‬ويواصل مع حفظ هذا الكتاب‬
‫مراجعة نص القرآن الكرمي ‪ ،‬والتسميع للطالب ‪ ،‬ومساعدة الشيخ يف كثري‬
‫من شؤون الطالب‪.‬‬
‫مث يضبط برواية ورش قرابة عشرة أجزاء ‪ ،‬مث يضبط نفس العدد برواية‬
‫قالون‪.‬‬
‫ويتفاوت املشايخ يف التشدد يف كتابة القرآن الكرمي بالرسم العثماين ‪،‬‬
‫فبعضهم يفرض على الطالب أن يكتب مجيع القرآن الكرمي بالرسم العثماين‬
‫وضبط التابعني ويكون أكثره برواية ورش ‪ ،‬وباقيه برواية قالون ‪ ،‬ويتشدد‬

‫‪93‬‬
‫بعضهم فيفرض كتابته مرتني ‪ ،‬مرة بورش ‪ ،‬وأخرى بقالون‪ ، s‬ولكن األكثر‬
‫انتشارا هو ما قدمنا من كتابة ما يقارب العشرة أجزاء بكل واحدة من‬
‫الروايتني ‪..‬‬
‫وأكد يل الشيخ ‪ :‬حممد بن أب السيدوي احلسين(‪ – )1‬حفظه اهلل تعاىل –‬
‫أن املعيار احلقيقي‪ s‬يف ذلك ليس يف الكمية اليت يكتبها الطالب ‪ ،‬وإمنا يف‬
‫اطمئنان‪ s‬الشيخ إلتقان الطالب للرسم والضبط‪.‬‬
‫وبعد ذلك يأمره الشيخ برتك الكتابة ؛ إشعارا له بأنه دخل يف مرحلة‬
‫اإلجازة‪.‬‬
‫ومن اجلدير بالذكر أن التلميذ يف هذه املرحلة يكتب‪ s‬القرآن يف لوحه أمام‬
‫الطالب ‪ ،‬حىت يبعد عن نفسه هتمة النظر يف املصحف ‪ ،‬والغش يف طريقة‬
‫كتابة الكلمات ‪ ،‬وحنو ذلك ‪ ،‬فإن عثر على أن أحد الطالب اختلس كتابة‬
‫كلمة على تلميذ مثله ‪ ،‬أو على املصحف ‪ ،‬فإن ذلك يعترب معرة ‪ ،‬وفضيحة‬
‫كربى ‪ ،‬فرمبا يسمى بتلك الكلمة ذلك التلميذ بني الطالب ؛ فتصبح علما‬
‫عليه ‪ ،‬وقد يبلغ به الضغط النفسي‪ s‬بسببها إىل اهلروب من احملضرة يف بعض‬
‫األحيان ‪.‬‬

‫() سيأيت التعريف به إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫‪94‬‬
‫سادسا ‪ :‬مرحلة الحصول على اإلجازة ‪:‬‬
‫بعد املراحل السابقة يكون التلميذ مهيئا لإلجازة ؛ فيجلسه الشيخ ‪ ،‬ويأمره‬
‫(‪)1‬‬
‫بتسميع القرآن الكرمي كامال من بدايته إىل هنايته دون أي خطأ أو تردد‬
‫مث يكتب له الشيخ اإلجازة خبطه ‪ ،‬وفيها سنده يف قراءة نافع ‪ ،‬ويأمره فيها‬
‫بتقوى اهلل عز وجل ‪ ،‬واحملافظة على القرآن الكرمي تالوة ‪ ،‬وتدبرا ‪،‬‬
‫وتعليما‪.‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬أهم القواعد المتبعة في المحضرة ‪:‬‬
‫ومن اجلدير بالذكر أن كل مراحل احلفظ هذه تقطع مع مراعاة قواعد‬
‫احملاضر يف تلك البالد ‪ ،‬ومن أهم تلك القواعد ‪:‬‬
‫أ – في ليلة األربعاء – عادة – جيلس الشيخ والطالب من حوله ‪ ،‬فيجري‬
‫هلم اختبارا أسبوعيا يف احلفظ ؛ فينادي الواحد منهم ‪ ،‬ويأمره بأن يسمع‬
‫الثمن الفالين من حفظه ‪ ،‬فإن غلط فيه ضحك منه الطالب ‪ ،‬وعابوه‪ s‬على‬
‫ذلك اخلطأ ‪ ،‬مث ينادي آخر ‪ ،‬وهكذا ‪...‬‬
‫وهلذه اخلطوة دور مهم يف إذكاء روح املنافسة بني الطالب ‪ ،‬وتشجيع‬
‫أصحاب الذكاء منهم ‪ ،‬مما يدفع هبم إىل املثابرة‪ ، s‬والسعي يف حتصيل العلم‪.‬‬
‫وجدير بالذكر أن مساء األربعاء هو آخر الفرتة‪ s‬الدراسية يف األسبوع‪ s‬؛ ألن‬
‫الطالب يسرتحيون يومي اخلميس واجلمعة ‪.‬‬

‫() يتفاوت املشايخ هنا يف التشدد ‪ ،‬فبعضهم ال يسمح بأبسط غلط ‪ ،‬وبعضهم يسامح يف‬ ‫‪1‬‬

‫األغالط البسيطة ‪ ،‬مع أن احتمال الغلط شبه مستحيل يف هذه املرحلة ‪..‬‬

‫‪95‬‬
‫ب – غالب طالب المحضرة يفارقون أهلهم ‪ ،‬ويتفاوت بعدهم من‬
‫ذويهم حسب بعد احملضرة وقرهبا ‪ ،‬وقد يتوىل الشيخ معاشهم ‪ ،‬وقد يأتون‬
‫به هم حسب حالة الشيخ املادية ‪ ،‬ومستوى أسر الطالب املادي كذلك ‪،‬‬
‫فبعضهم يأيت ببقرة حلوب والبعض‪ s‬يأيت ببقرتني ‪ ،‬أو مثل ذلك من اإلبل ‪،‬‬
‫أو الغنم‪.‬‬
‫ويتناوبون على رعي تلك الماشية ‪ ،‬كل بيومه ‪ ،‬فيأخذ لوحه يف الصباح ‪،‬‬
‫ويكتب‪ s‬درسه ‪ ،‬مث يذهب بلوحه ‪ ،‬ويظل يف حمل الرعي يكرر ‪ ،‬حىت‬
‫املساء‪.‬‬
‫أما أكلهم ؛ فهو قليل جدا ؛ فال يأكلون حىت يستبد هبم اجلوع ‪ ،‬وإن‬
‫أكلوا فإهنم ال يشبعون ؛ ألنه ال يوضع هلم من الطعام – أصال – ما‬
‫يشبعهم ؛ بل يطبخون أو يطبخ هلم بأمر من الشيخ ‪ ،‬وبتقدير منه ‪ ،‬وهلذا‬
‫دور هام يف جناح عملية احلفظ ‪ ،‬وقد قدمنا أضرار البطنة ‪ ،‬واألكل الزائد‪.‬‬
‫وقال ابن حجر ‪ ... ( :‬واختلف يف حد اجلوع على رأيني ‪ -‬ذكرمها يف‬
‫اإلحياء ‪ -‬أحدمها ‪ :‬أن يشتهي‪ s‬اخلبز وحده ؛ فمىت طلب األدم فليس جبائع ‪،‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬أنه إذا وقع ريقه على األرض مل يقع عليه الذباب ‪ ،‬وذكر أن‬
‫مراتب الشبع تنحصر يف سبعة ‪ ،‬األول ‪ :‬ما تقوم به احلياة ‪ ،‬الثاين ‪ :‬أن يزيد‬
‫حىت يصوم ويصلي عن قيام ‪ ،‬وهذان واجبان ‪ ،‬الثالث ‪ :‬أن يزيد حىت يقوي‬
‫على أداء النوافل ‪ ،‬الرابع ‪ :‬أن يزيد حىت يقدر على التكسب‪ ، s‬وهذان‬
‫مستحبان ‪ ،‬اخلامس ‪ :‬أن ميأل الثلث ‪ ،‬وهذا جائز ‪ ،‬السادس ‪ :‬أن يزيد على‬

‫‪96‬‬
‫ذلك وبه يثقل البدن ويكثر النوم ‪ ،‬وهذا مكروه ‪ ،‬السابع ‪ :‬أن يزيد حىت‬
‫يتضرر ‪ ،‬وهي البطنة املنهي‪ s‬عنها ‪ ،‬وهذا حرام ‪ ،‬وميكن دخول الثالث‪ s‬يف‬
‫(‪)1‬‬
‫الرابع ‪ ،‬واألول يف الثاين )‪.‬‬
‫أما ما يسكن فيه طالب المحاضر فهو أمكنة يصدق عليها حقيقة قول‬
‫بعضهم ‪:‬‬
‫هلم مهم قصوى أجل من الدهر‬ ‫تالميذ شىت ألف الدهر بينهم‬
‫(‪)3‬‬
‫وال من سرير غري أرمدة (‪ )2‬غرب‬ ‫يبيتون ال كن لديهم سوى اهلوى‬
‫ومن األعمال الشاقة التي يقوم بها طالب المحاضر يف بالد شنقيط –‬
‫غري ما ذكرنا ‪ -‬أهنم جيمعون احلطب هنارا ‪ ،‬ألجل أن يوقدوه ليال ‪،‬‬
‫فيقرؤوا عليه دروسهم ؛ فال إنارة يف البادية غري ما حيصل من إيقاد احلطب‬
‫‪ ،‬وهذا من جدهم واجتهادهم يف حفظ القرآن الكرمي ‪.‬‬
‫وال شك أن طالب احملضرة هؤالء قد ضحوا بكل وسائل الراحة املتوفرة‪s‬‬
‫عند أهلهم ‪ ،‬وذويهم من أجل حفظ كتاب اهلل تعاىل ؛ ليجعلوه رأس ماهلم‬
‫‪ ،‬ومنطلقهم إىل حفظ بقية العلوم األخرى ‪ ،‬وقد عرفوا أن هذه طريق‬

‫() انظر ‪" :‬فتح الباري" ج ‪ 9‬ص ‪ 528‬وهذا التقسيم غري مسلم مع ما فيه من نفس‬ ‫‪1‬‬

‫صويف ‪ ،‬ولكن هديف من إيراده هو ذم البطنة ال غري ‪ ،‬فاألوىل ما تضمنته اآلية الكرمية من‬
‫الوسطية والعدل يف ذلك كله ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ... ( :‬وكلوا واشربوا وال تسرفوا ‪.)..‬‬
‫() الرماد ‪ :‬دقاق الفحم من حراقة النار ‪ ،‬والطائفة منه رمادة ‪ ،‬واجلمع أرمدة ‪ ،‬وأرمداء‬
‫‪2‬‬

‫وأما رماد أرمد ‪ ،‬ورمديد ؛ فهو الكثري الدقيق جدا‪ .‬انظر ‪" :‬لسان العرب" ج‪ 3‬ص‪185‬‬
‫() راجع ‪" :‬الوسيط يف تراجم أدباء شنقبط" ص ‪521‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪97‬‬
‫املعايل ‪ ،‬وأهنا شاقة ومكلفة ؛ فشمروا عن ساعد اجلد ‪ ،‬وتأهبوا ملعركة‬
‫طلب العلم ‪ ،‬ولسان حال كل واحد منهم يقول لنفسه ‪:‬‬
‫تريدين إدراك املعايل رخيصة وال بد دون الشهد من إبر النحل‬
‫ويقول لنفسه ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ال تبلغ اجملد حىت تلعق الصربا‪s‬‬ ‫ال حتسب اجملد مترا أنت آكله‬
‫ج – طالب المحضرة ال يجالس – يف غالب وقته – إال الطالب ‪ ،‬وال‬
‫يسمح له يف وقت فراغه بالتجوال ‪ ،‬واألحاديث مع العوام‪ ، s‬بل يوظف‬
‫وقت الفراغ – عادة – يف األحاديث املفيدة‪ ، s‬والنكت‪ s‬اليت ال ختدش احلياء‬
‫‪ ،‬وال تذهب هيبة العلم وطالبه ‪ ،‬وكأهنم يف ذلك يعملون بوصية لقمان‬
‫البنه ‪...‬‬
‫قال شهر بن حوشب ‪ :‬بلغين أن لقمان احلكيم قال البنه ‪ :‬يا بين ال تتعلم‬
‫العلم لتباهي‪ s‬به العلماء ‪ ،‬أو لتماري به السفهاء ‪ ،‬أو لرتائي‪ s‬به يف اجملالس ‪،‬‬
‫وال ترتك العلم زهدا فيه ‪ ،‬ورغبة يف اجلهالة ‪ ،‬يا بين ‪ :‬اخرت اجملالس على‬
‫عينك ‪ ،‬وإذا رأيت قوما يذكرون اهلل فاجلس معهم ؛ فإنك إن تكن عاملا‬
‫ينفعهم علمك ‪ ،‬أو تكن جاهال علموك ‪ ،‬ولعل اهلل أن يطلع عليهم برمحته‬
‫فيصيبك‪ s‬هبا معهم ‪ ،‬وإذا رأيت قوما ال يذكرون اهلل فال جتلس معهم ؛ فإنك‬

‫() الصرب ‪ -‬بكسر الباء ‪ : -‬عصارة شجر مر ‪ ،‬ورقها كقرب السكاكني طوال غالظ ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫يف خضرهتا غربة وكمدة مقشعرة املنظر ‪ ،‬خيرج من وسطها ساق عليه نور أصفر ‪ ،‬ويصنع‬
‫منها دواء مر ‪ ،‬وال يسكن الصرب إال يف ضرورة الشعر ‪ .‬انظر ‪" :‬لسان العرب" ج‪ 4‬ص‬
‫‪ 442‬و"خمتار الصحاح" ج ‪ 1‬ص ‪149‬‬

‫‪98‬‬
‫إن تكن عاملا مل ينفعك علمك ‪ ،‬وإن تكن جاهال زادوك غيا ‪ ،‬ولعل اهلل أن‬
‫(‪)1‬‬
‫يطلع عليهم بعذاب فيصيبك‪ s‬معهم‪.‬‬
‫وحيذر الشناقطة طالب العلم من جمالسة أراذل الناس ‪ ،‬وجهاهلم ؛ بل‬
‫ويعريون‪ s‬هبا أحيانا ‪ ،‬شأهنم يف ذلك شأن السلف الصاحل مجيعا ؛ فقد حذروا‬
‫من جمالسة من ال يزيدك علمه ‪ ،‬وال تنتفع مبصاحبته ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫فال تصحب أخا اجلهل وإياك وإي ــاه‬
‫فكم من جاهل أردى حليما حني واخاه‬
‫يقاس املرء باملــرء إذا ما هو ماشـاه‬
‫د ‪ -‬إذا أكمل الطالب احلفظ األويل ؛ فإنه يصنع وجبة للطالب مجيعا ‪،‬‬
‫وكذا إذا أخذ اإلجازة ‪ ،‬فإنه مع صناعة الوجبة توضع احلناء على يده اليمىن‬
‫؛ متييزا له عن غريه من الطالب ‪ ،‬وإكراما له ‪ ،‬كما يقوم بوضع ختمات‬
‫ملونة على اللوح اخلشيب ‪.‬‬
‫هذه أهم املراحل يف حفظ القرآن الكرمي عند الشناقطة ‪ ،‬وأهم قواعد‬
‫احملاضر عندهم ‪ ،‬أوردهتا موجزة قدر اإلمكان‪ s‬؛ ألن املقام‪ s‬ال يسمح بكثري‬

‫() انظر ‪" :‬أطفال املسلمني كيف رباهم النيب األمني" ص ‪174‬‬
‫‪1‬‬

‫‪99‬‬
‫(‪)1‬‬
‫من التفاصيل اليت ال يقع حتتها كبري فائدة ‪...‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬أقرب الطرق التربوية إلى طريقة الشناقطة ‪:‬‬
‫وبالنظر إىل الطريقة اليت سلكها الشناقطة حلفظ القرآن الكرمي ‪ ،‬يتبني أن‬
‫أقرب الطرق الرتبوية‪ s‬إليها هو ‪ :‬الطريقة الجزئية ‪ ،‬اليت قال عنها أحد‬

‫() وقد اعتمدت يف سرد طريقة الشناقطة يف حفظ كتاب اهلل تعاىل على جتربيت الشخصية‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،‬مث على املعلومات القيمة اليت أفادين هبا أخي وشيخي ‪ :‬حممد بن حممد عبد اهلل بن أمحد‬
‫حممود بن حممد حبيب اهلل السيدوي احلسين ‪ ،‬من أشراف يسمون "أهل اباه" يرجع نسبهم‬
‫إىل احلسن‪ s‬بن علي – رضي اهلل تعاىل عنهما – حفظ القرآن وهو صغري ‪ ،‬وحصل على‬
‫إجازة بقراءة نافع من رواييت ورش وقالون ‪ ،‬وإجازة برواية حفص عن عاصم ‪ ،‬وله‬
‫إجازات يف الصحيحني ‪ ،‬وسنن أيب داود ‪ ،‬ونيل األوطار ‪ ،‬وفتح القدير إىل مؤلفيها ‪ ،‬وله‬
‫إجازات غري ما ذكرت ‪ ،‬وهو من العلماء املتواضعني ‪ ،‬الذين بذلوا جهدهم يف نشر السنة‬
‫‪ ،‬وحماربة البدعة ‪ ،‬بأسلوب هادئ رزين ‪ ،‬حنسبه كذلك واهلل حسيبه وال نزكي على اهلل‬
‫أحدا ‪ ،‬وقد استفدت من مكتبته اليت حتوي كثريا من كتب السنة يف فرتة كان انتشارها يف‬
‫موريتانيا قليال ‪ ،‬وقد اشرتى أغلبها باألمثان الغالية مع قلة ماله ‪ ،‬كما استفدت من نصائحه‬
‫‪ ،‬وهنجه يف احلياة ‪ ،‬فجزاه اهلل عين خري اجلزاء ‪..‬‬
‫وهو اآلن يسكن يف العاصمة املوريتانية "انواكشوط" أسأل اهلل العلي القدير أن يطيل عمره‬
‫‪ ،‬وينفع به اإلسالم واملسلمني‪.‬‬
‫كما اعتمدت – أيضا – على املعلومات القيمة اليت أفادين هبا الشيخ حممد حيىي بن أمحد بن‬
‫سعيد ‪ ،‬وهو من حفاظ كتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬ولد سنة ‪ 1952‬م وحفظ القرآن صغريا ‪،‬‬
‫وتنقل بني عدة مشايخ تعلم منهم كثريا من العلوم املتداولة عند الشناقطة كالعربية ‪ ،‬وبعض‬
‫كتب الفقه املالكي ‪ ،‬وغري ذلك ‪ ،‬وهو من احملبني للسنة ‪ ،‬احملاربني للبدعة ‪ ،‬حنسبه كذلك‬
‫واهلل حسيبه ‪ ،‬وال نزكي على اهلل أحدا ‪..‬‬

‫‪100‬‬
‫الباحثني ‪ ..( :‬وحنن نعول على هذه الطريقة اليت درج عليها عامة احلفاظ‬
‫واملقرئني ‪ ،‬حىت نكاد نقول ‪ :‬إنه ال حيفظ القرآن إال هبذه الطريقة ؛‬
‫لألسباب التالية‪: s‬‬
‫‪ – 1‬ما روي عن أيب العالية قال ‪ :‬تعلموا القرآن مخس آيات ‪ ،‬مخس آيات‬
‫؛ فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان يأخذه من جربيل مخسا ‪ ،‬مخسا ‪،‬‬
‫ويف رواية ‪ :‬من أخذه مخسا مخسا مل ينسه ‪.‬‬
‫‪ – 2‬كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يتبع هذه الطريقة يف إقراء الصحابة ‪،‬‬
‫وكذلك سار عليها قراء الصحابة يف إقراء من بعدهم ‪.‬‬
‫وقد أثبتت‪ s‬الدراسات اليت قام هبا علماء الرتبية‪ s‬أن هذه الطريقة ناجحة‬
‫ومناسبة‪ s‬؛ حيث تبني أن توزيع التعليم ‪ ،‬أو التدريب على فرتات متباعدة‪– s‬‬
‫نسبيا – تتخللها فرتات راحة ‪ ،‬يساعد على سرعة التعلم ‪ ،‬وتثبيته يف‬
‫الذاكرة ‪ ،‬وأن التعلم الذي حيدث باستخدام طريقة التوزيع أفضل كثريا من‬

‫أما نسبه فهو من فخذ "إدبعمر" يعين أبناء اعمر من قبيلة "أوالد أبياري" إحدى قبائل‬
‫الشناقطة اليت ينتشر فيها حفظ كتاب اهلل تعاىل ؛ فال تكاد جتد فردا منها إال وهو حافظ‬
‫للقرآن ‪ ،‬وقد أجنبت هذه القبيلة كثريا من العلماء ‪ ،‬وأكرمين اهلل خبؤولة منها ؛ فجد أيب‬
‫ألمه هو العالمة ‪ :‬حممود ولد ابن عمر – رمحه اهلل تعاىل وغفر له – أحد العلماء األفذاذ‬
‫من هذه القبيلة العريقة ‪ ،‬بل من نفس الفخذ املذكور ‪ ،‬وينتهي نسب هذه القبيلة إىل جعفر‬
‫بن أيب طالب رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه‪.‬‬
‫وقد أفادين الشيخ حممد حيىي بتلك املعلومات يف مقابلة أجريتها معه يف منزله مبكة املكرمة‬
‫يف ‪ 1427 – 3 – 16‬هـ فجزاه اهلل خريا‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫التعلم الذي حيدث باستخدام طريقة الرتكيز ‪ ،‬وهو التعلم الذي يتم يف فرتة‬
‫زمنية متصلة ‪ ،‬دون أن تتخللها راحة ‪..‬‬
‫وقد طبقت‪ s‬هذه الطريقة يف القرآن الكرمي ؛ إذ أنه نزل على فرتات متباعدة‪s‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يف مدة ثالث وعشرين سنة ‪ ،‬مما ساعد على تعلمه ‪ ،‬وفهمه وحفظه )‪.‬‬
‫أما عيوب هذه الطريقة ‪ ،‬وسلبياهتا اليت ذكرها املربون ‪ ،‬فقد تغلب عليها‬
‫الشناقطة ‪ ،‬ومل يرتكوا جماال لتأثريها على احلفظ ‪...‬‬
‫أما سلبيتها (‪ )2‬األوىل وهي عدم قدرة الطالب املتعلمني عن طريقها على‬
‫ربط األجزاء احملفوظة بعضها ببعض‪ ، s‬فقد تغلبوا عليها بتكرار املقطع األخري‬
‫من الدرس املاضي مع الدرس اجلديد ‪ ،‬واملقطع األخري من الدرس اجلديد مع‬
‫الدرس القادم وهكذا ؛ فكونوا بذلك حلقات ربط قوية يصعب‪ s‬حلها ‪...‬‬
‫وأما سلبيتها الثانية ‪ ،‬وهي احتمال حصول تفاوت يف درجات احلفظ بني‬
‫األجزاء احملفوظة ‪ ،‬فقد تغلبوا عليه بتوزيع التكرار بصفة شبه متساوية بني‬
‫الدروس ‪ ،‬حىت يتقارب حفظها ‪ ،‬حبيث ال ينسي قوي احلفظ منها ضعيفه‪.‬‬

‫() انظر ‪" :‬مهارات التدريس يف احللقات‪ s‬القرآنية" ص ‪ ( 184‬بتصرف يسري جدا )‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر املرجع السابق‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪102‬‬
‫المبحث السادس ‪ :‬مشكلة النسيان وكيف عالجها الشناقطة ‪:‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعريف النسيان ‪:‬‬
‫النِ ْسيا ُ‪s‬ن بكسر النون‪ s‬وسكون السني ‪ :‬ضد الذكر واحلفظ ‪ ،‬ورجل نَسيان‬
‫بفتح النون كثري النِسيان للشيء ‪ ،‬وقد نسي الشيء بالكسر نسيانا ‪ ،‬وأنساه‬
‫اهلل الشيء ‪ ،‬وتناساه‪ : s‬رأى من نفسه أنه ِ‬
‫نسيه ‪...‬‬
‫ِّسيَا ُن أيضا ‪ :‬الرتك ‪ ،‬قال اهلل تعاىل ‪ ( :‬نسوا اهلل فنسيهم ) (‪، )1‬‬
‫والن ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫وقال ‪ ( :‬وال تنسوا‪ s‬الفضل بينكم )‬
‫فهو إذن ‪ :‬ترك اإلنسان‪ s‬ضبط ما استودع ‪ ،‬إما لضعف قلبه ‪ ،‬وإما عن غفلة‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬أو عن قصد حىت ينحذف عن القلب ذكره ‪.‬‬
‫ويعرفه علماء النفس بأنه ‪ :‬فقدان كلي أو جزئي ‪ ،‬مؤقت أو دائم ‪ ،‬ملا مت‬
‫حفظه سابقا ‪.‬‬
‫وبالتايل فهو ينقسم إىل قسمني ‪ :‬نسيان كلي ‪ ،‬ونسيان‪ s‬جزئي ‪.‬‬
‫فالنسيان اجلزئي يعين ‪ :‬فقدان بعض جزئيات املادة اليت مت حفظها ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫والنسيان الكلي ‪ :‬هو فقدان املادة احملفوظة بالكامل ‪.‬‬

‫() التوبة اآلية ‪67‬‬


‫‪1‬‬

‫() البقرة اآلية ‪237‬‬‫‪2‬‬

‫() انظر ‪" :‬خمتار الصحاح" ج ‪ 1‬ص ‪ 284‬و "التعاريف" ج ‪ 1‬ص ‪698‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪" :‬طرق تدريس القرآن الكرمي" ص ‪ 134‬د‪ .‬حممد السيد الزعبالوي‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪103‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬التغليظ في نسيان القرآن الكريم بعد حفظه ‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك (‪ – )1‬رضي اهلل تعاىل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬عرضت علي أجور أميت ‪ ،‬حىت القذاة ‪ ،‬أو البعرة خيرجها‬
‫اإلنسان‪ s‬من املسجد ‪ ،‬وعرضت علي ذنوب أميت ‪ ،‬فلم أر ذنبا أكرب من آية‬
‫(‪)2‬‬
‫أو سورة أوتيها رجل ؛ فنسيها )‪.‬‬

‫() هو ‪ :‬أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم‬ ‫‪1‬‬

‫بن عدي بن النجار ‪ ،‬اإلمام ‪ ،‬املفيت ‪ ،‬املقرئ ‪ ،‬احملدث ‪ ،‬راوية اإلسالم ‪ ،‬أبو محزة‬
‫األنصاري ‪ ،‬اخلزرجي ‪ ،‬البخاري ‪ ،‬املدين ‪ ،‬خادم رسول اهلل صلى اهلل علي وسلم ‪،‬‬
‫وتلميذه ‪ ،‬وتبعه ‪ ،‬ولد قبل اهلجرة بعشر سنني ‪ ،‬صحب النيب صلى اهلل عليه وسلم أمت‬
‫الصحبة ‪ ،‬والزمه أكمل املالزمة منذ هاجر إىل أن مات ‪ ،‬وغزا معه غري مرة ‪ ،‬وبايع حتت‬
‫الشجرة ‪ ،‬روى عن النيب صلى اهلل عليه وسلم علما مجا ‪ ،‬وعن أيب بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان‬
‫‪ ،‬ومعاذ ‪ ،‬وروى عنه خلق عظيم ‪ ،‬منهم ‪ :‬احلسن ‪ ،‬وابن سريين ‪ ،‬والشعيب ‪ ،‬وأبو قالبة ‪،‬‬
‫ومكحول ‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز ‪ ،‬وغريهم ‪ .‬مات – رضي اهلل عنه ‪ -‬سنة إحدى‬
‫وتسعني‪ .‬انظر ترمجته يف ‪" :‬سري أعالم النبالء" ج‪ 3‬ص‪395‬‬
‫() رواه "أبو داود" يف سننه ‪ ،‬باب يف كنس املسجد ‪ ،‬حديث رقم ‪ 461‬ج ‪ 1‬ص ‪126‬‬ ‫‪2‬‬

‫و"الرتمذي" يف سننه ‪ ،‬حديث رقم ‪ 2916‬ج ‪ 5‬ص ‪ ، 178‬وقال الرتمذي ‪:‬‬


‫( هذا حديث غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه ‪ ،‬قال ‪ :‬وذاكرت به حممد بن إمساعيل –‬
‫يعين البخاري ‪ -‬فلم يعرفه واستغربه ‪ ،‬قال حممد ‪ :‬وال أعرف للمطلب‪ s‬بن عبد اهلل مساعا‬
‫من أحد من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم إال قوله ‪ :‬حدثين من شهد خطبة النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬ومسعت عبد اهلل بن عبد الرمحن يقول ‪ :‬ال نعرف للمطلب‪s‬‬
‫مساعا من أحد من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال عبد اهلل ‪ :‬وأنكر علي بن‬
‫املديين أن يكون املطلب مسع من أنس )‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫وعن سعد بن عبادة (‪ –)1‬رضي اهلل تعاىل عنه – قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ ( :‬ما من رجل قرأ القرآن ‪ ،‬مث نسيه ‪ ،‬إال لقي‬
‫(‪)2‬‬
‫اهلل عز وجل يوم القيامة أجذم )‬

‫() هو ‪ :‬سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أيب خزمية بن ثعلبة بن طريف بن اخلزرج بن‬ ‫‪1‬‬

‫ساعدة بن كعب بن اخلزرج ‪ ،‬السيد ‪ ،‬الكبري ‪ ،‬الشريف ‪ ،‬أبو قيس ‪ ،‬األنصاري ‪،‬‬
‫اخلزرجي ‪ ،‬الساعدي ‪ ،‬املدين ‪ ،‬النقيب ‪ ،‬سيد احلزرج ‪ ،‬قال البخاري يف تارخيه ‪ :‬إنه شهد‬
‫بدرا ‪ ،‬وتبعه ابن مندة ‪ ،‬له أحاديث يسرية ‪ ،‬وهي عشرون باملكرر ‪ ،‬وذلك ألنه مات قبل‬
‫أوان الرواية ‪ ،‬أرسل عنه احلسن ‪ ،‬وعيسى بن فائد ‪ ،‬وممن روى عنه أوالده ‪ :‬قيس ‪،‬‬
‫وسعيد ‪ ،‬وإسحاق ‪ ،‬ومن الصحابة ‪ :‬ابن عباس ‪ ،‬وأيب أمامة بن سهل ‪ ،‬وعن ابن عباس‬
‫قال ‪ :‬ملا نزلت "والذين يرمون احملصنات" (النور ‪ )14‬قال سعد سيد األنصار هكذا أنزلت‬
‫يا رسول اهلل ؟ فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬يا معشر األنصار أال تسمعون إىل ما‬
‫يقول سيدكم" قالوا ‪ :‬ال تلمه ؛ فإنه غيور ‪ ،‬واهلل ما تزوج امرأة قط إال بكرا ‪ ،‬وال طلق‬
‫امرأة قط فاجرتأ أحد يتزوجها ‪ ،‬فقال سعد ‪ :‬يا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬واهلل‬
‫ألعلم أهنا حق وأهنا من اهلل ‪ ...‬احلديث ‪ .‬مات – رضي اهلل عنه وأرضاه ‪ -‬سنة أربع‬
‫عشرة حبوران ‪ .‬انظر ترمجته يف ‪" :‬اإلصابة يف متييز الصحابة" ج ‪ 3‬ص ‪ 66‬و "سري أعالم‬
‫النبالء" ج‪ 1‬ص‪270‬‬
‫() رواه "أبو داود" يف سننه ‪ ،‬باب التشديد فيمن حفظ القرآن مث نسيه ‪ ،‬حديث رقم‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1474‬ج ‪ 2‬ص ‪75‬‬

‫‪105‬‬
‫قال العالمة أبو احلسني أمحد بن جعفر بن أيب داود املنادي (‪ – )1‬رمحه اهلل‬
‫تعاىل ‪ ( : -‬فأما ظاهر حديث سعد ‪ ،‬فهو تغليظ ‪ ،‬ألنه أراد باجلذم انقطاع‬
‫احلجة ‪ ،‬وكأنه قال ‪ :‬أي داخل يف حفظ القرآن برغبة لزمه القيام‪ s‬حبفظ‬
‫حروفه ‪ ،‬والعمل مبا فيه ‪ ،‬فلما تشاغل عن ذلك ‪ ،‬ورد يوم القيامة بال حجة‬
‫(‪)2‬‬
‫؛ إذ التارك ملا يرغب فيه حميد ‪ ،‬يوصف بالرغبة عنه )‪.‬‬
‫ومل يزل السلف الصاحل خيافون نسيان القرآن الكرمي بعد حفظه ‪ ،‬ويعتربون‪s‬‬
‫ذلك نقصا ال يعوض ‪ ،‬ومصيبة ال يصرب عليها ‪ ،‬ويكثرون الصالة‪ s‬به ‪،‬‬
‫وتالوته‪ s‬خوفا من ذلك الوعيد ‪ ،‬وطمعا يف ذلك األجر املوعود به للماهرين‬
‫بالقرآن العظيم‪..‬‬

‫() هو ‪ :‬أمحد بن جعفر بن حممد بن عبيد اهلل بن أيب داود املنادي البغدادي احلافظ ‪ ،‬ولد‬ ‫‪1‬‬

‫سنة سبع ومخسني ومائتني تقريبا ‪ ،‬ومسع من جده ‪ ،‬ومن حممد بن عبد امللك الدقيقي ‪،‬‬
‫وحممد بن إسحاق الصاغاين ‪ ،‬وأيب داود السجستاين ‪ ،‬وحدث عنه ‪ :‬أبو عمر بن حيويه ‪،‬‬
‫وأمحد بن نصر الشذائي املقرئ ‪ ،‬وحممد بن فارس الغوري ومجاعة ‪ ،‬قال اخلطيب ‪ :‬كان‬
‫صلب الدين شرس األخالق ‪ ،‬وقال الداين ‪ :‬مقرئ جليل غاية يف اإلتقان ‪ ،‬فصيح اللسان ‪،‬‬
‫عامل باآلثار ‪ ،‬هناية يف علم العربية ‪ ،‬صاحب سنة ‪ ،‬ثقة مأمون‪.‬تويف سنة ست وثالثني‬
‫وثالمثائة ‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬سري أعالم النبالء" ج‪ 15‬ص‪ 361‬و "الوايف بالوفيات" ج‪ 6‬ص‪179‬‬
‫() انظر ‪" :‬متشابه القرآن العظيم" ص ‪49‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪106‬‬
‫فعن الضحاك بن مزاحم (‪ – )1‬رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬قال ‪ ( :‬ما نعلم أحدا‬
‫حفظ القرآن مث نسيه ‪ ،‬إال بذنب ‪ ،‬مث قرأ ‪" :‬وما أصابكم من مصيبة‪ s‬فبما‬
‫(‪)3‬‬
‫كسبت أيديكم " (‪ )2‬مث قال ‪ :‬وأي مصيبة‪ s‬أعظم من نسيان القرآن؟)‪.‬‬
‫وسئل سفيان بن عيينة‪ – )4( s‬رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬عن الذي ينسى القرآن بعد‬

‫() هو ‪ :‬الضحاك بن مزاحم اهلاليل ‪ ،‬أبو حممد ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أبو القاسم ‪ ،‬صاحب التفسري ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫كان من أوعية العلم ‪ ،‬وليس باجملود حلديثه ‪ ،‬وهو صدوق يف نفسه ‪ ،‬حدث عن ابن عباس‬
‫‪ ،‬وأيب سعيد اخلدري ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وأنس بن مالك ‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬وحدث عنه عمارة بن أيب‬
‫حفصة ‪ ،‬وأبو سعد البقال ‪ ،‬وجويرب بن سعيد ‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬وثقه أمحد بن حنبل ‪ ،‬وحيىي بن‬
‫معني ‪ ،‬وغريمها ‪ ،‬تويف – رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬سنة اثنتني ومائة ‪.‬‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬سري أعالم النبالء" ج‪ 4‬ص‪599‬‬
‫() الشورى اآلية ‪30‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪" :‬تفسري ابن كثري" ج‪ 4‬ص‪118‬‬ ‫‪3‬‬

‫() هو ‪ :‬سفيان بن عيينة بن أيب عمران ميمون موىل حممد بن مزاحم أخي الضحاك بن‬ ‫‪4‬‬

‫مزاحم ‪ ،‬اإلمام الكبري ‪ ،‬حافظ العصر ‪ ،‬شيخ اإلسالم ‪ ،‬أبو حممد اهلاليل ‪ ،‬الكويف ‪ ،‬مث‬
‫املكي ‪ ،‬ولد بالكوفة سنة سبع ومائة وطلب احلديث ‪ ،‬وهو حدث ؛ بل غالم ‪ ،‬ولقي‬
‫الكبار ‪ ،‬ومحل عنهم علما مجا ‪ ،‬وأتقن ‪ ،‬وجود ‪ ،‬ومجع وصنف ‪ ،‬وعمر دهرا ‪ ،‬وازدحم‬
‫اخللق‪ s‬عليه ‪ ،‬وانتهى إليه علو اإلسناد ‪ ،‬ورحل إليه من البالد ‪ ،‬وأحلق األحفاد باألجداد ؛‬
‫فسمع من عمرو بن دينار وأكثر عنه ‪ ،‬ومن زياد بن عالقة ‪ ،‬واألسود بن قيس ‪ ،‬وعبيد اهلل‬
‫بن أيب يزيد ‪ ،‬وابن شهاب الزهري ‪ ،‬وعاصم بن أيب النجود ‪ ،‬وخالئق ‪ ،‬حدث عنه ‪:‬‬
‫األعمش ‪ ،‬وابن جريج ‪ ،‬وشعبة ‪ ،‬وهؤالء من شيوخه ‪ ،‬ومهام بن حيىي ‪ ،‬واحلسن بن حي ‪،‬‬
‫وزهري بن معاوية ‪ ،‬ومحاد بن زيد ‪ ،‬وخالئق‪.‬قال الشافعي ‪ :‬وجدت أحاديث األحكام‬
‫كلها عند ابن عيينة سوى ستة أحاديث ‪ ،‬ووجدهتا كلها عند مالك سوى ثالثني حديثا ‪،‬‬

‫‪107‬‬
‫أن قرأه وحفظه ‪ ،‬أنه جياء به يوم القيامة‪ s‬وقد سقط حلم وجهه ؟ فقال‪:‬‬
‫( إمنا ذلك ملن نسيه نسيان ترك له ؛ فأما املوصي به ‪ ،‬املشتهي‪ s‬حلفظه ‪ ،‬غري‬
‫أنه يتفلت منه ؛ فليس ذلك بناس له ‪ ،‬وكيف وهو يتلوه حق تالوته ‪ ،‬حيل‬
‫حالله وحيرم حرامه ‪ ،‬ويعمل مبا فيه ‪ ،‬إمنا النسيان كقوله ‪ " :‬إنا نسيناكم‬
‫(‪)3‬‬
‫"اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا"(‪.) )2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫"‬
‫واملقصود بكل ذلك من استطاع حفظه ‪ ،‬مث انشغل عنه حىت نسيه ‪ ،‬ومل‬
‫يرجع إليه ‪ ،‬ومل يهتم بإعادة حفظه ‪.‬‬
‫أما الذين حياولون حفظه ومل يستطيعوه ؛ فليسوا من املقصودين هبذا الوعيد‬
‫املذكور يف هذه اآلثار ‪ ،‬فهم وإن مل يكونوا مبنزلة احلفاظ تالوة ‪ ،‬وعمال ‪،‬‬
‫فهم يف درجاهتم ‪ ،‬مبحاولتهم حفظه ‪ ،‬وبذهلم اجلهد يف ذلك ‪ ،‬وال يكلف‬
‫اهلل نفسا إال وسعها ‪.‬‬

‫عاش إحدى وتسعني سنة‪.‬‬


‫انظر ترمجته يف "سري أعالم النبالء" ج‪ 8‬ص‪ 454‬و "صفة الصفوة" ج‪ 2‬ص‪231‬‬
‫() جزء من اآلية ‪ 14‬من سورة السجدة‬ ‫‪1‬‬

‫() اجلاثية اآلية ‪34‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪" :‬متشابه القرآن العظيم" ص ‪49‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪108‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬عالج الشناقطة للنسيان ‪:‬‬
‫سأذكر هنا أهم أسباب النسيان‪ s‬عند علماء الرتبية ‪ ،‬وكيف عاجلها الشناقطة‬
‫يف طريقة احلفظ عندهم ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الترك (‪ :)1‬وذلك أن املادة احملفوظة‪ s‬إذا تركت ‪ ،‬ومل تراجع لفرتة‬
‫طويلة فإهنا تنسى ‪ ،‬وخاصة إذا كانت مثل القرآن العظيم الذي تقدم تشبيه‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم له باإلبل املطلقة من عقلها ‪ ،‬ولكن سرعة النسيان‪s‬‬
‫نسبية ‪ ،‬تعتمد على مستوى احلفظ ‪ ،‬وقوة الذاكرة احلافظة ‪...‬‬
‫ولذا فقد عاجل الشناقطة هذه النقطة ‪ ،‬بإتقان‪ s‬احلفظ ‪ ،‬وتقويته‪ s‬حىت ال‬
‫يتعرض للنسيان‪ s‬إال بعد فرتة ترك طويلة ‪ ،‬قلما يسمح املسلم لنفسه هبجر‬
‫القرآن يف مثلها ‪ ،‬واعتمدوا‪ s‬يف ذلك على كثرة التكرار اليت قدمنا ‪ ،‬والتفرغ‬
‫التام للقرآن الكرمي حىت يتم ترسيخه يف الذاكرة قبل أي كتاب آخر ‪ ،‬بل إن‬
‫بعضهم من قوة حفظه وكثرة تكراره ‪ ،‬قد يرتك القرآن سنوات ؛ فإذا رجع‬
‫إليه كان كمن حفظه لتوه‪.‬‬
‫‪ – 2‬التداخل (‪ : )2‬وهو من أسباب النسيان‪ s‬اليت تكثر يف هذا الزمن ‪ ،‬ذلك‬
‫أن الطالب يف املدرسة ‪ ،‬أو يف حلقات التحفيظ ‪ ،‬يكلف حبفظ مواد متنوعة‪s‬‬
‫‪ ،‬وخمتلفة ؛ بل ومتباينة‪ s‬أحيانا ‪ ،‬فيحصل تداخل املعلومات يف الذاكرة ؛‬
‫فتتفاعل ‪ ،‬وينسى‪ s‬أقواها حفظا أضعفها ‪...‬‬

‫() انظر ‪" :‬طرق تدريس القرآن الكرمي" ص ‪135‬‬‫‪1‬‬

‫() انظر ‪" :‬علم النفس الرتبوي" ص ‪ 500‬د‪ .‬أمحد زكي صاحل ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪109‬‬
‫وقد عاجل الشناقطة هذا الداء بالتفرغ التام لكتاب معني ‪ ،‬فإذا كان الطالب‬
‫يكتب‪ s‬القرآن الكرمي ؛ فإنه متفرغ له متام التفرغ ‪ ،‬وال يقرأ معه أي شيء‬
‫آخر ‪ ،‬وهكذا يف بقية املتون ‪ ،‬والكتب األخرى ‪ ،‬ال يسمح للطالب –‬
‫(‪)1‬‬
‫غالبا ‪ -‬بكتابة متنني ‪ ،‬وال باالنتقال من منت حىت يتقن الذي قبله ‪.‬‬
‫‪ - 3‬عدم الراحة أو النوم ‪ :‬وهو من أسباب النسيان‪ s‬املهمة ؛ فقد أثبتت‬
‫التجارب أن الراحة أو النوم بعد حفظ مادة ما تؤدي إىل تثبيت‪ s‬احلفظ ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وتقلل النسيان‪... s‬‬
‫وقد عاجل الشناقطة سبب النسيان‪ s‬هذا جبعل وقت احلفظ بعد نوم وقبل نوم‬
‫؛ فهم حيفظون عادة يف الصباح بعد االستيقاظ من نوم الليل ‪ ،‬ويستمر‬
‫التكرار من أجل ترسيخ احلفظ حىت يرتفع النهار ‪ ،‬مث ينامون‪ s‬قبل الظهر‬

‫() ترتيب حفظ املتون عند الشناقطة خيتلف من منطقة إىل أخرى ‪ ،‬مع إمجاعهم على تقدمي‬ ‫‪1‬‬

‫حفظ كتاب اهلل تعاىل أوال ‪..‬‬


‫ففي بعض املناطق حيفظون – بعد القرآن العظيم – املعلقات‪ ، s‬وألفية ابن مالك ‪ ،‬وذلك‬
‫لتقومي لسان الطفل على اللغة الفصحى ؛ فهي أهم أداة لفهم كتاب اهلل وسنة نبيه صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ؛ مث حيفظون بعد ذلك الفقه ‪ ،‬والسرية ‪ ،‬وعلم املنطق ‪ ،‬وعلم األصول ‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫أما يف بعض املناطق األخرى ؛ فيبدؤون – بعد كتاب اهلل – حبفظ متون الفقه املالكي‬
‫كاألخضري ‪ ،‬وابن عاشر ‪ ،‬مث رسالة ابن أيب زيد القريواين ‪ ،‬وخمتصر خليل ‪ ،‬مث أصول‬
‫الفقه ‪ ،‬مث اللغة ‪...‬‬
‫() انظر ‪" :‬طرق تدريس القرآن الكرمي" ص ‪137‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪110‬‬
‫(‪)3‬نوما خفيفا ‪ ،‬مث يبدؤون يف التكرار من جديد ‪ ،‬وهبذا يساعدون الذاكرة‬
‫على الراحة بعد احلفظ ‪ ،‬لرتسخ فيها املادة احملفوظة‪. s‬‬
‫المبحث السابع ‪ :‬بعض المآخذ على طريقة الشناقطة في الحفظ ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬المبالغة في العقاب بالضرب ‪:‬‬
‫إن العقاب الرتبوي الفعال ال بد أن تراعى فيه موازين الشرع ووسطيته بعدم‬
‫اإلفراط أو التفريط ‪ ،‬وقد قدمنا بعض الشروط اليت وضعها علماء الرتبية‪s‬‬
‫للعقاب حىت يكون‪ s‬فعاال ‪ ،‬ومفيدا يف حتصيل الغرض املرجو منه‪..‬‬
‫ورغم أن العقاب ضروري – يف نظري – يف العملية التعليمية بصفة عامة‬
‫وخاصة يف حتفيظ القرآن الكرمي لألطفال إال أن مبالغة بعض مشايخ احملاضر‬
‫الشنقيطية‪ s‬يف استخدامه خيرجه عن اهلدف منه ‪ ،‬وجيعل بعض الطالب‬
‫ينفرون من القرآن الكرمي نفورا جزئيا أو كليا ‪ ،‬حسب حالتهم النفسية ‪،‬‬
‫ومستوى نضجهم العقلي ‪...‬‬
‫إن املوازنة‪ s‬بني حالة الطفل السلوكية واالجتماعية ‪ ،‬ومستوى إدراكه ألمهية‬
‫حفظ القرآن الكرمي ‪ ،‬هي اليت من خالهلا جيب أن حيدد املدرس مقدار‬
‫العقاب لكل طفل ‪ ،‬ولذا فإن التسوية‪ s‬بني مجيع الطالب يف العقاب ‪ ،‬وعدم‬
‫مراعاة الفروق واملميزات الشخصية بينهم سيعطي يف النهاية‪ s‬مفعوال عكسيا‬

‫() وال يصلى الظهر يف غالب مناطق شنقيط إال يف حدود الساعة الثانية والنصف بعد‬ ‫‪3‬‬

‫الزوال ‪ ،‬ولعل السبب يف ذلك عدم توفر تقومي معتمد من هيئة شرعية ‪ ،‬فكان اعتماد الناس‬
‫على مراقبة الظل ‪ ،‬واالحتياط يف زيادته حىت يتأكدوا من دخول الوقت مبا ال يدع جماال‬
‫للشك‪ . s‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫وسيكون عقدة نفسية يف نفوس التالميذ من القرآن الكرمي ‪ ،‬فيصبح‬ ‫ِّ‬ ‫‪،‬‬
‫مربوطا يف أذهان كثريين منهم بالعقاب والضرب واإلهانة ‪ ،‬ويف هذا من‬
‫اخلطر على العملية التعليمية ما هو ظاهر َبنِّي ‪..‬‬
‫إن تقرير ذلك – يف نظري – ال يتناىف مع التأكيد على أمهية العقاب ‪،‬‬
‫ولكن باعتدال وتوسط ‪ ،‬فيجب أن يكون‪ s‬اهلدف املبدئي هو احرتام التالميذ‬
‫للشيخ ‪ ،‬وتوقريهم له ؛ بل وإعجاهبم بسلوكه ‪ ،‬ومهنته ‪ ،‬فإن حصل ذلك‬
‫دون ضرب أو عقاب فبها ونعمت ‪ ،‬وإن مل حيصل إال بالعقاب والضرب ‪،‬‬
‫فيجب أن يكون بغري إفراط ‪ ،‬ودون مبالغة تشم منها رائحة العداوة‪s‬‬
‫والتشفي‪ ، s‬بدل عالقة الرمحة واحملبة اليت ينبغي‪ s‬أن تكون هي أساس العالقة‬
‫بني الشيخ وطالبه‪.‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عدم االعتناء بالتجويد ‪:‬‬
‫لقد ارتكب‪ s‬كثري من الشناقطة خطأ كبريا حني غرسوا يف أذهان أطفاهلم أن‬
‫مهمتهم الكربى هي حفظ القرآن الكرمي فقط ‪ ،‬ولو بدون مراعاة لقواعد‬
‫التجويد ‪ ،‬فأصبح هم الطالب الوحيد هو تكرار درسه اليومي بسرعة فائقة‬
‫حىت يصل تكراره حلد ترسخ فيه الدرس يف الذاكرة رسوخا قويا ‪ ،‬ما كان‬
‫ليحصل لو كررها بإعطاء احلروف حقها من خمرج وصفة وما إىل ذلك ‪..‬‬
‫إن هذا اخلطأ انتشر يف كثري من مناطق شنقيط ‪ ،‬فصار بعضهم يقرأ قراءة ال‬
‫تليق بكتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬وال جيوز أن يقرأ هبا ‪ ،‬مع العلم أن أحكام التجويد‬

‫‪112‬‬
‫مقررة عندهم يف احملاضر ‪ ،‬ولكن الطالب ال يدرسها إال بعد أن يرسخ‬
‫القرآن الكرمي يف ذهنه ‪ ،‬وحيفظه حفظا قويا مل يراع فيه أحكام التجويد ‪.‬‬
‫لقد كان من املفروض أن يلقن الطالب القرآن الكرمي جمودا ‪ ،‬وأن حيفظه‬
‫أول ما حيفظه بتطبيق أحكام التجويد ‪ ،‬حىت يرسخ حفظه بطريقة سليمة‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أما اعتذار كثري من الناس عن سرعة القراءة هذه بأن‪ s‬القراءة باحلدر‬
‫مذهب بعض أئمة القراءة ؛ فغري وارد ؛ ألن احلدر عند األئمة هو اإلسراع‬
‫يف القراءة مع احملافظة على أحكام التجويد من إظهار ‪ ،‬وإدغام ‪ ،‬وقصر ‪،‬‬
‫ومد ‪ ،‬ووقف ‪ ،‬ووصل ‪ ،‬وغنة ‪ ،‬وحنو ذلك ‪ ،‬وهذا احلدر هو مذهب‬
‫القائلني بقصر املنفصل ‪ ،‬وليس من قراءة هؤالء يف شيء ‪ ،‬والفرق بينهما‬
‫كما بني الثرى والثريا‪..‬‬
‫قال ابن اجلزري ‪ ( :‬وأما احلدر فهو مصدر من حدر بالفتح حيدر بالضم إذا‬
‫أسرع ؛ فهو من احلدور الذي هو اهلبوط ‪ ....‬إىل أن قال ‪ :‬فاحلدر يكون‬
‫لتكثري احلسنات يف القراءة ‪ ،‬وحوز فضيلة التالوة‪ ، s‬وليحترز فيه عن بتر‬
‫حروف المد ‪ ،‬وذهاب صوت الغنة ‪ ،‬واختالس أكثر الحركات ‪ ،‬وعن‬
‫التفريط إلى غاية ال تصح بها القراءة ‪ ،‬وال توصف بها التالوة ‪ ،‬وال‬
‫يخرج عن حد الترتيل ‪ ،‬ففي صحيح البخاري أن رجال جاء إىل ابن‬

‫() للقراءة أربع مراتب هي ‪ :‬التحقيق ‪ ،‬والرتتيل ‪ ،‬واحلدر ‪ ،‬والتدوير ‪.‬وأفضلها الرتتيل ‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫واملراتب األخرى جائزة لكن مبراعاة أحكامها ‪ ،‬من غري إفراط وال تفريط‪ .‬انظر ‪" :‬النشر‬
‫يف القراءات‪ s‬العشر" ج ‪ 1‬ص ‪207‬‬

‫‪113‬‬
‫مسعود – رضي اهلل تعاىل عنه – فقال ‪ :‬قرأت املفصل الليلة يف ركعة فقال‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ :‬هذا كهذ الشعر (‪)...)1‬‬
‫فاتضح مما سبق أن الذين يهذون القرآن الكرمي هذا دون مراعاة ألحكام‬
‫التجويد ليسوا على مذهب أحد من األئمة يف القراءة ‪ ،‬ومل يقل جبواز‬
‫قراءهتم أحد ‪ ،‬بل هي تالعب بكتاب اهلل تعاىل ؛ فيجب على املسلم أن‬
‫يتوب إىل اهلل تعاىل منها ‪ ،‬وأن يقرأ القرآن الكرمي برتتيل وتدبر ملعانيه‪ s‬؛‬
‫فيدعو عند األمر بالدعاء ‪ ،‬ويستعيذ عند املرور بآية وعيد ‪ ،‬ويراعي خمتلف‬
‫أحكام التالوة‪ .‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬عدم إجازة المرأة ‪:‬‬
‫إن من أعظم األخطاء أن يفرق مسلم عامي بني رجل وامرأة بغري مستند‬
‫شرعي ‪ ،‬أما إن كان من املنتسبني للعلم فإن األمر يكون‪ s‬سيئا لدرجة‬
‫تتهاوى عندها كل األعذار ‪ ،‬إذ كيف متنع املرأة – جملرد أهنا امرأة – من‬
‫حق حفظه هلا الكتاب الكرمي ‪ ،‬والسنة النبوية الشريفة ‪ ،‬ودرج عليه علماء‬
‫سلف األمة ؟‬
‫أمل تكن املرأة تقرأ خمتلف العلوم ‪ ،‬وجتاز فيها ‪ ،‬وتقرئ غريها من الرجال‬
‫والنساء وجتيزهم ؟‬

‫() رواه "البخاري" يف صحيحه ‪ ،‬باب اجلمع بني السورتني يف ركعة ‪ ،‬حديث رقم ‪742‬‬‫‪1‬‬

‫ج ‪ 1‬ص ‪ 269‬و"مسلم" يف صحيحه باب ترتيل القراءة واجتناب اهلذ وهو اإلفراط يف‬
‫السرعة ‪ ،‬حديث رقم ‪ 822‬ج ‪ 1‬ص ‪563‬‬
‫() انظر ‪" :‬النشر يف القراءات‪ s‬العشر" ج ‪ 1‬ص ‪207‬‬
‫‪2‬‬

‫‪114‬‬
‫أليس كثري من علماء سلف األمة قد درسوا على نساء ‪ ،‬وأجازوهم يف‬
‫القرآن واحلديث وغري ذلك ؟‬
‫وبعملية حسابية بسيطة لو طرحنا علم عائشة وحدها ‪ -‬رضي اهلل عنها‬
‫وأرضاها – ومروياهتا من احلديث والتفسري وغري ذلك ؛ فمن يستطيع أن‬
‫يتوقع حاصل تلك العملية احلسابية ؟‬
‫إذن فاألمر واضح ال لبس فيه ؛ فمن حق املرأة أن تدرس مجيع العلوم‬
‫الشرعية كالرجل على حد سواء ‪ ،‬ومن حقها أن حتصل على اإلجازة‬
‫كالرجل وال فرق ‪ ،‬ومن واجبها كذلك أن تقوم بالعملية التعليمية لألجيال‬
‫‪ ،‬وتسهم يف ذلك ‪ ،‬ولكن بالضوابط‪ s‬الشرعية من غري تربج ‪ ،‬وال سفور ‪،‬‬
‫وال اختالط ‪..‬‬
‫ومبا أن املثال يوضح املقال ؛ فإين سأبني بعض األمثلة من النساء اللوايت‬
‫حفظن القرآن الكرمي ‪ ،‬واحلديث النبوي الشريف ‪ ،‬وحصلن على إجازات ‪،‬‬
‫ودرسن وأجزن علماء مشهورين‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ‪ :‬أم ورقة بنت عبد اهلل بن احلارث األنصارية‪ s‬وكانت‬
‫(‪)1‬‬
‫قد مجعت القرآن وقد أمرها النيب صلى اهلل عليه وسلم أن تؤم أهل دارها‬

‫() لقد اختلف العلماء يف إمامة املرأة للرجال إذا كانوا من أهل دارها ‪ ،‬فذهب أبو ثور‬ ‫‪1‬‬

‫واملزين والطربي إىل إجازهتا ‪ ،‬وخالفهم مجهور العلماء ‪ ،‬فمنعوا إمامة املرأة للرجال مطلقا ؛‬
‫بل وحكى بعضهم اإلمجاع على ذلك ‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬وظاهر حديث أم ورقة يدل على جوازها خالفا لقول مجهور العلماء ؛ ألن فيه أنه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم جعل هلا مؤذنا ‪ ،‬ويف بعض الروايات التصريح بأنه شيخ كبري ‪ ،‬وكان‬

‫‪115‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وكان هلا مؤذن ‪ ،‬وكانت تؤم أهل دارها‪.‬‬
‫وهجيمة بنت حيي األوصابية احلمريية (‪ ،)2‬أم الدرداء الصغرى ‪ ،‬فقد‬
‫اشتهرت حبفظ القرآن الكرمي ‪ ،‬ومعرفة القراءة رمحها اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫وحفصة بنت سريين (‪ – )3‬رمحها اهلل تعاىل ‪ -‬حفظت القرآن الكرمي وهي‬
‫بنت ثنيت عشرة سنة ‪ ،‬وكان أخوها حممد بن سريين إذا أشكل عليه شيء‬

‫هلا غالم وجارية دبرهتما‪ .‬واهلل أعلم‪ .‬وانظر ‪" :‬نيل األوطار" ج‪ 3‬ص‪201‬‬
‫وذهب بعض احلنابلة إىل جواز إمامتها للرجال يف الرتاويح خاصة وتكون وراءهم ‪.‬‬
‫انظر ‪":‬املغين"ج‪ 2‬ص‪16‬‬
‫وأما إمامتها للنساء ‪ ،‬فقد اختلفوا فيها – أيضا ‪ -‬فذهب مجهور العلماء ‪ ،‬منهم عطاء‬
‫وجماهد واحلسن وقتادة واألوزاعي والثوري وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة والشافعي وأمحد‬
‫وداود الظاهري وابن حزم وغريهم إىل جوازها ‪ ،‬أطلق بعضهم ‪ ،‬وقيد البعض بالنفل دون‬
‫الفرض ‪ ،‬وأهنا تقف وسطهن ‪ ،‬وذهب مالك – رمحه اهلل تعاىل – وبعض العلماء إىل أهنا ال‬
‫تؤم مطلقا ال يف الفرض وال يف النفل ‪ ،‬ومن صلى هبا أعاد عند املالكية أبدا ‪ ،‬وأدلتهم‬
‫مرجوحة بأحاديث عن عائشة ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وأم سلمة – رضي اهلل عن اجلميع – وهي‬
‫صرحية يف حمل النزاع ‪ ،‬وال يعلم هلم من الصحابة خمالف ‪ .‬وانظر ‪" :‬املدونة الكربى" ج‪1‬‬
‫ص‪ 84‬و"احمللى" ج‪ 3‬ص‪ 128‬و"املغين" ج‪ 2‬ص‪16‬و"عون املعبود" ج‪ 2‬ص‪ 212‬و‬
‫"اجملموع" ج‪ 4‬ص‪ 172‬و"كفاية الطالب" ج‪ 1‬ص‪377‬‬
‫() رواه "أبو داود" يف سننه ‪ ،‬باب إمامة النساء ‪ ،‬حديث رقم ‪ 529‬ج ‪ 1‬ص ‪161‬‬ ‫‪1‬‬

‫واحلديث فيه عبد الرمحن بن خالد ‪ ،‬قال ابن حجر ‪ :‬فيه جهالة ‪ .‬انظر ‪" :‬تلخيص احلبري"‬
‫ج‪ 2‬ص‪ 27‬و"صفة الصفوة" ج‪ 2‬ص‪ ، 72‬وقال الزيلعي ‪ ( :‬قال ابن القطان يف كتابه ‪:‬‬
‫"الوليد بن مجيع ‪ ،‬وعبد الرمحن بن خالد ال يعرف حاهلما" قلت‪ – s‬القائل هو الزيلعي ‪-‬‬
‫ذكرمها ابن حبان يف الثقات )‪ .‬انظر ‪" :‬نصب الراية" ج‪ 2‬ص‪31‬‬

‫‪116‬‬
‫(‪)4‬‬
‫من القرآن قال ‪ :‬اذهبوا فاسألوا حفصة كيف تقرأ ‪.‬‬
‫وسلمى بنت حممد بن اجلزري أم اخلري – رحم اهلل اجلميع ‪ -‬يقول عنها‬
‫والدها شيخ اإلقراء ‪ .. ( :‬ابنيت نفع اهلل هبا ‪ ،‬ووفقها ملا فيه صالحها دنيا‬
‫وأخرى ‪ ،‬شرعت يف حفظ القرآن سنة ‪ 813‬هـ ‪ ،‬وحفظت مقدمة التجويد‬
‫وعرضتها ‪ ،‬ومقدمة النحو ‪ ،‬مث حفظت طيبة‪ s‬النشر األلفية‪ ، s‬وحفظت‬
‫القرآن وعرضته حفظا بالقراءات العشر ‪ ،‬وأكملته يف الثاين عشر من ربيع‬

‫() هي هجيمة ‪ ،‬وقيل جهيمة بنت حيي األوصابية احلمريية ‪ ،‬أم الدرداء الصغرى ‪ ،‬زوجة‬ ‫‪2‬‬

‫أيب الدرداء – رضي اهلل تعاىل عنه – روت عن زوجها ‪ ،‬وعن كعب بن عاصم األشعري‬
‫‪ -‬رضي اهلل تعاىل عنهما ‪ -‬وأخذ عنها مجاعة من العلماء منهم ‪ :‬ابراهيم بن أيب عبلة ‪،‬‬
‫وعطية بن قيس ‪ ،‬ويونس بن هبرية ‪ ،‬وطلحة بن عبيد اهلل بن كريز ‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬ماتت بعد‬
‫سنة إحدى ومثانني وكانت من العابدات ‪ .‬انظر ترمجتها يف ‪" :‬األنساب" ج‪ 1‬ص‪229‬‬
‫و"صفة الصفوة" ج‪ 4‬ص‪ 295‬و "غاية النهاية يف طبقات القراء" ج ‪ 1‬ص ‪310‬‬
‫() حفصة بنت سريين أم اهلذيل الفقيهة األنصارية ‪ ،‬روت عن أم عطية ‪ ،‬وأم الرائح ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫وروى عنها أخوها حممد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأيوب ‪ ،‬وخالد احلذاء ‪ ،‬وابن عون ‪ ،‬وهشام بن‬
‫حسان ‪..‬‬
‫روي عن إياس بن معاوية قال ‪ :‬ما أدركت أحدا أفضله عليها ‪ ،‬وقال ‪ :‬قرأت القرآن ‪،‬‬
‫وهي بنت ثنيت عشرة سنة ‪ ،‬وعاشت سبعني سنة ؛ فذكروا له احلسن ‪ ،‬وابن سريين ؛ فقال‬
‫‪ :‬أما أنا فما أفضل عليها أحدا‪.‬‬
‫وقال مهدي بن ميمون ‪ :‬مكثت حفصة بنت سريين ثالثني سنة ال خترج من مصالها إال‬
‫لقائلة ‪ ،‬أو قضاء حاجة ‪ .‬قال الذهيب ‪ :‬توفيت بعد املائة ‪.‬‬
‫انظر ترمجتها يف ‪" :‬سري أعالم النبالء" ج‪ 4‬ص‪ 507‬و"صفة الصفوة" ج‪ 4‬ص‪25‬‬
‫() انظر ‪" :‬صفة الصفوة" ج‪ 4‬ص‪25‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪117‬‬
‫األول سنة ‪ 832‬هـ ‪ ،‬قراءة صحيحة ‪ ،‬جمودة ‪ ،‬مشتملة على مجيع وجوه‬
‫القراءات ‪ ،‬حبيث وصلت يف االستحضار إىل غاية ال يشاركها فيها أحد يف‬
‫وقتها ‪ ،‬وتعلمت العروض ‪ ،‬والعربية ‪ ...‬وقرأت بنفسها احلديث ‪ ،‬ومسعت‬
‫(‪)1‬‬
‫مين ‪ ،‬وعلي كثريا حبيث صار هلا فيه أهلية وافرة )‪.‬‬

‫() انظر ‪" :‬غاية النهاية يف طبقات القراء" البن اجلزري ج ‪ 1‬ص ‪310‬‬
‫‪1‬‬

‫‪118‬‬
‫َجزن يف احلديث الشريف ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ومن اللوايت أُجزن ‪ ،‬وأ َ‬
‫مؤمنة بنت عبد اهلل بن حيىي الفاسي‪ ، s‬أجازت لعبد اهلل بن عمر بن العز بن‬
‫(‪)1‬‬
‫مجاعة وغريه ‪.‬‬
‫ومجال النساء بنت أيب بكر أمحد بن أيب سعيد ‪ ،‬أجازت للفخر إمساعيل بن‬
‫عساكر ‪ ،‬وفاطمة بنت سليمان ‪ ،‬وتقي الدين سليمان ‪ ،‬وأيب بكر بن عبد‬
‫(‪)2‬‬
‫الدائم وابن سعد ‪ ،‬وغريهم ‪.‬‬
‫وعائشة بنت إمساعيل بن إبراهيم بن اخلباز مسع منها العراقي وغريه ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وأجازت لكثريين ‪ ،‬وآخر من أجازت له عبد الرمحن بن عمر القباين‪.‬‬
‫وزينب بنت أمحد كمال الدين بن عبد الرحيم ‪ ،‬أجاز هلا إبراهيم بن اخلري‬
‫(‪)4‬‬
‫وخلق من بغداد ‪ ،‬وأجازت لصالح الدين الصفدي وغريه‪.‬‬
‫واألمثلة على ذلك كثرية ‪ ،‬فال أطيل بسردها لعدم اتساع املقام لذلك ‪،‬‬
‫ومن أراد االستزادة من األمثلة فعليه بكتب‪ s‬الرتاجم والطبقات ‪ ،‬فسريى‬
‫العجب العجاب مما مل يكن يتوقعه كثريون‪ s‬من تصدر النساء يف العلم‬
‫(‪)5‬‬
‫واحلفظ‪.‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬

‫() انظر ‪" :‬الدرر الكامنة يف أعيان املائة الثامنة" ج ‪ 6‬ص ‪150‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪" :‬الوايف بالوفيات" ج ‪ 11‬ص ‪138‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪" :‬الدرر الكامنة يف أعيان املائة الثامنة" ج ‪ 3‬ص ‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪" :‬الوايف بالوفيات" ج ‪ 15‬ص ‪43‬‬ ‫‪4‬‬

‫() وقد ألفت رسائل جامعية متخصصة يف موضوع النساء اللوايت حفظن واللوايت روين‬ ‫‪5‬‬

‫احلديث وحنو ذلك ومن تلك الرسائل والبحوث ‪" :‬تراجم احملدثات من التابعيات‬

‫‪119‬‬
‫المبحث الثامن ‪ :‬بعض األخطاء الشائعة في تالوة القرآن الكريم ‪:‬‬
‫هناك بعض األخطاء الشائعة يف تالوة القرآن الكرمي أحببت التنبيه‪ s‬عليها‬
‫حىت يتجنبها طالب احلفظ ‪ ،‬ويبتعد عن الوقوع فيها ‪ ،‬ومن أمهها ‪:‬‬
‫‪ – 1‬عدم االعتناء بدراسة التجويد دراسة متقنة ‪:‬‬
‫إن أمهية علم التجويد بالنسبة ملن يرغب يف حفظ القرآن الكرمي ال ختفى ؛‬
‫فبمعرفته مييز الطالب بني أنواع‪ s‬املد ‪ ،‬وحكم كل نوع ‪ ،‬ومقداره ‪ ،‬ويعرف‬
‫الغنة ‪ ،‬ومراتبها ‪ ،‬ومقدارها ‪ ،‬ويتقن أحكاما مهمة كرتقيق املرقق ‪ ،‬وتفخيم‬
‫املفخم ‪ ،‬وخمارج احلروف وصفاهتا ‪ ،‬وحنو ذلك مما يلزم لقراءة القرآن‬
‫الكرمي ‪ ،‬فعلى طالب احلفظ أن يهتم بالتجويد النظري والتطبيقي ‪ ،‬وأن‬
‫يتقنهما حق اإلتقان ‪..‬‬

‫ومروياهتن يف الكتب الستة" رسالة ماجستري للطالبة عالية بنت عبد اهلل بالطو و‬
‫"الصحابيات األنصاريات يف مسند اإلمام أمحد" للطالبة مرمي ياسني فطاين وغريمها كثري‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ – 2‬تسهيل الهمزة بين بين ‪:‬‬
‫إن أحكام اهلمزة تعترب من أهم أبواب القراءة ومعرفتها وإتقاهنا أمر يف غاية‬
‫األمهية وخاصة ما يسميه القراء التسهيل ‪ ،‬أو التليني وهو عند اإلطالق‬
‫ينصرف إىل معنيني ‪ ،‬األول منهما ‪ :‬أنه يعين مطلق التغيري ؛ فيشمل التسهيل‬
‫بني بني واإلبدال واحلذف ‪ ،‬والثاين ‪ :‬أنه يعين التسهيل بني بني وال يدخل‬
‫فيه احلذف واإلبدال ‪ ،‬وتعريفه أنه النطق باهلمزة بني مهزة وحرف مد ‪ ،‬أي‬
‫جعل حرف خمرجه بني خمرج اهلمزة احملققة‪ s‬وخمرج حرف املد اجملانس‬
‫حلركتها ؛ فتنطق باملفتوحة بني اهلمزة احملققة‪ s‬واأللف ‪ ،‬وجتعل املكسورة بني‬
‫اهلمزة والياء املدية ‪ ،‬واملضمومة‪ s‬بني اهلمزة والواو املدية ‪ ،‬وهذا املعىن الثاين‬
‫هو الذي نعين هنا من أن الغلط فيه منتشر ‪ ،‬واألخطاء فيه شائعة ؛ فال بد‬
‫من االعتناء‪ s‬به والرتكيز عليه ‪ ،‬وقد رأيت من القراء من جيعل اهلمزة املسهلة‬
‫بني بني هاء خالصة ؛ بل أغرب من ذلك أن شارح كتاب "الدرر اللوامع"‬
‫نص يف شرحه املسمى "إرشاد القارئ والسامع" على أن العمل عندهم على‬
‫نطقها هاء خالصة ‪ ،‬وعزى ذلك لشيخ أشياخه الطالب عبد اهلل بن احلاج‬
‫الرقيق الذي قال ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يقرأ هاء خالصا ويقبل‬ ‫وما به العمل ذا املسهل‬
‫ورغم حبثي عن مستند ذلك يف كتب القراءة املعتمدة فإين مل أعثر على أحد‬

‫() انظر ‪" :‬إرشاد القارئ والسامع لكتاب الدرر اللوامع يف مقرأ اإلمام نافع" ص ‪40‬‬
‫‪1‬‬

‫‪121‬‬
‫قال هبذا القول (‪ ،)1‬وفيه من الشناعة‪ s‬ما هو واضح بني ‪ ،‬فتغيري حرف من‬
‫كتاب اهلل تعاىل بغري مستند من رواية أو لغة هو أمر ال ختفى خطورته ‪،‬‬
‫فعلى الذين يتعنتون‪ s‬ويصرون على النطق باهلمزة املسهلة هاء خالصة‬
‫معتمدين على هذه الرواية اليت ال يوجد هلا سند وال مستند ؛ أن يأتوا‪s‬‬
‫بربهاهنم على تغيري هذا احلرف من كتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬وإال فعليهم أن‬
‫يراجعوا أنفسهم ويعلموا أن الدين ال يؤخذ باآلراء واألهواء ‪ ،‬بل بالنقل‬
‫والعلم ‪ ،‬وخاصة ما كان متعلقا بكتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬فكيف نعتمد يف كتاب‬
‫ربنا على رواية أقوى ما عند أصحاهبا من األدلة عليها ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن أمحد بن الطالب اعمر إدوعيشي – رمحه اهلل تعاىل – قال إن العمل‬
‫عليها عند أهل منطقته وزمانه ‪ ،‬وهذا ال خيفى ضعف االستدالل به ألنه‬
‫يفتقر إىل التواتر وموافقة‪ s‬الرسم العثماين وموافقة وجه من أوجه اللغة‬
‫العربية‪.‬‬
‫ب – أنه نقلها عن شيخ أشياخه الطالب عبد اهلل بن احلاج الرقيق – رمحه‬
‫اهلل تعاىل – وهذا – أيضا ال خيفى سقوطه ‪.‬‬
‫ج – أن تلميذ هذا األخري أخرب األول أنه طالع شرح األخري على نظمه‬
‫الذي قدمنا منه البيت املتقدم‪ s‬؛ فوجده نسب إبداهلا هاء خالصة ال بن‬
‫القاضي ‪ ،‬وهذا أضعف من سابقيه ؛ ألنه رواية عن مطالعة تلميذ لشرح‬
‫شيخه الذي عزاها ال بن القاضي وهو انقطاع ظاهر بني ‪ ،‬وال يؤخذ يف‬
‫() راجع مثال ‪" :‬التلخيص يف القراءات الثمان" ص ‪ 56‬و "اإلستربق يف رواية اإلمام ورش‬
‫‪1‬‬

‫عن نافع من طريق األزرق" ص ‪ 43‬و "الوايف يف شرح الشاطبية" ص ‪84‬‬

‫‪122‬‬
‫كتاب اهلل تعاىل مبثل هذه األقاويل والروايات ‪ ،‬وما أظن نسبتها تصح إىل‬
‫هؤالء العلماء األفذاذ ‪ ،‬وغالب ظين أهنا إمنا وجدت يف املتأخرين عنهم واهلل‬
‫تعاىل أعلم‪.‬‬
‫‪ - 3‬حرف الضاد ‪:‬‬
‫من أهم األخطاء الشائعة عند كثري من الناس ؛ بل حىت عند بعض القراء‬
‫الكبار ‪ :‬عدم إخراج حرف الضاد من خمرجه ‪ ،‬وعدم إعطائه صفاته ‪،‬‬
‫فبعضهم جيعله داال ‪ ،‬والبعض‪ s‬خيرجه الما مفخمة ‪ ،‬وآخرون ينطقونه ظاء‬
‫خالصة ‪ ،‬وكل ذلك ال جيوز ؛ بل الواجب تدريب الطالب على نطق الضاد‬
‫كما هو ‪ ،‬وال بد من التمرن على ذلك ؛ فإن حرف الضاد هو أصعب‬
‫احلروف على اللسان كما نص على ذلك أئمة القراءة ‪ ،‬ولذلك فإين سأنبه‬
‫هنا على نقاط مهمة ‪:‬‬
‫أ – أن الضاد حرف عسري يصعب النطق به إال بالتمرن والتدريب املستمر ‪،‬‬
‫وقد نص على ذلك علماء القراءة ‪..‬‬
‫قال ابن اجلزري (‪ ... ( :)1‬والضاد انفرد باالستطالة ‪ ،‬وليس يف احلروف ما‬

‫() هو ‪ :‬حممد بن حممد بن حممد بن علي بن يوسف الشمس أبو اخلري ‪ ،‬ولد بعد صالة‬ ‫‪1‬‬

‫الرتاويح من ليلة السبت ‪ 15‬رمضان سنة ‪ 751‬هـ بدمشق ‪ ،‬حفظ القرآن وأكمله سنة‬
‫أربع وستني ‪ ،‬وصلى به يف اليت بعدها ‪ ،‬وحفظ التنبيه وغريه ‪ ،‬وأخذ القراءات‪ s‬إفرادا عن‬
‫عبد الوهاب بن السالر ‪ ،‬ومجعا على أيب املعايل بن اللبان ‪ ،‬وحج يف سنة مثان ؛ فقرأها‬
‫على أيب عبد اهلل حممد بن صلح خطيب طيبة وإمامها ‪ ،‬ودخل يف اليت تليها القاهرة ؛‬
‫فأخذها عن أيب عبد اهلل بن الصائغ تتلمذ عليه خالئق ‪ ،‬ألف النشر يف القراءات العشر مل‬

‫‪123‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يعسر على اللسان مثله )‪.‬‬
‫فدل ذلك على أن الضاد العربية ليست هذه اليت ينطق هبا كثري من الناس‬
‫اليوم‪ s‬؛ ألن الضاد املتداولة سهلة ينطقها العريب والعجمي بسهولة ويسر ‪،‬‬
‫وال حتتاج إىل مترن ‪ ،‬وليس يف نطقها مشقة على اللسان ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن حرف الضاد ليس هو حرف الظاء ‪ ،‬فيجب عدم اخللط بينهما ؛‬
‫ألن لكل واحد منهما خمرجه املختلف عن خمرج اآلخر ‪ ،‬ولكل منهما‬
‫صفاته فإن الضاد وإن احتد مع الظاء يف صفاته اخلمس إال أنه يزيد عليه‬
‫بصفة االستطالة ‪ ،‬وكفى هبا متييزا له يف الصفات عن الظاء ‪ ،‬مث إن لكل‬
‫منهما شكله الذي يكتب‪ s‬به والذي مييزه عن اآلخر ‪ ،‬فحصل بذلك أهنما‬
‫متغايران‪ s‬كليا ‪ ،‬وأن التسوية بينهما ال جتوز ‪..‬‬
‫ج – أن أقرب احلروف إىل الظاء هو الضاد ‪ ،‬وذلك الشرتاكهما يف مخس‬
‫صفات ‪ ،‬وأكرب دليل على تقارهبما حتذير القراء من اخللط بينهما ‪ ،‬فال تكاد‬
‫جتد كتابا يف التجويد إال وحيذر من جعل الضاد ظاء ‪ ،‬يف حني أنه ال حيذر‬
‫من جعله كافا أو راء وحنو ذلك ‪ ،‬فدل ذلك على أننا إذا نطقنا بالضاد‬
‫بطريقة صحيحة فإنه سيحصل عندنا حرف يشبه الظاء جدا ‪ ،‬ولكنه يف‬
‫نفس الوقت خمتلف عنه متام االختالف‪.‬‬

‫يصنف مثله ‪ ،‬وله أشياء أخر ‪ ،‬وختاريج يف احلديث ‪ ،‬وعمل جيد ‪ ،‬مات سنة ثالث‬
‫وثالثني ومثامنائة‬
‫انظر ترمجته يف ‪" :‬ذيل طبقات احلفاظ" ج‪ 1‬ص‪ 377‬و "الضوء الالمع" ج‪ 9‬ص‪255‬‬
‫() انظر ‪" :‬النشر يف القراءات‪ s‬العشر" ج ‪ 1‬ص ‪219‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪124‬‬
‫وهذه النقطة األخرية هي اليت غلط فيها كثري من القراء اليوم‪ ، s‬فلما رأى‬
‫كرباء القراء حيذرون من جعل الضاد ظاء ‪ ،‬ظن أن ذلك لتباعدمها ‪،‬‬
‫فحرصوا عند نطقهم بالضاد على عدم النطق مبا يشبه الظاء ‪ ،‬حذرا من‬
‫الوقوع فيما حذر منه األئمة من جعله ظاء ‪ ،‬فوقعوا يف خطأ فادح ؛ ألهنم‬
‫مل يفهموا أن حتذير القراء من ذلك إمنا بنوه‪ s‬على أساس معرفتهم بأن الضاد‬
‫ال ميكن أن يشتبه مع أي حرف سوى الظاء ‪ ،‬فحذروا من جعلهما حرفا‬
‫واحدا ‪ ،‬فدل ذلك حبد ذاته على تقارهبما جدا حبيث يصعب‪ s‬الفصل بينهما‬
‫إال ملاهر فصيح متمرن‪.‬‬
‫وهلذا السبب حصر ابن اجلزري – رمحه اهلل تعاىل – الفرق بني الظاء‬
‫والضاد يف نقطتني مها ‪ :‬صفة االستطالة اليت انفرد هبا الضاد من بني سائر‬
‫احلروف ‪ ،‬واملخرج الذي ال يشتبه مع خمرج الظاء ‪.‬‬
‫قال ابن اجلزري ‪ :‬والضاد باستطالة وخمرج ميز من الظاء ‪...‬‬
‫أي أنه لوال هذين الفرقني لكان الضاد ظاء خالصة‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫ولقد أحسن الشيخ باب ولد الشيخ سيدي الشنقيطي‪ –)1( s‬رمحه اهلل تعاىل‬
‫‪ -‬حني قال ‪:‬‬
‫ال الدال يشبه يف لفظ وال الطاء‬ ‫الضــاد حرف عسري يشبه الظاء‬
‫حلــن فشا منذ أزمان قد اتبعـت أبناؤها‪ s‬فيه أجدادا وآب ــاء‬
‫إلف العوائد فيه خبط عشـواء‬ ‫من غري مستند أصال وغايته ــم‬
‫واحلق أبلج ال خيفى على فطــن إن استضاء مبا يف الكتب‪ s‬قد جاء‬
‫هذا هو احلق نصا ال مرد ل ــه من شاء باحلق فليؤمن ومن شـاء‬
‫واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬

‫() هو العالمة حمي السنة وقامع البدعة سيدي باب بن سيدي حممد بن الشيخ سيدي ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ولد سنة ‪1277‬هـ ‪ ،‬وحفظ القرآن صغريا ‪ ،‬مث أخذ خمتلف العلوم على كثري من مشايخ‬
‫بلده منهم ‪:‬الشيخ أمحد بن ازوين ‪ ،‬والشيخ أمحد بن سليمان الدمياين ‪ ،‬والشيخ حممد بن‬
‫السامل البوحسين والشيخ حممد بن حنبل البوحسين ‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬وأخذ عنه العلم طالب‬
‫كثريون منهم ‪ :‬حممد املهابة بن سيدي حممد اجلملي وحممد بن أبو مدين وعبد الودود بن‬
‫عبد امللك ‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬ورغم أن أباه وجده كانا متصوفني فإن ذلك مل مينعه من حماربة‬
‫التصوف ‪ ،‬فكان من أكثر العلماء اشتهارا بذلك ‪ ،‬ونظم فيه أشعارا كثرية ‪.‬‬
‫ألف كتبا مفيدة منها ‪ :‬إرشاد املقلدين عند اختالف اجملتهدين ‪ ،‬وغريه ‪ ،‬تويف – رمحه اهلل‬
‫تعاىل – سنة ‪ 1342‬هـ‪.‬انظر ترمجته يف "السلفية وأعالمها يف موريتانيا" ص‪282‬‬

‫‪126‬‬
‫‪ – 3‬اإلمالة ‪:‬‬
‫كثري من طالب حفظ القرآن الكرمي خيطئ يف اإلمالة ‪ ،‬وال يأيت هبا على‬
‫الوجه الصحيح ‪ ،‬فال بد من دراسة اإلمالة ‪ ،‬ومعرفة كيفية أدائها على‬
‫الوجه الصحيح وتتوقف معرفتها على القراءة اليت يقرأ هبا الطالب ‪ ،‬فحفص‬
‫مثال ال مييل إال كلمة واحدة وهي كلمة ‪ ( :‬جمريها ) من قوله تعاىل ‪:‬‬
‫( وقال اركبوا‪ s‬فيها باسم اهلل جمريها (‪ ))1‬يف سورة هود ‪ ،‬أما بالنسبة لورش‬
‫فله أحكام أخرى يف اإلمالة ليس هذا حمل بسطها ‪ ،‬وهكذا بقية القراء لكل‬
‫منهم أحكام يف اإلمالة ؛ فال بد لطالب احلفظ من معرفة إمالة القراءة اليت‬
‫يقرأ هبا ‪ ،‬والفرق بني اإلمالة الكربى والصغرى ‪ ،‬ومساع ذلك من شيخ‬
‫خبري هبذا الشأن ‪ .‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫المبحث التاسع ‪ :‬خطة الحفظ المتقن ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬جدول الحفظ المقترح ‪:‬‬
‫التكرار لمدة ساعة‬ ‫التكرار لمدة‬
‫التكرار لمدة‬
‫قبل النوم بنصف‬ ‫من المغرب‬ ‫ونصف من بعد‬ ‫‪30‬د ربع ساعة‬
‫ساعة ونصف من‬
‫ساعة‬ ‫إلى العشاء‪.‬‬ ‫العصر إلى‬ ‫قبل الظهر وربع‬
‫بعد صالة الفجر‪.‬‬
‫المغرب‪.‬‬ ‫ساعة بعده ‪.‬‬
‫مراجعة ما‬
‫الدرس اليومي‬ ‫الدرس اليومي‬ ‫مراجعة ما حفظ‬ ‫الدرس اليومي‬
‫حفظ‬

‫‪ - 1‬يطبق هذا اجلدول يف مخسة أيام من األسبوع ‪ ،‬ويف يومي اخلميس‬


‫واجلمعة يتفرغ الطالب ملراجعة ما حفظ ‪ ،‬حىت ولو كان حيفظه بشكل متقن‬
‫() مع فتح امليم من "جمريها"‬ ‫‪1‬‬

‫‪127‬‬
‫؛ فإنه مطالب بتكراره مرات عديدة يف هذين اليومني ‪ ،‬وإن وجد حافظا‬
‫يسمعه عليه فحسن جدا‪.‬‬
‫‪ – 2‬جيب أن يستخدم الطالب مصحفا واحدا للحفظ ‪ ،‬وإذا مل جيد نفس‬
‫الطبعة يف وقت احلفظ فإين أنصحه مبراجعة ما حفظ قبل ذلك ‪ ،‬وأن ال‬
‫يأخذ طبعة أخرى ختتلف عن املعتمدة عنده يف احلفظ ؛ ليحفظ منها درسا‬
‫جديدا‪.‬‬
‫‪ – 3‬على الطالب أن يقرأ درسه اليومي على شيخ قبل أن يبدأ بتكراره ‪..‬‬
‫‪ – 4‬مقدار ما يستطيع الطالب أن حيفظ حيدده شيخه ‪ ،‬فبخربته وجتربته مع‬
‫الطالب يستطيع أن حيدد له مقدار احلفظ ‪ ،‬وجيب على الطالب أن يلتزم به‪.‬‬
‫‪ – 5‬جيب أن يستفيد الطالب من األوقات الضائعة‪ s‬كوقته يف السيارة ‪،‬‬
‫وحنو ذلك فرياجع فيها على نفسه‪.‬‬
‫‪ - 6‬بعد حفظ ربع القرآن الكرمي بواسطة استخدام طريقة هذا اجلدول ‪،‬‬
‫فإين أنصح الطالب بالتفرغ ملدة شهر ملراجعة ما حفظ ‪ ،‬وبنفس الطريقة‬
‫املذكورة أعاله‪ s‬أي املراجعة عن طريق التسميع للحفاظ واملشايخ ‪ ،‬وليس‬
‫باستخدام املصحف ‪ ،‬وإذا حفظ نصف القرآن كذلك ‪ ،‬وهكذا حىت ينهي‪s‬‬
‫القرآن الكرمي كامال ‪ ،‬مث يتفرغ ملراجعته ملدة سنة على األقل قبل أن يبدأ يف‬
‫حفظ أي منت آخر ‪ ،‬وتكون املراجعة بنفس الطريقة املذكورة‪.‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫الحفظ ‪:‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬نظام الوجبات المقترحة على طالب‬
‫العشاء‬ ‫الغداء‬ ‫الفطور‬ ‫الوقت‬
‫يشرب المقدار التالي قبل بداية‬
‫يأكل عشرة إلى‬
‫التكرار‬
‫عشرين تمرة واألفضل‬
‫قبل النوم ‪ :‬نصف‬ ‫( ‪3‬ملعقة شاي كبيرة من العسل‬
‫أن يكون من العجوة‬
‫لتر من حليب اإلبل‬ ‫الصيفي الطبيعي ‪ +‬كأس شراب‬ ‫اليوم األول‬
‫أو السكري ويكون‬
‫الطازج‬ ‫ماء بارد ) × ‪ 3‬يشرب هذا على‬
‫لحم الغنم من مكونات‬
‫الريق أي قبل أن يأكل أي شيء‬
‫وجبة الغداء‪.‬‬
‫‪ ،‬ثم يبدأ التكرار‪.‬‬
‫يأكل قبل النوم قرابة‬ ‫نصف ملعقة شاي صغيرة من‬
‫العشرين تمرة ثم‬ ‫يكون السمك من‬ ‫الحبة السوداء ‪ +‬نصف لتر من‬
‫اليوم الثاني‬
‫يشرب عليها ماء‬ ‫مكونات وجبة الغداء‪.‬‬ ‫أي حليب طازج ‪ 2 +‬ملعقة‬
‫متوسط البرودة‪.‬‬ ‫كبيرة من السكر‬
‫يأكل قبل النوم‬ ‫‪ 5‬مالعق كبيرة من الزبيب ‪+‬‬
‫بعض الحلويات ‪،‬‬ ‫يكون لحم اإلبل من‬ ‫نصف لتر من الماء البارد‪.‬‬
‫اليوم الثالث‬
‫ثم يشرب حليبا‬ ‫مكونات وجبة الغداء‪.‬‬ ‫واألفضل أن يصنع منه نقوعا في‬
‫طازجا‪.‬‬ ‫الليل ثم يشربه صباحا‪.‬‬

‫‪ – 1‬يطبق هذا اجلدول ما مل ينصح األطباء بتحذير منه ؛ ألنه قد ال يناسب‪s‬‬


‫بعض مرضى السكري ‪ ،‬وغريهم ‪.‬‬
‫‪ – 2‬ال يغين هذا اجلدول عن وجبات الطعام املعتادة ‪ ،‬ولكن يضاف هلا ‪،‬‬
‫مع االقتصاد يف األكل ‪ ،‬وقد قدمنا أضرار البطنة على الصحة عامة ‪ ،‬وعلى‬
‫احلفظ خاصة‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ - 3‬يظل هذا اجلدول دوريا ‪ ،‬فعند انتهاء اليوم‪ s‬الثالث يرجع إىل اليوم‪s‬‬
‫األول ‪ ،‬وذلك ملدة أسبوعني على األقل ‪ ،‬مث يرتكه ملدة أسبوع ‪ ،‬مث يعاوده‬
‫ملدة أسبوعني وهكذا ‪.‬‬
‫‪ – 4‬على الطالب أن يشرب بني الفينة واألخرى من ماء زمزم بنية احلفظ ‪،‬‬
‫وحياول أن خيلص النية‪ ، s‬وأن يتضلع منه ‪.‬‬
‫‪ – 5‬جيب أن يبتعد الطالب عن احلوامض ‪ ،‬واألمالح ‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪ – 6‬على الطالب أن يكثر من دعاء اهلل تعاىل أن ييسر عليه حفظ كتابه ‪،‬‬
‫والعمل به‪.‬‬
‫واهلل أعلم وأحكم‪.‬‬
‫وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثريا ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫الخاتمة ‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات ‪ ،‬والصالة‪ s‬والسالم على نيب الرمحة‬
‫الذي بشفاعته‪ s‬تقال العثرات ‪ ،‬وترفع الدرجات ‪ ،‬وعلى آله وصحبه من‬
‫أناروا بالقرآن دجى الظلمات ‪ ،‬وأداموا تالوة السور منه واآليات ‪ ،‬ومن‬
‫تبعهم بإحسان إىل يوم الدين وسلم تسليما كثريا ‪ ..‬أما بعد ‪:‬‬
‫فإنه ملا كان حفظ القرآن الكرمي وتالوته من أجل القربات ‪ ،‬وأفضل‬
‫الطاعات ‪ ،‬وملا كان تعلمه وتعليمه من أبرز أسباب اخلريية يف هذه األمة ‪،‬‬
‫أحببت أن أتعرض لفضل اهلل ‪ ،‬وأمد يدي لرمحته ؛ وأبسط ردائي لفضله ‪،‬‬
‫ومل ألتفت‪ s‬إىل كثرة ذنويب ؛ ألن فضله أكثر ‪ ،‬ومل أنظر إىل تقصريي ؛ ألن‬
‫رمحته أوسع ‪...‬‬
‫وما كان هديف من هذه األسطر والصفحات القليلة أن أحيط باملوضوع ‪،‬‬
‫وال أن أشبعه حقه من البحث والتدقيق ‪ ،‬ولكن مرادي كان منحصرا يف‬
‫إطالع‪ s‬املسلمني عامة ‪ ،‬وطلبة العلم خاصة على بعض األمور املهمة املتعلقة‪s‬‬
‫حبفظ كتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬وأن أبرز طريقة احلفظ عند جمتمع سال منه سيل‬
‫من احلفاظ ؛ فغمرت مياهه سكان املرتفع والقاع ‪ ،‬وسقت من عذهبا كثريا‬
‫من البقاع‪ ، s‬فأحببت أن يستفيد اجلميع من طريقتهم يف احلفظ ‪ ،‬مث يهذهبا‬
‫من أراد حسب الوسائل املتوفرة‪ s‬عنده ‪ ،‬ومتطلبات احلياة يف عصره ‪ ،‬على‬
‫أن يبقي‪ s‬جوهرها الذي أثبت الواقع حسن مفعوله ‪ ،‬وبرهن احلفاظ على‬
‫إيتائه أكله ‪..‬‬

‫‪131‬‬
‫وأرجو أن أكون قد وفقت ملقصودي ‪ ،‬ولكن اإلنسان مهما حاول فهو حمل‬
‫النقص‪ s‬والعثرات ‪ ،‬وخاصة إذا كانت بضاعته مزجاة ‪ ،‬فمن وجد صوابا‬
‫فهو من اهلل ‪ ،‬ومن وجد غري ذلك فهو من نفسي والشيطان ‪.‬‬
‫وإين أحببت وأنا أكتب هذه اخلامتة أن أبكي‪ s‬عهد احملاضر ودور العلم‬
‫الشرعي الصحيح مع الشاعر الشنقيطي‪ s‬الكبري أمحد ولد عبد القادر حني‬
‫قال يف قصيدته املشهورة ‪:‬‬
‫غض األزاهر والزمان شبــاب‬ ‫آه على عهد احملاضر واهلوى‬
‫ولكل عطر يف نداه هبـ ــاب‬ ‫ولكل واد ظله ومروجــه‬
‫وجالهلا جبماهلا منس ـ ــاب‬ ‫وتالوة‪ s‬القرآن تصعد للسمـا‬
‫وكأمنا أقالمها األخن ـ ــاب‬ ‫وكأمنا األلواح ظمأى بالضحى‬
‫يف هالة حيلو هبا الرتحـ ــاب‬ ‫واألصبحي مرابط ومبجــل‬
‫تنتابه الراحات واألتعـ ــاب‬ ‫ال يرجتي نقدا وال عونـا وال‬
‫لألصمعي وما انتقى األعــراب‪.‬‬ ‫وتثار ألف قصيدة وحكايـة‬
‫هذا واهلل أعلم وأحكم‪.‬‬
‫وصلى اهلل على نبينا حممد ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إىل‬
‫يوم الدين ‪ ،‬وسلم تسليما كثريا ‪.‬‬
‫كتبه الفقري إىل اهلل تعاىل ‪ ،‬الغين به ‪:‬‬
‫إبراهيم بن أب احلسين الشنقيطي ‪ -‬غفر اهلل تعاىل له ولوالديه – وقد أهنيت‬
‫كتابته يف ‪ 1427 - 3 – 17‬هـ يف مكة املكرمة حرسها اهلل تعاىل ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫املراجع ‪:‬‬

‫‪ .1‬القرآن الكرمي ‪.‬‬


‫‪ .2‬فتح القدير ‪.‬‬
‫‪ .3‬زاد املسري ‪.‬‬
‫‪ .4‬تفسري القرطيب ‪.‬‬
‫‪ .5‬تفسري ابن كثري‪.‬‬
‫‪ .6‬اإلتقان‪ s‬يف علوم القرآن‬
‫‪ .7‬مناهل العرفان ‪.‬‬
‫‪ .8‬مباحث يف علوم القرآن‪.‬‬
‫‪ .9‬الشاطبية‪s.‬‬
‫التلخيص يف القراءات الثمان‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫اإلستربق‪ s‬يف رواية اإلمام ورش عن نافع من‬ ‫‪.11‬‬
‫طريق األزرق‪.‬‬
‫النشر يف القراءات العشر‪.‬‬ ‫‪.12‬‬
‫الوايف يف شرح الشاطبية‪.‬‬ ‫‪.13‬‬
‫إرشاد القارئ والسامع لكتاب الدرر اللوامع‪.‬‬ ‫‪.14‬‬
‫الكتب‪ s‬الستة‪.‬‬ ‫‪.15‬‬
‫صحيح ابن حبان‪.‬‬ ‫‪.16‬‬
‫مستدرك احلاكم‪.‬‬ ‫‪.17‬‬

‫‪133‬‬
‫مسند اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫‪.18‬‬
‫مصنف ابن أيب شيبة‪.‬‬ ‫‪.19‬‬
‫فتح الباري‪.‬‬ ‫‪.20‬‬
‫تلخيص احلبري‪.‬‬ ‫‪.21‬‬
‫حتفة احملتاج‪.‬‬ ‫‪.22‬‬
‫خالصة البدر املنري‪.‬‬ ‫‪.23‬‬
‫ذيل تذكرة احلفاظ‪.‬‬ ‫‪.24‬‬
‫نصب الراية‪.‬‬ ‫‪.25‬‬
‫شرح النووي على صحيح مسلم‪.‬‬ ‫‪.26‬‬
‫املدونة الكربى‪.‬‬ ‫‪.27‬‬
‫احمللى‪.‬‬ ‫‪.28‬‬
‫املغين‪.‬‬ ‫‪.29‬‬
‫اجملموع‪.‬‬ ‫‪.30‬‬
‫بداية اجملتهد‪.‬‬ ‫‪.31‬‬
‫كفاية الطالب‪.‬‬ ‫‪.32‬‬
‫نيل األوطار‪.‬‬ ‫‪.33‬‬
‫سبل السالم‪.‬‬ ‫‪.34‬‬
‫احلاوي ‪.‬‬ ‫‪.35‬‬
‫عون املعبود‪.‬‬ ‫‪.36‬‬
‫مذكرة أصول الفقه‪.‬‬ ‫‪.37‬‬

‫‪134‬‬
‫أطفال املسلمني كيف رباهم النيب األمني‪.‬‬ ‫‪.38‬‬
‫املعلم املثايل‪.‬‬ ‫‪.39‬‬
‫طرق تدريس القرآن الكرمي ‪.‬‬ ‫‪.40‬‬
‫متشابه القرآن العظيم‪.‬‬ ‫‪.41‬‬
‫مهارات التدريس يف احللقات القرآنية‪.‬‬ ‫‪.42‬‬
‫مدارس الرتبية‪ s‬يف احلضارة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪.43‬‬
‫كيف حتفظ القرآن ‪.‬حممد بن علي العرفج ‪.‬‬ ‫‪.44‬‬
‫كيف حتفظ القرآن الكرمي ‪ .‬حيىي بن عبد‬ ‫‪.45‬‬
‫الرزاق الغوثاين‪.‬‬
‫صيد اخلاطر ‪.‬‬ ‫‪.46‬‬
‫البيان‪ s‬والتبيني‪.‬‬ ‫‪.47‬‬
‫جملة البيان‪s.‬‬ ‫‪.48‬‬
‫اإلصابة يف متييز الصحابة‪.‬‬ ‫‪.49‬‬
‫سري أعالم النبالء‪.‬‬ ‫‪.50‬‬
‫طبقات احلنفية‪. s‬‬ ‫‪.51‬‬
‫هدية العارفني ‪.‬‬ ‫‪.52‬‬
‫الطبقات الكربى‪.‬‬ ‫‪.53‬‬
‫الوايف بالوفيات‪.‬‬ ‫‪.54‬‬
‫الديباج املذهب‪.‬‬ ‫‪.55‬‬
‫طبقات احلفاظ ‪.‬‬ ‫‪.56‬‬

‫‪135‬‬
‫املعني يف طبقات احملدثني ‪.‬‬ ‫‪.57‬‬
‫اآلحاد واملثاين‪.‬‬ ‫‪.58‬‬
‫صفة الصفوة ‪.‬‬ ‫‪.59‬‬
‫البدر الطالع ‪.‬‬ ‫‪.60‬‬
‫طبقات الشافعية‪.‬‬ ‫‪.61‬‬
‫الوسيط يف تراجم أدباء شنقيط‪.‬‬ ‫‪.62‬‬
‫األنساب‪.‬‬ ‫‪.63‬‬
‫لسان العرب‪.‬‬ ‫‪.64‬‬
‫القاموس احمليط‪.‬‬ ‫‪.65‬‬
‫التعاريف‬ ‫‪.66‬‬
‫التعريفات ‪.‬‬ ‫‪.67‬‬
‫تاج العروس ‪.‬‬ ‫‪.68‬‬
‫النهاية‪ s‬يف غريب األثر‪.‬‬ ‫‪.69‬‬
‫خمتار الصحاح ‪.‬‬ ‫‪.70‬‬
‫الفقيه‪ s‬واملتفقه‪s‬‬ ‫‪.71‬‬
‫تذكرة السامع‪.‬‬ ‫‪.72‬‬
‫فهرست الموضوعات‬
‫الموضوع‬
‫الصفحة‬

‫‪136‬‬
‫املقدمة ‪9 ..........................................................‬‬
‫خطة الكتاب ‪11 ....................................................‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬تعريفات مهمة ‪15 ...................................‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬األدلة من الكتاب والسنة وعمل سلف األمة على الرتغيب‪s‬‬
‫يف حفظ القرآن الكرمي ‪19 ...........................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ : s‬من فوائد حفظ القرآن الكرمي ‪35 .....................‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬أمور أساسية تعني على حفظ كتاب اهلل تعاىل ‪45 .......‬‬
‫اخلطوات اليت تعني على احلفظ ‪47 ....................................‬‬
‫املطعومات اليت تساعد على احلفظ ‪51 .................................‬‬
‫أمور تضعف الذاكرة وتعيق عملية احلفظ ‪57 ...........................‬‬
‫املبحث اخلامس ‪ :‬التعريف بالشناقطة ‪63 ...............................‬‬
‫صفات الشيخ الذي يتوىل التدريس عند الشناقطة ‪....................‬‬
‫‪67‬‬
‫الصالحيات املمنوحة لشيخ احملضرة ‪75 ................................‬‬
‫شروط العقاب ‪76 ...................................................‬‬
‫العقاب عند الشناقطة ‪78 .............................................‬‬
‫سرد طريقة الشناقطة يف حفظ القرآن العظيم ‪84 .......................‬‬
‫فوائد القراءة اجلهرية ‪88 .............................................‬‬
‫أهم القواعد املتبعة يف احملضرة ‪93 .....................................‬‬
‫أقرب الطرق الرتبوية‪ s‬إىل طريقة الشناقطة ‪99 ..........................‬‬

‫‪137‬‬
‫مشكلة النسيان وكيف عاجلها الشناقطة ‪...........................‬‬
‫‪101‬‬
‫التغليظ يف نسيان القرآن بعد حفظه ‪...............................‬‬
‫‪102‬‬
‫بعض املآخذ على طريقة الشناقطة ‪109 ...............................‬‬
‫القول يف إجازة املرأة ‪112 ...........................................‬‬
‫بعض األخطاء الشائعة يف تالوة القرآن العظيم ‪118 ....................‬‬
‫املبحث التاسع ‪ :‬خطة احلفظ املتقن ‪125 ..............................‬‬
‫نظام الوجبات املقرتحة على طالب احلفظ ‪127 ........................‬‬
‫اخلامتة ‪129 .........................................................‬‬
‫املراجع ‪131 ...................................................... :‬‬

‫‪138‬‬

You might also like