You are on page 1of 270

‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 1‬عالء أحمد المهائمي‬

‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص‬


‫أو النصوص في تحقيق الطور المخصوص‬

‫وهو كتاب النصوص في تحقيق الطور المخصوص‬


‫لإلمام العارف صدر الدين القونوي‬

‫الشرح للشيخ عالء الدين علي بن أحمد المهائمي‬


‫المتوفي سنة ‪ 835‬ه‬

‫تحقيق الشيخ أحمد فريد المزيدي‬

‫‪1‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 2‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“‪“ ٢‬‬

‫‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 3‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“‪“ ٣‬‬

‫مقدمة التحقيق‬
‫الرحيم‬
‫الرحمن ه‬ ‫ّللا ه‬
‫بسم ه‬
‫الحمد هّلل الذي فتق رتق الوجود من فيض وجوده األقدس ‪ ،‬ومن غيبه إلى عالم الشهادة‬
‫في الوادي المقدس ‪ ،‬بنفخة إرادية من سر نفسه األنفس ‪ ،‬فعطرت وقطرت وأمطرت‬
‫بغيث الرحمة المنزلة في أرض الوجود ‪ ،‬فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج‬
‫بنور نار القبس ‪.‬‬
‫أحمده وأشكره على ما أولى وأنعم من وجود الحدث والقدم ‪ ،‬واستوى القدم على‬
‫الطريق األقوم المقدس ‪.‬‬
‫ّللا وحده ال شريك له الواحد األحد الساري في مراتب األعداد‬ ‫وأشهد أن ال إله إال ه‬
‫بأحدية ال مشاركة فيها وال تجلي وال قبس ‪.‬‬
‫وأشهد أن سيدنا محمدا الفاتح لسر الغيب من عين الغيب إلى الشهادة عبده ورسوله‬
‫ّللا عليه صالة األبد وعلى آله وصحبه وسلم بدوام النور والغلس‬ ‫المتجلي به له صلى ه‬
‫آمين ‪.‬‬
‫وبعد ‪ . .‬فهذا كتاب “ “ للشيخ المهايمي ‪ ،‬المتحقق بعلوم األكابر من المحققين مثل‬
‫الشيخ األكبر والشيخ القونوي والعفيف التلمساني ‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬
‫وقد ضمنه الشارح مسائل مهمة عالية في معرفة حقيقة التوحيد والنبوة والوالية ‪،‬‬
‫فكشف ما في النصوص من التباس وأبان ما خفي منه من دقائق مهمات ‪.‬‬
‫وقد شرح النصوص جمع من العلماء ليسوا بالكثير ‪ ،‬والسبب في ذلك ما حوته‬
‫النصوص من غموض ‪ ،‬ورقي في اللفظ والمعنى منبعثة من بحار التجلي والشهود ‪،‬‬
‫فليس لغواص يغوص في أعماقها إال من كان للخصوصية حينئذ معهود ‪.‬‬
‫ومنهم ‪:‬‬
‫‪-‬أسرار السرور بالوصول إلى عين النور في شرح النصوص ‪ ،‬إلبراهيم بن‬

‫‪3‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 4‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“‪“ ٤‬‬

‫إسحاق بن سليمان التبريزي ( تحت قيد التحقيق ) ‪.‬‬


‫ّللا الرومي نزيل أدونه من خلفاء جمال‬
‫‪-‬شرح النصوص ‪ ،‬لبايزيد خليفة ابن عبد ه‬
‫الخلوتي مات في حدود سنة ‪ 910‬ه ‪.‬‬
‫‪-‬شرح على النصوص لصدر الدين القونوي ‪،‬‬
‫للشيخ عبد الكريم بن أكمل الدين بن عبد الكريم بن محب الدين بن أبي عيسى أحمد بن‬
‫محمد قاضيخان العدني النهرواني القطبي الحنفي الصوفي توفي بها سنة ‪ 1055‬ه ‪.‬‬
‫‪-‬زبدة التحقيق ونزهة التوفيق في شرح النصوص ‪ ،‬لمحمد بن قطب الدين محمد‬
‫اإلزنيقي محيي الدين الرومي الحنفي المتوفى بأدرنة سنة ‪ 885‬ه ‪.‬‬
‫ّللا التوفيق والسداد لما فيه الخير والصالح للعباد ‪ ،‬وأن يحققنا بعلوم السادة‬
‫هذا ونسأل ه‬
‫األغواث األفراد ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان‬‫ّللا على سيدنا محمد وصلى ه‬ ‫وصلى ه‬
‫إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫***‬

‫‪4‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 5‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“‪“ ٥‬‬

‫ترجمة صاحب النصوص ‪-:‬‬

‫هو الشيخ محمد بن إسحاق بن محمد الرومي ‪ ،‬الصوفي ‪ ،‬العارف الكبير اإلمام‬
‫الشهير صدر الدين القونوي “ ‪ ، “ 1‬أجل تالمذة الشيخ محيي الدين ابن عربي قدس‬
‫ّللا سره ‪.‬‬
‫ه‬
‫كان عارفا على المقام ‪ ،‬متكلما بما تقتصر عنه األفهام ‪ ،‬وهو شيخ أهل الوحدة بقونية‬
‫وما واالها ‪.‬‬
‫كان يسلك طريق شيخه الحاتمي في جميع أحواله ومقاالته التي تفرد بها ‪ ،‬والوقوف‬
‫عند نص أقواله ‪ ،‬وكان بكتبه سيما الفتوحات مغري ‪ ،‬وهي أجود ما يعرفه ‪ ،‬وخير‬
‫دينار يخرجه من كيس معاليمه ويصرفه ‪.‬‬
‫وكان ذا حظ عند األكابر موفور ‪ ،‬وقبول تام ‪ ،‬كل ذنب معه عندهم مغفور ‪.‬‬
‫وله تصانيف في السلوك منها ‪:‬‬
‫‪-‬تبصرة المبتدئ وتذكرة المنتهى فارسي ‪.‬‬
‫‪-‬توجه األتم األعلى نحو الحق جل وعال ‪.‬‬
‫‪-‬جامع األصول رسالة في الحديث ‪.‬‬
‫‪-‬الرسالة المرشدية ‪.‬‬
‫‪-‬الرسالة الهادية ‪.‬‬
‫‪-‬فكوك النصوص في مستندات حكم الفصوص للشيخ األكبر ‪.‬‬
‫‪-‬اللمعة النورانية في مشكالت الشجرة النعمانية ‪.‬‬
‫‪-‬كشف السر ‪.‬‬
‫‪-‬كشف أستار جواهر الحكم المستخرجة الموروثة من جوامع الكلم في شرح األربعين‬
‫في التصوف للسلمي ‪.‬‬
‫‪-‬المفاوضات وهي أسئلة سئل عنها نصير الطوسي ‪ .‬مفتاح أقفال القلوب لمفاتيح‬
‫الغيوب ‪.‬‬
‫‪-‬المؤاخذات وأجوبتها لنصير الطوسي‪.‬‬
‫‪....................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬انظر ‪ :‬طبقات السبكي ( ‪ ، ) 45 / 8‬طبقات األولياء ( ‪ ، ) 467‬طبقات‬
‫الشعراني ( ‪ ، ) 203 / 1‬كرامات األولياء ( ‪ ، ) 133 / 1‬الكواكب الدرية ) ‪( 566‬‬
‫بتحقيقنا‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 6‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“‪“ ٦‬‬

‫‪-‬موارد ذوي االختصاص إلى مقاصد سورة اإلخالص ‪.‬‬


‫‪-‬النصوص في تحقيق الطور المخصوص ‪.‬‬
‫‪-‬نفثة المصدور وتحفة المشكور ‪.‬‬
‫“ ‪-‬شرح التجليات ‪“ .‬‬
‫‪-‬اإلعجاز والبيان في كشف أسرار القرآن ‪.‬‬
‫‪-‬كتاب “ النفحات اإللهية “ ‪“ “ . 1‬‬
‫“ ‪-‬مفتاح غيب الغيب ‪“ .‬‬
‫ّللا الحسنى ‪“ .‬‬
‫“ ‪-‬شرح أسماء ه‬
‫وحكى عن نفسه قال ‪ “ :‬اجتهد شيخي العارف ابن عربي أن يشرفني إلى المرتبة التي‬
‫يتجلى فيها الحق للطالب بالتجليات البرقية في حياته فما أمكنه ‪ ،‬فزرت قبره بعد موته‬
‫ورجعت ‪ ،‬فبينما أنا أمشي في الفضاء بين عدن وطرسوس ‪ ،‬في يوم صائف ‪،‬‬
‫ّللا وجالله وكبريائه ‪،‬‬
‫والزهور يحركها نسيم الصبا ‪ ،‬فنظرت إليها وتفكرت في قدرة ه‬
‫فشغفني حب الرحمن حتى كدت أغيب عن األكوان ‪ ،‬فتمثل لي روح الشيخ ابن عربي‬
‫في أحسن صورة كأنه نور صرف ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا مختار ‪ ،‬انظر إلى ‪ ،‬وإذا الحق جل‬
‫وعال تجلى لي بالتجلي البرقي من المشرق الذاتي ‪ ،‬فغبت مني به فيه على قدر لمح‬
‫البصر ‪ ،‬ثم أفقت حاال ‪ ،‬وإذا بالشيخ األكبر بين يدي ‪ ،‬فسلم سالم المواصلة بعد الفرقة‬
‫‪ ،‬وعانقني معانقة مشتاق ‪ ،‬وقال ‪ :‬الحمد هّلل الذي رفع الحجاب ‪ ،‬وواصل األحباب ‪،‬‬
‫وما خيب القصد واالجتهاد ‪ ،‬والسالم ‪“ .‬‬
‫ومن كالمه ‪ :‬كن فردهاني المقصد لكمال عبوديتك التي خلقك الحق لها ‪ ،‬فإني رأيت‬
‫عندك أمرا زائدا على هذه الوحدة في التوجه ‪ ،‬فالزائد علهة ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬المالبس إذا فصلت وخيطت في وقت رديء ‪ ،‬اتصل بها خواص رديئة ‪ ،‬وكذا‬
‫ما ورد التنبيه عليه في الشرع من شؤم المرأة والفرس والدار ‪ ،‬وشهد بصحته‬
‫التجارب المكررة ‪ ،‬فإن ذلك يؤثر في بواطن أكثر الناس ‪ ،‬بل ولو في ظواهرهم‬
‫خواص مضرة تعدى إلى نفسه وأخالقه وصفاته ‪ ،‬فيحدث بسبها للقلوب واألرواح‬
‫تلويثات هي من قسم النجاسات المعنوية‪.‬‬
‫‪.....................................................‬‬
‫) ‪( 1‬طبع بتحقيقنا‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 7‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“‪“ ٧‬‬

‫وقال ‪ :‬صور األعمال أعراض جواهرها مقاصد العمال وعلومهم واعتقاداتهم‬


‫ومتعلقات هممهم ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬الكرسي هو أرض الجنة وسقفها هو العرش ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬ال ريب عند المحققين بالتجربة المكررة والعلم المحقق ‪ ،‬إن اآلالم النفسانية‬
‫تخمد وهج القوى الطبيعية ‪ ،‬وتنعش القوى الروحانية الموجبة لتنوير الباطن ‪ ،‬فلذلك‬
‫ّللا عليه وسلهم الصبر يثمر الضياء ‪.‬‬
‫جعل المصطفى صلى ه‬
‫وقال ‪ :‬ليس في الوجود وقفة ألحد ‪ ،‬اإلنسان سائر إلى المرتبة التي قدر الحق أنها‬
‫غايته من مراتب الشقاء ‪ ،‬ومراتب السعادة ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬مس همى اإلنسان بالتعريف العام عبارة عن مجموع جسمه الطبيعي ‪ ،‬ونفسه‬
‫الحيوانية ‪ ،‬وروحه المجرد المدبر لهيكله ‪ ،‬فكل فعل صدر عنه من حيث جملته‬
‫المذكورة ‪ ،‬فلكل من الثالثة فيه دخل ‪.‬‬
‫ّللا تعالى وإعالمه ‪.‬‬
‫ّللا ‪ ،‬لكن قد يعلم بتعريف ه‬
‫وقال ‪ :‬الغيب ال يعلمه إال ه‬
‫وقال ‪ :‬من ثبتت المناسبة بينه وبين الك همل من أرواح األنبياء واألولياء ‪ ،‬اجتمع بهم‬
‫متى شاء ‪ ،‬يقظة ومناما ‪ ،‬وقد رأيت شيخنا ابن عربي مرارا ‪ ،‬كذلك وقع له مرارا ‪.‬‬
‫مات ب “ قونية “ سنة اثنين وسبعين وستمائة ‪.‬‬
‫وّللا حسبه حيث قال ‪ “ :‬كلب‬ ‫وكان شافعيها ‪ ،‬وقد أفحش ابن أبي حجلة في سبه ‪ ،‬ه‬
‫الروم ‪ ،‬وتلميذ ابن عربي المذموم ‪ ،‬زوجه أمه ‪ ،‬وخالف باتباعه األمة ‪ ،‬فجحد النعمة‬
‫‪ ،‬وزعم أنه يبرئ األكمه بالحكمة ‪ ،‬فزاد عليه بالسفه ‪ ،‬وتنزيل الحادة على قواعد‬
‫الفلسفة ‪ ،‬فضل وأضل ‪ ،‬وحل المربوط وربط المنحل ‪ ،‬وإليه تنسب الطائفة اإلسحاقية‬
‫فسحقا لهم ‪.‬‬
‫ومن تصانيفه ‪ :‬الفكوك الكثيرة الشكوك ‪ ،‬والنصوص التي خالف بها النص ‪ ،‬واطلع‬
‫بشرحها على كل عين أقبح فعمى ‪ ،‬فازداد بها مع عمى البصيرة ‪ ،‬وفتح بمفتاح غيب‬
‫الجمع باب شر ‪ ،‬فهو مثل شيخه السفيه ‪ ،‬وأقل من أن يكثر الكالم فيه “ ‪ ،‬وإلى هنا‬
‫كالمه األحمق ‪.‬‬
‫وعزره بسبب هذه القضية السراج الهندي قاضي قضاة‬ ‫ه‬ ‫وقد قامت عليه القيامة ‪،‬‬
‫الحنفية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 8‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“‪“ ٨‬‬

‫ترجمة الشارح‬
‫هو الشيخ العالمة المفسر المتكلم المحقق الصوفي الكبير عالء الدين ‪ :‬علي بن أحمد‬
‫بن إبراهيم بن إسماعيل المخدوم المهمائمي الدكني الهندي الحنفي الفقيه الصوفي ولد‬
‫سنة ‪ 776‬ه ‪.‬‬
‫وتوفي سنة ‪ 835‬خمس وثالثين وثمانمائة ‪.‬‬
‫مولده ووفاته في مهائم ( من بنادر كوكن ‪ ،‬وهي ناحية من الدكن ‪ -‬بالهند ‪ -‬مجاورة‬
‫للبحر المحيط ) والنوائت قوم في بالد الدكن ‪ ،‬قال الطبري ‪ :‬طائفة من قريش ‪،‬‬
‫خرجوا من المدينة خوفا من الحجاج بن يوسف ‪ ،‬فبلغوا ساحل بحر الهند وسكنوا به ‪.‬‬
‫من كتبه ‪:‬‬
‫‪-‬أدلة التأبيد شرح أدلة التوحيد ‪.‬‬
‫‪-‬أدلة التوحيد ‪.‬‬
‫‪-‬تبصير الرحمن وتيسير المنان بعض ما يشير إلى إعجاز القرآن في مجلدين ‪.‬‬
‫‪-‬رسالة في تفسير ألم ‪.‬‬
‫‪-‬الزوارف في شرح عوارف المعارف للشهاب السهروردي ‪.‬‬
‫‪-‬خصوص النعم شرح فصوص الحكم للشيخ األكبر ( بتحقيقنا ) ‪.‬‬
‫‪-‬إراءة الدقائق في شرح مرآة الحقائق ‪.‬‬
‫‪-‬مشارع الخصوص إلى معاني النصوص ( كتابنا هذا )‬
‫وانظر ‪ :‬هدية العارفين ( ‪ ، ) 388 / 1‬إيضاح المكنون ( ‪، ) 651 ، 614 ، 52 /‬‬
‫األعالم للزركلي ( ‪ ، ) 257 / 4‬معجم المؤلفين ( ‪) . 10 / 7‬‬
‫***‬

‫‪8‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 9‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“‪“ ٩‬‬

‫مشرع الخصوص إلى معاني النهصوص للصدر القونوي المتوفى ‪ 673‬هـ‬


‫تصنيف الشيخ اإلمام عالء الدين علي بن أحمد المهائمي المتوفى ‪ 835‬هـ‬
‫تحقيق الشيخ أحمد فريد المزيدي‬

‫‪9‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 10‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٠‬‬

‫‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 11‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١١‬‬

‫الرحيم‬
‫الرحمن ه‬
‫ّللا ه‬
‫بسم ه‬
‫مقدمة الشيخ الشارح‬
‫نور سماوات األسماء والصفات ‪ ،‬وأرض‬ ‫سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬يا من وجوده ه‬
‫أعيان الممكنات ‪ ،‬تألأل في مشكاة عدمها مصباح ظهورك ؛ الالئح من زجاجة حبك ‪،‬‬
‫الذي هو كوكب دري من شهودك ‪ ،‬توقد شجرة ربوبيتك المباركة ‪ ،‬بالجمع بين‬
‫اإلجمال والتفصيل ‪ ،‬الزيتونية بما لها من اإليجاد والتحصيل ‪ ،‬ال شرقية تكشف‬
‫السبحات ‪ ،‬وال غربية ترخي الحجبات ‪ ،‬يكاد زيت جمالك يضيء بالظهور ‪ ،‬ولو لم‬
‫تمسسه نار حبك المحرقة للستور ‪ ،‬وذاتك نور على نور ‪ ،‬تهدي لنورك من تشاء من‬
‫األحباء ‪ ،‬وتضرب األمثال للناس ؛ ليحصل لهم بك االستئناس ‪ ،‬وأنت بكل شيء عليم‬
‫‪ ،‬فما أعمى عنك مع غاية ظهورك إال من علمت من عينه أنه في عماه مقيم ‪ ،‬ص هل‬
‫ي من مصباح روحه نور سماوات األرواح وأرض األشباح ‪ ،‬قبل أن يتلمع بمشكاة‬ ‫عل ه‬
‫بدنه ‪ ،‬ويطلع على زجاجة قلبه ؛ الذي هو كوكب دري من تجلهي ربه ‪ ،‬يوقد من شجرة‬
‫نفسه المباركة بالجمع بين الوجوب واإلمكان ‪ ،‬الزيتونة بالسماوات على ثمرات‬
‫األعيان ‪ ،‬ال شرقية من المجردات ‪ ،‬وال غربية من المعلقات ‪ ،‬يكاد زيت نبوتها‬
‫سته ‪،‬‬‫يضيء بالكماالت ‪ ،‬ولو لم تمسسه نار الرياضة المقتضية ظهور اآليات إذا م ه‬
‫فنور على نور تهدي لنورك من تشاء من األنبياء واألولياء ‪ ،‬وتضرب األمثال للناس ؛‬
‫ليعلموا رتبته منك برفع حجب االلتباس ‪ ،‬وأنت بكل شيء عليم ‪ ،‬فما منعت عن اقتباس‬
‫نوره إال من علمت أنه باستعداده سقيم‪.‬‬
‫ّللا ممن‬‫وبعد ‪ . .‬فيقول أقل عبيد العلي الصمد علي بن أحمد بن علي بن أحمد ‪ -‬جعله ه‬
‫أسعد بسعادة األبد ‪ :‬لما كان باتفاق أهل البصيرة والعيان ‪ ،‬وإطباق ذوي العقل والبيان‬
‫‪ ،‬وأن اإلنسان خالصة األكوان ‪ ،‬مراد بالذات لرب البريات من بين جميع الموجودات‬
‫‪ ،‬خلق على صورته لمعرفته ولمحبته ‪ ،‬وهو كونه مظهرا مجمال مفصال ألفعاله‬
‫وصفاته وذاته ‪ ،‬فما في سائر الحضرات مقدمات ومتمهات لما فيه من الكماالت ‪ ،‬فال‬
‫ب هد له إال ‪ ،‬وال ب هد من همة تعليه إلى ماله في عليين من معاني الدرجات ‪ ،‬وال تهمله‬
‫لتنزعه همته إلى أدنى من درجة البهائم والجمادات ‪ ،‬وذلك باستنارة سماء باطنه‬
‫وأرض ظاهره بمصباح العقل الفعلي ‪ ،‬من‬

‫‪11‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 12‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٢‬‬

‫نار العقل الفعال ‪ ،‬بعد صفاء زيتونة فكره بزيت الحدس عن مالبسة الوهم والخيال ‪،‬‬
‫وتنور مشكاة العقل الهيوالني ‪ ،‬وزجاجة العقل الملكي ؛ بنور العقل المستفاد من‬
‫العوالي ؛ بحيث تصير قوته القدسية يكاد زيتها يضيء باألسرار ؛ ولو لم تمسسه من‬
‫التعليم والرياضة نار ‪ ،‬وذلك هو نور المكاشفة الالئح منه عين اليقين ‪ ،‬صافيا عن‬
‫ظلومات شبه الفالسفة والمتكلمين ؛ على أن حججهم ال تفيد كشف الحقائق ‪ ،‬كما‬
‫اعترف بذلك اإلمامان الغزالي والرازي ‪ -‬وقد فاقا وفاقا فيهما أكثر الخالئق ‪ ،‬واألمر‬
‫ما بالغ السلف في النهي عنهما ‪ ،‬والتشديد على من يتعاطي تعلمهما وتعليمهما ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬لوال النظر لم يتميز الصافي عند الكدر ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬بعد قطع العالئق ورفع العوائق ‪ -‬إن صار ضروريها ‪ ،‬وقد جاز انقالب النظر‬
‫إليه ؛ فال نزاع ؛ وإال فالمميز شواهد الكتاب والسنة وإجماع األمة ‪ ،‬ثم إرشاد الشيخ‬
‫المعروف باستقامة الطريقة وكمال البصيرة ‪.‬‬
‫نعم ‪ . .‬قد يفيد النظر حل ما تحير فيه السالك من مقامات ‪ ،‬بواسطة ما استفاد من هذا‬
‫العلم من الملكات ‪ ،‬ولما كان كتاب النصوص مما أبرزه الشيخ المحقق ‪ ،‬قدوة أهل‬
‫الخصوص ‪ ،‬سلطان المحققين ‪ ،‬كهف المدققين ‪ ،‬إمام أئمة العارفين من ورثة‬
‫المحمديين ‪ ،‬صدر الحق والحقيقة والدين محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف‬
‫ّللا عنه وأرضاه به منه ؛ مشرقا بشموس هذا العلم ‪ ،‬مظهرا ألزهاره ‪،‬‬ ‫القونوي رضي ه‬
‫جامعا لكليات أشجاره الشاملة ‪ ،‬على كل صنف من أحلى ثماره ‪ ،‬كاشفا للطائف‬
‫أسراره مما أودع جوامع ألفاظه من أنواع أنواره ‪ ،‬ولم أر له شرحا أصال فضال عما‬
‫يفي بحل ألفاظه ومعانيه ‪ ،‬ويستوفي بمقاصده ومبانيه ‪ ،‬فألجأني األمر اإللزامي‬
‫والتوفيق اإللهي أن أعلق به شرحا يفيد قلوب طالبه في هذه المطالب ‪ ،‬مع أن‬
‫ى الباب ‪ ،‬ويصدني من االقتراب ‪ ،‬إذ هو الكتاب المكنون الذي ال‬ ‫قصوري يسد عل ه‬
‫يمس أبكاره إال المطهرون ‪ ،‬وال يكشف أسراره إال المقربون ؛ لكن سبقت قصوري‬
‫ّللا الواسع المنان ‪ ،‬حتى غوصني في بحر كرمه ؛ الستخراج ما فيه من اللؤلؤ‬ ‫رحمة ه‬
‫والمرجان ‪ ،‬وألهمني أن ألقبه ‪ “ :‬مشرع الخصوص إلى معاني النصوص “ ‪ ،‬وأسأله‬
‫من فضله العظيم ومنه القدير أن يزين قلمي ‪ ،‬بأن يصب عليه زالل الصواب ؛ حتى‬
‫يتعطش إليه جمهور الطالب ‪ ،‬ويجعله لي نورا يهديني به إلى حسن المآب ؛ بحيث‬
‫يكون مظهرا ألسمائه‬

‫‪12‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 13‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٣‬‬

‫الكريم المنعم الوهاب ‪.‬‬


‫ولنقول أوال بمقدمة تكسر سورة االرتياب في مسألة التوحيد ؛ التي هي المقصد األعلى‬
‫من الكتاب ‪ ،‬بما يدل عليها من أدلة الكتاب والسنة وأقوال األئمة ؛ الذين هم عند‬
‫جمهور المتأخرين من أرباب الصواب ‪ ،‬ومن البراهين العقلية التي يسارع إلى قبولها‬
‫أذهان أولي األلباب ‪ ،‬ورفع أكثر الشبهات التي صدت عنها أهل الحجاب ‪،‬‬
‫فهي فصول ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬في األدلة النهقلية ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬في العقلية ‪.‬‬
‫وّللا ولي الحسنات ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬في رفع الشبهات ‪ ،‬ه‬
‫***‬

‫‪13‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 14‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٤‬‬

‫[ مقدمة الكتاب ] ‪،‬‬


‫وفيها ثالثة فصول ]‬

‫الفصل األول ‪ :‬في األدلة النقلية‬


‫اعلم أن التوحيد هو الحكم بثبوت الوحدة هّلل تعالى ‪ ،‬وهو مما اتفق عليه جمهور العقالء‬
‫خص المحققون بمعرفة مبدأه ومناط ثبوته لموضوعه ‪ ،‬وهو الوجود المحيط‬ ‫ه‬ ‫؛ لكن‬
‫ّللا عليه وسلهم ‪ ،‬والسلف‬ ‫بالكل استنباطا من القرآن الكريم ‪ ،‬وأقوال نبيه العظيم صلى ه‬
‫الذين هم سراج الصراط المستقيم ‪ ،‬مع ما منحوا من اإللهام والحدث ‪ ،‬والفكر المؤيد‬
‫بنور القدس عند صفاء النفس‪.‬‬
‫ّللا َإ هن ه َ‬
‫ّللا‬ ‫ّلل ْال َم ْش َر ُق َو ْال َم ْغ َر ُ‬
‫ب فَأ َ ْينَما ت ُ َولُّوا فَث َ هم َو ْجهُ ه َ‬ ‫أما من القرآن فقوله تعالى ‪َ :‬و َ ه َ‬
‫ق َوفَي أ َ ْنفُ َس َه ْم َحتهى يَتَبَيهنَ لَ ُه ْم أَنههُ‬ ‫سنُ َري َه ْم آياتَنا فَي ْاآلفا َ‬ ‫ع َلي ٌم [ البقرة ‪َ ، ] 115 :‬‬ ‫وا َس ٌع َ‬
‫قاء َر َبه َه ْم أَال‬‫ش َهي ٌد * أَال َإنه ُه ْم فَي َم ْريَ ٍة َم ْن َل َ‬ ‫ش ْيءٍ َ‬ ‫على ُك َهل َ‬ ‫ف َب َر َبه َك أَنههُ َ‬ ‫ْال َح ُّق أ َ َولَ ْم يَ ْك َ‬
‫الظا َه ُر َو ْال َ‬
‫باط ُن‬ ‫يط [ فصلت ‪ُ ، ] 54 ، 53 :‬ه َو ْاأل َ هو ُل َو ْاآل َخ ُر َو ه‬ ‫ش ْيءٍ ُم َح ٌ‬ ‫َإنههُ َب ُك َهل َ‬
‫يب [ البقرة ‪:‬‬ ‫ع َنهي فَإَ َنهي قَ َر ٌ‬ ‫سأَلَ َك َعبادَي َ‬ ‫ع َلي ٌم [ الحديد ‪َ ، ] 3 :‬وإَذا َ‬ ‫ش ْيءٍ َ‬ ‫َو ُه َو بَ ُك َهل َ‬
‫ب إَلَ ْي َه َم ْن َح ْب َل ْال َو َري َد [ ق ‪َ ، ] 16 :‬ون َْح ُن أ َ ْق َر ُ‬
‫ب إَلَ ْي َه َم ْن ُك ْم َول َك ْن‬ ‫‪َ ، ] 186‬ون َْح ُن أ َ ْق َر ُ‬
‫ْص ُرونَ [ الواقعة ‪َ ، ] 85 :‬و ُه َو َمعَ ُك ْم أَيْنَ ما ُك ْنت ُ ْم [ الحديد‪:‬‬ ‫ال تُب َ‬
‫ّللا َرمى [ األنفال ‪ . . ] 17 :‬إلى غير ذلك مما ال‬ ‫ْت َول َك هن ه َ‬ ‫ْت َإ ْذ َر َمي َ‬ ‫] ‪َ ،4‬وما َر َمي َ‬
‫ينحصر من اآليات الكريمات‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلهم ‪ “ :‬أصدق كلمة قالتها العرب ؛ كلمة لبيد ‪ :‬أال كل‬ ‫وأما أقواله صلى ه‬
‫ّللا باطل “ “ ‪“ .1‬‬ ‫شيء ما خال ه‬
‫ّللا عليه وسلهم ‪ “ :‬إن أحدكم إذا قام إلى الصالة فإنما يناجي ربه ‪ ،‬وإن‬ ‫وقوله صلى ه‬
‫ربه بينه وبين القبلة ؛ فال يبصقن أحدكم قبل قبلته ؛ ولكن عن يساره أو تحت قدمه‬
‫“ “ ‪“ .2‬‬
‫‪.................................................................‬‬
‫) ‪ ( 1‬رواه ابن راهويه في مسنده ( ‪ ، ) 362 / 1‬وذكره المناوي في فيض القدير‬
‫‪( 1 / 524 ) .‬‬
‫) ‪( 2‬رواه البخاري‪( 1 / 160 ) .‬‬

‫‪14‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 15‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٥‬‬

‫ي بالنوافل حتى‬ ‫ّللا تعالى ‪ “ :‬ما يزال عبدي يتقرب إل ه‬ ‫ّللا عليه وسلم عن ه‬ ‫وقوله صلى ه‬
‫أحبه ‪ ،‬فإذا أحببته ‪ ،‬كنت سمعه الذي يسمع به ‪ ،‬وبصره الذي يبصر به ‪ ،‬ويده التي‬
‫يبطش بها ‪ ،‬ورجله التي يمشي بها “ “ ‪“ . 1‬‬
‫ّللا تعالى يقول يوم القيامة ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬مرضت‬ ‫ّللا عليه وسلهم ‪ “ :‬إن ه‬ ‫وقوله صلى ه‬
‫فلم تعدني ‪ . .‬إلى آخره “ “ ‪“ . 2‬‬
‫ّللا عليه وسلهم ‪ “ :‬اربعوا على أنفسكم إنكم ال تدعون أص هما وال غائبا‬ ‫وقوله صلى ه‬
‫عنكم ‪ ،‬تدعون بصيرا ‪ ،‬وهو معكم والذين تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته‬
‫“ “‪“.3‬‬
‫وروى الترمذي في حديث طويل ‪ “ :‬والذي نفس محمد بيده ؛ لو أنكم دلهيتم بحبل إلى‬
‫ّللا ‪ ،‬ثم قرأ ‪ :‬هو األول واآلخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء‬ ‫األرض لهبط على ه‬
‫عليم “ “ ‪ ، “ 4‬إلى غير ذلك من األحاديث الصحيحة ؛ وإنما هأولها جمهور العلماء‬
‫فرارا من الشبهات ‪ ،‬وسنرفعها ‪ ،‬فال حاجة إلى تلك التأويالت ‪.‬‬
‫ّللا‬
‫وأما من أقوال األئمة ؛ فمنها ما قال اإلمام حجة اإلسالم أبو حامد الغزالي ‪ -‬قدهس ه‬
‫روحه ‪ -‬في الباب الثالث من كتاب التالوة من “ اإلحياء “ ‪ :‬فمن عرف الحق رآه في‬
‫كل شيء ‪ ،‬إذ كل شيء هو منه وإليه وبه وله ‪ ،‬فهو الكل على التحقيق ‪ ،‬ومن ال يراه‬
‫في كل ما يراه ؛ فكأنه ما عرفه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬بل التوحيد الخالص أن ال يرى في كل‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫شيء إال ه‬
‫وفي كتاب ‪ ( :‬الصبر والشكر منه ) ‪ ،‬في بيان طريق كشف الغطاء عن الشكر ‪،‬‬
‫يعرفك قطعا أنه‬‫ونقول هاهنا نظران ‪ :‬نظر بعين التوحيد المحض ‪ ،‬وهذا النظر ه‬
‫الشاكر وأنه المشكور ‪ ،‬وأنه المحب وأنه المحبوب ‪ ،‬وهذا نظر من عرف أنه ليس في‬
‫الوجود غيره ‪ ،‬وأن كل شيء هالك إال وجهه ‪ ،‬وإن ذلك صدق في كل حال أزال‬
‫وأبدا ‪.‬‬
‫النظر الثاني ‪ :‬وليس في الوجود إال موجود واحد وموجد ‪ ،‬فالموجد حق والموجد باطل‬
‫من حيث هو هو ‪ ،‬والموجود قائم وقيوم ‪ ،‬والموجد هالك وفان ‪ ،‬وإذا كان كل من‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه البخاري ( ‪ ، ) 2384 / 5‬والطبراني في األوسط ‪( 9 / 139 ) .‬‬
‫) ‪( 2‬رواه مسلم ( ‪ ، ) 1990 / 4‬وابن حبان في الصحيح ‪( 1 / 503 ) .‬‬
‫) ‪( 3‬رواه البزار في مسنده ‪( 8 / 19 ) .‬‬
‫) ‪( 4‬ذكره القرطبي في التفسير‪( 1 / 260 ) .‬‬

‫‪15‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 16‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٦‬‬

‫عليها فان ‪ ،‬فال يبقى إال وجه ربك ذو الجالل واإلكرام ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬إن ك هحل بصره بما يزيد في أنواره فيقل عمشه ‪ ،‬وبقدر ما يزيد في بصره‬
‫ّللا ‪ ،‬فإن بقي في سلوكه كذلك ؛ فال يزال يفضي به‬ ‫يظهر له من نقصانه ما أثبته سوى ه‬
‫ّللا ‪ ،‬فيكون قد بلغ‬
‫ّللا ‪ ،‬فال يرى إال ه‬‫النقصان إلى المحو ‪ ،‬فينمحي عن رؤية ما سوى ه‬
‫ّللا ؛ دخل في أوائل التوحيد ‪.‬‬ ‫كمال التوحيد ‪ ،‬وحيث أدرك نقصانا في وجود ما سوى ه‬
‫ثم قال في ( كتاب الرجاء والخوف منه ) ‪ ،‬في بيان درجة الخوف واختالفه في القوة‬
‫والضعف ‪ :‬فإن أثمر الورع فهو أعلى ‪ ،‬وأقصى درجاته أن يثمر درجات الصديقين ‪،‬‬
‫ّللا تعالى فيه‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬حتى ال يبقى لغير ه‬ ‫وهو أن يسلب الظاهر والباطن مما سوى ه‬
‫متسع ‪.‬‬
‫ثم قال في كتاب ( التوحيد والتوكل ) ‪ ،‬في بيان حقيقة التوحيد الذي هو أصل التوكل ‪:‬‬
‫لب اللب ‪ ،‬وإلى قشر ‪ ،‬وإلى قشر‬ ‫للتوحيد أربع مراتب ‪ ،‬وهو ينقسم إلى لب ‪ ،‬وإلى ه‬
‫القشر ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬والرابعة أال يرى في الوجود إال واحدا ‪ ،‬وهو مشاهدة الصديقين ‪.‬‬
‫يتصور أال يشاهد إال واحدا ‪ ،‬وهو يشاهد السماء واألرض‬ ‫ه‬ ‫ثم قال ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬كيف‬
‫وسائر األجسام المحسوسة ‪ ،‬وهي كثيرة ‪ ،‬فكيف يكون الكثير واحدا ؟ ثم قال في‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫إن الشيء قد يكون كثيرا بنوع مشاهدة واعتبار ‪ ،‬ويكون واحدا بنوع آخر من المشاهدة‬
‫أن اإلنسان كثيرا ما التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه‬ ‫واالعتبار ‪ ،‬وهذا كما ه‬
‫وعظامه وأحشائه ‪ ،‬وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد ‪ ،‬إذ نقول ‪ :‬إنه إنسان‬
‫واحد فهو باإلضافة إلى اإلنسانية واحد ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬فكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة‬
‫‪ ،‬فهو باعتبار واحد من االعتبارات واحد ‪ ،‬وباعتبارات أخرى سواها كثير ‪ ،‬بعضها‬
‫ّللا عليه وسلم لبيدا ‪.‬‬
‫أشد كثرة من بعض ‪ ،‬ثم استشهد بتصديقه صلى ه‬
‫ثم قول سهل ‪ :‬يا مسكين كان ولم تكن ‪ ،‬ويكون وال تكون ‪ ،‬فلما كنت اليوم صرت‬
‫تقول أنا ‪ ،‬وأنا ‪ ،‬كن اآلن كما لم تكن ‪ ،‬فإنه اليوم كما كان ‪.‬‬
‫ثم قال في كتاب ( المحبة والشوق منه ) ‪ ،‬في بيان سبب قصور أفهام الخالئق عن‬

‫‪16‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 17‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٧‬‬

‫ّللا تعالى ‪ .‬ثم قال ‪ :‬فإن ما‬


‫ّللا تعالى ‪ :‬اعلم أن أظهر الموجودات وأجالها هو ه‬
‫معرفة ه‬
‫تقصر عن فهمه عقولنا فله سببان ‪ :‬أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه ‪ ،‬وذلك ال يخفى‬
‫مثاله ‪ ،‬واآلخر ‪ :‬ما يتناهى وضوحه ‪ ،‬وهذا كما أن الخفهاش يبصر بالليل وال يبصر‬
‫بالنهار ‪ ،‬ال لخفاء النهار واستتاره ؛ لكن لشدة ظهوره ‪ ،‬فكذلك عقولنا ضعيفة ‪ ،‬وجمال‬
‫الحضرة اإللهية في نهاية اإلشراق واالستنارة ‪ ،‬وفي غاية االستغراق والشمول ‪ ،‬حتى‬
‫لم يشذ عن ظهوره ذرة في ملكوت السماوات واألرض ‪ ،‬فصار ظهوره سبب خفائه ؛‬
‫فسبحان من احتجب بإشراق نوره ‪ ،‬واختفى عن البصائر واألبصار بظهوره ‪ ،‬وال‬
‫تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور ؛ فإن األشياء تستبان بأضدادها ‪ ،‬وما عم وجوده‬
‫حتى أنه ال ض هد له عسر إدراكه ‪.‬‬

‫فاّلل تعالى هو أظهر األمور ‪ ،‬وبه ظهرت األشياء كلها ‪ ،‬فلو كان له عدم أو‬ ‫ثم قال ‪ :‬ه‬
‫غيبة أو تغير ؛ ال نهدمت السماوات واألرض ‪ ،‬وبطل الملك والملكوت ‪ ،‬وألدرك به‬
‫التفرقة بين الحالين ‪ ،‬ولو كانت بعض األشياء موجودة به ‪ ،‬وبعضها موجودة بغيره ؛‬
‫ألدركت التفرقة بين الشيئين في الداللة ؛ ولكن داللته عامة في األشياء على نسق واحد‬
‫‪ ،‬ووجوده دائم في األحوال يستحيل خالفه ‪ ،‬فال جرم أورثت شدة ظهوره خفاء ‪ ،‬فهذا‬
‫هو السبب في قصور األفهام ‪ ،‬فأما من قويت بصيرته ولم تضعف همته ؛ فإنه في‬
‫ّللا ‪ ،‬ويعلم أنه ليس في الوجود إال‬
‫ّللا ‪ ،‬وال يعرف غير ه‬‫حال اعتدال أمره ال يرى إال ه‬
‫ّللا ‪ ،‬وأفعاله أثر من آثار قدرته ‪ ،‬فهي تابعة له ‪ ،‬فال وجود بالحقيقة دونه ؛ وإنما‬
‫ه‬
‫الوجود للواحد الحق الذي به وجود األفعال كلها ‪ .‬ومن هذا حاله ‪ ،‬فال ينظر في شيء‬
‫من األفعال إال ويرى فيه الفاعل ‪ ،‬ويذهل عن الفعل من حيث أنه سماء وأرض‬
‫وحيوان ونبات وشجر ‪.‬‬

‫ّللا ‪ ،‬بل ال ينظر إلى نفسه من حيث‬ ‫ثم قال ‪ :‬وكان هو الموحد الحق الذي ال يرى إال ه‬
‫ّللا ؛ فهو الذي يقال فيه ‪ :‬أنه فني في التوحيد ‪ ،‬وأنه فني‬‫نفسه ‪ ،‬بل من حيث أنه عبد ه‬
‫عن نفسه ‪ ،‬وإليه اإلشارة بقول من قال ‪ :‬كنا بنا ‪ ،‬ففنينا عنا ‪ ،‬فبقينا بال نحن ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫ولذلك قيل ‪:‬لقد ظهرت فما تخفى على أحد * هإال على أكمه ال يعرف القمرا‬
‫لكن بطنت بما أظهرت محتجبا * فكيف يعرف من بالعين استترا‬

‫‪17‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 18‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٨‬‬

‫إلى غير ذلك من المواضع الصريحة وغيرها‪.‬‬


‫ّللا تعالى “ ‪ ،‬في‬ ‫ومنها ما قال إمام العلماء فخر الدين الرازي ‪ ،‬في “ شرح أسماء ه‬
‫الفصل السادس من المقدمات في الكالم ‪ ،‬على قوله ‪ :‬أعوذ بك منك‪:‬‬
‫وفيه لطائف ‪ :‬األولى ‪ :‬معناه أنه لو كان هاهنا غيرك ال ستعذت به خوفا منك ؛ لكنه‬
‫ليس في الوجود إال أنت ‪ ،‬فال استعذت منك إال بك‪.‬‬
‫ثم قال في تفسيره هو ‪ :‬فأما لفظ هو ‪ ،‬فهو نصيب المقربين السابقين ‪ ،‬الذين هم أرباب‬
‫النفوس المطمئنة ؛ وذلك ألن لفظ هو إشارة ‪ ،‬واإلشارة تفيد تعيين المشار إليه ‪ ،‬بشرط‬
‫أن ال يحضر هناك شيء سوى ذلك الواحد ‪ ،‬فأما إن حضر هناك شيئان ‪ ،‬لم تكن‬
‫اإلشارة وحدها كافية في التعيين ‪ ،‬والمقربون ال يحضر في عقولهم وأرواحهم موجود‬
‫آخر سوى األحد الحق لذاته ‪ ،‬واعلم أن الحق هو الموجود ‪ ،‬والباطل هو المعدوم‪.‬‬
‫ش ْيءٍ‬‫ّللا تعالى ‪ُ :‬ك ُّل َ‬
‫ثم قال ‪ :‬فإذا كل ممكن فهو من حيث هو باطل وهالك ؛ ولهذا قال ه‬
‫ها َل ٌك َإ هال َو ْج َههُ [ القصص ‪ ، ] 88 :‬ولهذا المعنى يقول العارفون ‪ :‬ال موجود في‬
‫ّللا‪.‬‬
‫الحقيقة إال ه‬
‫ثم قال في تفسير الحق ‪ ،‬في تأويل قول الحالج ‪ “ :‬أنا الحق “ “ ‪ : “ 1‬إنها بينا‬
‫بالبرهان النيهر ‪،‬‬
‫‪.................................................................‬‬
‫) ‪ ( 1‬قال الشيخ الشعراني نقال عن الشيخ الجيلي ‪ :‬قوله عن الحالج ‪ :‬وإن لم يكن من‬
‫أهل االحتجاج ‪ ،‬إنما لم يجعله الشيخ من أهل االحتجاج ؛ ألنه لما تحدى ‪ ،‬وقال ‪ :‬أنا‬
‫الحق ‪ ،‬قتله سيف الشريعة ‪ ،‬فلو امتنع بمقتضى صفات الحق لم يستطع أن يقتله أحد ‪،‬‬
‫فكانت تثبت حجته وتصح دعواه ‪ ،‬كما قال أبو يزيد ‪:‬‬
‫سبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه وحمى نفسه أن يسطو عليه أحد لقوة حاله ‪ ،‬فأقام‬
‫حجته ‪ ،‬وكذلك وقع للشيخ عبد القادر وغيره نحو ذلك ‪ ،‬وحموا نفوسهم ‪ ،‬فكان الحالج‬
‫دون هذه المرتبة ‪ ،‬وإن كان على الحق ؛ ولهذا أخذته سيوف الشريعة وال مؤاخذة على‬
‫من قام عليه ؛ ألنهم قاموا بالحق ولو كان حقه أعلى من حقهم ‪ ،‬ونهاية األمر أن الذين‬
‫فعلوا هذا الفعل إذا ظهرت عليهم الحقائق نكسوا رؤوسهم وآمنوا بقوله ‪ ،‬ولوال الحقيقة‬
‫ما أخذته الشريعة ؛ وذلك ألنه طلب ظهوره بالربوبية في عالم العبودية ‪ ،‬وذلك أعز‬
‫من وجود النار في قعور البحار ‪ ،‬أطلقه لسان الوقت على قيد الهيكل الجثماني ؛‬
‫ليتحقق بما ادعاه في العالم الالئق بتلك الدعوى عليه ما جرى غيره من الحقائق على‬
‫الحقائق ؛ لئال يدعى هذا المقام من ليس له ذلك ‪ ،‬ولو كان الحالج متحققا بذلك كمال‬
‫التحقيق كما كان غيره عليه من الكمال ؛ ال متنع بحق صفات الربوبية عن تلك القتلة‬
‫ّللا ‪ ،‬ولكن لم يكن له شاهد تلك البينة ‪،‬‬‫كما امتنع غيره ‪ ،‬فكان الحالج على بينة من ه‬
‫فعجل وتكلم قبل التمكن في المقام ‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 19‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٩‬‬

‫أن الموجود هو الحق سبحانه ‪ ،‬وأن كل ما سواه فهو باطل ‪ ،‬فهذا رجل فني ما سوى‬
‫ّللا ‪،‬‬
‫الحق في نظره ‪ ،‬وفنيت أيضا نفسه عن نظره ‪ ،‬ولم يبق في نظره وجود غير ه‬
‫فقال في ذلك الوقت أنا الحق ‪ ،‬كأن الحق سبحانه أجرى هذه الكلمة على لسانه حال‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬ثم نقل عن الغزالي في‬‫فنائه بالكلية من نفسه ‪ ،‬واستغراقه في نور جالل ه‬
‫سبب غلبة جريان اسم الحق على لسان الصوفية ‪ :‬إنهم في مقام المكاشفة ‪ ،‬ومن كان‬
‫ّللا حقها وغيره باطال ‪ ،‬وأما المتكلمون فهم من مقام االستدالل‬
‫في مقام المكاشفة رأى ه‬
‫ّللا ‪ ،‬فال جرم كان الغالب على ألسنتهم اسم الباري تعالى‪.‬‬
‫ّللا على وجود ه‬
‫بغير ه‬

‫ّللا من العبد أعظم مما دلت عليه‬


‫أن قرب ه‬ ‫ثم قال في تفسير اسمه الولي ‪ :‬وعندي ه‬
‫ظواهر هذه اآليات ‪ ،‬وبيانه أن ماهيات الممكنات ال تصير موصوفة بالوجود إال‬
‫بتوسط إيجاد الصانع ‪ ،‬فعلى هذا ‪ :‬هذه الماهيات اتصلت بإيجاد الصانع أوال ‪ ،‬ثم‬
‫بواسطة ذلك اإليجاد حصل لها الوجود ‪ ،‬فقربها من إيجاد الصانع أشد من قربها من‬
‫وجودها ‪ ،‬بل هاهنا ما هو أدق منه ؛ وذلك ألنه ظهر عندنا أن الماهيات إنما تكون في‬
‫كونها ماهيات وحقائق بتكوين الصانع وإيجاده ‪ ،‬فيكون إيجاد الصانع لتلك الماهيات‬
‫مقدما على تحقق تلك الماهيات ‪ ،‬فيكون قرب الصانع منها أتم من قربها من نفسها ‪،‬‬
‫وأقول ‪ :‬الدليالن إنما يدالن على قربها من اإليجاد ‪ ،‬الذي هو نسبة غير موجودة ‪ ،‬ال‬
‫من ذات الموجد سبحانه ؛ لكن قربه سبحانه من األشياء ليس كقرب األشياء بعضها من‬
‫بعض بالزمان أو المكان أو الرتبة ‪ ،‬بل هو قرب ال يدركه العقل بطريق الفكر ؛ ما لم‬
‫يتنور بالنور المقدس‪.‬‬

‫ثم إن الدليل الثاني لو تم ‪ ،‬فإنما يتم في الماهيات الموجودة ‪ ،‬ال فيها من حيث هي قابلة‬
‫للوجود والعدم ونفس الماهية هناك ‪ ،‬فكيف يكون قرب الصانع أتم من قربها من نفسها‬
‫بل من وجودها في الموجودية ؟ وقد ذكر في األول ‪ ،‬فافهم‪.‬‬

‫ثم قال في تفسير الواحد األحد ‪ ،‬بعد إعادة نكتة ذكرها في ‪ “ :‬هو واعلم أن مقام‬
‫التوحيد مقام يضيق النطق عنه ؛ ألنك إذا أخبرت عنه فهناك مخبر عنه ومخبر به‬
‫ومجموعهما ‪ ،‬فهو ثالثة ال واحدة ‪ ،‬فالعقل يعرف ولكن النطق ال يصل إليه‪.‬‬
‫‪.................................................................‬‬
‫وأطال في ذلك ‪ [ .‬مختصر الفتوحات المكية ]‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 20‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٠‬‬

‫سئل الجنيد عن التوحيد ‪ ،‬فقال ‪ :‬معنى يضمح هل فيه الرسوم ‪ ،‬وتشوش فيه العلوم ‪،‬‬
‫ّللا كما لم يزل ‪.‬‬ ‫ويكون ه‬
‫ثم قال ‪ :‬وقال ابن عطاء ‪ :‬من الناس من يكون في توحيده مكاشفا باألفعال ‪ ،‬يرى‬
‫باّلل ‪ ،‬ومنهم من هو مكاشف بالحقيقة ‪ ،‬فيضمحل إحساسه بما سواه ‪ ،‬فهو‬ ‫الحادثات ه‬
‫يشاهد الجمع سرا بسر ‪ ،‬وظاهره موصوف بالتفرقة ‪.‬‬
‫ثم قال في تفسير اسمه األول اآلخر ‪ ،‬الظاهر الباطن ‪ ،‬نقال عن الغزالي ‪ :‬إنما خفي‬
‫لشدة ظهوره ونوره ‪ ،‬وهو حجاب نوره ‪.‬‬
‫وهو المراد من قول بعض المحققين ‪ :‬سبحان من اختفى عن العقول بشدة ظهوره ‪،‬‬
‫واحتجب عنها بكمال نوره ‪.‬‬
‫ي‪،‬‬ ‫ثم قال في تفسير اسمه النور ‪ :‬إن النور الظاهر ‪ :‬هو الذي يظهر به كل شيء خف ه‬
‫والخفاء ليس إال العدم ‪ ،‬والظهور ليس إال الوجود ‪ ،‬والحق سبحانه موجود ال يقبل‬
‫العدم ‪ ،‬فهو نور ال يقبل الظلمة ‪ ،‬والحق سبحانه هو الذي وجد به كل ما سواه ‪ ،‬فهو‬
‫ّللا ‪ ،‬بل هو نور األنوار ‪،‬‬ ‫سبحانه نور كل ظلمة وظهور كل خفاء ‪ ،‬فالنور المطلق هو ه‬
‫إلى غير ذلك من المواضع ‪.‬‬
‫ومنها ما قال الشيخ الكبير شهاب الدين السهروردي في العوارف ‪ ،‬في الباب الثامن ‪:‬‬
‫“ والصوفي صفا عن هذه البقية في طرفي العمل والترك للخلق ‪ ،‬وعز لهم بالكلية‬
‫وراءهم بعين الفناء والزوال ‪ ،‬والح له ناصية التوحيد ‪ ،‬وعاين سر قوله تعالى ‪ُ :‬ك ُّل‬
‫ك َإ هال َو ْج َههُ [ القصص ‪. ] 88 :‬‬
‫ش ْيءٍ ها َل ٌ‬
‫َ‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫ما قال بعضهم في بعض غلباته ‪ :‬ليس في الدارين غير ه‬

‫ثم قال في الباب العشرين ‪ :‬فأما الفناء الباطن ‪ -‬وهو محور آثار الوجود عند لمعان‬
‫نور الشهود ‪ -‬يكون في تجلي الذات ‪.‬‬
‫ّللا ؛‬
‫ثم قال في الباب الثالثين ‪ :‬فالصوفي في االبتداء ينفي الخلق ‪ ،‬ويرى األشياء من ه‬
‫حيث طالع ناصية التوحيد ‪ ،‬فإذا ارتقى إلى ذروة التوحيد يشكر الخلق بعد شكر الحق‬
‫‪ ،‬ويثبت لهم وجودا في المنع والعطاء ‪ ،‬بعد أن يرى المسبب أوال ؛ وذلك لسعة علمه‬
‫وقوة معرفته ‪ ،‬يثبت الوسائط ‪ ،‬فال يحجبه الخلق عن الحق كعامة المسلمين ‪ ،‬وال‬
‫يحجبه الحق عن‬

‫‪20‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 21‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢١‬‬

‫الخلق كأرباب اإلرادة والمبتدئين ‪ ،‬فيكون شكره للحق ؛ ألنه المنعم والمعطى والمسبب‬
‫‪ ،‬ويشكر الخلق ؛ ألنهم واسطة وسبب ‪.‬‬
‫ثم قال في الباب السابع والثالثين ‪ :‬ومن الساجدين من يكاشف أنه يطوي بسجوده‬
‫بساط الكون والمكان ‪ ،‬ويسرح قلبه في فضاء الكشف والعيان ‪ ،‬فيهوى دون هوية‬
‫إطباق السماوات ‪ ،‬ت همحي لقوة شهوده تماثيل الكائنات ‪ ،‬ويسجد على طرف رداء‬
‫العظمة ‪.‬‬
‫ثم قال في الباب الحادي والستين ‪ :‬فيغلب وجوده الحق األعيان واألكوان ‪ ،‬فيرى‬
‫باّلل من غير استقالل الكون بنفسه ‪.‬‬ ‫الكون ه‬
‫ثم قال في الباب الحادي والستين ‪ :‬وكان الحب والشوق منهم إشارة من الحق إليهم‬
‫باّلل ‪.‬‬
‫عن حقيقة التوحيد ‪ ،‬وهو الوجود ه‬
‫ثم قال ‪ :‬فالساجد إذا أذيق طعم السجود يقرب ؛ ألنه يسجد ويطوى بسجوده بساط‬
‫الكون ‪ ،‬ما كان وما يكون ‪ ،‬ويسجد على طرف رداء العظمة ‪ ،‬فيقرب ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ومنهم من يرتقي إلى مقام الفناء ‪ ،‬مشتمال على باطنه أنوار اليقين والمشاهدة‬
‫‪ ،‬مغيهبا في شهوده عن وجوده ‪ ،‬وهذا ضرب من تجلي الذات لخواص المقربين ‪ ،‬وهذا‬
‫المقام رتبة في الوصول ‪ ،‬وفوق هذا حق اليقين ‪ ،‬ويكون من ذلك محورا في الدنيا‬
‫للخواص ‪ ،‬وهو سريان نور المشاهدة في كلية العبد ‪ ،‬حتى تحظى به روحه ونفسه‬
‫وقلبه حتى قالبه ‪ ،‬وهذا من أعلى رتب الوصول ‪.‬‬
‫ّللا بن عمر “ ‪:‬أنه سلهم عليه‬
‫ثم قال ‪ :‬ومن اإلشارة إلى الفناء ‪ ،‬وما روى عن عبد ه‬
‫إنسان وهو في الطواف ‪ ،‬فلم يرد عليه ‪ ،‬فشكاه إلى بعض أصحابه ‪ ،‬فقال ‪ :‬كنا نتراءى‬
‫ّللا في ذلك المكان “ “ ‪“ . 1‬‬ ‫ه‬
‫ثم قال ‪ :‬ولكن الفناء المطلق هو ما يستولى من أمر الحق سبحانه وتعالى على العبد ‪،‬‬
‫فيغلب كون الحق على كون العبد إلى غير ذلك من المواضع ‪.‬‬
‫ومنها ما قال األستاذ أبو القاسم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري ‪ ،‬في رسالة في‬
‫فضل بيان اعتقاد هذه الطائفة ‪ ،‬عن النصرآبادي أنه يقول ‪ “ :‬أنت متردد بين صفات‬
‫قربك‬‫الفعل وصفات الذات ‪ ،‬وكالهما صفة على الحقيقة ‪ ،‬فإذا هيهمك في مقام التفرقة ه‬
‫بصفات‬
‫‪............................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( ‪ ، ) 305 / 2‬وابن سعد في الطبقات ‪( 4 /‬‬
‫‪167 ) .‬‬

‫‪21‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 22‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٢‬‬
‫قربك لصفات ذاته ‪“ .‬‬ ‫فعله ‪ ،‬وإذا بلهغك إلى مقام الجمع ه‬
‫ّللا ؟ فقال ‪:‬‬
‫ثم قال ‪ “ :‬ورأيت بخط األستاذ أبي على الدقاق أنه قيل لصوفي ‪ :‬أين ه‬
‫ّللا ‪ ،‬أتطلب مع العين أين ؟ ‪“ .‬‬ ‫أسخطك ه‬
‫وفي باب تفسير األلفاظ ‪ ،‬في بيان لفظ التواجد "‪"1‬والوجد “ ‪ “ 2‬والوجود “ ‪" 3‬‬
‫عن الجنيد أنه قال ‪ “ :‬علم التوحيد مبائن لوجوده ‪ ،‬ووجوده مبائن لعلمه “ “ ‪“ .4‬‬
‫‪................................................‬‬
‫) ‪( 1‬التواجد ‪ :‬استعمال الوجد ‪ ،‬بتعمد في تحصيله ‪ ،‬ففي الحقيقة ال يصادف الوجد‬
‫األعلى القلب الفارغ فجأة ‪ ،‬فما يحصل باالستدعاء ال يكون وجدا‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إظهار حالة الوجد من غير وجد ؛ موافقة لمن به الوجد ‪ ،‬وإن كان من إثارة‬
‫الطبع فليس ذلك من شيم أهل الطريقة‪.‬‬
‫) ‪( 2‬قيل ‪ :‬إنه بمعنى الوجدان للشيء ‪ ،‬والوجود له ‪ ،‬ويتفاوت معناهما ‪ .‬والمراد بذلك‬
‫مصادفة الشيء ومالقاته معنى أو صورة ‪ .‬وقيل ‪ :‬الوجد يخص من بينهما بكونه‬
‫عبارة عما يصادف القلب من الحزن على فوت مطلوب ‪ .‬وقيل ‪ :‬الوجد عن كل ما يرد‬
‫على النفس وتجده في ذاتها ‪ .‬وخصه بعضهم بما كان من ذلك متعلقا بالفضائل فقط ‪.‬‬
‫والوجد هو المنزل السادس من المنزل العشرة التي يشتمل عليها قسم األحوال كما‬
‫عرفت ذلك فيما مر ‪ .‬والمراد بالوجد ‪ :‬لهيب يتأجج من شهود عارض مقلق ‪ ،‬وذلك‬
‫عندما يجد السر أثر األلم والقهر العارض من العطش والقلق ‪ ،‬وقد عرفتهما بحيث‬
‫يكاد أن يغيبه‪.‬‬
‫ولهذا قالوا بأن الوجد ما يصادف القلب من األحوال المفنية له عن الشهود ‪ .‬وقالوا ‪:‬‬
‫ّللا‬
‫الوجد ثمرة الواردات التي هي ثمرة األوراد ‪ ،‬فمن ازدادت وظائفه ازدادت من ه‬
‫لطائفه ‪ ،‬ومن ال ورد له بظاهره ‪ ،‬فال وجد له في باطنه ‪ ،‬وليس له وجدان في‬
‫سرائره‪.‬‬
‫) ‪( 3‬الوجود ‪ :‬وجدان الحق في الوجد ‪ ،‬فإن المشهود في الوجد هو ما صادف بغتة ‪،‬‬
‫وما صادف بغتة إن لم يكن وجود الحق ال يفنيك عن شهودك نفسك وشهود الكون ‪ ،‬إذ‬
‫من شأن القديم أن يمحو الحادث عند اقترانه به ‪ ،‬ال شأن غيره ‪ ،‬ولكن وجود الحق في‬
‫الوجد غير معلوم ؛ إذ ما يقع به المصادفة قد يكون على حكم ما عينه السماع المطلق‬
‫أو المقيد فال ينضبط ؛ فإنه ‪ُ :‬ك هل يَ ْو ٍم ُه َو فَي شَأ ْ ٍن [ الرحمن ‪ ، ] 29 :‬ولذلك قال قدهس‬
‫سره ‪ :‬إذا رأيتم من يقدر الوجد على حكم ما عينه السماع المطلق أو المقيد فما عنده‬ ‫ه‬
‫ّللا تعالى ال يدرك‬‫خبر بصورة الوجد ‪ ،‬فإنما هو صاحب قياس في الطريق ‪ ،‬وطريق ه‬
‫بالقياس ؛ فإنه ‪ُ :‬ك هل يَ ْو ٍم ُه َو فَي شَأ ْ ٍن ‪ ،‬وإن كل نفس في استعداد‪.‬‬
‫فوجود الحق في الوجود إنما يختلف عند الواجد بحكم األسماء اإللهية ‪ ،‬وبحكم‬
‫االستعدادات الكونية في كل نفس إلى ال غاية‪.‬‬
‫) ‪( 4‬انظر ‪ :‬الرسالة ( ‪ ، ) 203 / 1‬والتعريفات للجرجاني وعقب بقوله ‪ :‬الوجود‬
‫فقدان العبد بمحاق‬

‫‪22‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 23‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٣‬‬

‫وعن أبي على الدقاق ‪ “ :‬إن الوجود يوجب استهالك العبد ‪ ،‬فهو كمن غرق في‬
‫البحر ‪“ .‬‬
‫ثم قال ‪ “ :‬صاحب الود له صحو ومحو ‪ ،‬فحال صحوه بقاؤه بالحق ‪ ،‬وحال محوه‬
‫فناؤه بالحق ‪ ،‬وهاتان الحالتان أبدا متعاقبتان عليه ‪ ،‬فإذا غلب عليه الصحو بالحق فيه‬
‫ّللا عليه وسلم وأوالده فيما أخبر عن الحق ‪ “ :‬فبي‬‫يصل ‪ ،‬وبه يقول “ ‪ ،‬قال صلى ه‬
‫يسمع ‪ ،‬وبي يبصر “ “ ‪“ . 1‬‬
‫ثم قال في بيان الجمع والفرق ‪ “ :‬ويختلف الناس في هذه الجملة على تباين أحوالهم‬
‫وتفاوت درجاتهم ‪ ،‬فمن أثبت نفسه وأثبت الخلق ولكن يشاهد الكل قائما بالحق ؛ فهذا‬
‫هو جمع ‪ ،‬وإن كان مختلفا عن شهود الخلق ‪ ،‬مصطلحا منقلعا عن نفسه ‪ ،‬مأخوذا‬
‫بالكلية عن اإلحساس ‪ ،‬يعلن بما ظهر واستولى من سلطان الحقيقة ؛ فذلك جمع الجمع‬
‫باّلل ‪ ،‬وجمع الجمع‬ ‫‪ ،‬فالتفرقة شهود األغيار هّلل عز وجل ‪ ،‬والجمع شهود األغيار ه‬
‫ّللا عند غلبات الحقيقة ‪ ،‬وبعد هذا حالة‬
‫االستهالك بالكلية وفناء اإلحساس بما سوى ه‬
‫عزيزة يسميها القوم الفرق الثاني ‪ ،‬وهو أن يرد إلى الصحو عن أوقات أداء الفرائض‬
‫باّلل ال للعبد بالعبد ‪“ .‬‬
‫‪ ،‬فيجري عليه القيام بالفرائض في أوقاتها ‪ ،‬فيكون رجوعا ه‬
‫الزهد أسال عنهم غير أنهني * وجدتك مشهودا بك هل مكانثم‬‫ثم قال في بيان القرب ‪:‬وما ه‬
‫نقل عن الجنيد في باب التوحيد ما ذكره اإلمام الرازي عنه ‪ ،‬ثم قال ‪ “ :‬وقيل ألبي‬
‫بكر التلمساني ‪ :‬ما التوحيد ؟ فقال ‪ :‬توحيد وموحد وحد ‪ ،‬هذه ثالثة ‪.‬‬

‫وقال رويم ‪ :‬التوحيد محو اآلثار البشرية وتجرد األلوهية ‪ ،‬وقال ‪ :‬عالمة حقيقة‬
‫التوحد القائم به واحدا ‪.‬‬
‫ثم نقل عنه ما ذكره اإلمام عنه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وسئل الجنيد عن التوحيد ‪ ،‬فقال ‪ :‬سمعت‬
‫أوصاف البشرية ‪ ،‬ووجود الحق ألنه ال بقاء للبشرية وثم ظهور سلطان الحقيقة ‪ ،‬وهذا‬
‫معنى قول أبي الحسين النوري ‪ :‬أنا منذ عشرين سنة بين الوجد والفقد إذا وجدت ربي‬
‫فقدت قلبي ‪.‬‬
‫وهذا معنى قول الجنيد ‪ :‬علم التوحيد مباين لوجوده ‪ ،‬ووجود التوحيد مباين لعلمه ‪.‬‬
‫فالتوحيد بداية ‪ ،‬والوجود نهاية والوجود واسطة بينهما ‪ .‬التعريفات ( ص ‪. ) 324‬‬
‫‪............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه الحكيم الترمذي في النوادر‪( 1 / 265 ) .‬‬

‫‪23‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 24‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٤‬‬

‫مغنيا يقول‪:‬‬
‫وغنهى لي منهي قلبي وغنهيت كما غنهى * وكنها حيث ما كانوا وكانوا حيث ما كنها‬
‫ثم قال ‪ :‬وقيل لذي النون ‪ :‬بم عرفت ربك ؟ قال ‪ :‬عرفت ربي بربي ‪ ،‬ولوال ربي لما‬
‫عرفت ربي‪.‬‬
‫وقال الشبلي ‪ :‬العارف ال يكون لغيره ال ه‬
‫حظا ‪ ،‬وال لكالم غيره ال فظا‪.‬‬
‫ّللا‬
‫ّللا ‪ ،‬وال في يقظته غير ه‬ ‫وسئل أبو يزيد عن العارف ‪ ،‬فقال ‪ :‬ال يرى في نومه غير ه‬
‫ّللا‪.‬‬
‫ّللا ‪ ،‬وال يطالع غير ه‬
‫‪ ،‬وال يوافق غير ه‬
‫ثم قال في باب المحبة ‪ :‬وقيل ‪ :‬محو المحب بصفاته ‪ ،‬وإثبات المحبوب بذاته ‪ ،‬إلى‬
‫غير ذلك من المواضع‪.‬‬

‫وقال في تفسيره للقرآن المس همى باللطائف‪:‬‬


‫في قوله تعالى ‪َ :‬و َإ َذ ا ْست َ ْسقى ُموسى [ البقرة ‪ ] 60 :‬واألسرار ترد مناهل الحقائق‬
‫باالحتطاف عن الكون والموسومات‪.‬‬
‫ّللا‬
‫ّللا ‪ ،‬فكذلك مشهودهم ه‬‫قوله ‪ :‬إَنهها بَقَ َرة ٌ ال ذَلُو ٌل [ البقرة ‪ ] 71 :‬وكما أن مقصودهم ه‬
‫ّللا‪.‬‬
‫باّلل والخلق عنهم ه‬ ‫ّللا ‪ ،‬بل هم وجودهم ه‬ ‫وموجودهم ه‬
‫علَ ْي ُك ُم ْال َم ْيتَةَ [ البقرة ‪ ] 173 :‬وحرم ه‬
‫ّللا على السرائر‬ ‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬إنهما َح هر َم َ‬
‫ّللا‪.‬‬
‫ّللا ‪ ،‬بل شهود غير ه‬ ‫صاحبته غير ه‬
‫ْس ْال َب هر أ َ ْن ت ُ َولُّوا [ البقرة ‪ ] 177 :‬فالتوحيد ال يبقي رسما وال أثرا‬ ‫وفي قوله تعالى ‪ :‬لَي َ‬
‫‪ ،‬وال يغادر غيرا ‪ ،‬وال غير ‪ ،‬أي ‪ :‬تغيرا‪.‬‬
‫ي ْالقَيُّو ُم [ البقرة ‪ ] 255 :‬ومن تحقق هذه‬‫ّللاُ ال إَلهَ إَ هال ُه َو ْال َح ُّ‬
‫وفي قوله تعالى ‪ :‬ه‬
‫المقالة ال يرى ذرة اإلثبات لغيره ‪ ،‬أو من غيره‪.‬‬
‫ّللا ‪ ،‬وال‬
‫ثم قال ‪ :‬فيصدق إليه انقطاعه ‪ ،‬ويدوم بوجود انفراده ‪ ،‬فال يسمع إال من ه‬
‫باّلل‪.‬‬
‫يشهد إال ه‬
‫س َبي َل ه َ‬
‫ّللا [ البقرة ‪ ] 273 :‬كيفما نظروا‬ ‫ص ُروا فَي َ‬ ‫راء الهذَينَ أ ُ ْح َ‬
‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬ل ْلفُقَ َ‬
‫رأوا سرادقات التوحيد محدقة بهم‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 25‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٥‬‬

‫ثم قال ‪ :‬فال يعلم لهم نفسا واحدا مع الخلق ‪ ،‬وأنهي بذلك وال خلق ‪ ،‬وإذا لم يكن فإثبات‬
‫ما لم يكن شرك في التوحيد ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وليس على سرهم ذرة من إثبات األغيار‪.‬‬
‫ب تَعالَ ْوا إَلى َك َل َم ٍة [ آل عمران ‪ : ] 64 :‬وكما ال يكون‬ ‫وفي قوله تعالى ‪ :‬يا أ َ ْه َل ْال َكتا َ‬
‫غيره معبودك ‪ ،‬ال يكون غيره مقصودك ومشهودك ‪ ،‬وهذا هو اتقاء الشرك ‪ ،‬وأنت‬
‫أول األغيار الذين ال تشهدهم‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬وال يَأ ْ ُم َر ُك ْم أ َ ْن تَت ه َخذُوا ْال َمالئَ َكةَ َوالنه َب َيهينَ أ َ ْربابا ً [ آل عمران ‪: ] 80 :‬‬
‫أي يأمركم بإثبات الخلق بعد تخصيصهم شهود الحق‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬أيأمركم بمطالعة األشكال ونسبة الحدثان إلى األمثال ؛ بعد أن الح في‬
‫أسراركم أنوار التوحيد ‪ ،‬وطلعت في قلوبكم شموس التفريد ؟‪.‬‬
‫اّلل [ آل عمران ‪ ] 101 :‬ومن كشف عن سره غطاء التفرقة‬ ‫ص ْم بَ ه َ‬ ‫وفي قوله ‪َ :‬و َم ْن يَ ْعت َ َ‬
‫؛ تحقق بأن ال غيرية ذرة ؛ إذ منه سببه‪.‬‬
‫سو َل [ آل عمران ‪ ] 172 :‬فاستجابته الحق‬ ‫الر ُ‬ ‫وفي قوله تعالى ‪ :‬الهذَينَ ا ْستَجابُوا َ ه َ‬
‫ّلل َو ه‬
‫بالتحقيق لوجوده‪.‬‬
‫شيْئا ً [ النساء ‪ ] 36 :‬الشرك جليهه اعتقاد‬ ‫ّللا َوال ت ُ ْش َر ُكوا بَ َه َ‬ ‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬وا ْعبُدُوا ه َ‬
‫معبود سواه ‪ ،‬وخفيهه مالحظة موجود سواه ‪ ،‬التوحيد أن تعرف أن الحادثات كلها‬
‫باّلل ‪ ،‬قائمة به‪.‬‬ ‫حاصلة ه‬
‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬إ ْن يَ ْدعُونَ َم ْن دُونَ َه َإ هال َإناثا ً [ النساء ‪ ، ] 117 :‬وما إبليس إال مقلب‬
‫في القبضة على ما يريده المنشئ ‪ ،‬ولو كان به ذرة من اإلثبات لكان شريكا في‬
‫اإللهية‪.‬‬
‫ّللاُ بَالله ْغ َو فَي أَيْمانَ ُك ْم [ المائدة ‪ ] 89 :‬ومن أنت في الواقعة‬ ‫ؤاخذُ ُك ُم ه‬ ‫وفي قوله ‪ :‬ال يُ َ‬
‫حتى تقدهم نفسك ؟ وأين في الدار ديار حتى يقول بتركه أو يتحقق بوصله أو هجره ؟‬
‫ّللا الواحد القهار‪.‬‬ ‫كال بل هو ه‬
‫ض [ األنعام ‪ ] 12 :‬سألهم هل في‬ ‫ت َو ْاأل َ ْر َ‬‫سماوا َ‬ ‫وفي قوله تعالى ‪ :‬قُ ْل َل َم ْن ما فَي ال ه‬
‫الدار ديار ؟‬

‫‪25‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 26‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٦‬‬
‫علَ ْي َه الله ْي ُل [ األنعام ‪ ، ] 76 :‬ويقال ‪ :‬قوله عند شهود‬ ‫وفي قوله تعالى ‪ :‬فَلَ هما َج هن َ‬
‫الكواكب والشمس والقمر هذا َر َبهي [ األنعام ‪ ، ] 78 :‬إنه كان يالحظ اآلثار واألغيار‬
‫ّللا‪.‬‬
‫ّللا ‪ ،‬ثم طالع األغيار محو في ه‬ ‫باّلل ‪ ،‬ثم كان يرى األشياء هّلل ومن ه‬ ‫ه‬
‫ظ ْل ٍم [ األنعام ‪ ] 28 :‬في التحقيق‬ ‫سوا إَيمانَ ُه ْم َب ُ‬‫وفي قوله تعالى ‪ :‬الهذَينَ آ َمنُوا َولَ ْم يَ ْل َب ُ‬
‫ّللا‬
‫وضع الشيء في موضعه ‪ ،‬وأصعبه حسبان الحدثان ما لم يكن فكان ؛ فإن المنشئ ه‬
‫ّللا‪.‬‬
‫ّللا ‪ ،‬وسقط ما سوى ه‬ ‫ّللا ‪ ،‬وال إله إال ه‬ ‫والمجرى ه‬
‫ع ْن ُه ْم [ األنعام ‪ ، ] 88 :‬يعني ‪ :‬لوال حظوا غيرا‬ ‫ط َ‬ ‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬ولَ ْو أ َ ْش َر ُكوا لَ َح َب َ‬
‫‪ ،‬أو شاهدوا من دوننا شيئا ‪ ،‬أو نسبوا شيئية من الحدثان إلى غير قدرتنا في الظهور ؛‬
‫لتأسى ما أسلفوه عن عرفانهم‪.‬‬
‫وفي قوله ‪َ :‬و ُه َو َو َليُّ ُه ْم [ األنعام ‪ ] 127 :‬ال في بدايتهم يقصدون غيره ‪ ،‬وال في‬
‫نهايتهم يجدون غيره ‪ ،‬وال في وسطهم يشهدون غيره ‪ ،‬إلى غير ذلك من المواضع‬
‫التي ال تنحصر‪.‬‬
‫ومنها ما قال الشيخ المحقق أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي النيسابوري ‪،‬‬
‫باّلل ظهرت األشياء ‪،‬‬ ‫في تفسيره المسمى بالحقائق ‪ :‬قيل ‪ :‬إن الباء في “ بسم “ أنه ه‬
‫وبه فنيت ‪ ،‬وبتجليه حسنت المحاسن ‪ ،‬وباالستتار قبحت وسمحت “ ‪“ .1‬‬
‫ّللا‬
‫باّلل ؟ وهل يرى ه‬ ‫ّللا إال ه‬
‫وكتب أبو سعيد الخراز إلى بعض إخوانه ‪ :‬هل يقدهر أحد ه‬
‫ّللا ؟‬
‫ّللا ؟ وهل كان قبل العبد وقبل الخلق إال ه‬ ‫ّللا أو يعرفه إال ه‬ ‫ّللا ؟ وهل عرف ه‬ ‫إال ه‬
‫وهل‬
‫‪............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬قال روزبهان البقلي ‪ “ :‬الباء “ ‪ :‬كشف البقاء ألهل الفناء ‪ ،‬و “ السين “ ‪:‬‬
‫كشف سناء القدس ألهل األنس ‪ ،‬و “ الميم “ ‪ :‬كشف الملكوت ألهل النعوت ‪ ،‬و‬
‫سره للخصوص ‪ ،‬و “ الميم ‪ “ :‬محبته‬ ‫بره للعموم ‪ ،‬و “ السين “ ‪ :‬ه‬ ‫“ الباء “ ‪ :‬ه‬
‫سر الربوبية ‪،‬‬‫لخصوص الخصوص ‪ ،‬و “ الباء “ ‪ :‬بدء العبودية ‪ ،‬و “ السين “ ‪ :‬ه‬
‫و “ الميم “ ‪ :‬منة في أزليته على أهل الصفوة ‪ .‬و “ الباء “ من بسم أي ‪ :‬ببهائي‬
‫بقاء أرواح العارفين في بحار العظمة ‪ .‬و “ السين “ من بسم أي ‪ :‬بسنائي سمت‬
‫أسرار السابقين في هواء الهوية ‪ .‬و “ الميم “ من بسم أي ‪ :‬بمجدي وردت المواجيد‬
‫ّللا عليه وسلهم ‪ “ :‬إن‬ ‫قلوب الواجدين من أنوار المشاهدة ‪ .‬وروي عن النبي صلى ه‬
‫باّلل ظهرت األشياء ‪،‬‬ ‫ّللاَ‪ :‬ه‬
‫الباء بهاؤه ‪ ،‬والسين سناؤه ‪ ،‬والميم مجده ‪ “ .‬وقيل فيبَ ْس َم ه‬
‫وبه فنيت ‪ ،‬وبتجلهيه حسنت المحاسن ‪ ،‬وباستناره فتحت المفاتح‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 27‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٧‬‬

‫وّلل‪.‬‬
‫باّلل ه‬
‫باّلل ‪ ،‬فكانوا ه‬
‫ّللا ؟ إذ لم يكونوا ه‬
‫اآلن في السماوات واألرض وما بينهما إال ه‬
‫بار َئ ُك ْم [ البقرة ‪ ، ] 54 :‬قال الفارسي ‪ :‬التوبة محو‬ ‫وفي قوله تعالى ‪ :‬فَتُوبُوا َإلى َ‬
‫البشرية بإثبات األلوهية‪.‬‬
‫ت [ البقرة ‪ ، ] 256 :‬وقيل ‪ :‬الطاغوت كل ما سوى‬ ‫غو َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ :‬فَ َم ْن يَ ْكفُ ْر بَ ه‬
‫الطا ُ‬
‫باّلل‪.‬‬
‫ّللا تعالى ‪ .‬وفي الجملة من لم يتبرأ من الكل ال يصح له اإليمان ه‬ ‫ه‬
‫ي الهذَينَ آ َمنُوا [ البقرة ‪ ، ] 257 :‬قال ابن عطاء‪:‬‬ ‫ّللاُ َو َل ُّ‬
‫وفي قوله تعالى ‪ :‬ه‬
‫يفنيهم عن صفاتهم بصفته ‪ ،‬فتندرج صفاتهم تحت صفاته ‪ ،‬كما اندرجت أكوانهم تحت‬
‫كونه ‪ ،‬وحقوقهم عند حقه‪.‬‬
‫ض [ البقرة ‪ ، ] 284 :‬فمن اشتغل بهما‬ ‫ت َوما فَي ْاأل َ ْر َ‬ ‫سماوا َ‬ ‫ّلل ما فَي ال ه‬ ‫وقوله ‪ َ :‬ه َ‬
‫اشتغل بال شيء عن كل شيء‪.‬‬
‫ش ْي ٌء [ آل عمران ‪ ، ] 5 :‬قال جعفر ‪ :‬فال‬‫علَ ْي َه َ‬‫ّللا ال يَ ْخفى َ‬ ‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬إ هن ه َ‬
‫يطلعن عليك ‪ ،‬فيرى في قلبك سواه فيمقتك‪.‬‬
‫ّللا يَ ْبغُونَ [ آل عمران ‪ ] 83 :‬قال الواسطي ‪ :‬من تمسك بغير‬ ‫َين ه َ‬ ‫وفي قوله ‪ :‬أ َ فَغَي َْر د َ‬
‫الوحدانية ‪ ،‬بل بغير الواحد ؛ فهو بعيد عن الحقيقة‪.‬‬
‫يم [ آل عمران ‪ ، ] 97 :‬قال الشبلي ‪ :‬من شاهد فيه مقام‬ ‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬مقا ُم إَبْرا َه َ‬
‫الخليل والمقام فهو شريف ‪ ،‬ومن شاهد فيه المقام الحق فهو أشرف‪.‬‬
‫ق تُقاتَ َه [ آل عمران ‪ ، ] 102 :‬قال جعفر‪:‬‬ ‫وفي قوله تعالى ‪ :‬اتهقُوا ه َ‬
‫ّللا َح ه‬
‫أال ترى في قلبك شيئا سواه‪.‬‬ ‫التقوى ‪ :‬ه‬
‫وقوله ‪َ :‬م ْن ُك ْم َم ْن يُ َري ُد ال ُّد ْنيا [ آل عمران ‪ ، ] 102 :‬قال الثوري ‪ :‬العامة في قميص‬
‫العبودية ‪ ،‬والخاصة في قميص الربوبية ‪ ،‬فال يالحظون العبودية ‪ ،‬وأهل الصفوة‬
‫جذبهم الحق ومحاهم عن نفوسهم‪.‬‬
‫سبَ هن الهذَينَ يَ ْب َخلُونَ [ آل عمران ‪ ، ] 180 :‬قال ابن عطاء ‪ :‬ومن نظر‬ ‫وقوله ‪َ :‬وال يَ ْح َ‬
‫في طريق الحق إلى الغير ؛ حرم فوائد الحق وسواطع أنوار القرب ‪.‬‬
‫ض [ آل عمران ‪ ، ] 190 :‬قال‬ ‫ت َو ْاأل َ ْر َ‬ ‫سماوا َ‬ ‫ق ال ه‬‫وقوله ‪َ :‬إ هن فَي خ َْل َ‬

‫‪27‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 28‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٨‬‬

‫بعضهم ‪ :‬إن الخواص لم ينظروا إلى الكون والحوادث إال بمشاهدة اآليات ‪ ،‬وما‬
‫شاهدوا اآليات إال بمشاهدة الحق ‪ ،‬ومن شاهد الحق لم يمازج طعم الحدث ‪ ،‬وإني‬
‫بالحدث لمن الحدث عنده غير الحدث‪.‬‬
‫ش َر ُكوا بَ َه [ النساء ‪ ، ] 36 :‬قال ابن عطاء‪:‬‬ ‫ّللا َوال ت ُ ْ‬
‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬وا ْعبُدُوا ه َ‬
‫ضرا ونفعا‪.‬‬ ‫الشرك أن ترى غيره ‪ ،‬أو ترى من سواه ه‬
‫ك َب َه [ النساء ‪ ، ] 48 :‬قال الواسطي‪:‬‬ ‫ّللا ال يَ ْغ َف ُر أ َ ْن يُ ْش َر َ‬
‫وقوله تعالى ‪َ :‬إ هن ه َ‬
‫ّللا‪.‬‬
‫هو أال يطالع سره شيئا سوى ه‬
‫ّللا [ النساء ‪ ، ] 80 :‬قيل ‪ :‬طاعة الرسول‬ ‫ع هَ‬ ‫سو َل فَقَ ْد أَطا َ‬ ‫الر ُ‬‫وقوله تعالى ‪َ :‬م ْن يُ َطعَ ه‬
‫ّللا عليه وسلم طاعة الحق ؛ لفنائه عن أوصافه وقيامه بأوصاف الحق ‪ ،‬وفنائه‬ ‫صلى ه‬
‫عن رسومه وبقائه بالحق ظاهرا وباطنا ‪ ،‬فبطاعته وذكره يصل العبد إلى الحق ‪،‬‬
‫وبمخالفته ينقطع عنه‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬فَلَ هما ت َ َوفه ْيتَنَي [ المائدة ‪ ، ] 117 :‬قال أبو بكر الفارسي ‪ :‬الموحد حيث ما نظر‬
‫كان الحق منظوره ‪ ،‬إن أخلد في النار لم يلتمس فرجا ؛ ألن رؤية الحق وطئه ونجاته‬
‫وهلكته من غير واحدة ‪ ،‬لم يبق حجاب إال طمسه برؤية التفريد ‪ ،‬فكان المخاطب‬
‫والمخاطب واحدا ؛ وإنما يخاطب الحق نفسه بنفسه‪.‬‬
‫علَ ْي َه الله ْي ُل َرأى َك ْو َكبا ً [ األنعام ‪ ، ] 76 :‬قال الواسطي‪:‬‬ ‫عز وجل ‪ :‬فَلَ هما َج هن َ‬ ‫وقوله ه‬
‫يطالع الحق بسره ال الكوكب‪.‬‬
‫وقوله ‪َ :‬و ُه َو الهذَي أ َ ْنشَأ َ ُك ْم َم ْن نَ ْف ٍس َ‬
‫واح َدةٍ فَ ُم ْستَقَ ٌّر [ األنعام ‪ ، ] 98 :‬قال الواسطي ‪:‬‬
‫مستقر فيه أنوار الذات على األبد‪.‬‬
‫ض [ األنعام ‪ ، ] 116 :‬قيل ‪ :‬من نظر إلى سوى‬ ‫وقوله ‪َ :‬وإَ ْن ت ُ َط ْع أ َ ْكث َ َر َم ْن فَي ْاأل َ ْر َ‬
‫الحق خاب وضل‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬و َكله َمهُ َربُّهُ [ األعراف ‪ ، ] 143 :‬سأل النظر إليه إذ رجع إلى‬
‫ّللا في كل منظور له ومبصر‪.‬‬ ‫حقيقته ‪ ،‬فرأى ه‬
‫وقوله ‪ :‬فَلَ هما ت َ َجلهى َربُّهُ [ األعراف ‪ ، ] 143 :‬قال الواسطي ‪ :‬وصل إلى الخلق من‬
‫صفاته ونعوته على مقادير هم ال كلية الصفات ‪ ،‬كما أن التجلي لم يكن بكلية الذات‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 29‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٩‬‬

‫وقوله ‪ :‬فَلَ ْم ت َ ْقتُلُو ُه ْم ‪ . . .‬اآلية [ األنفال ‪ ، ] 17 :‬قال بعضهم ‪ :‬ما رميت ‪ ،‬ولكن‬
‫الرامين عنك ؛ ألن المباشرة منك ‪،‬‬ ‫رميت بسهم الجمع فغيبك عنك ‪ ،‬فرميت وال سيهما ه‬
‫والحقيقة لنا إذا لم نفرق‪.‬‬
‫ش ُهودا ً [ يونس ‪ ] 61 :‬وقال بعضهم ‪:‬‬ ‫علَ ْي ُك ْم ُ‬ ‫وفي قوله ‪َ :‬وال ت َ ْع َملُونَ َم ْن َ‬
‫ع َم ٍل َإ هال ُكنها َ‬
‫من شهد شهوده إياه ؛ قطعه ذلك عن مشاهدة األغيار أجمع‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬وأ َ َن ا ْست َ ْغ َف ُروا َربه ُك ْم [ هود ‪ ] 3 :‬قال يوسف ‪ :‬واستغفار األكابر من‬
‫ض َو َإلَ ْي َه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر‬ ‫ت َو ْاأل َ ْر َ‬
‫سماوا َ‬‫ْب ال ه‬
‫غي ُ‬ ‫رؤية كل شيء سوى الحق ‪ .‬وقوله ‪َ :‬و َ ه َ‬
‫ّلل َ‬
‫ُكلُّهُ [ هود ‪ ، ] 123 :‬قال النهرجوري ‪ :‬وال يطلع عليه إال األمناء‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬هم الذين لم يبق عليهم منهم حظ ‪ ،‬وال لهم منهم مطالبة ‪ ،‬فكانوا بال كون ‪،‬‬
‫وشهدوا بال شهود‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬فال هم هم ‪ ،‬وال هم ال هم ‪ ،‬فهم هم من حيث الوجود ‪ ،‬وال هم من حيث‬
‫اإليجاد ‪ .‬ثم قال ‪ :‬أخرجوا عن حدود التفرقة إلى عين الجمع ‪ ،‬فهم مجموعون في عين‬
‫جمع الجمع‪.‬‬
‫ت بَ َه [ يوسف ‪ ، ] 24 :‬قال ابن عطاء ‪ :‬احتالت زليخا أن‬ ‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬ولَقَ ْد َه هم ْ‬
‫ّللا نفسها عن يوسف بالبرهان العالي والحق الظاهر ‪،‬‬ ‫تري نفسها ليوسف ‪ ،‬فحجب ه‬
‫حتى لم يشهد في وقته غير الحق “ ‪“ .1‬‬
‫باّلل قامت‬ ‫على ُك َهل نَ ْف ٍس [ الرعد ‪ ، ] 33 :‬قال الجنيد ‪ :‬ه‬ ‫وفي قوله ‪ :‬أ َ فَ َم ْن ُه َو قائَ ٌم َ‬
‫األشياء ‪ ،‬وبه فنيت ‪ ،‬وبتجليه حسنت المحاسن ‪ ،‬وباستتاره قبحت وسمجت‪.‬‬
‫ين [ الحجر ‪ ، ] 99 :‬قال الواسطي ‪:‬‬ ‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬وا ْعبُ ْد َرب َهك َحتهى يَأ ْ َتيَ َك ْاليَ َق ُ‬
‫فتتحقق أنك ال تحس بغير الحق ‪ ،‬وال ترى إال الحق ‪ ،‬وال تحادث إال الحق‪.‬‬
‫‪............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬وقال سهل ‪ :‬يعني ه هم بنفسه الطبيعية إلى الميل إليها ‪ ،‬وه هم بنفس التوفيق‬
‫والعصمة الفرار منها ومخالفتها ‪ ،‬ومعناه أنه عصمه ربه ‪ ،‬ولوال عصمة ربه له هم بها‬
‫عز وج هل ‪ ،‬هو أنه جاءه‬ ‫ميال إلى ما دعته نفسه إليه ‪ ،‬وعصمه ما عاين من برهان ربه ه‬
‫ّللا عليه في سورة يعقوب عليه السالم عاضها إصبعه ‪ ،‬فولى عند ذلك‬ ‫جبريل صلوات ه‬
‫نحو الباب مستغفرا ‪ .‬تفسير التستري‪( 1 / 233 ) .‬‬

‫‪29‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 30‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٣٠‬‬

‫َي يا ُموسى * َإ َنهي أَنَا َرب َُّك [ طه ‪ ، ] 12 ، 11 :‬قيل‬ ‫وفي قوله تعالى ‪ :‬فَلَ هما أَتاها نُود َ‬
‫لموسى ‪ :‬كيف عرفت أن النداء هو نداء الحق ؟ فقال ‪ :‬أفناني وشملني ‪ ،‬فكان كل‬
‫شعرة مني ‪ ،‬كان مخاطبا بنداء من جميع الجهات ‪ ،‬وكأنها تعبر عن نفسها بجواب ‪،‬‬
‫ولما شملتني أنوار الهيبة ‪ ،‬وأحاطت لي أنوار العزة والجبروت ؛ علمت أنه ليس ألحد‬
‫أن يخبر عن نفسه باللفظين جميعا متتابعا إال الحق‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكان هو محل الفناء ‪ ،‬فقلت أنت ‪ ،‬أنت لم تزل ‪ ،‬وليس لموسى معك مقام ‪ ،‬وال‬
‫له جرأة على الكالم ؛ إال أن تبقيه ببقائك تنعته بنعوتك ‪ ،‬فتكون أنت المخاطب‬
‫والمخاطب جميعا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ال يحمل خطابي غيري وال يجيبني سواي ‪ ،‬أنا المتكلم والمكلم وأنت في الوسط‬
‫شبح يقع بك محل الخطاب‪.‬‬
‫ّللا َع ْن َدهُ [ النور ‪ ، ] 39 :‬قال ابن عطاء ‪ :‬ما وجد الخلق سوى‬ ‫وفي قوله ‪َ :‬و َو َج َد ه َ‬
‫الحق “ ‪“ .1‬‬
‫ق [ فصلت ‪ ، ] 53 :‬قال الخطمي ‪ :‬ال يزال‬ ‫سنُ َري َه ْم آيا َتنا َفي ْاآلفا َ‬‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫ّللا قائما‬
‫العبد يرتقي من حال إلى حال ؛ حتى يبلغ األحوال السنيهة العالية ‪ ،‬ويرى ه‬
‫باألشياء فانية في رؤية الحق ‪ ،‬ويتيقن أن القديم إذا قورن بالحادث ال يثبت له أثر ‪،‬‬
‫وإن جل قدره وعظم خطره‪.‬‬
‫ق َوفَي أ َ ْنفُ َس َه ْم َحتهى يَتَبَيهنَ لَ ُه ْم أَنههُ ْال َح ُّق [ فصلت ‪:‬‬‫وهو معنى قوله ‪ :‬آيا َتنا فَي ْاآلفا َ‬
‫‪ ، ] 53‬وهو النظر إلى الكون يشاهد الحق ‪ ،‬ثم النظر إلى الحق بالفناء عن الكون ‪،‬‬
‫وهو أن تصير النعوت نعتا واحدا وال يشهد إال حقها صرفا‪.‬‬
‫وسئل أبو عثمان عمن يقول بالشاهد ‪ ،‬وقال ‪ :‬ال أنكر القول لمن يشهد األشياء كلها‬
‫شيئا واحدا‪.‬‬
‫‪.........................................‬‬
‫) ‪( 1‬قال ابن عجيبة ‪ :‬اإلشارة ‪ :‬كل من لم يتحقق بمقام اإلخالص كانت أعماله‬
‫ّللا عنده ‪،‬‬
‫كسراب بقيعة ‪ ،‬يحسبه الظمآن ماء ‪ ،‬حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ‪ ،‬ووجد ه‬
‫فوفاه حسابه ‪ ،‬أي ‪ :‬يناقشه فيما أراد بعلمه ‪ ،‬وأهل التوحيد الخاص ‪ :‬الوجود كله ‪،‬‬
‫عندهم ‪ ،‬كالسراب ‪ ،‬يحسبه الناظر إليه شيئا ‪ ،‬حتى إذا جاءه بفكرته لم يجده شيئا ‪،‬‬
‫ّللا عنده وحده ‪ ،‬البحر المديد‪( 4 / 249 ) .‬‬ ‫ووجد ه‬

‫‪30‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 31‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٣١‬‬
‫قال الواسطي ‪ :‬ظهر في كل شيء بما أظهر منه ‪ ،‬وإظهاره األشياء ظهوره بها ‪ ،‬فإذا‬
‫ّللا عليه وسلهم ‪ “ :‬أصدق كلمة قالها لبيد ‪:‬‬ ‫ّللا ‪ ،‬ولذلك قال صلى ه‬ ‫فتشتها ال تجد غير ه‬
‫ّللا باطل “ “ ‪“ .1‬‬ ‫أال كل شيء ما خال ه‬
‫ور [ الشورى ‪ ، ] 3 :‬قال ‪ :‬ألن منه مبدأ كل‬ ‫ير ْاأل ُ ُم ُ‬
‫ص ُ‬ ‫وفي قوله تعالى أَال إَلَى ه َ‬
‫ّللا ت َ َ‬
‫شيء ‪ ،‬وإليه منتهى كل شيء ‪ ،‬فما كان منه وله فهو الساعة به‪.‬‬
‫ب َإلَ ْي َه [ ق ‪ ، ] 16 :‬ومن تحقق ذلك لعامر بن قيس حين‬ ‫وفي قوله تعالى ‪َ :‬ون َْح ُن أ َ ْق َر ُ‬
‫ى منه‪.‬‬ ‫ّللا أقرب إل ه‬ ‫قال ‪ :‬ما نظرت شيئا إال ورأيت ه‬
‫الظا َه ُر َو ْال َ‬
‫باط ُن [ الحديد ‪ ، ] 3 :‬قال جعفر‬ ‫وفي قوله تعالى ‪ُ :‬ه َو ْاأل َ هو ُل َو ْاآل َخ ُر َو ه‬
‫ّللا عنه ‪ :‬فسقطت هذه المعاني وبقي هو “ ‪“ .2‬‬ ‫الصادق رضي ه‬
‫وعن الشبلي ‪ :‬األشياء ساقطة بأنه أول ‪ ،‬آخر ‪ ،‬ظاهر ‪ ،‬باطن ‪ ،‬إلى غير ذلك من‬
‫المواضع‪.‬‬
‫ومنها ما قال الشيخ الكامل المحقق أبو طالب المكي ‪ ،‬في كتابه “ قوت القلوب “ ‪،‬‬
‫في ذكر وصف الزاهد وفضل الزهد ‪ :‬وروينا عن ابن عباس في قوله تعالى ‪َ :‬ج َميعا ً‬
‫َم ْنهُ [ الجاثية ‪ ، ] 13 :‬قال ‪ :‬في كل حرف اسم من أسمائه تعالى ‪ ،‬فكان اسم كل شيء‬
‫عين اسمه ‪ ،‬كما أن فعل كل عين فعله‪.‬‬
‫ّللا ؟ فقال‪:‬‬
‫ثم ذكر في فصل آخر ‪ :‬قيل لبعض العارفين هل تأسف الولي على غير ه‬
‫ّللا فيأسف عليه‪.‬‬ ‫وهل يرى غير ه‬
‫ثم قال في شرح مقام التوحيد ‪ :‬كل وصف أحكام المتوكلين حين نظر الولي إلى مواله‬
‫الذي تواله فرآه في كل شيء‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬إذا كملت مشاهدته وقام بحق شهادته ؛ غيهبت تلك المشاهدة برؤية القيومية‬
‫ّللا ‪ ،‬فلم يرها دونه ‪ ،‬قامت له القيومية بنصبه من الملك لما تفرغ‬ ‫وجود الخلقية مع ه‬
‫قلب لمعاينة الملك ‪ ،‬وهذا من عين اليقين فوق علمه ؛ ألن الحق المبين هو األول‬
‫واآلخر كما‬
‫‪......................................................‬‬
‫) ‪( 1‬تقدم تخريجه ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬انظر ‪ :‬مجموعة آثار السلمي ( ص ‪.) 58‬‬

‫‪31‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 32‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٣٢‬‬

‫هو الظاهر والباطن‪.‬‬


‫ثم قال ‪ :‬وبعض أشياخنا إذا سئل عن التوكل ؛ أجاب عنه بعين الحقيقة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هو‬
‫أن تكون مع الحق ‪ ،‬كما لم تكن ‪ ،‬فإن الحق اآلن كما لم يزل ‪ .‬ثم قال ‪ :‬يا مسكين كان‬
‫ولم تكن ‪ ،‬ويكون وال تكون ‪ ،‬فل هما كنت اليوم ‪ ،‬قلت أنا وأنا ‪ ،‬كن فيما أنت اآلن كما لم‬
‫تكن ‪ ،‬فاليوم كما كان ‪ .‬ثم قال في ذكر إثبات األسباب واألوساط ‪ :‬فالمتوكل ال يرى إال‬
‫وّللا الظاهر الباطن ‪،‬‬ ‫ّللا ‪ ،‬ووصفه وفعله وحكمه ‪ ،‬ففعله ظاهر ‪ ،‬ووصفه باطن ‪ ،‬ه‬ ‫ه‬
‫وّللا الحاكم الراسم ‪،‬‬ ‫وحكمه هو الرسم ‪ ،‬ه‬
‫ّللا قد أظهر أسبابا وأثبت نفسه فيها ‪ ،‬فقال ‪ :‬قُ ْل يَت َ َوفها ُك ْم َملَكُ ْال َم ْو َ‬
‫ت‬ ‫ثم قال ‪ :‬فإن ه‬
‫[ السجدة ‪، ] 11 :‬‬
‫س [ الزمر ‪، ] 42 :‬‬ ‫ّللاُ يَت َ َوفهى ْاأل َ ْنفُ َ‬
‫ثم رفعه وأظهر نفسه فقال ‪ :‬ه‬
‫ياطينَ أ َ ْو َليا َء [ األعراف‪:‬‬
‫ش َ‬ ‫وكذلك قال في التفصيل ‪َ :‬إنه ُه ُم ات ه َخذُوا ال ه‬
‫ياطينَ أ َ ْو َليا َء [ األعراف ‪ ، ] 27 :‬وكما قال في‬ ‫ش َ‬ ‫] ‪ ،30‬وقال في التوحيد ‪َ :‬إنها َجعَ ْلنَا ال ه‬
‫ض ُّل َبها َم ْن‬‫ي [ طه ‪ ، ] 85 :‬وقال في المحكم ‪َ :‬إ هال َفتْنَت ُ َك ت ُ َ‬ ‫ام َر ُّ‬
‫س َ‬‫ضله ُه ُم ال ه‬
‫المتشابه ‪َ :‬وأ َ َ‬
‫تَشا ُء َوت َ ْهدَي َم ْن تَشا ُء [ األعراف ‪، ] 155 :‬‬
‫ّللا تبارك وتعالى ‪ :‬أنا الدليل على نفسي ‪ ،‬ال دليل أدل علي‬ ‫ثم قال ‪ :‬وكذلك قيل عن ه‬
‫مني‪.‬‬
‫ثم قال في ذكر حكم المتوكل في مزيد آخر من الهدى والبيان‪.‬‬
‫وقال بعض العارفين ‪ :‬إذا رأيت األشياء كلها كشيء واحد ‪ ،‬من معدن واحد ‪ ،‬بعين‬
‫واحدة ؛ أريت ما لم تر قبل ذلك ‪ ،‬وسمعت ما لم تسمع وفهمت ما لم يفهم الخلق‪.‬‬
‫ثم قال في ذكر أحكام المحبة ووصف أهلها ‪ :‬وتقلب محبة على هوى العبد حتى محبة‬
‫ّللا هي محبة العبد من كل شيء ‪ ،‬فهو محب هّلل حقا ‪ ،‬كما أنه مؤمن به حقا عن‬ ‫ه‬
‫مشاهدة اليقين ؛ الذي يغلب رؤيته على رؤية الخلق فيشهده في كل شيء ‪ ،‬ويكون‬
‫واحدا به دون كل شيء ؛ إذ قد تجلى ‪ ،‬فمن أيقن بكل شيء‪.‬‬
‫ّللا ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬لقد بطنت ‪ . .‬إلى‬ ‫ّللا إال ه‬
‫ثم قال ‪ :‬وما قال التوحيد إال الواحد ‪ ،‬وما قال ه‬
‫آخره ‪ .‬ثم قال في ذكر مخاوف المحبين ومقاماتهم في الخوف‪:‬‬
‫لقد ظهرت لمن أفنيت بعد فنائه * فكان بال كون ألنهك كنته‬
‫قيل قبله‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 33‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٣٣‬‬

‫لقد بطنت وال تخفى على أحد * هإال على أكمه ال يعرف القمرا‬

‫ثم قال‪:‬‬
‫لقد ظهرت فما تخفى على أحد * هإال على أكمه ال يعرف القمرا‬
‫لقد بطنت فما أظهرت محتجبا * وكيف يعرف من بالعرف استترا‬
‫فصرت أعجب ما عانيت مجتهدا * ألننهي حاجب استطلع الخبرا‬

‫ثم قال ‪ :‬هو الناظر والمنظور ‪ ،‬والسامع والمسموع ‪ ،‬وهو الشاهد والمشهود ‪ ،‬وهو‬
‫الواجد والموجود ‪ ،‬كما قال بعض المحبين‪:‬‬
‫ليس في القلب والعيان جميعا * موضع فارغ لغير الحبيب‬
‫هو سقمي وص هحتي وشفائي * وبه العيش ما حييت بطيب‬

‫ّللا تعالى واحد‬


‫ثم قال في شرح دعائم اإلسالم ‪ ،‬وفرض التوحيد ‪ :‬هو اعتقاد القلب أن ه‬
‫ال من عدد ‪ ،‬إلى أن قال ‪ :‬آخر في أوليته ‪ ،‬أول في آخريته ‪ ،‬وأن أسماءه وصفاته‬
‫وأنواره غير مخلوقة وال منفصلة عنه ‪ ،‬وأنه أمام كل شيء ‪ ،‬ووراء كل شيء ‪ ،‬وفوق‬
‫كل شيء ‪ ،‬ومع كل شيء ‪ ،‬وأقرب إلى كل شيء من نفس الشيء ‪ ،‬وأنه مع ذلك غير‬
‫محل لألشياء ‪ ،‬وأن األشياء ليست محال له ‪ ،‬إلى غير ذلك من المواضع‪.‬‬
‫وأقول ‪ :‬يناسبه ما روى الواحدي والبغوي ‪ ،‬عن وهب بن منبه ‪ “ :‬نودي من الشجرة‬
‫؛ قيل يا موسى ‪ ،‬فأجاب سريعا ما يدرى من دعاه ‪ .‬فقال ‪ :‬إني أسمع صوتك وال أرى‬
‫مكانك ‪ ،‬فأين أنت ؟ فقال ‪ :‬أنا فوقك ‪ ،‬ومعك ‪ ،‬وأمامك ‪ ،‬وخلفك ‪ ،‬وأقرب إليك من‬
‫نفسك ‪ ،‬فعلم أن ذلك ال ينبغي إال هّلل عز وجل ‪ ،‬فأيقن به “ “ ‪“ .1‬‬

‫ّللا األنصاري ‪ ،‬في كتابه “ منازل‬ ‫ومنها ما قال شيخ اإلسالم أبو إسماعيل عبد ه‬
‫السائرين “ “ ‪ : “ 2‬وال يتم مقام التوبة إال باالنتهاء من التوبة مما دون الحق ‪ ،‬ثم‬
‫رؤية علة تلك التوبة ‪ ،‬ثم توبة من رؤية تلك العلة ‪ ،‬وفرار خاصة الخاصة مما دون‬
‫الحق إلى الحق ‪ ،‬ثم من شهود الفرار إلى الحق ‪ ،‬ثم الفرار من الفرار إلى الحق ‪ ،‬وفي‬
‫باب السماع وسماع الخاصة ثالثة‬
‫‪......................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه ابن أبي عاصم في الزهد ‪( 1 / 62 ) .‬‬
‫) ‪( 2‬انظر ‪ ( :‬ص ‪.) 30‬‬

‫‪33‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 34‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٣٤‬‬

‫أشياء ‪ :‬شهود المقصود في كل أمر ‪ ،‬والوقوف على الغاية في كل همس ‪ ،‬والخالص‬


‫من التلذذ بالتفرق ‪ ،‬وسماع خاصة الخاصة سماع يغسل العلل عن الكشف ‪ ،‬ويصل‬
‫األبد باألزل ‪ ،‬ويرد النهايات إلى األول‪.‬‬
‫وفي باب المراقبة ‪ :‬والدرجة الثالثة مراقبة األزل بمطالعة عين السبق ؛ استقباال لعلم‬
‫التوحيد ‪ ،‬ومراقبة ظهور إشارات األزل على إيحائين األبد ومراقبة الخالص من‬
‫ربطة المراقبة ‪ ،‬فإن مراقبته تقيده برسمه ‪ ،‬فإذا فني رسمه فني قيده ‪ ،‬والرابطة هي‬
‫القيد‪.‬‬
‫وفي باب الشكر ‪ :‬والدرجة الثالثة أال يشهد العبد إال المنعم‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬وإذا شهد المنعم معبوده استعظم منه النعمة ‪ ،‬وإذا شهده حبها استحلى منه الشدة‬
‫‪ ،‬وإذا شهده تفريدا لم يشهد منه نعمة وال شدة‪.‬‬
‫وفي باب المشاهدة ‪ :‬والدرجة الثالثة ‪ :‬مشاهدة جمع تجذب إلى عين الجمع ‪ ،‬مالكة‬
‫لصحة الورود ‪ ،‬راكبة بحر الوجود في باب البقاء ‪ ،‬وبقاء ما لم يزل حقها بإسقاط ما لم‬
‫يكن محوا ‪ ،‬أي بقاء الحق بإسقاط ما لم يكن موجودا ‪ ،‬حتى يمحو بالفناء فيه‪.‬‬
‫وفي باب الجمع ‪ :‬الجمع ما أسقط التفرقة ‪ ،‬وقطع اإلشارة ‪ ،‬وشخص عن الماء والطين‬
‫؛ بعد صحة التمكين ‪ ،‬والبراءة من التلوين ‪ ،‬والخالص من شهود الثنوية ‪ ،‬والتنافي‬
‫من إحساس االعتدال ‪ ،‬والتنافي من شهود شهودها ‪ ،‬وأما جمع الوجود فهو تالشى‬
‫نهاية االتصال في عين الوجود محقها ‪ ،‬وأما جمع العين ؛ فهو تالشي كل ما تقله‬
‫اإلشارة في ذات الحق حقها ‪ ،‬والجمع غاية مقامات السالكين ‪ ،‬وهو طرف بحر‬
‫التوحيد‪.‬‬
‫وقال في باب التوحيد ‪ :‬والذي يشار به إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث ‪،‬‬
‫وإثبات القدم ‪ ،‬قطب مدار اإلشارة إلى هذا الطريق ‪ ،‬وأنه علة ال بد من إسقاطه‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬فإن التوحيد فوق ما يشير إليه مكون أو يتعاطاه حين أو يقله سبب‪.‬‬
‫قال الشيخ األنصاري ‪ :‬وقد أجبت في سالف الزمان سائال ‪ -‬سألني عن توحيد الصوفية‬
‫‪ -‬بهذه القوافي الثالث‪:‬‬
‫ما و هحد الواحد من واحد * إذ ك هل من و هحده جاحد‬
‫توحيد من ينطق عن نعته * عارية أبطلها الواحد‬
‫توحيد إيهاه توحيده * ونعت من ينعته الحد‬

‫‪34‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 35‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٣٥‬‬

‫إلى غير ذلك من المواضع‪.‬‬


‫ومنها ما قال الشيخ أبو بكر الكالباذي البخاري ‪ ،‬في كتاب “ التعرف “ في بحث‬
‫ّللا وحده‪.‬‬
‫عز وجل هو ه‬ ‫ّللا ه‬
‫المعرفة ‪ :‬أجمعوا على أن الدليل على ه‬
‫ّللا‬
‫ثم نقل الثوري وابن عطاء والجنيد ‪ ،‬عن محمد بن واسع ‪ :‬ما رأيت شيئا إال ورأيت ه‬
‫ّللا قبله‪.‬‬
‫فيه ‪ .‬وعن غيره ‪ :‬ما رأيت شيئا إال ورأيت ه‬
‫وعن الجنيد ‪ :‬أنه العارف والمعروف ‪ ،‬ومعناه أنك جاهل به من حيث أنت ؛ وإنما‬
‫عرفته من حيث هو هو‪.‬‬
‫ّللا في ذلك المكان ‪ ،‬يعني في‬ ‫ثم نقل في بحث االتصال ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ :‬كنا نتراءى ه‬
‫الطواف على ما فسره ‪ ،‬هو بحث التجلي واالستتار‪.‬‬
‫ثم قال في بحث الفناء والبقاء ‪ :‬ومنهم من جعل هذه األحوال كلها حاال واحدا ‪ -‬وإن‬
‫اختلفت عباراتها ‪ ،‬فجعل الفناء بقاء والجمع تفرقة ‪ ،‬وكذلك الغيبة والشهود والشكر‬
‫والصحو ‪ ،‬وذلك أن الفاني باق بما للحق ‪ ،‬فان ع هما له ‪ ،‬والثاني مجموع ؛ ألنه ال‬
‫يشهد إال الحق ‪ ،‬والمجموع مفارق ؛ ألنه ال يشهد إياه وال الخلق ‪ ،‬وهو باق لدوامه مع‬
‫الحق ‪ ،‬وهو جامع به ‪ ،‬وهو فان عما سواه ‪ ،‬مفارق لهم ‪ ،‬وهو غائب سكران لزوال‬
‫التمييز عنه ‪ ،‬ومعنى زوال التمييز ‪ :‬هو ما قلناه بين اآلالم والمالذ ‪ ،‬أو أن األشياء‬
‫تتوحد له ‪ ،‬فال يشهد مخالفة ؛ إذ ال يصرفه الحق إال في موافقاته ؛ وإنما يميز بين‬
‫الشيئين وغيره ‪ ،‬فإذا صارت األشياء شيئا واحدا سقط التمييز‪.‬‬
‫ثم قال في بحث التوحيد ‪ :‬ونصيبه من الحق وجود الحق ‪ ،‬وهو فيه ما سور فليس له‬
‫متقدم وال متأخر‪.‬‬
‫ّللا عنهما ‪ :‬متى يكون‬‫ثم قال في صفة العارف ‪ :‬سئل الحسن بن علي ‪ -‬رضي ه‬
‫العارف شهد الحق ؟ قال ‪ :‬إذا بدأ الشاهد ‪ ،‬وفني الشواهد ‪ ،‬وذهب الحواس ‪،‬‬
‫واضمحل اإلخالص ‪ .‬ومعنى فناء الشواهد ‪ :‬سقوط رؤية الخلق عنك بمعنى الضر‬
‫والنفع والذم والمدح ‪ ،‬وذهاب الحواس هو معنى قوله ‪ “ :‬فبي ينطق وبي يبصر ‪. . .‬‬
‫إلى آخره “ ‪ ،‬إلى غير ذلك من المواضع‪.‬‬
‫ومنها ما قال الفاضل المحقق السيد شمس الدين السمرقندي ‪ ،‬في خاتمة شرح‬

‫‪35‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 36‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٣٦‬‬

‫صحائفه ‪ :‬أحوال الناس منحصرة في ثالثة أقسام ‪ :‬االشتغال بالحق عن الغير ‪،‬‬
‫واالشتغال بالحق مع الغير ‪ ،‬واالشتغال بالغير عن الحق‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬والثاني عند أهل الطريقة والحقيقة شرك ‪ ،‬والثالث كفر ‪ ،‬واألول فيه السعادة‬
‫ت َويُؤْ َم ْن بَ ه َ‬
‫اّلل فَقَ َد‬ ‫الكلية والبهجة الحقيقية في األخرى واألولى ؛ فَ َم ْن يَ ْكفُ ْر بَ ه‬
‫الطا ُ‬
‫غو َ‬
‫صام لَها [ البقرة ‪.] 256 :‬‬ ‫س َك َب ْالعُ ْر َوةَ ْال ُوثْقى َال ا ْن َف َ‬
‫ا ْست َ ْم َ‬
‫ومنها ما قال الفاضل المحقق القاضي ناصر الدين البيضاوي ‪ ،‬في أنوار التنزيل ‪ ،‬في‬
‫ّللا [ البقرة ‪ ، ] 115 :‬أي ‪ :‬فثم ذاته‪.‬‬ ‫تفسير قوله تعالى ‪ :‬فَأ َ ْينَما ت ُ َولُّوا فَث َ هم َو ْجهُ ه َ‬
‫ّللا بإحاطته باألشياء واسع عليم ‪ .‬وفي قوله تعالى ‪َ :‬ويَبْقى َو ْجهُ َر َبه َك‬ ‫ثم قال ‪ :‬إن ه‬
‫[ الرحمن ‪ ، ] 27 :‬ولو استقريت جهات الموجودات ‪ ،‬وتصفحت وجودها ؛ وجدتها‬
‫ّللا ‪ ،‬أي ‪ :‬الوجه الذي يلي جهته‪.‬‬ ‫بأسرها فانية في حد ذاتها إال وجه ه‬
‫ّللا ه‬
‫عز‬ ‫ّللا عليه وسلم عن ه‬ ‫وقال في شرح المصابيح ‪ ،‬في باب الذكر ‪ ،‬في قوله صلى ه‬
‫وجل ‪ “ :‬ال يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل ‪ . . .‬إلى آخره “ “ ‪“ .1‬‬
‫ّللا تعالى بأنواع الطاعات وأصناف الرياضات ‪ ،‬ويترقى‬ ‫وإن العبد ال يزال يتقرب إلى ه‬
‫ّللا سبحانه وتعالى ‪ ،‬فيجعله مستغرقا‬ ‫من مقام إلى آخر أعلى منه ؛ حتى يحبه ه‬
‫بمالحظة جناب قدسه ‪ ،‬بحيث ما الحظ شيئا إال الحظ ربه ‪ ،‬فما التفت لفت ‪ ،‬وحابس‬
‫ّللا ‪ ،‬وهو آخر درجات‬ ‫ومحبوس ‪ ،‬وصانع ومصنوع ‪ ،‬فاعل ومفعول ؛ إال رأى ه‬
‫السالكين ‪ ،‬وأول درجات الواصلين ‪ ،‬فيكون بهذا االعتبار سمعه وبصره‪.‬‬
‫ّللا ‪ :‬وكل ممكن فإنه ال وجود له ‪ ،‬بل‬ ‫ّللا تعالى ‪ ،‬في شرح اسم ه‬ ‫ثم قال في باب أسماء ه‬
‫وجوده من الجهة التي يلي الواجب تعالى ‪ ،‬وإليه أشار حيث قال ‪ :‬أال كل شيء ما خال‬
‫ّللا باطل‪.‬‬ ‫ه‬
‫وفي شرح اسمه الخالق البارئ المصور ‪ :‬فيرقى من المخلوق إلى الخالق ‪ ،‬وينتقل من‬
‫مالحظة المصنوع إلى مالحظة الصانع ؛ حتى يصير بحيث كلما نظر إلى شيء وجد‬
‫ّللا عنده‪.‬‬ ‫ه‬
‫‪............................................‬‬
‫) ‪ ( 1‬تقدم تخريجه‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 37‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٣٧‬‬

‫وفي شرح اسمه الحفيظ ‪ :‬حظ العارف خصوصا أن يعرف باطنه عن مالحظة األغيار‬
‫‪ ،‬وظاهره عن موافقة الفجار ‪.‬‬
‫ّللا حقها ‪ ،‬وما سواه باطال في ذاته ‪،‬‬
‫وفي شرح اسمه الحق ‪ :‬وحظ العبد فيه أن يرى ه‬
‫حقها بإيجاده واختراعه ‪.‬‬
‫وفي شرح اسمه النور ‪ :‬الظاهر لنفسه ‪ ،‬المظهر لغيره ‪ ،‬وال شك في أن الوجود إذا‬
‫قوبل بالعدم كان الظهور للوجود والخفاء للعدم ‪ ،‬ولما كان الباريء تعالى موجودا بذاته‬
‫طروه ‪ ،‬وكان وجود سائر األشياء فائضا عن وجوده ؛‬ ‫ه‬ ‫مبرأ عن ظلمة العدم وإمكان‬
‫ه‬
‫صح إطالق اسم النور عليه ‪ ،‬إلى غير ذلك من المواضع ‪.‬‬
‫ومنها ما قال الفاضل المحقق شرف الدين الطيبي ‪ ،‬بعد نقله ما نقلناه عن الواحدي‬
‫والبغوي عن “ وهب “ ‪ :‬وهذا ال يدل على لزوم الجسمية ‪ ،‬وكذلك القرب ‪ ،‬وذكر‬
‫سائر ما نقلناه عن القاضي في شرح المشكاة ‪ ،‬في تلك المواضع ‪.‬‬

‫باّلل تعالى ‪ ،‬وال‬


‫ّللا تعالى وإحصاء األخص له ‪ :‬أن يستغرق قلبه ه‬ ‫وقال في أسماء ه‬
‫يلتفت إلى أحد سواه ‪ ،‬وال يرجو وال يخاف فيما يأتي يذر إال إياه ؛ ألنه هو الحق‬
‫ك إَ هال َو ْج َههُ [ القصص ‪. ] 88 :‬‬ ‫ّللا تعالى ‪ُ :‬ك ُّل َ‬
‫ش ْيءٍ ها َل ٌ‬ ‫الثابت وما عداه باطل ‪ ،‬قال ه‬
‫وفي شرح اسمه البصير نقل عن سهل ‪ ،‬أنه قال منذ كذا سنة ‪ :‬إنما أخاطب الحق‬
‫تعالى والناس يتوهمون إني أكلمهم ‪ ،‬وفي معناه أنشد ‪:‬وظنهوني أخاطبهم قديما * وأنت‬
‫بما أخاطبهم مراديهذه صفة الجمع التي أشار إليها القوم ‪.‬‬

‫وفي شرح اسمه الواحد األحد ‪ :‬وحظ العبد أن يغوص لجة التوحيد ‪ ،‬ويستغرق فيه ‪،‬‬
‫حتى ال يرى من األزل إلى األبد غير الواحد األحد ‪ ،‬إلى غير ذلك من المواضع ‪.‬‬
‫ومنها ما قال الفاضل المحقق سراج الدين ‪ -‬صاحب كشف الكشاف ‪ -‬في ديباجته ‪:‬‬
‫الحمد هّلل الذي أنار األعيان بنور الوجود ‪ ،‬وجعلها مرائي صفاته ‪ ،‬واختار منها نوع‬
‫اإلنسان لجمعه سر األكوان ‪ ،‬فكمل مجالي ذاته ‪.‬‬

‫وفي قوله تعالى ‪:‬فَث َ هم َو ْجهُ ه َ‬


‫ّللا [ البقرة ‪ ، ] 115 :‬أنه تمهيد في ذكر نفي الولد ؛ ألن‬
‫من له الجهات كلها يتعالى عنها ‪ ،‬فيستحيل أن يماثله ذو جهة ‪ ،‬والولد من جنس الوالد‬

‫‪37‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 38‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٣٨‬‬
‫ال محالة‪.‬‬
‫ش َهي ٌد [ فصلت ‪ ] 53 :‬فمن‬ ‫على ُك َهل َ‬
‫ش ْيءٍ َ‬ ‫ف َب َر َبه َك أَنههُ َ‬‫وفي قوله تعالى ‪ :‬أ َ َولَ ْم يَ ْك َ‬
‫شهده ؛ شهد كل شيء‪.‬‬
‫باط ُن [ الحديد ‪ ، ] 3 :‬وهو الظاهر بوجوده ؛ ألن كل‬ ‫الظا َه ُر َو ْال َ‬ ‫ثم في قوله ‪َ :‬و ه‬
‫الموجودات بظهوره ظاهرة ‪ ،‬الباطن بكنهه ‪ ،‬إلى غير ذلك من المواضع‪.‬‬
‫فهؤالء االثني عشر أئمة أطبقوا على قبولها ‪ ،‬ووقع في كالم بعضهم النقل عن هؤالء‬
‫الكبار ‪ ،‬كالحسن بن علي ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وجعفر ‪ ،‬وأبي فارس ‪،‬‬
‫ويوسف بن الحسين ‪ ،‬وعامر بن قيس ‪ ،‬الواسطي ‪ ،‬وأبي بكر الفارسي ‪ ،‬والنهرجوري‬
‫‪ ،‬وأبي عثمان الحيري ‪ ،‬والقاسم ‪ ،‬ومحمد بن واسع ‪ ،‬وابن عطاء ‪ ،‬ورويم ‪ ،‬والخراز‬
‫‪ ،‬والنصر آبادي ‪ ،‬وأبي على الدقاق بالتصريح ‪ ،‬وعن غيرهم بالتلويح‪.‬‬
‫ونقل الشيخ أبو طالب المكي والغزالي ‪،‬‬
‫ض‬‫ت َو َمنَ ْاأل َ ْر َ‬
‫سماوا ٍ‬ ‫ّللاُ الهذَي َخلَقَ َ‬
‫س ْب َع َ‬ ‫عن ابن عباس ‪ “ :‬لو فسرت هذه اآلية ه‬
‫َمثْلَ ُه هن [ الطالق ‪ ] 12 :‬؛ لرجمتموني “ “ ‪“ .1‬‬
‫ونقل الغزالي منهاج العابدين عن اإلمام زين العابدين‪:‬‬
‫الحق ذو الجهل فيقتتنا‬ ‫ه‬ ‫إنهي ألكتم من علمي جواهره * كي ال يرى‬
‫وقد تقدهم في هذا أبو حسن * إلى الحسين وأوصى قبله للمناء‬
‫رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل أنت م همن يعبد الوثنا‬ ‫يا ه‬
‫والستح هل رجال جاهلون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا‬

‫ّللا عليه وسلم‬


‫ّللا صلى ه‬
‫وقد روي البخاري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ “ :‬حفظت من رسول ه‬
‫وعاءين من العلم ‪ ،‬فأما أحدهما فبثثته ‪ ،‬وأما اآلخر لو بثثته لقطع مني هذا البلعوم‬
‫“ “ ‪“ .2‬‬
‫ّللا تعالى‪.‬‬
‫فتأمل هذه الجملة ترشد إن شاء ه‬
‫‪..................................................‬‬
‫) ‪( 1‬انظر ‪ :‬القوت ‪( 1 / 352 ) .‬‬
‫) ‪( 2‬رواه البخاري ( ‪ ، ) 56 / 1‬وابن سعد في الطبقات‪( 2 / 362 ) .‬‬

‫‪38‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 39‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٣٩‬‬

‫الفصل الثاني في البراهين العقلية على وجود الواجب‬


‫اعلم أن جمهور العارفين اقتصروا على األدلة الكشفية ‪ ،‬أي الضرورية الوجدانية ؛‬
‫عز وجل ‪َ :‬والهذَينَ‬ ‫لرفع الحجب الظلمانية ‪ ،‬وبالمجاهدة التي مقدمة الهداية في قوله ه‬
‫ّللا َويُعَ َله ُم ُك ُم ه‬
‫ّللاُ‬ ‫سبُلَنا [ العنكبوت ‪ ، ] 69 :‬وبالتقوى ‪َ :‬واتهقُوا ه َ‬
‫جا َهدُوا فَينا لَنَ ْه َديَنه ُه ْم ُ‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬ولم يرتبوا المقدمات النظرية ؛ لما‬ ‫[ البقرة ‪ ، ] 282 :‬وبكمال التوجه إلى ه‬
‫ّللا بالقوة‬‫أنها توقع أهلها في الحيرة المذمومة بإثارة الشبهات المظلمة ؛ إال من عصمه ه‬
‫القدسية والملكات الملكية ‪ ،‬المؤيدة للقوة الحدسية ؛ إال أن العامة لما بالغوا في اإلنكار‬
‫عليها ‪ ،‬وزعموا أن فيها القطع ببطالن جميع األحكام ‪ -‬العقلية والحسية والفطرية‬
‫الغريزية ‪ -‬عقيب المجاهدات الجزافية ؛ فمنشأها استحكام سوء المزاج في موضوعات‬
‫المرة‬
‫القوة النفسانية ‪ ،‬وإحراق المواد الصالحة المثيرة للوساوس الخيالية ‪ ،‬واستيالء ه‬
‫السوداوية ‪ ،‬وغلبة الجنون والمياليخوليا ‪ ،‬وكان ذلك موقعا لهم في الشرك الخفي ‪،‬‬
‫وسببا لخوف سوء الخاتمة ‪ ،‬كما نقله الغزالي عن بعض العارفين ‪ ،‬ودل الحديث‬
‫باّلل ؛ وجب إيراد تلك المقدمات ورفع ما يستدرجهم من‬ ‫النبوي على أنهم أهل العزة ه‬
‫الشبهات ؛ لعلهم يقفون عن اإلنكار ‪ ،‬أو ينقلبون إلى اإلبصار‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬هاهنا مقامان ‪ :‬أحدهما في تحقق الوجود المطلق ‪ ،‬والثاني وجوبه بالذات‪.‬‬
‫المقام األول‪:‬‬
‫اعلم أن تحقق الوجود عن األفكار أظهر من تحقق النور الحسي عند اإلبصار ؛ لكن‬
‫شدة ظهوره عكست فيه األمر إلى ضده ‪ ،‬كما أن نور الشمس لما بلغ غاية اإلشراق ؛‬
‫ظن بعض الخالئق أنه ليس وراء األلوان شيء وراءه ؛ لكن غروب الشمس ظل‬
‫ضروريا بين محل الظل وموقع الضياء ‪ ،‬وليس كذلك الوجود الذي هو نور األنوار ؛‬
‫لدوام حضوره مع األشياء على نسق واحد ‪ ،‬فأنكر كثير من مهرة النظار تحققه في‬
‫الخارج ‪ ،‬وزعموا أن ليس فيه إال الماهيات ‪ ،‬وإنما هو من المعقوالت الثانية‬
‫واالعتبارات العقلية المحضة ‪ ،‬وكل ذلك لكون النهاية تشبه البداية ؛ ال متناع التحقق‬
‫ورائها وامتناعه دونها ‪ ،‬واالمتناعان يتحدان في تحققه ويختلفان في النسبة ‪ ،‬فلم يكن‬
‫بد من كشف ما اشتبه عليهم‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 40‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٤٠‬‬

‫فنقول ‪:‬ال شك أن لكل ماهية وجدت تحققا مطلقا ‪ ،‬فالتحقق إما عينه أو جزؤه ‪ ،‬فظاهر‬
‫؛ ألنه ال يكون مجرد أمر اعتباري ‪ ،‬وإما زائد ‪ ،‬فال شك أن قوام التحقق المقيد‬
‫ضرورة أن الضد وصف ال يقوم بذاته ‪ ،‬فأما أن يقوم بالتحقق المطلق أو المقيد والثاني‬
‫بين البطالن ؛ فتعيهن األول وما به قوام المحقق أولى بأن يكون محققا ‪ ،‬وإن كان القيد‬
‫اعتباريا فالمتحقق هو المطلق ‪ ،‬وإن كان منع ثبوت التحقق للماهية ؛ كانت الخارجية‬
‫عين الذهنية ؛ إذ الذهني أولى بأن يكون اعتباريا ‪ .‬على أن التحقق لو كان اعتباريا ؛‬
‫فالكل اعتباري ‪ ،‬حتى المعتبر على أن ثبوته مدرك بالضرورة ‪ ،‬فمنعه مكابرة ‪ .‬قيل‬
‫لو ثبت لكل ماهية تحقق لكان لنسبته إليها تحقق ‪ ،‬وبينها نسبة محققة وتسلسل ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬إن لم تكن موجودة ‪ ،‬فظاهر وإن كانت ‪ ،‬فالنسبة الثانية عين حصوله لها ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬إن ثبت لها فصفة ال تستقل ‪ ،‬وإال تتأخر لثبوتها ‪ ،‬فال يثبت لها ‪ ،‬ثم أن يكون‬
‫كيفية يتقدم عليها محلها ويصير أعم منه ؛ على أنه حين إذ يقوم بها فيفتقر إليها ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬ما ليس بجوهر قد ال يكون عرضا ‪ ،‬والكيفية عرض ‪ ،‬فليس معنى القيام االفتقار‬
‫‪ ،‬فإن الصورة ال تفتقر إلى الهيولي ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬تحقق الحادث المعدوم اآلن ليس بحاصل ؛ وإال تحقق حين ال تحقق له ‪ ،‬فإذا‬
‫حصل يقال حصل تحققه بعد ما لم يكن ‪ ،‬فالتحقق من حيث هو غير حاصل ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬ليس بحاصلة ‪ ،‬وهي حاصلة لنفسه ‪ ،‬واإللزام سلب الشيء عن نفسه ‪ ،‬والحاصل‬
‫بعد ما لم تكن مقارنته ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬تحقق الماهية ثابتة ‪ ،‬فلو ثبت المطلق تعدد في ما وجد ‪ ،‬وفيه تحصيل‬
‫الحاصل ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬إن أريد بتحقق الماهية امتيازها ؛ فظاهر أن التحقق واحد ‪ ،‬وإن أريد موجوداتها‬
‫؛ فهي للماهية بالوجود ‪ ،‬وله بنفسه ؛ على أن التكرار إنما هو بالنسبة إلى أمر واحد ‪،‬‬
‫وهنا أمران ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬يصدق على االعتبارين ‪ ،‬ويمتنع كونها جزئيات جزئيات الحقيقي ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬إذا كان في الخارج والصادق عليهما وهمي ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬لو كان حقيقيها تكثر الواحد ؛ ألن تحقق الشيء في نفسه غير تحققه في مكانه أو‬
‫زمانه أو حاله‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 41‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٤١‬‬

‫قلنا ‪ :‬ممنوع ‪ ،‬وإنما تكثر اإلضافات ‪.‬‬


‫قيل ‪ :‬لو تعين بنفسه انحصر في الواحد والكثرة مشاهدة ما هو كلي ‪ ،‬ال يفيد ض همه‬
‫جزئية الماهية الكلية ‪ ،‬فيتحقق في الخارج ‪ ،‬فهو كسائر الكليات االعتبارية ‪ ،‬فال ب هد‬
‫لتحققها من انضمام التعين أو ملزومها إليها ‪ ،‬فهو الوجود العيني لها ‪ ،‬والتعين‬
‫اعتباري ؛ ألنه انضمام المشخص وهو ذهني ؛ إذ لو كان خارجيها لم يضم إلى الماهية‬
‫الذهنية الكلية في الخارج ‪ ،‬وكذا ملزومه ؛ ألن االعتباري ال يلزم الحقيقي ‪ ،‬وإال امتنع‬
‫تحققه بدون اعتباره ‪ ،‬والحقيقي متحقق بدون المعتبر ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬متعين بنفسه ‪ ،‬والتكثر إنما هو للماهيات وتعينها ؛ إما بنفسها بشرط اتصافها‬
‫بالوجود ‪ ،‬أو بأسباب خارجية ‪ ،‬وإن لم يتعين بنفسه ؛ فيجوز أن يكون العيني لها‬
‫طبيعة متعينة ‪ ،‬أو من حيث هي من الكلي والجزئي ‪ ،‬ال نفس التعين وال ملزومه ‪.‬‬
‫المقام الثاني ‪:‬‬
‫فيه طرق ‪ :‬الطريق األول ‪ :‬إن الوجود المشترك بالمعنى بين كل موجود بالذات ال‬
‫يقبل العدم ‪ ،‬فمطلقه المحيط واجب ‪.‬‬
‫أما االشتراك فيه فبديهي ‪ ،‬ولو عند تصوره بالوجه أو بالفكر ؛ لكن لغاية وضوحه‬
‫اشتبه أمره ‪ ،‬فجعل عين الماهيات ‪ ،‬فتنبه بأنه يبقى اعتقاد الوجود مع زوال اعتقاد‬
‫الخصوصيات ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬يزول اعتقاد وجود خصوصية بوجود أخرى ‪ ،‬فأين يبقى المشترك بينهما ؟‬
‫قلنا ‪ :‬نحن نجد أن متعلق اعتقاد الباقي هو معنى الوجود ‪ -‬وإن لم يوضع له لفظ قط ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬ال يزول اعتقاد وجود الشيء لو اعتقد أنه نفس الوجود ‪ ،‬ثم أنه جوهر ‪ ،‬ثم أنه‬
‫عرض فال ‪ ،‬فللوجود وجود ويتسلسل ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬الوجود عينه في الحقيقة ‪ ،‬غيره باالعتبار ‪ ،‬وينقطع التسلسل بقطعه ‪ ،‬وكونه‬
‫زائدا في صورة ‪ ،‬ال يستلزم زيادته في أخرى ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬فيشترك بين نفسه وغيره ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬يلغي المغايرة االعتبارية ‪ ،‬وأيضا أن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن ‪ ،‬والمورد‬
‫مشترك ‪ .‬قيل ‪ :‬االشتراك لفظي ‪ ،‬وجاز العالم إما ممكن أو واجب ‪ ،‬والمورد نفسه‬
‫الماهية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 42‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٤٢‬‬

‫قلنا ‪:‬قسمته عقلية ال تتوقف على وضع تعليليه معا ‪ ،‬بأن وجوده إن حصل من ذاته‬
‫فواجب ‪ ،‬أو من غيره فممكن ‪ ،‬ومنع التعليل بتقدير عينية الوجود ؛ المتناع أن يقال‬
‫الهوية الخاصة إن اقتضت نفسها لذاتها فواجبة ‪ ،‬وإال فممكنة ؛ إذ ال معنى له مكابرة‬
‫لصحته بالضرورة ‪ ،‬والماهية المطلقة ‪ ،‬إنما تنقسم بانضمام مقسم ‪ ،‬فإن ضم إليها‬
‫الوجود فال ب هد من بقائه مع قسيمها ‪ ،‬وهو استمرار الوجود ‪ ،‬فاشتراكه يستلزم الوجود‬
‫‪ ،‬وال ينقصان بالماهية والشخص الشتراك مطلقيهما ‪ ،‬وأيضا بأن الشيء ينحصر في‬
‫الموجود والمعدوم ‪ ،‬والعدم عام ‪ ،‬فكذا مقابله ‪ ،‬وإال انحصر بين عام وخاص ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬رفع هوية خاصة والحصر بينه وبين ثبوتها ‪ .‬قلنا ‪ :‬يفهم الجمهور العموم ‪ ،‬ال‬
‫يقال ‪ :‬إن وجد الرفع العام في سائر الهويات اجتمع فيه النقيضان ؛ وإال امتنع صدق‬
‫رفع شيء غير تلك الهوية ؛ ألنا نقول ‪ :‬هو ‪ ،‬وإن كان علما بحسب الهويات ؛ لكن ال‬
‫تتحقق له من حيث هو ‪ ،‬بل بشيء من اإلضافات ‪ ،‬وعورضت هذه الشبهات بأدلة‬
‫عينية وجود للماهيات ‪ ،‬فمنها إن زاد فالماهيات من حيث هي معدومة ‪ ،‬فيلزم اتصاف‬
‫الموجود بالمعدوم ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬من حيث هي ال تتصف بهما ‪ ،‬بل ينضمان إليها انضمام السواد والبياض بالجسم‬
‫‪ ،‬ومنها أن الصفة الثبوتية للشيء فرع ثبوته في نفسه بالضرورة ‪ ،‬فيكون لها قبل‬
‫وجودها وجود ‪ ،‬فيتقدم على نفسه ويتسلسل ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬الضرورة في صفة وجودية هي غير الوجود ‪ ،‬ومنها لو زاد لكان وجودا ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬ثبوت الشيء لنفسه ليس أمرا زائدا عليه ‪ ،‬وأما امتناع العدم على الوجود ‪ ،‬هو‬
‫أيضا بديهي ؛ لكن لما ذكر نبه عليه بأن قبوله العدم إما لعروضه له فيلزم اتصاف أحد‬
‫النقيضين باآلخر ‪ ،‬أو ال فيلزم انقالب طبيعة إلى طبيعة أخرى ‪ ،‬وبطالنها ضروري ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬المراد إمكان انتفائه ‪ .‬قلنا ‪ :‬امتنع إمكان كون االنتفاء ؛ المتناع كون المحال‬
‫ممكنا ‪ .‬قيل ‪ :‬ال يمتنع اتصاف أحد النقيضين باآلخر ؛ وإنما الممتنع حمل أحدهما على‬
‫اآلخر ‪ ،‬بل خارجا عنه قابال له ولما يقابله ‪ ،‬فامتناع ثبوته لنفسه مع امتناع قبولها له‬
‫ول هما يقابلها ؛ أظهر وأجل ‪ ،‬فإنه إذا امتنع مثال حمل األسود على ذات األسود القابلة‬
‫للسواد ‪ ،‬فامتناع ثبوته لنفس األسود أولى ؛ على أن منع استحالة اتصاف أحد‬
‫النقيضين باآلخر مكابرة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 43‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٤٣‬‬

‫قيل ‪ :‬االشتراك يستلزم العموم المنافي للوجود ال متناعه في الخارج ‪ ،‬ويستلزم األفراد‬
‫المنافية للتوحيد ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬ما يقال عليه ليس من األفراد ‪ ،‬بل الكل واحد واجب بالذات كثير بصفات ممكنة‬
‫زائدة على الذات ‪ ،‬فاشتراكه باعتبار إضافته إلى الماهيات ‪ ،‬وتعدده باعتبار ظهوره‬
‫صا بقيد اعتباري كالتجرد‬‫فيها ‪ ،‬فليس عاما لتحققه ضرورة تحقق الكل به ‪ ،‬وال خا ه‬
‫عن الماهية ؛ وإال قبل العدم عند عدم اعتباره ‪ ،‬وال يقيد وجودي ؛ ألنه إن كان‬
‫كالصورة تركب الواجب ‪ ،‬أو كالفرض فال يكون الزما لنفس طبيعته ؛ المتناع تقيد‬
‫الشيء به كنفسه لوجوده ؛ حيث يوجد الشيء فهو عام فيعم القيد أيضا ‪ ،‬فيكون مقارنا‬
‫‪ ،‬فيستند إلى مباين ؛ إذ لو استند إلى الزم لزم القيد ‪ ،‬فيكون مفارقا ‪ ،‬ولزم التسلسل في‬
‫األمور المترتبة بين حاصرين الذات والقيد ‪ ،‬والقيد المحض ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬إنما ال يقبل المطلق العدم لو كان ذات المقيد ‪ ،‬وذلك باطل لصحة حمل المطلق‬
‫عليه ‪ ،‬مع امتناع حمل أحد الذاتين على األخرى ‪ ،‬فالحقيقة الواجبة طبيعة خاصة‬
‫ملزومة للمطلق ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬هي غير معقولة ؛ ألنها إن كانت ذات أفراد ذهنية ‪ ،‬فلو وجد منها فرد وامتنعت‬
‫الباقية وكلها ممكنة ؛ فوجوب البعض وامتناع البواقي بالغير ؛ إذ ما بالذات ال يزال‬
‫بالغير ‪ ،‬وإن لم تكن ذات إفراد ‪ ،‬فإن كانت مغايرة لحقيقة الوجود المطلق ‪ ،‬فال تكون‬
‫موجودة وإال تركب مع الوجود ‪ ،‬فهي إما في ماهية حقيقة ‪ ،‬فيلزم قيام الوجود الواجب‬
‫بها ‪ ،‬وهي غيره فتحتاج إلى الغير وتكون فاعلة له ‪ ،‬وإال كان وجود الواجب من‬
‫غيره ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬وعلة لوجوده فيتقدم عليه بالوجود ‪ ،‬على أنه لو جاز تأثيرها في تحققها ‪،‬‬
‫جاز في تحقق العالم بال وجود ‪ ،‬بأن تكون قبل الوجود علة حلولها في العقل األول ثم‬
‫لوجوده ‪ ،‬وكذا لما تحته من غير أن يحصل لها وجود فيسند إثبات وجود الصانع‬
‫الواجب تعالى ‪ ،‬وجاز أيضا أن يكون ماهية كل شيء علة لوجوده من غير أن يؤثر‬
‫فيه الواجب تعالى ؛ أما إذا كانت بسيطة فألن ماهيته تعالى لما كانت بسيطة اقتضت‬
‫وجودها ؛ فكذلك كل بسيط ‪ ،‬وأما إذا كانت مركبة ؛ فألن ماهية الجزء والصورة‬
‫والهيئة االجتماعية يجوز كونها علة االجتماع ‪ ،‬فيحصل ماهية المجموع ‪ ،‬وهي علة‬
‫لوجود نفسها أو لوجود األجزاء ‪،‬‬

‫‪43‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 44‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٤٤‬‬

‫وهي بشرط اإلجماع فتصير علة لوجود نفسها أو لوجود األجزاء ‪ ،‬وانعدام الحوادث ؛‬
‫النعدام الشرائط واألمور المعدة التي يقتضي وجودها ‪ ،‬فتسقط أدلة وجود الواجب ؛‬
‫إما بشيء من األمور العقلية التي ال تقبل الوجود ‪ ،‬فيلزم مع احتياج الواجب إلى األمر‬
‫العقلي ‪ ،‬وكونه قابال وفاعال وعلة للوجود ‪ -‬ال بشرط الوجود ‪ -‬أن يكون مبدأ الوجود‬
‫العيني أمرا عقليها يمتنع تحققه في الخارج ؛ فأنى يكون واجبا ملزوما للوجود ‪ ،‬وإذا لم‬
‫تكن الطبيعة الملزومة مغايرة لحقيقة الوجود المطلق ؛ لزم امتناع استلزام الوجودات‬
‫الممكنة للحقيقة المطلقة ‪ ،‬امتناع استلزامها للواجبة ‪ ،‬أو وجوب استلزام الوجودات‬
‫الخاصة للمطلقة ‪ ،‬مع امتناع استلزام حقائق الممكنات للواجبة ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬البطالن ممنوع ‪ ،‬فإنه عين المذهب ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬بين االستحالة المتناع اجتماع المتماثلين ‪ ،‬وكون أحدهما حاال في اآلخر ‪،‬‬
‫ومخصوصا بالالزمية ‪ ،‬من غير أن يكون هناك فارق ‪ ،‬والفرض أال مغايرة ‪،‬‬
‫والمذهب أن ال تحقق للممكنات ‪ ،‬بل المتحقق واحد مع صفات زائدة ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬ملكك تشكيل حقيقة غير مشكك ‪ ،‬فاستلزام الممكنات للمطلق بحقيقة غير حقيقة‬
‫الواجب ‪ ،‬مع اشتراكهما في هذا العارض ‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬فلو وجد آخر تعدد الواجب ‪ ،‬والقائل‬ ‫قلنا ‪ :‬وجود المختلفات غير قابل للعدم ‪ ،‬لما ه‬
‫بالتشكيك ينكره بالكلية ‪ ،‬واالستدالل على التشكيك ‪ -‬بإثبات األولوية واألقدمية‬
‫واألكملية واألشرفية ‪ -‬مبني على ثبوت الطبيعة الملزومة ‪ ،‬فإنما هي من لواحق‬
‫الوجود بالقياس إلى الماهيات بقلة الوسائط وكثرتها مثال ‪ ،‬على أن لنا في إبطال‬
‫الطبيعة الملزومية أنها مغايرة لمفهوم كل تعيين ؛ الفتقاره إلى موضوع ‪ ،‬وهو ينافي‬
‫الوجوب الذاتي ‪ ،‬فيكون أفراد ممكنه ضرورة أنها كلية بحسب العقل ‪ ،‬فلو وجد منها‬
‫فرد وامتنعت البواقي ؛ كان بالغير ‪ ،‬فإن امتنعت المالزمة بكونها مطلقة أو مفروضة‬
‫له ؛ لزم المطلوب لو لم يتوقف على الموضوع ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬المغايرة ممنوعة أن يوجد تعيهن ال يستدعي تحقق موضوع ‪ ،‬بل يكون نفس‬
‫الطبيعة وإطالق التعين عليه ‪ ،‬وعلى غيره بالتشكيك أو االشتراك اللفظي ‪ .‬أجيب بأنه‬
‫بيهن في الحكمة أن مفهومه واحد ‪ ،‬ال يختلف إال باإلضافات إلى الموضوعات ‪ ،‬فال ب هد‬
‫له من‬

‫‪44‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 45‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٤٥‬‬

‫الموضوع ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬صحة هذا الدليل يمنع كون الواجب نفس المطلق ؛ ألنه إن كان ذا أفراد عقلية ‪،‬‬
‫وقد استحال وجود الجمع ‪ ،‬وأن يوجد فرد ‪ ،‬فوجود بعضها وامتناع اآلخر إنما هو‬
‫بالغير وإال ‪ ،‬فإن غايرت الوجودات الخاصة فحمله على المطلق ‪ ،‬وعليها باالشتراك‬
‫اللفظي ‪ ،‬وهي خالف المتيقن المتعين ؛ وإال اتصفت الممكنات بالوجوب الذاتي ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬هي بالحقيقة نفي للوجوب الواجب ‪ ،‬وإنما يتصف باإلمكان ماهياتها ‪ ،‬فليس‬
‫المطلق مغايرا للواجب ؛ وإال لم يكن قائما بنفسه ممتازا بها بل بالوجوب ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬نعم بالضرورة إنها من أفراد المطلق كالواجب ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬ال تسمع دعوى الضرورة في محل النزاع ؛ على أنه إن أريد بالممكن معروض‬
‫شيء من التعينات والصفات ‪ -‬من غير اعتبارها معه ‪ -‬فهو الواجب ‪ ،‬أو شيء منها‬
‫من غير اعتباره ‪ ،‬فليس من أفراد المطلق بالواجب ؛ ألن ما لم يوجد بنفسه أو‬
‫المجموع فال يمكن وجوده ‪ ،‬فليس من أفراد ما وجد ؛ ألن ما يتألف من الوجود‬
‫الواجب بنفسه أو المجموع ؛ فال يمكن وجوده بالذات ‪ ،‬والموجود بالعرض ال يتحقق‬
‫بالذات ؛ المتناع تحقق جزئه بالذات ‪ ،‬فيمتنع تحقق المتقوم به بالذات ‪ ،‬فامتنع األفراد‬
‫الذهنية التي وجودها بالذات ‪ ،‬فيمتنع كونه من أفراد الموجود بالذات ‪ ،‬أو أريد‬
‫المعروض من حيث هو كذلك ‪ ،‬فالكل موجود ؛ واحد بالذات كثير بحسب الصفات ‪،‬‬
‫ممكنة زائدة على الذات ‪ ،‬ضرورة على أن ال ذات إال للوجود الواحد بالذات ‪ ،‬فليس‬
‫للمطلق أفراد ذهنية يختلف بالوجوب واإلمكان واالمتناع ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬الممتنع في الخارج وجوده الذهني من أفراد المطلق كالواجب ‪ ،‬فله أفراد متنافية‬
‫فيه بالضرورة ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬الذهني هو العيني بالحقيقة ‪ ،‬ومغايرته باالعتبار ‪ ،‬فيجب بالذات ويمتنع باإلضافة‬
‫إلى ماهية الممتنع ؛ فإن المعاني العقلية إنما يعرض الوجود العيني في بعض مراتبه ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬إنما يحصل في القول المعقول الدالة ‪ ،‬فكيف يكون وجودها عين الخارجي ؟‬
‫قلنا ‪ :‬االختصاص بالمعقول إنما هي للموجودية العارضية للمعاني الموجودة ‪ ،‬وكالمنا‬
‫في الموجود بالذات حمل للمعاني ؛ على أنه إن أريد معروض هذه االعتبارات من‬

‫‪45‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 46‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٤٦‬‬

‫غير اعتبارها معه ‪ ،‬فهو الواجب بالذات أو العارض ‪ ،‬فليس عن أفراده أو المجموع ‪،‬‬
‫فال يجب بالذات ‪ ،‬فما يمتنع في الخارج ليس من أفراد المطلق ‪ ،‬وما يمكن راجع إلى‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬لو أبين بعين المطلق بالوجوب الذاتي تقيد به ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬أمر عقلي ال يخرجه عن اإلطالق الحقيقي ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬مر أنه ال يتقيد بالعدمي أيضا ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬الكالم فيما يجب ثبوته له من حيث إطالق المنافي للقيود كلها ‪ ،‬ومنها فيما يجب‬
‫التعقل ‪ ،‬فتأمل على أنا نبطل الطبيعة الملزومة أيضا ‪ ،‬بأن حقيقتها إنما يجب لذاتها أو‬
‫لزمها الوجود لذاتها ‪ ،‬لكن فيه نفس الوجود من البسائط ال يلزمه الوجود بالذات لكونه‬
‫خارجا فيمكن تعقله بدونه ‪ ،‬فنسبة الوجود والعدم مع قطع النظر عن الغير إليه على‬
‫السوية ‪ ،‬فيكون ممكنا لذاته ‪ ،‬فال يلزمه الوجود لذاته ‪.‬‬
‫الطريق الثاني ‪ :‬لو لم يكن الوجود واجبا لذاته ؛ لكان إما ممكنا ويفتقر تحققه إلى علة‬
‫تتقدمه بالوجود ‪ ،‬على أنه يكون وجود الواجب ممكنا ‪ ،‬وإال منقسما إليها ‪ ،‬وموارد‬
‫القسمة ال تتحقق في الخارج إال بأقسامه ؛ لكن أقسام الوجود ال تتحقق أصال إال به‬
‫فيدور ‪.‬‬
‫الطريق الثالث ‪ :‬طبيعة الوجود حاصل للواجب ‪ ،‬فإن كانت غيره الفتقر وجود الواجب‬
‫إلى الغير ‪ ،‬وإال فإن كانت مطلقة كان المطلق واجبا ‪ ،‬وإن كانت خاصة كان معها‬
‫المطلق ‪ ،‬فإن وجب فذاك ‪ ،‬وإال افتقر الخاص بافتقاره إلى علة ‪ ،‬ولو وجب فشرطه لم‬
‫يجب بذاته ‪ ،‬فلم يجب الخاص أيضا لتقومه مما لم يجب لذاته ‪.‬‬
‫الطريق الرابع ‪ :‬الوجود ال حقيقة له زائدا على نفسه ‪ ،‬وإال تصورت دونه وبطالنه‬
‫بالضرورة ‪ ،‬فهو واجب ‪ ،‬وإال أمكن تجرده ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬ينتفي بإبقائها ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬ارتفاع الحقائق يستلزم قبلها ‪ ،‬على أنه يستلزم جواز ارتفاع حقيقة الواجب ‪.‬‬
‫الطريق الخامس ‪ :‬كل شيء يحتاج في تحققه إلى الوجود ‪ ،‬فلو احتاج إلى وجوده‬
‫المحتاج إلى الواجب والمطلق ؛ ال يتقيد باالحتياج وعدمه ‪ ،‬بل يحتاج إلى اإلفراد‬
‫لكونه كليها ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬االحتياج إلى الخاص احتاج إلى المطلق ‪ ،‬وعدم التقيد إنما يتأتى لو انقسم ويمنع‬
‫كونها كليها ‪ ،‬واحتياج كل كلي إلى األفراد بل الطبائع الممكنة إنما احتياجها في‬

‫‪46‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 47‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٤٧‬‬

‫ظهورها في الشهادة إلى المشخصات ‪ ،‬وفي المعاني إلى المنوعات ال في تحققها في‬
‫نفسها ‪.‬‬
‫الطريق السادس ‪ :‬لو لم يجب المطلق لوجب الخاص ‪ ،‬فإن غاير المطلق ؛ كان قول‬
‫الوجود عليهما باالشتراك اللفظي ‪ ،‬وهو خالف الضروري ‪ ،‬وإال تعدد الواجب ؛ ألن‬
‫المطلق يكون ذا أفراد وهو عين الواجب ‪ ،‬فيجب إفراده على أنه يكون علية األشياء‬
‫بال مناسبة ‪ ،‬وهي تابعة عن الجمهور وباالستقراء ‪ ،‬ومدركا لكلي ال كلي فوقه ‪ ،‬مع‬
‫كونه من شعبه التي ال يحيط بها ‪ ،‬وكون المتأخر علة للمتقدم طبعا ‪ ،‬وكونه مندرجا‬
‫تحت جميع األمور العامة ‪.‬‬
‫الطريق السابع ‪ :‬إنا نعلم بالضرورة ‪ ،‬أن الوجود المشترك فيه الموجودات وجود واحد‬
‫عيني طبيعية عين تلك الموجودات ذهنا وخارجا ‪ ،‬وإنما تعددت واختلفت باإلضافات‬
‫واالعتبارات المخصصة ال غير ‪ ،‬فاألولى أن يجعل المطلق هو الحقيقي وتعيهناته معان‬
‫عقلية مأخوذة باإلضافات واالعتبارات ‪ ،‬فالحق محض الوجود ‪ ،‬بحيث ال يمازجه‬
‫وّللا المنعم ‪.‬‬
‫غيره ‪ ،‬وال تركيب فيه ‪ ،‬وال كثرة ‪ ،‬وال نعت وال رسم ‪ ،‬فافهم ه‬
‫***‬

‫الفصل الثالث في رفع الشبهات‬


‫وفيه اعتراضات ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬إن تعين بنفسه امتنع حلول الصفات المنافية فيه ‪ ،‬ضرورة امتناع اتصاف‬
‫الواحد بالشخص بالمتنافية ؛ وإال كان تعينه بهذه الصفات الستحالة أن يكون بالغير ‪،‬‬
‫فيتعدد الواجب باألفراد المتعينة من تلك الصفات ‪ .‬قلنا بنفسه ‪ ،‬وجاز أن يستلزم بالذات‬
‫شيئا ومعه آخر ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬إن لم يستقل المطلق بالقوام لم يجب بالذات ‪ ،‬وإن استقل ؛ فإن أوجب حلول‬
‫شيء منافيه ‪ ،‬يوجد أبدا ضد ما وجد ‪ ،‬وإما أن يستلزم ما ينافيه ‪ ،‬فيجتمعان في كل ما‬
‫وجد ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬مستقل ال يمنع في مرتبته منافي ما وجد ‪ ،‬وأال يستلزمه إال في أخرى‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 48‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٤٨‬‬

‫الثالثة ‪:‬المطلق قابل للمتقابل ‪ ،‬فيحتاج إلى معدات خارجية عنه ؛ إذ لو استفاد استعداد‬
‫القبول لها من نفسه ‪ ،‬لزم االختالف الذاتي في حقيقته ‪ .‬قلنا ‪ :‬يجوز أن يستعد بنفسه‬
‫لشيء وبواسطة آلخر فال يلزم االختالف ‪ ،‬على أن المعدات صفات خارجة عنه ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬لو وجب التحد ‪ ،‬وهو محل الصفات ‪ ،‬فيكون البسيط قابال لشيء وفاعال له‬
‫معا ‪ ،‬وقد أبطل في الحكمة ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬إنما يمتنع من جهة واحدة ‪ ،‬وال يقدح تعددها في بساطته إذا كانت إحداهما عدمية‬
‫‪ ،‬كالتعين الذي هو إضافي مع كون المقبول عدميا أيضا ‪ ،‬فيجوز أن يقبل بتعينه ويفعل‬
‫بحقيقته أو بالعكس ‪ ،‬على أن العدمي يجوز أن يفعل ويقبل من جهة واحدة ‪ ،‬كاقتضاء‬
‫وصف شيء لالتصاف بكونه وصفا له وقبوله إياه ‪.‬‬
‫الخامسة ‪ :‬لو كان الواجب المطلق كان علة لألشياء ؛ لكن الواحد من حيث هو كذلك‬
‫ال يوجب الشيء وما ينافيه ‪ ،‬فال ب هد لكل شيء من علة أخرى ‪ ،‬فيتوارد العلل على‬
‫المعلول الشخصي ‪ ،‬بخالف ما لو كان الخاص إذ يجوز أن يتقيد بوصف يوجب شيئا‬
‫ومعه آخر ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬يجوز أن يعرضه أحوال ال يتقيد بها ‪ ،‬ويكون مع حال علة لشيء ومع أخرى‬
‫ألخرى ‪.‬‬
‫السادسة ‪ :‬لو وجب المطلق كان واحدا ‪ ،‬وال شك أنه مشترك بين الحوادث ‪ ،‬فهو إ هما‬
‫عينها أو متصف بها أو صفة لها ‪ ،‬والكل ظاهر االستحالة ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬اشتراكه بينها ظهور في ماهيتها من غير اتصاله بها وانفصاله عنها ؛ ألنها‬
‫معدومة في ذواتها ‪ ،‬تنورت به واتصفت بنسب عقلية بينها وبينه ‪ ،‬والممتنع اتصافه‬
‫بالحوادث الموجودة النسب أمور عدمية ‪ -‬سيهما إذا كان أحد طرفيها عدميا ‪ ،‬فهو‬
‫محض الوجود ال يمازجه سواه وال كثرة فيه بوجه من الوجوه ‪ ،‬بل هي في هيأة‬
‫تنورت به ‪ ،‬فهو الكل من حيث أن الكل ال شيء بدونه وليس كمثله شيء وهو السميع‬
‫البصير ‪.‬‬
‫السابعة ‪ :‬إنه من عوارض الواجب ‪ ،‬فال يكون نفسه لوجوه ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬لو لم يزد فإما داخل فيرتكب الواجب ‪ ،‬وإما عين ؛ فإما أن ال يشترك وقد‬
‫أبطل ‪ ،‬أو يشترك فتجرده صفة عارضة ‪ ،‬فعلتها إما ذات الوجود ‪ ،‬فالممكن مقارن أو‬
‫غيرها ‪ ،‬فيحتاج إلى منفصل ‪ ،‬وأيضا‬

‫‪48‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 49‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٤٩‬‬

‫إن اقتضى التجرد انتقض بالممكن ‪ ،‬أو ال تجرد خالف الغرض ‪ ،‬أو لم يقتض شيئا ‪،‬‬
‫فكل علة منفصلة ‪ .‬ال يقال التجرد عدمي فيكون عدم العلة ؛ ألنا نقول ‪ :‬عدم مضاف‬
‫فيحتاج إلى عدم علة المقارنة ‪ ،‬وهي غير الواجب فيحتاج إلى الغير ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬اشتراكه بمعنى تعلق الصفات المتعددة به واعتبارها معه بحيث تظهره في‬
‫األجناس واألنواع واألشخاص ‪ ،‬وال تعدد فيه فال اشتراك في ذاته ‪ ،‬وأيضا علة تجرد‬
‫الذات بشرط عدم اتصافه لها ‪ ،‬على أنا نختار أنه ال يقتضي شيئا ؛ لكن باطنيته‬
‫يقتضي التجرد وظاهريته التعلق ‪ ،‬فال يحتاج إلى الغير ؛ ألنه عين الظاهر والباطن ‪،‬‬
‫وال نسلم التجرد العدمي يحتاج إلى عدم العلة ؛ ألن االحتياج إلى عدم العلة أمر ثبوتي‬
‫‪ ،‬فال يثبت بما ال ثبوت له ‪ ،‬فإن سلم فالعدم المضاف من الوجود ‪ ،‬فال تغاير نفس‬
‫الوجود حتى يحتاج إلى غير ‪ ،‬على أن المحتاج حينئذ يكون نفس التجرد ال الذات‬
‫المجردة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬لو كان المطلق هو مبدأ للممكنات ‪ ،‬فالمبدأ إما الوجود ‪ ،‬فكل موجود مبدأ لكل‬
‫شيء حتى لنفسه وعلله لمشاركة الكل في الوجود ‪ ،‬أو مع التجرد ‪ ،‬فالعدم من مبدأ‬
‫الوجود ‪ ،‬فينسد باب إثبات الصانع ؛ لجواز أن يكون المؤثر وجود ممكن أو المجموع‬
‫منه ومن العدمي ‪ ،‬ال يقال التجرد شرط التأثير ؛ ألنا نقول ‪ :‬فكل وجود مبدأ للكل ‪-‬‬
‫وإن تخلف عنه األثر لفقد شرطه ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬نختار األول مع أن الوجود واحد ‪ ،‬فال يكون الكل مبدأ للكل حتى لنفسه وعلله ‪،‬‬
‫وعلته أن التجرد شرط والمحظور إنما يلزم لو أثر ؛ لكن وجود الشرط في الممكنات‬
‫محال ‪ ،‬فجاز أن يستلزم فرض وقوعه محال اآلخر ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬الوجوب نسبة تقتضي طرفين ‪ .‬قلنا ‪ :‬يكفي التغاير االعتباري كمن يعلم‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬الوجود طبيعة نوعية ‪ ،‬فال تختلف لوازمه ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬مبني على التعدد ‪ ،‬ويجوز باعتبار صفات أخرى معها ‪ ،‬هاهنا شبهات آخر تأتي‬
‫وّللا الموفق‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬واآلن أوان الشروع في المقاصد ه‬ ‫كلها في مواضعها إن شاء ه‬
‫والمعين على الشدائد ‪.‬‬
‫***‬

‫‪49‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 50‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٥٠‬‬

‫أوان الشروع في المقاصد‬


‫ّللا عنه وأرضاه ‪ [ :‬الحمد هّلل الذي أبان سبحانه وتعالى بمستقرات‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫الهمم مراتب علم اليقين وعدمه وعينه وحقه ودرجاته ‪] .‬‬
‫وّللا علم لذات‬‫قوله ‪ “ :‬الحمد هّلل “ ‪ :‬الحمد تعظيم الذات بما فيها من محاسن صفات ‪ ،‬ه‬
‫الواجب من حيث يرتبط وجود العالم بها ‪ ،‬وعلم الذات المطلقة هو الهاء ‪ ،‬ألنها كناية‬
‫عن الغائب ‪ ،‬فلها شكل اإلحاطة في الخط العربي ‪ ،‬وابتدائها من وسط الصدر ‪ ،‬فتمر‬
‫على جميع المخارج من جميع الجهات ‪ ،‬فتحيط بخواص سائر الحروف إحاطة غيب‬
‫الذات بمراتب التعينات ‪ ،‬لكن ال رسم لها من حيث اإلطالق لتنزهها عن كل حكم‬
‫ّللا‬
‫وتجردها عن كل اسم ورسم ‪ ،‬بل من حيث النسبة اإلطالقية ‪ ،‬وإنما استحق لفظة ه‬
‫للموصوفية ؛ ألن لها أحدية جمع جميع الصفات األلوهية من الحياة والعلم والقدرة‬
‫واإلرادة والكالم والسمع والبصر ‪ ،‬بخالف سائر األسماء ؛ ألنها ال تدل إال على مفهوم‬
‫مخصوص ‪.‬‬
‫والهمزة فيه إشارة إلى التعين األول ‪ ،‬واأللف الخفيفة المختفية إلى اختفاء النفس‬
‫المتعينة به ‪ ،‬والالم األولى للملك ‪ ،‬والثانية للملكوت ‪ .‬واإلدغام إلى إدراج الملكوت‬
‫الباطن في الملك الظاهر ‪ ،‬وانفصال األلف عنها إلى انقطاع المناسبة بين المطلق‬
‫والمتقيد من حيث اإلطالق والتقيد من حيث ‪ ،‬واأللف الظاهرة بعدهما لفظا ال خطا إلى‬
‫دون المتجلي في نفسها ‪ ،‬وإحاطتها على جميع األعيان النفسية حتى ارتبط اإلله‬
‫بالمألوه ‪ ،‬والهاء إلى الغيب الذاتي ‪ ،‬والحركات اإلعرابية إلى النعوت واألحكام ‪ ،‬والم‬
‫التعريف في “ الحمد “ لالستغراق ‪ ،‬وفي “ هّلل “ لالختصاص ‪ ،‬فيخص جميع‬
‫أقسامه ‪ ،‬وهي أربعة ‪ :‬حمد الحق نفسه بتعظيم الذات بكمال إطالقه على النسب‬
‫والتعينات ‪ ،‬وتعظيم تعينه األول بأنه متبع الكماالت ‪ ،‬وتعظيمه بإحاطة علمه بجميع‬
‫المعلومات ‪ ،‬وحقائقه المؤثرة الوجوبية ‪ ،‬ووجود الظاهر بانبساطه على الكائنات ‪.‬‬

‫وحمد الحق للخلق بأنهم مالبس نوره ‪ ،‬وحمد الخلق بامتيازه بالوجوب الذاتي ‪ ،‬فمنه‬
‫حمد عالم المعاني أي األعيان الثابتة بأنها شؤونه المعنوية وتعينات األسماء اإللهية ‪،‬‬
‫وحمد عالم األرواح بالتنزيه والوحدة والنهورية ‪ ،‬وحمد عالم المثال بأنها أجساد‬
‫التجليات وقوالب األرواح والمعاني ‪ ،‬وحمد عالم األجسام من حيث حقائقها ومعانيها‬
‫وبجاللتها الروحانية ‪ ،‬وحمد عالم اإلنسان بتنزيههم عن النقائص ونعته بما هو عليه‬
‫من الكماالت على الوجه‬

‫‪50‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 51‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٥١‬‬

‫األكمل ‪ ،‬وحمد الخلق تعظيم المثني عليه لفضائل خصيصة به ‪ ،‬وهو مشرب لكمال‬
‫حمد الحق نفسه من حيث أنه باعتبار الوجود الظاهر بالكل وفي الكل عين الكل ‪،‬‬
‫والحمد المحيط بهذه المحامد والمسمى حمد الحمد ‪ ،‬وهو القائم بالحق ‪ ،‬واإلنسان‬
‫الكامل يعظم الحق ؛ إما بأحدية جمع جميع المعاني من حيث ظهور هذا اإلنسان الكائن‬
‫الكامل بالصورة اإللهية ‪ ،‬وإما بحسب تفصيله ؛ فإن كان حقيقة من حقائقه ‪ -‬أعني‬
‫الروح ‪ ،‬والقلب ‪ ،‬والنفس ‪ ،‬والجسم ‪ ،‬وسائر النعوت واألحكام منه ‪ -‬تعرف الحق من‬
‫حيث االسم الذي يستند إليه بلسان الذات والمرتبة واالستعداد وأحدية الجمع بما ال‬
‫يتناهى من المحامد منه ‪.‬‬

‫[ الذي أبان سبحانه وتعالى بمستقرات الهمم مراتب علم اليقين وعدمه وعينه وحقه‬
‫ودرجاته ] ‪.‬‬
‫شرحه ‪ ( :‬أبان ) جعل الشيء ضروريا ‪ ،‬وهذا يتوقف على المقدمة ‪ ،‬هي أن الطالبين‬
‫لحقائق األشياء أربع طوائف ‪ :‬حكماء إشراقيون يطلبونها على سبيل الكشف والعيان ‪،‬‬
‫ال على قاعدة اإلسالم ‪ ،‬ومشائيون يطلبونها بالح هد والبرهان كذلك ‪ ،‬ومتكلمون‬
‫يطلبونها بهما على قاعدة اإلسالم ‪ ،‬وصوفية يطلبونها بالكشف والعيان كذلك ‪ .‬والمراد‬
‫بالكشف حصول العقيدة الجازمة بتجريد النفس عن العالئق الجسدانية والصفات‬
‫ّللا تعالى بالكلية وبقاعدة اإلسالم موافقة الكتب السماوية‬
‫الذميمة ‪ ،‬والتوجه إلى ه‬
‫واألخبار النبوية من غير تحمل تأويل لها بال ضرورة ‪.‬‬

‫قيل ‪ :‬يحتاج إلى معونة النظر ؛ ليتميز الحاصل باإللهام عن إلقاء الشيطان وحديث‬
‫النفس على أنه غير مقدور للبشر ‪ ،‬والتصفية تتوقف على مجاهدات قلهما يفيء بها‬
‫المزاج والطمأنينة ؛ إنما هي بالنظر إذا لم يصر الحاصل عند التصفية ضروريا ؛ ألنه‬
‫حصل بحال يلزم من زواله زوال شيء من المعلوم ‪ ،‬فهو مرتب عليه ؛ إذ ال معنى‬
‫للنظري غير ذلك ‪ ،‬وإن لم يلزم فال عبرة به كالتقليد به ‪ ،‬مع أنها توجد للمبطلين فال ب هد‬
‫من فارق ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬التمييز بموافقة الكتاب والسنة وإجماع األمة ‪ ،‬وبهذا خرج ما يوجد للمبطلين ‪.‬‬
‫‪:‬والهذَينَ جا َهدُوا َفينا‬
‫واإللهام ‪ -‬وإن كان غير مقدور ‪ -‬لكنه حاصل بوعده تعالى َ‬
‫سبُلَنا[ العنكبوت ‪ ، ] 69 :‬والتصفية ال تخ هل بالمزاج لو كانت على قاعدة‬
‫لَنَ ْه َديَنه ُه ْم ُ‬
‫المحققين ‪ ،‬بل تزيد اعتداال ‪ ،‬على أنه يحتاج إليها في النظر أيضا لرفع الشكوك‬
‫والشبهات‬

‫‪51‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 52‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٥٢‬‬

‫التي فيه ‪ ،‬والعبرة إنما هي بالحاصل للضروري ‪ -‬وإن كان نظريا قبله ‪ ،‬وال ينازع‬
‫في صيرورة النظري ضروريا من يعتد به ‪ ،‬على أن معونة النظر ال تضرنا فكيف‬
‫باإللهام ‪ ،‬وقد وعد عز وجل على المجاهدة فيه وما يترتب عليه بوعده عز وجل ‪،‬‬
‫كيف يكون باطال ؟‬
‫ّللا يَ ْجعَ ْل لَ ُك ْم فُ ْرقانا ً [ األنفال ‪.] 29 :‬‬ ‫ّللا تعالى ‪ :‬يا أَيُّ َها الهذَينَ آ َمنُوا َإ ْن تَتهقُوا ه َ‬ ‫وقد قال ه‬
‫عز وج هل ‪ :‬أ َ فَ َم ْن‬ ‫قالوا ‪ :‬نورا يفرق به بين الحق والباطل ‪ ،‬وهو المشار إليه بقوله ه‬
‫ور َم ْن َر َبه َه [ الزمر ‪.] 22 :‬‬ ‫على نُ ٍ‬ ‫الم فَ ُه َو َ‬
‫ْل ْس َ‬‫ص ْد َرهُ َل ْ َ‬
‫ّللاُ َ‬
‫ش ََر َح ه‬
‫س َمينَ [ الحجر ‪.] 75 :‬‬ ‫ت َل ْل ُمت َ َو َ ه‬ ‫ّللا تعالى ‪َ :‬إ هن َفي ذ َل َك َآليا ٍ‬ ‫وقال ه‬
‫ت َلقَ ْو ٍم يُوقَنُونَ [ الجاثية ‪.] 4 :‬‬ ‫ّللا تعالى ‪ :‬قَ ْد بَيهنها ْاآليا َ‬ ‫وقال ه‬
‫ت َلقَ ْو ٍم يَتهقُونَ [ يونس ‪:‬‬ ‫ض َآليا ٍ‬ ‫ت َو ْاأل َ ْر َ‬
‫سماوا َ‬ ‫ّللاُ َفي ال ه‬ ‫ّللا تعالى ‪َ :‬وما َخلَقَ ه‬ ‫وقال ه‬
‫‪.] 6‬‬
‫ظةٌ َل ْل ُمت ه َقينَ [ آل عمران‪:‬‬ ‫ى َو َم ْو َع َ‬ ‫اس َو ُهد ً‬ ‫يان َللنه َ‬ ‫وقال ‪ :‬هذا بَ ٌ‬
‫ْث ال يَ ْحت َ َس ُ‬
‫ب‬ ‫ّللا يَ ْجعَ ْل لَهُ َم ْخ َرجا ً * َويَ ْر ُز ْقهُ َم ْن َحي ُ‬‫ق هَ‬ ‫ّللا تعالى ‪َ :‬و َم ْن يَت ه َ‬ ‫] ‪ ،138‬وقال ه‬
‫[ الطالق ‪] .3 ، 2 :‬‬
‫قالوا ‪ :‬يجعل له مخرجا من الشبه واإلشكاالت ‪ ،‬وعلمه علما من غير تعلم ‪ ،‬ويفطنه‬
‫ّللا علم ما لم‬ ‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬من عمل بما علم ورثه ه‬ ‫من غير تجربة ‪ .‬وقال صلى ه‬
‫ساه ما‬ ‫يعلم ‪ ،‬ووفقه فيما يعمل حتى يستوجب دخول الجنة ‪ ،‬ومن لم يعمل بما علم ن ه‬
‫يعلم ولم يوفق فيما يعمل حتى يستوجب النار “ “ ‪“ .1‬‬
‫وقال ‪ “ :‬إن من أمتي محدثين ومكلمين وإن عمر منهم “ “ ‪“ .2‬‬
‫ّللا “ “ ‪“ .3‬‬ ‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور ه‬ ‫وقال صلى ه‬
‫وما يدل على اعتبار النظر ال ينافيه ‪ ،‬فإن كال الطريقين حسن عند المحققين ؛ لكن‬
‫‪.............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه أبو نعيم في الحلية ( ‪ ، ) 15 / 10‬وذكره ابن كثير في التفسير ( ‪/ 4‬‬
‫‪ ) 529‬بأوله فقط ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬ذكره القرطبي في التفسير ‪( 13 / 174 ) .‬‬
‫) ‪( 3‬رواه الترمذي ( ‪ ، ) 298 / 5‬والبخاري في التاريخ الكبير‪( 7 / 354 ) .‬‬

‫‪52‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 53‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٥٣‬‬

‫من اعتقد أنه ال اعتبار بالتزكية والتجلية والتصفية في طريق التعليم والنظر ؛ ارتكب‬
‫متن الهوى والهوس ‪ ،‬واستولت عليه الرذائل ‪ ،‬وحرمت عليه الفضائل ‪ ،‬واستقل‬
‫بقراءة كتب مقلدي الفالسفة وزبر المتكلمين من أصحاب الجدل والمنازعة ‪ ،‬وضيع‬
‫عمره في الخياالت الفاسدة واألوهام الباطلة عند تالطم الشكوك والشبهات المغرقة ‪،‬‬
‫فاضمحل نور قلبه وعميت بصيرته بتراكم كدورات المظلمة والعقائد الفاسدة ‪ ،‬فازداد‬
‫فيه الجهل والتردد ‪ ،‬وحصل له البهت والتحير ‪ ،‬وال يدرى أين يذهب فلحق به من‬
‫الحق الغضب ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬أبان ‪ . . .‬الهمم ) ‪ :‬والهمة من هم إذا اندفع في القصد واختلفوا في معناها ‪.‬‬
‫قال صاحب المنازل ‪ “ :‬ما تملك االنبعاث للمقصود صرفا ال يتمالك صاحبها “ ‪ ،‬وال‬
‫يلتفت عنها ‪ ،‬أي ال يقدر صاحبها وال يستطيع أن يصبر عنه عن الليث والمهل‬
‫والصبر عنه ؛ ( النقهاره ) تحت سلطان الهمة وال يمكنه االلتفات عن مقتضاها ‪.‬‬
‫ّللا عنه في اصطالحاته ‪ :‬إن الخاطر إذا تحقهق‬ ‫وقال الشيخ المحقق محيي الدين رضي ه‬
‫سموه إرادة ‪ ،‬فإذا تردهد في الثالثة سموه همة ‪ ،‬وفي الرابعة سموه عزما ‪.‬‬ ‫في النفس ه‬
‫وعند التو هجه إلى الفعل إن كان خاطر الفعل ‪ ،‬سموه قصدا ومع الشروع في الفعل ‪،‬‬
‫سموه سعيا ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬الباعث النفساني في الطلب للكمال ‪ ،‬فمنهم من يه هم بالمه همات الدنياوية ‪ ،‬ومنهم‬
‫ّللا‬
‫ّللا وفيما عند ه‬
‫باّلل ‪ ،‬وفي ه‬
‫من همته الكماالت األخروية ‪ ،‬ومنهم من يتعلق همهم ه‬
‫ّللا بمقتضى علو متعلقات همهم من‬ ‫والتفاضل بينهم ؛ إنما هو بحسب الحظوظ من ه‬
‫الكف والشهود والمراتب كالنبوة والوالية والخالفة ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬هم مجموع في حضرة اسم إلهي يقتضي األثر المراد بحيث ال يتردد منها إلى‬
‫غيرها ‪ ،‬فيؤثر ذلك االسم فيما يراد بشرط جمع الهمم “ ‪“ . 1‬‬
‫واألول هنا أوفق لكن له أقسام ‪ :‬في البدايات عقد الهمة بالطاعة والوفاء بعهد التوبة ‪،‬‬
‫وفي األبواب تعلق القلب بالنعيم الباقي ‪ ،‬وصرف الرغبة عن الفاني والجد في الطلب‬
‫من غير توان ‪ .‬وفي المعامالت همة باعثة على االستقامة في العمل ‪ ،‬مع دوام‬
‫باّلل في التوكل والتسليم ‪ ،‬وفي األخالق صرف الهمة بالكلية إلى‬ ‫المراقبة وقوة الثقة ه‬
‫إحراز السعادات والكماالت ‪ ،‬وفي األصول همة تجذب صاحبها إلى جانب الحق بقوة‬
‫اليقين‬
‫‪................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬انظر ‪ :‬لطائف األعالم للعالمة القاشاني ( ص ‪.) 453‬‬

‫‪53‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 54‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٥٤‬‬

‫وروح األنس مانعة عن الفتور في السير والزيغ في القصد ‪ ،‬وفي األودية التوجه إلى‬
‫الحق بالكلية مع األنفة من المباالة بحظوظ النفس من األعراض واألعواض والوسائط‬
‫كالعمل واألمل والوثوق به ‪.‬‬

‫وفي األحوال صيرورة الهموم ه هما واحدا باستيالء سلطان العشق ‪ ،‬وفي الواليات همة‬
‫تعلو الصفات ‪ ،‬وتنمو عن النعوت نحو الذات ‪ ،‬وفي النهايات ال همة إال لتأثير‬
‫بمؤثرية الحق في جميع الممكنات ‪ ،‬والمراد هنا ما ذكر في األودية وما بعدها ‪.‬‬
‫والحد عليها أطبق ‪ ،‬والهمة إنما يقال على ما قبلها مجازا ‪ ،‬سيهما فيما قبل االنفالق ‪،‬‬
‫ويجوز أن يقال المراد بالهمة ها هنا هو القسم الثالث من القول األخير ‪ ،‬وأما المعنى‬
‫الثاني والرابع فيختصان بالتأثير في الغي ‪ ،‬والمراد باستقرارها طمأنينة القلوب التي‬
‫هي فيها ‪ ،‬باعتبار صفاتها بنور اإليمان ومطابقة ما حصل منها للكتاب والسنة ‪ ،‬وذلك‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬بحيث ينقطع عنها الوسواس والهواجس فتمكن نور‬ ‫لطمأنينة النفس بذكر ه‬
‫وب[ الرعد ‪ ] 28 :‬؛‬ ‫ّللا ت َ ْ‬
‫ط َم َئ ُّن ْالقُلُ ُ‬ ‫الذكر فيهاأَال َب َذ ْك َر ه َ‬
‫وذلك ألنه تعالى واجب الوجود فليس وراءه شيء ‪ ،‬وهو نور محض ال يبقى معه‬
‫ظلمة والتوجه التام يقوى جهة الحقيقة الحقيهة إلى أن يقهرها كالقطعة من الحديدة‬
‫المجاورة للنار ‪ ،‬يحصل منها ما يحصل من النار ؛ وذلك ال يمكن إال بالمحبة الكامنة‬
‫في العبد ‪ ،‬وظهورها ال يكون إال باالجتناب عما بضادها وهو التقوى ‪ ،‬فتنبهك الذي‬
‫أبان سبحانه وتعالى بمستقرات الهمم مراتب علم اليقين وعينه وحقه ‪ ،‬فاليقين على ما‬
‫ذكره الشيخ محيي الدين في رسالة “ اليقين “ ‪ ،‬مقام بين العلم والطمأنينة من يقن‬
‫الماء في الحفرة إذا استقر فيها أو من اليقين المعقود التي في الرجل تمسك به السفينة ؛‬
‫ألنه عبارة عن استقرار العلم في القلب بحيث ال يزول مهما نقل من محل الموقف ‪،‬‬
‫وانتفى عنه انتفى اإليمان وأعقبه الشك ‪ ،‬والشك نوع من الشرك أو تعطيل ؛ ولهذا لما‬
‫ّللا عليه وسلم ‪:‬‬‫قيل في إبراهيم ما قيل حتى قيل له أو لم تؤمن قال نبينا محمد صلى ه‬
‫“نحن أولى بالشك من إبراهيم “ “ ‪ ، “ 1‬وأثبت فيه اليقين ‪.‬‬

‫فمعلوم أن اليقين كان عنده والطمأنينة كانت مطلوبة له ‪ ،‬وهي التي تعطيها العين ؛‬
‫‪................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه البخاري ( ‪ ، ) 1233 / 3‬ومسلم ( ‪ ) 133 / 1‬بلفظ ( أحق ) بدال من‬
‫( أولى )‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 55‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٥٥‬‬

‫ولذلك قال ‪َ :‬ول َك ْن َليَ ْ‬


‫ط َمئَ هن قَ ْل َبي [ البقرة ‪ ، ] 260 :‬والشكوك أمراض زائدة على‬
‫اليقين ‪ ،‬فجاز أن يطلب‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬والعلم ال ب هد أن يستند إلى اليقين ‪ ،‬رفع العلم والطمأنينة حياته ‪ ،‬واختلفوا في‬
‫العلم اليقين وعينه وحقه‪.‬‬
‫وقال في االصطالح ‪ :‬علم اليقين ما أعطاه الدليل ‪ ،‬وعينه ما أعطاه المشاهدة ‪ ،‬وحقه‬
‫ما حصل من العلم بما أراه ذلك الشهود ‪ ،‬ويقرب منه قول العارف علم اليقين ما كان‬
‫من طريق النظر واالستدالل وعين اليقين ‪ ،‬ما كان بطريق الكشوف والنوال وحق‬
‫اليقين ‪ ،‬ما كان بتحقيق وانفصال عن لوث الصلصال لورود رائد الوصال‪.‬‬
‫وقال صاحب المنازل ‪ :‬علم اليقين قبول ما ظهر من الحق ‪ ،‬وقبول ما غاب للحق‬
‫والوقوف على ما قام بالحق ‪ ،‬وعين اليقين هو المعنى باالستدراك عن االستدالل ‪،‬‬
‫وعن الخبر بالعيان ‪ ،‬وخرق الشهود حجاب العلم ‪ ،‬وحق اليقين أسفار صبح الكشف ‪،‬‬
‫ثم الخالص من كلفة اليقين ‪ ،‬ثم الفناء في الحق اليقين‪.‬‬
‫وفي العوارف قال فارس ‪ :‬حق اليقين هو حقيقة ما يشير إليه علم اليقين ‪ ،‬وعين اليقين‬
‫ما يتحقق العبد بذلك وهو يشاهد العيون ‪ .‬العيون كما يشاهد المرائي مشاهدة عيان ‪،‬‬
‫ويحكم على الغيب فيخبر عنه بالصدق‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬علم اليقين حال المعرفة ‪ ،‬وعين اليقين حال الجمع ‪ ،‬وحق اليقين جمع‬
‫الجمع بلسان التوحيد‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬اليقين اسم ورسم وعلم وعين وحق ‪ ،‬فاالسم والرسم للعوام ‪ ،‬وعلم اليقين‬
‫لألولياء ‪ ،‬وعين اليقين لخواص األولياء ‪ ،‬وحق اليقين لألنبياء ‪ ،‬وحقيقة حق اليقين‬
‫ّللا عليه وسلم‪.‬‬
‫اختص به نبينا صلى ه‬
‫واألول أقرب لما نحن فيه ‪ ،‬وأما مراتب علم اليقين ‪ ،‬فهي أنه قد يوجد األدلة النظرية‬
‫بعد طول المباحثة والمناقشة ‪ ،‬وقد يوجد بأدنى سعى ‪ ،‬وقد يوجد منها باألدلة الظاهرة‬
‫الوجدانية ‪ ،‬وقد يوجد بالمقبوالت من كالم محققي المشايخ ويتفاوت بتفاوتهم ‪ ،‬أو من‬
‫ألفاظ الكتاب والسنة ‪ ،‬بخالف المأخوذ من علماء الظاهر ‪ ،‬فإنه تقليد ال علم‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 56‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٥٦‬‬

‫وأما مراتب عين اليقين فهي ‪ :‬أن يؤخذ من عالم المثال “ ‪ ، “ 1‬أو من األرواح‬
‫األرضية ‪ ،‬أو السماوية ‪ ،‬أو من العقول والنفوس العالية ‪ ،‬أو من العلم األزلي اإللهي‪.‬‬
‫وأما مراتب حق اليقين ‪ :‬فإنه يتحقق بأفعال الحق أو بصفاته ‪ ،‬أو يفنى في ذاته ‪ ،‬أو‬
‫يبقى بها ‪ .‬وأما درجات علم اليقين فهي ‪ :‬أنه قد يكون بال سكينة وال طمأنينة ‪ ،‬وقد‬
‫يكون معهما أو مع أحدهما ‪ ،‬وقد يكون بأدلة ‪ ،‬فلها شبهات ضعيفة ال تؤثر ؛ لكن‬
‫يتحير في التفحص عنها عند البحث لضيق مجال العبارة ‪ ،‬وقد يكون بأدلة ال مدخل‬
‫للشبهة فيها ‪ ،‬وقد يكون بدليل واحد ‪ ،‬وقد يكون بأدلة متعاضدة ‪ ،‬وقد يستدل عليه‬
‫بالبرهان اآلني فقط ‪ ،‬وقد يستدل عليه باللهمي معه‪.‬‬
‫وأما درجات عين اليقين ‪ ،‬فهي أنه قد يكون بال سكينة وال طمأنينة وقد يكون معهما‬
‫بالمكاشفة ‪ ،‬وقد يكون بالمشاهدة ‪ ،‬وقد يكون بالمعاينة ‪ ،‬فالمكاشفة شهود األعيان وما‬
‫فيها من األحوال في عين الحق ‪ ،‬فهو التحقيق الصحيح بمطالعة تجليات اإللهية‬
‫والمشاهدة ‪ ،‬وآلية األسماء اإللهية والمشاهدة ‪ ،‬وآلية الذات كما أن المكاشفة آلية‬
‫النعت‪.‬‬
‫فالمشاهدة شهود الذات بارتفاع الحجاب مطلقا ‪ .‬والمعاينة عيان الحق ذاته بذاته بال‬
‫شبهة مع عدم اعتبار نقيصة التلوين‪.‬‬
‫وأما درجات حق اليقين فهي ‪ :‬أنه قد يكون بفناء النفس فقط ‪ ،‬أو بفناء القلب معها ‪ ،‬أو‬
‫بفناء الروح معها مع بقاء السر ‪ ،‬أو مع بقاء الخفي أوال مع شيء منها ‪ ،‬أو بقاء كل‬
‫شيء من هذه ال بوجودها ‪ ،‬بل بالوجود الحق والنور الفائض منه ‪ ،‬ثم لكل منها‬
‫درجات ال يسع هذا المختصر ذكرها‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأوضح ‪ ،‬بسكون قلق الطالبين حال الوصول إلى منتهى شأو‬ ‫قال رضي ه‬
‫نفوسهم بتفاوت درجاتهم في منازل معرفته سبحانه في تقريباته ]‪.‬‬
‫اإليضاح ‪ :‬اإلخراج من حيز الخفاء إلى الظهور ‪ ،‬كما أن اإلبانة ‪ :‬اإلخراج من حيز‬
‫الجهل المفتقر إلى النظر إلى حيز العلم الضروري ‪ ،‬واألول أبلغ ؛ إذ بقي في‬
‫الضروري نوع خفاء ‪ ،‬لعدم سكون القلق ‪ ،‬والسكون انقطاع الحركة ‪ ،‬والقلق في‬
‫البدايات تحرك النفس إلى‬
‫‪.......................................................‬‬
‫) ‪ ( 1‬اعلم أن مرتبة عالم المثال ‪ ،‬وهي مرتبة وجود األشياء الكونية المركبة اللطيفة‬
‫‪ ،‬التي ال تقبل التجزئة والتبعيض والخرق وااللتئام‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 57‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٥٧‬‬

‫طلب الموعود ‪ ،‬والسآمة بما سواه في الوجود ‪ ،‬وفي األبواب قلق يضيق الخلق ‪،‬‬
‫ويبغض إلى صاحبه الخلق ‪ ،‬ويحبب إليه الموت ‪.‬‬
‫وفي المعامالت التوحش عما سوى الحق ‪ ،‬واألنس بالوحدة ‪ ،‬والتخلي عن الخلق ‪.‬‬
‫وفي األخالق االنخالع عن البصر والطاقة لما يجد من التوقان إلى الحق والفاقة ‪.‬‬
‫وفي األصول االضطراب في الفرار إلى المقصود عن كل ما يثبطه في السير إليه أو‬
‫يقتضى الصدود ‪ ،‬وفي األودية قلق يغلب العقل ‪ ،‬ويثار والثقل ‪ ،‬وفي األحوال تحريك‬
‫الشوق صاحبه بإسقاط صبره ‪ ،‬وفي الواليات قلق يصفي الوقت ‪ ،‬وينقي النعت ‪ ،‬وفي‬
‫الحقائق قلق ينفى الرسوم والبقايا ‪ ،‬وال يرضى بالعطايا والصفايا ‪ ،‬وفي النهايات ال‬
‫يبقى شيئا وال يذره ‪ ،‬ويفنى كل عين وأثره ‪.‬‬
‫والمراد هاهنا ما في األحوال ‪ ،‬والطالب هو المتوجه السائر إلى الحق باالنقطاع عما‬
‫سواه ‪ ،‬والوصول البلوغ إلى الغاية وحال هو وقته المنطبق عليه ‪.‬‬
‫والشأو البعد ‪ ،‬والنفس هي الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس‬
‫والحركة واإلرادة ‪ ،‬وس هماه الحكيم الروح الحيوانية ‪ ،‬وهي الواسطة بين القلب الذي هو‬
‫النفس الناطقة وبين البدن ‪ ،‬وهي إما أمارة تميل إلى الطبيعة البدنية ‪ ،‬وتأمر باللذات‬
‫والشهوات الحسية ‪ ،‬وتجذب القلب إلى الجهة السفلية ‪ ،‬فهي مأوى الشر ‪ ،‬ومنبع‬
‫األخالق الذميمة واألفعال السيئة ‪ ،‬وإما لوامة تنورت بنور القلب تنورا ما بقدر ما‬
‫نبهت به عن سنة الغفلة ‪ ،‬فتيقظت وبدأت بإصالح حالها مترددة بين جهة الربوبية‬
‫والخلقية ‪ ،‬فلما صدرت منه سيئة بحكم جبلتها ه‬
‫الظلمانيهة وسجيهتها تداركها نورا للتنبيه‬
‫اإللهي ‪ ،‬فأخذت تلوم نفسها وتتوب عنها ‪ ،‬وإما مطمئنة ثم تنورها بنور القلب ‪ ،‬حتى‬
‫انخلعت عن صفاتها الذميمة ‪ ،‬وتخلقت باألخالق الحميدة ‪ ،‬وتوجهت إلى جهة القلب‬
‫متنزهة عن جانب الرجس ‪ ،‬والوصول إلى‬ ‫ه‬ ‫بالكلية متتابعة له إلى جانب عالم القدس ‪،‬‬
‫ّللا رفع‬
‫منتهى شأوها بانتهاء أسفارها بعد طمأنينتها ونهاية السفر األول ‪ ،‬أعني إلى ه‬
‫ّللا هو رفع حجاب عن‬ ‫حجب الكثرة عن وجه الوحدة ‪ ،‬ونهاية السفر الثاني ‪ ،‬أعني في ه‬
‫وجوه الكثرة العلمية الباطنية ‪ ،‬ونهاية السفر الثالث ‪ ،‬أعني أحديته الذات ‪ ،‬وهو زوال‬
‫التقيد بالضدين الظاهر والباطن بالحصول في أحدية عين الجمع ‪ ،‬ونهاية السفر الرابع‬
‫ّللا إلى الخلق في‬
‫‪ ،‬أعني عن ه‬

‫‪57‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 58‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٥٨‬‬

‫مقام االستقامة هو أحدية الجمع والفرق ‪ ،‬بشهود اندراج الحق في الخلق ‪ ،‬واضمحالل‬
‫الخلق في الحق حتى يرى العين الواحدة في صورة الكثرة ‪ ،‬والصور الكثيرة في عين‬
‫الوحدة‪.‬‬
‫والمعرفة تقال على معنيين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬العلم بأمر باطن ؛ ليستدل عليه بأمر ظاهر ‪ ،‬كما لو سميت شخصا فعلمت‬
‫باطن أمره بعالمة ظاهرة منه ‪،‬‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ :‬فَلَعَ َر ْفت َ ُه ْم َب َسيما ُه ْم َولَت َ ْع َرفَنه ُه ْم َفي لَ ْح َن ْالقَ ْو َل‬
‫كما قيل للنبي صلى ه‬
‫[ محمد ‪.] 30 :‬‬
‫وثانيهما ‪ :‬العلم بمشهود سبق به عهد ‪ ،‬كما رأيت شخصا رأيته قبل ذلك بمدهة ‪ ،‬فعلمت‬
‫أنه ذلك المعهود ‪ ،‬فقلت عرفته بعد كذا سنة ‪ ،‬فالمعروف على حسب مراتب الوجود ‪،‬‬
‫وهي ستة ‪ :‬مرتبة الذات األحدية ‪ ،‬ومرتبة الحضرة اإللهية الواحدية ‪ ،‬ومرتبة‬
‫المعاني المجردة ‪ ،‬ومرتبة األرواح ‪ ،‬ومرتبة عالم المثال ‪ ،‬ومرتبة عالم الشهادة ‪،‬‬
‫ومرتبة كون الجامع وهو اإلنسان الكامل ‪ ،‬وفي كل واحد منها تفاصيل كثيرة جدها‪.‬‬
‫وأما تفاوت درجات الطالبين فيها ‪ ،‬فهي إن من العارفين من ال طريق له إلى معرفته‬
‫سوى االستدالل بفعله على صفته ‪ ،‬وبصفته على اسمه ‪،‬‬
‫وباسمه على ذاته‪:‬‬
‫كان بَ َعي ٍد [ فصلت ‪ ، ] 44 :‬ومنهم من تحمله العناية األزلية ‪،‬‬ ‫أُولئَ َك يُنا َد ْونَ َم ْن َم ٍ‬
‫فتطرقه إلى حريم الشهود ‪ ،‬فيشهد المعروف تعالى بعد المشاهدة السابقة في معرفة‪:‬‬
‫أ َلَ ْستُ َب َر َبه ُك ْم [ األعراف ‪، ] 172 :‬‬
‫ويعرف به أسماءه وصفاته وعكس ما يعرفه العارف األول ‪ ،‬وبينهما بون بين ‪ ،‬إذ‬
‫األول بغيبة معروفة كنائم يرى خياال غير مطابق للواقع ‪ ،‬والثاني بشهود معروف‬
‫كمتيقظ يرى مشهودا حقيقيا مطابقا له‪.‬‬
‫والحق سبحانه واحد في الذات والصفات واألسماء واألفعال ‪ ،‬بمعنى أن كل شيء‬
‫نسب إليه ذات أو صفة أو اسم أو فعل ‪ ،‬فنسبتها مجازية ؛ ألنها في الحقيقة عكوس‬
‫أنوار تجليات الذات والصفات األزلية واألسماء واألفعال اإللهية من مظاهر الكون ‪،‬‬
‫وليس بمظاهرها شيء منها حقيقة كما للمرآة من الصور المتجلية فيها ‪،‬‬
‫ّللا حقيقة لقوله تعالى ‪َ :‬و ُه َو‬ ‫فالسمع والبصر من الصفات في أي موصوف كان هو ه‬
‫ير [ الشورى ‪، ] 11 :‬‬ ‫ص ُ‬‫س َمي ُع ْالبَ َ‬‫ال ه‬
‫وإظهار الحق سبحانه وتعالى سر ذاته وصفاته وأفعاله ‪ ،‬ما كان لخفائه عليه قبل ذلك ؛‬
‫ولكن ليتجلى باسمه الظاهر آخرا ‪ ،‬كما كان متجليا باسمه الباطن أوال ‪ ،‬ثم‬

‫‪58‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 59‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٥٩‬‬

‫إنه تعالى ما ظهر شيء من مظاهر أفعاله إال وقد احتجب به ؛ وذلك من إتقان صنعه‬
‫وبليغ حكمته ‪ ،‬وال يعني باالسم اللفظ بل هو مدلوله ‪ ،‬وهو الذات الموصوفة ‪ ،‬وهذا‬
‫معنى قول العلماء ‪ :‬االسم ‪ :‬المسمى ‪ ،‬وأما تفاوت درجاتهم في تقريباته ‪ ،‬فهو أن‬
‫العارف قد يتصف بأوصافه على قدر الطاقة البشرية ‪ ،‬وقد يفنى فيها وقد يفنى بها ‪،‬‬
‫وقد يشاهدها وقد يشاهد الذات ‪ ،‬ويفنى فيها ويبقى بها ‪ ،‬ثم إنه قد يكون العارف في‬
‫مقام التحقق “ ‪ ، “ 1‬والفرق بينهما سيجيء ‪ ،‬ثم إنه قد يصير بدال وقد يصير وتدا ‪،‬‬
‫وقد يصير إماما قطبا ‪ ،‬وقد يصير فردا ‪ ،‬وقد يصير غير ذلك ‪ ،‬وبيان هذه األشياء ال‬
‫يتسع لها هذا الموضع ‪ ،‬ويدل على وضوح هذا التفاوت عند الوصول إلى منتهى شأو‬
‫النفس قوله عليه وعلى أوالده السالم ‪ “ :‬من عرف نفسه فقد عرف ربه “ “ ‪2‬‬
‫“ وذلك ؛ ألن النفس ال تعرف إال بالوصول إلى منتهى شأوها ومنتهى أسفارها ‪،‬‬
‫فيذهب حينئذ حجبها النورانية والظلمانية ‪ ،‬فتنكشف الحقائق كلها لصيرورتها مرآة‬
‫كاملة الصفاء في مقابل المبادئ العالية المنتقشة بجميع العلوم والحقائق ‪ ،‬فافهم ترشد‬
‫ّللا تعالى‪.‬‬
‫إن شاء ه‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وميز خاصته من بين الخلق بأن لم يجعل لهم غاية سوى ذاته‬ ‫قال رضي ه‬
‫من جميع عوالمه وحضرات أسمائه وصفاته ]‪.‬‬
‫التمييز ‪ :‬هو النعت الرافع لاللتباس والمراد هنا التخصيص ‪ ،‬والخاصة ‪ :‬هم الذين‬
‫ّللا ‪ ،‬ودونهم‬
‫وباّلل ومن ه‬
‫ه‬ ‫ّللا‬
‫ّللا ‪ ،‬فإن لهم سيرا في ه‬
‫قطعوا المنازل حتى وصلوا إلى ه‬
‫المتوسطون الذين قطعوا أكثر المنازل ‪ ،‬ودونهم المبتدئون الذين لم يقطعوا األكثر‪.‬‬
‫ويقال لألولين السابقون ‪ ،‬وللمتوسطين المقتصدون ‪ ،‬وللمبتدئين المريدون ‪ ،‬والخلق‬
‫‪.......................................................‬‬
‫ّللا كذلك‬
‫) ‪( 1‬هو عند الطائفة عبارة عن رؤية الحق تعالى في أسمائه ‪ ،‬فإن لم ير ه‬
‫فهو إما محجوب برؤية الكون عن العين ‪ ،‬وبرؤية الخلق عن الحق ‪ ،‬أو مستهلك في‬
‫العين عن الكون ‪ .‬وفي الحق عن الخلق ‪ ،‬وهذا الشخص يفوته من الحق بقدر ما جهل‬
‫من الخلق ‪ ،‬إذ ال يمكن أن تعلم أنه تعالى خالق ورازق حال فنائك عن رؤية المخلوق‬
‫‪ ،‬والمرزوق ‪ ،‬فمن لم يشاهد االسم الخالق والرازق عند رؤية كل مخلوق ومرزوق ‪،‬‬
‫ّللا فقد فاته المعرفة الحقيقية‬
‫ّللا ‪ ،‬ومن لم ير ه‬
‫فهو محجوب عن العين بالكون فال يرى ه‬
‫لكونه ال يشهد خالقا ورازقا ونافعا وضارا وغير ذلك من األسماء التي ال تعرف إال‬
‫بشواهدها التي هي أعيان الكائنات الدالة على مكونها ‪ [ .‬اللطائف ص ‪. ] 125‬‬
‫) ‪( 2‬رواه أبو نعيم في الحلية ( ‪ ، ) 208 / 10‬وذكره العجلوني في كشف الخفا ‪( 2‬‬
‫‪/ 343 ) .‬‬

‫‪59‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 60‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٦٠‬‬

‫ما ظهر من صور الوجود في الماهيات الممكنة بها الغاية ما تطلب الحركة إليه فتنقطع‬
‫إليه ‪.‬‬
‫والذات هو األصل الذي به الشيء هو هو ‪ ،‬واختلف في العالم ‪ :‬فقيل ‪:‬الظل الثاني ‪،‬‬
‫وهو الوجود الظاهر بصور الممكنات ‪ ،‬فلظهوره بتعيناتها يسمى السوي ‪ ،‬والغير‬
‫باعتبار إضافته إلى الممكنات ‪ ،‬وهي ثابتة على عدميتها ‪ ،‬فالعالم صورته وهو هوية‬
‫العالم وروحه ‪ ،‬والتعينات أحكام اسم الظاهر الذي هو مجلي الباطن وينقسم إلى عالم‬
‫الجبروت ‪ :‬عالم األسماء والصفات اإللهية ‪.‬‬
‫وعالم األمر ‪ :‬عالم األرواح ؛ ألنها وجدت بأمر الحق بال مادة ومدة ‪ ،‬ويسمى عالم‬
‫الملكوت والغيب ‪.‬‬
‫وعالم الخلق ‪ :‬عالم األجسام الموجودة بمادة ومدة ‪ ،‬ويسمى عالم الملك والشهادة ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬ما يعلم به الشيء ‪ ،‬فكل موجود عالم أي ‪ :‬والعالم ينقسم إلى عالم غيب‬
‫وشهادة ‪.‬‬
‫وينقسم الغيب إلى محدثات غائبة عن الحس وإلى ملكوت هي الصفات القديمة ‪ ،‬وإلى‬
‫جبروت هي الذات األزلية ‪ ،‬والشهادة إلى عالم المثال ‪ ،‬وعالم األجسام ‪ ،‬وعالم‬
‫اإلنسان ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬اسم لكل موجود ‪ ،‬وينقسم إلى عالم الذات األحدية ‪.‬‬
‫وعالم اإللهية ‪ :‬وهو حضرة الواحد ‪ ،‬وعالم األرواح المجردة ‪ ،‬وعالم المثال ‪ ،‬وعالم‬
‫الملكوت وهي القوى الروحانية ‪ ،‬وعالم الملك هو الجسمانيات ‪ ،‬وعالم الكون الجامع‬
‫وهو اإلنسان ‪.‬‬
‫واالسم هو الذات مع الصفة ‪.‬‬
‫والصفة ‪ :‬هي المعنى القائم بها ‪ ،‬وقد يترادفان وينقسمان باعتبار األنس والهيبة عند‬
‫مطالعتها إلى جمالية كما للطيف ‪ ،‬وجاللية كما للقهار ‪ ،‬وعبر عنهما بيديه ‪.‬‬
‫كاّلل والموجود‬‫وتنقسم األسماء إلى ذاتية ‪ :‬ال تدل على معان زائدة متعدية على الذات ه‬
‫والقديم ‪.‬‬
‫ووصفية ‪ :‬تدل على معان زائدة ال تتعدى إلى غير كالحي والعليم والمريد ‪.‬‬
‫وفعلية ‪ :‬تدل على معان زائدة متعدية كالخالق والرازق والمصور ‪.‬‬
‫وقد يقال الذاتية ‪ :‬ما يستقل بها الذات كالحي العليم المريد القادر السميع البصير‬

‫‪60‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 61‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٦١‬‬

‫المتكلم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الذاتية ما ال يتوقف وجودها على وجود الغي ‪ ،‬وإن توقفت على‬
‫اعتباره كالعليم ‪ ،‬وتسمى األسماء األولية ومفاتيح الغيب وأئمة األسماء ‪ ،‬ثم الصفات‬
‫تنقسم إلى ما له الحيطة التامة وإلى ما ليس له ذلك ‪ ،‬فاألول ‪ :‬هو األئمة السبعة ‪ -‬وإن‬
‫كان بعضها مشروطا بالبعض ‪ ،‬كالعلم بالحياة والقدرة بهما ‪ ،‬واإلرادة بالثالثة ‪،‬‬
‫والثانية باألربعة ‪ -‬وهي أصول لكل ما عداها ‪ -‬وإن كان فيها ما يحيط بأكثر األشياء ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬بل جعل منتهى مدى هممهم أشرف متعلقات علمه‬ ‫وقال الشيخ رضي ه‬
‫الذاتي وأعلى مراداته ‪ ،‬حتى صار نهاية مرادهم وغاية مرماهم ما يريده بذاته لذاته ‪،‬‬
‫ومن جهة أعلى حيثيات شؤونه األصلية األول وأرفع تعيناته ] ‪.‬‬
‫لما كان العلم األزلي من حصول نفسه في نفسه لنفسه ‪ ،‬وحصول حقائق كل ما عداه‬
‫فيه ؛ فله متعلقات ‪ ،‬وأشرف متعلقاته ذاته الجامعة للكل الواجبة بالذات ‪ ،‬ولما كانت‬
‫اإلرادة األزلية اقتضى ظهور ما في الغيب إلى عالم الشهادة بحسب استعدادات حقائق‬
‫المظاهر ‪ ،‬كان له مرادات ‪ ،‬وأعلى مراداته ظهور ذاته في المظهر الجامع ‪ ،‬ولما‬
‫كانت هذه األمور ال تنال إال بعلو الهمة جعل منتهى مدى هممهم بحسب علم اليقين‬
‫أشرف متعلقات علمه الذاتي ‪ ،‬وبحسب عين اليقين أعلى مراداته ‪ ،‬حتى انتهى أمرهم‬
‫إلى حق اليقين بأن صار مرادهم األصلي الذي هو غاية مراماتهم بقطع المنازل ما‬
‫يريده بذاته لذاته ‪ ،‬إنه احتراز باألول عما يريده بذاته لذاته ‪ ،‬بواسطة هذا المظهر‬
‫الكامل من مقدماته ومتمماته ‪ ،‬وبالثاني عما يريد له من معرفته مع بقاء نفسه ‪ ،‬ثم فسر‬
‫ما يريده بذاته لذاته إنه ما يريده من جهة أعلى حيثيات شؤونه األصلية ‪ ،‬والشؤون‬
‫الذاتية اعتبار نقوش الحقائق في الذات األحدية ‪ ،‬وهي األعيان الثابتة في المرتبة‬
‫الواحدية ‪ ،‬والحقائق في األحدية كالشجرة وأغصانها وأوراقها وأزهارها وثمارها في‬
‫النواة ‪ ،‬وهي التي تظهر وتتفصل في الحضرة الواحدية في العلم ‪ ،‬فاألعيان الثابتة هي‬
‫حقائق الممكنات في علمه تعالى ‪ ،‬وله عز وجل بحسب هذه الشؤون تجليات في مرتبة‬
‫الواحدية التي هي صفاته وأسماؤه ‪ ،‬والشؤون منها أصلية هي الشؤون األول وغير‬
‫أصلية ‪ ،‬فاألصلية هي القابلة لظهور الحق بذاته بجميع صفاته إجماال وتفصيال معا ‪.‬‬
‫وهي وإن كان معقوال ال تدخل في الوجود ‪ ،‬فلها الحكم واألثر في كل ما له وجود‬

‫‪61‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 62‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٦٢‬‬

‫عيني ‪ ،‬ولهذا مرتبة األولية من حيث إنها مطلوبة للذات ؛ إذ المعرفة المطلوبة من‬
‫خلق العالم في قوله ‪ “ :‬كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف “ “ ‪ . “ 1‬ال تحصل إال‬
‫من مثل هذا المظهر ‪ ،‬إذ فيه جميع التجليات ‪ ،‬وال يعرف أحد ما ليس فيه حق المعرفة‬
‫‪ ،‬ومن جهة أرفع تعيناته وهو التعين األول ‪ ،‬وهو يتجلى بذاته على ذاته بصفة الواحدة‬
‫‪ ،‬تساوي فيها الظهور والبطون ‪ ،‬وباعتبار قابليته لهما كانت مظهرا لألحدية والواحدية‬
‫؛ ألنهما منتسبان ‪ ،‬فال يظهران إال بنسبة بينهما هي الواحدة‪.‬‬

‫إن للذات اعتباران ‪ :‬أحدهما انتقاء التعدد والنسب ويسمى به أحد ‪ ،‬والثاني اعتبارهما‬
‫ويسمى واحدا ‪ ،‬والتجلي األول يتضمن الكمال الذاتي واألسمائي إجماال كليها لتوقف‬
‫الجزئي التفصيلي تماما على تميز الحقائق ‪ ،‬وال متسع له فيه لغلبة الوحدة عليه ‪،‬‬
‫والكمال الذاتي يستلزم الغنى المطلق ‪ ،‬وهو أن يشاهد األزل شهودا كليها كل ما هو‬
‫بصدد التفصيل إلى األبد ‪ ،‬فيستغني عن التفصيل‪.‬‬

‫فالمطلوب هنا الكمال األسمائي ‪ ،‬وهو مشروط بالعالم تفصيال وبآدم إجماال بعد تفصيل‬
‫والذات اقتضته من حيث األسماء والصفات مفصال ‪ ،‬والتفصيل كمال آخر ال يحصل‬
‫إال بتميز الحق ‪ ،‬وثبوت حكم الغيرية ولو بنسبة ما ‪ ،‬وال سبيل في األحدية إليهما‬
‫فتوقف على تعين آخر يتميز به الحقائق اإللهية والكونية واإلنسانية ‪ ،‬وجميع ما كان‬
‫بصدد التفصيل ‪ ،‬ويسمى التعين والتجلي الثاني ‪ ،‬ولما كان ظهوره من التعين األول‬
‫ظهور بصورته ‪ ،‬فاشتمل على الوحدة والكثرة والبرزخ ‪ ،‬والفاصل اشتمال األول على‬
‫الوحدة واألحادية والواحدية وتسمى وحدته ظاهر الوجود ‪ ،‬وكثرته ظاهر العلم ويلزم‬
‫األول الوجوب ‪ ،‬والثاني اإلمكان الظاهر الوجود ‪ ،‬وحدة حقيقية من سريان األحدية‬
‫فيه ‪ ،‬وكثرة نسبية من سريان الواحدية وظاهر العلم بالعكس ‪ ،‬والكثرة العلمية أعيان‬
‫الممكنات ‪ ،‬والكثرة الوجودية منشأ األسماء والصفات ‪ ،‬والوحدة الوجودية شاملة على‬
‫الشؤون األصلية والوحدة العلمية حضرة المعاني وبحر اإلمكان‪.‬‬

‫ّللا عنه من جهة أعلى حيثيات شؤونه األصلية وأرفع‬ ‫وقد فهم من قول الشيخ رضي ه‬
‫وّللا الملهم‪.‬‬
‫تعيناته ‪ ،‬أنه ال مطمع إلى ما وراءه ألحد ‪ ،‬وسيصرح في المتن‪ ،‬فافهم ه‬
‫‪............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬ذكره العجلوني في كشف الخفا‪( 2 / 173 ) .‬‬

‫‪62‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 63‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٦٣‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬فهو سبحانه عين علمهم اليقيني ‪ ،‬وعينه وحقه في سائر‬
‫وقال الشيخ رضي ه‬
‫مراتب علمه الذاتي المتعلق به أوال ‪ ،‬ثم بمعلوماته مع استهالكهم فيه من حيث هم ‪،‬‬
‫وبقاء حكمهم وسرايته في جميع موجوداته وحضراته ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬لما كان منتهى مدى هممهم أشرف متعلقات علمه ‪ ،‬فهو سبحانه عين علمهم‬
‫اليقيني ‪ ،‬ولما كان منتهى مدى هممهم أعلى مراداته ‪ ،‬فهو سبحانه عين عين يقينهم ‪،‬‬
‫ولما صار مرادهم ما يريده بذاته ‪ ،‬فهو سبحانه عين حق يقينهم ‪.‬‬

‫بيان ذلك أن علمهم لما بلغ إلى أشرف متعلقات العلم األزلي ‪ ،‬فعلموا وحدة الكل في‬
‫الوجود ؛ علموا أن علمهم اليقيني من حيث وجوده عين الوجود الحق ؛ لكن في هذه‬
‫المرتبة حجبوا بأنفسهم وعلمهم ‪ ،‬ثم لما انقلب علمهم عينا ارتفع حجاب العلم ‪ ،‬فرأوا‬
‫أن عين يقينهم هو عين الوجود الحق ‪ ،‬ثم لما انقلب العين بالحق بارتفاع الرائي ‪،‬‬
‫تحققوا أنه سبحانه من حيث الوجود عين حق يقينهم ‪ ،‬وليس ذلك باعتبار إطالقه إذ‬
‫باعتبار ذلك هو غني عن العالمين ‪ ،‬ال يزال في الحجاب ‪ ،‬بل إنما هو عينهم في سائر‬
‫مراتب علمه الذاتي ‪ ،‬فإن له وإن كان ذاتيها مراتب من حيث تعلقه أوال بذاته ‪ ،‬ثم‬
‫معلوماته ‪.‬‬

‫فهذا العلم المتعلق بالذات من غير حجاب ‪ ،‬علم الرائي وال نفسه هو حق اليقين‬
‫الحاصل للخواص ؛ ولذلك إنما يحصل لهم حق اليقين مع استهالكهم فيه ال بحيث أن‬
‫يصيروا معدومين روحا ونفسا أو جثة بل من حيث أنهم ال يشعرون بها من حيث هي‬
‫‪ ،‬بل من حيث هي ظالل الحق وأنوار ظهرت بنوره ‪ ،‬فلذلك بقي حكمهم مع استهالك‬
‫وجودهم ‪ ،‬فمن حيث بقاء هذا الحكم ‪ ،‬هم عالمون متحققون بحق اليقين ‪ ،‬وكذا هو عين‬
‫حق يقينهم من حيث سرايته في جميع موجوداته وحضراته إذ حق يقينهم من جملتها ‪،‬‬
‫كما هو من جملة العلم ‪.‬‬

‫واعلم أن هذه السرايا ليست سراية الحلول ؛ ألنه إما كحلول العرض في الجوهر‬
‫وسبحانه ليس بعرض لشيء إذ العرض موجود به ‪ ،‬فكيف يكون نفسه أو كحلول‬
‫الصورة في المادة ‪ ،‬وليس صورة لشيء ؛ ألن الصورة موجودة به والمادة موجودة‬
‫بها ‪ ،‬فكيف يكون عين شيء منها ‪ ،‬وإما كحلول المتمكن في المكان ‪ ،‬وهو متنزه عن‬
‫ذلك ؛ ألنه تعالى محيط بالكل ‪ ،‬فكيف يحيط به المكان ‪ ،‬بل سراينه كسراية نور‬
‫الشمس في الزجاجة ‪ ،‬وليس ينتقل‬

‫‪63‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 64‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٦٤‬‬

‫منها إلى الزجاج شيء كما يتوهم ‪ ،‬بل يحصل له بمقابلة الشمس ذلك ‪ ،‬فكذلك يتلون‬
‫هذا النور بلون الزجاج ‪ ،‬وال لون لنور الشمس وأراد بالسراية في الحضرات ‪،‬‬
‫ظهوره في مرتبة التعين األول وما بعده من التعلقات األزلية ‪.‬‬
‫قال الفاضل صدر الدين في رسالة “ التوحيد “ ‪ :‬ثم إنها يعني الهوية “ ‪ “ 1‬المطلقة‬
‫اقتضت الظهور من ح هد الغيب إلى حد الشهادة ‪ ،‬وحصول تلك الصفات والتعينات‬
‫متمايزة في األعيان بالفعل ‪ ،‬ويعقلها على وجه التفصيل فأوجدت عالم األرواح أي‬
‫العقول والنفوس ‪ ،‬فإن ظهور الوجود فيه أتم من عالم المعاني ‪ ،‬ثم عالم المثال ‪ ،‬ثم‬
‫عالم األجسام وفي هذا العالم تم ظهور الوجود ‪ ،‬فإن ظهور التجلي الوجودي كمل وتم‬
‫عند إيجاد الجرم األول محدد الجهات الذي هو العرش ‪ :‬مقام االستواء في الكالم‬
‫اإللهي ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬القول باالقتضاء وتحقق اإلمكان القابل لتأثيره لكنه ممتنع ‪ ،‬ألنه إن تحقق‬
‫فإما في الوجود ‪ ،‬فهو واجب ‪ ،‬أو في الماهية ‪ ،‬فهي معدومة مجهولة ومعلومة ‪ ،‬بل‬
‫ممتنعة وال ثالث ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬بل موضوعه ومتعلقه اليقين ‪ ،‬وال نسلم أن الماهيات غير قابلة للوجود ‪ ،‬فإنها لو‬
‫قارنت الوجود وقارنها صارت موجودة بالضرورة لكن المقارنة متحققة ‪ ،‬فإن من‬
‫التعينات ما يكون موضوعه الطبيعي الوجود الخارجي ‪ ،‬ومنها ما يكون موضوعه‬
‫الطبيعي الوجود العقلي ‪ ،‬ومنها موضوعه الطبيعي الوجود المطلق كما في األعيان‬
‫الثابتة ؛ نعم إنها غير موجودة بوجود يكون نفسها أو مقوما من مقوماتها ؛ وإال يلزم‬
‫من كون الماهية من حيث هي غير مجهولة وال معلومة ؛ إذ ال تصير الموجودة‬
‫معلولة مجهولة ‪ ،‬كيف وإنها متى صارت بمقارنة الوجود احتاجت في موجوديتها إلى‬
‫مقارنة الوجود الذي هو غيرها ‪ ،‬ال يقال إذا كان الوجود واجبا ‪ ،‬فكل موجود كذلك ؛‬
‫ألنها نقول بمنع المالزمة ؛ ألنه إنما وجب الوجود لكونه موجودا بالذات ‪ ،‬بخالف ما‬
‫وجد بالعرض ‪ ،‬فإن موجوديته من االعتبارات العقلية ؛ ولهذا قد يعرض الصفات‬
‫السلبية والعوارض العدمية ‪ ،‬ومن جعل‬
‫‪........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬الهوية ‪ :‬الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في‬
‫الغيب المطلق ‪ ،‬ولحوق الواو من الحروف الدورية بهو ‪ ،‬دليل دور الهوية في تجليها‬
‫أزال ‪ ،‬وأبدا ‪ ،‬من نفسها على نفسها ‪ ،‬فإن الغيب المطلق من حيث هو غيب ال ينتهي‬
‫إلى حد ينقلب فيه شهادة قطعا‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 65‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٦٥‬‬

‫الوجود المطلق من االعتبارات العقلية ‪ ،‬فلعله لم يفرق بينه وبين هذه الموجودية بل‬
‫التبس على نظره أمر القسمين ‪ ،‬فجعل الحقيقة المحققة بذاتها التي هي أصل سائر‬
‫الحقائق الحقيقية أمرا اعتباريا بأعرف ذلك ‪.‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬ال سبيل إلى القول بالظهور ؛ إذ لو أريد به نفس الوجود ‪ ،‬كان معناه اقتضى‬
‫الوجود نفسه مع أنها واجبة ال يقع عليها االقتضاء ‪ ،‬وإن أريد المقيد بقيد بعينه ‪ ،‬فشئ‬
‫من جزأيه ال يقبل الجعل والتأثير ؛ لما أن الوجود واجب والقيد اآلخر ماهية وال‬
‫يقبالن الوجود ‪ ،‬وكذا المجموع منهما ‪ ،‬فإن المجموع قائم بالجزأين ‪ ،‬فلما لم يقبل‬
‫الوجود فال يقبل العارض أيضا ؛ ألن الوجود العارض تابع لوجود المعروض لكن‬
‫المتبوع ال يقبل الوجود ‪ ،‬ال يقال ‪ :‬الوجود العقلي يقبل الوجود العيني ؛ ألنا نقول أنه‬
‫ال يقبل العيني وال العقلي ألنه تحصيل الحاصل ‪ ،‬وأما باقي القيود المختصة فال تعتبر‬
‫في الوجود المطلق ‪ ،‬فال تكون مقتضية للوجود العيني أو العقلي ‪ ،‬وال الوجود المطلق‬
‫مقتضيا لها ‪ ،‬وهكذا الكالم في المجموع العقلي من القيود والمقيد لها ‪ ،‬ولو أريد‬
‫بالظهور شيء من الماهيات أو النسب واإلضافات فال يقبل الوجود ‪ ،‬فال حاجة إلى‬
‫مزيد تقرير وتوضيح ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬المراد بالظهور صيرورة المطلق متعينا بشيء من التعينات ‪ ،‬وقد عرفت أن‬
‫متعلق اإلمكان هو التعين ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬عالم األجسام أبعد من منبع الوجود وأقرب إلى طبيعة اإلمكان الصرف ‪،‬‬
‫فكيف يكون ظهور الوجود فيه أتم وأكمل بل األولى أن يعكس األمر فيه ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬لعلهم أرادوا أن ما يكون مدركا على سبيل اإلجمال ‪ ،‬ومعقوال على سبيل‬
‫التفصيل ‪ ،‬ومخيال أو موهوما أو محسوسا بالحواس الظاهرة ‪ ،‬فإن خواص الوجود‬
‫وآثاره تكون فيه أكمل وأكثر مما يكون مدركا لجميع هذا الوجود ‪ ،‬على أن من البين‬
‫أن اإلنيهة المدركة المتصرفة في المرتبة األخيرة مدركة بجميع هذه اإلدراكات ‪،‬‬
‫بخالف اإلنية المتصرفة في المراتب التي فوقها ‪.‬‬

‫ال يقال ‪ :‬لو كان كمال المرتبة األخيرة مدركة لْلدراكات لكان اإلنسان الكامل كذلك ‪،‬‬
‫وقد خصصتموه بمن فني عن هذه اإلدراكات ؛ ألنها نقول ‪ :‬اإلنسان الكامل ال يكون‬
‫كماله إال بتحصيل ملكات هذه اإلدراكات في مراتبها ‪ ،‬وال يكون اإلدراك الحسي ‪،‬‬

‫‪65‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 66‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٦٦‬‬

‫وما يلزمه من القيود الحاصلة له بالطبع مانعا لسائر الضروب الباقية التي ال تحصل له‬
‫بحسب األكثر إال بالكسب واالختيار ‪ ،‬والكسب ال يحصل بدون اإلدراك الحسي ‪،‬‬
‫فكيف يكون الحسي مانعا من تلك اإلدراكات ؛ وإنما يكون مانعا لو كان داعيا إلى‬
‫المحسوسات من حيث هي في حال االبتداء فال ب هد من الفناء أوال ‪ ،‬وأما في البقاء فال‬
‫يمنع ‪.‬‬

‫ال يقال ‪ :‬لو كانت هذه اإلدراكات كماالت ‪ ،‬لكان الموت تنقيصا ‪ ،‬والمطلوب للذات‬
‫الواجبة إنما هو الظهور بالكماالت ورفع النقائض ‪ ،‬فلم وقع موت الك همل ؛ ألنا نقول ‪:‬‬
‫بل تكميل لها ؛ فإن النفوس الكاملة يتمكنون بعد الموت على جميع ما يتمكنون عليه‬
‫قبله ‪ ،‬فلم يفت عليهم اإلدراك الحسي ‪ ،‬وتحقيقه يحتاج إلى مزيد ال يحتمله هذا‬
‫المختصر ‪ ،‬انتهى حاصل كالم الفاضل ‪.‬‬

‫ّللا على المتحقق به من حيثية الشهود األكمل ‪ ،‬والعلم‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬وصلى ه‬
‫قال رضي ه‬
‫األتم األشرف األشمل ‪ ،‬مع دوام الحضور معه في جميع مواطنه وأحواله ومراتبه‬
‫ونشآته ] ‪.‬‬

‫لما توقف تأثير الفاعل في القابل على مناسبة بينهما بإجراء سنة اإللهية ‪ ،‬وال مناسبة‬
‫بين الحق الذي هو في غاية التنزه والخلق الذي في غاية التعلق ‪ ،‬لم يكن ب هد من‬
‫متوسط ذي جهتي التجرد والتعلق ويتفيض باألولى ويفيض بالثانية ‪ ،‬وأفضل من جمع‬
‫ّللا عليه وسلم باتفاق المحققين ‪ ،‬فتوسل بأكمل الوسائل التي هي‬ ‫بينهما هو نبينا صلى ه‬
‫ّللا رحمة وإحسان وغفران‬ ‫الصالة ‪ ،‬وهي نسبة تربط بين الداعي والمدعو ‪ ،‬فهي من ه‬
‫‪ ،‬ومن الخلق دعاء وخضوع ‪ ،‬ويدل باشتقاقها للكثرة على حقائق االرتباط ‪ ،‬وهي‬
‫الوصلة والصلة والوصال والصالء والصولة ‪ ،‬والشريك بين هذه األلفاظ هو الجمع‬
‫والتقريب ‪ ،‬وغايتها أن يستخلفه الحق حتى يصير مصليها ‪ ،‬أي تابعا للحق المستخلف‬
‫في الظهور بصورته ‪ ،‬فيصله بالتجليات الذاتية واألسمائية االختصاصية بحقائق‬
‫االصطفاء ‪ ،‬وإعطاء اإلنسانية ربطها بالحضرات التي منها صدرت ‪ ،‬وهي خمس ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬حضرة حقيقته إلى عينه الثابتة في العلم اإللهي ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬روحه ‪ -‬أعني ‪ -‬النفس الرحماني المتعين بعينه الثابتة لترويحها والتنفيس عنها‬
‫من ضيق عدميتها ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬صورته الجسمانية وشخصيته‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 67‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٦٧‬‬

‫الرابعة ‪ :‬الحقيقية القلبية أحدية جمعية روحانية وطبيعية‪.‬‬


‫الخامسة ‪ :‬عقله أي ‪ :‬القوة التي بها يضبط الحقائق ويتعقلها ‪ ،‬ويحمل العلوم والحكم‬
‫ّللا أن يوصف بهذه الحقائق إلى الحق‬ ‫ويفصلها ‪ ،‬وواجب على كل إنسان فريضة من ه‬
‫في أصولها التي منها نشأت وانبعثت ؛ ولهذا السر كانت الصلوات خمسا ‪ ،‬ثم إن‬
‫ّللا تتعلق بكل شيء بحسب استعداده ‪ ،‬فعلى العاصين الغفران ‪ ،‬وما يترتب‬ ‫الرحمة من ه‬
‫عليه من الجنة وغيرها ‪ ،‬وعلى المطيعين الجنة والرضا واللقاء ‪ ،‬وعلى العارفين‬
‫الموحدين مع ذلك إفاضة العلوم اليقينية والمعارف الحقيقية ‪ ،‬وعلى المحققين الكاملين‬
‫المكملين من األنبياء واألولياء عليهم السالم التجليات الذاتية والصفاتية ‪ ،‬وأعلى مراتب‬
‫الجنان من جانب األعمال والصفات والذات ‪ ،‬وأعني بحيثية الذات ما به ابتهاج للمبدأ‬
‫ّللا عليه وسلم‬
‫األول من ذاته وكماالته الذاتية ‪ ،‬فالرحمة المتعلقة بقلب النبي صلى ه‬
‫أعلى مراتب التجليات الذاتية واألسمائية ‪ ،‬لكمال استعداده وقوة طلبه إياه ‪ ،‬وفيضها‬
‫من االسم الجامع اإللهي الذي هو منبع األنوار كلها ‪ ،‬ولما كانت المالئكة مظاهر‬
‫األسماء التي هي سدنة االسم األعظم ‪ ،‬والسادن ال ب هد له من متابعة سيده ؛ حصل له‬
‫الفيض من جميع األسماء ‪ ،‬واستغفر له مظاهرها بأسرها ‪ ،‬ودعاء المؤمنين له صلى‬
‫ّللا عليه وسلم إنما هو مجازة ذاتية تقتضى أعيانهم الثابتة ‪ ،‬بل بين استعداداتهم الذاتية‬
‫ه‬
‫ّللا عليه وسلم واسطة لكماالتهم لوجوداتهم في العلم ‪ ،‬والعين‬ ‫ذلك ‪ ،‬وكما كان صلى ه‬
‫ّللا مظهرا‬‫ماهية ووجودا ؛ كذلك كان واسطة لكماالتهم ‪ ،‬والمتحقق بأسماء ممن جعله ه‬
‫لها [ يمحوظ ] رسوم أخالقه وأوصافه ‪ ،‬وأما المتخلق ‪ ،‬فهو الذي يكتسب فضائل‬
‫األخالق واألوصاف الحميدة يكلف تكلفا وتع همال ‪ ،‬ويجتنب الرذائل والذهمائم ‪ ،‬فله من‬
‫صل في المجمل‬ ‫األسماء اإللهية آثارها ‪ ،‬والشهود هو رؤية الحق بالحق ‪ ،‬وشهود المف ه‬
‫رؤية الكثرة في الذات األحدية ‪ ،‬وشهود المجمل في المفصل رؤية األحدية في الكثرة ‪،‬‬
‫وشهود األكمل هو الجمع بينهما ‪ ،‬والكمال عبارة عن حصول الجمعية اإللهية والحقائق‬
‫الكونية بأوفر ظهوره أتم ‪ ،‬والجمعية اإللهية بجميع صفاته وأسمائه فيه أكثر كان أكمل‬
‫‪ ،‬وكل من كان أقل خصلة منها كان أنقص ‪ ،‬وعن مرتبة الخالفة اإللهية أبعد ‪،‬‬
‫ووصف الشهود بذلك اعتبار كمال الشاهد الذي هو كاملة ‪ ،‬وهذا الشهود هو المعرفة‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ :‬العارف من أشهده الرب نفسه ‪ ،‬فظهرت األحوال عليه ‪،‬‬
‫قال الشيخ رضي ه‬
‫والمعرفة‬

‫‪67‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 68‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٦٨‬‬

‫حاله فهذا هو عين اليقين ‪.‬‬


‫ثم بيهن أنه متحقق به أيضا من حيث العلم األتم ‪ ،‬وذلك الطالعه على العلم األزلي ‪ ،‬ثم‬
‫وصف بأنه األشرف ‪ ،‬وأشرف ارتفاع الوسائط أو قلتها ‪ ،‬فهو إشارة إلى أنه وال‬
‫ّللا عليه ‪ -‬وبين علم األزل ‪ ،‬فلذلك وصفه باألشمل لشموله‬ ‫واسطة بين علمه ‪ -‬صلوات ه‬
‫ما ال يتناهى من المعلومات ‪ ،‬ولم يصفه باألكمل ؛ ألنه حقيقة واحدة من الحقائق‬
‫اإللهية ‪ ،‬بخالف شهوده في جميع حقائقه ‪ ،‬ولم يصف الشهود باألشرف لشموله ما فيه‬
‫ّللا‬
‫الواسطة ‪ ،‬وما وليس فيه ‪ ،‬ثم ذكر أن هذه الشهود وهذا العلم ال زمان له ‪ -‬صلوات ه‬
‫عليه ‪ -‬مع دوام حضوره مع ربه ؛ ولذلك تتواتر المشاهدات والتجليات عليه بال فضل‬
‫‪ ،‬حتى ال يشتغل بالغير من كل وجه ‪ ،‬والمواطن الحضرات الخمس اإللهية واألحوال‬
‫تحول تجلياته والمراتب ‪ ،‬ترتب علوها إلى الدرجات بسلسلة الوسائط على وفق السنة‬
‫اإللهية ‪ ،‬والنشآت تجدد تجلياته في تلك األمور كلها بحسب اآلنات ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬سيدنا محمد ‪ ،‬وآله ‪ ،‬والصفوة من أمته ‪ ،‬وإخوانه الحائزين من‬‫قال رضي ه‬
‫ّللا ميراثه األتم المشتمل على علومه وأحواله ومقاماته ] ‪.‬‬
‫ه‬

‫السيد المالك ‪ ،‬قال عليه السالم ‪ “ :‬أنا سيد ولد آدم وال فخر “ ‪ ، “ “ 1‬أي ‪ :‬أنا‬
‫متولي التصرف فيهم ‪ ،‬وال فخر لي بذلك ؟ ؛ ألنه من جهة خلقيته ‪ ،‬وإنما الفخر بمن‬
‫خلقني عليهم ‪ ،‬ألنه جهة حقائقه ‪ ،‬وذلك أن لكل اسم من األسماء اإللهية صورة في‬
‫العلم تسمى بالماهية والعين الثابتة وفي الخارج تسمى بالمظهر ‪ ،‬واألسماء أرباب تلك‬
‫المظاهر ‪ ،‬والحقيقة المحمدية صورة الذات مع جميع األسماء ‪ ،‬فهو صورة االسم‬
‫ترب صورة العلم‬ ‫ه‬ ‫الجامع الذي منها الفيض على جميع األسماء ‪ ،‬فتلك الحقيقة هي التي‬
‫ّللا‬
‫بالرب الظاهر فيها الذي هو رب األرباب ‪ ،‬فله الربوبية المطلقة ؛ فلذلك قال صلى ه‬
‫عليه وسلم ‪ “ :‬خصصت بفاتحة الكتاب وخواتيم البقرة “ “ ‪ ، “ 2‬وهي مصدرة‬
‫ب ْالعالَ َمينَ [ الفاتحة ‪ ، ] 2 :‬مجمع عوالم األجسام واألرواح ‪.‬‬ ‫بقوله تعالى ْ‬
‫‪:‬ال َح ْم ُد َ ه َ‬
‫ّلل َر ه َ‬
‫وهذه الربوبية من جهة حقيقية ال بشريته ‪ ،‬بل هو من هذه الجهة عبد مربوب ‪ ،‬وال‬
‫‪.........................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه ابن ماجة ( ‪ ، ) 1440 / 2‬والحاكم في المستدرك ‪( 2 / 660 ) .‬‬
‫) ‪( 2‬رواه الطبراني في الكبير ( ‪ ، ) 225 / 20‬والبيهقي في الشعب‪( 2 / 487 ) .‬‬

‫‪68‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 69‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٦٩‬‬

‫يتصور هذه الربوبية إال بإعطاء كل ذي حق حقه ‪ ،‬وإفاضة جميع ما يحتاج إليه العالم‬
‫‪ ،‬فله كل أسماء يتصرف بها في العالم بحسب استعداداتهم ‪.‬‬
‫ولما كانت هذه الحقيقة مشتملة على جهتين ‪ ،‬اإللهية والعبودية ‪ ،‬لم يصح لها ذلك‬
‫أصالة بل تبعية ‪ ،‬وهي الخالفة ‪.‬‬
‫"ومحمد " ‪ :‬من التحميد للمبالغة في الحمد ‪ ،‬أو حقيقته ‪ ،‬أعنى ذاته في التعين األول ‪،‬‬
‫أو مع جميع الصفات ‪ ،‬أو صورة االسم الجامع أو الروح األعظم أو الوحدة الحقيقية ؛‬
‫ّللا الحامد المحمود ‪،‬‬ ‫فإن قوسي األحدية والواحدية له أحدية جمع جميع المحامد بإيجاد ه‬
‫ّللا عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقامت المحاسن والمحامد اإللهية والكونية كلها بذات محمد صلى ه‬
‫وقامت الحقيقة المحمدية أيضا بجميع المحامد التفصيلية ‪ .‬واآلل األهل ‪ ،‬وهم أقاربه‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ ،‬ومواريثهم العلمية والحالية والمقامية ‪،‬‬ ‫الذين تؤول إليهم أموره صلى ه‬
‫ّللا عليه وسلم صورة طينية عنصرية ‪ ،‬ودينية شرعية ‪،‬‬ ‫وهم أقسام ؛ ألن له صلى ه‬
‫ونورية روحية ‪ ،‬وحقيقية قلبية معنوية ؛ فمن قام بصورته الطينية والدينية وصحة‬
‫نسبته إلى صورته النورية الروحية والحقيقية المعنوية ؛ فهو الخليفة واإلمام القائم‬
‫مقامه كالمهدي عليه السالم ‪ ،‬ومن قام بالثالثة األخيرة ؛ فهو وارثه علما ومقاما وحاال‬
‫‪ ،‬وهم الخلفاء واألمناء وإن لم يكونوا أشرافا ‪ ،‬ومن انفرد بالقرابة الطينية ؛ فإن كان له‬
‫يسير في المعنى والخلق فهو من السادات والشرفاء ‪ ،‬وإن ابتعد من الوراثة المعنوية‬
‫الروحانية العلمية رأسا وخالف ظاهر الشريعة ؛ فال يجوز أن ينظر إليها بالحقارة ‪،‬‬
‫فلعله قد يكون من أهل البراء ويؤول إلى طهارته األصلية ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬القرابة إما أن يكون صورة فقط ‪ ،‬أو معنى فقط أو صورة ومعنى ؛ فإن جمعها‬
‫فهو الخليفة واإلمام القائم مقامه كأكابر األنبياء الماضين ‪ ،‬أو بعده كاألولياء الكاملين ‪،‬‬
‫ومن اختص بالمعنوية كمؤمن آل فرعون وصاحب يسين ( ياسين ) ‪ ،‬فهو ولده‬
‫ّللا عليه وسلم لسلمان‬‫الروحي القائم بها بما تهيهأ لقبوله من معناه ؛ لذلك قال صلى ه‬
‫ّللا عنه ‪ “ :‬سلمان منا أهل البيت “ ‪ ، “ “ 1‬ومن اختص بالصورة ؛ فهو إما‬ ‫رضي ه‬
‫بحسب طينته كالسادات ‪ ،‬أو بحسب دينه كأهل الظاهر من المجتهدين وغيره ‪ ،‬؛ من‬
‫العلماء والصلحاء والعباد وسائر المؤمنين ‪ ،‬فالقرابة التامة هي الجامعة ‪ ،‬ثم المعنوية ‪،‬‬
‫ثم الصورية الدينية ‪ ،‬ثم الطينية‪.‬‬
‫‪...................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه الحاكم في المستدرك ( ‪ ، ) 691 / 3‬والديلمي في الفردوس‪( 2 / 337 ) .‬‬

‫‪69‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 70‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٧٠‬‬

‫واألمة التي أرسل إليهم عليه السالم فإن أجابوا فهم أمة اإلجابة وإقامة الدعوة ‪ ،‬وإن‬
‫كانت عامة في األصل ‪ ،‬والمراد األول إذ ال صفوة في األخيرة ‪ ،‬وهم الذين صفت‬
‫ّللا تعالى عن وجودهم‬ ‫نفوسهم عن الرذائل ‪ ،‬وقلوبهم عن كدوراتها ‪ ،‬وصفاهم ه‬
‫وأوصى فهم بوجوده وصفاته ‪ ،‬ثم ذكر ما يلزم الصفاء من حيازة الميراث األتم‬
‫ّللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫المشار إليه في قوله صلى ه‬
‫" العلماء ورثة األنبياء ‪ ،‬واألنبياء لم يورثوا دينارا وال درهما ‪ ،‬وإنما ورثوا العلم ‪،‬‬
‫فمن أخذه أخذ بحظ وافر "‪. " 1 " .‬‬
‫ّللا عليه وسلم بقوله ‪ “ :‬بحظ وافر “ ‪ ،‬أنه ليس من علوم الدراسة ؛‬ ‫وأشار إليه صلى ه‬
‫إذ ال يتوفر الحظ بذلك لعدم حصوله برد اليقين به ‪ ،‬بل العلم اللدني الحاصل بنور‬
‫ّللا عنه ‪:‬‬
‫الكشف عند انشراح الصدر بعلم اليقين وعينه وحقه ؛ فلذلك قال رضي ه‬
‫المشتمل على علومه ‪ ،‬وهي العلوم الكلية الحقيقية المستلزمة لألصول ‪ ،‬والمقامات‬
‫واألحوال هي التجليات اإللهية من حيث أنها تتحول وال تستقر ‪ ،‬فإذا استقرت صارت‬
‫مقاما وفي ذلك اختالف عظيم ليس هذا موضعه ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬مع تحققهم بنتائج حظوظهم االختصاصية ‪ ،‬المميزة إياهم عن‬ ‫قال رضي ه‬
‫التي تميز بها خواص الوسائط وثمرات التبعية وأحكام الروابط ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬الحائزين ميراثه األتم مع تحققهم بنتائج حظوظهم االختصاصية ‪ ،‬والنتيجة ما‬
‫يحصل من الشيء بطريق التوالد ‪ ،‬وخصها أهل المعقول بما يلزم الحجة لذاتها ‪،‬‬
‫والمراد هنا ما يلزم حظوظهم االختصاصية من العلوم واألحوال والمقامات ‪،‬‬
‫والحظوظ جمع حظ ‪ ،‬وهو النصيب ‪ ،‬والمراد هنا تج هل خاص له بحسب استعداده‬
‫الخاص ‪ ،‬والمراد بالخاص ما يوجد فيه دون ما عداه ‪ ،‬فإن كان بالنسبة إلى جميع ما‬
‫عداه فخاصة مطلقة واإلفاضة فيه ‪ ،‬فهو التجلي الذي جنسه أو نوعه أو صفة في غيره‬
‫؛ وإنما قيدنا بذلك ‪ ،‬ألن التجليات ال تتكرر بحسب الشخص أصال على ما في المتن ‪،‬‬
‫ثم بين الحظوظ االختصاصية بأنها المميزة إياهم عن الحظوظ التي تميز بها خواص‬
‫الوسائط والوسائط جمع واسطة ‪ ،‬وهي ما توصل أثر الفاعل إلى المنفعل ‪ ،‬وخواصها‬
‫األوصاف التي لونت األثر بلونها بعد أن لم يكن له ذلك ‪ ،‬فللوسائط خواص من‬
‫الحظوظ ال توجد في المنفصل القابل إال بواسطتها ‪ ،‬وعن الحظوظ‬
‫‪..........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه البخاري ( ‪ ، ) 37 / 1‬والترمذي ( ‪ ، ) 48 / 5‬وأبو داود‪( 3 / 317 ) .‬‬

‫‪70‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 71‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٧١‬‬

‫التي تميز بها ثمرات التبعية والتبعية االقتداء في االعتقاد واألعمال واألحوال وثمراتها‬
‫ما يحصل منها من علوم الوراثة ؛ فلهذه الثمرات حظوظ من العلوم واألحوال غير‬
‫الحظوظ االختصاصية ؛ لكنها تختص بأهل القدوة ‪.‬‬
‫ثم ذكر ما هو أعم من ذلك بقوله ‪ ( :‬وأحكام الروابط ) أي ‪ :‬عن الحظوظ التي تميز‬
‫بها أحكام الروابط بين الفاعل والمنفعل ‪ ،‬غير الوسائط وأحكامها ‪ ،‬اآلثار الخاصة‬
‫بذلك فيها حظوظ تميز عن الحظوظ اختصاصية توجد في كل منفعل يقبل األثر من‬
‫الفاعل الحقيقي ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬صالة مستمرة الحكم ‪ ،‬دائمة اإليناع دوام الزمان ‪ ،‬من حيث‬ ‫قال رضي ه‬
‫حقيقته الكلية وصور أحكامها التفصيلية ‪ ،‬المعبر عنها بسنينه وشهوره وأيامه‬
‫وساعاته ] ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم والصفوة من أمته صالة مثمرة لحكمها الذي هو الكمال ‪،‬‬ ‫أي ‪ :‬صلى ه‬
‫وهو ‪ -‬وإن كان حاصال لهم ‪ -‬درجات غير متناهية ؛ فلذلك أردفه بقوله دائمة اإليناع‬
‫له ‪ ،‬أي اإلثمار ‪ ،‬ذلك لفيض الكمال على المتصف بواسطتهم فيضا مستمرا ‪ ،‬ثم شبهه‬
‫بدوام الزمان من الحيثيتين حيثية حقيقته الكلية “ ‪ - “ 1‬فالحقيقة ما به الشيء هو في‬
‫الخارج ‪ ،‬والماهية ما هو مطلقا ‪ ،‬والهوية ما به التشخص ‪ ،‬والكلى ما يكون مفهومه‬
‫قابال الشتراك كثيرين فيه ‪ ،‬وحقيقة الزمان عند أرسطو مقدار حركة الفلك األعظم ‪.‬‬
‫وعند األشعري متجدد يقدر به متجدد آخر ‪ ،‬وتحقيقه في علم الكالم والحكمة ‪ ،‬وحيثية‬
‫صور أحكامها إلى المظاهر التي ظهرت فيه آثار هذه الحقيقة الزمانية مفصلة ‪،‬‬
‫والتفصيل التمييز بين األشياء التي عند اجتماعها يصح إطالق الواحد عليها ‪ ،‬ودوام‬
‫هذه الصورة يتعاقب بعضها على بعض ‪ ،‬فطلب دوام الصالة مع دوام ثمراتها التي‬
‫وباّلل‬
‫ه‬ ‫ّللا‬
‫هي كصور أحكامها ؛ لتتوالى عليها التجليات غير المتناهية من السير في ه‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫ومن ه‬

‫ثم بيهن صور أحكام حقيقة الزمان بقوله ‪ ( :‬المعبر عنها بسنينه ‪ . . .‬إلى آخره ) ‪،‬‬
‫والسنة مقدار حركة الشمس بالحركة الخاصة ببروجها أو عن مقدار حركة القمر بها‬
‫اثني عشر مرة ‪ ،‬والشهر عن مقدار حركة الشمس برجا واحدا أو القمر البروج كلها ‪،‬‬
‫واليوم عن كون الشمس فوق األفق ‪ ،‬والساعة عن مقدار جزء من أربعة وعشرين‬
‫جزءا من حركة‬
‫‪............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬وهي الحقيقة المطلقة ‪ ،‬أي ‪ :‬حقيقة الحقائق‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 72‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٧٢‬‬

‫الفلك األعظم ‪ ،‬وإنما أشار إلى الصور الزمانية ؛ لينبه بذلك على صورة الوجود‬
‫األزلي األبدي ‪ ،‬وانقسامها على كلية وجزئية ‪ ،‬واألمر ما قدر ‪.‬‬
‫ّللا تعالى في الحديث الصحيح بقوله ‪ “ :‬ال تسبوا الدهر وأنا‬‫وقد أطلق الدههر على ه‬
‫الدهر ‪ ،‬أقلب الليل والنهار “ “ ‪ ، “ 1‬أو على تفاصيل الفيض الواحد في أصله ‪ ،‬أو‬
‫على أن الكمال النبوي ‪ -‬وإن كان شامال ‪ -‬لكن له تفاصيل تتوقف على الدعاء ‪،‬‬
‫فافهم ‪.‬‬
‫النص األول ‪:‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬نص شريف ‪ ،‬هو أول النصوص الواجب تقديمه ] ‪.‬‬ ‫قال رضي ه‬
‫النص ‪ :‬لغة الخالص ‪ ،‬والمراد هنا ما يختص بذوق المقام األكمل األجمع ‪ ،‬المطابق‬
‫ّللا تعالى في أعلى درجات علمه ‪ ،‬وأتمها وأكملها على ما بينه الشيخ رضي‬ ‫لما يعلمه ه‬
‫ّللا عنه في المتن في التفريع الثالث من تفاريع النصوص الثالثة األول ‪ ،‬سمي به ؛‬ ‫ه‬
‫ألنه ال يقبل التفسير والتأويل بوجه من الوجوه شرفه باعتبار شرف معلومه ‪ ،‬وهو‬
‫المطلق الشامل للكل مع غنائه عن الكل ‪ ،‬وإنما كان أول النصوص ؛ ألنه يبحث فيه‬
‫عن أول االعتبارات ‪ ،‬وهو اإلطالق والذاتي ‪ ،‬وإنما وجب تقديمه ؛ ألنه يبحث فيه عن‬
‫موضوع العلم الذي هو الوجود المطلق ‪ ،‬وهو من مقدمات الشروع في العلم على وجه‬
‫يتميز به تميزا ذاتيها كامال ومسائلة مبنية عليه ‪ ،‬وهي حمل أعراضه الذاتية عليه ‪ ،‬أو‬
‫على أنواعه أو أعراضه الذاتية أو أنواعها ‪ ،‬ولم يتعرض لتعريف العلم ‪ ،‬وهو أنه العلم‬
‫الباحث عن أحوال الوجود من حيث هو ‪ ،‬ومن حيث ظهوره في المظاهر وغيرها ‪،‬‬
‫مع أن التعريف يفيد بالتمييز الذهني اكتفاء بالتمييز في الواقع الحاصل من تمايز‬
‫الموضوعات ‪ ،‬وكذا لم يتعرض لغايته لظهورها من ذكر الموضوع ؛ ألنه لما كان‬
‫أعم األشياء وأعالها ‪ ،‬وكان البحث عنها بحثا عن الموجودات كلها على وجه الكشف‬
‫واليقين ‪ ،‬فمعلوم ما يفيده من السعادة العظمى والدرجة الكبرى التي ال نهاية لها ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬اعلم أن الحق من حيث إطالقه الذاتي ال يصح أن يحكم عليه‬ ‫قال رضي ه‬
‫بحكم ‪ ،‬أو يعرف بوصف ‪ ،‬أو يضاف إليه نسبة ما ‪ ،‬من وحدة ‪ ،‬أو وجوب وجود ‪ ،‬أو‬
‫مبدئية ‪ ،‬أو اقتضاء إيجاد ‪ ،‬أو صدور أثر ‪ ،‬أو تعلق علم منه بنفسه أو غيره ؛ ألن كل‬
‫ذلك يقضي بالتعين‬
‫‪........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه البخاري ( ‪ ، ) 1825 / 4‬ومسلم ( ‪ ، ) 1762 / 4‬والنسائي في الكبرى‬
‫‪( 4 / 457 ) .‬‬

‫‪72‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 73‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٧٣‬‬

‫والتقيد ‪ ،‬وال ريب في أن تعقل كل تعين يقضي بسبق الال تعيهن عليه ‪ ،‬فكل ما ذكرناه‬
‫ينافي اإلطالق ] ‪.‬‬

‫الحق ‪ :‬لغة الثابت سمي به الوجود المطلق ؛ ألن ثبوته لذاته وثبوت غيره به ‪،‬‬
‫فالوجود هو الثابت من كل وجه ‪ ،‬وغيره ليس بثابت من حيث ذاته ؛ وإنما ثبوته بالغير‬
‫ومنع الحكم عليه من حيث اإلطالق الذاتي ‪ ،‬مع أنه هو محكوم عليه بجميع األحكام ؛‬
‫ألن ذلك من حيث تعيناته المتعددة المختلفة وغيرها ‪ ،‬واالعتبار للتعين في اإلطالق ‪،‬‬
‫وقيد بالذاتي احترازا عن إطالق التعين األول عن األسماء ؛ ألنه من حيث التعين‬
‫األول محكوم عليه بالوحدة ‪ ،‬والتعين ‪ ،‬والعلم بالذات ‪ ،‬ووجوب الوجود ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬قد حكم عليه بأنه ال يحكم عليه ‪ ،‬وهل هو إال تناقض ‪ ،‬ويحكم عليه بأنه ال‬
‫يتقيد ويوصف باإلطالق ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬المراد هذا المتعين قبل تعينه ال يحكم عليه بذلك ‪ ،‬فإذا تعين وتعلق العلم به ‪ ،‬حكم‬
‫عليه بأنه لم يكن محكوما عليه حينئذ ‪ ،‬وال مقيد أوال موصوفا ‪ ،‬على أن المراد بمنع‬
‫الحكم عليه أال يتقيد به ‪ ،‬حتى إن الحكم وضده فيه سواء ‪ ،‬والحكم نسبة أمر إلى آخر ‪،‬‬
‫والتعريف بالوصف هو التعريف الرسمي الذي يعرف به الحق اآلن ؛ ألن الحقيقي‬
‫ممتنع في حقه أزال وأبدا ‪ ،‬والمراد بالوصف أعم من الثبوتي والسلبي ‪ ،‬وإنما امتنع‬
‫هذا التعريف ؛ ألنه نوع من الحكم ‪ ،‬وامتنع أن يضاف إليه نسبة ؛ ألن النسبة نوع من‬
‫الوصف المعرف ‪ ،‬والوحدة ثمة ليست في مقابلة الكثرة ‪ ،‬بل للتنبيه على نفي الكثرة‬
‫المتوهمة فيه ‪ ،‬وإنما امتنع إضافتها ؛ ألنها نوع نسبة ووجوب الوجود كونه من ذاته‬
‫بل عين ذاته ‪ ،‬وإنما امتنع إضافته ؛ ألنه نوع نسبة متفرعة على الوحدة والمبدئية كونه‬
‫أصل األشياء ‪ ،‬وهو نسبة متفرعة على وجوب الوجود واقتضاء اإليجاد ‪ ،‬إظهاره‬
‫األشياء على نهج االختيار ‪ ،‬فصدور األثر عنه أعم منه لصدقه مع اإليجاب ‪ ،‬وهما‬
‫نسبتان متفرعتان على المبدئية ‪.‬‬

‫ثم ذكر ما يستلزم امتناعه امتناع الكل ‪ ،‬وهو أنه يمتنع تعلق علمه بنفسه أو غيره من‬
‫حيث اإلطالق ‪ ،‬وهذه األمور كلها متفرعة عليه ‪ ،‬وليس المراد سبق الجهل ‪ -‬تعالى‬
‫علوا كبيرا ‪ ،‬بل المراد أن اإلطالق ال يمكن اعتبار العلم معه ‪ ،‬كما ال يمكن‬
‫عن ذلك ه‬
‫اعتبار هذه األمور مع كونها ؛ ألنها الزمة للحق أزال وأبدا ‪ ،‬ثم علل جميع ذلك بما هو‬
‫علة األصل أوال‬

‫‪73‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 74‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٧٤‬‬

‫والفروع أيضا ‪ ،‬بأن كل ذلك يقضي بالتعيين والتقييد ‪ ،‬ضرورة أن ما ال يتعين كيف‬
‫يحكم عليه بحكم معين ‪ ،‬وكيف يوصف بوصف معين ‪ ،‬وكيف يضاف إليه نسبة معينة‬
‫؟ ‪ ،‬ثم ذكر ما هو سبب اعتبار اإلطالق بأنه ال ريب في أن تعقل كل تعين يقضي‬
‫بسبق الال تعيهن ‪ ،‬فكل ما ذكرناه من الحكم والتعريف بالوصف ‪ ،‬وإضافة النسب إليه‬
‫ينافي اإلطالق الذي اعتبر فيه التعقل قبل التعين ‪ ،‬وإنما اقتضي تعقل كل تعين سبق‬
‫الال تعين عليه ؛ ألنه قيد ال حق فال بد له من سابق ‪ ،‬والسابق على كل تعين ليس إال‬
‫الال تعين ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬بل تصور إطالق الحق يشترط فيه أن يتعقل ‪ ،‬بمعنى أنه‬‫قال رضي ه‬
‫وصف سلبي ال بمعنى أنه إطالق ضده التقييد ‪ ،‬بل هو إطالق عن الوحدة والكثرة‬
‫المعلومتين “ ‪ ، “ 1‬وعن الحصر أيضا في اإلطالق والتقييد ‪ ،‬وفي الجمع بين كل‬
‫ذلك والتنزه عنه ‪ ،‬فيصح في حقه كل ذلك حال تنزهه عن الجميع ‪ ،‬فنسبة كل ذلك إليه‬
‫وغيره وسلبه عنه على السواء ‪ ،‬ليس أحد األمرين بأولى من اآلخر ] ‪.‬‬

‫لما كان اإلطالق الذي ضده التقييد من جملة األحكام المقيدة المتوقفة على التعين ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يشترط في تصور هذا اإلطالق أن يتعقل ‪ ،‬بمعنى أنه وصف سلبي ‪ ،‬وهو أنه ال‬
‫يتقيد بشيء ‪ ،‬ال بمعنى أنه إطالق متعارف ضده التقييد ‪ ،‬وإنما أطلق عليه لفظ‬
‫اإلطالق ؛ ألنه إطالق عن الوحدة والكثرة المعلومتين ‪ ،‬فهو من حيث اإلطالق ال يتقيد‬
‫بالوحدة وال بالكثرة ‪ ،‬بل المقيد بذلك مراتبه وتعيناته ؛ وهكذا هو مطلق عن الحصر‬
‫في اإلطالق والتعين بحيث ال يتقيد بأحدهما ‪ ،‬وإن كانا فيه بحسب مراتبه وتعيناته ‪،‬‬
‫وال في الجمع بين كل ذلك أي الوحدة والكثرة واإلطالق والتقييد ‪ ،‬وكذلك وكل ذلك فيه‬
‫بحسب مراتبه ‪ ،‬فنسبة كل ذلك إليه ونسبة غيره من التنزيه والتشبيه والغيب والشهادة‬
‫‪ ،‬وسلب جميع النسب إليه سواء بال ترجيح ألحد األمرين على اآلخر ؛ إذ لو رجح‬
‫لظهور التقيد به ؛ إذ المرجوح ال يقابل ‪ ،‬وإنما حصلت أولوية بعضها على بعض‬
‫بحسب المراتب المتوقفة على التعينات وال اعتبار لها حيث يعتبر اإلطالق ‪ ،‬فافهم ‪،‬‬
‫فإنه مزلة األقدم " ‪." 2‬‬
‫‪............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬أي ‪ :‬الوحدة االعتبارية العددية المقابلة للكثرة ‪ ،‬والكثرة العددية المتعارف عليها‬
‫؛ ألن وحدة الحق هي الوحدة الذاتية المنفردة بها ذاته ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬انظر ‪ :‬كتابنا “ إرشاد ذوي العقول إلى براءة الصوفية من االتحاد والحلول‪“ .‬‬

‫‪74‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 75‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٧٥‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وإذا وضح هذا علم أن نسبة الوحدة إلى الحق والمبدئية والتأثير‬
‫قال رضي ه‬
‫والفعل اإليجادي ونحو ذلك إنما يصح ويضاف إلى الحق باعتبار التعين ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬وإذا ظهر أن ال ترجيح لنسبة على نسبة في اإلطالق ‪ ،‬فترجيحات هذه النسب‬
‫إنما هو باعتبار تعينه ‪ ،‬والوحدة والمبدئية باعتبار المتعين األول والتأثير ‪ ،‬وهو التوجه‬
‫إلى الفعل أو اإلعدام والفعل اإليجادي بالنسبة إلى التعين الثاني وما بعده ‪ ،‬وذلك إن‬
‫كال منها نسب فال بد لها من منتسبين ‪ ،‬واإلطالق أمر سلبي ‪ ،‬والمراد ‪ :‬أنه يتوقف‬
‫تعقلها على اعتباره ‪ ،‬وإال فهي مع التعين ثابتة للحق أزال وأبدا ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأول التعينات المتعلقة النسبة العلمية الذاتية ؛ لكن باعتبار‬
‫قال رضي ه‬
‫تميزها عن الذات باالمتياز النسبي ال الحقيقي ] ‪.‬‬

‫لما توقفت النسب على التعينات ‪ ،‬والنسب مرتبة فال ب هد من ترتب التعينات ‪ ،‬فأول‬
‫التعينات المتعقلة النسبة العلمية ‪ ،‬أي التي ظهرت من نسبة العلم ‪ ،‬فجعل العلم نسبة ‪،‬‬
‫إذ ال تحقق للصفات متميزة في تلك الحضرة ‪ ،‬وإنما قال ‪ “ :‬المتعلقة “ ألن أول‬
‫التعينات الواقعة نسبة الحياة ‪ ،‬ألنها شرط العلم ؛ لكنها ال تعقل إال بعد تعقل العلم ‪،‬‬
‫وإنما قال “ الذاتية “ ؛ ألن النسبة العلمية األسمائية متأخرة عن هذه النسبة ‪ ،‬وكذا‬
‫نسبة علمه إلى سائر األشياء واألعيان ‪،‬‬
‫وإنما قال ‪ :‬باعتبار تميزها ؛ ألنه في اإلطالق العلم حاصل ؛ لكنه لما لم يتميز بالكلية‬
‫لم يحصل منه تعين ‪ ،‬وإنما اعتبر االمتياز النسبي ؛ ألن االمتياز الحقيقي إنما هو في‬
‫تعين الواحدية ‪ ،‬ال في األحدية التي هي التعين األول ‪ ،‬فهذه النسبة في التعين األول‬
‫عين من حيث الحقيقة ‪ ،‬غير باعتبار ما ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وبواسطة النسبة العلمية الذاتية ؛ يتعقل وحدة الحق ووجوب‬
‫قال رضي ه‬
‫وجوده ومبدئيته ‪ ،‬وسيما من حيث إن علمه بنفسه في نفسه ‪ ،‬وأن عين علمه بنفسه‬
‫سبب لعلمه بكل شيء ‪ ،‬وأن األشياء عبارة عن تعينات تعقالته الكلية والتفصيلية ‪ ،‬وأن‬
‫الماهيات عبارة عن التعقالت ‪ ،‬وأنها تعقالت منتشئة التعقل بعضها من بعض ] ‪] .‬‬

‫لما توقف إضافة النسب إلى الحق على تعينه ‪ ،‬فالنسب الذاتية توقف تعقلها على التعين‬
‫األول ‪ ،‬فبواسطة النسبة العلمية الذاتية ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬علمه ذاته بذاته في ذاته مع التميز االعتباري‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 76‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٧٦‬‬

‫ّللا عنه ‪ ( :‬يتعقل وحدة الحق ) “ ‪ ، “ 1‬التي هي نسبة ذاتية باعتبار نفي‬ ‫قال رضي ه‬
‫الكثرة عنها بالذات ‪ ،‬واالعتبار لها في الذات المطلقة لصدقها مع الوحدة والكثرة ‪،‬‬
‫وكذا وجوب وجوده ؛ ألنه نسبة إذ هو اقتضاء ذات الوجود باعتبار مغايرة اعتبارية‬
‫مر ‪ ،‬واالعتبار لها في المطلقة لصدقها على الممكنات ‪ ،‬وكذا مبدئيته ؛ ألنه‬ ‫على ما ه‬
‫نسبة بينه وبين ما أبداه وال اعتبار لها في المطلقة في صدقها على ما أبداه أيضا ‪ ،‬لكن‬
‫في التعين األول ظهرت هذه النسب ‪ ،‬وقبل العلم ال يمكن تعقل شيء من ذلك ؛ إذ لو‬
‫لم يعلم ذاته كيف يحكم بوحدته ‪ ،‬ولو لم يعلم وحدته كيف يحكم بوجوب وجوده المتناع‬
‫تعدد الواجب ؟ ولو لم يعلم وجوبه كيف يعلم كونه مبدأ الكثرة ‪ ،‬وكذا لو لم يعلم وجوبه‬
‫كيف يعلم كونه منتهى الحوادث ومبدأها ‪ ،‬وعلى الخصوص يتوقف تعقل كل منها على‬
‫النسبة العلمية الذاتية ‪ ،‬من حيث أن علمه نفسه في نفسه من غير زيادة عليه ‪ ،‬فيعلم‬
‫وحدته ؛ إذ لواله لم يتعقل الوحدة من كل وجه ‪ ،‬ألنه حينئذ يكون متعددا من ذات‬
‫وصفه ‪ ،‬وكذا وجوب الوجود المتوقف‬
‫‪.....................................................................‬‬
‫ّللا عليه في “ مفتاح الغيب ‪ “ :‬الحق‬ ‫) ‪( 1‬قال الشيخ صدر الدين القونوي ‪ -‬رحمة ه‬
‫سبحانه وتعالى من حيث وحدة وجوده لم يصدر عنه إال واحد ‪ ،‬الستحالة إظهار‬
‫الواحد ‪ ،‬وإيجاده من حيث كونه واحدا أو أكثر من واحد ‪ ،‬لكن ذلك الواحد ‪ ،‬عندنا هو‬
‫الوجود العام المفاض على أعيان الممكنات كما تقدم ‪ ،‬فكيف يقال ‪ :‬إن الشيخ وأتباعه ‪،‬‬
‫يقولون ‪ :‬إن الواجب هو الوجود العام ! فيلزم هأال يكون الواجب من الموجودات‬
‫ّللاُ أ َ ْن تَعُودُوا َل َمثْ َل َه أَبَداً[ النور ‪:‬‬ ‫تان َع َظي ٌم * يَ َع ُ‬
‫ظ ُك ُم ه‬ ‫سبْحان ََك هذا بُ ْه ٌ‬
‫الخارجية ُ‬
‫‪16 - 17 ] .‬فإن قلت ‪ :‬كيف ذهب إلى أن الواحد ال يصدر عنه إال الواحد ‪ ،‬وهو من‬
‫طا همات الفالسفة وال يقول به أهل السنة ؟ قلت ‪ :‬أهل السنة ما قالوا إن الواحد في جميع‬
‫الوجود يصدر عنه أكثر من واحد ‪ ،‬وإنما ذهبوا إلى أن العالم صدر عن ذات متصفة‬
‫بالحياة ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬والقدرة ‪ ،‬واإلرادة ‪ ،‬فما صدر عن واحد من جميع الوجوه ‪ ،‬وأما‬
‫كون الواحد أعم من الواجب وغيره ‪ ،‬هل يصدر عنه أكثر من واحد أم ال ؟ فال يصادم‬
‫كالم أهل السنة على ما قدمنا لك من كالم الشيخ في “ الفتوحات “ ما إذا تأملته كفاك‬
‫فتذكر ‪ .‬وأين كالم الشيخ صدر الدين من كالم الفالسفة ؟ فإن الصادر األول عندهم هو‬
‫العقل األول ‪ ،‬وعنده الوجود العام ‪ ،‬ومن كالمه في “ مفتاح الغيب “ أيضا ‪ :‬اعلم أن‬
‫الحق هو الوجود المحض الذي ال اختالف فيه ‪ ،‬وأنه واحد وهذه حقيقة ال يتعقل في‬
‫مقابلة كثرة ‪ ،‬وال يتوقف تحققها في نفسها ‪ ،‬وال تصورها في العلم الصحيح المحقق‬
‫على تصور ضد لها ‪ ،‬بل هي لنفسها ثابتة ال مثبتة ‪ ،‬وقولنا وحده للتنزيه والتهم ال‬
‫للداللة على مفهوم الوحدة على نحو ما هو متصور في األذهان المحجوبة ‪ ،‬وقال فيه‬
‫أيضا ‪ :‬الوجود في حق الحق عين ذاته ‪ ،‬وفيما عداه أمر زائد على حقيقته ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫نقال عن أبي الفتح المكي “ عين الحياة ( “ ص ‪) .70‬‬

‫‪76‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 77‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٧٧‬‬

‫على الوحدة ‪ ،‬على أن الواجب يجب أن يكون كامال ‪ ،‬وال كمال مع زيادة العلم لجواز‬
‫تعقل انفكاكه حينئذ ‪ ،‬والمبدئية عليهما ‪ ،‬على أنه لو زاد علمه بذاته ‪ ،‬فجاز أال يعلم‬
‫ذاته ؛ لجاز أال يعلم مبدئيته ‪.‬‬
‫وأيضا من حيث أن عين علمه بنفسه سبب لعلمه بكل شيء ‪ ،‬والوحدة والوجوب ‪،‬‬
‫والمبدئية من جملة األشياء على أنها من اللوازم القريبة ‪ ،‬فإذا علم البعيدة بعين علمه‬
‫بنفسه فالقريب أولى ‪ ،‬أو إنما كان علمه بنفسه سببا لعلمه بكل شيء ؛ ألنه شامل على‬
‫شؤونه التي هي عبارة عن حقائق األعيان الثابتة التي هي حقائق األشياء أيضا ‪ ،‬من‬
‫حيث إن األشياء تعينات تعقالته الكلية والتفصيلية ‪ ،‬والوحدة تعين لتعقله كلية الذات من‬
‫حيث إن شموله على شؤونه ليس على نهج التمييز ‪ ،‬وهذا إنما هو في التعين األول ‪،‬‬
‫ووجوب الوجود تعين لتعقله كلية الذات من حيث ال تميز فيه لشؤون الممكنات التي‬
‫يشملها ‪ ،‬والمبدئية تعين لتعقله كلية الذات ‪ ،‬من حيث أنه أوال من غير تميز لآلخر فيه‬
‫‪ ،‬وأما التفصيلية فليس تتعقل في هذه المرتبة ‪ ،‬وإنما كانت األشياء عبارة عن تعينات‬
‫تعقالته ؛ إذ ليس لها وجود مستقل بل مفاض من نوره على أعيانها التي هي تعقالته‬
‫اتصف بها من حيث ظهوره فيها وبها حتى تعين بها ‪ ،‬واألعيان أمور متعقلة لها ال‬
‫غير ‪ ،‬وأيضا من حيث إن الماهيات عبارة عن التعقالت ‪ ،‬وال شك أن الوحدة‬
‫والوجوب والمبدئية إن كانت أمورا موجودة فال ب هد لها من ماهية ‪ ،‬فال يسبق التعقل‬
‫األول الذاتي ؛ وإال فهي محض التعقالت ‪ ،‬وإنما كانت الماهيات عبارة عن التعقالت ؛‬
‫إذ ليس في الخارج شيء يغاير الوجود في الموجودات مع أنها نعلم قطعا أن األشياء‬
‫تتمايز وتتغاير والوجود مشترك فهو بالماهية ‪ ،‬وأيضا من حيث إنها تعقالت منتشية‬
‫التعقل بعضها من بعض ‪ ،‬فإن الوحدة منتشية من تعقالت الذات والوجوب عنهما‬
‫والمبدئية عن الثالثة ‪ ،‬فهي نفس التعقالت ‪ ،‬وإنما كان بعضها منتشيا عن البعض ؛‬
‫ألن المتأخر من هذه األمور من لوازم المتقدم ‪ ،‬فتعقل الملزوم مستلزم لتعقله ‪ ،‬فكذلك‬
‫تعقل الالزم منتشئ عن تعقل الملزوم ‪.‬‬

‫ّللا‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ال بمعنى أنها تحدث في تعقل الحق تعالى ‪ ،‬تعالى ه‬
‫ولذلك قال رضي ه‬
‫عما ال يليق به ‪ ،‬بل تعقل البعض متأخر الرتبة عن البعض ‪ ،‬وكلها تعقالت أزلية أبدية‬
‫على وتيرة واحدة تتعقل في العلم ‪ ،‬ويتعلق بها بحسب ما يقتضيه حقائقها‪] .‬‬

‫‪77‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 78‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٧٨‬‬

‫لما توهم مما سبق ‪ ،‬إن تعقل المنتشئ حادث لتأخره في الوجود عن المنتشئ منه ‪ ،‬دفع‬
‫ذلك بأن االنتشاء ليس بمعنى الحدوث ؛ المتناعه في ذات الحق وصفاته الالزمة ‪،‬‬
‫والعلم منها ؛ ألن التجرد نسبة على ما بين في الحكمة ‪ ،‬وما يرى من الحدوث في‬
‫صفاته الالحقة باسمه الظاهر ‪ ،‬فحدوثه إنما الظهور بعد البطون في حق الوجود ‪،‬‬
‫وبمعنى سبق العدم عليه في حق األعيان الثابتة ‪ ،‬فليس تأخر تعقل البعد إال بحسب‬
‫الرتبة ‪ ،‬بمعنى التقدم الطبيعي ‪ ،‬وهو أن يكون المتأخر مفتقر إلى المتقدم ‪ ،‬وال يكون‬
‫المتقدم علة للمتأخر ‪ ،‬والصفات اإللهية غير معلولة بشيء ؛ ألن تأثير العلل إنما هو‬
‫في الحوادث فكلها تعقالت أزلية أبدية على وتيرة واحدة لم يسبق الجهل بشيء منها ‪،‬‬
‫بل حقائقها يترتب بعضها على بعض ترتبا طبيعيها ‪ ،‬والعلم بالشيء إنما يتعلق به‬
‫ّللا بالحوادث قديم ؛ لكنه يتعلق بها‬
‫بحسب ما يقتضيه حقيقته ؛ ومن هنا نقول أن علم ه‬
‫على حسب ما هي عليه ‪ ،‬فيعلم الماضي ماضيا ‪ ،‬والحال حاال ‪ ،‬والمستقبل مستقبال من‬
‫غير تغيير في علمه ‪ ،‬بل تعلقه الذي هو نسبة بين العلم والشيء ال وجود لها ‪ ،‬فال‬
‫محذور في اعتبارها ما في علمه تعالى ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومقتضى حقائقها على نحوين ‪ :‬أحدهما تعقلها من حيث‬ ‫قال رضي ه‬
‫استهالك كثرتها في وحدة الحق ‪ ،‬وهو تعقل المفصل في المجمل ‪ ،‬كمشاهدة العالم‬
‫العاقل بعين العلم ‪ ،‬في النواة الواحدة ما فيها بالقوة من األغصان واألوراق والثمر ‪،‬‬
‫والذي في كل فرد من أفراد ذلك الثمرة مثل ما في النواة األولى ‪ ،‬وهكذا إلى غير‬
‫النهاية ] ‪.‬‬
‫لما كان تعلق العلم بالحقائق على حسب مقتضياتها ‪ ،‬فتارة يقتضي كونها على وتيرة‬
‫واحدة وتارة كونها مترتبة ؛ ألن مقتضى حقائقها على نحوين بناء على أن كال من‬
‫الذات األحدية والحقائق مرآة لآلخر ؛ فالنحو األول المبني على كون الذات مرآة‬
‫للحقائق وهي فيه على وتيرة واحدة ‪ ،‬تعقل الحقائق من حيث استهالك كثرتها في وحدة‬
‫الحق ‪ ،‬أي عدم ظهورها وتميزها فيها التمييز الحقيقي ‪ ،‬مع كونها بالقوة ‪ ،‬وتفصيلها‬
‫اعتباري بحسب ما يعود إليه آخر ‪ ،‬فهو شهود المفصل ‪ ،‬أي الذي يحصل له التفصيل‬
‫في المجمل ‪ ،‬فالكل داخل في ذلك الكمال ؛ لكن الكمال الحاوي لتلك الحقائق ال يحصل‬
‫إال بظهور الوجود فيها ولها ‪ ،‬وسمة هي معدومة ال تظهر من حيث هي أبدا وأزال ؛‬
‫لكنها مشهودة للحق شهودا علميها ال عينيها ‪ ،‬واألسماء تطلب الكمالين جميعا ‪ ،‬فالكثرة‬
‫اعتبارية والوحدة حقيقية ‪ ،‬كما في النواة الشاملة على الشجر واألثمار ونواها وحدتها‬
‫كالحقيقة ‪ ،‬وكثرتها فيها اعتبارية ‪ ،‬وإنما يرى‬

‫‪78‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 79‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٧٩‬‬

‫الكثرة فيها العالم بها حقيقة ال يتغير علمه عند حصول تلك الكثرة بالفعل في الخارج ‪،‬‬
‫فال يزاد كماال لم يكن قبل أصال ‪ ،‬بل هو ذلك الكمال بعينه ‪ ،‬حصل له صفة الظهور‬
‫في الخارج ليحصل الكمال الخارجي ‪ ،‬وال نصيب فيه للعالم إال فيما علم أوال ‪ ،‬لكن‬
‫لما كان علمه حاصال في الخارج فال ب هد من تعلق علمه به كذلك ليطابق ذلك العلم‬
‫األزلي ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬والنحو اآلخر تعقل أحكام الوحدة جملة بعد جملة ‪ ،‬فيتعقل كل‬‫قال رضي ه‬
‫جملة بما يشتمل عليه من الماهيات التي صورة تلك التعقالت المتكثرة المعددة للوجود‬
‫الواحد ‪ ،‬وهذا عكس االستهالك األول المشار إليه ؛ فإن ذلك عبارة عن استهالك‬
‫الكثرة في الوحدة ‪ ،‬وهذا هو استهالك الوحدة في الكثرة ‪ ،‬فليعلم ذلك ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬والنحو أيضا من مقتضى الحقائق أن تصير الحقائق مرآة للحق ‪ ،‬وبه يحصل‬
‫ترتب التعقالت ؛ ألنه يتعقل به أحكام أي أوصاف الوجود الواحد الالحقة به بحسب‬
‫ظهوره في تلك الحقائق ‪ ،‬وإن كانت معه أيضا عند البطون ‪ ،‬فتعقل تلك األحكام جملة‬
‫بعد جملة بحسب ترتيبها الطبيعي ‪ ،‬وإن كان تعقل مجموعها مرة واحدة بحسب تعقل‬
‫تلك األحكام نفسها ‪ ،‬وإنما ترتبت بحيث ترتب ماهياتها الخارجية ‪ ،‬فيتعقل كل جملة‬
‫من األحكام بما يشتمل تلك الجملة عليه من الماهيات ‪ ،‬التي هي صور تلك التعقالت ‪،‬‬
‫أي مظاهر تلك األحكام المتعقلة مرة واحدة أوال ‪ ،‬ومرات متعددة بحسب تلك المظاهر‬
‫‪ ،‬وإنما قيدنا الماهيات بالخارجية ؛ ألن الذهنية غير مترتبة التعقل إال بحيث أن‬
‫خارجيتها مرتبة ‪ ،‬فيعقل ترتيبها في الذهن بحسب ذلك ‪.‬‬
‫وهذه الصور التي هي ماهيات الخارجية متكثرة بالحقيقة في الخارج معددة للوجود‬
‫الظاهر فيها ال بحسب نفسه ‪ ،‬بل بحسب الصور الظاهرة فيها ؛ ألنها مرايا متعددة له ‪،‬‬
‫فيتعدد صوره بحسب تعدداتها ‪ ،‬وهذا االستهالك ‪ -‬أعني استهالك الوحدة ‪ ،‬أي‬
‫اختفاؤها في الحقائق ‪ -‬عكس االستهالك األول الذي هو استهالك كثرة الحقائق في‬
‫الوجود ‪ ،‬فهو شهود المجمل في المفصل ‪ ،‬وفي هذه الشهود ترتب على حسب أوقات‬
‫ظهوره فيها ‪ ،‬فالكثرة والترتب ليس إال للماهيات الخارجية بالذات ‪ ،‬والذهنية باعتبار‬
‫قابليتها للخروج ‪ ،‬والوحدة ليس إال للحق من حيث هي فيه ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫***‬

‫‪79‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 80‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٨٠‬‬
‫النص الثاني‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومن النصوص ‪ :‬اعلم أن الحق من حيث إطالقه وإحاطته ال‬ ‫‪:‬قال رضي ه‬
‫يسمى باسم ‪ ،‬وال يضاف إليه حكم ‪ ،‬وال يتعين بوصف وال رسم ؛ ليس نسبة االقتضاء‬
‫إليه بأولى من نسبة الال اقتضاء ‪ ،‬فإن االقتضاء المتعقل إذ ذاك أو المنفي هو حكم‬
‫متعين ووصف مقيد ] ‪.‬‬
‫لما فرغ عن اإلطالق الذي ال يقابله التقييد وال ينحصر في اإلطالق والتقييد وال في‬
‫الجمع بينهما وال االنفراد ؛ شرع في اإلطالق المقابل للتقييد ‪ ،‬وهذا اإلطالق هو الذي‬
‫يعبر قبل التعين األول ال غير ‪ ،‬فذلك يمكن اعتباره قبله وبعده ‪ ،‬فهذا اإلطالق يتقيد‬
‫باإلطالق والعموم ‪ ،‬وإليه أشار بقوله ‪ ( :‬وإحاطته ) لكن ال يسمى باسم خاص وإال لم‬
‫يبق على اإلطالق ‪ ،‬وهكذا ال يضاف إليه حكم خاص حتى يقال أنه مقتض لألعيان أو‬
‫األسماء أو ال مقتض لمنافاته العموم ‪.‬‬
‫وهكذا ال يتعين بوصف كالعلم ‪ ،‬وال رسم كالوجود والحياة ؛ لذلك ‪ ،‬فإذا لم يتعين بذلك‬
‫لم يكن نسبة اقتضاء شيء كاألسماء واألعيان بأولى من نسبة الال اقتضاء المتعقل إليه‬
‫قيد بذلك ؛ ألنه شامل عليها بحسب اإلطالق األول ‪ ،‬وهذا إنما يفارقه باعتبار ما ‪،‬‬
‫فإنما يمتنع االقتضاء والال اقتضاء المتعقل ال الواقع هناك ‪ ،‬ثم ذكر تعليل ذلك بقوله ‪:‬‬
‫إذ ذاك أي االقتضاء أو المنفي أي ‪ :‬الال اقتضاء هو حكم معين ‪.‬‬
‫يقال ‪ :‬نسبة مقتض أو ال مقتض ووصف لذاته ‪ ،‬بأن فيه اقتضاء أو ال اقتضاء ‪ ،‬فال‬
‫يبقى إطالق ضده التقييد ‪ ،‬فاالقتضاء ال يتعقل لهذا الحصر ‪ ،‬وإن كان التعيهن يترتب‬
‫عليه ‪ ،‬بل يتوقف االقتضاء على التعين العلمي ‪ ،‬وليس هذا التعين مقتضاه ‪ ،‬بل من‬
‫جملة ما اشتمل عليه اإلطالق األول ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫فإن له ثالث مراتب ‪:‬‬ ‫ّللا عنه ‪ [ :‬ثم ليعلم أن االقتضاء وإن كان ذاتيها ‪ ،‬ه‬‫قال رضي ه‬
‫حكمه من حيث المرتبة األولى ‪ :‬هو أنه ال يتوقف على شرط ‪ ،‬وال موجب يكون سببا‬
‫لتعيهنه ‪،‬‬
‫وحكمه من حيث المرتبة الثانية ‪ :‬هو أنه يتوقف تعيهنه على شرط واحد فحسب‪،‬‬
‫وحكمه من حيث المرتبة الثالثة ‪ :‬هو أن ظهور أحكامه يتوقف على شروط وأسباب‬
‫ووسائط ] ‪.‬‬
‫يريد أن نسبة الال اقتضاء وإن لم يكن أي ‪ :‬إطالق الذات أولى من نسبة الال اقتضاء ‪،‬‬

‫‪80‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 81‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٨١‬‬

‫لكن النسبتين داخلتان في الذات بحسب إطالقها بالمعنى األول ‪ ،‬وهذا االقتضاء وإن‬
‫كان متحد الذات ‪ ،‬وهو أنه فيض ‪ ،‬لعدم التميز في اإلطالق ‪ ،‬لكنه من حيث التنزل إلى‬
‫المفاض عليه يختلف أحكامه ؛ ألنه قد يصل بال واسطة وقد يصل بواسطة ‪ ،‬وقد يصل‬
‫بوسائط والواسطة الشرط أو السبب ‪ ،‬والمراد بالشرط ما ال دخل له في اإليجاد ‪ ،‬لكن‬
‫يتوقف عليه ‪ ،‬وبالسبب ما يكون موجبا غير مؤثر ‪ ،‬فلذلك االقتضاء والفيض عند‬
‫التنزل من إطالق الذات ثالث مراتب مختلفة األحكام ‪،‬‬
‫وحكمه من حيث المرتبة األولى ‪ :‬هو أنه ال يتوقف تعلقه بالمفاض عليه على شرط‬
‫وعلى موجب يكون سببا لتعينه وإن توقف على موجب يكون مؤثرا فيه من األسماء‬
‫اإللهية والربوبية إذ ال ترجيح في الذات المطلقة مع غنائها عن العالمين ‪،‬‬
‫وحكمه من حيث المرتبة الثانية ‪ :‬هو أنه يتوقف تعينه ‪ ،‬وإن لم يتوقف أصله على‬
‫شرط واحد فحسب ‪ ،‬ولو يعتبر السبب هنا ‪ ،‬إذ يشترط معه عدم المانع ‪ ،‬فتتعدد‬
‫الواسطة ال محالة ‪،‬‬
‫وحكمه من حيث المرتبة الثالثة ‪ :‬هو أن ظهور أحكامه بعد حصول تعينه في إحدى‬
‫المرتبتين األوليين يتوقف على شروط وأسباب ووسائط أخرى من الطبائع وأجسام‬
‫القوى وغيرها ‪ ،‬وإنما اعتبر جميع األمور هنا مع تعددها ؛ لتشمل هذه المرتبة جميع‬
‫المراتب غير المتناهية ‪ ،‬وليس المراد أن ال بد من جميع ذلك ‪ ،‬وإنما أراد ضبط‬
‫المراتب الباقية فيها ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬فحكم االقتضاء األول هو الفيض الذاتي ال لموجب ‪ ،‬وال يتعقل‬
‫قال رضي ه‬
‫في مقابلة قابل أو استعداده ‪ ،‬وحكم االقتضاء الثاني ‪ :‬التوقف على شرط واحد وجودي‬
‫فحسب ‪ ،‬وذلك الشرط الوجودي هو العقل األول الذي هو واسطة بين الحق وبين ما‬
‫قدر وجوده من الممكنات إلى يوم القيامة ‪ ،‬وأما حكم االقتضاء من حيث المرتبة‬
‫الثالثة ‪ :‬فإن ظهور أثره وحكمه موقوف على شروط شتى كباقي الموجودات ] ‪.‬‬

‫بيان ألوصاف الفيوض المذكورة وتعيناتها ‪ ،‬أي وإذا كان ذلك ‪ ،‬فحكم االقتضاء األول‬
‫أي أثر الثابت به من حيث المرتبة األولى حصول الفيض الذاتي قيد به ؛ ألن األسمائي‬
‫ال ب هد وأن يكون بواسطة قابليته األعيان واستعداداتها ؛ ألنها نسب بينها وبين األعيان ‪،‬‬
‫فهذا الفيض ال يكون بموجب من األسباب ‪ ،‬وال يتعقل في مقابلة قابل واستعداده ‪ ،‬إذ‬
‫القابل واستعداده إنما يحصالن من هذا الفيض ‪ ،‬فلو توقف عليها لزم الدور‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 82‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٨٢‬‬

‫ومن هنا يفهم أنه ال يكون بواسطة الشرط ‪ ،‬وهذا هو محل االختيار اإللهي والقدرة‬
‫مستوية الطرفين واإلرادة المرجحة ‪ ،‬والقابل هو العين الثابتة ‪ ،‬واالستعداد تهيؤه‬
‫للقبول ‪ ،‬وهذا الفيض هو المسمى بالفيض األقدس ‪ ،‬وحكم االقتضاء الثاني توقف‬
‫الفيض الحاصل منه على شرط واحد ‪ ،‬إذ لو تعدد لكان في المرتبة الثالثة ‪ ،‬والشرط‬
‫هنا وجودي إذ العدمي هو شرط عدم الواسطة حاصل في المرتبة األولى ‪ ،‬لكنه لما‬
‫اعتبر كون عدم الواسطة حاصال ‪ ،‬لم يجعل واسطة بخالف عدم المانع المعين مع‬
‫السبب ‪ ،‬فتذكر ولم يعتبر هنا ؛ ألنه إنما يكون شرطا ‪ ،‬حيث فرض المانع ‪ ،‬إذ يكون‬
‫عدما مضافا ‪ ،‬فيكون في حكم الوجود وإال كان عدما محضا ‪ ،‬وذلك الشرط الوجودي‬
‫هو العقل األول ‪ ،‬إذ األسماء اإللهية نسب عدمية ‪ ،‬والوجود هو الذات مع اعتبار تلك‬
‫النسب ‪ ،‬على أنها ال تغاير الذات ‪ ،‬فال تعد وسائط ‪ ،‬وأما غير العقل األول ظن فمرتب‬
‫عليه في تعدد الوسائط ‪ ،‬وإنما لم يجعل سببا الستلزامه اعتبار الشرط الذي هو عدم‬
‫المانع معه ‪ ،‬فالعقل األول هو الواسطة بين الحق وبين ما قدر وجوده من الممكنات ‪،‬‬
‫وإنما اعتبر واسطة ؛ ألنه أكمل الموجودات العالية لكونه بالفعل من كل وجه وقلة‬
‫وجوه اإلمكان فيه ‪ ،‬فهو إلى الحق أقرب ‪ ،‬وإنما قيد للممكنات بما قدر وجوده ‪ ،‬إذ‬
‫الممكن المعدوم لما لم يخرج من العلم إلى العين ‪ ،‬لم يحتج إلى الواسطة في الوجود ‪،‬‬
‫إذ ال وجود له ‪.‬‬
‫والحاصل من هذا االقتضاء العقل الثاني والنفس الكلية ‪ ،‬وأما حكم االقتضاء من حيث‬
‫المرتبة الثالثة ‪ ،‬غير العبارة هنا ليفهم المقصود فيما تقدم بعبارة مختصرة وصرح هنا‬
‫بمعنى الحكم أيضا ‪ ،‬هو أن ظهور األثر يتوقف على شروط شتى أي أمور متعددة من‬
‫الشروط واألسباب وغيرها ‪.‬‬
‫أطلق عليها الشروط بمعنى المتوقف عليها كباقي الموجودات من العقل الثالث والنفس‬
‫الثانية واألفالك ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ولست أعني بهذا ‪ ،‬أن ثمة اقتضاءات ثالثة مختلفة الحقائق ‪،‬‬ ‫قال رضي ه‬
‫بل هو اقتضاء واحد ‪ ،‬وله ثالث مراتب ‪ ،‬يظهر ويتعين به من حيثية كل مرتبة منها‬
‫أثر أو آثار ‪ ،‬فافهم ] ‪.‬‬
‫دفع لما قد يتوهم مما ذكر ‪ ،‬أن في الذات اقتضاءات مختلفة للحقائق ‪ ،‬وهو باطل لما‬
‫يذكر من أن الواحد ال يقتضي من جهة واحدة إال الواحد ‪ ،‬فدفع ذلك بأنه اقتضاء واحد‬

‫‪82‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 83‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٨٣‬‬

‫بالحقيقة ‪ ،‬يختلف بالمراتب كاألصل ‪ ،‬فله ثالث مراتب مرتبة في مستقره ‪ ،‬ومرتبتان‬
‫في تنزله يظهر بحسب كل مرتبة ويتعين بحسبها أثر وآثار ‪ ،‬ففي المرتبة األولى العقل‬
‫األول ‪ ،‬وفي الثانية والثالثة ما ذكرنا ‪ ،‬وإنما قال يظهر ويتعين ‪ ،‬ألن اآلثار كامنة في‬
‫الذات وكانت غير متميزة ‪ ،‬فلما ظهرت ‪ ،‬تميزت فتعينت ‪ .‬والفيض الكلي هو الوجود‬
‫العام ‪ ،‬وهذا طريق لطيف يمكن الجمع بين مذهبي الفالسفة القائلين بأن الواحد ال‬
‫يصدر عنه إال الواحد والمتكلمين القائمين بإسناد الكل إليه تعالى بال واسطة ‪،‬‬
‫ّللا عنه ‪ ( :‬فافهم ) ‪ ،‬أو نقول الفيض واحد يتعدد بحسب المراتب‬ ‫فلذلك قال رضي ه‬
‫وّللا أعلم ‪.‬‬
‫واألسباب ليس مؤثرة بل هي مؤقتة ‪ ،‬ه‬
‫النص الثالث‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومن النصوص اإللهية أن العلم الوحداني الذاتي يضاف إليه‬ ‫قال رضي ه‬
‫التعدد من حيث تعلقه بالمعلومات ‪ ،‬وال يتحقق بإدراكها إال من حيث تعيناته‬
‫وتعلقاته ] ‪.‬‬

‫لما فرغ عن بحث اإلطالق المقابل للتقييد ‪ ،‬شرع في بحث التقييد األول ‪ ،‬وهو العلمي‬
‫‪ ،‬إذ هو أول النسب وجعله من النصوص اإللهية باعتبار أن العلم منشأ األسماء اإللهية‬
‫التي هي مع الذات حضرة لْللهية ‪ ،‬وجعل العلم وحدانيا لتوحده في هذه الحضرة التي‬
‫هي األحدية وذاتيها ‪ ،‬لكونه غير متميز عن الذات ‪.‬‬

‫ثم ذكر من أحكامه أنه يضاف إليه التعدد من حيث تعلقه بالمعلومات المتعددة التي هي‬
‫األعيان الثابتة ‪ ،‬أعني ‪ :‬حقائق الممكنات ‪ ،‬كما يضاف التعدد إلى الوجود الواحد‬
‫المطلق باعتبار ظهوره في المظاهر ‪ ،‬وإلى االقتضاء بحسب وصول الفيض إلى‬
‫المفاض عليه مع وحدتها في مستقرها ‪ ،‬فالعلم الذاتي واحد محيط بالكل إحاطة الذات‬
‫إال أنه مجمل إذا اعتبر تعلقه بالذات فقط ‪ ،‬وال يتحقق بإدراك المعلومات المتعددة إال‬
‫من حيث تعيناته بهذه المعلومات وهي تعلقاته بها ‪ ،‬فيدركها مفصلة ‪.‬‬

‫فلذلك قيل ‪ :‬لألعيان الثابتة إنها صور العلم ‪ ،‬وإنها غير مجعولة ‪ ،‬وإال فال دخل‬
‫النتقاش الصور الكثيرة في العلم الواحد ‪ ،‬لكنها انتقشت باعتبار تعيناته الكثيرة من‬
‫تعلقاته باألعيان فهذه التعينات مرايا األعيان الثابتة ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وتعلقه بكل معلوم ‪ ،‬تابع للمعلوم بحسب ما هو المعلوم‬‫قال الشيخ رضي ه‬
‫عليه في نفسه ‪ :‬بسيطا كان المعلوم أو مركبا ‪ ،‬زمانيها كان أو مكانيها ‪ ،‬أو غير زماني‬
‫وال مكاني مؤقت‬

‫‪83‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 84‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٨٤‬‬

‫القبول ‪ ،‬متناهي الحكم والوصف ‪ ،‬أو غير مؤقت والمتناه فيما ذكرنا ‪ ،‬فاعلم ذلك ‪] .‬‬
‫بيان التعميم وإحاطته بالكل مع أنه ال حدوث فيه وال تغير من حيث وحدته األصلية‬
‫وأن وقع ذلك في تعلقاته ‪ ،‬فقال ‪ :‬وتعلق ذلك العلم الوجداني لكل معلوم تابع للمعلوم ‪،‬‬
‫وإن كان كل معلوم حاصال من ذلك العلم من حيث وحدته ‪ ،‬لكن لما كانت تعيهناته‬
‫بالمعلومات ‪ ،‬فكل تعيهن له تابع للمعلوم الذي تعيهن به بحسب ما هو المعلوم عليه في‬
‫نفسه ‪ ،‬فيتصف التعلق التابع بصفته دون العلم الوجداني المتبوع ‪ ،‬فيبقى على ما كان‬
‫عليه ‪ ،‬وصفات المعلوم كونه بسيطا أو مركبا وكونه زمانيها أو غير زماني ‪ ،‬ومكانيها‬
‫أو غير مكاني ‪ ،‬أبديها أو غير أبدي ‪.‬‬

‫مثال البسيط الزماني المكاني المؤقت حروف الهجاء اللفظية ‪ ،‬ومثال البسيط غيرها‬
‫العقول والنفوس ‪ ،‬ومثال المركب الزماني المكاني المولدات ‪ ،‬ومثال المركب غير‬
‫الزماني والمكاني محدد الجهات ‪ ،‬وتعلق العلم يتصف بهذه الصفات دون نفس العلم‬
‫الوجداني كمن يعلم أن زيدا فاعل كذا في الوقت الفالني فإذا جاء علم بذلك العلم أنه‬
‫وقبله أنه سيفعل ‪ ،‬فتجدد بعلمه عند فعله نسبته لم تكن ‪ ،‬لكن العلم بأنه فاعل كذا في‬
‫الوقت الفالني ‪ ،‬باق بحاله ‪ ،‬وهكذا علم بالمركب من حيث كليته واحد ‪ ،‬ومن حيث‬
‫التفصيل مسبوق بنسبة علمه إلى جزأيه ‪ ،‬فافهم ذلك ‪ ،‬فإنه مزلة أقدام الفالسفة‬
‫ّللا عنه ‪ ( :‬فاعلم ذلك ) ‪.‬‬
‫والمتكلمين ‪ ،‬فلذلك قال رضي ه‬

‫قال ‪ [ :‬ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص أيضا ‪ ،‬أن الحكم من كل حاكم على كل‬
‫محكوم عليه تابع لحال الحاكم عين الحكم ‪ ،‬وتابع لحال المحكوم عليه حال حكم الحاكم‬
‫عليه ] ‪.‬‬

‫فيه بيان أن الحاصل من اإلطالق يكون فيضا مطلقا ‪ ،‬فإن كان اإلطالق ال في مقابلة‬
‫التقييد كان الفيض كذلك ‪ ،‬وإال كان في مقابلته وأن المعلوم لما كان حاكما على تعلق‬
‫العلم كان تعلقه كذلك ‪ ،‬فهذا تفريع على النصوص الثالثة جميعا ‪.‬‬
‫إنما كان أيضا ؛ ألنه ذكر أوال من تفريع األول تعقل الوحدة ‪ ،‬ووجوب الوجود‬
‫والمبدئية ‪ ،‬ومن تفريع الثاني االقتضاءات المختلفة بحسب المراتب ‪ ،‬ومن تفريع‬
‫الثالث تبعية تعلق العلم بالمعلومات ‪ ،‬فذكر هاهنا ما يصلح كميته للكل ‪ ،‬وهو أن الحكم‬
‫من كل‬

‫‪84‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 85‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٨٥‬‬

‫حاكم قديما أو حادثا على كل محكوم عليه مبدعا أو ماديها تابع لحال الحاكم لوجوب‬
‫المناسبة بين األثر والمؤثر ‪ ،‬وإنما اعتبر حاله إذ ال أثر للذات من حيث هي لتساوي‬
‫اآلثار إليه ‪ ،‬وإنما اعتبرت حين الحكم ؛ ألن السابقة والالحقة غير موجودتين ‪ ،‬فال أثر‬
‫لها وتابع لحال المحكوم عليه ‪ ،‬إذ ال ب هد من قابليته لذلك الحكم ‪ ،‬وقيدت تلك الحال‬
‫بحال حكم الحاكم إذ الحالة السابقة ‪ ،‬والالحقة غير موجودتين حال تأثير الحاكم ‪،‬‬
‫فكيف يتأثران بها ويقرب من هذا قول أهل المعقول إن النتيجة ال ب هد أن تناسب‬
‫المقدمتين ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬فإن كان المحكوم عليه من شأنه التنقل في األحوال ‪ ،‬تنوعت‬ ‫قال رضي ه‬
‫أحكام الحاكم عليه في كل حال ‪ ،‬واختلفت بحسب تلبسه بتلك األحوال ‪ ،‬وإن كان‬
‫المحكوم عليه مما من شأنه الثبات على وتيرة واحدة ‪ ،‬ثبت حكم الحاكم عليه بحسب‬
‫التعلق األول المعين بحكم الحاكم عليه ومقتضاه وبقي األمر بحسب حال الحاكم حين‬
‫الحكم ‪ ،‬فإن كان الحاكم من مقتضى ذاته التقلب في األحوال بحسبها أو مقتضى ذاته‬
‫أنه ثابت ‪ ،‬واألحوال تنقلب ‪ ،‬فيكون تبعية حكم الحاكم بحسب أحد األمرين الحاضرين‬
‫لمراتب حكم كل حاكم ‪ ،‬وكل محكوم عليه إذ ال يخرج عما ذكرته حكم حاكم وال‬
‫محكوم عليه ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬ل هما كان الحكم تابعا لحال الحاكم والمحكوم عليه حين حكمه عليه ‪ ،‬فإن كان‬
‫المحكوم عليه مما ينتقل من حال إلى حال ‪ ،‬كثرت أنواع حكم الحاكم عليه في كل حال‬
‫يكون عليه حكم من الحاكم على حدة ‪ ،‬واختلفت تلك األحكام بالجنسية والصنفية‬
‫وغيرها بحسب تلبس المحكوم عليه بتلك األحكام المختلفة سواء كان الحاكم ثابتا أو‬
‫متقلبا ‪ ،‬فأما المتقلب كالصانع في صنائعه ‪.‬‬

‫وأما الثابت فاألسماء اإللهية والمالئكة بالنسبة إلى عالم الكون والفساد ‪ ،‬وذلك بأن‬
‫ينقطع حكم الحاكم الثابت عن المحكوم عليه بحسب حال تجددت له ‪ ،‬فيصير الحاكم‬
‫عليه غيره ‪ ،‬ولذا يختص أعمال األسماء والمالئكة باألوقات المخصوصة لها ‪ ،‬وإن‬
‫كان المحكوم عليه مما من شأنه الثبات على نهج واحد ثبتت عليه الحكم األول من‬
‫الحاكم على حسب تعلق حكمه به أوال ؛ ألن تعلق حكم الحاكم به بحسب هذه الحالة‬
‫مما دامت هذه الحالة ‪ ،‬بقي التعلق وهذا التعلق معين للحكم ‪ ،‬فيبقى الحكم المعين ببقاء‬
‫هذا التعلق الباقي بتلك الحالة التي للمحكوم عليه‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 86‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٨٦‬‬

‫ولكن هنا كالم ‪ ،‬وهو أن تعلق حكم الحاكم أيضا بحسب حال الحاكم ‪ ،‬فنقول إن كان‬
‫الحكام أيضا ثابتا ‪ ،‬فال يختلف الحكم عليه كحكم الحق تعالى على العقول ‪ ،‬فلذا كانت‬
‫بالفعل أزال وأبدا ‪ ،‬وإن كان مختلف األحوال كالنفوس يؤثر فيها العقول الكثيرة يختلف‬
‫أحكامها عليها ‪ ،‬وإن كانت ثابتة ‪ ،‬فلذا يختلف الفيض المتفضل عليها ‪.‬‬
‫وجواب قوله ‪ :‬فإن كان الحاكم ‪ ،‬محذوف وهو ثبت الحكم على وتيرة واحدة ‪ ،‬وجواب‬
‫ما عطف عليه أيضا محذوف ‪ ،‬وهو يتكثهر األحوال عليه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ “ :‬فيكون ‪ ،‬بيانا للحاصل مما سبق ‪ ،‬وأنه يفيد الحصر ‪ ،‬وبيانه ‪ :‬إن األحكام ال‬
‫تخلو من أن تكون منشأة عن األقسام األربعة ثباتها ‪ ،‬وانتقالها أو ثبات الحاكم ‪ ،‬وانتقال‬
‫المحكوم أو بالعكس ‪ ،‬وإنما صرح بهذا الحصر ؛ ألنه قد يتوهم أن حكم الحاكم الثابت‬
‫مع ثبوت المحكوم عليه يختلف باختالف الوسائط ‪ ،‬فكأنه قال ‪ :‬إن الحاكم هو المجموع‬
‫من المتوسط وممن توسط المتوسط بينه وبين المحكوم عليه ‪ ،‬وإال فالحاكم األول هو‬
‫الحاكم على الكل ‪ ،‬فافهم “ ‪.‬‬
‫النص الرابع ‪:‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص أيضا ‪ ،‬أن العلم يتبع‬ ‫قال رضي ه‬
‫الوجود ‪ ،‬بمعنى أنه حيث يكون الوجود يكون العلم دون انفكاك ] ‪.‬‬
‫ومن تفاريع النص األول المبين ‪ :‬أن أول نسبة غيب اإلطالق ‪ ،‬هي العلم ‪.‬‬
‫والنص الثاني المبين فيه ‪ ،‬أن العقل األول الذي هو الروح األعظم “ ‪ “ 1‬واسطة بين‬
‫‪....................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬ويقال له أيضا ‪ :‬القلم األعلى ‪ ،‬وذلك ألن العقل األول له ثالثة وجوه معنوية‬
‫كلية ‪:‬‬
‫فالوجه األول ‪ :‬أخذه الوجود والعلم مجمال بال واسطة ‪ ،‬وإدراكه ‪ ،‬وضبطه ما يصل‬
‫إليه من حضرة غيب موجده ‪ ،‬فباعتبار هذا الوجه سمي بالعقل األول ‪ ،‬ألنه أول من‬
‫عقل عن ربه ‪ ،‬وأول قابل لفيض وجوده ‪ .‬والوجه الثاني ‪ :‬هو تفصيله لما أخذه مجمال‬
‫في اللوح المحفوظ بحكم ‪ “ :‬اكتب علمي في خلقي ‪ ،‬واكتب ما هو كائن “ ‪ .‬ويسمى‬
‫هذا الوجه بالقلم األعلى ‪ ،‬الذي به يحصل نقش العلوم في ألواح الذات القابلة ‪ .‬قال‬
‫ّللا عليه وسلم المشار إليه بقوله‬ ‫عله َم بَ ْالقَلَ َم‪ ،‬وبهذا الوجه هو نفس محمد صلى ه‬
‫تعالى ‪َ :‬‬
‫تعالى ‪ “ :‬لم يؤتها من سواه من العالمين “ ‪ .‬والوجه الثالث ‪ :‬كونه حامال حكم التجلي‬
‫األول ‪ ،‬ومنسوبا إلى مظهريته في نفسه لغلبة حكم الوحدة والبساطة عليه ‪ ،‬وبهذا‬
‫االعتبار هو حقيقة الروح األعظم المحمدي ونوره لكونه جامعا لجميع التجليات اإللهية‬
‫منها والكونية ‪ ،‬ومنشأ لجميع أرواح الكائنات ‪ [ .‬اللطائف ص ‪235 ] .‬‬

‫‪86‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 87‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٨٧‬‬

‫الحق وجميع الموجودات ‪.‬‬


‫والنص الثالث المبين فيه ‪ :‬أن تعينات العلم بحسب تعينات المعلومات ‪ ،‬إن العلم يتبع‬
‫الوجود ‪ ،‬ضرورة أن التعين األول لما كان أوسع التعينات ‪ ،‬كان سائر التعينات كذلك‬
‫‪ ،‬ضرورة أن الزم األعمى الزم األخص ؛ للزوم األعم كل أخص ‪ ،‬والزم الالزم‬
‫الزم ضرورة أن توسط العقل بالمناسبة الروحانية ‪ ،‬إذ ال ب هد من المناسبة بين الفاعل‬
‫والمنفعل ‪ ،‬فلذلك يفيض على كل روح ‪ ،‬لكن بحسب استعداده ‪.‬‬
‫والروح مجرد ‪ ،‬وكل مجرد عالم على ما بين في الحكمة ‪ ،‬وضرورة أن العلم متعلق‬
‫بالمعلوم الذي هو نفس الوجود بالحقيقة ‪ ،‬وإن كان غيره باالعتبار ؛ فلهذا علم الحق‬
‫تعالى بالعلم الواحد ذاته وصفاته وجميع األشياء غير المتناهية ‪.‬‬

‫فالعلم الزم للوجود مالزمة متساوية ؛ فلذا فسر المتابعة بالالزمة المساوية فمن هنا‬
‫باّلل سامعا ألمره مطيعا له ‪ ،‬كما وردت بذلك األخبار الصحيحة مثل‬ ‫كان الكل عالما ه‬
‫ش ْيءٍ َإ هال يُ َ‬
‫س َبه ُح‬ ‫عز وجل ‪َ :‬و َإ ْن َم ْن َ‬ ‫شهادة الحجر والمدر المؤذن ‪ ،‬وعلم بذلك أن قوله ه‬
‫بَ َح ْم َد َه َول َك ْن ال ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْسبَي َح ُه ْم [ اإلسراء ‪ ، ] 44 :‬محمول على الحقيقة وإن الخطاب‬
‫في ‪ :‬ال ت َ ْفقَ ُهونَ [ اإلسراء ‪ ، ] 44 :‬ألهل الحجاب مطلقا سواء كانوا من المؤمنين أو‬
‫من الكفار‪.‬‬
‫ومما يدل عليه أن الموجودات ال تخلو من القوى المجردة ‪ ( ،‬وكل مجرد عالم ) ‪،‬‬
‫ّللا تعالى ‪ :‬أ َ ال‬ ‫والقوى مبادئ التأثيرات ‪ ،‬وال ب هد للمؤثر من العلم بما يؤثر به ‪ ،‬قال ه‬
‫ير [ الملك ‪ ، ] 14 :‬ولذا تشعر األعضاء اإلنسانية بما‬ ‫يف ْال َخ َب ُ‬
‫يَ ْعلَ ُم َم ْن َخلَقَ َو ُه َو الله َط ُ‬
‫تفعل ‪ ،‬وبما يليها القلب ‪ ،‬وإن لم يكن لها نطق وتخيل ‪ ،‬فافهم‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وتفاوت العلم بحسب تفاوت قبول الماهية الوجود تمامية‬
‫قال رضي ه‬
‫ونقصانا ‪ ،‬فالقابل للوجود على وجه أتم ‪ ،‬يكون العلم هناك أتم ‪ ،‬وينقص العلم بقدر‬
‫القبول الناقص ‪ ،‬وغلبة أحكام اإلمكان على أحكام الوجوب عكس ما ذكرنا أوال ‪ ،‬فاعلم‬
‫ذلك ]‪.‬‬
‫هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره ‪ ،‬لو كان العلم الزما للوجود مالزمة متساوية ؛ لكان‬
‫مقتضى ذاته ‪ ،‬ومقتضى الذات ال يتفاوت بالعوارض ‪ ،‬فما بالنا نرى بعض األشياء تام‬
‫العلم وبعضها ناقصا فيه ‪ ،‬بل ال نرى لبعضها العلم أصال حتى إن بعض اإلنسان‬
‫يكون‬

‫‪87‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 88‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٨٨‬‬

‫جاهال بربه تعالى ‪.‬‬


‫فأجاب ‪ :‬بأن العلم وإن كان في الوجود على نسق واحد بدليل أن تدبير األرواح في‬
‫أجسام الجهال على نهج تدبيره في أجسام أهل الكمال ‪ ،‬لكن تفاوت العلم بحسب تفاوت‬
‫تجلي الوجود على الماهيات ‪ ،‬فكل ماهية قبلت من العلم بمقدار ما صارت مجليا‬
‫للوجود ؛ فإن العلم من توابع الوجود فحيث كان المتبوع ظاهرا على أتم الوجوه ‪ ،‬أو‬
‫كان في ظهوره نقص ‪ ،‬كان التابع كذلك ‪ .‬فلذلك لم يظهر في الجمادات شيء من العلم‬
‫وإن كان في وجودها من حيث اإلطالق العلم الكامل حتى نطقت مع الك همل من األنبياء‬
‫واألولياء عليهم السالم ؛ وسبب ذلك غلبة نظرهم إلى الوجود المطلق فيها ‪ ،‬فلذلك‬
‫كشفوا بملكوتها ‪ ،‬بخالف الناظرين إلى تقيده بها سيما من قصر نظرهم على ماهيتها ‪،‬‬
‫حتى قالوا إنها نفس وجودها ‪.‬‬

‫ّللا عنه إلى علة عدم الظهور في البعض بأنها غلبت أحكام اإلمكان‬
‫ثم أشار رضي ه‬
‫التي أصلها العدم فيها ‪ ،‬فال يظهر العلم التابع للوجود مع ضده ‪ ،‬ولذلك نقصت القوى‬
‫الروحانية في الجمادات وزادت في النبات وغلبتهما في الحيوان وعلى الجميع في‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وهذه القوى لتجردها يغلب فيها الوجوب الذي هو من صفات الوجود ‪ ،‬فكلما‬
‫زادت ‪ ،‬زاد العلم ظهورا بنسبة أحكام الوجوب فيه على أحكام اإلمكان ‪ ،‬وأشار إليه‬
‫بقوله عكس ما ذكرنا أوال ‪.‬‬

‫ثم قال ‪ :‬فاعلم ذلك ‪ ،‬تنبيها على نفي ما يزعمه الجمهور من أن العلم بالكليات ليس إال‬
‫لْلنسان والمالئكة ‪ ،‬وال دليل لهم على ذلك سوى أنهم لم يظفروا إلى البرهان عليه ‪،‬‬
‫وال يصلح لهم ذلك لالستدالل على النفي مع أنه مخالف للنصوص ‪ ،‬ولما ظهر على‬
‫األنبياء واألولياء عليهم السالم على أن في بعض الحيوان كالنحل والعنكبوت من‬
‫وّللا أعلم ‪.‬‬
‫الصنائع ما يتحير فيها محقق المهندسين ‪ ،‬فكيف يمكن نفي العلم عنها ‪ ،‬ه‬
‫النص الخامس ‪:‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص المحققة أيضا ] ‪.‬‬
‫قال رضي ه‬
‫هذا تفريع على النص األول من حيث أن اإلطالق السلبي ال يمكن معرفته ‪ ،‬وعلى‬
‫الثاني من حيث إن إمكان معرفة النصوص بمعرفة ما ورائها من األسماء واألعيان ‪،‬‬
‫وعلى‬

‫‪88‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 89‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٨٩‬‬

‫الثالث بأن غاية تعلق ذلك ما هي ‪.‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬وإن كنت قد ألمعت بطرف منه في بعض المواضع من كتبي‬ ‫قال رضي ه‬
‫في ضمن أمر آخر وبلسانه ‪ ،‬لكن لما أفردت هذا الكتاب لذكر النصوص من األذواق‬
‫المختصة بخصوص مقام الكمال ‪ ،‬دون لسان عمومه من األذواق المقيدة الحاصلة‬
‫ألرباب المقامات المخصوصة والمستندة من حيث األصالة إلى حضرة اسم أو صفة‬
‫من الصفات واألسماء اإللهية التي هي محتد ذلك الذوق الخاص ومنبعه ‪ ،‬وجب على‬
‫أن أفرد وأميز ما يختص بذوق المقام األكمل األجمع ‪ ،‬وصحة ثبوته ومطابقته لما‬
‫ّللا تعالى في أعلى درجات علمه وأتمها وأكملها من ذلك األمر المترجم عنه‬ ‫يعلمه ه‬
‫دون تقرير صحته وثبوته بالنسبة واإلضافة إلى مقام دون مقام ‪ ،‬وباعتبار حال ووقت‬
‫دون غيرهما من األوقات واألحوال وما ذكر ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬ذكرت هذا التفريع هنا ‪ ،‬وإن كنت قد ألمعت ‪ ،‬أي ‪ :‬أشرت إشارة خفية بطرف‬
‫منه في بعض المواضع من كتبي ‪ ،‬مع أن عادتي ترك التكرار بالنسبة إلى كتبي فضال‬
‫عن غيرها ‪ ،‬وإنما ذكرته فيها في ضمن أمر آخر وبلسان ذوقه ‪ ،‬فال يكون محض‬
‫التكرار ؛ لكنه لما صار مذكورا بأي وجه كان وعلى أي لسان ‪ ،‬فقد وقع التكرار من‬
‫وجه ‪ ،‬فال ينبغي لي أن أذكره بناء على أن عادتي ترك التكرار بأي وجه كان ‪ ،‬لكن‬
‫لما أفردت هذا الكتاب لذكر النصوص ‪ ،‬وهي األذواق المختصة بخصوص مقام‬
‫الكمال ‪ ،‬دون المختصة بعموم مقام الكمال ‪.‬‬
‫والمراد باألذواق المختصة لعموم مقام الكمال ‪ ،‬هي األذواق المقيدة من حيث األصالة‬
‫إلى الحضرة اسم أو صفة مخصوصتين من الصفات واألسماء هي محتد ذلك الذوق‬
‫الخاص ‪.‬‬
‫والمراد بالذوق ما يدرك بالوجدان ‪ ،‬وإنما قيد من حيث األصالة ؛ ألنه يستند إلى الذات‬
‫أيضا من حيث استناد األسماء إليه وشموله عليها ‪ ،‬وفيه تنبيه على أن الكمال لكونه‬
‫أمرا إضافيها ‪ ،‬قد يكون مطلقا ‪ ،‬وهو مخصوص مقام الكمال ‪ ،‬وقد يكون بالنسبة إلى‬
‫شيء دون شيء ‪ ،‬وهو عموم مقام الكمال ‪ ،‬وجب علي أن أفرد وأميز النصوص عن‬
‫غيرها ‪ ،‬وهي العلوم المختصة بذوق المقام األكمل أي ‪ :‬خصوص مقام الكمال ‪ ،‬وهو‬
‫سر بالجمع ‪ :‬وهي العلوم المختصة‬ ‫المطلق المستند إلى حضرة جمع الجمع ؛ فلذلك ف ه‬
‫بصحة ثبوتها مطلقا بالنسبة‬

‫‪89‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 90‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٩٠‬‬

‫ّللا تعالى في أعلى درجات علمه‬ ‫إلى جميع اإلطالق واألذواق بحيث يطابق لما يعلمه ه‬
‫تعالى ‪ ،‬وهي العلم الذاتي وأتمها لشمولها على الذات وشؤونها ‪ ،‬وأكملها بالجمع بين‬
‫اإلجمال والتفصيل ‪ ،‬وتلك النصوص هي األمور التي ترجم عنها في بعض المواضع‬
‫من كتبي من غير هذا االعتبار ‪ ،‬ولم أذكر العلوم التي يختص تقرير صحته وثبوته‬
‫بالنسبة إلى نظر دون نظر ‪ ،‬واإلضافة إلى ذوق دون ذوق ‪.‬‬
‫وفي مقام الشخص الواحد دون مقام آخر له ‪ ،‬واعتبار حال ووقت له دون غيرهما من‬
‫ّللا تعالى في‬
‫األحوال واألوقات ‪ ،‬ودون ما ذكر من األذواق غير المطابقة لما يعلمه ه‬
‫ّللا تعالى بالنسبة إلى بعض التعيهنات دون‬‫أعلى درجات علمه ‪ ،‬بل المطابقة لما يعلمه ه‬
‫بعض ‪ ،‬ومن األذواق المستندة إلى صفة مخصوصة ‪ ،‬واسم مخصوص دون‬
‫غيرهما ‪.‬‬
‫فالذوق الكامل ‪ :‬هو المستند إلى الذات والمطابق للعلم األعلى والصحيح بالنسبة إلى‬
‫الكل ‪ ،‬والناقص ما اختل بشيء من هذه الثالثة ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬فنقول بعد تمهيد هذه المقدمة الكلية في بيان هذا النص الذي‬‫قال رضي ه‬
‫قصدنا إيضاحه ‪ :‬أن كل معلم أدركه اإلنسان بنظره أو كشفه أو حسه أو خياله جمعا‬
‫سا وخياال إلى إدراك‬ ‫وفرادى ‪ ،‬ولم ينته نظره أو كشفه ‪ ،‬لذلك األمر أو إدراكه إياه ح ه‬
‫ما وراءه بعد معرفة ذاتياته ولوازمه الكلية ‪ ،‬فإنه لم يدرك ذلك األمر حق اإلدراك‬
‫تماما ‪ ،‬ولم يعرفه حق المعرفة ] ‪.‬‬
‫ّللا‬
‫وجه كون ذلك مقدمة للمسألة ‪ ،‬إن المقام األكمل إنما يتحقق بمطابقته لما يعلمه ه‬
‫تعالى في أعلى درجات علمه وأتمها وأكملها ‪.‬‬
‫وإنما كان علمه تعالى كذلك ؛ إلحاطته باألشياء بال هذاتيات واللوازم ‪ ،‬وبما وراءها إلى‬
‫التعين األول ‪ ،‬وقد حصل له ذلك ‪.‬‬
‫إذا عرفت هذا فنقول ‪ :‬كل معلوم سواء كان من الموجودات أوال أدركه اإلنسان ‪،‬‬
‫خص بالذكر ‪ ،‬لكونه أكمل مدرك ؛ الجتماع القوى المدركة كلها فيه ‪ ،‬مع أنه مدرك‬
‫بذاته أيضا بنظره أي ‪ :‬بالفكر النظري والتعريفات العقلية أو كشفه أي بالقوة القدسية‬
‫المسماة بالبصيرة الباطنة أو بالوجدان أو باتصال المأل األعلى من العقول والنفوس‬
‫السماوية وغيرها ‪ ،‬أو حسه الظاهر أو خياله الذي هو من الحواس الباطنة جمعا بأن‬
‫يتفق له في أمر واحد المدركان فصاعدا ‪ ،‬كالنظر والكشف في األمور الغيبية ‪،‬‬
‫والحس والخيال في األمور‬

‫‪90‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 91‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٩١‬‬

‫الظاهرة ‪ ،‬والنظر والحس والخيال فيما بين بين ‪ ،‬كأشكال الهندسة ‪ ،‬وفرادى كاألمور‬
‫الكشفية التي ال يدركه العقل ‪ ،‬وكالخياالت التي ال يدخل تحت الحس كالبحر من‬
‫الزئبق ‪ ،‬والعقليات التي ال يدركها الكشف ‪ ،‬كالجمع بين النقيضين ‪ ،‬فإنه أمر عقلي‬
‫والكشف يأبى تصوره إال على مثال بأن يتصور الجمع بين األشياء الممكنة االجتماع ‪،‬‬
‫ثم يتصور النقيضين ‪ ،‬فيقيس الجمع هنا على الجمع هناك ‪ ،‬والحال أنه لم ينته نظره ‪،‬‬
‫وكشفه لذلك األمر المدرك بأحدهما إلى إدراك ما وراءه ‪ ،‬أو لم ينته إدراكه لما أدركه‬
‫سا وخياال إلى إدراك ما وراءه ‪ ،‬ويكون إدراك ما وراءه بعد معرفة ذاتياته كلها ‪،‬‬ ‫ح ه‬
‫المفيدة للحد التام ومعرفة لوازمه الكلية إلى الشاملة لألفراد واألحوال المفيدة للرسم‬
‫التام ‪.‬‬

‫وإنما اعتبر اللوازم ؛ ألن سائر العوارض ال تفيد التعريف ‪ ،‬وكذا اللوازم الجزئية ‪،‬‬
‫فلذلك قيد بالكلية ‪ ،‬وإنما شرط أن يكون بعد معرفة الذهاتيات واللوازم ؛ ألن المعرفة‬
‫إنما تحصل بذلك ‪ ،‬وكمالها أمر وراءه ‪ ،‬فإنه لم يدرك ذلك األمر حق اإلدراك ‪ ،‬وإن‬
‫حصل أصله بانتقاش مثال المدرك في المدرك ‪ ،‬إال أنه إنما يكل بإدراك منشأه ومنتهاه‬
‫ّللا تعالى في أعلى درجات‬ ‫وخواصه وعوارضه العامة ‪ ،‬حتى يكون مطابقا لما علمه ه‬
‫علمه ‪ ،‬وكذا ال يعرفه حق المعرفة إال بذلك ؛ ألن المعرفة إنما يتم بإدراك جميع ما فيه‬
‫من األجزاء واألحوال وأجزاء األجزاء وأحوال األحوال ‪ ،‬حتى ينتهي إلى األعيان‬
‫الثابتة ومبادئها ‪ ،‬واإلدراك أعم من المعرفة لصدقه على األمور الظاهرة دون المعرفة‬
‫‪ ،‬واختصاصها بالمطابقة دون اإلدراك ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وسواء كان متعلهق إدراكه ومعرفته العالم من حيث معانيه‬
‫قال رضي ه‬
‫وأرواحه ‪ ،‬أو من حيث صوره وأعراضه ‪ ،‬أو كان متعلق معرفته الحق ‪ ،‬فإنه متى‬
‫كشف له عن جلية األمر وصورة تعين كل معلوم في علم الحق ‪ ،‬وجد األمر كذلك ‪،‬‬
‫فإنه ما لم ينته معرفته بالحق إلى إطالقه وصرافة وحدة ذاته الحقيقية التي ال اسم‬
‫يعينها وال وصف وال حكم وال رسم وال ينضبط بشهود ‪ ،‬وال يعقل وال ينحصر في‬
‫ّللا مرمى ‪ ،‬وإن اإلحاطة به علما وشهودا محال ‪،‬‬ ‫أمر معين ‪ ،‬لم يعرف أن ليس وراء ه‬
‫وأن ليس بعد الوجود الحق المطلق إال العدم المتوهم هذا ‪ ،‬وإن كان لمعرفة تعذر العلم‬
‫باّلل على نحو ما يعلم نفسه طريق آخر أعلى وأتم وأكشف ‪ ،‬عرفناه ذوقا وشهودا بحمد‬ ‫ه‬
‫ّللا ‪ ،‬ومنه لكن ذلك مما يحرم بيانه وتسطيره وغاية البيان عنه‬
‫ه‬

‫‪91‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 92‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٩٢‬‬

‫هذا اإللماع المذكور ‪] .‬‬


‫أي ‪ :‬ويستوي في توقف تحقق المعرفة الكاملة على إدراك ما وراء المعلوم أن يكون‬
‫متعلق إدراكه ومعرفته العالم أو الحق ‪ ،‬وكذا يستوي في توقف تحقق معرفة العالم أن‬
‫يكون من حيث معانيه ‪ ،‬وهي الحقائق واألعيان الثابتة ‪ ،‬فإنها ال تتحقق إال بمعرفة‬
‫العلم اإللهي أو من حيث أرواحه ‪ ،‬فإنها ال تعرف حق المعرفة إال باألسماء اإللهية‬
‫التي تصورت بهذه األرواح ‪ ،‬أو من حيث الصورة المثالية أو الحسية ‪ ،‬فإنها صور‬
‫األرواح أو من حيث أعراضه الالحقة بأحد هذه األمور ‪ ،‬فال تعرف بدون أصلها حق‬
‫المعرفة ‪ ،‬وإن عرفت بالحدود والرسوم ‪.‬‬

‫وأما الحق ‪ ،‬فإنه ال يعرف تعينه األول ما لم يعرف اإلطالق ‪ ،‬وغاية المعرفة هناك‬
‫العجز عن معرفته ‪ ،‬وال يعرف العجز إال بمعرفته أن ليس وراءه إال العدم المطلق ‪،‬‬
‫فال يمكن تعريفه بالحد الشامل على الجنس والفصل لعدم ما فوقه وال بالرسم لتوقف‬
‫الخواص على تعين ما يختص به ‪.‬‬

‫ثم علهل الكل بقوله ‪ ( :‬فإنه متى كشف له ) أي ‪ :‬للعارف عن جلية األمر ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫حقيقته الواضحة عن القوى القدسية ‪ ،‬وعن صور تعين كل معلوم في علم الحق الذي‬
‫به معرفة العالم ‪ ،‬والحق وجد األمر كذلك أي ال يعرف شيء إال بإحاطة ما وراءه ‪،‬‬
‫لكن إحاطة كل ما وراءه محال ‪ ،‬فإن غاية ما يعلم من الحق في علمه ‪ ،‬تعينه األول ‪،‬‬
‫لكن معرفة تعينه األول حق المعرفة محال ‪ ،‬فإنه ما لم ينته معرفته الحق إلى إطالقه‬
‫وصرافة وحدة ذاته الحقيقية التي هي منشأ األحدية والواحدية ‪ ،‬بل التي ال اسم بعينها ‪،‬‬
‫بل ال وصف فضال عن االسم المركب عنه وعن الذات بحسب المفهوم ‪ ،‬بل ال حكم‬
‫فضال عن الوصف الحاصل به ‪ ،‬بل ال رسم فضال عن الحكم المتفرع على تصوره ‪،‬‬
‫وال ينضبط بمشهود حتى يدركه بالبصيرة ‪ ،‬وال يعقل حتى يدرك بالعقل ‪ ،‬بل ال‬
‫ينحصر في أمر معين حتى يكون لْلدراك فيه مدخل إذ ال يدرك ما ال يتعين بوجه من‬
‫ّللا مرمى ‪ ،‬وال يطرق العجز الذي هو غاية‬ ‫الوجوه ‪ ،‬لم يعرف أنه ليس ما وراء ه‬
‫المعرفة فضال عن المعرفة نفسها ‪ ،‬وال يعرف أيضا أن اإلحاطة به علما وشهودا‬
‫محال ‪.‬‬
‫ثم بيهن استحالته بقوله ‪ ( :‬وأن ليس ) أي ‪ :‬وال يعرف أن ليس بعد الوجود الحق‬

‫‪92‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 93‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٩٣‬‬

‫المطلق إال العدم المتوهم ؛ ألن العدم المعقول من الموجودات الذهنية ‪ ،‬فال يخرج عن‬
‫مطلق الوجود الحق ‪ ،‬فإذا لم يكن وراءه إال أمر متوهم ‪ ،‬ال يتعلق به تعقل ‪ ،‬فال يتعقل‬
‫اإلطالق حق التعقل لو أمكن أصل تعقله ‪ ،‬فال يتعقل ما يتوقف عليه تعقله حق التعقل ‪،‬‬
‫حتى أنه ال يمكن معرفة شيء من األشياء حق المعرفة ‪ ،‬لتوقف معرفة كل شيء على‬
‫معرفة الحق ‪ ،‬ومعرفته على معرفة إطالقه ؛ فلذلك قال الشيخ محيي الدين بن العربي‬
‫ّللا عنه ‪:‬لست أعرف من شيء حقيقته * وكيف أعرفه وأنتم فيهبهذا الطريق‬ ‫رضي ه‬
‫باّلل على نحو ما يعلم نفسه ‪ ،‬فإن علمه ليس يتمثل المعلوم فيه ‪،‬‬
‫عرفنا تعذر العلم ه‬
‫وانتقاشه حتى يتوقف كماله على إدراك ما وراءه ‪ ،‬بل علمه حصول حقيقته له ‪ ،‬وهي‬
‫تحتاج إلى برهان فلسفي ‪.‬‬

‫ولذلك قال الشيخ ابن العربي ‪ “ :‬ولنا طريق آخر كشفي في ذلك ‪ ،‬لكن يحرم تسطيره‬
‫باّلل هذا هو اإللماع المذكور ‪.‬‬
‫“ ‪ ،‬فغاية ما يعلم به تعذر العلم ه‬

‫ولعل ذلك الطريق هو أن كل ما نعلمه من الحق ال يكون إال ظاهره ‪ ،‬فال نعلمه من‬
‫حيث الحقيقة التي يعلمها لحصوله دون غيره ‪ ،‬وإنما حرم تسطيره ؛ ألنه يوهم من‬
‫كون الكل ظاهرا عند الحق أن ما يعلمه من ذاته الظاهر ال غير ‪ ،‬لكن الظاهر والباطن‬
‫وّللا أعلم ‪.‬‬
‫لما كان بالنسبة إلينا فقط ‪ ،‬لم يكن ذلك في حق الحق ‪ ،‬ه‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬هذا وإن كان الذوق والمعرفة الحاصلة لصاحبه والشهود من‬
‫قال رضي ه‬
‫حيث استناد ذلك الذوق والمقام إلى حضرة اسم من األسماء اإللهية الذي هو قبلة ذلك‬
‫المقام ‪.‬‬

‫وغاية معرفته من الحق نهايته ‪ ،‬سيما من الوجه الذي يقضي بأن االسم عين المسمى ‪،‬‬
‫كما أوضحناه في مواضع من كالمنا ؛ لكن تلك غايات نسبية ‪ ،‬فإن المبادئ والغايات‬
‫أعالم الكماالت النسبية ‪ ،‬واألمر من حيث الكمال الحقيقي بخالف ذلك ‪.‬‬
‫ك ْال ُم ْنتَهى [ النجم ‪. ] 42 :‬‬
‫وإليه اإلشارة بقوله تعالى ألكمل عبيده ‪َ :‬وأ َ هن إَلى َر َبه َ‬

‫أي ‪ :‬هذا الحكم ‪ ،‬وهو أن الحق بال شيء من األشياء ال يمكن معرفته حق المعرفة ‪-‬‬
‫وإن كان الذوق ‪ -‬أي ‪ :‬الوجدان والمعرفة الحاصلة لصاحب هذا الذوق إلى العلم العيني‬
‫الحاصل له ‪ ،‬والشهود إلى العين اليقيني الحاصل به ‪ ،‬من حيث إسناد ذلك الذوق‬
‫والمقام الحاصل به من المعرفة والشهود إلى حضرة األمم بكونه من األسماء اإللهية ‪،‬‬
‫واعتبر اإلسناد‬

‫‪93‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 94‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٩٤‬‬

‫إلى حضرة االسم ؛ ألن الذات من حيث هي مطلقة ال يتعلق بها المعرفة ‪ ،‬بل قيد‬
‫االسم بكونه من األسماء اإللهية ؛ ألن أسماء الذات من حيث ال يغايره مما ال يتعلق‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬أو استأثرت به في علم الغيب‬
‫العلم بها أيضا ‪ ،‬كما أشار إليه صلى ه‬
‫عندك “ " ‪. " 1‬‬
‫وأسماء الربوبية ال تكون غاية للك همل لكثرة الوسائط ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬الذي ) بدل من قوله ‪ ( :‬اسم ) أشارت إلى أنه ال يمكن الك همل اإلحاطة بكل‬
‫األسماء الختصاص كل باسم خاص هو ربه الذي إذا توجه إليه أجاب ‪ ،‬فهو االسم‬
‫األعظم في حقه ‪ ،‬ولذا اختلف االسم األعظم بالنسبة إلى األشخاص سوى الكمل ‪.‬‬
‫فإنهم تكثر التجليات من األسماء عليهم ‪ ،‬ويجابون بأسماء كثيرة من غير اختصاص‬
‫باسم دون اسم ‪.‬‬

‫فهذا االسم الخاص قبله صاحب ذلك المقام ‪ ،‬ال يتجلى عليه غيره ‪ ،‬فما فوقه وإن تجلى‬
‫عليه ما دخل تحت حيطة اسمه ‪ ،‬وغاية معرفته من الحق الذي هو الذات من حيث‬
‫تجليه بهذا االسم نهاية في معرفة الذات في حق هذا الشخص ‪ ،‬سيما من الوجه الذي‬
‫يقضي أن االسم عين المسمى وهو إن الذات مع األسماء يتصادق ‪ ،‬وإن تباينت بحسب‬
‫المفهومات ‪ ،‬فإذا علم االسم ‪ ،‬فقد علم الذات ‪.‬‬

‫ّللا عنه لتصحيح ما سبق من المسألة بأن المعرفة الحاصلة ‪،‬‬ ‫ثم استدرك رضي ه‬
‫والشهود الحاصل من الذوق المستند إلى حضرات األسماء المخصوصة اإللهية غايات‬
‫بالنسبة إلى ما دونها من المعرفة والشهود الحاصلين من الذوق المستند إلى أسماء‬
‫الربوبية وما دونها ‪ ،‬وليست هي غاية مطلقة ‪ ،‬إذ ال غاية للذات المطلقة ‪ ،‬فكيف يكون‬
‫لمعرفتها غاية ‪ ،‬بل ال بداية لها أيضا ‪ ،‬فإن المبادئ والغايات ال يلحقها وال كمالها‬
‫المطلق ‪ ،‬بل المبادئ والغايات أعالم الكماالت النسبية ‪ ،‬فإن المبادئ تشعر بحدوث‬
‫كمال بالنسبة إلى ما بعده ‪ ،‬والنهايات بالنسبة إلى ما قبله ‪ ،‬وما ال بداية له وال نهاية ‪،‬‬
‫فأنى يكون لمعرفته شيء منهما ‪ ،‬فال يحيط بمعرفته من له بداية وال نهاية ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ ( :‬واألمر ) أي ‪ :‬أمر معرفة الذات من حيث الكمال الحقيقي‬ ‫فلذلك قال رضي ه‬
‫بخالف ذلك ‪ ،‬فإنه ال يحيط به إال من ال بداية لعلمه والنهاية ‪ ،‬وما سواه فله بداية‬
‫ونهاية ‪ ،‬فلذلك‬
‫‪..........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه أحمد ( ‪ ، ) 452 / 1‬وابن حبان في الصحيح‪( 3 / 253 ) .‬‬

‫‪94‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 95‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٩٥‬‬

‫عز وجل‬‫ّللا عليه ‪ ،‬وإليه أشار ه‬


‫ّللا عنه ‪ :‬حتى أكمل عبيده صلوات ه‬ ‫قال رضي ه‬
‫‪:‬وأ َ هن َإلى َر َبه َك ْال ُم ْنتَهى[ النجم ‪ ، ] 42 :‬فيكون غاية معرفته صلى ه‬
‫ّللا عليه وسلم‬ ‫بقوله َ‬
‫من ربه ‪ ،‬هو ما ذكر في حقيقته ‪ ،‬وليس له في اإلطالق حظ إذ ال مظهر له من حيث‬
‫هو اإلطالق ‪ ،‬فاالسم األعظم الجامع غاية معرفته ال غير ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأدرج سبحانه وتعالى في هذه اآلية لطيفة أخرى خفية ‪ ،‬وهو‬ ‫قال رضي ه‬
‫كونه لم يقل وإن إلى ربك منتهاك ‪ ،‬بل نبه على أن غايته من مطلق الربوبية ‪ ،‬الغاية‬
‫التي هي غاية الغايات ‪ ،‬وليس بعدها إال تفاصيل درجات في األكملية التي ال تقف عند‬
‫حد وغاية ] ‪.‬‬
‫أشار إلى أن هذه اآلية ‪ ،‬وإن دلت على انتماء المعرفة المحمدية إلى اسمه الخاص به ‪،‬‬
‫فال يتوهم منها قصور معرفته عليه ‪ ،‬فقد دلهت على أن ذلك االسم هو غاية الغايات‬
‫التي يمكن معرفتها ‪ ،‬فهو عليه الصالة والسالم أكمل العارفين ‪.‬‬

‫وذلك أنه تعالى لم يقل ‪ ( :‬وإن إلى ربك منتهاك ) ؛ حتى يتوهم إن لغيره منتهى آخر ‪،‬‬
‫ّللا عليه وسلم من مطلق الربوبية غايتها ‪ ،‬وهي التي هي‬ ‫بل نبه تعالى أن غايته صلى ه‬
‫غاية الغايات من أسماء الربوبية واإللهية ‪ ،‬وليس بعد هذه الربوبية المخصوصة صلى‬
‫ّللا عليه وسلم شيء مما يتعلق به المعرفة إال تفاصيل درجات جزئية في األكملية‬‫ه‬
‫ّللا‬
‫ّللا تعالى على ما أشار إليه صلى ه‬ ‫ّللا تعالى على ما أشار إليه ه‬
‫يختص بمعرفتها ه‬
‫عليه وسلم بقوله “ ‪ :‬أو استأثرت به في علم الغيب عندك “ “ ‪ ، “ 1‬وتلك الدرجات‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬ومع ذلك هي‬
‫هي التي ال تقف عند حد وغاية حتى يمكن اإلحاطة بها لغير ه‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ ،‬فله الكمال المطلق بربه‬
‫جزئيات الكماالت المخصوصة بربوبيته صلى ه‬
‫‪ ،‬وهو منتهى الكماالت والمعارف ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عليه وسلم إلى ما ذكرنا في بعض مناجاته ‪،‬‬ ‫ّللا عنه ‪ [ :‬وقد أشار صلى ه‬ ‫قال رضي ه‬
‫فقال ‪ “ :‬أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك ال أحصى‬
‫ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك “ “ ‪ “ 2‬أي ‪ :‬ال أبلغ كل ما فيك ‪ .‬فجمع فيه‬
‫بين التنبيه على تعذر اإلحاطة ‪ ،‬وبين التعريف بانتهائه في معرفة الحق إلى غاية‬
‫الغايات ‪ .‬وهذا كالتفسير لآلية المذكورة وهي‬
‫‪............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬تقدم في سابقه ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬رواه مسلم ( ‪ ، ) 352 / 1‬والترمذي‪( 5 / 561 ) .‬‬

‫‪95‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 96‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٩٦‬‬

‫قوله ‪َ :‬وأ َ هن َإلى َر َبه َك ْال ُم ْنتَهى [ النجم ‪ ، ] 42 :‬وفي األحاديث النبوية تنبيهات كثيرة‬
‫تشير إلى ما ذكرنا من تتبعها ‪ -‬بعد التيقظ والتفهم لما ذكرت ‪ -‬ألقاه واضحا جليها‪] .‬‬
‫ّللا عليه وسلم في بعض مناجاته إلى ما ذكرنا من عدم إحاطته بحقيقة‬ ‫أي ‪ :‬أشار صلى ه‬
‫المعرفة مع بلوغ غاية الغايات فيها ‪ ،‬فقال ‪ “ :‬أعوذ برضاك من سخطك “ “ ‪، “ 1‬‬
‫نظرا إلى توحيد األفعال التي هي آثارها ‪ .‬وهذا على نهج البرهان اللهمي من االستدالل‬
‫بالمؤثر على األثر‪.‬‬
‫ثم قال ‪ “ :‬وأعوذ بك منك “ “ ‪ : “ 2‬نظرا إلى توحيد الذات على نهج الشهود‪.‬‬
‫ثم قال ‪ “ :‬ال أحصى ثناء عليك “ بالغناء في الذات المطلقة مع اإلشارة إلى عدم‬
‫معرفته لها‪.‬‬
‫ثم قال ‪ “ :‬أنت كما أثنيت على نفسك “ فبقى به وبصفاته عال ‪ ،‬والها به ال بذاته ‪.‬‬
‫ّللا‬
‫ولما كان المقصود من االستشهاد عدم اإلحاطة مع بلوغه غاية الغايات أشار رضي ه‬
‫عنه في تفسير قوله ‪ “ :‬ال أحصى ثناء عليك “ بقوله ‪ :‬أي ‪ “ :‬ال أبلغ كل ما فيك‬
‫“ بحسب اإلطالق وإن بقيت بك ‪ ،‬فليس بقائي بإطالقك ‪ ،‬بل بتعينك مع صفاته ‪ ،‬جميع‬
‫ّللا عليه بين التنبيه على تعذر اإلحاطة بالذات المطلقة بل بما دونها لتوقفها‬ ‫صلوات ه‬
‫عليك من حيث إدراكها حق اإلدراك ‪ ،‬وبين التعريف بانتهائه في معرفة الحق إلى‬
‫غاية الغايات حيث بقي به ‪ ،‬والبقاء غاية المقامات ‪ ،‬إذ ال يحجب الحق الخلق ‪ ،‬وال‬
‫الخلق الحق ثمة ‪ ،‬بخالف مقام الفناء الحاجب للخلق ‪ ،‬والتكوين الحاجب للحق‪.‬‬
‫فعلى هذا يكون هذا الحديث كالتفسير لآلية المذكورة في أن غاية المعرفة متعلقة بالرب‬
‫ّللا عليه‬‫الخاص المحمدي ‪ ،‬إذ بقي عليه به ‪ ،‬وهو غاية مقام المعرفة ‪ ،‬مع أنه صلى ه‬
‫وسلم ال يحصى الثناء ‪ ،‬وإنما قال كالتفسير ؛ ألن اآلية ال تدل على معنى البقاء ‪ ،‬بل ال‬
‫تدل على أن هذه الغاية معلومة ؛ ألن الغاية ال تدل على المغيهى إال أن يقال أنها غاية‬
‫إسقاط لما بعدها ؛ ألن اإلنسان قابل لمعارف ال نهاية لها بحسب الظاهر وإنما أعاد‬
‫طونَ َب َه َع ْلما ً [ طه ‪:‬‬
‫اآلية ؛ لئال يتوهم أنه تفسير آلية أخرى مثل قوله تعالى ‪َ :‬وال يُ َحي ُ‬
‫ب ْال َع هزةَ‬
‫سبْحانَ َر َبه َك َر ه َ‬
‫‪ُ ، ] 110‬‬
‫‪......................................................‬‬
‫) ‪( 1‬تقدم تخريجه ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬رواه مسلم‪( 1 / 352 ) .‬‬

‫‪96‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 97‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٩٧‬‬

‫صفُونَ [ الصافات ‪ ] 180 :‬؛ إذ هي ال تدل على بلوغه غاية الغايات من‬ ‫ع هما يَ َ‬
‫َ‬
‫عز وجل ال غير‪.‬‬‫المعرفة بل على تعذر اإلحاطة به ه‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وفي األحاديث النبوية تنبيهات كثيرة يشير إلى ما ذكرنا ]‪.‬‬ ‫ثم قال رضي ه‬
‫ولم يبين تلك األحاديث وأكثرها األحاديث الواردة في األدعية ‪ ،‬فتتبعها‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ثم نقول ولهذا المقام والذوق المنبه عليه السنة تترجم عنه بصيغ‬ ‫قال رضي ه‬
‫مختلفة فمن ألسنته من القرآن من حيث التسمية الذي أخبر سبحانه وتعالى إن رجاله‬
‫يعرفون كال بسيماهم ‪ ،‬وهذا من خاصية االستشراف على األطراف باالنتهاء في‬
‫معرفة األشياء إلى الغاية التي توجب االستشراف على ما ورائها ]‪.‬‬
‫أي ‪ :‬وبعد تحقيق هذه المسألة ‪ ،‬وهي أن للمعرفة غاية هي منتهى معرفة الك همل من‬
‫األنبياء واألولياء ‪ -‬عليهم الصالة والسالم ‪ -‬فهذا المقام الذي هو الذوق المنبه عليه بأنه‬
‫الغاية المطلقة له ألسنة ‪ ،‬أي عبارات تترجم عنه بصيغ مختلفة يدل كل صيغة على‬
‫وجه من وجوه ذلك المقام وذوق من أذواقه فمن ألسنته أي ‪ :‬عبارته الدالة عليه‬
‫الموجودة في القرآن الكريم من حيث التسمية إلى العلم الخاص ال اسم الجنس الغالب‬
‫عليه بعد كونه كليها األعراف ‪ ،‬ولما اختلف المفسرون فيه أن أهله أهل كمال أو نقصان‬
‫‪ ،‬فقيل ‪ :‬األنبياء ‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫المالئكة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الشهداء وعدول اآلخرة‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬الفقهاء والعلماء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬قوم يقصر أعمالهم فيحسبون بين الجنة والنار إلى أن‬
‫ّللا لهم في دخول الجنة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بطارت‬ ‫يأذن ه‬
‫ّللا عنهم آبائهم دون أمهاتهم أو بالعكس ‪،‬‬
‫خفائرهم إلى آخر الناس ‪ ،‬وقيل ‪ :‬رضي ه‬
‫وقيل‪:‬‬
‫ّللا‬
‫هم أوالد المشركين ‪ ،‬وقيل ‪ :‬المراؤن ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أهل الفترة الذين لم يغايروا دينهم ه‬
‫عنه على ما اختاره بأنه عز وجل أخبر أن رجاله يعرفون كال بسيماهم ‪ ،‬فجعل‬
‫أصحابه رجاال ‪ ،‬وهم الكمل وأنهم يعرفون كال بسيماهم ‪ ،‬وهذا من خاصة االستشراف‬
‫على األطراف كل فريق من الفرق ‪ ،‬فال يكون إال غاية المعرفة أن االستشراف على‬
‫األطراف باالنتهاء في معرفة األشياء التي استشرف أطرافها إلى الغاية التي توجب‬
‫االستشراف على ما ورائها ؛ حتى يعرف تلك األشياء حق المعرفة بقدر الطاقة‪.‬‬
‫ط َمعُونَ [ األعراف ‪ ، ] 46 :‬ألهل‬‫فالضمير في قوله ‪ :‬لَ ْم يَ ْد ُخلُوها َو ُه ْم يَ ْ‬

‫‪97‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 98‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٩٨‬‬

‫الجنة ‪ ،‬والسالم من أهل األعراف عليهم قبل دخولهم الجنة بتسيرهم حال ترددهم ‪،‬‬
‫ْصار ُه ْم [ األعراف ‪ ، ] 47 :‬أي ‪ :‬أبصار أهل الجنة‬‫ت أَب ُ‬ ‫ص َرفَ ْ‬
‫يدل عليه قوله ‪َ :‬و َإذا ُ‬
‫قبل دخولها ‪ :‬ا ْد ُخلُوا ْال َجنهةَ [ األعراف ‪ ، ] 49 :‬خطاب من أهل األعراف ألهل الجنة‬
‫بعد مقابلتهم مع كبار أهل النار ‪ ،‬وال تعرض لبحث بقية األقوال لخروجها عن‬
‫مقصودنا اآلن‪.‬‬
‫ّللا عليه‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ولسانه في مقام النبوة ‪ ،‬واسمه المطلع كما قال صلى ه‬ ‫قال رضي ه‬
‫وسلم في أم القرآن بل في سر كل آية منه ‪ :‬إن لها ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا إلى سبعة‬
‫أبطن وفي رواية إلى سبعين بطنا ‪ ،‬وقد نبهت على ذلك في تفسير الفاتحة ‪ ،‬فلينظر‬
‫هناك ]‪.‬‬
‫أي ‪ :‬العبارة الدالة على هذا المعنى فيما صدر عن مقام النبوة واسمه الخاص به هناك‬
‫ّللا عليه وسلم‬
‫المطلع ‪ ،‬أي الذي تطلع فيه على هذا المعنى ما دونه ‪ ،‬كما قال صلى ه‬
‫في حق الفاتحة بل في حق كل آية من القرآن ‪ “ :‬إن لها ظهرا “ “ ‪ “ 1‬؛ يفهمها‬
‫عامة المفسرين مما عرف اللغات واإلعراب والنزول ‪ ،‬وبطنا يعرفه أهل الحقائق ‪،‬‬
‫وحدا في الظاهر ال يتجاوز المنقول عن السلف ‪ ،‬وفي الباطن ال يتجاوز القواعد ‪،‬‬
‫ومطلعا يطلع به على أسرار الحقيقة المشار إليها باإلشارات اللطيفة ‪ ،‬وخصه بعض‬
‫المتأخرين بشهود المتكلم‪.‬‬
‫ّللا لخلقه في كل آية ‪،‬‬
‫يقول اإلمام جعفر بن محمد الصادق عليه السالم ‪ “ :‬لقد تجلى ه‬
‫ولكن ال يصبرون‪“ .‬‬
‫وقيل ‪ :‬شهود الحق في كل شيء تجليها بصفة تخص مظهريته ‪ ،‬والحق أنه أعم من ذلك‬
‫‪ ،‬وهو األوفق للكتاب ‪ ،‬وذلك المطلع ينتهي إلى سبعة أبطن وفي رواية إلى سبعين‬
‫بطنا‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وقد نبههت على وجه انتهاء المطلع إليها في تفسير الفاتحة‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫‪ ،‬ولم أظفر به حتى أذكر ما فيه ]‪.‬‬
‫ّللا الموقف الذي هو منتهى كل‬‫ّللا عنه ‪ [ :‬واسمه ولسانه في اصطالح أهل ه‬ ‫قال رضي ه‬
‫مقام والمستشرف منه على المقام المستقبل ]‪.‬‬
‫‪...........................................................‬‬
‫) ‪ ( 1‬رواه عبد الرزاق في المصنف ( ‪ ) 358 / 3‬وابن حبان ( ‪، ) 276 / 1‬‬
‫والطبراني في األوسط‪( 1 / 236 ) .‬‬

‫‪98‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 99‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٩٩‬‬

‫وعلم هذا الذهوق والعبارة الدهالة عليه في اصطالح السالكين الذين انقطعوا بما سوى ه‬
‫ّللا‬
‫إليه ‪ ،‬الموقف والمقام الذي هو منتهى كل مقام ماض ‪ ،‬والمستشرف منه على المقام‬
‫المستقبل ‪ ،‬وإنما خص ذلك بالسالكين ؛ ألنه يختلف باختالف المقامات ‪ ،‬وذلك يختص‬
‫بهم دون الواصلين الجامعين للكل ‪ ،‬وإنما قدم االسم على اللسان هنا وعكس في األول‬
‫؛ ليشعر هناك بأن عبارات األنبياء أدل عبارات ‪ ،‬تصير بمنزلة العلم وكل لسان لهم‬
‫بمنزلة اإلعالم للمعاني المقصودة به ‪.‬‬

‫وأما هاهنا فهم ال يبالون بالعبارات ‪ :‬فتارة تقع منهم ما هو بمنزلة العلم وما ليس كذلك‬
‫‪ ،‬وهذه العبارة بمنزلة العلم مع اختالف المعنى المقصود منها ؛ لتعين ذلك بالنسبة إلى‬
‫كل مقام ‪ ،‬ولما لم يكن عالما بالحقيقة ‪ ،‬أردفه بقوله ولسانه ‪ ،‬وهكذا فيما يأتي بعد ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬واسمه ولسانه في ذوق مقام الكمال بالنسبة إلى كل مقامين‬ ‫قال رضي ه‬
‫البرزخ الجامع بينهما وبالنسبة إلى خصوص مقام الكمال برزخ البرازخ ‪] .‬‬
‫أي ‪ :‬وعلم هذا الذوق والعبارة الدالة عليه حال كونه داخال في ذوق مقام الكمال ‪ ،‬وهو‬
‫مقام الوصول واإلحاطة بالمقامات ‪.‬‬

‫وإنما قال هنا في ذوق مقام الكمال ‪ ،‬إشعارا بأن هذه عبارة يدل عليه بالمطابقة ‪ ،‬وله‬
‫نسبتان ‪ :‬نسبة بين كل مقامين من المقامات التي دون األعلى المطلق ‪ ،‬وما دونه‬
‫بدرجة واحدة فقط ‪.‬‬

‫فباعتبار النسبة األولى يسمى البرزخ الجامع بين المقامين إذ البرزخ هو الحائل بين‬
‫الشيئين ‪ ،‬وهذا واسطة بينهما جامع لها ‪ ،‬كالخط الذي بين الظل والشمس ‪ ،‬ولما لم يكن‬
‫ألهل الكمال وقوف ‪ ،‬لم يسم بذلك بخالف ما تقدم ‪ ،‬وباعتبار النسبة الثانية ‪ ،‬وهو‬
‫خصوص مقام الكمال إذ األعلى من هذين المقامين برزخ البرازخ ‪ ،‬أي ‪ :‬البرزخ الذي‬
‫فوق جميع البرازخ التي دونه ‪.‬‬

‫وقد أطلق بعضهم البرزخ على الحضرة الواحدية والتعين األول الذي هو أصل‬
‫البرازخ ‪ ،‬وسماه البرزخ األول واألعظم واألكبر لجمعه البرازخ “ ‪“ .1‬‬
‫) ‪( 1‬فهو األصل لجميع البرازخ والساري فيها ‪ ،‬فالمراد بذلك كله الوحدة وهي‬
‫البرزخية األولى ‪ ،‬سميت بذلك النتشاء األحدية والواحدية عنها ‪ ،‬فصارت مميزة‬
‫ألحدهما عن اآلخر ‪ ،‬فسميت برزخا لهما ‪،‬‬

‫‪99‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 100‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٠٠‬‬

‫وأما مطلق البرازخ ‪ ،‬فهو الحائل بين الشيئين وصورته عن عالم المثال الحاجز بين‬
‫األجساد الكثيفة وعالم األرواح المجردة ‪.‬‬
‫وفسرا بالدنيا واآلخرة ‪ ،‬ومنه الكشف الصوري ‪ ،‬وقد أطلقه صاحب الكتاب وغيره‬
‫على عالم القبر ‪.‬‬
‫النص السادس ‪:‬‬
‫ّللا عنه ‪ “ :‬نص شريف عزيز المنال ‪“ .‬‬ ‫قال رضي ه‬
‫لما فرغ عن بحث غاية ما يتعلق العلم به ‪ ،‬شرع في بحث ما يمكن تعلق اإلدراك به‬
‫وما ال يمكن ‪ ،‬مع أنه يعز المثال في جميع ذلك ‪ ،‬بمعنى أنه يدرك بالذوق والمشاهدة‬
‫مع مثال يطابقه من وجه دون وجه والوجه الذي به المطابقة يعز إدراكه ‪ ،‬بل نفس‬
‫ذلك المثال يعز إدراكه ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬غيب هوية الحق إشارة إلى إطالقه باعتبار الالتعيهن ] أي ‪:‬‬ ‫قال رضي ه‬
‫الغيب الذي ال يمكن إدراكه من هوية الحق ‪ ،‬إشارة إلى إطالقه الذي هو المعنى السلبي‬
‫‪ ،‬وهو إطالقه باعتبار الالتعين ‪ ،‬ال باعتبار تعين اإلطالق المقيد به مطلق ‪ ،‬فإنه ممكن‬
‫اإلدراك ‪.‬‬
‫وإنما قال ‪ “ :‬غيب هوية الحق “ ؛ ألن نفس الهوية يمكن إدراكه في ضمن‬
‫التعينات ‪.‬‬
‫وإنما قال ‪ :‬إشارة ‪ ،‬إذ ال عبارة تدل عليه بالمطابقة ؛ ألنها فرع اإلدراك بل فرع‬
‫الوضع المتوقف عليه ‪ ،‬والغيب ليس باسم له حتى يتقيد بالغيبة ‪ ،‬وإنما جيء به إشعارا‬
‫بأنه ال يدرك ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ووحدته الحقيقية الماحية لجميع االعتبارات واألسماء والصفات‬ ‫قال رضي ه‬
‫والنسب واإلضافات هي عبارة عن تعقل الحق نفسه وإدراكه لها من حيث تعينه ‪،‬‬
‫وهذا التعقل واإلدراك التعيني ‪ ،‬وإن كان يلي اإلطالق المشار إليه ‪ ،‬فإنه بالنسبة إلى‬
‫تعين الحق في تعقل كل‬
‫لذلك ‪ ،‬وألجل اشتقاقهما عنها ‪ ،‬وتسمى بالجمعية األولى ‪ ،‬لكونها جامعة بينهما ‪،‬‬
‫ورافعة بينهما عن البينونة ‪ ،‬وموحدة إياهما بل كل منهما هو عين اآلخر بحكم اقتضاء‬
‫الباطن الحقيقي ‪ ،‬وإنما كانت الوحدة هي باطن جميع الحقائق اإللهية والكونية وأصال‬
‫النتشاء الجميع عنها لكون حقيقة الوحدة سابقا على جميع الحقائق وساريا بكليتها في‬
‫جميع الحقائق ‪ ،‬بحيث تكون في اإللهية منها إلهية ‪ ،‬وفي الكونية كونية أيضا ‪ ،‬ولهذا‬
‫صارت الوحدة هي المسماة بالتعين األول‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 101‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٠١‬‬

‫متعقل في كل تجل تعين مطلق وأنه أوسع التعينات ‪ ،‬وهو شهود الك همل ‪ ،‬وهو التجلي‬
‫الذاتي وله مقام التوحيد األعلى ]‪.‬‬
‫أي ‪ :‬وحدة الحق الحقيقية ‪ ،‬أي ‪ :‬التي ال كثرة فيها بوجه من الوجوه ؛ فلذلك كانت‬
‫ماهية جميع االعتبارات فضال عن األسماء والصفات والنسب واإلضافات ‪ ،‬فإن كال‬
‫مشعر بكثرة وليس معناه نفي الصفات بالكلية ‪ ،‬بل اندراجها في تلك الوحدة بحيث ال‬
‫يتميز عن الذات المتصفة بتلك الوحدة عبارة عن تعقل الحق نفسه من غير أن يتميز‬
‫التعقل من العاقل والمعقول ‪ ،‬فإن هذه االعتبارات إنما نشأت من تعقل الحق نفسه فهو‬
‫متأخر عنه ‪ ،‬وعبارة عن تعقل الحق نفسه من حيث تعينه بالمعقولية ال بالتشخيص‬
‫لغاية بعده عن اإلطالق ‪ ،‬وإنما كان ذلك التعقل وحدة حقيقية ؛ ألن تميز الصفات إنما‬
‫تكون بعد تعقلها وتعقلها بعد تعقل الذات فهاهنا لم تتعقل إال الذهات وحدها‪.‬‬

‫فهذا التعقل وحدة حقيقية لم يتعقل معها التعقل فضال عن العاقل والمعقول ‪ ،‬وهذا‬
‫بخالف الوحدة المتعلقة مع الصفات ‪ ،‬فإن فيها كثرة اعتبارية ‪ ،‬وإنما تقيد هذا التعقل‬
‫من حيث التعين ؛ ألنه من حيث اإلطالق ال أولوية للوحدة على الكثرة‪.‬‬

‫ثم أشار إلى كونه هو التعين األول بقوله ‪ [ :‬وهذا التعقل أي النفسي واإلدراك التعيني‬
‫‪ ،‬وإن كان يلي اإلطالق المشار إليه أي ‪ :‬بالمعنى السلبي ‪ ،‬فحقه أن يكون مقيدا‬
‫باإلطالق العرفي ‪ ،‬فال يكون تعينا ‪ ،‬لكنه لما كان فيه األمران ‪ ،‬التعين بالنسبة إلى ما‬
‫قبله واإلطالق بالنسبة إلى ما تحته ؛ ألنه بالنسبة إلى تعين الحق في تعقل كل متعقل‬
‫من الحق والخلق في كل تج هل في المظهر أو غيره كان تعينا مطلقا ‪ ،‬فهو من حيث‬
‫الجمع بينهما أو جمع التعينات وهو ما تعلق به العلم به ‪ ،‬فكذلك كان هو لتجلي الذاتي‬
‫الواقع على الحقيقة المحمدية بالذات وعلى غيره بالواسطة وال يمكن تجليه في‬
‫المظاهر بل إذا أشرقها عليها أحرقها فال يظهر إال لذاته في ذاته ‪ ،‬فال يراه كذلك إال‬
‫من فني فيه وبقي به وله مقام التوحيد األعلى ‪ ،‬وهو التوحيد الذاتي فوق الوصفي‬
‫والعقلي ‪ ،‬وال يمكن اعتبار التوحيد فيما فوقه إذ ال أولوية لنسبة الوحدة ثمة أصال ‪،‬‬
‫فافهم ]‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومبدئية الحق تلي هذا التعين والمبدئية هي محتد االعتبارات ‪،‬‬
‫قال رضي ه‬
‫ومنبع النسب واإلضافات الظاهرة في الوجود والباطنة في عرصة التعقالت‬
‫واألذهان ]‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 102‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٠٢‬‬

‫أي كون الحق مبدأ لألشياء يلي هذا التعين ‪ ،‬أي يكون بعده أما أنه ليس قبله فالستواء‬
‫النسب أما أنه ليس عينه ؛ ألن اعتبار أصله ‪ ،‬فهو بلي هذا التعين ‪.‬‬
‫ثم إن مبدئية الحق هي محتد االعتبارات ‪ ،‬أي أصلها إذ ال بد لها ممن يعتبر فيه ويكون‬
‫موضوعه وال اعتبار قبل المبدئية لما ذكرنا ‪ ،‬فلذلك كانت المبدئية منبع النسب‬
‫واإلضافات ‪ ،‬وهي الظاهرة في الوجود من حيث تعلقه باألعيان ‪ ،‬فظهوره بها وهي‬
‫الباطنية في عرصة التعقالت العالية واألذهان السالفة ‪ ،‬فمن هنا كان الحق مبدأ للكل ‪،‬‬
‫ومنتهى لسلسلة الموجودات العينية والذهنية بل ال غير له ظاهرا وباطنا وأوال وآخرا ‪،‬‬
‫فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬والمقول فيه أنه وجود مطلق واحد واجب ‪ ،‬فهو عبارة عن‬ ‫قال رضي ه‬
‫تعين الوجود في النسبة العلمية الذاتية اإللهية ‪ ،‬والحق من حيث هذه النسبة يسمى عند‬
‫المحقق بالمبدأ ال من حيث نسبة غيرها ‪ ،‬فافهم هذا وتدبهر ‪ ،‬فقد أدرجت لك في هذا‬
‫وّللا المرشد ] ‪.‬‬
‫النص أصل أصول المعارف اإللهية ه‬

‫أي ‪ :‬والذي يقال فيه أنه وجود مطلق ‪ ،‬فليس ذلك بغيب هوية الحق الذي هو اإلطالق‬
‫بالمعنى السلبي ؛ ألنه ال يسمى باسم وال يتقيد باإلطالق ‪ ،‬وكذا الذي يقال أنه واحد أو‬
‫أنه واجب الوجود إذ ذاك ال يقيد بالوحدة والوجوب ‪ ،‬بل الذي يقال فيه هذه األمور‬
‫عبارة عن تعيين الوجود بهذه القيود عند تحقق نسبة العلم إلى الذات الشاملة على‬
‫األسماء والصفات تفصيال وهذا هو التعيهن الثاني المسمى بمرتبة األلوهية وحضرة‬
‫الوحدة ‪ ،‬وذلك ال في التعين األول ‪.‬‬

‫إنما علم الذات من حيث هو ‪ ،‬ال من حيث أنه وجود مطلق أو غيره ‪ ،‬وال من حيث أنه‬
‫واحد أو متعدد ‪ ،‬وال من حيث أنه واجب أوال ؛ ألن هذه أوصاف لحقت التعيهن األول‬
‫في التعقل ‪ .‬والحق من حيث هذه النسبة أي ‪ :‬العملية الذاتية اإللهية ‪ ،‬يسمى عند‬
‫المحققين بالمبدأ ‪ ،‬ال من حيث نسبة غيرها ‪.‬‬
‫أما نسبة التعيهن األول ؛ فألنها ماحية لالعتبارات ‪ ،‬وأما نسبة الربوبية ‪ ،‬فألن هذه‬
‫النسبة بعد أدائها ‪.‬‬
‫ال يقال ‪ :‬إن التعين األول مبدأ لهذه النسبة ؛ ألنا نقول ‪ :‬لما لم تتميز األسماء ‪ ،‬ثمة لم‬

‫‪102‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 103‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٠٣‬‬

‫يكن للمبدئية ظهور ‪ ،‬وإنما ظهرت في التعين الثاني ‪ ،‬وإال فقد كان اإلطالق بالمعنى‬
‫ّللا عنه ‪ ( :‬فافهم ) ‪.‬‬
‫السلبي مبدأ للجميع ولهذه النكتة ‪ ،‬قال رضي ه‬

‫ثم قال ‪ [ :‬وتدبر ‪ ،‬فقد أدرجت لك أصل أصول المعارف اإللهية ] ‪ ،‬وذلك اشتماله‬
‫عليه بحيث غيب الهوية والوحدة الحقيقية التي هي التعين األول والمبدئية التي هي‬
‫التعين الثاني ومنبع االعتبارات واألسماء والصفات ‪ ،‬واعتبار ظهورها وبطونها‬
‫وبحث الوجود المطلق الواحد الواجب ‪ ،‬وهذه أصول مباحث التصوف من تحققها سهل‬
‫وّللا ولي الحسنات ‪.‬‬
‫عليه الوقوف على الجزئيات ‪ ،‬ه‬

‫النص السابع ‪:‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬كل سالك سلك على أي طريق ‪ ،‬كان غايته الحق بشرط فوزه‬ ‫قال رضي ه‬
‫منه سبحانه بسعادة ما ‪ ،‬فإن ذلك السالك صاحب معراج ‪ ،‬وسلوكه عروج ‪ ،‬فافهم ‪] .‬‬
‫أي ‪ :‬كل سالك سلك مستقيما عن طريق من طرق المشايخ ‪ ،‬فذلك السالك كان غايته‬
‫الحق بشرط فوزه منه سبحانه بسعادة ما ‪ ،‬من تجلي الجمال واللطف وسائر األسماء‬
‫المناسبة لهما ‪.‬‬

‫وذلك ؛ ألن هذا السالك صاحب معراج ؛ ألنه ليسير حين يعرج عن أفعاله أو صفاته‬
‫أو ذاته ‪ ،‬فإن عرج عن األول ‪ ،‬كان ممن تحقق بتوحيد األفعال ‪ ،‬ومن عرج عن‬
‫الثاني ‪ ،‬تحقق بتوحيد الصفات ‪ ،‬ومن عرج عن الثالث ‪ ،‬تحقق بتوحيد الذات ‪ ،‬فسلوكه‬
‫عروج عن الكثرة الموقعة في الشرك الخفي إلى نور التوحيد ‪ ،‬فال ب هد وأن يكون غايته‬
‫عز وجل وإنما قلنا ‪ :‬ألن الكل من وجه آخر راجع إلى‬ ‫الحق برفع الحجب عن أنواره ه‬
‫الحق أيضا ‪ ،‬فلذلك قال ‪ ( :‬فافهم )‬

‫النص الثامن ‪:‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬نص شريف كلي يحتوى على أسرار جليهة ] ‪.‬‬
‫قال رضي ه‬
‫لما ذكر في النص السابق أن السالك الفائز ‪ ،‬من الحق بسعادة ما ‪ ،‬ال ب هد وأن يكون‬
‫غايته الحق ‪ ،‬ذكر ما هو سبب تلك السعادة وتفاصيلها ‪ ،‬واألسرار المذكورة هنا هي‬
‫أنواع التجليات في المظاهر ‪ ،‬وإن اإلنسان هو المظهر الكامل المقتضي ألنواع‬
‫التجليات ‪ ،‬وما يترتب على كل تج هل ‪ ،‬وأن الحوادث ليست غير الحق ‪ ،‬إذ لم يؤثر في‬
‫حقائقها وال في‬

‫‪103‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 104‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٠٤‬‬

‫وجوداتها ‪ ،‬بل في نسب الوجود إلى الحقائق أو صورها فال تخل كثرتها وحدوثها‬
‫بالتوحيد ووجوب الوجود المطلق ‪ ،‬وبيهن أثر كل واحد في اآلخر وغير ذلك مما يأتي‬
‫ّللا وأهله ‪.‬‬
‫في آخر شرح هذا النص ‪ ،‬فهذا جالئل األسرار التي ال يقدر قدرها إال ه‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬اعلم أن كل ما يوصف بالمؤثرية في شيء أو في أشياء ‪ ،‬فإنه‬ ‫قال رضي ه‬
‫ال يصدق إطالق هذا الوصف عليه تماما ‪ ،‬ما لم يؤثر حقيقة ذلك الشيء من حيث هو‬
‫دون تعقل انضمام قيد آخر إلى تلك الحقيقة الموصوفة بالتأثير ‪ ،‬أو شرط ما خارجي‬
‫كان ما كان ] ‪.‬‬
‫تمهيد مقدمة لبيان أن التجليات في المرايا المختلفة ال توجب تأثيرا وتغييرا في حقيقة‬
‫المنطبع فيها ‪ ،‬فال تسمى مؤثرة بالحقيقة بل بالمجاز ‪ ،‬فقال ‪ :‬أوال بأن ال تأثير لشيء‬
‫في شيء بحسب الحقيقة حتى يبطل التوحيد حتى إن تأثير الحق في األشياء ‪ ،‬تأثير من‬
‫وجه دون وجه فضال عن تأثير الخلق بعضه في بعض ‪ ،‬وذلك أن كل ما يوصف في‬
‫العرف بأنه مؤثر في شيء واحد ‪ ،‬كالبسيط المتعدد الجهات والمركب ‪ ،‬فإنه ال يصدق‬
‫حمل هذا الوصف إلى التأثير عليه تماما ‪ ،‬وال أنه يقال مؤثر من جميع الوجوه‬
‫وبالحقيقة ما لم يؤثر في حقيقة ذلك الشيء المؤثر فيه من حيث هو ذلك الشيء المؤثر‬
‫فيه مجردا عن تعقل انضمام قيد آخر إلى صفة ذلك المؤثر ‪ ،‬وانضمام شرط خارجي‬
‫إلى أحدهما ‪-‬كان الشرط ما كان ‪ -‬من اللوازم أو العوارض إذ لو لم يؤثر في حقيقته‬
‫بل في عارضه ال يسمى مؤثرا فيه إال باعتبار مالبسة العارض المؤثر فيه لذلك‬
‫الشيء ‪ ،‬فيسمى بهذه المجاورة مؤثرا فيه ‪ ،‬ولو كان باعتبار انضمام قيد إلى المؤثر‬
‫لكان هو المجموع ‪ ،‬فإطالق المؤثر هو المجموع على من تقيد به من غير ذكر القيد ‪،‬‬
‫تكون من قبيل تسمية الشيء باسم كله ‪ ،‬والقيد صفة رافعة لْلطالق ‪ ،‬ولو كان باعتبار‬
‫انضمام شرط خارجي ‪ ،‬كانت مؤثريته ناقصة بذاته كاملة بالشرط ‪ ،‬والمتأثرية باعتبار‬
‫المجموع ال الحقيقة وحدها ‪ ،‬فتسمية أحدهما مؤثرا واآلخر متأثرا من قبيل إطالق الكل‬
‫على الجزء أيضا ‪.‬‬
‫وإنما يعتبر انضمام القيد باألثر ؛ ألن القيد ال يلحقه من حيث حقيقته إال بعد تحقق‬
‫حقيقته ‪ ،‬فال يكون األثر في الحقيقة أصال فضال عن أثريتها مع القيد ؛ ألنها موجودة‬
‫قبل بخالف الشرط ‪ .‬وإنما قال إلى تلك الحقيقة الموصوفة بالتأثير ‪ ،‬ولم يقل إلى‬
‫المؤثر ؛ ألن كونه مؤثرا ليس على التحقيق بل على المتعارف ‪ ،‬أي ‪ :‬الوصف في‬
‫العرف بالمؤثرية‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 105‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٠٥‬‬

‫وإنما قال ‪ :‬كان ما كان ؛ ألنه قد يتوهم أن الخارجي إذا كان الزما ما ال ينفك عن‬
‫الحقيقة المؤثرة أو المتأثرة ‪ ،‬فهو تأثير من حيث هو ‪ ،‬وهو وهم ظاهر الفساد ‪ ،‬وإنما‬
‫اعتبر الشرط الخارجي ؛ ألن الذهني أمر اعتباري ‪ ،‬فال يخل بحقيقة التأثير ؛ ألن‬
‫المؤثر يؤثر حينئذ من غير اعتبار أيضا ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وإنما ذكرت هذه القيود من أجل اآلثار المنسوبة إلى األشياء من‬ ‫قال رضي ه‬
‫حيث مراتبها أو من حيث اعتبارات هي من لوازم حقائقها ‪ ،‬ومن أجل ما استفاض‬
‫أيضا عند أهل العقل النظري ‪ ،‬وأكثر أهل األذواق بأن كل موصوف بالمرآتية سواء‬
‫كانت مرآته معنوية أو محسوسة ‪ ،‬فإن لها ‪ ،‬أي لتلك المرآة أثر في المنطبع فيها ‪،‬‬
‫لردها صورة المنطبع إليها وظهور صور المنطبع فيها بحسبها ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬إنما ذكرت لكون التأثير حقيقيها ‪ ،‬هذه القيود إن يؤثر بال ضم قيد إليه في الحقيقة‬
‫المؤثر فيها ‪ ،‬وال ضم شرط إلى أحدهما من أجل دفع ما يتعارفه الناس من نسبة اآلثار‬
‫إلى األشياء من حيث مراتبها ‪ ،‬كاإلحراق المنسوب إلى النار ‪ ،‬ومن حيث اعتبار‬
‫لوازم حقائقها كتأثير العقل األول من جهة وجوبه في عقل آخر ‪ ،‬ومن جهة إمكانه في‬
‫الجسم من جهة علمه بنفسه في النفس الكلية ‪ ،‬وال يعلمون أن المراتب والجهات قيودا‬
‫أو شرائط ‪ ،‬فكيف يكون التأثير حقيقيها ‪ ،‬ومن أجل ذلك دفع ما استفاض عند أهل العقل‬
‫النظري من الفالسفة المتكلمين ‪ ،‬قيد العقل به ؛ ألنه قد يطلق على البصيرة الباطنة‬
‫أيضا ‪.‬‬
‫وعند أكثر أهل األذواق من الصوفية بأن كل موصوف بالمرآتية سواء كانت مرآتيته‬
‫مرآتية معنوية كاألعيان الثابتة للوجود ‪ ،‬أو محسوسة كالمرايا المضوغة في الحديد‬
‫وغيره كالماء ‪ ،‬فإن لها ‪ ،‬أي تلك المرآة أثرا ؛ لئال يتوهم عود الضمير إلى المرآتية‬
‫وهو فاسد ‪ ،‬إذ ال يتعارف ذلك أصال بالمتعارف إن للمرآة أثرا في المنطبع فيها بحسب‬
‫حقيقته لردها ‪ ،‬أي المرآة صورة المنطبع إلى ما يناسبها استقامة واستدارة بصغر أو‬
‫كبر أو ظهور صورة المنطبع فيها بحسبها ‪ ،‬فحصل التأثير من المرآة والتأثر من‬
‫المنطبع على وجه الحقيقة ؛ إذ الصورة دالة على الحقيقة ‪ ،‬والتأثير والتأثر فيها يدل‬
‫عليها بحسب الحقيقة ‪.‬‬
‫ومن هنا قال أكثر أهل النظر ‪ :‬إن الوجود صار متعددا بالذوات ‪ ،‬أنه صار متقيدا بهذه‬
‫المظاهر بعد إطالقه ‪ ،‬وال يعلمون أن ذلك أثر في صورة المنطبع ال في حقيقته ‪،‬‬

‫‪105‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 106‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٠٦‬‬

‫والصورة عرض وكثرة األعراض وتغيراتها ال يستلزم كثرة الذات وتغيرها ‪ ،‬على أن‬
‫الصورة ليست للذات بل لظهورها في هذه المرايا عرضت لما ال ذات له سوى ذات‬
‫من انطبعت الصورة في هذه المرايا بمقابلته وإلى ذلك أشار بما ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وهذا صحيح من وجه ليس مطلقا ‪ ،‬فإن األثر للمرآة في المنطبع‬ ‫قال رضي ه‬
‫إن كان يصح أن لو أثرت في حقيقته من حيث هو وذلك غير واقع ‪ ،‬وإنما يثبت األثر‬
‫للمرآة في المنطبع من حيث إدراك من ال يعرف حقيقة المنطبع ‪ ،‬ولم يدركه إال في‬
‫المرآة ‪ ،‬وليست المرآة بمحل لحقيقة المنطبع بل هي مجلي لمثاله وبعض ظهوراته ‪،‬‬
‫والظهور نسبة يضاف إلى المنطبع من حيث انطباع صورته في المرآة ليست عين‬
‫حقيقة المنطبع ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬القول بأن للمرآة أثرا ‪ ،‬وإن كان صحيحا بوجه من الوجوه المجازية لتأثيرها في‬
‫الصورة التي تضاف إلى المنطبع ‪ ،‬فليس صحيحا مطلقا حتى يكون تأثيره حقيقيها ال‬
‫يمكن نفيه ‪ ،‬فإن األثر للمرآة في المنطبع ‪ ،‬إنما كان يصح على وجه الحقيقة أن لو‬
‫أثرت المرآة في حقيقة المنطبع وذاته من حيث هي وإنما أثرت في مثله من حيث‬
‫يضاف إلى المنطبع ‪ ،‬والحقيقة غير حالة في المثال ‪ ،‬وإن شارك المثال ما نبه الحقيقة‬
‫في االسم مجازا وال يثبت في الواقع أثر المرآة في حقيقة المنطبع إال من حيث إدراك‬
‫من لم يعرف حقيقة المنطبع ‪ ،‬ولم يدركه إال في المرآة حتى إنه يتوهم إن حقيقة الحق‬
‫تجلى في مرآة قلب من تجلى عليه ‪ ،‬فيزعم أنه الحق ‪ ،‬وهو خطأ ليس بواقع في العين‬
‫والعلم إال من حيث يعلم إدراك هذا المحجوب بعلم قديم أو حادث ‪ ،‬فيقع في الوجود‬
‫الذي هو حق من هذا الوجه كسائر األغالط ‪.‬‬
‫ثم أشار إلى بيان وجه الغلط في ذلك بأن المرآة ليس بمحل لحقيقة المنطبع سيما إذا‬
‫كان المنطبع مثال الحق تعالى ؛ فإن حقيقته تعالى أجل من أن تجلي أو تتجه لغيره على‬
‫ما قدر في العلوم وأطبق عليه عظماء الكشف ‪ ،‬بل هي تجل بمثابة ‪ ،‬والمثال ال يشارك‬
‫الحقيقة كاإلنسان المنقوش على الجدار ال يشارك اإلنسان الذي هو حيوان ناطق في‬
‫الحقيقة على أن مثال الحق في القلب ال يطابقه من كل الوجوه ‪ ،‬إذ ال حصر لتجلياته ‪،‬‬
‫بل هو بعض ظهوراته ‪.‬‬
‫فالمرآة محل لمثاله الذي هو بعض ظهوراته ال غير ‪ ،‬ثم استشعر سؤاال بأن الك همل‬
‫قالوا بالوصول إلى أحدية الجمع والبقاء بالحق وشهوده ‪ ،‬وما شهدوا سوى ما في‬
‫قلوبهم ؛‬

‫‪106‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 107‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٠٧‬‬

‫فلو ال أنه عين حقيقته ‪ ،‬لم يمكنهم القول بذلك ‪.‬‬


‫فأجاب ‪ :‬بأنه نوع من المجاز ؛ ألن الظهور نسبة تضاف إلى المنطبع ‪ ،‬فيقال ‪ :‬ظهر‬
‫الشيء الفالني في المرآة ‪ ،‬ال من حيث انطباع حقيقته ‪ ،‬بل من حيث انطباع صورة‬
‫الظهور وليس عين حقيقة المنطبع ‪ ،‬بل نسبة من نسبة ‪ ،‬فاألثر في الظهور ليس أثرا‬
‫في حقيقة المنطبع ‪ ،‬فال يقال ‪ :‬الحق تقيد بهذه المظاهر ‪ ،‬بل ظهوراته تقيدت بها ال‬
‫حقيقته ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومرادي من قولي ببعض ظهوراته التنبيه على أن التجليات‬ ‫قال رضي ه‬
‫الذاتية االختصاصية ال تكون في مظهر وال في مرآة وال بحسب مرتبة ‪ ،‬فإن من أدرك‬
‫الحق من حيث هذه التجليات ‪ ،‬فقد شهد الحقيقة خارج المرآة من حيث هي ال بحسب‬
‫مظهر وال مرتبة كما قلنا ‪ ،‬وال اسم وال صفة وال حال معين وال غير ذلك ‪ ،‬وهو الذي‬
‫يعلم ذوقا أن المرآة ال أثر لها في الحقيقة ] ‪.‬‬
‫وإنما قال ‪ ( :‬بعض ظهوراته ) ‪ :‬تنبيها علي أن للمنطبع الحق ظهورات غير ما في‬
‫مرايا األعيان الثابتة واألكوان الخارجية والذهنية ‪ ،‬وال يختص ذلك بظهور ذاته لذاته‬
‫وفي ذاته ‪ ،‬بل التجليات الذاتية التي تخص األنبياء وخواص األولياء ‪ -‬عليهم الصالة‬
‫والسالم ‪ -‬ال يكون في مظهر من األكوان وال مرآة من األعيان وال بحسب مرتبة‬
‫معينة ‪ ،‬وإال لم يكن ذاتية محضة ‪ ،‬ال يقال ‪ :‬كيف يظهر الذات ال بحسب مرتبة ‪.‬‬
‫وقد سبق أن إطالق السلبي ال يمكن إدراكه ؛ ألنا نقول ‪ :‬المدرك هذا الذات من غير‬
‫تقييد بمرتبة ‪ ،‬وإن نزلت إلى المراتب ‪ ،‬وإنما لم يكن إدراكه قبل النزول ‪ ،‬وإال فكيف‬
‫يطلق عليه اإلطالق السلبي ‪ ،‬على أن المراد هنا قبل النزول إلى األكوان وأعيانها‬
‫واألسماء المتعلقة بها ‪ ،‬ثم ذكر أن من أدرك الحق من هذه التجليات ‪ ،‬فقد شهد حقيقة‬
‫المنطبع ‪ ،‬أي الذي من شأنه انطباع صورة في المرآة خارج المرآة من حيث هي‬
‫حقيقة ال بحسب أنها في مظهر وال بحسب أنها في مرتبته ‪.‬‬

‫وإنما ذكر ذلك ؛ لئال يتوهم أنه تخيل ما رآه في المرآة خارج المرآة ‪ ،‬فدفع ذلك الوهم‬
‫‪ ،‬ثم بالغ فقال ‪ :‬وال اسم معين وال صفة معينة وال حال معين حتى يقال ‪ ،‬هي من‬
‫المرايا المعنوية ثم عمم بقوله ‪ :‬وال غير ذلك ‪ ،‬أي ‪ :‬من النسب واإلضافات بمحو الكل‬
‫في الحقيقي حينئذ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 108‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٠٨‬‬

‫ثم ذكر أن هذا التجلي أي ‪ :‬الذي في غير المرآة ‪ ،‬يعلم ذوقا أن المرآة ال أثر لها في‬
‫الحقيقة ‪ ،‬إذ لم تؤثر في ظهورها الذي نسب األثر بسببه إلى المنطبع ؛ وذلك أن لو‬
‫أثرت في ظهورها من حيث هو ظهور ‪ ،‬لكان كل ظهور متأثر من المرآة ‪ ،‬لكن لما‬
‫أمكن الظهور بغيرها ‪ ،‬لم يكن متأثرا بها ‪ ،‬بل المتأثر بها بعض الظهورات ‪ ،‬وذلك‬
‫بحسب أوصاف ال حقه للظهور ‪ ،‬فإذا لم يؤثر في الظهور الذي هو عارض قريب ‪ ،‬لم‬
‫يؤثر في حقيقته بطريق األولى ‪.‬‬
‫ّللا روحه ‪ -‬يسمى هذه التجليات ‪،‬‬ ‫ّللا عنه ‪ [ :‬وكان شيخنا اإلمام ‪ -‬قدس ه‬
‫قال رضي ه‬
‫التجليات الذاتية البرقية ‪ ،‬وما كنت أعرف يومئذ سبب هذه التسمية ‪ ،‬وال مراد الشيخ‬
‫منها ] ‪.‬‬
‫ثم إن هذه التجليات الذاتية البرقية ال تحصل إال لذي فراغ تام من سائر األوصاف‬
‫واألحوال واألحكام الوجوبية األسمائية واإلمكانية ‪ ،‬وهذا الفراغ مطلق ال يغاير إطالق‬
‫الحق ‪ ،‬غير أنه ال مكث له أكثر من نفس واحد ‪ ،‬ولهذا شبه بالبرق ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ ،‬يسمى‬‫وكان الشيخ أمام هذا العلم وأكمل أهله محيي الدين ابن العربي رضي ه‬
‫هذه التجليات التي هي خارج المرآة من غير تقييد بشيء التجليات الذاتية البرقية ‪،‬‬
‫وليست هذه من التجليات البرقية التي يقال ‪ :‬لمبادئ الكشف إذا ظهر انطفأ سريعا ؛‬
‫ألنه ليست ذاتية ‪ ،‬بل من األسمائية ؛ وهناك إن كانت الذات مع األسماء لكنها ليست‬
‫خارجية عن الذات ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وما كنت أعرف يوم سماعي من الشيخ سبب تسمية الذاتية‬ ‫قال رضي ه‬
‫البرقية ‪ ،‬وال مراد الشيخ منها وأهله كان يتوهم بالذاتية ظهور الذات في المظاهر وإن‬
‫البرقية مخصوصة بالمبادئ ‪ ،‬فكيف يكون في الذاتية ؟ ] ‪.‬‬
‫ثم لما حصلت له علم وبين سبب حصوله بقوله ‪ :‬ثم إن هذه التجليات الذاتية البرقية‬
‫أعاد الوصفين ؛ لئال يتوهم أن كل تجل يحتاج إلى فراغ تام ‪ ،‬بل التجليات الذاتية في‬
‫المظاهر األسمائية ال تحتاج إلى الفراغ التام ‪ ،‬بل الفراغ من وجهه ‪ ،‬بخالف هذه‬
‫التجليات االختصاصية ‪ ،‬فإنها ال تحصل إال لذي فراغ تام من جميع أوصاف الوجود‬
‫وأحواله واألحكام الوجوبية األسمائية واإلمكانية الكونية ؛ إذ كل واحد منها حجاب ال‬
‫يمكن معه ظهور الذات بال مظهر ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ [ :‬وهذا الفراغ مطلق ] أي عن النفس والقلب والروح والسر وأخفى ‪ ،‬وجميع‬
‫األوصاف واألحوال حتى أنه ال يغاير إطالق الحق إال بالمعنى السلبي ‪ ،‬بل بالمعنى‬

‫‪108‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 109‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٠٩‬‬

‫المقابل للتقييد ؛ وليس معنى الفراغ من هذه األمور عدمها في الواقع ‪ ،‬بل عدم كونها‬
‫ملتفتا إليها ومانعا ‪ ،‬كما أن إطالق الحق ليس بمعنى مجردة عن الصفات كيف وهي‬
‫واجبة أزال وأبدا ‪.‬‬
‫ثم لما توهم من كونه دائما دوام هذا التجلي عليه لكمال استعداده استثنى ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫( إنه ال مكث لها أكثر من نفس واحد ‪ ،‬ولهذا شبه بالبرق في عدم بقائه أكثر من نفس‬
‫واحد ‪ ،‬وهذا بالتجليات االختصاصية من الكشف الذي في المبادئ ؛ ألنه قد ينقلب إلى‬
‫الدوام بخالف هذا ‪ ،‬فافهم ) ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وسبب عدم دوامه حكم جمعية الحقيقية اإلنسانية ‪ ،‬وكما أن هذه‬ ‫قال رضي ه‬
‫الجمعية ال تقتضي دوامه ‪ ،‬كذلك ‪ ،‬لو لم تتضمن الجمعية اإلنسانية هذا الوصف من‬
‫الفراغ واإلطالق المستجلب لهذه التجليات ‪ ،‬لم تكن الجمعية اإلنسانية جمعية مستوعبة‬
‫كل وصف وحال ‪ ،‬فحكم الجمعية يثبته وينفى دوامه ] ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ ،‬وإن لم يتعرض لبيان سبب عدم دوامه نفسين صريحا‬ ‫اعلم أن الشيخ رضي ه‬
‫‪ ،‬فهو مفهوم ضمنا ؛ وذلك ألن سبب عدم دوامه أثر من آثار جمعية الحقيقة اإلنسانية‬
‫‪ ،‬فإنها عند الفراغ ال تبقى مستجمعة لألحوال واألوصاف ‪ ،‬ال بمعنى أنها تنتفي عنها ‪،‬‬
‫بل بمعنى أنها تبقى معطلة ‪ ،‬والجمعية تقتضي استعمال كل منها ‪ ،‬فلو بقي هذا التجلي‬
‫زمانين لظهر تعطلها ‪ ،‬فيكون جمعية كالالجمعية ‪.‬‬
‫ثم استشعر سؤاال بأن اإلنسان إنما خلق ؛ ليكون مظهرا جامعا وعند التجلي ال يبقى‬
‫جامعا ‪ ،‬فهو مناف لجمعيته ‪ ،‬فينبغي أن ال يوجد أصال ‪.‬‬
‫فأجاب عنه بقوله ‪ " :‬وكما أن هذه الجمعية ال يقتضي دوامه " ‪ ،‬فحق العبارة يقتضي‬
‫عدم دوامه ؛ ألنها إنما تنافي دوامه ال أصل وجوده ‪ ،‬فإنه ال ينافي مقتضي الجمعية ؛‬
‫إذ لواله ‪ ،‬لم يكن شامال على ما هو أعظم األمور ‪ ،‬فيبقى جمعيته أيضا إال أنه قال ‪:‬‬
‫هكذا يشعر بغلبة الجمعية للكل ‪ ،‬فما ال تقتضيه الجمعية ال يوجد ‪ ،‬ويدل عليه قوله فيما‬
‫بعد صريحا فحكم الجمعية يثبته وينفى دوامه " ‪.‬‬
‫وفي قوله ‪ “ :‬من الفراغ واإلطالق المستجلب لهذه التجليات االختصاصية هي‬
‫اإلطالق ( لمناسبته ) إطالق الذات بخالف الجمعية ‪ ،‬فإنها إنما تقتضي ظهور الذات‬
‫مع‬

‫‪109‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 110‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١١٠‬‬

‫الصفات ‪ ،‬وهاهنا وإن كانت الذات متصفة بالجميع ‪ ،‬لكنها لم يحتجب بها ساعة لطيفة‬
‫‪ ،‬ثم احتجبت برداء الكبرياء ‪“ .‬‬
‫وفهم من قوله ‪ “ :‬فحكم الجمعية يثبته وينفى دوامه “ ‪ :‬أن الجمعية ال تقتضي اجتماع‬
‫األوصاف واألحوال في آن واحد ؛ بل يكفى حصولها في اإلنسان على سبيل التعاقب‬
‫كيف وهو في كل آن خلق جديد ‪ ،‬ويؤيده إن جعل السبب أثر الجمعية ‪ ،‬هو حصول‬
‫مقتضاه بالفعل ‪ ،‬والحال إنما هي بالقوة ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ّللا أحكاما غريبة في باطني‬ ‫ّللا عنه ‪ [ :‬ووجدت لهذا التجلي لما منحنية ه‬ ‫قال رضي ه‬
‫وظاهري ‪ ،‬من جملتها أنه مع عدم مكثه نفسين ‪ ،‬يبقى في المحل من األوصاف‬
‫ّللا ] ‪.‬‬
‫والعلوم ما ال يحصره إال ه‬
‫ّللا تعالى إياه مع‬ ‫ّللا عنه إلى فوائد التجلي الحاصلة عند من منحه ه‬ ‫أشار رضي ه‬
‫اإلشعار بأنه استدل عليها بالوجدان الذي هو أقوى من الحس الظاهر والفكر ؛ إظهارا‬
‫‪:‬وأ َ هما َب َن ْع َم َة َر َبه َك‬
‫ّللا تعالى عليه شكرا عليها وامتثاال لقوله تعالى َ‬ ‫لنعمة ه‬
‫َث[ الضحى ‪ ] 11 :‬وأشار بلطيفة هي أنه بالوجدان الروحي كأنه يشاهده اآلن ‪،‬‬ ‫فَ َح هد ْ‬
‫وهو معه ‪ ،‬واألحكام الغريبة هي الوجوبية لقرابتها بالنسبة إلى عالم الحدثان ‪ ،‬وتلك‬
‫األحكام أنوار التجلي على روحه المطهر بقيت على القلب فجعلته روحانيها ‪ ،‬والنفس ‪،‬‬
‫ّللا تعالى‬
‫فجعلتها مطمئنة مستحقة باألخالق اإللهية والجسم فجعلته مطواعا ألوامر ه‬
‫وغير ذلك ‪.‬‬
‫ّللا عنه أن من جملة فوائده أنه مع عدم مكثه نفسين يبقى في محل‬ ‫ثم بيهن رضي ه‬
‫التجلي ‪ ،‬وهو القلب من األوصاف اإللهية والعلوم اللهدنيهة الالزمة للذات ‪ ،‬ما ال‬
‫ّللا ‪ ،‬وإن غلب ظهورها بحيث ال يحجبها الصفات ‪ ،‬فإذا زال غلبة ظهور‬ ‫يحصره إال ه‬
‫الذات مجددة ‪ ،‬بقي ظهورها مع الصفات على المحل ‪ ،‬ألنها تبقى مع الحجاب ‪ ،‬وكان‬
‫قد اتصل بأعلى معادن العلم ‪ ،‬ومن اتصل بالعقول والنفوس الناطقة السماوية لم يحس‬
‫حالة من العلوم ‪ ،‬فكيف بمن اتصل بمعدن الكل ‪ ،‬وتلك الصفات والعلوم لما كانت غير‬
‫متناهية وال محصورة ‪ ،‬وقد انطبعت في أوسع المجال ‪ ،‬فال يحصرها إال من ال حصر‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫له ‪ ،‬وهو ه‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وعرفت في ليلة كتابتي هذا الوارد ‪ ،‬أنه من لم يذق هذا المشهد‬ ‫قال رضي ه‬
‫لم يكن محال‬

‫‪110‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 111‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١١١‬‬

‫ّللا وقت ال يسعني فيه‬ ‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬لي مع ه‬ ‫للوراثة ولم يعرف سر قوله صلى ه‬
‫ّللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫غير ربي “ “ ‪ ، “ 1‬وال سر قوله صلى ه‬
‫ح‬ ‫‪:‬وما أ َ ْم ُرنا إَ هال َ‬
‫واح َدة ٌ َكلَ ْم ٍ‬ ‫ّللا وال شيء معه “ “ ‪ ، “ 2‬وال سر قوله تعالى َ‬ ‫“ كان ه‬
‫ص َر[ القمر ‪ ، ] 50 :‬وال يعرف مبدئية اإليجاد ال في زمان موجود ] ‪.‬‬ ‫بَ ْالبَ َ‬
‫ّللا عنه‬ ‫أشار إلى فوائد أخرى عزيزة جدها لهذا التجلي االختصاصي ‪ ،‬إن الشيخ رضي ه‬
‫مع جاللة قدره لم يعرفها إال ليلة كتابة هذا الوارد منها ‪ :‬إن من لم يذق هذا المشهد من‬
‫التجلي الذاتي البرقي ‪ ،‬أي لم يعرف بالذوق والوجدان قبل ذلك إشعارا بامتناع معرفته‬
‫بغير ذلك ‪ ،‬لم يكن محال للورثة النبوية ‪ ،‬فلم يكن من العلماء الذين هم ورثة األنبياء ‪،‬‬
‫إذ ميراثهم الخاص هذا التجلي لغاية عظمته ‪ ،‬وما دونه كما يكون ميراثهم ‪ ،‬يكون‬
‫ميراثا لعامة األولياء أيضا ‪.‬‬
‫فالميراث الخاص هو هذا التجلي ‪ ،‬على أن حقائق العلوم ال تنكشف كما هي بدون هذا‬
‫التجلي لنقصان سائر المعادن بالنسبة إليه ‪ ،‬فال يكون ميراثا نبويها ‪ ،‬بل ميراث األولياء‬
‫أو الحكماء الذين اتصلوا بالعقول والنفوس ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬لي مع‬ ‫ومنها ‪ :‬إن من لم يذق هذا المشهد لم يعرف سر قوله صلى ه‬
‫ّللا وقت ال يسعني فيه غير ربي “ “ ‪ “ 3‬؛ إذ سائر التجليات إما صفاتية أو أفعالية ‪،‬‬ ‫ه‬
‫وهي أغيار من حيث مفهوماتها للرب المطلق وال يشترط لمعرفته ذوق هذا التجلي ‪،‬‬
‫إذ من لم يذق هذا التجلي لم يعرف بفكر ونظر أو حس ‪ ،‬فال يفهم سر ما يتوقف عليه‬
‫بدونه ‪ ،‬وإن كان يفهم ظاهره ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬كان‬ ‫ومنها ‪ :‬أن من لم يذق هذا المشهد ‪ ،‬لم يعرف سر قوله صلى ه‬
‫ّللا وال شيء معه “ “ ‪ ، “ 4‬وذلك أن صفاته تعالى الزمة لذاته ‪ ،‬فال يتصور الذات‬ ‫ه‬
‫بدونها إال لمن تجلى له الذات من غير ظهوره هذه الصفات ‪ ،‬فيعرفها حينئذ أنه كان‬
‫في االعتبار األول أيضا ال شيء معه ‪ ،‬كما أنه اآلن ال شيء معه باعتبار هذا‬
‫التجلي ‪.‬‬
‫واشترط أيضا ذوق ذلك لما مر بعينه ‪ ،‬ومنها أن من لم يذق هذا المشهد لم يعرف سر‬
‫‪...............................................‬‬
‫) ‪( 1‬ذكره المناوي في فيض القدير ( ‪ ، ) 6 / 4‬والعجلوني في كشف الخفا ( ‪/ 2‬‬
‫‪ ) 226‬بنحوه ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬رواه الحكيم الترمذي في النوادر ‪( 4 / 104 ) .‬‬
‫) ‪( 3‬ذكره المناوي في فيض القدير ( ‪ ، ) 6 / 4‬والعجلوني في كشف الخفا ( ‪/ 2‬‬
‫‪ ) 226‬بنحوه ‪.‬‬
‫) ‪( 4‬رواه الحكيم الترمذي في النوادر‪( 4 / 104 ) .‬‬

‫‪111‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 112‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١١٢‬‬

‫قوله تعالى ‪َ :‬وما أ َ ْم ُرنا َإ هال َ‬


‫واح َدة ٌ [ القمر ‪ ، ] 50 :‬أي ‪ :‬وما شأن تجلينا إال لحظة‬
‫واحدة كلمح بالبصر‪.‬‬

‫وذلك هو التجلي الذاتي االختصاصي إذ غيره ال ينحصر في ذلك ‪ ،‬إذ قد يبقى زمانين‬
‫فصاعدا ‪ ،‬ولو حملت اآلية على معنى القيامة فكذلك ؛ ألنه عبارة عن فناء الكل‬
‫بالتجلي الذاتي ‪ ،‬فمن لم يذقه لم يعرفه بالحقيقة‪.‬‬

‫ومنها ‪ :‬أن من لم يذق هذا التجلي ال يعرف مبدئية اإليجاد ال في زمان موجود ؛ وذلك‬
‫ألن مبدئية اإليجاد دا هل في زمان هو التجلي الذاتي لوقوع الحدوث ولو بالذات في‬
‫غيره ‪ ،‬فيقع التقدم والتأخر المشابهان لما في الزمان ‪ ،‬وإنما أعاد لفظة المعرفة نفيا‬
‫لدعوى النظار بمعرفة ذلك بالحقيقة ‪ ،‬فأكد وإنما ابتدأ يبحث الوارث ؛ ألنها أول مرتبة‬
‫الكمال االختصاصي ثم بعدم الواسع ؛ ألنه كمال الوارث ‪ ،‬ثم بال شيء معه ؛ ألنه‬
‫كمال عدم الوسع ‪ ،‬ثم بوحدة األمر ؛ ألنه من جمعه لمبدئية اإليجاد لمشابهته ينزل‬
‫العارف إلى مقام البقاء ؛ ألنه موجود ال بنفسه حتى يكون زمانيها ‪ ،‬فافهم‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬كما أنه من ذاق هذا المشهد ‪ ،‬وقد كان علم أن األعيان الثابتة‬‫قال رضي ه‬
‫هي حقائق الموجودات ‪ ،‬وأنها غير مجعولة وحقيقة الحق منزهة عن الجعل والتأثير ‪،‬‬
‫ومن ث هم أمر ثالث غير الحق واألعيان ‪ ،‬فإنه يجب أن يعلم إن صح له ما ذكرنا ‪ ،‬أن ال‬
‫أثر لشيء في شيء ‪ ،‬وأن األشياء هي المؤثرة في أنفسها ‪ ،‬وإن المسماة علال وأسبابا‬
‫مؤثرة ‪ ،‬هي شروط في ظهور آثار األشياء في أنفسها ‪ ،‬ال أن ثمة حقيقة تؤثر في‬
‫حقيقة غيرها ]‪.‬‬

‫الغرض من هذا بيان حال األمور المذكورة أعني صيرورته وارثا وواسع القلب بربه‬
‫وعارفا سر “ وال شيء معه “ ‪ ،‬وسر وحدة األمر ‪ ،‬ومبدئية اإليجاد في توقفها على‬
‫التجلي الذاتي االختصاصي ‪ ،‬كتوقف هذه المسألة توقفا ظاهرا ‪ ،‬يعنى ‪ :‬من ذاق هذا‬
‫المشهد الذي هو التجلي الذاتي االختصاصي بعد علمه أن األعيان الثابتة ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫الصور الثابتة لألشياء في العلم األزل ‪ ،‬هي حقائق الموجودات والحقائق غير مجعولة‬
‫‪ ،‬فاألعيان أيضا غير مجعولة ‪ ،‬والمقدمتان تبينان فيما بعد حقيقة الحق منزهة عن‬
‫الجعل والتأثير على ما تقرر في العقول السليمة كلها ‪ ،‬وليس في العالم واألشياء أمر‬
‫ثالث غير الحق واألعيان ؛ النحصار العالم واألشياء في الوجود والحقائق والوجود‬
‫حقيقة الحق والحقائق هي األعيان ‪ ،‬فإنه يجب أن‬

‫‪112‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 113‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١١٣‬‬

‫يعلم إن صح له ما ذكرنا من هذه المقدمات ‪ ،‬أن ال أثر لشيء في شيء ؛ ألنه إما في‬
‫األعيان وليست مجعولة ‪ ،‬وما ال يقبل التأثير بحقيقته ‪ ،‬وأما في الحق وعدم قبوله‬
‫التأثير ظاهر ‪ ،‬أو في الجمع بينهما ‪ ،‬فأما في وجود الجمع أو في حقيقته ‪ ،‬فيعود الكالم‬
‫فيه أو المجموع من وجوده وحقيقته ‪ ،‬فيتسلسل ووجود المجموع إن كانت معدومة ‪،‬‬
‫فال أثر في حقيقة المعدوم ‪ ،‬إذ ال حقيقة له من حيث هو معدوم ‪.‬‬

‫هذا كله في معرفة أن حقيقة الحق غير قابلة للجعل والتأثير ‪ ،‬وأن األعيان غير‬
‫مجعولة ‪ ،‬وأما من التجلي المذكور ‪ ،‬فيعلم أن األشياء هي المؤثرة في أنفسها ؛ وذلك‬
‫ألن التجلي المذكور يشهد أن جميع الكماالت حاصلة للوجود المطلق بالقوة ‪ ،‬وهي‬
‫كامنة فيه ‪ ،‬وأن حقائق الموجودات شؤونه الذاتية المقتضية ظهورها بتلك الكماالت ‪،‬‬
‫وهي الحاكمة على المفيض أن يفيض ما في قوة استعدادها ‪ ،‬فهي المؤثرة في أنفسها ‪،‬‬

‫وإنما قال ‪ :‬إن صح له ما ذكرنا إذ يجوز حينئذ أن ال يعتقد التجلي المذكور ‪ ،‬ويزعم‬
‫أال تجلي إال في مظهر ‪ ،‬فيتوقف حصول الكماالت للوجود على المظاهر ‪ ،‬فيكون لها‬
‫األثر في كماالته الممكنة ‪ ،‬ويجوز أن يعتقد كون األعيان مجعولة ‪ ،‬فيعتقد األثر فيها ‪.‬‬
‫ويجوز أن يعتقد أن حقيقة الحق قابلة للجعل ‪ ،‬فيكون للمظاهر تأثير في حقيقة الظاهر‬
‫‪ ،‬ثم استشعر سؤاال بأن الكالم سفسطة في ظهور كون بعض األسباب علة للبعض ‪،‬‬
‫فأجاب بأنا ال نسلم أنها أسباب وعلل ؛ ألن المؤثر ال بد له من قابل ‪ ،‬وال قابل مع‬
‫قبول هذه المقدمات ‪ ،‬بل األشياء لما كانت مؤثرة في نفسها من حيث طلب شؤونها‬
‫الظهور بكماالت الوجود المطلق ‪ ،‬كل شأن على قدر استعداده في عينه الثابتة ‪ ،‬ولم‬
‫يستقل بأنفسها توقف الكماالت فيها ‪ ،‬وهي آثارها على شروط توقف ظهور النار من‬
‫الحجر على ضربة بآخر مثال ‪.‬‬

‫ال يقال ‪ ،‬فهي علل الظهور ؛ ألنا نقول ‪ :‬اقتضت األشياء الظهور ولم تستقل ‪ ،‬فهي‬
‫شروط للظهور ال علل الثبوت مقتضية ‪ ،‬وهي أعيان األشياء من قبل ‪ ،‬على أنها ال‬
‫تؤثر في نفس الظهور بل في صفاته ‪ ،‬فليست مؤثرة أيضا في الشروط الصفات‬
‫الوجوبية وغيرها من العقول والنفوس والطبائع ‪ ،‬وتسميتها علال وأسبابا ‪ ،‬ليس على‬
‫الحقيقة ‪ ،‬فافهم هذه الدقائق تفز بكنوز الحقائق!‬

‫‪113‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 114‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١١٤‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وهكذا فلتعرف األمر في المدد ‪ ،‬فليس ثمة شيء يمد شيئا غيره‬
‫قال رضي ه‬
‫‪ ،‬بل المدد يصل من باطن الشيء إلى الظاهر ‪ ،‬والتجلي النوري الوجودي يظهر ذلك‬
‫‪ ،‬فليس اإلظهار بتأثير في حقيقة ما أظهره ‪ ،‬فالنسب هي المؤثرة بعضها في بعض ‪،‬‬
‫بمعنى أن بعضها سبب النتشاء البعض ‪ ،‬وظهور حكمه في الحقيقة التي هي‬
‫محتدهها ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬وكما عرفت األمر في آثار األشياء أنها ليست من غيرها بل من باطنها إليها ‪،‬‬
‫فهكذا فليعرف األمر في المدد الوجودي عليها ‪ ،‬فإن وجودها ليس من غيرها ‪ ،‬بل‬
‫المدد يصل من باطن الشيء إلى ظاهره ‪ ،‬بمعنى أنها ولو كانت معدومة في الخارج‬
‫كانت موجودة في العلم األزلي ‪ ،‬فذلك الوجود كان لها في الباطن ‪ ،‬فخرج إلى الظاهر‬
‫باقتضاء ‪ ،‬إال أن اقتضاءها ال يستقل بإخراجها فشرط لذلك التجلي النوري ‪ ،‬وهو تعلق‬
‫الوجود الظاهر ‪ ،‬وهذا اإلظهار من التجلي النهوري ليس بتأثر منه في حقيقة ما أظهره‬
‫من الوجود ؛ ألنه بحقيقته كان حاصال لألعيان الثابتة في الباطن ‪ ،‬ال يقال ‪ :‬التجلي‬
‫نسبة ‪ ،‬وقد أثرت في اإلظهار الذي هو نسبة سافلة التأثير الحقيقي ؛ ألنا نقول ‪ :‬إن‬
‫بعض النسب مؤثر في البعض ال تأثيرا حقيقيها بل بمعنى أن بعضها سبب النتشاء‬
‫البعض في العقل ‪ ،‬حتى يترتب سبب الظهور حكمه في الحقيقة التي هي محتدها ‪ ،‬فلم‬
‫يؤثر في النسبة بينها ‪ ،‬بل ظهر حكمها في الحقيقة لجعلها حكمها صفة لتلك الحقيقة ‪،‬‬
‫فلم يؤثر في الحقيقة من حيث هي ‪ ،‬وال في النسبة من حيث هي ‪ ،‬وإظهارها فرع‬
‫ثبوتها في معدنها ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومن جملة ما يعرفه ذائق هذا التجلي “ ‪ ، “ 1‬أن ال أثر‬
‫قال رضي ه‬
‫لألعيان الثابتة من كونها مرائي في التجلي الوجودي اإللهي ‪ ،‬إال من حيث ظهور‬
‫التعدد الكامل في غيب ذلك التجلي ‪ ،‬فهو أثر في نسبة الظهور من األمر الذي هو‬
‫شرط في اإلظهار ‪ ،‬والحق يتعالى عن أن يكون متأثرا من غيره ويتعالى حقائق‬
‫الكائنات أن تكون من حيث هي حقائقها متأثرة ‪ ،‬فإنها من هذا الوجه في ذوق الكمال‬
‫عين شؤون الحق ‪ ،‬فال جائز أن يؤثر فيها غيرها ‪ ،‬فال أثر لمرآة ما من حيث مرآة في‬
‫مر بيانه ] ‪.‬‬
‫حقيقته المنطبعة فيها لما ه‬

‫اعلم أن هذه المسألة أعني ‪ :‬مسألة تعديد األعيان من حيث هي مرايا للتجلي الوجودي‬
‫وإظهار التجلي الوجودي إياها ‪ ،‬لم يفهم فيما سبق ؛ ألنه إنما ذكر فيه تأثير المرايا‬
‫) ‪( 1‬أي التجلي البرقي وهو التجلي الذاتي الذي ال ثبات له أكثر من نفس واحد ‪ ،‬شبه‬
‫بالبرق لذلك‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 115‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١١٥‬‬

‫في المنطبع وما لمؤثر في آثار األشياء والمدد فيها ‪ ،‬وإنما ذكرها منفردة لشهرة ما‬
‫يخالفها ‪ ،‬وذلك إن مما اشتهر أن األعيان الثابتة من حيث كونها مرائي تجلي الوجودي‬
‫عددت الوجود الواحد وجعلته كثيرا ‪ ،‬فأثرت في تكثيره والحق فيها بإظهارها بعد ما‬
‫كانت في كتم العدم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ذلك بأن من تجلى له الحق في غير مظهر عرف أنه الكمال ‪ ،‬وأنه‬ ‫فدفع رضي ه‬
‫ال يتقيد بوحدة وال كثرة وإن كانت الوحدة أول التعينات ؛ لكنها ليست في مقابلة الكثرة‬
‫نعم المقابلة لها غالبة هناك ‪ ،‬والكثرة كامنة ‪ ،‬واألعيان ال تؤثر في التجلي الوجودي‬
‫الوحداني إال من حيث ظهور التعدد الكامن في غيب ذلك التجلي الذي كان التعدد‬
‫مغلوبا فيه ‪ ،‬فهذا التعدد الظاهر الذي صار غالبا أثر في نسبة ظهور الوجود الواحد ‪،‬‬
‫والتجلي الوحداني في مرايا األعيان ؛ ألنه لما انتسب الظهور إلى األعيان الكثيرة‬
‫االعتبار ‪ ،‬تكثرت النسب ‪ ،‬فتكثر الظاهر والتجلي الوحداني ‪ ،‬وهكذا لم يؤثر الحق في‬
‫األعيان بالكثرة الظاهرة ‪ ،‬بل لما انتسب الظهور بالتجلي اإللهي الوجودي إليها تكثرت‬
‫‪ ،‬فتلك النسبة شرط في إظهار الكثرة االعتبارية التي كانت فيها ال تأثيرا لها ‪ ،‬ثم‬

‫استدل على األمرين ‪ :‬أما على األول ‪ ،‬فبأن المرايا لو أثرت في التجليات ‪ ،‬لكان الحق‬
‫تعالى متأثرا عن غيره ؛ ألن التجلي األول الوحداني من مقام األلوهية ‪ ،‬ومن صفاته‬
‫وجوب الوجوب بالذات والوجوب بالذات مستحيل تأثره عن غيره ال بحسب الذات ‪،‬‬
‫وال بحسب صفاته الذاتية والواجبة ‪ ،‬فلو لم تكن الكثرة فيه ما ظهرت باألعيان أصال ‪.‬‬
‫وأما على الثاني ؛ فألن األعيان لو تأثرت بالتجلي ‪،‬‬
‫فظهر ذلك تأثرا في شؤون الذات ؛ ألن األعيان قبل الظهور شؤون الحق ‪ ،‬فلو أثر‬
‫فيها التجلي لكان مؤثرا في شؤون الحق وشؤونه قديمة مندرجة في ذاته ‪ ،‬فال يؤثر‬
‫فيها الغير أصال ‪ ،‬بل ظهرت بنسبة التجلي الوحداني إليها ‪ ،‬فظهرت كثرتها االعتبارية‬
‫‪ ،‬وصارت حقيقة ‪ ،‬وإذا كان كذلك ‪ ،‬فال أثر لمرآة ما حقها أو خلقا من حيث هي مرآة‬
‫في حقيقة المنطبع ‪ ،‬بل في نسبة ما ‪ ،‬من النسب إال من حيث الشرطية المذكورة ‪،‬‬
‫مر بيانه من أنه إنما يكون حقيقيها أو أثر شيء في حقيقة آخر‬‫وليس تأثيرا حقيقيها لما ه‬
‫وّللا أعلم ‪.‬‬
‫من غير انضمام شرط ‪ ،‬ه‬
‫ولما كانت هذه المسائل على خالف المشهور‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬فافهم هذا النص وتدبره ‪،‬‬ ‫قال رضي ه‬

‫‪115‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 116‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١١٦‬‬

‫ّللا ‪ ،‬وهذا هو الحق‬


‫فقد أدرجت فيه من نفائس العلوم واألسرار ما ال يقدر قدره إال ه‬
‫اليقين والنص المبين ‪ ،‬وكل ما تسمعه مما يخالف ذلك ‪ ،‬فإنه وإن كان صوابا ‪ ،‬فإنه‬
‫وّللا المرشد والهادي ] ‪.‬‬
‫صواب نسبي ‪ ،‬وهذا هو الحق الصريح الذي ال مرية فيه ه‬

‫ومن نفائس العلوم بيان التجلي الذهاتي البرقي ‪ ،‬وكون التجليات في المظاهر ال يوجب‬
‫تقييدا في الظاهر ‪ ،‬ودوام تنزهه تعالى عن الحوادث مع ظهوره فيها ‪ ،‬وأن ال أثر‬
‫لشيء في آخر حتى يبطل التوحيد ‪ ،‬وأن آثار األشياء فيها من أنفسها وكمال اإلنسان‬
‫ومقتضاه من التجلي المذكور ‪ ،‬وزواله وفوائده ومعرفة األسرار المذكورة من معرفة‬
‫‪:‬وما أ َ ْم ُرنا إَ هال‬
‫ّللا وال شيء معه “ ‪ ،‬ومعرفة َ‬ ‫الوارث وسعة القلب ‪ ،‬ومعرفة “ كان ه‬
‫واح َدةٌ[ القمر ‪، ] 50 :‬‬
‫َ‬
‫ّللا عنه ( ‪ :‬وهذا هو‬ ‫ومعرفة مبدئية اإليجاد في زمان موجود ‪ .‬ثم قال الشيخ رضي ه‬
‫الحق اليقين ) الذي ال يحجب فيه الحق عن الخلق ‪ ،‬والخلق عند الحق إذ نسب أثر كل‬
‫ّللا ‪ ،‬وهو ليس بغيرهم والنص المبين إذا وصله إلى مقام البقاء‬ ‫شيء إليه وال أثر إال ه‬
‫ّللا تعالى وإلى‬ ‫للميز مع التوحيد الخالص ‪ ،‬ثم ذكر أن ما خالفه من نسبة اآلثار إلى ه‬
‫المخلوقات ليس خطأ محضا ‪ ،‬بل صوابا نسبيها ؛ ألن الفعل ليس إال للوجود لكن في‬
‫صورهم ‪ ،‬فالنسبة إلى أحدهما نسبة مطابقة للواقع من وجه دون وجه ‪ ،‬مع ورود‬
‫وّللا‬
‫الشبه فيه من الجانبين ‪ ،‬وهذا هو الحق الصريح المانع عن الشبه فال مرية فيه ‪ ،‬ه‬
‫المرشد إلى تحقيق هذا المقام الذي هو صواب على اإلطالق ؛ إذ يتحقق به الشرع‬
‫والقدر جميعا والهادي إلى فهمه وأتباعه بمنه وكرمه ‪.‬‬
‫النص التاسع ‪:‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومن النصوص الكلية نصوص ذكرتها في كتاب مفتاح غيب‬ ‫قال رضي ه‬
‫الجمع وتفصيله ‪ ،‬وفي غيره من الكتب التي أنشأتها ال بكالم أحد من الناس ‪ ،‬فإن ذلك‬
‫ّللا من ذلك وأغناني بهبته الخاصة العلية عن العواري‬ ‫ليس من دأبي ‪ ،‬وقد عصمني ه‬
‫الخارجية السفلية ‪ ،‬غير أنه لما اختص هذا الكتاب بذكر هذه النصوص ‪ ،‬وجب ذكر‬
‫تلك النصوص أيضا هنا ‪] .‬‬
‫لما فرغ عن بيان أنواع التجليات من حيث كونها في المظاهر وغيرها ‪ ،‬وأن المظاهر‬
‫ال أثر لها في الظاهر ‪ ،‬وال للظاهر فيها على وجه حقيقي ‪ ،‬بل على نوع من المجاز ‪،‬‬
‫شرع في بيان‬

‫‪116‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 117‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١١٧‬‬

‫أن التجليات ال تكون في غير المظاهر ‪ ،‬وأن أثرها المجازي ‪ ،‬فيما ذا يكون ‪ ،‬وجعلها‬
‫من النصوص الكلية من حيث أنهما قاعدتان تنطبقان على جميع جزئياتها ‪ ،‬وإن كانا‬
‫جزئين بالنسبة إلى ما تقدم ‪.‬‬

‫ثم ذكرهما بلفظ الجمع على دأب أهل المعقول في استعمالها فيما فوق الواحد على أن‬
‫النص األخير في قوة نصين ‪ ،‬بل فيه فوائد كثيرة ‪ ،‬كل منها بمنزلة نص ‪ ،‬واعتذر عن‬
‫ذكرهما من أنهما ذكرا في سائر كتبه ومن دأبه أن ال يذكر ما هو مذكور مرة سواء‬
‫في كتبه أو كتب غيره ‪ ،‬بأن هذا الكتاب لما وضع شامال للنصوص ‪ ،‬ذكر فيه جميع ما‬
‫كان منها فيها بشروط كونها من كالمه ال من كالم غيره لما فيه من النقص من جهة‬
‫التعليل أو شبه ‪ ،‬وذكر أنه من العواري عن العيوب الخارجية ‪ ،‬أي الالحقة من الحجب‬
‫الطبيعية العارضة عند النزول إلى البشرية التي هي السفل المانعة عن خروج ما في‬
‫قوة النفس الناطقة من العلوم إلى الفعل ‪ ،‬وذكر أن عصمته منها بسبب الهيئات الخاصة‬
‫من التجليات المذكورة ‪.‬‬

‫وقال ‪ “ :‬أغناني “ ‪ :‬إشعارا بأن الغني عن التعليل إنما هو بالهيئات الخاصة وإال فال‬
‫‪ ،‬بل من تقليد المشايخ ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬فأقول من جملتها أن كل ما هو سبب في وجود كثرة وكثير ‪،‬‬


‫قال رضي ه‬
‫فإنه من حيث هو كذلك ‪ ،‬ال يمكن أن يتعين بظهور وال يبدو لناظر إال في منظور ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬من جملة تلك النصوص ؛ إن كل ما هو سبب في وجود كثيرة وكثير ‪ ،‬أوردهما‬
‫معا ‪ ،‬ليشعر باستلزام كل منهما لآلخر من حيث الحقيقة ‪ ،‬وإن توهم االنفكاك فيما بعد‬
‫واحد بجهة أخرى ‪ :‬كاإلنسان الواحد ‪ ،‬فإنه من حيث الشمول كثير ووحدته باعتبار‬
‫اعتبر السببية في وجودهما ‪ ،‬إذ تعقلهما كما في العلم األزلي ال يحتاج إلى المظهر ‪،‬‬
‫فإنه من حيث هو ‪ ،‬سبب وجودهما ‪ ،‬قيد بذلك ؛ ألن الحق سبب وجودهما وقد يتجلى‬
‫بدون المظهر ‪ ،‬لكنه من حيث أنه سبب ‪ ،‬ال يمكن أن يتعين بظهور إال في منظور‬
‫قيدنا ؛ ألنه ال يمكن تعينه في ذاته بأنه سبب الكثرة ‪ ،‬لكن ال يظهر على التفصيل بدون‬
‫مرايا األسماء والصفات والعقول والنفوس وسائر المراتب ‪ .‬هذا في رؤية الحق تعالى‬
‫ذاته من حيث هو سبب الكثرة ‪ ،‬فإن الرؤية التفصيلية المقيدة بالكثرة الفعلية ال يمكن‬
‫بدون ذلك ‪ ،‬وإن أمكن رؤية كونه سبب وجود الكثرة بالقوة ‪ ،‬وكذا ال يمكن أن يبدو‬
‫لناظر من العباد من حيث أنه‬

‫‪117‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 118‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١١٨‬‬

‫سبب وجود الكثرة إال في منظور ؛ ألن تجليه تعالى في غير المظهر ال يكون إال مع‬
‫الفراغ التام ‪ ،‬وال يمكن مع رؤية الكثرة ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومنها إن الشيء ال يصدر عنه ‪ ،‬وال يثمر ما يضاده ‪ ،‬وال ما‬ ‫قال رضي ه‬
‫يباينه على اختالف ضروب األثمار وأنواعه المعنوية والروحانية والمثالية والخيالية‬
‫والحسية والطبيعية ‪ ،‬وهذا عام في كل ما يسمى مصدرا لشيء أو أشياء ‪ ،‬أو أصال‬
‫مثمرا ‪ ،‬لكن إنما يكون له هذا الوصف باعتبار تعقله من حيث هو هو ‪ ،‬وباعتبار آخر‬
‫خفي ال يطالع عليه إال الندر من المحققين ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬من جملة تلك النصوص إن الشيء ال يصدر عنه قصدا وال يثمر إلى قصد ما‬
‫يضاده ‪ ،‬وهو ما بينهما غاية الخالف ‪ ،‬وال يباينه وهو ما بينهما مخالفة يمنع صدق‬
‫أحدهما على اآلخر مع اختالف ضروب ‪ ،‬أي ‪ :‬أجناس اإلثمار ‪ ،‬أي ‪ :‬األفعال اإللهية‬
‫‪ ،‬واختالف أنواع كل جنس منها المعنوية إلى المعاني المجردة والروحانية ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫األرواح والنفوس والمثالية ‪ ،‬أي ‪ :‬المنطبعة في الخيال المنفصل ‪ ،‬والحسية أي ‪:‬‬
‫األجسام وأوصافها والطبيعية ‪ ،‬أي ‪ :‬القوى الجسمانية ‪ ،‬وهذا ضابط عام في كل ما‬
‫يسمى مصدرا لشيء واحد ‪ ،‬كالمالئكة المخصوصة بأعمال أو أشياء كاإلنسان أو‬
‫أصال مثمرا كالعناصر والمولدات ‪ ،‬أعني المعدن والنبات والحيوان ‪ ،‬وذلك لوجوب‬
‫المناسبة بين الفاعل والمنفعل على ما تقرر في العلوم ‪ ،‬لكن إنما يكون له هذا الوصف‬
‫‪ ،‬أي كونه ال يصدر منه ما يضاده ‪ ،‬وال ما يباينه باعتبار تعقله من حيث هو هو ؛ ألن‬
‫المضادة والمباينة إنما تتحقق بالنسبة إليه ‪ ،‬إذا اعتبر وحده ‪ ،‬وأما مع الضميمة ‪،‬‬
‫فيجوز أن يحصل المناسبة بينهما بواسطتها ‪ ،‬ومن هنا اختلفت ضروب األثمار‬
‫وأنواعها ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ :‬أن هذا الوصف يكون له أيضا اعتبار آخر ‪ ،‬وال يطلع عليه‬
‫ثم ذكر رضي ه‬
‫إال النهدر من المحققين ‪ ،‬ولست منهم حتى أطلع عليه ‪ ،‬ولعله من حيث أن الضميمة قد‬
‫تكون أيضا مما يقتضي خالف ذلك الضد أو المثلين ‪ ،‬وذلك أن لكل شيء ربها خاصا ‪،‬‬
‫وله ظهور وتج هل أي ‪:‬‬
‫وقت معين ‪ ،‬وال يتأتى منه خالف مربوبه الخاص ‪ ،‬فافهم ذلك ‪“ .‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومتى توهم وقوع خالف ما ذكرنا ‪ ،‬فليس ذلك إال بشرط خارج‬‫قال رضي ه‬
‫عن ذات الشيء أو شروط وبحسبها وبحسب الهيئة المتعلقة الحاصلة من تلك الجمعية‬
‫أعني‬

‫‪118‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 119‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١١٩‬‬

‫جمعية الحقيقة الموصوفة بالمصدرية مع الشروط واالعتبارات الخارجية ‪ ،‬وأحكام‬


‫على شا َكلَ َت َه " ‪ [ " 1‬اإلسراء ‪:‬‬
‫المرتبة التي يتعين فيها ذلك اإلجماع ‪ ،‬و ُك ٌّل يَ ْع َم ُل َ‬
‫‪. ] 84‬‬
‫ومتى اعترض على هذه القاعدة الكلية بتوهم وقوع الضد والمباين أو إثمارهما من‬
‫الشيء ‪ ،‬فليس بوارد ؛ ألننا إنما منعنا صدور هما وإثمارهما من حيث تعقله من حيث‬
‫هو هو ‪ ،‬وهذا إنما وقع بانضمام شرط خارج عن ذات ذلك الشيء ‪ ،‬كالنفس الكلية عن‬
‫الحق بشرط العقل األول أو شروط كثيرة كسائر المراتب المذكورة ‪.‬‬

‫وإنما وقعت هذه األمور المتضادة والمتباينة بحسب تلك الشروط الخارجية ‪ ،‬وبحسب‬
‫الهيئة المتعلقة قبل ذلك ؛ إشعارا بعدم اشتراط الهيئة المحسوسة الحاصلة من تلك‬
‫الجمعية الحقيقية الموصوفة المصدرية واإلثمار ‪ ،‬أي التي يعتقد المتعرض أنها هي‬
‫المصدر المثمرة مع الشروط الخارجية ‪ ،‬ومع االعتبارات الخارجية الالحقة بالذات ‪،‬‬
‫أو بالشرط وبسبب هذا االجتماع ‪ ،‬ومع األحكام المترتبة التي يتعين فيها ذلك االجتماع‬
‫‪ ،‬أي اجتماع الشروط مع الحقيقة ‪ ،‬إذ بذلك تصير مرتبة معينة ‪ ،‬ولها أحكام ‪ ،‬فالمؤثر‬
‫هو المجموع ‪ ،‬ولكل جزء جزء فيه أثر خاص ‪ ،‬إذ كل جزء من تلك األجزاء المادية‬
‫والصورية تعمل على شاكلته ‪ ،‬وفيه اقتباس مع االستدالل على المطلوب ‪ ،‬فيبعد بذلك‬
‫على األصل بعدا قريبا وبعيدا ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وال يثمر شيء وال يظهر عنه أيضا عينه وال ما يشابه مشابهة‬‫قال رضي ه‬
‫تامة ‪ ،‬فإنه يلزم من ذلك أن يكون الوجود قد حصل مرتين ‪ ،‬وظهر في حقيقة واحدة‬
‫ومرتبة واحدة على وجه واحد ونسق واحد ‪ ،‬وذلك تحصيل للحاصل ‪ ،‬وأنه محال‬
‫لخلوه عن الفائدة ‪ ،‬وكونه من قبيل العبث ‪ ،‬ويتعالى الفاعل الحق الحكيم العليم من فعل‬
‫العبث ‪ ،‬فال بد من اختالف ما بين األصول وثمراتها ] ‪.‬‬

‫شرع فيما هو في معنى النص الثالث ‪ ،‬أي وكما ال يثمر وال يصدر عنه ما يضادهه وال‬
‫ما يباينه ‪ ،‬كذلك ال يثمر عينه ‪ ،‬وال مشابه من كل وجه حتى الحقيقة والمرتبة والوجه‬
‫والنسق ‪ ،‬والزمان والمكان وسائر العوارض‪.‬‬
‫‪...............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬أي ‪ :‬خليقته وملكته الغالبة عليه من مقامه ‪ ،‬فمن كان مقامه النفس ‪ ،‬وشاكلته‬
‫مقتضى طباعها عمل ما ذكرنا من اإلعراض واليأس ‪ ،‬ومن كان مقامه القلب ‪،‬‬
‫وشاكلته السجية الفاضلة عمل بمقتضاها الشكر والصبر‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 120‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٢٠‬‬

‫وإنما قال ‪ :‬أوال هنا ‪ ،‬وال يثمر إشعارا بأنه إذا لم يحصل من غير قصد ‪ ،‬فكيف من‬
‫القصد ‪ ،‬وإنما قال ‪ :‬وال يظهر ؛ دفعا لما يتوهم من أن المرآة يظهر فيها العين أو‬
‫المشابه من كل وجه ‪ ،‬ثم علل ذلك بأنه يلزم من ذلك أن يكون الوجود قد حصل ‪ ،‬ولما‬
‫لم يكن الوجود حادثا أصال لما بيناه عن وجوبه بالذات ‪ ،‬فسره بقوله ‪ :‬وظهر ‪ ،‬وإنما‬
‫أورد لفظ قد حصل ؛ ليناسب قوله ‪ :‬وذلك تحصيل الحاصل في حقيقة واحدة ‪ ،‬ومرتبة‬
‫واحدة على وجه واحد ونسق واحد ‪ ،‬وإنما ذكر هذه األمور ؛ ألن الحقيقة غير المرتبة‬
‫كما في الفرس والبقر في مرتبة واحدة وهي الحيوان مع اختالف حقيقتهما ‪ ،‬فإن‬
‫الفرس حيوان صاهل ‪ ،‬والبقر حيوان خائر ومعها غير الوجه ‪ ،‬فإنه باعتبار العوارض‬
‫والكل غير النسق ؛ ألنه باعتبار الهيئة المجموعية ‪ ،‬وذلك تحصيل للحاصل ‪.‬‬

‫أما إذا أثمر عينه فظاهر ‪ ،‬وأما إذا أثمر المشابهة من كل وجه ؛ فألنه في معنى العين‬
‫ّللا عنه‬
‫‪ ،‬وإال لفارقه من حيث نفسه وشخصه ‪ ،‬وهو من بعض الوجوه ‪ ،‬فكأنه رضي ه‬
‫إنما ذكره دفعا للوهم ‪ ،‬وإال فهو في معنى العين أيضا ‪.‬‬

‫ثم بيهن أنه محال لخلوه عن الفائدة ؛ ألنه ليس تحصيل الحاصل بالمعنى المشهور ؛‬
‫ألنه فسر الحصول بمعنى الظهور ‪ ،‬ال أنه فائدة فيه ‪ ،‬فظهوره تعالى لنفسه في نفسه‬
‫وما خال عن الفائدة فهو عبث ‪ ،‬وهو محال في فعل الحق ؛ ألن المبطل ال يبالي به‬
‫الحكيم ؛ ألن غيره قد يفعل ‪ ،‬العليم ألن غيره قد يفعله جهال ‪ ،‬وإذا كان كذلك ‪ ،‬فال بد‬
‫من االختالف ما بين األصول وثمراتها ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬فالممكنات غير متناهية ‪ ،‬والفيض من الحق الذي هو أصل‬


‫قال رضي ه‬
‫األصول واحد ‪ ،‬فال تكرار في الوجود عند من عرف ما ذكرنا ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ولهذا قال المحققون ‪ :‬إن الحق سبحانه وتعالى ما تجلى في صورة واحدة لشخص‬
‫واحد مرتين ‪ ،‬وال لشخصين أيضا في صورة ‪ ،‬فال ب هد من فارق واختالف من وجه ‪،‬‬
‫وّللا المرشد ] ‪.‬‬
‫أو وجوه ‪ ،‬كما أشرت إليه من قبل ‪ ،‬فافهم ه‬

‫استدالل آخر على امتناع تحصيل الحاصل بمعنى الظهور ‪ ،‬فأظهر لوجهين آخرين ‪:‬‬
‫أحدهما إن الممكنات غير متناهية على ما هو المشهور ‪ ،‬وكل يقتضي ظهورا ‪ ،‬فلو‬
‫تكرر الظهور ‪ ،‬زاد على غير المتناهي ‪ ،‬فلو قوبل كل ظهور بكل ممكن ‪ ،‬فإن لم‬
‫ينقطع الممكن قبل‬

‫‪120‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 121‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٢١‬‬

‫الظهور ‪ ،‬كان الناقص مثل الزائد ‪ ،‬وإن انقطع كان متناهيا ‪ ،‬وزيادة الظهور بقدر‬
‫منتهاه ‪ ،‬فينقطع أيضا ‪ ،‬فيكون غير المتناهي بل الزائد عليه متناهيا ‪ ،‬وهذا هو برهان‬
‫التطبيق في امتناع التسلسل ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬إن الفيض من الحق تعالى واحد وال يظهر من الواحد في مرآة واحدة‬
‫ظهورين ‪ ،‬وإذا عرفت المقدمتان وسلمنا ‪ ،‬فال تكرار في الوجود ‪.‬‬

‫ولهذا قال المحققون ‪ ،‬ومنهم أبو طالب المكي وأتباعه ‪ :‬إن الحق سبحانه وتعالى ما‬
‫تجلى في صورة واحدة لشخص واحد مرتين ‪ ،‬وإال لتعدد الفيض ضرورة ظهوره‬
‫ظهورين في مرآة واحدة في حالة واحدة ‪ ،‬والشيء الواحد ال يتعدد ظهوره في مرآة‬
‫واحدة في حالة واحدة ‪ ،‬وال لشخصين أيضا في صورة واحدة ‪ ،‬ولما كانت الممكنات‬
‫متناهية على نهج الجواز ‪ ،‬لكن عدم تناهيها واجب ؛ وذلك ألنه يجوز حينئذ أن يكون‬
‫الشخص الثاني تكرار الشخص األول ‪ ،‬وهكذا بالنسبة إلى الممكنات ‪ ،‬وما لم يظهر‬
‫ليس بممكن أن يظهر بالنسبة إلى العلم القديم ‪ ،‬فتكون الممكنات متناهية ‪ ،‬لكن هذا‬
‫الدليل إقناعي كما هو دأب المشايخ ‪ ،‬وإذا كان كذلك فال ب هد من فارق بين التجليين من‬
‫وجه ‪ ،‬وأقله التعدد ‪ ،‬أو وجوه باختالف الذاتيات أو العوارض أو المجموع ‪ ،‬وإذ امتنع‬
‫التكرار بالنسبة إلى الممكنات بعضها إلى بعض ‪ ،‬فبالنسبة إلى الحق ما يظهر منه‬
‫أولي ‪ ،‬فافهم هذا المقام ؛ لتعلم أن التجليات غير متناهية وغير مشابهة بعضها لبعض ‪،‬‬
‫وّللا المرشد‬
‫وأن الحق ال يشبه شيئا مما تجلى فيها ‪ ،‬وتعلم اختالف كشوف المشايخ ‪ ،‬ه‬
‫لك إلى معرفتها “ ‪. “ 1‬‬

‫النص العاشر ‪:‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬اعلم أن الحق لما لم يكن أن ينسب إليه من حيث‬ ‫نص شريف ‪ :‬قال رضي ه‬
‫إطالقه صفة أو اسم أو يحكم عليه بحكم ما سلبيها كان أو إيجابيها ‪ ،‬علم أن الصفات‬
‫واألسماء واألحكام ال يطلق عليه ‪ ،‬وال ينسب إليه إال من حيث التعينات ‪ ،‬ولما استبان‬
‫أن كل كثرة وجودية أو متعلقة ‪ ،‬يجب أن تكون مسبوقة بوحدة ‪ ،‬لزم أن تكون التعينات‬
‫التي من حيث ما تضاف األسماء والصفات واألحكام إلى الحق ‪ ،‬مسبوقة بتعين هو‬
‫مبدأ جميع التعينات ومحتدها ‪ ،‬بمعنى أنه ليس وراءه إال اإلطالق الصرف ‪ ،‬وأنه أمر‬
‫سلبي يستلزم سلب‬
‫‪.................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬فائدة ‪ :‬التجليات أنواع كثيرة ‪ ،‬انظر ‪ :‬لطائف األعالم للقاشاني ( ص ‪، 117‬‬
‫‪.) 123‬‬

‫‪121‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 122‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٢٢‬‬

‫األوصاف واألحكام والتعينات واالعتبارات من كنه ذاته سبحانه ‪ ،‬وعدم التقيد‬


‫والحصر في وصف أو اسم أو تعين أو غير ذلك مما عددنا ‪ ،‬أو أجملنا ذكره ] ‪.‬‬
‫لما ذكر في النص السابق إنه ال ب هد من اختالف ما ‪ ،‬بين األصول والثمرات من وجه‬
‫أو وجوه مبين هاهنا أن تفاوت االختالف ضعفا وشدة من قلة الوسائط وكثرتها ‪ ،‬مع ما‬
‫يترتب عليهما من العطايا والقابلين لها وأحكامها مع تقديم مقدمة في ذلك يدل على أنه‬
‫ال بد من واسطة ‪ ،‬وهي أن الحق لما لم يمكن أن ينسب إليه من حيث إطالقه السلبي‬
‫صفة وال اسم ‪ ،‬والصفة ما يقوم بذاته ‪ ،‬واالسم الذات مع الصفة ‪ ،‬أو يحكم عليه بحكم‬
‫ما ‪ ،‬سلبيها أو إيجابيا كالحياة والعلم والقدرة ‪.‬‬

‫اعلم أن الصفات واألسماء واألحكام الناشئة منهما ال تطلق عليه ‪ ،‬أي ال يحمل عليه‬
‫حمل المواطأة ‪ ،‬وال ينسب إليه حمل االشتقاق إال من حيث التعينات تكون بحسبها‬
‫الصفات واألسماء واألحكام ‪.‬‬

‫ّللا عنه ترتبها ؛ ليستدل بذلك على قلة الوسائط وكثرتها ‪ ،‬فقال ‪ :‬ولما‬ ‫ثم بيهن رضي ه‬
‫استبان ‪ ،‬أي ظهر بالبديهة والوجدان أن كل كثرة سواء كانت وجودية ‪ ،‬أي موجودة‬
‫في الخارج أو متعلقة ‪ ،‬أي موجودة في الذهن ‪ ،‬يجب أن تكون مسبوقة بوحدة ‪ ،‬فيكون‬
‫لكثرة التعينات وحدة تعين سابق عليها ‪ ،‬فلزم أن تكون التعينات التي هي مبادئ إضافة‬
‫األسماء والصفات واألحكام إليه ‪ ،‬مسبوقة بتعين هو مبدأ جميع التعينات ومحتدها ‪،‬‬
‫وإن سمي ذلك التعين بالمبدأ لعدم التميز هناك بين المبدأ والمبدأ ‪.‬‬

‫وإنما قلنا ‪ ،‬هو أصل الجميع ومبدؤها ‪ ،‬بمعنى أنه ليس وراء اإلطالق الصرف ‪ ،‬ولما‬
‫كان سلبيها يستلزم سلب األوصاف وأحكام التعينات ‪ ،‬وما عطف عليه ‪ ،‬فال يمكن جعله‬
‫مبدأ لها ‪ ،‬وإذا ترتبت التعينات ترتيب األسماء والصفات ؛ ألنها فروعها ‪.‬‬
‫وإنما قال ‪ :‬وعدم التقيد والحصر في وصف أو اسم أو تعين أو غير ذلك لما يتوهم‬
‫للمحجوبين من أن في اإلطالق تكون هذه األمور غير مرتبة ‪ ،‬فال واسطة تكون بين‬
‫اإلطالق واألشياء ‪.‬‬
‫ّللا عليه ‪ [ :‬ثم إن لذوي العقول السليمة ‪ ،‬وإن عدموا الكشف الصحيح أن‬
‫قال رضوان ه‬
‫يعتبروا الصفات واألسماء التالية ‪ ،‬فإن تعذر عليهم تعقل أسماء وصفات وراء‬

‫‪122‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 123‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٢٣‬‬

‫ما تصورت ‪ ،‬وانتهت إليه إدراكاتهم العقلية ‪ ،‬فتلك األسماء الذات بالنسبة إليهم ويستدل‬
‫بحقائقها في طور العقل النظري حال الحجاب ؛ لشمول حكمها وتبعية غيرها من‬
‫الصفات واألسماء لها وتوقف تعين ما بعدها عليها ]‬
‫‪.‬‬
‫إرشاد للمحجوبين من المتكلمين حيث أنكروا ترتب األسماء التالية وهي صفات األفعال‬
‫‪ ،‬وقد قال الشيخ أبو الحسن األشعري ‪ :‬إنها نسب حادثة مترتبة على الصفات القديمة ‪،‬‬
‫ثم إن تعذر عليهم تعقل أسماء وصفات وراء ما تصوره ‪ ،‬وقالوا بعدم كلها حتى‬
‫صفات األفعال كالحنفية ‪.‬‬

‫فنقول ‪ :‬ما هو المقدم هي صفات الذات بالنسبة إلى صفات األفعال ‪ ،‬ويستدل على ذلك‬
‫بشمول حكم صفات الذات للكل وتبعية غيرها من صفات األفعال ‪ .‬إذ يتوقف تعين ما‬
‫بعد صفات الذات من صفات األفعال عليها بحسب مقتضى حقائقها ‪ ،‬فإن حقائقها تدل‬
‫على أن بعضها متبوعة شاملة ‪ ،‬فيتوقف الباقي عليها وبعضها بخالفه داللة يفهمها من‬
‫في طور العقل النظري هو الحجاب ‪.‬‬

‫وقيد بذلك أفعال الكشف فال يحتاج إلى ذلك ‪ ،‬وقوله عطف تفسيري ‪ ،‬للتبعية وهذه‬
‫التبعية والتوقف ليس بالزمان ‪ ،‬فإن جميعها قديمة أزلية بمعنى أنها غير مسبوقة بالعدم‬
‫‪ ،‬لكن ترتيبها بحسب احتياجها إلى ما قبلها ‪ ،‬وهو الحدوث الذاتي الذي ال يقول به‬
‫المتكلمون ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬فالعطايا اإللهية الذاتية واألسمائية يعرف من هذه القاعدة ‪،‬‬
‫قال رضي ه‬
‫بمعنى أن كل عطاء وخير يصل من الحق إلى الخلق ‪ ،‬إما أن يكون عطاء ذاتيها أو‬
‫أسمائيها أو أن يكون مجموعا من الذات واألسماء ]‬
‫‪.‬‬
‫شروع في المقصود ‪ ،‬وجعل العطايا كلها إلهية ؛ ألنها ال تتعلق بالذات المطلقة ‪،‬‬
‫وفسرها بالخيرات الواصلة من الحق إلى الخلق ‪ ،‬فاحترز بالخيرات عن الشر المحض‬
‫‪ ،‬فإنه على تقدير وقوعه ال يسمى عطاء ‪ ،‬وكذا الواصل من ذات الحق إلى صفاته أو‬
‫إلى األعيان الثابتة ال يسمى بذلك ؛ ألن العطاء يشعر بسبق العدم ‪.‬‬
‫سم العطايا أوال إلى الذاتية واألسمائية باعتبار أن كل عطاء مبدؤه الذات ‪ ،‬من‬
‫وق ه‬
‫اعتبار اسم معين قيدنا بذلك إذ ال ب هد من الواسطة ؛ ألن الذات من حيث هي غنية عن‬

‫‪123‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 124‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٢٤‬‬

‫العالمين ‪ ،‬عطاء ذاتي ‪ ،‬وباعتبار اسم معين عطاء رسمي ‪ ،‬ثم إلى ثالثة أقسام باعتبار‬
‫أن ما يغلب فيه جهة الوجوب ‪ ،‬فعطاء ذاتي ‪ ،‬وما يغلب فيه جهة اإلمكان ‪ ،‬فعطاء‬
‫رسمي ‪ ،‬وما فيه الجهتان على التساوي أو قريبا فيه ‪ ،‬فعطاء مجموعي حاصل من‬
‫مجموع الذات واألسماء ‪ ،‬فافهم " ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬فأما العطايا الذاتية فال حساب عليها وال ينضبط تعيناتها بعدد ‪،‬‬
‫قال رضي ه‬
‫وال ينحصر فيه ‪ .‬وأما العطايا األسمائية والمنسوبة إلى الذات واألسماء جميعا ‪ ،‬فال‬
‫يخلو إما أن تكون نسبتها إلى حضرة الذات أقوى وأتم من نسبتها إلى حضرة األسماء‬
‫والصفات ‪ ،‬أو بالعكس ‪ ،‬فإن غلبت نسبتها إلى حضرة األسماء والصفات أو بالعكس ‪،‬‬
‫فإن غلبت نسبتها إلى األسماء والصفات على نسبتها إلى الذات ‪ ،‬وقع الحساب عليها‬
‫إما عسيرا أو يسيرا بحسب الغلبة والمغلوبية الواقعة هناك ‪ ،‬وهنا سر كبير ال يمكن‬
‫إفشاؤه وإن كانت نتيجة الغلبة والمغلوبية قوة نسبة تلك العطايا إلى حضرة الذات ‪،‬‬
‫فذلك الذي ال حساب عليه ؛ ألن العطاء الذاتي ‪ ،‬وما قويت نسبته إليها ال يصدر وال‬
‫يقبل إال بمناسبة ذاتية ‪ ،‬فال موجب لها غير تلك المناسبة ] ‪.‬‬

‫شروع فيما يترتب على هذه العطايا ‪ ،‬فأما العطايا الذاتية بالمعنيين فال حساب عليها ‪،‬‬
‫لما يأتي أن صدورها وقبولها لمناسبة ذاتية ‪ ،‬وال ينضبط تعيناتها إلى أنواعها‬
‫وأوصافها بعدد ال ينحصر من حيث اإلفراد فيه ‪:‬كتجليات الذات ال تتناهى ‪ ،‬وذلك‬
‫لقوة المناسبة بينهما ‪.‬‬

‫ثم قال ‪ “ :‬وأما العطايا األسمائية “ ‪ ،‬أي التي غلب فيها جهة اإلمكان والمنسوبة إلى‬
‫الذات واألسماء ‪ ،‬استوت فيها الجهتان أو قريبا من االستواء ‪ :‬فال يخلو إما أن تكون‬
‫نسبتها إلى حضرة الذات بالمعين األول إلى عدم اعتبار اسم معين أقوى وأتم أولى ‪،‬‬
‫فإن غلب نسبتها إلى األسماء والصفات باعتبار تعيناتها وقع الحساب عليها باعتبار‬
‫األفراد والدوام وعدمها ؛ ألن لسلطنة كل اسم حدا معلوما من المربوبات واألوقات ‪،‬‬
‫وينقسم ذلك الحساب إلى عسير وهو الموجب للعذاب ‪ ،‬ويسير وهو الموجب للثواب ‪.‬‬

‫ُ‬
‫ب َحسابا ً يَ َسيرا ً ( ‪َ ) 8‬ويَ ْنقَ َل ُ‬
‫ب‬ ‫س ُ‬
‫ف يُحا َ‬
‫س ْو َ‬ ‫قال تعالى ‪:‬فَأ َ هما َم ْن أوتَ َ‬
‫ي َكتابَهُ َبيَ َمينَ َه ) ‪ ( 7‬فَ َ‬
‫س ُروراً( ‪ [ ) 9‬االنشقاق ‪. ] 9 ، 8 ، 7 :‬‬ ‫َإلى أ َ ْه َل َه َم ْ‬
‫ثم قال ‪ :‬بحسب الغلبة والمغلوبية نفيا لزعم من يتوهم أن بعض األسماء يقتضي‬

‫‪124‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 125‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٢٥‬‬

‫الحساب دون البعض ‪ ،‬فأكد لتيقنه ‪ ،‬وقال سرا كبيرا ال يمكن إفشاؤه ‪ ،‬وقرر ذلك أن‬
‫األسماء راجعة إلى الذات ‪ ،‬فالحساب وإن عسر لبعض األسماء رجع إلى ما ال حساب‬
‫فيه ‪ ،‬وهو الرحمة وإن كانت في صورة العذاب ؛ وذلك ألن العذاب لما كان حكمه ففيه‬
‫مناسبة عقلية ألفعالهم ‪ ،‬وفيه من كمال الحكمة ما يلتذ به من حيث العقل ‪ ،‬وإن كان‬
‫يتألم من حيث الطبع ‪.‬‬

‫ولعل العقل يغلب عليهم في اآلخرة على الطبع ‪ ،‬على أن تجليات أهل العذاب ال ب هد‬
‫وأن تكون أسمائية ‪ ،‬فال ب هد من انتهاء عذابهم بوجه من الوجوه ‪ ،‬وهو ما ذكرناه ‪ ،‬وقد‬
‫ّللا عنه ‪ ،‬وقد مر بحث هذه النسبة لكثرتها في‬ ‫صرح بذلك الشيخ محيي الدين رضي ه‬
‫الواقع ‪ ،‬وإن كانت نتيجته أي أثر ما وقع من الغلبة والمغلوبية قوة نسبة تلك العطايا‬
‫إلى حضرة الذات ‪ ،‬وأورد هذه العبارة إشعارا بلزوم لزوم النتيجة للقياس الصحيح‬
‫بخالف النسبة إلى األسماء ‪ ،‬فإنها غير الزمة لجواز تبدلها ‪.‬‬

‫فذلك الذي عليه أورد بصيغة الحصر إشعارا بانحصار عدم الحساب في هذا القسم من‬
‫بين القسمين ‪ ،‬ولو أورد هذه الصيغة في هذه العطايا الذاتية ؛ ألوهم وجوب الحساب‬
‫فيما سواه حتى هذا القسم ‪.‬‬

‫ثم علل عدم الحساب في الموضعين بقوله ‪ “ :‬ألن العطايا الذاتية “ ‪ ،‬أي ‪ :‬المذكورة‬
‫أوال ‪ ،‬وما قويت نسبة إليها ‪ ،‬وهذا هو القسم األخير ‪ ،‬ال يصدر من الفاعل ‪ ،‬وال يقبل‬
‫من جهة القابل إال لمناسبة ذاتية فيهما ‪ ،‬وبالذات ال يزول أبدا وال يتوقف ‪ ،‬لكنه يختص‬
‫بالرحمة ؛ ألن نسبة الرحمة إلى الذات أسبق من نسبة الغضب ‪ ،‬ولما كان في القسم‬
‫األخير جهة األسماء ظاهرة ‪ ،‬فأوهم أنه من جهة الذات ال حساب فيه ‪ ،‬ومن جهة‬
‫األسماء فيه حساب يفي ذلك بأنه ال موجب لها غير تلك المناسبة المغلوبة ال أثر لها ‪،‬‬
‫فافهم ‪“ .‬‬

‫ّللاُ‬
‫‪:‬و ه‬‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومن لم يعرف هذا األصل ‪ ،‬لم يعلم حقيقة قوله تعالى َ‬ ‫قال رضي ه‬
‫ب[ البقرة ‪، ] 212 :‬‬ ‫يَ ْر ُز ُق َم ْن يَشا ُء بَغَي َْر َحسا ٍ‬
‫ب [ص ‪ ، ] 39 :‬ونحو ذلك‬ ‫امنُ ْن أ َ ْو أ َ ْم َس ْك َبغَي َْر َحسا ٍ‬
‫عطاؤُنا فَ ْ‬‫وال سر قوله تعالى ‪:‬هذا َ‬
‫ّللا‬
‫مما تكرر ذكره في الكتاب العزيز ‪ ،‬وفي األحاديث النبوية أيضا مثل قوله صلى ه‬
‫عليه وسلم ‪ “ :‬أنه يدخل الجنة من أمته سبعون ألفا بغير حساب‬

‫‪125‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 126‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٢٦‬‬

‫ومع كل ألف سبعون ألفا “ " ‪. " 1‬‬


‫هؤالء أصحاب العطايا األسمائية غير أن نسبتهم إلى حضرة الذات أقوى من نسبتهم‬
‫إلى حضرة األسماء والصفات ؛ ولهذا تبعوا أصحاب المناسبة الذاتية وشاركهم في‬
‫أحوالهم ‪ ،‬فاعلم ذلك ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬ومن ال يعرف أن العطايا الذاتية ‪ ،‬وما غلبت نسبتها إلى الذات ال حساب عليها ‪،‬‬
‫ّللاُ يَ ْر ُز ُق َم ْن يَشا ُء َبغَي َْر َحسا ٍ‬
‫ب[ البقرة ‪ ] 212 :‬أي ‪:‬‬ ‫‪:‬و ه‬‫لم يعلم حقيقة قوله تعالى َ‬
‫العلة الدالة عليه بطريق اللهمية ‪.‬‬
‫ّللا تعالى اسم جامع للذات‬
‫فهذا عطاء أسمي غلب من النسبة إلى الذات بدليل أن ه‬
‫والصفات ‪ ،‬كما أن الذات عالية فيه ‪.‬‬

‫وهو عال في دنوه دان في علوه ‪ ،‬وكذا المشيئة فوق اإلرادة ‪ ،‬فلها نسبتها إلى الذات‬
‫أيضا ‪ .‬ومعنى قوله ‪ :‬بغير حساب حصوال وتوقيتا ‪ ،‬وال يعلم سر قوله تعالى ‪:‬هذا‬
‫عطاؤُنا[ ص ‪ ، ] 39 :‬أي ‪ :‬عطاء ذاتي ال يترتب عليه تكليف وال جزاء حتى من جهة‬ ‫َ‬
‫اإلرشاد الذي يرد ألجله الكمل من الحق إلى الخلق ‪ ،‬فامنن بتعليم من شئت أو أمسكه ‪،‬‬
‫فإنه بغير حساب ‪ ،‬فلذا أ ه‬
‫خره ‪.‬‬

‫وإنما قال ‪ :‬أوال حقيقة إشعارا بأنه مستقر في القلوب ؛ لتعلقه باألسماء الظاهرة ‪ ،‬وثانيا‬
‫وسرا إشعارا بأنه متعلق بالذات التي هي أعظم األسرار الغيبية ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬وفي األحاديث النبوية أيضا أن ال حساب على هذين القسمين من العطايا ‪ ،‬أي‬
‫المنسوبة إلى الذات وحدها وما غلب نسبتها إلى الذات ‪.‬‬
‫فالقسم األول ‪ :‬سبعون ألفا ‪ ،‬واإلشارة إلى ذلك في الحديث أنهم متبوعون ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬ومع كل ألف سبعون‬ ‫والقسم الثاني ‪ :‬وما أشار إليهم بقوله صلى ه‬
‫ألفا “ “ ‪ ، “ 2‬هؤالء أصحاب العطايا األسمائية ‪ ،‬غير أن نسبتهم إلى الحضرة‬
‫الذاتية أقوى من جهة غلبة جهة الوجوب‪.‬‬
‫‪...........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه الترمذي ( ‪ ، ) 626 / 4‬وابن ماجة ( ‪ ، ) 1433 / 2‬وأحمد ‪( 5 /‬‬
‫‪268 ) .‬‬
‫) ‪( 2‬تقدم في سابقه‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 127‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٢٧‬‬

‫ولعل السر في العدد األول أنهم على عدد الحجب اإللهية ‪ ،‬وفي الثاني أن كل ألف‬
‫استتبع العدد المذكور ؛ ألن بهذا االجتماع إلى عدد األلف تكون المناسبة في الغاية ‪،‬‬
‫فتجعل أصحاب المناسبة االسمية مع قوتها تابعة لها ‪ ،‬وأشار بقوله ‪ :‬ولهذا تبعوا‬
‫أصحاب المناسبة الذاتية ‪ ،‬إلى أن الحكم للغالب حتى إنه شاركهم في أحوالهم كلها ؛‬
‫وذلك ألن التابع قد يبلغ بالتبعية ما ال يبلغ باالستقالل ‪ ،‬فلذلك قال ‪ :‬فاعلم ذلك ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وإذ قد ذكرنا أقسام العطايا وأحكامها ‪ ،‬فلنذكر أقسام القابلين لها‬
‫قال رضي ه‬
‫فإنهم في أخذهم على طبقات يتعدد بحسب سؤاالتهم االستعدادية أو الحلية أو المرتبية‬
‫أو الروحانية أو الطبيعية المزاجية أو الطبيعية العرضية التي يترجم عنها لسان الطالب‬
‫القابل ] ‪.‬‬

‫لما فرغ عن أقسام العطايا ‪ ،‬أي الذاتية واألسمائية والمنسوبة إليهما وما يترتب عليهما‬
‫‪ ،‬ذكر أقسام القابلين لتلك األقسام ‪ ،‬لكونهم في قبولها على طبقات متفاوتة ‪ ،‬فانقسمت‬
‫ّللا عنه أن طبقاتهم تتعدد بحسب سؤاالتهم ‪.‬‬ ‫العطايا بأقسامهم أيضا ‪ ،‬وبين رضي ه‬
‫الطبقة األولى ‪ :‬السؤاالت الحالية ‪ ،‬والحال القابلة الفائضة االستعدادية ‪ ،‬إذ هو القابلية‬
‫الفائضة بالفيض األقدس على الشأن اإللهي ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬السؤاالت المقدسة عن األعيان الثابتة ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬السؤاالت المرتبة ما يعم كل مرتبة من مراتب النزول ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬السؤاالت المختصة ببعض المراتب كالروحانية ‪ ،‬أي المنسوبة إلى الروح ‪،‬‬
‫وما يناسبه من القلب والنفس ‪ ،‬وكالطبيعية المزاجية المتعلقة بالبدن من حيث تركيبه‬
‫من العناصر ‪ ،‬وكالطبيعة العرضية ‪ ،‬أي العارضة بحسب الدواعي الحاصلة من القوة‬
‫الجسمانية ‪.‬‬

‫وهذه السؤاالت الناشئة من الطبيعة هي التي ترجم عنها ‪ ،‬أي باأللفاظ الدالة عليها بعد‬
‫استقرارها في القلب بلسان الطالب ‪ ،‬وفيه إشعار بأن الداعي إنما يستجاب له ‪ ،‬إذا كان‬
‫ّللا تعالى بالمعرفة التامة والمطاوعة الكاملة القابلة ‪ ،‬إذ سؤال ما ال يمكن ‪،‬‬
‫طالبا من ه‬
‫ال يفيد اإلجابة كسؤال النبوة في هذا الزمان ‪ ،‬وأما السؤاالت المتقدمة فليست مما يتلفظ‬
‫بها‬

‫‪127‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 128‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٢٨‬‬

‫أصال ‪ ،‬فافهم “ ‪“ . 1‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬وعلى الجملة فأعلى مراتب القابلين في قبولهم لما يرد عليهم‬
‫قال رضي ه‬
‫من فيض الحق وعطاياه ‪ ،‬رؤية وجه الحق في الشروط واألسباب المسماة بالوسائط ‪،‬‬
‫وسلسلة الترتيب بحيث يعلم األخذ ‪ ،‬ويشهد أن الوسائط السببية ليست غير تعينات‬
‫الحق في المراتب اإللهية والكونية ‪ ،‬على اختالف ضروبها بمعنى أنه ليس فيض الحق‬
‫المقبول وبين القابل إال نفس تعين الفيض بالقابلية المقيدة دون انضمام حكم إمكاني‬
‫يقتضيه ‪ ،‬ويوجبه أثر مرور الفيض على مراتب الوسائط واالنصباغ بأحكام‬
‫إمكاناتها ] ‪.‬‬

‫يعني ‪ :‬إن في كل قسم من األقسام اآلخذين بحسب سؤاالتهم المذكورة تفاوتا آخر ‪،‬‬
‫فأعلى مراتب القابلين سواء قبله بسؤال االستعداد أو الحال أو غيرهما في قبولهم قيد‬
‫بذلك ‪ :‬إما بحسب السؤال قدر لما يرد عليهم من فيض الحق وحدهم ؛ ألنه في األصل‬
‫واحد ‪ ،‬ومن عطاياه المفصلة لذلك الفيض ‪ ،‬أوردهما معا ؛ ليشعر بأن رؤيتهم وجهه‬
‫تعالى في اإلجمال والتفصيل على نهج واحد رؤية وجه الحق في الشروط واألسباب ‪.‬‬
‫والشرط ما يتوقف الشيء من غير تأثير فيه ‪ ،‬والسبب ما يتوقف عليه مع التأثير‬
‫ذكرهما يشعر برؤية وجهه فيما يؤثر ‪ ،‬وما ال يؤثر المسماة بالوسائط ؛ لتوسطها بين‬
‫الفيض األول والقابل ‪ ،‬وبسلسلة الترتيب أي ترتيب الموجودات الفائضة في األلوهية‬
‫إلى‬
‫‪...............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬فائدة ‪ :‬قال سيدنا الشعراني ‪ :‬أن الحق لما أحب الظهور من ذاته لذاته بمقتضى‬
‫ذاته قسم صفات ذاته قسمين من غير تعدد في العين ‪ ،‬فسمى أحد القسمين بالواجب‬
‫والقديم والرب والفاعل ‪ ،‬وسمى القسم الثاني بالممكن والمحدث والعبد والمنفعل ‪ ،‬فأول‬
‫ما ظهر من ذلك القسم الثاني محل حكمي سماه بالهيولي والقبولي ‪.‬‬
‫قال الشيخ األكبر ‪ :‬ولوال أن القسم الثاني عينه ونسخته لما صح العبد التخلق باألسماء‬
‫والصفات ‪ ،‬فأنت الحي وأنت العليم ‪ ،‬وأنت القدير وأنت المريد ‪ ،‬وأنت السميع وأنت‬
‫البصير ‪ ،‬وأنت المتكلم ‪ ،‬وهذه السبعة هي أمهات الكمال وأئمة األسماء والصفات ‪،‬‬
‫وقد سميت بها ظاهرا ‪ ،‬وأطال في ذلك فمن وجد فهما فليوضحه ‪ ،‬وإال فليضرب عليه‬
‫‪ ،‬وإنما أثبته لك هنا ؛ ألنه كالم مائل للتوحيد المجرد ‪ ،‬وقوله ‪ :‬فللحقيقة دقائق ‪ ،‬المراد‬
‫بالحقيقة هنا ‪ :‬الحقيقة اإللهية والدقائق هي المعاني الكمالية التي هي أعيان األسماء‬
‫والصفات المظهرة لحقائقها في ذوات الموجودات على سائر النعوت والنسب‬
‫واإلضافات واالعتبارات ‪ ،‬فهي هوية شيء واحد من كل الوجوه بالذات ‪ [ .‬مختصر‬
‫الفتوحات المكية ] تحت قيد التحقيق والطبع‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 129‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٢٩‬‬

‫اإلنسانية ‪.‬‬
‫وذكر هذين االسمين ‪ ،‬ليشعر بعمومهما األسباب والشرائط ‪ ،‬غير اختصاص الوسائط‬
‫بالشرائط ؛ ألن السبب القريب واسطة بين المؤثر الحقيقي والقابل ‪ ،‬فكيف للبعيد ‪،‬‬
‫والختصاص سلسلة الترتيب باألسباب ‪ ،‬إذ الشرائط لم تدخل في سلسلة المؤثرات لكنها‬
‫داخلة في سلسلة الموجودات المرتبة ‪ ،‬فيرى في الكل وجه الحق بحيث يعلم األخذ إن‬
‫كان من أهل العلم ‪ ،‬ويشهد إن كان من أهل العين ‪ ،‬إن الوسائط النسبية خاص ذكرها ؛‬
‫ألن هذه المؤثرات إذا كانت عين الحق مع ظهور استقاللها ‪ ،‬ال تقوم بذاته ‪ ،‬فغير‬
‫المؤثرة أولى أن ال تستقل بل تقوم ‪ ،‬وليستا بالحق غير تعينات الحق في المراتب‬
‫اإللهية كاألسماء والصفات ‪ ،‬والكونية كالنار والماء في اإلحراق واإلغراق على‬
‫سة بعضها ‪ ،‬ال يوجب‬ ‫اختالف ضروب األسباب والشرائط ‪ ،‬ذكر ذلك ليشعر أن خ ه‬
‫كونه غير تعينه لعلو جنابه ‪ ،‬أو ال يقال لو كان الكل تعيناته لتساوت بأن تقاربت ‪ ،‬فهذا‬
‫التفاوت إنما هو من النسب واالعتبارات ‪ ،‬وكونها عين تعينات الحق ‪ ،‬يتوقف على‬
‫مقدمتين ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬أنه ليس شيء بين فيض الحق المعنوي األول قيد به ؛ ألنه المحجوب يتوهم‬
‫أن بينه وبين القابل المحسوس وسائط كثيرة هي غير ذلك الفيض ‪ ،‬وال يتوهم بين‬
‫الفيض الحسي وبين القابل واسطة ‪ ،‬ولو لم يذكره ربما يتوهم أن المراد هو الفيض‬
‫الحسي ‪ ،‬فال يتم التقريب من أن الوسائط عين الفيض المعنوي ‪ ،‬وبين القابل من‬
‫األمور الحسية إال نفس تعين الفيض األول بالقابلة المقيدة بمرتبة إلهية أو كونية ‪ ،‬وال‬
‫ينضم إلى ذلك الفيض المعنوي حكم إمكاني حتى يكون المجموع من الفيض والحكم‬
‫واسطة بين الفيض المعنوي والقابل ‪ ،‬وذلك الحكم اإلمكاني هو الذي يقتضيه ويوجبه ‪.‬‬

‫إنما ذكر هما ؛ ليعلم أنه سواء كان باالختيار أو اإليجاب ‪ ،‬أثر مرور الفيض على‬
‫مراتب الوسائط ‪ ،‬وإنما ذكر األثر ؛ لئال يتوهم كون المرور يوجب حكما إمكانيها في‬
‫الفيض وإن لم يؤثر فيه ‪ ،‬وليس كذلك ؛ ألن حكم الشيء هو األثر الثابت ‪ ،‬وذلك األثر‬
‫هو انصباغ الفيض بأحكام إمكانات الوسائط ‪ ،‬ويدل على أن الفيض لم ينضم إليه‬
‫مر عليها ؛ ألن أحكام إمكانات الوسائط قائمة بالوسائط ‪،‬‬
‫أحكام إمكانات الوسائط التي ه‬
‫والعرض الواحد ال يقوم بسببين‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 130‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٣٠‬‬

‫نعم حصل لذلك الفيض بالمرور عليها تعين ‪ ،‬فالوسائط تعينات الفيض ‪ ،‬هذه مقدمة‬
‫ّللا عنه ‪:‬‬
‫واألخرى أن تعينات الفيض هي تعينات الحق وبيانها ‪ ،‬بما قال الشيخ رضي ه‬
‫[ويرى الفيض أنه تج هل من تجليات باطن الحق ‪ ،‬فإن تعددات التعينات التي لحقته ‪،‬‬
‫هي أحكام االسم الظاهر من حيث أن ظاهر الحق مجلي لباطنه ‪ ،‬فأحكام الظهور تعدد‬
‫مطلق وحدة البطون ‪ ،‬وتلك األحكام هي المسماة بالقوابل ‪ ،‬وهي صور الشؤون ليس‬
‫وّللا يقول الحق ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم] ‪.‬‬‫غيرها ‪ ،‬فافهم ه‬

‫بيان لكون تعينات الفيض ‪ ،‬هي تعينات الحق ‪ ،‬بأن يرى الفيض تجليا من تجليات‬
‫باطن الحق ‪ ،‬قيد بذلك ؛ ألن له تجليات كثيرة من جهة الظاهر ‪ ،‬ويدل على كونه من‬
‫تجليات الباطن ‪ ،‬أنه لحقه التعدد ‪ ،‬فإن الفيض يتكثر بتكثر القوابل ‪ ،‬والتعددات من‬
‫أحكام االسم الظاهر ‪ ،‬فالفيض هو االسم الظاهر ‪ ،‬والفيض تج هل من تجليات الحق‬
‫بالحق ‪ ،‬من حيث أنه ظاهر الحق مجلي لباطنه بأحكام الظهور بعدد مطلق وحدة‬
‫البطون إلى الوحدة التي كانت للباطن ‪ ،‬وهذه مطلقة ال في مقابلة الكثرة ‪ ،‬بل مشتملة‬
‫على الكثرة ‪.‬‬

‫فأحكام االسم الظاهر أظهرت تلك بالكثرة منها ‪ ،‬وتلك األحكام االسم الظاهر هي‬
‫المسماة بالقوابل وهي األعيان الثابتة ‪ ،‬واألعيان الثابتة صور شؤون الحق ‪ ،‬فتلك‬
‫األحكام في االسم الظاهر ‪ ،‬صور شؤون الحق التي هي أحكام االسم الباطن ‪ ،‬وصور‬
‫الشيء تعيناته فهي تعينات الحق ‪ ،‬فالوسائط هي عين تعيناته ‪ ،‬وليس غيرها بطريق‬
‫األولى ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا يقول‬
‫هذا هو ما يمكن استنباطه من العبارة الدالة على التوحيد على وجه الكشف ‪ ،‬و ه‬
‫الحق الذي هو عين التوحيد الذي ال كثرة فيه أصال ‪ ،‬وإال فالعبارة ال ب هد وأن تدل على‬
‫التوحيد الذي هو المصدر والموحد اسم الفاعل والموحد اسم المفعول وعلى المبتدأ‬
‫والخبر ‪ ،‬ويهدي من يشاء من عباده إلى صراط مستقيم من التوحيد الذوقي الذي ال‬
‫يمكن العبارة عنه ‪ ،‬وإنما يقابله بالمشيئة ؛ ألنه فوق اإلرادة ولعله محض الهداية ‪ ،‬أي‬
‫ال مدخل فيها للكسب ‪ ،‬إذ ال مدخل لألدلة العقلية والنقلية هناك ‪ ،‬وجعله الصراط‬
‫ّللا تعالى عما يشركون‪.‬‬
‫المستقيم ؛ ألن ما دونه ال يخلو عن دعوى مشاركة مع ه‬

‫‪130‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 131‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٣١‬‬

‫النص الحادي عشر ‪:‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬نص جلي وضابط كلي يفيد معرفة المطاوعة واإلجابة اإللهيتين‬ ‫قال رضي ه‬
‫وإباء هما ] ‪.‬‬
‫لما فرغ عن بحث القابلين شرع في بحث من يجاب منهم ومن ال يجاب ‪ ،‬ولما كانت‬
‫اإلجابة مشبهة بامتثال األمر بمشابهة الدعاء باألمر في الصيغة ‪ ،‬س هماها مطاوعة على‬
‫االستعارة التحقيقية ‪ ،‬ثم فسرها باإلباء لدفع الوهم ‪ ،‬وقد ورد بهذه االستعارة الحديث‬
‫المذكور بعد ‪ ،‬والسر في ورودها التنبيه على علو مرتبة المطيع بأنه يصير مطاعا‬
‫لمن يطيعه الكل طوعا أو كرها ‪ ،‬وهو وإن كان مجازا يفيد زيادة رغبة في اإلطاعة‬
‫الموجبة لذلك ‪ ،‬وذكر أن هذا النص جلي تنبيها على أنه ال يحتمل التشكيك بعد قبول‬
‫بعض األدعية ‪ ،‬فلذلك قال تصريحا بهذا المعنى وضابط كلي ‪ ،‬وأكد بلفظ كلي مع أن‬
‫الضابط ال يكون إال كليها ؛ ليدل على أنه ال خالف بوجه من الوجوه ‪.‬‬
‫وإنما قال ‪ :‬يفيد ‪ ،‬ولم يقل في معرفة التصريح بأن هذه المعرفة الزمة لهذا الضابط‬
‫كالنتيجة للقياس زيادة في التأكيد وذكر إباءهما أيضا ؛ ألن الشيء كثيرا ما يعرف‬
‫بضده ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬اعلم أن الميزان التام الصريح والبرهان الذوقي المحقق‬


‫قال رضي ه‬
‫الصحيح في معرفة متى يكون العبد من المطيعين لربه ‪ ،‬ومتى تسرع إليه اإلجابة‬
‫اإللهية في عين ما يسأله فيه دون تعويق وال تأخير ‪ ،‬هو صحة المعرفة وكمال‬
‫المطاوعة ‪ ،‬فاألصح معرفة بالحق واألصح تصورا له تكون اإلجابة إليه في عين ما‬
‫سأل فيه أسرع ‪ ،‬واألتم مراقبة ألوامر الحق ‪ ،‬ومبادرة إليها بكمال المطاوعة ‪ ،‬يكون‬
‫مطاوعة الحق له أيضا أتم من مطاوعته سبحانه لغيره من العبيد ] ‪.‬‬

‫الميزان اسم لما يمكن أن يعرف به مقدار الشيء في الثقل والخفة ‪ ،‬والبرهان اسم‬
‫للقياس المركب من األقيسة على هيئة منتجة ‪ ،‬واستعير للقاعدة المذكورة إشعارا بأنها‬
‫ال تحتمل الزيادة والنقصان والتشكيك ‪ ،‬ووصف الميزان بالتام ؛ ألن الناقص ال يدل‬
‫على المقدار بحيث ال يحتمل الزيادة والنقصان وبالصريح ؛ ألن من الميزان ما ال‬
‫يعرف كونه على وجه الكمال والصحة ‪ ،‬بل يكون أمره مشتبها ‪ ،‬فبيهن أنه ال نقصان‬
‫فيه وال اشتباه ‪ ،‬وإن كان ببعض البديهيات يحتمل التشكيك بحسب العبارة ‪ ،‬وإن لم‬
‫يحصل به الشك في قلب السامع كشبهات السوفسطائية والسفيه في البديهيات‬
‫والنظريات‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 132‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٣٢‬‬

‫ووصف البرهان بالذوقي ؛ ليشعر بأن مقدماته وإن لم تكن محسوسة فهي محدوسة ‪،‬‬
‫ولما كان في الحدس احتمال اشتباه ‪ ،‬وصفه بالمحقق ‪ ،‬ولما كان في المغالطات ما‬
‫يشبه البرهان ‪ ،‬وصفه بالصحيح ‪.‬‬

‫وإنما بالغ هذه المبالغة في تشبيه القاعدة المذكورة بالميزان والبرهان ‪ ،‬لما ذكرنا من‬
‫كثرة الداعين مع قلة اإلجابة حتى توهم من ذلك أنه ال يمكن ضبط ما يفيد معرفة محل‬
‫اإلجابة ‪.‬‬

‫وإنما قال هنا ‪ :‬في معرفة متى يكون العبد من المطيعين لربه ‪ ،‬وقد قال ‪ :‬أوال في‬
‫معرفة المطاوعة واإلجابة اإللهيين ؛ ألن إطاعة العبد ملزومة لطاعة الحق ‪،‬‬
‫والمطلوب إثبات الالزم ‪ ،‬فذكر أوال ما هو المطلوب ‪ ،‬وثانيا قدم ذكر وجود الملزوم‬
‫ليدل على وجود الالزم ‪ ،‬ولم يفعل ذلك في اإلجابة ؛ ألنها ليست ملزومة للمعرفة ‪ ،‬إذ‬
‫قد يحصل بدونها عند االضطرار ‪ ،‬فأبقاها على المنهج األول وقيد اإلجابة بكونها في‬
‫عين ما يسأله ؛ ألن اإلجابة المطلقة حاصلة لكل معين إما بالقول ‪ ،‬وهو لبيك عبدي ‪،‬‬
‫وإما بالفعل مؤخرا ومفوضا عن المسؤول عنه في الحال ‪ ،‬أو مؤخرا وجعل سبب‬
‫اإلجابة صحة المعرفة ‪ ،‬وسبب المطاوعة اإللهية كمال مطاوعة العبد على اللف‬
‫والنشر المشوش ‪.‬‬
‫وإنما جعل كذلك ؛ ألن مرتبة المطاوعة أعظم ‪ ،‬فقدمها أوال ‪ ،‬واإلجابة بالنسبة إليها‬
‫كالمفرد من المركب ‪ ،‬فقدمه ثانيا ‪.‬‬

‫ولما كان في العبارة هاهنا نوع اشتباه فصله ‪ ،‬فقال ‪ :‬فاألصح معرفة بالحق ‪ ،‬ولما‬
‫كانت المعرفة تستعمل في التعقل غالبا ‪ ،‬فسرها بقوله “ ‪ :‬واألصح تصورا له “ ‪،‬‬
‫وإنما أورد هما ؛ لئال يتوهم من التصور أنه له تعالى صورة يتقيد فيها ‪ ،‬تكون اإلجابة‬
‫اإللهية في عين ما سأل فيه أسرع ‪ ،‬وذلك بأن يراه في كل شيء غير انحصار ‪ ،‬وال‬
‫حلول فيها وال اتحاد بها ‪ ،‬واألتم مراقبة ألوامر الحق بأن ينظر على عباراته وإشاراته‬
‫‪ ،‬ويأخذ باألحوط والعزائم منها ‪ ،‬والنواهي داخلة ؛ ألن المنهيات تركها مأمور‬
‫ومبادرة إليها بالفعل كمال المطاوعة بأن يكون على االجتهاد الكامل يكون مطاوعة‬
‫الحق له أيضا أتم من مطاوعته سبحانه لغيره من العبيد ‪ ،‬سواء كانوا أعداءه ‪ ،‬فلم يكن‬
‫الحق مطيعا لهم أصال ‪.‬‬

‫ّللا أن أكثر أدعيتهم‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬ولهذا كان مقتضى حال األكابر من أهل ه‬
‫قال رضي ه‬
‫مستجابة‬

‫‪132‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 133‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٣٣‬‬

‫باّلل ‪ ،‬والتصور له وإليه اإلشارة بقوله ‪:‬ا ْد ُ‬


‫عونَي‬ ‫لكمال المطاوعة وصحة المعرفة ه‬
‫أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم [ غافر ‪ ، ] 60 :‬فالعديم المعرفة الصحيحة الشهودية النسبي التصور ‪،‬‬
‫عونَي أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم [ غافر ‪، ] 60 :‬‬
‫ليس بداع للحق الذي ضمن له اإلجابة بقوله له ‪:‬ا ْد ُ‬
‫وإنما هو متوجه في دعائه إلى الصور الشخصية في ذهنه الناتجة من نظره وخياله ‪،‬‬
‫أو خيال غيره ونظره ‪ ،‬أو المتحصلة من مجموع المشار إليه ] ‪.‬‬

‫فلهذا يحرم من هذا شأنه اإلجابة في عين ما سأل فيه ‪ ،‬أو يتأخر عنه أعني اإلجابة ‪،‬‬
‫استدل بالواقع ‪ ،‬ثم بالنص القرآني على القاعدة المذكورة ‪ ،‬أي وألجل أن كمال المعرفة‬
‫موجبة لْلجابة وكمال المطاوعة موجبة للمطاوعة ‪ ،‬وكان مقتضى حال األكابر من‬
‫ّللا أن أكثر أدعيتهم مستجابة ‪.‬‬
‫أهل ه‬
‫إنما جاء بلفظ األكثر ؛ ألنه المعلوم قطعا ‪ ،‬ولم يعلم باالستقراء التام استجابة جميع‬
‫أدعيتهم حتى يتم االستدالل باالستقراء التام ‪ ،‬بل هو استدالل باالستقراء الناقص ‪ ،‬ثم‬
‫باّلل والتصور له ‪،‬‬ ‫أشار إلى وجه االستدالل بقوله لكمال المطاوعة ‪ ،‬وهو المعرفة ه‬
‫أي ‪:‬‬
‫الستجماعهم شرط اإلجابة مع شروط المطاوعة التي هي أزيد من اإلجابة ‪ ،‬وكيف ال‬
‫يحصل لهم ‪ ،‬وإنما قدم المطاوعة هنا ؛ لينبه على أن كمال المعرفة إنما يتم بها ‪،‬‬
‫وأعاد قوله والتصور ؛ لئال يتوهم أن المراد إدراكهم إياه من جهة صفاته كما يشعر به‬
‫المعرفة ‪ .‬ولما كان االستدالل باالستقراء الناقص ناقص الداللة ‪ ،‬استدل بالنص‬
‫عو َني أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم [ غافر ‪، ] 60 :‬‬
‫القرآني هو قوله عز من قائل ‪ :‬ا ْد ُ‬
‫وجه االستدالل أن منطوقه يدل على أن من توجه إليه بالتصور الصحيح ‪ ،‬إجابة الحق‬
‫من غير شرط آخر ‪ ،‬وقد دل بمفهوم المخالفة أن عدم المعرفة الصحيحة ‪ ،‬وهي‬
‫المعرفة الشهودية أي ‪ :‬التي يشهد بها الحق في كل شيء من غير تقيد بها ‪ ،‬وال حلول‬
‫عونَي أ َ ْست َ َجبْ‬
‫فيها ‪ ،‬وال اتحاد معا ليس بداعي الحق ‪ ،‬فال يلزمه المضمونة ‪ ،‬بقوله ‪:‬ا ْد ُ‬
‫لَ ُك ْم [غافر ‪ ، “ 1 “ ] 60 :‬وإنما أعاده ؛ ألنه قد يستجاب المضطر‬
‫‪......................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬أي ‪ :‬ادعوني في زمان الدعاء الذي جعلته خاصا إلجابة الدعوة ‪ ،‬فادعوني في‬
‫تلك األوقات ‪،‬أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم؛ فإن وقوع اإلجابة فيها حقيقة بال شك ‪ ،‬ومن لم يعرف‬
‫أوقات الدعاء فدعاؤه ترك أدب ؛ فإن الدعاء في وقت االستغفار من قلة معرفة‬
‫المقامات ‪ ،‬فإن السلطان إذا كان غضبانا ال‬

‫‪133‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 134‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٣٤‬‬

‫ط هر [ النمل ‪ ، ] 62 :‬وتلك اإلجابة مشروطة‬ ‫يب ْال ُم ْ‬


‫ض َ‬ ‫بوعده قوله ‪ :‬أ َ هم ْن يُ َج ُ‬
‫باالضطرار ال بنفس الدعاء كهذه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وإنما يتوجه عديم المعرفة إلى الصورة‬
‫المشخصة في ذهنه ‪ ،‬ضرورة أنه متوجه إلى صورة ‪ ،‬ولما لم تكن مطابقة للحق‬
‫بالضرورة ‪ ،‬فليست هي الموجبة لْلجابة على اإلطالق‪.‬‬

‫ثم ذكر أن هذه الصورة هي حاصلة من نظره الفكري ‪ ،‬أو من خياله ‪ ،‬أو حاصلة من‬
‫خيال غيره أو نظره ‪ ،‬وقدم النظر في حقه وعكس في حق الغير ؛ ألن من حق طالب‬
‫الحق أن يقدم نظره الفكري ‪ ،‬فينظر فيما يليق به وما ال يليق به ‪ ،‬والمقلهد إنما ينظر‬
‫إلى خيال الغير ثم على نظره ؛ ألنه لو نظر إلى نظره أوال لكان األولى أن ينظر إلى‬
‫نظر من هو أعلى منه ‪ ،‬لكن لغلبة الخيال عليه في خيال الغير ‪ ،‬ثم يستحسن نظره‬
‫الفاسد أو تشخصه تلك الصورة من خياله ونظره وخيال الغير ونظره ‪ ،‬بأن يليق لهما‬
‫‪ ،‬ثم يعتقد في ذلك ‪ ،‬فيتقوى بذلك اعتقاده الفاسد‪.‬‬
‫وإنما ذكر هذه الصورة الفاسدة ‪ ،‬لالحتراز عنها بكل حال ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬فلهذا أي‪:‬‬
‫وألجل أنه ليس بداعي الحق بل هو متوجه إلى صورة خياله إلى آخره ‪ ،‬يحرم من هذا‬
‫شأنه اإلجابة في عين ما سأل ‪ ،‬بل يتعوض له بحس مقتضى تلك الصورة ‪ ،‬ووالية ما‬
‫يرى بها من األسماء اإللهية‪.‬‬
‫وإنما قال ‪ :‬أعني اإلجابة ؛ لئال يتوهم اإلجابة في عين ما سأل ‪ ،‬ويفهم منه أنه ال يخلو‬
‫عن إجابة ما ؛ ألنه داعي الحق بوجه من وجوهه‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومتى أجيب مثل هذا ‪ ،‬فإنما سببه سر المعية اإللهية المقتضية‬ ‫قال رضي ه‬
‫عدم خلو شيء‬
‫‪......................................................‬‬
‫يسأل عنه ‪ ،‬وإذا كان مستبشرا فيكون زمانه زمان العطاء والفضل ‪ ،‬ومن عصى‬
‫السلطان ‪ ،‬ويسأل منه شيئا فيضرب عنقه ‪ ،‬ومن يطع السلطان ثم يسأل ؛ فإنه أجدر أن‬
‫عونَي في وقت غليان قلوبكم بالشوق إلى لقائي ‪ ،‬أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم‬ ‫يعطيه مأموله ‪ ،‬وأيضا ا ْد ُ‬
‫بكشف جمالي ‪ ،‬وأعطيكم مأمولكم‬
‫ّللا على رقة قلوبكم “ ‪ .‬وأيضا ادعوني بال‬ ‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬ادعوا ه‬ ‫لذلك قال صلى ه‬
‫سؤال أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم بال محال ‪ ،‬فإنك إذا شوقت إلى جمالي تدعوني لنفسي ‪ ،‬فوجب من‬
‫حيث الكرم أن أجيب لك بنعت مرادك ‪ ،‬فإنك إذا سألت شيئا لم تدعني بل دعوت‬
‫مرادك ‪.‬‬
‫عو َني بال غفلة ‪ ،‬أ َ ْ‬
‫ست َ َجبْ لَ ُك ْم بال مهلة‪.‬‬ ‫قال بعضهم ‪ :‬ا ْد ُ‬

‫‪134‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 135‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٣٥‬‬

‫عن الحق أو الجمعية التامة الحاصلة للمضطرين الموعود لهم باإلجابة لالستدعاء‬
‫االضطراري ‪ ،‬واالستعداد الحاصل به ‪ ،‬أي ‪ :‬باالضطرار‪] .‬‬
‫أي ‪ :‬ومتى أجيب في عين ما سأل من غير تأخير ‪ ،‬مثل هذا المتوجه في دعائه إلى‬
‫الصورة المشخصة في ذهنه ‪ ،‬فإنما سبب تلك اإلجابة في حقه أحد األمرين ‪ :‬أمر‬
‫سراية المعية اإللهية ‪ ،‬أي تعلق الصفات اإللهية وظهوراته بجميع الحقائق ‪ ،‬والصور‬
‫الكونية على ما أشار إليه بقوله تعالى ‪َ :‬و ُه َو َمعَ ُك ْم أَيْنَ ما ُك ْنت ُ ْم [ الحديد ‪.] 4 :‬‬

‫وإنما قال ‪ :‬سراية المعية اإللهية ؛ ألن الذات من حيث هي غنية عن العالمين ال تعلق‬
‫لها باألشياء من حيث هي ‪ ،‬وأشار باإللهية إلى أن تعلقها باعتبار الصفات ‪ ،‬وإن أوهم‬
‫قوله تعالى ‪َ :‬و ُه َو َمعَ ُك ْم [ الحديد ‪، ] 4 :‬‬
‫ير [ الممتحنة ‪:‬‬ ‫ّللاُ َبما ت َ ْع َملُونَ بَ َ‬
‫ص ٌ‬ ‫معية هوية بالذات إال أن ذلك الوهم مرفوع بقوله‪َ :‬و ه‬
‫‪،]3‬‬
‫وإنما كانت هذه السراية سبب اإلجابة ؛ ألنها مقتضية عدم خلق شيء عن الخلق ‪ ،‬إال‬
‫أنها ليست من األسباب الموجبة لْلجابة ؛ ألن الداعي ال يلتفت إليها من حيث أنها‬
‫مظهر ‪ ،‬بل من حيث أنها عين الحق‪.‬‬
‫فالصورة ذات وجهين ‪ :‬أحدهما يوجب اإلجابة ‪ ،‬واآلخر يمنعها ‪ ،‬فإذا تأكد أحدهما‬
‫بأمر خفي أجيب ‪ ،‬وإال فال‪.‬‬
‫أما جمعية الهمة جمعية تامة حاصلة للمضطرين من المحجوبين الموعود لهم باإلجابة‬
‫سو َء [ النمل ‪، ] 62 :‬‬ ‫ف ال ُّ‬‫ط هر َإذا َدعاهُ َويَ ْك َش ُ‬ ‫يب ْال ُم ْ‬
‫ض َ‬ ‫في قوله تعالى ‪ :‬أ َ هم ْن يُ َج ُ‬
‫وهو وإن توجه إلى الشخص المتخيل في ذهنه ‪ ،‬لكنه بمنزلة الداعي للحق باعتبار‬
‫معيته لذلك الشخص الذي في ذهنه مع ترجحه باالستدعاء االضطراري ال محل‬
‫الرحمة باالستعداد الحاصل له باالضطرار‪.‬‬
‫وإنما فسر الضمير في به باالضطرار ؛ لئال يتوهم عوده إلى استدعاء ‪ ،‬وهذا السبب‬
‫موجب لْلجابة ‪ ،‬فافهم‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وحال من هذا وصفه مخالف لحال ذي التصور الصحيح‬‫قال رضي ه‬
‫والمعرفة المحققة ‪ ،‬فإنه مستحضر الحق ‪ ،‬ومتوجه إليه استحضارا وتوجها محققا ‪،‬‬
‫وإن لم يكن ذلك من جميع الوجوه ‪ ،‬لكن يكفيه كونه متصورا ومستحضرا للحق في‬
‫توجهه ‪ ،‬ولو في بعض المراتب ‪ ،‬ومن حيثية بعض األسماء والصفات ‪ .‬وهذا حال‬
‫ّللا والحال‬
‫المتوسطين من أهل ه‬

‫‪135‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 136‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٣٦‬‬
‫المقدم ذكره حال المحجوبين ]‪.‬‬
‫أي ‪ :‬وحال من هذا أي التوجه إلى الشخص المتخيل في الذهن وصفه ‪ ،‬وإن أجيب في‬
‫عين ما سأل من غير تأخير مخالف لحال ذي التصور الصحيح والمعرفة المحققة ‪،‬‬
‫فسر التصور الصحيح بالمعرفة أي المطابقة للواقع ؛ ليعلم أنه ال يتم بالتقييد ‪ ،‬بل ال ب هد‬
‫معه من الدليل القطعي ‪ :‬فكريها أو ذوقيها ‪ ،‬وإنما خالف حاله لحال ذي التصور الصحيح‬
‫؛ ألن ذا التصور الصحيح يستحضر الحق قبل الدعاء ‪ ،‬ثم يتوجه إليه استحضارا‬
‫محققا وتوجها محققا ‪ ،‬فهو مشاهد للحق متوجه إليه بحسب إجابته بمقتضى الوعد في‬
‫عو َني أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم [ غافر ‪، ] 60 :‬‬
‫قوله ‪ :‬ا ْد ُ‬
‫بخالف المستحضر صورة متخيلة في ذهنه والمتوجه إليها ‪ ،‬فإنه ال يجب إجابته أصال‬
‫؛ وإنما يجب إجابة ذي التصور الصحيح ‪ ،‬وإن لم يكن ذلك من جميع الوجوه من‬
‫الذات واألسماء والصفات وسائر المراتب واالعتبارات ‪ ،‬لكن يكفيه في وجوب اإلجابة‬
‫كونه متصورا للحق تصورا مطابقا في بعض المراتب مستحضرا للحق في توجهه إليه‬
‫في بعض المراتب‪.‬‬

‫ولما أوهم هذا إن بعض المحجوبين أيضا متوجه إلى الحق في بعض المراتب ‪ ،‬فسرها‬
‫بكونها من المراتب العالية الحاصلة من حيثيات بعض األسماء والصفات ‪ ،‬ال من‬
‫حيثية الصورة المستجلية فإنها مخلة بالمعرفة ‪ ،‬واستحضار بعض المراتب اإللهية ال‬
‫تخل بها ‪ ،‬وهذا التصور في بعض المراتب األسمائية والصفاتية حال المتوسطين من‬
‫ّللا ‪ ،‬فلهذا كثيرا ما يجابون في عين ما سألوا من غير تأخير ‪ ،‬وإن أخرت أو‬
‫أهل ه‬
‫بدلت ‪ ،‬باعتبار والية ذلك االسم وتقيده والحال المقدم ذكره ‪ ،‬وهو استحضار الصورة‬
‫المتخيلة في الذهن حال المحجوبين ‪ ،‬فال يجب لهم اإلجابة أصال ‪ ،‬وهو ال يعلم أن تلك‬
‫الصورة من مظاهر الحق بل يتوهم غيبتها ‪ ،‬فيبعد عن الحق والمتوسط يعلم أنه من‬
‫أسمائه فيقرب من الحق ‪ ،‬فيجب إجابته ‪ ،‬فافهم‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأما الك همل واألفراد ‪ ،‬فإن توجههم إلى الحق ‪ ،‬تابع للتجلي‬
‫قال رضي ه‬
‫الذاتي المشار إليه الحاصل لهم والوقوف تحققهم بمقال الكمال على الفوز به ‪ ،‬فإنه‬
‫مثمر لهم معرفة تامة جامعة لحيثيات جميع األسماء والصفات والمراتب واالعتبارات‬
‫مع صحة تصور الحق من حيث تجليه الذاتي المشار إليه الحاصل لهم بالشهود األتم ‪،‬‬
‫فلهذا ال تتأخر عنهم اإلجابة ]‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 137‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٣٧‬‬

‫لما فرغ عن بيان حال المحجوب ‪ ،‬وأنه ال يجب إجابته إال أنه قد يجاب ألمر عارض‬
‫‪ ،‬وعن بيان حال المتوسطين ‪ ،‬فإنهم يجابون غالبا فيما سألوا من غير تأخير ؛ لكونهم‬
‫أصح تصورا أو أتم مطاوعة ‪ ،‬فأشار هنا إلى بيان أن تصورهم هو أصح ما يتصور‬
‫به الحق ‪ ،‬وإنما أخره إلى هنا لتوقفه على تحصيل مقام التوسط ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬فإن توجههم ‪ ،‬أي في أدعيتهم إلى الحق تابع للتجلي الذاتي المشار إليه أنه‬
‫التجلي االختصاصي المسمى البرقي ‪ ،‬ولما توقفت تبعية توجههم لهذا التجلي على‬
‫حصوله لهم ‪ ،‬أشار إليه بقوله ‪ :‬الحاصل ‪،‬‬
‫ثم استدل عليه بقوله ‪ :‬والموقوف تحققه بمقام الكمال على الفوز به ‪ ،‬ثم بين تبعية‬
‫توجههم لذلك التجلي مع عدم بقائه نفسين بأنه مثمر لهم معرفة تامة جامعة لحيثيات‬
‫جميع األسماء والصفات وسائر المراتب اإللهية والكونية وجميع االعتبارات ؛ ألن‬
‫النزول على التجلي الذاتي المشار إليه ‪ ،‬يكون إلى حضرة األسماء والصفات وسائر‬
‫المراتب واالعتبارات جميعا ‪،‬‬
‫وال يقتصر على ذلك بل يكون مع صحة تصور الحق الذي حصل لهم من حيث تجليه‬
‫الذاتي من غير المظاهر على ما أشير إليه ؛ ألنه قد حصل لهم بالشهود األتم فيبقى‬
‫ذلك التصور في أرواحهم وإن زال التجلي ‪،‬‬
‫فتكون معرفتهم وتصورهم للحق أتم وتوجههم بحسب استحضارهم للحق بذلك‬
‫المتصور الذي ال يحجبهم فيه الصفات عن الذات وال الذات عن الصفات وال سائر‬
‫األمور عنها ‪ :‬فلهذا ال تتأخر عنهم اإلجابة في عين ما سألوا وإنما لم يعده ؛ ألنه‬
‫مفهوم مما سبق إن عدم التأخير يدل عليه ؛ ألن تغيير المسؤول أشد من تأخيره في‬
‫عدم القبول ‪،‬‬
‫وقد أشار بقوله ‪ :‬بالشهود األتم أي ‪ :‬إن التصور إنما يزول إذا لم يكن الشهود كامال ‪،‬‬
‫وأما مع كماله فال ‪ ،‬وقد أشار بقوله ‪ :‬فلهذا ال يتأخر عنهم اإلجابة ؛ ألنهم سائلون‬
‫بجميع األلسنة ‪ ،‬والتأخر نوع إباء ‪ ،‬وال إباء مع السؤال بلسان الذات واألسماء ‪ ،‬فكيف‬
‫بألسنة الجميع‪.‬‬

‫ّللا من األفراد أهل‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأيضا فإنهم ‪ ،‬أعنى الك همل ‪ ،‬ومن شاء ه‬
‫قال رضي ه‬
‫االطالع على اللوح المحفوظ بل وعلى المقام القلمي بل وعلى حضرة العلم اإللهي ‪،‬‬
‫فيشعرون بالمقدر كونه لسبق العلم بوقوعه ‪ ،‬وال ب هد فيسألون ال في مستحيل غير مقدر‬
‫الوجود ‪ ،‬وال تنبعث هممهم إلى طلب ذلك واإلرادة له ‪ ،‬وإنما قلت واإلرادة له من أجل‬
‫أن ثمة من يتوقف وقوع األشياء على إرادته ‪ ،‬وإن لم يدع ولم يسأل الحق في‬
‫حصوله ]‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 138‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٣٨‬‬

‫ّللا روحه ‪ -‬سنين كثيرة في أمور ال‬ ‫وقد عاينت ذلك من شيخنا “ ‪ - “ 1‬قدس ه‬
‫ّللا عليه وسلم في بعض‬ ‫ّللا عنه أنه رأى النبي صلى ه‬‫أحصيها ‪ ،‬وأخبرني رضي ه‬
‫ّللا أسرع إليك باإلجابة منك إليه بالدعاء ‪.‬‬
‫وقائعه وأنه بشره ‪ ،‬وقال له ‪ :‬ه‬

‫دليل آخر على وجوب إجابتهم في عين ما سألوا من غير تأخير ‪ ،‬وهو إن الكمل من‬
‫ّللا من األفراد بالمشيئة السابقة‬ ‫ّللا تعالى ‪ ،‬ومن شاء ه‬
‫األقطاب أهل االطالع على إرادة ه‬
‫على اإلرادة ‪ ،‬ولذلك بين الضمير إذ ال يدخلون تحت اإلرادة المخصصة التي لألقطاب‬
‫لها ال يخصصون كل شيء بما يليق به أهل االطالع على اللوح المحفوظ الذي هو‬
‫النفس الكلية محل تفصيل رقوم األكوان ‪،‬‬
‫بل المقام القلمي الذي هو العقل األول محل رقومها إجماال ‪ ،‬بل وعلى العلم اإللهي‬
‫الذي هو ممدها ؛ وذلك ألنهم أهل التجلي الذاتي ‪ ،‬فال ب هد لهم من النزول إلى هذه‬
‫المراتب والمرور بها ‪ ،‬فيعرفون ما فيها ويطلعون عليها ‪ ،‬فيشعرون بالمقدر كونه ‪،‬‬
‫سرا َبي َل ت َ َقي ُك ُم ْال َح هر[ النحل ‪:‬‬
‫وما لم يقدر اكتفى بأحدهما عن اآلخر ‪ ،‬كمال قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫‪، ] 81‬‬

‫وإنما يشعرون بذلك ؛ لسبق العلم اإللهي بوقوع كلما قدر كونه وما لم يقدر ‪ ،‬وقد‬
‫اطلعوا على ذلك العلم ‪ ،‬فيسألون فيما يمكن وجوده مما سبق العلم به ال في مستحيل‬
‫غير مقدر الوجود ‪ ،‬وإن كانت استحالته ال بالذات بل بالعلم ‪ ،‬الستلزام وقوع ما سبق‬
‫العلم ‪ ،‬بخالف انقالب علمه تعالى جهال ‪،‬‬
‫ّللا عن ذلك العلم القديم ‪ ،‬فإذا كان مستحيال ال يدعون فيه ‪ ،‬بل وال تنبعث هممهم‬
‫تعالى ه‬
‫إلى طلب ‪ ،‬وال تتوجه إرادتهم فضال عن الدعاء حتى يقع اإلباء بالنسبة إليهم في ذلك‬
‫المستحيل باعتبار انبعاث همهم وإراداتهم ‪.‬‬

‫وإنما قال ‪ [ :‬وال تنبعث هممهم وإيراداتهم من أجل أن في الكمل من يتوقف وقوف‬
‫األشياء على همته وإيرادته ‪ ،‬كما يتوقف وقوع األشياء في التقدير اإللهي على الدعاء‬
‫هذا بالنسبة إلى بعض األشياء ‪ ،‬فإن المقدرات على نوعين جازمة ومعلقة ‪ ،‬فالمعلقة‬
‫يتوقف على الدعاء ‪ ،‬أو غيره من األسباب والجازمة ما ال يتوقف على شيء ‪ ،‬فمن‬
‫توقف وقوع األشياء على إرادته فقط ‪ ،‬حصلت بمجرد اإلرادة ‪ ،‬وإن لم يدع ولم يسأل‬
‫الحق في الحصول بلسان الظاهر ] ‪.‬‬
‫‪...................................................‬‬
‫) ‪( 1‬يعني الشيخ األكبر ختم الوالية المحمدية ‪ ،‬سيدي محيي الدين بن عربي‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 139‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٣٩‬‬

‫(وقد عاينت ) أي ‪ :‬علمت علما يشبه العيان من الشيخ الكامل المكمل محيي الدين بن‬
‫ّللا عليه وسلم في بعض وقائعه ‪ ،‬أي‬‫ّللا روحه ‪ ،‬أنه رأى النبي صلى ه‬
‫عربي قدس ه‬
‫ّللا أسرع إليك باإلجابة‬
‫ّللا عليه وسلم بشره بقوله “ ‪ :‬ه‬
‫كشوفه أو مناجاته ‪ ،‬وأنه صلى ه‬
‫منك “ أي ‪ :‬من سرعتك إليه بالدعاء إذ يجيبك بمجرد اإلرادة قبل الدعاء ‪ ،‬أورد هذه‬
‫ّللا أسرع إليك ‪. . .‬‬
‫ّللا عليه وسلم يبشره بأن ه‬
‫العبارة الطويلة ‪ ،‬ولما رأى النبي صلى ه‬
‫إلى آخره ؛ ليشعر أوال أنه رأى من تكون رؤيته رؤية الحق ‪ ،‬ثم ليمدح رؤياه بأنه‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ ،‬ثم بيهن ما أجمله مع رعاية عبارة النبي صلى‬
‫بشرى من النبي صلى ه‬
‫ّللا عليه وسلم ‪.‬‬
‫ه‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وهذا المقام فوق مقام إجابة األدعية ‪ ،‬وإنه من خصائص كمال‬ ‫قال رضي ه‬
‫المطاوعة ‪ ،‬ومقامه فوق مقام المطاوعة ‪ ،‬فإن مقام المطاوعة يختص بما سبقت‬
‫اإلشارة إليه من المبادرة إلى امتثال األوامر ‪ ،‬وتتبع مراضي الحق ‪ ،‬والقيام بحقوقه‬
‫بقدر االستطاعة ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم في جواب عمه أبي طالب حين قال له ‪ “ :‬ما‬ ‫كما أشار النبي صلى ه‬
‫أسرع ربك إلى هواك يا محمد “ “ ‪ ، “ 1‬لما رأى من سرعة إجابة الحق له فيما‬
‫يدعوه فيه ‪.‬‬
‫ّللا‬
‫وجاء في رواية أخرى أنه قال له ‪ “ :‬ما أطوع ربك لك “ ‪ ،‬فقال له النبي صلى ه‬
‫عليه وسلم ‪ “ :‬وأنت يا عم إن أطعته أطاعك “ " ‪. " 2‬‬
‫وهذا المقام الذي قلت إنه فوق هذا ‪ ،‬راجع إلى كمال موافاة العبد من حيث حقيقته لما‬
‫يريده الحق منه باإلرادة األولى الكلية المتعلقة بحصول كمال الجالء واالستجالء ‪ ،‬فإنه‬
‫الموجب إليجاد العالم ‪ ،‬واإلنسان الكامل الذي هو العين المقصودة هّلل على التعيين ‪،‬‬
‫وكل ما سواه فمقصود بطريق التبعية له وبسببه من جهة أن ما ال يوصل إلى المطلوب‬
‫إال به ‪ ،‬فهو مطلوب ‪ ،‬فهذا هو المراد من قولي “ فمقصود بطريق التبعية ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬ومقام إجابة اإلرادة فوق مقام إجابة األدعية باللسان لما أنه يحتاج زيادة اإلخراج‬
‫إلى اللسان لما يتأخر إجابته إلى ذلك اإلخراج ‪ ،‬وأن مقام إجابة اإلرادة من خصائص‬
‫كمال المطاوعة من العبد الموجبة للمطاوعة اإلرادة اإللهية ؛ إلرادته قبل التلفظ ‪.‬‬
‫ومقام كمال المطاوعة فوق مقام مطلق المطاوعة الموجبة للمطاوعة اإللهية بعد‬
‫السؤال باللسان ؛ ألن مقام مطلق المطاوعة يختص بما سبقت اإلشارة إليه من المبادرة‬
‫إلى‬
‫‪..........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬لم أقف عليه ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬لم أقف عليه‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 140‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٤٠‬‬

‫امتثال أوامر الحق من الواجبات ‪ ،‬وتتبع مراضي الحق من المندوبات ‪ ،‬والقيام بحقوق‬
‫الحق من واجب االعتقاد الصحيح فيه ‪ ،‬ومن اإلخالص في العمل بترك طلب العوض‬
‫والغرض ‪ ،‬فهو بقدر االستطاعة قيد به ؛ ألن اإلتيان بذلك على وجه الكمال إنما هو‬
‫مقام كمال المطاوعة ‪.‬‬
‫وإنما أعاد هذا مع أنه سبقت اإلشارة إليه ؛ ألن السابق يوهم أنه هو كمال المطاوعة ‪،‬‬
‫وليس كذلك ‪ ،‬بل هو مطلق المطاوعة ‪ ،‬ثم استدل على استلزام مطلق المطاوعة‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬وأنت يا ع هم إن أطعته‬
‫للمطاوعة اإللهية في إجابة سؤاله صلى ه‬
‫“ “ ‪ ، “ 1‬أي إنما سارع ربي إلى هواي وأطاعني ‪ ،‬لمطاوعتي إياه جزاء عليه ‪،‬‬
‫وليس يختص بي بل هو عام لكل مطيع له ‪ ،‬فدل على أن مطلق اإلطاعة من العبد‬
‫يستوجب إجابة الحق سؤاله ‪ ،‬وقول أبي طالب ‪ “ :‬ما أسرع ربك إلى هواك “ “ ‪2‬‬
‫“ ‪ ،‬أي إلى ما تحبه فتسأله فيجيبك أسرع من إجابته غيرك ‪.‬‬

‫ومعنى ما في الرواية األخرى ‪ “ :‬ما أطوع ربك إليك “ “ ‪ “ 3‬أي ‪ :‬أسرع إجابة‬
‫إلى دعائك ؛ فعلى الرواية األولى يكون عليه كالمه عليه من قبيل المشاكلة باعتبار‬
‫أول كالمه عليه السالم السالم فقط ‪ ،‬وعلى الرواية الثانية من قبيل المشاكلة باعتبار‬
‫قول أبي طالب أيضا ‪ ،‬وإنما أورد الروايتين ؛ ألن األولى تدل على سرعة اإلجابة‬
‫دون الثانية ؛ ألنها تدل على مطلق اإلجابة ‪ ،‬إذ هي المرادة من اإلطاعة اإللهية ‪،‬‬
‫والثانية تدل على أن هذا االطالع شائع في الجاهلية واإلسالم من غير منع‬
‫‪.‬‬
‫فهذا مقام مطلق المطاوعة ‪ ،‬وأما كمال المطاوعة ‪ ،‬فهو المشار إليه بقوله ‪ :‬وهذا المقام‬
‫الذي أنه فوق هذا أي ‪ :‬فوق قوته مطلق الكمال راجع إلى كمال مواطآت العبد ‪ ،‬ال من‬
‫حيث حقيقته الذي هو الوجود المطلق لكن باعتبار تعينه به ‪ ،‬ولهذا لو ورد لفظ المواتاة‬
‫لما يريده الحق فيه باإلرادة األولى ‪ ،‬أي ‪ :‬المتعلقة بما هو مراد بالذات ‪ ،‬لكونه أكمل‬
‫البريات ‪ ،‬وهي اإلرادة الكلية التي أريد بها ظهور كمال يمكن ظهوره ‪ ،‬وهي المتعلقة‬
‫بحصول كمال الجالء واالستجالء ‪ .‬فالجالء ظهور الذات المقدسة لذاته في ذاته ‪،‬‬
‫‪.....................................‬‬
‫واالستجالء ظهور‬
‫) ‪( 1‬لم أقف عليه ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬لم أقف عليه ‪.‬‬
‫) ‪( 3‬لم أقف عليه‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 141‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٤١‬‬

‫الذات للذات في التعينات ‪ ،‬وكمال األولى أن يظهر أيضا في مراتب األسماء والصفات‬
‫‪ ،‬وكمال الثانية أن يجتمع بتلك التعينات إجماال وتفصيال في التعين الجامع للتعينات في‬
‫المرتبة الجامعية اإلنسانية ‪ ،‬فإنه أي طلب كمال الجالء واالستجالء ‪ ،‬هو الموجب‬
‫إليجاد العالم الذي به تتفصل الكماالت المجملة في الذات ‪ ،‬واإلنسان الكامل الذي‬
‫تصير به الكماالت مجملة بعد التفصيل ‪ ،‬فهو الجامع للكماالت اإلجمالية والتفصيلية‬
‫جميعا ؛ فلهذا كان اإلنسان الكامل عينا مقصودة هّلل تعالى على التعين ‪ ،‬أي من حيث‬
‫تلك اإلرادة ‪ ،‬وإال فهو سبحانه وتعالى غني عن العالمين ‪ ،‬وكل ما سواه كان إنسانا‬
‫غير كامل أو غير إنسان ‪ ،‬فمقصود بطريق لْلنسان الكامل ‪ ،‬لكونه كالمقدمات‬
‫والمتممات له ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ ( :‬وبسببه ) أي ‪ :‬بسبب اإلنسان انتسب إلى إرادة الحق‬


‫ولهذا قال رضي ه‬
‫ظهوره على الكمال ‪ ،‬وليس المظهر كامل من حيث أن ما ال يوصل إلى المطلوب إال‬
‫به ‪ ،‬فهو مطلوب ؛ فالمطلوب األول مراد بالذات ‪ ،‬والثاني مطلوب بتبعية طلب األول‬
‫؛ ولذا قال ‪ :‬فهذا هو المراد من قولي بطريق التبعية ‪.‬‬
‫والحاصل عن هذا الكامل لما كان مرادا بالذات ؛ لكونه مظهرا كامال له مراتب ‪،‬‬
‫يشكل ما يريده باإلرادة األولى الكلية ‪ ،‬كان مجيبا إلرادته من غير توقف على السؤال‬
‫باللسان ‪ ،‬بخالف المطيع األول ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وإنما كان اإلنسان الكامل هو المراد بعينه دون غيره من أجل‬
‫قال رضي ه‬
‫أنه مجلى تام للحق يظهر الحق به من حيث ذاته وجميع أسمائه وصفاته وأحكامه‬
‫واعتباراته على نحو ما يعلم نفسه بنفسه في نفسه ‪ ،‬وما ينطوي عليه من أسمائه‬
‫وصفاته وسائر ما أشرت إليه من األحكام واالعتبارات وحقائق معلوماته التي في‬
‫أعيان مكوناته دون تغيير يوجبه نقص القبول وخلل في مرآتيته يفضي بعدم ظهور ما‬
‫ينطبع فيه على خالف ما هو عليه في نفسه ] ‪.‬‬

‫إشارة إلى سبب كون اإلنسان الكامل من األقطاب واألفراد مرادا للحق دون غيره ‪،‬‬
‫كالعقول والنفوس واألجسام وغيرها ‪ ،‬وهو أن اإلنسان الكامل إنما كان مرادا للحق من‬
‫أجل مجلى تام للحق ‪ ،‬إجماال وتفصيال من غير نقص وخلل في مظهريته ؛ وذلك أنه‬
‫يظهر به الحق من حيث ذاته ‪ ،‬لكنه متصف بالوجود ‪ ،‬وجميع أسمائه وصفاته ؛ ألنه‬
‫ي ‪ ،‬عالم ‪ ،‬قادر ‪ ،‬مريد ‪ ،‬سميع ‪ ،‬بصير ‪ ،‬متكلم ‪ ،‬وفيه الحياة والعلم والقدرة‬
‫ح ه‬
‫واإلرادة والسمع‬

‫‪141‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 142‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٤٢‬‬

‫والبصر والكالم وأحكامه المتعلقة بذاته وصفاته ؛ لكونه واجبا به ‪ ،‬ممكنا بنفسه‬
‫واعتباراته من حيث اإلطالق والتقييد وسائر النسب ‪ ،‬مع ظهور كل منها فيه على‬
‫الكمال ‪ ،‬فإنه يظهر فيه الذات على نحو ما يعلم نفسه بنفسه ال بعلم زائد ‪ ،‬وال باعتبار‬
‫ما يعلم نفسه في المظاهر التي سواه ؛ وذلك عن كونه فانيا فيه ‪ ،‬ويظهر أسماءه‬
‫وصفاته على نحو علمه بما ينطوي عليه ذاته من أسمائه وصفاته وسائر ما أشرت إليه‬
‫من األحكام واالعتبارات ‪ ،‬وذلك عند كونه باقيا به ‪ ،‬ويظهر فيه أيضا حقائق معلوماته‬
‫التي هي األعيان الثابتة لمكوناته ‪ ،‬لكونه مختصرا من العالم الكبير ‪ ،‬فهو جامع‬
‫لنسختي الحق والخلق على ظهور كل منها فيه على الكمال دون تغيير من الظهورين ‪،‬‬
‫سببه نقص قبول المظهر وذلك النقص بخلل في مرآتية المظهر يقتضي ذلك الخلل‬
‫ظهور ما ينطبع فيه على خالف ما هو عليه في نفسه ‪ ،‬كما هو شأن المرايا المحسوسة‬
‫إذا كانت معوجة أو مستطيلة يظهر ذلك االعوجاج واالستطالة فيما انطبع فيها من‬
‫الصور ‪ .‬وإنما كان قبول اإلنسان كامال غير مختل بحسب المرآتية ؛ ألنه مظهر كامل‬
‫لذاته وأسمائه وصفاته وسائر اعتباراته ‪ ،‬بخالف سائر العوام ‪ ،‬فافهم “ ‪“ .1‬‬
‫فإن من كان هذا شأنه ‪ ،‬ال يكون له إرادة ممتازة عن إرادة‬ ‫ّللا عنه ‪ [ :‬ه‬‫قال رضي ه‬
‫الحق ‪ ،‬بل هو مرآة إرادة ربه وغيرها من الصفات ؛ وحينئذ يستهلك دعاءه في إرادته‬
‫ّللا تعالى ‪ :‬فَعها ٌل َلما يُ َري ُد [ هود ‪:‬‬
‫التي ال تغاير إرادة ربه ‪ ،‬فيقع ما يريده كما قال ه‬
‫‪] .107‬‬
‫ومن تحقق بما ذكرنا ‪ ،‬فإنه إن دعا ‪ ،‬إنما يدعو بألسنة العالمين ومراتبهم من كونه‬
‫مرآة لجميعهم ؛ كما أنه متى ترك الدعاء ‪ ،‬إنما يتركه من حيث كونه مجلى للحق‬
‫باعتبار أحد وجهيه الذي يلي الجناب اإللهي ‪ ،‬وال يغايره من كونه ‪ :‬فَعها ٌل َلما يُ َري ُد‬
‫[ هود ‪.] 107 :‬‬
‫تعليل لقوله ‪ :‬وإنه من خصائص كمال المطاوعة ‪ ،‬أورد بعد بيان معناه ‪ ،‬والفرق بينه‬
‫‪..................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬قال الشيخ األكبر في الجواب الثامن ومائة ‪ :‬اعلم أنه ليس في الوجود أكمل من‬
‫اإلنسان ؛ ألنه على األخالق اإللهية ‪ ،‬فاإلنسان الكامل هو األول ‪ ،‬واآلخر ‪ ،‬والظاهر‬
‫‪ ،‬والباطن األول بالقصد ‪ ،‬واآلخر بالفعل ‪ ،‬والظاهر بالحرف ‪ ،‬والباطن بالمعنى ‪،‬‬
‫وهو الجامع بين العقل ‪ ،‬والطبع ‪ ،‬ففيه أكثف تركيب ‪ ،‬وألطف تركيب ‪ ،‬من حيث‬
‫طبعه ‪ ،‬وفيه التجرد عن المواد ‪ ،‬والقوى الحاكمة على األجساد ‪ ،‬وليس ذلك لغيره من‬
‫ّللا أن أحدا‬ ‫المخلوقات ؛ ولهذا خص بعلم األسماء كلها ‪ ،‬وبجوامع الكلم ‪ ،‬ولم يعلمنا ه‬
‫سواه أعطاه غير هذا اإلنسان الكامل ‪ ،‬وليس فوق اإلنسان مرتبة‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 143‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٤٣‬‬

‫وبين مطلق المطاوعة ‪ ،‬أي إنما إجابة مجرد اإلرادة من خصائص كمال المطاوعة ؛‬
‫ألن العبد المتصف بها لما كان مرآة من حيث حقيقته لما يريده الحق منه باإلرادة‬
‫األولى الكلية المتعلقة بحصول كمال الجالء واالستجالء ‪ ،‬ال يكون له إرادة ممتازة عن‬
‫إرادة الحق ‪ ،‬بل هذا العبد مرآة إرادة ربه ‪ ،‬ومرآة غيرها من الصفات ‪ ،‬وإرادته ظل‬
‫عز وجل ‪ ،‬بل عينها بحسب الحقيقة ‪ ،‬فال يحتاج إلى الدعاء ؛ ألنه حينئذ‬ ‫إرادته ه‬
‫يستهلك دعاءه في إرادته ‪ ،‬وإرادته ال تغاير إرادة ربه ‪ ،‬فيقع ما يريد الرب الذي هو‬
‫فعال لما يريد ‪ ،‬ال يختلف عن إرادته مراد ما بوجه من الوجوه ‪ ،‬إذ الوجود العام مطيع‬
‫له بالطبع ‪ ،‬إطاعة أعضاء اإلنسان له عند صحته وكمال قواه ‪ ،‬فهكذا ما هو مرآته‬
‫لتنورها بنوره ‪ ،‬فيؤثر فيما يقابله تنوير الماء المتنور بالشمس ما يقابله من الحائط ‪،‬‬
‫فيكون فعال لما يريد بربه ال بنفسه ‪ ،‬ثم ذكر ما هو أعلى منه ‪ ،‬وهو من تحقق بما‬
‫ذكرناه من كمال الجالء واالستجالء ‪ ،‬وكان في مقام البقاء ‪ ،‬فال يستهلك دعاءه ‪ ،‬فإنه‬
‫يستجاب دعاؤه وإرادته جميعا ؛ ألنه إنما يدعو بألسنة العالمين الظاهرة وبمراتبهم التي‬
‫هي أسئلة معنوية من سؤال الحال واالستعداد وغيرها ‪ ،‬وكل هذا ناشئ من كونه مرآة‬
‫لجميعهم ‪ ،‬ودعاء الكل مقبول ال محالة ‪ ،‬وإن ترك الدعاء تجاب إرادته ؛ ألنه إنما‬
‫يتركه من حيث كونه مجلى للحق ‪ ،‬والحق ال يكون داعيا ‪ ،‬فإنه من شأن العبد ‪ ،‬وهو‬
‫تعالى أعلى من أن يصير عبدا ‪ ،‬كما أن العبد أخس من أن يصير ربها ‪ ،‬وكونه مجلى‬
‫للحق باعتبار أحد وجهيه ‪ ،‬وهو أن كل مقيد له وجه إلى وجه اإلطالق ‪ ،‬وقد كمل هذا‬
‫الوجه في حق هذا العبد إذ كان مظهرا كامال ‪ ،‬فال يغايره من جهة كونه فعاال لما يريد‬
‫؛ ألن إرادته مرآة إرادة الحق ‪ ،‬فيكون مجاب اإلرادة ال محالة ‪ .‬فافهم ‪.‬‬

‫قال ‪ [ :‬وليس وراء هذا المقام مرمى لرام ‪ ،‬وال مرقى إلى مرتبة وال مقام ‪ ،‬ودونه‬
‫عونَي أ َ ْست َ َجبْ‬
‫المتوجه إلى الحق بمعرفة تامة وتصور صحيح المقصود بخطاب ‪:‬ا ْد ُ‬
‫لَ ُك ْم‪ ،‬وخبر الحق صدق ‪ ،‬وقد تيسر ذلك لهذا العبد المشار إليه ‪ ،‬فلزمت النتيجة التي‬
‫هي اإلجابة ‪ ،‬وال ب هد بخالف غيره من المتوجهين المذكور شأنهم ‪.‬‬
‫فاعلم ذلك تفز بأسرار عزيزة وعلوم غريبة لم تنساق إليها األفكار واألفهام وال رقمتها‬
‫وّللا المرشد ] ‪.‬‬
‫األنامل باألقالم ه‬
‫أي ‪ :‬وليس وراء مقام التحقيق بما ذكرنا من كمال المطاوعة التي هي مرآة للعبد من‬

‫‪143‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 144‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٤٤‬‬

‫حيث حقيقته لما يريده الحق منه باإلرادة األولى الكلية المتعلقة بكمال الجالء‬
‫واالستجالء والتحقيق به في مقام البقاء مرمى لرام ترقى إليه همته فيقصده ‪ ،‬وال‬
‫مرقى إلى المرتبة ؛ ألنها أجمع للمراتب وال مقام ‪ ،‬ألنه فوق المقامات كلها ‪ ،‬فيكون‬
‫مستجاب الدعوة واإلرادة جميعا ‪ ،‬ودون هذا الكامل المتوجه إلى الحق بمعرفة تامة‬
‫وتصور صحيح ‪ ،‬وهو الذي ال يناقض الحق بوجه من الوجوه بلوغه غاية ما يمكن‬
‫الوصول إليه إال ما يحيط بكنه حقيقته ‪ ،‬إذ هو محال ‪ ،‬وهذا هو الذي يجيب إجابته‬
‫عو َني أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم [ غافر ‪ ، ] 60 :‬ال إرادته ‪ ،‬وهو المقصود بخطاب‬
‫بمقتضى ‪ :‬ا ْد ُ‬
‫ادعوني إذ من يجاب إرادته ال يحتاج إلى الدعاء إال لتحقيق مقام العبودية وكونه مرآة‬
‫العالم ‪ .‬ثم ذكر أنه وإن كان دون األول ‪ ،‬ال يجوز ترك إجابته ؛ ألن خبر الحق صدق‬
‫‪ ،‬وقد أخبر باإلجابة عند دعوته ‪ ،‬وقد تيسر ذلك الدعاء لهذا العبد بالمعرفة التامة‬
‫والتصور الصحيح ‪ ،‬فلزمت نتيجة الوعد المذكور التي هي اإلجابة‪.‬‬

‫شبهت نتيجة القياس في اللزوم ثم ألزم بقوله ‪ “ :‬وال ب هد “ بخالف غيره من‬
‫المتوجهين المذكور شأنهم في التوسط أو الحجاب الذي يتوجه إلى صورة مختلفة ‪ ،‬فإن‬
‫إجابتهم جائزة ال واجبة‪.‬‬
‫وإنما أوردهم إشعارا بأنه لو لم يجب إجابة العارف التام المعرفة ؛ لكان مثل هؤالء في‬
‫عونَي أ َ ْست َ َجبْ‬
‫جواز ترك اإلجابة ‪ ،‬لكن الحكمة اإللهية تأبى ذلك ‪ ،‬ولم يدخلوا في ‪ :‬ا ْد ُ‬
‫لَ ُك ْم [ غافر ‪ ] 60 :‬؛ ألنهم لم يدعوه مستحضرين له بالتصور الصحيح‪.‬‬
‫فاعلم هذه القاعدة تفز بأسرار عزيزة من لزوم إجابة الدعوة أو اإلرادة أو عدم لزوم‬
‫أحدهما ‪ ،‬وعلم غريبه من معرفة الكامل ‪ ،‬وغير الكامل على وجه خاص كلي حاضر‬
‫لم يتسابق إليها األفكار ‪ ،‬التي ال تحيط بهذه األمور الكشفية بل ‪ ،‬واألفهام الذوقية وال‬
‫رقمتها األنامل باألقالم ؛ إذ هي فرع الفكر والفهم ‪ ،‬وإنما أورده ؛ ألنه ما يتوهم‬
‫وّللا المرشد إلى مثل هذه األسرار والعلوم بتجلياته الذاتية‬ ‫“ يعلمون ما يسطرون “ ‪ ،‬ه‬
‫ال غير ‪ ،‬فافهم‪.‬‬
‫النص الثاني عشر‪:‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬نص شريف ] لما ذكر في النص السابق ‪ :‬األتم معرفته تكون‬ ‫قال رضي ه‬
‫اإلجابة إليه أسرع ‪ ،‬شرع في بيان كمال المعرفة ‪ ،‬وبيهن فيها أيضا كمال اإلنسان أن‬
‫يكون مظهر الحق على‬

‫‪144‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 145‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٤٥‬‬

‫نحو ما يعلم نفسه بنفسه في نفسه ‪ ،‬وأنه يكون مرآة لما يريد الحق باإلرادة األولى‬
‫الكلية ‪ ،‬وما يترتب على ذلك مع بيان كيفيتها ‪ ،‬وهي أمور عظيمة ‪ ،‬فلهذا عبر عنه‬
‫بأنه نص شريف ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬اعلم أن أعلى درجات العلم بالشيء أي شيء كان وبالنسبة إلى‬ ‫قال رضي ه‬
‫أي عالم كان ‪ ،‬وسواء كان المعلوم شيئا واحدا أو أشياء ‪ ،‬إنما تحصل باالتحاد بالمعلوم‬
‫وعدم مغايرة العالم له ؛ ألن سبب الجهل بالشيء المانع من كمال إدراكه ‪ ،‬ليس غير‬
‫غلبة حكم ما به يمتاز كل واحد منهما عن اآلخر ‪ ،‬فإن ذلك بعد معنوي والبعد حيث‬
‫كان مانع من كمال إدراك العبد البعيد وتفاوت درجات العلم بالشيء بمقدار تفاوت غلبة‬
‫حكم ما به يتحد العالم بالمعلوم ‪ ،‬وأنه القرب الحقيقي الرافع للفصل الذي هو البعد‬
‫الحقيقي المشار إليه بأحكام ما به المباينة واالمتياز ] ‪.‬‬

‫الفرق بين هذا ‪ ،‬وبين ما تقدم في التفريع الثالث من تفاريع النصوص األول ‪ ،‬أن‬
‫المذكور ثمة بيان كمال اإلحاطة بالشيء وأنه محال ‪ ،‬وهنا بيان سبب العلم ‪ ،‬وكيف‬
‫تحصيله إلى حد ليس فوقه إمكان إدراك ‪ .‬أي إنما يحصل أعلى درجات العلم بالشيء‬
‫حتى لو كان المعلوم به تعالى ؛ ألجاب من توجه إليه في دعوته ‪ ،‬لكنه أي ‪ :‬شيء كان‬
‫من الحق أو الخلق ‪ ،‬وبالنسبة إلى أي عالم من الحق أو الخلق ‪ ،‬وسواء كان شيئا‬
‫واحدا بالذات كالبسائط أو بالعرض كالمركبات أو أشياء كثيرة من حيث هي كثيرة ‪،‬‬
‫فهذه ثمانية أقسام ‪ :‬أن يعلم الحق نفسه وحدها ‪ ،‬أو مع العالم ‪ ،‬أو شخصا من العالم‬
‫وحده ‪ .‬أن مع غيره من العالم ‪.‬‬

‫أو يعلم أحد من الخلق الحق وحده ‪ ،‬أو مع العالم ‪ ،‬أو نفسه وحدها ‪.‬أو مع آخر من‬
‫العالم باالتحاد بالمعلوم وعدم مغايرة العالم له ‪ .‬وهذا في األول والسابع ظاهر ‪ ،‬وأما‬
‫في بقية األقسام ؛ فألن المعلوم ال ب هد وأن يحصل للعالم مثاله وينتقش في مرآة علمه‬
‫صورة بحيث ال يتميز غير المرآة في رأي العين ‪ ،‬وهذا هو المراد باالتحاد ‪ ،‬على أن‬
‫كل شيء متحد بالكل من حيث اإلطالق ‪ ،‬وهو الغاية في التجرد كمال علمه ‪ ،‬إذ ال‬
‫مغايرة في مقام اإلطالق ‪.‬‬

‫ثم استدل على ذلك بأن سبب الجهل إنما احتاج إلى السبب ؛ ألنه عارض بالنسبة إلى‬
‫الوجود ؛ ألنه يستلزم صفة العلم على ما مر ‪ ،‬فلهذا فسره بالمانع من كمال اإلدراك ‪،‬‬
‫ولم يجعله مانعا من نفس اإلدراك ؛ ألن كل شيء مدرك بوجه من الوجوه كالشيئية‬
‫والوجودية ‪ ،‬وذلك من آثار االتحاد في اإلطالق األصلي ‪ ،‬وليس ذلك السبب غير غلبة‬

‫‪145‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 146‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٤٦‬‬

‫حكم ما به يمتاز كل واحد من العالم والمعلوم عن اآلخر ‪.‬‬


‫ولما أوهم هذا النوع مصادرة على المطلوب ‪ ،‬نية بأنه بعد معنوي ‪ ،‬فيوجب الجهل ؛‬
‫ألن البعد حيث كان أي ‪ :‬سواء كان في األمور الحسية أو المعنوية مانع من كمال‬
‫إدراك البعيد ؛ إذ ال يعرف معه جميع عوارضه من الكيفيات والمقادير ‪.‬‬

‫هذا في البعد الحسي ظاهر ‪ ،‬وأما في المعنوي ‪ ،‬فبطريق القياس المسمى بالتمثيل في‬
‫الظاهر وبطريق التحقيق في الحقيقة ‪ ،‬أن البعد المعنوي موجب لعدم حصول أمثال‬
‫المعلوم للعالم على الكمال ‪ ،‬كما أن البعد الحسي مانع من تمثيل المرئي في حاسة‬
‫الرائي على الكمال ‪ ،‬وإذا علم أن البعد سبب الجهل ‪ ،‬فالقرب سبب العلم ‪ .‬ولما كانا‬
‫أمرين إضافيين غير متحدين بل مختلفين اختالفا غير منضبط ‪ ،‬فلهما درجات تفاوت‬
‫درجات العلم بالشيء والجهل به من حيث اإلحاطة بمقدار تفاوت غلبة حكم ما به يتحد‬
‫العالم بالمعلوم ‪.‬‬

‫ّللا عنه حكم ما به االتحاد بالقرب الحقيقي ؛ ألن القرب في المسافة‬ ‫وسمي رضي ه‬
‫والزمان والصفات قرب بالواسطة ‪ ،‬وهنا ال واسطة وإذا كان قربا حقيقيها ‪ ،‬كان رافعا‬
‫للفصل ‪ ،‬أي الفرق والمباينة الذي هو البعد الحقيقي أعم من الحسي والمعنوي ‪ ،‬والبعد‬
‫الحقيقي هو المشار إليه بأحكام ما به المباينة واالمتياز ‪ ،‬وقد أوهم كالمه األول‬
‫ّللا عنه قصد أوال ‪ ،‬أن البعد‬
‫اختصاصه بالمعنوي ‪ ،‬لكن ذلك الوهم مرتفع بأنه رضي ه‬
‫المعنوي مانع من كمال اإلدراك بالقياس على الحسي ‪ ،‬ثم بيهن بالدليل على أن البعد‬
‫حسيها أو معنويها ‪ ،‬مانع فسمي جميع أحكام المباينة واالمتياز بالبعد الحقيقي ‪ ،‬بمعنى أن‬
‫فيه حقيقة البعد ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وإذا شهدت هذا األمر وذقته بكشف محقق علمت أن سبب كمال‬ ‫قال رضي ه‬
‫علم الحق باألشياء إنما هو من أجل استجالئه إياها في نفسه ‪ ،‬واستهالك كثرتها‬
‫وغيريتها في وحدته ‪ ،‬فإن كينونية كل شيء في أي شيء كان ‪ ،‬سواء كان المحل‬
‫صوريها أو معنويها ‪ ،‬إنما يكون ويظهر بحسب ما تعين وظهر فيه ‪ ،‬ولهذا نقول ‪ :‬الحق‬
‫علم نفسه بنفسه ‪ ،‬وعلم األشياء في نفسه بعين علمه بنفسه ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬إذا شهدت بالبصيرة الباطنة المفيدة للوجدان الذي هو ذوق ‪ ،‬بكشف محقق الذي‬
‫يجعله بديهيها أن أعلى درجات العلم للشيء بالنسبة إلى كل عالم ‪ ،‬إنما هو باالتحاد‬
‫بالمعلوم‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 147‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٤٧‬‬

‫قيد حصوله بالشهود المذكور ؛ ألن الدليل السابق إنما يدل على اعتبار القرب في‬
‫الجملة ؛ ألن القرب الحقيقي ‪ ،‬إنما يوجد بالكشف والذوق ‪ ،‬وقيد الكشف بالمحقق ؛ ألن‬
‫الصورة ال تدل على ذلك ‪ ،‬إذ ال صورة بهذا القرب حتى يكون لها مثال ‪ ،‬بل هذا‬
‫القرب يكون وراء طور العقل علمت أن سبب كمال علم الحق باألشياء مع أنها كثيرة‬
‫ممكنة وعلمه واحد واجب ‪ ،‬إنما هو من أجل استجالئه إياه ‪ ،‬أي ‪ :‬إظهاره في نفسه‬
‫بحسب تعيناته بحيث مرآتها ‪ ،‬والمرآة متحدة بالمرئي ‪ ،‬وإذا اتحدت بمرآته استهالك‬
‫كثرتها وغيريتها في وحدته الوجودية ‪ ،‬فصارت واحدة واجبة ‪.‬‬

‫ولهذا قيل ‪ :‬الوحدة تساوق الوجود ‪ ،‬وكل ممكن محفوف بوجوبين ‪ :‬سابق وال حق ‪،‬‬
‫وإنما استهلك كثرتها وغيريتها في وحدة الحق إذا أتت في علمه مع أن حقائقها على‬
‫الكثرة ‪ ،‬واإلمكان الموجب للغير ؛ ألن كون كل شيء في شيء بحسب محله ال بحسب‬
‫نفسه ‪ ،‬سواء كان المحل معنويها كالعلم أو صوريها ‪ ،‬كالمرايا المتعارفة يكون تعينه‬
‫وظهوره بحسب المحل الذي تعين فيه فظهر فيه ‪ .‬فاألشياء لما ظهرت في علم الحق ‪،‬‬
‫كان ظهوره على الوحدة والوجوب ‪.‬‬

‫ولما ظهر الوجود في الحقائق ‪ ،‬كان ظهوره على الكثرة واإلمكان ‪ ،‬وإنما كانت‬
‫األشياء على الوحدة والوجوب في علم الحق ؛ لكونه في غاية الوحدة حتى اتحد فيه‬
‫المعلوم والعالم والعلم ‪ .‬ولهذا القول علم الحق نفسه بنفسه بعلم نفسه ‪ ،‬ال بمثال زائد ‪،‬‬
‫وال بمغايرة العالم للمعلوم ‪ ،‬وذلك كمال علمه باألشياء باعتبار علمه بنفسه باستجالئه‬
‫إياها فيه ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا تعالى ‪:‬كان ولم يكن معه‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬ولما ورد اإلخبار اإللهي بأن ه‬
‫قال رضي ه‬
‫شيء انتفت غيرية األشياء بالنسبة إلى الوحدة التي هي محلها العيني ‪ ،‬وثبتت أولية‬
‫الحق من حيث الوحدة ] ‪.‬‬

‫استدالل على وجوب األشياء ‪ ،‬وعدم غيريتها للحق باعتبار انتقاشها في العلم األزلي‬
‫باإلخبار النبوي الذي هو وجود إلهي لقوله تعالى ‪َ :‬إ ْن ُه َو َإ هال َو ْح ٌ‬
‫ي يُوحى [ النجم ‪:‬‬
‫ّللا كان ولم يكن معه شيء مع أن حقائق األشياء كانت‬ ‫‪ ، ] 4‬لكنه وحى خفي ب ‪ :‬إن ه‬
‫في علمه باإلجماع ‪ ،‬فال بد من تأويله بأنه ‪ ،‬لم يكن معه شيء يغايره ‪ ،‬فانتفت غيرية‬

‫‪147‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 148‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٤٨‬‬

‫األشياء بالنسبة إلى الوحدة التي هي ‪ ،‬أو هو محل لكون األشياء بالنسبة إلى الوحدة‬
‫التي هي أو هو محل ؛ لكون األشياء عين الحق والنسبة العلمية متعلقة به ‪.‬‬
‫ومن هنا ثبتت أولية الحق لألشياء ‪ ،‬بمعنى أنها كانت حقها أوال ‪ ،‬وأن الحق أولها من‬
‫حيث الوحدة التي لألشياء ‪ ،‬وإال فمن حيث كثرة حقائقها لم تكن حقها ‪ ،‬وال الحق أولها ‪،‬‬
‫وهي كثيرة مع وحدته ‪ ،‬لما يذكر بعد من أن الواحد ال يصدر عنه إال الواحد ‪ ،‬لكن‬
‫األشياء من حيث الوجود العام واحد ‪ ،‬فالحق أولها ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وبامتياز كثرة األشياء المتعلقة ثانيا الكامنة من قبل في ضمن‬‫قال رضي ه‬
‫الوحدة والجمع بينهما وبين الوحدة بالفعل ‪ ،‬ظهر الكمال المستجن في الوحدة أوال ‪،‬‬
‫فانفتح بذلك باب كمال الجالء واالستجالء الذي هو المطلوب الحقيقي ‪ ،‬وظهرت أحكام‬
‫الوحدة في الكثرة ‪ ،‬والكثرة في الوحدة ] ‪.‬‬

‫بيان كمال علمه تعالى التفصيلي باألشياء الكثيرة ‪ ،‬أي لما كانت األشياء كامنة في‬
‫ضمن الوحدة المذكورة التي هي التعين األول ‪ ،‬ولها كثرة اعتبارية من حيث تعلق‬
‫العلم الذاتي بها ‪ ،‬صارت متعلقة ثانيا من حيث الكثرة ‪ ،‬والتعقل بهذه الحيثية يقتضي‬
‫امتياز تلك األشياء بعضها من بعض ‪ ،‬فاجتمع هذا االمتياز مع الوحدة الحقيقية في‬
‫العلم الذاتي بالفعل ‪ ،‬فبهذا الجمع ظهر الكمال الذي كان للوجود مستجنها في الوحدة ‪،‬‬
‫وهو الكمال األسمائي ‪ ،‬وال يظهر إال في المظاهر ‪،‬‬
‫فانفتح بذلك الجمع باب كمال الجالء ‪ ،‬وهو ظهور الذات المقدسة لذاته في ذاته ‪،‬‬
‫وكمال االستجالء ظهورها لذاته في تعيناته ‪ ،‬أي اجتمع له الظهوران معا ‪ ،‬والجمع‬
‫بين الظهورين مطلوب حقيقي للذات ؛ إذ قال “ ‪ :‬كنت كنزا مخفيها فأحببت أن أعرف‬
‫“ “ ‪ ، “ 1‬وظهرت عند ذلك أحكام من الصفات الوجوبية في الكثرة ‪ ،‬أو صارت‬
‫بالفعل ‪ ،‬فاتصفت بالوجود بالفعل ال يكون بال وجوبين ‪ ،‬سابق وال حق على ما تقرر‬
‫في الحكمة وظهرت أحكام الكثرة من الصفات اإلمكانية في الوحدة ؛‬
‫ألنها لما تعلقت بالكثرة ‪ ،‬فظهرت في مراياها انصبغت بصبغتها ‪ ،‬فاتصفت الوحدة‬
‫بصفاتها ‪ ،‬فيما يلوح للناظرين ‪ ،‬وهي في الواقع صفات الكثرة ‪ ،‬وكانت أيضا في‬
‫الوحدة من حيث اشتمالها على الكثرة‪.‬‬
‫‪.......................................‬‬
‫) ‪( 1‬تقدم تخريجه‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 149‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٤٩‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬فوحدت الوحدة الكثرة ؛ لكونها صارت قدرا مشتركا بين‬ ‫قال رضي ه‬
‫المتكثرات المتميزة بالذات بعضها عن بعض ‪ ،‬فوصلت فصولها ؛ ألنها جمعت بذاتها‬
‫كما ذكرنا ‪ ،‬وعددت المتكثرات الواحد من حيث التعينات التي هي سبب تنوعات‬
‫ظهور الواحد بالصبغ واإلصباغ ‪ ،‬والكيفيات المختلفة التي اقتضتها اختالفات‬
‫استعدادات المتكثرات القابلة للتجلي الواحد فيها ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬لما ظهرت أحكام الوحدة في الكثرة ‪ ،‬جعلت الوحدة الكثرة أيضا واحدة ‪ ،‬لشمول‬
‫الوحدة جميع أفرادها شمول الكلي على جزئياته ‪.‬ففي ك هل شيء له آية * تد هل على أنهه‬
‫واحدوذلك لكون الوحدة صارت عند اتصاف أفراد الكثرة بها قدرا مشتركا بين‬
‫المتكثرات التي هي أفراد الكثرة ‪ ،‬فال تتميز من حيث الوحدة ‪ ،‬بل إنما يتميز بعضها‬
‫عن بعض بذواتها وماهياتها ويتميز ذواتها أيضا ‪،‬‬
‫وتميز ذواتها ليست بمجرد أنها ذوات ‪ ،‬لجواز تشاركها ‪ ،‬بل بفصول مميز لها‬
‫عرضت ألجناسها ‪ ،‬وهي وجودية لتقويمها األجناس ‪ ،‬فهي من حيث الحقيقة عين‬
‫الوحدة التي هي الوجود ‪ ،‬فوصلت الوحدة فصول الكثرة ؛ ألن الوحدة جامعة بذاتها‬
‫ذوات الكثرة ؛ ألنها شؤون الوحدة ‪ ،‬كما ذكرنا ‪.‬‬

‫فالعلم بالكثرة الفعلية كمال من حيث تعلق أحكام الوحدة بها ‪ ،‬وأما من جهة الكثرة‬
‫نفسها فال ؛ ألنه لما ظهرت أحكام الكثرة في الوحدة ‪ ،‬جعلت المتكثرات الوحدة‬
‫الظاهرة فيها متعددة بحسب تعينات عرضت للوحدة بالنسبة إلى ظهورها في الكثرة ‪،‬‬
‫فصارت التعينات سبب تنوعات ظهور الواحد بحسب الظاهر بصبغ للمظهر الظاهر‬
‫بلون أحكام اإلمكان ‪ ،‬وانصباغ الظاهر يظهر بلون أحكام الوجوب ‪،‬‬
‫فحصلت كيفيات مختلفة بحسب اختالف استعدادات في ماهيات المتكثرات التي كلها‬
‫قابلة للتجلي الواحد الذاتي ‪ ،‬فتكثر الواحد بحسب هذه االختالفات منصبغا بصبغها تكثر‬
‫صور الوجه الواحد في المرايا المختلفة ‪ ،‬وانصباغ الزجاجات المختلفة األلوان بنور‬
‫الشمس ‪ ،‬وانصباغ نوره المنعكس في ذاتها بألوانها ‪ ،‬فيعلم هذه الصور من حيث أنها‬
‫متحدة بصورة في الحقيقة ‪ ،‬مخالفة لها بهيئات بحسب استعدادات المظاهر ‪ ،‬فهاهنا‬
‫يتجدد نسبة لعلمه إلى تلك الهيئات ال تجددا زمنيها ‪ ،‬بل بحسب الرتبة من حيث أن هذه‬
‫الصور تابعة لصورته األصلية المعلومة‬

‫‪149‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 150‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٥٠‬‬

‫بالذات ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬فتجددت معرفة أنواع الظهورات واألحكام الالزمة لها التي‬
‫كما قال رضي ه‬
‫علوا وسفال‬
‫هي عبارة عن تأثير بعضها في البعض باإلبرام والنقض ظاهرا وباطنا ‪ ،‬ه‬
‫‪ ،‬مؤقتا وغير مؤقت ‪ ،‬مناسبا وغير مناسب ‪ .‬كل ذلك باالتصال الحاصل بينها بالتجلي‬
‫الوجودي الوجداني الجامع شملها كما ذكرنا ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬لما عددت المتكثرات الواحد بنوع ظهوراته في تعيناته مختلفة االستعدادات ‪،‬‬
‫اختلفت صور الواحد ‪ ،‬وبحسب ذلك تجددت ‪ ،‬أي ترتبت ترتبا طبيعيها على معرفة‬
‫الوحدة معرفة أنواع ظهورات الواحد ‪ ،‬التحاد الظاهر بالمظهر من حيث الوجود‬
‫والظاهر صورة المظهر اسم الفاعل ‪ ،‬وهي بالحقيقة عينه ‪ ،‬وغيريتها من حيث أنها‬
‫مثاله ‪ ،‬فأوجبت ترتب معرفتها على معرفة الوحدة الذاتية ‪ ،‬ولما كانت لهذه الظهورات‬
‫أحكام الزمة من كون بعضها مؤثرا في البعض باإلبرام ‪ ،‬كتأثير المطر في إنبات‬
‫الزرع والنقص ‪ ،‬كتأثير النار في إحراق الحطب ظاهرا ‪،‬‬
‫كما ذكرنا وباطنا كتأثير المقدمتين الموجبتين في إيجاب النتيجة ‪ ،‬وتأثير مقدمتين‬
‫علوا كتأثير العقول في النفوس ‪ ،‬وتأثير هما فيما دونهما إبراما‬
‫أحدهما سالبة في سلبها ه‬
‫ونقضا وسفال كتأثير العناصر بعضها في بعض بالكون والفساد ‪ ،‬ومؤقتا كتأثير العقول‬
‫في العناصر ‪ ،‬وتأثير العناصر بعضها في بعض ‪ ،‬وغير مؤقت كتأثير العقول في‬
‫النفوس مناسبا ‪ ،‬كتأثير األعمال الصالحة في إفادة السعادة ‪ ،‬وغير مناسب ‪ ،‬كتأثير‬
‫األعمال الفاسدة في إفادة الشقاوة والعذاب ‪.‬‬

‫فهذه كلها علوم مختلفة متجددة أي ‪ :‬مترتبة على الحكم بالوحدة وباالتصال الحاصل‬
‫بين تلك األمور ‪ ،‬وإن كان بينها تضاد بالتجلي الوجودي الوحداني المشترك بينها‬
‫الجامع شملها في علم أزلي أبدي مع تغير النسب التي بينه ‪ ،‬وبين هذه األشياء من‬
‫حيث تضادها ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬فالعلم والنعيم والسعادة على اختالف‬


‫قال المصنف في العظيم رضي ه‬
‫ضروب الجميع ‪ ،‬إنما هو بحسب المناسبة والجهل والعذاب والشقاء بحسب قوة أحكام‬
‫المباينة واالمتياز ‪ ،‬وأما امتزاج أحكام ما به االتحاد وأحكام ما به االمتياز ‪ ،‬فأبدى‬
‫السلطنة ومحتد كل جملة من تلك األحكام بضروب ما من المناسبة ‪ ،‬ومرجعها من‬
‫حيث اإلضافة ‪،‬‬

‫‪150‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 151‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٥١‬‬

‫ومستندها هو المسمى بمرتبة ‪ ،‬فافهم ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬إذا كانت أعلى درجات العلم بالشيء االتحاد بالمعلوم ‪ ،‬فمطلق العلم على اختالف‬
‫ضروبه ‪ ،‬وما يناسبه من النعيم والسعادة على اختالف ضروبها بحسب المناسبة التي‬
‫هي نوع اتحاد بين العالم والمعلوم ‪ ،‬وبين المتنعم والمتنعم به والسعيد وما يسعد به ‪،‬‬
‫والمعرفة واإليمان واألخالق واألعمال الصالحة لتحصل تلك المناسبة ‪ ،‬ولزم من‬
‫عكسه كون الجهل والعذاب والشقاء بحسب قوة أحكام المباينة ‪ ،‬واالمتياز بين الجاهل‬
‫والمجهول والمتعذب وما يتعذب به ‪ ،‬والشقي وما يشقى به ‪ ،‬واالمتناع عن الكفر‬
‫واألخالق الرديئة والمعاصي ؛ لئال تغلب أحكام المباينة ‪ ،‬واالمتياز بين العبد وبين ما‬
‫يتعذب ويتنعم به ‪.‬‬

‫وإنما أوجب قوة أحكام المباينة ذلك ؛ ألنها مقابلة ألحكام المناسبة ‪ ،‬فتعمل ما يقابل‬
‫عملها ‪ ،‬فلو ضعفت ‪ ،‬ثم تقابل المناسبة األصلية من حيث اتحاد الكل بالوجود ‪ ،‬وأما‬
‫امتزاج أحكام ما به االتحاد من األوصاف الوجوبية ‪ ،‬وأحكام ما به المباينة من‬
‫األوصاف اإلمكانية بحيث يكونان على استواء أو يتقاربان ‪،‬‬
‫فأبدي السلطنة ما دام موجودا ‪ ،‬فمن امتزجا فيه ‪ ،‬فهو عالم سعيد ‪ ،‬متنعم من وجه‬
‫دون وجه ‪ ،‬كأهل جنة األفعال سعداء حيث نجوا عن النار ‪ ،‬أشقياء بالنسبة إلى أهل‬
‫الجنة الصفات والذات ‪.‬‬
‫وأما الذي يدخل النار أوال ‪ ،‬ثم الجنة فمن غلبة أحكام المباينة عليه أوال ‪ ،‬ثم غلبة‬
‫أحكام االتحاد ؛ وذلك ألن قوة اإليمان كانت بأرواحهم ‪ ،‬وقوة األعمال الرديئة‬
‫بظواهرهم ‪ ،‬وما على الظاهر يمكن زواله ‪ ،‬بخالف ما على الباطل ‪.‬‬

‫ويمكن أن يقال ‪ :‬الجهل والعذاب والشقاء بحسب قوة أحكام المباينة واالمتياز ال غير ‪،‬‬
‫فإنها إذا لم تقو فال أثر لها في مقابلة المناسبة األصلية ‪ ،‬ثم نفي ما يتوهم من االتحاد‬
‫أنه ال يكون معه من أحكام ما به المباينة واالمتياز ‪ ،‬أصل فعال ‪ ،‬بل األمران دائمان‬
‫بعد الظهور ‪ ،‬فهو من حيث الوجوب حق واجب واحد في الكل دائما ومن حيث‬
‫التعينات والصفات الممكنة خلق دائما ‪.‬‬
‫ثم ذكر أن محتد ‪ ،‬أي ‪ :‬أصل كل جملة من أحكام ما به االتحاد ‪ ،‬وأحكام ما به المباينة‬
‫واالمتياز ‪ ،‬بضرب ما من المناسبة مع الوحدة الحقيقية هو المسمى بالمرتبة ‪ ،‬فلذلك‬
‫علمها الحق سبحانه وتعالى علما كامال ‪ ،‬فأثرت تلك المناسبة من جهته ه‬
‫عز وج هل فيهم‬
‫؛ ألنها أصلية ولم‬

‫‪151‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 152‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٥٢‬‬

‫تؤثر مناسبتهم في تحصيل ذلك العلم لهم ؛ ألنها فرعية فيهم ‪ ،‬فضعفت ؛ وذلك ألن‬
‫المناسبة وإن كانت أمرا مشتركا ‪ ،‬لكنها في كل شيء بحسب مرتبته ‪ ،‬فلذلك كان‬
‫مرجعهم من حيث اإلضافة ‪ ،‬أي مناسبة الحق للخلق أو مناسبة الخلق للحق هو‬
‫المسمى بالمرتبة ‪ ،‬فأثرها في رتبة الحق الذي وحدته أصلية أعلى من أثرها في مرتبة‬
‫الخلق الذي وحدته عارضة باعتبار الوجود ‪.‬‬
‫ولوال اعتبار هذا التفاوت ‪ ،‬لتساوى العلمان بوجود المناسبة المشتركة بين العالمين‬
‫الحق والخلق ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬ولما شرعت في كتابة هذا النص ‪ ،‬قيل لي في باطني في أثناء‬
‫قال رضي ه‬
‫الكتابة األحكام المضافة إلى الوحدة والواحد الحق والمعبر عنها بأحكام الوجوب ‪،‬‬
‫أصلها من حيث الوحدة ‪ ،‬حكم واحد هو حقيقة القضاء والمقادير أثر تعددات‬
‫المعلومات لذلك الحكم الواحد ‪ ،‬وظهور الوجود بموجب تلك التعديدات تأثرا أوال ‪،‬‬
‫وتأثيرا ثانيا في المعدودات بإعادة أثرها عليها ‪ ،‬فاعلم ذلك وتدبر غريب ما نبهت عليه‬
‫وّللا المرشد ] ‪.‬‬
‫تفز بالعلم العزيز ‪ ،‬ه‬

‫زيادة بيان لكمال العلم اإللهي إجماال وتفصيال ‪ ،‬مع بيان أن األول هو المسمى بالقضاء‬
‫‪ ،‬والثاني بالقدر مع شمول الذات للكل ؛ وذلك ألن األحكام المضافة إلى الوحدة التي‬
‫هي التعين األول والواحد ‪ ،‬الذي هو التعين الثاني أعني مرتبة األلوهية ‪ ،‬وهي األحكام‬
‫المعبر عنها بأحكام الوجوب ‪ ،‬وأصل جميع تلك األحكام من حيث الوحدة حكم واحد ‪،‬‬
‫هو حقيقة القضاء ‪ ،‬وهو العلم اإللهي بذاته في ذاته ‪ ،‬وال تعدد لها في مرتبة التعين‬
‫األول بالفعل ‪ ،‬فاالتحاد بالمعلومات هناك أشد ؛ ولذلك وجب الرضا به ‪ ،‬والمقادير‬
‫وقوع كل معلوم منها بقدره زمانا ومكانا ‪ ،‬واكتنافا لسائر العوارض أثر تعديدات تلك‬
‫المعلومات التي اشتملت عليها تلك الوحدة بالقوة لذلك الحكم الواحد من حيث تعلقه لها‬
‫بعد تعلقه بالذات الشاملة عليها ‪ ،‬وذلك األثر طلب كل معلوم ما يقبله بذاته أو بواسطة‬
‫أمر آخر ‪ ،‬واالتحاد هاهنا دون األول ‪ ،‬وهو العلم التفصيلي محل القدر ‪.‬‬

‫ثم ظهور وجود الواحد الحق من حيث أسماؤه على تلك المعلومات بموجب تلك‬
‫التعديدات تأثيرا في المراتب العالية من العقول والنفوس ‪ ،‬وتأثيرا ثانيا فيما دونها من‬

‫‪152‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 153‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٥٣‬‬

‫األجسام والجسمانيات ‪ ،‬إنما يكون في تلك المعدودات بإعادة آثارها التي هي عليها‬
‫حال ثبوت أعيانها ‪ ،‬فكمل العلم األزلي بها أيضا من حيث أنها ال تغاير ما في محل‬
‫القدر ‪ ،‬مع أنها متحدة بالوجود الواحد من وجه ‪ ،‬وإن اعتبر معها تلك اآلثار ‪ ،‬فإنها‬
‫عين تلك المعلومات أيضا ‪ ،‬إذ هي معادة ال مستقلة من كل وجه ‪.‬‬

‫فاعلم ذلك ‪ ،‬هو علم غريب ال يوجد في الكتب ‪ ،‬وفيه معرفة القضاء والقدر على وجه‬
‫وّللا المرشد إلى تحقيق أمثال هذه العلوم التي ال تنالها األفكار ‪ ،‬وال‬
‫ما لم يسبق إليها ‪ ،‬ه‬
‫تدركها األبصار ‪.‬‬

‫النص الثالث عشر ‪:‬‬


‫[ نص شريف يوضح بقية أسرار هذا النص ] ‪ ،‬ذكر فيه غاية ما يمكن من معرفة‬
‫األشياء غير الحق ‪ ،‬وما يمكن من االتحاد فيها ‪ ،‬وغاية االتحاد في المرآة التي هي‬
‫العلم األزلي ؛ وذلك ألن األشياء متباينة الذوات ‪ ،‬وإن الحق ال يمكن معرفته كما هو ؛‬
‫ألنه ال يمكن للعدم االتحاد بالوجود ‪ ،‬فإنه ال يمكن معرفته من جهة إطالقه بوجه من‬
‫الوجوه ؛ ألن المقيد من حيث هو مقيد ال يتحد بالمطلق من حيث هو مطلق ‪ ،‬وأنه ال‬
‫يتناهى تعيناته كأحوال اإلنسان ‪ ،‬فيعرفه اإلنسان من حيث اتحاد تلك األحوال بتلك‬
‫التعينات ‪ ،‬وهي أسماء الحق فتتقيد معرفة أسمائه ‪ ،‬وشؤونه الذاتية ‪ ،‬فيعلم من هناك‬
‫قضاءه وقدره ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬اعلم أن أعلى درجات العلم بالشيء ‪ ،‬أي شيء كان ما عدا‬ ‫قال رضي ه‬
‫الحق ‪ ،‬هو أن تعلمه بعلم يكون نتيجة رؤيتك إياه في علم الحق تماما ‪ ،‬ولهذا العلم‬
‫آيتان ‪ :‬أحدهما استغناؤك بما حصل لك من العلم به من معاودة النظر فيه ‪ ،‬وتكراره‬
‫طلبا لمزيد معرفته به ‪ ،‬فإن تجدد العلم بالشيء بطريق االزدياد ‪ ،‬بعد دعوى معرفة‬
‫سابقة به ‪ ،‬إنما موجبه نقصان العلم به أوال ‪ ،‬فلو كمل العلم به أوال الستغنى عن‬
‫االزدياد كما هو شأن الحق ‪ ،‬وذلك موقوف على كمال اإلحاطة العلمية بالمعلوم ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬اعلم أن أعلى درجات علم العلماء من اإلنس والمالئكة بالشيء ‪ ،‬أي شيء كان‬
‫من البديهيات أو النظريات ما عدا الحق ‪ ،‬فإن حصول أعلى درجات العلم به على نحو‬
‫ما يعلمه ‪ ،‬من المحاالت على ما مر ويأتي أيضا ‪ ،‬هو أن تعلم أنت ذلك الشيء بعلم‬
‫منحك رؤيتك عين ذاك الشيء ‪ ،‬وحقيقته في علم الحق عند اتصالك به بكشف الحجب‬
‫بينه وبين‬

‫‪153‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 154‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٥٤‬‬

‫قلبك تماما بجميع استعداداته من غير ذهول بالفناء ؛ بخالف تصوره بالتعريفات‬
‫النظرية ‪ ،‬إذ ال يخلو غالبا عن األوهام والخياالت الفاسدة قبل التصفية الكاملة ؛ ولهذا‬
‫ترى أكثر النظار يختلفون في التعريفات بعد بذلهم جهدهم فيها ‪.‬‬

‫ولحصول هذا العلم لك آيتان ‪ :‬أحدهما استغناؤك بما حصل لك من العلم اليقيني الذوقي‬
‫به ‪ ،‬مع صفاء القلب وذكاء النفس عن معاودة النظر فيه ‪ ،‬سواء بطريق العقل أو‬
‫الكشف ‪ ،‬وتكرار النظر لو اكتسبه أوال بالنظر بعد الصفاء ‪ ،‬والذكاء المذكورين طلبا‬
‫لمزيد المعرفة به ؛ إذ ال يمكن معاودته ؛ ليتمكن في القلب ‪ ،‬فقد تمكن ويتفرع عليه‬
‫معرفة لوازمه ‪.‬‬
‫وأما طلب مزيد المعرفة بعد دعوى المعرفة السابقة ‪ ،‬فإنما يمكن لنقصان في السابقة ‪،‬‬
‫إذ لو كانت كاملة من كل الوجوه ‪ ،‬فطلب الزيادة عليه ‪ ،‬طلب لوجه حاصل من تلك‬
‫الوجوه ‪ ،‬وهو تحصيل الحاصل الذي هو محال ؛ فلذلك لما كان علم الحق كامال من‬
‫كل الوجوه ‪ ،‬كان طلب الزيادة عليه محاال ‪.‬‬

‫نعم يمكن له طلب يفصل ما علمه كامال في ذاته ؛ ليتعلق به فعليها ‪ ،‬وحصول مثل هذا‬
‫العلم الموجب لالستغناء المذكور موقوف على كمال اإلحاطة العلمية بالمعلوم ؛ فلذلك‬
‫ّللا لغيره ‪.‬‬
‫لما استحال إحاطة المقيد بالمطلق ‪ ،‬امتنع ذلك في علم ه‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬واآلية األخرى التي يستدل بها على حصول هذا العلم وصحته‬
‫قال رضي ه‬
‫‪ ،‬هي أن ينسحب حكم علمه على الشيء حتى يتجاوز تقيده ‪ ،‬فينتهي إلى أن يرى آخره‬
‫متصال بإطالق الحق ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬واآلية األخرى الدالة على حصول هذا العلم بالشيء برؤيته إياه في علم الحق‬
‫تماما ‪ ،‬وعلى صحة ذلك العلم أي يصلح إلنيهته ولميته بخالف ما سبق ‪ ،‬فإنه يدل على‬
‫اآلنيهة ال غير ‪.‬‬
‫وإنما قال ‪ :‬يستدل بها ؛ ليشعر أنها دليل تشبه األدلة النظرية ‪ ،‬لما نذكر من وجه‬
‫االستدالل بها ‪ ،‬هي أن ينسحب حكم علمه ‪ ،‬أي يحيط أثره على الشيء بجملة أجزائه‬
‫وعوارضه ‪ ،‬وسائر جهاته حتى يتجاوزه إلى ما فوقه من الذاتيات والعوارض ‪ ،‬وهكذا‬
‫ذاتيات وعوارض فوق هذه الذاتيات والعوارض التي لما فوقه ‪ ،‬وهلم ‪ . . .‬حتى ينتهي‬
‫إلى حيث يرى آخر ذلك الشيء ‪ ،‬أي آخر متصورات التصور عند اإلحاطة بتصورات‬
‫الشيء‬

‫‪154‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 155‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٥٥‬‬

‫وتصور ما فوقه ‪ ،‬وهكذا متصال بإطالق الحق الذي ليس وراءه شيء ‪ ،‬فيكون عالما‬
‫به علما تاما ‪ ،‬وذلك ال يكون إال برؤيته في علم الحق ‪ ،‬إذ هو من جملة الوسائط شامل‬
‫على الغاية والبداية وما بينها بما ال يتناهى ‪.‬‬

‫ّللا تعالى ال يمكن معرفته ‪ ،‬لعدم تناهيه مع استحالة‬


‫ولما فهم من الدليل األول أن ه‬
‫إحاطة المتناهي بما يتناهى من غير كافة ‪ ،‬لم يذكر هناك وذكر هاهنا ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬والعلم بالحق ليس كذلك ‪ ،‬فإنه إنما يتعلق به من حيث‬
‫فلذلك قال رضي ه‬
‫تعينه سبحانه في مرتبة أو مظهر أو حال أو حيثية أو اعتبار ‪ ،‬وكلما انضبط للعالم به‬
‫بتعينه من إحدى الوجوه المذكورة ‪ ،‬يظهر علمه ‪ ،‬ويتعين له من مطلق الذات بحسب‬
‫حال المتجلي له ‪ ،‬إذ ذاك ما لم يسبق تعينه قبل ذلك ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬ومن علم بالحق ال يمكن أن ينسحب حكم علمه عليه ‪ ،‬حتى يتجاوزه ؛ ألن علم‬
‫الحق به إنما يتعلق به من حيث تعينه في مرتبة من األحدية ‪ ،‬أو الواحدية ‪ ،‬أو مظهر‬
‫من األرواح ‪ ،‬أو األجسام ‪ ،‬أو حال من الظهور والبطون ‪ ،‬أو حيثية من اإلطالق‬
‫والتقييد ‪ ،‬أو اعتبار من ال يتقيد بشيء من ذلك ‪ ،‬وال منافاة له ‪.‬‬
‫وكل هذه األشياء تعينات ‪ ،‬إذ اإلطالق الحقيقي أمر سلبي ‪ ،‬ومع ذلك ما انضبط للعالم‬
‫به عند تعلقه باعتبار تعين من التعينات المذكورة ‪ ،‬فإنما يظهر له ويتعين في تعلقه ما‬
‫لم يسبق تعينه الذي قبل ذلك التعين ‪ ،‬ومع ذلك هو من مطلق الذات ‪ ،‬إنما يكون بحسب‬
‫حال المتجلي له ‪ ،‬فأين اإلطالق الحقيقي ؟ وهو عن تصور ما وراءه ‪ ،‬ويتقيد اإلطالق‬
‫بتصورات ما وراءه ‪.‬‬
‫ثم استدل على أن تعيناته ال تتناهى ‪ ،‬وإن كان يتصور في بعضها ؛ ألنها مرتبة‬
‫اإلطالق ‪.‬‬
‫قال قده ‪ [ :‬فكلما ال تنتهي أحوال اإلنسان إلى غاية تقف عندها ‪ ،‬فكذلك ال تتناهى‬
‫تعينات الحق ‪ ،‬وتنوعات ظهوراته لْلنسان بحسب أحواله التي هي تعينات مطلق ذات‬
‫الحق ‪ ،‬وتنوعات ظهوراته] ‪.‬‬
‫وقد سبق التنبيه في غير هذا الموضع على أن األسماء أسماء األحوال ‪ ،‬وعلى أن‬
‫األعيان تتقلب عليها األحوال‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 156‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٥٦‬‬

‫بخالف الحق ‪ ،‬فإنه يتقلب في األحوال ‪ ،‬كما أخبر سبحانه عن ذلك بقوله ‪ُ :‬ك هل يَ ْو ٍم ُه َو‬
‫َفي شَأ ْ ٍن [ الرحمن ‪ ، ] 29 :‬فافهم ‪ ،‬وال تتأول بل اجتهد أن تعاين أوال فآمن وأسلم‬
‫وّللا الموفق والملهم ‪.‬‬ ‫تسلم ‪ ،‬ه‬
‫أي ‪ :‬وكما ال تنتهي أحوال اإلنسان إلى غاية ال يكون وراءها له حالة ؛ ألنه بدأ يتغير‬
‫عليها األحوال كل حين ‪ ،‬كما هو شأن المشاهد ‪ ،‬وهو تعينات الذات المطلق ‪،‬‬
‫ومتنوعات ظهوراته ال تنتهي تعينات الحق وتنوعات ظهوراته لْلنسان بحسب تلك‬
‫األحوال ‪ .‬والفرق بين التعينات وتنوعات الظهور ‪،‬‬
‫أن التعين سبب للظهور ؛ الكتنافه بالصفات الموجبة له ؛ وتنوعات الظهور إنما هو‬
‫الختالف التعينات باختالف الصفات واألحوال اإلنسانية لما كانت مظهر الذات باعتبار‬
‫الصفات ‪ ،‬فهي متنوعة لظهوره ‪ ،‬استلزم تنوع الظهورات اختالف التعينات ‪ ،‬ولزم‬
‫بكل ظهور تعين مناسبة ‪ ،‬فأحوال اإلنسان هي المعينات والمنوعات ؛ ولذلك كانت‬
‫األسماء اإللهية التي هي بحسب التعينات أسماء له بالنسبة إلى أحوال اإلنسان ‪ ،‬إذ هي‬
‫التي استلزمت تلك التعينات ‪ ،‬بواسطة استلزامها ‪ ،‬تنوعات الظهور المستلزمة اختالف‬
‫التعينات‪.‬‬
‫وقد سبق التنبيه على ذلك في غير هذا الموضع من كتب القوم ‪ ،‬وعلى عدم تناهيها‬
‫بقوله تعالى ‪ُ :‬ك هل يَ ْو ٍم ُه َو فَي شَأ ْ ٍن [ الرحمن ‪ ، ] 29 :‬واأليام ال تتناهى فهكذا‬
‫شؤونها‪.‬‬

‫ولما كانت الشؤون بحسب األعيان الثابتة ‪ ،‬وكلها في اإلنسان بجمعيته ‪ ،‬فأحوال‬
‫اإلنسان ال تناهى ‪ ،‬فهكذا ما يلزمها من تنوع الظهورات ‪ ،‬وما يلزمها من تكثرات‬
‫التعينات إلى غير النهاية ‪ ،‬ولما كانت غير متناهية ‪ ،‬امتنع اإلحاطة بها ‪ ،‬فكيف‬
‫يتجاوز إلى ما ورائها حتى يقيد بذلك ‪ ،‬فافهم ‪ .‬وال تتأول شيئا مما ذكرنا ‪ ،‬فإنه على‬
‫ظاهره ‪ ،‬بل اجتهد أن تعاين هذا األمر ‪ ،‬فآمن به أوال ‪ ،‬وأسلم تسلم من الخطأ في‬
‫وّللا الموفق‬
‫ادعاء معرفة ما ال يمكن معرفته ‪ ،‬أعني الحق من جهة جميع تعيهناته ‪ ،‬ه‬
‫لهذه المعرفة التي هي معرفة العجز عن حقيقة المعرفة ‪ ،‬والملهم بإلقاء ما تحقق امتناع‬
‫وّللا أعلم‪.‬‬
‫الوصول إليه ‪ ،‬ه‬

‫النص الرابع عشر‪:‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬نص جليل ] ‪ ،‬لما ذكر في النص السابق اتحاد الحق بالكل حتى‬
‫قال رضي ه‬
‫كمل علمه به مع عدم اتحاد الكل به ‪ ،‬حتى عجزوا عن معرفته باعتبار العينات فضال‬
‫عن اإلطالق سبب هذه الجاللة الساترة لالتحاد ‪ ،‬ولذلك سمي النص جليال ‪ ،‬وهو أن‬
‫االتحاد في‬

‫‪156‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 157‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٥٧‬‬

‫اإلطالق لما غلب ‪ ،‬لم يظهر فيه الكثير ‪ ،‬وإن كان له وجه النهاية اتحد بها والتقييد ‪،‬‬
‫وإن كان له وجه إلى اإلطالق ‪ ،‬لكنه لم يغلب فيه ‪ ،‬فلم يظهر فيه بل ظهرت الكثرة‬
‫لكونها فعلية فيه ‪ ،‬لكن بقدر ما ظهرت الوحدة فيه ‪ ،‬يعرف اإلطالق ال كما يعرفه‬
‫المطلق ‪.‬‬
‫ّللا عليه ‪ [ :‬اعلم أن ليس في الوجود موجود يوصف باإلطالق إال وله‬ ‫قال رضوان ه‬
‫وجه إلى التقييد ‪ ،‬ولو من حيث تعينه في تعقل متعقل ما أو متعقلين ‪ ،‬وكذلك ليس في‬
‫الوجود موجود محكوم عليه بالتقيد إال وله وجه إلى اإلطالق ‪ ،‬ولكن ال يعرف ذلك إال‬
‫من عرف األشياء “ ‪ “ 1‬معرفة تامة بعد معرفة الحق ‪ ،‬ومعرفة كل ما يعرفه به ‪،‬‬
‫ومن لم يشهد هذا المشهد ذوقا لم يتحقق بمعرفة الحق والخلق ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬كل موجود من الحق والخلق ‪ ،‬موصوف باإلطالق ‪ ،‬فله وجه إلى التقييد ال محالة‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬متصف بالتقييد ‪ ،‬أو قابل لالتصاف به ‪ -‬وإن لم ينحصر فيه ‪ -‬ومن هاهنا اتحد‬
‫الحق بالخلق والخلق بالحق ‪ ،‬وبعض الخلق ببعض ‪.‬‬

‫وأقله أن يتقيد المطلق بتعينه في تعقل متعقل ما ‪ ،‬فإن تعقل الشيء يقتضي تعينه بمثال‬
‫يميزه عما سواه ‪ ،‬ذاتيها أو عرضيها ولو بحسب فرد ‪ ،‬فيتقيد به على إطالقه بنفسه ‪ ،‬أو‬
‫في تعقل جمع من المتعقلين ‪ ،‬فإنه يتعين في كل مثال ال يكون عين اآلخر بالشخصية ‪،‬‬
‫سيما إذا تغايرت األمثلة بالنسبة إلى أذهانهم ‪ ،‬وكذا كل محكوم عليه بالتقييد من‬
‫الموجودات ‪.‬‬

‫وإنما قال ؛ ألن المطلق يمتنع الحكم عليه ما لم يعرف له وصف ‪ ،‬فإذا عرف حكم به‬
‫عليه سيما إذا انحصر فيه له وجه إلى اإلطالق ‪ ،‬وإن كان منحصرا في القيد ؛ ألن‬
‫القيد وصف موضعه المطلق ‪ ،‬ويجوز أن يعرف ذلكم الوصف ‪ ،‬فيرجع إلى األصل ‪.‬‬
‫وال يجوز رفع ذلك الموصوف ‪ ،‬المتناع قيام الوصف بدونه ‪ ،‬فالموجود من كل مقيد‬
‫هو الوجود المطلق الحق الواجب بذاته ‪ ،‬فالموصوف يتقيد بصفات المظاهر ‪ ،‬ولكن ال‬
‫يعرف ذلك إال من عرف األشياء معرفة تامة ‪ ،‬إنها ماهيات معدومة انضمت إلى‬
‫الوجود فاتصف بمراياها ‪ ،‬فصارت أوصافه قيودا ‪ ،‬والماهيات العدمية ليست صفة له‬
‫‪ ،‬وإال اتصف الموجود بالمعدوم الذي هو ضده ‪ ،‬وال موصوفه وإال اتصف الموجود‬
‫بالمعدوم ‪ ،‬بل الموصوف هو الوجود المطلق ‪ ،‬والصفات هي القيود الالحقة به عند‬
‫إضافته إلى الماهيات ‪،‬‬
‫‪..............................................‬‬
‫) ‪( 1‬أي أن الماهيات األعيان الثابتات باقية على عدميتها ‪ ،‬والحق تعالى يظهر‬
‫بأحكامها‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 158‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٥٨‬‬

‫أي ‪:‬الظاهرة عند ذلك بعد ما كانت مندمجة في الذات المطلقة ‪ ،‬وإنما ال يعرف ذلك‬
‫إال بمعرفة أن الحق هو الوجود المطلق ‪ ،‬وال يعرف ذلك إال بمعرفة أنه موجود بالذات‬
‫‪ ،‬واجب غير قابل االتصاف بالعدم واالنقالب إليه ‪ ،‬وال من األمور العقلية التي ال‬
‫تحقق لها في الخارج بل الكل متحقق به ‪ ،‬وهو متحقق بذاته ‪ ،‬وأنه ال وجود لغيره ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ ( :‬ومن لم يشهد هذا المشهد ‪ ) . .‬بأن الوجود هو المطلق ‪ ،‬وإن‬ ‫ثم قال رضي ه‬
‫ظهر بالقيود باعتبار نسبة إلى المظاهر ‪ ،‬وأن الحقائق معدومة لم يتحقق بمعرفة الحق‬
‫الذي ذكرنا أنه الوجود المطلق ‪ ،‬وأطلق بأنه الماهيات التي نسب إليها الوجود ‪ ،‬فليس‬
‫الحق من عوارض الماهيات أو معروضاتها ‪ ،‬فال يتكثر بتكثرها وال يتعين ‪ .‬وال الخلق‬
‫موجود بأنفسهم ‪ ،‬بل به ‪ ،‬فهم على مستقر العدم والحق كما لم يزل ال شيء معه في‬
‫القدم ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫النص الخامس عشر ‪:‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬نص في بيان سر الكمال واألكملية ] ‪ :‬لما ذكر في النص‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫السابق أن لكل مطلق وجها إلى التقييد أوهم أنه ينتقد بذلك ‪ ،‬لمنافاته بقية القيود حينئذ ‪،‬‬
‫ويوهم أيضا أنه يكمل بذلك القيد إذ عدمه كان نقصا فيه ‪ ،‬فأشار إلى المسألة األولى‬
‫بسر الكمال ‪،‬‬
‫ّللا عنه ‪:‬‬
‫وإلى الثانية بسر األكملية مع تمهيد مقدمة أشار إليها بما قال الشيخ رضي ه‬
‫[ اعلم أن للحق كماال ذاتيها وكماال أسمائيها يتوقف ظهوره على إيجاد العالم ‪ ،‬والكماالن‬
‫معا من حيث التعين أسمائيات ؛ ألن الحكم من كل حاكم على كل أمر ما مسبوق بتعين‬
‫المحكوم عليه في تعقل الحاكم ‪ ،‬فلو ال تعقل ذات الحق قبل إضافة األسماء إليه ‪،‬‬
‫وامتيازه بغناه في ثبوت وجوده له عما سواه ‪ ،‬لما حكم بأن له كماال ذاتيها ‪ ،‬وال شك أن‬
‫كل تعين يتعقل الحق هو اسم له ‪ ،‬فإن األسماء ليست عند المحققين إال تعينات الحق ‪،‬‬
‫فإذن كل كمال يوصف به الحق ‪ ،‬فإنه يصدق عليه ‪ ،‬أنه كمال أسمائي من هذا الوجه ‪.‬‬

‫وأما من حيث أن انتشاء أسماء الحق من حضرة وحدته ‪ ،‬هو من مقتضى ذاته ‪ ،‬فإن‬
‫جميع الكماالت التي يوصف بها ‪ ،‬كماالت ذاتية ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬الكمال الالزم للحق له اعتباران ‪ :‬فإنه باعتبار ينقسم إلى ذاتي وأسمائي ‪ ،‬فالذاتي‬
‫ما ال يتوقف وجوده وال ظهوره على شيء ‪ ،‬بل هو ظاهر لذاته في ذاته أزال وأبدا من‬
‫غير توقف على التعينات والتقيدات ‪ ،‬وباعتبار الحق غني عن العالمين ‪ ،‬والكمال‬
‫األسمائي وإن لم‬

‫‪158‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 159‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٥٩‬‬

‫يتوقف وجوده على شيء ‪ ،‬يتوقف ظهوره وحصوله بالفعل على إيجاد العالم ؛ ألن‬
‫األسماء نسب بين الذات واألشياء ‪ ،‬فال يتحقق إال بالمنتسبين ‪ ،‬وليس ذلك استكماال‬
‫للذات ‪ ،‬بل لظهورها في المظاهر بعد كمال ظهورها لذاتها ‪.‬‬
‫وباعتبار آخر ‪ ،‬وهو اعتبار ‪ ،‬أن الحكم بالكمال للحق ‪ ،‬يتوقف على تعينه ‪ ،‬فالكماالن‬
‫معا أسمائيها ‪.‬‬

‫ما الذي جعلناه أسمائيها في االعتبار األول ‪ ،‬فظاهر ‪ ،‬وأما ما جعلناه ذاتيها هناك ؛ فألنه‬
‫إذا حكمنا على الذات بأنها كاملة ‪ ،‬فال ب هد من تصور الذات الكاملة ‪ ،‬والنسبة بينها ‪،‬‬
‫وتصور الذات إنما هو بتميزها عما عداها ولو بوجه ما ‪ ،‬فإذا عرف أنه كامل فقد‬
‫تصور أنه متميزا ولو بعارض ‪ ،‬ككونه لم يضف إليه األسماء بعد ‪ ،‬وأنه ممتاز بغناه‬
‫في ثبوت وجود عما سواه ‪ ،‬وكل ما تتصور متميزا عن الغير ‪،‬‬
‫فهو متعين وال شك أن كل تعين يتعقل للحق هو اسم له ؛ ألنه معقول بالنسبة إلى الغير‬
‫ولو باعتبار التميز عنه ‪ ،‬ولهذا كانت األسماء تعينات الحق عند المحققين ‪ ،‬إذ هي من‬
‫حيث أنها نسب أمور معدومة ‪ ،‬وال أثر للمعدوم في الوجود ‪ ،‬فاألسماء بالحقيقة تعينات‬
‫الحق باعتبار تلك النسب ‪ ،‬فلما كان كل تعين اسما وال حكم بالكمال على الحق قبل‬
‫التعين ‪ ،‬فكل كمال اسمي ‪ ،‬وإن لم يتوقف ظهوره على إيجاد الغير‬
‫‪.‬‬
‫وباعتبار ثالث أن الكمالين ذاتيان ‪ :‬أما الذي جعله ذاتيها في االعتبار األول فظاهر ‪،‬‬
‫وأما الذي جعلناه اسميها هناك ؛ فألن جميع األسماء من حضرة وحدته الذي اشتق منها‬
‫األحدية والواحدية ‪ ،‬واألسماء منتشية من الواحدية ‪ ،‬والمنتشيء من المنتشيء من‬
‫شيء منتش من ذلك الشيء مع أن االنتشاء مقتضي ذاته ‪ ،‬إذ كانت كامنة فيه ‪ ،‬فالكل‬
‫متقضي الذات ‪ ،‬ومنتش منها فينسب إليها ‪ ،‬فجميع الكماالت التي يوصف بها الحق‬
‫كماالت ذاتية من هذا االعتبار ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وإذا تقرر هذا ‪ ،‬فنقول ‪ :‬من كان له هذا الكمال‬
‫قال الشيخ الصدر رضي ه‬
‫من ذاته ‪ ،‬فإنه ال ينقص بالعوارض واللوازم الخارجية في بعض المراتب معنى أنها‬
‫تقدح في كماله ] ‪.‬‬

‫إشارة إلى المسألة األولى أي من ثبت له الكمال من ذاته ‪ ،‬فهو له أزال وأبدا ‪ ،‬فال‬
‫ينقص كماله إذا تقيد باعتبار مرتبة أو مظهر بقيود هي من العوارض الزائلة ‪ ،‬أو‬
‫اللوازم الخارجية ‪ ،‬وإذا كانت تلك القيود تقابل أضدادها وما يناقضها ‪ ،‬لكنه ال تفيده‬
‫نقصا بمعنى‬

‫‪159‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 160‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٦٠‬‬

‫قدحها في كماله المطلق ؛ ألن القيد إنما يلحقه باعتبار مرتبة ‪ ،‬ال باعتبار غيرها ‪ ،‬فهو‬
‫على إطالقه ‪ ،‬وإذا كان على إطالقه فهو على كماله ‪.‬‬
‫أما باعتبار انقسام الكمال الذاتي واألسمائي ؛ فألن الذات ال تتغير بتغيرات األسماء ‪،‬‬
‫كما أنها ال تتكثر بتكثرها ‪ ،‬فالنقص من جهة عدم اعتبار بعض األسماء في تلك‬
‫المرتبة ‪ ،‬ال تضره باعتبار اإلطالق ‪.‬‬

‫وأما باعتبار كون الكل اسميها ؛ فألنه ال يفتقر شيء ‪ ،‬منها باعتبار مرتبة التعين األول‬
‫‪ ،‬وإن فقد البعض باعتبار سائر المراتب ‪ ،‬وإن فقد مرتبة ‪ ،‬لم يفقد في أخرى ‪.‬‬
‫وأما على اعتبار كون األول ذاتيها ؛ فألن الذات منشأ جميع المراتب ‪ ،‬فهو كما أنه‬
‫منشأ األول فهو منشأ منشأ األولى ‪ ،‬فهو منشأ جميع الكماالت ‪ ،‬فافهم ‪“ .‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وال جائز أن يتوهم في كماله نقص أيضا بحيث يكمل بها بل قد‬
‫قال رضي ه‬
‫يظهر بالعوارض واللوازم في بعض المراتب ‪ ،‬وصف أكمليته ‪ ،‬ومن جملتها معرفة‬
‫أن هذا شأنه ] ‪.‬‬

‫إشارة إلى أن الثانية ‪ ،‬أي ‪ :‬وال يجوز أيضا أن يتوهم أن المطلق يكمل بالقيد بحيث‬
‫يكون ناقصا بذاته كامال به ‪ ،‬بل كماله الذاتي بحاله ويظهر بالعوارض واللوازم في‬
‫بعض المراتب ‪ ،‬كمرتبة اإلنسان الكامل وصف أكمليته باألسماء هذا على اعتبار‬
‫انقسام الكمال إلى الذاتي واألسمائي ظاهر ‪.‬‬

‫وأما على اعتبار كون الكل اسميها ؛ فألن الكمال بحسب التعين األول بحاله ‪ ،‬وإنما زاد‬
‫وصف األكملية بحسب التعينات الباقية ‪ .‬وأما على اعتبار كون الكل ذاتيها ‪ ،‬فألن الذي‬
‫بال واسطة شيء بحاله ‪ ،‬وإنما زاد ما هو بالواسطة ‪ ،‬ثم استشعر سؤاال ‪ ،‬بأن فيه‬
‫استكمال الذات بالكمال ‪ ،‬ظهر وصف األكملية بظهوره في شؤونه ‪ ،‬فهي داخلة في‬
‫الذات مشهودة فيها موجودة ثمة ‪ ،‬فما حصل لها من األكملية شيء لم يكن ‪ ،‬بل إنما‬
‫زاد نسبة الظهور بها في المظاهر ‪ ،‬والنسبة أمر عدمي ‪ ،‬وإنما اعتبر المعرفة ؛ ألن‬
‫في مرتبة اإلطالق ال تتميز الشؤون أصال ‪ ،‬بل هي بالقوة ‪ ،‬وال كمال لما هي بالقوة‬
‫من كل وجه ‪.‬‬
‫النص السادس عشر ‪:‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬نص شريف جدها ] لما ذكر في النص السابق بحث الكمال ‪،‬‬ ‫قال رضي ه‬
‫وهو وصف فال ب هد من معرفة الموصوف بحسب المراتب الحقيقية وشرع فيها‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 161‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٦١‬‬

‫وإنما كان شريفا لشموله الحقائق الموصوفة به أجمع ‪ ،‬وإنما كان شرفه جدها إلفادة‬
‫المعرفة التامة بالموصوفات والصفات ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه بنفسه من حيث تعينه‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫في تعلقه نفسه باعتبار يوحد العلم والعالم والمعلوم ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬الحقيقة التي يتميز بها الحق عما عداه تميزا ذاتيها ‪ ،‬هي صورة علمه بنفسه ‪ ،‬أي‬
‫إن فرضت مغايرة لذي الصورة ‪ ،‬كانت مطابقة له تعلق ذلك العلم بنفسه من حيث‬
‫تعينه الضروري الذي يلزم تعقله لنفسه ‪ ،‬واحترز به عن تعقله نفسه من حيث الظهور‬
‫في المظاهر أو من حيث تعقل الغير إياه ‪ ،‬وليس تعلق ذلك العلم بنفسه باعتبار زيادة‬
‫الصورة على ذي الصورة وزيادة النسبة بينهما ؛ فإنه مثل هذا العلم يكون حجابا على‬
‫المعلوم ‪ ،‬تعالى علم الحق عن ذلك ‪ ،‬على أنه يستلزم التعدد في رتبة التعين األول ‪،‬‬
‫وهي بسيطة من جميع الوجوه ‪ .‬بل باعتبار توحد العلم والعالم والمعلوم ‪ ،‬لعدم زيادة‬
‫الصورة ونسبها على ذي الصورة ‪ ،‬واحترز بذلك عن تعقله نفسه في رتبة األسماء ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وصفته الذاتية التي ال تغاير ذاته ‪ ،‬أحدية جمع ال يتعقل وراءها‬
‫قال رضي ه‬
‫جمعية ‪ ،‬وال نسبة وال اعتبار ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬والصفة الذاتية ذكرها ؛ ألن الذات إنما يعرف بها معرفة هي غاية ما يمكن من‬
‫المعارف ‪ ،‬وهي التي ال تغاير الذات بحسب الصدق وإن غايرته بحسب المفهوم ‪ ،‬وإال‬
‫امتنع القول بالموصوف والصفة أحدية جمعية الوجود ومراتبه وأوصافه ال يتعقل‬
‫وراءها جمعية الجتماع أحدية الفرق ‪ ،‬والجمع فيها من غير منافاة بينهما ‪ ،‬بل‬
‫يجمعهما من غير تقيد بهما ‪ ،‬وال نسبة اختصاص ألحد األمرين من الجمع والفرق ‪،‬‬
‫بل بجمع الكل بال تقيد بالجمع ‪ ،‬وال اعتبار إطالق فوقه ‪ ،‬بل بحيث يشمل اإلطالق‬
‫والتقييد من غير أن يتقيد بالشمول ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬والتحقق بشهود هذه الصفة “ ‪ “ 1‬ومعرفتها تماما ‪ ،‬إنما‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫يكون بمعرفة أن الحق في كل متعين قابل للحكم عليه بأنه متعين بحسب األمر‬
‫المقتضي إدراك الحق فيه متعينا مع العلم ‪ ،‬بأنه غير محصور في التعين ‪ ،‬وأنه من‬
‫حيث هو هو غير متعين ]‪.‬‬
‫‪................................................‬‬
‫) ‪( 1‬يعني الصفة الذاتية‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 162‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٦٢‬‬

‫أي ‪:‬إنما يشاهد هذه الصفة شهودا حقيقيها بحيث يصير عين اليقين أو حقه بمشاهدة أنه‬
‫الحق ‪ ،‬ومعرفتها تماما بحيث يصير علم اليقين ‪ ،‬إما يكون بمعرفة أنه الحق في كل‬
‫متعين رتبة أو فرعا أو شخصا قابل ؛ ألن يحكم عليه بالتعين ‪ ،‬ال بحسب ذاته بل‬
‫بحسب األمر المقتضي إدراك الحق فيه متعينا من الحواس أو العقول ‪ ،‬أو تجليه‬
‫بحسب األسماء المختصة بتلك المرتبة مع علم المشاهد والعارف بأنه غير محصول‬
‫في التعين أصال ‪ ،‬فضال عن تعينه في تلك المتعين المخصوص بالمشاهدة أو المعرفة‬
‫في الحال مع العلم بأنه من حيث هو غير متعين ‪ ،‬وإنما يتعين بحسب المراتب ‪ ،‬فهو‬
‫على صرافة إطالقه في حال تعينه ‪ ،‬فإذا عرف ذلك عرفها بأحدية جمع ال يتعقل‬
‫وراءها شيء مما ذكر ‪ ،‬ولما جعل هذه الصفة ‪ ،‬ال تغاير الذات افتقر إلى بيانه ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وهذا هو صورة علمه بنفسه ‪ ،‬فيعرف ذاته متعينا بالنسبة إلى‬
‫فقال رضي ه‬
‫ظهوره في المتعينات بحسبها ‪ ،‬وبالنسبة إلى من لم يشهده ‪ ،‬وإال في مظهر ‪ ،‬ويعرف‬
‫سبحانه أنه من حيث هو هو غير متعين أيضا حال الحكم عليه بالتعين لقصور إدراك‬
‫من لم يدركه إال في مظهر ‪ ،‬وسواء اعتبر المظهر عين الظاهر أو غيره “ ‪“ ] . 1‬‬
‫أي ‪ :‬كونه في كل متعين للحكم بأنه يتعين بحسب ما يقتضي إدراكه فيه ‪ ،‬كذلك مع‬
‫العلم بأنه غير محصور فيه ‪ ،‬وال متعين ‪ ،‬من حيث هو هو ‪ ،‬هي صورة علمه بنفسه ‪،‬‬
‫بحيث كانت زائدة طابقت حقيقته ‪ ،‬فيعرف في علم نفسه ذاته متعينة بالنسبة إلى‬
‫ظهوره في المتعينات بحسب استعداداتها وقابلياتها لتجليه مع كونه غير متعين وال‬
‫منحصرا فيه ‪ ،‬ويعرف ذاته أيضا متعينة بالنسبة إلى من لم يشهده إال في مظهر ‪ ،‬فإن‬
‫علم ذلك الشخص ظل ‪ ،‬فعلم الحق بعينه الثابت ‪ ،‬لكنه سبحانه يعرف مع ذلك ال من‬
‫حيث تعلق علمه بعينه ‪ ،‬بل من حيثية غيرها أنه من حيث هو غير متعين ‪ ،‬ولو حال‬
‫الحكم بالتعين ‪.‬‬

‫وإنما لم يكن بتلك الحيثية ‪ ،‬علم الحق سبحانه بعينه ‪ ،‬لقصور إدراكه ‪ ،‬فال يعلم بذلك‬
‫العلم إال من هو مدركه ؛ ألن العلم بالشيء تابع للمعلوم ‪ ،‬وسواء كان في قصور‬
‫ّللا مقيدا ببعض األشياء الظاهر مع‬
‫اإلدراك اعتبار المظهر عين الظاهر كمن يرى ه‬
‫االنحصار فيه أوال ‪ ،‬بل يجعل في جميع المظاهر منحصرا فيه ‪ ،‬فيعلم من حيث تعلق‬
‫علمه بهم بنفسه‬
‫‪...............................................‬‬
‫) ‪( 1‬فالظاهر هو عين المظهر وذلك من حيث الوجود وغير من حيث التعينات‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 163‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٦٣‬‬

‫كذلك ‪ ،‬ويعلم من حيثية أخرى أنه ال يتقيد بشيء من ذلك ‪ ،‬أي سواء كان اعتقادهم في‬
‫غاية الفساد ‪ ،‬أو صوابا من وجه ‪ ،‬فإنه يعلم نفسه من حيث تعلق علمه بهم ‪ ،‬كما‬
‫يعتقدون ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وحقيقة الخلق عبارة عن صورة علم ربهم بهم وصفتهم الذاتية ‪،‬‬ ‫قال رضي ه‬
‫الفقر المثمر لمطلق الغناء ليس كل فقر ‪ ،‬فافهم ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬وحقيقة الخلق المميزة لهم عن الحق مع وحدة الوجود ‪ ،‬عبارة عن صورة‬
‫تطابقهم منتقشة في علم ربهم بهم في المرتبة الثانية ‪ ،‬وهي األعيان الثابتة وال الشؤون‬
‫‪ ،‬فهي حقيقة تلك األعيان ال حقيقة الخلق بنفسها ‪ ،‬وصفتهم الذاتية التي هي مقتضى‬
‫ّللا في ثبوت حقائقهم المتعلقة له وفي وجوده ‪،‬‬
‫ذواتهم بال واسطة افتقارهم إلى ه‬
‫وأوصافهم المثمرة المطلق الغني للحق في هذه األمور ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬المعرفة لذلك المعنى والمظهرة اسم الفاعل ‪ ،‬ليس كل فقر من صفتهم الذاتية ‪،‬‬
‫كافتقار األسماء في ظهورها إلى المظاهر ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫النص السابع عشر ‪:‬‬


‫قال الشيخ قدس سره ‪ [ :‬نص شريف جدها ] لما ذكر في النص السابق ‪ ،‬أن تعين الحق‬
‫في المظاهر بحسبها أو هم ذلك ؛ ألنه يكون حينئذ منزها من الصفات الحقيقية ‪ ،‬مع أن‬
‫النص واإلجماع والعقل يدل على خالفه ‪ ،‬فاحتاج إلى بيان التنزيه على المذاهب كلها ‪،‬‬
‫مع بيان حقيقة بعضها دون بعض ‪ ،‬وشرفه باعتبار الجمع بين التنزيهات والتشبيهات‬
‫فيه ‪ ،‬مع إثبات الكماالت كلها له من غير شرك فيها مع تنزه عن الكل ‪ ،‬ولذا كان‬
‫شرفه جدها إذ تفيد المعرفة الحقيقية فوق طور العقل وظاهر الشرع ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬اعلم أن ثمرة التنزيه العقلي ‪ ،‬هي تميز الحق عما يسمى سواه‬
‫قال رضي ه‬
‫بالصفات السلبية حذرا من نقائص مفروضة في األذهان غير واقعة في الوجود ‪،‬‬
‫والتنزيهات الشرعية ثمرتها ‪ ،‬نفي التعدد الوجودي واالشتراك في المرتبة األلوهية ‪،‬‬
‫وهي ثابتة أيضا شرعا مع تقرير االشتراك مع الحق في الصفات الثبوتية لنفى‬
‫المشابهة والمساواة ] ‪.‬‬

‫الر َازقَينَ [ الجمعة ] ‪، : 11‬أ َ ْح َ‬


‫س ُن‬ ‫ّللاُ َخي ُْر ه‬
‫‪:‬و ه‬ ‫وإليه اإلشارة بقوله تعالى َ‬
‫وّللا أ َ ْكبَ ُر‬
‫اح َمينَ [األعراف ‪ ] 151 :‬ه َ‬ ‫ْالخا َل َقينَ [ المؤمنون ‪، ] 14 :‬أ َ ْر َح ُم ه‬
‫الر َ‬

‫‪163‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 164‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٦٤‬‬

‫[ التوبة ‪ ، ] 72 :‬ونحو ذلك ‪.‬‬


‫اعلم أن الحق منزه عقال وشرعا وكشفا ‪ ،‬لكن الفرق بين كل تنزيه ‪ ،‬فإن العقل ينزهه‬
‫عن بعض الصفات لنقصانها ‪ ،‬فتتمكن له صفات سلبية تقابلها ؛ ألن الشيئين ال‬
‫يجتمعان وال يرتفعان ‪ .‬فثمرة تمييز الحق عما يسمى سواه بوصفه بهذه الصفات ‪،‬‬
‫ّللا عنه لم يرتض هذا التنزيه ؛ ألن النقصان أمور عدمية ال تقع في‬ ‫والشيخ رضي ه‬
‫الوجود من حيث هو موجود أصال ‪ ،‬فما في الوجود إال كامل ‪ ،‬وإنما هي أمور‬
‫فرضتها األذهان بالنظر إلى ظهوره في بعض المظاهر دون بعض ‪ ،‬على أنه ال‬
‫تناقض لشيء في نفس الوجود ‪ ،‬وإنما تتناقض األشياء بالنسبة إلى المراتب ‪.‬‬
‫وإنما قال ‪ :‬ثمرتها ؛ ألنه لم يرتض هذه الثمرة أيضا ؛ ألن الحق ال يتميز عما سواه إال‬
‫باعتبارات ‪ ،‬ال بأن توجد في السوى صفات ال توجد في الحق ‪ ،‬وإال لم يكن الحق‬
‫جامعا لكلها ‪ ،‬فلم يثبت التوحيد ‪.‬‬

‫وأما التنزيهات الشرعية ‪ ،‬أي ‪ :‬المفهوم من ظاهر الكتاب والسنة واألقوال الظاهرة من‬
‫العلماء ‪ ،‬وإنما أورد بلفظ الجمع لتعدد هذه األمور ‪ ،‬فتنزيهه عن الشريك في المرتبة‬
‫األلوهية ‪ ،‬والمثل والمساوي منها ‪ ،‬ثمرتها نفي التعدد الوجودي إلله العالم ‪.‬‬

‫وإنما قيد بذلك ؛ ألنه ال ينفيه بحسب الذهن بل بحسب الخارج ‪ ،‬وبذا ال يحتاج لنفسه‬
‫ّللا عنه ‪ ،‬إذ الشركة في صفات األلوهية‬ ‫إال األدلة ‪ ،‬ولم يرتضه الشيخ القونوي رضي ه‬
‫ّللا‬
‫من السمع والبصر والحياة والعلم والقدرة واإلرادة والكالم أيضا ثابتة شرعا لغير ه‬
‫تعالى ؛ ألن الشرع إنما نفى المشابهة والمساواة في هذه الصفات ‪ ،‬ومفهومه تقرير‬
‫االشتراك مع الحق في الصفات الثبوتية المذكورة ‪ ،‬ال على وجه المساواة والمشابهة ؛‬
‫ّللا خير الرازقين ‪ ،‬فأثبت جمعا مع الرازقين ‪ ،‬وكذا‬
‫وذلك ألن ظاهر القرآن ناطق بأن ه‬
‫الغافرين والخالقين والراحمين ‪ ،‬فلم ينفه أصال االشتراك في هذه الصفات ‪ ،‬فلم يثبت‬
‫ما فهمه أهل الظاهر بحسب ظاهر الشرع أيضا ‪ ،‬بل ال بد من تأويله بما يجمع بين‬
‫النصوص وذلك في التنزيه الكشفي ‪،‬‬
‫وهو الذي فيه قال الشيخ األعظم ‪:‬‬
‫[وأما تنزيه أهل الكشف ‪ ،‬فهو بإثبات الجمعية للحق مع عدم الحصر ‪ ،‬وتمييز أحكام‬
‫األسماء بعضها عن بعض ‪ ،‬فإنه ليس كل حكم يصح إضافته إلى كل اسم ‪ ،‬بل من‬
‫األسماء‬

‫‪164‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 165‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٦٥‬‬

‫ما يستحيل إضافة بعض األحكام إليها ‪ ،‬وإن كانت ثابتة ألسماء أخرى “ ‪ ، “ 1‬وهكذا‬
‫األمر في الصفات ‪ ،‬ومن ثمرات التنزيه الكشفي نفي السوي مع بقاء الحكم العددي ‪،‬‬
‫دون فرض نقص يسلب أو تعقل كمال يضاف إلى الحق بإثبات مثبت ‪ ،‬والسالم ‪] .‬‬
‫إنما ذكر التنزيه هنا من غير اقتصار على الثمرة كما فعل فيما مضى ؛ إشعارا‬
‫باعتباره من أول األمر دون ما مضى إلى التنزيه الكشفي تنزيه الحق عن خروج شيء‬
‫منه ‪ ،‬فهو إلثبات جمعية الحق مع عدم الحصر في الجمعية ‪ ،‬حتى إنه يوجد في‬
‫التفرقة ‪ ،‬فله أحدية الجمع والفرق معا وفرادى ‪ ،‬وهذا األمر في تنزيه الذات ‪.‬‬

‫وأما االسمي ‪ ،‬فهو تنزيه بعض األسماء عن إضافة بعض األحكام إليها فهو تمييز‬
‫أحكام األسماء بعضها عن بعض ‪ ،‬إذ من األسماء ما يستحيل إضافة بعض األحكام‬
‫إليها من حيث هي تلك األسماء ‪ ،‬وإن كانت مضافة إلى أسماء أخرى‪.‬‬
‫والذات تشمل الكل ؛ فأحكام المذل ال تنسب إلى المعز وبالعكس ‪ ،‬فقد أشار هاهنا إلى‬
‫المثمر والثمرة جميعا ‪ ،‬ثم ذكر من ثمراته نفي السوي القتضاء الجمعية ‪ ،‬نفيه مع بقاء‬
‫الحكم العددي بحيث صار من وجه آخر سواه ‪ ،‬وإال لم يكن للفرق مدخل أصال ‪ ،‬وكان‬
‫مقيدا بالجمعية ؛ وإذا انتفى السوى ‪ ،‬دخل الكل فيه دون فرض نقص في الذات دون‬
‫سلب ذلك النقص بدخوله ؛ لشمولها على الكل بالقوة ‪ ،‬فال نقص فيها ‪ ،‬وال حدوث‬
‫يحلها أو تعقل كمال يضاف إلى الحق بإثبات مثبت من هذه األشياء ؛ ألنه كامل بالذات‬
‫‪ ،‬وكمالها من الحق ؛ ألنها صفاته بالحقيقة ظهرت بالمقيدات ‪ ،‬والسالم على أهل‬
‫ع هما‬ ‫ب ْال َع هز َة َ‬‫سبْحانَ َر َبه َك َر ه َ‬ ‫الكشف إذ لم يحيطوا في تنزيههم بخالف األولين ‪ُ ،‬‬
‫صفُونَ [ الصافات ‪ ، ] 180 :‬أي‪:‬‬ ‫يَ َ‬
‫علَى ْال ُم ْر َ‬
‫س َلينَ‬ ‫سال ٌم َ‬ ‫عن تنزيههم وتشبيههم ؛ ألن عزته مانعة أن يصل إليه إدراكهم َو َ‬
‫ب ْالعالَ َمينَ‬ ‫[ الصافات ‪ ] 181 :‬إذ أصابوا في تنزيههم الكشفي َو ْال َح ْم ُد َ ه َ‬
‫ّلل َر ه َ‬
‫[ الصافات ‪ ] 182 :‬؛ لشموله الكل بال نقص وتغيير فيه ‪ ،‬فله الكماالت كلها ‪ ،‬فافهم‪.‬‬
‫‪...............................................................‬‬
‫) ‪ ( 1‬يعني كالصفات المتضادة ‪ ،‬مثل الحافظية والدافعية ‪ ،‬والمعزية والمذلية والمنعية‬
‫والعطائية‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 166‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٦٦‬‬

‫النص الثامن عشر ‪:‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬نص شريف ] ‪ :‬لما ذكر في النص السابق أن الكل في الحق‬ ‫قال رضي ه‬
‫موجود ‪ ،‬مع أن القديم ال يكون محل الحوادث ‪ ،‬وذكر فيما قبله أن الحق سار في الكل‬
‫مع أن القديم أجل من أن يحل في الحوادث ‪ ،‬رفع ذلك الوهم وشرفه لما فيه من بيان‬
‫قدم الحادث من وجه ‪ ،‬وحدوث القديم من وجه آخر ‪ ،‬ولم يجعله حدها لما ذكر من قبل ‪،‬‬
‫إن لكل مطلق وجها إلى التقييد وبالعكس ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬كينونة كل شيء في شيء إنما تكون بحسب المحل ‪ ،‬وسواء‬ ‫قال رضي ه‬
‫كان المحل معنويها أو صوريها ؛ ولهذا وصفت المعلومات الممكنة من حيث ثبوت تعينها‬
‫في علم الحق وارتسامها فيه بالقدم ‪ ،‬كما أن كل متعين في علم الحق من وجه آخر ال‬
‫يخلو عن حكم الحدوث ‪ ،‬بأن وجود العالم وعلوم أهله حادثان منفعالن ‪ ،‬بخالف وجود‬
‫ّللا تعالى ] ‪.‬‬
‫الحق وعلمه ‪ ،‬فاعلم ذلك ترشد إن شاء ه‬

‫أي ‪ :‬ثبوت كل حال في محل إنما يكون في الحدوث والقدم بحسب المحل ‪-‬وإن كان‬
‫في نفسه ليس كذلك ‪ -‬وسواء في هذا الحكم ‪ ،‬كان المحل معنويها كعلم الباري والعقول ‪،‬‬
‫أو صوريها كالعنصريات ‪.‬‬
‫وبهذا القول المعلومات الممكنة التي هي حوادث بالذات ‪ ،‬توصف بالقدم من حيث‬
‫تعينها في علم الحق ؛ ألن العلم اإللهي قديم ‪ ،‬فما يثبت فيه من حيث أنه مرتسم فيه‬
‫أيضا قديم ‪ ،‬واألحدث االرتسام فيه مع أنه ليس محال للحوادث ‪ ،‬وهذا الذي حكم عليه‬
‫بالقدم من حيث أنه متعين في علم الحق ومرتسم فيه ‪ ،‬محكوم عليه بالحدوث من حيث‬
‫أنه موجود في الخارج ؛ ألن وجود العالم وعلوم أهله مع تعينها في علم الحق حادثان‬
‫بحسب الخارج ‪ ،‬النفعالهما عن وجود الحق وعلمه ‪،‬‬
‫وهذا بخالف وجود الحق وعلمه ‪ ،‬فإنه من حيث هو قديم ‪ ،‬فإذا ظهرت الحوادث فهو‬
‫حادث بحسب الظهور ال بحسب نفسه ‪ ،‬فإن الظاهر هو الوجود القديم والعلم القديم‬
‫أضيفا إلى األشياء ‪ ،‬فصارت مثلها بحسب اإلضافة ال بحسب نفس األمر ‪ .‬فاعلم ذلك‬
‫ّللا‬
‫ترشد في الجمع بين الشريعة والحقيقة إلى ما أصله التوحيد الصرف إن شاء ه‬
‫تعالى‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 167‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٦٧‬‬

‫النص التاسع عشر ‪:‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬نص شريف من أشرف النصوص وأجلها وأجمعها‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫لكليات أصول المعرفة اإللهية والكونية ] ‪.‬‬

‫لما ذكر في النص السابق حكم الشيء باعتبار محله ‪ ،‬وذكر هاهنا ما هو باعتبار نفسه‬
‫‪ ،‬فذكر فيه الحقائق اإللهية من الذات ‪ ،‬وأسمائها الذهاتية وأحكامها وأثريتها ومؤثريتها‬
‫بالذات ‪ ،‬وعلمها وواحديتها ‪ ،‬وكون علمها مرآة الذات واألسماء ومحتد الكثرة ‪ ،‬وذكر‬
‫فيه المراتب ‪ ،‬ومناسبة كل مرتبة لألخرى وشرفه ؛ الشتماله على نتائج ما سبق من‬
‫النصوص وجاللته ؛ الشتماله على مقدماتها وأجمعيته لجمعه بين المبادئ والغايات ‪،‬‬
‫فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬اعلم أن إطالق اسم الذات ال يصدق على الحق إال باعتبار تعينه‬
‫قال رضي ه‬
‫‪ ،‬التعين الذي يلي في تعقل الخلق غير الكمل اإلطالق ‪ ،‬المجهول النعت ‪ ،‬العديم االسم‬
‫‪ ،‬وأنه وصف سلبي للذات ‪ ،‬فإنه مفروض االمتياز عن كل تعين ‪ ،‬وإنما األمر الثبوتي‬
‫الواقع هو التعين األول] ‪.‬‬

‫اعلم أن المبتدئين في هذا العلم يتوهمون أن الذات اسم للحق باعتبار اإلطالق الذي هو‬
‫معنى سلبي مع أنه مجهول النعت عديم االسم ‪ ،‬وأنه هو المسمى بغيب الحق ؛ ألنه‬
‫فوق الكل ولو كانت الذات اسما لما دونه ‪ ،‬لكان فوق ذات الحق هذا اإلطالق ‪ ،‬وليس‬
‫فوقه شيء باالتفاق ‪.‬‬

‫وإنما قلنا ‪ :‬أنه فوق كل شيء ؛ ألن كل تعين مسبوق بال تعين والالتعين هو اإلطالق ؛‬
‫ّللا عنه هذا الوهم تنبيها بقوله “ ‪ :‬اعلم أن إطالق أي اسم “ أي ‪:‬‬ ‫فدفع الشيخ رضي ه‬
‫لفظ الذات ال يصدق على الحق إال باعتبار تعينه األول ‪ ،‬إذ ال اسم قبله باالتفاق ‪ ،‬فلو‬
‫كان هذا اسمه ‪ ،‬وقع التناقض أنه ليس بمقيد بالذاتية ‪ ،‬كما أنه ليس بمقيد بالوصفية ‪،‬‬
‫على أنه أجمع على أن الحق إنما بتعقل ذاته باعتبار تعينه األول ‪ ،‬فما لم يتعقله الحق ‪،‬‬
‫كيف يكون متعقال لغيره ؟‬
‫حتى يعلم أن اسم الذات اسم له ‪ ،‬بل هذا التعقل أمر وهمي يتعقله غير الك همل بالقياس‬
‫إلى سائر اإلطالقات ‪ ،‬وهو وصف سلبي فال يكون فوق الحق ؛ ألن ما فوقه شيء إنما‬
‫يكون إذا كان في نفسه شيئا ‪.‬‬
‫ال يقال ‪ :‬لو لم يكن شيئا ‪ ،‬لم عن كل تعين ؛ ألنها نقول هذا االمتياز أمر يفرضه الوهم‬
‫‪،‬‬

‫‪167‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 168‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٦٨‬‬

‫كما يفرض فوق كل تعين ال تعينا ‪ ،‬مع أن الالتعين أمر سلبي ال يصح الفوقية والتقدم‬
‫‪ ،‬وإنما األمر الثبوتي الواقع هو التعين األول ‪ ،‬فذات الحق اسم له ‪ ،‬إذ ليس اسما لألمر‬
‫العدمي ‪.‬‬
‫نعم هو وصف سلبي للذات باعتبار عدم تقييده بشيء من اإلطالق والتقييد ‪ ،‬لكنه ليس‬
‫باعتبار التعين األول ‪ ،‬بل باعتبار المراتب ‪ ،‬لكنه لما كان عا هما في تعقل العامة ‪،‬‬
‫فرضوه سابقا على التعين األول ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫قال المصنف ‪ [ :‬وأنه بالذات مشتمل على األسماء الذاتية التي هي مفاتيح الغيب ‪،‬‬
‫ومسمى الذات ال يغاير أسماءها ‪.‬‬
‫وأما األسماء ‪ ،‬فيتغاير ويتضاد بعضها بعضا ‪ ،‬ويتحد أيضا بعضها مع البعض من‬
‫حيث الذات الشاملة لجميعها ] ‪ ،‬أي ‪ :‬التعين األول بالذات مشتمال على األسماء الذاتية‬
‫التي هي مفاتيح الغيب ‪ ،‬ومسمى الذات التي هي مفاتيح النسب ‪ ،‬وهي ‪ :‬الحي العالم‬
‫القادر المريد السميع البصير المتكلم ‪ ،‬وإال كانت هذه األسماء بواسطة ‪ ،‬وكانت‬
‫الواسطة مفتاح الغيب ال هذه ‪.‬‬

‫ال يقال ‪ :‬لو اشتمل التعين األول عليها ‪ ،‬لم يكن تعينا أوال بل تكون حضرة األسماء ؛‬
‫ألنا نقول ‪ ،‬مسمى الذات ال يغاير أسماءها بوجه ما ‪ ،‬في تلك الحضرة ‪ ،‬وأما األسماء‬
‫في حضرته التي هي التعين الثاني ‪ ،‬فيتغاير بعضها بعضا بالمفهوم ‪ ،‬ويتضاد بعضها‬
‫بعضا بالحكم ‪ ،‬ويتحد أيضا بعضها لبعض من حيث الذات الشاملة عليها ‪ ،‬فيتصادق‬
‫بعضها بعضا على بعض ‪ ،‬ويصدق الجميع على الذات ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬واألحدية وصف التعين ال وصف المطلق المعين إذ ال‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫اسم للمطلق ‪ ،‬وال وصف ] “ ‪“ .1‬‬
‫‪..........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬األحدية هي اعتبار الذات من حيث ال نسبة بينها وبين شيء أصال وال شيء إلى‬
‫الذات نسبة أصال ‪ ،‬ولهذا االعتبار المسمى باألحدية تقتضي الذات الغنى عن العالمين‬
‫‪ ،‬ألنها من هذه الحيثية ال نسبة بينها وبين شيء أصال ‪ .‬ومن هذا الوجه المسمى‬
‫باألحدية يقتضى أن ال تدرك الذات وال يحاط بها بوجه من الوجوه لسقوط االعتبارات‬
‫عنها بالكلية ‪ .‬وهذا هو االعتبار الذي به تسمى الذات أحدا كما عرفت ‪ ،‬ئمتعلقه بطون‬
‫الذات وإطالقها وأزليتها‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 169‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٦٩‬‬

‫جواب سؤال مقدر تقديره كيف تشتمل الذات على الحقائق األسمائية الذاتية مع أن‬
‫الذات اسم للمطلق عند تعينه تعينا أوال ‪ ،‬وأول ما يتصور ال يكون إال الذات وحدها ؛‬
‫ولهذا يوصف باألحدية العتبار األسماء ‪ ،‬فكيف تكون الذات باعتبار أحديتها شاملة‬
‫على األسماء ‪.‬‬
‫فأجاب بأن ‪ :‬المطلق ال يتعين أصال إذ ال اسم له وال وصف ‪ ،‬فكيف يوصف بالتعين‬
‫وباألحدية بل األحدية ال يعتبر معها األسماء ‪ ،‬والواحدية يعتبر معها األسماء ‪ ،‬فالذات‬
‫أعم من الموصوف باألحدية والواحدية ‪ ،‬فتكون شاملة على األسماء ‪ ،‬لكن ال تتميز‬
‫األسماء باعتبار أحديتها وواحديتها ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومن حيثية هذه األسماء باعتبار عدم مغايرة الذات لها ‪،‬‬
‫قال الشيخ رضي ه‬
‫ونقول إن الحق مؤثر بالذات ‪ ،‬فافهم ] ‪.‬‬

‫تفريع على عدم مغايرة الذات لهذه األسماء ‪ ،‬حتى قال المحققون ‪ :‬الذات مؤثرة في‬
‫األشياء بال واسطة مع أن الذات من حيث هي غنية عن العالمين ‪ ،‬فال ب هد من واسطة‬
‫األسماء ‪ ،‬لكنها كانت عين الذات في رتبة األحدية ‪ ،‬ومن جهة اشتمال الذات عليها في‬
‫الواحدية وبحسب الصدق جعلت الواسطة كال واسطة ‪ ،‬وإنما قال ‪ :‬فافهم ؛ ألنه يصدق‬
‫حينئذ قول من قال بالواسطة أيضا ‪ ،‬لكنه باعتبار آخر ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وللذات الزم واحد فحسب ‪ ،‬ال يغايرها إال مغايرة نسبية ‪،‬‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫وذلك الالزم هو العلم ] “ ‪“ . 1‬‬
‫أي ‪ :‬وللذات سواء اعتبرت أحديتها أو أحديتها الزم واحد من بين األسماء السبعة ‪ ،‬أما‬
‫الباقية إنما يلزم بواسطته إال أنه يغاير الذات ومغايرتها أيضا في الواحدية ‪ ،‬بل ال‬
‫تغايرها إال مغايرة نسبية ثمة فضال عن األحدية ‪ ،‬إذ يحد هناك العلم والمعلوم من كل‬
‫وجه ‪ ،‬فلما لم يغاير هذه الواسطة في موضع تميزه تميزا كامال ‪ ،‬لم يعد واسطة بين‬
‫الذات وسائر األسماء الذاتية ‪.‬‬

‫ثم بيهن إن ذلك الالزم هو العلم ال الحياة ‪ ،‬وإن كان العلم يتوقف عليها ‪ ،‬لكن الحياة‬
‫‪..................................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬يقصد بذلك شمول هذا الالزم جميع اللوازم ؛ ألن سائر اللوازم لها ظهور وثبوت‬
‫في الحضرة العلمية حتى الذات‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 170‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٧٠‬‬

‫إنما تعلم به ‪ ،‬وليس التوقف هاهنا إال باعتبار التعقل ‪ ،‬وإال فالكل صفات أزلية أبدية ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬والوحدانية ثابتة للحق من حيث العلم ‪ ،‬فإن فيه وبه تتعين مرتبة‬
‫قال رضي ه‬
‫اإللهية وغيرها من المراتب والمعلومات ؛ الرتسام الجميع فيه ] ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬الوحدانية وإن كانت من لوازم الذات من حيث اشتمالها على األسماء ‪ ،‬فإنها ثبتت‬
‫للحق من حيث العلم ‪ ،‬إذ العلم لما كانت محل ارتسام الكل ‪ ،‬وال تعين قبل االرتسام ‪،‬‬
‫ففيه وبه تتعين مرتبة األلوهية التي هي الواحدية ‪ ،‬وكذا غيرها من المراتب الكلية‬
‫والمعلومات الجزئية ‪.‬‬

‫وإنما قال ‪ :‬فيه وبه ؛ ليعلم أن التعين حكم فيحتاج إلى معرفة المحكوم ‪ ،‬فيكون كالسبب‬
‫لتعين الوحدانية ‪ ،‬كتعين سائر المراتب أيضا على أنه ذات ارتسم الكل فيه كان محيطا‬
‫بالجميع ‪ ،‬والمحاط أدنى من المحيط ‪ ،‬وكل أدنى ثابت باألعلى ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وهو مرآة الذات من حيث اشتمالها على األسماء الذاتية‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫مر وهو أعني العلم محتد الكثرة المعنوية‬‫التي ال يغايرها الذات بوجه ما ‪ ،‬كما ه‬
‫ومشروعها ‪ ،‬وإنما قلت ‪ ،‬أن العلم كالمرآة للمعلومات والذات أيضا مع أسمائها الذاتية‬
‫من أجل أنه باعتبار امتياز العلم عن الذات االمتياز االعتباري ‪ ،‬تعقل تعين الحق في‬
‫تعقله نفسه في نفسه ‪ ،‬فعلمه الذاتي كالمرآة له “ ‪، ] “ 1‬‬
‫أي ‪ :‬إنما كان العلم محل ارتسام الجميع ؛ ألنه مرآة الذهات من حيث اشتمالها على‬
‫األسماء الذاتية ‪ ،‬واألسماء الذاتية مفاتيح الغيب ‪ ،‬فشمول الذهات عليها يستلزم شمولها‬
‫على جميع الشؤون الذاتية ؛ وإنما ظهرت الذات في المرتبة األولى مع األسماء الذاتية‬
‫؛ ألنها ال تغاير الذات ‪ ،‬وظهور الذات ظهور أسمائها الذاتية ‪.‬‬

‫وإنما لم تظهر الشؤون هناك لتوقفها على تمايز األسماء ‪ ،‬واألسماء وإن ظهرت‬
‫بظهور الذات ال تتمايز في المرتبة األولى إال أن العلم لما كان مرآة الذات مع األسماء‬
‫الذاتية ‪ ،‬كان محتد ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬أصل الكثرة المعنوية ‪ ،‬أي ‪ :‬كثرة المعنى التي هي األعيان الثابت ومشروعها‬
‫الذي خرجت األعيان بسببه من المرتبة األولى ‪ ،‬فظهرت في الثانية ‪ ،‬ثم استشعر‬
‫سؤاال بأن العلم كيف يصير مرآة الذات ‪ ،‬مع أن األسماء الذاتية التي ال تغاير الذات ‪،‬‬
‫إنما لزمت الذات بواسطته ‪ ،‬فال مغايرة للعلم مع الذات أصال والمرآة ال ب هد وأن تغاير‬
‫المرئي فيها‪.‬‬
‫‪...........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬وذلك باعتبار االمتياز النسبي ‪ ،‬وإال فيكون العلم عين الذات في الحقيقة‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 171‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٧١‬‬

‫فأجاب بأن ‪ :‬المراد بقولهم مرآة الذات ‪ ،‬أنه كالمرآة ‪ ،‬وإنما ساغ هذا التنبيه مع امتناع‬
‫تبعية الشيء بنفسه باعتبار امتياز العلم عن الذات ‪ ،‬في المرتبة الثانية االمتياز الذي‬
‫تقتضيه نسبة تعقل الذات إليها ‪ ،‬وهو االمتياز االعتباري‪.‬‬
‫وإنما قلنا بهذا االمتياز إذ به يعقل تعين الحق في تعقل نفسه في نفسه فنفسه كالمرآة‬
‫لنفسه ‪ ،‬وعلمه عين نفسه ‪ ،‬فعلمه الذاتي كالمرآة له بالطريق األولى‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ولهذا قلنا في غير هذا الموضع أن حقيقة الحق عبارة‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫عن صورة علمه بنفسه ‪ ،‬ونبهنا أيضا على أن كل ظاهر في مظهر ‪ ،‬فإنه يغاير‬
‫المظهر من وجه أو وجوه إال الحق ‪ ،‬فإن له أن يكون عين الظاهر وعين المظهر ‪،‬‬
‫فتذ هكر ]‪.‬‬
‫أي ‪ :‬وألجل أن العلم كالمرآة للذات ‪ ،‬مغاير لها مغايرة نسبية اعتبارية ال حقيقية ‪ ،‬قلنا‬
‫في غير هذه المواضع وهو النص الرابع عشر أن حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه‬
‫بنفسه ‪ ،‬ولوال أن علمه كالمرآة له ‪ ،‬لم يكن له صورة منتقشة في علمه ‪ ،‬وهو أيضا‬
‫على نهج من المجاز ‪ ،‬وإال فال صورة ثمة لعدم مغايرة العالم للمعلوم ثمة ‪ ،‬لعدم‬
‫الكثرة بالفعل في المرتبة األولى ‪ ،‬ونبهت لبيان عدم مغايرة العالم للمعلوم على أن كل‬
‫ظاهر في مظهر ‪ ،‬فإنه يغاير المظهر من وجه أو وجوه إال الحق ‪ ،‬حيث قال ‪ :‬وال‬
‫يثمر بشيء ‪ ،‬وال يظهر عنه عينه ‪ ،‬ذكره في السابع والثامن اللذين جمع بينهما مع أنه‬
‫قال في النص الرابع ‪ ،‬فوحدته الحقيقية الماحية جميع االعتبارات واألسماء والنسب‬
‫واإلضافات ‪ ،‬عبارة عن تعقل الحق نفسه وإدراكه لها من حيث تعيهنه ‪ ،‬ففهم منه ‪ ،‬إن‬
‫الحق يكون بحسب هذه الوحدة عين الظاهر والمظهر جميعا ‪ ،‬وإنما قال ‪ :‬فتذكر ‪،‬‬
‫لتعرف الموضعين المستثنى والمستثنى منه‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأما المراتب ‪ ،‬فعبارة عن تعينات كلية ‪ ،‬يشتمل‬ ‫قال الشيخ األعظم رضي ه‬
‫عليها الالزم الواحد الذاتي الذي هو العلم ‪ ،‬وهي كالمحال لما يمر عليها من مطلق‬
‫فيض الصادر عن الذات باعتبار عدم مغايرة الفيض للمفيض كما سبق التنبيه عليه في‬
‫شأن مظهرية الحق وظاهريته ] ‪ .‬أي ‪ :‬وإنما قلنا ‪ :‬العلم مرآة للمرتب ؛ فألن المراتب‬
‫عبارة عن تعينات كلية ‪ ،‬والكليات من حيث هي كليات ‪ ،‬ال تثبت إال في العلم ‪ ،‬فحينئذ‬
‫يشتمل عليها الالزم الواحد بالذات ‪ ،‬فيلزمها ذلك الالزم والواحد ‪ ،‬فهي منتقشة فيه‬
‫انتقاش الذات ‪ ،‬لكن فرق بين االنتقاشين ‪ ،‬فإن لها صورة زائدة في حضرة العلم حتى‬
‫صارت كالمحال ال يمر عليها‬

‫‪171‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 172‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٧٢‬‬

‫من مطلق فيض الذات ‪ ،‬فيتقيد ذلك الفيض بحسب قابلياتها ‪.‬‬
‫وإنما قلنا ‪ :‬أن فيض الذات مطلق ؛ ألن ظاهر الحق ومظهره لما كانا متحدين في‬
‫مرتبة الوحدة والتعين األول ‪ ،‬والمفيض هو الظاهر ‪ ،‬والفيض هو المظهر ‪ ،‬كانا‬
‫متحدين ثمة ‪ ،‬ثم يقيد بحسب صور المراتب المنتقشة في حضرة العلم بقيود زائدة ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ولها مدخل في حقيقة التأثير ال مطلقا ‪ ،‬بل من حيث ما قلت أنها‬
‫قال رضي ه‬
‫كالمحال ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬لما كان الفيض يصير مقيدا بحسب المراتب عند المرور عليها ‪ ،‬فلها مدخل في‬
‫حقيقة التأثير ‪ ،‬إذ هي المؤثرة في الفيض الواحد المطلق بالتقييد والتكثير ‪ ،‬وال تأثير‬
‫قبل ذلك ؛ التحاد الفيض والمفيض قبلها ‪ ،‬لكن ال مدخل لها في حقيقة التأثير مطلقا ‪،‬‬
‫لما ذكر في النص الرابع أن كل ما يوصف بالمؤثرية في شيء أو في أشياء ‪ ،‬فإنه ال‬
‫يصدق إطالق هذا الوصف عليه تماما ما لم يؤثر في حقيقة ذلك من حيث هو ‪ ،‬دون‬
‫تعقل انضمام قيد آخر ‪ ،‬أي ‪ :‬تلك الحقيقة موصوفة بالتأثير أو شرف خارجي ‪ ،‬وهنا قد‬
‫انضم إليها قيد آخر مع أنها كالمحال " ‪.‬‬
‫قال قدس سره ‪ [ :‬فكل مرتبة مجلى معنوي لجملة من أحكام الوجود واإلمكان ‪،‬‬
‫المتفرعة من األسماء الذاتية وأمهات األسماء األلوهية ‪ ،‬وما يليها من األسماء‬
‫التالية ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬إنما كانت المراتب مؤثرة في تقييد الفيض وتكثيره بعد إطالقه ووحدته ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫كل مرتبة مجلى معنوي ‪ ،‬وهو كالحسي في التأثير “ لون الماء لون إنائه “ لجملة من‬
‫أحكام الوجوب واإلمكان ‪ ،‬ولألولى تأثير الفاعلية ‪ ،‬ولألخرى تأثير القابلية ‪ ،‬وقد‬
‫اجتمعا في كل مرتبة متوزعة تلك األحكام الوجوبية عن األسماء الذاتية التي ال تدل‬
‫وّللا والوجود والقديم والعالم‬
‫على معاني زائدة على الذات أصال ‪ ،‬كاالسم هو ه‬
‫والظاهر ‪،‬‬
‫وأمهات األسماء األلوهية وهي التي جعلناها األسماء الذاتية فيما تقدم بدليل أنه نص‬
‫وصفها بأنها مفاتيح الغيب ‪ ،‬وسيأتي منه التصريح بذلك ومتفرعة تلك األحكام‬
‫اإلمكانية عن األسماء التالية ‪ ،‬كالخالق والرازق والمصور ‪ ،‬فبواسطة أحكام تلك‬
‫األسماء أثرت ‪ ،‬فالمؤثر بالحقيقة تلك األسماء بل الذات الموصوفة بها ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ولها ‪ -‬أعني للمراتب ‪ -‬أعيان ثابتة في عرصة العلم‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫والتعقل ‪ ،‬وال‬

‫‪172‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 173‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٧٣‬‬

‫أثر لها على سبيل االستقالل ‪ ،‬بل بالوجود ‪ ،‬وهكذا شأن الوجوب مع المراتب ‪ ،‬فإنها‬
‫مؤثرة ظاهرة الحكم في كل ما يتصل بها ويتعين لديها بتكيفات مطلق الفيض الواصل‬
‫والمار عليها ] ‪ .‬بيهن الضمير ؛ لئال يتوهم عوده إلى األسماء التي هي أقرب‬
‫ه‬ ‫إليها‬
‫المذكورات ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬إنما قلنا ‪ :‬تأثير المراتب من حيث هي محال معنوية لجملة من أحكام الوجوب‬
‫واإلمكان ال بنفسها ؛ ألنه لو لم يعتبر في تأثيرها ذلك ‪ ،‬ال عتبر مجرد صورها العلمية‬
‫‪ ،‬إذ ليس لها من حيث هي األعيان الثابتة في عرصة العلم الذي تعقلها ‪ ،‬وهي من‬
‫حيث هي معدومة ‪ ،‬وال أثر للمعدوم في الموجود ‪ ،‬والفيض المقيد أمر وجودي‬
‫ومتحقق في الخارج ‪ ،‬فال أثر لتلك األعيان على سبيل االستقالل ‪ ،‬بل بالوجود‬
‫المستلزم أحكام الوجوب باألسماء الذاتية وأحكام اإلمكان باألسماء التالية ‪.‬‬

‫وإنما لم يقل األثر للوجود ؛ ألنه ال يستقل بتنويع الفيض بالنسبة إلى المراتب ؛ ألنه‬
‫واحد فال يصدر عنه إال الواحد الذي هو الوجود العام وإذا كان كذلك ‪ ،‬فالمراتب‬
‫ظاهرة الحكم في كل ما يتصل بها من الفيض ‪ ،‬ومعنى االتصال بها ‪ ،‬التعين لديها ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬عند النسبة إليها بإعطاء تلك المراتب تكييفات بحسبها لمطلق الفيض الواصل‬
‫إليها ‪ ،‬أي ‪ :‬المنتهى إليها ‪ ،‬والفيض المار عليها إلى غيرها ‪ ،‬فإن للمرور عليها تكييفا‬
‫غير تكييف الموصول إليه ‪ ،‬فالتأثير لها من حيث هي محل األحكام الوجوب النسبي‬
‫للوجود وأحكام اإلمكان التي لها ‪ ،‬ولم يقل التأثير لتلك األحكام نفسها ؛ ألنها أيضا ال‬
‫تستقل بنفسها ‪ ،‬بل ال ب هد لها من القيام من المراتب فاألثر للمجموع ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وإنها كالنهايات النسبية باعتبار سير الفيض‬


‫قال الشيخ المصنف رضي ه‬
‫الذاتي والتجلي الوجودي في المنازل والدرجات المتعينة بين األزل واألبد ‪ ،‬ال إلى‬
‫غاية وال إلى قرار] ‪.‬‬
‫جواب سؤال مقدر هو ‪ :‬أن المراتب إنما تؤثر فيها ‪ ،‬يتصل بها ويتعين عندها ؛ وذلك‬
‫وإن تحقق في الواصل إليها ‪ ،‬لكن ال يتحقق في المار عليها ‪ ،‬فلم قلتم بتأثيرها فيه ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬وإنها أي ‪ :‬المراتب سواء اعتبر وصول الفيض إليها بأن دوام وجودها من‬
‫األزل إلى األبد كاألرواح القدسية ‪ ،‬أو المرور عليها ‪ ،‬نهايات نسبية إنها ال تدوم ‪،‬‬
‫ينتقل الفيض منه إلى غيره ما دام ‪ ،‬وإن لم ينتقل عنه إلى غيره ما يخصه ‪ ،‬لكن ينتقل‬
‫بواسطة الفيض‬

‫‪173‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 174‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٧٤‬‬

‫إلى ما يؤثر فيه مما دونه ‪ ،‬فالكل نهايات نسبية ‪ ،‬وذلك كان في تعيين الفيض عندها‬
‫وإيصالها بها ‪ ،‬وإنما كانت نهايات نسبية باعتبار سر الفيض الذاتي الذي هو التجلي‬
‫الوجودي في كل منزل ودرجة من المنازل والدرجات ‪.‬‬

‫وإنما جمع بينهما ؛ ألن المنازل تفرض فيما ينتقل الفيض منه بالكلية ‪ ،‬والدرجات فيما‬
‫عداه المتعينة بين األزل واألبد ‪ ،‬ال إلى غاية ال يكون وراءها غاية ‪ ،‬وال قرار فيما‬
‫فاض عليه لحصول الخلق الجديد في اآليات كلها ؛ وذلك ألن الحركة وجودية‬
‫والسكون أمر عدمي ‪ ،‬فال ب هد للتجلي من الحركة الدائمة ‪ ،‬فلكل منزل ودرجة ‪ ،‬نهاية‬
‫بالنسبة إلى ما قبله دون ما بعده ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫فقد استبان بما ذكرته إن المراتب مجتمع جمل األحكام المستقرة لديها من حضرة‬
‫الوجوب واإلمكان ‪ ،‬وهي المظهرة لنتائج تلك االجتماعات لكن بحسبها ال بحسب‬
‫األحكام ‪ ،‬وال بحسب مطلق الفيض فحكمها حكم األشكال والقوالب مع كل متشكل‬
‫ومتقولب يتصل بها ويحل فيها ‪ ،‬فهذا أثرها فهي ثابتة العين ‪ ،‬وإليها يستند نتائج‬
‫األحكام وينضاف آخرا ؛ ألنها المشرع والمرجع ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬فقد ظهر لي بما ذكرت مع أن لكل مرتبة محل معنوي لجملة من أحكام الوجوب‬
‫واإلمكان ‪ ،‬إن المراتب مجتمع جمل من األحكام ‪ ،‬وهي مستقرة لديها ‪ ،‬وإن انتقل‬
‫الفيض عنها ‪ ،‬أو أصاب الغير بواسطتها ؛ ألن تلك األحكام حصلت من حضرة‬
‫األسماء الوجوبية واإللهية ‪ ،‬ومن حضرة األسماء اإلمكانية من األسماء التالية ‪،‬‬
‫والحضرتان مستقرتان ‪ ،‬فيستقر الحاصل منها ‪.‬‬

‫وظهر مما ذكرته من أن لها مدخال في حقيقة التأثير أنها المظهر لنتائج تلك‬
‫االجتماعات ‪ ،‬أي بين أحكام الوجوب وأحكام اإلمكان ‪ ،‬لكن بحسبها من حيث أنها‬
‫مجال ال بحسب األحكام ‪ ،‬إنها ال تستقل بنفسها بالوجود دونها ‪ ،‬فكيف تؤثر دونها ‪.‬‬
‫على أن تلك األحكام ليست مرائي للفيض ‪ ،‬فكيف تؤثر فيه ‪ ،‬وال بحسب مطلق الفيض‬
‫‪ ،‬إذ ال استقالل له في تنوعه على أنه عين الوجود وال تنوع له استقالال ‪ ،‬ثم بيهن‬
‫تأثيرها من حيث هي مجال معنوية بأنها نسبه الحسية ‪.‬‬

‫والغرض منه بيان أن الفيض هو المتأثر بها ‪ ،‬وهي ال تتغير ؛ فلذلك قال ‪ :‬فهي ثابتة‬

‫‪174‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 175‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٧٥‬‬

‫العين في عرصة العلم ‪ ،‬وإليها تستند نتائج األحكام إذ هي أحكام لتلك األعيان ؛ ألن‬
‫التنوع إنما حصل من األعيان ‪ ،‬وإليها ينضاف آثارها فتنوع الجزاء يترتب عليها ال‬
‫على األمر المقدر ؛ ألن هذه األعيان هي موضع الجزاء ‪ ،‬وإال فالوجوب وأحكامه من‬
‫حيث هو ال يستحق جزاء وال شيئا آخر ‪ ،‬كما أنها مشرع تلك األفعال ‪ ،‬فلذا قال‬
‫تعالى ‪َ :‬جزا ًء َبما كانُوا يَ ْع َملُونَ ‪ ،‬وهي ال ينافي أن وجودها من الحق وبتجليه ‪ ،‬فافهم‬
‫فإنه حينئذ للجمع بين القدر والشرع ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬ثم اعلم أن المراتب متعلقة االنتشاء بعضها من بعض ‪ ،‬وكذلك‬ ‫قال رضي ه‬
‫األسماء ‪ ،‬فاأللوهية بأسمائها الكلية التي هي ‪ :‬الحي العليم القادر المريد ظل للذات من‬
‫حيث اشتمالها بذاتها على مفاتيح الغيب ‪ ،‬لكن بين األلوهية والذات في ذلك فرق دقيق‬
‫في ذوق الكمل ‪ ،‬وهو أن األلوهية تتعقل ممتازة عن أمهات أسمائها المذكورة ‪ ،‬والذات‬
‫ال يعقل تميزها عن أسمائها الذاتية إال المحجوبون عن التجلي الذاتي “ ‪ ، “ 1‬وأما‬
‫أهل التجلي الذاتي فال يعقلون هذا النوع من التميز ‪ ،‬وال يشاهدونه إال باعتبار علمهم‬
‫بعلم المحجوبين ‪ ،‬وإنما التميز عندهم في ذلك فهو بما أشرت إليه من أن الذات غير‬
‫مغايرة ألسمائها الذاتية بوجه ما ‪ ،‬وهي تغاير بعضها بعضا مع أنه ال انفكاك ‪.‬‬

‫ومع أن درجات المفاتيح متفاوتة ‪ ،‬فإن بعضها تابع للبعض ‪ ،‬كما نبهت عليه في‬
‫األسماء األلوهية من تبعية اسم الخالق والبارئ والمصور وأمثالها ‪ ،‬فتذكر ‪] .‬‬
‫لما ذكر أن كل مرتبة نهاية نسبة علم ‪ ،‬وأن بعضها مترتب على البعض فنبهه عليه ‪ ،‬ثم‬
‫ذكر أن هذا الترتب متفرع على ترتب األسماء ‪ ،‬فاأللوهية التي هي مرتبة الواحدية‬
‫بأسمائها الكلية ‪ ،‬وهي األربعة المذكورة جعلها كليات ؛ ألن السميع والبصير راجعان‬
‫إلى العالم ‪،‬‬
‫والمتكلم إلى القادر المريد ظل الذات األحدية من حيث اشتمالها بذاتها على مفاتيح‬
‫النسب التي هي األسماء السبعة استشعر سؤاال ‪ ،‬وهو أن األحدية إذ اشتملت على‬
‫األسماء التي هي مفاتيح الغيب ‪ ،‬كالواحدية ‪ ،‬فأي فرق بينهما حتى جعال مرتبتين ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬بينهما فرق دقيق يختص بالك همل ‪ ،‬وهو أن في مرتبة األلوهية يعقل تميز الذات‬
‫عن هذه األسماء‬
‫‪......................................................‬‬
‫) ‪( 1‬هو أعلى التجليات ‪ ،‬وأعلى مراتب التجريد الذي عرفت بأنه تجريد الذات الذي‬
‫ال يرى فيه سوى ذات واحدة في تعيناتها‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 176‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٧٦‬‬

‫بظهورها بالفعل فيها ‪ ،‬وأما األحدية ‪ ،‬فالذات ال يعقل تميزها عن أسمائها الذاتية ؛ ألن‬
‫كلها ثمرة بالقوة ‪ ،‬فال يتعقل تميزها عنها ‪ ،‬ال من حجب عن هذا السر ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ال‬
‫أسماء وال صفات هناك أصال ‪ ،‬وإنما هي في حضرة األلوهية حتى أنهم منعوا من‬
‫التجلي الذاتي إذ الذات مجردة عن الصفات ال تتجلى على شيء لغاية غنائها عن‬
‫العالمين على أن كل متج هل ال ب هد وأن يتصف بالظهور ‪.‬‬

‫وأما الذين تجلى لهم الذات ‪ ،‬فال يعقلون هذا النوع من التمييز بين األلوهية والذات ‪،‬‬
‫أعني بنفي الصفات في مرتبة الذات ‪ ،‬وإثباتها في مرتبة األلوهية ‪ ،‬وال يشهدونه عند‬
‫التجلي الذاتي ؛ ألن التجلي يستلزم االتصاف بالظهور ‪ ،‬بل يستلزم ظهور كل شيء ؛‬
‫ألنه الظاهر في كل شيء ‪ ،‬كما أنه الباطن عن الكل إال باعتبار علمهم بعلم المحجوبين‬
‫؛ ألنهم لما كوشفوا بكل شيء عند تجلي الذات ‪ ،‬كوشفوا بعلمهم أيضا ‪ ،‬فيتعقلون هذا‬
‫التمييز بالنسبة إلى علم المحجوبين الجاهلين في علمهم ‪ ،‬ال بالنسبة إلى نفس األمر ‪.‬‬

‫بلى التميز الصادق عندهم هو التمييز بما أشرت إليه من أن الذات ال تغاير أسماءها‬
‫الذاتية في المرتبة األولى بوجه ما ‪ ،‬وتغاير في مرتبة األلوهية عن أسمائها ‪ ،‬وال‬
‫لبعض األسماء عن بعض ‪ ،‬فهي معا في التحقيق مع تفاوت درجات المفاتيح فضال عن‬
‫األسماء التالية ‪ ،‬فإن العالم يسبق الحي ظهورا ‪ ،‬والحي شرط والقادر عنها والمريد‬
‫عن الثالث ‪ ،‬فبعضها تابع للبعض ‪.‬‬

‫ّللا عنه على ذلك في تبعية أسماء األلوهية أنها متبوعة لألسماء‬
‫وقد نبهه الشيخ رضي ه‬
‫ّللا قدره في الفصل الموضح بقية أسرار النهص الحادي عشر “ إن‬ ‫التالية ‪ ،‬ذكر أعلى ه‬
‫األسماء أحوال ‪ ، . .‬فافهم ‪.‬‬

‫النص العشرون ‪:‬‬


‫ولما وجب عند انتشاء بعض المراتب عن البعض أن يكون بين السابق والالحق‬
‫مناسبة توجب اتصال الالحق بالسابق ‪،‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬فصل في وصل ] أي ‪ :‬وصل بعض األسماء بالبعض بحيث‬ ‫قال رضي ه‬
‫ينتشي البعض من البعض ‪ ،‬ويترتب عليه ‪.‬‬
‫قال قدس سره ‪ [ :‬وأما سر المناسبات ‪ ،‬فهو من حيث االشتراك في األمر القاضي‬
‫برفع أحكام المغايرة من الوجه المثبت للمناسبة ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬سبب وقوع المناسبة والروح القائم‬

‫‪176‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 177‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٧٧‬‬
‫بها أي ‪ :‬المناسبة ‪ ،‬فهو أن المناسبة إنما نشأت من مكان االشتراك بين المتناسبين في‬
‫أمر يوجد فيما يقضي برفع المغايرة بينهما من هذا الوجه ‪ ،‬وإن ثبتت المغايرة بوجه‬
‫آخر حتى صار هذا مرتبا عليه وال خفاء به ‪ .‬وتلك المناسبة إما ذاتية أو مرتبية ‪،‬‬
‫والذاتية إما بين الحق واإلنسان ‪ ،‬أو بين بعض أفراد اإلنسان مع بعض اآلخر منه ‪،‬‬
‫وأما المرتبية ففيما بين أفراد اإلنسان فقط ‪.‬‬

‫قال الشيخ في مقام بيان المناسبة الذاتية ‪ [ :‬وأولها وأعالها ‪ ،‬المناسبة الذاتية ‪،‬‬
‫فالمناسبة الذاتية بين الحق واإلنسان الذي هو العين المقصودة تثبت من وجهين ‪:‬‬
‫أحدهما من جهة ضعف تأثير مرآتيته في التجلي المتعين لديه بحيث ال يكسبه وصفا‬
‫قادحا في تقديسه سوى قيد التعين ‪ ،‬غير القادح في عظمة الحق وجالله ووحدانيته ‪،‬‬
‫وخلوه عن أكثر أحكام اإلمكان ‪ ،‬وخواص الوسائط ‪ ،‬وتفاوت درجات المقربين‬
‫واألفراد عند الحق هو من هذا الوجه ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬وأول المناسبات لتعلقها بأول التعينات ‪ ،‬أي بأول المظاهر فضال وأعالها ؛‬
‫لكونها بين أعلى التعينات وأعلى المظاهر ‪ ،‬أو بين أفراده هي المناسبة الذاتية التي بين‬
‫الحق واإلنسان أو بين أفراد اإلنسان الكامل بعضها مع بعض ‪ ،‬فالمناسبة الذاتية بين‬
‫الحق واإلنسان ‪ ،‬خصت باالعتبار دون سائر المظاهر ‪ ،‬لكونها العين المقصودة للحق‬
‫بالذات ‪.‬‬

‫فالمناسبة الذاتية فيها أظهر وأكثر ‪ ،‬وهذه المناسبة من وجهين على سبيل منع الخلو ‪،‬‬
‫أحدهما عدمي نشأ من جهة ضعف تأثير مرآتية الشيء بعينه الثابتة في تجلي الحق‬
‫المتعين ذلك التجلي عند الوصول إلى هذه المرآة ؛ ألنها إذا ضعف تأثيرها فيما ظهر ‪،‬‬
‫وانتقش فيها ‪ ،‬ال تكسبه وصفا قادحا في تقدسيه ‪ ،‬فيبقى مناسبا للحق الذي تجلى فيه ‪،‬‬
‫إال أن التقديس ال يمكن أن يبقى على تمامه ‪ ،‬إذ ال ب هد من قيد تعين الغير فيما ظهر من‬
‫مرآتيه ‪ ،‬وهذا القدح قادح في عظمة الحق وجالله ووحدانيته ‪.‬‬

‫أما قدحه في العظمة ؛ فألنه ظل فال يساوى ذا الظل ‪ ،‬وأما في الجالل ‪ ،‬فألنه يقتضي‬
‫اإلحاطة العلية بهذا الظل الظاهر والجالل يمنعه ‪ ،‬وأما في الواحديهة ‪ ،‬فألن تعين الغير‬
‫يوجب االثنينيهة ‪ ،‬وإنما اعتبر الضعف ولم يجعله صرف العدم ألجل وجوب التأثير‬
‫بوجه ‪.‬‬
‫وأيضا تنشأ هذه المناسبة العدمية من جهة خلو مراتبه عن أحكام اإلمكان المكثر فيها‬
‫أحكام الوجوب ‪ ،‬وذلك لخلوه عن خواص الوسائط ‪ ،‬لغاية قربه من الحق فإذا كثرت‬

‫‪177‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 178‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٧٨‬‬

‫أحكام الوجوب ثبتت المناسبة الذاتية ‪.‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬وتفاوت درجات المقربين أي ‪ :‬من األقطاب واألفراد عند‬
‫ثم قال رضي ه‬
‫الحق هو من هذا الوجه ] ‪.‬‬
‫فمن كان تأثير مرآته أضعف ‪ ،‬وكان عن أحكام اإلمكان أخال ‪ ،‬فهذا أقرب ‪ ،‬ومن كان‬
‫بالعكس ‪ ،‬فهو دونه في القرب ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأما المناسبة مع الحق من اآلخر ‪ ،‬فهو بحسب حظ العبد‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫من صورة الحضرة اإللهية ‪ ،‬وذلكم الحظ يتفاوت بحسب تفاوت الجمعية فيه ‪،‬‬
‫فتضعف المناسبة وتقوى بحسب ضيق ‪ ،‬فلك جمعية ذلك اإلنسان من حيث قابليته‬
‫وسعتها ‪ ،‬فتنقص الحظوظ لذلك ‪ ،‬وتنوافر تارة لذلك ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬وأما مناسبة اإلنسان مع الحق مناسبة من الوجه اآلخر الذي هو وجودي ‪ ،‬وهو‬
‫المناسبة بالتخلق بأخالقه واالتصاف بصفاته ‪ ،‬وهو بحسب حظ العبد من صفاته‬
‫األلوهية على سبيل المثال المتناع االنتقال على صفاته تعالى ‪ ،‬وامتناع قيام صفة‬
‫واحدة بموصوفين ؛ فلذلك قال ‪ :‬من الصورة معنوية ال حسية ‪ ،‬وذلك الحظ يتفاوت‬
‫عز وج هل ‪ ،‬فإن كانت جمعيته أقل‬‫بحسب تفاوت جمعية العبد ألخالقه وأوصافه ه‬
‫تضعف المناسبة ‪ ،‬وإن كانت أكثر تقوى المناسبة ‪ ،‬وتفاوت هذه الجمعية بحسب ضيق‬
‫األفالك إلى العين الثابتة التي هي مرآة جمعية اإلنسان من قابليته واستعداده لقلة‬
‫الجمعية وكثرتها ‪ ،‬ومن حيث سعة فلكها ‪ ،‬فتنقص حظوظ العبد في الخارج بضيق‬
‫الفلك وتوفر حظوظه بسعتها ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬والمستوعب لما يشتمل عليه مقام الوجوب واإلمكان من‬
‫قال رضي ه‬
‫الصفات واألحكام ‪ ،‬وما يمكن ظهوره بالفعل من ذلك في كل عصر وزمان مع ثبوت‬
‫المناسبة أيضا من الوجه األول له الكمال ‪ ،‬وهو محبوب الحق والمقصود لعينه ‪ ،‬فهو‬
‫من حيث حقيقته التي هي برزخ البرازخ ‪ ،‬مرآة الذات واأللوهية معا ولوازمها‬
‫وصاحب المناسبة الذاتية من وجه األول محبوب مقرب ال غير وقد سبق التنبيه على‬
‫ذلك ] ‪.‬‬
‫لما كان الوجهان على سبيل منع الخلو أمكن الجمع بينهما ‪ ،‬فالجامع لما يشتمل عليه‬
‫مقام الوجوب من الصفات اإللهية ومقام اإلمكان من أحكام المراتب ‪ ،‬بشرط إمكان‬

‫‪178‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 179‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٧٩‬‬

‫ظهور تلك الصفات واألحكام بالفعل في كل عصر وزمان ‪ ،‬قيد بذلك إذ منها ما ال‬
‫يمكن ظهوره أصال وبحسب بعض األزمنة ‪ ،‬فال يخ هل النقص من كمال الشخص مع‬
‫ثبوت المناسبة أيضا من الوجه األول مع الحق‬
‫‪.‬‬
‫أي ‪ :‬الذي من جهة ضعف تأثير مرآته في تجلي الحق وخلوه عن أحكام اإلمكان ‪،‬‬
‫مؤثرة في تجلية الكمال اإلنساني الذي ثبت به النبوة في زمان إمكانها ‪ ،‬والقطبية‬
‫والفردية في زماننا ‪ ،‬فهو محبوب الحق لمناسبته إياه من الوجه األول والمقصود بعينه‬
‫‪ ،‬وذلك من حيث حقيقته التي هي برزخ البرازخ من حيث شموله األسماء الذاتية‬
‫واأللوهية ‪.‬‬

‫سمي برزخ البرازخ ؛ لكونه أعلى البرازخ ‪ ،‬بخالف البرزخ بين الوجوب واإلمكان‬
‫وبين األرواح واألجسام ‪ ،‬وإنما كان مقصودا لعينه من حيث هذه الحقيقة البرزخية ؛‬
‫ألنه مرآة لشموله على أسمائها التي ال يغايرها بوجه من الوجوه ‪ ،‬ومرآة األلوهية‬
‫لشموله على أسمائها أيضا ولوازمها من أحكام الوجوب واإلمكان ‪ ،‬فهو أعلم الخلق به‬
‫لظهور الكل فيه ‪.‬‬

‫والمقصود من اإليجاد ‪ ،‬هو إظهاره على الوجه األكمل الجامع لْلجمال والتفصيل معا‬
‫‪ ،‬وأما صاحب المناسبة من الوجه األول ‪ ،‬فهو وإن كان محبوبا لظهوره بقدسيه مقربا‬
‫التصافه بصفات الوجوب بعيدا عن اإلمكان ‪ ،‬إال أنه ليس مقصودا بعينه ‪ ،‬لعدم شمول‬
‫الكل ‪ ،‬وقد سبق التنبيه في النص العاشر على أن المقصود بعينه من هو ‪.‬‬

‫ّللا عليه ‪ [ :‬وأما المناسبة الذهاتية بين الناس ‪ ،‬فتثبت من وجهين أيضا ‪،‬‬
‫قال رضوان ه‬
‫وهما مثاالن للوجهين اإللهيين المذكورين ‪ ،‬أحدهما من جهة اشتراك المتناسبين في‬
‫المزاج بمعنى وقوع مزاجيهما ‪ -‬مزاجهما ‪ -‬في درجة واحدة من درجات االعتداالت‬
‫التي يشتمل عليها مطلق عرض األمزجية اإلنسانية ‪ ،‬أو تكون درجة مزاج أحدهما‬
‫مجاورة لدرجة مزاج اآلخر ‪ ،‬وهذا أصل عظيم في مشرب التحقيق ‪ ،‬قل من يعرف‬
‫ذوقا ؛ ألن تعينات األناس من العوالم الروحانية ‪ ،‬وتفاوت درجاتها في الشرف ‪ ،‬وعلو‬
‫المنزلة من حيث قلة الوسائط وكثرتها وتضاعف وجوه اإلمكان وقوتها بسبب كثرة‬
‫ّللا تعالى وقدره ‪ ،‬المزاج المستلزم‬
‫الوسائط وقلتها وضعفها ‪ ،‬إنما موجبها بعد قضاء ه‬
‫لتعين الروح بحسبه ‪.‬‬

‫فاألقرب نسبة إلى االعتدال الحقيقي الذي تعين نفوس الكمل في نقطة دائرته ‪،‬‬

‫‪179‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 180‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٨٠‬‬

‫يستلزم قبول روح أشرف وأعلى نسبة من درجة العقول والنفوس العالية ‪ ،‬واألبعد عن‬
‫النقطة االعتدالية المشار إليها بالعكس من الخسة ونزول الدرجة ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬المناسبة بين أفراد الناس باعتبار ذواتهم ‪ ،‬فمن وجهين أيضا يماثالن المناسبة‬
‫الذاتية بين الحق واإلنسان ‪ ،‬أحدهما عدمي ‪ ،‬وهو أن ال يتفاوت مزاجهما ‪ ،‬فيشتركان‬
‫في المزاج المعتدل بأن يقع مزاجهما في درجة واحدة من بين درجات كثيرة لالعتدال‬
‫المخصوص بنوع اإلنسان ‪ ،‬أو يكون درجة مزاج أحدهما مجاورة لدرجة مزاج اآلخر‬
‫من غير تخلل درجة أخرى بينهما ‪.‬‬

‫صا‬
‫بيان ذلك أن لكل من المولدات أعني المعدن والنبات والحيوان واإلنسان مزاجا خا ه‬
‫ال يتحقق بدونه ‪ ،‬ثم لكل نوع منها كذلك ‪ ،‬ثم لكل صنف ثم لكل فرد ؛ لكن المزاج‬
‫النوعي إذا فقد فقد الشخص ‪ ،‬وفسد فسد المزاج ‪ ،‬والنوعي يشتمل كل مزاج يعرض‬
‫النوع بأدلة درجات بحسب األصناف واألشخاص والمتناسبات في المزاج من‬
‫اشتراكهما في درجة واحدة أو جاوزت درجة مزاجه درجة مزاج اآلخر ‪.‬‬

‫وهذا التناسب المزاجي أصل عظيم في باب صحبة المريدين للمشايخ ‪ ،‬وإفادتهم إياهم‬
‫واستفادتهم منهم ‪ ،‬قل من يعرفه من المشايخ ذوقا في المريدين دائما ‪ ،‬وإنما كان أصال‬
‫عظيما ؛ ألن تعينات أرواح األناس التي بقدرها االنجذاب ‪ ،‬أي ‪ :‬المقامات العالية من‬
‫العوالم الروحانية التي هي العقول والنفوس ‪ ،‬وتفاوت درجات تلك األرواح في الشرف‬
‫ّللا تعالى ‪،‬‬
‫وعلو المرتبة وعلو المنزلة ‪ ،‬وضدهما من حيث قلة الوسائط بينهما وبين ه‬
‫وكثرتها وقلة الوسائط وضعفها يقلل وجوه اإلمكان ويضعفها ‪،‬‬
‫وكثرة الوسائط وقوتها ‪ ،‬تكثر وجوه اإلمكان وتقويها والموجب لكثرة الوسائط وقلتها‬
‫ّللا وقدره المزاج ؛ ألنه المستلزم تعين الروح بحسب ما فيه من الوحدة‬‫بعد قضاء ه‬
‫والنزاهة عن تأثير طبائع العناصر بعضها في بعض ‪،‬‬
‫فاألتم مزاج أقرب إلى الوحدة ‪ ،‬فيناسبه فيفيض عليه الروح على حسب ذلك ‪ ،‬فبدن‬
‫اإلنسان األقرب نسبة إلى االعتدال الحقيقي ‪ ،‬وهو االعتدال الذي تعين نفوس الكل في‬
‫نقطة دائرته ‪ ،‬أي ‪ :‬مركزها بحيث ال يتفاوت فيه العناصر وطبائعها أصال ‪ ،‬خالفا لما‬
‫يقوله الحكماء ‪ ،‬يستلزم قبول روح أشرف وأعلى يفيض عليه إما من العقول أو من‬
‫النفوس العالية والبدن األبعد عن النقطة االعتدالية المشار إليها ‪ ،‬وبالعكس في قبول‬
‫الروح ‪،‬‬

‫‪180‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 181‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٨١‬‬

‫فيكون فيها من الخسة ونزول الدرجة بحسب بعده عن نقطة االعتدال ‪.‬‬
‫ّللا عليه ‪ [ :‬فاعلم ذلك ‪ ،‬وتف ههم ما ذكرته في أمر االشتراك المزاجي ‪،‬‬
‫قال رضوان ه‬
‫ترق به إلى معرفة المناسبة الروحانية الخصيصة بالوجه اآلخر المشابه للمناسبة‬
‫الذاتية الخفية الحقيهة المحضة ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬فاعلم المناسبة الذاتية بحسب المزاج ‪ ،‬وتف ههم ما ذكرته من أن هذه المناسبة أصل‬
‫عظيم ‪ ،‬ترق بمعرفته ‪ ،‬أي ‪ :‬معرفة المناسبة أصل عظيم ترقى بمعرفته ‪ ،‬أي معرفة‬
‫المناسبة الروحانية بحسب اشتراكهما في أوصاف األرواح وعلوها ومقامها ‪ ،‬فإن ذلك‬
‫أيضا بحسب مزاجها ؛ ألن ما تعين من األعلى ‪ ،‬يكون على صفات الوجوب أشمل ‪،‬‬
‫ومن كان تعينه من األدنى ‪ ،‬كان على أحكام اإلمكان أشمل ‪ ،‬ومن تشارك كالجمع بين‬
‫المناسبتين كانا مشتركين في اإلنسانية الكاملة ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وإذا عرفت هذا عن شهود أو فهم محقق ‪ ،‬رأيت أن‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫بعض األرواح يكون مبدأ مقامها في التعين اللوح المحفوظ ‪ ،‬ومبدأ تعين بعضها من‬
‫روحانية العرش من مقام إسرافيل ‪ ،‬وبعضها من الكرسي من مقام ميكائيل ‪ ،‬وبعضها‬
‫من السدرة من مقام جبرئيل ‪ ،‬هكذا متنازال حتى ينتهي األمر إلى سماء الدنيا المختصة‬
‫بإسمائيل رئيس مالئكتها على جميعهم السالم ‪ ،‬فتعرف حالة إذ أن الشرط األكبر‬
‫ّللا وعنايته‬
‫الموجب لما ذكرته من تفاوت درجات أرواح الناس في ذلك بعد سابق علم ه‬
‫وقضائه ومشيئته ‪ ،‬هو ما سبق ذكره في شأن األمزجة وقربها من نقطة االعتدال‬
‫الحقيقي وبعدها ‪ ،‬وأثر العناية والمشيئة يختص بحسن التسوية الربانية التي يليها نفخ‬
‫الروح وتعينه ‪ ،‬فافهم وتذكر ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬وإذا عرفت أن المزاج هو الذي يستلزم تعين الروح بحسبه شرفا وخسة عن‬
‫شهود من أهل اليقين ‪ ،‬وإال فعن فهم محقق عرفت أن بعض األرواح يكون مبدأ مقامها‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬كمالها في التعين من جهة االعتدال سواء حصل أصل المتعين من اللوح أو من‬
‫أعلى منه ‪ ،‬إال أن الكمال في االعتدال ال يتعلق بما فوقه ؛ ألن اللوح هو النفس الكلية‬
‫المسماة بالزمرد الخضرات ‪ ،‬لها نسبة ظلمانية إلى الهباء بحر الطبيعة ‪ ،‬كما أن لها‬
‫نسبة نورانية إلى العقل األول ‪ ،‬فاالعتدال بيدها بخالف ما يذكر في المناسبة المرتبية ‪،‬‬
‫وهي كما كانت بمنزلة القلب للعالم كله ‪ ،‬كان تعرفها في جسم الكل ‪ ،‬فلهذا لم يخصها‬
‫بروحانية شيء من األفالك‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 182‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٨٢‬‬

‫ومبدأ تعين بعضها روحانية العرش ‪ ،‬أي عرش الرحمن وروحانية المالئكة الواهبات‬
‫‪ ،‬وهي حاصلة من مقام إسرافيل عليه السالم ‪ ،‬وبعدها من روحانية سدرة المنتهى ‪،‬‬
‫منتهى مقام العابدين تحت الكرسي في فلك البروج ‪ ،‬وهي المالئكة المسماة من مقام‬
‫جبرائيل عليه السالم ‪ ،‬وبعضها من روحانية فلك الثوابت ‪ ،‬وهي التاليات من مقام‬
‫رضوان خازن الجنان عليه السالم ‪ ،‬وبعضها من روحانية فلك زحل ‪ ،‬وهي النازعات‬
‫من مقام الملك الكريم ‪ ،‬وبعضها من روحانية فلك المشتري ‪،‬‬
‫وهي الملقيات من مقام الملك المقرب ‪ ،‬وبعضها من روحانية فلك المريخ ‪ ،‬وهي‬
‫الفارقات من مقام الخاشع ‪ ،‬وبعضها من روحانية فلك الشمس ‪ ،‬وهي الصفات من مقام‬
‫الرفيع ‪ ،‬وبعضها من روحانية فلك الزهرة ‪ ،‬وهي الفانيات من مقام الحمد ‪ ،‬وبعضها‬
‫من روحانية عطارد ‪ ،‬وهي الناشطات من مقام فلك الروح ‪ ،‬وبعضها من روحانية فلك‬
‫القمر ‪ ،‬وهي مالئكة الروحانية من مقام إسماعيل عليه السالم ‪ ،‬وأسامي هذه المالئكة‬
‫ّللا روحه ‪ -‬في رسالة‬
‫ذكرها الشيخ الكامل المكمل محيي الدين بن العربي ‪ -‬قدس ه‬
‫“ عقلة المستوفز " ‪. " 1‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬فتعرف حالة إذ ] أي ‪ :‬حالة إذ يعرف ما ذكرنا عن‬ ‫قال المصنف رضي ه‬
‫شهود ‪ ،‬أو فهم محقق إن الشرط األكبر قيد به ؛ ألن لهذا التفاوت شرطا آخر من‬
‫األدوار الفلكية ‪ ،‬وخواص األمكنة أحوال األبوين لتفاوت أرواح الناس في الشرف‬
‫والخسة ‪ ،‬هو قرب األمزجة من نقطة االعتدال الحقيقي وبعدها عنها ‪،‬‬
‫ّللا المسمى بالعناية والقضاء والمشيئة ‪ ،‬جعله بعدها ؛ ألنه أثر‬
‫لكن ذلك بعد سابق علم ه‬
‫المزاج الذي هو أثر العناية التي هي المشيئة ؛ ألن أثرها يختص بحسب التسوية‬
‫الربانية المسماة االعتدال ‪ ،‬ربانية لحصولها من الرتبة اإللهية ‪ ،‬يليها نفخ الروح الذي‬
‫هو تعين الروح لما فيه من الخروج من مقامه الغيبي إلى الظهور الذي هو التعين‪.‬‬

‫فلذلك قال ‪ [ :‬فافهم ] ‪ ،‬وإنما قال ‪ :‬وتذكر لتعرف بذلك التناسب الذهاتي من الوجه‬
‫اآلخر ‪ ،‬وذلك باستجماع خواص تلك المالئكة ‪ ،‬وعينه ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأما المناسبة المرتبية ‪ ،‬فإنها ليست من وجه واحد ‪ ،‬بل‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫من وجوه متعددة ‪ :‬أحدها من جهة معدنها األصلية التي هي مبدأ تعينات األرواح‬
‫المشار إليها آنفا ‪،‬‬
‫‪.........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬انظره في ‪ ( :‬ص ‪ ، ) 173‬طبعة دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 183‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٨٣‬‬

‫فإن مبدأ تعين أعالها درجة أعني أرواح الكمل ‪ ،‬أم الكتاب ومبدأ تعين بعضها علما‬
‫ووجودا متوحدا ذات القلم األعلى المسمى بالعقل األول والروح الكلي ومبدأ تعين‬
‫بعضها اللوح المحفوظ ‪ ،‬وبعضها عرشية إسرافيلية ‪ ،‬وبعضها ميكائيلية من مقام‬
‫الكرسي وروحانيته ‪ ،‬وبعضها جبرائيلية من مقام سدرة المنتهى ‪ ،‬هكذا إلى آخر‬
‫أجناس هذه األصول الروحانية المختصة بإسماعيل صاحب سماء الدنيا المعبر عنه‬
‫مر ] ‪.‬‬
‫عند حكماء المشائيين بالعقل الفعال كما ه‬
‫اعلم أنه اختار من بين الوجوه الكثيرة ثالثة أوجه ما به المبدأ ‪ ،‬وما إليه المنتهى ‪ ،‬وما‬
‫عليه الوسط ‪.‬‬
‫فأول من معادنها األصلية ‪ ،‬أي مبادئ تعيناتها األصلية دون اعتبار كما لها ‪ ،‬وقد أشير‬
‫إلى ذلك فيما سبق من أن مبادئ التعينات من حيث األصل عين مبادئها من حيث‬
‫الكمال ‪ ،‬ثم بيهن أن مبدأ تعين أعالها درجة ‪ ،‬وهي أرواح الك همل من األنبياء واألقطاب‬
‫واألفراد أم الكتاب ‪ ،‬وهو العلم اإلجمالي اإللهي تسمى به ؛ ألنه أصل األصول للعقول‬
‫والنفس التي هي كتب اإللهية ‪ ،‬إذ المراد بالكتاب العالم الكبير ‪ ،‬والعلم أصله ومبدأ‬
‫تعين بعضها على تفصيلها من وجه وجوده ‪ ،‬لجعله مجمال من وجه آخر ‪.‬‬

‫وهذا االتحاد بالنسبة إلى ما دونه ‪ ،‬والوجود هنا فعلي دون المرتبة األولى ذات القلم‬
‫األعلى ‪ ،‬دون تعلق اللوح المحفوظ به سمي أي ‪ :‬قلبا ؛ ألن به التدوين والتسطير للعالم‬
‫‪ ،‬وعقال لتعقله الكل أوال ‪ ،‬لكنه أول المخلوقات مرتبة وروحا ال به التصرف في العالم‬
‫‪ ،‬وكليها ‪ ،‬ألن كليات األرواح جزئياته ‪ ،‬وبعضها عرشية إسرائيلية ‪ ،‬أي من نفسه‬
‫وعقله معا وكهف هذه األسامي ؛ لئال يتوهم أن لها أمورا أخرى بها التناسب‬
‫المرضي ‪.‬‬

‫وأشار أيضا إلى أن هذه هي األصول الروحانية وأجناسها ‪ .‬وذكر في األخير أنه العقل‬
‫الفعال ‪ ،‬نفيا لما يقال ‪ ،‬إن تعلق العقل الفعال بعالم العناصر فقط ‪.‬‬
‫والمشاءون طائفة من الحكماء تعلم أوائلهم من أفالطون في الطريق على ما ذكره‬
‫السيد السمرقندي في “ شرح صحائفه “ " ‪. " 1‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬والوجه اآلخر من وجهة مظاهرها المثالية ‪ ،‬فإن‬‫قال الشيخ الصدر رضي ه‬
‫األرواح‬
‫‪....................................................‬‬
‫) ‪( 1‬طبع حديثا بدار الكتب العلمية ‪ -‬بتحقيقنا‪- .‬‬

‫‪183‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 184‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٨٤‬‬

‫على اختالف مراتبها ال تخلو عند جميع المحققين من مظاهر تتعين وتظهر بها ‪ ،‬وأول‬
‫مراتب مظاهر أرواح األناسي ما عدا الك همل ‪ ،‬عالم المثال المطلق ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬الوجه الثاني الذي إليه المنتهى ‪ ،‬لكونه مبدأ الظهور ‪ ،‬وإن كان المبدأ األصلي‬
‫غيره من جهة المظاهر المثالية ‪ ،‬أي ‪ :‬المنسوبة إلى عالم المطلق الذي تتجسد فيه‬
‫األرواح من غير أشباح ‪ ،‬وال يحتاج في إدراكه إلى القوة الخيالية التي في دماغ‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وإنما وقع التناسب بذلك ؛ ألن األرواح مع اختالف مراتبها إنما تظهر‬
‫وتتعين عن مظاهر على ما وقع عليه اتفاق المحققين ‪.‬‬

‫واستدل عليه بأنه لوال المظاهر ‪ ،‬المتنع تميزها لبساطتها واتحادها نوعا ‪ ،‬فلو لم تكن‬
‫لها مظهرا افتقرت في تميزها إلى فصل ينضم إلى جنسه الذي اشترك فيه االتحاد‬
‫النوعي ‪ ،‬وما به االتحاد غير ما به التمييز ‪ ،‬وال يكفي في ذلك اختالف المراتب ؛ ألنه‬
‫من العوارض العامة ‪ ،‬فال يفيد التمييز بالخواص ؛ ألنه ال يفيد التميز الشخصي ‪ ،‬وأما‬
‫بالعوارض المختصة فهي ال تلحق قبل الظهور ‪ ،‬وأول مراتب مظاهر أرواح غير‬
‫الك همل عالم المثال المطلق ‪ ،‬إذ ال تعين لهم قبل ذلك الختصاصه بالك همل ‪ ،‬فال يظهر‬
‫قبل التعين ‪ ،‬إذ هذا العالم في فلك البروج على ما ذكره الشيخ المحقق محيي الدين ابن‬
‫ّللا سره ‪ -‬في " عقلته " ‪.‬‬‫العربي ‪ -‬قدس ه‬
‫قال الشيخ ‪ [ :‬والصور الخيالية ‪ ،‬وإن كانت مواد انتشائها لطائف قوى هذه النشأة‬
‫الطبيعية ‪ ،‬وجواهرها المطهرة ‪ ،‬والمز هكاة المكتسية صفات األرواح ‪ ،‬فإن صفاتها‬
‫وأحوالها في الجنة إنما يظهر بحسب روحانياتها وقواها وخواص مظاهرها المثالية‬
‫“‪.] “1‬‬
‫إشارة إلى بيان أن عالم المثال “ ‪ “ 2‬مرجع مظاهر أرواح أهل الجنة ‪ ،‬فهو مبدأ‬
‫مظاهرها أيضا ؛ وذلك ألن صورة الجنانية مظاهر أرواحهم بال شك ‪ ،‬فهذه الصور ‪،‬‬
‫وإن كان أهل منشأها لطائف قوى هذه النشأة الطبيعية ‪ ،‬أعني ‪ :‬القوى الحيوانية التي‬
‫هي الحواس الظاهرة والباطنة ‪ ،‬والقوى النباتية إذا تلطفت باألعمال الصالحة ‪،‬‬
‫واألخالق الفاضلة ‪،‬‬
‫‪........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬ال العنصرية حيث إن المواد العنصرية مواد الكون والفساد ‪ ،‬وهذا ليس في‬
‫الجنة ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬مرتبة عالم المثال ‪ ،‬هي مرتبة وجود األشياء الكونية المركبة اللطيفة ‪ ،‬التي ال‬
‫تقبل التجزئة والتبعيض والخرق وااللتئام‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 185‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٨٥‬‬

‫ولطائف جواهرها ‪ ،‬أعني ‪ :‬القلب والنفس بشرط تطهير القلب عن لوث النفس األمارة‬
‫‪ ،‬وترى النفس عن صفاتها وأخالقها بحيث اكتسبت تلك الجواهر صفات األرواح‬
‫وكانت الصور الجنانية على حسبها إال أن لها أحواال وأوصافا في الجنة ليكون‬
‫ظهورها فيها إال بحسب روحانياتها وقوتها متجسدة بالصورة المثالية ‪ ،‬وبحسب‬
‫خواص مظاهرها المثالية بدليل وقوع التبدل والتغير فيها من غير كون وفساد ‪،‬‬
‫فصفات تلك الصور وأحوالها من عالم المثال مرجع لمظاهر األرواح ‪ ،‬فهو مبدأ‬
‫لمظاهرها أيضا ‪ ،‬ثم رجع إلى بيان المناسبة بذلك بين الناس ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومنازل أهل الجنة مظاهر مراتب األرواح من حيث‬ ‫فقال الشيخ رضي ه‬
‫ّللا عليه‬
‫مكانتها عند الحق ومن حيث مظاهرها المثالية األولى ‪ ،‬وقد نبه النبي صلى ه‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬يا علي إن قصرك‬ ‫وسلم على ذلك بإشارات لطيفة ‪ ،‬مثل قوله صلى ه‬
‫في الجنة في مقابلة قصري “ “ ‪، “ 1‬‬
‫وفي رواية ‪ “ :‬محاذاة قصري “ " ‪. " 2‬‬
‫وقال في حق العباس قريبا من ذلك ‪.‬‬
‫وقال في حق جمهور المؤمنين ‪ “ :‬ألحدكم أهدى إلى منزله في الجنة منه إلى منزله‬
‫في الدنيا “ “ ‪ ، “ 3‬وليس هذا إال من حكم المناسبة ] ‪.‬‬

‫أشار إلى أن عالم المثال كما هو مرجع مظاهر أرواح أهل الجنة من حيث صفاء‬
‫صورهم وأحوالهم ‪ ،‬كذلك هو مرجع منازلها ‪ ،‬وهذا أدل على كونه مبدأ مظاهرها ‪،‬‬
‫وذلك إن منازل أهل الجنة مراتب األرواح ‪ ،‬ظهرت فيها من حيث مكانتها عند الحق‬
‫من حيث قربها وبعدها في المناسبة مع الحق ‪ ،‬فترتفع وتدنو منازلهم بحسب ذلك من‬
‫حيث مظاهرها المثالية ‪ ،‬وهي مظاهر األولى ‪ ،‬فمن كان مثاله على أصفى حال أو‬
‫أكدر فمنزلة بحسب ذلك ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم لعلي عليه السالم ‪ “ :‬إن قصرك في‬ ‫واستدل على ذلك بقوله صلى ه‬
‫الجنة في مقابلة قصري “ ؛ ألن قرب مكانته عليه السالم بالنسبة إلى مكان النبي‬
‫ّللا عليه وسلم غير ممكن ؛ ألن أدنى مراتب األنبياء ‪ ،‬أعلى مراتب األولياء ‪،‬‬ ‫صلى ه‬
‫ّللا عليه وسلم أفضل األنبياء ‪ ،‬فأين مكانته من مكانة علي ‪ ،‬فهو بالضرورة‬ ‫وهو صلى ه‬
‫من‬
‫‪...........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬لم أقف عليه ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬لم أقف عليه ‪.‬‬
‫) ‪( 3‬رواه الطبري في التفسير‪( 24 / 36 ) .‬‬

‫‪185‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 186‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٨٦‬‬

‫ّللا عنه من اإلشارات اللطيفة ‪ ،‬وقد أ هكد‬


‫حيث المظاهر المثالية ‪ ،‬فلذلك جعله رضي ه‬
‫هذه اإلشارات ما ورد في الرواية األخرى ‪ “ :‬في محاذاة قصري “ ‪ ،‬المحاذاة في‬
‫الصورة الظاهرة أكثر ‪ ،‬فهي أيضا إشارة لطيفة إلى المظاهر المثالية على أنه لو‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ ،‬فكيف يكون مثل ذلك‬‫قربت مكانته عليه السالم من مكانته صلى ه‬
‫ّللا تعالى ؛ ألن‬
‫العباس ‪ ،‬وال يبعد القرب في المظاهر المثالية مع البعد في المكانة من ه‬
‫هذه مناسبة في األمور الحسية ‪ ،‬فال تستلزم المناسبة في األمور الحقية على ذلك‬
‫المقدار بعينه ‪.‬‬

‫ثم استشعر سؤالين بأن هذا إنما يتم لو اعتبرت المناسبة الروحانية في تلك المنازل ‪،‬‬
‫ّللا عليه وسلم في حق جمهور المؤمنين “ ألحدكم‬ ‫فدفع ذلك بما روى عن النبي صلى ه‬
‫أهدى ‪ . .‬إلى آخره “ ‪ ،‬ثم صرح بالمقصود فقال ‪ " :‬وليس هذا األمر إال حكم‬
‫المناسبة " ‪.‬‬
‫ّللا عنه بقوله ‪ [ :‬وأما سوق الجنة المشتمل على الصورة اإلنسانية‬‫فقال الشيخ رضي ه‬
‫المستحسنة التي يتخير أهل الجنة التلبس بما شاءوا منها ‪ ،‬فمن بعض جداول عالم‬
‫المثال المطلق الذي هو معدن المظاهر وينبوعها ‪ ،‬وهو مجرى المدد الواصل من عالم‬
‫المثال إلى مظاهر أرواح أهل الجنة ] ‪.‬‬
‫جواب سؤال مقدر تقديره ‪ :‬أن الصورة المثالية موادها لطائف قوى هذه المنشأة‬
‫الطبيعية وجواهرها المتطهرة وصفاتها تظهر بحسب روحانياتها وقوتها وخواص‬
‫مظاهرها المثالية ‪ ،‬وكذا أحوال تلك الصور ‪ ،‬فهذه الصورة التي في السوق ليس‬
‫موادها لطائف قوى هذه النشأة إذ هي ثابتة ال تتغير بعد الموت والحشر ‪ ،‬وال صفات‬
‫تظهر من روحانياتها بحالها ‪ ،‬على أنه ال يحتاج إلى التخرج ‪ ،‬وال من خواص‬
‫مظاهرها المثالية ‪ ،‬إذ قد ظهرت تلك في الصور األولى ‪ ،‬فما هذه الصور ‪ ،‬وكذلك‬
‫منازلها مظاهر مراتب األرواح من حيث مكانتها عند الحق ‪ ،‬ومن حيث مظاهرها‬
‫المثالية ‪ ،‬فما هذا السوق الذي هو من منازلهم ‪ ،‬وليس بحسب مكانتهم عند الحق‬
‫الشتراك الكل فيه ‪ ،‬فيها الورود ال من حيث مظاهرها المثالية ‪ ،‬الستلزامه التفاوت في‬
‫الظاهر هذا المنزل ‪.‬‬
‫فأجاب بأن ‪ :‬ما ذكرنا أوال ‪ ،‬هي الصور األصلية والمنازل األصلية جعلت من بحر‬
‫عالم المثال المطلق ‪ ،‬وهذه الصور والمنازل فرعية حصلت من بعض جداول عالم‬
‫المثال ‪ ،‬إذ عالم المثال المطلق بحر عظيم معدن مظاهر وصور كثيرة ‪ ،‬فاستلزمت‬
‫المنازل األصلية التي جعلت فيها التفاوت ‪ ،‬ال يستلزم في المنازل الفرعية ‪ ،‬وخواص‬
‫مظاهرها التي ظهرت في‬

‫‪186‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 187‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٨٧‬‬

‫الصورة األولى في الخواص األصلية العالية ‪ ،‬وهذه من الخواص العارضية ‪ ،‬إذ‬


‫فيها ‪.‬‬
‫ثم استدل على إثبات هذا الجدول ‪ ،‬بأنه مجرى المدد الواصل من عالم المثال إلى‬
‫مظاهر أرواح أهل الجنة إذ ال بد لهم من المدد ؛ ألنهم كل حين خلق جديد ‪ ،‬وليس ذلك‬
‫من بحر عالم المثال المطلق ‪ ،‬إذ ال تخصص فيه لشخص دون شخص ‪ ،‬فال ب هد من‬
‫الجدول ‪ ،‬فافهم بالنسبة إلى كل صورة ومنزلة جدول منه ؛ ألن نسبنا األولى إلى البحر‬
‫؛ ألنها من جداول كثيرة جامعة إلى كنز الخواص ‪ ،‬فلذلك جعلناها أصلية‬
‫‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومنشأ مأكلهم ومشاربهم ومالبسهم ‪ ،‬وكل ما يتنعمون به في‬
‫قال رضي ه‬
‫أراضي مراتب أعمالهم واعتقاداتهم وأخالقهم وصفاتهم ودرجات اعتداالتهم في ذلك‬
‫كله ] ‪.‬‬

‫إشارة إلى أن كل ما يصل إليهم على التدريج يحتاج إلى جدول خاص من تلك الجداول‬
‫‪ ،‬وإال كانت على نسق واحد لكنها على المزيد والدليل على أنها من عالم المثال أنها‬
‫سريعة االنقالب ‪ ،‬فإن الطيور إذا أكلت عادت إلى ما كانت ‪ ،‬وكذا الفواكه ‪ ،‬ويحتمل‬
‫أن يقال في أراضي مراتب أعمالهم ‪ ،‬خبر لقوله ومنشأ مأكلهم ‪ ،‬فهو إشارة إلى أن هذه‬
‫األحوال أيضا من عالم المثال الجامع صورها ‪ ،‬وقوله ‪ “ :‬في ذلك كله “ متعلق‬
‫باعتداالتهم ‪ ،‬فاالعتدال في الكل شرط في إثبات صورة ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأما الخلع والتحف التي يأتي بها المالئكة من عند الحق إلى‬
‫قال رضي ه‬
‫جمهور أهل الجنة حال حملهم إياهم إلى كثيب الرؤية لزيارة الحق ومجالسته ‪ ،‬هي‬
‫مظاهر أحكام األسماء والصفات التي يستند إليها الزائرون في نفس األمر ‪ ،‬وإن لم‬
‫يعلموا ذلك ‪ ،‬وبتلك التحف تقوى مناسبتهم مع الحق وتحيى رقائق ارتباطاتهم به من‬
‫حيث تلك األسماء والصفات التي لها درجة الربوبية على أولياء الزائرين ] ‪.‬‬

‫إشارة إلى ما يظهر عليهم من حيث روحانيتهم ومكانتهم من الحق بعد بيان ما يظهر‬
‫عليهم من جهة مظاهرة المثالية وخواصها ‪ ،‬وفيه دفع ما يتوهم أنها من عالم المثال‬
‫أيضا ؛ فلذلك قال بهذه العبارة ‪ ( :‬وأما الخلع والتحف ) ‪ ،‬وقيد بالجمهور إذ الك همل ال‬
‫يحتاجون إلى ذلك ‪ ،‬وهم دائمون في الرؤية ‪.‬‬
‫وأما البله ‪ ،‬فهم ال يصلون إلى هذه الرتبة ‪ ،‬لعدم كمال روحانيتهم المناسبة لرتبة‬
‫الرؤية ‪ ،‬وبين أنها من عند الحق ‪ ،‬إشعارا بأنها ليست من عالم المثال ‪ ،‬إذ ال مناسبة‬
‫بذلك مع‬

‫‪187‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 188‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٨٨‬‬

‫الحق ‪ ،‬فال يستحقون به الحمل إلى كثيب الرؤية لزيارة الحق ومجالسته ‪ ،‬فهي مظاهر‬
‫أحكام األسماء والصفات التي استندا في الواقع إليها ‪ ،‬وإن لم يعلموا استنادهم إليها إلى‬
‫اآلن ‪ ،‬ثم ذكر فائدة إتيان المالئكة بها ‪ ،‬بأنه ال بد لهم من حصول استعداد جديد ‪ ،‬إذ‬
‫المستمر لو كان كافيا لمراتب الرؤية بدوامه ؛ على أن الرؤيا تحتاج إلى مناسبة ذاتية‬
‫وأسمائية ‪ ،‬لكن المناسبة بالذات ال تحصل بنفسه إذ ال عالقة بينهما ‪ ،‬بل بواسطة‬
‫األسماء والصفات التي لها ربوبية خاصة على أولئك الزائرين ‪ ،‬فبتلك التحف يحيي‬
‫الرقائق ‪ ،‬أي ‪ :‬تعلقات ارتباطهم بالحق ‪ ،‬فإذا حييت تلك الرقائق ‪ ،‬قربت المناسبة مع‬
‫الحق ‪ ،‬فصارت من جهة الذات واألسماء جميعا تستحق الحمل إلى كثيب الرؤية ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وقوله تعالى للمالئكة في أواخر مجالس الزيارة عن أهل الجنة‬
‫قال رضي ه‬
‫ردوهم إلى قصورهم ‪ ،‬إشارة إلى انتهاء أحكام المناسبات المستفادة من تلك الخلع‬
‫والتحف ‪ ،‬وانتهاء أحكام األسماء والصفات التي هي من حيث هي تثبت المناسبة بينهم‬
‫وبين الحق ‪ ،‬ويوجب جميعهم وحضورهم عنده ‪ ،‬فمتى ظهرت سلطنة األسماء‬
‫والصفات التي تقابل أحكام األسماء والصفات المقتضية لالجتماع ‪ ،‬ظهرت األحكام‬
‫القاضية باالمتياز ‪ ،‬فحصل البعد والحجاب ‪ ،‬فافهم ] ‪.‬‬

‫إشارة إلى االستدالل على أنها مظاهر أحكام األسماء والصفات ‪ ،‬وإال لم تنقطع‬
‫المناسبة المستفادة من تلك الخلع والتحف بانقطاع أحكام تلك األسماء التي تثبت‬
‫المناسبة بين الزائرين وبين الحق ‪ ،‬لكن المناسبة تنقطع بدليل انقطاع موجبها من‬
‫الرؤية عند الرد إلى القصور ‪ ،‬مع أن المعلول واجب من العلة ‪،‬‬

‫فالعلة التي هي المناسبة منقطعة ‪ ،‬فال ب هد من انقطاع علة المناسبة أيضا ‪ ،‬وهي أحكام‬
‫األسماء والصفات المقابلة لتلك األسماء والصفات ‪ ،‬على أولئك الزائرين بحيث‬
‫صارت أربابهم بعد ما كانت الربوبية أوال لتلك األسماء السابقة في المقابلة ‪،‬‬

‫وتلك السلطنة أحكام تلك األسماء السابقة المقتضية لالجتماع ‪ ،‬فمتى ظهرت سلطنة‬
‫هذه األسماء ظهرت األحكام القاضية باالمتياز بين أولئك الزائرين وبين الحق ‪،‬‬
‫فحصل البعد فيما بينهما وحصل الحجاب وهكذا انتهت سلطنة هذه األسماء المقتضية‬
‫للبعد والحجاب ‪ ،‬وانتهت أحكامها ‪ ،‬عادت سلطنة األسماء األول ‪ ،‬فعادوا إلى الرؤية ‪،‬‬
‫فعلم أن لكل اسم حدها معلوما في السلطنة محال وزمانا ‪ ،‬فلها الربوبية بحسب تلك‬

‫‪188‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 189‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٨٩‬‬

‫األزمنة ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأما تفاوت مراتبهم حال المجالسة مع الحق ‪ ،‬فهو بحسب‬
‫قال رضي ه‬
‫ّللا ‪ ،‬أو علومهم‬
‫تفاوت مراتبهم في نفس الحق ‪ ،‬وبحسب صحة عقائدهم في ه‬
‫ومشاهداتهم الصحيحة ‪ ،‬وإيثارهم فيما قبل جناب الحق على ما سواه ‪ ،‬وطول زمان‬
‫المجالسة وقصرها وتفاوت الشرف فيما يخاطبون به ‪ ،‬وما يفهمونه من خطابه ‪ ،‬هو‬
‫بحسب ما ذكرناه ‪ ،‬وبحسب حضورهم على ما كانوا يعلمون منه ‪ ،‬أو استحضارهم له‬
‫بمقتضى اعتقاداتهم فيه ومناسبتهم لجنابه من حيث مقام كثيب الرؤية ‪ ،‬والتجلي‬
‫الخصيص بهم منه ‪ ،‬فاعلم ذلك ] ‪.‬‬

‫إشارة إلى ما يظهر عليهم بحسب المناسبة الذاتية بعد ذكر ما يظهر عليهم بالمناسبة‬
‫األسمائية أي ‪ :‬وأما تفاوت مراتبهم في القرب من الحق والبعد منه ‪ -‬مع اشتراك الكل‬
‫في المناسبة ‪ -‬فهو بحسب مراتبهم في نفس الحق ‪ ،‬فإن المناسبة الذاتية متفاوتة سواء‬
‫كانت من جهة ضعف تأثير مرتبة العبد في التجلي المتعين لربه أو من جهة حظ العبد‬
‫ّللا ‪ ،‬وهي أيضا تقيد المناسبة‬
‫من صورة الجمعية اإللهية ‪ ،‬وبحسب صحة عقائدهم في ه‬
‫الذاتية حتى توجب الفناء فيه والبقاء به ‪.‬‬

‫واحترز بالصحيحة عن الفاسدة ‪ ،‬فإنها توجب البعد والحجاب ‪ ،‬وهذا في حق الكاملين‬


‫وبحسب إيثارهم فيما قبل ‪ ،‬أي ‪ :‬قبل الحمل إلى كثيب الرؤية جناب الحق على ما سواه‬
‫‪ ،‬فإنه يفيد أيضا المناسبة الذاتية بالمحبة له حتى يصير مظهرا للحب األزلي ‪ ،‬فيظهر‬
‫فيه بكماله أو بشيء منه ‪ ،‬وهذا يعم الكاملين وغيرهم ‪.‬‬

‫ثم ذكر أن طول زمان مجالسته وقصرها يكون بحسب ما ذكرنا من أنه بحسب‬
‫مراتبهم في نفس الحق ‪ ،‬وصحة عقائدهم وعلومهم ومشاهدتهم وإيثارهم جناب الحق‬
‫مع حسب حضورهم معه في الدنيا ‪ ،‬واستحضارهم له بمقتضى اعتقادهم ‪ ،‬وبحسب‬
‫مناسبتهم بجنابه من حيث األسماء التي جاءت بهم في مقام كثيب الرؤية ‪ ،‬وإفادتهم‬
‫التجلي الخصيص بهم ‪ ،‬إذ مجرد ما ذكرنا أوال إنما يوجب نفس المجالسة مع مقدار‬
‫من القرب والبعد ال غير ‪ ،‬وهكذا تفاوت الشرف فيما يخاطبون به ‪ ،‬وفيما يفهمونه مع‬
‫كون الخطاب واحدا ‪.‬‬

‫ّللا بهم فيما ذكرنا وسواه ‪ -‬فإنه‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأما حال الك همل ‪ -‬نفعنا ه‬
‫قال الشيخ رضي ه‬
‫بخالف‬

‫‪189‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 190‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٩٠‬‬

‫ذلك فإنهم قد تجاوزوا حضرات األسماء والصفات والتجليات الخصيصة بها إلى‬
‫ّللا عليه وسلم عن شأنهم بقوله ‪:‬‬‫عرصة التجلي الذاتي ‪ ،‬فهم كما أخبر النبي صلى ه‬
‫“صنف من أهل الجنة ‪ ،‬ال يستتر الرب عنهم ‪ ،‬وال يحتجب “ “ ‪ ، “ 1‬وذلك أنهم‬
‫غير محصورين في الجنة وغيرها من العوالم والحضرات كما قد أشرت إليه في غير‬
‫هذا الموضع ‪ ،‬من أن الجنة ال تسع إنسانا كامال وال غير الجنة ‪ ،‬فهم وإن ظهروا فيما‬
‫شاءوا من المظاهر ‪ ،‬فإنهم منزهون عن الحصر والقيود ‪ ،‬واألمكنة واألزمنة ‪،‬‬
‫كسيدهم ‪ ،‬بل هم معه أينما كان ‪ ،‬وحيث ال أين وال حيث وال جرم وال بعد وال حجاب‬
‫وال انتقال لزيارة وال انتهاء بحكم وقت من األوقات والسماء والصفات ‪ ،‬فافهم واجتهد‬
‫ّللا ولي‬ ‫ه‬
‫وتمن أن تلحق بهم ‪ ،‬وأن تشاركهم في بعض مراتبهم العلية ‪ :‬فإن ه‬ ‫‪،‬‬
‫اإلحسان ] ‪.‬‬

‫هذا يقابل قوله فيما تقدم ‪ [ :‬وأول مراتب مظاهر األرواح اإللهية ما عدا الك همل عالم‬
‫المثال ‪ ،‬فقال ‪ :‬خفاء لهم في الظهور فيما ذكرنا من عالم المثال ‪ ،‬ومن الصور الخيالية‬
‫ومآكلها ومشاربها والخلع والتحف وكثيب الرؤية وغير ذلك ‪ ،‬بخالف حال الجمهور إذ‬
‫حال الجمهور يتقيد لحضرات األسماء والصفات ‪ ،‬وما دونها من التجليات الخصيصة‬
‫بها لعالم المثال وغيره ‪ ،‬وهؤالء قد تجاوزوا حضرات األسماء والصفات إلى عرصة‬
‫التجلي الذاتي ‪ ،‬فلهم من المناسبة الذاتية أعلى المراتب بحيث ال دخل لألسماء فيها ؛‬
‫فهم كما أخبر النبي عليه السالم عنهم ‪ ،‬صنف من أهل الجنة ال يتستر الرب عنهم‬
‫أي ‪ :‬حينا من األحيان ‪ ،‬وال يحتجب بجهة من الجهات عند التجلي عليهم ‪.‬‬

‫وسبب عدم التستر واالحتجاب أنهم ال يتقيدون بمظهر سواء الجنة وغيرها من العوالم‬
‫والحضرات ؛ وذلك ألن كل مقيد ضيق واإلنسان الكامل واسع بسعة ربه ‪ ،‬فله بكل‬
‫مكان مظهر من غير تقيد به ‪ ،‬فهم وإن ظهروا فيما شاءوا من المظاهر ال يتقيدون به‬
‫‪ ،‬وكذا ال يتقيدون باألمكنة واألزمنة ‪ ،‬وإال تقيدوا بها ‪ ،‬وأنهم لتسترهم في الظهور في‬
‫كل مكان وزمان ‪ ،‬مع عدم التقيد ‪ ،‬بل هم معه في كل مكان وزمان ‪ ،‬وحيث المكان‬
‫وال جهة ‪ ،‬بل صاروا مظاهر كلية لربهم بجميع تجلياته ‪ ،‬ال جرم ال بعد لهم وال‬
‫حجاب عنه بوجه من الوجوه ‪ ،‬فكذا ال انتقال عليهم لزيارة لما فيه من التخصيص‬
‫بالمكان ‪ ،‬وهم منزهون عنه ‪،‬‬
‫‪................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( ‪ ) 101 / 1‬بلفظ ‪ ( :‬إن المتقين في الجنة )‬
‫بدال من ( صنف ‪.) . .‬‬

‫‪190‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 191‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٩١‬‬

‫وال انتهاء لرؤيتهم بحكم وقت من األوقات ؛ ألنهم جاوزوا األزمنة ‪ ،‬وال بحكم األسماء‬
‫والصفات القاضية باالمتياز ؛ ألنهم تجاوزوا حضرات األسماء والصفات ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫فإنهم مع الحق في الكل ‪ ،‬واجتهد أن تلحق بهم في بعض مراتبهم العالية بتبعيتهم ‪ ،‬بل‬
‫وّللا ولي اإلحسان ‪ ،‬فال تنظر إلى قصورك فتنقطع‬
‫وأن تشاركهم في ذلك باالستقالل ‪ ،‬ه‬
‫عن هذا الجهد ] ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وأما المناسبات الثابتة بين الناس من جهة المراتب البرزخية ‪،‬‬
‫قال رضي ه‬
‫فأنموذجها المنبه على تفاصيلها ‪ ،‬لمن لم يكشفها ‪ ،‬ولم يشهدها ‪ ،‬هو ما ذكره النبي‬
‫ّللا عليه وسلم في حديث اإلسراء ‪:‬‬‫صلى ه‬
‫" من رؤيته آدم عليه السالم في سماء الدنيا ‪ ،‬وأن على يمينه أسودة السعداء من ذريته‬
‫‪ ،‬وعلى يساره أسودة األشقياء من ذريته ‪ ،‬أنه إذا نظر عن يمينه ضحك ‪ ،‬وإذا نظر‬
‫على يساره بكى "‪ . " 1 " .‬فهذه إشارة إلى مراتب عموم األشقياء والسعداء ]‬
‫‪.‬‬
‫إشارة إلى الوجه الثالث من وجوه المناسبات المرتبية ‪ ،‬وهي التي عليها الوسط الذي‬
‫هو البرزخ بين الدنيا والقيامة الكبرى ‪ ،‬أعني أحوال القبر ‪ ،‬فذكر النموذج تلك‬
‫ّللا عليه وسلم في حديث اإلسراء ‪ ،‬وذلك األنموذج منبه‬ ‫المناسبة ما ذكره النبي صلى ه‬
‫على تفاصيل تلك المناسبات بأنها منتسبة على حسب منازلها علوا وسفال ‪ ،‬وإنما‬
‫يحتاج إلى هذا التنبيه من لم يكشفها ولم يشهدها ‪ ،‬وإال فال حاجة له إلى الخبر ‪ ،‬وذلك‬
‫ّللا عليه وسلم رأى آدم عليه السالم في سماء الدنيا ‪،‬‬
‫أنه صلى ه‬
‫وذلك ليتولى القسم بين أوالده علوا وسفال ‪ ،‬فلذلك يفوض إليه بعث النار يوم القيامة ‪،‬‬
‫وضحكه عبارة عن رضاه عن أسودة السعداء ‪ ،‬وبكاؤه عبارة عن حزنه عليهم لرؤية‬
‫نقصانه ‪ ،‬ويمينه عبارة عن الجانب الذاتي ؛ ألنه الجانب القوي أنا لها ‪ ،‬والقوي أحلى‬
‫من الضعيف ‪ ،‬فافهم هذا الحديث ‪ ،‬أن األشقياء يكون منزلهم تحت السماء الدنيا ‪ ،‬في‬
‫البرزخ ‪ ،‬وأن السعداء فوق ذلك ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬فأهل الشقاء هم الذين لم‬


‫وهذا عن تفاصيل إليها أشار الشيخ فقال رضي ه‬
‫تفتح لهم أبواب السماء حال الموت ‪ ،‬وهم في شقائهم على مراتب مختلفة ؛ فإن النبي‬
‫عليه وعلى آل بيته التحية ‪ :‬أخبر عن أرواح بعض األشقياء أنها تجمع في برهوت‬
‫“ ‪ “ 2‬والحليتين والخاسئين‬
‫‪....................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه البخاري ( ‪ ، ) 135 / 1‬ومسلم ( ‪ ) 148 / 1‬بنحوه ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬برهوت ‪ :‬اسم بئر في بابل فيه هاروت وماروت‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 192‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٩٢‬‬

‫والخابتين “ ‪ “ 1 “ .‬مبدأ مراتب األشقياء من مقعر السماء الدنيا التي فيها آدم ‪،‬‬
‫وأنزلها ما ذكره عليه السالم ‪ ،‬ومراتب عموم السعداء في البرزخ السماء الدنيا على‬
‫درجات متفاوتة يجمعها مرتبة واحدة ‪ ،‬ومراتب أهل الخصوص من السعداء ما أشار‬
‫ّللا عليه وسلم في حديث اإلسراء بعد ذكره آدم من أن ‪ “ :‬عيسى عليه‬ ‫إليه صلى ه‬
‫السالم في الثانية ‪ ،‬ويوسف في الثالثة ‪ ،‬وإدريس في الرابعة ‪ ،‬وهارون في الخامسة ‪،‬‬
‫وموسى في السادسة ‪ ،‬وإبراهيم في السابعة على جميعهم السالم “ “ ‪، “ 2‬‬

‫وهكذا شأن شاركي هؤالء األنبياء والوارثين لهم تماما متفاوت المراتب في هذه‬
‫ّللا عليه وسلم هي باعتبار ما شاهده‬
‫السماوات ‪ ،‬فإن هذه األخبار من الرسول صلى ه‬
‫ّللا عليه وسلم حصل له أربعة وثالثون‬‫في إحدى إسرائه ‪ ،‬فإنه ثبت أن النبي صلى ه‬
‫ّللا عليه ‪] .‬‬
‫معراجا رواها وجمعها وأثبت رواياتها أبو نعيم الحافظ األصفهاني رحمة ه‬
‫أي ‪ :‬لما رأى أسودة األشقياء عن يسار آدم عليه السالم ‪ ،‬فأهل الشقاء جميعهم لم تفتح‬
‫لهم أبواب السماء حال كونهم ميتين ‪ ،‬فليس لهم مظهر سماوي ‪ ،‬وهم في شقائهم على‬
‫مراتب مختلفة ‪.‬‬

‫ّللا عليه وسلم أخبر عن أرواح بعضهم أنها تجمع في برهوت‬ ‫فإن النبي صلى ه‬
‫والخاسئين ‪ ،‬وهي آثار مشهورة ‪ ،‬فمرتبتهم في الشقاء كرة التراب ‪.‬‬
‫وقد ذكر في حديث اإلسراء ‪ “ :‬أنهم تحت سماء الدنيا “ “ ‪ ، “ 3‬ومقتضاه أنهم في‬
‫كرة األثير ‪.‬‬
‫فوجه الجمع بينهما الدهال على اختالف مراتبهم ‪ ،‬أن مبدأ مراتب األشقياء من مقعر‬
‫سماء الدنيا فأعالها ‪ ،‬وهو لما كان أدنى شقاوة كرة األثير ؛ لقربهم من آدم عليه السالم‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ :‬من أن بعضها‬‫في العصيان ورجاء الغفران ‪ ،‬وأنزلها ما ذكره صلى ه‬
‫تجمع في برهوت ‪ ،‬والخابتين ‪،‬‬
‫ثم ذكر أن مراتب عموم السعداء ‪ ،‬أي من كان شقاوة في عالم البرزخ ‪ ،‬قيد به إذ في‬
‫القيامة يكونون فوق تلك المنازل في الجنة السماء الدنيا ‪ ،‬ولهم فيها أيضا مراتب‬
‫مختلفة مع اشتراكهم في رتبة سماء الدنيا ‪ ،‬وذلك لجمعهم بين الطاعة والعصيان‬
‫وحصول الغفران ‪ ،‬كآدم عليه السالم ومراتب‬
‫‪.......................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه عبد الرزاق في مصنفه ( ‪ ) 116 / 5‬بنحوه ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬رواه الطبراني في األوسط ‪( 7 / 41 ) .‬‬
‫) ‪( 3‬لم أقف عليه‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 193‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٩٣‬‬

‫خواص السعداء فوق ذلك ‪ ،‬وإن كانت لهم معاص لكنها بدلت بالحسنات ‪ ،‬فلم يعبأ‬
‫بها ‪.‬‬
‫كما أخبر عليه السالم عن هؤالء األنبياء ‪ ،‬وهكذا شأن الك همل من ورثتهم وأتباعهم مع‬
‫اختالفهم أيضا في المرتبة ‪ ،‬ذكر أنهم لكونهم من أهل الكمال ال ينحصرون هناك ‪ ،‬بل‬
‫ّللا عليه وسلم باعتبار‬
‫هي بعض مظاهرهم ‪ ،‬فإن هذه األخبار من الرسول صلى ه‬
‫بعض مشاهداته الحاصلة في بعض معاريجه ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وكيف ينحصر هذا الحال مع هؤالء األنبياء السبعة دون‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫ّللا ‪ ،‬كداوود‬
‫غيرهم ‪ ،‬ومن البيهن أن الرسل واألنبياء كثيرون ‪ ،‬وفيهم الك همل بتعريف ه‬
‫عليه السالم المنصوص على خالفته ‪ ،‬وغيره من أكابر األنبياء المرسلين ‪ ،‬فأين تتعين‬
‫مراتبهم البرزخية بعد الموت ‪ ،‬ومن ثم إلى العالم األعلى األسفل ‪ ،‬وعالم السفلى محل‬
‫تعينات مراتب األشقياء على اختالفهم ‪ ،‬فتعين أن تكون طبقات تعينات مراتب األنبياء‬
‫والمرسلين ‪ ،‬والك همل من ورثتهم وأهل الخصوص من السعداء بعد الموت ‪ ،‬وقبل‬
‫الحشر في الحضرات السماوية ‪ ،‬وأن موجب ما ذكره عليه وعلى آله السالم ‪ -‬هو ما‬
‫سبقت اإلشارة إليه ‪ ،‬فهو كاألنموذج لما لم يتعين ذكره ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عليه وسلم لهؤالء السبعة إنما موجبها حالة إذ‬


‫فهذه الرواية الخاصة من النبي صلى ه‬
‫مناسبة صفاتية أو فعلية أو حالية ال غير ‪ ،‬كاألمر في شأن يحيى عليه السالم من أن‬
‫يكون تارة مع عيسى عليه السالم ‪ ،‬وتارة مع هارون عليه السالم ‪ ،‬وليس ذلك إال‬
‫ّللا تعالى‪] .‬‬
‫مقتضى مشاركته لهما ‪ -‬على جميعهم السالم ‪ -‬فتدبهر ترشد إن شاء ه‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ ،‬فكيف ينحصر هذا الحال ‪،‬‬ ‫وليس منع ثبوت تلك المعاريج له صلى ه‬
‫أي ‪ :‬التعين في السماويات في هؤالء السبعة مع كثرة الرسل واألنبياء ‪ ،‬والحال أن‬
‫عز وج هل على‬‫الكمل غير منحصرة في هؤالء السبعة كداوود عليه السالم ‪ ،‬إن نصر ه‬
‫خ َليفَةً [ ص ‪.] 26 :‬‬ ‫داو ُد َإنها َجعَ ْل َ‬
‫ناك َ‬ ‫خالفته بقوله ‪ :‬يا ُ‬

‫ض َخ َليفَةً [ البقرة ‪ ، ] 30 :‬فكيف‬


‫عز وج هل في حق آدم ‪ :‬إَ َنهي جا َع ٌل فَي ْاأل َ ْر َ‬
‫وقد قال ه‬
‫يكون دونه ‪ ،‬وكذا غيره من أكابر األنبياء والمرسلين ‪ ،‬مع أن هارون ليس من‬
‫المرسلين ‪ ،‬فإذا كان له تعين في السماويات ‪ ،‬فكيف ال يكون للمرسلين ذلك ‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن تعين مراتبهم في السماوات ‪ ،‬فأين تتعين مراتبهم البرزخية بعد الموت قبل القيامة‬
‫‪ ،‬وليس في‬

‫‪193‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 194‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٩٤‬‬

‫الواقع لتعينها إال العالم األعلى السماوي ‪ ،‬والعالم األسفل العنصري ‪ ،‬والعالم السفلي‬
‫محل تعينات مراتب األشقياء على اختالف طبقاتهم ‪ ،‬فكيف يشارك السعداء بل األنبياء‬
‫والك همل من ذريتهم في تلك المراتب ‪ ،‬وال يمكن أن يكون تعينات مراتبهم في تلك‬
‫المنازل ؛ ألن ذلك يختص بما بعد الحشر ‪.‬‬

‫فتعين أن يكون مراتب األنبياء والمرسلين والك همل من ورثتهم من األولياء ‪ ،‬وأهل‬
‫الخصوص من السعداء ‪ ،‬وإن لم يبلغوا مراتب األولياء بعد الموت ‪ ،‬وقبل الحشر في‬
‫الحضرات السماوية ‪ ،‬فأين يصح الحصر في األنبياء المذكورين ‪ ،‬بل موجب ما ذكره‬
‫ّللا عليه وسلم لهؤالء األنبياء السبعة هو ما سبق اإلشارة إليه من أنه في‬
‫النبي صلى ه‬
‫بعض مشاهداتهم مما ذكره عليه السالم في ذلك الحديث كاألنموذج لما لم يتعين ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫لم يذكره على التعين ‪ ،‬لكنهم مذكورون على الجملة إذ جعل عليه أسودة السعداء عن‬
‫يمينه ‪ ،‬فدل على أنهم في السماوات ‪.‬‬

‫ثم ذكر ما هو سبب هذه المشاهدة الخاصة ‪ ،‬بل موجبها في تلك الحالة غلبت مناسبة‬
‫ألولئك األنبياء مع تلك السماوات ‪ ،‬صفاتية أو فعلية أو حالية ال ذاتية ‪ ،‬وأال يتغيروا‬
‫عن تلك السماوات أصال ‪ ،‬لكنه ليس كذلك كاألمر في شأن يحيى عليه السالم من أن‬
‫يكون مع عيسى ‪ ،‬وتارة مع هارون ‪ ،‬وليس ذلك االختالف فيه إال من مقتضى‬
‫مشاركته الذاتية ال تتغير ‪ ،‬على أنه يدل على تعدد المعاريج حمل الروايات المختلفة‬
‫على الصحة ؛ فلذلك قال الشيخ ‪ ( :‬فتدبر ترشد ) أي ‪ :‬أن حال مشاركتهم في تلك‬
‫الصفات واألحوال كذلك يكون تعيناتهم في السماوات ‪.‬‬

‫النص الحادي والعشرون ‪:‬‬


‫ّللا عليه ‪ [ :‬نص شريف جدها ] لما ذكر في النص السابق الحق والخلق ‪،‬‬‫قال رضوان ه‬
‫ومراتبهم ومناسبتهم الذاتية والمرتبية ‪ ،‬ذكر ما يجمع الكل من التوحيد من غير أن‬
‫يحجب الحق الخلق ‪ ،‬وال الخلق الحق ‪ ،‬وشرفه بعلو مرتبة هذا المقام على سائر‬
‫المقامات ‪ ،‬وكونه جدها لكونه مرجع الكل وغايته ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬اعلم أن الحق هو الوجود المحض ال اختالف فيه ‪ ،‬وإنه واحد‬
‫قال رضي ه‬
‫وحدة حقيقية ال يتعقل في مقابلة كثرة ‪ ،‬وال يتوقف تحققها في نفسها ‪ ،‬وال تصورها في‬
‫العلم‬

‫‪194‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 195‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٩٥‬‬

‫الصحيح المحقق على تصور ضد لها ‪ ،‬بل هي لنفسها ثابتة مثبتة ال مثبتة ‪.‬‬
‫وقولنا ‪ :‬وحدة للتنزيه والتفهيم ال للداللة على مفهوم الوحدة على نحو ما هو متصور‬
‫في األذهان المحجوبة ‪] .‬‬
‫أي ‪ :‬الحق في التعين األول “ ‪ ، “ 1‬والصور العلمية الذاتية هو الوجود المحض ‪ ،‬لم‬
‫يقل هو المجرد ‪ ،‬إذ هو فيه وثمة ال يتقيد بالظهور والبطون ال اختالف فيه بتحقق‬
‫شيئين ‪:‬‬
‫الماهية والوجود ‪ ،‬أو المطلق والقيود ‪.‬‬
‫والوجود المحض واحد ؛ ألنه الواجب لذاته وال تعدد فيه ‪ ،‬وحدة حقيقية ال إضافية‬
‫مقابل الكثرة ‪ ،‬وكيف يتعقل في مقابلة الكثرة وهي ضد الوحدة ‪ ،‬وليس لها ضد أصال‬
‫وإال توقف تحققها ذهنا على توقف ضدها فيه ‪ ،‬وال يتوقف تحققها في نفسها على‬
‫سر‬ ‫ضدها ‪ ،‬وإال لزم توقف الواجب على الغير ‪ ،‬وال تصورها في العلم الصحيح ‪ ،‬وف ه‬
‫الصحيح بالمحقق للحاصل بالكشف على تصور ضد لها ‪ ،‬بخالف علم المحجوبين من‬
‫المتكلمين حتى افتقروا في إثباته إلى أدلة التوحيد ؛ وذلك ألنهم تصوروا الوحدة في‬
‫مقابل الكثرة ‪ ،‬فتصوروها زائدة على الذات ‪ ،‬فأثبتوها باألدلة على النهج عروضها‬
‫للذات ‪ ،‬وليس كذلك ‪ ،‬بل هي بنفسها ثابتة خارجا وذهنا ‪ ،‬مثبتة لما سواها ال مثبتة‬
‫بالغير كأدلتهم ‪.‬‬
‫ثم استشعر سؤاال بأن الذات من حيث هي يمكن تعقل واحدة وكثيرة ‪ ،‬فكيف الوحدة‬
‫عينها ‪.‬‬
‫فأجاب بأن قولنا ‪ :‬وحدة للتنزيه عن الكثرة المتوهمة للمحجوبين ‪ ،‬وتفهم أن تلك الذات‬
‫نفس الوجود المحض ‪ ،‬إذ الوحدة تساوق الوجود ‪ ،‬فكل موجود له وحدة حتى الكثير ال‬
‫من حيث هو كثير ‪ ،‬بل من حيث فيه كثرة ‪ ،‬والوحدة تعرض الكثرة ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬الكثير من حيث هو كثير يعرض له الوجود دون الوحدة ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬لما عرضت الكثرة التي فيه ‪ ،‬فقد عرضت للكثير بالواسطة ‪ ،‬وتغاير الجهات‬
‫أمر عقلي ‪ .‬قيل ‪ :‬لو كانت نفس الوجود ‪ ،‬لكان التفريق إعداما وهو باطل ‪ ،‬إذ ليس‬
‫شق‬
‫‪................................................‬‬
‫) ‪( 1‬يعنون به الوحدة التي انتشت عنها األحدية والواحدية ‪ ،‬وهي أول رتب الذات ‪،‬‬
‫وأول اعتباراتها ‪.‬‬
‫وهي القابلية األولى لكون نسبة الظهور والبطون إليها على السواء ‪ ،‬ويعبر بالتعين‬
‫األول عن النسبة العلمية الذاتية باعتبار تميزها عن الذات االمتياز النسبي ال الحقيقي‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 196‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٩٦‬‬

‫البعوض بإبرة البحر األخضر إعداما له ‪ ،‬وإحداثا لبحرين آخرين ضرورة ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬إنما يمكن التفريق إعداما لو كان مبدأ للوحدة ‪ ،‬فإن وحدة البحر أيضا باقية ‪،‬‬
‫سلمنا أنه يكثر ‪ ،‬فقد عدم من حيث الوحدة ‪ ،‬وإحداث البحرين ‪ ،‬أي ‪ :‬صفة جعلت‬
‫لبحرين قبل األحداث ال يكون محض عدم ‪ ،‬وإن كانت غير الوجود ‪ ،‬فلم يذكر الداللة‬
‫على مفهوم الوحدة المقابلة للكثرة ‪ ،‬وهي أن يكون مفروضها شخصا ال يقبل القسمة‬
‫بالوحدة والكثرة ‪ ،‬فيه يتحدان من غير أن تتعدد ذات الواجب تعالى ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وإذا عرفت هذا ‪ ،‬فنقول أنه سبحانه من حيث‬


‫قال الشيخ الكبير رضي ه‬
‫اعتبار وحدته المنبه عليها ‪ ،‬وتجرده عن المظاهر وعن األوصاف المضافة إليه من‬
‫حيث المظاهر وظهوره فيها ‪ ،‬ال يدرك وال يحاط به وال يعرف وال ينعت وال‬
‫يوصف ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬إذا عرفت أنه محض الوجود ال اختالف فيه ‪ ،‬وأن وحدته ليست في مقابلة الكثرة‬
‫‪ ،‬فنقول ‪ :‬أن الحق سبحانه وتعالى من حيث اعتبار وحدته المنبه عليها قيد بذلك ؛‬
‫إلمكان معرفته من جهة الوحدة التي له في الصفات التي ال يدرك إدراكا تاما ؛ ألنه‬
‫يقتضي تميزه عما عداه ‪ ،‬وما ال ضد له كيف تميز عما عداه وال يحاط به بالتعريف‬
‫الحدهي ‪ ،‬إذ ال ذاتيات فيه لتعريفها على االختالف في ذاته من الجنس والفصل ‪ ،‬وال‬
‫التعريف الرسمي ‪ ،‬إذ ال عبرة للوازم في تلك الحضرة ‪ ،‬بل وال ينعت نعتا يميزه بوجه‬
‫ذاتي ‪ ،‬وال يوصف بوصف يميزه بوجه عرضي ‪ ،‬إذ ال عبرة لها ‪ ،‬وهكذا من حيث‬
‫اعتبار تجرده عن المظاهر ‪ ،‬وهي أوصافه باعتبار ‪ ،‬وال باعتبار ذاته ‪ ،‬إذ ال يتقيد‬
‫بشيء تميزه حينئذ ‪ ،‬وجميع ما ذكرناه باعتبار التميز ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وكل ما يدرك في األعيان ‪ ،‬ويشهد من األكوان بأي وجه‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫كان أدركه اإلنسان ‪ ،‬وفي أي حضرة حصل الشهود ‪ ،‬ما عدا اإلدراك المتعلق‬
‫بالمعاني المجردة والحقائق في حضرة غيبها بطريق الكشف ؛ ولذلك قلت في األعيان‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬ما أدرك في مظهر ما كان ‪ ،‬فإنما ذلك المدرك ألوان وأضواء وسطوح مختلفة‬
‫الكيفية متفاوتة الكمية ‪ ،‬تظهر أو مثلتها في عالم المثال المتصل بنشأة اإلنسان أو‬
‫المنفصل عنه من وجه على نحو ما هو في الخارج ‪ ،‬أو ما مفرداته في الخارج ‪،‬‬
‫وكثرة الجميع محسوسة ‪ ،‬واألحدية فيها معقولة أو محدوسة ‪ ،‬وكل ذلك أحكام الوجود‬
‫أو قل صور نسب علمه أو صفات الزمة له بحيث‬

‫‪196‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 197‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٩٧‬‬

‫اقترانه بكل عين موجودة بسر ظهوره ‪ ،‬فيظهر فيها وبها ولها بحسبها كيف شئت ‪،‬‬
‫وأطلقت ليس هو الوجود ] ‪.‬‬

‫جواب سؤال مقدر تقديره ‪ :‬إنكم قلتم أن الوجود من حيث وحدته ال يدرك وال يعرف ‪،‬‬
‫وقد قلتم أيضا ‪ :‬أن الوحدة ثابتة له بالذات ‪ ،‬ومن لوازمه المساوقة ‪ ،‬ونحن نحس به في‬
‫األعيان واألكوان ‪ ،‬ونعرفه في المعاني المجردة والحقائق في حضرة غيبها بطريق‬
‫الكشف ‪.‬‬

‫فأجاب بأن ‪ :‬اإلدراك إما متعلق بالمعاني المجردة والحقائق الغيبية ‪ ،‬فهي أمور عقلية‬
‫ال وجود لها ‪ ،‬فكيف يدرك فيها الوجود والكشف إنما يدرك في حضرة غيبها وهي‬
‫عدمية ‪ ،‬وإما باألعيان ‪ ،‬فكل ما يدرك في األعيان سواء أدركه اإلنسان الذي هو أكمل‬
‫المدركين بعقله أو بروحه أو بقلبه أو بحواسه الظاهرة أو الباطنة ‪ ،‬وكذا ما يشهد من‬
‫األكوان ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫في حضرة من الحضرات الحقيهة والخلقية ‪ ،‬حصل الشهود ‪ ،‬ال ب هد وأن يكون في‬
‫مظهر ‪ ،‬سواء كان من المظاهر الحسية أو الروحانية ‪.‬‬
‫فالمدرك بالذات من ذلك إنما هو األلوان واألضواء ‪ ،‬وبالعرض السطوح مختلفة‬
‫الكيفية باختالف ألوانها ‪ ،‬فتفاوت الكمية ال يستلزم إدراك السطوح ذلك ‪ -‬هذا ‪ -‬في‬
‫الحس الظاهر ‪.‬‬

‫وأما الباطن فالمدرك أمثلتها ‪ ،‬تلك األمثلة في عالم المثال المتصل بنشأة اإلنسان ‪ ،‬وهو‬
‫الخيال الذي هو في مقدم الدماغ ‪ ،‬أو عالم المثال المنفصل عن اإلنسان من وجه لكونه‬
‫ليس من قواه ‪ ،‬بل في فلك البروج ‪ ،‬لكنه متصل به من وجه آخر ‪ ،‬إذ لواله لم يدرك‬
‫أصال بتلك األمثلة تظهر في أحد العالمين على نحو ما هي أمثلته في الخارج ‪ ،‬فتظهر‬
‫أمثلة األلوان واألضواء والسطوح المذكورة ‪،‬‬
‫أو على ما تقرر ذاته في الخارج لبحر من الزئبق فاإلحساس بذلك وإدراكها ليس‬
‫بإحساس ‪ ،‬وأدرك للوجود ؛ ألن كثرة الجميع محسوسة سيما في السطوح المختلفة‬
‫الكيفية ‪ ،‬المختلفة المتفاوتة الكمية ؛ واألحدية الالزمة للوجود فيها معقولة أو محدوسة‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬يدركه بالعقل أو بالحدس ‪ ،‬فإذا لم يدرك الوحدة المساوقة للوجود ‪ ،‬لم يدرك‬
‫الوجود أيضا ‪.‬‬

‫ال يقال ‪ :‬وما ذكرتم أن الوحدة فيها معقولة أو محدوسة ‪ ،‬فقد أدركت ؛ فأدرك‬

‫‪197‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 198‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٩٨‬‬

‫الوجود ؛ ألنها نقول ‪ :‬المراد اإلدراك التام ‪ ،‬ولم يدرك كذلك ‪ ،‬بل في الجملة ؛ على أن‬
‫هذه الوحدة المدركة فيها ليست هي وحدة الوجود ‪ ،‬فإنها ال تدرك فيها أصال ‪ ،‬وإذا لم‬
‫يكن المرئي من هذه األشياء نفس الوجود ‪ ،‬فنقول كل ذلك المدرك أحكام الوجود من‬
‫حيث اقترانه لكل عين أضيف إليه الوجود ‪ ،‬وليس ذلك االقتران بطريق االتصال ‪ ،‬بل‬
‫بسر ظهوره فيها ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬في حقائقها ‪ ،‬وظهوره إذا هي تراه في غيره ‪ ،‬كما ترى في اآلفاق واألنفس ؛‬
‫ويظهر بها لذاتها أو لغيره وبحسبها ال بكليته ؛ كما هو ‪ ،‬فلذلك يتفاوت ظهور في‬
‫اإلنسان وغيره ‪.‬‬

‫أو نقول ‪ :‬كل ذلك المدرك صور نسب علمه ‪ ،‬أي ‪ :‬الحقائق التي فيه من حيث اقترانه‬
‫بكل من تلك الحقائق إلى آخره ‪.‬‬
‫أو تقول صفات الزمة له من حيث اقترانه المذكور ‪ ،‬والفرق بين هذا وبين األحكام‬
‫والصور ‪ ،‬أن الصفات تتعلق بالذات وله بواسطة وصف آخر ‪ ،‬واألحكام يجوز تعلقها‬
‫بالصفات فقط ‪ ،‬والصور ال ب هد وأن تختص بالصفات ال فيها ‪ ،‬بل في مظاهرها كيف‬
‫شئت وأطلقت ‪ ،‬فقل وأطلق ‪.‬‬

‫والحاصل أن ذلك المدرك ليس الوجود الذي هو الحق الواحد من حيث هو واحد ‪ ،‬ثم‬
‫علله الشيخ ‪ ،‬فقال ‪ [ :‬فإن الوجود واحد ‪ ،‬وال يدرك بسواه من حيث ما يغايره على ما‬
‫مر من أن الواحد من كونه واحدا ال يدرك بالكثير من حيث هو كثير وبالعكس ‪ ،‬ولم‬
‫يصح اإلدراك لْلنسان من كونه واحدا وحدة حقيقية كوحدة الوجود ‪ ،‬بل إنما صح له‬
‫ذلك من كونه حقيقية متصفة بالوجود والحياة وقيام العلم به ‪ ،‬وثبوت المناسبة بينه‬
‫وبين ما يروم إدراكه وارتفاع الموانع العائقة عن اإلدراك ‪،‬‬
‫فما أدرك ما أدركه إال من حيث كثرته ‪ ،‬ال من حيث أحديته ‪ ،‬فتعذر إدراكه من حيث‬
‫هو ما ال كثرة فيه أصال لما مر ‪ .‬ولهذه النكتة أسرار نفسية ذكرتها بتفصيل أكثر من‬
‫هذا في كتابي المسمي بكشف ستر الغيرة عن سر الحيرة ‪ ،‬وسيرد أيضا في داخل‬
‫ّللا تعالى ] ‪.‬‬
‫الكتاب ما يزيد بيانا لما ذكرناه وأصلناه إن شاء ه‬

‫أي إنما لم يدرك الوجود فيها ؛ ألنه واحد وال يدرك الواحد بالكثير من حيث هو كثير ؛‬
‫ألنه يغايره ‪ ،‬والمغايرة مباينة ‪ ،‬والمباينة مانعة من العلم على ما مر في النص الحادي‬
‫عشر‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 199‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ١٩٩‬‬

‫ولذا ال يدرك الكثير بالواحد من حيث هو واحد على أنه لو أدرك الواحد بالكثير ال‬
‫تنقش له صور بحسب أجزاء الكثير ‪ ،‬فيدرك كثيرا ‪ ،‬ولو أدرك الكثير بالواحد لتمثل‬
‫في الواحد ‪ ،‬وهو محل لعدم اتساع الواحد لتمثل الكثير فيه ‪.‬‬

‫نعم يدرك الواحد بالكثير من جهة واحدة كونت الكثير بالوحدة من حيث شمول الواحد‬
‫ّللا عنه ‪ ( :‬ال يدرك بسواه من حيث ما يغايره ‪) .‬‬
‫له بالقوة ؛ فلذلك قال رضي ه‬
‫وقال ‪ ( :‬من كونه واحدا ) ‪ ،‬ثم استشعر سواه ‪ ،‬ال بأنه لم يجز أن يدركه اإلنسان من‬
‫حيث وحدته ‪ ،‬فإن الكثير من حيث وحدته يجوز أن يدرك الواحد ؛ ولذلك قيد ثم المنع‬
‫من حيث الكثرة ‪ ،‬فأجاب بأن إدراك اإلنسان للحق ليس من جهة كونه واحدا وحدة‬
‫حقيقية كوحدة الوجود ‪،‬‬
‫فإنه ليس له ذلك ‪ ،‬سلمناه فال ندركه إال من حيث كثرته ‪ ،‬كاالتصاف بالوجود ‪ ،‬وفيه‬
‫الكثرة من الماهية والوجود ‪ ،‬بل بشرط الحياة مع هذين إذ الميت ال يدرك شيئا بل‬
‫بشرط رابع هو العلم ‪ ،‬وخامس هو المناسبة ‪ ،‬وسادس هو ارتفاع الموانع ‪ ،‬فإذا كان‬
‫كذلك يقدر إدراك اإلنسان من حيث هو إنسان ال كثرة فيه أصال ‪ ،‬لما مر أن الكثير ال‬
‫يدرك الكثير ‪ ،‬فال يدرك من الحق ( إال ) باعتبار صفاته أو مظاهره ‪.‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬هذا يناقض ما مر من التجلي الذاتي له ‪ ،‬قلنا ‪ :‬ليس ذلك التجلي مع بقاء‬
‫أنانيته بل مع صيرورتها مغلوبة تحت نور التجلي األحدي “ ‪ ، “ 1‬وغلبة الوحدة‬
‫الوجودية عليه في تلك النفس ‪ ،‬وفي اإلنسان أحدية إذا ظهرت وغلبت أدرك بها ال من‬
‫حيث إنسانيته ‪ ،‬لكن اإلنسان من حيث أحديته ال يدرك شيئا ‪ ،‬فإن أدرك فال يبقى إنسانا‬
‫موصوفا باألحدية ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬ثم نرجع إلى تمام ما كنا بسبيله ‪ ،‬فنقول ‪ :‬الوجود في حق الحق‬
‫قال رضي ه‬
‫عين ذاته فيما عداه أمر زائد على حقيقته ‪ ،‬وحقيقة كل موجود عبارة عن نسبة تعينه‬
‫ّللا عينا ثابتة ‪ ،‬وباصطالح‬
‫في علم ربه أزال ‪ ،‬ويسمى باصطالح المحققين من أهل ه‬
‫غيرهم ماهية ‪ ،‬والمعلوم المعدوم والشيء الثابت ونحو ذلك ] ‪.‬‬

‫رجوع إلى تحقيق كون الحق هو الوجود ‪ ،‬ال أمر زائد على حقيقته يتقوم بذلك‬
‫‪.....................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬يعرف بالتجلي األحدي الجمعي ‪ ،‬وهو التجلي األول ‪ ،‬وسمي باألحدي ؛ ألنه هو‬
‫ّللا وال شيء معه ‪ .‬وسمي بالجمعي ألنه شهود الذات ذاتها‬ ‫التجلي الذي باعتباره كان ه‬
‫بجميع اعتباراتها‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 200‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٠٠‬‬

‫الوجود ‪ ،‬وإن لم يلحقها لم توجد بل بقيت معدومة أما األول ؛ فألنه لو قام وجوده‬
‫بماهيته ‪ ،‬لكان محتاجا إليها وهي غيره ‪ ،‬والمحتاج إلى الغير ممكن ‪ ،‬وهي ليست غير‬
‫الماهية ‪ ،‬وإال لكان وجوده الواجب بغيره ‪ ،‬فهي الماهية ‪ ،‬والعلة متقدمة على المعلول‬
‫بالوجود ‪ ،‬فتتقدم الماهية على الوجود بالوجود ‪ ،‬وأنه محال ومتناقض ‪ ،‬والزمة تقدم‬
‫الشيء على نفسه والتسلسل ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬العلة متقدمة إما بالوجود ‪ ،‬فممنوع كتقدم الماهية الممكنة فإنها قابلة للوجود‬
‫والقابل يتقدم ال بالوجود ‪ ،‬كما ذكرتم بعينه ‪ ،‬وأيضا فاألجزاء مقومة للماهية المركبة ‪،‬‬
‫والمقومة متقدم وليس بالوجود ؛ ألنها نجزم بذلك التقدم ‪ ،‬وإن قطعنا النظر عن‬
‫الوجود ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬المفيد للوجود ال بد ‪ ،‬وأن يلحظ العقل له وجود أوال ‪ ،‬والمستفيد للوجود ال بد ‪،‬‬
‫وأن يلحظ له الخلو عن الوجود والمقوم للماهية يجب أن يقطع فيه النظر عن وجوده‬
‫وعدمه ‪ ،‬فالمنع مندفع والفرق بين صورة النزاع ‪ ،‬وما جعلتموه سندا بيهن لصورة‬
‫الوجود في صورة النزاع ‪ ،‬والعدم في السند األولى وقطع النظر في الثاني لضرورة ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ال نسلم أن المفيد ‪ ،‬وجود لشيء ال ب هد وأن يكون له وجود قبله ‪ ،‬وإنما هو لو‬
‫أفاد لغيره ال غير ‪ ،‬وإال لزم كونه موجودا مرتين ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬الوجود حينئذ غير الماهية الموجدة ‪ ،‬فيكون لها وجود قبل وجودها ويتسلسل ‪،‬‬
‫على أنا ال نسلم أن أجزاء الماهية ليست متقدمة ذهنا وخارجا ‪.‬‬
‫وأما الثاني فلوجوه ‪ :‬األول ‪ :‬الماهية الممكنة من حيث هي تقبل العدم ‪ ،‬وإال ارتفع‬
‫اإلمكان والماهية مع الوجود تأباه ‪ ،‬ولو كان نفس الماهية أو جزؤها لم تكن قابلة للعدم‬
‫الجتماع النقيضين ‪ ،‬بل كانت تأبى العدم من حيث هي هي ‪ ،‬كما تأباه مع اعتبار‬
‫الوجود ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬إن أردت بقبولها العدم ‪ ،‬إنها تثبت خالية عن الوجود ‪ ،‬فال نسلم ثبوتها حينئذ ‪،‬‬
‫وإن أردت ارتفاعها ‪ ،‬فال نسلم أنها لو كانت الوجود لما قبلته ‪ ،‬ألن الوجود نفسه يرتفع‬
‫‪ ،‬فالوجود يقبل العدم ‪ ،‬وال يلزم اجتماع النقيضين ‪.‬‬

‫قلنا ثبوتها ضروري ؛ ألنها غير مجعولة على ما يذكره آنفا ‪ ،‬وارتفاع الوجود ممنوع‬
‫‪ ،‬وإال لكان قابال لنقيضه ‪ ،‬وهو أشد من اجتماع النقيضين على ما مر ‪ ،‬الثاني ‪ :‬إنها‬
‫نعقل الماهية مع الشك في وجودها ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬في الخارجي دون الذهني ‪ ،‬فإنه نفس التعقل ‪ ،‬والكالم في الوجود المطلق‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 201‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٠١‬‬

‫أجيب ‪ :‬بأن تحقق الذهني ال يمنع الشك فيه ؛ ولذلك اختلف فيه ‪ ،‬فمن أثبته فالبرهان ‪،‬‬
‫وأيضا فالماهية الخارجية خالية عن الوجود الذههني ما لم يتعقل ‪ ،‬فتغايرتان‪.‬‬
‫وقد ثبتت مغايرة الخارجي لها فتغاير المطلق ‪ ،‬ال وهاهنا أبحاث طويلة مر أكثرها في‬
‫المقدمة ‪ ،‬وال يليق ما بقي منها بكتب الصوفية ‪ ،‬فليراجع بها كتب الكالم والحكمة‪.‬‬
‫ّللا عنه ما هو حقيقة كل شيء ‪ ،‬وهي التي يزيد عليها الوجود ‪ ،‬بأنها‬ ‫ثم ذكر رضي ه‬
‫عبارة عن نسبة تعينه في علم ربه أزال‪.‬‬

‫بيانه ‪ :‬إن الذات األزلية مشتملة على شؤون كثيرة ال تميز لها فيها ‪ ،‬وللعلم األزلي‬
‫نسبة إلى كل شأن ‪ ،‬بها يتعين ويصير صورة في العلم األزلي ‪ ،‬وبإضافة الوجود إليها‬
‫يتحقق الشيء‪.‬‬
‫فلذا قال المتكلمون ‪ :‬لكل شيء حقيقة هي بها ‪ ،‬هي مغايرة لما عداه الزما أو مفارقا ‪،‬‬
‫فيجاب بها عند السؤال بما هو كالحيوان الناطق في جواب ‪ “ :‬ما اإلنسان‪“ .‬‬
‫فمعنى قوله ‪ :‬عن نسبة تعينه احتراز عن الشؤون ‪ ،‬وعن الوجود المطلق الذي ال نسبة‬
‫فيه‪.‬‬

‫وقوله ‪ “ :‬في علم الحق “ احتراز عن ظهورها بصور الوجود ‪ ،‬فإنها ماهيات‬
‫موجودة‪.‬‬
‫واحترز بذلك أيضا عن علم الحق ‪ ،‬فإن الماهيات ال يجب ثبوتها فيه إال بحسب علم‬
‫الحق ‪ ،‬وفي علم الخلق ‪ ،‬هي أمور اعتبارية ال يجب ثبوتها‪.‬‬
‫فلذلك قال المتكلمون ‪ :‬هي ال تثبت مجردة عن الوجود ‪ ،‬وقوله ‪ :‬أزال ‪ ،‬احتراز عن‬
‫علم الحق بها في علمه تعالى متصفة بالوجود ‪ ،‬فإن ذلك ليس من نفس الماهية بل‬
‫ّللا الجاعلين لها أمرا ثابتا‬
‫زائدا عليها كما ذكرنا ‪ .‬وتسمى هذه الحقيقة باصطالح أهل ه‬
‫أزليها علنيها لتعينها وتميزها ثابتة لثبوتها في علم الحق ‪ ،‬من غير اتصاف بالوجود‬
‫الخارجي‪.‬‬

‫وباصطالح غيرهم إما ماهية ؛ ألن تحقق الشيء بهذا عندهم ‪ ،‬وأما عند المحققين‬
‫فبالوجود ال بها ‪ ،‬وأما المعلوم والمعدوم قول بعض المتكلمين القائلين بزيادة الوجود‬
‫عليها ‪ ،‬وهي عندهم غير ثابتة فهي معدومة ‪ ،‬وأما الشيء الثابت ‪ ،‬وهو قول جمهور‬
‫ّللا يختص‬
‫المعتزلة بقاء على أن المعدوم الممكن ثابت ‪ ،‬لكن الشيء عند أهل ه‬
‫بالموجود ‪ ،‬لقوله‪:‬‬

‫َوقَ ْد َخلَ ْقت ُ َك َم ْن قَ ْب ُل َولَ ْم ت َكُ َ‬


‫شيْئا ً [ مريم ‪ ، ] 9 :‬مع أنه كان ممكنا ‪ ،‬وهنا‬

‫‪201‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 202‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٠٢‬‬

‫أبحاث طويلة ال تتعلق بما نحن فيه ‪.‬‬


‫ّللا عنه ‪ [ :‬والحق سبحانه من حيث وحدة وجوده لم يصدر عنه إال‬ ‫قال الشيخ رضي ه‬
‫واحدا ؛ الستحالة إظهار الواحد وإيجاده من حيث كونه واحدا مع ما هو أكثر من واحد‬
‫‪ ،‬لكن ذلك الواحد عندنا هو الوجود العام المفاض على أعيان المكونات ما وجد منها ‪،‬‬
‫وما لم يوجد مما سبق العلم بوجوده ‪ ،‬وهذا الوجود مشترك بين القلم األعلى الذي هو‬
‫أول موجود المسمى أيضا بالعقل األول ‪ ،‬وبين سائر الموجودات كما ذكره أهل النظر‬
‫من الفالسفة ‪ ،‬فإنه ما ثم عند المحققين إال الحق والعالم ‪ .‬والعالم ليس بشيء زائد على‬
‫حقائق معلومة هّلل ‪ -‬كما أشرنا إليه من قبل ‪ -‬متصفة بالوجود ثابتا ] ‪.‬‬

‫لما فرع من بيان كون نفس الوجود ‪ ،‬شرع فيما يتفرع على وحدته ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬وهو من‬
‫حيث وحدة وجوده لم يصدر عنه إال واحدا ) ضرورة استحالة إظهار الواحد من حيث‬
‫كونه واحدا ‪ ،‬ما هو أكثر من واحد ‪ ،‬وكذا إيجاد الواحد من حيث كونه واحدا ‪ ،‬ما هو‬
‫أكثر من واحد ] ‪.‬‬
‫ّللا سره ‪- :‬‬
‫قال األستاذ المحقق نصير الدين الطوسي ‪ -‬قدهس ه‬
‫وكان هذا الحكم قريبا من الوضوح إنما كثرت مدافعة الناس إياه إلغفالهم عن معنى‬
‫الوحدة الحقيقية ‪ ،‬وتقريره أن يقال ‪ :‬مفهوم كون الشيء بحيث يجب عنه “ ألف‬
‫“ غير مفهوم كونه بحيث يجب عنه “ ب “ ‪ ،‬أي ‪ :‬عليته ألحدهما غير عليته آلخر ‪.‬‬
‫وتغاير المفهومين يدل على تغاير حقيقتهما ‪ ،‬فإذن المفروض شيء واحد ‪ ،‬هو شيئان‬
‫أو شيء موصوف بصفتين متغايرتين ‪ ،‬وقد فرضنا واحدا هذا خلف ‪.‬‬
‫وهذا القدر كاف في تقرير هذا المعنى ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ولزيادة الوضوح ‪.‬‬

‫قيل ‪ :‬إذا كان الواحد يجب عنه اثنان ‪ ،‬فهما إما من مقوماته أو لوازمه أو أحدهما مقوم‬
‫واآلخر الزم ‪ ،‬فإن فرضنا من لوازمه ‪ ،‬عاد الكالم األول بعينه ‪ ،‬وهو كونه بحيث‬
‫يجب عنه الحقيقة األولى ‪ ،‬غير كونه بحيث يجب عنه الثانية ‪ ،‬ولم يقف فهما من‬
‫مقوماته ‪.‬‬

‫وإن فرضنا التقدير الثالث يكون حيثية استلزم ذلك الالزم هي بعينها حيثية ذلك المقوم‬
‫‪ ،‬ويلزم أن يكون مبدأ حيثية االستلزام غير خارج عن ذاته ‪ ،‬وإال فعاد الكالم ‪.‬‬
‫وعلى التقديرات يلزم تركب إما في هيئة ذلك الشيء ‪ ،‬كالجسم المنقسم إلى مادة‬

‫‪202‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 203‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٠٣‬‬

‫وصورة ؛ أو ألنه موجود بعد كونه شيء ما ‪ ،‬كما في العقل األول بحسب التكثر الذي‬
‫يلزمه عند وجوده بسبب مغايرة ماهيته ووجوده أو بعد وجوده بتفريق له ‪ ،‬كما في‬
‫الشيء المنقسم إلى أجزائه أو جزئياته وبالجملة فهو منقسم الحقيقة ‪ ،‬انتهى كالمه رفع‬
‫مقامه‪.‬‬

‫فإن قلت ‪ :‬هذا الدليل يقتضي أال يكون البسيط علة لواحد ‪ ،‬فإن كونه فاعال لكذا ‪ ،‬هذا‬
‫المفهوم مغاير لمفهوم ذاته ‪ ،‬فإنها نتصور الذات البسيطة ‪ ،‬ونشك في كونها علة لكذا ‪،‬‬
‫فهذا المفهوم إن كان مقاوما له ‪ ،‬كان مركبا ‪ ،‬وإن كان الزما عاد الكالم جذعا ‪ ،‬وال‬
‫يتسلسل بل ينتهي إلى حيثية مقومة ‪ ،‬فيلزم التركيب‪.‬‬

‫فالحاصل أن هذا التسلسل لم يلزم من تعدد المعلول ‪ ،‬بل من مغايرة حيثية الذات ‪،‬‬
‫وكون تلك الحيثية معلولة للذات بتقدير كونها غير مقومة ‪ ،‬فلم يختلف الحال بكونه علة‬
‫لواحد أو أكثر ‪ ،‬فإذن ال ب هد من التزام هذا التسلسل ‪ ،‬أو كون الحيثية غير معلولة ‪،‬‬
‫وعلى التقديرين يبطل الدليل ‪ .‬قلت ‪ :‬الحيثية الواحدة ذاته ‪ ،‬وال يمكن في الحيثيتين‬
‫المتخالفتين ‪ ،‬فال تكون معلولة ‪ ،‬وال مقومة ويجوز أن تكون علة ‪ ،‬فال تكون الحيثيتان‬
‫مختلفتين ‪ ،‬فال تكون معلولة وال مقومة ‪ ،‬ويجوز أن تكون علة فال تكون الحيثيتان‬
‫مختلفتين ‪ .‬ذلك‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ال نسلم لزوم التسلسل ‪ ،‬وإنما يلزم لو كان علة أمر ثبوتي ‪ ،‬وهو ممنوع ‪،‬‬
‫فإنه أمر آخر أزلي ‪ ،‬فإنه يفتقر إلى علة‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬كونه استلزام علة أمر ثبوتي لتوقف وجود المعلول عليه ‪ ،‬فإنه ما لم يكن الفعال‬
‫في نفسه ‪ ،‬ال يصدر بحيث يجب عنه المعلول ‪ ،‬فإن كل شيء ال يكون فاعال لكل شيء‬
‫‪ ،‬بل ال ب هد من معنى يختص به ‪ ،‬باعتباره يكون فاعال ‪ ،‬اعتبره معتبر أم ال‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬كونه علة إذا كان اعتباريها ‪ ،‬سقط الدليل ‪ ،‬فإن كان حقيقيها فقد صدر عنه‬
‫األول اثنان ‪ ،‬إذ ال يكون المعلول األول معلوال‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬المبدأ األول علة لذاته ‪ ،‬فعليته عين ذاته ‪ ،‬وإال توقف المعلول على أمر آخر‬
‫يرجح وجوده عنه ‪ ،‬فكان هو المعلول األول ‪ ،‬هذا خلف‪.‬‬

‫وعارض اإلمام فخر الدين الرازي ‪ :‬بأن الواحد قد يسلب عنه أشياء كثيرة ‪ ،‬كقولنا هذا‬
‫الشيء ليس بحجر وال بشجر ‪ ،‬وقد يوصف بأشياء كثيرة ‪ ،‬كقولنا ‪ :‬هذا الرجل قائم‬
‫وقاعد ‪ ،‬وقد يقبل أشياء كثيرة كالجوهر للسواد والحركة ‪ ،‬وال شك أن مفهومات سلب‬

‫‪203‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 204‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٠٤‬‬

‫تلك األشياء عنه ‪ ،‬واتصافه بتلك األشياء ‪ ،‬وقبوله لتلك األشياء مختلفة ويعود التقسيم‬
‫المذكور ‪ ،‬حتى يلزم الواحد من حيث هو واحد ‪ ،‬ال يسلب عنه إال واحد ‪ ،‬وال يوصف‬
‫إال بواحد ‪ ،‬وال يقبل إال واحدا ‪.‬‬
‫وأجاب الطوسي ‪ :‬إن سلب الشيء عن الشيء ‪ ،‬واتصاف الشيء بالشيء ‪ ،‬وقبول‬
‫الشيء للشيء أمور ال يتحقق عن وجود شيء واحد ال غير ‪ ،‬فإنه ال يلزم الشيء‬
‫الواحد من حيث هو واحد ‪ ،‬بل يستدعي وجود أشياء فوق واحد يتقدمه حتى تلزم تلك‬
‫األمور لتلك األشياء باعتبارات مختلفة ‪ ،‬وصدور األشياء الكثيرة عن األشياء الكثيرة‬
‫ليس بمحال ‪.‬‬
‫وبيانه ‪ :‬إن السلب يفتقر إلى ثبوت مسلوب ومسلوب عنه يتقدمانه ‪ ،‬وال يكفي فيه ثبوت‬
‫المسلوب عنه فقط ‪ ،‬وكذلك االتصاف فيفتقر إلى ثبوت موصوف وصفة ‪ ،‬والقابلية إلى‬
‫قابل ومقبول ‪ ،‬واختالف المقبول كالسواد والحركة يفتقر إلى اختالف حال القابل ‪ ،‬فإن‬
‫الجسم يقبل السواد من حيث ينفعل عن غيره ‪ ،‬ويقبل الحركة من حيث يكون له حال ال‬
‫ينفع خروجه عنها ‪.‬‬
‫وأما صدور الشيء عن الشيء أمر يكفي في تحققه في فرض شيء واحد هو العلة ‪،‬‬
‫وإال امتنع استناد جميع المعلوالت إلى مبدأ واحد ‪.‬‬
‫ال يقال ‪ :‬الصدور أيضا ال يتحقق إال بعد تحقق شيء يصدر عنه ‪ ،‬وشيء صادر ؛ ألنها‬
‫نقول ‪ :‬الصدور يطلق على معنيين ‪ :‬أحدهما أمر إضافي يعرض العلة والمعلول من‬
‫حيث يكونان معا وكالمنا ليس فيه ‪ ،‬والثاني كون العلة بحيث يصدر عنها المعلول ‪،‬‬
‫وهو بهذا المعنى متقدم على المعلول ‪ ،‬ثم على اإلضافة العارضة لهما وكالمنا فيه ‪،‬‬
‫وهو أمر واحد إن كان المعلول واحدا ‪ ،‬وذلك األمر قد يكون هو ذات العلة بعينها إن‬
‫كانت العلة علة لذاتها ‪ ،‬وقد يكون حالة يعرض لها ‪ ،‬إن كانت علة ال لذاتها ‪ ،‬بل‬
‫بحسب حالة أخرى ‪.‬‬
‫أما إذا كان المعلول فوق واحد ‪ ،‬فال محالة يكون ذلك األمر مختلفا ‪ ،‬فيلزم منه التكثر‬
‫في ذات العلة كما مر ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫وقد عورض بأن اإليجاد ال يمكن بدون صدور االثنين ‪ :‬الماهية والوجود ‪ ،‬بأن النقطة‬
‫المركزية محاذية للنقاط دون مفهوم كونها محاذية لنقطة غير مفهوم كونها محاذية‬

‫‪204‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 205‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٠٥‬‬

‫ألخرى ‪ ،‬فإن كان أحدهما أو كالهما داخال في النقطة المركزية لزم تركيبها ‪ ،‬وإال ال‬
‫تكون النقطة مصدرا لهما ‪ ،‬وللزم إما التركيب أو التسلسل ‪ ،‬وأيضا الجوهرية علة‬
‫للتحيز والقبول لألعراض الوجودية ‪ ،‬فهما أثران لبسيط ‪.‬‬
‫ال يقال ‪ :‬أحدهما باعتبار الحال ‪ ،‬واآلخر باعتبار الحيز ؛ ألنها نقول الكالم في قابليته‬
‫لهما ‪ ،‬وهو من عوارض ذاته ‪.‬‬
‫والجواب ‪ :‬أن الماهية غير مجعولة ‪ ،‬ولو سلمنا أنها مجعولة ‪ ،‬فهي موصوفة بتقدم‬
‫على الوجود الذي هو صفتها ‪.‬‬

‫ال يقال ‪ :‬جعلها عين تحصيل وجودها ‪ ،‬ألنا نقول ‪ :‬فليست الماهية مجعولة بل هي‬
‫مستقرة على ما كانت لكنها وصفت بالوجود ‪ ،‬ومحاذاة نقطة المركز لنقطة من المحيط‬
‫باعتبار ما بينهما من النسبة ‪ ،‬وهي غير النسبة التي بينهما وبين أخرى من المحيط ‪،‬‬
‫فليس المحاذاتان من جهة واحدة ‪ ،‬وعلة كل نسبة نقطة المركز مع نقطة من المحيط ‪،‬‬
‫وكون الجوهر لها إنما يتم ببيان بساطته ‪ ،‬وكون األمرين وجودين ‪ ،‬وانتفاء تعدد األدلة‬
‫والشرط على قبول التحيز ‪ ،‬لكونه إذا وضع ‪ ،‬ولألعراض لكونه محال ‪.‬‬

‫قيل ‪ :‬لو لم يصدر عن الواحد إال الواحد يلزم أن ال يوجد الواحد واحدا آخر ‪ ،‬وعلى‬
‫هذا إلى آخر الموجودات ‪ ،‬وذلك باطل ‪ ،‬ضرورة أن زيدا ليس علة عمرو وبالعكس ‪.‬‬
‫وأجاب عنه الطوسي في رسالته ‪ :‬إن الواحد الذي ال أعتبر معه شيئا آخر ‪ ،‬جاز أن‬
‫يصدر عنه أكثر من واحد ‪ ،‬مثال إذا صدر عن الواحد واحدا آخر ‪ ،‬يجوز أن يصدر‬
‫مع واحد آخر ‪ -‬كب ‪ -‬وعنه مع ‪ -‬ب ‪ -‬آخر ( كج ) ‪ ،‬ثم مع كل اثنين واحد آخر ‪،‬‬
‫وعلى هذا فال يلزم كون كل واحد من الشيئين على اآلخر لجواز أن يكون أحدهما من‬
‫سلسلة ‪ ،‬واآلخر من سلسلة أخرى ‪.‬‬

‫قيل ‪ :‬لو صدر عنه واحد ‪ ،‬ثم معه آخر له تأثير في األول بال شرط ‪ ،‬وفي الثانية‬
‫بشرط األول ‪ ،‬فكونه لألول بال شرط غير كونه مصدرا للثاني بالشرط ‪ ،‬ويلزم إما‬
‫التركيب والتسلسل ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬ال نسلم أن األول مؤثر في الثالث ‪ ،‬بل المؤثر هو المجموع والتركيب فيه ‪.‬‬
‫على أنها نقول ‪ ،‬إنما يلزم أن يكون أحد الشيئين علة لآلخر ‪ ،‬إن كان المعلول األول‬

‫‪205‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 206‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٠٦‬‬

‫موجودا واحدا من جميع الوجوه ‪ ،‬فإن المعلول ال ب هد من وجود صدر عن الواجب ‪،‬‬
‫وماهية يقبله من إمكان ‪ ،‬فيجوز أن يصدر من المعلول األول لكل جزء وشيء آخر ‪.‬‬
‫وإذا عرفت هذا ‪،‬‬
‫ّللا عنه ‪ “ :‬ال استحالة إظهار الواحد ؛ لئال يتوهم أن‬
‫فنقول ‪ :‬إنما قال المصنف رضي ه‬
‫الواحد إنما يمتنع عنه صدور الواحد ‪ ،‬إلظهاره عن مذهب الصوفية في األشياء ‪،‬‬
‫فأشار إليه ليفهم العموم صريحا ‪ ،‬ثم لما كان هذا المذهب إلى امتناع صدور أكثر من‬
‫واحد ‪ ،‬من الواحد من كل الوجوه محل تشنيع العلماء ؛‬

‫الستلزامه وجود األشياء المتوسطة بين الحق والحوادث اليومية ‪ ،‬وغيرها بحيث يعجز‬
‫عن إيجاد بدون مشرب هذه الطائفة ‪،‬‬
‫فلذلك كفهروا القائلين به من الفالسفة ‪ ،‬منع الشيخ رضي ه‬
‫ّللا عنه ما يستلزم ذلك من‬
‫قبول األصل ‪ ،‬فقال ‪ :‬لكن ذلك الواحد عندنا هو الوجود العالم المطلق البسيط ‪ ،‬وتكثره‬
‫ال ينافي وحدته الحقيقية ‪،‬‬
‫كذلك النسب والرقائق في العقل األول ‪ ،‬فهذا الوجود فاض على جميع أعيان الممكنات‬
‫‪ ،‬والحقائق الثابتة لها في العلم األزلي ‪ ،‬فأبعد منها في الحال والماضي لم توجد ‪ ،‬فإنه‬
‫محال وإن كان بالغير ‪ ،‬وقد سبق العلم األزلي بأنه ال يوجد ‪ ،‬ولكن العلم األزلي يتعلق‬
‫بوجود األشياء ‪ ،‬وكذلك تعلق بذلك الوجود العام في األزل بالقوة ‪ ،‬ولكن ظهورها‬
‫بالفعل تابع للنظام ‪ ،‬ويتعلق العلم بكل شيء وعلى ما هو عليه ‪.‬‬

‫وهذا الوجود العام مشترك بين القلم األعلى الذي هو أول موجود بذلك الوجود العام ‪،‬‬
‫ّللا القلم “ “ ‪“ . 1‬‬‫كما ورد في الحديث ‪ “ :‬أول ما خلق ه‬
‫ّللا العقل‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬أول ما خلق ه‬ ‫وهو المسمى بالعقل األول ‪ ،‬حيث قال صلى ه‬
‫“ “ ‪ ، “ 2‬وسمي قلما ؛ ألنه مبدأ التدوين والتسطير ‪.‬‬
‫وعقال بكونه مجردا ‪ ،‬ولبيان سائر الموجودات حتى الحوادث اليومية حتى يستند‬
‫عز وج هل منحصرا فيه ‪ ،‬كما يقوله أهل‬ ‫ّللا تعالى بال واسطة وليس معلوله ه‬ ‫الجميع إلى ه‬
‫النظر من الفالسفة “ ‪“ . 3‬‬
‫قيد أهل النظر لهم ؛ ألن سائر المتكلمين غير المعتزلة ينفون الفرع مع األصل ؛‬
‫‪.....................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه أبو داود ‪( 4 / 225 ) .‬‬
‫) ‪( 2‬رواه الطبراني في الكبير ( ‪ ، ) 283 / 8‬وفي األوسط ‪( 7 / 190 ) .‬‬
‫) ‪( 3‬انظر ‪ :‬الفتوحات المكية‪( 4 / 87 ) .‬‬

‫‪206‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 207‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٠٧‬‬

‫الستلزامهما الواسطة بينه وبين سائر الموجودات وجوبا عندهم ‪.‬‬


‫ّللا عنه منع هذه الواسطة بأنها بين الشيء ونفسه ‪ ،‬إذ ليس في‬‫ثم إن الشيخ رضي ه‬
‫الواقع إال الحق ‪ ،‬إذ العالم ليس بشيء زائد على حقائق معلومة هّلل تعالى ‪،‬‬
‫وليس لها في الوجود أوال سوى ثبوتها في علمه تعالى ‪ ،‬ثم اتصفت بالوجود الخارجي‬
‫‪ ،‬فالواسطة إما بينه وبين وجوده والوجود عينه ‪ ،‬وإما بينه وبين حقائق أخرى بينه‬
‫وبين مجموع وجود العالم وحقائقه ‪،‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬والحقائق من حيث معلوميتها‬ ‫فأشار إلى بطالن الثاني بما قال الشيخ رضي ه‬
‫‪ ،‬وتعين صورها في علم الحق الذاتي األزلي ‪ ،‬يستحيل أن تكون مجعولة الستحالة‬
‫قيام الحوادث بذات الحق سبحانه وتعالى ‪ ،‬واستحالة أن يكون الحق ظرفا لسواه أو‬
‫مظروفا ‪ ،‬ولمفاسد أخرى ال تخفى على المستبصرين فافهم ؛‬
‫ولهذا ال يوصف بالجعل عند المحققين من أهل الكشف والنظر أيضا ‪ ،‬إذ المجعول هو‬
‫الوجود ‪ ،‬فما ال وجود له ال يكون مجعوال ؛ ولو كان كذلك لكان للعلم القديم في تعين‬
‫معلوماته فيه أزال ‪ ،‬أثر من أنها غير خارجية عن العالم بها ‪ ،‬فلو قيل بجعلها ‪ ،‬لزم إما‬
‫مساوقتها للعالم بها في الوجود ‪ ،‬أو أن يكون العالم بها محال لقبول األثر من نفسه في‬
‫نفسه ‪ ،‬وظروفا لغيره أيضا كما مر ‪ ،‬وكل ذلك باطل ؛ ألنه قادح في صرافة وحدته‬
‫سبحانه ‪ ،‬وقاض بأن الوجود المفاض عرض لألشياء الموجودة ال المعدومة ‪ ،‬وكل‬
‫ذلك محال من حيث أنه تحصيل للحاصل ومن وجوه أخرى ‪ ،‬ال حاجة إلى التطويل‬
‫بذكرها ‪ ،‬فافهم ] ‪.‬‬

‫فثبت أنها من حيث ما ذكرنا غير مجعولة ‪ ،‬وليس ثمة وجودين كما ذكرنا ‪ ،‬بل الوجود‬
‫واحد ‪ ،‬وأنه مشترك بين سائرها ‪ ،‬مستفاد من الحق سبحانه ‪ ،‬أي ‪ :‬إنما يتصور‬
‫الواسطة بين الحق وحقائق العالم ‪ ،‬لو كانت حقائقه مجعولة ‪ ،‬لكنها من حيث معلوميتها‬
‫للحق ‪ ،‬وهو حيثية تعين صورها في علم الحق الذاتي األزلي ‪ ،‬يستحيل أن تكون‬
‫مجعولة ‪ ،‬والحقائق إما تتحقق بهذه الحيثية مجردة عن الوجود قبل العالم ‪ ،‬فكانت هذه‬
‫الحيثية لها من األزل ‪ ،‬وكانت أبدية ‪.‬‬

‫عز وج هل باعتبار ظهور علمه‬ ‫وأما من حيثية أنها صورة معلومة لغيره تعالى ‪ ،‬وله ه‬
‫في المظاهر ‪ ،‬فهي وإن كانت مجعولة لكنه أمر عارض ‪ ،‬فهي من حيث هي حقائق ‪،‬‬
‫غير مجعولة وإنما استحال كونها مجعولة من تلك الجهة ؛ ألن ذلك العلم ال يغاير‬
‫الذات بوجه ‪ ،‬فهو في حكمها في امتناع قيام الحوادث به ‪ ،‬على أن القائم به ‪ ،‬وهو‬
‫صفة الحق قائم بالحق ‪ ،‬فلو‬

‫‪207‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 208‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٠٨‬‬

‫كانت مجعولة لكانت حادثة ‪ ،‬فيمتنع قيامها بذات الحق وصفته الالزمة القديمة أيضا ‪.‬‬
‫فإن لم تكن تلك الحقائق قائمة بالحق ‪ ،‬وال يعلم وهي ثابتة هناك ‪ ،‬فهي إما حالة أو‬
‫محال له ‪ ،‬والكل محال ‪ ،‬على أن في جعلها مجعولة ‪ ،‬مفاسد أخرى ال تخفى على‬
‫المستبصر ‪ ،‬وتلك المفاسد ال توصف بالجعل عند المحققين من أهل الكشف ‪ ،‬ومن‬
‫أهل النظر من الحكماء أيضا ‪.‬‬

‫ثم بيهن تلك المفاسد بعد اإلشارة إلى كونها في غاية الوضوح بحيث يسلمها كل محقق‬
‫بأن المجعول هو الوجود الخارجي ‪ ،‬فما ال يكون في الخارج ال يكون مجعوال ‪،‬‬
‫واألعيان ال وجود لها وإن ظهر بها الوجود ‪ ،‬وظهر عليها وأضيف إليها ‪.‬‬

‫وأيضا لو كانت الماهيات مجعولة ‪ ،‬وال شك أنها معلومات للحق تعالى لشمول علمه‬
‫األزلي على الكل ‪ ،‬لكان أول حدثت في علمه األزلي ‪ ،‬ولم يوجد عن الذات من حيث‬
‫هي ؛ لغنائها عن الكل ‪ ،‬فكان للعلم القديم أثر في تعين معلوماته فيه ‪ ،‬مع أن‬
‫المعلومات غير خارجة عن العالم بها ؛ ألنها قائمة بالعلم القائم به ‪ ،‬بل هي قائمة ؛‬
‫ألنها معدومة ألنفسها ‪ ،‬فال وجود لها إال بالحق إذ هو الوجود المطلق ووجودها ليس‬
‫في الخارج ‪ ،‬فال يكون إال في ذات العالم بها ‪.‬‬

‫فلو قيل بجعلها ‪ ،‬فإما أن تكون حادثة في األزل مساوقة للعالم بها في الوجود ‪ ،‬لكن‬
‫الحدوث الزمني في األزل محال ‪ ،‬أوال مساوقة لكنها حادثة في ذاته ‪ ،‬فالعالم بها إما‬
‫عينه ‪ ،‬فيكون محال لقبول األثر من نفسه في نفسه ‪ ،‬أو غيره فيكون ظرفا لغيره ‪،‬‬
‫وتعالى أن يكون ظرفا أو مظروفا ‪.‬‬

‫ثم أبطل الكل بدليل تناسب التوحيد بأنه تعالى واحد من كل وجه من حيث أزليته ‪،‬‬
‫وهذا قادح في صرافة وحدته إذ الحقائق المختلفة موجودة معه بوجود مستقل ‪ ،‬فال‬
‫يكون إال بالترتيب معه على أنها لو كانت مجعولة ‪ ،‬لكانت موجودة والوجود الفائض‬
‫عليها يكون عرضا لها ‪ ،‬وهي موجودة فيتكرر الوجود عليها ‪ ،‬فهو تحصيل الحاصل ‪،‬‬
‫فهو محال من هذا الوجه ‪ ،‬ومن وجوه أخر ال حاجة إلى التطويل بها ‪.‬‬

‫مثل ما يقال ‪ :‬الماهيات حينئذ إنما تتحقق بالوجود حال عدمه ‪ ،‬مثل ما يقال ‪ ،‬لو كانت‬
‫مجعولة ‪ ،‬لكانت اإلنسانية عند عدم جعلها اإلنسانية ‪ ،‬فيلزم سلبه عن نفسه ‪ ،‬وهو‬

‫‪208‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 209‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٠٩‬‬

‫محال ‪.‬‬
‫ومثل ما يقال ‪ :‬أن بعض اللوازم تعرض الماهيات من حيث هي كالزوجية لألربعة ‪،‬‬
‫فلو فرض أربعة غير زوج ‪ ،‬لم يكن أربعة ‪ ،‬فال ب هد من تقررها مجردة عن الهويات ‪،‬‬
‫والهوية هي الوجود ‪ ،‬ولو كانت مجعولة لكان ما جعلها قبل الوجود ‪ ،‬لكن هذه القبلية‬
‫محالة ‪ ،‬فثبت أن الحقائق من حيث معلوميتها للحق غير مجعولة ‪ ،‬وإن كان جاز‬
‫جعلها باعتبار آخر ‪ ،‬وإذا لم تكن مجعولة من حيث هي ‪ ،‬فليس في الواقع وجدان ‪ ،‬إذ‬
‫تعدد الوجود إنما يلزم لو كانت الماهيات موجودة من حيث هي ‪ ،‬وهي مختلفة بذواتها‬
‫حتى يختلف الوجود باختالفها اختالفا ذاتيها ‪.‬‬

‫فالوجود من حيث هو واحد في الحق والخلق ‪ ،‬وهو مشترك بين جميع الحقائق باعتبار‬
‫ظهوره فيها وبها ‪ ،‬وأصله الحق فاض منه عليها فيضان نور الشمس لمن يقابله ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ثم إن هذا‬
‫أشار إلى عدم احتياج وجود العالم إلى الواسطة ‪ ،‬بما قال رضي ه‬
‫الوجود الواحد العارض للممكنات المخلوقة ‪ ،‬ليس بمغاير في الحقيقة للوجود الحق‬
‫الباطن المجرد عن األعيان والمظاهر ‪ ،‬إال بنسب واعتبارات كالظهور والتعين والتعدد‬
‫الحاصل باقتران وقبول حكم االشتراك ونحو ذلك من النعوت التي تلحقه بواسطة‬
‫التعلق بالمظاهر ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬لما كان الوجود العارض للمكنات المخلوقة قيد بذلك ؛ ألنه ال يعرض لغيرها‬
‫واحد ‪ ،‬فال يمكن الممكنات واسطة باعتبار البعض اآلخر لحصول ذلك الوجود في‬
‫نفسه ‪ ،‬وال لحصول نسبه واعتباراته ‪.‬‬
‫أما األول ؛ فألنه ليس بمغاير في الحقيقة للوجود الحق الباطن المجرد عن األعيان‬
‫والمظاهر ‪ ،‬وإن كان هذا باطال ظاهرا غير مجرد عن األعيان والمظاهر ‪ ،‬فاالختالف‬
‫بهذه األمور ال يستلزم االختالف بالحقيقة ‪ ،‬فهو واجب بالذات ال يفتقر إلى واسطة‬
‫أصال ‪.‬‬

‫سلمنا أنه ليس بواجب ‪ ،‬فهو واحد ‪ ،‬فحصوله في ممكن غير حصوله في اآلخر إال‬
‫باعتبار اإلضافة ‪ ،‬وأما الثاني ؛ فألن تلك النسب واالعتبارات إنما حصلت له بواسطة‬
‫المظاهر ‪ ،‬وهي معدومة ‪ ،‬فال يكون واسطة ‪ ،‬فإن اعتبر وجودها فال يكون العقل‬
‫األول واسطة بما دونه ‪ ،‬بل كل مظهر واسطة نفسه ‪ ،‬وذلك أن االعتبارات األصلية‬
‫ثابتة الظهور‬

‫‪209‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 210‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢١٠‬‬
‫في المظاهر والتعين بها والتعدد بعددها ‪ ،‬واألوالن يحصالن باقترانه بها ‪ ،‬والثالث‬
‫لقبول حكم االشتراك الذي هو فرع االقتران ‪ ،‬وكذا سائر الصفات إنما تلحقه بواسطة‬
‫التعلق بالمظاهر ‪ ،‬وكل مظهر واسطة نفسه في تلك االعتبارات والصفات ال في نفس‬
‫الوجود ‪ ،‬فال واسطة بين الحق والخلق ‪،‬‬
‫وما يظن أنه واسطة ‪ ،‬فلحصول تلك االعتبارات عندها ال بها ‪ ،‬وإذا لم يفتقر العالم إلى‬
‫الواسطة باعتبار الماهية والوجود والنسبة وصفاته ‪ ،‬لم يفتقر باعتبار المجموع ‪ ،‬إذ لم‬
‫يحدث بما يوجب االفتقار إليها ‪.‬‬

‫ثم ذكر أن الواسطة يحتاج إليها فيما بين الحق وبين اقترانه بالحقائق الممكنة ‪ ،‬لكونه‬
‫بالذات غنيها عن العالمين ‪ ،‬فال تكون تلك الواسطة من العالم ‪ ،‬حقيقته أو وجوده ‪ ،‬بل‬
‫من الحق وأسمائه وصفاته ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪:‬‬


‫وإليه أشار بما قال رضي ه‬
‫[وينبوع مظاهر الوجود باعتبار اقترانه حضرة تجليه ومنزل تعينه وتدلهيه العلماء‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ ،‬وهو مقام التنزيل الرباني منبعث الجود الذاتي‬
‫الذي ذكره النبي صلى ه‬
‫الرحماني من غيب الهوية وحجاب عز اإلنيهة ‪ ،‬وفي هذا العمى يتعين مرتبة النكاح‬
‫األول الغيبي األزلي الفاتح حضرات األسماء اإللهية بالتوجهات الذاتية األزلية ‪،‬‬
‫ّللا تعالى ] ‪.‬‬
‫وسنفك ختم مفتاح مفاتيحه عن قريب إن شاء ه‬

‫أي ‪ :‬وأصل مظاهر الوجود الذي به ‪ ،‬صارت حقائق الممكنات مرائي الوجود الحق ‪-‬‬
‫ال باعتبار ذاته الغنية عن العالمين ‪ -‬بل باعتبار اقترانه بهذه الحقائق ‪.‬‬
‫وليس ذلك االقتران اقتران األجسام بعضها ببعض ‪ ،‬وال اقتران الحال بالمحال أو‬
‫اقتران المحل بالحال ‪ ،‬بل باعتبار تجليه في حقائق بحيث يظهر في األعيان الثابتة‬
‫قربها بعد ظهوره في ذاته لذاته ‪ .‬فلذلك كان منزل تعينه أنزل عن التعين األول إلى‬
‫سائر التعينات ‪ ،‬وليس هذا التنزيل من مكان عال إلى سافل بل بمعنى التدلي إلى‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬إذا سئل أين‬ ‫المظاهر ‪ ،‬والمتدلهي هو العلماء الذي ذكره النبي صلى ه‬
‫كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟ قال ‪ :‬كان في عماء ما فوقه هواء ‪ ،‬وما تحته هواء “‬
‫‪.................................................‬‬
‫“ ‪ ، “ 1‬فالعلماء هو حضرة الواحدية بمنزلة الحجاب الرقيق بين الخلق‬
‫) ‪( 1‬رواه الترمذي ( ‪ ، ) 288 / 5‬وأحمد ( ‪ ، ) 12 / 4‬وقال القاشاني ‪ :‬العماء هو‬
‫الحضرة العمائية التي عرفت بأنها هي النفس الرحماني ‪ ،‬والتعين الثاني ‪ ،‬وأنها هي‬
‫البرزخية الحائلة بكثرتها النسبية بين الوحدة والكثرة الحقيقتين ‪ ،‬كما عرفت ذلك فيما‬
‫مر من كونها محل تفصيل الحقائق التي كانت في المرتبة‬

‫‪210‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 211‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢١١‬‬

‫والتعين األول ‪.‬‬


‫إنما كان ينبوع مظاهر الوجود والواسطة في االقتران ؛ ألنه مقام التنزل الرباني من‬
‫التعين األول إلى الثاني ‪ ،‬فلذلك نسبة إلى الرب ومنبعث الجود الرباني ‪ ،‬والرحمن اسم‬
‫شامل ألسماء األفعال به يعطي كل مستحق حقه من الوجود ينزل أوال من غيب الهوية‬
‫إلى التعين األول ‪ ،‬فكان له حجاب عن اإلنيهة ‪ ،‬بحيث كان وجودا محضا من غير تميز‬
‫لألسماء والشؤون هناك ‪ ،‬فتنزل منه إلى مقام الربوبية والوجود الرحماني ‪ ،‬فتميزت‬
‫الشؤون هاهنا ‪ ،‬فتعين في هذا العماء مرتبة النكاح األول الذي هو التوجه الحبي‬
‫ّللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫المشار إليه بقوله صلى ه‬
‫“ كنت كنزا مخفيها ‪ ،‬فأحببت أن أعرف “ “ ‪“ . 1‬‬
‫س همي نكاحا ؛ ألن به التعلق بالحقائق لما هو غني بذاته عن العالمين ؛ أو ألنه قبل تعين‬
‫األسماء بها للظهور “ ‪ ، “ 2‬فهذه الحضرة ينبوع مظاهر الوجود ‪ ،‬فهذا النكاح فاتح‬
‫حضرات األسماء اإللهية ؛ ألنها نسبة بين الذات والمظاهر باعتبار ظهوره بأسمائه‬
‫فيها ‪ ،‬وهذه نسب فرع تعلق الذات بالمظاهر في حضرة العماء ‪ ،‬وقيد األسماء باإللهية‬
‫؛ ألن األسماء الذاتية ال تحتاج في االنفتاح إلى شيء ؛ ألنها عين الذات ‪.‬‬

‫وإنما انفتحت هذه األسماء بالتوجهات الذاتية األزلية إلى شؤونها ‪ ،‬لتكميل أمر‬
‫األولى شؤونا مجملة في الوحدة ‪ ،‬فسميت بهذا االعتبار بالعماء ‪ ،‬وهو الغيم الرقيق ‪،‬‬
‫وذلك لكون هذه الحضرة برزخا حائال بين إضافة ما في هذه الحضرة من الحقائق إلى‬
‫الحق ‪ ،‬وإلى الخلق ‪ ،‬كما يحول العماء الذي هو الغيم الرقيق بين الناظر وبين نور‬
‫الشمس ‪.‬‬
‫‪......................................................‬‬
‫) ‪( 1‬تقدم تخريجه ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬فائدة ‪ :‬قال الشيخ األكبر ‪ :‬سر االفتتاح بالنكاح القول من القائل في السامع ‪ ،‬فعين‬
‫القول عين ما يكون من السامع ‪ ،‬فظهر ظهور المصباح التوجه سبب القول والتكوين‬
‫على اليقين في المحل الظاهر ؛ لبروز الباطن إلى الظاهر ‪ ،‬وهذا نكاح بين المعنى‬
‫والحس واألمر المركب والنفس ؛ ليجمع بين الكثيف واللطيف ‪ ،‬ويكون منه التمييز‬
‫والتعريف ‪ ،‬وإن خالف تركيب المعني تركيب الحروف ‪ ،‬فهو لخالف المعرفة‬
‫والمعروف ‪ ،‬ثم ينزل األمر النكاحي من مقام االفتتاح إلى مقام األرواح ‪ ،‬ومن المنازل‬
‫الرفيعة إلى ما يظهر من نكاح الطبيعة ‪ ،‬ومن ثبوت اإلهالك إلى نكاح األفالك لوجود‬
‫األمالك ‪ ،‬ومن حركات األزمان إلى نكاح األركان إلى ظهور المولدات التي آخرها‬
‫جسم اإلنسان ‪ ،‬ثم يظهر في األشخاص بين مياص ومناص ‪ ،‬فالنكاح ثابت مستقر‬
‫ودائم مستمر ‪ [ .‬مختصر الفتوحات ‪.] 1385‬‬

‫‪211‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 212‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢١٢‬‬

‫الوجود باعتبار إظهار ما فيه من الصفات الممكنات بالقوة في المظهر بالفعل ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وسنفك ختم مفتاح مفاتيح الذي هو التوجه الحبي ‪ ،‬ولعل ذلك‬
‫قال رضي ه‬
‫المفتاح هو اشتمال الوجود على االعتبارات الكثيرة والشؤون الراقية بالقوة “ ‪ ،‬فلذلك‬
‫ّللا عنه ‪:‬‬
‫قال رضي ه‬
‫“ فللوجود إن فهمت اعتباران ‪ :‬أحدهما من كونه وجودا فحسب وهو الحق ‪ ،‬وأنه من‬
‫هذا الوجه كما سبقت اإلشارة إليه ‪ ،‬ال كثرة فيه ‪ ،‬وال تركيب ‪ ،‬وال صفة ‪ ،‬وال نعت ‪،‬‬
‫وال اسم ‪ ،‬وال رسم ‪ ،‬وال نسبة ‪ ،‬وال حكم ‪ ،‬بل هو وجود بحت ] ‪.‬‬

‫وقولنا ‪ :‬وجود هو للتفهيم ‪ ،‬ال أن ذلك اسم حقيقي له ‪ ،‬بل اسمه عين صفته ‪ ،‬وصفته‬
‫عين ذاته ‪ ،‬أي وإذا كان ينبوع مظاهر الوجود وحضرة العماء ‪ -‬وهو من المراتب‬
‫الحقيقية إذ هو قبل الخلق وفوقه شيء ‪ -‬إذ العماء حائل بين ذلك الشيء ‪ ،‬وبين الخلق‬
‫فللوجود في الرتبة الحقيقية إن فهمت هذا المعنى اعتباران ‪ :‬أحدهما من كونه وجودا‬
‫فحسب ‪ ،‬وذلك في المرتبة األحدية ‪.‬‬

‫وفي هذه المرتبة هو الحق من غير اعتبارين معه ‪ ،‬إذ هو واجب الوجود بذاته لما مر‬
‫في المقدمة ‪ ،‬وأنه من هذا الوجه كما سبقت اإلشارة إليه من أن األحدية ال كثرة فيها‬
‫بالفعل ‪ ،‬وال تركيب من وجود وماهية أو غيرهما ‪ ،‬وال صفة غير راسخة وال نعت‬
‫راسخة ‪ ،‬وال اسم يغايره وال رسم يظهره ‪ ،‬إذ ال نسبة له بذلك االعتبار إلى شيء ‪،‬‬
‫وال لشيء إليه لغنائه عن العالمين ‪ ،‬وحكم من كونه مبدأ أو غير مبدأ ‪ ،‬وإن لم يخل‬
‫عنها ‪ ،‬لكنها ال تتميز بهذا االعتبار ‪،‬‬
‫بل هو بهذا االعتبار وجود بحث أي ‪ :‬صرف ‪.‬‬
‫ثم استشعر سؤاال بأنه ‪ :‬ال يقال عليته الوجود والمحمول ال ب هد وأن يغاير الموضوع من‬
‫وجه ‪ ،‬فكيف ال يكون له اسم يغايره ؟‬
‫فقال ‪ :‬وقولنا وجود للتفهيم ؛ ألنه لما كان أعم األشياء أشير به إليه إال أنه ال اسم‬
‫حقيقي متميز عنه هناك ‪ ،‬بل اسمه في ذلك المرتبة عين صفته وصفته عين ذاته ‪ ،‬إذ‬
‫ال تميز وال اثنينية هناك بوجه من الوجوه ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬لو قدر له اسم ‪ ،‬لم يتميز عن الصفة ‪ ،‬وكذا الصفة عن الذات ‪ ،‬بل الكل في نفس‬
‫الوجود عين الوجود ‪.‬‬

‫ثم استشعر سؤاال آخر ‪ ،‬بأنه كيف ال نعت ‪ ،‬وال صفة يتميز عنه مع أنه موصوف‬
‫بالكمال ‪ ،‬وبالعلم والحياة والقدرة ومفهوماتها متغايرة ‪ ،‬فكيف ال يتميز هناك ‪ ،‬فأجاب‬
‫عنه‬

‫‪212‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 213‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢١٣‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وكما له نفس وجوده الذاتي الثابت له من نفسه ال من سواه ‪،‬‬
‫بما قال رضي ه‬
‫وحياته وقدرته عين علمه ‪ ،‬وعلمه باألشياء أزال عين علمه بنفسه ‪ :‬بمعنى أنه علم‬
‫نفسه بنفسه ‪ ،‬وعلم كل شيء بنفس علمه بنفسه ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬والكمال الثابت له في األحدية والتعين األول ‪ ،‬وهو نفس وجوده الذي هو مقتضى‬
‫ذاته ‪ ،‬فالكمال أيضا ثابت له من نفسه ؛ وذلك ألن النقص لما كان هو العدم ‪ ،‬كان‬
‫الكمال هو الوجود والوجود ثابت له من نفسه ال من سواه ؛ ألنه عين نفسه ‪ ،‬إذ لو كان‬
‫غيره ‪ ،‬لكان الوجود حاصال مما هو سوى الوجود ‪ ،‬فلم يكن واجبا لذاته ‪ ،‬وكذا حياته‬
‫وقدرته عين علمه بنفسه ؛ وذلك ألن كل ما يشعر بذاته ‪ ،‬يسمى حيها ‪ ،‬وما ال يشعر ‪.‬‬
‫ومعنى القدرة أن يفعل ما يشاء وفعله معلوم ‪ ،‬فما علم وجوده فعل ‪ ،‬وما ال ‪ ،‬فال ‪.‬‬
‫وأما رجوع اإلرادة والسمع والبصر والكالم إلى العلم فظاهر ‪ ،‬فهذه الصفات راجعة‬
‫مر بقي الكالم في علمه باألشياء ‪.‬‬
‫إلى العلم وعلمه بنفسه عين نفسه على ما ه‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وعلمه باألشياء عين علمه بنفسه أيضا ] ؛ وذلك ألنه ه‬
‫عز وج هل‬ ‫فقال رضي ه‬
‫علم نفسه بنفسه ال بمثال زائد على نفسه حتى يقال ‪ :‬علم نفسه بعلم زائد ‪ ،‬وعلمه‬
‫باألشياء أزال عين علمه بنفسه ؛ ألن األشياء عبارة عن الوجود والحقائق والوجود‬
‫عين نفسه ‪ ،‬والحقائق صور علمه ‪ ،‬وصور العلم ال تغاير العلم في المرتبة األزلية ‪.‬‬
‫ولذلك قيد بقوله ‪ :‬أزال ؛ وذلك ألن الكل في الوجود نفسه نفس الوجود ‪ ،‬وإذا كان كذلك‬
‫‪ ،‬فال نعت وال صفة تتميز هناك ‪.‬‬

‫ثم استشعر سؤاال بأنه كيف يكون عين هذه األشياء المختلفة المتكثرة مع غاية وحدته‬
‫ّللا عنه [ تتحد فيه المختلفات ‪ ،‬وتنبعث منه‬
‫وبساطته ‪ ،‬فأشار إلى دفعه بما قال رضي ه‬
‫المتكثرات ‪ ،‬هي دون أن تحويه أو يحويها أو تبديه عن بطون متقدم أو هو من نفسه‬
‫يبرزها ‪ ،‬فيبديها له وحدة هي محتد كل كثرة وبساطة هي عين كل تركيب آخر ‪ ،‬وأول‬
‫مرة كل ما يتناقض في حق غيره ‪ ،‬فهو له على أكمل الوجوه ثابت ] ‪.‬‬

‫يعني ‪ :‬أن المختلفات من حيث الماهيات تتحد من حيث الوجود ؛ الشتراكه فيها‬
‫وتنبعث منه المتكثرات ‪ ،‬فأصل كثرتها وحدته ‪ ،‬فالكثرة في المرتبة األولى كانت وحدة‬
‫‪ ،‬ثم صارت كثرة تنسب إلى ماهياتها ‪ ،‬لكن كثرة نسبته إلى تلك الماهيات ليس بطريق‬
‫المحلية‬

‫‪213‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 214‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢١٤‬‬

‫لها ‪ ،‬وال الحالة فيها حتى يكون محال للحوادث أو صفة لها أو متمكنا فيها ‪ ،‬تعالى عن‬
‫ذلك ‪ ،‬بل مظهرة له وظاهرة به ‪.‬‬
‫وليس ذلك بمعنى أنها تبديه عن بطون متقدم على هذا الظهور ؛ ألنه لم يزل ظاهرا‬
‫لنفسه ‪ ،‬بل ظهوره فيها بعد بطونه بالنسبة إليها ‪ ،‬وكذا ظهورها عنه ليس بمعنى أنه‬
‫يخرجها من نفسه فيبديها إذ األعيان ال تزال على ما هي عليه إلى األبد ال تشم رائحة‬
‫الوجود ‪ ،‬وإن ظهر الوجود بها وبصورها ‪ ،‬إذ لو اتصفت بالوجود ‪ ،‬لكان الوجود من‬
‫عوارضها فيتأخر عنها ‪ ،‬وهو مقدم عليها ‪ ،‬فلهذا جعلت المسألة غامضة ‪.‬‬
‫ثم استشعر سؤاال آخر بأن هذه النسب ال ب هد من تكثرها ‪ ،‬فكيف يكون معها واحدا من‬
‫كل الوجوه ‪ ،‬وكيف يكون مع تحققها بسيطا حقيقيها ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬له وحدة هي أصل كل كثرة من النسب وغيرها ‪ ،‬فجميع النسب فيها موجودة‬
‫بالقوة ‪ ،‬كالشجرة في النهواة ‪.‬‬
‫فهي بالفعل بالنظر إلى ذاتها واحدة من كل وجه ‪ ،‬ومن جهة أنها محتد الكثرة فيها‬
‫كثرة بالقوة ‪ ،‬وهكذا بساطته عين كل تركيب من حيث إنها محتد التركيبات ‪ ،‬فهي من‬
‫حيث هي بساطة بالفعل من كل وجه ‪ ،‬ومن جهة أنها محتد التراكيب عين التراكيب‬
‫كلها ‪.‬‬
‫ثم استدل على ذلك بأنه يقال فيه تعالى ‪ “ :‬أول وآخر “ معا ؛ ألن صفاته قديمة أبدية‬
‫وأوليته باعتبار وحدته وبساطته وآخريته باعتبار كثرته وتركيبه ‪ ،‬فهما يجتمعان فيه ‪.‬‬
‫ثم استشعر سؤاال آخر ‪ ،‬بأن في الكثرة والتركيب نقصا ينافي القدم والوجوب الذاتي ‪.‬‬
‫فأجاب بأن ‪ :‬كل ما يتناقض في حق غيره ‪ ،‬وهو ثابت له على الوجوه فهما إنما يثبتان‬
‫فيه من حيث ما فيها من الوحدة والبساطة والوجوب ‪ ،‬ال من جهات النقص ‪ ،‬إذ هي‬
‫عدمية ‪ ،‬وقد مر أن كل مقيد له وجه إلى اإلطالق ‪ ،‬ولكل مطلق وجه إلى التقييد ‪ ،‬وإن‬
‫كل كائن في محل ال يكون إال بحسب المحل ‪ ،‬ثم رد على العوام المخالفين بهذا ‪.‬‬
‫“‪“ 1‬‬
‫‪..................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬قال المصنف القونوي في رسالة “ مفتاح الغيب “ في ترجمة فصل شريف‬
‫يشتمل على علم غزير خفي لطيف ما نصه ‪ :‬الوجود في حق الحق عين ذاته وفي من‬
‫عداه أمر زائد على حقيقته وحقيقة كل موجود عبارة عن نسبة تعينه في علم ربه أزال‬
‫ّللا عينا ثابتة ‪.‬‬
‫وتسمى باصطالح المحققين من أهل ه‬
‫وفي اصطالح غيرهم ماهية والمعدوم الممكن والشيء الثابت ونحو ذلك والحق‬
‫سبحانه من حيث‬

‫‪214‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 215‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢١٥‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وكل من نطق عنه ال به ونفى عنه كل أمر مشتبه وحصره في‬ ‫وقال رضي ه‬
‫مدركه ‪ ،‬فهو أبكم ساكت ‪ ،‬وجاهل مباهت ‪ ،‬حتى يرى به كل ض هد في نفس ضده ‪ ،‬بل‬
‫عينه مع تميزه بين حقيقته وبينه ] أي ‪ :‬كل ما نطق عنه من العلماء بزعمه ال به ‪،‬‬
‫لدعوى التمييز الكلي لثبات نفسه ‪ ،‬ونفى عنه كل أمر مشتبه على عقله حقيقة ‪ ،‬فلم يعلم‬
‫أن وجوده عين الحق والغير ‪ ،‬إنما هو حقيقة التي ال وجود لها ‪.‬‬
‫وحصر الحق في مدركه من الواجب الوجود القديم البريء عن النقائص ‪ ،‬فهو أبكم‬
‫ساكت عن حقائق األمور ‪ ،‬وجاهل بالحقائق مباهت فيها ‪ ،‬ال يعرف الحق على ما هو‬
‫عليه حتى يرى كل ضد في نفس ضده ‪ ،‬فيرى القديم في الحادث والحادث في القديم ‪،‬‬
‫والواجب بالذات في الممكن ‪ ،‬والممكن في الواجب بالذات ‪ ،‬بل يرى الكل عين اآلخر‬
‫من جهة الوجود مع تمييزه بين حقيقته ‪ ،‬كل ضد ‪ ،‬وبين الحق الواحد الواجب من غير‬
‫اعتقاد حلول أو اتحاد ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وحدته عين كثرته ‪ ،‬وبساطته عين تركيبه ‪،‬‬ ‫صل ذلك فقال رضي ه‬ ‫ثم ف ه‬
‫وظهوره نفس بطونه ‪ ،‬وآخريته عين أوليته ‪ ،‬ال ينحصر في المفهوم من الوحدة أو‬
‫الوجود ‪ ،‬وال ينضبط‬
‫وحدة وجوده لم يصدر عنه إال واحد الستحالة إظهار الواحد غير الواحد وإيجاده من‬
‫كونه واحدا أكثر من واحد لكن ذلك الواحد عندنا هو الوجود العام المفاض على أعيان‬
‫الممكنات ما وجد منها وما لم يوجد معا سبق العلم بوجوده وهذا الوجود مشترك بين‬
‫القلم األعلى الذي هو أول موجود عند الحكيم المسمي بالعقل األول وبين سائر‬
‫الموجودات وليس كما يذكره أهل النظر من الفالسفة بأنه ما ثم عند المحققين إال الحق‬
‫والعالم ‪ ،‬والعالم ليس بشيء زائد على حقائق معلومة هّلل تعالى أوال كما أشرنا إليه من‬
‫قبل متصفة بالوجود ثانيا فالحقائق من حيث معلوميتها وعدميتها ال توصف بالجعل‬
‫عند المحققين من أهل الكشف والنظر أيضا إذ المجعول هو الموجود فما ال وجود له ال‬
‫يكون مجعوال ‪،‬‬
‫ولو كان كذلك لكان للعلم القديم في تغير معلوماته فيه أزال أثر مع أنها غير خارجة‬
‫عن العالم بها فإنها معدومة ال نفسها ال ثبوت لها إال في نفس العالم بها فلو قيل بجعلها‬
‫لزم أما مساواتها للعالم بها في الوجود أو أن يكون العالم بها محال لقبول األثر من‬
‫نفسه في نفسه وظرفا لغيره أيضا وكل ذلك باطل ألنه قادح في صرافة وحدته سبحانه‬
‫أزال وقاض بأن الوجود المفاض عرض ألشياء موجودة ال معدومة ‪،‬‬
‫وكل ذلك محال من حيث أنه تحصيل للحاصل ‪ ،‬ومن وجوه أخر ال حاجة إلى التطويل‬
‫بذكرها فافهم ‪ ،‬فثبت أنها من حيث ما ذكرنا غير مجعولة وليس ثمة وجودان كما ذكر‬
‫بل الوجود واحد وهو مشترك بين سائرها مشتفاد من الحق سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 216‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢١٦‬‬

‫لشاهد وال في مشهود له ‪ ،‬أن يكون كما قال ‪ ،‬وظهر كما يريد دون الحصر في‬
‫اإلطالق ‪ ،‬والتقييد له المعنى المحيط بكل حرف ‪ ،‬والكمال المستوعب بكل وصف ‪،‬‬
‫كل ما خفي عن المحجوبين حسنه ‪ ،‬مما يتوهم فيه شين ونقص ‪ ،‬فإنه متى كشف عن‬
‫ساقه بحيث يدرك صحة انضيافه إليه ألقى فيه صورة الكمال ‪ ،‬ورأى أنه منصة لتجلي‬
‫الجالل أو الجمال ‪ ،‬سائر األسماء والصفات عنده متكثرة في عين وحدته هي عينه ال‬
‫يتنزه عما هو ثابت له ‪ ،‬وال يحتجب عما أبداه ليكمله ‪] .‬‬
‫أي ‪ :‬وحدته الحقيقية عين ضدها الذي هو الكثرة ؛ ألن الكثرة ليست في نفس الوجود ‪،‬‬
‫بل في صورة عينه من حيث ال وجود لها بدونه ‪ ،‬فهي من حيث الوجود الذي يقتضي‬
‫الوحدة ويساوقها واحدة ‪.‬‬
‫فالوحدة عين الكثرة باعتبار الوجود ‪ ،‬كذا بساطته الحقيقية عين ضدها الذي هو‬
‫التركيب ؛ ألنه ليس في نفس الوجود ‪ ،‬بل بين صورة ‪ ،‬وهي عينه ‪ . .‬إلخ ‪.‬‬
‫وكذا ظهوره نفس بطونه ؛ ألن الظاهر صورة الباطن ‪ ،‬وكذا اآلخرية التي هي من‬
‫لوازم الظهور عين األولية التي هي من لوازم البطون ‪ ،‬واتحاد اللزوم بحسب الصدق‬
‫‪ ،‬يستلزم اتحاد الالزم بحسبه ‪ ،‬ثم اعتذر عن سبب اجتماع الضدين فيه ‪ ،‬بأنه يمتنع‬
‫اجتماعهما فيما ينحصر في مفهوم واحد ‪ ،‬والحق ال ينحصر في مفهوم أصال ‪ ،‬ال في‬
‫الوحدة ‪ ،‬حتى يقابل الكثير ‪ ،‬وال في الوجود حتى يقابل العدم ‪ ،‬فلذلك يتحقق في الكثرة‬
‫‪ ،‬وفي الحقائق الممكنة التي هي أعدام ‪ ،‬وليس المراد العدم المطلق ‪ ،‬فإنه ليس بثابت ‪،‬‬
‫فافهم ‪.‬‬
‫فلذلك ال ضد له كما أنه ال ند له ‪ ،‬ثم ذكر ‪ :‬أن شاهد العقل ‪ ،‬وإن دل على انحصاره‬
‫في الوحدة والوجود ‪ -‬إذ جعله واجب الوجود ‪ -‬فال ينضبط فيه بحسب األدلة الكشفية ‪،‬‬
‫فإنها دلت على ظهوره في الكثرة ‪ ،‬وفي الحقائق الممكنة ‪ ،‬لكنه ال ينضبط في ذلك‬
‫المشهود أيضا ‪.‬‬
‫ش ْيءٍ َم ْن َع ْل َم َه َإ هال َبما‬ ‫‪:‬وال يُ َحي ُ‬
‫طونَ َب َ‬ ‫ثم قال ‪ :‬له أن يكون كما قال من أنهم َ‬
‫شا َء[ البقرة ‪ ] 255 :‬هذا في األحدية وظهر كما يريد هذا في الواحدية بحسب‬
‫االستعدادات التي في األعيان الثابتة من قبولها الظهور بصور معينة في أزمنة معينة‬
‫وأمكنة مخصوصة ‪ ،‬ومع ذلك ال ينحصر في األحدية والواحدية ‪ ،‬وكيف ينحصر وله‬
‫المعنى المحيط‬

‫‪216‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 217‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢١٧‬‬

‫بكل حرف من الموجودات الواجبة والممكنة ‪ ،‬والكمال المستوعب كل وصف من‬


‫اإلطالق والتقييد ‪.‬‬
‫ثم اعتذر عما يلزم من النقص والشين في المقيدات ‪ ،‬فكيف يتصف بذلك ‪ ،‬وهي منافية‬
‫للكماالت ‪ ،‬فقال ‪ :‬كل ما خفي يعنى ‪ :‬إن توهم الشين والنقص ‪ ،‬إنما هو من خفاء‬
‫الحسن الذي هو من تجلي الجمال والجالل ‪.‬‬
‫وإنما قلنا بذلك ؛ ألنه متى كشف عن باطن األمر الذي عبر عنه بالساق ‪ ،‬حتى يصح‬
‫كونه يضاف إليه الوجود الذي هو كامل بالذات ‪ ،‬جامع بصفتي الجالل والجمال ‪ ،‬ألفي‬
‫أي ‪ :‬وجد فيه صورة الكمال الوجودي ‪ ،‬ظهر بقدر استعداده ‪ ،‬وخفي بما ليس في‬
‫استعداده ‪ ،‬إظهاره ومع قصور استعداده إلظهار الوجود على ما هو عليه منصة ‪ ،‬أي‬
‫مظهر كامل واضح لتجلي الجالل والجمال ؛ فألنه من لوازم الوجود ‪ ،‬ووجوده أظهر‬
‫ما فيه منصة تجليها معا ‪.‬‬

‫ولما ذكر أن الكثرة في الوجود عين الوحدة ‪ ،‬ذكر أن الكثرة ثبتت في الوجود ‪ ،‬وكيف‬
‫يجامع وحدته ‪ ،‬فقال ‪ :‬ذلك في األسماء والصفات ‪ ،‬فإنها متكثرة بالمفهومات واألحكام‬
‫الالزمة ‪ ،‬وكلها في عين الوحدة من حيث الصدق ‪ ،‬حتى أن تلك الوحدة عين الذات‬
‫من جهة الصدق ‪ ،‬فالكل عين الذات ‪ ،‬ففيها الوحدة والكثرة معا ‪ ،‬ثم اعتذر عما يتوهم‬
‫أنه يستلزم وجود الكثرة فيه بعدد اإلله ‪ ،‬وهو تعالى ه‬
‫منزه عن الشريك باتفاق من يعتد‬
‫منزه عن كثرة في‬‫به من العقالء وأهل المكاشفة ‪ ،‬فأجاب بأنه عند بعضهم غير ه‬
‫الصفات ؛ ألنها أيضا ثابتة له عندهم ‪ ،‬وإنما يتنزه عن الكثرة في الموصوفين بتلك‬
‫الصفات ‪ ،‬وليسوا بثابتين ‪ ،‬فهذا عين مذهب أهل السنة من األشاعرة وغيرهم ‪ ،‬ثم‬
‫اعتذر عما يقال يثبت تعدد الصفات في الكشف ‪ ،‬وإال كانت حجبا عن الذهات ‪.‬‬

‫فأجاب ‪ :‬أنه يبدأ لهم بتجلي الصفات أيضا ‪ ،‬حتى إذا كملوا ‪ ،‬تجلى لهم بالذات ‪ ،‬فيكمل‬
‫لهم تجلي الصفات أيضا ؛ ألن الكامل ال يحجبه شيء عن شيء ‪ ،‬حتى أنه ال يحجبه‬
‫الخلق عن الحق ‪ ،‬فكيف يحجبه صفات الحق عنه ‪ ،‬ولما وقع الكالم في الحجاب‬
‫والتقديس استطرد على أنه لما قيل أن جميع ما وصف به عين أضدادها ‪ ،‬فالحجاب في‬
‫حقه عين الكشف ‪ ،‬والعزة عين الذل والغني عين االفتقار ‪ ،‬والتقديس عين النقص ‪،‬‬
‫مع ثبوت هذه‬

‫‪217‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 218‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢١٨‬‬

‫ّللا‬
‫األمور باإلجماع ‪ ،‬وانتفاء أضدادها به احتاج إلى بيان ذلك ‪ ،‬فهو ما قال رضي ه‬
‫عنه ‪ [ :‬وحجابه وعزته وغناه وقدسه ‪ ،‬عبارة عن امتياز حقيقته عن كل شيء يضادهها‬
‫‪ ،‬وعن عدم تعلقه بشيء ‪ ،‬أو عدم احتياجه في صبوته وجوده له وبقائه إلى ذلك ‪ ،‬ال‬
‫تحقق لشيء بنفسه وال بشيء إال به ‪ ،‬فانتبه ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬حجابه عبارة عن امتياز حقيقته عن كل شيء يضادهها ‪ ،‬وال ضدية إال بحسب‬
‫الوجود ‪ ،‬فال حجاب من تلك الجهة ‪ ،‬وإنما كان امتياز حقيقته حجابا ؛ ألنه تحصل به‬
‫المباينة الموجبة للجهل به ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ليس ث همة حقيقة ووجد ‪ ،‬بل حقيقته عين الوجود ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬المراد حقيقة الوجود التي بها الوجود وجود ‪ ،‬فالوجود وإن كان أظهر باإلنيهة ‪،‬‬
‫أخفى باعتبار الحقيقة ؛ ألنه ال يمكن تعريفه بحد وال رسم ‪.‬‬

‫وعزته عبارة عن عدم تعلقه بشيء ؛ وذلك ألن التعلق بالدون ذاته ‪ ،‬وهو من حيث‬
‫إطالق الذات عزيزة إال أنه لما كان له وجه على التقييد ‪ ،‬صار متعلقا باألكوان ‪ ،‬حتى‬
‫ظهرت ووجدت ‪.‬‬

‫وغناؤه عبارة عن عدم احتياجه في ثبوت وجوده وبقائه إلى شيء ‪ ،‬وهذا من حيث‬
‫الذات ‪ ،‬وأما من حيث األسماء ‪ ،‬فال ب هد لظهورها في المظاهر من األعيان الثابتة التي‬
‫يظهر بها وفيها ‪.‬‬
‫وقدسه عبارة عن جميع ذلك ‪ ،‬وذلك أيضا بحسب الذات ال بحسب األسماء ‪ ،‬بدليل أنه‬
‫ال يتحقق الشيء بنفسه وال بشيء آخر إال به ‪ ،‬فليس محتجب عنه وال غير متعلق به ‪،‬‬
‫وال غير محتاج في ظهوره في المظاهر إليه ‪ ،‬وال مقدس عن ذلك ‪.‬‬

‫ثم قال ‪ “ :‬فانتبه “ أي ‪ :‬عند إطالق الحجاب العزة والغنى والقدس لهذه الدقيقة ‪ ،‬ثم‬
‫ّللا عنه ‪:‬‬
‫شرع في أحكام الوجود من حيث كونه وجودا فحسب ‪ ،‬فهو ما قال رضي ه‬
‫[ال تدركه سبحانه من حيث الحيثية العقول واألفكار ‪ ،‬وال تحويه الجهات واألقطار ‪،‬‬
‫وال تحيط بمشاهدته ومعرفته البصائر واألبصار ‪ ،‬ومنزه عن القيود الصورية‬
‫والمعنوية ‪ ،‬مقدس عن قبول كل تقدير متعلق بكمية أو كيفية متعال عن اإلحاطات‬
‫الحدسية والفهمية والظنية والعلمية ‪ ،‬متحجب بكمال عزته عن جميع بريته الكامل منه‬

‫‪218‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 219‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢١٩‬‬

‫والناقص‪.‬‬
‫[ أي ‪ :‬ال يدركه سبحانه وتعالى من حيث كونه وجودا فحسب ‪ ،‬العقول البديهية‬
‫واألفكار النظرية ‪ ،‬وال تحويه الجهات واألقطار ‪ ،‬فال تدركه الحواس الظاهرة ‪ ،‬وال‬
‫يحيط بمشاهدته الغيبية ‪ ،‬ومعرفته اليقينية البصائر الباطنة ‪ ،‬وال جميع األبصار ‪،‬‬
‫منزه عن القيود الصورية والمعنوية ‪ ،‬فكيف تدركه الحواس والعقول‬ ‫ثم علل ذلك بأنه ه‬
‫واألفكار التي هي مقيدة ‪ ،‬ثم بين تنزيهه تعالى عن القيود الصورية ‪ ،‬بأنه مقدس عن‬
‫قبول كل تقديره متعلق بكمية أو كيفية ‪ ،‬وعن القيود المعنوية بأنه متعال عن اإلحاطات‬
‫الحدسية والفهمية والظنية والعلمية ‪،‬‬
‫ثم علل عدم إحاطة البصائر واألبصار ‪ ،‬بأنه محتجب بكمال عزته عن جميع بريته‬
‫للكامل صاحب البصيرة ‪ ،‬والناقص المقتصر على ظاهر البصر ‪ ،‬وبين الكامل بأنه‬
‫المقبل إليه ‪ ،‬والناقص بأنه النهاكص عنه ‪.‬‬
‫وقيد المقبل بقوله ‪ :‬في زعمه إشعارا بأنه لما احتجب عنه ‪ ،‬فلم يدركه ‪ ،‬فكيف يقبل‬
‫إليه إقباال حقيقيها ‪ ،‬بل هو إقبال وهمي وإن أفاده مقاما أو حاال ‪ ،‬ثم استشعر سؤاال بأنه‬
‫ال تدركه العقول والبصائر ‪ ،‬وقد أدركت تنزيهه ‪،‬‬
‫ّللا عنه [ ‪ :‬جميع تنزيهات العقول من حيث أفكارها ومن حيث‬ ‫فأخبر بما قال رضي ه‬
‫بصائرها ‪ ،‬أحكام سلبية ال تفيد معرفة حقيقية ‪ ،‬وهي مع ذلك دون ما يقتضيه جالله‬
‫ويستحقه قدسه وكماله ‪ ،‬ومنشأ تعلق علمه بالعالم من عين علمه بنفسه ‪ ،‬وظهور هذا‬
‫التعلق بظهور نسب علمه التي هي معلوماته ‪ ،‬وإنما هو عالم بما ال يتناهى من حيث‬
‫إحاطة علمه وكونه مصدرا لكل شيء ‪ ،‬فيعلم ذاته والزم ذاته ‪ ،‬والزم الالزم جمعا‬
‫وفرادى ‪ ،‬وإجماال وتفصيال ‪ ،‬هكذا إلى ما ال يتناهى وما عينه أو علم تعين مرتبته عند‬
‫شرط وسبب ‪ ،‬فإنه يعلمه بشرط وسببه ‪ ،‬والزمة أن سبق علمه بذلك تعينه ‪ ،‬وإال‬
‫فيعلمه بنفسه سبحانه وكيف شاء ‪ ،‬غير أنه ال يتجدد له علم ‪ ،‬وال يتعين في حقه أمر‬
‫ينحصر فيه وال حكم ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬لما كان وجودا فحسب ‪ ،‬لم يغاير الموجودات من هذا الوجه ‪ ،‬فلما تعلق علمه‬
‫بنفسه ‪ ،‬تعلق بالعالم متميزا عن الحق ‪،‬‬
‫قال ‪ ( :‬وظهور هذا التعلق )أي ‪ :‬تعلق علمه بالعالم ‪ ،‬سبب ظهور نسب علمه ‪ ،‬فإن‬
‫تلك النسب لما كانت هي المعلومات وقد ظهرت ‪ ،‬ظهر التعلق بها كما ظهر تعلق‬
‫الوجود بها عند ظهور نسبه التي هي حقائق الموجودات ‪ ،‬ولما كان‬

‫‪219‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 220‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٢٠‬‬

‫مقتضاه أن يكون علمه واحدا ‪ ،‬فال يعلم المتعدد به ‪ ،‬مع أنه عالم بما ال يتناهى من‬
‫المتعددات ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وإنما هو عالم بما ال يتناهى من حيث علمه ‪ ،‬محيط بذاته وذاته شاملة على‬
‫األشياء ؛ ألن حقائقها شؤونه هذه من جهة الحقائق ‪ ،‬وأما من جهة تعلق الوجود بها ‪،‬‬
‫فمن حيث كونه مصدرا لكل شيء ؛ ألن هذه من جملة صفات الذات التي ال يغايرها‬
‫في مرتبة الذات ‪ ،‬فهي من لوازمها ‪ ،‬فإذا علم الذات بالكلية علم هذه الصفة ؛ ألن العلم‬
‫بالملزوم يستلزم العلم بالالزم ‪ ،‬فيعلم مصدرية الذات ‪،‬‬
‫وما يلزم مصدريتها من تعلق الوجود باألشياء ‪ ،‬أعني الحقائق التي هي شؤون في‬
‫الذات وأعيان ثابتة في العلم ‪ ،‬فيعلمها من حيث الذات جمعا وإجماال ‪ ،‬ومن حيث‬
‫الصفات والتعلق الوجودي ‪ ،‬فرادى وتفصيال ‪ ،‬فسرى علمه الواحد الذاتي إلى ما ال‬
‫يتناهى من المعلومات ‪.‬‬
‫ولما كان مقتضاه أال يعلم الحوادث الزمانية إما من جهة األولى ؛ فألنها غير جهة‬
‫االتحاد ‪ ،‬وإما من الجهة الثانية ؛ فألنها ليست من لوازم مصدريته ؛ ألنها أمور‬
‫جائزة ‪.‬‬
‫قال ‪ ( :‬وما عينه ‪ . . .‬عند شرط أو سبب ) من غير أن يتوقف عليها الذات ‪ ،‬أو علم‬
‫تعين مرتبته عند أحدهما لتوقفه من حيث الحقيقة على ذلك ‪ ،‬فإنه تعالى يعلم ذلك‬
‫الشيء بسبب علمه بشرطه وسببه ‪ ،‬وإن لم يتوقف عليها ‪ ،‬فلم يلزماه ‪ ،‬ويعلم سبب‬
‫علمه بالزمة من الشرط ؛ والسبب أن سبق علمه بأن له سببا وشرطا ‪،‬‬
‫هو إنما يتعين عندهما ال دونهما ؛ ألن ذلك الشرط ‪ ،‬والسبب ال ب هد وأن يرجعا إلى ما‬
‫هو من لوازم ذاته ‪ ،‬أو بالذات مصدرا له ‪ ،‬والالزم له اتحاد بالذات من وجهة ‪ ،‬فيعلمه‬
‫من الجهتين ‪ ،‬وإن لم يكن متعلقا بشرط وسبب الزم وال غير الزم ‪ ،‬يعلمه سبحانه‬
‫بنفسه ؛ ألنه من لوازم مصدريته لألشياء ‪ ،‬فكيف ما شاء الشيء من تعليقه على‬
‫الشرط والسبب ‪ ،‬وال تعليقه بهما ال ب هد وأن يعلمه علما أزليها ‪.‬‬

‫ولما توهم أنه إذا علم الشيء بشرطه أو بسببه أو الزمه ‪ ،‬فهو على متجدد ‪ ،‬على أنه‬
‫يعلم وجود زيد في األزل مستقبال ‪ ،‬فإذا وجد علم وجوده ‪ ،‬فإذا فني علمه ماضيا ‪،‬‬
‫فكيف ال يتجدد له علم بذلك ‪ ،‬فإنه علم في األزل وجود زيد في الزمان الفالني ‪،‬‬
‫وحاليته لذلك الزمان ‪ ،‬واستقباله بالنسبة إلى األزل ‪ ،‬ومضيه بالنسبة إلى ما بعده فيعلم‬
‫بذلك ما علم ‪،‬‬

‫‪220‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 221‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٢١‬‬

‫وكذا توقفه على السبب والشرط ال يستلزم حدوثه ‪ ،‬بل يعلم في األزل ترتبه عليه‬
‫واستلزم علمه به ‪ ،‬علمه إياه من غير سبق ‪ ،‬علم بالسبب ‪ ،‬على العلم المسبب سببا‬
‫زمانيها ‪.‬‬
‫ثم ذكر أنه إنما يتجدد العلم بتجدد المعلوم ‪ ،‬فمن يتعين في حقه أمر ينحصر فيه ‪ ،‬فإذا‬
‫انحصر في زمان ‪ ،‬يعلم ما يكون بالنسبة إليه دون غيره ‪ ،‬ولما لم يتقيد سبحانه بهذه‬
‫األزمنة حتى أن كونه في األزل عين كونه في األبد ‪ ،‬لم يتجدد له شيء من العلم ‪.‬‬
‫ثم ذكر أنه ال يتعين في حقه حكم حتى يقال إنه يعلم وجود زيد في الزمان الفالني ال‬
‫غير ‪ ،‬وال يعلم استقباله بالنسبة إلى األزل ومضيه بالنسبة إلى ما بعد فنائه ‪ ،‬بل يعلم‬
‫جميع األحوال بعلم واحد ‪ ،‬وهكذا يعلم ما تعلمه المحادثات الحادثة من حيث أن‬
‫علومهم ظالل علمه تعالى ‪.‬‬

‫ّللا تعالى ‪َ :‬حتهى نَ ْعلَ َم[ محمد ‪ ، ] 32 :‬فله اإلحاطة الكلية باألشياء بجميع‬
‫ومن هنا يقول ه‬
‫العلوم ‪ ،‬لكنها ال تتجدد في حقه ‪ ،‬وإن تجدد ظهورها في المظاهر ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ثم ذكر حكما ثالثا للوجود من حيث هو وجود فحسب ‪،‬‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬كماله بنفسه ووجوده بالفعل ال بالقوة ‪ ،‬وبالوجوب ال باإلمكان‬ ‫فقال رضي ه‬
‫منزه عن التغير المعلوم والحدثان ‪ ،‬ال تحويه المحدثات لتبديه أو تصونه ‪ ،‬وال‬ ‫‪ ،‬ه‬
‫يكونها لحاجة إلى سواه وال تكونه ‪ ،‬ترتبط األشياء به من حيث ما تعين منه ‪ ،‬وال‬
‫يرتبط بها من حيث امتيازها بتعدد عنه ‪ ،‬فيتوقف وجودها لها عليه ‪ ،‬وال يتوقف عليه‬
‫‪ ،‬مستغن بحقيقته عن كل شيء مفتقر إليه في وجوده كل شيء] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬كماله الذاتي “ ‪ “ 1‬بنفسه ‪ ،‬ال بأسمائه وصفاته ومظاهره ؛ ألنه عين ذاته ‪،‬‬
‫وإنما األسماء والصفات ومظاهرها من أنوارها ‪ ،‬وظهوره في الظاهر عكس نوره في‬
‫نفسه ؛ ولذلك كان وجوده بالفعل ال بالقوة ؛ ألن ما بالقوة ناقص ‪.‬‬
‫هذا بالنسبة إلى وجوده في ذاته ‪ ،‬ال بالنسبة إلى الصفات الفعلية التي هي نسب محضة‬
‫‪ ،‬والمظاهر وكذا وجوده لذاته بالوجوب ال باإلمكان ‪ ،‬وإن كان ظهوره في المظاهر‬
‫‪..................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬الكمال الذاتي هو ما يضاف إلى الحق تعالى من غير اعتبار فعل ‪ ،‬وتعين‬
‫وغيرية ‪ ،‬ومظهر ‪ ،‬بل ما يكون تحققه للحق تعالى بال شرط شيء أصال فيكون حقيقة‬
‫الكمال الذاتي ظهور الذات لنفسها من غير اعتبار غير وغيرية‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 222‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٢٢‬‬

‫باإلمكان ؛ ألن الكمال للواجب دون الممكن ‪ ،‬فإنه ناقص ‪ ،‬فإن كان كامال فليس‬
‫بنفسه ‪.‬‬
‫ولما كان واجبا بالذات كان منزها عن التغيير المعلوم الستلزامه زوال حاله بذاته ‪،‬‬
‫وإنما يتغير نسبه إلى المظاهر ‪.‬‬

‫تنزه عن التغيير ‪ ،‬تنزه عن الحدثان ؛ ألن حدوث شيء فيه ‪ ،‬يستلزم تغيره عما‬ ‫ولما ه‬
‫كان عليه ‪ ،‬إال أنه ينتسب إليها بحسب تعلقاته بحقائق الممكنات ‪ ،‬للظهور فيها وبها ‪،‬‬
‫ال بحسب الذات والصفات الذاتية واإللهية ‪ ،‬ولكماله الذاتي وتنزهه عن التغيرات ال‬
‫تحويه المحدثات بأن تصير أعراضه لتبديه إبداء األلوان واألضواء ‪ ،‬والمقادير‬
‫والجواهر الجسمانية ‪ ،‬وال تحويه أيضا بأن تصير ظروفه لتصونه عن الظهور ؛ ألنه‬
‫يستلزم التغيير والنقص بالذات ‪ ،‬إذ ظهوره بطونه حينئذ ليس بذاته ‪ .‬نعم ظهوره في‬
‫المظاهر وبطونه هاهنا بها ‪ .‬وأما بالنسبة إلى ذاته فظاهرة ‪ ،‬ومن حيث الغناء عن‬
‫العالمين باطن ‪.‬‬

‫ولما كان كماله بذاته ‪ ،‬ال تكون المحادثات لحاجة له إلى سواه ‪ ،‬بل إنما كونها لظهوره‬
‫في المظاهر بعد الظهور الكامل في ذاته ؛ ألن الكمال العارض للوجود من حيث‬
‫اشتماله على شؤون الممكنات ال يتم إال بها ‪ ،‬والشؤون في الذات عينها ‪ ،‬فليس ذلك‬
‫حاجة إلى الغير وال المحدثات تكونه ؛ ألنه موجود بذاته ‪ ،‬فال يتكرر وجوده بها ‪ ،‬بل‬
‫تظهر به وتتعلق ‪ ،‬ويحصل لظاهرها صفات بالفعل كانت لها القوة بسببه ‪.‬‬
‫فالمكون إنما هو تعلقه لها ‪ ،‬وتلك الصفات ظهرت عليه بذلك التعلق بعد بطونها ‪.‬‬
‫ثم استشعر سؤاال بأنه لما كان كماله بنفسه ‪ ،‬وال حاجة له إلى المحدثات ‪ ،‬فما من وجه‬
‫ارتباط األشياء به حتى كونها ‪،‬‬
‫فقال ‪ [ :‬ارتباط األشياء به من حيث غيريتها وامتيازها ‪ ،‬بل من حيث إنها تعيناته‬
‫المظهرية يظهر بها الكمال الذي ليس بذاتي له ‪ ،‬ووجودها غير وجود مع قيد تعينه‬
‫بها ] ‪.‬‬
‫وأما امتيازها فمن حيث تعددها بحقائقها ‪ ،‬بخالف جهة الوجود ‪ ،‬فإن الفيض واحد‬
‫تعدد بحسب تعدد الحقائق ‪ ،‬ولما ارتبطت من جهة الوجود ‪ ،‬توقف وجودها ألنفسها‬
‫عليه من غير عكس ‪ ،‬فهو مستغن بحقيقته التي هي حقيقة الوجود عن كل شيء ‪،‬‬
‫وإن لم يستغن باعتبار ظهوره في المظاهر عنها ‪ ،‬مفتقر إليه في وجوده كل شيء ‪ ،‬إذ‬
‫كل شيء ‪ ،‬ليس له وجود من ذاته ‪ ،‬وإال لكان كل واجبا بالذات ‪ ،‬فيتعدد القدماء‬
‫بالذهات‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 223‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٢٣‬‬

‫ولما ذكر أن ارتباط األشياء به من حيث وجودها ‪ ،‬ثم ذكر ما هو سبب تعلق الوجود‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ليس بينه وبين األشياء نسبة إلى العناية كما قيل ‪،‬‬
‫بها ‪ ،‬فهو كما قال رضي ه‬
‫وال حجاب إال الجهل والتلبيس والتخيهل لغاية قربه ودنوه وفرط عزه وعلوه ‪ ،‬وعنايته‬
‫في الحقيقة إفاضة نوره الوجودي على من انطبع في مرآة عينه التي هي نسب‬
‫معلوميته ‪ ،‬واستعد لقبول حكم إيجاده ومظهريته سبحانه ‪ ،‬ليس كمثله شيء من الوجه‬
‫األول ‪ ،‬وهو السميع البصير من الوجه الثاني ] ‪.‬‬

‫من هنا شروع في الثاني إذ ما قبله جهة الوجود المحض ‪ ،‬وإن ذكر فيه أبحاث من‬
‫التعلق على طريق االستطراد ؛ ألن المقصود بالذات بيان الوجود من حيث هو ‪،‬‬
‫وبيان أحكامه من تلك الحيثية ‪ ،‬واستطرد باألحكام التي تتعلقها لتوقف بيان األحكام‬
‫الذاتية عليها ‪ ،‬إذ األشياء تتبين بأضدادها ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس بين الحق من حيث هو وبين‬
‫األشياء نسبة تعلق وجوده بها مع غنائه عنها بحسب الذات إال العناية التي هي العلم‬
‫السابق ‪ ،‬كما قاله الفالسفة ‪ ،‬وإال لكان مفتقرا إليها في استكمال ذاته بها ‪ ،‬أو كان عابثا‬
‫وهو من النقائص ‪.‬‬

‫ولما كانت األشياء موجودة بوجوده لعنايته بها من حيث أنها صور شؤونه ‪ ،‬فال‬
‫حجاب بينها وبينه ‪ ،‬لغاية قربه منها ودنوه إال الجهل منها ‪ ،‬والتلبيس تخيل تعداداتها‬
‫لفرط عزه وعلوه ‪ ،‬فال يحاط به هذه المظاهر كلها فضال عن مظهر واحد منها ‪.‬‬
‫ثم ذكر أن العناية وإن فسرت بسبق العلم باألشياء كلها في الحقيقة هي إفاضة النور‬
‫الوجودي إذ سبق العلم ال يكفي لحصول األشياء في الخارج بدون اإلفاضة ‪ ،‬أي تعين‬
‫وجوده من حيث نوريته وظهوره ‪ ،‬ال من حيث الذات ‪ ،‬فالعناية إنما كملت بهذه‬
‫اإلفاضة ‪ ،‬فهي حقيقة تلك العناية ‪ ،‬كأنه أعظم أجزائه الذاتية ‪.‬‬

‫ثم ذكر المفاض عليه بأنه من انطبع وانتقش في مرآة عينه الثابتة ‪ ،‬ولم يجعل نفس‬
‫العين الثابتة الستمرار عدمها والمنطبع صورته والوجود المفاض ال حق بتلك الصورة‬
‫‪ ،‬وتلك الحقيقة نسبة معلوميته تعالى ؛ لكن شرط المنطبع أن يكون مستعدا لقبول حكم‬
‫إيجاده تعالى إياه وظهوره فيه ‪ ،‬وإال ال يوجد وإن كان في ذاته ممكنا ‪.‬‬
‫ثم ذكر أن التنزيه العقلي “ ‪ “ 1‬يختص بالوجه األول إذ المثل ما يقوم مقام آخر من‬
‫نوعه‬
‫‪...................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬اعلم أن للتنزيه العقلي ثمرة وهي تنزيه الحق عما يسمى غيرا ‪ ،‬أو سوى‬
‫بالصفات السلبية حذرا من‬

‫‪223‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 224‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٢٤‬‬

‫وال تعدد للوجود فال مثل ‪ ،‬وأما السميع والبصير فهو من الوجه الثاني ؛ لكن فيه تنزيه‬
‫ّللا عنه لقوله “ ‪ :‬أوال سبحانه‬
‫كشفي إذا أورده بطريق الحصر ‪ ،‬وإليه أشار رضي ه‬
‫ّللا‬
‫“ ‪ ،‬ثم ذكر أن ذلك التنزيه دائم مستمر ‪ ،‬وإن ظهر في المظاهر بما قال رضي ه‬
‫عنه ‪ [ :‬ومتى أدرك أو شوهد أو خاطب أو خوطب ‪ ،‬فمن وراء حجاب عزته في‬
‫مرتبة نفسه المذكورة ‪ ،‬بنسبة ظاهريته ‪ ،‬وحكم تجليه في منزل تدليه من حيث اقتران‬
‫وجوده العام بالممكنات ‪ ،‬وشروق نوره على أعيان الموجودات ليس غير ذلك]‪.‬‬

‫أي ‪ :‬متى أدرك الحق بالعلم اليقيني أو شوهد بعين اليقين في المظاهر ‪ ،‬أو غيرها أو‬
‫خاطب أحدا من خلقه ملكا أو نبيها أو وليها أو خوطب ‪ ،‬فال ب هد وأن يكون الحق حينئذ من‬
‫وراء حجاب عزته في المرتبة األحدية ‪ ،‬فيكون على تنزيهه األصلي العقلي ‪.‬‬

‫وإنما وقع اإلدراك ‪ ،‬وما عطف عليه بنسبة ظاهريته لألشياء ‪ ،‬وهذه النسبة هي حكم‬
‫تجليه لها في منزل تدليه إلى قربة منها ‪ ،‬وذلك القرب من حيث اقتران وجوده العام‬
‫بالممكنات ‪ ،‬وليس اقترانه بطريقة اتصال بل بشروق نوره على أعيان الموجودات ‪،‬‬
‫وال يقع شيء منها إال بالظاهرية واألحدية على نزاهته العقلية ‪“ .‬‬
‫ثم ذكر سبب كون ذلك الموجود الظاهر فيها خلف ‪ ،‬مع أنه الحق المنزه في كل مرتبة‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬فهو سبحانه من حيث هذا الوجه إذا لومح تعين وجوده‬‫دائما بما قال رضي ه‬
‫متقيدا بالصفات الالزمة لكل متعين من األعيان الممكنة التي هي في الحقيقة نسب‬
‫علمه جمعا وفرادى ‪ ،‬وما يتبع تلك الصفات من األمور المسماة شئونا والخواص‬
‫والعوارض ‪ ،‬واآلثار التابعة ألحكام االسم الدهر المسماة باألوقات والمراتب أيضا‬
‫والمواطن ‪ ،‬فإن ذلك التعين والتشخص يسمى خلقا وسوى ‪ ،‬كما ستعرف عن قريب‬
‫ّللا تعالى ] ‪.‬‬
‫سره إن شاء ه‬

‫أي ‪ :‬والحق المنزه يسمى خلقا وسوى من الوجه الثاني إذا لو محيي تعين وجوده مقيدا‬
‫بالصفات الالزمة لكل متعين من األعيان الممكنة بالقيد األول ‪ ،‬خرج من حيث التعين‬
‫األول وبالقيد الثاني خرج من حيث تعينه بصفات اإللهية والربوبية ‪ ،‬وبقيد األعيان‬
‫الممكنة خرجت الممتنعات ‪ ،‬فإنها ال تس همى خلقا كما ال تس همى حقها‪.‬‬
‫نقائص مفروضة في األذهان غير واقعة في األعيان‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 225‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٢٥‬‬

‫ثم ذكر أن تلك األعيان في الحقيقة نسب علمه إشعارا بأن أصلها عدم ليس لها صفة‬
‫العتبار تعين الوجود بها ؛ فلذلك قلنا ‪ :‬أن الوجود تقيد بتلك الصفات ‪.‬‬
‫ثم ذكر أنه ال فرق بين الصفات جمعا وفرادى ؛ لئال يتوهم إن تلك الصفات إذا كانت‬
‫على الجمعية ‪ ،‬ال تسمى خلقا من حيث أن الجمعية من خواص اإللهية ‪ ،‬وذلك إن تلك‬
‫جمعية جميع الصفات الالزمة الالحقة باعتبار التعين بحسب األعيان الممكنة ‪ ،‬وهذه‬
‫الصفات ذاتية تلك األشياء ‪ ،‬ومقيدة بما يتبع تلك الصفات ‪ ،‬إذ بهذه التوابع يزداد البعد‬
‫عن الوجوب ‪ ،‬والقرب من اإلمكان ‪ ،‬فهي مؤ هكدة للخلقية ‪.‬‬

‫وإنما ذكرها ؛ لئال يتوهم إن هذه األمور العارضة ال تجعل من الخلقية ‪ ،‬إذ أصل‬
‫الوجود الوجوب ‪ ،‬فال يقال ‪ :‬هذا األصل من قبيل عروض هذه الصفات ‪ ،‬لكن الوهم‬
‫يندفع بأن عروضها بعد ثبوت الخلقية ‪ ،‬فليس في معارضية األصل ومقابلته في شيء‬
‫‪ ،‬وتلك التوابع من األمور المسماة شئونا ‪ ،‬أي ‪ :‬قابليات األشياء لالتصاف بصفات‬
‫وجودية ‪ ،‬وخواص تختص ببعض األشياء دون بعض ‪.‬‬

‫وعوارض تمامه تعرض للشيء من غير اختصاص به ‪ ،‬وهذه الصفات وإن لم تكن‬
‫من الذاتيات ‪ ،‬فهي دائمة لموصوفاتها ‪ ،‬وهكذا اآلثار التابعة ألحكام االسم الدهر الذي‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬كما ورد في الحديث ‪ “ :‬يؤذيني ابن آدم ‪ ،‬يسب الدهر ‪ ،‬وأنا‬
‫هو من أسماء ه‬
‫الدهر أقلب الليل والنهار “ “ ‪ ، “ 1‬وتلك األحكام المسماة باألوقات ‪ ،‬وآثارها هي‬
‫التغيرات الزمانية وكذا العارضة باعتبار المراتب من عالم األعلى ‪ ،‬والعارضة‬
‫باعتبار المواطن كالعارض للعناصر من جهة قبول التركيب ‪ ،‬واالنقالب من صورة‬
‫إلى صورة ‪.‬‬

‫وإنما ذكر هذه األشياء ؛ إشعارا بأن المخلوقات ال ب هد وأن تتصف بهذه الصور كلها ‪،‬‬
‫فذكر هذه األمور ليس إلخراج شيء ‪ ،‬بل لالطالع على كمال الحقيقة الخلقية‬
‫وصفاتها ‪.‬‬
‫ثم ذكر أن سر ذلك سيعرف عن قريب ‪ ،‬وذلك أنه سيذكر ‪ “ :‬أنه بسريانه في كل‬
‫ّللا تعالى ‪.‬‬
‫شيء ‪ . . .‬إلى آخره “ ‪ ،‬وستعرفه إن شاء ه‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬وينضاف إليه إذ ذاك “ ‪2‬‬ ‫ثم ذكر أحكام الوجود بهذا الوجه بما قال رضي ه‬
‫“ كل وصف‬
‫‪.....................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬تقدم تخريجه ‪.‬‬
‫) ‪( 2‬أي إلى الحق إذ ذاك أي في زمان اقتران وجود العام بالممكنات ‪ ،‬ويقصد‬
‫بالوجود العام هو الوجود‬

‫‪225‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 226‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٢٦‬‬

‫ويسمى بكل اسم ‪ ،‬ويظهر بكل رسم ‪ ،‬ويقبل كل حكم ‪ ،‬ويتقيد في كل مكان بكل رسم ‪،‬‬
‫ويدرك لكل مشعر من بصر وسمع وعقل وفهم ‪ ،‬وغير ذلك من القوى والمدارك ‪،‬‬
‫فاذكر ] ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬وينسب إلى الوجود عند التقييد لما ذكر كل وصف حادث ‪ ،‬ويسمى بكل اسم من‬
‫أسماء المحدثات ‪ ،‬ويظهر بكل رسم من رسومها ‪ ،‬ويقبل كل حكم من التغييرات ‪،‬‬
‫ويتقيد في كل مكان بكل رسم يليق بذلك المكان ‪ ،‬سواء كان المكان معنويها أو حسيها ‪،‬‬
‫ويدرك عنه ذلك بكل مشعر ظاهر من سمع وبصر وباطن من عقل وفهم وغير ذلك‬
‫من القوى ‪ ،‬كالحس المشترك والخيال والوهم والحافظة والمفكرة والمدارك من النفس‬
‫والقلب والروح ‪ ،‬فاذكر هذه المسألة ؛ لئال يحجبك الحق عن الخلق ‪ ،‬والخلق عن‬
‫الحق ‪.‬‬
‫ّللا عنه ‪:‬‬
‫ثم ذكر سر تقييده بهذه األوصاف مع تنزهه عنها بما قال الشيخ رضي ه‬
‫[ واعلم أن ذلك بسريانه في كل شيء بنوره الذاتي المقدس عن التجزيء واالنقسام‬
‫والحلول في األرواح واألجسام ‪ ،‬فافهم ] ‪.‬‬

‫ولكن كل ذلك متى أحب وكيف شاء ‪ ،‬أي إنما يقيد بهذه الصفات باعتبار سريانه ‪ ،‬أي‬
‫ظهوره بحيث يسرى نوره في كل شيء ‪ ،‬وهو النور الذاتي الوجودي المظهر للكل مع‬
‫التجزيء في نفسه ‪ ،‬يمتنع انقسامه بالمظاهر ‪ ،‬لكن ظهر في كل مظهر‬ ‫ه‬ ‫تقدسه عن‬
‫بقدر استعداده الذي أعطاه ‪.‬‬
‫وليس ذلك السريان بطريق الحلول ال في األرواح المجردة وال في األجسام المطلقة ‪،‬‬
‫وظهوره فيها وإن كان بحسب استعدادها ‪ ،‬فليس بطريق الوجوب ؛ ولكن متى أحب‬
‫وكيف شاء فإن االستعداد حاصل له من حبه ومشيئته والتجلي بحسبه ‪ ،‬فإذا سري فيها‬
‫تقيد بقيودها الالحقة لها باعتبار هذا السريان ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬وهو‬


‫ثم ذكر أنه حال السريان ال يتقيد بما سوي فيها ‪ ،‬فذلك ما قال رضي ه‬
‫في كل وقت وحال القابل لهذين الحكمين الكليين المذكورين المتضادين بذاته ال بأمر‬
‫زائد ‪ ،‬والجامع بين كل أمرين مختلفين من غائب وحاضر وصادر ووارد ‪ .‬إذا شاء‬
‫ظهر في كل صورة ‪ ،‬وإن لم يشأ ‪ ،‬لم ينضاف إليه صورة ] ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬وهو القابل بذاته في وقت من األوقات الزمانية ‪ ،‬وحال من األحوال المتغيرة ‪،‬‬
‫قيد بذلك ؛ ألنه من حيث األزل ال يقبل الجميع ‪،‬‬
‫الساري في كل شيء‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 227‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٢٧‬‬

‫وإال لكانت الحوادث أزلية ‪ ،‬ويمكن أن يقال قابل بذاته ‪ ،‬إال أن األزل يمنع من القبول ‪،‬‬
‫فهذا قابل لهذين الحكمين التجرد والتقيد الكليين ؛ ألنه اعتبر التجرد عن الكل في األول‬
‫‪ ،‬والتقيد بالكل في الثاني ‪ ،‬وهما متضادان ‪ ،‬بينهما غاية الخالف إال أن الضدية إنما‬
‫تعتبر بالنظر إلى الموضوعات الخاصة والتعينات الشخصية ‪ ،‬وقبوله له بذاته ال بأمر‬
‫زائد ينضاف إليه إذ ليس وراء الوجود المطلق شيء حتى يعتبر انضيافه إليه ‪ ،‬وإن‬
‫كان أثر قابليته للتقيد ببعض األمور باعتبار األمر الزائد ‪ ،‬لكن ذلك األمر اعتباري‬
‫بالنظر إلى نفس الوجود ‪ .‬نعم جمعيته المتقابلين ‪ ،‬بل لكل مختلفين سواء كان بينهما‬
‫تقابل أم ال ‪ ،‬باعتبار صورته ال باعتبار ذاته فقط ‪.‬‬

‫واختالف الصور باختالف ما ظهر فيها من األمور المختلفة ‪ ،‬واختالف تلك األمور‬
‫بما ينضاف إليه من المشيئة ‪ ،‬فإذا شاء ظهر في كل صورة ‪ ،‬وإن لم يشأ ال ينضاف‬
‫ّلل ْال َ‬
‫واح َد‬ ‫إليه صورة أصال ‪ ،‬كما يكون يوم يقول عز وجل ‪َ :‬ل َم َن ْال ُم ْلكُ ْاليَ ْو َم َ ه َ‬
‫ْالقَ هه َ‬
‫ار[ غافر ‪. ] 16 :‬‬
‫وإنما قال ‪ :‬وإن لم يشأ ؛ ليشعر بأن مشيئة العدم ‪ ،‬وعدم المشيئة سواء في عدم‬
‫انضياف الصور ‪ ،‬والمراد عدم تعلق المشيئة ‪ ،‬وإال فالمشيئة قديمة ال تنعدم ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫أن هذه الصور ال تغيره عما كان عليه في األحدية ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬ال يقدح تعينه وتشخصه بالصور ‪ ،‬واتصافه بصفاتها في‬ ‫فذلك قال رضي ه‬
‫كمال وجوده وعزه وقدسه ‪ ،‬وال ينافي ظهوره في األشياء وإظهاره وتعينه وتقيده بها‬
‫وبأحكامها من حيث هي علوه وإطالقه من القيود وغناه بذاته عن جميع ما وصف‬
‫بالوجود ‪ ،‬بل هو سبحانه الجامع بين ما تماثل من الحقائق وتخالف فيتألف ‪ ،‬وبين ما‬
‫تغاير وتباين فيختلف ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬ال يقدح تعينه بالصور النوعية والشخصية ‪ ،‬واتصافه بصفاته الحادثة في كمال‬
‫وجوده األحدية والواحدية ؛ ألن هذه التعيهنات والتش هخصات باعتبار المظاهر ال بالذات‬
‫‪ ،‬فال ينافي كمال الذات وال عزته عن التعلق بها ‪ ،‬وال قدسه عن الحوادث لذلك ‪ ،‬فإن‬
‫ما يلحق الصورة في المرآة عند تحريكها أو كسرها ‪ ،‬ال يلحق شيء ذا الصورة ‪،‬‬
‫ولذلك ال ينافي ظهوره في األشياء ‪ ،‬وإظهاره لألشياء وال تعينه بمراتبها الدنيهة ‪ ،‬وال‬
‫تقيده بحقائقها الممكنة وبصفاتها الحادثة من هذه الحيثية ‪ ،‬علوه من حيثية أخرى هي‬
‫األحدية ‪ ،‬وال إطالقه الذاتي‬

‫‪227‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 228‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٢٨‬‬

‫وال غناه بذاته عن الجميع ‪ ،‬بل هو تعالى مع تنزهه عن الجميع ‪ ،‬يجمع بين الحقائق‬
‫المتماثلة والمتخالفة أي المتقاربة ‪ ،‬فيؤلهف بينهما ‪ ،‬فيجعلها واحدة أو أحدية بسبب‬
‫المناسبة التي بين تلك الحقائق ‪ ،‬حتى يناسب وحدته على حسب ذلك ‪.‬‬

‫ويجمع أيضا بين ما ينافر أخرى تنافر ‪ ،‬وبين ما يباين ‪ ،‬فال يكون بينهما مناسبة‬
‫جامعة ‪ ،‬فال يناسب وحدته فيختلف ‪ ،‬لكنها تجتمع بالوجود في الوجود ‪.‬‬
‫وإنما فعل ذلك إظهارا للقابلية على سبيل االجتماع واالفتراق ؛ لشموله لها جميعا ‪ ،‬ثم‬
‫ذكر األسماء التي بها الظهور عند االتحاد والخفاء عند اإلعدام ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬بتجليه الوجودي ظهرت الخفيهات ‪ ،‬وتنزلت من الغيب إلى‬‫فلذلك قال رضي ه‬
‫الشهادة البركات ‪ ،‬من حيث أسمائه الباسط والمبديء ‪ ،‬وبارتفاع حكم تدلهيه تخفي‬
‫وتنعدم الموجودات باسميه القابض والمعيد ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬بتجليه بالوجود العام باقتضاء االسم الباسط على الحقائق ‪ ،‬والمبديء إظهاره‬
‫مقيدا بها وبأحوالها ‪ ،‬أظهرت الحقائق وأوصافها الخفيات في الواحدية ‪ ،‬وتنزلت‬
‫بالظهور من غيب الوحدة إلى الشهادة بركات تلك الحقائق ‪ ،‬وهي التجليات عليها‬
‫الخارجية الكاملة بالفعل بعد ما كانت لها بالقوة ‪ ،‬ثم بارتفاع حكم تدليه ‪ ،‬أي دنوه من‬
‫الحقائق يخفي ما فعل منها في الوجود الخارجي ‪ ،‬بل ينعدم في الخارجي ‪ ،‬بمقتضى‬
‫اسميه القابض والباسط للظهور والبطون ‪ ،‬والمعيد لما ظهر إلى ما كان عليه في‬
‫األول ‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬إنه تعالى‬


‫ثم بيهن سبب تعلق هذه األسماء باإليجاد واإلعدام بما قال رضي ه‬
‫كان محتجبا بعزه ‪ ،‬فكان غفورا ‪ ،‬وإن أحب أن يعرف دنا وظهر فيما شاء كيف شاء ‪،‬‬
‫فكان ودودا ‪ ،‬فبالمحبة يبدي من كونه محبها ‪ ،‬وهي تبديه ‪ ،‬وبها من كونه محبها ومحبوبها‬
‫يعيد كل شيء في قبضته ومقهور تحت قوة بطشه ؛ لقوة فعله وضعف المنفعل ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬إن نظر سبحانه وتعالى علوه واستغنائه ‪ ،‬احتجب عن األشياء بعزه فيكون غفورا‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬ساترا لها ‪ ،‬وإن أحب أن يعرف من جهة تكميل العالم والوجود بالظهور في‬
‫المظاهر ‪ ،‬وإخراج ما لهما في اإلمكان بالقوة إلى الفعل وما من الحقائق ‪ ،‬وظهر فيما‬
‫شاء بالمشيئة األزلية المفيضة عليها االستعداد كيف شاء هناك ‪ ،‬فكان ودودا لظهوره‬
‫فيها وإظهارها ‪ ،‬فبالمحبة من جهة كونه محبها فقط ‪ ،‬إذ ال محبوب من الخلق قبل‬
‫اإليجاد ‪ ،‬يبديء‬

‫‪228‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 229‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٢٩‬‬

‫الحقائق بإعطاء الوجود لها ‪ ،‬وتبديه بالظهور فيها بعد ظهوره بذاته في ذاته ‪،‬‬
‫وبالمحبة من جهة كونه محبها في الصور الخلقية ‪ ،‬ومحبوبا من جهة الحقيقة يعيد إليه ‪،‬‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬حب الوطن من اإليمان “ “ ‪“ . 1‬‬‫ومنه قوله صلى ه‬
‫ثم أشار إلى أن المحبة والمحبوبية ال تكفيان في ذلك ‪ ،‬بل ال بد معها من كون كل‬
‫شيء في قبضة مشيئته ‪ ،‬ومقهورا تحت قوة بطشه التي هو قدرته ‪ ،‬وهما يتمان بقوة‬
‫فعله حتى يصير قاهرا قابضا ‪ ،‬وضعف الفعل حتى يصير مقبوضا مقهورا ؛ فلذلك ال‬
‫يكون غيره فاعال ‪ ،‬وال يكون هو منفعال ‪.‬‬
‫ثم ذكر ما هو المظهر األول الذي بواسطته ظهرت هذه األشياء وأسبابها بما قال الشيخ‬
‫ّللا عنه ‪ [ :‬ومظهر قدرته ‪ ،‬وآلة حكمته في فعله بسنته ‪ ،‬ومحل ظهور سر‬ ‫رضي ه‬
‫القبض والبسط ‪ ،‬واإلبداء واإلخفاء ‪ ،‬والغيب الشهادة ‪ ،‬والكشف والحجاب الصوري‬
‫السببي الذي به يفعل ما ذكره وال مطلقا هو عرشه المجيد ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬مظهر قدرته القاهرة ‪ ،‬العرش المجيد الذي هو العقل األول على ما فسره الشيخ‬
‫ّللا روحه في رسالته المسماة ب‬ ‫المحقق المحيى الحق والدين ابن العربي قدس ه‬
‫“ العقلية “ ‪ ،‬وهو آلة لفعله األشياء على ما اقتضته الحكمة المرتبة للمسببات على‬
‫أسبابها بسنته الجارية في إيجاد األشياء ‪ ،‬عقيب توجهات العقول والنفوس الكلية ؛‬
‫وذلك ألن العقل األول كان محال لظهور القبض من حيث إمكانه ‪ ،‬والبسط من حيث‬
‫وجوبه بربه ‪ ،‬واإلبداء مكن حيث وجوده ‪ ،‬واإلخفاء من حيث تجرده ‪ ،‬والغيب من‬
‫حيث كونه من عالم األرواح والشهادة من حيث ظهوره بربه ‪ ،‬والكشف من حيث‬
‫تسطيره ألمور الغيبية ‪ ،‬والحجاب من حيث توسطه بين الحق والخلق ‪ ،‬فصار حجابا‬
‫ّللا ‪ ،‬لكنه لما كان إيجاد األشياء‬
‫صوريها ‪ ،‬أي بحسب الظاهر إذ ال فاعل في الحقيقة إال ه‬
‫عند توجهه نسب إليه لكونه سببا ال لكونه فاعال " ‪.‬‬

‫فهو الذي يفعل الحق ما يفعل بسبب توجهه ال بإعانته وسببيته ‪ ،‬بل عند توجهه كما‬
‫نقول في أفعالنا أنها مخلوقات الحق ‪ ،‬لكنها توجد عند توجهاتنا إليها ؛ فلذلك كان الكل‬
‫ّللا عنه‪:‬‬
‫أفعاله مطلقا ‪ ،‬ثم استدل على هذا المجموع بما قال رضي ه‬
‫‪.........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬ذكره القاري في المصنوع ( ‪ ، ) 91 / 1‬والعجلوني في كشف الخفا ‪( 1 /‬‬
‫‪413 ) .‬‬

‫‪229‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 230‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٣٠‬‬

‫س ْم َع َو ُه َو‬ ‫ب أ َ ْو أ َ ْلقَى ال ه‬
‫[ولهذا قال سبحانه وتعالى مبدئ سر هذا األمر ‪َ :‬ل َم ْن كانَ لَهُ قَ ْل ٌ‬
‫ئ َويُ َعي ُد ( ‪َ ) 13‬و ُه َو‬ ‫ش َر َبه َك لَ َ‬
‫شدَي ٌد ( ‪َ ) 12‬إنههُ ُه َو يُ ْب َد ُ‬ ‫ش َهي ٌد [ ق ‪َ ، ] 37 :‬إ هن بَ ْ‬
‫ط َ‬ ‫َ‬
‫ور ْال َودُو ُد ( ‪ ) 14‬ذُو ْالعَ ْر َش ْال َم َجي ُد ( ‪ ) 15‬فَعها ٌل َلما يُ َري ُد ( ‪ [ ) 16‬البروج ‪:‬‬ ‫ْالغَفُ ُ‬
‫‪ ] 16 - 12‬في مرتبتي اإلطالق والتقييد ‪ ،‬وقوله ‪ :‬فَعها ٌل َلما يُ َري ُد [ البروج ‪، ] 16 :‬‬
‫جواب سؤال مقدر ‪ ،‬علم أنه يبدو من معترض محجوب]‬
‫‪.‬‬
‫أي ‪ :‬لما ذكرنا من الترتيب ‪ ،‬قال سبحانه إلظهار سر هذا الترتيب بطريق الرمز‬
‫بحيث يختص بالفهم من كان له قلب يستكشف المعاني الغامضة من القرآن ‪ ،‬أو ألقى‬
‫السمع إلى المشايخ الكاشفة لها ‪ ،‬وهو حاضر كامل التوجه ‪ ،‬كأنه ينظر إلى ما يسمع‬
‫أن بطش ‪ -‬أي قدرة ‪ -‬ربك لشديد يؤثر فيما شاء كيف شاء أنه هو يبدي من حيث كونه‬
‫ودودا ‪ ،‬ويعيد من حيث كونه غفورا ودودا معا ‪ ،‬يفعل ذلك بالعرش المجيد الذي هو‬
‫العقل األول ‪ .‬اإلعادة إلى البطون ‪ ،‬واإلبداء إلى الظهور ‪،‬‬
‫في قوله تعالى ‪ :‬فَعها ٌل َلما يُ َري ُد [ البروج ‪ ، ] 16 :‬إشارة إلى أنه ال يحتاج إلى األسباب‬
‫كما يتوهم من قوله تعالى ‪ :‬ذُو ْالعَ ْر َش ْال َم َجي ُد [ البروج ‪ ، ] 15 :‬بل فَعها ٌل َلما يُ َري ُد‬
‫[ البروج ‪ ، ] 16 :‬باألسباب وبدونها ‪.‬‬
‫وإنما األسباب على مقتضى الحكمة ‪ ،‬وإلى أنه ليس موجبا بالذات ‪ ،‬كما يتوهم من أن‬
‫الغفورية والودودية يوجبان اإلعادة واإلبداء ‪ ،‬فبيهن أن تجابيها أيضا بمشيئته واختياره‬
‫ال بإيجاب ‪ ،‬كما يقول أهل الحجاب‪.‬‬

‫النص الثاني والعشرون‪:‬‬


‫ولما فرغ عن تحقيق التوحد ‪ ،‬شرع في كشف ما يحجب عنه غالبا ‪ ،‬فذلك بما قال‬
‫ّللا عنه‪:‬‬
‫رضي ه‬
‫[ نص شريف ] هو آخر النصوص ؛ ألن كمال إيضاح التوحيد الذي هو أشرف‬
‫المطالب حاصل به ‪ ،‬والحجب الباقية تيسر انكشافه عند انكشافه وآخريته ألن كمال‬
‫اتضاح التوحيد في مقام أحدية الجمع والفرق ‪ ،‬وهو آخر المقامات فيما يتعارف‪.‬‬

‫ّللا عنه ‪ [ :‬اعلم أن أعظم الشبه والحجب أن التعدهدات الواقعة في‬


‫قال الشيخ رضي ه‬
‫الوجود الواحد توجب آثار األعيان الثابتة فيه ‪ ،‬فتوهم “ ‪ “ 1‬أن األعيان ظهرت في‬
‫الوجود وبالوجود ‪،‬‬
‫‪.......................................‬‬
‫) ‪ ( 1‬أي التعددات‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 231‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٣١‬‬

‫وإنما ظهرت آثارها في الوجود ولم تظهر أبدا ؛ ألنها ذاتها ال تقتضي الظهور ] ‪.‬‬

‫إنما كان هذا أعظم الشبه الحاجبة عن التوحيد ؛ ألن جميع الحجب من النقص واإلمكان‬
‫والتغييرات فرع هذا ‪ ،‬فإذا ارتفع ‪ ،‬فكأنه ارتفع الكل ‪.‬‬

‫يعنى ‪ :‬أن هذه التعددات إنما هي آثار األعيان الثابتة في الوجود الواحد الظاهر بها ‪،‬‬
‫فتوهم أن األعيان هي التي ظهرت في الوجود ‪ ،‬فهي المرئية ‪ ،‬وظهرت بوجود خاص‬
‫لها غير وجود الواجب ‪ ،‬فرد ذلك بأن الظاهر هو الحق فيها وبها ‪ ،‬وإنما ظهرت آثار‬
‫األعيان في ذلك الوجود الواحد ‪ ،‬ولم تظهر تلك األعيان وال تظهر أبدا ؛ ألنها بالذات‬
‫ال تقتضي ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ال تقبل الظهور ؛ ألنها أمور عدمية وال ظهور للعدم بل الوجود هو الظاهر والباطن ‪.‬‬
‫ومن هنا قال الشيخ محيي الدين في “ إنشاء الدوائر “ “ ‪ : “ 1‬إن الوجود ليس‬
‫بزائد على الوجود ؛ ألن الوجود هو الظاهر ‪ ،‬وال ينافي كونه زائدا على الماهية في‬
‫غير الواجب ‪ ،‬ثم ذكر تأويل ما يخالفه من أقوال المحققين ‪،‬‬
‫ّللا مقامه ‪:‬‬
‫بما قال الشيخ أعلى ه‬
‫(ومتى أخبر محقق بغير هذا أو نسب إليها الوجود والظهور ‪ ،‬فإنما ذلك اإلخبار بلسان‬
‫بعض المراتب واألذواق النسبية ‪ ،‬أي ‪ :‬إنما يثبت صحتها بالنسبة إلى مقام معين ‪ ،‬أو‬
‫مقامات مخصوصة دون ذوق مقام الكمال ‪ ،‬وأما النص الذي ال ينسخ حكمه ‪ ،‬فهو ما‬
‫ذكرناه وهكذا كل ما ذكر في هذا الكتاب ‪ ،‬فإنه الحق الصريح الذي هو األمر عليه ‪،‬‬
‫وما سواه ‪ ،‬فقد يكون صحيحا مطلقا كهذا الذي ذكرنا ‪ ،‬وقد يكون صحيحا بالنسبة‬
‫واإلضافة إلي مقام ما ‪ ،‬كما سبقت اإلشارة إليه ] ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬ومتى أخبر محقق عن كشفه بغير ما ذكرنا من أن الظهور للوجود ‪ ،‬بأن قال ‪:‬‬
‫الظهور لها والوجود محقق فيها ‪ ،‬أو نسب إليها الوجود والظهور جميعا ‪ ،‬وقال لها ‪:‬‬
‫الوجود اإلضافي هو ظل الوجود الحق ‪ ،‬وهي الظاهرة بذلك الوجود ‪ ،‬فإنما ذلك‬
‫اإلخبار بلسان بعض مراتب الكشف وبلسان بعض األذواق النسبية ال بمعنى أن المخبر‬
‫المكاشف بجميع المقامات يخبر بذلك عن بعضها ‪ ،‬بل بمعنى أن هذا الكالم ‪ ،‬إنما‬
‫يصح من المخبر بها إذا بلغ مقاما معينا ‪ ،‬أو مقامات مخصوصة وتقيد بها ‪ ،‬ولم يصل‬
‫إلى مقام الكمال ‪ ،‬فإن الواصل إليه ال يعتد بظهورها وال وجودها ‪ ،‬بل الظاهر هو‬
‫الوجود الواحد فيها‪.‬‬
‫‪......................................................‬‬
‫) ‪( 1‬انظره في ( ص ‪ ، ) 140‬طبعة دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 232‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٣٢‬‬

‫هذا هو النص الذي ال ينسخ بما هو أعلى منه ‪ ،‬بخالف تلك المقامات فإنها تنسخ بما‬
‫هي أعلى منها ‪ ،‬ثم ذكر أن جميع نصوصه إنما هي على مقام الكمال وصحتها على‬
‫اإلطالق ‪ ،‬بخالف المذكور في غيره من كتبه وكتب غيره ‪ ،‬فإنه قيد يكون كذلك وقد‬
‫ال يكون ‪ ،‬مع أنه ال ب هد وأن يكون صحيحا ‪ ،‬واإلضافة إلى مقام ما سبقت اإلشارة في‬
‫التفريع الثالث من تفاريع النصوص الثالثة ‪ :‬األول من أن جميع الكشوف ال ب هد من‬
‫صحتها بوجه ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬قد مر مرارا أن األعيان ظاهرة ‪ ،‬قلنا ‪ :‬المراد ظهورها بظهور الحق فيها ‪،‬‬
‫ال بذاتها ‪ ،‬كما أن وجودها كذلك ‪ ،‬وذلك الظهور والوجود عين الحق ال هي ‪ ،‬فهي‬
‫معدومة أبدا ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فحينئذ ال يكون ذلك من النصوص ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬إنما ال يكون من النصوص على تقدير أن يقال ‪ :‬أن الظهور إما بذاتها وإال فهذا‬
‫الكالم ال يقبل النسخ ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫قال الشيخ ‪ [ :‬ومتى وضح لك ما ذكرته في هذا النص ‪ ،‬علمت أن الظهور في الوجود‬
‫؛ لكن بشرط التعدد مع آثار األعيان فيه ‪ ،‬وأن البطون صفة ذاتية لألعيان ‪ ،‬والوجود‬
‫أيضا من حيث تعقل وحدته “ ‪ ، “ 1‬واألمر دائر بين الظهور ‪ ،‬وبطون غلبة‬
‫ومغلوبية ‪ ،‬بمعنى أنه ما نقص من الظاهر ‪ ،‬اندرج في الباطن ‪ ،‬وبالعكس والنسب‬
‫واإلضافات صور أحوال وأحكام تنشأ بين المراتب ‪ ،‬فيظهر بعضها بعضا ‪ ،‬ويخفى‬
‫بعضها بعضا بحسب الغلبية والمغلوبية المشار إليها آنفا ‪ ،‬فافهم ] ‪.‬‬

‫وص هل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلهم ‪ ،‬أي ‪ :‬وما ظهر لك ما ذكرته من أن‬
‫الظهور آلثار األعيان في الوجود ‪ ،‬علمت أن الظهور للوجود ‪ ،‬إذ ال أثر لألعيان من‬
‫حيث هي ؛ ألنها معدومة ‪ ،‬بل من حيث تعلق الوجود بها فاآلثار في الحقيقة آثار‬
‫الوجود بشرط األعيان ‪ ،‬فإذا ظهرت آثار الوجود بشرط ‪.‬‬
‫آخره والحمد هلل رب العالمين‬

‫***‬
‫) ‪( 1‬فإن ظهر الوجود على األعيان اختفى حاله الذاتية وهي بطونها وعدميتها ‪ ،‬وإن‬
‫ظهر حكمها الذاتي توهم بطون الوجود لعدم غير يعرفه‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 233‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٣٣‬‬

‫الطور المخصوص‬ ‫النهصوص في تحقيق ه‬


‫ّللا سره الشيخ أحمد فريد المزيدي‬
‫لصدر الدهين القونوي قدس ه‬

‫‪233‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 234‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٣٤‬‬
‫‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 235‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٣٥‬‬

‫ّللا الرحمن الرحيم‬


‫بسم ه‬
‫الحمد هّلل الذي أبان بمستقرات الهمم مراتب علم اليقين وعينه وحقه ودرجاته ‪ ،‬وأوضح‬
‫بسكون قلق الطالبين حال الوصول إلى منتهى شاء نفوسهم بتفاوت درجاتهم في منازل‬
‫معرفته سبحانه في تقريباته ‪ .‬وميهز خاصته من بين الخلق بأن لم يجعل لهم غاية سوى‬
‫ذاته من جميع عوالمه ‪ ،‬وحضرات أسمائه وصفاته ‪ ،‬بل جعل منتهى مدى هممهم‬
‫أشرف متعلقات علمه الذاتي وأعلى مراداته ‪ ،‬حتى صار نهاية مرادهم وغاية مرماهم‬
‫ما يريده بذاته لذاته ‪ .‬ومن جهة أعلى حيثيات شؤونها األصلية األول ‪ ،‬وأرفع تعيناته ‪،‬‬
‫فهو سبحانه عين علمهم اليقيني ‪ ،‬وعينه وحقه في سائر مراتب علمه الذاتي المتعلق به‬
‫أوال ‪.‬‬

‫ثم بمعلوماته مع استهالكهم فيه من حيث هم ‪ ،‬وبقاء حكمهم وسرايته في جميع‬


‫موجوداته وحضراته ‪.‬‬

‫وصلهى ه‬
‫ّللا على المتحقق به من حيثية الشهود األكمل ‪ ،‬والعلم األتم األشرف األشمل ‪،‬‬
‫مع دوام الحضور معه سبحانه في جميع مواطنه وأحواله ومراتبه ونشأته ‪.‬‬
‫ّللا ميراثه األتم المشتمل‬
‫سيدنا محمد وآله والصفوة من أمته وإخوانه الحائزين من ه‬
‫على علومه وأحواله ومقاماته ‪.‬‬

‫مع تحققهم بنتائج حظوظهم االختصاصية المميهزة إيهاهم عن التي تميز بها خواص‬
‫الوسائط وثمرات التبعية ‪ ،‬وأحكام الروابط ‪ ،‬صالة مستمرة الحكم ‪.‬‬
‫دائمة اإليناع دوام الزمان من حيث حقيقتها الكلية ‪ ،‬وصور أحكامها التفصيلية المعبهر‬
‫عنها بسنينه وشهوره وأيامه وساعاته ‪.‬‬

‫نص شريف هو أول النصوص الواجب تقديمه ‪ :‬اعلم أن الحق من حيث إطالقه الذاتي‬ ‫ه‬
‫يعرف بوصف ‪ ،‬أو يضاف إليه نسبة ما من وحدة ‪،‬‬ ‫ال يصح أن يحكم عليه بحكم ‪ ،‬أو ه‬
‫أو وجوب وجود ‪ ،‬أو مبدئية ‪ ،‬أو اقتضاء إيجاد ‪ ،‬أو صدور أثر ‪ ،‬أو تعلق علم منه‬

‫‪235‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 236‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٣٦‬‬

‫بنفسه أو غيره ؛ ألن كل ذلك يقضي بالتعين والتقيد ‪ ،‬وال ريب في أن تعقل كل تعين‬
‫يقضي بسبق الالتعين ‪ ،‬فكل ما ذكرناه ينافي اإلطالق ‪ ،‬بل تصور إطالق الحق يشترط‬
‫ي ‪ ،‬ال بمعنى أنه إطالق ضد التقييد ‪ ،‬بل هو إطالق‬ ‫فيه أن يتعقل بمعنى أنه وصف سلب ه‬
‫عن الوحدة والكثرة المعلومتين ‪ ،‬وعن الحصر أيضا في اإلطالق والتقييد ‪ ،‬وفي الجمع‬
‫بين كل ذلك والتنزه عنه ‪ ،‬فيصح في حقه كل ذلك حال ه‬
‫تنزهه عن الجميع ‪ ،‬فنسبة كل‬
‫ذلك إليه وغيره وسلبه عنه على السواء ‪ ،‬ليس أحد األمرين بأولى من اآلخر ‪ ،‬وإذا‬
‫وضح هذا علم أن نسبة الوحدة إلى الحق والمبدئية والتأثير والفعل اإليجادي ونحو ذلك‬
‫إنما يصح وينضاف إلى الحق باعتبار التعين ‪.‬‬

‫وأول التعينات المتعلقة ‪ :‬النسبة العلمية الذاتية ‪ ،‬لكن باعتبار تميزها عن الذات‬
‫باالمتياز النسبي ال الحقيقي ‪ ،‬وبواسطة النسبة العلمية الذاتية يتعقل وحدة الحق‬
‫ووجوب وجوده ومبدئيته ‪ ،‬وسيما من حيث أن علمه بنفسه في نفسه في نفسه ‪ ،‬وأن‬
‫عين علمه بنفسه سبب لعلمه بكل شيء ‪ ،‬وأن األشياء عبارة عن تعيهنات تعقالته الكلية‬
‫والتفصيلية ‪ ،‬وأن الماهيات عبارة عن التعقالت ‪ ،‬وأنها تعقالت منتشئة التعقل بعضها‬
‫ّللا عما ال يليق به ‪.‬‬
‫من بعض ‪ ،‬ال بمعنى أنها تحدث في تعقل الحق تعالى ‪ ،‬تعالى ه‬
‫بل تعقل البعض من متأخر الرتبة عن البعض ‪ ،‬وكلها تعقالت أزلية أبدية على وتيرة‬
‫واحدة ‪ ،‬تتعقل في العلم ويتعلق بها بحسب ما تقتضيه حقائقها ‪.‬‬

‫ومقتضى حقائقها على نحوين ‪:‬‬


‫أحدهما ‪ :‬تعقلها من حيث استهالك كثرتها في وحدة الحق ‪ ،‬وهو تعقل المفصل في‬
‫المجمل ‪ ،‬كمشاهدة العالم العاقل بعين العلم في النواة الواحدة ما فيها بالقوة من‬
‫األغصان واألوراق والثمر ‪ ،‬والذي في كل فرد من أفراد ذلك الثمر مثل ما في النواة‬
‫األولى ‪ ،‬وهكذا إلى غير النهاية ‪.‬‬

‫والنحو اآلخر ‪ :‬تعقهل أحكام الوحدة جملة بعد جملة ‪ ،‬فيتعقل كل جملة بما تشتمل عليه‬
‫من الماهيات التي هي صورة تلك التعقهالت المتكثرة المعددة للوجود الواحد ‪ ،‬وهكذا‬
‫عكس االستهالك األول المشار إليه ؛ فإن ذلك عبارة عن استهالك الكثرة في الوحدة ‪،‬‬

‫‪236‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 237‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٣٧‬‬

‫وهذا هو استهالك الوحدة في الكثرة فليعلم ذلك ‪.‬‬


‫اعلم أن الحق من حيث إطالقه وإحاطته ال يس همى باسم ‪ ،‬وال يضاف إليه حكم ‪ ،‬وال‬
‫يتعيهن بوصف وال رسم ‪ ،‬ليس نسبة االقتضاء إليه بأولى من نسبة الال اقتضاء ‪ ،‬فإن‬
‫االقتضاء المتعقل إذ ذاك أو المنفي هو حكم متعين ووصف مقيهد ‪.‬‬
‫ثم لتعلم أن االقتضاء وإن كان ذاتيها فإن له ثالث مراتب ‪:‬‬
‫حكمه من حيث المرتبة األولى هو أنه ال يتوقف على شرط ‪ ،‬وال موجب يكون سببا‬
‫لتعيهنه ‪.‬‬
‫وحكمه من حيث المرتبة الثانية هو أن يتوقف تعيهنه على شرط واحد فحسب ‪.‬‬
‫وحكمه من حيث المرتبة الثالثة هو أن ظهور أحكامه يتوقف على شروط وأسباب‬
‫ووسائط ‪.‬‬
‫فحكم االقتضاء األول هو الفيض الذاتي ال لموجب ‪ ،‬وال يتعقل في مقابلة قابل أو‬
‫ي فحسب ‪ ،‬وذلك‬ ‫استعداده ‪ ،‬وحكم االقتضاء الثاني التوقف على شرط واحد وجود ه‬
‫الشرط الوجودي هو العقل األول الذي هو واسطة بين الحق وبين ما قدهر وجوده من‬
‫الممكنات إلى يوم القيامة ‪ ،‬وأما حكم االقتضاء من حيث المرتبة الثالثة فإن ظهور أثره‬
‫وحكمه موقوف على شروط شتى كباقي الموجودات ‪.‬‬

‫ولست أعني بهذا أن ثمة اقتضاءات ثالثة مختلفة الحقائق ‪ ،‬بل هو اقتضاء واحد وله‬
‫ثالث مراتب ‪ ،‬يظهر ويتعين به من حيثية كل مرتبة منها أثر أو آثار فافهم ‪.‬‬
‫ومن النصوص اإللهية ‪ :‬إن العلم الوحداني الذاتي يضاف إليه التعدهد من حيث تعلهقه‬
‫بالمعلومات ‪ ،‬وال يتحقق بإدراكها إال من تعيهناته وتعلهقاته ‪ ،‬وتعلقه بكل معلوم تابع‬
‫للمعلوم بحسب ما هو المعلوم عليه في نفسه ‪ ،‬بسيطا كان المعلوم أو مركبا ‪ ،‬زمانيها أو‬
‫مكانيها ‪ ،‬أو غير زماني وال مكاني ‪ ،‬موقت القبول ‪ ،‬متناهي الحكم والوصف ‪ ،‬أو غير‬
‫موقت وال متناه فيما ذكرنا ‪ ،‬فاعلم ذلك ‪.‬‬

‫ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص أيضا أن الحكم من كل حاكم على كل محكوم عليه‬
‫تابع لحال الحاكم حين الحكم ‪ ،‬وتابع لحال المحكوم عليه حال حكم الحاكم عليه ‪ ،‬فإن‬

‫‪237‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 238‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٣٨‬‬

‫كان المحكوم عليه ما من شأنه التنقل في األحوال تنوعت أحكام الحاكم عليه في كل‬
‫حال ‪ ،‬واختلفت بحسب تلبهسه بتلك األحوال ‪ ،‬وإن كان المحكوم عليه من شأنه الثبات‬
‫على وتيرة واحدة ثبت حكم الحاكم عليه بحسب التعلق المعين بحكم الحاكم عليه‬
‫ومقتضاه ‪ ،‬وبقي األمر بحسب حال الحاكم حين الحكم ‪ ،‬فإن كان الحاكم من مقتضى‬
‫ذاته التقلهب في األحوال بحسبها ‪ ،‬أو مقتضى ذاته أنه ثابت واألحوال تنقلب فيكون‬
‫تبعية حكم الحاكم بحسب أحد األمرين الحاصرين لمراتب حكم كل حاكم وكل محكوم‬
‫عليه ؛ إذ ال يخرج عما ذكرته حكم حاكم وال محكوم عليه ‪.‬‬
‫ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص أيضا أن العلم يتبع الوجود ‪ ،‬بمعنى أنه حيث يكون‬
‫الوجود يكون العلم دون انفكاك ‪.‬‬

‫وتفاوت العلم بحسب تفاوت قبول الماهية الوجود تماما ونقصانا ‪ ،‬فالقابل للوجود على‬
‫وجه أتم يكون العلم هناك أتم ‪ ،‬وينقص العلم بقدر القبول الناقص ‪ ،‬وغلبة أحكام‬
‫اإلمكان على أحكام الوجوب عكس ما ذكرنا أوال ‪ ،‬فاعلم ذلك ‪.‬‬

‫ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص المحققة أيضا ‪ ،‬وإن كنت قد ألمعت بطرف منه‬
‫في بعض المواضع من كتبي في ضمن أمر آخر وبلسانه ‪ ،‬لكن لما أفردت هذا الكتاب‬
‫صة بخصوص مقام الكمال ‪ ،‬دون لسان عمومه من‬ ‫لذكر النصوص من األذواق المخت ه‬
‫األذواق المقيهدة الحاصلة ألرباب المقامات المخصوصة والمستندة من حيث األصالة‬
‫إلى حضرة اسم أو صفة من الصفات ‪ ،‬واألسماء اإللهية التي هي محتد ذلك الذوق‬
‫ي أن أفرد وأميز ما يختص بذوق المقام األكمل األجمع ‪،‬‬‫الخاص ومنبعه ‪ ،‬وجب عل ه‬
‫ّللا تعالى في أعلى درجات علمه وأتمها وأكملها من‬
‫وصحة ثبوته ومطابقته لما يعلمه ه‬
‫ذلك األمر المترجم عنه ‪ ،‬دون تقرير صحته وثبوته بالنسبة واإلضافة إلى مقام دون‬
‫مقام ‪ ،‬وباعتبار حال ووقت دون غيرهما من األوقات واألحوال وما ذكر ‪.‬‬

‫فنقول بعد تمهيد هذه المقدمة الكلية في بيان هذا النص الذي قصدنا إيضاحه ‪:‬‬
‫إن كل معلوم أدركه اإلنسان بنظره أو كشفه أو حسه أو خياله جمعا وفرادى ‪ ،‬ولم ينته‬
‫سا وخياال إلى إدراك ما وراءه بعد معرفة‬
‫نظره أو كشفه لذلك األمر ‪ ،‬أو إدراكه إيهاه ح ه‬

‫‪238‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 239‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٣٩‬‬

‫ذاتياته ولوازمه الكلية ‪ ،‬فإنه لم يدرك ذلك األمر حق اإلدراك تماما ‪ ،‬ولم يعرفه حق‬
‫المعرفة ‪.‬‬
‫وسواء كان متعلق إدراكه ومعرفته العالم من حيث معانيه وأرواحه ‪ ،‬أو من حيث‬
‫صوره وأعراضه ‪ ،‬أو كان متعلق معرفته الحق ‪ ،‬فإنه متى كشف له عن جلية األمر‬
‫وصورة تعين كل معلوم في علم الحق وجد األمر كذلك ‪ ،‬فإنه ما لم ينته معرفته بالحق‬
‫إلى إطالقه وصرافة وحدة ذاته الحقيقية ‪ ،‬التي ال اسم يعيهنها وال وصف وال حكم وال‬
‫رسم ‪ ،‬وال تنضبط بشهود ‪ ،‬وال تعقل ‪ ،‬وال تنحصر في أمر معين ‪ ،‬لم يعرف أن ليس‬
‫ّللا مرمى ‪ ،‬وأن اإلحاطة به علما وشهودا محال ‪ ،‬وأن ليس بعد الوجود الحق‬ ‫وراء ه‬
‫المطلق إال العدم المتوهم ‪ ،‬هذا وإن كان لمعرفة تع هذر العلم ه‬
‫باّلل على نحو ما يعلم نفسه‬
‫ّللا ومنهه ‪ ،‬لكن ذلك مما‬
‫طريق آخر أعلى وأتم وأكشف ‪ ،‬عرفناه ذوقا وشهودا بحمد ه‬
‫يحرم بيانه وتسطيره وغاية البيان عنه هذا اإللماع المذكور ‪.‬‬

‫هذا وإن كان الذوق والمعرفة الحاصلة لصاحبه والشهود من حيث استناد ذلك الذوق ‪،‬‬
‫والمقام إلى حضرة اسم من األسماء اإللهية الذي هو قبلة ذلك المقام ‪ ،‬وغاية معرفته‬
‫من الحق نهايته ‪ ،‬سيما من الوجه الذي يقضي بأن االسم عين المس همى ‪ ،‬كما أوضحناه‬
‫في مواضع من كالمنا ‪ ،‬لكن تلك غايات نسبية ‪ ،‬فإن المبادئ والغايات أعالم الكماالت‬
‫النسبية ‪ ،‬واألمر من حيث الكمال الحقيقي بخالف ذلك ‪.‬‬

‫‪:‬وأ َ هن َإلى َر َبه َك ْال ُم ْنتَهى[ النجم ‪، ] 42 :‬‬


‫وإليه اإلشارة بقوله تعالى ألكمل عبيده َ‬
‫وأدرج سبحانه وتعالى في هذه اآلية لطيفة أخرى خفية ‪ ،‬وهو كونه لم يقل ‪:‬‬
‫( وإن إلى ربك منتهاك ) بل نبهه على أن غايته من مطلق الربوبية الغاية التي هي غاية‬
‫الغايات ‪ ،‬وليس بعدها إال تفاصيل درجات في األكملية التي ال تقف عند ح هد وغاية ‪.‬‬
‫ّللا عليه‬
‫ّللا عليه وسلم إلى ما ذكرناه في بعض مناجاته فقال صلى ه‬ ‫وقد أشار صلى ه‬
‫وسلم ‪ “ :‬أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك ‪ ،‬ال‬
‫أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك “ ‪ : “ “ 1‬أي ال أبلغ كل ما فيك ‪.‬‬
‫فجمع فيه بين التنبيه على تعذر اإلحاطة وبين التعريف‬
‫‪...............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه مسلم‪( 1 / 352 ) .‬‬

‫‪239‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 240‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٤٠‬‬

‫بانتهائه في معرفة الحق إلى غاية الغايات ‪ ،‬وهذا كالتفسير لآلية المذكورة ‪ ،‬وهي‬
‫ك ْال ُم ْنتَهى ‪.‬‬ ‫‪:‬وأ َ هن َإلى َر َبه َ‬
‫قوله َ‬
‫وفي األحاديث النبوية تنبيهات كثيرة تشير إلى ما ذكرنا ‪ ،‬من تتبهعها بعد التيقظ والتفهم‬
‫لما ذكرت ألفاه واضحا جليها ‪.‬‬
‫ثم نقول ‪ :‬ولهذا المقام والذوق المنبه عليه ألسنة تترجم عنه بصيغ مختلفة ‪ ،‬فمن ألسنته‬
‫ّللا سبحانه أن رجاله يعرفون ه‬
‫كال بسيماهم ‪،‬‬ ‫من القرآن من حيث التسمية الذي أخبر ه‬
‫وهذا من خاصية االستشراف على األطراف باالنتهاء في معرفة األشياء إلى الغاية‬
‫التي توجب االستشراف ‪ ،‬على ما وراءها ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم في أم القرآن بل في‬ ‫ولسانه في مقام النبوة واسمه المطلع كما قال صلى ه‬
‫سر كل آية منه ‪:‬‬
‫إن لها ظهرا وبطنا ‪ ،‬وح هدا ومطلعا إلى سبعة أبطن “ ‪ . “ “ 1‬وفي رواية ‪:‬‬ ‫“ ه‬
‫“ إلى سبعين بطنا ‪“ .‬‬
‫وقد نبههت على ذلك في تفسير الفاتحة فلينظر هناك ‪.‬‬
‫ّللا الموقف الذي هو منتهى كل مقام ‪ ،‬والمستشرف‬ ‫واسمه ولسانه في اصطالح أهل ه‬
‫منه على المقام المستقبل ‪.‬‬
‫واسمه ولسانه في ذوق مقام الكمال بالنسبة إلى كل مقامين البرزخ الجامع بينهما ‪،‬‬
‫والنسبة إلى خصوص مقام الكمال برزخ البرازخ ‪.‬‬
‫نص شريف عزيز المنال ‪ :‬غيب هوية الحق إشارة إلى إطالقه باعتبار الالتعين ‪.‬‬ ‫ه‬
‫ووحدته الحقيقية الماحية لجميع االعتبارات واألسماء والصفات ‪.‬‬
‫والنسب واإلضافات هي عبارة عن تعقل الحق نفسه ‪ ،‬وإدراكه لها من حيث تعيهنه ‪،‬‬
‫وهذا التعقل واإلدراك التعيهني وإن كان يلي اإلطالق المشار إليه فإنه بالنسبة إلى تعين‬
‫الحق في تعقل كل متعقل في كل تج هل تعين مطلق ‪ ،‬وإن أوسع التعينات ‪ ،‬وهو شهود‬
‫الك همل ‪ ،‬وهو التجلهي الذاتي ‪ ،‬وله مقام التوحيد األعلى ‪.‬‬
‫ومبدئية الحق تلي هذا التعين ‪ ،‬والمبدئية هي محتد االعتبارات ‪ ،‬ومنبع النسب‬
‫‪...................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬ذكره الشريف الجرجاني في التعريفات ( ‪ ) 48 / 1‬بنحوه‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 241‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٤١‬‬

‫واإلضافات الظاهرة في الوجود ‪ ،‬والباطنة في عرصة التعقالت واألذهان ‪.‬‬


‫والمقول فيه أنه وجود مطلق واحد واجب ‪ ،‬فهو عبارة عن تعين الوجود في النسبة‬
‫العلمية الذاتية اإللهية ‪ ،‬والحق من حيث هذه النسبة يس همى عند المحقق بالمبدأ ‪ ،‬ال من‬
‫حيث نسبة غيرها ‪ ،‬فافهم هذا وتدبهر ‪ ،‬فقد أدرجت لك هذا النص أصل أصول‬
‫وّللا المرشد ‪.‬‬
‫المعارف اإللهية ‪ ،‬ه‬

‫كل سالك سلك على أي طريق كان غايته الحق ‪ ،‬بشرط فوزه منه سبحانه بسعادة ما ‪،‬‬
‫فإن ذلك السالك صاحب معراج ‪ ،‬وسلوكه عروج فافهم ‪.‬‬

‫ي يحتوي على أسرار جليلة ‪ :‬اعلم أن كل ما يوصف بالمؤثرية في‬ ‫نص شريف كل ه‬‫ه‬
‫شيء أو في أشياء فإنه ال يصدق إطالق هذا الوصف عليه تماما ‪ ،‬ما لم يؤثر حقيقية‬
‫ذلك الشيء من حيث هو دون تعقل انضمام قيد آخر إلى تلك الحقيقية الموصوفة‬
‫بالتأثير ‪ ،‬أو شرط ما خارجي كان ما كان ‪ ،‬وإنما ذكرت هذه القيود من أجل اآلثار‬
‫المنسوبة إلى األشياء ‪ ،‬من حيث مراتبها ‪ ،‬أو من حيث اعتبارات هي من لوازم‬
‫حقائقها ‪ ،‬ومن أجل ما استفاض أيضا عند أهل العقل النظري ‪ ،‬وأكثر أهل األذواق بأن‬
‫كل موصوف بالمرآتية سواء كانت مرآته معنوية أو محسوسة ‪،‬‬

‫فإن لها ‪ :‬أي لتلك المرآة أثرا في المنطبع فيها ؛ لردها صورة المنطبع إليها ‪ ،‬وظهور‬
‫صورة المنطبع فيها بحسبها ‪ .‬وهذا صحيح من وجه ليس مطلقا ؛ فإن األثر للمرآة في‬
‫المنطبع إنما كان يصح أن لو أثرت في حقيقته من حيث هو ‪،‬‬
‫وذلك غير واقع ‪ ،‬وإنما يثبت األثر للمرآة في المنطبع من حيث إدراك من لم يعرف‬
‫حقيقة المنطبع ولم يدركه إال في المرآة ‪ ،‬وليست المرآة بمحل لحقيقة المنطبع ‪ ،‬بل هي‬
‫مجلى لمثاله وبعض ظهوراته ‪ ،‬والظهر نسبة تضاف إلى المنطبع من حيث انطباع‬
‫صورته في المرآة ليس عين حقيقة المنطبع ‪.‬‬

‫ومرادي من قولي ببعض ظهوراته التنبيه على أن التجليات الذاتية االختصاصية ال‬
‫تكون في مظهر وال في مرآة ‪ ،‬وال بحسب مرتبة ما ‪ ،‬فإن من أدرك الحق من حيث‬
‫هذه التجليات فقد شهد الحقيقة خارج المرآة من حيث هي ال بحسب مظهر وال مرتبة‬
‫كما قلنا ‪ ،‬وال اسم وال صفة وال حال معين وال غير ذلك ‪ ،‬وهو يعلم ذوقا أن المرآة ال‬
‫أثر لها في الحقيقة‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 242‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٤٢‬‬

‫ّللا روحه يس همي هذه التجليات ‪ “ :‬التجليات الذاتية البرقية‬


‫وكان شيخنا اإلمام قدهس ه‬
‫“ ‪ ،‬وما كنت أعرف يومئذ سبب هذه التسمية ‪ ،‬وال مراد الشيخ منها ‪.‬‬

‫ثم إن هذه التجليات الذاتية البرقية ال تحصل إال لذي فراغ تام من سائر األوصاف‬
‫واألحوال واألحكام الوجوبية األسمائية واإلمكانية ‪ ،‬وهذا الفراغ فراغ مطلق ‪ ،‬ال يغاير‬
‫إطالق الحق ‪ ،‬غير أنه ال مكث له أكثر من نفس واحد ‪ ،‬ولهذا شبه بالبرق ‪.‬‬
‫وسبب عدم دوامه حكم جمعية الحقيقة اإلنسانية ‪ ،‬وكما أن هذه الجمعية ال تقتضي‬
‫دوامه ‪ ،‬كذلك لو لم يتضمن الجمعية اإلنسانية هذا الوصف من الفراغ واإلطالق‬
‫المستجلب لهذه التجليات ‪ ،‬لم تكن الجمعية اإلنسانية مستوعبة كل وصف وحال ‪ ،‬فحكم‬
‫الجمعية يثبته وينفي دوامه ‪ ،‬ووجدت لهذا التجلهي لما منحنيه ه‬
‫ّللا أحكاما غريبة في‬
‫باطني وظاهري ‪ ،‬من جملتها أنه مع عدم مكثه نفسين ‪ ،‬يبقى في المحل من األوصاف‬
‫ّللا ‪ ،‬وعرفت في ليلة كتابتي هذا الوارد أنه من لم يذق هذا‬
‫والعلوم ما ال يحصره إال ه‬
‫ّللا‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ “ :‬لي مع ه‬‫محال للورثة ‪ ،‬ولم يعرف سر قوله صلى ه‬ ‫المشهد لم يكن ه‬
‫وقت ال يسعني فيه غير ربي “ ‪. “ “ 1‬‬

‫ّللا وال شيء معه “ ‪ “ . “ 2‬وال سر قوله‬ ‫سالم ‪ “ :‬كان ه‬ ‫وال سر قوله عليه ال ه‬
‫ص َر[ القمر ‪، ] 50 :‬‬ ‫واح َدة ٌ َكلَ ْمحٍ َب ْالبَ َ‬
‫‪:‬وما أ َ ْم ُرنا َإ هال َ‬
‫تعالى َ‬
‫وال يعرف سر مبدئية اإليجاد ال في زمان موجود ‪ ،‬كما أنه من ذاق هذا المشهد وقد‬
‫كان علم أن األعيان الثابتة هي حقائق الموجودات ‪ ،‬وأنها غير مجعولة ‪ ،‬وحقيقة الحق‬
‫منزهة عن الجعل والتأثير ‪ ،‬وما ثم أمر ثالث غير الحق واألعيان فإنه يجب أن يعلم‬ ‫ه‬
‫إن صح له ما ذكرنا أن ال أثر لشيء في شيء ‪ ،‬وأن األشياء هي المؤثرة في أنفسها ‪،‬‬
‫وأن المس هماه علال وأسبابا مؤثرة هي شروط في ظهور آثار األشياء في أنفسها ‪،‬‬
‫ال أن ثمة حقيقة تؤثر في حقيقة غيرها وهكذا ‪ ،‬فلتعرف األمر في المدد ‪،‬‬
‫فليس ثمة شيء يمد شيئا غيره ‪ ،‬بل المدد يصل من باطن الشيء إلى الظاهر ‪،‬‬
‫والتجلهي النوري الوجودي يظهر ذلك ‪ ،‬فليس اإلظهار بتأثير في حقيقة ما أظهره ‪،‬‬
‫فالنسب هي المؤثرة بعضها في البعض ‪ ،‬بمعنى‬
‫‪...............................................................‬‬
‫) ‪( 1‬ذكره القاري في المصنوع ( ‪ ، ) 151 / 1‬والمناوي في فيض القدير ‪( 4 /‬‬
‫‪6).‬‬
‫) ‪( 2‬رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( ‪ ، ) 104 / 4‬وذكره ابن حجر في فتح‬
‫الباري‪( 6 / 289 ) .‬‬

‫‪242‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 243‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٤٣‬‬

‫أن بعضها سبب النتشاء البعض ‪ ،‬وظهور حكمه في الحقيقة التي هي محتدها ‪.‬‬
‫ومن جملة ما يعرفه ذائق هذا التجلهي أن ال أثر لألعيان الثابتة من كونها مرائي في‬
‫التجلهي الوجودي اإللهي ‪ ،‬إال من حيث ظهور التعدد الكامن في غيب ذلك التجلهي ‪،‬‬
‫فهو أثر في نسبة الظهور الذي هو شرط في اإلظهار ‪ ،‬والحق يتعالى عن أن يكون‬
‫متأثرا من غيره ‪ ،‬وتتعالى حقائق الكائنات أن تكون من حيث هي حقائقها متأثرة ‪،‬‬
‫فإنها من هذا الوجه في ذوق الكمال عين شؤون الحق ‪ ،‬فال جائز أن يؤثر فيها غيرها‬
‫مر بيانه ‪.‬‬
‫‪ ،‬فال أثر لمرآة ما من حيث هي مرآة في حقيقته المنطبع فيها لما ه‬

‫فافهم هذا النص وتدبهره ‪ ،‬فقد أدرجت فيه من نفائس العلوم واألسرار ما ال يقدر قدره‬
‫ّللا ‪ ،‬وهذا هو الحق اليقين ‪ ،‬والنص المبين ‪ ،‬وكل ما تسمعه مما يخالف هذا فإنه‬
‫إال ه‬
‫وّللا‬
‫ي ‪ ،‬وهذا هو الحق الصريح الذي ال مرية فيه ‪ ،‬ه‬ ‫وإن كان صوابا فإنه صواب نسب ه‬
‫المرشد والهادي ‪.‬‬

‫ومن النصوص الكلية نصوص ذكرتها في كتاب مفتاح غيب الجمع وتفصيله ‪ ،‬وفي‬
‫غيره من الكتب التي أنشأتها ال بكالم أحد من الناس ‪ ،‬فإن ذلك ليس من دأبي ؛ إذ قد‬
‫ّللا من ذلك ‪ ،‬وأغناني بهباته الخالصة العلية عن العواري الخارجية السفلية ‪،‬‬
‫عصمني ه‬
‫اختص هذا الكتاب بذكر هذه النصوص وجب ذكر تلك النصوص أيضا‬ ‫ه‬ ‫غير أنه لما‬
‫هنا ‪.‬‬

‫فأقول من جملتها أن كل ما هو سبب في وجود كثرة وكثير ‪ ،‬فإنه من حيث هو كذلك‬


‫ال يمكن أن يتعين بظهور ‪ ،‬وال يبدو لناظر ه‬
‫إال في منظوره ‪.‬‬

‫ومنها أن الشيء ال يصدر عنه ‪ ،‬وال ينمي ما يضاده ‪ ،‬وال ما يباينه على اختالف‬
‫ضروب اإلثمار وأنواعه المعنوية والروحانية والمثالية والخيالية والحسية والطبيعية ‪،‬‬
‫وهذا عام في كل ما يس همى مصدرا لشيء أو أشياء ‪ ،‬أو أصال مثمرا ‪ ،‬لكن إنما يكون‬
‫له هذا الوصف باعتبار تعقله من حيث هو هو ‪ ،‬وباعتبار آخر خفي ال ه‬
‫يطلع عليه إال‬
‫الندر من المحققين ‪.‬‬

‫ومتى توهم وقوع خالف ما ذكرنا فليس ذلك إال بشرط خارج عن ذات الشيء ‪،‬‬

‫‪243‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 244‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٤٤‬‬

‫أو شروط وبحسبها وبحسب الهيئة المتعقلة الحاصلة من تلك الجمعية ‪ ،‬أعني جمعية‬
‫الحقيقة الموصوفة بالمصدرية مع الشروط واالعتبارات الخارجية ‪ ،‬وأحكام المرتبة‬
‫على شا َكلَتَ َه [ اإلسراء ‪.] 84 :‬‬
‫التي يتعيهن فيها ذلك االجتماع ‪ .‬قال تعالى ‪ُ :‬ك ٌّل يَ ْع َم ُل َ‬
‫وال يثمر شيء ‪ ،‬وال يظهر عنه أيضا عينه وال ما يشابهه مشابهة تامة ‪ ،‬فإنه يلزم من‬
‫ذلك أن يكون الوجود قد حصل مرتين ‪ ،‬وظهر في حقيقة واحدة ومرتبة واحدة على‬
‫وجه ونسق واحد ‪،‬‬
‫وذلك تحصيل للحاصل ‪ ،‬وأنه محال لخلوه عن الفائدة ‪ ،‬وكونه من قبيل العبث ‪،‬‬
‫ويتعالى الفاعل الحق الحكيم العليم من فعل العبث ‪ ،‬فال ب هد من اختالف ما بين األصول‬
‫وثمراتها ‪ ،‬فالممكنات غير متناهية ‪ ،‬والفيض من الحق الذي هو أصل األصول واحد ‪،‬‬
‫فال تكرار في الوجود عند من عرف ما ذكرنا فافهم‪.‬‬

‫ولهذا قال المحققون ‪ :‬إن الحق سبحانه وتعالى ما تجلهى في صورة واحدة لشخص‬
‫واحد مرتين ‪ ،‬وال لشخصين أيضا في صورة ‪ ،‬فال ب هد من فارق واختالف من وجه أو‬
‫وّللا المرشد‪.‬‬
‫وجوه ‪ ،‬كما أشرت إليه من قبل ‪ ،‬فافهم ه‬

‫نص شريف ‪ :‬اعلم أن الحق لما لم يكن أن ينسب إليه من حيث إطالقه صفة وال اسم ‪،‬‬ ‫ه‬
‫أو يحكم عليه بحكم ما سلبيها كان أو إيجابيها ‪ ،‬علم أن الصفات واألسماء واألحكام ال‬
‫يطلق عليه وال ينسب إليه إال من حيث التعينات ‪،‬‬
‫ولما استبان أن كل كثرة وجودية أو متعقلة يجب أن تكون مسبوقة بوحدة ‪ ،‬لزم أن‬
‫تكون التعينات التي من حيث ما تضاف األسماء والصفات واألحكام إلى الحق مسبوقة‬
‫بتعين هو مبدأ جميع التعينات ومحدتها ‪ ،‬بمعنى أن ليس وراءه إال اإلطالق الصرف ‪،‬‬
‫ي يستلزم سلب األوصاف واألحكام والتعينات واالعتبارات عن كنه ذاته‬ ‫وأنه أمر سلب ه‬
‫سبحانه ‪ ،‬وعدم التقيد والحصر في وصف أو اسم أو تعين ‪ ،‬أو غير ذلك مما عدهدنا أو‬
‫أجملنا ذكره‪.‬‬

‫ثم إن لذوي العقول السليمة وإن عدموا الكشف الصحيح أن يعتبروا الصفات واألسماء‬
‫التالية ‪ ،‬فإن تعذهر عليهم تعقل أسماء وصفات وراء ما تصورت وانتهت إليه ادراكاتهم‬
‫العقلية ‪ ،‬فتلك أسماء الذات بالنسبة إليهم ‪ ،‬ويستدل بحقائقها في طور العقل‬

‫‪244‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 245‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٤٥‬‬

‫النظري حال الحجاب ؛ لشمول حكمها ‪ ،‬وتبعية غيرها من الصفات واألسماء لها ‪،‬‬
‫وتوقف تعين ما بعدها عليها ‪ ،‬فالعطايا اإللهية الذاتية واألسمائية تعرف من هذه القاعدة‬
‫‪ ،‬بمعنى أن كل عطاء وخير يصل من الحق إلى الخلق ‪ ،‬إما أن يكون عطاء ذاتيها أو‬
‫أسمائيها ‪ ،‬أو أن يكون مجموعا من الذات واألسماء ‪.‬‬

‫فأما العطايا الذاتية فال حساب عليها ‪ ،‬وال تنضبط تعيناتها بعدد وال تنحصر فيه ‪ ،‬وأما‬
‫العطايا األسمائية والمنسوبة إلى الذات واألسماء جميعا فال يخلو إما أن تكون نسبتها‬
‫إلى حضرة الذات أقوى وأتم من نسبتها إلى حضرة األسماء والصفات ‪ ،‬أو بالعكس ‪،‬‬
‫فإن غلبت نسبتها إلى األسماء والصفات على نسبتها إلى الذات وقع الحساب عليها ‪،‬‬
‫إما عسيرا أو يسيرا ‪ ،‬بحسب الغلبة والمغلوبية الواقعة هناك ‪.‬‬

‫سر كبير ال يمكن إفشاؤه ‪ ،‬وإن كانت نتيجة الغلبة والمغلوبية قوة نسبة تلك‬ ‫وهنا ه‬
‫العطايا إلى حضرة الذات ‪ ،‬فذلك الذي ال حساب عليه ؛ ألن العطايا الذاتية وما قويت‬
‫نسبتها إليها ال يصدر وال يقبل إال بمناسبة ذاتية ‪ ،‬فال موجب لها غير تلك المناسبة ‪.‬‬
‫ب[ آل‬‫‪:‬وت َ ْر ُز ُق َم ْن تَشا ُء َبغَي َْر َحسا ٍ‬
‫ومن لم يعرف هذا األصل لم يعلم حقيقة قوله تعالى َ‬
‫عمران ‪. ] 27 :‬‬
‫ب[ النور ‪. ] 38 :‬‬ ‫ّللاُ يَ ْر ُز ُق َم ْن يَشا ُء َبغَي َْر َحسا ٍ‬
‫وال سر قوله تعالى ‪َ :‬و ه‬
‫ب[ ص ‪. ] 39 :‬‬ ‫امنُ ْن أ َ ْو أ َ ْم َس ْك َبغَي َْر َحسا ٍ‬
‫عطاؤُنا فَ ْ‬
‫وال سر قوله تعالى ‪:‬هذا َ‬

‫تكرر ذكره في الكتاب العزيز ‪.‬‬


‫ونحو ذلك مما ه‬
‫وفي األحاديث النبوية أيضا مثل قوله عليه السالم ‪ " :‬إنه يدخل الجنة من أمته سبعون‬
‫ألفا بغير حساب ومع كل ألف سبعون ألفا " ‪" . " 1‬‬
‫هؤالء أصحاب العطايا األسمائية ‪ ،‬غير أن نسبتهم إلى حضرة الذات أقوى من نسبتهم‬
‫إلى حضرة األسماء والصفات ‪ ،‬ولهذا اتبعوا أصحاب المناسبة الذاتية ‪ ،‬وشاركوهم في‬
‫أحوالهم ‪ ،‬فاعلم ذلك‪.‬‬
‫‪....................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه الترمذي ( ‪ ، ) 626 / 4‬وأحمد ( ‪ ، ) 268 / 5‬وابن ماجة ‪( 2 /‬‬
‫‪1433 ) .‬‬

‫‪245‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 246‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٤٦‬ئ‬

‫وإذ قد ذكرنا أقسام العطايا وأحكامها فلنذكر أقسام القابلين لها ‪ ،‬فإنهم في أخذهم على‬
‫طبقات يتعدد بحسب سؤاالتهم االستعدادية ‪ ،‬أو الحالية ‪ ،‬أو المرتبية ‪ ،‬أو الروحانية ‪،‬‬
‫أو الطبيعية المزاجية ‪ ،‬أو الطبيعية العرضية التي يترجم عنها لسان الطالب القابل ‪.‬‬
‫وعلى الجملة فأعلى مراتب القابلين في قبولهم لما يرد عليهم من فيض الحق وعطاياه‬
‫رؤية وجه الحق في الشروط واألسباب المس هماه بالوسائط وسلسلة الترتيب ‪،‬‬
‫بحيث يعلم اآلخذ ‪ ،‬ويشهد أن الوسائط السببية ليست غير تعينات الحق في المراتب‬
‫اإللهية والكونية على اختالف ضروبها ‪ ،‬بمعنى أنه ليس بين فيض الحق المقبول وبين‬
‫القابل إال نفس تعين الفيض بالقابلية المقيهدة دون انضمام حكم إمكاني يقتضيه ويوجبه‬
‫أثر مرور الفيض على مراتب الوسائط ‪ ،‬واالنصباغ بأحكام إمكاناتها ‪ ،‬ويرى الفيض‬
‫أنه تجل من تجليات باطن الحق ‪،‬‬
‫فإن التعددات والتعينات التي لحقته هي أحكام االسم الظاهر من حيث أن ظاهر الحق‬
‫مجلى لباطنه ‪ ،‬فأحكام الظهور تعدهد مطلق وحدة البطون ‪ ،‬وتلك األحكام هي المس هماة‬
‫وّللا يقول الحق وهو يهدي من‬
‫بالقوابل ‪ ،‬وهي صور الشؤون ليس غيرها فافهم ‪ .‬ه‬
‫يشاء إلى صراط مستقيم ‪.‬‬

‫ي يفيد معرفة المطاوعة واإلجابة اإللهيين وإبائهما ‪:‬‬


‫ي وضابط كل ه‬
‫نص جل ه‬
‫ه‬
‫اعلم أن الميزان التام الصريح والبرهان الذوقي المحقق الصحيح في معرفة ‪ :‬متى‬
‫يكون العبد من المطيعين لربه ‪ ،‬ومتى تسرع إليه اإلجابة اإللهية في عين ما يسأله فيه‬
‫دون تعويض وال تأخير ‪ ،‬هو صحة المعرفة وكمال المطاوعة ‪،‬‬
‫فاألصح معرفة بالحق واألصح تصورا له تكون اإلجابة إليه في عين ما سأل فيه‬
‫أسرع ‪ ،‬واألتم مراقبة ألوامر الحق ومبادرة إليها بكمال المطاوعة يكون مطاوعة‬
‫الحق له أيضا أتم من مطاوعته سبحانه لغيره من العبيد ‪،‬‬
‫ّللا أن أكثر أدعيتهم مستجابة ؛ لكمال‬
‫ولهذا كان مقتضى حال األكابر من أهل ه‬
‫باّلل والتصور له ‪ ،‬وإليه اإلشارة بقوله سبحانه ‪:‬ا ْد ُ‬
‫عونَي‬ ‫المطاوعة ‪ ،‬وصحة المعرفة ه‬
‫أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم[ غافر ‪، ] 60 :‬‬
‫فالعديم المعرفة الصحيحة الشهودية النسبي التصور ‪ ،‬ليس بداع للحق الذي ضمن له‬
‫عونَي أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم‪ ،‬وإنما هو متوجه في دعائه إلى الصورة‬
‫اإلجابة بقوله له ‪:‬ا ْد ُ‬
‫الشخصية في ذهنه ‪ ،‬الناتجة من نظره وخياله ‪ ،‬أو خيال غيره ونظره ‪ ،‬أو‬

‫‪246‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 247‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٤٧‬‬

‫المتحصلة من المجموع المشار إليه ‪ ،‬فلهذا يحرم من هذا شأنه اإلجابة في عين ما سأل‬
‫فيه ‪ ،‬أو يتأخر عنه ‪ ،‬أعني اإلجابة ‪.‬‬
‫ومتى أجيب مثل هذا فإنما سببه سر المعية اإللهية المقتضية عدم خلو شيء عن الحق‬
‫‪ ،‬أو الجمعية التامة الحاصلة للمضطرين ‪ ،‬الموعود لهم باإلجابة لالستدعاء‬
‫االضطراري ‪ ،‬واالستعداد الحاصل به ‪ :‬أي باالضطرار ‪.‬‬

‫وحال من هذا وصفه مخالف لحال ذي التصور الصحيح والمعرفة المحققة ‪ ،‬فإنه‬
‫مستحضر الحق ‪ ،‬ومتو هجه إليه استحضارا وتوجها محققا ‪ ،‬وإن لم يكن ذلك من جميع‬
‫ه‬
‫للحق في توجهه ‪ ،‬ولو في بعض‬ ‫الوجوه لكن يكفيه كونه متصورا ومستحضرا‬
‫ّللا ‪،‬‬
‫المراتب ‪ ،‬ومن حيثية بعض األسماء والصفات ‪ ،‬وهذا حال المتوسطين من أهل ه‬
‫والحال إلى المقدهم ذكره حال المحجوبين ‪.‬‬

‫وأما الك همل واألفراد فإن تو هجههم إلى الحق تابع للتجلهي الذاتي المشار إليه ‪ ،‬الحاصل‬
‫لهم ‪ ،‬والموقوف تحققهم بمقام الكمال على الفوز به ‪ ،‬فإنه مثمر لهم معرفة تامة جامعة‬
‫لحيثيات جميع األسماء والصفات والمراتب واالعتبارات ‪ ،‬مع صحة تصور الحق من‬
‫حيث تجليه الذاتي المشار إليه ‪ ،‬الحاصل لهم بالشهود األتم ‪ ،‬فلهذا ال يتأخر عنهم‬
‫اإلجابة ‪.‬‬

‫ه‬
‫االطالع على اللوح المحفوظ ‪،‬‬ ‫ّللا من األفراد أهل‬
‫وأيضا فإنهم أعني الك همل ومن شاء ه‬
‫بل وعلى المقام القلمي ‪ ،‬بل وعلى حضرة العلم اإللهي ‪ ،‬فيشعرون بالمقدهر كونه لسبق‬
‫العلم بوقوعه ‪ ،‬وال ب هد فيسألون ال في مستحيل غير مقدر الوجود ‪ ،‬وال تنبعث هممهم‬
‫إلى طلب ذلك واإلرادة له ‪.‬‬

‫وإنما قلت ‪ ( :‬واإلرادة له ) من أجل أن ثمة من يتوقف وقوع األشياء على إرادته ‪،‬‬
‫ّللا روحه‬
‫وإن لم يدع ولم يسأل الحق في حصوله ‪ ،‬وقد عاينت ذلك من شيخنا قدهس ه‬
‫ّللا‬
‫ّللا عنه أنه رأى النبي صلى ه‬
‫سنين كثيرة في أمور ال أحصيها ‪ ،‬وأخبرني رضي ه‬
‫ّللا أسرع إليك باإلجابة منك إليه‬ ‫عليه وسلم في بعض وقائعه ‪ ،‬وأنه ب ه‬
‫شره وقال له ‪ :‬ه‬
‫بالدعاء ‪.‬‬

‫وهذا المقام فوق مقام إجابة األدعية ‪ ،‬وأنه من خصائص كمال المطاوعة ‪ ،‬ومقامه‬
‫فوق مقام المطاوعة ‪ ،‬فإن مقام المطاوعة يختص بما سبقت اإلشارة إليه من المبادرة‬
‫إلى امتثال‬

‫‪247‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 248‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٤٨‬‬

‫األوامر ‪ ،‬وتتبع مراضي الحق ‪ ،‬والقيام بحقوقه بقدر االستطاعة ‪ ،‬كما أشار إليه صلى‬
‫ّللا عليه وسلم في جواب عمه أبي طالب حين قال له ‪ :‬ما أسرع ربك إلى هواك يا‬ ‫ه‬
‫محمد ‪ ،‬لما رأى من سرعة إجابة الحق له فيما يدعوه فيه ‪.‬‬

‫ّللا عليه‬
‫وجاء في رواية أخرى أنه قال له ‪ :‬ما أطوع ربك لك ‪ ،‬فقال له النبي صلى ه‬
‫وسلم ‪ “ :‬وأنت يا عم إن أطعته أطاعك “ ‪ . “ “ 1‬وهذا المقام الذي قلت أنه فوق‬
‫هذا راجع إلى كمال موافاة العبد من حيث حقيقته لما يريده الحق منه باإلرادة األولى‬
‫الكلية المتعلقة بحصول كمال الجالء واالستجالء ‪ ،‬فإنه الموجب إليجاد العالم ‪،‬‬
‫واإلنسان الكامل الذي هو العين المقصودة هّلل على التعيين ‪ ،‬وكل ما سواه فمقصود‬
‫بطريق التبعية له وبسببه من جهة أن ما ال يوصل إلى المطلوب إال به فهو مطلوب ‪،‬‬
‫فهذا هو المراد من قولي ‪ ( :‬فمقصود بطريق التبعية ) ‪.‬‬

‫وإنما كان اإلنسان الكامل هو المراد بعينه دون غيره من أجل أنه مجلى تام للحق ‪،‬‬
‫يظهر الحق به من حيث ذاته ‪ ،‬وجميع أسمائه وصفاته وأحكامه واعتباراته على نحو‬
‫ما يعلم نفسه بنفسه في نفسه ‪ ،‬وما ينطوي عليه من أسمائه وصفاته ‪ ،‬وسائر ما أشرت‬
‫إليه من األحكام واالعتبارات ‪ ،‬وحقائق معلوماته التي في أعيان مكنوناته دون تغيير‬
‫يوجبه نقص القبول ‪ ،‬وخلل في مرآتيته يفضي بعدم ظهور ما ينطبع فيه على خالف‬
‫ما هو عليه في نفسه ‪.‬‬

‫فإن من كان هذا شأنه ال يكون له إرادة ممتازة عن إرادة الحق ‪ ،‬بل هو مرآة إرادة‬
‫ربه وغيرها من الصفات ‪ ،‬وحينئذ يستهلك دعاؤه في إرادته التي ال تغاير إرادة ربه ‪،‬‬
‫فيقع ما يريد كما قال تعالى ‪:‬فَعها ٌل َلما يُ َريدُ[ البروج ‪. ] 16 :‬‬

‫ومن تحقق بما ذكرناه فإنه إن دعا فإنما يدعو بألسنة العالمين ومراتبهم من كونه مرآة‬
‫لجميعهم ‪ ،‬كما أنه متى ترك الدعاء إنما يتركه من حيث كونه مجلى للحق ‪ ،‬باعتبار‬
‫أحد وجهيه الذي يلي الجناب اإللهي ‪ ،‬وال يغايره من كونه ‪:‬فَعها ٌل َلما يُ َري ُد ‪.‬‬
‫وليس وراء هذا المقام مرمى لرام ‪ ،‬وال مرقى لراق إلى مرتبة وال مقام ‪ ،‬ودونه‬
‫المتوجه إلى الحق بمعرفة تامة وتصور صحيح ‪ ،‬المقصود بخطاب قوله‪:‬‬
‫‪............................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه الحاكم في المستدرك‪( 1 / 727 ) .‬‬

‫‪248‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 249‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٤٩‬‬

‫عونَي أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم[ غافر ‪ ، ] 60 :‬وخبر الحق صدق ‪ ،‬وقد تي ه‬


‫سر ذلك لهذا العبد‬ ‫ا ْد ُ‬
‫المشار إليه ‪ ،‬فلزمت النتيجة التي هي اإلجابة ‪ ،‬وال ب هد بخالف غيره من المتوجهين‬
‫المذكور شأنهم ‪.‬‬

‫فاعلم ذلك تفز بأسرار عزيزة وعلوم غريبة لم تنساق إليها األفكار واألفهام ‪ ،‬وال‬
‫وّللا المرشد ‪.‬‬
‫رقمتها األنامل باألقالم ‪ ،‬ه‬

‫نص شريف ‪ :‬اعلم أن أعلى درجات العلم بالشيء أي شيء كان ‪ ،‬وبالنسبة إلى أي‬ ‫ه‬
‫عالم كان ‪ ،‬وسواء كان المعلوم شيئا واحدا أو أشياء ‪ ،‬إنما تحصل باالتحاد بالمعلوم‬
‫وعدم مغايرة العالم له ؛ ألن سبب الجهل بالشيء المانع من كمال إدراكه ليس غير‬
‫غلبة حكم ما به يمتاز كل واحد منهما عن اآلخر ‪ ،‬فإن ذلك بعد معنوي ‪ ،‬والبعد حيث‬
‫كان مانع من كمال إدراك العبد البعيد ‪ ،‬وتفاوت درجات العلم بالشيء بمقدار تفاوت‬
‫غلبة حكم ما به يتهحد العالم بالمعلوم ‪ ،‬وإنه القرب الحقيقي الرافع للفصل الذي هو البعد‬
‫الحقيقي المشار إليه بأحكام ما به المباينة واالمتياز ‪.‬‬

‫وإذا شهدت هذا األمر وذقته بكشف محقق علمت أن سبب كمال علم الحق باألشياء إنما‬
‫هو من أجل استجالئه إيهاها في نفسه ‪ ،‬واستهالك كثرتها وغيريتها في وحدته ‪ ،‬فإن‬
‫كينونية كل شيء في أي شيء كان ‪ ،‬سواء كان المحل معنويها أو صوريها ‪ ،‬إنما يكون‬
‫ويظهر بحسب ما تعين وظهر فيها ‪.‬‬

‫ولهذا نقول ‪ :‬الحق علم نفسه بنفسه ‪ ،‬وعلم األشياء في نفسه بعين علمه بنفسه ‪ ،‬ولما‬
‫ّللا تعالى ‪ “ :‬كان ولم يكن معه شيء “ “ ‪“ . 1‬‬ ‫ورد اإلخبار اإللهي بأن ه‬
‫انتفت غيرية األشياء بالنسبة إلى الوحدة التي هي محلها العيني ‪ ،‬وثبتت أولية الحق من‬
‫حيث الوحدة ‪.‬‬

‫وبامتياز كثرة األشياء المتعقلة ثانيا ‪ ،‬الكامنة من قبل في ضمن الوحدة ‪ ،‬والجمع بينهما‬
‫وبين الوحدة بالفعل ‪ ،‬ظهر الكمال المستجن في الوحدة أوال ‪ ،‬فانفتح بذلك باب كمال‬
‫الجالء واالستجالء الذي هو المطلوب الحقيقي ‪ ،‬وظهرت أحكام الوحدة في الكثرة ‪،‬‬
‫‪..................................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه النسائي في السنن الكبرى ( ‪ ، ) 363 / 6‬والطبري في التفسير ‪( 12 /‬‬
‫‪4).‬‬

‫‪249‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 250‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٥٠‬‬

‫والكثرة في الوحدة ‪ ،‬فو هحدت الوحدة الكثرة ؛ لكونها صارت قدرا مشتركا بين‬
‫المتكثرات المتميزة بالذات بعضها عن بعض ‪ ،‬فوصلت فصولها ؛ ألنها جمعت بذاتها‬
‫كما ذكرنا ‪ ،‬وعددت المتكثرات الواحد من حيث التعينات التي هي سبب تنوعات‬
‫ظهور الواحد بالصبغ واإلصباغ ‪ ،‬والكيفيات المختلفة التي اقتضتها اختالفات‬
‫استعدادات المتكثرات القابلة للتجلهي الواحد فيها ‪ ،‬فتجدهدت معرفة أنواع الظهورات‬
‫واألحكام الالزمة لها التي هي عبارة عن تأثير بعضها في البعض باإلبرام والنقض ‪،‬‬
‫علوا وسفال ‪ ،‬مؤقتا وغير مؤقت ‪ ،‬مناسبا وغير مناسب ‪،‬‬ ‫ظاهرا وباطنا ‪ ،‬ه‬
‫كل ذلك باالتصال الحاصل بينها بالتجلهي الوجودي الوحداني الجامع شملها كما ذكرنا ‪.‬‬

‫فالعلم والنعيم والسعادة على اختالف ضروب الجميع إنما هو بحسب المناسبة ‪،‬‬
‫والجهل والعذاب والشقاء بحسب قوة أحكام المباينة واالمتياز ‪ ،‬وأما امتزاج أحكام ما‬
‫به االتحاد وأحكام ما به االمتياز فأيدي السلطنة ‪ ،‬ومحتد كل جملة من تلك األحكام‬
‫بضروب ما من المناسبة ومرجعها من حيث اإلضافة ومستندها هو المس همى بالمرتبة‬
‫فافهم ‪.‬‬

‫ولما شرعت في كتابة هذا النص قيل لي في باطني في أثناء الكتابة ‪ :‬األحكام المضافة‬
‫إلى الوحدة والواحد الحق ‪ ،‬والمعبر عنها بأحكام الوجوب أصلها من حيث الوحدة حكم‬
‫واحد هو حقيقة القضاء ‪ ،‬والمقادير أثر تعددات المعلومات لذلك الحكم الواحد ‪،‬‬
‫وظهور الوجود الواحد بموجب تلك التعديدات تأثيرا أوال ‪ ،‬وتأثيرا ثانيا في المعدودات‬
‫وّللا‬
‫بإعادة أثرها عليها ‪ ،‬فاعلم ذلك وتدبهر غريب ما نبههت عليه تفز بالعلم العزيز ‪ ،‬ه‬
‫المرشد ‪.‬‬

‫نص شريف يوضح بقية أسرار هذا النص ‪ :‬اعلم أن أعلى درجات العلم بالشيء أي‬ ‫ه‬
‫شيء كان ما عدا الحق هو أن تعلمه بعلم يكون نتيجة رؤيتك إيهاه في علم الحق تماما ‪،‬‬
‫ولهذا العلم آيتان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬استغناؤك بما حصل لك من العلم به عن معاودة النظر فيه وتكراره طلبا‬
‫لمزيد معرفة به ‪ ،‬فإن تجدهد العلم بالشيء بطريق االزدياد ‪ ،‬بعد دعوى معرفة سابقة به‬
‫إنما موجبه نقصان العلم به أوال ‪ ،‬فلو كمل العلم به أوال الستغنى عن االزدياد كما هو‬
‫شأن الحق ‪ ،‬وذلك موقوف على كمال اإلحاطة العلمية بالمعلوم ‪ .‬واآلية األخرى التي‬
‫يستدل بها على حصول هذا العلم وص هحته ‪ ،‬هو أن ينسحب حكم علمه على الشيء‬
‫حتى‬

‫‪250‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 251‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٥١‬‬

‫يتجاوز تقيده ‪ ،‬فينتهي إلى أن يرى آخره متهصال بإطالق الحق ‪ .‬والعلم بالحق ليس‬
‫كذلك ‪ ،‬فإنه إنما يتعلق به من حيث تعينه سبحانه في مرتبة أو مظهر أو حال أو حيثية‬
‫أو اعتبار ‪ ،‬وكلما انضبط للعالم به بتعينه من إحدى الوجوه المذكورة ‪ ،‬يظهر علمه‬
‫ويتعين له من مطلق الذات بحسب حال المتجلي له ؛ إذ ذاك ما لم يسبق تعينه قبل‬
‫ذلك ‪ .‬فكما ال ينتهي أحوال اإلنسان إلى غاية تقف عندها فكذلك ال تتناهى تعينات الحق‬
‫وتنوعات ظهوراته لْلنسان ‪ ،‬بحسب أحواله التي هي تعيهنات مطلق ذات الحق‬
‫وتنوعات ظهوراته ‪ ،‬وقد سبق التنبيه في غير هذا الموضع على أن األسماء أسماء‬
‫أحوال ‪ ،‬وعلى أن األعيان يتقلب عليها األحوال بخالف الحق ؛ فإنه يتقلب في األحوال‬
‫‪ ،‬كما أخبر سبحانه عن ذلك بقوله ‪ُ :‬ك هل يَ ْو ٍم ُه َو فَي شَأ ْ ٍن[ الرحمن ‪، ] 29 :‬‬
‫وّللا الموفق ‪.‬‬
‫فافهم ‪ ،‬وال تتأول بل اجتهد أن تعاين أوال ‪ ،‬فأمن واسلم تسلم ‪ ،‬ه‬

‫نص جليل ‪ :‬اعلم أن ليس في الوجود موجود يوصف باإلطالق إال وله وجه التقييد ‪،‬‬‫ه‬
‫ولو من حيث تعينه في تعقل متعقل ما أو متعقلين ‪ ،‬وكذلك ليس في الوجود موجود‬
‫محكوم عليه بالتقييد إال وله وجه إلى اإلطالق ‪ ،‬ولكن ال يعرف ذلك إال من عرف‬
‫األشياء معرفة تامة بعد معرفة الحق ‪ ،‬ومعرفة كل ما يعرفه به ‪ ،‬ومن لم يشهد هذا‬
‫المشهد ذوقا لم يتحقق بمعرفة الحق والخلق ‪.‬‬

‫نص في بيان سر الكمال واألكملية ‪ :‬اعلم أن للحق كماال ذاتيها وكماال أسمائيها يتوقف‬‫ه‬
‫ظهوره على إيجاد العالم ‪ ،‬والكماالن معا من حيث التعين أسمائيان ؛ ألن الحكم من‬
‫كل حاكم على كل أمر ما مسبوق بتعين المحكوم عليه في تعقل الحاكم ‪ ،‬فلو ال تعقهل‬
‫ذات الحق قبل إضافة األسماء إليه وامتيازه بغناه في ثبوت وجوده له عما سواه لما‬
‫شك أن كل تعين يتعقل للحق هو اسم له ‪ ،‬فإن األسماء‬ ‫حكم بأن له كماال ذاتيها ‪ ،‬وال ه‬
‫ليست عند المحققين إال تعينات الحق ‪ ،‬فإذن كل كمال يوصف به الحق فإنه يصدق‬
‫عليه أنه كمال أسمائي من هذا الوجه ‪ ،‬وأما من حيث أن انتشاء أسماء الحق من‬
‫حضرة وحدته هو من مقتضى ذاته فإن جميع الكماالت التي يوصف بها كماالت‬
‫ذاتية ‪.‬‬

‫تقرر هذا فنقول ‪ :‬ما كان له هذا الكمال من ذاته ‪ ،‬فإنه ال ينقص بالعوارض‬
‫وإذا ه‬

‫‪251‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 252‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٥٢‬‬

‫واللوازم الخارجية في بعض المراتب ‪ ،‬بمعنى أنها تقدح في كماله ‪ ،‬وال جائز أن‬
‫يتوهم في كماله نقص أيضا بحيث يكمل بها ‪ ،‬بل قد يظهر بالعوارض واللوازم في‬
‫بعض المراتب وصف أكمليهته ‪ ،‬ومن جملتها معرفة أن هذا شأنه ‪.‬‬

‫نص شريف جدها ‪ :‬حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه بنفسه من حيث تعينه في تعقله‬ ‫ه‬
‫نفسه باعتبار يوحد العلم والعالم والمعلوم ‪ ،‬وصفته الذاتية التي ال تغاير ذاته أحدية‬
‫جمع ال يتعقل وراءها جمعية ‪ ،‬وال نسبة ‪ ،‬وال اعتبار ‪ ،‬والتحقق بشهود هذه الصفة‬
‫ومعرفتها تماما إنما يكون بمعرفة أن الحق في كل متعين قابل للحكم عليه بأنه متعين‬
‫بحسب األمر المقتضي إدراك الحق فيه ‪ ،‬متعينا مع العلم بأنه غير محصور في التعين‬
‫‪ ،‬وأنه من حيث هو هو غير متعين ‪ ،‬وهذا هو صورة علمه بنفسه ‪ ،‬فيعرف ذاته‬
‫متعيهنة بالنسبة إلى ظهوره في المتعينات بحسبها ‪ ،‬وبالنسبة إلى من لم يشهده إال في‬
‫مظهر ‪ ،‬ويعرف سبحانه أنه من حيث هو هو غير متعين أيضا حال الحكم عليه‬
‫بالتعين ؛ لقصور إدراك من لم يدركه إال في مظهر ‪ ،‬وسواء اعتبر المظهر عين‬
‫الظاهر أو غيره ‪.‬‬

‫وحقيقة الخلق عبارة عن صورة علم ربهم بهم ‪ ،‬وصفتهم الذاتية الفقر المثمر لمطلق‬
‫الغناء ليس كل فقر فافهم ‪.‬‬

‫نص شريف جدها ‪ :‬اعلم أن ثمرة التنزيه العقلي هو تميز الحق ع هما يس همى سواه‬‫ه‬
‫بالصفات السلبية ؛ حذرا من نقائص مفروضة في األذهان ‪ ،‬غير واقعة في الوجود ‪،‬‬
‫والتنزيهات الشرعية ثمرتها نفي التعدد الوجودي ‪ ،‬واالشتراك في المرتبة األلوهية ‪،‬‬
‫وهي ثابتة أيضا شرعا مع تقرير االشتراك مع الحق في الصفات الثبوتية ؛ لنفي‬
‫المشابهة والمساواة ‪.‬‬

‫الر َاز َقينَ [ الجمعة ‪ ، ] 11 :‬و َخي ُْر ْالغا َف َرينَ‬


‫ّللاُ َخي ُْر ه‬ ‫وإليه اإلشارة بقوله تعالى ‪َ :‬و ه‬
‫اح َمينَ‬ ‫س ُن ْالخا َل َقينَ [ المؤمنون ‪ ] 14 :‬و أ َ ْر َح ُم ه‬
‫الر َ‬ ‫[ األعراف ‪ . ] 156 :‬و أ َ ْح َ‬
‫ّللا أ َ ْكبَ ُر ونحو ذلك‪.‬‬ ‫[ يوسف ‪ ، ] 92 :‬و ه َ‬

‫وأما تنزيه أهل الكشف فهو بإثبات الجمعية للحق مع عدم الحصر ‪ ،‬وتمييز أحكام‬
‫األسماء بعضها عن بعض ‪ ،‬فإنه ليس كل حكم يصح إضافته إلى كل اسم ‪ ،‬بل من‬
‫األسماء‬

‫‪252‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 253‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٥٣‬‬

‫ما يستحيل إضافة بعض األحكام إليها ‪ ،‬وإن كانت ثابتة ألسماء أخر ‪ ،‬وهذا األمر في‬
‫الصفات ‪ ،‬ومن ثمرات التنزيه الكشفي نفي السوى مع بقاء الحكم العددي ‪ ،‬دون فرض‬
‫نقص يسلب أو تعقل كمال يضاف إلى الحق بإثبات مثبت والسالم ‪.‬‬

‫نص شريف ‪ :‬كينونة كل شيء في شيء إنما يكون بحسب المحل ‪ ،‬وسواء كان المحل‬ ‫ه‬
‫معنويها أو صوريها ‪ ،‬ولهذا وصفت المعلومات الممكنة من حيث ثبوت تعيهنها في علم‬
‫الحق ‪ ،‬وارتسامها فيه بالقدم ‪ ،‬كما أن كل متعين في علم الحق من وجه آخر ال يخلو‬
‫عن حكم الحدوث ؛ ألن وجود العالم وعلوم أهله حادثان منفعالن ‪ ،‬بخالف وجود الحق‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫وعلمه ‪ ،‬فاعلم ذلك ترشد إن شاء ه‬

‫نص شريف من أشرف النصوص وأجلهها وأجمعها لكليات أصول المعرفة اإللهية‬ ‫ه‬
‫والكونية ‪ :‬اعلم أن إطالق اسم الذات ال يصدق على الحق إال باعتبار تعيهنه ‪ ،‬التعيهن‬
‫الذي يلي في تعقل الخلق غير الكمل اإلطالق المجهول النعت العديم االسم ‪ ،‬وأنه‬
‫ي للذات ‪ ،‬فإنه مفروض االمتياز عن كل تعين ‪ ،‬وإنما األمر الثبوتي الواقع‬ ‫وصف سلب ه‬
‫هو التعيهن األول ‪ ،‬وأنه بالذات مشتمل على األسماء الذاتية التي هي مفاتيح الغيب ‪،‬‬
‫ومس همى الذات ال يغاير أسماؤها بوجه ما ‪.‬‬

‫وأما األسماء فتتغاير ويضاد بعضها بعضا ‪ ،‬ويتحد أيضا بعضها مع البعض من حيث‬
‫الذات الشاملة لجميعها ‪.‬‬
‫واألحدية وصف التعين ال وصف المطلق المعين ؛ إذ ال اسم للمطلق وال وصف ‪.‬‬
‫ومن حيثية هذه األسماء باعتبار عدم مغايرة الذات لها نقول ‪ :‬إن الحق مؤثر بالذات‬
‫فافهم ‪.‬‬

‫وللذات الزم واحد فحسب ‪ ،‬ال يغايرها إال مغايرة نسبية ‪ ،‬وذلك الالزم هو العلم ‪.‬‬
‫والوحدانية ثابتة للحق من حيث العلم ‪ ،‬فإن فيه وبه يتعيهن مرتبة اإللهية وغيرها من‬
‫المراتب والمعلومات ؛ الرتسام الجميع فيه ‪ ،‬وهو مرآة الذات من حيث اشتمالها على‬
‫مر ‪ ،‬وهو أعني العلم محتد الكثرة‬
‫األسماء الذاتية التي ال يغايرها الذات بوجه ما ‪ ،‬كما ه‬
‫المعنوية ومشرعها ‪ ،‬وإنما قلت أن العلم كالمرآة للمعلومات وللذات أيضا مع أسمائها‬
‫الذاتية من‬

‫‪253‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 254‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٥٤‬‬

‫أجل أنه باعتبار امتياز العلم عن الذات االمتياز االعتباري ‪ ،‬تعقل تعين الحق في تعقله‬
‫نفسه في نفسه ‪ ،‬فعلمه الذاتي كالمرآة له ‪.‬‬
‫ولهذا قلنا في غير هذا الموضع أن حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه بنفسه ‪ ،‬ونبههنا‬
‫أيضا على أن كل ظاهر في مظهر ‪ ،‬فإنه يغاير المظهر من وجه أو وجوه إال الحق ‪،‬‬
‫فإن له أن يكون عين الظاهر وعين المظهر فتذ هكر ‪.‬‬

‫وأما المراتب فعبارة عن تعيهنات كلية ‪ ،‬يشتمل عليها الالزم الواحد الذاتي الذي هو‬
‫العلم ‪ ،‬وهو كالمحال لما يمر عليها من مطلق فيض الصادر عن الذات ‪ ،‬باعتبار عدم‬
‫مغايرة الفيض للمفيض ‪ ،‬كما سبق التنبيه عليه في شأن مظهرية الحق وظاهريته ‪،‬‬
‫ولها مدخل في حقيقة التأثير ال مطلقا ‪ ،‬بل من حيث ما قلت أنها كالمحال ‪.‬‬

‫فكل مرتبة مجلى معنوي لجملة من أحكام الوجوب واإلمكان المتفرعة من األسماء‬
‫الذاتية وأمهات األسماء اإللهية ‪ ،‬وما يليها من األسماء التالية ‪ ،‬ولها أعني للمراتب‬
‫أعيان ثابتة في عرصة العلم والتعقل ‪ ،‬وال أثر لها على سبيل االستقالل بل بالوجود ‪،‬‬
‫وهكذا شأن الوجود مع المراتب ‪ ،‬فإنها مؤثرة ظاهرة الحكم في كل ما يتصل بها ‪،‬‬
‫ويتعيهن لديها بتكيفات مطلق الفيض الواصل إليها والمار عليها ‪.‬‬

‫وإنها كالنهايات النسبية باعتبار سير الفيض الذاتي والتجلهي الوجودي في المنازل‬
‫والدرجات المتعينة بين األزل واألبد ‪ ،‬ال إلى غاية وال إلى قرار ‪ ،‬فقد استبان بما‬
‫ذكرته أن المراتب مجمع جمل األحكام المستقرة لديها من حضرة الوجوب واإلمكان ‪،‬‬
‫وهي المظهرة لنتائج تلك االجتماعات ‪ ،‬لكن بحسبها ال بحسب األحكام ‪ ،‬وال بحسب‬
‫مطلق الفيض ‪ ،‬فحكمها حكم األشكال والقوالب مع كل متشكل ومتقولب يتصل بها‬
‫ويحل فيها ‪ ،‬فهذا أثرها ‪ ،‬فهي ثابتة العين ‪ ،‬وإليها يستند نتائج األحكام وينضاف آخرا‬
‫؛ ألنها المشرع والمرجع فافهم ‪.‬‬

‫ثم اعلم أن المراتب متعقلة االنتشاء بعضها من بعض ‪ ،‬وكذلك األسماء ‪ ،‬فاأللوهية‬
‫بأسمائها الكلية التي هي ( الحي ‪ ،‬العالم ‪ ،‬المريد ‪ ،‬القادر ) ظ هل للذات من حيث‬
‫اشتمالها بذاتها على مفاتيح الغيب ‪ ،‬لكن بين األلوهية والذات في ذلك فرق دقيق في‬
‫ذوق الك همل ‪ ،‬وهو أن‬

‫‪254‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 255‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٥٥‬‬

‫األلوهية تتعقهل ممتازة عن أمهات أسمائها المذكورة ‪ ،‬والذات ال يعقل تميزها عن‬
‫أسمائها الذاتية إال المحجوبون عن التجلهي الذاتي ‪ ،‬وأما أهل التجلهي الذاتي فال يعقلون‬
‫هذا النوع من التميز ‪ ،‬وال يشهدونه إال باعتبار علمهم بعلم المحجوبين ‪ ،‬وأما التميز‬
‫عندهم في ذلك فهو بما أشرت إليه من أن الذات غير مغايرة ألسمائها الذاتية بوجه ما‬
‫‪ ،‬وهي تغاير بعضها بعضا مع أنه ال انفكاك ‪ ،‬ومع أن درجات المفاتيح متفاوتة ‪ ،‬فإن‬
‫بعضها تابع للبعض ‪ ،‬كما نبههت عليه في أسماء األلوهية من تبعية اسم ‪ :‬الخالق ‪،‬‬
‫والبارئ ‪ ،‬والمصور ‪ ،‬أمثالها فتذ هكر ‪.‬‬

‫فصل في وصل ‪ :‬وأما سر المناسبات فهو من حيث االشتراك في األمر القاضي برفع‬
‫أحكام المغايرة من الوجه المثبت للمناسبة ‪ ،‬وأولها وأعالها المناسبة الذاتية ؛ فالمناسبة‬
‫الذاتية بين الحق واإلنسان الذي هو العين المقصودة ‪ ،‬يثبت من وجهين ‪:‬‬
‫أحدهما من جهة ضعف تأثير مرآتيته في التجلهي المتعين لديه ‪ ،‬بحيث ال يكسبه وصفا‬
‫قادحا في تقديسه سوى قيد التعين الغير القادح في عظمة الحق وجالله ووحدانيته ‪،‬‬
‫المقربين واألفراد‬
‫ه‬ ‫وخلوه عن أكثر أحكام اإلمكان وخواص الوسائط ‪ ،‬وتفاوت درجات‬
‫عند الحق من هذا الوجه ‪.‬‬

‫وأما المناسبة مع الحق من الوجه اآلخر فهو بحسب حظ العبد من صورة الحضرة‬
‫اإللهية ‪ ،‬وذلك الحظ يتفاوت بحسب تفاوت الجمعية فيه ‪ ،‬فتضعف المناسبة وتقوى‬
‫بحسب ضيق ‪ ،‬فلك جمعية ذلك اإلنسان من حيث قابليته وسعتها ‪ ،‬فتنقص الحظوظ‬
‫لذلك وتتوفر تارة لذلك ‪.‬‬

‫والمستوعب لما يشتمل عليه مقام الوجوب واإلمكان من الصفات واألحكام ‪ ،‬وما يمكن‬
‫ظهوره بالفعل من ذلك في كل عصر وزمان ‪ ،‬مع ثبوت المناسبة أيضا من الوجه‬
‫األول له الكمال ‪ ،‬وهو محبوب الحق والمقصود لعينه ‪ ،‬فهو من حيث حقيقته التي هي‬
‫برزخ البرازخ ‪ ،‬مرآة الذات واأللوهية معا ولوازمها ‪ ،‬وصاحب المناسبة الذاتية من‬
‫مقرب ال غير ‪ ،‬وقد سبق التنبيه على ذلك ‪.‬‬
‫الوجه األول محبوب ه‬

‫وأما المناسبة الذاتية بين الناس فتثبت من وجهين أيضا ‪ ،‬وهما مثاالن للوجهين‬
‫اإللهيين المذكورين ‪ :‬أحدهما من جهة اشتراك المتناسبين في المزاج ‪ ،‬بمعنى وقوع‬
‫مزاجيهما‬

‫‪255‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 256‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٥٦‬‬

‫في درجة واحدة من درجات االعتداالت التي يشتمل عليها مطلق عرض األمزجة‬
‫اإلنسانية ‪ ،‬أو يكون درجة مزاج أحدهما مجاورة لدرجة مزاج اآلخر ‪ ،‬وهذا أصل‬
‫عظيم في مشرب التحقيق ‪ ،‬ق هل من يعرفه ذوقا ؛ ألن تعيهنات أرواح األناس من العوالم‬
‫الروحانية وتفاوت درجاتها في الشرف ‪ ،‬وعلو المنزلة من حيث قلة الوسائط وكثرتها‬
‫‪ ،‬وتضاعف وجوه اإلمكان وقوتها بسبب كثرة الوسائط وقلتها وضعفها ‪ ،‬إنما موجبه‬
‫ّللا تعالى وقدره ‪ ،‬المزاج المستلزم لتعيهن الروح بحسبه ‪.‬‬
‫بعد قضاء ه‬

‫فاألقرب نسبة إلى االعتدال الحقيقي الذي يعين نفوس الك همل في نقطة دائرته ‪ ،‬يستلزم‬
‫قبول روح أشرف وأعلى نسبة من درجة العقول والنفوس العالية ‪ ،‬واألبعد عن النقطة‬
‫االعتدالية المشار إليها بالعكس من الخسة ونزول الدرجة ‪.‬‬

‫فاعلم ذلك وتف ههم ما ذكرته في أمر االشتراك المزاجي ترق به إلى معرفة المناسبة‬
‫الروحانية الخصيصة بالوجه اآلخر المشابه للمناسبة الذاتية الخفية الحقية المحضة ‪.‬‬
‫وإذا عرفت هذا عن شهود أو فهم محقق ‪ ،‬رأيت أن بعض األرواح يكون مبدأ مقامها‬
‫في التعين اللوح المحفوظ ‪ ،‬ومبدأ تعين بعضها من روحانية العرش من مقام إسرافيل ‪،‬‬
‫وبعضها من الكرسي من مقام ميكائيل ‪ ،‬وبعضها من السدرة من مقام جبرائيل ‪ ،‬هكذا‬
‫صة بإسماعيل رئيس مالئكتها على‬ ‫متنازال حتى ينتهي األمر إلى سماء الدنيا المخت ه‬
‫جمعيهم السالم ‪ ،‬فتعرف حينئذ أن الشرط األكبر الموجب لما ذكرته من تفاوت درجات‬
‫ّللا وعنايته وقضائه ومشيئته ‪ ،‬هو ما سبق ذكره‬ ‫أرواح الناس في ذلك بعد سابق علم ه‬
‫في شأن األمزجه وقربها من نقطة االعتدال الحقيقي وبعدها ‪ ،‬وأثر العناية والمشيئة‬
‫تختص بحسن التسوية الربهانية التي يليها نفخ الروح وتعينه ‪ ،‬فافهم وتذ هكر ‪.‬‬

‫وأما المناسبة المرتبية فإنها ليست من وجه واحد ‪ ،‬بل من وجوه متعددة ‪ :‬أحدها من‬
‫جهة معادنها األصلية ‪ ،‬التي هي مبدأ تعيهنات األرواح المشار إليها آنفا ‪ ،‬فإن مبدأ تعين‬
‫أعالها درجة أعني أرواح الك همل ‪ ،‬أ هم الكتاب ‪ ،‬ومبدأ تعين بعضها علما ووجودا‬
‫متوحدا ذات القلم األعلى المس همى بالعقل األول والروح الكلهي ‪ ،‬ومبدأ تعين بعضها‬
‫اللوح المحفوظ ‪ ،‬وبعضها عرشية إسرافيلية ‪ ،‬وبعضها مكائيلية من مقام الكرسي‬
‫ورحانيته ‪،‬‬

‫‪256‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 257‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٥٧‬‬

‫وبعضها جبرئيلية من مقام سدرة المنتهى ‪.‬‬


‫صة بإسماعيل صاحب سماء الدنيا‬ ‫هكذا إلى آخر أجناس هذه األصول الروحانية المخت ه‬
‫مر ‪.‬‬
‫‪ ،‬المعبهر عنه عند حكماء المشائيين بالعقل الفعهال ‪ ،‬كما ه‬
‫والوجه اآلخر من جهة مظاهرها المثالية ‪ ،‬فإن األرواح على اختالف مراتبها ال تخلو‬
‫عند جميع المحققين عن مظاهر تتعين وتظهر بها ‪ ،‬وأول مظاهر أرواح األناسي ما‬
‫عدا الك همل عالم المثال المطلق ‪.‬‬

‫والصور الخيالية وإن كانت مواد انتشائها لطائف قوى هذه النشأة الطبيعية ‪،‬‬
‫وجواهرها المط ههرة والمزكات المكتسية صفات األرواح ‪ ،‬فإن صفاتها وأحوالها في‬
‫الجنة إنما تظهر بحسب روحانيتها وقواها ‪ ،‬وخواص مظاهرها المثالية ‪.‬‬
‫ومنازل أهل الجنة مظاهر مراتب األرواح من حيث مكاناتها عند الحق ‪ ،‬ومن حيث‬
‫ّللا عليه وسلم على ذلك بإشارات لطيفة‬ ‫مظاهرها المثالية األولى ‪ ،‬وقد نبهه النبي صلى ه‬
‫سالم ‪ " :‬يا علي إن قصرك في الجنة في مقابلة قصري " ‪ ،‬وفي‬ ‫‪ ،‬مثل قوله عليه ال ه‬
‫رواية ‪ " :‬في محاذاة قصري " ‪.‬‬
‫وقال في حق العباس قريبا من ذلك ‪.‬‬
‫وقال في حق جمهور المؤمنين ‪ “ :‬ألحدكم أهدى إلى منزله في الجنة منه إلى منزله‬
‫في الدهنيا “ ‪ ، “ “ 1‬وليس هذا ال من حكم المناسبة ‪.‬‬

‫وأما سوق الجنة المشتمل على الصور اإلنسانية المستحسنة ‪ ،‬التي يتخير أهل الجنة‬
‫التلبهس بما شاءوا منها ‪ ،‬فمن بعض جداول عالم المثال المطلق الذي هو معدن المظاهر‬
‫وينبوعها ‪ ،‬وهو مجرى المدد الواصل من عالم المثال إلى مظاهر أرواح أهل الجنة ‪،‬‬
‫ومنشأ مآكلهم ومشاربهم ومالبسهم ‪ ،‬وكل ما يتنعمون به في أراضي مراتب أعمالهم‬
‫واعتقاداتهم وأخالقهم وصفاتهم ودرجات اعتداالتهم في ذلك كله ‪.‬‬

‫وأما الخلع والتحف التي تأتي بها المالئكة من عند الحق إلى جمهور أهل الجنة حال‬
‫حملهم إيهاهم إلى كثيب الرؤية ؛ لزيارة الحق ومجالسته هي مظاهر أحكام األسماء‬
‫‪.....................................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه البيهقي في الشعب ( ‪ ، ) 304 / 1‬والطبري في التفسير‪( 24 / 36 ) .‬‬

‫‪257‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 258‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٥٨‬‬

‫والصفات ‪ ،‬التي يستند إليها الزائرون في نفس األمر ‪ ،‬وإن لم يعلموا ذلك ‪ ،‬وبتلك‬
‫التحف تقوى منسابتهم مع الحق ‪ ،‬وتحيا رقائق ارتباطاتهم به من حيث تلك األسماء‬
‫والصفات التي لها درجة الربوبية على أولئك الزائرين ‪.‬‬

‫وقوله تعالى للمالئكة في أواخر مجالس الزيارة عند أهل الجنة ‪:‬‬
‫“ ردهوهم إلى قصورهم “ ‪ ،‬إشارة إلى أحكام المناسبات المستفادة من تلك الخلع‬
‫والتحف ‪ ،‬وانتهاء أحكام األسماء والصفات ‪ ،‬التي هي من حيث هي تثبت المناسبة‬
‫بينهم وبين الحق ‪ ،‬وتوجب جمعيهتم وحضورهم عنده ‪ ،‬فمتى ظهرت سلطنة األسماء‬
‫والصفات التي تقابل أحكام األسماء والصفات المقتضية لالجتماع ‪ ،‬ظهرت األحكام‬
‫القضائية باالمتياز ‪ ،‬فحصل البعد والحجاب فافهم ‪.‬‬

‫وأما تفاوت مراتبهم حال المجالسة مع الحق فهو بحسب تفاوت مراتبهم في نفس الحق‬
‫ّللا ‪ ،‬أو علومهم ومشاهداتهم الصحيحة ‪ ،‬وإيثارهم فيما‬
‫‪ ،‬وبحسب صحة عقائدهم في ه‬
‫قبل جناب الحق على ما سواه ‪ ،‬وطول زمان المجالسة وقصرها ‪ ،‬وتفاوت الشرف‬
‫فيما يخاطبون به ‪ ،‬وما يفهمونه من خطابه هو بحسب ما ذكرناه ‪ ،‬وبحسب حضورهم‬
‫على ما كانوا يعلمون منه ‪ ،‬أو استحضارهم له بمقتضى اعتقادهم فيه ‪ ،‬ومناسبتهم‬
‫لجنابه من حيث مقام كثيب الرؤية ‪ ،‬والتجلهي الخصيص بهم منه ‪ .‬فاعلم ذلك ‪.‬‬
‫ّللا بهم فيما ذكرنا وسواه ‪ ،‬فإنه بخالف ذلك ‪.‬‬
‫وأما حال الك همل نفعنا ه‬

‫فإنهم قد تجاوزوا حضرات األسماء والصفات والتجليات الخصيصة بها إلى عرصة‬
‫التجلهي الذاتي ‪ ،‬فهم كما أخبر النبي صلى ه‬
‫ّللا عليه وسلم عن شأنهم بقوله ‪:‬‬
‫“ صنف من أهل الجنة ال يستتر الرب عنهم وال يحتجب “ ‪“ “ . 1‬‬

‫وذلك أنهم غير محصورين في الجنة وغيرها من العوالم والحضرات ‪ ،‬كما قد أشرت‬
‫إليه في غير هذا الموضع ‪ ،‬من أن الجنة ال تسع إنسانا كامال وال غير الجنة ‪ ،‬فهم وإن‬
‫منزهون عن الحصر والقيود ‪ ،‬واألمكنة‬ ‫ظهروا فيما شاءوا من المظاهر فإنهم ه‬
‫واألزمنة ‪ ،‬كسيدهم ‪،‬‬
‫‪...................................................‬‬
‫) ‪( 1‬رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( ‪ ) 101 / 1‬بنحوه‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 259‬عالء أحمد المهائمي‬

‫شرع الخصوص إلى معاني النصوص “ ‪“ ٢٥٩‬‬


‫بل هم معه أينما كان ‪ ،‬وحيث ال أين وال حيث وال جرم وال بعد وال حجاب وال انتقال‬
‫لزيارة وال انتهاء بحكم وقت من األوقات ‪ ،‬واألسماء والصفات ‪.‬‬
‫ّللا‬
‫فافهم واجتهد ‪ ،‬وتمن أن تلحق بهم ‪ ،‬وأن تشاركهم في بعض مراتبهم العالية ‪ ،‬فإن ه‬
‫ولي اإلحسان ‪.‬‬

‫وأما المناسبات الثابتة بين الناس من جهة المراتب البرزخية ‪ ،‬فأنموذجها المنهبه على‬
‫ّللا عليه وسلم في‬
‫تفاصيلها لمن لم يكشفها ولم يشهدها ‪ ،‬هو ما ذكره النبي صلى ه‬
‫سالم في سماء الدنيا ‪ ،‬وأن على يمينه أسودة‬‫حديث اإلسراء من رؤيته آدم عليه ال ه‬
‫السعداء من ذريته ‪ ،‬وعلى يساره أسودة األشقياء من ذريته ‪ ،‬وأنه إذا نظر عن يمينه‬
‫ضحك ‪ ،‬وإذا نظر عن يساره بكى ‪.‬‬

‫فهذه إشارة إلى مراتب عموم األشقياء والسعداء ‪ ،‬فأهل الشقاء هم الذين لم يفتح لهم‬
‫أبواب السماء حال الموت ‪ ،‬وهم في شقائهم على مراتب مختلفة ‪ ،‬فإن النبي عليه‬
‫وعلى أهل بيته التحية أخبر عن أرواح بعض األشقياء أنها تجمع في برهوت والحليتين‬
‫والخاسئين والخابتين ‪.‬‬

‫فمبدأ مراتب األشقياء من مقعر السماء الدنيا التي فيها آدم ‪ ،‬وأنزلها ما ذكره عليه‬
‫سالم ‪ ،‬ومراتب عموم السعداء في البرزخ السماء الدنيا على درجات متفاوتة ‪،‬‬ ‫ال ه‬
‫ّللا‬
‫يجمعها مرتبة واحدة ‪ ،‬ومراتب أهل الخصوص من السعداء ما أشار إليه صلى ه‬
‫سالم في الثانية ‪،‬‬
‫عليه وسلم في حديث اإلسراء بعد ذكره آدم من أن عيسى عليه ال ه‬
‫ويوسف في الثالثة ‪ ،‬وإدريس في الرابعة ‪ ،‬وهارون في الخامسة ‪ ،‬وموسى في‬
‫السادسة ‪ ،‬وإبراهيم في السابعة ‪ ،‬على جميعهم السالم ‪.‬‬

‫وهكذا شأن مشاركي هؤالء األنبياء ‪ ،‬والوارثين لهم تماما متفاوت المراتب في هذه‬
‫ّللا عليه وسلم هو باعتبار ما شاهده في‬
‫السماوات ‪ ،‬فإن هذه األخبار من الرسول صلى ه‬
‫ّللا عليه وسلم حصل له أربع وثالثون معراجا‬‫إحدى إسرائه ‪ ،‬فإنه ثبت أن النبي صلى ه‬
‫ّللا عليه ‪.‬‬
‫‪ ،‬رواها وجمعها وأثبت رواياتها أبو نعيم الحافظ األصبهاني رحمة ه‬

‫وكيف ينحصر هذا الحال مع هؤالء األنبياء السبعة دون غيرهم ‪ ،‬ومن البين أن الرسل‬
‫سالم المنصوص على‬ ‫ّللا ‪ ،‬كداود عليه ال ه‬
‫واألنبياء كثيرون ‪ ،‬وفيهم الك همل بتعريف ه‬
‫خالفته ‪ ،‬وغيره من أكابر األنبياء والمرسلين ‪ ،‬فأين تتعين مراتبهم البرزخية بعد‬
‫الموت ‪ ،‬وما ث هم إال‬

‫‪259‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 260‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٦٠‬‬

‫العالم األعلى واألسفل ‪.‬‬


‫وعالم السفلى محل تعيهنات مراتب األشقياء على اختالفهم ‪ ،‬فتعيهن أن يكون طبقات‬
‫تعينات مراتب األنبياء والمرسلين والك همل من ورثتهم ‪.‬‬
‫وأهل الخصوص من السعداء بعد الموت وقبل الحشر في الحضرات السماوية ‪ ،‬وأن‬
‫موجب ما ذكره عليه وعلى آله السالم هو ما سبقت اإلشارة إليه ‪ ،‬فهو كاألنموذج لما‬
‫لم يتعين ذكره فافهم ‪.‬‬

‫ّللا عليه وسلم لهؤالء السبعة إنما موجبها حالتئذ‬


‫فهذه الرواية الخاصة من النبي صلى ه‬
‫سالم من أن‬‫مناسبة صفاتية أو فعلية أو حالية ال غير ‪ ،‬كاألمر في شأن يحيى عليه ال ه‬
‫سالم ‪.‬‬
‫يكون تارة مع عيسى عليه ال ه‬
‫سالم وليس ذلك هإال من مقتضى مشاركته لهما ‪ ،‬على جميعهم‬ ‫وتارة مع هارون عليه ال ه‬
‫ّللا تعالى “ ‪“ . 1‬‬
‫السالم ‪ .‬فتدبر ترشد إن شاء ه‬

‫نص شريف جدها ‪ :‬اعلم أن الحق هو الوجود المحض ال اختالف فيه ‪ ،‬وأنه واحد وحدة‬ ‫ه‬
‫حقيقية ‪ ،‬ال يتعقل في مقابلة كثرة ‪ ،‬وال يتوقف تحققها في نفسها ‪ ،‬وال تصورها في‬
‫العلم الصحيح المحقق على تصور ضد لها ‪ ،‬بل هي لنفسها ثابتة مثبتة ال مثبتة ‪.‬‬
‫وقولنا ‪ :‬وحدة للتنزيه والتفهيم ال للداللة على مفهوم الوحدة على نحو ما هو متصور‬
‫في األذهان المحجوبة ‪.‬‬

‫وإذا عرفت هذا فنقول ‪ :‬إنه سبحانه من حيث اعتبار وحدته المنبه عليها ‪ ،‬وتجرده عن‬
‫المظاهر ‪ ،‬وعن األوصاف المضافة إليه من حيث المظاهر ‪ ،‬وظهوره فيها ال يدرك ‪،‬‬
‫وال يحاط به ‪ ،‬وال يعرف ‪ ،‬وال ينعت ‪ ،‬وال يوصف ‪.‬‬

‫وكل ما يدرك في األعيان ‪ ،‬ويشهد من األكوان بأي وجه كان أدركه اإلنسان ‪ ،‬وفي‬
‫أي حضرة حصل الشهود ‪ ،‬ما عدا اإلدراك المتعلق بالمعاني المجردة والحقائق في‬
‫حضرة غيبها بطريق الكشف ‪ ،‬ولذلك قلت في األعيان ‪ :‬أي ما أدرك في مظهر ما‬
‫كان ‪ ،‬فإنما ذلك‬
‫‪..........................................................‬‬
‫) ‪( 1‬وقع في األصل ‪ :‬ومن كالمه قدس روحه وهو نص ملحق ولكن هكذا وجدت‬
‫النسخة التي كتبت منها وهي بخط بعض األفاضل‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 261‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٦١‬‬

‫المدرك ألوان وأضواء ‪ ،‬وسطوح مختلفة الكيفية متفاوتة الكمية ‪ ،‬تظهر أمثلتها في‬
‫عالم المثال المتصل بنشأة اإلنسان ‪ ،‬أو المنفصل عنه من وجه على نحو ما هو في‬
‫الخارج ‪ ،‬أو ما مفرداته في الخارج وكثرة الجميع محسوسة ‪ ،‬واألحدية فيها معقولة أو‬
‫محدوسة ‪ ،‬وكل ذلك أحكام الوجود ‪ ،‬أو قل صور نسب علمه ‪ ،‬أو صفات الزمة له من‬
‫حيث اقترانه بكل عين موجودة بسر ظهوره ‪ ،‬فيظهر فيها وبها ولها بحسبها كيف‬
‫شئت ‪ ،‬وأطلقت ليس هو الوجود ‪.‬‬
‫مر من أن الواحد من‬‫فإن الوجود واحد ‪ ،‬وال يدرك بسواه من حيث ما يغايره على ما ه‬
‫كونه واحدا ال يدرك بالكثير من حيث هو كثير وبالعكس ‪.‬‬

‫ولم يصح اإلدراك لْلنسان من كونه واحدا وحدة حقيقية كوحدة الوجود ‪ ،‬بل إنما ص هح‬
‫له ذلك من كونه حقيقة متصفة بالوجود والحياة وقيام العلم به ‪ ،‬وثبوت المناسبة بينه‬
‫وبين ما يروم إدراكه ‪ ،‬وارتفاع الموانع العائقة عن اإلدراك ‪ ،‬فما أدرك ما أدركه إال‬
‫من حيث كثرته ‪ ،‬ال من حيث أحديته ‪ ،‬فتعذهر إدراكه من حيث هو ما ال كثرة فيه‬
‫مر ‪.‬‬
‫أصال لما ه‬

‫ولهذه النكتة أسرار نفيسة ذكرتها بتفصيل أكثر من هذا في كتابي المس همى ب “ كشف‬
‫سر الغيرة عن سر الحيرة ‪“ .‬‬

‫ّللا تعالى ‪.‬‬


‫صلناه إن شاء ه‬
‫وسيرد أيضا في داخل الكتاب ما يزيد بيان لما ذكرناه وأ ه‬
‫ثم نرجع إلى تمام ما كنا بسبيله فنقول ‪:‬‬
‫الوجود في حق الحق عين ذاته فيما عداه أمر زائد على حقيقته ‪ ،‬وحقيقة كل موجود‬
‫ّللا‬
‫عبارة عن نسبة تعينة في علم ربه أزال ‪ ،‬ويس همى باصطالح المحققين من أهل ه‬
‫تعالى عينا ثابتة ‪ ،‬وباصطالح غيرهم ‪ :‬ماهية ‪ ،‬والمعلوم المعدوم والشيء الثابت‬
‫ونحو ذلك ‪.‬‬

‫والحق سبحانه من حيث وحدة وجوده لم يصدر عنه إال واحد ؛ الستحالة إظهار الواحد‬
‫وإيجاده من حيث كونه واحدا ‪ ،‬ما هو أكثر من واحد ‪ ،‬لكن ذلك الواحد عندنا هو‬
‫الوجود العام المفاض على أعيان المكونات ‪ ،‬ما وجد منها وما لم يوجد مما سبق العلم‬
‫بوجوده ‪ ،‬وهذا الوجود مشترك بين القلم األعلى الذي هو أول موجود ‪ ،‬المس همى أيضا‬
‫بالعقل األول ‪ ،‬وبين سائر الموجودات ليس كما ذكره أهل النظر من الفالسفة ‪ ،‬فإنه ما‬
‫ث هم عند المحققين إال الحق والعالم ‪ ،‬والعالم ليس بشيء زائد على حقائق معلومة هّلل‬
‫تعالى كما‬

‫‪261‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 262‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٦٢‬‬

‫أشرنا إليه من قبل متصفة بالوجود ثابتا ‪.‬‬


‫والحقائق من حيث معلوميتها وتعين صورها في علم الحق الذاتي األزلي يستحيل أن‬
‫تكون مجعولة ؛ الستحالة قيام الحوادث بذات الحق سبحانه وتعالى ‪ ،‬واستحالة أن‬
‫يكون الحق ظرفا لسواه أو مظروفا ‪ ،‬ولمفاسد أخر ال تخفى على المستبصرين فافهم ‪.‬‬
‫ولهذا ال توصف بالجعل عند المحققين من أهل الكشف والنظر أيضا ؛ إذ المجعول هو‬
‫الوجود ‪ ،‬فما ال وجود له ال يكون مجعوال ‪ ،‬ولو كان كذلك لكان للعلم القديم في تعيهن‬
‫معلوماته فيه أزال أثر مع أنها غير خارجة من العالم بها ‪ ،‬فإنها معدومة ألنفسها ‪ ،‬ال‬
‫ثبوت لها إال في نفس العالم بها ‪.‬‬

‫فلو قيل بجعلها لزم إما مساوقتها للعالم بها في الوجود ‪ ،‬وإما أن يكون العالم بها ه‬
‫محال‬
‫مر ‪ ،‬وكل ذلك باطل ؛ ألنه‬
‫لقبول األثر من نفسه في نفسه ‪ ،‬وظرفا لغيره أيضا كما ه‬
‫قادح في صرافة وحدته سبحانه ‪ ،‬وقاض بأن الوجود المفاض عرض لألشياء‬
‫الموجودة ال المعدومة ‪ ،‬وكل ذلك محال من حيث أنه تحصل للحاصل ومن وجوه أخر‬
‫‪ ،‬ال حاجة إلى التطويل بذكرها فافهم ‪.‬‬

‫فثبت أنها من حيث ما ذكرنا غير مجعولة ‪ ،‬وليس ثمة وجودان كما ذكرنا ‪ ،‬بل الوجود‬
‫واحد ‪ ،‬وأنه مشترك بين سائرها ‪ ،‬مستفاد من الحق سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫ثم إن هذا الوجود الواحد العارض للممكنات المخلوقة ليس بمغاير في الحقيقة للوجود‬
‫المجرد عن األعيان والمظاهر إال بنسب واعتبارات ‪ ،‬كالظهور والتعيهن‬
‫ه‬ ‫الحق الباطن‬
‫والتعدهد الحاصل باالقتران وقبول حكم االشتراك ‪ ،‬ونحو ذلك من النعوت التي تلحقه‬
‫بواسطة التعلق بالمظاهر ‪.‬‬

‫وينبوع مظاهر الوجود باعتبار اقترانه حضرة تجليه ‪ ،‬ومنزل تعينه وتدليه العماء الذي‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ ،‬وهو مقام التنزل الربهاني ‪ ،‬ومنبع الجود الذاتي‬
‫ذكره النبي صلى ه‬
‫الرحماني من غيب الهوية ‪ ،‬وحجاب عز األنية ‪ ،‬وفي هذا العماء يتعين مرتبة النكاح‬
‫األول الغيبي األزلي ‪ ،‬الفاتح حضرات األسماء اإللهية بالتو هجهات الذاتية األزلية ‪،‬‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬فللوجود إن فهمت اعتباران ‪:‬‬ ‫وسنفك ختم مفتاح مفاتيحه عن قريب إن شاء ه‬
‫أحدهما ‪ :‬من كونه وجودا فحسب‬

‫‪262‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 263‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٦٣‬‬

‫وهو الحق ‪ ،‬وإنه من هذا الوجه كما سبقت اإلشارة إليه ال كثرة فيه ‪ ،‬وال تركيب ‪ ،‬وال‬
‫صفة ‪ ،‬وال نعت ‪ ،‬وال اسم ‪ ،‬وال رسم ‪ ،‬وال نسبة ‪ ،‬وال حكم ‪ ،‬بل هو وجود بحت ‪.‬‬
‫وقولنا ‪ ( :‬وجود ) هو للتفهيم ‪ ،‬ال أن ذلك االسم حقيقي له ‪ ،‬بل اسمه عين صفته ‪،‬‬
‫وصفته عين ذاته ‪ .‬وكماله نفس وجوده الذاتي الثابت له من نفسه ال من سواه ‪ ،‬وحياته‬
‫وقدرته عين علمه ‪ ،‬وعلمه باألشياء أزال عين علمه بنفسه ‪ ،‬بمعنى أنه علم نفسه بنفسه‬
‫‪ ،‬وعلم كل شيء بنفس علمه بنفسه ‪.‬‬

‫تتحد فيه المختلفات ‪ ،‬وتنبعث منه المتكثرات هي دون أن تحويه أو يحويها ‪ ،‬أو تبديه‬
‫عن بطون متقدم ‪ ،‬أو هو بنفسه يبرزها فيبديها ‪ ،‬له وحدة هي محتد كل كثرة ‪،‬‬
‫وبساطة هي عين كل تركيب آخر ‪ ،‬وأول مرة كل ما يتناقض في حق غيره فهو له‬
‫على أكمل الوجوه ثابت ‪ ،‬وكل من نطق عنه ال به ‪ ،‬ونفى عنه كل أمر مشتبه وحصره‬
‫في مدركه ‪ ،‬فهو أبكم ساكت ‪ ،‬وجاهل مباهت ‪ ،‬حتى يرى به كل ض هد في نفس ضده ‪،‬‬
‫بل عينه مع تميزه بين حقيقته وبينه ‪.‬‬

‫وحدته عين كثرته ‪ ،‬وبساطته عين تركيبه ‪ ،‬وظهوره نفس بطونه ‪ ،‬وآخريته عين‬
‫أوليته ‪ ،‬ال ينحصر في المفهوم من الوحدة أو الوجود ‪ ،‬وال ينضبط لشاهد وال في‬
‫مشهود له أن يكون كما قال وظهر كما يريد ‪ ،‬دون الحصر في اإلطالق والتقييد ‪ ،‬له‬
‫المعنى المحيط بكل حرف ‪ ،‬والكمال المستوعب كل وصف كل ما خفي عن‬
‫المحجوبين حسنه ‪ ،‬مما يتوهم فيه شين ونقص ‪ ،‬فإنه متى كشف عن ساقه بحيث يدرك‬
‫صحة انضيافه إليه ألقى فيه صورة الكمال ‪ ،‬ورئي أنه منصة لتجلهي الجالل أو‬
‫الجمال ‪.‬‬

‫سائر األسماء والصفات عنده متكثرة في عين وحدة هي عينه ‪ ،‬ال يتنزه ع هما هو ثابت‬
‫له ‪ ،‬وال يحتجب ع هما أبداه ليكمل ‪.‬‬

‫وحجابه وعزته وغناه وقدسه عبارة عن امتياز حقيقته عن كل شيء يضادها ‪ ،‬وعن‬
‫عدم تعلقه بشيء ‪ ،‬أو عدم احتياجه في ثبوت وجوده له وبقائه إلى ذلك ‪ ،‬ال تحقق‬
‫لشيء بنفسه وال بشيء إال به فانتبه ‪.‬‬

‫ال تدركه سبحانه من هذه الحيثية العقول واألفكار ‪ ،‬وال تحويه الجهات واألقطار ‪،‬‬

‫‪263‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 264‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٦٤‬‬

‫ه‬
‫ومنزه عن القيود الصورية‬ ‫وال تحيط بمشاهدته ومعرفته البصائر واألبصار ‪،‬‬
‫والمعنوية ‪ ،‬مقدهس عن قبول كل تقدير متعلق بكمية أو كيفية ‪ ،‬متعال عن اإلحاطات‬
‫الحدسية والفهمية والظنية والعلمية ‪ ،‬محتجب بكمال عزته عن جميع بريته ‪ ،‬الكامل‬
‫منهم والناقص ‪ ،‬والمقبل إليه في زعمه والناكس ‪.‬‬

‫جميع تنزيهات العقول من حيث أفكارها ومن حيث بصائرها أحكام سلبية ‪ ،‬ال تفيد‬
‫معرفة حقيقية ‪ ،‬وهي مع ذلك دون ما يقتضيه جالله ويستحقه قدسه وكماله ‪ ،‬ومنشأ‬
‫تعلق علمه بالعالم من عين علمه بنفسه ‪ ،‬وظهور هذا التعلق بظهور نسب علمه التي‬
‫هي معلوماته ‪ ،‬وإنما هو عالم بما ال يتناهى من حيث إحاطة علمه ‪ ،‬وكونه مصدرا‬
‫لكل شيء ‪ ،‬فيعلم ذاته والزم ذاته ‪ ،‬والزم الالزم جمعا وفرادى ‪ ،‬وإجماال وتفصيال ‪،‬‬
‫هكذا إلى ما ال يتناهى ‪ ،‬وما عينه أو علم تعين مرتبته عند شرط وسبب ‪ ،‬فإنه يعلمه‬
‫بشرطه وسببه ‪ ،‬والزمه أن سبق علمه بذلك تعينه ‪ ،‬وإال فيعلمه بنفسه سبحانه ‪ ،‬وكيف‬
‫شاء ‪ ،‬غير أنه ال يتجدهد له علم ‪ ،‬وال يتعين في حقه أمر ينحصر فيه وال حكم ‪.‬‬

‫كماله بنفسه ‪ ،‬ووجوده بالفعل ال بالقوة ‪ ،‬وبالوجوب ال باإلمكان ‪ ،‬ه‬


‫منزه عن التغير‬
‫يكونها لحاجة إلى سواه‬
‫المعلوم والحدثان ‪ ،‬ال تحويه المحدثات لتبديه أو تصونه ‪ ،‬وال ه‬
‫تكونه ترتبط األشياء به من حيث ما تعين منه ‪ ،‬وال يرتبط بها من حيث امتيازها‬
‫‪ ،‬وال ه‬
‫بتعدهدها عنه ‪ ،‬فيتوقف وجودها لها عليه ‪ ،‬وال يتوقف عليها ‪ ،‬مستغن بحقيقته عن كل‬
‫شيء ‪ ،‬مفتقر إليه في وجوده كل شيء ‪.‬‬

‫ليس بينه وبين األشياء نسبة إال العناية ‪ ،‬كما قيل ‪ ،‬وال حجاب إال الجهل والتلبيس‬
‫والتخيل ؛ لغاية قربه ودنوه ‪ ،‬وفرط عزه وعلوه ‪ ،‬وعنايته في الحقيقة إفاضة نوره‬
‫الوجودي على من انطبع في مرآة عينه التي هي نسب معلوميته ‪ ،‬واستعد لقبول حكم‬
‫‪،‬و ُه َو ال ه‬
‫س َمي ُع‬ ‫ْس َك َمثْ َل َه ش ْ‬
‫َي ٌءمن الوجه األول َ‬ ‫إيجاده ومظهريته سبحانه ‪،‬لَي َ‬
‫ير[ الشورى ‪ ] 11 :‬من الوجه الثاني ‪.‬‬ ‫ص ُ‬‫ْالبَ َ‬

‫ومتى أدرك أو شوهد أو خاطب أو خوطب فمن وراء حجاب عزته في مرتبة نفسه‬
‫المذكورة ‪ ،‬بنسبة ظاهريته وحكم تجليه في منزل تدليه من حيث اقتران وجوده العام‬

‫‪264‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 265‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٦٥‬‬

‫بالممكنات ‪ ،‬وشروق نوره على أعيان الموجودات ليس غير ذلك ‪.‬‬
‫فهو سبحانه من حيث هذا الوجه إذا لومح تعين وجوده متقيدا بالصفات الالزمة لكل‬
‫متعين من األعيان الممكنة ‪ ،‬التي هي في الحقيقة نسب علمه جمعا وفرادى ‪ ،‬وما يتبع‬
‫تلك الصفات من األمور المس هماه شؤونا وخواص وعوارض ‪ ،‬واآلثار التابعة ألحكام‬
‫االسم الدهر المس هماه أوقاتا ‪ ،‬والمراتب أيضا والمواطن ‪ ،‬فإن ذلك التعين والتشخص‬
‫ّللا تعالى ‪.‬‬
‫يس همى خلقا وسوى ‪ ،‬كما ستعرف عن قريب سره إن شاء ه‬

‫وينضاف إليه إذ ذاك كل وصف ‪ ،‬ويس همى بكل اسم ‪ ،‬ويظهر بكل رسم ‪ ،‬ويقبل كل‬
‫حكم ‪ ،‬ويتقيهد في كل مكان بكل رسم ‪ ،‬ويدرك لكل مشعر من بصر وسمع وعقل وفهم‬
‫‪ ،‬وغير ذلك من القوى والمدارك فاذكر ‪.‬‬

‫واعلم أن ذلك بسريانه في كل شيء بنوره الذاتي المقدهس عن التجزئ واالنقسام ‪،‬‬
‫والحلول في األرواح واألجسام فافهم ‪ ،‬ولكن كل ذلك متى أحب وكيف شاء ‪.‬‬

‫وهو في كل وقت وحال القابل لهذين الحكمين الكليين المذكورين المتضادين بذاته ‪ ،‬ال‬
‫بأمر زائد ‪ ،‬والجامع بين كل أمرين مختلفين من غائب وحاضر وصادر ووارد ‪ ،‬إذا‬
‫شاء ظهر في كل صورة ‪ ،‬وإن لم يشأ لم ينضاف إليه صورة ‪.‬‬

‫ال يقدح تعيهنه وتش هخصه بالصور ‪ ،‬واتصافه بصفاتها في كمال وجوده وعزه وقدسه ‪،‬‬
‫وال ينافي ظهوره في األشياء وإظهاره وتعينه وتقيده بها وبأحكامها من حيث هي علوه‬
‫وإطالقه من القيود ‪ ،‬وغناه بذاته عن جميع ما وصف بالوجود ‪ ،‬بل هو سبحانه الجامع‬
‫بين ما تماثل من الحقائق وتخالف فيتألف ‪ ،‬وبين ما تغاير وتباين فيختلف ‪.‬‬

‫بتجليه الوجودي ظهرت الخفيات ‪ ،‬وتنزلت من الغيب إلى الشهادة البركات من حيث‬
‫أسمائه ‪ :‬الباسط والمبدي ‪ ،‬وبارتفاع حكم تدليه تخفى وتنعدم الموجودات باسميه ‪:‬‬
‫القابض والمعيد ‪.‬‬

‫إنه تعالى كان محتجبا بعزه ‪ ،‬كان غفورا ‪ ،‬وإن أحب أن يعرف دنا وظهر فيما شاء‬
‫كيف شاء ‪ ،‬فكان ودودا ‪ ،‬فبالمحبة يبدي من كونه محبها وهي تبديه ‪ ،‬وبها من كونه‬
‫محبها ومحبوبا يعيد كل شيء في قبضته ‪ ،‬ومقهور تحت قوة بطشه لقوة فعله وضعف‬
‫المنفعل‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 266‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٦٦‬‬

‫ومظهر قدرته وآلة حكمته في فعله بسنته ‪ ،‬ومحل ظهور سر القبض والبسط واإلبداء‬
‫واإلخفاء والغيب والشهادة والكشف والحجاب الصوري السببي ‪ ،‬الذي به يفعل ما‬
‫ذكره ال مطلقا هو عرشه المجيد ‪.‬‬

‫ب أ َ ْو أ َ ْلقَى ال ه‬
‫س ْم َع َو ُه َو‬ ‫ولهذا قال سبحانه وتعالى مبدأ سر هذا األمر ‪َ :‬ل َم ْن كانَ لَهُ قَ ْل ٌ‬
‫ور ْال َودُو ُد *‬‫ئ َويُ َعي ُد * َو ُه َو ْالغَفُ ُ‬ ‫ش َر َبه َك لَ َ‬
‫شدَي ٌد * َإنههُ ُه َو يُ ْب َد ُ‬ ‫ش َهي ٌد [ ق ‪َ ، ] 37 :‬إ هن بَ ْ‬
‫ط َ‬ ‫َ‬
‫ذُو ْالعَ ْر َش ْال َم َجي ُد * فَعها ٌل َلما يُ َري ُد [ البروج ‪. ] 16 - 12 :‬‬

‫في مرتبتي اإلطالق والتقييد ‪ ،‬وقوله تعالى ‪:‬فَعها ٌل َلما يُ َريدُجواب سؤال مقدار ‪ ،‬علم أنه‬
‫يبدو من معترض محجوب ‪.‬‬
‫***‬

‫‪266‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 267‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٦٧‬‬

‫نص شريف هو آخر النصوص ‪:‬‬


‫ه‬
‫اعلم أن أعظم الشبه والحجب أن التعددات الواقعة في الوجود الواحد يوجب آثار‬
‫األعيان الثابتة فيه ‪ ،‬فتوهم أن األعيان ظهرت في الوجود وبالوجود ‪ ،‬وإنما ظهرت‬
‫آثارها في الوجود ولم تظهر هي ‪ ،‬وال تظهر أبدا ؛ ألنها لذاتها ال تقتضي الظهور ‪.‬‬
‫ومتى أخبر محقق بغير هذا أو نسب إليها الوجود والظهور ‪ ،‬فإنما ذلك اإلخبار بلسان‬
‫بعض المراتب واألذواق النسبية ‪ :‬أي إنما تثبت صحتها بالنسبة إلى مقام معين أو‬
‫مقامات مخصوصة دون ذوق مقام الكمال ‪.‬‬

‫وأما النص الذي ال ينسخ حكمه فهو ما ذكرناه ‪ ،‬وهكذا كل ما ذكر في هذا الكتاب ‪،‬‬
‫فإنه الحق الصريح الذي هو األمر عليه ‪ ،‬وما سواه فقد يكون صحيحا مطلقا كهذا الذي‬
‫ذكرنا ‪ ،‬وقد يكون صحيحا بالنسبة واإلضافة إلى مقام ما ‪ ،‬كما سبقت اإلشارة إليه ‪.‬‬

‫ومتى وضح لك ما ذكرته في هذا النص علمت أن الظهور للوجود ‪ ،‬لكن بشرط التع هدد‬
‫مع آثار األعيان فيه ‪ ،‬وأن البطون صفة ذاتية لألعيان ‪ ،‬والوجود أيضا من حيث تعقل‬
‫وحدته ‪ ،‬واألمر دائر بين ظهور وبطون لغلبة ومغلوبية ‪ ،‬بمعنى أنه ما نقص من‬
‫الظاهر اندرج في الباطن وبالعكس ‪ ،‬والنسب واإلضافات صور أحوال وأحكام تنشئ‬
‫بين المراتب ‪ ،‬فيظهر بعضها بعضا ‪ ،‬ويخفي بعضها بعضا ‪ ،‬بحسب الغلبة والمغلوبية‬
‫المشار إليها آنفا فافهم ‪.‬‬

‫ت هم الكتاب والحمد هلل وحده وصلهى هللا على سيهدنا محمد وآله وصحبه وسلم* * *‬

‫‪267‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 268‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٦٨‬‬
‫‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 269‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٦٩‬‬
‫فهرس المحتويات‬
‫مقدمة التحقيق ‪3‬‬
‫ترجمة المصنف ‪5‬‬
‫ترجمة صاحب النصوص ‪5‬‬
‫ترجمة الشارح ‪8‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص مقدمة الشيخ الشارح ‪11‬‬
‫[ مقدمة ‪ ،‬وفيها ثالثة فصول ] ‪14‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬في األدلة النقلية ‪14‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬في البراهين العقلية على وجود الواجب ‪39‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬في رفع الشبهات ‪47‬‬
‫أوان الشروع في المقاصد ‪50‬‬
‫النص األول ‪72‬‬
‫النص الثاني ‪80‬‬
‫النص الثالث ‪83‬‬
‫النص الرابع ‪86‬‬
‫النص الخامس ‪88‬‬
‫النص السادس ‪100‬‬
‫النص السابع ‪103‬‬

‫‪269‬‬
‫مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص ‪ 270‬عالء أحمد المهائمي‬

‫“ ‪“ ٢٧٠‬‬

‫النص الثامن ‪103‬‬


‫النص التاسع ‪116‬‬
‫النص العاشر ‪121‬‬
‫النص الحادي عشر ‪131‬‬
‫النص الثاني عشر ‪144‬‬
‫النص الثالث عشر ‪153‬‬
‫النص الرابع عشر ‪156‬‬
‫النص الخامس عشر ‪158‬‬
‫النص السادس عشر ‪160‬‬
‫النص السابع عشر ‪163‬‬
‫النص الثامن عشر ‪166‬‬
‫النص التاسع عشر ‪167‬‬
‫النص العشرون ‪176‬‬
‫النص الحادي والعشرون ‪194‬‬
‫النص الثاني والعشرون ‪230‬‬
‫نص شريف هو آخر النصوص ‪267‬‬ ‫النصوص في تحقيق ه‬
‫الطور المخصوص ه‬
‫فهرس المحتويات ‪269‬‬

‫*‬
‫تم بحمد هللا تعالى رب العالمين‬
‫عبدهللا المسافر باهلل‬
‫‪.‬‬

‫‪270‬‬

You might also like