Professional Documents
Culture Documents
1
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 2عالء أحمد المهائمي
““ ٢
.
2
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 3عالء أحمد المهائمي
““ ٣
مقدمة التحقيق
الرحيم
الرحمن ه ّللا ه
بسم ه
الحمد هّلل الذي فتق رتق الوجود من فيض وجوده األقدس ،ومن غيبه إلى عالم الشهادة
في الوادي المقدس ،بنفخة إرادية من سر نفسه األنفس ،فعطرت وقطرت وأمطرت
بغيث الرحمة المنزلة في أرض الوجود ،فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج
بنور نار القبس .
أحمده وأشكره على ما أولى وأنعم من وجود الحدث والقدم ،واستوى القدم على
الطريق األقوم المقدس .
ّللا وحده ال شريك له الواحد األحد الساري في مراتب األعداد وأشهد أن ال إله إال ه
بأحدية ال مشاركة فيها وال تجلي وال قبس .
وأشهد أن سيدنا محمدا الفاتح لسر الغيب من عين الغيب إلى الشهادة عبده ورسوله
ّللا عليه صالة األبد وعلى آله وصحبه وسلم بدوام النور والغلس المتجلي به له صلى ه
آمين .
وبعد . .فهذا كتاب “ “ للشيخ المهايمي ،المتحقق بعلوم األكابر من المحققين مثل
الشيخ األكبر والشيخ القونوي والعفيف التلمساني ،وغيرهم .
وقد ضمنه الشارح مسائل مهمة عالية في معرفة حقيقة التوحيد والنبوة والوالية ،
فكشف ما في النصوص من التباس وأبان ما خفي منه من دقائق مهمات .
وقد شرح النصوص جمع من العلماء ليسوا بالكثير ،والسبب في ذلك ما حوته
النصوص من غموض ،ورقي في اللفظ والمعنى منبعثة من بحار التجلي والشهود ،
فليس لغواص يغوص في أعماقها إال من كان للخصوصية حينئذ معهود .
ومنهم :
-أسرار السرور بالوصول إلى عين النور في شرح النصوص ،إلبراهيم بن
3
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 4عالء أحمد المهائمي
““ ٤
4
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 5عالء أحمد المهائمي
““ ٥
هو الشيخ محمد بن إسحاق بن محمد الرومي ،الصوفي ،العارف الكبير اإلمام
الشهير صدر الدين القونوي “ ، “ 1أجل تالمذة الشيخ محيي الدين ابن عربي قدس
ّللا سره .
ه
كان عارفا على المقام ،متكلما بما تقتصر عنه األفهام ،وهو شيخ أهل الوحدة بقونية
وما واالها .
كان يسلك طريق شيخه الحاتمي في جميع أحواله ومقاالته التي تفرد بها ،والوقوف
عند نص أقواله ،وكان بكتبه سيما الفتوحات مغري ،وهي أجود ما يعرفه ،وخير
دينار يخرجه من كيس معاليمه ويصرفه .
وكان ذا حظ عند األكابر موفور ،وقبول تام ،كل ذنب معه عندهم مغفور .
وله تصانيف في السلوك منها :
-تبصرة المبتدئ وتذكرة المنتهى فارسي .
-توجه األتم األعلى نحو الحق جل وعال .
-جامع األصول رسالة في الحديث .
-الرسالة المرشدية .
-الرسالة الهادية .
-فكوك النصوص في مستندات حكم الفصوص للشيخ األكبر .
-اللمعة النورانية في مشكالت الشجرة النعمانية .
-كشف السر .
-كشف أستار جواهر الحكم المستخرجة الموروثة من جوامع الكلم في شرح األربعين
في التصوف للسلمي .
-المفاوضات وهي أسئلة سئل عنها نصير الطوسي .مفتاح أقفال القلوب لمفاتيح
الغيوب .
-المؤاخذات وأجوبتها لنصير الطوسي.
....................................................................
) ( 1انظر :طبقات السبكي ( ، ) 45 / 8طبقات األولياء ( ، ) 467طبقات
الشعراني ( ، ) 203 / 1كرامات األولياء ( ، ) 133 / 1الكواكب الدرية ) ( 566
بتحقيقنا.
5
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 6عالء أحمد المهائمي
““ ٦
6
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 7عالء أحمد المهائمي
““ ٧
7
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 8عالء أحمد المهائمي
““ ٨
ترجمة الشارح
هو الشيخ العالمة المفسر المتكلم المحقق الصوفي الكبير عالء الدين :علي بن أحمد
بن إبراهيم بن إسماعيل المخدوم المهمائمي الدكني الهندي الحنفي الفقيه الصوفي ولد
سنة 776ه .
وتوفي سنة 835خمس وثالثين وثمانمائة .
مولده ووفاته في مهائم ( من بنادر كوكن ،وهي ناحية من الدكن -بالهند -مجاورة
للبحر المحيط ) والنوائت قوم في بالد الدكن ،قال الطبري :طائفة من قريش ،
خرجوا من المدينة خوفا من الحجاج بن يوسف ،فبلغوا ساحل بحر الهند وسكنوا به .
من كتبه :
-أدلة التأبيد شرح أدلة التوحيد .
-أدلة التوحيد .
-تبصير الرحمن وتيسير المنان بعض ما يشير إلى إعجاز القرآن في مجلدين .
-رسالة في تفسير ألم .
-الزوارف في شرح عوارف المعارف للشهاب السهروردي .
-خصوص النعم شرح فصوص الحكم للشيخ األكبر ( بتحقيقنا ) .
-إراءة الدقائق في شرح مرآة الحقائق .
-مشارع الخصوص إلى معاني النصوص ( كتابنا هذا )
وانظر :هدية العارفين ( ، ) 388 / 1إيضاح المكنون ( ، ) 651 ، 614 ، 52 /
األعالم للزركلي ( ، ) 257 / 4معجم المؤلفين ( ) . 10 / 7
***
8
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 9عالء أحمد المهائمي
““ ٩
9
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 10عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٠
.
10
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 11عالء أحمد المهائمي
“ “ ١١
الرحيم
الرحمن ه
ّللا ه
بسم ه
مقدمة الشيخ الشارح
نور سماوات األسماء والصفات ،وأرض سبحانك اللهم وبحمدك ،يا من وجوده ه
أعيان الممكنات ،تألأل في مشكاة عدمها مصباح ظهورك ؛ الالئح من زجاجة حبك ،
الذي هو كوكب دري من شهودك ،توقد شجرة ربوبيتك المباركة ،بالجمع بين
اإلجمال والتفصيل ،الزيتونية بما لها من اإليجاد والتحصيل ،ال شرقية تكشف
السبحات ،وال غربية ترخي الحجبات ،يكاد زيت جمالك يضيء بالظهور ،ولو لم
تمسسه نار حبك المحرقة للستور ،وذاتك نور على نور ،تهدي لنورك من تشاء من
األحباء ،وتضرب األمثال للناس ؛ ليحصل لهم بك االستئناس ،وأنت بكل شيء عليم
،فما أعمى عنك مع غاية ظهورك إال من علمت من عينه أنه في عماه مقيم ،ص هل
ي من مصباح روحه نور سماوات األرواح وأرض األشباح ،قبل أن يتلمع بمشكاة عل ه
بدنه ،ويطلع على زجاجة قلبه ؛ الذي هو كوكب دري من تجلهي ربه ،يوقد من شجرة
نفسه المباركة بالجمع بين الوجوب واإلمكان ،الزيتونة بالسماوات على ثمرات
األعيان ،ال شرقية من المجردات ،وال غربية من المعلقات ،يكاد زيت نبوتها
سته ،يضيء بالكماالت ،ولو لم تمسسه نار الرياضة المقتضية ظهور اآليات إذا م ه
فنور على نور تهدي لنورك من تشاء من األنبياء واألولياء ،وتضرب األمثال للناس ؛
ليعلموا رتبته منك برفع حجب االلتباس ،وأنت بكل شيء عليم ،فما منعت عن اقتباس
نوره إال من علمت أنه باستعداده سقيم.
ّللا ممنوبعد . .فيقول أقل عبيد العلي الصمد علي بن أحمد بن علي بن أحمد -جعله ه
أسعد بسعادة األبد :لما كان باتفاق أهل البصيرة والعيان ،وإطباق ذوي العقل والبيان
،وأن اإلنسان خالصة األكوان ،مراد بالذات لرب البريات من بين جميع الموجودات
،خلق على صورته لمعرفته ولمحبته ،وهو كونه مظهرا مجمال مفصال ألفعاله
وصفاته وذاته ،فما في سائر الحضرات مقدمات ومتمهات لما فيه من الكماالت ،فال
ب هد له إال ،وال ب هد من همة تعليه إلى ماله في عليين من معاني الدرجات ،وال تهمله
لتنزعه همته إلى أدنى من درجة البهائم والجمادات ،وذلك باستنارة سماء باطنه
وأرض ظاهره بمصباح العقل الفعلي ،من
11
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 12عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٢
نار العقل الفعال ،بعد صفاء زيتونة فكره بزيت الحدس عن مالبسة الوهم والخيال ،
وتنور مشكاة العقل الهيوالني ،وزجاجة العقل الملكي ؛ بنور العقل المستفاد من
العوالي ؛ بحيث تصير قوته القدسية يكاد زيتها يضيء باألسرار ؛ ولو لم تمسسه من
التعليم والرياضة نار ،وذلك هو نور المكاشفة الالئح منه عين اليقين ،صافيا عن
ظلومات شبه الفالسفة والمتكلمين ؛ على أن حججهم ال تفيد كشف الحقائق ،كما
اعترف بذلك اإلمامان الغزالي والرازي -وقد فاقا وفاقا فيهما أكثر الخالئق ،واألمر
ما بالغ السلف في النهي عنهما ،والتشديد على من يتعاطي تعلمهما وتعليمهما .
قيل :لوال النظر لم يتميز الصافي عند الكدر .
قلنا :بعد قطع العالئق ورفع العوائق -إن صار ضروريها ،وقد جاز انقالب النظر
إليه ؛ فال نزاع ؛ وإال فالمميز شواهد الكتاب والسنة وإجماع األمة ،ثم إرشاد الشيخ
المعروف باستقامة الطريقة وكمال البصيرة .
نعم . .قد يفيد النظر حل ما تحير فيه السالك من مقامات ،بواسطة ما استفاد من هذا
العلم من الملكات ،ولما كان كتاب النصوص مما أبرزه الشيخ المحقق ،قدوة أهل
الخصوص ،سلطان المحققين ،كهف المدققين ،إمام أئمة العارفين من ورثة
المحمديين ،صدر الحق والحقيقة والدين محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف
ّللا عنه وأرضاه به منه ؛ مشرقا بشموس هذا العلم ،مظهرا ألزهاره ، القونوي رضي ه
جامعا لكليات أشجاره الشاملة ،على كل صنف من أحلى ثماره ،كاشفا للطائف
أسراره مما أودع جوامع ألفاظه من أنواع أنواره ،ولم أر له شرحا أصال فضال عما
يفي بحل ألفاظه ومعانيه ،ويستوفي بمقاصده ومبانيه ،فألجأني األمر اإللزامي
والتوفيق اإللهي أن أعلق به شرحا يفيد قلوب طالبه في هذه المطالب ،مع أن
ى الباب ،ويصدني من االقتراب ،إذ هو الكتاب المكنون الذي ال قصوري يسد عل ه
يمس أبكاره إال المطهرون ،وال يكشف أسراره إال المقربون ؛ لكن سبقت قصوري
ّللا الواسع المنان ،حتى غوصني في بحر كرمه ؛ الستخراج ما فيه من اللؤلؤ رحمة ه
والمرجان ،وألهمني أن ألقبه “ :مشرع الخصوص إلى معاني النصوص “ ،وأسأله
من فضله العظيم ومنه القدير أن يزين قلمي ،بأن يصب عليه زالل الصواب ؛ حتى
يتعطش إليه جمهور الطالب ،ويجعله لي نورا يهديني به إلى حسن المآب ؛ بحيث
يكون مظهرا ألسمائه
12
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 13عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٣
13
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 14عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٤
14
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 15عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٥
ي بالنوافل حتى ّللا تعالى “ :ما يزال عبدي يتقرب إل ه ّللا عليه وسلم عن ه وقوله صلى ه
أحبه ،فإذا أحببته ،كنت سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصر به ،ويده التي
يبطش بها ،ورجله التي يمشي بها “ “ “ . 1
ّللا تعالى يقول يوم القيامة :يا ابن آدم ،مرضت ّللا عليه وسلهم “ :إن ه وقوله صلى ه
فلم تعدني . .إلى آخره “ “ “ . 2
ّللا عليه وسلهم “ :اربعوا على أنفسكم إنكم ال تدعون أص هما وال غائبا وقوله صلى ه
عنكم ،تدعون بصيرا ،وهو معكم والذين تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته
“ ““.3
وروى الترمذي في حديث طويل “ :والذي نفس محمد بيده ؛ لو أنكم دلهيتم بحبل إلى
ّللا ،ثم قرأ :هو األول واآلخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء األرض لهبط على ه
عليم “ “ ، “ 4إلى غير ذلك من األحاديث الصحيحة ؛ وإنما هأولها جمهور العلماء
فرارا من الشبهات ،وسنرفعها ،فال حاجة إلى تلك التأويالت .
ّللا
وأما من أقوال األئمة ؛ فمنها ما قال اإلمام حجة اإلسالم أبو حامد الغزالي -قدهس ه
روحه -في الباب الثالث من كتاب التالوة من “ اإلحياء “ :فمن عرف الحق رآه في
كل شيء ،إذ كل شيء هو منه وإليه وبه وله ،فهو الكل على التحقيق ،ومن ال يراه
في كل ما يراه ؛ فكأنه ما عرفه ،ثم قال :بل التوحيد الخالص أن ال يرى في كل
ّللا .
شيء إال ه
وفي كتاب ( :الصبر والشكر منه ) ،في بيان طريق كشف الغطاء عن الشكر ،
يعرفك قطعا أنهونقول هاهنا نظران :نظر بعين التوحيد المحض ،وهذا النظر ه
الشاكر وأنه المشكور ،وأنه المحب وأنه المحبوب ،وهذا نظر من عرف أنه ليس في
الوجود غيره ،وأن كل شيء هالك إال وجهه ،وإن ذلك صدق في كل حال أزال
وأبدا .
النظر الثاني :وليس في الوجود إال موجود واحد وموجد ،فالموجد حق والموجد باطل
من حيث هو هو ،والموجود قائم وقيوم ،والموجد هالك وفان ،وإذا كان كل من
..........................................................................
) ( 1رواه البخاري ( ، ) 2384 / 5والطبراني في األوسط ( 9 / 139 ) .
) ( 2رواه مسلم ( ، ) 1990 / 4وابن حبان في الصحيح ( 1 / 503 ) .
) ( 3رواه البزار في مسنده ( 8 / 19 ) .
) ( 4ذكره القرطبي في التفسير( 1 / 260 ) .
15
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 16عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٦
عليها فان ،فال يبقى إال وجه ربك ذو الجالل واإلكرام .
ثم قال :إن ك هحل بصره بما يزيد في أنواره فيقل عمشه ،وبقدر ما يزيد في بصره
ّللا ،فإن بقي في سلوكه كذلك ؛ فال يزال يفضي به يظهر له من نقصانه ما أثبته سوى ه
ّللا ،فيكون قد بلغ
ّللا ،فال يرى إال هالنقصان إلى المحو ،فينمحي عن رؤية ما سوى ه
ّللا ؛ دخل في أوائل التوحيد . كمال التوحيد ،وحيث أدرك نقصانا في وجود ما سوى ه
ثم قال في ( كتاب الرجاء والخوف منه ) ،في بيان درجة الخوف واختالفه في القوة
والضعف :فإن أثمر الورع فهو أعلى ،وأقصى درجاته أن يثمر درجات الصديقين ،
ّللا تعالى فيه
ّللا تعالى ،حتى ال يبقى لغير ه وهو أن يسلب الظاهر والباطن مما سوى ه
متسع .
ثم قال في كتاب ( التوحيد والتوكل ) ،في بيان حقيقة التوحيد الذي هو أصل التوكل :
لب اللب ،وإلى قشر ،وإلى قشر للتوحيد أربع مراتب ،وهو ينقسم إلى لب ،وإلى ه
القشر .
ثم قال :والرابعة أال يرى في الوجود إال واحدا ،وهو مشاهدة الصديقين .
يتصور أال يشاهد إال واحدا ،وهو يشاهد السماء واألرض ه ثم قال :فإن قلت :كيف
وسائر األجسام المحسوسة ،وهي كثيرة ،فكيف يكون الكثير واحدا ؟ ثم قال في
الجواب :
إن الشيء قد يكون كثيرا بنوع مشاهدة واعتبار ،ويكون واحدا بنوع آخر من المشاهدة
أن اإلنسان كثيرا ما التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه واالعتبار ،وهذا كما ه
وعظامه وأحشائه ،وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد ،إذ نقول :إنه إنسان
واحد فهو باإلضافة إلى اإلنسانية واحد .
ثم قال :فكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة
،فهو باعتبار واحد من االعتبارات واحد ،وباعتبارات أخرى سواها كثير ،بعضها
ّللا عليه وسلم لبيدا .
أشد كثرة من بعض ،ثم استشهد بتصديقه صلى ه
ثم قول سهل :يا مسكين كان ولم تكن ،ويكون وال تكون ،فلما كنت اليوم صرت
تقول أنا ،وأنا ،كن اآلن كما لم تكن ،فإنه اليوم كما كان .
ثم قال في كتاب ( المحبة والشوق منه ) ،في بيان سبب قصور أفهام الخالئق عن
16
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 17عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٧
فاّلل تعالى هو أظهر األمور ،وبه ظهرت األشياء كلها ،فلو كان له عدم أو ثم قال :ه
غيبة أو تغير ؛ ال نهدمت السماوات واألرض ،وبطل الملك والملكوت ،وألدرك به
التفرقة بين الحالين ،ولو كانت بعض األشياء موجودة به ،وبعضها موجودة بغيره ؛
ألدركت التفرقة بين الشيئين في الداللة ؛ ولكن داللته عامة في األشياء على نسق واحد
،ووجوده دائم في األحوال يستحيل خالفه ،فال جرم أورثت شدة ظهوره خفاء ،فهذا
هو السبب في قصور األفهام ،فأما من قويت بصيرته ولم تضعف همته ؛ فإنه في
ّللا ،ويعلم أنه ليس في الوجود إال
ّللا ،وال يعرف غير هحال اعتدال أمره ال يرى إال ه
ّللا ،وأفعاله أثر من آثار قدرته ،فهي تابعة له ،فال وجود بالحقيقة دونه ؛ وإنما
ه
الوجود للواحد الحق الذي به وجود األفعال كلها .ومن هذا حاله ،فال ينظر في شيء
من األفعال إال ويرى فيه الفاعل ،ويذهل عن الفعل من حيث أنه سماء وأرض
وحيوان ونبات وشجر .
ّللا ،بل ال ينظر إلى نفسه من حيث ثم قال :وكان هو الموحد الحق الذي ال يرى إال ه
ّللا ؛ فهو الذي يقال فيه :أنه فني في التوحيد ،وأنه فنينفسه ،بل من حيث أنه عبد ه
عن نفسه ،وإليه اإلشارة بقول من قال :كنا بنا ،ففنينا عنا ،فبقينا بال نحن ،ثم قال :
ولذلك قيل :لقد ظهرت فما تخفى على أحد * هإال على أكمه ال يعرف القمرا
لكن بطنت بما أظهرت محتجبا * فكيف يعرف من بالعين استترا
17
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 18عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٨
18
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 19عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٩
أن الموجود هو الحق سبحانه ،وأن كل ما سواه فهو باطل ،فهذا رجل فني ما سوى
ّللا ،
الحق في نظره ،وفنيت أيضا نفسه عن نظره ،ولم يبق في نظره وجود غير ه
فقال في ذلك الوقت أنا الحق ،كأن الحق سبحانه أجرى هذه الكلمة على لسانه حال
ّللا تعالى ،ثم نقل عن الغزالي فيفنائه بالكلية من نفسه ،واستغراقه في نور جالل ه
سبب غلبة جريان اسم الحق على لسان الصوفية :إنهم في مقام المكاشفة ،ومن كان
ّللا حقها وغيره باطال ،وأما المتكلمون فهم من مقام االستدالل
في مقام المكاشفة رأى ه
ّللا ،فال جرم كان الغالب على ألسنتهم اسم الباري تعالى.
ّللا على وجود ه
بغير ه
ثم إن الدليل الثاني لو تم ،فإنما يتم في الماهيات الموجودة ،ال فيها من حيث هي قابلة
للوجود والعدم ونفس الماهية هناك ،فكيف يكون قرب الصانع أتم من قربها من نفسها
بل من وجودها في الموجودية ؟ وقد ذكر في األول ،فافهم.
ثم قال في تفسير الواحد األحد ،بعد إعادة نكتة ذكرها في “ :هو واعلم أن مقام
التوحيد مقام يضيق النطق عنه ؛ ألنك إذا أخبرت عنه فهناك مخبر عنه ومخبر به
ومجموعهما ،فهو ثالثة ال واحدة ،فالعقل يعرف ولكن النطق ال يصل إليه.
.................................................................
وأطال في ذلك [ .مختصر الفتوحات المكية ].
19
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 20عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٠
سئل الجنيد عن التوحيد ،فقال :معنى يضمح هل فيه الرسوم ،وتشوش فيه العلوم ،
ّللا كما لم يزل . ويكون ه
ثم قال :وقال ابن عطاء :من الناس من يكون في توحيده مكاشفا باألفعال ،يرى
باّلل ،ومنهم من هو مكاشف بالحقيقة ،فيضمحل إحساسه بما سواه ،فهو الحادثات ه
يشاهد الجمع سرا بسر ،وظاهره موصوف بالتفرقة .
ثم قال في تفسير اسمه األول اآلخر ،الظاهر الباطن ،نقال عن الغزالي :إنما خفي
لشدة ظهوره ونوره ،وهو حجاب نوره .
وهو المراد من قول بعض المحققين :سبحان من اختفى عن العقول بشدة ظهوره ،
واحتجب عنها بكمال نوره .
ي، ثم قال في تفسير اسمه النور :إن النور الظاهر :هو الذي يظهر به كل شيء خف ه
والخفاء ليس إال العدم ،والظهور ليس إال الوجود ،والحق سبحانه موجود ال يقبل
العدم ،فهو نور ال يقبل الظلمة ،والحق سبحانه هو الذي وجد به كل ما سواه ،فهو
ّللا ،بل هو نور األنوار ، سبحانه نور كل ظلمة وظهور كل خفاء ،فالنور المطلق هو ه
إلى غير ذلك من المواضع .
ومنها ما قال الشيخ الكبير شهاب الدين السهروردي في العوارف ،في الباب الثامن :
“ والصوفي صفا عن هذه البقية في طرفي العمل والترك للخلق ،وعز لهم بالكلية
وراءهم بعين الفناء والزوال ،والح له ناصية التوحيد ،وعاين سر قوله تعالى ُ :ك ُّل
ك َإ هال َو ْج َههُ [ القصص . ] 88 :
ش ْيءٍ ها َل ٌ
َ
ّللا .
ما قال بعضهم في بعض غلباته :ليس في الدارين غير ه
ثم قال في الباب العشرين :فأما الفناء الباطن -وهو محور آثار الوجود عند لمعان
نور الشهود -يكون في تجلي الذات .
ّللا ؛
ثم قال في الباب الثالثين :فالصوفي في االبتداء ينفي الخلق ،ويرى األشياء من ه
حيث طالع ناصية التوحيد ،فإذا ارتقى إلى ذروة التوحيد يشكر الخلق بعد شكر الحق
،ويثبت لهم وجودا في المنع والعطاء ،بعد أن يرى المسبب أوال ؛ وذلك لسعة علمه
وقوة معرفته ،يثبت الوسائط ،فال يحجبه الخلق عن الحق كعامة المسلمين ،وال
يحجبه الحق عن
20
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 21عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢١
الخلق كأرباب اإلرادة والمبتدئين ،فيكون شكره للحق ؛ ألنه المنعم والمعطى والمسبب
،ويشكر الخلق ؛ ألنهم واسطة وسبب .
ثم قال في الباب السابع والثالثين :ومن الساجدين من يكاشف أنه يطوي بسجوده
بساط الكون والمكان ،ويسرح قلبه في فضاء الكشف والعيان ،فيهوى دون هوية
إطباق السماوات ،ت همحي لقوة شهوده تماثيل الكائنات ،ويسجد على طرف رداء
العظمة .
ثم قال في الباب الحادي والستين :فيغلب وجوده الحق األعيان واألكوان ،فيرى
باّلل من غير استقالل الكون بنفسه . الكون ه
ثم قال في الباب الحادي والستين :وكان الحب والشوق منهم إشارة من الحق إليهم
باّلل .
عن حقيقة التوحيد ،وهو الوجود ه
ثم قال :فالساجد إذا أذيق طعم السجود يقرب ؛ ألنه يسجد ويطوى بسجوده بساط
الكون ،ما كان وما يكون ،ويسجد على طرف رداء العظمة ،فيقرب .
ثم قال :ومنهم من يرتقي إلى مقام الفناء ،مشتمال على باطنه أنوار اليقين والمشاهدة
،مغيهبا في شهوده عن وجوده ،وهذا ضرب من تجلي الذات لخواص المقربين ،وهذا
المقام رتبة في الوصول ،وفوق هذا حق اليقين ،ويكون من ذلك محورا في الدنيا
للخواص ،وهو سريان نور المشاهدة في كلية العبد ،حتى تحظى به روحه ونفسه
وقلبه حتى قالبه ،وهذا من أعلى رتب الوصول .
ّللا بن عمر “ :أنه سلهم عليه
ثم قال :ومن اإلشارة إلى الفناء ،وما روى عن عبد ه
إنسان وهو في الطواف ،فلم يرد عليه ،فشكاه إلى بعض أصحابه ،فقال :كنا نتراءى
ّللا في ذلك المكان “ “ “ . 1 ه
ثم قال :ولكن الفناء المطلق هو ما يستولى من أمر الحق سبحانه وتعالى على العبد ،
فيغلب كون الحق على كون العبد إلى غير ذلك من المواضع .
ومنها ما قال األستاذ أبو القاسم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري ،في رسالة في
فضل بيان اعتقاد هذه الطائفة ،عن النصرآبادي أنه يقول “ :أنت متردد بين صفات
قربكالفعل وصفات الذات ،وكالهما صفة على الحقيقة ،فإذا هيهمك في مقام التفرقة ه
بصفات
............................................
) ( 1رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( ، ) 305 / 2وابن سعد في الطبقات ( 4 /
167 ) .
21
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 22عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٢
قربك لصفات ذاته “ . فعله ،وإذا بلهغك إلى مقام الجمع ه
ّللا ؟ فقال :
ثم قال “ :ورأيت بخط األستاذ أبي على الدقاق أنه قيل لصوفي :أين ه
ّللا ،أتطلب مع العين أين ؟ “ . أسخطك ه
وفي باب تفسير األلفاظ ،في بيان لفظ التواجد ""1والوجد “ “ 2والوجود “ " 3
عن الجنيد أنه قال “ :علم التوحيد مبائن لوجوده ،ووجوده مبائن لعلمه “ “ “ .4
................................................
) ( 1التواجد :استعمال الوجد ،بتعمد في تحصيله ،ففي الحقيقة ال يصادف الوجد
األعلى القلب الفارغ فجأة ،فما يحصل باالستدعاء ال يكون وجدا.
وقيل :إظهار حالة الوجد من غير وجد ؛ موافقة لمن به الوجد ،وإن كان من إثارة
الطبع فليس ذلك من شيم أهل الطريقة.
) ( 2قيل :إنه بمعنى الوجدان للشيء ،والوجود له ،ويتفاوت معناهما .والمراد بذلك
مصادفة الشيء ومالقاته معنى أو صورة .وقيل :الوجد يخص من بينهما بكونه
عبارة عما يصادف القلب من الحزن على فوت مطلوب .وقيل :الوجد عن كل ما يرد
على النفس وتجده في ذاتها .وخصه بعضهم بما كان من ذلك متعلقا بالفضائل فقط .
والوجد هو المنزل السادس من المنزل العشرة التي يشتمل عليها قسم األحوال كما
عرفت ذلك فيما مر .والمراد بالوجد :لهيب يتأجج من شهود عارض مقلق ،وذلك
عندما يجد السر أثر األلم والقهر العارض من العطش والقلق ،وقد عرفتهما بحيث
يكاد أن يغيبه.
ولهذا قالوا بأن الوجد ما يصادف القلب من األحوال المفنية له عن الشهود .وقالوا :
ّللا
الوجد ثمرة الواردات التي هي ثمرة األوراد ،فمن ازدادت وظائفه ازدادت من ه
لطائفه ،ومن ال ورد له بظاهره ،فال وجد له في باطنه ،وليس له وجدان في
سرائره.
) ( 3الوجود :وجدان الحق في الوجد ،فإن المشهود في الوجد هو ما صادف بغتة ،
وما صادف بغتة إن لم يكن وجود الحق ال يفنيك عن شهودك نفسك وشهود الكون ،إذ
من شأن القديم أن يمحو الحادث عند اقترانه به ،ال شأن غيره ،ولكن وجود الحق في
الوجد غير معلوم ؛ إذ ما يقع به المصادفة قد يكون على حكم ما عينه السماع المطلق
أو المقيد فال ينضبط ؛ فإنه ُ :ك هل يَ ْو ٍم ُه َو فَي شَأ ْ ٍن [ الرحمن ، ] 29 :ولذلك قال قدهس
سره :إذا رأيتم من يقدر الوجد على حكم ما عينه السماع المطلق أو المقيد فما عنده ه
ّللا تعالى ال يدركخبر بصورة الوجد ،فإنما هو صاحب قياس في الطريق ،وطريق ه
بالقياس ؛ فإنه ُ :ك هل يَ ْو ٍم ُه َو فَي شَأ ْ ٍن ،وإن كل نفس في استعداد.
فوجود الحق في الوجود إنما يختلف عند الواجد بحكم األسماء اإللهية ،وبحكم
االستعدادات الكونية في كل نفس إلى ال غاية.
) ( 4انظر :الرسالة ( ، ) 203 / 1والتعريفات للجرجاني وعقب بقوله :الوجود
فقدان العبد بمحاق
22
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 23عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٣
وعن أبي على الدقاق “ :إن الوجود يوجب استهالك العبد ،فهو كمن غرق في
البحر “ .
ثم قال “ :صاحب الود له صحو ومحو ،فحال صحوه بقاؤه بالحق ،وحال محوه
فناؤه بالحق ،وهاتان الحالتان أبدا متعاقبتان عليه ،فإذا غلب عليه الصحو بالحق فيه
ّللا عليه وسلم وأوالده فيما أخبر عن الحق “ :فبييصل ،وبه يقول “ ،قال صلى ه
يسمع ،وبي يبصر “ “ “ . 1
ثم قال في بيان الجمع والفرق “ :ويختلف الناس في هذه الجملة على تباين أحوالهم
وتفاوت درجاتهم ،فمن أثبت نفسه وأثبت الخلق ولكن يشاهد الكل قائما بالحق ؛ فهذا
هو جمع ،وإن كان مختلفا عن شهود الخلق ،مصطلحا منقلعا عن نفسه ،مأخوذا
بالكلية عن اإلحساس ،يعلن بما ظهر واستولى من سلطان الحقيقة ؛ فذلك جمع الجمع
باّلل ،وجمع الجمع ،فالتفرقة شهود األغيار هّلل عز وجل ،والجمع شهود األغيار ه
ّللا عند غلبات الحقيقة ،وبعد هذا حالة
االستهالك بالكلية وفناء اإلحساس بما سوى ه
عزيزة يسميها القوم الفرق الثاني ،وهو أن يرد إلى الصحو عن أوقات أداء الفرائض
باّلل ال للعبد بالعبد “ .
،فيجري عليه القيام بالفرائض في أوقاتها ،فيكون رجوعا ه
الزهد أسال عنهم غير أنهني * وجدتك مشهودا بك هل مكانثمثم قال في بيان القرب :وما ه
نقل عن الجنيد في باب التوحيد ما ذكره اإلمام الرازي عنه ،ثم قال “ :وقيل ألبي
بكر التلمساني :ما التوحيد ؟ فقال :توحيد وموحد وحد ،هذه ثالثة .
وقال رويم :التوحيد محو اآلثار البشرية وتجرد األلوهية ،وقال :عالمة حقيقة
التوحد القائم به واحدا .
ثم نقل عنه ما ذكره اإلمام عنه ،ثم قال :وسئل الجنيد عن التوحيد ،فقال :سمعت
أوصاف البشرية ،ووجود الحق ألنه ال بقاء للبشرية وثم ظهور سلطان الحقيقة ،وهذا
معنى قول أبي الحسين النوري :أنا منذ عشرين سنة بين الوجد والفقد إذا وجدت ربي
فقدت قلبي .
وهذا معنى قول الجنيد :علم التوحيد مباين لوجوده ،ووجود التوحيد مباين لعلمه .
فالتوحيد بداية ،والوجود نهاية والوجود واسطة بينهما .التعريفات ( ص . ) 324
............................................................
) ( 1رواه الحكيم الترمذي في النوادر( 1 / 265 ) .
23
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 24عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٤
مغنيا يقول:
وغنهى لي منهي قلبي وغنهيت كما غنهى * وكنها حيث ما كانوا وكانوا حيث ما كنها
ثم قال :وقيل لذي النون :بم عرفت ربك ؟ قال :عرفت ربي بربي ،ولوال ربي لما
عرفت ربي.
وقال الشبلي :العارف ال يكون لغيره ال ه
حظا ،وال لكالم غيره ال فظا.
ّللا
ّللا ،وال في يقظته غير ه وسئل أبو يزيد عن العارف ،فقال :ال يرى في نومه غير ه
ّللا.
ّللا ،وال يطالع غير ه
،وال يوافق غير ه
ثم قال في باب المحبة :وقيل :محو المحب بصفاته ،وإثبات المحبوب بذاته ،إلى
غير ذلك من المواضع.
24
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 25عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٥
ثم قال :فال يعلم لهم نفسا واحدا مع الخلق ،وأنهي بذلك وال خلق ،وإذا لم يكن فإثبات
ما لم يكن شرك في التوحيد ،ثم قال :وليس على سرهم ذرة من إثبات األغيار.
ب تَعالَ ْوا إَلى َك َل َم ٍة [ آل عمران : ] 64 :وكما ال يكون وفي قوله تعالى :يا أ َ ْه َل ْال َكتا َ
غيره معبودك ،ال يكون غيره مقصودك ومشهودك ،وهذا هو اتقاء الشرك ،وأنت
أول األغيار الذين ال تشهدهم.
وفي قوله تعالى َ :وال يَأ ْ ُم َر ُك ْم أ َ ْن تَت ه َخذُوا ْال َمالئَ َكةَ َوالنه َب َيهينَ أ َ ْربابا ً [ آل عمران : ] 80 :
أي يأمركم بإثبات الخلق بعد تخصيصهم شهود الحق.
ويقال :أيأمركم بمطالعة األشكال ونسبة الحدثان إلى األمثال ؛ بعد أن الح في
أسراركم أنوار التوحيد ،وطلعت في قلوبكم شموس التفريد ؟.
اّلل [ آل عمران ] 101 :ومن كشف عن سره غطاء التفرقة ص ْم بَ ه َ وفي قوله َ :و َم ْن يَ ْعت َ َ
؛ تحقق بأن ال غيرية ذرة ؛ إذ منه سببه.
سو َل [ آل عمران ] 172 :فاستجابته الحق الر ُ وفي قوله تعالى :الهذَينَ ا ْستَجابُوا َ ه َ
ّلل َو ه
بالتحقيق لوجوده.
شيْئا ً [ النساء ] 36 :الشرك جليهه اعتقاد ّللا َوال ت ُ ْش َر ُكوا بَ َه َ وفي قوله تعالى َ :وا ْعبُدُوا ه َ
معبود سواه ،وخفيهه مالحظة موجود سواه ،التوحيد أن تعرف أن الحادثات كلها
باّلل ،قائمة به. حاصلة ه
وفي قوله تعالى َ :إ ْن يَ ْدعُونَ َم ْن دُونَ َه َإ هال َإناثا ً [ النساء ، ] 117 :وما إبليس إال مقلب
في القبضة على ما يريده المنشئ ،ولو كان به ذرة من اإلثبات لكان شريكا في
اإللهية.
ّللاُ بَالله ْغ َو فَي أَيْمانَ ُك ْم [ المائدة ] 89 :ومن أنت في الواقعة ؤاخذُ ُك ُم ه وفي قوله :ال يُ َ
حتى تقدهم نفسك ؟ وأين في الدار ديار حتى يقول بتركه أو يتحقق بوصله أو هجره ؟
ّللا الواحد القهار. كال بل هو ه
ض [ األنعام ] 12 :سألهم هل في ت َو ْاأل َ ْر َسماوا َ وفي قوله تعالى :قُ ْل َل َم ْن ما فَي ال ه
الدار ديار ؟
25
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 26عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٦
علَ ْي َه الله ْي ُل [ األنعام ، ] 76 :ويقال :قوله عند شهود وفي قوله تعالى :فَلَ هما َج هن َ
الكواكب والشمس والقمر هذا َر َبهي [ األنعام ، ] 78 :إنه كان يالحظ اآلثار واألغيار
ّللا.
ّللا ،ثم طالع األغيار محو في ه باّلل ،ثم كان يرى األشياء هّلل ومن ه ه
ظ ْل ٍم [ األنعام ] 28 :في التحقيق سوا إَيمانَ ُه ْم َب ُوفي قوله تعالى :الهذَينَ آ َمنُوا َولَ ْم يَ ْل َب ُ
ّللا
وضع الشيء في موضعه ،وأصعبه حسبان الحدثان ما لم يكن فكان ؛ فإن المنشئ ه
ّللا.
ّللا ،وسقط ما سوى ه ّللا ،وال إله إال ه والمجرى ه
ع ْن ُه ْم [ األنعام ، ] 88 :يعني :لوال حظوا غيرا ط َ وفي قوله تعالى َ :ولَ ْو أ َ ْش َر ُكوا لَ َح َب َ
،أو شاهدوا من دوننا شيئا ،أو نسبوا شيئية من الحدثان إلى غير قدرتنا في الظهور ؛
لتأسى ما أسلفوه عن عرفانهم.
وفي قوله َ :و ُه َو َو َليُّ ُه ْم [ األنعام ] 127 :ال في بدايتهم يقصدون غيره ،وال في
نهايتهم يجدون غيره ،وال في وسطهم يشهدون غيره ،إلى غير ذلك من المواضع
التي ال تنحصر.
ومنها ما قال الشيخ المحقق أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي النيسابوري ،
باّلل ظهرت األشياء ، في تفسيره المسمى بالحقائق :قيل :إن الباء في “ بسم “ أنه ه
وبه فنيت ،وبتجليه حسنت المحاسن ،وباالستتار قبحت وسمحت “ “ .1
ّللا
باّلل ؟ وهل يرى ه ّللا إال ه
وكتب أبو سعيد الخراز إلى بعض إخوانه :هل يقدهر أحد ه
ّللا ؟
ّللا ؟ وهل كان قبل العبد وقبل الخلق إال ه ّللا أو يعرفه إال ه ّللا ؟ وهل عرف ه إال ه
وهل
............................................................
) ( 1قال روزبهان البقلي “ :الباء “ :كشف البقاء ألهل الفناء ،و “ السين “ :
كشف سناء القدس ألهل األنس ،و “ الميم “ :كشف الملكوت ألهل النعوت ،و
سره للخصوص ،و “ الميم “ :محبته بره للعموم ،و “ السين “ :ه “ الباء “ :ه
سر الربوبية ،لخصوص الخصوص ،و “ الباء “ :بدء العبودية ،و “ السين “ :ه
و “ الميم “ :منة في أزليته على أهل الصفوة .و “ الباء “ من بسم أي :ببهائي
بقاء أرواح العارفين في بحار العظمة .و “ السين “ من بسم أي :بسنائي سمت
أسرار السابقين في هواء الهوية .و “ الميم “ من بسم أي :بمجدي وردت المواجيد
ّللا عليه وسلهم “ :إن قلوب الواجدين من أنوار المشاهدة .وروي عن النبي صلى ه
باّلل ظهرت األشياء ، ّللاَ :ه
الباء بهاؤه ،والسين سناؤه ،والميم مجده “ .وقيل فيبَ ْس َم ه
وبه فنيت ،وبتجلهيه حسنت المحاسن ،وباستناره فتحت المفاتح.
26
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 27عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٧
وّلل.
باّلل ه
باّلل ،فكانوا ه
ّللا ؟ إذ لم يكونوا ه
اآلن في السماوات واألرض وما بينهما إال ه
بار َئ ُك ْم [ البقرة ، ] 54 :قال الفارسي :التوبة محو وفي قوله تعالى :فَتُوبُوا َإلى َ
البشرية بإثبات األلوهية.
ت [ البقرة ، ] 256 :وقيل :الطاغوت كل ما سوى غو َ وقوله تعالى :فَ َم ْن يَ ْكفُ ْر بَ ه
الطا ُ
باّلل.
ّللا تعالى .وفي الجملة من لم يتبرأ من الكل ال يصح له اإليمان ه ه
ي الهذَينَ آ َمنُوا [ البقرة ، ] 257 :قال ابن عطاء: ّللاُ َو َل ُّ
وفي قوله تعالى :ه
يفنيهم عن صفاتهم بصفته ،فتندرج صفاتهم تحت صفاته ،كما اندرجت أكوانهم تحت
كونه ،وحقوقهم عند حقه.
ض [ البقرة ، ] 284 :فمن اشتغل بهما ت َوما فَي ْاأل َ ْر َ سماوا َ ّلل ما فَي ال ه وقوله َ :ه َ
اشتغل بال شيء عن كل شيء.
ش ْي ٌء [ آل عمران ، ] 5 :قال جعفر :فالعلَ ْي َه َّللا ال يَ ْخفى َ وفي قوله تعالى َ :إ هن ه َ
يطلعن عليك ،فيرى في قلبك سواه فيمقتك.
ّللا يَ ْبغُونَ [ آل عمران ] 83 :قال الواسطي :من تمسك بغير َين ه َ وفي قوله :أ َ فَغَي َْر د َ
الوحدانية ،بل بغير الواحد ؛ فهو بعيد عن الحقيقة.
يم [ آل عمران ، ] 97 :قال الشبلي :من شاهد فيه مقام وفي قوله تعالى َ :مقا ُم إَبْرا َه َ
الخليل والمقام فهو شريف ،ومن شاهد فيه المقام الحق فهو أشرف.
ق تُقاتَ َه [ آل عمران ، ] 102 :قال جعفر: وفي قوله تعالى :اتهقُوا ه َ
ّللا َح ه
أال ترى في قلبك شيئا سواه. التقوى :ه
وقوله َ :م ْن ُك ْم َم ْن يُ َري ُد ال ُّد ْنيا [ آل عمران ، ] 102 :قال الثوري :العامة في قميص
العبودية ،والخاصة في قميص الربوبية ،فال يالحظون العبودية ،وأهل الصفوة
جذبهم الحق ومحاهم عن نفوسهم.
سبَ هن الهذَينَ يَ ْب َخلُونَ [ آل عمران ، ] 180 :قال ابن عطاء :ومن نظر وقوله َ :وال يَ ْح َ
في طريق الحق إلى الغير ؛ حرم فوائد الحق وسواطع أنوار القرب .
ض [ آل عمران ، ] 190 :قال ت َو ْاأل َ ْر َ سماوا َ ق ال هوقوله َ :إ هن فَي خ َْل َ
27
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 28عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٨
بعضهم :إن الخواص لم ينظروا إلى الكون والحوادث إال بمشاهدة اآليات ،وما
شاهدوا اآليات إال بمشاهدة الحق ،ومن شاهد الحق لم يمازج طعم الحدث ،وإني
بالحدث لمن الحدث عنده غير الحدث.
ش َر ُكوا بَ َه [ النساء ، ] 36 :قال ابن عطاء: ّللا َوال ت ُ ْ
وفي قوله تعالى َ :وا ْعبُدُوا ه َ
ضرا ونفعا. الشرك أن ترى غيره ،أو ترى من سواه ه
ك َب َه [ النساء ، ] 48 :قال الواسطي: ّللا ال يَ ْغ َف ُر أ َ ْن يُ ْش َر َ
وقوله تعالى َ :إ هن ه َ
ّللا.
هو أال يطالع سره شيئا سوى ه
ّللا [ النساء ، ] 80 :قيل :طاعة الرسول ع هَ سو َل فَقَ ْد أَطا َ الر ُوقوله تعالى َ :م ْن يُ َطعَ ه
ّللا عليه وسلم طاعة الحق ؛ لفنائه عن أوصافه وقيامه بأوصاف الحق ،وفنائه صلى ه
عن رسومه وبقائه بالحق ظاهرا وباطنا ،فبطاعته وذكره يصل العبد إلى الحق ،
وبمخالفته ينقطع عنه.
وقوله :فَلَ هما ت َ َوفه ْيتَنَي [ المائدة ، ] 117 :قال أبو بكر الفارسي :الموحد حيث ما نظر
كان الحق منظوره ،إن أخلد في النار لم يلتمس فرجا ؛ ألن رؤية الحق وطئه ونجاته
وهلكته من غير واحدة ،لم يبق حجاب إال طمسه برؤية التفريد ،فكان المخاطب
والمخاطب واحدا ؛ وإنما يخاطب الحق نفسه بنفسه.
علَ ْي َه الله ْي ُل َرأى َك ْو َكبا ً [ األنعام ، ] 76 :قال الواسطي: عز وجل :فَلَ هما َج هن َ وقوله ه
يطالع الحق بسره ال الكوكب.
وقوله َ :و ُه َو الهذَي أ َ ْنشَأ َ ُك ْم َم ْن نَ ْف ٍس َ
واح َدةٍ فَ ُم ْستَقَ ٌّر [ األنعام ، ] 98 :قال الواسطي :
مستقر فيه أنوار الذات على األبد.
ض [ األنعام ، ] 116 :قيل :من نظر إلى سوى وقوله َ :وإَ ْن ت ُ َط ْع أ َ ْكث َ َر َم ْن فَي ْاأل َ ْر َ
الحق خاب وضل.
وفي قوله تعالى َ :و َكله َمهُ َربُّهُ [ األعراف ، ] 143 :سأل النظر إليه إذ رجع إلى
ّللا في كل منظور له ومبصر. حقيقته ،فرأى ه
وقوله :فَلَ هما ت َ َجلهى َربُّهُ [ األعراف ، ] 143 :قال الواسطي :وصل إلى الخلق من
صفاته ونعوته على مقادير هم ال كلية الصفات ،كما أن التجلي لم يكن بكلية الذات.
28
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 29عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٩
وقوله :فَلَ ْم ت َ ْقتُلُو ُه ْم . . .اآلية [ األنفال ، ] 17 :قال بعضهم :ما رميت ،ولكن
الرامين عنك ؛ ألن المباشرة منك ، رميت بسهم الجمع فغيبك عنك ،فرميت وال سيهما ه
والحقيقة لنا إذا لم نفرق.
ش ُهودا ً [ يونس ] 61 :وقال بعضهم : علَ ْي ُك ْم ُ وفي قوله َ :وال ت َ ْع َملُونَ َم ْن َ
ع َم ٍل َإ هال ُكنها َ
من شهد شهوده إياه ؛ قطعه ذلك عن مشاهدة األغيار أجمع.
وفي قوله تعالى َ :وأ َ َن ا ْست َ ْغ َف ُروا َربه ُك ْم [ هود ] 3 :قال يوسف :واستغفار األكابر من
ض َو َإلَ ْي َه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ت َو ْاأل َ ْر َ
سماوا َْب ال ه
غي ُ رؤية كل شيء سوى الحق .وقوله َ :و َ ه َ
ّلل َ
ُكلُّهُ [ هود ، ] 123 :قال النهرجوري :وال يطلع عليه إال األمناء.
ثم قال :هم الذين لم يبق عليهم منهم حظ ،وال لهم منهم مطالبة ،فكانوا بال كون ،
وشهدوا بال شهود.
ثم قال :فال هم هم ،وال هم ال هم ،فهم هم من حيث الوجود ،وال هم من حيث
اإليجاد .ثم قال :أخرجوا عن حدود التفرقة إلى عين الجمع ،فهم مجموعون في عين
جمع الجمع.
ت بَ َه [ يوسف ، ] 24 :قال ابن عطاء :احتالت زليخا أن وفي قوله تعالى َ :ولَقَ ْد َه هم ْ
ّللا نفسها عن يوسف بالبرهان العالي والحق الظاهر ، تري نفسها ليوسف ،فحجب ه
حتى لم يشهد في وقته غير الحق “ “ .1
باّلل قامت على ُك َهل نَ ْف ٍس [ الرعد ، ] 33 :قال الجنيد :ه وفي قوله :أ َ فَ َم ْن ُه َو قائَ ٌم َ
األشياء ،وبه فنيت ،وبتجليه حسنت المحاسن ،وباستتاره قبحت وسمجت.
ين [ الحجر ، ] 99 :قال الواسطي : وفي قوله تعالى َ :وا ْعبُ ْد َرب َهك َحتهى يَأ ْ َتيَ َك ْاليَ َق ُ
فتتحقق أنك ال تحس بغير الحق ،وال ترى إال الحق ،وال تحادث إال الحق.
............................................................
) ( 1وقال سهل :يعني ه هم بنفسه الطبيعية إلى الميل إليها ،وه هم بنفس التوفيق
والعصمة الفرار منها ومخالفتها ،ومعناه أنه عصمه ربه ،ولوال عصمة ربه له هم بها
عز وج هل ،هو أنه جاءه ميال إلى ما دعته نفسه إليه ،وعصمه ما عاين من برهان ربه ه
ّللا عليه في سورة يعقوب عليه السالم عاضها إصبعه ،فولى عند ذلك جبريل صلوات ه
نحو الباب مستغفرا .تفسير التستري( 1 / 233 ) .
29
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 30عالء أحمد المهائمي
“ “ ٣٠
َي يا ُموسى * َإ َنهي أَنَا َرب َُّك [ طه ، ] 12 ، 11 :قيل وفي قوله تعالى :فَلَ هما أَتاها نُود َ
لموسى :كيف عرفت أن النداء هو نداء الحق ؟ فقال :أفناني وشملني ،فكان كل
شعرة مني ،كان مخاطبا بنداء من جميع الجهات ،وكأنها تعبر عن نفسها بجواب ،
ولما شملتني أنوار الهيبة ،وأحاطت لي أنوار العزة والجبروت ؛ علمت أنه ليس ألحد
أن يخبر عن نفسه باللفظين جميعا متتابعا إال الحق.
قال :وكان هو محل الفناء ،فقلت أنت ،أنت لم تزل ،وليس لموسى معك مقام ،وال
له جرأة على الكالم ؛ إال أن تبقيه ببقائك تنعته بنعوتك ،فتكون أنت المخاطب
والمخاطب جميعا.
قال :ال يحمل خطابي غيري وال يجيبني سواي ،أنا المتكلم والمكلم وأنت في الوسط
شبح يقع بك محل الخطاب.
ّللا َع ْن َدهُ [ النور ، ] 39 :قال ابن عطاء :ما وجد الخلق سوى وفي قوله َ :و َو َج َد ه َ
الحق “ “ .1
ق [ فصلت ، ] 53 :قال الخطمي :ال يزال سنُ َري َه ْم آيا َتنا َفي ْاآلفا َوفي قوله تعالى َ :
ّللا قائما
العبد يرتقي من حال إلى حال ؛ حتى يبلغ األحوال السنيهة العالية ،ويرى ه
باألشياء فانية في رؤية الحق ،ويتيقن أن القديم إذا قورن بالحادث ال يثبت له أثر ،
وإن جل قدره وعظم خطره.
ق َوفَي أ َ ْنفُ َس َه ْم َحتهى يَتَبَيهنَ لَ ُه ْم أَنههُ ْال َح ُّق [ فصلت :وهو معنى قوله :آيا َتنا فَي ْاآلفا َ
، ] 53وهو النظر إلى الكون يشاهد الحق ،ثم النظر إلى الحق بالفناء عن الكون ،
وهو أن تصير النعوت نعتا واحدا وال يشهد إال حقها صرفا.
وسئل أبو عثمان عمن يقول بالشاهد ،وقال :ال أنكر القول لمن يشهد األشياء كلها
شيئا واحدا.
.........................................
) ( 1قال ابن عجيبة :اإلشارة :كل من لم يتحقق بمقام اإلخالص كانت أعماله
ّللا عنده ،
كسراب بقيعة ،يحسبه الظمآن ماء ،حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ،ووجد ه
فوفاه حسابه ،أي :يناقشه فيما أراد بعلمه ،وأهل التوحيد الخاص :الوجود كله ،
عندهم ،كالسراب ،يحسبه الناظر إليه شيئا ،حتى إذا جاءه بفكرته لم يجده شيئا ،
ّللا عنده وحده ،البحر المديد( 4 / 249 ) . ووجد ه
30
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 31عالء أحمد المهائمي
“ “ ٣١
قال الواسطي :ظهر في كل شيء بما أظهر منه ،وإظهاره األشياء ظهوره بها ،فإذا
ّللا عليه وسلهم “ :أصدق كلمة قالها لبيد : ّللا ،ولذلك قال صلى ه فتشتها ال تجد غير ه
ّللا باطل “ “ “ .1 أال كل شيء ما خال ه
ور [ الشورى ، ] 3 :قال :ألن منه مبدأ كل ير ْاأل ُ ُم ُ
ص ُ وفي قوله تعالى أَال إَلَى ه َ
ّللا ت َ َ
شيء ،وإليه منتهى كل شيء ،فما كان منه وله فهو الساعة به.
ب َإلَ ْي َه [ ق ، ] 16 :ومن تحقق ذلك لعامر بن قيس حين وفي قوله تعالى َ :ون َْح ُن أ َ ْق َر ُ
ى منه. ّللا أقرب إل ه قال :ما نظرت شيئا إال ورأيت ه
الظا َه ُر َو ْال َ
باط ُن [ الحديد ، ] 3 :قال جعفر وفي قوله تعالى ُ :ه َو ْاأل َ هو ُل َو ْاآل َخ ُر َو ه
ّللا عنه :فسقطت هذه المعاني وبقي هو “ “ .2 الصادق رضي ه
وعن الشبلي :األشياء ساقطة بأنه أول ،آخر ،ظاهر ،باطن ،إلى غير ذلك من
المواضع.
ومنها ما قال الشيخ الكامل المحقق أبو طالب المكي ،في كتابه “ قوت القلوب “ ،
في ذكر وصف الزاهد وفضل الزهد :وروينا عن ابن عباس في قوله تعالى َ :ج َميعا ً
َم ْنهُ [ الجاثية ، ] 13 :قال :في كل حرف اسم من أسمائه تعالى ،فكان اسم كل شيء
عين اسمه ،كما أن فعل كل عين فعله.
ّللا ؟ فقال:
ثم ذكر في فصل آخر :قيل لبعض العارفين هل تأسف الولي على غير ه
ّللا فيأسف عليه. وهل يرى غير ه
ثم قال في شرح مقام التوحيد :كل وصف أحكام المتوكلين حين نظر الولي إلى مواله
الذي تواله فرآه في كل شيء.
ثم قال :إذا كملت مشاهدته وقام بحق شهادته ؛ غيهبت تلك المشاهدة برؤية القيومية
ّللا ،فلم يرها دونه ،قامت له القيومية بنصبه من الملك لما تفرغ وجود الخلقية مع ه
قلب لمعاينة الملك ،وهذا من عين اليقين فوق علمه ؛ ألن الحق المبين هو األول
واآلخر كما
......................................................
) ( 1تقدم تخريجه .
) ( 2انظر :مجموعة آثار السلمي ( ص .) 58
31
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 32عالء أحمد المهائمي
“ “ ٣٢
32
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 33عالء أحمد المهائمي
“ “ ٣٣
لقد بطنت وال تخفى على أحد * هإال على أكمه ال يعرف القمرا
ثم قال:
لقد ظهرت فما تخفى على أحد * هإال على أكمه ال يعرف القمرا
لقد بطنت فما أظهرت محتجبا * وكيف يعرف من بالعرف استترا
فصرت أعجب ما عانيت مجتهدا * ألننهي حاجب استطلع الخبرا
ثم قال :هو الناظر والمنظور ،والسامع والمسموع ،وهو الشاهد والمشهود ،وهو
الواجد والموجود ،كما قال بعض المحبين:
ليس في القلب والعيان جميعا * موضع فارغ لغير الحبيب
هو سقمي وص هحتي وشفائي * وبه العيش ما حييت بطيب
ّللا األنصاري ،في كتابه “ منازل ومنها ما قال شيخ اإلسالم أبو إسماعيل عبد ه
السائرين “ “ : “ 2وال يتم مقام التوبة إال باالنتهاء من التوبة مما دون الحق ،ثم
رؤية علة تلك التوبة ،ثم توبة من رؤية تلك العلة ،وفرار خاصة الخاصة مما دون
الحق إلى الحق ،ثم من شهود الفرار إلى الحق ،ثم الفرار من الفرار إلى الحق ،وفي
باب السماع وسماع الخاصة ثالثة
......................................................
) ( 1رواه ابن أبي عاصم في الزهد ( 1 / 62 ) .
) ( 2انظر ( :ص .) 30
33
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 34عالء أحمد المهائمي
“ “ ٣٤
34
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 35عالء أحمد المهائمي
“ “ ٣٥
35
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 36عالء أحمد المهائمي
“ “ ٣٦
صحائفه :أحوال الناس منحصرة في ثالثة أقسام :االشتغال بالحق عن الغير ،
واالشتغال بالحق مع الغير ،واالشتغال بالغير عن الحق.
ثم قال :والثاني عند أهل الطريقة والحقيقة شرك ،والثالث كفر ،واألول فيه السعادة
ت َويُؤْ َم ْن بَ ه َ
اّلل فَقَ َد الكلية والبهجة الحقيقية في األخرى واألولى ؛ فَ َم ْن يَ ْكفُ ْر بَ ه
الطا ُ
غو َ
صام لَها [ البقرة .] 256 : س َك َب ْالعُ ْر َوةَ ْال ُوثْقى َال ا ْن َف َ
ا ْست َ ْم َ
ومنها ما قال الفاضل المحقق القاضي ناصر الدين البيضاوي ،في أنوار التنزيل ،في
ّللا [ البقرة ، ] 115 :أي :فثم ذاته. تفسير قوله تعالى :فَأ َ ْينَما ت ُ َولُّوا فَث َ هم َو ْجهُ ه َ
ّللا بإحاطته باألشياء واسع عليم .وفي قوله تعالى َ :ويَبْقى َو ْجهُ َر َبه َك ثم قال :إن ه
[ الرحمن ، ] 27 :ولو استقريت جهات الموجودات ،وتصفحت وجودها ؛ وجدتها
ّللا ،أي :الوجه الذي يلي جهته. بأسرها فانية في حد ذاتها إال وجه ه
ّللا ه
عز ّللا عليه وسلم عن ه وقال في شرح المصابيح ،في باب الذكر ،في قوله صلى ه
وجل “ :ال يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل . . .إلى آخره “ “ “ .1
ّللا تعالى بأنواع الطاعات وأصناف الرياضات ،ويترقى وإن العبد ال يزال يتقرب إلى ه
ّللا سبحانه وتعالى ،فيجعله مستغرقا من مقام إلى آخر أعلى منه ؛ حتى يحبه ه
بمالحظة جناب قدسه ،بحيث ما الحظ شيئا إال الحظ ربه ،فما التفت لفت ،وحابس
ّللا ،وهو آخر درجات ومحبوس ،وصانع ومصنوع ،فاعل ومفعول ؛ إال رأى ه
السالكين ،وأول درجات الواصلين ،فيكون بهذا االعتبار سمعه وبصره.
ّللا :وكل ممكن فإنه ال وجود له ،بل ّللا تعالى ،في شرح اسم ه ثم قال في باب أسماء ه
وجوده من الجهة التي يلي الواجب تعالى ،وإليه أشار حيث قال :أال كل شيء ما خال
ّللا باطل. ه
وفي شرح اسمه الخالق البارئ المصور :فيرقى من المخلوق إلى الخالق ،وينتقل من
مالحظة المصنوع إلى مالحظة الصانع ؛ حتى يصير بحيث كلما نظر إلى شيء وجد
ّللا عنده. ه
............................................
) ( 1تقدم تخريجه.
36
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 37عالء أحمد المهائمي
“ “ ٣٧
وفي شرح اسمه الحفيظ :حظ العارف خصوصا أن يعرف باطنه عن مالحظة األغيار
،وظاهره عن موافقة الفجار .
ّللا حقها ،وما سواه باطال في ذاته ،
وفي شرح اسمه الحق :وحظ العبد فيه أن يرى ه
حقها بإيجاده واختراعه .
وفي شرح اسمه النور :الظاهر لنفسه ،المظهر لغيره ،وال شك في أن الوجود إذا
قوبل بالعدم كان الظهور للوجود والخفاء للعدم ،ولما كان الباريء تعالى موجودا بذاته
طروه ،وكان وجود سائر األشياء فائضا عن وجوده ؛ ه مبرأ عن ظلمة العدم وإمكان
ه
صح إطالق اسم النور عليه ،إلى غير ذلك من المواضع .
ومنها ما قال الفاضل المحقق شرف الدين الطيبي ،بعد نقله ما نقلناه عن الواحدي
والبغوي عن “ وهب “ :وهذا ال يدل على لزوم الجسمية ،وكذلك القرب ،وذكر
سائر ما نقلناه عن القاضي في شرح المشكاة ،في تلك المواضع .
وفي شرح اسمه الواحد األحد :وحظ العبد أن يغوص لجة التوحيد ،ويستغرق فيه ،
حتى ال يرى من األزل إلى األبد غير الواحد األحد ،إلى غير ذلك من المواضع .
ومنها ما قال الفاضل المحقق سراج الدين -صاحب كشف الكشاف -في ديباجته :
الحمد هّلل الذي أنار األعيان بنور الوجود ،وجعلها مرائي صفاته ،واختار منها نوع
اإلنسان لجمعه سر األكوان ،فكمل مجالي ذاته .
37
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 38عالء أحمد المهائمي
“ “ ٣٨
ال محالة.
ش َهي ٌد [ فصلت ] 53 :فمن على ُك َهل َ
ش ْيءٍ َ ف َب َر َبه َك أَنههُ َوفي قوله تعالى :أ َ َولَ ْم يَ ْك َ
شهده ؛ شهد كل شيء.
باط ُن [ الحديد ، ] 3 :وهو الظاهر بوجوده ؛ ألن كل الظا َه ُر َو ْال َ ثم في قوله َ :و ه
الموجودات بظهوره ظاهرة ،الباطن بكنهه ،إلى غير ذلك من المواضع.
فهؤالء االثني عشر أئمة أطبقوا على قبولها ،ووقع في كالم بعضهم النقل عن هؤالء
الكبار ،كالحسن بن علي ،وابن عباس ،وابن عمر ،وجعفر ،وأبي فارس ،
ويوسف بن الحسين ،وعامر بن قيس ،الواسطي ،وأبي بكر الفارسي ،والنهرجوري
،وأبي عثمان الحيري ،والقاسم ،ومحمد بن واسع ،وابن عطاء ،ورويم ،والخراز
،والنصر آبادي ،وأبي على الدقاق بالتصريح ،وعن غيرهم بالتلويح.
ونقل الشيخ أبو طالب المكي والغزالي ،
ضت َو َمنَ ْاأل َ ْر َ
سماوا ٍ ّللاُ الهذَي َخلَقَ َ
س ْب َع َ عن ابن عباس “ :لو فسرت هذه اآلية ه
َمثْلَ ُه هن [ الطالق ] 12 :؛ لرجمتموني “ “ “ .1
ونقل الغزالي منهاج العابدين عن اإلمام زين العابدين:
الحق ذو الجهل فيقتتنا ه إنهي ألكتم من علمي جواهره * كي ال يرى
وقد تقدهم في هذا أبو حسن * إلى الحسين وأوصى قبله للمناء
رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل أنت م همن يعبد الوثنا يا ه
والستح هل رجال جاهلون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا
38
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 39عالء أحمد المهائمي
“ “ ٣٩
39
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 40عالء أحمد المهائمي
“ “ ٤٠
فنقول :ال شك أن لكل ماهية وجدت تحققا مطلقا ،فالتحقق إما عينه أو جزؤه ،فظاهر
؛ ألنه ال يكون مجرد أمر اعتباري ،وإما زائد ،فال شك أن قوام التحقق المقيد
ضرورة أن الضد وصف ال يقوم بذاته ،فأما أن يقوم بالتحقق المطلق أو المقيد والثاني
بين البطالن ؛ فتعيهن األول وما به قوام المحقق أولى بأن يكون محققا ،وإن كان القيد
اعتباريا فالمتحقق هو المطلق ،وإن كان منع ثبوت التحقق للماهية ؛ كانت الخارجية
عين الذهنية ؛ إذ الذهني أولى بأن يكون اعتباريا .على أن التحقق لو كان اعتباريا ؛
فالكل اعتباري ،حتى المعتبر على أن ثبوته مدرك بالضرورة ،فمنعه مكابرة .قيل
لو ثبت لكل ماهية تحقق لكان لنسبته إليها تحقق ،وبينها نسبة محققة وتسلسل .
قلنا :إن لم تكن موجودة ،فظاهر وإن كانت ،فالنسبة الثانية عين حصوله لها .
قيل :إن ثبت لها فصفة ال تستقل ،وإال تتأخر لثبوتها ،فال يثبت لها ،ثم أن يكون
كيفية يتقدم عليها محلها ويصير أعم منه ؛ على أنه حين إذ يقوم بها فيفتقر إليها .
قلنا :ما ليس بجوهر قد ال يكون عرضا ،والكيفية عرض ،فليس معنى القيام االفتقار
،فإن الصورة ال تفتقر إلى الهيولي .
قيل :تحقق الحادث المعدوم اآلن ليس بحاصل ؛ وإال تحقق حين ال تحقق له ،فإذا
حصل يقال حصل تحققه بعد ما لم يكن ،فالتحقق من حيث هو غير حاصل .
قلنا :ليس بحاصلة ،وهي حاصلة لنفسه ،واإللزام سلب الشيء عن نفسه ،والحاصل
بعد ما لم تكن مقارنته .
قيل :تحقق الماهية ثابتة ،فلو ثبت المطلق تعدد في ما وجد ،وفيه تحصيل
الحاصل .
قلنا :إن أريد بتحقق الماهية امتيازها ؛ فظاهر أن التحقق واحد ،وإن أريد موجوداتها
؛ فهي للماهية بالوجود ،وله بنفسه ؛ على أن التكرار إنما هو بالنسبة إلى أمر واحد ،
وهنا أمران .
قيل :يصدق على االعتبارين ،ويمتنع كونها جزئيات جزئيات الحقيقي .
قلنا :إذا كان في الخارج والصادق عليهما وهمي .
قيل :لو كان حقيقيها تكثر الواحد ؛ ألن تحقق الشيء في نفسه غير تحققه في مكانه أو
زمانه أو حاله.
40
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 41عالء أحمد المهائمي
“ “ ٤١
41
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 42عالء أحمد المهائمي
“ “ ٤٢
قلنا :قسمته عقلية ال تتوقف على وضع تعليليه معا ،بأن وجوده إن حصل من ذاته
فواجب ،أو من غيره فممكن ،ومنع التعليل بتقدير عينية الوجود ؛ المتناع أن يقال
الهوية الخاصة إن اقتضت نفسها لذاتها فواجبة ،وإال فممكنة ؛ إذ ال معنى له مكابرة
لصحته بالضرورة ،والماهية المطلقة ،إنما تنقسم بانضمام مقسم ،فإن ضم إليها
الوجود فال ب هد من بقائه مع قسيمها ،وهو استمرار الوجود ،فاشتراكه يستلزم الوجود
،وال ينقصان بالماهية والشخص الشتراك مطلقيهما ،وأيضا بأن الشيء ينحصر في
الموجود والمعدوم ،والعدم عام ،فكذا مقابله ،وإال انحصر بين عام وخاص .
قيل :رفع هوية خاصة والحصر بينه وبين ثبوتها .قلنا :يفهم الجمهور العموم ،ال
يقال :إن وجد الرفع العام في سائر الهويات اجتمع فيه النقيضان ؛ وإال امتنع صدق
رفع شيء غير تلك الهوية ؛ ألنا نقول :هو ،وإن كان علما بحسب الهويات ؛ لكن ال
تتحقق له من حيث هو ،بل بشيء من اإلضافات ،وعورضت هذه الشبهات بأدلة
عينية وجود للماهيات ،فمنها إن زاد فالماهيات من حيث هي معدومة ،فيلزم اتصاف
الموجود بالمعدوم .
قلنا :من حيث هي ال تتصف بهما ،بل ينضمان إليها انضمام السواد والبياض بالجسم
،ومنها أن الصفة الثبوتية للشيء فرع ثبوته في نفسه بالضرورة ،فيكون لها قبل
وجودها وجود ،فيتقدم على نفسه ويتسلسل .
قلنا :الضرورة في صفة وجودية هي غير الوجود ،ومنها لو زاد لكان وجودا .
قلنا :ثبوت الشيء لنفسه ليس أمرا زائدا عليه ،وأما امتناع العدم على الوجود ،هو
أيضا بديهي ؛ لكن لما ذكر نبه عليه بأن قبوله العدم إما لعروضه له فيلزم اتصاف أحد
النقيضين باآلخر ،أو ال فيلزم انقالب طبيعة إلى طبيعة أخرى ،وبطالنها ضروري .
قيل :المراد إمكان انتفائه .قلنا :امتنع إمكان كون االنتفاء ؛ المتناع كون المحال
ممكنا .قيل :ال يمتنع اتصاف أحد النقيضين باآلخر ؛ وإنما الممتنع حمل أحدهما على
اآلخر ،بل خارجا عنه قابال له ولما يقابله ،فامتناع ثبوته لنفسه مع امتناع قبولها له
ول هما يقابلها ؛ أظهر وأجل ،فإنه إذا امتنع مثال حمل األسود على ذات األسود القابلة
للسواد ،فامتناع ثبوته لنفس األسود أولى ؛ على أن منع استحالة اتصاف أحد
النقيضين باآلخر مكابرة.
42
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 43عالء أحمد المهائمي
“ “ ٤٣
قيل :االشتراك يستلزم العموم المنافي للوجود ال متناعه في الخارج ،ويستلزم األفراد
المنافية للتوحيد .
قلنا :ما يقال عليه ليس من األفراد ،بل الكل واحد واجب بالذات كثير بصفات ممكنة
زائدة على الذات ،فاشتراكه باعتبار إضافته إلى الماهيات ،وتعدده باعتبار ظهوره
صا بقيد اعتباري كالتجردفيها ،فليس عاما لتحققه ضرورة تحقق الكل به ،وال خا ه
عن الماهية ؛ وإال قبل العدم عند عدم اعتباره ،وال يقيد وجودي ؛ ألنه إن كان
كالصورة تركب الواجب ،أو كالفرض فال يكون الزما لنفس طبيعته ؛ المتناع تقيد
الشيء به كنفسه لوجوده ؛ حيث يوجد الشيء فهو عام فيعم القيد أيضا ،فيكون مقارنا
،فيستند إلى مباين ؛ إذ لو استند إلى الزم لزم القيد ،فيكون مفارقا ،ولزم التسلسل في
األمور المترتبة بين حاصرين الذات والقيد ،والقيد المحض .
قيل :إنما ال يقبل المطلق العدم لو كان ذات المقيد ،وذلك باطل لصحة حمل المطلق
عليه ،مع امتناع حمل أحد الذاتين على األخرى ،فالحقيقة الواجبة طبيعة خاصة
ملزومة للمطلق .
قلنا :هي غير معقولة ؛ ألنها إن كانت ذات أفراد ذهنية ،فلو وجد منها فرد وامتنعت
الباقية وكلها ممكنة ؛ فوجوب البعض وامتناع البواقي بالغير ؛ إذ ما بالذات ال يزال
بالغير ،وإن لم تكن ذات إفراد ،فإن كانت مغايرة لحقيقة الوجود المطلق ،فال تكون
موجودة وإال تركب مع الوجود ،فهي إما في ماهية حقيقة ،فيلزم قيام الوجود الواجب
بها ،وهي غيره فتحتاج إلى الغير وتكون فاعلة له ،وإال كان وجود الواجب من
غيره .
وقال أيضا :وعلة لوجوده فيتقدم عليه بالوجود ،على أنه لو جاز تأثيرها في تحققها ،
جاز في تحقق العالم بال وجود ،بأن تكون قبل الوجود علة حلولها في العقل األول ثم
لوجوده ،وكذا لما تحته من غير أن يحصل لها وجود فيسند إثبات وجود الصانع
الواجب تعالى ،وجاز أيضا أن يكون ماهية كل شيء علة لوجوده من غير أن يؤثر
فيه الواجب تعالى ؛ أما إذا كانت بسيطة فألن ماهيته تعالى لما كانت بسيطة اقتضت
وجودها ؛ فكذلك كل بسيط ،وأما إذا كانت مركبة ؛ فألن ماهية الجزء والصورة
والهيئة االجتماعية يجوز كونها علة االجتماع ،فيحصل ماهية المجموع ،وهي علة
لوجود نفسها أو لوجود األجزاء ،
43
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 44عالء أحمد المهائمي
“ “ ٤٤
وهي بشرط اإلجماع فتصير علة لوجود نفسها أو لوجود األجزاء ،وانعدام الحوادث ؛
النعدام الشرائط واألمور المعدة التي يقتضي وجودها ،فتسقط أدلة وجود الواجب ؛
إما بشيء من األمور العقلية التي ال تقبل الوجود ،فيلزم مع احتياج الواجب إلى األمر
العقلي ،وكونه قابال وفاعال وعلة للوجود -ال بشرط الوجود -أن يكون مبدأ الوجود
العيني أمرا عقليها يمتنع تحققه في الخارج ؛ فأنى يكون واجبا ملزوما للوجود ،وإذا لم
تكن الطبيعة الملزومة مغايرة لحقيقة الوجود المطلق ؛ لزم امتناع استلزام الوجودات
الممكنة للحقيقة المطلقة ،امتناع استلزامها للواجبة ،أو وجوب استلزام الوجودات
الخاصة للمطلقة ،مع امتناع استلزام حقائق الممكنات للواجبة .
قيل :البطالن ممنوع ،فإنه عين المذهب .
قلنا :بين االستحالة المتناع اجتماع المتماثلين ،وكون أحدهما حاال في اآلخر ،
ومخصوصا بالالزمية ،من غير أن يكون هناك فارق ،والفرض أال مغايرة ،
والمذهب أن ال تحقق للممكنات ،بل المتحقق واحد مع صفات زائدة .
قيل :ملكك تشكيل حقيقة غير مشكك ،فاستلزام الممكنات للمطلق بحقيقة غير حقيقة
الواجب ،مع اشتراكهما في هذا العارض .
مر ،فلو وجد آخر تعدد الواجب ،والقائل قلنا :وجود المختلفات غير قابل للعدم ،لما ه
بالتشكيك ينكره بالكلية ،واالستدالل على التشكيك -بإثبات األولوية واألقدمية
واألكملية واألشرفية -مبني على ثبوت الطبيعة الملزومة ،فإنما هي من لواحق
الوجود بالقياس إلى الماهيات بقلة الوسائط وكثرتها مثال ،على أن لنا في إبطال
الطبيعة الملزومية أنها مغايرة لمفهوم كل تعيين ؛ الفتقاره إلى موضوع ،وهو ينافي
الوجوب الذاتي ،فيكون أفراد ممكنه ضرورة أنها كلية بحسب العقل ،فلو وجد منها
فرد وامتنعت البواقي ؛ كان بالغير ،فإن امتنعت المالزمة بكونها مطلقة أو مفروضة
له ؛ لزم المطلوب لو لم يتوقف على الموضوع .
قيل :المغايرة ممنوعة أن يوجد تعيهن ال يستدعي تحقق موضوع ،بل يكون نفس
الطبيعة وإطالق التعين عليه ،وعلى غيره بالتشكيك أو االشتراك اللفظي .أجيب بأنه
بيهن في الحكمة أن مفهومه واحد ،ال يختلف إال باإلضافات إلى الموضوعات ،فال ب هد
له من
44
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 45عالء أحمد المهائمي
“ “ ٤٥
الموضوع .
قيل :صحة هذا الدليل يمنع كون الواجب نفس المطلق ؛ ألنه إن كان ذا أفراد عقلية ،
وقد استحال وجود الجمع ،وأن يوجد فرد ،فوجود بعضها وامتناع اآلخر إنما هو
بالغير وإال ،فإن غايرت الوجودات الخاصة فحمله على المطلق ،وعليها باالشتراك
اللفظي ،وهي خالف المتيقن المتعين ؛ وإال اتصفت الممكنات بالوجوب الذاتي .
قلنا :هي بالحقيقة نفي للوجوب الواجب ،وإنما يتصف باإلمكان ماهياتها ،فليس
المطلق مغايرا للواجب ؛ وإال لم يكن قائما بنفسه ممتازا بها بل بالوجوب .
قيل :نعم بالضرورة إنها من أفراد المطلق كالواجب .
قلنا :ال تسمع دعوى الضرورة في محل النزاع ؛ على أنه إن أريد بالممكن معروض
شيء من التعينات والصفات -من غير اعتبارها معه -فهو الواجب ،أو شيء منها
من غير اعتباره ،فليس من أفراد المطلق بالواجب ؛ ألن ما لم يوجد بنفسه أو
المجموع فال يمكن وجوده ،فليس من أفراد ما وجد ؛ ألن ما يتألف من الوجود
الواجب بنفسه أو المجموع ؛ فال يمكن وجوده بالذات ،والموجود بالعرض ال يتحقق
بالذات ؛ المتناع تحقق جزئه بالذات ،فيمتنع تحقق المتقوم به بالذات ،فامتنع األفراد
الذهنية التي وجودها بالذات ،فيمتنع كونه من أفراد الموجود بالذات ،أو أريد
المعروض من حيث هو كذلك ،فالكل موجود ؛ واحد بالذات كثير بحسب الصفات ،
ممكنة زائدة على الذات ،ضرورة على أن ال ذات إال للوجود الواحد بالذات ،فليس
للمطلق أفراد ذهنية يختلف بالوجوب واإلمكان واالمتناع .
قيل :الممتنع في الخارج وجوده الذهني من أفراد المطلق كالواجب ،فله أفراد متنافية
فيه بالضرورة .
قلنا :الذهني هو العيني بالحقيقة ،ومغايرته باالعتبار ،فيجب بالذات ويمتنع باإلضافة
إلى ماهية الممتنع ؛ فإن المعاني العقلية إنما يعرض الوجود العيني في بعض مراتبه .
قيل :إنما يحصل في القول المعقول الدالة ،فكيف يكون وجودها عين الخارجي ؟
قلنا :االختصاص بالمعقول إنما هي للموجودية العارضية للمعاني الموجودة ،وكالمنا
في الموجود بالذات حمل للمعاني ؛ على أنه إن أريد معروض هذه االعتبارات من
45
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 46عالء أحمد المهائمي
“ “ ٤٦
غير اعتبارها معه ،فهو الواجب بالذات أو العارض ،فليس عن أفراده أو المجموع ،
فال يجب بالذات ،فما يمتنع في الخارج ليس من أفراد المطلق ،وما يمكن راجع إلى
نفسه .
قيل :لو أبين بعين المطلق بالوجوب الذاتي تقيد به .
قلنا :أمر عقلي ال يخرجه عن اإلطالق الحقيقي .
قيل :مر أنه ال يتقيد بالعدمي أيضا .
قلنا :الكالم فيما يجب ثبوته له من حيث إطالق المنافي للقيود كلها ،ومنها فيما يجب
التعقل ،فتأمل على أنا نبطل الطبيعة الملزومة أيضا ،بأن حقيقتها إنما يجب لذاتها أو
لزمها الوجود لذاتها ،لكن فيه نفس الوجود من البسائط ال يلزمه الوجود بالذات لكونه
خارجا فيمكن تعقله بدونه ،فنسبة الوجود والعدم مع قطع النظر عن الغير إليه على
السوية ،فيكون ممكنا لذاته ،فال يلزمه الوجود لذاته .
الطريق الثاني :لو لم يكن الوجود واجبا لذاته ؛ لكان إما ممكنا ويفتقر تحققه إلى علة
تتقدمه بالوجود ،على أنه يكون وجود الواجب ممكنا ،وإال منقسما إليها ،وموارد
القسمة ال تتحقق في الخارج إال بأقسامه ؛ لكن أقسام الوجود ال تتحقق أصال إال به
فيدور .
الطريق الثالث :طبيعة الوجود حاصل للواجب ،فإن كانت غيره الفتقر وجود الواجب
إلى الغير ،وإال فإن كانت مطلقة كان المطلق واجبا ،وإن كانت خاصة كان معها
المطلق ،فإن وجب فذاك ،وإال افتقر الخاص بافتقاره إلى علة ،ولو وجب فشرطه لم
يجب بذاته ،فلم يجب الخاص أيضا لتقومه مما لم يجب لذاته .
الطريق الرابع :الوجود ال حقيقة له زائدا على نفسه ،وإال تصورت دونه وبطالنه
بالضرورة ،فهو واجب ،وإال أمكن تجرده .
قيل :ينتفي بإبقائها .
قلنا :ارتفاع الحقائق يستلزم قبلها ،على أنه يستلزم جواز ارتفاع حقيقة الواجب .
الطريق الخامس :كل شيء يحتاج في تحققه إلى الوجود ،فلو احتاج إلى وجوده
المحتاج إلى الواجب والمطلق ؛ ال يتقيد باالحتياج وعدمه ،بل يحتاج إلى اإلفراد
لكونه كليها .
قلنا :االحتياج إلى الخاص احتاج إلى المطلق ،وعدم التقيد إنما يتأتى لو انقسم ويمنع
كونها كليها ،واحتياج كل كلي إلى األفراد بل الطبائع الممكنة إنما احتياجها في
46
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 47عالء أحمد المهائمي
“ “ ٤٧
ظهورها في الشهادة إلى المشخصات ،وفي المعاني إلى المنوعات ال في تحققها في
نفسها .
الطريق السادس :لو لم يجب المطلق لوجب الخاص ،فإن غاير المطلق ؛ كان قول
الوجود عليهما باالشتراك اللفظي ،وهو خالف الضروري ،وإال تعدد الواجب ؛ ألن
المطلق يكون ذا أفراد وهو عين الواجب ،فيجب إفراده على أنه يكون علية األشياء
بال مناسبة ،وهي تابعة عن الجمهور وباالستقراء ،ومدركا لكلي ال كلي فوقه ،مع
كونه من شعبه التي ال يحيط بها ،وكون المتأخر علة للمتقدم طبعا ،وكونه مندرجا
تحت جميع األمور العامة .
الطريق السابع :إنا نعلم بالضرورة ،أن الوجود المشترك فيه الموجودات وجود واحد
عيني طبيعية عين تلك الموجودات ذهنا وخارجا ،وإنما تعددت واختلفت باإلضافات
واالعتبارات المخصصة ال غير ،فاألولى أن يجعل المطلق هو الحقيقي وتعيهناته معان
عقلية مأخوذة باإلضافات واالعتبارات ،فالحق محض الوجود ،بحيث ال يمازجه
وّللا المنعم .
غيره ،وال تركيب فيه ،وال كثرة ،وال نعت وال رسم ،فافهم ه
***
47
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 48عالء أحمد المهائمي
“ “ ٤٨
الثالثة :المطلق قابل للمتقابل ،فيحتاج إلى معدات خارجية عنه ؛ إذ لو استفاد استعداد
القبول لها من نفسه ،لزم االختالف الذاتي في حقيقته .قلنا :يجوز أن يستعد بنفسه
لشيء وبواسطة آلخر فال يلزم االختالف ،على أن المعدات صفات خارجة عنه .
الرابعة :لو وجب التحد ،وهو محل الصفات ،فيكون البسيط قابال لشيء وفاعال له
معا ،وقد أبطل في الحكمة .
قلنا :إنما يمتنع من جهة واحدة ،وال يقدح تعددها في بساطته إذا كانت إحداهما عدمية
،كالتعين الذي هو إضافي مع كون المقبول عدميا أيضا ،فيجوز أن يقبل بتعينه ويفعل
بحقيقته أو بالعكس ،على أن العدمي يجوز أن يفعل ويقبل من جهة واحدة ،كاقتضاء
وصف شيء لالتصاف بكونه وصفا له وقبوله إياه .
الخامسة :لو كان الواجب المطلق كان علة لألشياء ؛ لكن الواحد من حيث هو كذلك
ال يوجب الشيء وما ينافيه ،فال ب هد لكل شيء من علة أخرى ،فيتوارد العلل على
المعلول الشخصي ،بخالف ما لو كان الخاص إذ يجوز أن يتقيد بوصف يوجب شيئا
ومعه آخر .
قلنا :يجوز أن يعرضه أحوال ال يتقيد بها ،ويكون مع حال علة لشيء ومع أخرى
ألخرى .
السادسة :لو وجب المطلق كان واحدا ،وال شك أنه مشترك بين الحوادث ،فهو إ هما
عينها أو متصف بها أو صفة لها ،والكل ظاهر االستحالة .
قلنا :اشتراكه بينها ظهور في ماهيتها من غير اتصاله بها وانفصاله عنها ؛ ألنها
معدومة في ذواتها ،تنورت به واتصفت بنسب عقلية بينها وبينه ،والممتنع اتصافه
بالحوادث الموجودة النسب أمور عدمية -سيهما إذا كان أحد طرفيها عدميا ،فهو
محض الوجود ال يمازجه سواه وال كثرة فيه بوجه من الوجوه ،بل هي في هيأة
تنورت به ،فهو الكل من حيث أن الكل ال شيء بدونه وليس كمثله شيء وهو السميع
البصير .
السابعة :إنه من عوارض الواجب ،فال يكون نفسه لوجوه :
األول :لو لم يزد فإما داخل فيرتكب الواجب ،وإما عين ؛ فإما أن ال يشترك وقد
أبطل ،أو يشترك فتجرده صفة عارضة ،فعلتها إما ذات الوجود ،فالممكن مقارن أو
غيرها ،فيحتاج إلى منفصل ،وأيضا
48
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 49عالء أحمد المهائمي
“ “ ٤٩
إن اقتضى التجرد انتقض بالممكن ،أو ال تجرد خالف الغرض ،أو لم يقتض شيئا ،
فكل علة منفصلة .ال يقال التجرد عدمي فيكون عدم العلة ؛ ألنا نقول :عدم مضاف
فيحتاج إلى عدم علة المقارنة ،وهي غير الواجب فيحتاج إلى الغير .
قلنا :اشتراكه بمعنى تعلق الصفات المتعددة به واعتبارها معه بحيث تظهره في
األجناس واألنواع واألشخاص ،وال تعدد فيه فال اشتراك في ذاته ،وأيضا علة تجرد
الذات بشرط عدم اتصافه لها ،على أنا نختار أنه ال يقتضي شيئا ؛ لكن باطنيته
يقتضي التجرد وظاهريته التعلق ،فال يحتاج إلى الغير ؛ ألنه عين الظاهر والباطن ،
وال نسلم التجرد العدمي يحتاج إلى عدم العلة ؛ ألن االحتياج إلى عدم العلة أمر ثبوتي
،فال يثبت بما ال ثبوت له ،فإن سلم فالعدم المضاف من الوجود ،فال تغاير نفس
الوجود حتى يحتاج إلى غير ،على أن المحتاج حينئذ يكون نفس التجرد ال الذات
المجردة .
الثاني :لو كان المطلق هو مبدأ للممكنات ،فالمبدأ إما الوجود ،فكل موجود مبدأ لكل
شيء حتى لنفسه وعلله لمشاركة الكل في الوجود ،أو مع التجرد ،فالعدم من مبدأ
الوجود ،فينسد باب إثبات الصانع ؛ لجواز أن يكون المؤثر وجود ممكن أو المجموع
منه ومن العدمي ،ال يقال التجرد شرط التأثير ؛ ألنا نقول :فكل وجود مبدأ للكل -
وإن تخلف عنه األثر لفقد شرطه .
قلنا :نختار األول مع أن الوجود واحد ،فال يكون الكل مبدأ للكل حتى لنفسه وعلله ،
وعلته أن التجرد شرط والمحظور إنما يلزم لو أثر ؛ لكن وجود الشرط في الممكنات
محال ،فجاز أن يستلزم فرض وقوعه محال اآلخر .
الثالث :الوجوب نسبة تقتضي طرفين .قلنا :يكفي التغاير االعتباري كمن يعلم
نفسه .
الرابع :الوجود طبيعة نوعية ،فال تختلف لوازمه .
قلنا :مبني على التعدد ،ويجوز باعتبار صفات أخرى معها ،هاهنا شبهات آخر تأتي
وّللا الموفق
ّللا تعالى ،واآلن أوان الشروع في المقاصد ه كلها في مواضعها إن شاء ه
والمعين على الشدائد .
***
49
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 50عالء أحمد المهائمي
“ “ ٥٠
وحمد الحق للخلق بأنهم مالبس نوره ،وحمد الخلق بامتيازه بالوجوب الذاتي ،فمنه
حمد عالم المعاني أي األعيان الثابتة بأنها شؤونه المعنوية وتعينات األسماء اإللهية ،
وحمد عالم األرواح بالتنزيه والوحدة والنهورية ،وحمد عالم المثال بأنها أجساد
التجليات وقوالب األرواح والمعاني ،وحمد عالم األجسام من حيث حقائقها ومعانيها
وبجاللتها الروحانية ،وحمد عالم اإلنسان بتنزيههم عن النقائص ونعته بما هو عليه
من الكماالت على الوجه
50
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 51عالء أحمد المهائمي
“ “ ٥١
األكمل ،وحمد الخلق تعظيم المثني عليه لفضائل خصيصة به ،وهو مشرب لكمال
حمد الحق نفسه من حيث أنه باعتبار الوجود الظاهر بالكل وفي الكل عين الكل ،
والحمد المحيط بهذه المحامد والمسمى حمد الحمد ،وهو القائم بالحق ،واإلنسان
الكامل يعظم الحق ؛ إما بأحدية جمع جميع المعاني من حيث ظهور هذا اإلنسان الكائن
الكامل بالصورة اإللهية ،وإما بحسب تفصيله ؛ فإن كان حقيقة من حقائقه -أعني
الروح ،والقلب ،والنفس ،والجسم ،وسائر النعوت واألحكام منه -تعرف الحق من
حيث االسم الذي يستند إليه بلسان الذات والمرتبة واالستعداد وأحدية الجمع بما ال
يتناهى من المحامد منه .
[ الذي أبان سبحانه وتعالى بمستقرات الهمم مراتب علم اليقين وعدمه وعينه وحقه
ودرجاته ] .
شرحه ( :أبان ) جعل الشيء ضروريا ،وهذا يتوقف على المقدمة ،هي أن الطالبين
لحقائق األشياء أربع طوائف :حكماء إشراقيون يطلبونها على سبيل الكشف والعيان ،
ال على قاعدة اإلسالم ،ومشائيون يطلبونها بالح هد والبرهان كذلك ،ومتكلمون
يطلبونها بهما على قاعدة اإلسالم ،وصوفية يطلبونها بالكشف والعيان كذلك .والمراد
بالكشف حصول العقيدة الجازمة بتجريد النفس عن العالئق الجسدانية والصفات
ّللا تعالى بالكلية وبقاعدة اإلسالم موافقة الكتب السماوية
الذميمة ،والتوجه إلى ه
واألخبار النبوية من غير تحمل تأويل لها بال ضرورة .
قيل :يحتاج إلى معونة النظر ؛ ليتميز الحاصل باإللهام عن إلقاء الشيطان وحديث
النفس على أنه غير مقدور للبشر ،والتصفية تتوقف على مجاهدات قلهما يفيء بها
المزاج والطمأنينة ؛ إنما هي بالنظر إذا لم يصر الحاصل عند التصفية ضروريا ؛ ألنه
حصل بحال يلزم من زواله زوال شيء من المعلوم ،فهو مرتب عليه ؛ إذ ال معنى
للنظري غير ذلك ،وإن لم يلزم فال عبرة به كالتقليد به ،مع أنها توجد للمبطلين فال ب هد
من فارق .
قلنا :التمييز بموافقة الكتاب والسنة وإجماع األمة ،وبهذا خرج ما يوجد للمبطلين .
:والهذَينَ جا َهدُوا َفينا
واإللهام -وإن كان غير مقدور -لكنه حاصل بوعده تعالى َ
سبُلَنا[ العنكبوت ، ] 69 :والتصفية ال تخ هل بالمزاج لو كانت على قاعدة
لَنَ ْه َديَنه ُه ْم ُ
المحققين ،بل تزيد اعتداال ،على أنه يحتاج إليها في النظر أيضا لرفع الشكوك
والشبهات
51
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 52عالء أحمد المهائمي
“ “ ٥٢
التي فيه ،والعبرة إنما هي بالحاصل للضروري -وإن كان نظريا قبله ،وال ينازع
في صيرورة النظري ضروريا من يعتد به ،على أن معونة النظر ال تضرنا فكيف
باإللهام ،وقد وعد عز وجل على المجاهدة فيه وما يترتب عليه بوعده عز وجل ،
كيف يكون باطال ؟
ّللا يَ ْجعَ ْل لَ ُك ْم فُ ْرقانا ً [ األنفال .] 29 : ّللا تعالى :يا أَيُّ َها الهذَينَ آ َمنُوا َإ ْن تَتهقُوا ه َ وقد قال ه
عز وج هل :أ َ فَ َم ْن قالوا :نورا يفرق به بين الحق والباطل ،وهو المشار إليه بقوله ه
ور َم ْن َر َبه َه [ الزمر .] 22 : على نُ ٍ الم فَ ُه َو َ
ْل ْس َص ْد َرهُ َل ْ َ
ّللاُ َ
ش ََر َح ه
س َمينَ [ الحجر .] 75 : ت َل ْل ُمت َ َو َ ه ّللا تعالى َ :إ هن َفي ذ َل َك َآليا ٍ وقال ه
ت َلقَ ْو ٍم يُوقَنُونَ [ الجاثية .] 4 : ّللا تعالى :قَ ْد بَيهنها ْاآليا َ وقال ه
ت َلقَ ْو ٍم يَتهقُونَ [ يونس : ض َآليا ٍ ت َو ْاأل َ ْر َ
سماوا َ ّللاُ َفي ال ه ّللا تعالى َ :وما َخلَقَ ه وقال ه
.] 6
ظةٌ َل ْل ُمت ه َقينَ [ آل عمران: ى َو َم ْو َع َ اس َو ُهد ً يان َللنه َ وقال :هذا بَ ٌ
ْث ال يَ ْحت َ َس ُ
ب ّللا يَ ْجعَ ْل لَهُ َم ْخ َرجا ً * َويَ ْر ُز ْقهُ َم ْن َحي ُق هَ ّللا تعالى َ :و َم ْن يَت ه َ ] ،138وقال ه
[ الطالق ] .3 ، 2 :
قالوا :يجعل له مخرجا من الشبه واإلشكاالت ،وعلمه علما من غير تعلم ،ويفطنه
ّللا علم ما لم ّللا عليه وسلم “ :من عمل بما علم ورثه ه من غير تجربة .وقال صلى ه
ساه ما يعلم ،ووفقه فيما يعمل حتى يستوجب دخول الجنة ،ومن لم يعمل بما علم ن ه
يعلم ولم يوفق فيما يعمل حتى يستوجب النار “ “ “ .1
وقال “ :إن من أمتي محدثين ومكلمين وإن عمر منهم “ “ “ .2
ّللا “ “ “ .3 ّللا عليه وسلم “ :اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور ه وقال صلى ه
وما يدل على اعتبار النظر ال ينافيه ،فإن كال الطريقين حسن عند المحققين ؛ لكن
.............................................................
) ( 1رواه أبو نعيم في الحلية ( ، ) 15 / 10وذكره ابن كثير في التفسير ( / 4
) 529بأوله فقط .
) ( 2ذكره القرطبي في التفسير ( 13 / 174 ) .
) ( 3رواه الترمذي ( ، ) 298 / 5والبخاري في التاريخ الكبير( 7 / 354 ) .
52
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 53عالء أحمد المهائمي
“ “ ٥٣
من اعتقد أنه ال اعتبار بالتزكية والتجلية والتصفية في طريق التعليم والنظر ؛ ارتكب
متن الهوى والهوس ،واستولت عليه الرذائل ،وحرمت عليه الفضائل ،واستقل
بقراءة كتب مقلدي الفالسفة وزبر المتكلمين من أصحاب الجدل والمنازعة ،وضيع
عمره في الخياالت الفاسدة واألوهام الباطلة عند تالطم الشكوك والشبهات المغرقة ،
فاضمحل نور قلبه وعميت بصيرته بتراكم كدورات المظلمة والعقائد الفاسدة ،فازداد
فيه الجهل والتردد ،وحصل له البهت والتحير ،وال يدرى أين يذهب فلحق به من
الحق الغضب .
قوله ( :أبان . . .الهمم ) :والهمة من هم إذا اندفع في القصد واختلفوا في معناها .
قال صاحب المنازل “ :ما تملك االنبعاث للمقصود صرفا ال يتمالك صاحبها “ ،وال
يلتفت عنها ،أي ال يقدر صاحبها وال يستطيع أن يصبر عنه عن الليث والمهل
والصبر عنه ؛ ( النقهاره ) تحت سلطان الهمة وال يمكنه االلتفات عن مقتضاها .
ّللا عنه في اصطالحاته :إن الخاطر إذا تحقهق وقال الشيخ المحقق محيي الدين رضي ه
سموه إرادة ،فإذا تردهد في الثالثة سموه همة ،وفي الرابعة سموه عزما . في النفس ه
وعند التو هجه إلى الفعل إن كان خاطر الفعل ،سموه قصدا ومع الشروع في الفعل ،
سموه سعيا .
وقيل :الباعث النفساني في الطلب للكمال ،فمنهم من يه هم بالمه همات الدنياوية ،ومنهم
ّللا
ّللا وفيما عند ه
باّلل ،وفي ه
من همته الكماالت األخروية ،ومنهم من يتعلق همهم ه
ّللا بمقتضى علو متعلقات همهم من والتفاضل بينهم ؛ إنما هو بحسب الحظوظ من ه
الكف والشهود والمراتب كالنبوة والوالية والخالفة .
قيل :هم مجموع في حضرة اسم إلهي يقتضي األثر المراد بحيث ال يتردد منها إلى
غيرها ،فيؤثر ذلك االسم فيما يراد بشرط جمع الهمم “ “ . 1
واألول هنا أوفق لكن له أقسام :في البدايات عقد الهمة بالطاعة والوفاء بعهد التوبة ،
وفي األبواب تعلق القلب بالنعيم الباقي ،وصرف الرغبة عن الفاني والجد في الطلب
من غير توان .وفي المعامالت همة باعثة على االستقامة في العمل ،مع دوام
باّلل في التوكل والتسليم ،وفي األخالق صرف الهمة بالكلية إلى المراقبة وقوة الثقة ه
إحراز السعادات والكماالت ،وفي األصول همة تجذب صاحبها إلى جانب الحق بقوة
اليقين
................................................................
) ( 1انظر :لطائف األعالم للعالمة القاشاني ( ص .) 453
53
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 54عالء أحمد المهائمي
“ “ ٥٤
وروح األنس مانعة عن الفتور في السير والزيغ في القصد ،وفي األودية التوجه إلى
الحق بالكلية مع األنفة من المباالة بحظوظ النفس من األعراض واألعواض والوسائط
كالعمل واألمل والوثوق به .
وفي األحوال صيرورة الهموم ه هما واحدا باستيالء سلطان العشق ،وفي الواليات همة
تعلو الصفات ،وتنمو عن النعوت نحو الذات ،وفي النهايات ال همة إال لتأثير
بمؤثرية الحق في جميع الممكنات ،والمراد هنا ما ذكر في األودية وما بعدها .
والحد عليها أطبق ،والهمة إنما يقال على ما قبلها مجازا ،سيهما فيما قبل االنفالق ،
ويجوز أن يقال المراد بالهمة ها هنا هو القسم الثالث من القول األخير ،وأما المعنى
الثاني والرابع فيختصان بالتأثير في الغي ،والمراد باستقرارها طمأنينة القلوب التي
هي فيها ،باعتبار صفاتها بنور اإليمان ومطابقة ما حصل منها للكتاب والسنة ،وذلك
ّللا تعالى ،بحيث ينقطع عنها الوسواس والهواجس فتمكن نور لطمأنينة النفس بذكر ه
وب[ الرعد ] 28 :؛ ّللا ت َ ْ
ط َم َئ ُّن ْالقُلُ ُ الذكر فيهاأَال َب َذ ْك َر ه َ
وذلك ألنه تعالى واجب الوجود فليس وراءه شيء ،وهو نور محض ال يبقى معه
ظلمة والتوجه التام يقوى جهة الحقيقة الحقيهة إلى أن يقهرها كالقطعة من الحديدة
المجاورة للنار ،يحصل منها ما يحصل من النار ؛ وذلك ال يمكن إال بالمحبة الكامنة
في العبد ،وظهورها ال يكون إال باالجتناب عما بضادها وهو التقوى ،فتنبهك الذي
أبان سبحانه وتعالى بمستقرات الهمم مراتب علم اليقين وعينه وحقه ،فاليقين على ما
ذكره الشيخ محيي الدين في رسالة “ اليقين “ ،مقام بين العلم والطمأنينة من يقن
الماء في الحفرة إذا استقر فيها أو من اليقين المعقود التي في الرجل تمسك به السفينة ؛
ألنه عبارة عن استقرار العلم في القلب بحيث ال يزول مهما نقل من محل الموقف ،
وانتفى عنه انتفى اإليمان وأعقبه الشك ،والشك نوع من الشرك أو تعطيل ؛ ولهذا لما
ّللا عليه وسلم :قيل في إبراهيم ما قيل حتى قيل له أو لم تؤمن قال نبينا محمد صلى ه
“نحن أولى بالشك من إبراهيم “ “ ، “ 1وأثبت فيه اليقين .
فمعلوم أن اليقين كان عنده والطمأنينة كانت مطلوبة له ،وهي التي تعطيها العين ؛
................................................................
) ( 1رواه البخاري ( ، ) 1233 / 3ومسلم ( ) 133 / 1بلفظ ( أحق ) بدال من
( أولى ).
54
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 55عالء أحمد المهائمي
“ “ ٥٥
55
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 56عالء أحمد المهائمي
“ “ ٥٦
وأما مراتب عين اليقين فهي :أن يؤخذ من عالم المثال “ ، “ 1أو من األرواح
األرضية ،أو السماوية ،أو من العقول والنفوس العالية ،أو من العلم األزلي اإللهي.
وأما مراتب حق اليقين :فإنه يتحقق بأفعال الحق أو بصفاته ،أو يفنى في ذاته ،أو
يبقى بها .وأما درجات علم اليقين فهي :أنه قد يكون بال سكينة وال طمأنينة ،وقد
يكون معهما أو مع أحدهما ،وقد يكون بأدلة ،فلها شبهات ضعيفة ال تؤثر ؛ لكن
يتحير في التفحص عنها عند البحث لضيق مجال العبارة ،وقد يكون بأدلة ال مدخل
للشبهة فيها ،وقد يكون بدليل واحد ،وقد يكون بأدلة متعاضدة ،وقد يستدل عليه
بالبرهان اآلني فقط ،وقد يستدل عليه باللهمي معه.
وأما درجات عين اليقين ،فهي أنه قد يكون بال سكينة وال طمأنينة وقد يكون معهما
بالمكاشفة ،وقد يكون بالمشاهدة ،وقد يكون بالمعاينة ،فالمكاشفة شهود األعيان وما
فيها من األحوال في عين الحق ،فهو التحقيق الصحيح بمطالعة تجليات اإللهية
والمشاهدة ،وآلية األسماء اإللهية والمشاهدة ،وآلية الذات كما أن المكاشفة آلية
النعت.
فالمشاهدة شهود الذات بارتفاع الحجاب مطلقا .والمعاينة عيان الحق ذاته بذاته بال
شبهة مع عدم اعتبار نقيصة التلوين.
وأما درجات حق اليقين فهي :أنه قد يكون بفناء النفس فقط ،أو بفناء القلب معها ،أو
بفناء الروح معها مع بقاء السر ،أو مع بقاء الخفي أوال مع شيء منها ،أو بقاء كل
شيء من هذه ال بوجودها ،بل بالوجود الحق والنور الفائض منه ،ثم لكل منها
درجات ال يسع هذا المختصر ذكرها.
ّللا عنه [ :وأوضح ،بسكون قلق الطالبين حال الوصول إلى منتهى شأو قال رضي ه
نفوسهم بتفاوت درجاتهم في منازل معرفته سبحانه في تقريباته ].
اإليضاح :اإلخراج من حيز الخفاء إلى الظهور ،كما أن اإلبانة :اإلخراج من حيز
الجهل المفتقر إلى النظر إلى حيز العلم الضروري ،واألول أبلغ ؛ إذ بقي في
الضروري نوع خفاء ،لعدم سكون القلق ،والسكون انقطاع الحركة ،والقلق في
البدايات تحرك النفس إلى
.......................................................
) ( 1اعلم أن مرتبة عالم المثال ،وهي مرتبة وجود األشياء الكونية المركبة اللطيفة
،التي ال تقبل التجزئة والتبعيض والخرق وااللتئام.
56
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 57عالء أحمد المهائمي
“ “ ٥٧
طلب الموعود ،والسآمة بما سواه في الوجود ،وفي األبواب قلق يضيق الخلق ،
ويبغض إلى صاحبه الخلق ،ويحبب إليه الموت .
وفي المعامالت التوحش عما سوى الحق ،واألنس بالوحدة ،والتخلي عن الخلق .
وفي األخالق االنخالع عن البصر والطاقة لما يجد من التوقان إلى الحق والفاقة .
وفي األصول االضطراب في الفرار إلى المقصود عن كل ما يثبطه في السير إليه أو
يقتضى الصدود ،وفي األودية قلق يغلب العقل ،ويثار والثقل ،وفي األحوال تحريك
الشوق صاحبه بإسقاط صبره ،وفي الواليات قلق يصفي الوقت ،وينقي النعت ،وفي
الحقائق قلق ينفى الرسوم والبقايا ،وال يرضى بالعطايا والصفايا ،وفي النهايات ال
يبقى شيئا وال يذره ،ويفنى كل عين وأثره .
والمراد هاهنا ما في األحوال ،والطالب هو المتوجه السائر إلى الحق باالنقطاع عما
سواه ،والوصول البلوغ إلى الغاية وحال هو وقته المنطبق عليه .
والشأو البعد ،والنفس هي الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس
والحركة واإلرادة ،وس هماه الحكيم الروح الحيوانية ،وهي الواسطة بين القلب الذي هو
النفس الناطقة وبين البدن ،وهي إما أمارة تميل إلى الطبيعة البدنية ،وتأمر باللذات
والشهوات الحسية ،وتجذب القلب إلى الجهة السفلية ،فهي مأوى الشر ،ومنبع
األخالق الذميمة واألفعال السيئة ،وإما لوامة تنورت بنور القلب تنورا ما بقدر ما
نبهت به عن سنة الغفلة ،فتيقظت وبدأت بإصالح حالها مترددة بين جهة الربوبية
والخلقية ،فلما صدرت منه سيئة بحكم جبلتها ه
الظلمانيهة وسجيهتها تداركها نورا للتنبيه
اإللهي ،فأخذت تلوم نفسها وتتوب عنها ،وإما مطمئنة ثم تنورها بنور القلب ،حتى
انخلعت عن صفاتها الذميمة ،وتخلقت باألخالق الحميدة ،وتوجهت إلى جهة القلب
متنزهة عن جانب الرجس ،والوصول إلى ه بالكلية متتابعة له إلى جانب عالم القدس ،
ّللا رفع
منتهى شأوها بانتهاء أسفارها بعد طمأنينتها ونهاية السفر األول ،أعني إلى ه
ّللا هو رفع حجاب عن حجب الكثرة عن وجه الوحدة ،ونهاية السفر الثاني ،أعني في ه
وجوه الكثرة العلمية الباطنية ،ونهاية السفر الثالث ،أعني أحديته الذات ،وهو زوال
التقيد بالضدين الظاهر والباطن بالحصول في أحدية عين الجمع ،ونهاية السفر الرابع
ّللا إلى الخلق في
،أعني عن ه
57
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 58عالء أحمد المهائمي
“ “ ٥٨
مقام االستقامة هو أحدية الجمع والفرق ،بشهود اندراج الحق في الخلق ،واضمحالل
الخلق في الحق حتى يرى العين الواحدة في صورة الكثرة ،والصور الكثيرة في عين
الوحدة.
والمعرفة تقال على معنيين :
أحدهما :العلم بأمر باطن ؛ ليستدل عليه بأمر ظاهر ،كما لو سميت شخصا فعلمت
باطن أمره بعالمة ظاهرة منه ،
ّللا عليه وسلم :فَلَعَ َر ْفت َ ُه ْم َب َسيما ُه ْم َولَت َ ْع َرفَنه ُه ْم َفي لَ ْح َن ْالقَ ْو َل
كما قيل للنبي صلى ه
[ محمد .] 30 :
وثانيهما :العلم بمشهود سبق به عهد ،كما رأيت شخصا رأيته قبل ذلك بمدهة ،فعلمت
أنه ذلك المعهود ،فقلت عرفته بعد كذا سنة ،فالمعروف على حسب مراتب الوجود ،
وهي ستة :مرتبة الذات األحدية ،ومرتبة الحضرة اإللهية الواحدية ،ومرتبة
المعاني المجردة ،ومرتبة األرواح ،ومرتبة عالم المثال ،ومرتبة عالم الشهادة ،
ومرتبة كون الجامع وهو اإلنسان الكامل ،وفي كل واحد منها تفاصيل كثيرة جدها.
وأما تفاوت درجات الطالبين فيها ،فهي إن من العارفين من ال طريق له إلى معرفته
سوى االستدالل بفعله على صفته ،وبصفته على اسمه ،
وباسمه على ذاته:
كان بَ َعي ٍد [ فصلت ، ] 44 :ومنهم من تحمله العناية األزلية ، أُولئَ َك يُنا َد ْونَ َم ْن َم ٍ
فتطرقه إلى حريم الشهود ،فيشهد المعروف تعالى بعد المشاهدة السابقة في معرفة:
أ َلَ ْستُ َب َر َبه ُك ْم [ األعراف ، ] 172 :
ويعرف به أسماءه وصفاته وعكس ما يعرفه العارف األول ،وبينهما بون بين ،إذ
األول بغيبة معروفة كنائم يرى خياال غير مطابق للواقع ،والثاني بشهود معروف
كمتيقظ يرى مشهودا حقيقيا مطابقا له.
والحق سبحانه واحد في الذات والصفات واألسماء واألفعال ،بمعنى أن كل شيء
نسب إليه ذات أو صفة أو اسم أو فعل ،فنسبتها مجازية ؛ ألنها في الحقيقة عكوس
أنوار تجليات الذات والصفات األزلية واألسماء واألفعال اإللهية من مظاهر الكون ،
وليس بمظاهرها شيء منها حقيقة كما للمرآة من الصور المتجلية فيها ،
ّللا حقيقة لقوله تعالى َ :و ُه َو فالسمع والبصر من الصفات في أي موصوف كان هو ه
ير [ الشورى ، ] 11 : ص ُس َمي ُع ْالبَ َال ه
وإظهار الحق سبحانه وتعالى سر ذاته وصفاته وأفعاله ،ما كان لخفائه عليه قبل ذلك ؛
ولكن ليتجلى باسمه الظاهر آخرا ،كما كان متجليا باسمه الباطن أوال ،ثم
58
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 59عالء أحمد المهائمي
“ “ ٥٩
إنه تعالى ما ظهر شيء من مظاهر أفعاله إال وقد احتجب به ؛ وذلك من إتقان صنعه
وبليغ حكمته ،وال يعني باالسم اللفظ بل هو مدلوله ،وهو الذات الموصوفة ،وهذا
معنى قول العلماء :االسم :المسمى ،وأما تفاوت درجاتهم في تقريباته ،فهو أن
العارف قد يتصف بأوصافه على قدر الطاقة البشرية ،وقد يفنى فيها وقد يفنى بها ،
وقد يشاهدها وقد يشاهد الذات ،ويفنى فيها ويبقى بها ،ثم إنه قد يكون العارف في
مقام التحقق “ ، “ 1والفرق بينهما سيجيء ،ثم إنه قد يصير بدال وقد يصير وتدا ،
وقد يصير إماما قطبا ،وقد يصير فردا ،وقد يصير غير ذلك ،وبيان هذه األشياء ال
يتسع لها هذا الموضع ،ويدل على وضوح هذا التفاوت عند الوصول إلى منتهى شأو
النفس قوله عليه وعلى أوالده السالم “ :من عرف نفسه فقد عرف ربه “ “ 2
“ وذلك ؛ ألن النفس ال تعرف إال بالوصول إلى منتهى شأوها ومنتهى أسفارها ،
فيذهب حينئذ حجبها النورانية والظلمانية ،فتنكشف الحقائق كلها لصيرورتها مرآة
كاملة الصفاء في مقابل المبادئ العالية المنتقشة بجميع العلوم والحقائق ،فافهم ترشد
ّللا تعالى.
إن شاء ه
ّللا عنه [ :وميز خاصته من بين الخلق بأن لم يجعل لهم غاية سوى ذاته قال رضي ه
من جميع عوالمه وحضرات أسمائه وصفاته ].
التمييز :هو النعت الرافع لاللتباس والمراد هنا التخصيص ،والخاصة :هم الذين
ّللا ،ودونهم
وباّلل ومن ه
ه ّللا
ّللا ،فإن لهم سيرا في ه
قطعوا المنازل حتى وصلوا إلى ه
المتوسطون الذين قطعوا أكثر المنازل ،ودونهم المبتدئون الذين لم يقطعوا األكثر.
ويقال لألولين السابقون ،وللمتوسطين المقتصدون ،وللمبتدئين المريدون ،والخلق
.......................................................
ّللا كذلك
) ( 1هو عند الطائفة عبارة عن رؤية الحق تعالى في أسمائه ،فإن لم ير ه
فهو إما محجوب برؤية الكون عن العين ،وبرؤية الخلق عن الحق ،أو مستهلك في
العين عن الكون .وفي الحق عن الخلق ،وهذا الشخص يفوته من الحق بقدر ما جهل
من الخلق ،إذ ال يمكن أن تعلم أنه تعالى خالق ورازق حال فنائك عن رؤية المخلوق
،والمرزوق ،فمن لم يشاهد االسم الخالق والرازق عند رؤية كل مخلوق ومرزوق ،
ّللا فقد فاته المعرفة الحقيقية
ّللا ،ومن لم ير ه
فهو محجوب عن العين بالكون فال يرى ه
لكونه ال يشهد خالقا ورازقا ونافعا وضارا وغير ذلك من األسماء التي ال تعرف إال
بشواهدها التي هي أعيان الكائنات الدالة على مكونها [ .اللطائف ص . ] 125
) ( 2رواه أبو نعيم في الحلية ( ، ) 208 / 10وذكره العجلوني في كشف الخفا ( 2
/ 343 ) .
59
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 60عالء أحمد المهائمي
“ “ ٦٠
ما ظهر من صور الوجود في الماهيات الممكنة بها الغاية ما تطلب الحركة إليه فتنقطع
إليه .
والذات هو األصل الذي به الشيء هو هو ،واختلف في العالم :فقيل :الظل الثاني ،
وهو الوجود الظاهر بصور الممكنات ،فلظهوره بتعيناتها يسمى السوي ،والغير
باعتبار إضافته إلى الممكنات ،وهي ثابتة على عدميتها ،فالعالم صورته وهو هوية
العالم وروحه ،والتعينات أحكام اسم الظاهر الذي هو مجلي الباطن وينقسم إلى عالم
الجبروت :عالم األسماء والصفات اإللهية .
وعالم األمر :عالم األرواح ؛ ألنها وجدت بأمر الحق بال مادة ومدة ،ويسمى عالم
الملكوت والغيب .
وعالم الخلق :عالم األجسام الموجودة بمادة ومدة ،ويسمى عالم الملك والشهادة .
وقيل :ما يعلم به الشيء ،فكل موجود عالم أي :والعالم ينقسم إلى عالم غيب
وشهادة .
وينقسم الغيب إلى محدثات غائبة عن الحس وإلى ملكوت هي الصفات القديمة ،وإلى
جبروت هي الذات األزلية ،والشهادة إلى عالم المثال ،وعالم األجسام ،وعالم
اإلنسان .
وقيل :اسم لكل موجود ،وينقسم إلى عالم الذات األحدية .
وعالم اإللهية :وهو حضرة الواحد ،وعالم األرواح المجردة ،وعالم المثال ،وعالم
الملكوت وهي القوى الروحانية ،وعالم الملك هو الجسمانيات ،وعالم الكون الجامع
وهو اإلنسان .
واالسم هو الذات مع الصفة .
والصفة :هي المعنى القائم بها ،وقد يترادفان وينقسمان باعتبار األنس والهيبة عند
مطالعتها إلى جمالية كما للطيف ،وجاللية كما للقهار ،وعبر عنهما بيديه .
كاّلل والموجودوتنقسم األسماء إلى ذاتية :ال تدل على معان زائدة متعدية على الذات ه
والقديم .
ووصفية :تدل على معان زائدة ال تتعدى إلى غير كالحي والعليم والمريد .
وفعلية :تدل على معان زائدة متعدية كالخالق والرازق والمصور .
وقد يقال الذاتية :ما يستقل بها الذات كالحي العليم المريد القادر السميع البصير
60
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 61عالء أحمد المهائمي
“ “ ٦١
المتكلم ،وقيل :الذاتية ما ال يتوقف وجودها على وجود الغي ،وإن توقفت على
اعتباره كالعليم ،وتسمى األسماء األولية ومفاتيح الغيب وأئمة األسماء ،ثم الصفات
تنقسم إلى ما له الحيطة التامة وإلى ما ليس له ذلك ،فاألول :هو األئمة السبعة -وإن
كان بعضها مشروطا بالبعض ،كالعلم بالحياة والقدرة بهما ،واإلرادة بالثالثة ،
والثانية باألربعة -وهي أصول لكل ما عداها -وإن كان فيها ما يحيط بأكثر األشياء .
ّللا عنه [ :بل جعل منتهى مدى هممهم أشرف متعلقات علمه وقال الشيخ رضي ه
الذاتي وأعلى مراداته ،حتى صار نهاية مرادهم وغاية مرماهم ما يريده بذاته لذاته ،
ومن جهة أعلى حيثيات شؤونه األصلية األول وأرفع تعيناته ] .
لما كان العلم األزلي من حصول نفسه في نفسه لنفسه ،وحصول حقائق كل ما عداه
فيه ؛ فله متعلقات ،وأشرف متعلقاته ذاته الجامعة للكل الواجبة بالذات ،ولما كانت
اإلرادة األزلية اقتضى ظهور ما في الغيب إلى عالم الشهادة بحسب استعدادات حقائق
المظاهر ،كان له مرادات ،وأعلى مراداته ظهور ذاته في المظهر الجامع ،ولما
كانت هذه األمور ال تنال إال بعلو الهمة جعل منتهى مدى هممهم بحسب علم اليقين
أشرف متعلقات علمه الذاتي ،وبحسب عين اليقين أعلى مراداته ،حتى انتهى أمرهم
إلى حق اليقين بأن صار مرادهم األصلي الذي هو غاية مراماتهم بقطع المنازل ما
يريده بذاته لذاته ،إنه احتراز باألول عما يريده بذاته لذاته ،بواسطة هذا المظهر
الكامل من مقدماته ومتمماته ،وبالثاني عما يريد له من معرفته مع بقاء نفسه ،ثم فسر
ما يريده بذاته لذاته إنه ما يريده من جهة أعلى حيثيات شؤونه األصلية ،والشؤون
الذاتية اعتبار نقوش الحقائق في الذات األحدية ،وهي األعيان الثابتة في المرتبة
الواحدية ،والحقائق في األحدية كالشجرة وأغصانها وأوراقها وأزهارها وثمارها في
النواة ،وهي التي تظهر وتتفصل في الحضرة الواحدية في العلم ،فاألعيان الثابتة هي
حقائق الممكنات في علمه تعالى ،وله عز وجل بحسب هذه الشؤون تجليات في مرتبة
الواحدية التي هي صفاته وأسماؤه ،والشؤون منها أصلية هي الشؤون األول وغير
أصلية ،فاألصلية هي القابلة لظهور الحق بذاته بجميع صفاته إجماال وتفصيال معا .
وهي وإن كان معقوال ال تدخل في الوجود ،فلها الحكم واألثر في كل ما له وجود
61
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 62عالء أحمد المهائمي
“ “ ٦٢
عيني ،ولهذا مرتبة األولية من حيث إنها مطلوبة للذات ؛ إذ المعرفة المطلوبة من
خلق العالم في قوله “ :كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف “ “ . “ 1ال تحصل إال
من مثل هذا المظهر ،إذ فيه جميع التجليات ،وال يعرف أحد ما ليس فيه حق المعرفة
،ومن جهة أرفع تعيناته وهو التعين األول ،وهو يتجلى بذاته على ذاته بصفة الواحدة
،تساوي فيها الظهور والبطون ،وباعتبار قابليته لهما كانت مظهرا لألحدية والواحدية
؛ ألنهما منتسبان ،فال يظهران إال بنسبة بينهما هي الواحدة.
إن للذات اعتباران :أحدهما انتقاء التعدد والنسب ويسمى به أحد ،والثاني اعتبارهما
ويسمى واحدا ،والتجلي األول يتضمن الكمال الذاتي واألسمائي إجماال كليها لتوقف
الجزئي التفصيلي تماما على تميز الحقائق ،وال متسع له فيه لغلبة الوحدة عليه ،
والكمال الذاتي يستلزم الغنى المطلق ،وهو أن يشاهد األزل شهودا كليها كل ما هو
بصدد التفصيل إلى األبد ،فيستغني عن التفصيل.
فالمطلوب هنا الكمال األسمائي ،وهو مشروط بالعالم تفصيال وبآدم إجماال بعد تفصيل
والذات اقتضته من حيث األسماء والصفات مفصال ،والتفصيل كمال آخر ال يحصل
إال بتميز الحق ،وثبوت حكم الغيرية ولو بنسبة ما ،وال سبيل في األحدية إليهما
فتوقف على تعين آخر يتميز به الحقائق اإللهية والكونية واإلنسانية ،وجميع ما كان
بصدد التفصيل ،ويسمى التعين والتجلي الثاني ،ولما كان ظهوره من التعين األول
ظهور بصورته ،فاشتمل على الوحدة والكثرة والبرزخ ،والفاصل اشتمال األول على
الوحدة واألحادية والواحدية وتسمى وحدته ظاهر الوجود ،وكثرته ظاهر العلم ويلزم
األول الوجوب ،والثاني اإلمكان الظاهر الوجود ،وحدة حقيقية من سريان األحدية
فيه ،وكثرة نسبية من سريان الواحدية وظاهر العلم بالعكس ،والكثرة العلمية أعيان
الممكنات ،والكثرة الوجودية منشأ األسماء والصفات ،والوحدة الوجودية شاملة على
الشؤون األصلية والوحدة العلمية حضرة المعاني وبحر اإلمكان.
ّللا عنه من جهة أعلى حيثيات شؤونه األصلية وأرفع وقد فهم من قول الشيخ رضي ه
وّللا الملهم.
تعيناته ،أنه ال مطمع إلى ما وراءه ألحد ،وسيصرح في المتن ،فافهم ه
............................................................
) ( 1ذكره العجلوني في كشف الخفا( 2 / 173 ) .
62
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 63عالء أحمد المهائمي
“ “ ٦٣
ّللا عنه [ :فهو سبحانه عين علمهم اليقيني ،وعينه وحقه في سائر
وقال الشيخ رضي ه
مراتب علمه الذاتي المتعلق به أوال ،ثم بمعلوماته مع استهالكهم فيه من حيث هم ،
وبقاء حكمهم وسرايته في جميع موجوداته وحضراته ] .
أي :لما كان منتهى مدى هممهم أشرف متعلقات علمه ،فهو سبحانه عين علمهم
اليقيني ،ولما كان منتهى مدى هممهم أعلى مراداته ،فهو سبحانه عين عين يقينهم ،
ولما صار مرادهم ما يريده بذاته ،فهو سبحانه عين حق يقينهم .
بيان ذلك أن علمهم لما بلغ إلى أشرف متعلقات العلم األزلي ،فعلموا وحدة الكل في
الوجود ؛ علموا أن علمهم اليقيني من حيث وجوده عين الوجود الحق ؛ لكن في هذه
المرتبة حجبوا بأنفسهم وعلمهم ،ثم لما انقلب علمهم عينا ارتفع حجاب العلم ،فرأوا
أن عين يقينهم هو عين الوجود الحق ،ثم لما انقلب العين بالحق بارتفاع الرائي ،
تحققوا أنه سبحانه من حيث الوجود عين حق يقينهم ،وليس ذلك باعتبار إطالقه إذ
باعتبار ذلك هو غني عن العالمين ،ال يزال في الحجاب ،بل إنما هو عينهم في سائر
مراتب علمه الذاتي ،فإن له وإن كان ذاتيها مراتب من حيث تعلقه أوال بذاته ،ثم
معلوماته .
فهذا العلم المتعلق بالذات من غير حجاب ،علم الرائي وال نفسه هو حق اليقين
الحاصل للخواص ؛ ولذلك إنما يحصل لهم حق اليقين مع استهالكهم فيه ال بحيث أن
يصيروا معدومين روحا ونفسا أو جثة بل من حيث أنهم ال يشعرون بها من حيث هي
،بل من حيث هي ظالل الحق وأنوار ظهرت بنوره ،فلذلك بقي حكمهم مع استهالك
وجودهم ،فمن حيث بقاء هذا الحكم ،هم عالمون متحققون بحق اليقين ،وكذا هو عين
حق يقينهم من حيث سرايته في جميع موجوداته وحضراته إذ حق يقينهم من جملتها ،
كما هو من جملة العلم .
واعلم أن هذه السرايا ليست سراية الحلول ؛ ألنه إما كحلول العرض في الجوهر
وسبحانه ليس بعرض لشيء إذ العرض موجود به ،فكيف يكون نفسه أو كحلول
الصورة في المادة ،وليس صورة لشيء ؛ ألن الصورة موجودة به والمادة موجودة
بها ،فكيف يكون عين شيء منها ،وإما كحلول المتمكن في المكان ،وهو متنزه عن
ذلك ؛ ألنه تعالى محيط بالكل ،فكيف يحيط به المكان ،بل سراينه كسراية نور
الشمس في الزجاجة ،وليس ينتقل
63
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 64عالء أحمد المهائمي
“ “ ٦٤
منها إلى الزجاج شيء كما يتوهم ،بل يحصل له بمقابلة الشمس ذلك ،فكذلك يتلون
هذا النور بلون الزجاج ،وال لون لنور الشمس وأراد بالسراية في الحضرات ،
ظهوره في مرتبة التعين األول وما بعده من التعلقات األزلية .
قال الفاضل صدر الدين في رسالة “ التوحيد “ :ثم إنها يعني الهوية “ “ 1المطلقة
اقتضت الظهور من ح هد الغيب إلى حد الشهادة ،وحصول تلك الصفات والتعينات
متمايزة في األعيان بالفعل ،ويعقلها على وجه التفصيل فأوجدت عالم األرواح أي
العقول والنفوس ،فإن ظهور الوجود فيه أتم من عالم المعاني ،ثم عالم المثال ،ثم
عالم األجسام وفي هذا العالم تم ظهور الوجود ،فإن ظهور التجلي الوجودي كمل وتم
عند إيجاد الجرم األول محدد الجهات الذي هو العرش :مقام االستواء في الكالم
اإللهي .
فإن قيل :القول باالقتضاء وتحقق اإلمكان القابل لتأثيره لكنه ممتنع ،ألنه إن تحقق
فإما في الوجود ،فهو واجب ،أو في الماهية ،فهي معدومة مجهولة ومعلومة ،بل
ممتنعة وال ثالث .
قلنا :بل موضوعه ومتعلقه اليقين ،وال نسلم أن الماهيات غير قابلة للوجود ،فإنها لو
قارنت الوجود وقارنها صارت موجودة بالضرورة لكن المقارنة متحققة ،فإن من
التعينات ما يكون موضوعه الطبيعي الوجود الخارجي ،ومنها ما يكون موضوعه
الطبيعي الوجود العقلي ،ومنها موضوعه الطبيعي الوجود المطلق كما في األعيان
الثابتة ؛ نعم إنها غير موجودة بوجود يكون نفسها أو مقوما من مقوماتها ؛ وإال يلزم
من كون الماهية من حيث هي غير مجهولة وال معلومة ؛ إذ ال تصير الموجودة
معلولة مجهولة ،كيف وإنها متى صارت بمقارنة الوجود احتاجت في موجوديتها إلى
مقارنة الوجود الذي هو غيرها ،ال يقال إذا كان الوجود واجبا ،فكل موجود كذلك ؛
ألنها نقول بمنع المالزمة ؛ ألنه إنما وجب الوجود لكونه موجودا بالذات ،بخالف ما
وجد بالعرض ،فإن موجوديته من االعتبارات العقلية ؛ ولهذا قد يعرض الصفات
السلبية والعوارض العدمية ،ومن جعل
........................................................
) ( 1الهوية :الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في
الغيب المطلق ،ولحوق الواو من الحروف الدورية بهو ،دليل دور الهوية في تجليها
أزال ،وأبدا ،من نفسها على نفسها ،فإن الغيب المطلق من حيث هو غيب ال ينتهي
إلى حد ينقلب فيه شهادة قطعا.
64
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 65عالء أحمد المهائمي
“ “ ٦٥
الوجود المطلق من االعتبارات العقلية ،فلعله لم يفرق بينه وبين هذه الموجودية بل
التبس على نظره أمر القسمين ،فجعل الحقيقة المحققة بذاتها التي هي أصل سائر
الحقائق الحقيقية أمرا اعتباريا بأعرف ذلك .
فإن قيل :ال سبيل إلى القول بالظهور ؛ إذ لو أريد به نفس الوجود ،كان معناه اقتضى
الوجود نفسه مع أنها واجبة ال يقع عليها االقتضاء ،وإن أريد المقيد بقيد بعينه ،فشئ
من جزأيه ال يقبل الجعل والتأثير ؛ لما أن الوجود واجب والقيد اآلخر ماهية وال
يقبالن الوجود ،وكذا المجموع منهما ،فإن المجموع قائم بالجزأين ،فلما لم يقبل
الوجود فال يقبل العارض أيضا ؛ ألن الوجود العارض تابع لوجود المعروض لكن
المتبوع ال يقبل الوجود ،ال يقال :الوجود العقلي يقبل الوجود العيني ؛ ألنا نقول أنه
ال يقبل العيني وال العقلي ألنه تحصيل الحاصل ،وأما باقي القيود المختصة فال تعتبر
في الوجود المطلق ،فال تكون مقتضية للوجود العيني أو العقلي ،وال الوجود المطلق
مقتضيا لها ،وهكذا الكالم في المجموع العقلي من القيود والمقيد لها ،ولو أريد
بالظهور شيء من الماهيات أو النسب واإلضافات فال يقبل الوجود ،فال حاجة إلى
مزيد تقرير وتوضيح .
قلنا :المراد بالظهور صيرورة المطلق متعينا بشيء من التعينات ،وقد عرفت أن
متعلق اإلمكان هو التعين .
فإن قيل :عالم األجسام أبعد من منبع الوجود وأقرب إلى طبيعة اإلمكان الصرف ،
فكيف يكون ظهور الوجود فيه أتم وأكمل بل األولى أن يعكس األمر فيه .
قلنا :لعلهم أرادوا أن ما يكون مدركا على سبيل اإلجمال ،ومعقوال على سبيل
التفصيل ،ومخيال أو موهوما أو محسوسا بالحواس الظاهرة ،فإن خواص الوجود
وآثاره تكون فيه أكمل وأكثر مما يكون مدركا لجميع هذا الوجود ،على أن من البين
أن اإلنيهة المدركة المتصرفة في المرتبة األخيرة مدركة بجميع هذه اإلدراكات ،
بخالف اإلنية المتصرفة في المراتب التي فوقها .
ال يقال :لو كان كمال المرتبة األخيرة مدركة لْلدراكات لكان اإلنسان الكامل كذلك ،
وقد خصصتموه بمن فني عن هذه اإلدراكات ؛ ألنها نقول :اإلنسان الكامل ال يكون
كماله إال بتحصيل ملكات هذه اإلدراكات في مراتبها ،وال يكون اإلدراك الحسي ،
65
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 66عالء أحمد المهائمي
“ “ ٦٦
وما يلزمه من القيود الحاصلة له بالطبع مانعا لسائر الضروب الباقية التي ال تحصل له
بحسب األكثر إال بالكسب واالختيار ،والكسب ال يحصل بدون اإلدراك الحسي ،
فكيف يكون الحسي مانعا من تلك اإلدراكات ؛ وإنما يكون مانعا لو كان داعيا إلى
المحسوسات من حيث هي في حال االبتداء فال ب هد من الفناء أوال ،وأما في البقاء فال
يمنع .
ال يقال :لو كانت هذه اإلدراكات كماالت ،لكان الموت تنقيصا ،والمطلوب للذات
الواجبة إنما هو الظهور بالكماالت ورفع النقائض ،فلم وقع موت الك همل ؛ ألنا نقول :
بل تكميل لها ؛ فإن النفوس الكاملة يتمكنون بعد الموت على جميع ما يتمكنون عليه
قبله ،فلم يفت عليهم اإلدراك الحسي ،وتحقيقه يحتاج إلى مزيد ال يحتمله هذا
المختصر ،انتهى حاصل كالم الفاضل .
لما توقف تأثير الفاعل في القابل على مناسبة بينهما بإجراء سنة اإللهية ،وال مناسبة
بين الحق الذي هو في غاية التنزه والخلق الذي في غاية التعلق ،لم يكن ب هد من
متوسط ذي جهتي التجرد والتعلق ويتفيض باألولى ويفيض بالثانية ،وأفضل من جمع
ّللا عليه وسلم باتفاق المحققين ،فتوسل بأكمل الوسائل التي هي بينهما هو نبينا صلى ه
ّللا رحمة وإحسان وغفران الصالة ،وهي نسبة تربط بين الداعي والمدعو ،فهي من ه
،ومن الخلق دعاء وخضوع ،ويدل باشتقاقها للكثرة على حقائق االرتباط ،وهي
الوصلة والصلة والوصال والصالء والصولة ،والشريك بين هذه األلفاظ هو الجمع
والتقريب ،وغايتها أن يستخلفه الحق حتى يصير مصليها ،أي تابعا للحق المستخلف
في الظهور بصورته ،فيصله بالتجليات الذاتية واألسمائية االختصاصية بحقائق
االصطفاء ،وإعطاء اإلنسانية ربطها بالحضرات التي منها صدرت ،وهي خمس :
األولى :حضرة حقيقته إلى عينه الثابتة في العلم اإللهي .
الثانية :روحه -أعني -النفس الرحماني المتعين بعينه الثابتة لترويحها والتنفيس عنها
من ضيق عدميتها .
66
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 67عالء أحمد المهائمي
“ “ ٦٧
ّللا عنه :العارف من أشهده الرب نفسه ،فظهرت األحوال عليه ،
قال الشيخ رضي ه
والمعرفة
67
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 68عالء أحمد المهائمي
“ “ ٦٨
السيد المالك ،قال عليه السالم “ :أنا سيد ولد آدم وال فخر “ ، “ “ 1أي :أنا
متولي التصرف فيهم ،وال فخر لي بذلك ؟ ؛ ألنه من جهة خلقيته ،وإنما الفخر بمن
خلقني عليهم ،ألنه جهة حقائقه ،وذلك أن لكل اسم من األسماء اإللهية صورة في
العلم تسمى بالماهية والعين الثابتة وفي الخارج تسمى بالمظهر ،واألسماء أرباب تلك
المظاهر ،والحقيقة المحمدية صورة الذات مع جميع األسماء ،فهو صورة االسم
ترب صورة العلم ه الجامع الذي منها الفيض على جميع األسماء ،فتلك الحقيقة هي التي
ّللا
بالرب الظاهر فيها الذي هو رب األرباب ،فله الربوبية المطلقة ؛ فلذلك قال صلى ه
عليه وسلم “ :خصصت بفاتحة الكتاب وخواتيم البقرة “ “ ، “ 2وهي مصدرة
ب ْالعالَ َمينَ [ الفاتحة ، ] 2 :مجمع عوالم األجسام واألرواح . بقوله تعالى ْ
:ال َح ْم ُد َ ه َ
ّلل َر ه َ
وهذه الربوبية من جهة حقيقية ال بشريته ،بل هو من هذه الجهة عبد مربوب ،وال
.........................................................................
) ( 1رواه ابن ماجة ( ، ) 1440 / 2والحاكم في المستدرك ( 2 / 660 ) .
) ( 2رواه الطبراني في الكبير ( ، ) 225 / 20والبيهقي في الشعب( 2 / 487 ) .
68
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 69عالء أحمد المهائمي
“ “ ٦٩
يتصور هذه الربوبية إال بإعطاء كل ذي حق حقه ،وإفاضة جميع ما يحتاج إليه العالم
،فله كل أسماء يتصرف بها في العالم بحسب استعداداتهم .
ولما كانت هذه الحقيقة مشتملة على جهتين ،اإللهية والعبودية ،لم يصح لها ذلك
أصالة بل تبعية ،وهي الخالفة .
"ومحمد " :من التحميد للمبالغة في الحمد ،أو حقيقته ،أعنى ذاته في التعين األول ،
أو مع جميع الصفات ،أو صورة االسم الجامع أو الروح األعظم أو الوحدة الحقيقية ؛
ّللا الحامد المحمود ، فإن قوسي األحدية والواحدية له أحدية جمع جميع المحامد بإيجاد ه
ّللا عليه وسلم ،
فقامت المحاسن والمحامد اإللهية والكونية كلها بذات محمد صلى ه
وقامت الحقيقة المحمدية أيضا بجميع المحامد التفصيلية .واآلل األهل ،وهم أقاربه
ّللا عليه وسلم ،ومواريثهم العلمية والحالية والمقامية ، الذين تؤول إليهم أموره صلى ه
ّللا عليه وسلم صورة طينية عنصرية ،ودينية شرعية ، وهم أقسام ؛ ألن له صلى ه
ونورية روحية ،وحقيقية قلبية معنوية ؛ فمن قام بصورته الطينية والدينية وصحة
نسبته إلى صورته النورية الروحية والحقيقية المعنوية ؛ فهو الخليفة واإلمام القائم
مقامه كالمهدي عليه السالم ،ومن قام بالثالثة األخيرة ؛ فهو وارثه علما ومقاما وحاال
،وهم الخلفاء واألمناء وإن لم يكونوا أشرافا ،ومن انفرد بالقرابة الطينية ؛ فإن كان له
يسير في المعنى والخلق فهو من السادات والشرفاء ،وإن ابتعد من الوراثة المعنوية
الروحانية العلمية رأسا وخالف ظاهر الشريعة ؛ فال يجوز أن ينظر إليها بالحقارة ،
فلعله قد يكون من أهل البراء ويؤول إلى طهارته األصلية .
وقيل :القرابة إما أن يكون صورة فقط ،أو معنى فقط أو صورة ومعنى ؛ فإن جمعها
فهو الخليفة واإلمام القائم مقامه كأكابر األنبياء الماضين ،أو بعده كاألولياء الكاملين ،
ومن اختص بالمعنوية كمؤمن آل فرعون وصاحب يسين ( ياسين ) ،فهو ولده
ّللا عليه وسلم لسلمانالروحي القائم بها بما تهيهأ لقبوله من معناه ؛ لذلك قال صلى ه
ّللا عنه “ :سلمان منا أهل البيت “ ، “ “ 1ومن اختص بالصورة ؛ فهو إما رضي ه
بحسب طينته كالسادات ،أو بحسب دينه كأهل الظاهر من المجتهدين وغيره ،؛ من
العلماء والصلحاء والعباد وسائر المؤمنين ،فالقرابة التامة هي الجامعة ،ثم المعنوية ،
ثم الصورية الدينية ،ثم الطينية.
...................................................
) ( 1رواه الحاكم في المستدرك ( ، ) 691 / 3والديلمي في الفردوس( 2 / 337 ) .
69
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 70عالء أحمد المهائمي
“ “ ٧٠
واألمة التي أرسل إليهم عليه السالم فإن أجابوا فهم أمة اإلجابة وإقامة الدعوة ،وإن
كانت عامة في األصل ،والمراد األول إذ ال صفوة في األخيرة ،وهم الذين صفت
ّللا تعالى عن وجودهم نفوسهم عن الرذائل ،وقلوبهم عن كدوراتها ،وصفاهم ه
وأوصى فهم بوجوده وصفاته ،ثم ذكر ما يلزم الصفاء من حيازة الميراث األتم
ّللا عليه وسلم :
المشار إليه في قوله صلى ه
" العلماء ورثة األنبياء ،واألنبياء لم يورثوا دينارا وال درهما ،وإنما ورثوا العلم ،
فمن أخذه أخذ بحظ وافر ". " 1 " .
ّللا عليه وسلم بقوله “ :بحظ وافر “ ،أنه ليس من علوم الدراسة ؛ وأشار إليه صلى ه
إذ ال يتوفر الحظ بذلك لعدم حصوله برد اليقين به ،بل العلم اللدني الحاصل بنور
ّللا عنه :
الكشف عند انشراح الصدر بعلم اليقين وعينه وحقه ؛ فلذلك قال رضي ه
المشتمل على علومه ،وهي العلوم الكلية الحقيقية المستلزمة لألصول ،والمقامات
واألحوال هي التجليات اإللهية من حيث أنها تتحول وال تستقر ،فإذا استقرت صارت
مقاما وفي ذلك اختالف عظيم ليس هذا موضعه .
ّللا عنه [ :مع تحققهم بنتائج حظوظهم االختصاصية ،المميزة إياهم عن قال رضي ه
التي تميز بها خواص الوسائط وثمرات التبعية وأحكام الروابط ] .
أي :الحائزين ميراثه األتم مع تحققهم بنتائج حظوظهم االختصاصية ،والنتيجة ما
يحصل من الشيء بطريق التوالد ،وخصها أهل المعقول بما يلزم الحجة لذاتها ،
والمراد هنا ما يلزم حظوظهم االختصاصية من العلوم واألحوال والمقامات ،
والحظوظ جمع حظ ،وهو النصيب ،والمراد هنا تج هل خاص له بحسب استعداده
الخاص ،والمراد بالخاص ما يوجد فيه دون ما عداه ،فإن كان بالنسبة إلى جميع ما
عداه فخاصة مطلقة واإلفاضة فيه ،فهو التجلي الذي جنسه أو نوعه أو صفة في غيره
؛ وإنما قيدنا بذلك ،ألن التجليات ال تتكرر بحسب الشخص أصال على ما في المتن ،
ثم بين الحظوظ االختصاصية بأنها المميزة إياهم عن الحظوظ التي تميز بها خواص
الوسائط والوسائط جمع واسطة ،وهي ما توصل أثر الفاعل إلى المنفعل ،وخواصها
األوصاف التي لونت األثر بلونها بعد أن لم يكن له ذلك ،فللوسائط خواص من
الحظوظ ال توجد في المنفصل القابل إال بواسطتها ،وعن الحظوظ
..........................................................
) ( 1رواه البخاري ( ، ) 37 / 1والترمذي ( ، ) 48 / 5وأبو داود( 3 / 317 ) .
70
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 71عالء أحمد المهائمي
“ “ ٧١
التي تميز بها ثمرات التبعية والتبعية االقتداء في االعتقاد واألعمال واألحوال وثمراتها
ما يحصل منها من علوم الوراثة ؛ فلهذه الثمرات حظوظ من العلوم واألحوال غير
الحظوظ االختصاصية ؛ لكنها تختص بأهل القدوة .
ثم ذكر ما هو أعم من ذلك بقوله ( :وأحكام الروابط ) أي :عن الحظوظ التي تميز
بها أحكام الروابط بين الفاعل والمنفعل ،غير الوسائط وأحكامها ،اآلثار الخاصة
بذلك فيها حظوظ تميز عن الحظوظ اختصاصية توجد في كل منفعل يقبل األثر من
الفاعل الحقيقي ،فافهم .
ّللا عنه [ :صالة مستمرة الحكم ،دائمة اإليناع دوام الزمان ،من حيث قال رضي ه
حقيقته الكلية وصور أحكامها التفصيلية ،المعبر عنها بسنينه وشهوره وأيامه
وساعاته ] .
ّللا عليه وسلم والصفوة من أمته صالة مثمرة لحكمها الذي هو الكمال ، أي :صلى ه
وهو -وإن كان حاصال لهم -درجات غير متناهية ؛ فلذلك أردفه بقوله دائمة اإليناع
له ،أي اإلثمار ،ذلك لفيض الكمال على المتصف بواسطتهم فيضا مستمرا ،ثم شبهه
بدوام الزمان من الحيثيتين حيثية حقيقته الكلية “ - “ 1فالحقيقة ما به الشيء هو في
الخارج ،والماهية ما هو مطلقا ،والهوية ما به التشخص ،والكلى ما يكون مفهومه
قابال الشتراك كثيرين فيه ،وحقيقة الزمان عند أرسطو مقدار حركة الفلك األعظم .
وعند األشعري متجدد يقدر به متجدد آخر ،وتحقيقه في علم الكالم والحكمة ،وحيثية
صور أحكامها إلى المظاهر التي ظهرت فيه آثار هذه الحقيقة الزمانية مفصلة ،
والتفصيل التمييز بين األشياء التي عند اجتماعها يصح إطالق الواحد عليها ،ودوام
هذه الصورة يتعاقب بعضها على بعض ،فطلب دوام الصالة مع دوام ثمراتها التي
وباّلل
ه ّللا
هي كصور أحكامها ؛ لتتوالى عليها التجليات غير المتناهية من السير في ه
ّللا .
ومن ه
ثم بيهن صور أحكام حقيقة الزمان بقوله ( :المعبر عنها بسنينه . . .إلى آخره ) ،
والسنة مقدار حركة الشمس بالحركة الخاصة ببروجها أو عن مقدار حركة القمر بها
اثني عشر مرة ،والشهر عن مقدار حركة الشمس برجا واحدا أو القمر البروج كلها ،
واليوم عن كون الشمس فوق األفق ،والساعة عن مقدار جزء من أربعة وعشرين
جزءا من حركة
............................................................
) ( 1وهي الحقيقة المطلقة ،أي :حقيقة الحقائق.
71
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 72عالء أحمد المهائمي
“ “ ٧٢
الفلك األعظم ،وإنما أشار إلى الصور الزمانية ؛ لينبه بذلك على صورة الوجود
األزلي األبدي ،وانقسامها على كلية وجزئية ،واألمر ما قدر .
ّللا تعالى في الحديث الصحيح بقوله “ :ال تسبوا الدهر وأناوقد أطلق الدههر على ه
الدهر ،أقلب الليل والنهار “ “ ، “ 1أو على تفاصيل الفيض الواحد في أصله ،أو
على أن الكمال النبوي -وإن كان شامال -لكن له تفاصيل تتوقف على الدعاء ،
فافهم .
النص األول :
ّللا عنه [ :نص شريف ،هو أول النصوص الواجب تقديمه ] . قال رضي ه
النص :لغة الخالص ،والمراد هنا ما يختص بذوق المقام األكمل األجمع ،المطابق
ّللا تعالى في أعلى درجات علمه ،وأتمها وأكملها على ما بينه الشيخ رضي لما يعلمه ه
ّللا عنه في المتن في التفريع الثالث من تفاريع النصوص الثالثة األول ،سمي به ؛ ه
ألنه ال يقبل التفسير والتأويل بوجه من الوجوه شرفه باعتبار شرف معلومه ،وهو
المطلق الشامل للكل مع غنائه عن الكل ،وإنما كان أول النصوص ؛ ألنه يبحث فيه
عن أول االعتبارات ،وهو اإلطالق والذاتي ،وإنما وجب تقديمه ؛ ألنه يبحث فيه عن
موضوع العلم الذي هو الوجود المطلق ،وهو من مقدمات الشروع في العلم على وجه
يتميز به تميزا ذاتيها كامال ومسائلة مبنية عليه ،وهي حمل أعراضه الذاتية عليه ،أو
على أنواعه أو أعراضه الذاتية أو أنواعها ،ولم يتعرض لتعريف العلم ،وهو أنه العلم
الباحث عن أحوال الوجود من حيث هو ،ومن حيث ظهوره في المظاهر وغيرها ،
مع أن التعريف يفيد بالتمييز الذهني اكتفاء بالتمييز في الواقع الحاصل من تمايز
الموضوعات ،وكذا لم يتعرض لغايته لظهورها من ذكر الموضوع ؛ ألنه لما كان
أعم األشياء وأعالها ،وكان البحث عنها بحثا عن الموجودات كلها على وجه الكشف
واليقين ،فمعلوم ما يفيده من السعادة العظمى والدرجة الكبرى التي ال نهاية لها .
ّللا عنه [ :اعلم أن الحق من حيث إطالقه الذاتي ال يصح أن يحكم عليه قال رضي ه
بحكم ،أو يعرف بوصف ،أو يضاف إليه نسبة ما ،من وحدة ،أو وجوب وجود ،أو
مبدئية ،أو اقتضاء إيجاد ،أو صدور أثر ،أو تعلق علم منه بنفسه أو غيره ؛ ألن كل
ذلك يقضي بالتعين
........................................................
) ( 1رواه البخاري ( ، ) 1825 / 4ومسلم ( ، ) 1762 / 4والنسائي في الكبرى
( 4 / 457 ) .
72
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 73عالء أحمد المهائمي
“ “ ٧٣
والتقيد ،وال ريب في أن تعقل كل تعين يقضي بسبق الال تعيهن عليه ،فكل ما ذكرناه
ينافي اإلطالق ] .
الحق :لغة الثابت سمي به الوجود المطلق ؛ ألن ثبوته لذاته وثبوت غيره به ،
فالوجود هو الثابت من كل وجه ،وغيره ليس بثابت من حيث ذاته ؛ وإنما ثبوته بالغير
ومنع الحكم عليه من حيث اإلطالق الذاتي ،مع أنه هو محكوم عليه بجميع األحكام ؛
ألن ذلك من حيث تعيناته المتعددة المختلفة وغيرها ،واالعتبار للتعين في اإلطالق ،
وقيد بالذاتي احترازا عن إطالق التعين األول عن األسماء ؛ ألنه من حيث التعين
األول محكوم عليه بالوحدة ،والتعين ،والعلم بالذات ،ووجوب الوجود .
فإن قيل :قد حكم عليه بأنه ال يحكم عليه ،وهل هو إال تناقض ،ويحكم عليه بأنه ال
يتقيد ويوصف باإلطالق .
قلنا :المراد هذا المتعين قبل تعينه ال يحكم عليه بذلك ،فإذا تعين وتعلق العلم به ،حكم
عليه بأنه لم يكن محكوما عليه حينئذ ،وال مقيد أوال موصوفا ،على أن المراد بمنع
الحكم عليه أال يتقيد به ،حتى إن الحكم وضده فيه سواء ،والحكم نسبة أمر إلى آخر ،
والتعريف بالوصف هو التعريف الرسمي الذي يعرف به الحق اآلن ؛ ألن الحقيقي
ممتنع في حقه أزال وأبدا ،والمراد بالوصف أعم من الثبوتي والسلبي ،وإنما امتنع
هذا التعريف ؛ ألنه نوع من الحكم ،وامتنع أن يضاف إليه نسبة ؛ ألن النسبة نوع من
الوصف المعرف ،والوحدة ثمة ليست في مقابلة الكثرة ،بل للتنبيه على نفي الكثرة
المتوهمة فيه ،وإنما امتنع إضافتها ؛ ألنها نوع نسبة ووجوب الوجود كونه من ذاته
بل عين ذاته ،وإنما امتنع إضافته ؛ ألنه نوع نسبة متفرعة على الوحدة والمبدئية كونه
أصل األشياء ،وهو نسبة متفرعة على وجوب الوجود واقتضاء اإليجاد ،إظهاره
األشياء على نهج االختيار ،فصدور األثر عنه أعم منه لصدقه مع اإليجاب ،وهما
نسبتان متفرعتان على المبدئية .
ثم ذكر ما يستلزم امتناعه امتناع الكل ،وهو أنه يمتنع تعلق علمه بنفسه أو غيره من
حيث اإلطالق ،وهذه األمور كلها متفرعة عليه ،وليس المراد سبق الجهل -تعالى
علوا كبيرا ،بل المراد أن اإلطالق ال يمكن اعتبار العلم معه ،كما ال يمكن
عن ذلك ه
اعتبار هذه األمور مع كونها ؛ ألنها الزمة للحق أزال وأبدا ،ثم علل جميع ذلك بما هو
علة األصل أوال
73
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 74عالء أحمد المهائمي
“ “ ٧٤
والفروع أيضا ،بأن كل ذلك يقضي بالتعيين والتقييد ،ضرورة أن ما ال يتعين كيف
يحكم عليه بحكم معين ،وكيف يوصف بوصف معين ،وكيف يضاف إليه نسبة معينة
؟ ،ثم ذكر ما هو سبب اعتبار اإلطالق بأنه ال ريب في أن تعقل كل تعين يقضي
بسبق الال تعيهن ،فكل ما ذكرناه من الحكم والتعريف بالوصف ،وإضافة النسب إليه
ينافي اإلطالق الذي اعتبر فيه التعقل قبل التعين ،وإنما اقتضي تعقل كل تعين سبق
الال تعين عليه ؛ ألنه قيد ال حق فال بد له من سابق ،والسابق على كل تعين ليس إال
الال تعين ،فافهم .
ّللا عنه [ :بل تصور إطالق الحق يشترط فيه أن يتعقل ،بمعنى أنهقال رضي ه
وصف سلبي ال بمعنى أنه إطالق ضده التقييد ،بل هو إطالق عن الوحدة والكثرة
المعلومتين “ ، “ 1وعن الحصر أيضا في اإلطالق والتقييد ،وفي الجمع بين كل
ذلك والتنزه عنه ،فيصح في حقه كل ذلك حال تنزهه عن الجميع ،فنسبة كل ذلك إليه
وغيره وسلبه عنه على السواء ،ليس أحد األمرين بأولى من اآلخر ] .
لما كان اإلطالق الذي ضده التقييد من جملة األحكام المقيدة المتوقفة على التعين .
قال :يشترط في تصور هذا اإلطالق أن يتعقل ،بمعنى أنه وصف سلبي ،وهو أنه ال
يتقيد بشيء ،ال بمعنى أنه إطالق متعارف ضده التقييد ،وإنما أطلق عليه لفظ
اإلطالق ؛ ألنه إطالق عن الوحدة والكثرة المعلومتين ،فهو من حيث اإلطالق ال يتقيد
بالوحدة وال بالكثرة ،بل المقيد بذلك مراتبه وتعيناته ؛ وهكذا هو مطلق عن الحصر
في اإلطالق والتعين بحيث ال يتقيد بأحدهما ،وإن كانا فيه بحسب مراتبه وتعيناته ،
وال في الجمع بين كل ذلك أي الوحدة والكثرة واإلطالق والتقييد ،وكذلك وكل ذلك فيه
بحسب مراتبه ،فنسبة كل ذلك إليه ونسبة غيره من التنزيه والتشبيه والغيب والشهادة
،وسلب جميع النسب إليه سواء بال ترجيح ألحد األمرين على اآلخر ؛ إذ لو رجح
لظهور التقيد به ؛ إذ المرجوح ال يقابل ،وإنما حصلت أولوية بعضها على بعض
بحسب المراتب المتوقفة على التعينات وال اعتبار لها حيث يعتبر اإلطالق ،فافهم ،
فإنه مزلة األقدم " ." 2
............................................................
) ( 1أي :الوحدة االعتبارية العددية المقابلة للكثرة ،والكثرة العددية المتعارف عليها
؛ ألن وحدة الحق هي الوحدة الذاتية المنفردة بها ذاته .
) ( 2انظر :كتابنا “ إرشاد ذوي العقول إلى براءة الصوفية من االتحاد والحلول“ .
74
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 75عالء أحمد المهائمي
“ “ ٧٥
ّللا عنه [ :وإذا وضح هذا علم أن نسبة الوحدة إلى الحق والمبدئية والتأثير
قال رضي ه
والفعل اإليجادي ونحو ذلك إنما يصح ويضاف إلى الحق باعتبار التعين ] .
أي :وإذا ظهر أن ال ترجيح لنسبة على نسبة في اإلطالق ،فترجيحات هذه النسب
إنما هو باعتبار تعينه ،والوحدة والمبدئية باعتبار المتعين األول والتأثير ،وهو التوجه
إلى الفعل أو اإلعدام والفعل اإليجادي بالنسبة إلى التعين الثاني وما بعده ،وذلك إن
كال منها نسب فال بد لها من منتسبين ،واإلطالق أمر سلبي ،والمراد :أنه يتوقف
تعقلها على اعتباره ،وإال فهي مع التعين ثابتة للحق أزال وأبدا ،فافهم .
ّللا عنه [ :وأول التعينات المتعلقة النسبة العلمية الذاتية ؛ لكن باعتبار
قال رضي ه
تميزها عن الذات باالمتياز النسبي ال الحقيقي ] .
لما توقفت النسب على التعينات ،والنسب مرتبة فال ب هد من ترتب التعينات ،فأول
التعينات المتعقلة النسبة العلمية ،أي التي ظهرت من نسبة العلم ،فجعل العلم نسبة ،
إذ ال تحقق للصفات متميزة في تلك الحضرة ،وإنما قال “ :المتعلقة “ ألن أول
التعينات الواقعة نسبة الحياة ،ألنها شرط العلم ؛ لكنها ال تعقل إال بعد تعقل العلم ،
وإنما قال “ الذاتية “ ؛ ألن النسبة العلمية األسمائية متأخرة عن هذه النسبة ،وكذا
نسبة علمه إلى سائر األشياء واألعيان ،
وإنما قال :باعتبار تميزها ؛ ألنه في اإلطالق العلم حاصل ؛ لكنه لما لم يتميز بالكلية
لم يحصل منه تعين ،وإنما اعتبر االمتياز النسبي ؛ ألن االمتياز الحقيقي إنما هو في
تعين الواحدية ،ال في األحدية التي هي التعين األول ،فهذه النسبة في التعين األول
عين من حيث الحقيقة ،غير باعتبار ما .
ّللا عنه [ :وبواسطة النسبة العلمية الذاتية ؛ يتعقل وحدة الحق ووجوب
قال رضي ه
وجوده ومبدئيته ،وسيما من حيث إن علمه بنفسه في نفسه ،وأن عين علمه بنفسه
سبب لعلمه بكل شيء ،وأن األشياء عبارة عن تعينات تعقالته الكلية والتفصيلية ،وأن
الماهيات عبارة عن التعقالت ،وأنها تعقالت منتشئة التعقل بعضها من بعض ] ] .
لما توقف إضافة النسب إلى الحق على تعينه ،فالنسب الذاتية توقف تعقلها على التعين
األول ،فبواسطة النسبة العلمية الذاتية .
أي :علمه ذاته بذاته في ذاته مع التميز االعتباري.
75
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 76عالء أحمد المهائمي
“ “ ٧٦
ّللا عنه ( :يتعقل وحدة الحق ) “ ، “ 1التي هي نسبة ذاتية باعتبار نفي قال رضي ه
الكثرة عنها بالذات ،واالعتبار لها في الذات المطلقة لصدقها مع الوحدة والكثرة ،
وكذا وجوب وجوده ؛ ألنه نسبة إذ هو اقتضاء ذات الوجود باعتبار مغايرة اعتبارية
مر ،واالعتبار لها في المطلقة لصدقها على الممكنات ،وكذا مبدئيته ؛ ألنه على ما ه
نسبة بينه وبين ما أبداه وال اعتبار لها في المطلقة في صدقها على ما أبداه أيضا ،لكن
في التعين األول ظهرت هذه النسب ،وقبل العلم ال يمكن تعقل شيء من ذلك ؛ إذ لو
لم يعلم ذاته كيف يحكم بوحدته ،ولو لم يعلم وحدته كيف يحكم بوجوب وجوده المتناع
تعدد الواجب ؟ ولو لم يعلم وجوبه كيف يعلم كونه مبدأ الكثرة ،وكذا لو لم يعلم وجوبه
كيف يعلم كونه منتهى الحوادث ومبدأها ،وعلى الخصوص يتوقف تعقل كل منها على
النسبة العلمية الذاتية ،من حيث أن علمه نفسه في نفسه من غير زيادة عليه ،فيعلم
وحدته ؛ إذ لواله لم يتعقل الوحدة من كل وجه ،ألنه حينئذ يكون متعددا من ذات
وصفه ،وكذا وجوب الوجود المتوقف
.....................................................................
ّللا عليه في “ مفتاح الغيب “ :الحق ) ( 1قال الشيخ صدر الدين القونوي -رحمة ه
سبحانه وتعالى من حيث وحدة وجوده لم يصدر عنه إال واحد ،الستحالة إظهار
الواحد ،وإيجاده من حيث كونه واحدا أو أكثر من واحد ،لكن ذلك الواحد ،عندنا هو
الوجود العام المفاض على أعيان الممكنات كما تقدم ،فكيف يقال :إن الشيخ وأتباعه ،
يقولون :إن الواجب هو الوجود العام ! فيلزم هأال يكون الواجب من الموجودات
ّللاُ أ َ ْن تَعُودُوا َل َمثْ َل َه أَبَداً[ النور : تان َع َظي ٌم * يَ َع ُ
ظ ُك ُم ه سبْحان ََك هذا بُ ْه ٌ
الخارجية ُ
16 - 17 ] .فإن قلت :كيف ذهب إلى أن الواحد ال يصدر عنه إال الواحد ،وهو من
طا همات الفالسفة وال يقول به أهل السنة ؟ قلت :أهل السنة ما قالوا إن الواحد في جميع
الوجود يصدر عنه أكثر من واحد ،وإنما ذهبوا إلى أن العالم صدر عن ذات متصفة
بالحياة ،والعلم ،والقدرة ،واإلرادة ،فما صدر عن واحد من جميع الوجوه ،وأما
كون الواحد أعم من الواجب وغيره ،هل يصدر عنه أكثر من واحد أم ال ؟ فال يصادم
كالم أهل السنة على ما قدمنا لك من كالم الشيخ في “ الفتوحات “ ما إذا تأملته كفاك
فتذكر .وأين كالم الشيخ صدر الدين من كالم الفالسفة ؟ فإن الصادر األول عندهم هو
العقل األول ،وعنده الوجود العام ،ومن كالمه في “ مفتاح الغيب “ أيضا :اعلم أن
الحق هو الوجود المحض الذي ال اختالف فيه ،وأنه واحد وهذه حقيقة ال يتعقل في
مقابلة كثرة ،وال يتوقف تحققها في نفسها ،وال تصورها في العلم الصحيح المحقق
على تصور ضد لها ،بل هي لنفسها ثابتة ال مثبتة ،وقولنا وحده للتنزيه والتهم ال
للداللة على مفهوم الوحدة على نحو ما هو متصور في األذهان المحجوبة ،وقال فيه
أيضا :الوجود في حق الحق عين ذاته ،وفيما عداه أمر زائد على حقيقته ،انتهى .
نقال عن أبي الفتح المكي “ عين الحياة ( “ ص ) .70
76
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 77عالء أحمد المهائمي
“ “ ٧٧
على الوحدة ،على أن الواجب يجب أن يكون كامال ،وال كمال مع زيادة العلم لجواز
تعقل انفكاكه حينئذ ،والمبدئية عليهما ،على أنه لو زاد علمه بذاته ،فجاز أال يعلم
ذاته ؛ لجاز أال يعلم مبدئيته .
وأيضا من حيث أن عين علمه بنفسه سبب لعلمه بكل شيء ،والوحدة والوجوب ،
والمبدئية من جملة األشياء على أنها من اللوازم القريبة ،فإذا علم البعيدة بعين علمه
بنفسه فالقريب أولى ،أو إنما كان علمه بنفسه سببا لعلمه بكل شيء ؛ ألنه شامل على
شؤونه التي هي عبارة عن حقائق األعيان الثابتة التي هي حقائق األشياء أيضا ،من
حيث إن األشياء تعينات تعقالته الكلية والتفصيلية ،والوحدة تعين لتعقله كلية الذات من
حيث إن شموله على شؤونه ليس على نهج التمييز ،وهذا إنما هو في التعين األول ،
ووجوب الوجود تعين لتعقله كلية الذات من حيث ال تميز فيه لشؤون الممكنات التي
يشملها ،والمبدئية تعين لتعقله كلية الذات ،من حيث أنه أوال من غير تميز لآلخر فيه
،وأما التفصيلية فليس تتعقل في هذه المرتبة ،وإنما كانت األشياء عبارة عن تعينات
تعقالته ؛ إذ ليس لها وجود مستقل بل مفاض من نوره على أعيانها التي هي تعقالته
اتصف بها من حيث ظهوره فيها وبها حتى تعين بها ،واألعيان أمور متعقلة لها ال
غير ،وأيضا من حيث إن الماهيات عبارة عن التعقالت ،وال شك أن الوحدة
والوجوب والمبدئية إن كانت أمورا موجودة فال ب هد لها من ماهية ،فال يسبق التعقل
األول الذاتي ؛ وإال فهي محض التعقالت ،وإنما كانت الماهيات عبارة عن التعقالت ؛
إذ ليس في الخارج شيء يغاير الوجود في الموجودات مع أنها نعلم قطعا أن األشياء
تتمايز وتتغاير والوجود مشترك فهو بالماهية ،وأيضا من حيث إنها تعقالت منتشية
التعقل بعضها من بعض ،فإن الوحدة منتشية من تعقالت الذات والوجوب عنهما
والمبدئية عن الثالثة ،فهي نفس التعقالت ،وإنما كان بعضها منتشيا عن البعض ؛
ألن المتأخر من هذه األمور من لوازم المتقدم ،فتعقل الملزوم مستلزم لتعقله ،فكذلك
تعقل الالزم منتشئ عن تعقل الملزوم .
ّللا
ّللا عنه [ :ال بمعنى أنها تحدث في تعقل الحق تعالى ،تعالى ه
ولذلك قال رضي ه
عما ال يليق به ،بل تعقل البعض متأخر الرتبة عن البعض ،وكلها تعقالت أزلية أبدية
على وتيرة واحدة تتعقل في العلم ،ويتعلق بها بحسب ما يقتضيه حقائقها] .
77
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 78عالء أحمد المهائمي
“ “ ٧٨
لما توهم مما سبق ،إن تعقل المنتشئ حادث لتأخره في الوجود عن المنتشئ منه ،دفع
ذلك بأن االنتشاء ليس بمعنى الحدوث ؛ المتناعه في ذات الحق وصفاته الالزمة ،
والعلم منها ؛ ألن التجرد نسبة على ما بين في الحكمة ،وما يرى من الحدوث في
صفاته الالحقة باسمه الظاهر ،فحدوثه إنما الظهور بعد البطون في حق الوجود ،
وبمعنى سبق العدم عليه في حق األعيان الثابتة ،فليس تأخر تعقل البعد إال بحسب
الرتبة ،بمعنى التقدم الطبيعي ،وهو أن يكون المتأخر مفتقر إلى المتقدم ،وال يكون
المتقدم علة للمتأخر ،والصفات اإللهية غير معلولة بشيء ؛ ألن تأثير العلل إنما هو
في الحوادث فكلها تعقالت أزلية أبدية على وتيرة واحدة لم يسبق الجهل بشيء منها ،
بل حقائقها يترتب بعضها على بعض ترتبا طبيعيها ،والعلم بالشيء إنما يتعلق به
ّللا بالحوادث قديم ؛ لكنه يتعلق بها
بحسب ما يقتضيه حقيقته ؛ ومن هنا نقول أن علم ه
على حسب ما هي عليه ،فيعلم الماضي ماضيا ،والحال حاال ،والمستقبل مستقبال من
غير تغيير في علمه ،بل تعلقه الذي هو نسبة بين العلم والشيء ال وجود لها ،فال
محذور في اعتبارها ما في علمه تعالى ،فافهم .
ّللا عنه [ :ومقتضى حقائقها على نحوين :أحدهما تعقلها من حيث قال رضي ه
استهالك كثرتها في وحدة الحق ،وهو تعقل المفصل في المجمل ،كمشاهدة العالم
العاقل بعين العلم ،في النواة الواحدة ما فيها بالقوة من األغصان واألوراق والثمر ،
والذي في كل فرد من أفراد ذلك الثمرة مثل ما في النواة األولى ،وهكذا إلى غير
النهاية ] .
لما كان تعلق العلم بالحقائق على حسب مقتضياتها ،فتارة يقتضي كونها على وتيرة
واحدة وتارة كونها مترتبة ؛ ألن مقتضى حقائقها على نحوين بناء على أن كال من
الذات األحدية والحقائق مرآة لآلخر ؛ فالنحو األول المبني على كون الذات مرآة
للحقائق وهي فيه على وتيرة واحدة ،تعقل الحقائق من حيث استهالك كثرتها في وحدة
الحق ،أي عدم ظهورها وتميزها فيها التمييز الحقيقي ،مع كونها بالقوة ،وتفصيلها
اعتباري بحسب ما يعود إليه آخر ،فهو شهود المفصل ،أي الذي يحصل له التفصيل
في المجمل ،فالكل داخل في ذلك الكمال ؛ لكن الكمال الحاوي لتلك الحقائق ال يحصل
إال بظهور الوجود فيها ولها ،وسمة هي معدومة ال تظهر من حيث هي أبدا وأزال ؛
لكنها مشهودة للحق شهودا علميها ال عينيها ،واألسماء تطلب الكمالين جميعا ،فالكثرة
اعتبارية والوحدة حقيقية ،كما في النواة الشاملة على الشجر واألثمار ونواها وحدتها
كالحقيقة ،وكثرتها فيها اعتبارية ،وإنما يرى
78
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 79عالء أحمد المهائمي
“ “ ٧٩
الكثرة فيها العالم بها حقيقة ال يتغير علمه عند حصول تلك الكثرة بالفعل في الخارج ،
فال يزاد كماال لم يكن قبل أصال ،بل هو ذلك الكمال بعينه ،حصل له صفة الظهور
في الخارج ليحصل الكمال الخارجي ،وال نصيب فيه للعالم إال فيما علم أوال ،لكن
لما كان علمه حاصال في الخارج فال ب هد من تعلق علمه به كذلك ليطابق ذلك العلم
األزلي ،فافهم .
ّللا عنه [ :والنحو اآلخر تعقل أحكام الوحدة جملة بعد جملة ،فيتعقل كلقال رضي ه
جملة بما يشتمل عليه من الماهيات التي صورة تلك التعقالت المتكثرة المعددة للوجود
الواحد ،وهذا عكس االستهالك األول المشار إليه ؛ فإن ذلك عبارة عن استهالك
الكثرة في الوحدة ،وهذا هو استهالك الوحدة في الكثرة ،فليعلم ذلك ] .
أي :والنحو أيضا من مقتضى الحقائق أن تصير الحقائق مرآة للحق ،وبه يحصل
ترتب التعقالت ؛ ألنه يتعقل به أحكام أي أوصاف الوجود الواحد الالحقة به بحسب
ظهوره في تلك الحقائق ،وإن كانت معه أيضا عند البطون ،فتعقل تلك األحكام جملة
بعد جملة بحسب ترتيبها الطبيعي ،وإن كان تعقل مجموعها مرة واحدة بحسب تعقل
تلك األحكام نفسها ،وإنما ترتبت بحيث ترتب ماهياتها الخارجية ،فيتعقل كل جملة
من األحكام بما يشتمل تلك الجملة عليه من الماهيات ،التي هي صور تلك التعقالت ،
أي مظاهر تلك األحكام المتعقلة مرة واحدة أوال ،ومرات متعددة بحسب تلك المظاهر
،وإنما قيدنا الماهيات بالخارجية ؛ ألن الذهنية غير مترتبة التعقل إال بحيث أن
خارجيتها مرتبة ،فيعقل ترتيبها في الذهن بحسب ذلك .
وهذه الصور التي هي ماهيات الخارجية متكثرة بالحقيقة في الخارج معددة للوجود
الظاهر فيها ال بحسب نفسه ،بل بحسب الصور الظاهرة فيها ؛ ألنها مرايا متعددة له ،
فيتعدد صوره بحسب تعدداتها ،وهذا االستهالك -أعني استهالك الوحدة ،أي
اختفاؤها في الحقائق -عكس االستهالك األول الذي هو استهالك كثرة الحقائق في
الوجود ،فهو شهود المجمل في المفصل ،وفي هذه الشهود ترتب على حسب أوقات
ظهوره فيها ،فالكثرة والترتب ليس إال للماهيات الخارجية بالذات ،والذهنية باعتبار
قابليتها للخروج ،والوحدة ليس إال للحق من حيث هي فيه ،فافهم .
***
79
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 80عالء أحمد المهائمي
“ “ ٨٠
النص الثاني
ّللا عنه [ :ومن النصوص :اعلم أن الحق من حيث إطالقه وإحاطته ال :قال رضي ه
يسمى باسم ،وال يضاف إليه حكم ،وال يتعين بوصف وال رسم ؛ ليس نسبة االقتضاء
إليه بأولى من نسبة الال اقتضاء ،فإن االقتضاء المتعقل إذ ذاك أو المنفي هو حكم
متعين ووصف مقيد ] .
لما فرغ عن اإلطالق الذي ال يقابله التقييد وال ينحصر في اإلطالق والتقييد وال في
الجمع بينهما وال االنفراد ؛ شرع في اإلطالق المقابل للتقييد ،وهذا اإلطالق هو الذي
يعبر قبل التعين األول ال غير ،فذلك يمكن اعتباره قبله وبعده ،فهذا اإلطالق يتقيد
باإلطالق والعموم ،وإليه أشار بقوله ( :وإحاطته ) لكن ال يسمى باسم خاص وإال لم
يبق على اإلطالق ،وهكذا ال يضاف إليه حكم خاص حتى يقال أنه مقتض لألعيان أو
األسماء أو ال مقتض لمنافاته العموم .
وهكذا ال يتعين بوصف كالعلم ،وال رسم كالوجود والحياة ؛ لذلك ،فإذا لم يتعين بذلك
لم يكن نسبة اقتضاء شيء كاألسماء واألعيان بأولى من نسبة الال اقتضاء المتعقل إليه
قيد بذلك ؛ ألنه شامل عليها بحسب اإلطالق األول ،وهذا إنما يفارقه باعتبار ما ،
فإنما يمتنع االقتضاء والال اقتضاء المتعقل ال الواقع هناك ،ثم ذكر تعليل ذلك بقوله :
إذ ذاك أي االقتضاء أو المنفي أي :الال اقتضاء هو حكم معين .
يقال :نسبة مقتض أو ال مقتض ووصف لذاته ،بأن فيه اقتضاء أو ال اقتضاء ،فال
يبقى إطالق ضده التقييد ،فاالقتضاء ال يتعقل لهذا الحصر ،وإن كان التعيهن يترتب
عليه ،بل يتوقف االقتضاء على التعين العلمي ،وليس هذا التعين مقتضاه ،بل من
جملة ما اشتمل عليه اإلطالق األول ،فافهم .
فإن له ثالث مراتب : ّللا عنه [ :ثم ليعلم أن االقتضاء وإن كان ذاتيها ،هقال رضي ه
حكمه من حيث المرتبة األولى :هو أنه ال يتوقف على شرط ،وال موجب يكون سببا
لتعيهنه ،
وحكمه من حيث المرتبة الثانية :هو أنه يتوقف تعيهنه على شرط واحد فحسب،
وحكمه من حيث المرتبة الثالثة :هو أن ظهور أحكامه يتوقف على شروط وأسباب
ووسائط ] .
يريد أن نسبة الال اقتضاء وإن لم يكن أي :إطالق الذات أولى من نسبة الال اقتضاء ،
80
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 81عالء أحمد المهائمي
“ “ ٨١
لكن النسبتين داخلتان في الذات بحسب إطالقها بالمعنى األول ،وهذا االقتضاء وإن
كان متحد الذات ،وهو أنه فيض ،لعدم التميز في اإلطالق ،لكنه من حيث التنزل إلى
المفاض عليه يختلف أحكامه ؛ ألنه قد يصل بال واسطة وقد يصل بواسطة ،وقد يصل
بوسائط والواسطة الشرط أو السبب ،والمراد بالشرط ما ال دخل له في اإليجاد ،لكن
يتوقف عليه ،وبالسبب ما يكون موجبا غير مؤثر ،فلذلك االقتضاء والفيض عند
التنزل من إطالق الذات ثالث مراتب مختلفة األحكام ،
وحكمه من حيث المرتبة األولى :هو أنه ال يتوقف تعلقه بالمفاض عليه على شرط
وعلى موجب يكون سببا لتعينه وإن توقف على موجب يكون مؤثرا فيه من األسماء
اإللهية والربوبية إذ ال ترجيح في الذات المطلقة مع غنائها عن العالمين ،
وحكمه من حيث المرتبة الثانية :هو أنه يتوقف تعينه ،وإن لم يتوقف أصله على
شرط واحد فحسب ،ولو يعتبر السبب هنا ،إذ يشترط معه عدم المانع ،فتتعدد
الواسطة ال محالة ،
وحكمه من حيث المرتبة الثالثة :هو أن ظهور أحكامه بعد حصول تعينه في إحدى
المرتبتين األوليين يتوقف على شروط وأسباب ووسائط أخرى من الطبائع وأجسام
القوى وغيرها ،وإنما اعتبر جميع األمور هنا مع تعددها ؛ لتشمل هذه المرتبة جميع
المراتب غير المتناهية ،وليس المراد أن ال بد من جميع ذلك ،وإنما أراد ضبط
المراتب الباقية فيها .
ّللا عنه [ :فحكم االقتضاء األول هو الفيض الذاتي ال لموجب ،وال يتعقل
قال رضي ه
في مقابلة قابل أو استعداده ،وحكم االقتضاء الثاني :التوقف على شرط واحد وجودي
فحسب ،وذلك الشرط الوجودي هو العقل األول الذي هو واسطة بين الحق وبين ما
قدر وجوده من الممكنات إلى يوم القيامة ،وأما حكم االقتضاء من حيث المرتبة
الثالثة :فإن ظهور أثره وحكمه موقوف على شروط شتى كباقي الموجودات ] .
بيان ألوصاف الفيوض المذكورة وتعيناتها ،أي وإذا كان ذلك ،فحكم االقتضاء األول
أي أثر الثابت به من حيث المرتبة األولى حصول الفيض الذاتي قيد به ؛ ألن األسمائي
ال ب هد وأن يكون بواسطة قابليته األعيان واستعداداتها ؛ ألنها نسب بينها وبين األعيان ،
فهذا الفيض ال يكون بموجب من األسباب ،وال يتعقل في مقابلة قابل واستعداده ،إذ
القابل واستعداده إنما يحصالن من هذا الفيض ،فلو توقف عليها لزم الدور.
81
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 82عالء أحمد المهائمي
“ “ ٨٢
ومن هنا يفهم أنه ال يكون بواسطة الشرط ،وهذا هو محل االختيار اإللهي والقدرة
مستوية الطرفين واإلرادة المرجحة ،والقابل هو العين الثابتة ،واالستعداد تهيؤه
للقبول ،وهذا الفيض هو المسمى بالفيض األقدس ،وحكم االقتضاء الثاني توقف
الفيض الحاصل منه على شرط واحد ،إذ لو تعدد لكان في المرتبة الثالثة ،والشرط
هنا وجودي إذ العدمي هو شرط عدم الواسطة حاصل في المرتبة األولى ،لكنه لما
اعتبر كون عدم الواسطة حاصال ،لم يجعل واسطة بخالف عدم المانع المعين مع
السبب ،فتذكر ولم يعتبر هنا ؛ ألنه إنما يكون شرطا ،حيث فرض المانع ،إذ يكون
عدما مضافا ،فيكون في حكم الوجود وإال كان عدما محضا ،وذلك الشرط الوجودي
هو العقل األول ،إذ األسماء اإللهية نسب عدمية ،والوجود هو الذات مع اعتبار تلك
النسب ،على أنها ال تغاير الذات ،فال تعد وسائط ،وأما غير العقل األول ظن فمرتب
عليه في تعدد الوسائط ،وإنما لم يجعل سببا الستلزامه اعتبار الشرط الذي هو عدم
المانع معه ،فالعقل األول هو الواسطة بين الحق وبين ما قدر وجوده من الممكنات ،
وإنما اعتبر واسطة ؛ ألنه أكمل الموجودات العالية لكونه بالفعل من كل وجه وقلة
وجوه اإلمكان فيه ،فهو إلى الحق أقرب ،وإنما قيد للممكنات بما قدر وجوده ،إذ
الممكن المعدوم لما لم يخرج من العلم إلى العين ،لم يحتج إلى الواسطة في الوجود ،
إذ ال وجود له .
والحاصل من هذا االقتضاء العقل الثاني والنفس الكلية ،وأما حكم االقتضاء من حيث
المرتبة الثالثة ،غير العبارة هنا ليفهم المقصود فيما تقدم بعبارة مختصرة وصرح هنا
بمعنى الحكم أيضا ،هو أن ظهور األثر يتوقف على شروط شتى أي أمور متعددة من
الشروط واألسباب وغيرها .
أطلق عليها الشروط بمعنى المتوقف عليها كباقي الموجودات من العقل الثالث والنفس
الثانية واألفالك ،فافهم .
ّللا عنه [ :ولست أعني بهذا ،أن ثمة اقتضاءات ثالثة مختلفة الحقائق ، قال رضي ه
بل هو اقتضاء واحد ،وله ثالث مراتب ،يظهر ويتعين به من حيثية كل مرتبة منها
أثر أو آثار ،فافهم ] .
دفع لما قد يتوهم مما ذكر ،أن في الذات اقتضاءات مختلفة للحقائق ،وهو باطل لما
يذكر من أن الواحد ال يقتضي من جهة واحدة إال الواحد ،فدفع ذلك بأنه اقتضاء واحد
82
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 83عالء أحمد المهائمي
“ “ ٨٣
بالحقيقة ،يختلف بالمراتب كاألصل ،فله ثالث مراتب مرتبة في مستقره ،ومرتبتان
في تنزله يظهر بحسب كل مرتبة ويتعين بحسبها أثر وآثار ،ففي المرتبة األولى العقل
األول ،وفي الثانية والثالثة ما ذكرنا ،وإنما قال يظهر ويتعين ،ألن اآلثار كامنة في
الذات وكانت غير متميزة ،فلما ظهرت ،تميزت فتعينت .والفيض الكلي هو الوجود
العام ،وهذا طريق لطيف يمكن الجمع بين مذهبي الفالسفة القائلين بأن الواحد ال
يصدر عنه إال الواحد والمتكلمين القائمين بإسناد الكل إليه تعالى بال واسطة ،
ّللا عنه ( :فافهم ) ،أو نقول الفيض واحد يتعدد بحسب المراتب فلذلك قال رضي ه
وّللا أعلم .
واألسباب ليس مؤثرة بل هي مؤقتة ،ه
النص الثالث
ّللا عنه [ :ومن النصوص اإللهية أن العلم الوحداني الذاتي يضاف إليه قال رضي ه
التعدد من حيث تعلقه بالمعلومات ،وال يتحقق بإدراكها إال من حيث تعيناته
وتعلقاته ] .
لما فرغ عن بحث اإلطالق المقابل للتقييد ،شرع في بحث التقييد األول ،وهو العلمي
،إذ هو أول النسب وجعله من النصوص اإللهية باعتبار أن العلم منشأ األسماء اإللهية
التي هي مع الذات حضرة لْللهية ،وجعل العلم وحدانيا لتوحده في هذه الحضرة التي
هي األحدية وذاتيها ،لكونه غير متميز عن الذات .
ثم ذكر من أحكامه أنه يضاف إليه التعدد من حيث تعلقه بالمعلومات المتعددة التي هي
األعيان الثابتة ،أعني :حقائق الممكنات ،كما يضاف التعدد إلى الوجود الواحد
المطلق باعتبار ظهوره في المظاهر ،وإلى االقتضاء بحسب وصول الفيض إلى
المفاض عليه مع وحدتها في مستقرها ،فالعلم الذاتي واحد محيط بالكل إحاطة الذات
إال أنه مجمل إذا اعتبر تعلقه بالذات فقط ،وال يتحقق بإدراك المعلومات المتعددة إال
من حيث تعيناته بهذه المعلومات وهي تعلقاته بها ،فيدركها مفصلة .
فلذلك قيل :لألعيان الثابتة إنها صور العلم ،وإنها غير مجعولة ،وإال فال دخل
النتقاش الصور الكثيرة في العلم الواحد ،لكنها انتقشت باعتبار تعيناته الكثيرة من
تعلقاته باألعيان فهذه التعينات مرايا األعيان الثابتة .
ّللا عنه [ :وتعلقه بكل معلوم ،تابع للمعلوم بحسب ما هو المعلومقال الشيخ رضي ه
عليه في نفسه :بسيطا كان المعلوم أو مركبا ،زمانيها كان أو مكانيها ،أو غير زماني
وال مكاني مؤقت
83
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 84عالء أحمد المهائمي
“ “ ٨٤
القبول ،متناهي الحكم والوصف ،أو غير مؤقت والمتناه فيما ذكرنا ،فاعلم ذلك ] .
بيان التعميم وإحاطته بالكل مع أنه ال حدوث فيه وال تغير من حيث وحدته األصلية
وأن وقع ذلك في تعلقاته ،فقال :وتعلق ذلك العلم الوجداني لكل معلوم تابع للمعلوم ،
وإن كان كل معلوم حاصال من ذلك العلم من حيث وحدته ،لكن لما كانت تعيهناته
بالمعلومات ،فكل تعيهن له تابع للمعلوم الذي تعيهن به بحسب ما هو المعلوم عليه في
نفسه ،فيتصف التعلق التابع بصفته دون العلم الوجداني المتبوع ،فيبقى على ما كان
عليه ،وصفات المعلوم كونه بسيطا أو مركبا وكونه زمانيها أو غير زماني ،ومكانيها
أو غير مكاني ،أبديها أو غير أبدي .
مثال البسيط الزماني المكاني المؤقت حروف الهجاء اللفظية ،ومثال البسيط غيرها
العقول والنفوس ،ومثال المركب الزماني المكاني المولدات ،ومثال المركب غير
الزماني والمكاني محدد الجهات ،وتعلق العلم يتصف بهذه الصفات دون نفس العلم
الوجداني كمن يعلم أن زيدا فاعل كذا في الوقت الفالني فإذا جاء علم بذلك العلم أنه
وقبله أنه سيفعل ،فتجدد بعلمه عند فعله نسبته لم تكن ،لكن العلم بأنه فاعل كذا في
الوقت الفالني ،باق بحاله ،وهكذا علم بالمركب من حيث كليته واحد ،ومن حيث
التفصيل مسبوق بنسبة علمه إلى جزأيه ،فافهم ذلك ،فإنه مزلة أقدام الفالسفة
ّللا عنه ( :فاعلم ذلك ) .
والمتكلمين ،فلذلك قال رضي ه
قال [ :ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص أيضا ،أن الحكم من كل حاكم على كل
محكوم عليه تابع لحال الحاكم عين الحكم ،وتابع لحال المحكوم عليه حال حكم الحاكم
عليه ] .
فيه بيان أن الحاصل من اإلطالق يكون فيضا مطلقا ،فإن كان اإلطالق ال في مقابلة
التقييد كان الفيض كذلك ،وإال كان في مقابلته وأن المعلوم لما كان حاكما على تعلق
العلم كان تعلقه كذلك ،فهذا تفريع على النصوص الثالثة جميعا .
إنما كان أيضا ؛ ألنه ذكر أوال من تفريع األول تعقل الوحدة ،ووجوب الوجود
والمبدئية ،ومن تفريع الثاني االقتضاءات المختلفة بحسب المراتب ،ومن تفريع
الثالث تبعية تعلق العلم بالمعلومات ،فذكر هاهنا ما يصلح كميته للكل ،وهو أن الحكم
من كل
84
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 85عالء أحمد المهائمي
“ “ ٨٥
حاكم قديما أو حادثا على كل محكوم عليه مبدعا أو ماديها تابع لحال الحاكم لوجوب
المناسبة بين األثر والمؤثر ،وإنما اعتبر حاله إذ ال أثر للذات من حيث هي لتساوي
اآلثار إليه ،وإنما اعتبرت حين الحكم ؛ ألن السابقة والالحقة غير موجودتين ،فال أثر
لها وتابع لحال المحكوم عليه ،إذ ال ب هد من قابليته لذلك الحكم ،وقيدت تلك الحال
بحال حكم الحاكم إذ الحالة السابقة ،والالحقة غير موجودتين حال تأثير الحاكم ،
فكيف يتأثران بها ويقرب من هذا قول أهل المعقول إن النتيجة ال ب هد أن تناسب
المقدمتين .
ّللا عنه [ :فإن كان المحكوم عليه من شأنه التنقل في األحوال ،تنوعت قال رضي ه
أحكام الحاكم عليه في كل حال ،واختلفت بحسب تلبسه بتلك األحوال ،وإن كان
المحكوم عليه مما من شأنه الثبات على وتيرة واحدة ،ثبت حكم الحاكم عليه بحسب
التعلق األول المعين بحكم الحاكم عليه ومقتضاه وبقي األمر بحسب حال الحاكم حين
الحكم ،فإن كان الحاكم من مقتضى ذاته التقلب في األحوال بحسبها أو مقتضى ذاته
أنه ثابت ،واألحوال تنقلب ،فيكون تبعية حكم الحاكم بحسب أحد األمرين الحاضرين
لمراتب حكم كل حاكم ،وكل محكوم عليه إذ ال يخرج عما ذكرته حكم حاكم وال
محكوم عليه ] .
أي :ل هما كان الحكم تابعا لحال الحاكم والمحكوم عليه حين حكمه عليه ،فإن كان
المحكوم عليه مما ينتقل من حال إلى حال ،كثرت أنواع حكم الحاكم عليه في كل حال
يكون عليه حكم من الحاكم على حدة ،واختلفت تلك األحكام بالجنسية والصنفية
وغيرها بحسب تلبس المحكوم عليه بتلك األحكام المختلفة سواء كان الحاكم ثابتا أو
متقلبا ،فأما المتقلب كالصانع في صنائعه .
وأما الثابت فاألسماء اإللهية والمالئكة بالنسبة إلى عالم الكون والفساد ،وذلك بأن
ينقطع حكم الحاكم الثابت عن المحكوم عليه بحسب حال تجددت له ،فيصير الحاكم
عليه غيره ،ولذا يختص أعمال األسماء والمالئكة باألوقات المخصوصة لها ،وإن
كان المحكوم عليه مما من شأنه الثبات على نهج واحد ثبتت عليه الحكم األول من
الحاكم على حسب تعلق حكمه به أوال ؛ ألن تعلق حكم الحاكم به بحسب هذه الحالة
مما دامت هذه الحالة ،بقي التعلق وهذا التعلق معين للحكم ،فيبقى الحكم المعين ببقاء
هذا التعلق الباقي بتلك الحالة التي للمحكوم عليه.
85
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 86عالء أحمد المهائمي
“ “ ٨٦
ولكن هنا كالم ،وهو أن تعلق حكم الحاكم أيضا بحسب حال الحاكم ،فنقول إن كان
الحكام أيضا ثابتا ،فال يختلف الحكم عليه كحكم الحق تعالى على العقول ،فلذا كانت
بالفعل أزال وأبدا ،وإن كان مختلف األحوال كالنفوس يؤثر فيها العقول الكثيرة يختلف
أحكامها عليها ،وإن كانت ثابتة ،فلذا يختلف الفيض المتفضل عليها .
وجواب قوله :فإن كان الحاكم ،محذوف وهو ثبت الحكم على وتيرة واحدة ،وجواب
ما عطف عليه أيضا محذوف ،وهو يتكثهر األحوال عليه .
وقوله “ :فيكون ،بيانا للحاصل مما سبق ،وأنه يفيد الحصر ،وبيانه :إن األحكام ال
تخلو من أن تكون منشأة عن األقسام األربعة ثباتها ،وانتقالها أو ثبات الحاكم ،وانتقال
المحكوم أو بالعكس ،وإنما صرح بهذا الحصر ؛ ألنه قد يتوهم أن حكم الحاكم الثابت
مع ثبوت المحكوم عليه يختلف باختالف الوسائط ،فكأنه قال :إن الحاكم هو المجموع
من المتوسط وممن توسط المتوسط بينه وبين المحكوم عليه ،وإال فالحاكم األول هو
الحاكم على الكل ،فافهم “ .
النص الرابع :
ّللا عنه [ :ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص أيضا ،أن العلم يتبع قال رضي ه
الوجود ،بمعنى أنه حيث يكون الوجود يكون العلم دون انفكاك ] .
ومن تفاريع النص األول المبين :أن أول نسبة غيب اإلطالق ،هي العلم .
والنص الثاني المبين فيه ،أن العقل األول الذي هو الروح األعظم “ “ 1واسطة بين
....................................................................
) ( 1ويقال له أيضا :القلم األعلى ،وذلك ألن العقل األول له ثالثة وجوه معنوية
كلية :
فالوجه األول :أخذه الوجود والعلم مجمال بال واسطة ،وإدراكه ،وضبطه ما يصل
إليه من حضرة غيب موجده ،فباعتبار هذا الوجه سمي بالعقل األول ،ألنه أول من
عقل عن ربه ،وأول قابل لفيض وجوده .والوجه الثاني :هو تفصيله لما أخذه مجمال
في اللوح المحفوظ بحكم “ :اكتب علمي في خلقي ،واكتب ما هو كائن “ .ويسمى
هذا الوجه بالقلم األعلى ،الذي به يحصل نقش العلوم في ألواح الذات القابلة .قال
ّللا عليه وسلم المشار إليه بقوله عله َم بَ ْالقَلَ َم ،وبهذا الوجه هو نفس محمد صلى ه
تعالى َ :
تعالى “ :لم يؤتها من سواه من العالمين “ .والوجه الثالث :كونه حامال حكم التجلي
األول ،ومنسوبا إلى مظهريته في نفسه لغلبة حكم الوحدة والبساطة عليه ،وبهذا
االعتبار هو حقيقة الروح األعظم المحمدي ونوره لكونه جامعا لجميع التجليات اإللهية
منها والكونية ،ومنشأ لجميع أرواح الكائنات [ .اللطائف ص 235 ] .
86
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 87عالء أحمد المهائمي
“ “ ٨٧
فالعلم الزم للوجود مالزمة متساوية ؛ فلذا فسر المتابعة بالالزمة المساوية فمن هنا
باّلل سامعا ألمره مطيعا له ،كما وردت بذلك األخبار الصحيحة مثل كان الكل عالما ه
ش ْيءٍ َإ هال يُ َ
س َبه ُح عز وجل َ :و َإ ْن َم ْن َ شهادة الحجر والمدر المؤذن ،وعلم بذلك أن قوله ه
بَ َح ْم َد َه َول َك ْن ال ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْسبَي َح ُه ْم [ اإلسراء ، ] 44 :محمول على الحقيقة وإن الخطاب
في :ال ت َ ْفقَ ُهونَ [ اإلسراء ، ] 44 :ألهل الحجاب مطلقا سواء كانوا من المؤمنين أو
من الكفار.
ومما يدل عليه أن الموجودات ال تخلو من القوى المجردة ( ،وكل مجرد عالم ) ،
ّللا تعالى :أ َ ال والقوى مبادئ التأثيرات ،وال ب هد للمؤثر من العلم بما يؤثر به ،قال ه
ير [ الملك ، ] 14 :ولذا تشعر األعضاء اإلنسانية بما يف ْال َخ َب ُ
يَ ْعلَ ُم َم ْن َخلَقَ َو ُه َو الله َط ُ
تفعل ،وبما يليها القلب ،وإن لم يكن لها نطق وتخيل ،فافهم.
ّللا عنه [ :وتفاوت العلم بحسب تفاوت قبول الماهية الوجود تمامية
قال رضي ه
ونقصانا ،فالقابل للوجود على وجه أتم ،يكون العلم هناك أتم ،وينقص العلم بقدر
القبول الناقص ،وغلبة أحكام اإلمكان على أحكام الوجوب عكس ما ذكرنا أوال ،فاعلم
ذلك ].
هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره ،لو كان العلم الزما للوجود مالزمة متساوية ؛ لكان
مقتضى ذاته ،ومقتضى الذات ال يتفاوت بالعوارض ،فما بالنا نرى بعض األشياء تام
العلم وبعضها ناقصا فيه ،بل ال نرى لبعضها العلم أصال حتى إن بعض اإلنسان
يكون
87
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 88عالء أحمد المهائمي
“ “ ٨٨
ّللا عنه إلى علة عدم الظهور في البعض بأنها غلبت أحكام اإلمكان
ثم أشار رضي ه
التي أصلها العدم فيها ،فال يظهر العلم التابع للوجود مع ضده ،ولذلك نقصت القوى
الروحانية في الجمادات وزادت في النبات وغلبتهما في الحيوان وعلى الجميع في
اإلنسان ،وهذه القوى لتجردها يغلب فيها الوجوب الذي هو من صفات الوجود ،فكلما
زادت ،زاد العلم ظهورا بنسبة أحكام الوجوب فيه على أحكام اإلمكان ،وأشار إليه
بقوله عكس ما ذكرنا أوال .
ثم قال :فاعلم ذلك ،تنبيها على نفي ما يزعمه الجمهور من أن العلم بالكليات ليس إال
لْلنسان والمالئكة ،وال دليل لهم على ذلك سوى أنهم لم يظفروا إلى البرهان عليه ،
وال يصلح لهم ذلك لالستدالل على النفي مع أنه مخالف للنصوص ،ولما ظهر على
األنبياء واألولياء عليهم السالم على أن في بعض الحيوان كالنحل والعنكبوت من
وّللا أعلم .
الصنائع ما يتحير فيها محقق المهندسين ،فكيف يمكن نفي العلم عنها ،ه
النص الخامس :
ّللا عنه [ :ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص المحققة أيضا ] .
قال رضي ه
هذا تفريع على النص األول من حيث أن اإلطالق السلبي ال يمكن معرفته ،وعلى
الثاني من حيث إن إمكان معرفة النصوص بمعرفة ما ورائها من األسماء واألعيان ،
وعلى
88
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 89عالء أحمد المهائمي
“ “ ٨٩
89
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 90عالء أحمد المهائمي
“ “ ٩٠
ّللا تعالى في أعلى درجات علمه إلى جميع اإلطالق واألذواق بحيث يطابق لما يعلمه ه
تعالى ،وهي العلم الذاتي وأتمها لشمولها على الذات وشؤونها ،وأكملها بالجمع بين
اإلجمال والتفصيل ،وتلك النصوص هي األمور التي ترجم عنها في بعض المواضع
من كتبي من غير هذا االعتبار ،ولم أذكر العلوم التي يختص تقرير صحته وثبوته
بالنسبة إلى نظر دون نظر ،واإلضافة إلى ذوق دون ذوق .
وفي مقام الشخص الواحد دون مقام آخر له ،واعتبار حال ووقت له دون غيرهما من
ّللا تعالى في
األحوال واألوقات ،ودون ما ذكر من األذواق غير المطابقة لما يعلمه ه
ّللا تعالى بالنسبة إلى بعض التعيهنات دونأعلى درجات علمه ،بل المطابقة لما يعلمه ه
بعض ،ومن األذواق المستندة إلى صفة مخصوصة ،واسم مخصوص دون
غيرهما .
فالذوق الكامل :هو المستند إلى الذات والمطابق للعلم األعلى والصحيح بالنسبة إلى
الكل ،والناقص ما اختل بشيء من هذه الثالثة ،فافهم .
ّللا عنه [ :فنقول بعد تمهيد هذه المقدمة الكلية في بيان هذا النص الذيقال رضي ه
قصدنا إيضاحه :أن كل معلم أدركه اإلنسان بنظره أو كشفه أو حسه أو خياله جمعا
سا وخياال إلى إدراك وفرادى ،ولم ينته نظره أو كشفه ،لذلك األمر أو إدراكه إياه ح ه
ما وراءه بعد معرفة ذاتياته ولوازمه الكلية ،فإنه لم يدرك ذلك األمر حق اإلدراك
تماما ،ولم يعرفه حق المعرفة ] .
ّللا
وجه كون ذلك مقدمة للمسألة ،إن المقام األكمل إنما يتحقق بمطابقته لما يعلمه ه
تعالى في أعلى درجات علمه وأتمها وأكملها .
وإنما كان علمه تعالى كذلك ؛ إلحاطته باألشياء بال هذاتيات واللوازم ،وبما وراءها إلى
التعين األول ،وقد حصل له ذلك .
إذا عرفت هذا فنقول :كل معلوم سواء كان من الموجودات أوال أدركه اإلنسان ،
خص بالذكر ،لكونه أكمل مدرك ؛ الجتماع القوى المدركة كلها فيه ،مع أنه مدرك
بذاته أيضا بنظره أي :بالفكر النظري والتعريفات العقلية أو كشفه أي بالقوة القدسية
المسماة بالبصيرة الباطنة أو بالوجدان أو باتصال المأل األعلى من العقول والنفوس
السماوية وغيرها ،أو حسه الظاهر أو خياله الذي هو من الحواس الباطنة جمعا بأن
يتفق له في أمر واحد المدركان فصاعدا ،كالنظر والكشف في األمور الغيبية ،
والحس والخيال في األمور
90
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 91عالء أحمد المهائمي
“ “ ٩١
الظاهرة ،والنظر والحس والخيال فيما بين بين ،كأشكال الهندسة ،وفرادى كاألمور
الكشفية التي ال يدركه العقل ،وكالخياالت التي ال يدخل تحت الحس كالبحر من
الزئبق ،والعقليات التي ال يدركها الكشف ،كالجمع بين النقيضين ،فإنه أمر عقلي
والكشف يأبى تصوره إال على مثال بأن يتصور الجمع بين األشياء الممكنة االجتماع ،
ثم يتصور النقيضين ،فيقيس الجمع هنا على الجمع هناك ،والحال أنه لم ينته نظره ،
وكشفه لذلك األمر المدرك بأحدهما إلى إدراك ما وراءه ،أو لم ينته إدراكه لما أدركه
سا وخياال إلى إدراك ما وراءه ،ويكون إدراك ما وراءه بعد معرفة ذاتياته كلها ، ح ه
المفيدة للحد التام ومعرفة لوازمه الكلية إلى الشاملة لألفراد واألحوال المفيدة للرسم
التام .
وإنما اعتبر اللوازم ؛ ألن سائر العوارض ال تفيد التعريف ،وكذا اللوازم الجزئية ،
فلذلك قيد بالكلية ،وإنما شرط أن يكون بعد معرفة الذهاتيات واللوازم ؛ ألن المعرفة
إنما تحصل بذلك ،وكمالها أمر وراءه ،فإنه لم يدرك ذلك األمر حق اإلدراك ،وإن
حصل أصله بانتقاش مثال المدرك في المدرك ،إال أنه إنما يكل بإدراك منشأه ومنتهاه
ّللا تعالى في أعلى درجات وخواصه وعوارضه العامة ،حتى يكون مطابقا لما علمه ه
علمه ،وكذا ال يعرفه حق المعرفة إال بذلك ؛ ألن المعرفة إنما يتم بإدراك جميع ما فيه
من األجزاء واألحوال وأجزاء األجزاء وأحوال األحوال ،حتى ينتهي إلى األعيان
الثابتة ومبادئها ،واإلدراك أعم من المعرفة لصدقه على األمور الظاهرة دون المعرفة
،واختصاصها بالمطابقة دون اإلدراك ،فافهم .
ّللا عنه [ :وسواء كان متعلهق إدراكه ومعرفته العالم من حيث معانيه
قال رضي ه
وأرواحه ،أو من حيث صوره وأعراضه ،أو كان متعلق معرفته الحق ،فإنه متى
كشف له عن جلية األمر وصورة تعين كل معلوم في علم الحق ،وجد األمر كذلك ،
فإنه ما لم ينته معرفته بالحق إلى إطالقه وصرافة وحدة ذاته الحقيقية التي ال اسم
يعينها وال وصف وال حكم وال رسم وال ينضبط بشهود ،وال يعقل وال ينحصر في
ّللا مرمى ،وإن اإلحاطة به علما وشهودا محال ، أمر معين ،لم يعرف أن ليس وراء ه
وأن ليس بعد الوجود الحق المطلق إال العدم المتوهم هذا ،وإن كان لمعرفة تعذر العلم
باّلل على نحو ما يعلم نفسه طريق آخر أعلى وأتم وأكشف ،عرفناه ذوقا وشهودا بحمد ه
ّللا ،ومنه لكن ذلك مما يحرم بيانه وتسطيره وغاية البيان عنه
ه
91
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 92عالء أحمد المهائمي
“ “ ٩٢
وأما الحق ،فإنه ال يعرف تعينه األول ما لم يعرف اإلطالق ،وغاية المعرفة هناك
العجز عن معرفته ،وال يعرف العجز إال بمعرفته أن ليس وراءه إال العدم المطلق ،
فال يمكن تعريفه بالحد الشامل على الجنس والفصل لعدم ما فوقه وال بالرسم لتوقف
الخواص على تعين ما يختص به .
ثم علهل الكل بقوله ( :فإنه متى كشف له ) أي :للعارف عن جلية األمر ،أي :
حقيقته الواضحة عن القوى القدسية ،وعن صور تعين كل معلوم في علم الحق الذي
به معرفة العالم ،والحق وجد األمر كذلك أي ال يعرف شيء إال بإحاطة ما وراءه ،
لكن إحاطة كل ما وراءه محال ،فإن غاية ما يعلم من الحق في علمه ،تعينه األول ،
لكن معرفة تعينه األول حق المعرفة محال ،فإنه ما لم ينته معرفته الحق إلى إطالقه
وصرافة وحدة ذاته الحقيقية التي هي منشأ األحدية والواحدية ،بل التي ال اسم بعينها ،
بل ال وصف فضال عن االسم المركب عنه وعن الذات بحسب المفهوم ،بل ال حكم
فضال عن الوصف الحاصل به ،بل ال رسم فضال عن الحكم المتفرع على تصوره ،
وال ينضبط بمشهود حتى يدركه بالبصيرة ،وال يعقل حتى يدرك بالعقل ،بل ال
ينحصر في أمر معين حتى يكون لْلدراك فيه مدخل إذ ال يدرك ما ال يتعين بوجه من
ّللا مرمى ،وال يطرق العجز الذي هو غاية الوجوه ،لم يعرف أنه ليس ما وراء ه
المعرفة فضال عن المعرفة نفسها ،وال يعرف أيضا أن اإلحاطة به علما وشهودا
محال .
ثم بيهن استحالته بقوله ( :وأن ليس ) أي :وال يعرف أن ليس بعد الوجود الحق
92
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 93عالء أحمد المهائمي
“ “ ٩٣
المطلق إال العدم المتوهم ؛ ألن العدم المعقول من الموجودات الذهنية ،فال يخرج عن
مطلق الوجود الحق ،فإذا لم يكن وراءه إال أمر متوهم ،ال يتعلق به تعقل ،فال يتعقل
اإلطالق حق التعقل لو أمكن أصل تعقله ،فال يتعقل ما يتوقف عليه تعقله حق التعقل ،
حتى أنه ال يمكن معرفة شيء من األشياء حق المعرفة ،لتوقف معرفة كل شيء على
معرفة الحق ،ومعرفته على معرفة إطالقه ؛ فلذلك قال الشيخ محيي الدين بن العربي
ّللا عنه :لست أعرف من شيء حقيقته * وكيف أعرفه وأنتم فيهبهذا الطريق رضي ه
باّلل على نحو ما يعلم نفسه ،فإن علمه ليس يتمثل المعلوم فيه ،
عرفنا تعذر العلم ه
وانتقاشه حتى يتوقف كماله على إدراك ما وراءه ،بل علمه حصول حقيقته له ،وهي
تحتاج إلى برهان فلسفي .
ولذلك قال الشيخ ابن العربي “ :ولنا طريق آخر كشفي في ذلك ،لكن يحرم تسطيره
باّلل هذا هو اإللماع المذكور .
“ ،فغاية ما يعلم به تعذر العلم ه
ولعل ذلك الطريق هو أن كل ما نعلمه من الحق ال يكون إال ظاهره ،فال نعلمه من
حيث الحقيقة التي يعلمها لحصوله دون غيره ،وإنما حرم تسطيره ؛ ألنه يوهم من
كون الكل ظاهرا عند الحق أن ما يعلمه من ذاته الظاهر ال غير ،لكن الظاهر والباطن
وّللا أعلم .
لما كان بالنسبة إلينا فقط ،لم يكن ذلك في حق الحق ،ه
ّللا عنه [ :هذا وإن كان الذوق والمعرفة الحاصلة لصاحبه والشهود من
قال رضي ه
حيث استناد ذلك الذوق والمقام إلى حضرة اسم من األسماء اإللهية الذي هو قبلة ذلك
المقام .
وغاية معرفته من الحق نهايته ،سيما من الوجه الذي يقضي بأن االسم عين المسمى ،
كما أوضحناه في مواضع من كالمنا ؛ لكن تلك غايات نسبية ،فإن المبادئ والغايات
أعالم الكماالت النسبية ،واألمر من حيث الكمال الحقيقي بخالف ذلك .
ك ْال ُم ْنتَهى [ النجم . ] 42 :
وإليه اإلشارة بقوله تعالى ألكمل عبيده َ :وأ َ هن إَلى َر َبه َ
أي :هذا الحكم ،وهو أن الحق بال شيء من األشياء ال يمكن معرفته حق المعرفة -
وإن كان الذوق -أي :الوجدان والمعرفة الحاصلة لصاحب هذا الذوق إلى العلم العيني
الحاصل له ،والشهود إلى العين اليقيني الحاصل به ،من حيث إسناد ذلك الذوق
والمقام الحاصل به من المعرفة والشهود إلى حضرة األمم بكونه من األسماء اإللهية ،
واعتبر اإلسناد
93
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 94عالء أحمد المهائمي
“ “ ٩٤
إلى حضرة االسم ؛ ألن الذات من حيث هي مطلقة ال يتعلق بها المعرفة ،بل قيد
االسم بكونه من األسماء اإللهية ؛ ألن أسماء الذات من حيث ال يغايره مما ال يتعلق
ّللا عليه وسلم “ :أو استأثرت به في علم الغيب
العلم بها أيضا ،كما أشار إليه صلى ه
عندك “ " . " 1
وأسماء الربوبية ال تكون غاية للك همل لكثرة الوسائط .
وقوله ( :الذي ) بدل من قوله ( :اسم ) أشارت إلى أنه ال يمكن الك همل اإلحاطة بكل
األسماء الختصاص كل باسم خاص هو ربه الذي إذا توجه إليه أجاب ،فهو االسم
األعظم في حقه ،ولذا اختلف االسم األعظم بالنسبة إلى األشخاص سوى الكمل .
فإنهم تكثر التجليات من األسماء عليهم ،ويجابون بأسماء كثيرة من غير اختصاص
باسم دون اسم .
فهذا االسم الخاص قبله صاحب ذلك المقام ،ال يتجلى عليه غيره ،فما فوقه وإن تجلى
عليه ما دخل تحت حيطة اسمه ،وغاية معرفته من الحق الذي هو الذات من حيث
تجليه بهذا االسم نهاية في معرفة الذات في حق هذا الشخص ،سيما من الوجه الذي
يقضي أن االسم عين المسمى وهو إن الذات مع األسماء يتصادق ،وإن تباينت بحسب
المفهومات ،فإذا علم االسم ،فقد علم الذات .
ّللا عنه لتصحيح ما سبق من المسألة بأن المعرفة الحاصلة ، ثم استدرك رضي ه
والشهود الحاصل من الذوق المستند إلى حضرات األسماء المخصوصة اإللهية غايات
بالنسبة إلى ما دونها من المعرفة والشهود الحاصلين من الذوق المستند إلى أسماء
الربوبية وما دونها ،وليست هي غاية مطلقة ،إذ ال غاية للذات المطلقة ،فكيف يكون
لمعرفتها غاية ،بل ال بداية لها أيضا ،فإن المبادئ والغايات ال يلحقها وال كمالها
المطلق ،بل المبادئ والغايات أعالم الكماالت النسبية ،فإن المبادئ تشعر بحدوث
كمال بالنسبة إلى ما بعده ،والنهايات بالنسبة إلى ما قبله ،وما ال بداية له وال نهاية ،
فأنى يكون لمعرفته شيء منهما ،فال يحيط بمعرفته من له بداية وال نهاية .
ّللا عنه ( :واألمر ) أي :أمر معرفة الذات من حيث الكمال الحقيقي فلذلك قال رضي ه
بخالف ذلك ،فإنه ال يحيط به إال من ال بداية لعلمه والنهاية ،وما سواه فله بداية
ونهاية ،فلذلك
..........................................................
) ( 1رواه أحمد ( ، ) 452 / 1وابن حبان في الصحيح( 3 / 253 ) .
94
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 95عالء أحمد المهائمي
“ “ ٩٥
وذلك أنه تعالى لم يقل ( :وإن إلى ربك منتهاك ) ؛ حتى يتوهم إن لغيره منتهى آخر ،
ّللا عليه وسلم من مطلق الربوبية غايتها ،وهي التي هي بل نبه تعالى أن غايته صلى ه
غاية الغايات من أسماء الربوبية واإللهية ،وليس بعد هذه الربوبية المخصوصة صلى
ّللا عليه وسلم شيء مما يتعلق به المعرفة إال تفاصيل درجات جزئية في األكمليةه
ّللا
ّللا تعالى على ما أشار إليه صلى ه ّللا تعالى على ما أشار إليه ه
يختص بمعرفتها ه
عليه وسلم بقوله “ :أو استأثرت به في علم الغيب عندك “ “ ، “ 1وتلك الدرجات
ّللا تعالى ،ومع ذلك هي
هي التي ال تقف عند حد وغاية حتى يمكن اإلحاطة بها لغير ه
ّللا عليه وسلم ،فله الكمال المطلق بربه
جزئيات الكماالت المخصوصة بربوبيته صلى ه
،وهو منتهى الكماالت والمعارف ،فافهم .
ّللا عليه وسلم إلى ما ذكرنا في بعض مناجاته ، ّللا عنه [ :وقد أشار صلى ه قال رضي ه
فقال “ :أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك ال أحصى
ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك “ “ “ 2أي :ال أبلغ كل ما فيك .فجمع فيه
بين التنبيه على تعذر اإلحاطة ،وبين التعريف بانتهائه في معرفة الحق إلى غاية
الغايات .وهذا كالتفسير لآلية المذكورة وهي
............................................................
) ( 1تقدم في سابقه .
) ( 2رواه مسلم ( ، ) 352 / 1والترمذي( 5 / 561 ) .
95
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 96عالء أحمد المهائمي
“ “ ٩٦
قوله َ :وأ َ هن َإلى َر َبه َك ْال ُم ْنتَهى [ النجم ، ] 42 :وفي األحاديث النبوية تنبيهات كثيرة
تشير إلى ما ذكرنا من تتبعها -بعد التيقظ والتفهم لما ذكرت -ألقاه واضحا جليها] .
ّللا عليه وسلم في بعض مناجاته إلى ما ذكرنا من عدم إحاطته بحقيقة أي :أشار صلى ه
المعرفة مع بلوغ غاية الغايات فيها ،فقال “ :أعوذ برضاك من سخطك “ “ ، “ 1
نظرا إلى توحيد األفعال التي هي آثارها .وهذا على نهج البرهان اللهمي من االستدالل
بالمؤثر على األثر.
ثم قال “ :وأعوذ بك منك “ “ : “ 2نظرا إلى توحيد الذات على نهج الشهود.
ثم قال “ :ال أحصى ثناء عليك “ بالغناء في الذات المطلقة مع اإلشارة إلى عدم
معرفته لها.
ثم قال “ :أنت كما أثنيت على نفسك “ فبقى به وبصفاته عال ،والها به ال بذاته .
ّللا
ولما كان المقصود من االستشهاد عدم اإلحاطة مع بلوغه غاية الغايات أشار رضي ه
عنه في تفسير قوله “ :ال أحصى ثناء عليك “ بقوله :أي “ :ال أبلغ كل ما فيك
“ بحسب اإلطالق وإن بقيت بك ،فليس بقائي بإطالقك ،بل بتعينك مع صفاته ،جميع
ّللا عليه بين التنبيه على تعذر اإلحاطة بالذات المطلقة بل بما دونها لتوقفها صلوات ه
عليك من حيث إدراكها حق اإلدراك ،وبين التعريف بانتهائه في معرفة الحق إلى
غاية الغايات حيث بقي به ،والبقاء غاية المقامات ،إذ ال يحجب الحق الخلق ،وال
الخلق الحق ثمة ،بخالف مقام الفناء الحاجب للخلق ،والتكوين الحاجب للحق.
فعلى هذا يكون هذا الحديث كالتفسير لآلية المذكورة في أن غاية المعرفة متعلقة بالرب
ّللا عليهالخاص المحمدي ،إذ بقي عليه به ،وهو غاية مقام المعرفة ،مع أنه صلى ه
وسلم ال يحصى الثناء ،وإنما قال كالتفسير ؛ ألن اآلية ال تدل على معنى البقاء ،بل ال
تدل على أن هذه الغاية معلومة ؛ ألن الغاية ال تدل على المغيهى إال أن يقال أنها غاية
إسقاط لما بعدها ؛ ألن اإلنسان قابل لمعارف ال نهاية لها بحسب الظاهر وإنما أعاد
طونَ َب َه َع ْلما ً [ طه :
اآلية ؛ لئال يتوهم أنه تفسير آلية أخرى مثل قوله تعالى َ :وال يُ َحي ُ
ب ْال َع هزةَ
سبْحانَ َر َبه َك َر ه َ
ُ ، ] 110
......................................................
) ( 1تقدم تخريجه .
) ( 2رواه مسلم( 1 / 352 ) .
96
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 97عالء أحمد المهائمي
“ “ ٩٧
صفُونَ [ الصافات ] 180 :؛ إذ هي ال تدل على بلوغه غاية الغايات من ع هما يَ َ
َ
عز وجل ال غير.المعرفة بل على تعذر اإلحاطة به ه
ّللا عنه [ :وفي األحاديث النبوية تنبيهات كثيرة يشير إلى ما ذكرنا ]. ثم قال رضي ه
ولم يبين تلك األحاديث وأكثرها األحاديث الواردة في األدعية ،فتتبعها.
ّللا عنه [ :ثم نقول ولهذا المقام والذوق المنبه عليه السنة تترجم عنه بصيغ قال رضي ه
مختلفة فمن ألسنته من القرآن من حيث التسمية الذي أخبر سبحانه وتعالى إن رجاله
يعرفون كال بسيماهم ،وهذا من خاصية االستشراف على األطراف باالنتهاء في
معرفة األشياء إلى الغاية التي توجب االستشراف على ما ورائها ].
أي :وبعد تحقيق هذه المسألة ،وهي أن للمعرفة غاية هي منتهى معرفة الك همل من
األنبياء واألولياء -عليهم الصالة والسالم -فهذا المقام الذي هو الذوق المنبه عليه بأنه
الغاية المطلقة له ألسنة ،أي عبارات تترجم عنه بصيغ مختلفة يدل كل صيغة على
وجه من وجوه ذلك المقام وذوق من أذواقه فمن ألسنته أي :عبارته الدالة عليه
الموجودة في القرآن الكريم من حيث التسمية إلى العلم الخاص ال اسم الجنس الغالب
عليه بعد كونه كليها األعراف ،ولما اختلف المفسرون فيه أن أهله أهل كمال أو نقصان
،فقيل :األنبياء ،وقيل:
المالئكة ،وقيل :الشهداء وعدول اآلخرة.
وقيل :الفقهاء والعلماء ،وقيل :قوم يقصر أعمالهم فيحسبون بين الجنة والنار إلى أن
ّللا لهم في دخول الجنة ،وقيل :قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ،وقيل :بطارت يأذن ه
ّللا عنهم آبائهم دون أمهاتهم أو بالعكس ،
خفائرهم إلى آخر الناس ،وقيل :رضي ه
وقيل:
ّللا
هم أوالد المشركين ،وقيل :المراؤن ،وقيل :أهل الفترة الذين لم يغايروا دينهم ه
عنه على ما اختاره بأنه عز وجل أخبر أن رجاله يعرفون كال بسيماهم ،فجعل
أصحابه رجاال ،وهم الكمل وأنهم يعرفون كال بسيماهم ،وهذا من خاصة االستشراف
على األطراف كل فريق من الفرق ،فال يكون إال غاية المعرفة أن االستشراف على
األطراف باالنتهاء في معرفة األشياء التي استشرف أطرافها إلى الغاية التي توجب
االستشراف على ما ورائها ؛ حتى يعرف تلك األشياء حق المعرفة بقدر الطاقة.
ط َمعُونَ [ األعراف ، ] 46 :ألهلفالضمير في قوله :لَ ْم يَ ْد ُخلُوها َو ُه ْم يَ ْ
97
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 98عالء أحمد المهائمي
“ “ ٩٨
الجنة ،والسالم من أهل األعراف عليهم قبل دخولهم الجنة بتسيرهم حال ترددهم ،
ْصار ُه ْم [ األعراف ، ] 47 :أي :أبصار أهل الجنةت أَب ُ ص َرفَ ْ
يدل عليه قوله َ :و َإذا ُ
قبل دخولها :ا ْد ُخلُوا ْال َجنهةَ [ األعراف ، ] 49 :خطاب من أهل األعراف ألهل الجنة
بعد مقابلتهم مع كبار أهل النار ،وال تعرض لبحث بقية األقوال لخروجها عن
مقصودنا اآلن.
ّللا عليه
ّللا عنه [ :ولسانه في مقام النبوة ،واسمه المطلع كما قال صلى ه قال رضي ه
وسلم في أم القرآن بل في سر كل آية منه :إن لها ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا إلى سبعة
أبطن وفي رواية إلى سبعين بطنا ،وقد نبهت على ذلك في تفسير الفاتحة ،فلينظر
هناك ].
أي :العبارة الدالة على هذا المعنى فيما صدر عن مقام النبوة واسمه الخاص به هناك
ّللا عليه وسلم
المطلع ،أي الذي تطلع فيه على هذا المعنى ما دونه ،كما قال صلى ه
في حق الفاتحة بل في حق كل آية من القرآن “ :إن لها ظهرا “ “ “ 1؛ يفهمها
عامة المفسرين مما عرف اللغات واإلعراب والنزول ،وبطنا يعرفه أهل الحقائق ،
وحدا في الظاهر ال يتجاوز المنقول عن السلف ،وفي الباطن ال يتجاوز القواعد ،
ومطلعا يطلع به على أسرار الحقيقة المشار إليها باإلشارات اللطيفة ،وخصه بعض
المتأخرين بشهود المتكلم.
ّللا لخلقه في كل آية ،
يقول اإلمام جعفر بن محمد الصادق عليه السالم “ :لقد تجلى ه
ولكن ال يصبرون“ .
وقيل :شهود الحق في كل شيء تجليها بصفة تخص مظهريته ،والحق أنه أعم من ذلك
،وهو األوفق للكتاب ،وذلك المطلع ينتهي إلى سبعة أبطن وفي رواية إلى سبعين
بطنا.
ّللا عنه [ :وقد نبههت على وجه انتهاء المطلع إليها في تفسير الفاتحة قال الشيخ رضي ه
،ولم أظفر به حتى أذكر ما فيه ].
ّللا الموقف الذي هو منتهى كلّللا عنه [ :واسمه ولسانه في اصطالح أهل ه قال رضي ه
مقام والمستشرف منه على المقام المستقبل ].
...........................................................
) ( 1رواه عبد الرزاق في المصنف ( ) 358 / 3وابن حبان ( ، ) 276 / 1
والطبراني في األوسط( 1 / 236 ) .
98
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 99عالء أحمد المهائمي
“ “ ٩٩
وعلم هذا الذهوق والعبارة الدهالة عليه في اصطالح السالكين الذين انقطعوا بما سوى ه
ّللا
إليه ،الموقف والمقام الذي هو منتهى كل مقام ماض ،والمستشرف منه على المقام
المستقبل ،وإنما خص ذلك بالسالكين ؛ ألنه يختلف باختالف المقامات ،وذلك يختص
بهم دون الواصلين الجامعين للكل ،وإنما قدم االسم على اللسان هنا وعكس في األول
؛ ليشعر هناك بأن عبارات األنبياء أدل عبارات ،تصير بمنزلة العلم وكل لسان لهم
بمنزلة اإلعالم للمعاني المقصودة به .
وأما هاهنا فهم ال يبالون بالعبارات :فتارة تقع منهم ما هو بمنزلة العلم وما ليس كذلك
،وهذه العبارة بمنزلة العلم مع اختالف المعنى المقصود منها ؛ لتعين ذلك بالنسبة إلى
كل مقام ،ولما لم يكن عالما بالحقيقة ،أردفه بقوله ولسانه ،وهكذا فيما يأتي بعد .
ّللا عنه [ :واسمه ولسانه في ذوق مقام الكمال بالنسبة إلى كل مقامين قال رضي ه
البرزخ الجامع بينهما وبالنسبة إلى خصوص مقام الكمال برزخ البرازخ ] .
أي :وعلم هذا الذوق والعبارة الدالة عليه حال كونه داخال في ذوق مقام الكمال ،وهو
مقام الوصول واإلحاطة بالمقامات .
وإنما قال هنا في ذوق مقام الكمال ،إشعارا بأن هذه عبارة يدل عليه بالمطابقة ،وله
نسبتان :نسبة بين كل مقامين من المقامات التي دون األعلى المطلق ،وما دونه
بدرجة واحدة فقط .
فباعتبار النسبة األولى يسمى البرزخ الجامع بين المقامين إذ البرزخ هو الحائل بين
الشيئين ،وهذا واسطة بينهما جامع لها ،كالخط الذي بين الظل والشمس ،ولما لم يكن
ألهل الكمال وقوف ،لم يسم بذلك بخالف ما تقدم ،وباعتبار النسبة الثانية ،وهو
خصوص مقام الكمال إذ األعلى من هذين المقامين برزخ البرازخ ،أي :البرزخ الذي
فوق جميع البرازخ التي دونه .
وقد أطلق بعضهم البرزخ على الحضرة الواحدية والتعين األول الذي هو أصل
البرازخ ،وسماه البرزخ األول واألعظم واألكبر لجمعه البرازخ “ “ .1
) ( 1فهو األصل لجميع البرازخ والساري فيها ،فالمراد بذلك كله الوحدة وهي
البرزخية األولى ،سميت بذلك النتشاء األحدية والواحدية عنها ،فصارت مميزة
ألحدهما عن اآلخر ،فسميت برزخا لهما ،
99
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 100عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٠٠
وأما مطلق البرازخ ،فهو الحائل بين الشيئين وصورته عن عالم المثال الحاجز بين
األجساد الكثيفة وعالم األرواح المجردة .
وفسرا بالدنيا واآلخرة ،ومنه الكشف الصوري ،وقد أطلقه صاحب الكتاب وغيره
على عالم القبر .
النص السادس :
ّللا عنه “ :نص شريف عزيز المنال “ . قال رضي ه
لما فرغ عن بحث غاية ما يتعلق العلم به ،شرع في بحث ما يمكن تعلق اإلدراك به
وما ال يمكن ،مع أنه يعز المثال في جميع ذلك ،بمعنى أنه يدرك بالذوق والمشاهدة
مع مثال يطابقه من وجه دون وجه والوجه الذي به المطابقة يعز إدراكه ،بل نفس
ذلك المثال يعز إدراكه .
ّللا عنه [ :غيب هوية الحق إشارة إلى إطالقه باعتبار الالتعيهن ] أي : قال رضي ه
الغيب الذي ال يمكن إدراكه من هوية الحق ،إشارة إلى إطالقه الذي هو المعنى السلبي
،وهو إطالقه باعتبار الالتعين ،ال باعتبار تعين اإلطالق المقيد به مطلق ،فإنه ممكن
اإلدراك .
وإنما قال “ :غيب هوية الحق “ ؛ ألن نفس الهوية يمكن إدراكه في ضمن
التعينات .
وإنما قال :إشارة ،إذ ال عبارة تدل عليه بالمطابقة ؛ ألنها فرع اإلدراك بل فرع
الوضع المتوقف عليه ،والغيب ليس باسم له حتى يتقيد بالغيبة ،وإنما جيء به إشعارا
بأنه ال يدرك .
ّللا عنه [ :ووحدته الحقيقية الماحية لجميع االعتبارات واألسماء والصفات قال رضي ه
والنسب واإلضافات هي عبارة عن تعقل الحق نفسه وإدراكه لها من حيث تعينه ،
وهذا التعقل واإلدراك التعيني ،وإن كان يلي اإلطالق المشار إليه ،فإنه بالنسبة إلى
تعين الحق في تعقل كل
لذلك ،وألجل اشتقاقهما عنها ،وتسمى بالجمعية األولى ،لكونها جامعة بينهما ،
ورافعة بينهما عن البينونة ،وموحدة إياهما بل كل منهما هو عين اآلخر بحكم اقتضاء
الباطن الحقيقي ،وإنما كانت الوحدة هي باطن جميع الحقائق اإللهية والكونية وأصال
النتشاء الجميع عنها لكون حقيقة الوحدة سابقا على جميع الحقائق وساريا بكليتها في
جميع الحقائق ،بحيث تكون في اإللهية منها إلهية ،وفي الكونية كونية أيضا ،ولهذا
صارت الوحدة هي المسماة بالتعين األول.
100
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 101عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٠١
متعقل في كل تجل تعين مطلق وأنه أوسع التعينات ،وهو شهود الك همل ،وهو التجلي
الذاتي وله مقام التوحيد األعلى ].
أي :وحدة الحق الحقيقية ،أي :التي ال كثرة فيها بوجه من الوجوه ؛ فلذلك كانت
ماهية جميع االعتبارات فضال عن األسماء والصفات والنسب واإلضافات ،فإن كال
مشعر بكثرة وليس معناه نفي الصفات بالكلية ،بل اندراجها في تلك الوحدة بحيث ال
يتميز عن الذات المتصفة بتلك الوحدة عبارة عن تعقل الحق نفسه من غير أن يتميز
التعقل من العاقل والمعقول ،فإن هذه االعتبارات إنما نشأت من تعقل الحق نفسه فهو
متأخر عنه ،وعبارة عن تعقل الحق نفسه من حيث تعينه بالمعقولية ال بالتشخيص
لغاية بعده عن اإلطالق ،وإنما كان ذلك التعقل وحدة حقيقية ؛ ألن تميز الصفات إنما
تكون بعد تعقلها وتعقلها بعد تعقل الذات فهاهنا لم تتعقل إال الذهات وحدها.
فهذا التعقل وحدة حقيقية لم يتعقل معها التعقل فضال عن العاقل والمعقول ،وهذا
بخالف الوحدة المتعلقة مع الصفات ،فإن فيها كثرة اعتبارية ،وإنما تقيد هذا التعقل
من حيث التعين ؛ ألنه من حيث اإلطالق ال أولوية للوحدة على الكثرة.
ثم أشار إلى كونه هو التعين األول بقوله [ :وهذا التعقل أي النفسي واإلدراك التعيني
،وإن كان يلي اإلطالق المشار إليه أي :بالمعنى السلبي ،فحقه أن يكون مقيدا
باإلطالق العرفي ،فال يكون تعينا ،لكنه لما كان فيه األمران ،التعين بالنسبة إلى ما
قبله واإلطالق بالنسبة إلى ما تحته ؛ ألنه بالنسبة إلى تعين الحق في تعقل كل متعقل
من الحق والخلق في كل تج هل في المظهر أو غيره كان تعينا مطلقا ،فهو من حيث
الجمع بينهما أو جمع التعينات وهو ما تعلق به العلم به ،فكذلك كان هو لتجلي الذاتي
الواقع على الحقيقة المحمدية بالذات وعلى غيره بالواسطة وال يمكن تجليه في
المظاهر بل إذا أشرقها عليها أحرقها فال يظهر إال لذاته في ذاته ،فال يراه كذلك إال
من فني فيه وبقي به وله مقام التوحيد األعلى ،وهو التوحيد الذاتي فوق الوصفي
والعقلي ،وال يمكن اعتبار التوحيد فيما فوقه إذ ال أولوية لنسبة الوحدة ثمة أصال ،
فافهم ].
ّللا عنه [ :ومبدئية الحق تلي هذا التعين والمبدئية هي محتد االعتبارات ،
قال رضي ه
ومنبع النسب واإلضافات الظاهرة في الوجود والباطنة في عرصة التعقالت
واألذهان ].
101
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 102عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٠٢
أي كون الحق مبدأ لألشياء يلي هذا التعين ،أي يكون بعده أما أنه ليس قبله فالستواء
النسب أما أنه ليس عينه ؛ ألن اعتبار أصله ،فهو بلي هذا التعين .
ثم إن مبدئية الحق هي محتد االعتبارات ،أي أصلها إذ ال بد لها ممن يعتبر فيه ويكون
موضوعه وال اعتبار قبل المبدئية لما ذكرنا ،فلذلك كانت المبدئية منبع النسب
واإلضافات ،وهي الظاهرة في الوجود من حيث تعلقه باألعيان ،فظهوره بها وهي
الباطنية في عرصة التعقالت العالية واألذهان السالفة ،فمن هنا كان الحق مبدأ للكل ،
ومنتهى لسلسلة الموجودات العينية والذهنية بل ال غير له ظاهرا وباطنا وأوال وآخرا ،
فافهم .
ّللا عنه [ :والمقول فيه أنه وجود مطلق واحد واجب ،فهو عبارة عن قال رضي ه
تعين الوجود في النسبة العلمية الذاتية اإللهية ،والحق من حيث هذه النسبة يسمى عند
المحقق بالمبدأ ال من حيث نسبة غيرها ،فافهم هذا وتدبهر ،فقد أدرجت لك في هذا
وّللا المرشد ] .
النص أصل أصول المعارف اإللهية ه
أي :والذي يقال فيه أنه وجود مطلق ،فليس ذلك بغيب هوية الحق الذي هو اإلطالق
بالمعنى السلبي ؛ ألنه ال يسمى باسم وال يتقيد باإلطالق ،وكذا الذي يقال أنه واحد أو
أنه واجب الوجود إذ ذاك ال يقيد بالوحدة والوجوب ،بل الذي يقال فيه هذه األمور
عبارة عن تعيين الوجود بهذه القيود عند تحقق نسبة العلم إلى الذات الشاملة على
األسماء والصفات تفصيال وهذا هو التعيهن الثاني المسمى بمرتبة األلوهية وحضرة
الوحدة ،وذلك ال في التعين األول .
إنما علم الذات من حيث هو ،ال من حيث أنه وجود مطلق أو غيره ،وال من حيث أنه
واحد أو متعدد ،وال من حيث أنه واجب أوال ؛ ألن هذه أوصاف لحقت التعيهن األول
في التعقل .والحق من حيث هذه النسبة أي :العملية الذاتية اإللهية ،يسمى عند
المحققين بالمبدأ ،ال من حيث نسبة غيرها .
أما نسبة التعيهن األول ؛ فألنها ماحية لالعتبارات ،وأما نسبة الربوبية ،فألن هذه
النسبة بعد أدائها .
ال يقال :إن التعين األول مبدأ لهذه النسبة ؛ ألنا نقول :لما لم تتميز األسماء ،ثمة لم
102
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 103عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٠٣
يكن للمبدئية ظهور ،وإنما ظهرت في التعين الثاني ،وإال فقد كان اإلطالق بالمعنى
ّللا عنه ( :فافهم ) .
السلبي مبدأ للجميع ولهذه النكتة ،قال رضي ه
ثم قال [ :وتدبر ،فقد أدرجت لك أصل أصول المعارف اإللهية ] ،وذلك اشتماله
عليه بحيث غيب الهوية والوحدة الحقيقية التي هي التعين األول والمبدئية التي هي
التعين الثاني ومنبع االعتبارات واألسماء والصفات ،واعتبار ظهورها وبطونها
وبحث الوجود المطلق الواحد الواجب ،وهذه أصول مباحث التصوف من تحققها سهل
وّللا ولي الحسنات .
عليه الوقوف على الجزئيات ،ه
وذلك ؛ ألن هذا السالك صاحب معراج ؛ ألنه ليسير حين يعرج عن أفعاله أو صفاته
أو ذاته ،فإن عرج عن األول ،كان ممن تحقق بتوحيد األفعال ،ومن عرج عن
الثاني ،تحقق بتوحيد الصفات ،ومن عرج عن الثالث ،تحقق بتوحيد الذات ،فسلوكه
عروج عن الكثرة الموقعة في الشرك الخفي إلى نور التوحيد ،فال ب هد وأن يكون غايته
عز وجل وإنما قلنا :ألن الكل من وجه آخر راجع إلى الحق برفع الحجب عن أنواره ه
الحق أيضا ،فلذلك قال ( :فافهم )
103
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 104عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٠٤
وجوداتها ،بل في نسب الوجود إلى الحقائق أو صورها فال تخل كثرتها وحدوثها
بالتوحيد ووجوب الوجود المطلق ،وبيهن أثر كل واحد في اآلخر وغير ذلك مما يأتي
ّللا وأهله .
في آخر شرح هذا النص ،فهذا جالئل األسرار التي ال يقدر قدرها إال ه
ّللا عنه [ :اعلم أن كل ما يوصف بالمؤثرية في شيء أو في أشياء ،فإنه قال رضي ه
ال يصدق إطالق هذا الوصف عليه تماما ،ما لم يؤثر حقيقة ذلك الشيء من حيث هو
دون تعقل انضمام قيد آخر إلى تلك الحقيقة الموصوفة بالتأثير ،أو شرط ما خارجي
كان ما كان ] .
تمهيد مقدمة لبيان أن التجليات في المرايا المختلفة ال توجب تأثيرا وتغييرا في حقيقة
المنطبع فيها ،فال تسمى مؤثرة بالحقيقة بل بالمجاز ،فقال :أوال بأن ال تأثير لشيء
في شيء بحسب الحقيقة حتى يبطل التوحيد حتى إن تأثير الحق في األشياء ،تأثير من
وجه دون وجه فضال عن تأثير الخلق بعضه في بعض ،وذلك أن كل ما يوصف في
العرف بأنه مؤثر في شيء واحد ،كالبسيط المتعدد الجهات والمركب ،فإنه ال يصدق
حمل هذا الوصف إلى التأثير عليه تماما ،وال أنه يقال مؤثر من جميع الوجوه
وبالحقيقة ما لم يؤثر في حقيقة ذلك الشيء المؤثر فيه من حيث هو ذلك الشيء المؤثر
فيه مجردا عن تعقل انضمام قيد آخر إلى صفة ذلك المؤثر ،وانضمام شرط خارجي
إلى أحدهما -كان الشرط ما كان -من اللوازم أو العوارض إذ لو لم يؤثر في حقيقته
بل في عارضه ال يسمى مؤثرا فيه إال باعتبار مالبسة العارض المؤثر فيه لذلك
الشيء ،فيسمى بهذه المجاورة مؤثرا فيه ،ولو كان باعتبار انضمام قيد إلى المؤثر
لكان هو المجموع ،فإطالق المؤثر هو المجموع على من تقيد به من غير ذكر القيد ،
تكون من قبيل تسمية الشيء باسم كله ،والقيد صفة رافعة لْلطالق ،ولو كان باعتبار
انضمام شرط خارجي ،كانت مؤثريته ناقصة بذاته كاملة بالشرط ،والمتأثرية باعتبار
المجموع ال الحقيقة وحدها ،فتسمية أحدهما مؤثرا واآلخر متأثرا من قبيل إطالق الكل
على الجزء أيضا .
وإنما يعتبر انضمام القيد باألثر ؛ ألن القيد ال يلحقه من حيث حقيقته إال بعد تحقق
حقيقته ،فال يكون األثر في الحقيقة أصال فضال عن أثريتها مع القيد ؛ ألنها موجودة
قبل بخالف الشرط .وإنما قال إلى تلك الحقيقة الموصوفة بالتأثير ،ولم يقل إلى
المؤثر ؛ ألن كونه مؤثرا ليس على التحقيق بل على المتعارف ،أي :الوصف في
العرف بالمؤثرية.
104
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 105عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٠٥
وإنما قال :كان ما كان ؛ ألنه قد يتوهم أن الخارجي إذا كان الزما ما ال ينفك عن
الحقيقة المؤثرة أو المتأثرة ،فهو تأثير من حيث هو ،وهو وهم ظاهر الفساد ،وإنما
اعتبر الشرط الخارجي ؛ ألن الذهني أمر اعتباري ،فال يخل بحقيقة التأثير ؛ ألن
المؤثر يؤثر حينئذ من غير اعتبار أيضا ،فافهم .
ّللا عنه [ :وإنما ذكرت هذه القيود من أجل اآلثار المنسوبة إلى األشياء من قال رضي ه
حيث مراتبها أو من حيث اعتبارات هي من لوازم حقائقها ،ومن أجل ما استفاض
أيضا عند أهل العقل النظري ،وأكثر أهل األذواق بأن كل موصوف بالمرآتية سواء
كانت مرآته معنوية أو محسوسة ،فإن لها ،أي لتلك المرآة أثر في المنطبع فيها ،
لردها صورة المنطبع إليها وظهور صور المنطبع فيها بحسبها ] .
أي :إنما ذكرت لكون التأثير حقيقيها ،هذه القيود إن يؤثر بال ضم قيد إليه في الحقيقة
المؤثر فيها ،وال ضم شرط إلى أحدهما من أجل دفع ما يتعارفه الناس من نسبة اآلثار
إلى األشياء من حيث مراتبها ،كاإلحراق المنسوب إلى النار ،ومن حيث اعتبار
لوازم حقائقها كتأثير العقل األول من جهة وجوبه في عقل آخر ،ومن جهة إمكانه في
الجسم من جهة علمه بنفسه في النفس الكلية ،وال يعلمون أن المراتب والجهات قيودا
أو شرائط ،فكيف يكون التأثير حقيقيها ،ومن أجل ذلك دفع ما استفاض عند أهل العقل
النظري من الفالسفة المتكلمين ،قيد العقل به ؛ ألنه قد يطلق على البصيرة الباطنة
أيضا .
وعند أكثر أهل األذواق من الصوفية بأن كل موصوف بالمرآتية سواء كانت مرآتيته
مرآتية معنوية كاألعيان الثابتة للوجود ،أو محسوسة كالمرايا المضوغة في الحديد
وغيره كالماء ،فإن لها ،أي تلك المرآة أثرا ؛ لئال يتوهم عود الضمير إلى المرآتية
وهو فاسد ،إذ ال يتعارف ذلك أصال بالمتعارف إن للمرآة أثرا في المنطبع فيها بحسب
حقيقته لردها ،أي المرآة صورة المنطبع إلى ما يناسبها استقامة واستدارة بصغر أو
كبر أو ظهور صورة المنطبع فيها بحسبها ،فحصل التأثير من المرآة والتأثر من
المنطبع على وجه الحقيقة ؛ إذ الصورة دالة على الحقيقة ،والتأثير والتأثر فيها يدل
عليها بحسب الحقيقة .
ومن هنا قال أكثر أهل النظر :إن الوجود صار متعددا بالذوات ،أنه صار متقيدا بهذه
المظاهر بعد إطالقه ،وال يعلمون أن ذلك أثر في صورة المنطبع ال في حقيقته ،
105
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 106عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٠٦
والصورة عرض وكثرة األعراض وتغيراتها ال يستلزم كثرة الذات وتغيرها ،على أن
الصورة ليست للذات بل لظهورها في هذه المرايا عرضت لما ال ذات له سوى ذات
من انطبعت الصورة في هذه المرايا بمقابلته وإلى ذلك أشار بما .
ّللا عنه [ :وهذا صحيح من وجه ليس مطلقا ،فإن األثر للمرآة في المنطبع قال رضي ه
إن كان يصح أن لو أثرت في حقيقته من حيث هو وذلك غير واقع ،وإنما يثبت األثر
للمرآة في المنطبع من حيث إدراك من ال يعرف حقيقة المنطبع ،ولم يدركه إال في
المرآة ،وليست المرآة بمحل لحقيقة المنطبع بل هي مجلي لمثاله وبعض ظهوراته ،
والظهور نسبة يضاف إلى المنطبع من حيث انطباع صورته في المرآة ليست عين
حقيقة المنطبع ] .
أي :القول بأن للمرآة أثرا ،وإن كان صحيحا بوجه من الوجوه المجازية لتأثيرها في
الصورة التي تضاف إلى المنطبع ،فليس صحيحا مطلقا حتى يكون تأثيره حقيقيها ال
يمكن نفيه ،فإن األثر للمرآة في المنطبع ،إنما كان يصح على وجه الحقيقة أن لو
أثرت المرآة في حقيقة المنطبع وذاته من حيث هي وإنما أثرت في مثله من حيث
يضاف إلى المنطبع ،والحقيقة غير حالة في المثال ،وإن شارك المثال ما نبه الحقيقة
في االسم مجازا وال يثبت في الواقع أثر المرآة في حقيقة المنطبع إال من حيث إدراك
من لم يعرف حقيقة المنطبع ،ولم يدركه إال في المرآة حتى إنه يتوهم إن حقيقة الحق
تجلى في مرآة قلب من تجلى عليه ،فيزعم أنه الحق ،وهو خطأ ليس بواقع في العين
والعلم إال من حيث يعلم إدراك هذا المحجوب بعلم قديم أو حادث ،فيقع في الوجود
الذي هو حق من هذا الوجه كسائر األغالط .
ثم أشار إلى بيان وجه الغلط في ذلك بأن المرآة ليس بمحل لحقيقة المنطبع سيما إذا
كان المنطبع مثال الحق تعالى ؛ فإن حقيقته تعالى أجل من أن تجلي أو تتجه لغيره على
ما قدر في العلوم وأطبق عليه عظماء الكشف ،بل هي تجل بمثابة ،والمثال ال يشارك
الحقيقة كاإلنسان المنقوش على الجدار ال يشارك اإلنسان الذي هو حيوان ناطق في
الحقيقة على أن مثال الحق في القلب ال يطابقه من كل الوجوه ،إذ ال حصر لتجلياته ،
بل هو بعض ظهوراته .
فالمرآة محل لمثاله الذي هو بعض ظهوراته ال غير ،ثم استشعر سؤاال بأن الك همل
قالوا بالوصول إلى أحدية الجمع والبقاء بالحق وشهوده ،وما شهدوا سوى ما في
قلوبهم ؛
106
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 107عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٠٧
وإنما ذكر ذلك ؛ لئال يتوهم أنه تخيل ما رآه في المرآة خارج المرآة ،فدفع ذلك الوهم
،ثم بالغ فقال :وال اسم معين وال صفة معينة وال حال معين حتى يقال ،هي من
المرايا المعنوية ثم عمم بقوله :وال غير ذلك ،أي :من النسب واإلضافات بمحو الكل
في الحقيقي حينئذ.
107
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 108عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٠٨
ثم ذكر أن هذا التجلي أي :الذي في غير المرآة ،يعلم ذوقا أن المرآة ال أثر لها في
الحقيقة ،إذ لم تؤثر في ظهورها الذي نسب األثر بسببه إلى المنطبع ؛ وذلك أن لو
أثرت في ظهورها من حيث هو ظهور ،لكان كل ظهور متأثر من المرآة ،لكن لما
أمكن الظهور بغيرها ،لم يكن متأثرا بها ،بل المتأثر بها بعض الظهورات ،وذلك
بحسب أوصاف ال حقه للظهور ،فإذا لم يؤثر في الظهور الذي هو عارض قريب ،لم
يؤثر في حقيقته بطريق األولى .
ّللا روحه -يسمى هذه التجليات ، ّللا عنه [ :وكان شيخنا اإلمام -قدس ه
قال رضي ه
التجليات الذاتية البرقية ،وما كنت أعرف يومئذ سبب هذه التسمية ،وال مراد الشيخ
منها ] .
ثم إن هذه التجليات الذاتية البرقية ال تحصل إال لذي فراغ تام من سائر األوصاف
واألحوال واألحكام الوجوبية األسمائية واإلمكانية ،وهذا الفراغ مطلق ال يغاير إطالق
الحق ،غير أنه ال مكث له أكثر من نفس واحد ،ولهذا شبه بالبرق .
ّللا عنه ،يسمىوكان الشيخ أمام هذا العلم وأكمل أهله محيي الدين ابن العربي رضي ه
هذه التجليات التي هي خارج المرآة من غير تقييد بشيء التجليات الذاتية البرقية ،
وليست هذه من التجليات البرقية التي يقال :لمبادئ الكشف إذا ظهر انطفأ سريعا ؛
ألنه ليست ذاتية ،بل من األسمائية ؛ وهناك إن كانت الذات مع األسماء لكنها ليست
خارجية عن الذات .
ّللا عنه [ :وما كنت أعرف يوم سماعي من الشيخ سبب تسمية الذاتية قال رضي ه
البرقية ،وال مراد الشيخ منها وأهله كان يتوهم بالذاتية ظهور الذات في المظاهر وإن
البرقية مخصوصة بالمبادئ ،فكيف يكون في الذاتية ؟ ] .
ثم لما حصلت له علم وبين سبب حصوله بقوله :ثم إن هذه التجليات الذاتية البرقية
أعاد الوصفين ؛ لئال يتوهم أن كل تجل يحتاج إلى فراغ تام ،بل التجليات الذاتية في
المظاهر األسمائية ال تحتاج إلى الفراغ التام ،بل الفراغ من وجهه ،بخالف هذه
التجليات االختصاصية ،فإنها ال تحصل إال لذي فراغ تام من جميع أوصاف الوجود
وأحواله واألحكام الوجوبية األسمائية واإلمكانية الكونية ؛ إذ كل واحد منها حجاب ال
يمكن معه ظهور الذات بال مظهر .
ثم قال [ :وهذا الفراغ مطلق ] أي عن النفس والقلب والروح والسر وأخفى ،وجميع
األوصاف واألحوال حتى أنه ال يغاير إطالق الحق إال بالمعنى السلبي ،بل بالمعنى
108
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 109عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٠٩
المقابل للتقييد ؛ وليس معنى الفراغ من هذه األمور عدمها في الواقع ،بل عدم كونها
ملتفتا إليها ومانعا ،كما أن إطالق الحق ليس بمعنى مجردة عن الصفات كيف وهي
واجبة أزال وأبدا .
ثم لما توهم من كونه دائما دوام هذا التجلي عليه لكمال استعداده استثنى ،فقال :
( إنه ال مكث لها أكثر من نفس واحد ،ولهذا شبه بالبرق في عدم بقائه أكثر من نفس
واحد ،وهذا بالتجليات االختصاصية من الكشف الذي في المبادئ ؛ ألنه قد ينقلب إلى
الدوام بخالف هذا ،فافهم ) .
ّللا عنه [ :وسبب عدم دوامه حكم جمعية الحقيقية اإلنسانية ،وكما أن هذه قال رضي ه
الجمعية ال تقتضي دوامه ،كذلك ،لو لم تتضمن الجمعية اإلنسانية هذا الوصف من
الفراغ واإلطالق المستجلب لهذه التجليات ،لم تكن الجمعية اإلنسانية جمعية مستوعبة
كل وصف وحال ،فحكم الجمعية يثبته وينفى دوامه ] .
ّللا عنه ،وإن لم يتعرض لبيان سبب عدم دوامه نفسين صريحا اعلم أن الشيخ رضي ه
،فهو مفهوم ضمنا ؛ وذلك ألن سبب عدم دوامه أثر من آثار جمعية الحقيقة اإلنسانية
،فإنها عند الفراغ ال تبقى مستجمعة لألحوال واألوصاف ،ال بمعنى أنها تنتفي عنها ،
بل بمعنى أنها تبقى معطلة ،والجمعية تقتضي استعمال كل منها ،فلو بقي هذا التجلي
زمانين لظهر تعطلها ،فيكون جمعية كالالجمعية .
ثم استشعر سؤاال بأن اإلنسان إنما خلق ؛ ليكون مظهرا جامعا وعند التجلي ال يبقى
جامعا ،فهو مناف لجمعيته ،فينبغي أن ال يوجد أصال .
فأجاب عنه بقوله " :وكما أن هذه الجمعية ال يقتضي دوامه " ،فحق العبارة يقتضي
عدم دوامه ؛ ألنها إنما تنافي دوامه ال أصل وجوده ،فإنه ال ينافي مقتضي الجمعية ؛
إذ لواله ،لم يكن شامال على ما هو أعظم األمور ،فيبقى جمعيته أيضا إال أنه قال :
هكذا يشعر بغلبة الجمعية للكل ،فما ال تقتضيه الجمعية ال يوجد ،ويدل عليه قوله فيما
بعد صريحا فحكم الجمعية يثبته وينفى دوامه " .
وفي قوله “ :من الفراغ واإلطالق المستجلب لهذه التجليات االختصاصية هي
اإلطالق ( لمناسبته ) إطالق الذات بخالف الجمعية ،فإنها إنما تقتضي ظهور الذات
مع
109
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 110عالء أحمد المهائمي
“ “ ١١٠
الصفات ،وهاهنا وإن كانت الذات متصفة بالجميع ،لكنها لم يحتجب بها ساعة لطيفة
،ثم احتجبت برداء الكبرياء “ .
وفهم من قوله “ :فحكم الجمعية يثبته وينفى دوامه “ :أن الجمعية ال تقتضي اجتماع
األوصاف واألحوال في آن واحد ؛ بل يكفى حصولها في اإلنسان على سبيل التعاقب
كيف وهو في كل آن خلق جديد ،ويؤيده إن جعل السبب أثر الجمعية ،هو حصول
مقتضاه بالفعل ،والحال إنما هي بالقوة ،فافهم .
ّللا أحكاما غريبة في باطني ّللا عنه [ :ووجدت لهذا التجلي لما منحنية ه قال رضي ه
وظاهري ،من جملتها أنه مع عدم مكثه نفسين ،يبقى في المحل من األوصاف
ّللا ] .
والعلوم ما ال يحصره إال ه
ّللا تعالى إياه مع ّللا عنه إلى فوائد التجلي الحاصلة عند من منحه ه أشار رضي ه
اإلشعار بأنه استدل عليها بالوجدان الذي هو أقوى من الحس الظاهر والفكر ؛ إظهارا
:وأ َ هما َب َن ْع َم َة َر َبه َك
ّللا تعالى عليه شكرا عليها وامتثاال لقوله تعالى َ لنعمة ه
َث[ الضحى ] 11 :وأشار بلطيفة هي أنه بالوجدان الروحي كأنه يشاهده اآلن ، فَ َح هد ْ
وهو معه ،واألحكام الغريبة هي الوجوبية لقرابتها بالنسبة إلى عالم الحدثان ،وتلك
األحكام أنوار التجلي على روحه المطهر بقيت على القلب فجعلته روحانيها ،والنفس ،
ّللا تعالى
فجعلتها مطمئنة مستحقة باألخالق اإللهية والجسم فجعلته مطواعا ألوامر ه
وغير ذلك .
ّللا عنه أن من جملة فوائده أنه مع عدم مكثه نفسين يبقى في محل ثم بيهن رضي ه
التجلي ،وهو القلب من األوصاف اإللهية والعلوم اللهدنيهة الالزمة للذات ،ما ال
ّللا ،وإن غلب ظهورها بحيث ال يحجبها الصفات ،فإذا زال غلبة ظهور يحصره إال ه
الذات مجددة ،بقي ظهورها مع الصفات على المحل ،ألنها تبقى مع الحجاب ،وكان
قد اتصل بأعلى معادن العلم ،ومن اتصل بالعقول والنفوس الناطقة السماوية لم يحس
حالة من العلوم ،فكيف بمن اتصل بمعدن الكل ،وتلك الصفات والعلوم لما كانت غير
متناهية وال محصورة ،وقد انطبعت في أوسع المجال ،فال يحصرها إال من ال حصر
ّللا تعالى ،فافهم .
له ،وهو ه
ّللا عنه [ :وعرفت في ليلة كتابتي هذا الوارد ،أنه من لم يذق هذا المشهد قال رضي ه
لم يكن محال
110
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 111عالء أحمد المهائمي
“ “ ١١١
ّللا وقت ال يسعني فيه ّللا عليه وسلم “ :لي مع ه للوراثة ولم يعرف سر قوله صلى ه
ّللا عليه وسلم :
غير ربي “ “ ، “ 1وال سر قوله صلى ه
ح :وما أ َ ْم ُرنا إَ هال َ
واح َدة ٌ َكلَ ْم ٍ ّللا وال شيء معه “ “ ، “ 2وال سر قوله تعالى َ “ كان ه
ص َر[ القمر ، ] 50 :وال يعرف مبدئية اإليجاد ال في زمان موجود ] . بَ ْالبَ َ
ّللا عنه أشار إلى فوائد أخرى عزيزة جدها لهذا التجلي االختصاصي ،إن الشيخ رضي ه
مع جاللة قدره لم يعرفها إال ليلة كتابة هذا الوارد منها :إن من لم يذق هذا المشهد من
التجلي الذاتي البرقي ،أي لم يعرف بالذوق والوجدان قبل ذلك إشعارا بامتناع معرفته
بغير ذلك ،لم يكن محال للورثة النبوية ،فلم يكن من العلماء الذين هم ورثة األنبياء ،
إذ ميراثهم الخاص هذا التجلي لغاية عظمته ،وما دونه كما يكون ميراثهم ،يكون
ميراثا لعامة األولياء أيضا .
فالميراث الخاص هو هذا التجلي ،على أن حقائق العلوم ال تنكشف كما هي بدون هذا
التجلي لنقصان سائر المعادن بالنسبة إليه ،فال يكون ميراثا نبويها ،بل ميراث األولياء
أو الحكماء الذين اتصلوا بالعقول والنفوس .
ّللا عليه وسلم “ :لي مع ومنها :إن من لم يذق هذا المشهد لم يعرف سر قوله صلى ه
ّللا وقت ال يسعني فيه غير ربي “ “ “ 3؛ إذ سائر التجليات إما صفاتية أو أفعالية ، ه
وهي أغيار من حيث مفهوماتها للرب المطلق وال يشترط لمعرفته ذوق هذا التجلي ،
إذ من لم يذق هذا التجلي لم يعرف بفكر ونظر أو حس ،فال يفهم سر ما يتوقف عليه
بدونه ،وإن كان يفهم ظاهره .
ّللا عليه وسلم “ :كان ومنها :أن من لم يذق هذا المشهد ،لم يعرف سر قوله صلى ه
ّللا وال شيء معه “ “ ، “ 4وذلك أن صفاته تعالى الزمة لذاته ،فال يتصور الذات ه
بدونها إال لمن تجلى له الذات من غير ظهوره هذه الصفات ،فيعرفها حينئذ أنه كان
في االعتبار األول أيضا ال شيء معه ،كما أنه اآلن ال شيء معه باعتبار هذا
التجلي .
واشترط أيضا ذوق ذلك لما مر بعينه ،ومنها أن من لم يذق هذا المشهد لم يعرف سر
...............................................
) ( 1ذكره المناوي في فيض القدير ( ، ) 6 / 4والعجلوني في كشف الخفا ( / 2
) 226بنحوه .
) ( 2رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( 4 / 104 ) .
) ( 3ذكره المناوي في فيض القدير ( ، ) 6 / 4والعجلوني في كشف الخفا ( / 2
) 226بنحوه .
) ( 4رواه الحكيم الترمذي في النوادر( 4 / 104 ) .
111
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 112عالء أحمد المهائمي
“ “ ١١٢
وذلك هو التجلي الذاتي االختصاصي إذ غيره ال ينحصر في ذلك ،إذ قد يبقى زمانين
فصاعدا ،ولو حملت اآلية على معنى القيامة فكذلك ؛ ألنه عبارة عن فناء الكل
بالتجلي الذاتي ،فمن لم يذقه لم يعرفه بالحقيقة.
ومنها :أن من لم يذق هذا التجلي ال يعرف مبدئية اإليجاد ال في زمان موجود ؛ وذلك
ألن مبدئية اإليجاد دا هل في زمان هو التجلي الذاتي لوقوع الحدوث ولو بالذات في
غيره ،فيقع التقدم والتأخر المشابهان لما في الزمان ،وإنما أعاد لفظة المعرفة نفيا
لدعوى النظار بمعرفة ذلك بالحقيقة ،فأكد وإنما ابتدأ يبحث الوارث ؛ ألنها أول مرتبة
الكمال االختصاصي ثم بعدم الواسع ؛ ألنه كمال الوارث ،ثم بال شيء معه ؛ ألنه
كمال عدم الوسع ،ثم بوحدة األمر ؛ ألنه من جمعه لمبدئية اإليجاد لمشابهته ينزل
العارف إلى مقام البقاء ؛ ألنه موجود ال بنفسه حتى يكون زمانيها ،فافهم.
ّللا عنه [ :كما أنه من ذاق هذا المشهد ،وقد كان علم أن األعيان الثابتةقال رضي ه
هي حقائق الموجودات ،وأنها غير مجعولة وحقيقة الحق منزهة عن الجعل والتأثير ،
ومن ث هم أمر ثالث غير الحق واألعيان ،فإنه يجب أن يعلم إن صح له ما ذكرنا ،أن ال
أثر لشيء في شيء ،وأن األشياء هي المؤثرة في أنفسها ،وإن المسماة علال وأسبابا
مؤثرة ،هي شروط في ظهور آثار األشياء في أنفسها ،ال أن ثمة حقيقة تؤثر في
حقيقة غيرها ].
الغرض من هذا بيان حال األمور المذكورة أعني صيرورته وارثا وواسع القلب بربه
وعارفا سر “ وال شيء معه “ ،وسر وحدة األمر ،ومبدئية اإليجاد في توقفها على
التجلي الذاتي االختصاصي ،كتوقف هذه المسألة توقفا ظاهرا ،يعنى :من ذاق هذا
المشهد الذي هو التجلي الذاتي االختصاصي بعد علمه أن األعيان الثابتة ،أي :
الصور الثابتة لألشياء في العلم األزل ،هي حقائق الموجودات والحقائق غير مجعولة
،فاألعيان أيضا غير مجعولة ،والمقدمتان تبينان فيما بعد حقيقة الحق منزهة عن
الجعل والتأثير على ما تقرر في العقول السليمة كلها ،وليس في العالم واألشياء أمر
ثالث غير الحق واألعيان ؛ النحصار العالم واألشياء في الوجود والحقائق والوجود
حقيقة الحق والحقائق هي األعيان ،فإنه يجب أن
112
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 113عالء أحمد المهائمي
“ “ ١١٣
يعلم إن صح له ما ذكرنا من هذه المقدمات ،أن ال أثر لشيء في شيء ؛ ألنه إما في
األعيان وليست مجعولة ،وما ال يقبل التأثير بحقيقته ،وأما في الحق وعدم قبوله
التأثير ظاهر ،أو في الجمع بينهما ،فأما في وجود الجمع أو في حقيقته ،فيعود الكالم
فيه أو المجموع من وجوده وحقيقته ،فيتسلسل ووجود المجموع إن كانت معدومة ،
فال أثر في حقيقة المعدوم ،إذ ال حقيقة له من حيث هو معدوم .
هذا كله في معرفة أن حقيقة الحق غير قابلة للجعل والتأثير ،وأن األعيان غير
مجعولة ،وأما من التجلي المذكور ،فيعلم أن األشياء هي المؤثرة في أنفسها ؛ وذلك
ألن التجلي المذكور يشهد أن جميع الكماالت حاصلة للوجود المطلق بالقوة ،وهي
كامنة فيه ،وأن حقائق الموجودات شؤونه الذاتية المقتضية ظهورها بتلك الكماالت ،
وهي الحاكمة على المفيض أن يفيض ما في قوة استعدادها ،فهي المؤثرة في أنفسها ،
وإنما قال :إن صح له ما ذكرنا إذ يجوز حينئذ أن ال يعتقد التجلي المذكور ،ويزعم
أال تجلي إال في مظهر ،فيتوقف حصول الكماالت للوجود على المظاهر ،فيكون لها
األثر في كماالته الممكنة ،ويجوز أن يعتقد كون األعيان مجعولة ،فيعتقد األثر فيها .
ويجوز أن يعتقد أن حقيقة الحق قابلة للجعل ،فيكون للمظاهر تأثير في حقيقة الظاهر
،ثم استشعر سؤاال بأن الكالم سفسطة في ظهور كون بعض األسباب علة للبعض ،
فأجاب بأنا ال نسلم أنها أسباب وعلل ؛ ألن المؤثر ال بد له من قابل ،وال قابل مع
قبول هذه المقدمات ،بل األشياء لما كانت مؤثرة في نفسها من حيث طلب شؤونها
الظهور بكماالت الوجود المطلق ،كل شأن على قدر استعداده في عينه الثابتة ،ولم
يستقل بأنفسها توقف الكماالت فيها ،وهي آثارها على شروط توقف ظهور النار من
الحجر على ضربة بآخر مثال .
ال يقال ،فهي علل الظهور ؛ ألنا نقول :اقتضت األشياء الظهور ولم تستقل ،فهي
شروط للظهور ال علل الثبوت مقتضية ،وهي أعيان األشياء من قبل ،على أنها ال
تؤثر في نفس الظهور بل في صفاته ،فليست مؤثرة أيضا في الشروط الصفات
الوجوبية وغيرها من العقول والنفوس والطبائع ،وتسميتها علال وأسبابا ،ليس على
الحقيقة ،فافهم هذه الدقائق تفز بكنوز الحقائق!
113
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 114عالء أحمد المهائمي
“ “ ١١٤
ّللا عنه [ :وهكذا فلتعرف األمر في المدد ،فليس ثمة شيء يمد شيئا غيره
قال رضي ه
،بل المدد يصل من باطن الشيء إلى الظاهر ،والتجلي النوري الوجودي يظهر ذلك
،فليس اإلظهار بتأثير في حقيقة ما أظهره ،فالنسب هي المؤثرة بعضها في بعض ،
بمعنى أن بعضها سبب النتشاء البعض ،وظهور حكمه في الحقيقة التي هي
محتدهها ] .
أي :وكما عرفت األمر في آثار األشياء أنها ليست من غيرها بل من باطنها إليها ،
فهكذا فليعرف األمر في المدد الوجودي عليها ،فإن وجودها ليس من غيرها ،بل
المدد يصل من باطن الشيء إلى ظاهره ،بمعنى أنها ولو كانت معدومة في الخارج
كانت موجودة في العلم األزلي ،فذلك الوجود كان لها في الباطن ،فخرج إلى الظاهر
باقتضاء ،إال أن اقتضاءها ال يستقل بإخراجها فشرط لذلك التجلي النوري ،وهو تعلق
الوجود الظاهر ،وهذا اإلظهار من التجلي النهوري ليس بتأثر منه في حقيقة ما أظهره
من الوجود ؛ ألنه بحقيقته كان حاصال لألعيان الثابتة في الباطن ،ال يقال :التجلي
نسبة ،وقد أثرت في اإلظهار الذي هو نسبة سافلة التأثير الحقيقي ؛ ألنا نقول :إن
بعض النسب مؤثر في البعض ال تأثيرا حقيقيها بل بمعنى أن بعضها سبب النتشاء
البعض في العقل ،حتى يترتب سبب الظهور حكمه في الحقيقة التي هي محتدها ،فلم
يؤثر في النسبة بينها ،بل ظهر حكمها في الحقيقة لجعلها حكمها صفة لتلك الحقيقة ،
فلم يؤثر في الحقيقة من حيث هي ،وال في النسبة من حيث هي ،وإظهارها فرع
ثبوتها في معدنها ،فافهم .
ّللا عنه [ :ومن جملة ما يعرفه ذائق هذا التجلي “ ، “ 1أن ال أثر
قال رضي ه
لألعيان الثابتة من كونها مرائي في التجلي الوجودي اإللهي ،إال من حيث ظهور
التعدد الكامل في غيب ذلك التجلي ،فهو أثر في نسبة الظهور من األمر الذي هو
شرط في اإلظهار ،والحق يتعالى عن أن يكون متأثرا من غيره ويتعالى حقائق
الكائنات أن تكون من حيث هي حقائقها متأثرة ،فإنها من هذا الوجه في ذوق الكمال
عين شؤون الحق ،فال جائز أن يؤثر فيها غيرها ،فال أثر لمرآة ما من حيث مرآة في
مر بيانه ] .
حقيقته المنطبعة فيها لما ه
اعلم أن هذه المسألة أعني :مسألة تعديد األعيان من حيث هي مرايا للتجلي الوجودي
وإظهار التجلي الوجودي إياها ،لم يفهم فيما سبق ؛ ألنه إنما ذكر فيه تأثير المرايا
) ( 1أي التجلي البرقي وهو التجلي الذاتي الذي ال ثبات له أكثر من نفس واحد ،شبه
بالبرق لذلك.
114
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 115عالء أحمد المهائمي
“ “ ١١٥
في المنطبع وما لمؤثر في آثار األشياء والمدد فيها ،وإنما ذكرها منفردة لشهرة ما
يخالفها ،وذلك إن مما اشتهر أن األعيان الثابتة من حيث كونها مرائي تجلي الوجودي
عددت الوجود الواحد وجعلته كثيرا ،فأثرت في تكثيره والحق فيها بإظهارها بعد ما
كانت في كتم العدم .
ّللا عنه ذلك بأن من تجلى له الحق في غير مظهر عرف أنه الكمال ،وأنه فدفع رضي ه
ال يتقيد بوحدة وال كثرة وإن كانت الوحدة أول التعينات ؛ لكنها ليست في مقابلة الكثرة
نعم المقابلة لها غالبة هناك ،والكثرة كامنة ،واألعيان ال تؤثر في التجلي الوجودي
الوحداني إال من حيث ظهور التعدد الكامن في غيب ذلك التجلي الذي كان التعدد
مغلوبا فيه ،فهذا التعدد الظاهر الذي صار غالبا أثر في نسبة ظهور الوجود الواحد ،
والتجلي الوحداني في مرايا األعيان ؛ ألنه لما انتسب الظهور إلى األعيان الكثيرة
االعتبار ،تكثرت النسب ،فتكثر الظاهر والتجلي الوحداني ،وهكذا لم يؤثر الحق في
األعيان بالكثرة الظاهرة ،بل لما انتسب الظهور بالتجلي اإللهي الوجودي إليها تكثرت
،فتلك النسبة شرط في إظهار الكثرة االعتبارية التي كانت فيها ال تأثيرا لها ،ثم
استدل على األمرين :أما على األول ،فبأن المرايا لو أثرت في التجليات ،لكان الحق
تعالى متأثرا عن غيره ؛ ألن التجلي األول الوحداني من مقام األلوهية ،ومن صفاته
وجوب الوجوب بالذات والوجوب بالذات مستحيل تأثره عن غيره ال بحسب الذات ،
وال بحسب صفاته الذاتية والواجبة ،فلو لم تكن الكثرة فيه ما ظهرت باألعيان أصال .
وأما على الثاني ؛ فألن األعيان لو تأثرت بالتجلي ،
فظهر ذلك تأثرا في شؤون الذات ؛ ألن األعيان قبل الظهور شؤون الحق ،فلو أثر
فيها التجلي لكان مؤثرا في شؤون الحق وشؤونه قديمة مندرجة في ذاته ،فال يؤثر
فيها الغير أصال ،بل ظهرت بنسبة التجلي الوحداني إليها ،فظهرت كثرتها االعتبارية
،وصارت حقيقة ،وإذا كان كذلك ،فال أثر لمرآة ما حقها أو خلقا من حيث هي مرآة
في حقيقة المنطبع ،بل في نسبة ما ،من النسب إال من حيث الشرطية المذكورة ،
مر بيانه من أنه إنما يكون حقيقيها أو أثر شيء في حقيقة آخروليس تأثيرا حقيقيها لما ه
وّللا أعلم .
من غير انضمام شرط ،ه
ولما كانت هذه المسائل على خالف المشهور
ّللا عنه [ :فافهم هذا النص وتدبره ، قال رضي ه
115
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 116عالء أحمد المهائمي
“ “ ١١٦
ومن نفائس العلوم بيان التجلي الذهاتي البرقي ،وكون التجليات في المظاهر ال يوجب
تقييدا في الظاهر ،ودوام تنزهه تعالى عن الحوادث مع ظهوره فيها ،وأن ال أثر
لشيء في آخر حتى يبطل التوحيد ،وأن آثار األشياء فيها من أنفسها وكمال اإلنسان
ومقتضاه من التجلي المذكور ،وزواله وفوائده ومعرفة األسرار المذكورة من معرفة
:وما أ َ ْم ُرنا إَ هال
ّللا وال شيء معه “ ،ومعرفة َ الوارث وسعة القلب ،ومعرفة “ كان ه
واح َدةٌ[ القمر ، ] 50 :
َ
ّللا عنه ( :وهذا هو ومعرفة مبدئية اإليجاد في زمان موجود .ثم قال الشيخ رضي ه
الحق اليقين ) الذي ال يحجب فيه الحق عن الخلق ،والخلق عند الحق إذ نسب أثر كل
ّللا ،وهو ليس بغيرهم والنص المبين إذا وصله إلى مقام البقاء شيء إليه وال أثر إال ه
ّللا تعالى وإلى للميز مع التوحيد الخالص ،ثم ذكر أن ما خالفه من نسبة اآلثار إلى ه
المخلوقات ليس خطأ محضا ،بل صوابا نسبيها ؛ ألن الفعل ليس إال للوجود لكن في
صورهم ،فالنسبة إلى أحدهما نسبة مطابقة للواقع من وجه دون وجه ،مع ورود
وّللا
الشبه فيه من الجانبين ،وهذا هو الحق الصريح المانع عن الشبه فال مرية فيه ،ه
المرشد إلى تحقيق هذا المقام الذي هو صواب على اإلطالق ؛ إذ يتحقق به الشرع
والقدر جميعا والهادي إلى فهمه وأتباعه بمنه وكرمه .
النص التاسع :
ّللا عنه [ :ومن النصوص الكلية نصوص ذكرتها في كتاب مفتاح غيب قال رضي ه
الجمع وتفصيله ،وفي غيره من الكتب التي أنشأتها ال بكالم أحد من الناس ،فإن ذلك
ّللا من ذلك وأغناني بهبته الخاصة العلية عن العواري ليس من دأبي ،وقد عصمني ه
الخارجية السفلية ،غير أنه لما اختص هذا الكتاب بذكر هذه النصوص ،وجب ذكر
تلك النصوص أيضا هنا ] .
لما فرغ عن بيان أنواع التجليات من حيث كونها في المظاهر وغيرها ،وأن المظاهر
ال أثر لها في الظاهر ،وال للظاهر فيها على وجه حقيقي ،بل على نوع من المجاز ،
شرع في بيان
116
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 117عالء أحمد المهائمي
“ “ ١١٧
أن التجليات ال تكون في غير المظاهر ،وأن أثرها المجازي ،فيما ذا يكون ،وجعلها
من النصوص الكلية من حيث أنهما قاعدتان تنطبقان على جميع جزئياتها ،وإن كانا
جزئين بالنسبة إلى ما تقدم .
ثم ذكرهما بلفظ الجمع على دأب أهل المعقول في استعمالها فيما فوق الواحد على أن
النص األخير في قوة نصين ،بل فيه فوائد كثيرة ،كل منها بمنزلة نص ،واعتذر عن
ذكرهما من أنهما ذكرا في سائر كتبه ومن دأبه أن ال يذكر ما هو مذكور مرة سواء
في كتبه أو كتب غيره ،بأن هذا الكتاب لما وضع شامال للنصوص ،ذكر فيه جميع ما
كان منها فيها بشروط كونها من كالمه ال من كالم غيره لما فيه من النقص من جهة
التعليل أو شبه ،وذكر أنه من العواري عن العيوب الخارجية ،أي الالحقة من الحجب
الطبيعية العارضة عند النزول إلى البشرية التي هي السفل المانعة عن خروج ما في
قوة النفس الناطقة من العلوم إلى الفعل ،وذكر أن عصمته منها بسبب الهيئات الخاصة
من التجليات المذكورة .
وقال “ :أغناني “ :إشعارا بأن الغني عن التعليل إنما هو بالهيئات الخاصة وإال فال
،بل من تقليد المشايخ .
أي :من جملة تلك النصوص ؛ إن كل ما هو سبب في وجود كثيرة وكثير ،أوردهما
معا ،ليشعر باستلزام كل منهما لآلخر من حيث الحقيقة ،وإن توهم االنفكاك فيما بعد
واحد بجهة أخرى :كاإلنسان الواحد ،فإنه من حيث الشمول كثير ووحدته باعتبار
اعتبر السببية في وجودهما ،إذ تعقلهما كما في العلم األزلي ال يحتاج إلى المظهر ،
فإنه من حيث هو ،سبب وجودهما ،قيد بذلك ؛ ألن الحق سبب وجودهما وقد يتجلى
بدون المظهر ،لكنه من حيث أنه سبب ،ال يمكن أن يتعين بظهور إال في منظور
قيدنا ؛ ألنه ال يمكن تعينه في ذاته بأنه سبب الكثرة ،لكن ال يظهر على التفصيل بدون
مرايا األسماء والصفات والعقول والنفوس وسائر المراتب .هذا في رؤية الحق تعالى
ذاته من حيث هو سبب الكثرة ،فإن الرؤية التفصيلية المقيدة بالكثرة الفعلية ال يمكن
بدون ذلك ،وإن أمكن رؤية كونه سبب وجود الكثرة بالقوة ،وكذا ال يمكن أن يبدو
لناظر من العباد من حيث أنه
117
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 118عالء أحمد المهائمي
“ “ ١١٨
سبب وجود الكثرة إال في منظور ؛ ألن تجليه تعالى في غير المظهر ال يكون إال مع
الفراغ التام ،وال يمكن مع رؤية الكثرة ،فافهم .
ّللا عنه [ :ومنها إن الشيء ال يصدر عنه ،وال يثمر ما يضاده ،وال ما قال رضي ه
يباينه على اختالف ضروب األثمار وأنواعه المعنوية والروحانية والمثالية والخيالية
والحسية والطبيعية ،وهذا عام في كل ما يسمى مصدرا لشيء أو أشياء ،أو أصال
مثمرا ،لكن إنما يكون له هذا الوصف باعتبار تعقله من حيث هو هو ،وباعتبار آخر
خفي ال يطالع عليه إال الندر من المحققين ] .
أي :من جملة تلك النصوص إن الشيء ال يصدر عنه قصدا وال يثمر إلى قصد ما
يضاده ،وهو ما بينهما غاية الخالف ،وال يباينه وهو ما بينهما مخالفة يمنع صدق
أحدهما على اآلخر مع اختالف ضروب ،أي :أجناس اإلثمار ،أي :األفعال اإللهية
،واختالف أنواع كل جنس منها المعنوية إلى المعاني المجردة والروحانية ،أي :
األرواح والنفوس والمثالية ،أي :المنطبعة في الخيال المنفصل ،والحسية أي :
األجسام وأوصافها والطبيعية ،أي :القوى الجسمانية ،وهذا ضابط عام في كل ما
يسمى مصدرا لشيء واحد ،كالمالئكة المخصوصة بأعمال أو أشياء كاإلنسان أو
أصال مثمرا كالعناصر والمولدات ،أعني المعدن والنبات والحيوان ،وذلك لوجوب
المناسبة بين الفاعل والمنفعل على ما تقرر في العلوم ،لكن إنما يكون له هذا الوصف
،أي كونه ال يصدر منه ما يضاده ،وال ما يباينه باعتبار تعقله من حيث هو هو ؛ ألن
المضادة والمباينة إنما تتحقق بالنسبة إليه ،إذا اعتبر وحده ،وأما مع الضميمة ،
فيجوز أن يحصل المناسبة بينهما بواسطتها ،ومن هنا اختلفت ضروب األثمار
وأنواعها .
ّللا عنه :أن هذا الوصف يكون له أيضا اعتبار آخر ،وال يطلع عليه
ثم ذكر رضي ه
إال النهدر من المحققين ،ولست منهم حتى أطلع عليه ،ولعله من حيث أن الضميمة قد
تكون أيضا مما يقتضي خالف ذلك الضد أو المثلين ،وذلك أن لكل شيء ربها خاصا ،
وله ظهور وتج هل أي :
وقت معين ،وال يتأتى منه خالف مربوبه الخاص ،فافهم ذلك “ .
ّللا عنه [ :ومتى توهم وقوع خالف ما ذكرنا ،فليس ذلك إال بشرط خارجقال رضي ه
عن ذات الشيء أو شروط وبحسبها وبحسب الهيئة المتعلقة الحاصلة من تلك الجمعية
أعني
118
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 119عالء أحمد المهائمي
“ “ ١١٩
وإنما وقعت هذه األمور المتضادة والمتباينة بحسب تلك الشروط الخارجية ،وبحسب
الهيئة المتعلقة قبل ذلك ؛ إشعارا بعدم اشتراط الهيئة المحسوسة الحاصلة من تلك
الجمعية الحقيقية الموصوفة المصدرية واإلثمار ،أي التي يعتقد المتعرض أنها هي
المصدر المثمرة مع الشروط الخارجية ،ومع االعتبارات الخارجية الالحقة بالذات ،
أو بالشرط وبسبب هذا االجتماع ،ومع األحكام المترتبة التي يتعين فيها ذلك االجتماع
،أي اجتماع الشروط مع الحقيقة ،إذ بذلك تصير مرتبة معينة ،ولها أحكام ،فالمؤثر
هو المجموع ،ولكل جزء جزء فيه أثر خاص ،إذ كل جزء من تلك األجزاء المادية
والصورية تعمل على شاكلته ،وفيه اقتباس مع االستدالل على المطلوب ،فيبعد بذلك
على األصل بعدا قريبا وبعيدا ،فافهم .
ّللا عنه [ :وال يثمر شيء وال يظهر عنه أيضا عينه وال ما يشابه مشابهةقال رضي ه
تامة ،فإنه يلزم من ذلك أن يكون الوجود قد حصل مرتين ،وظهر في حقيقة واحدة
ومرتبة واحدة على وجه واحد ونسق واحد ،وذلك تحصيل للحاصل ،وأنه محال
لخلوه عن الفائدة ،وكونه من قبيل العبث ،ويتعالى الفاعل الحق الحكيم العليم من فعل
العبث ،فال بد من اختالف ما بين األصول وثمراتها ] .
شرع فيما هو في معنى النص الثالث ،أي وكما ال يثمر وال يصدر عنه ما يضادهه وال
ما يباينه ،كذلك ال يثمر عينه ،وال مشابه من كل وجه حتى الحقيقة والمرتبة والوجه
والنسق ،والزمان والمكان وسائر العوارض.
...............................................................
) ( 1أي :خليقته وملكته الغالبة عليه من مقامه ،فمن كان مقامه النفس ،وشاكلته
مقتضى طباعها عمل ما ذكرنا من اإلعراض واليأس ،ومن كان مقامه القلب ،
وشاكلته السجية الفاضلة عمل بمقتضاها الشكر والصبر.
119
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 120عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٢٠
وإنما قال :أوال هنا ،وال يثمر إشعارا بأنه إذا لم يحصل من غير قصد ،فكيف من
القصد ،وإنما قال :وال يظهر ؛ دفعا لما يتوهم من أن المرآة يظهر فيها العين أو
المشابه من كل وجه ،ثم علل ذلك بأنه يلزم من ذلك أن يكون الوجود قد حصل ،ولما
لم يكن الوجود حادثا أصال لما بيناه عن وجوبه بالذات ،فسره بقوله :وظهر ،وإنما
أورد لفظ قد حصل ؛ ليناسب قوله :وذلك تحصيل الحاصل في حقيقة واحدة ،ومرتبة
واحدة على وجه واحد ونسق واحد ،وإنما ذكر هذه األمور ؛ ألن الحقيقة غير المرتبة
كما في الفرس والبقر في مرتبة واحدة وهي الحيوان مع اختالف حقيقتهما ،فإن
الفرس حيوان صاهل ،والبقر حيوان خائر ومعها غير الوجه ،فإنه باعتبار العوارض
والكل غير النسق ؛ ألنه باعتبار الهيئة المجموعية ،وذلك تحصيل للحاصل .
أما إذا أثمر عينه فظاهر ،وأما إذا أثمر المشابهة من كل وجه ؛ فألنه في معنى العين
ّللا عنه
،وإال لفارقه من حيث نفسه وشخصه ،وهو من بعض الوجوه ،فكأنه رضي ه
إنما ذكره دفعا للوهم ،وإال فهو في معنى العين أيضا .
ثم بيهن أنه محال لخلوه عن الفائدة ؛ ألنه ليس تحصيل الحاصل بالمعنى المشهور ؛
ألنه فسر الحصول بمعنى الظهور ،ال أنه فائدة فيه ،فظهوره تعالى لنفسه في نفسه
وما خال عن الفائدة فهو عبث ،وهو محال في فعل الحق ؛ ألن المبطل ال يبالي به
الحكيم ؛ ألن غيره قد يفعل ،العليم ألن غيره قد يفعله جهال ،وإذا كان كذلك ،فال بد
من االختالف ما بين األصول وثمراتها ،فافهم .
استدالل آخر على امتناع تحصيل الحاصل بمعنى الظهور ،فأظهر لوجهين آخرين :
أحدهما إن الممكنات غير متناهية على ما هو المشهور ،وكل يقتضي ظهورا ،فلو
تكرر الظهور ،زاد على غير المتناهي ،فلو قوبل كل ظهور بكل ممكن ،فإن لم
ينقطع الممكن قبل
120
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 121عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٢١
الظهور ،كان الناقص مثل الزائد ،وإن انقطع كان متناهيا ،وزيادة الظهور بقدر
منتهاه ،فينقطع أيضا ،فيكون غير المتناهي بل الزائد عليه متناهيا ،وهذا هو برهان
التطبيق في امتناع التسلسل .
والثاني :إن الفيض من الحق تعالى واحد وال يظهر من الواحد في مرآة واحدة
ظهورين ،وإذا عرفت المقدمتان وسلمنا ،فال تكرار في الوجود .
ولهذا قال المحققون ،ومنهم أبو طالب المكي وأتباعه :إن الحق سبحانه وتعالى ما
تجلى في صورة واحدة لشخص واحد مرتين ،وإال لتعدد الفيض ضرورة ظهوره
ظهورين في مرآة واحدة في حالة واحدة ،والشيء الواحد ال يتعدد ظهوره في مرآة
واحدة في حالة واحدة ،وال لشخصين أيضا في صورة واحدة ،ولما كانت الممكنات
متناهية على نهج الجواز ،لكن عدم تناهيها واجب ؛ وذلك ألنه يجوز حينئذ أن يكون
الشخص الثاني تكرار الشخص األول ،وهكذا بالنسبة إلى الممكنات ،وما لم يظهر
ليس بممكن أن يظهر بالنسبة إلى العلم القديم ،فتكون الممكنات متناهية ،لكن هذا
الدليل إقناعي كما هو دأب المشايخ ،وإذا كان كذلك فال ب هد من فارق بين التجليين من
وجه ،وأقله التعدد ،أو وجوه باختالف الذاتيات أو العوارض أو المجموع ،وإذ امتنع
التكرار بالنسبة إلى الممكنات بعضها إلى بعض ،فبالنسبة إلى الحق ما يظهر منه
أولي ،فافهم هذا المقام ؛ لتعلم أن التجليات غير متناهية وغير مشابهة بعضها لبعض ،
وّللا المرشد
وأن الحق ال يشبه شيئا مما تجلى فيها ،وتعلم اختالف كشوف المشايخ ،ه
لك إلى معرفتها “ . “ 1
121
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 122عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٢٢
اعلم أن الصفات واألسماء واألحكام الناشئة منهما ال تطلق عليه ،أي ال يحمل عليه
حمل المواطأة ،وال ينسب إليه حمل االشتقاق إال من حيث التعينات تكون بحسبها
الصفات واألسماء واألحكام .
ّللا عنه ترتبها ؛ ليستدل بذلك على قلة الوسائط وكثرتها ،فقال :ولما ثم بيهن رضي ه
استبان ،أي ظهر بالبديهة والوجدان أن كل كثرة سواء كانت وجودية ،أي موجودة
في الخارج أو متعلقة ،أي موجودة في الذهن ،يجب أن تكون مسبوقة بوحدة ،فيكون
لكثرة التعينات وحدة تعين سابق عليها ،فلزم أن تكون التعينات التي هي مبادئ إضافة
األسماء والصفات واألحكام إليه ،مسبوقة بتعين هو مبدأ جميع التعينات ومحتدها ،
وإن سمي ذلك التعين بالمبدأ لعدم التميز هناك بين المبدأ والمبدأ .
وإنما قلنا ،هو أصل الجميع ومبدؤها ،بمعنى أنه ليس وراء اإلطالق الصرف ،ولما
كان سلبيها يستلزم سلب األوصاف وأحكام التعينات ،وما عطف عليه ،فال يمكن جعله
مبدأ لها ،وإذا ترتبت التعينات ترتيب األسماء والصفات ؛ ألنها فروعها .
وإنما قال :وعدم التقيد والحصر في وصف أو اسم أو تعين أو غير ذلك لما يتوهم
للمحجوبين من أن في اإلطالق تكون هذه األمور غير مرتبة ،فال واسطة تكون بين
اإلطالق واألشياء .
ّللا عليه [ :ثم إن لذوي العقول السليمة ،وإن عدموا الكشف الصحيح أن
قال رضوان ه
يعتبروا الصفات واألسماء التالية ،فإن تعذر عليهم تعقل أسماء وصفات وراء
122
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 123عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٢٣
ما تصورت ،وانتهت إليه إدراكاتهم العقلية ،فتلك األسماء الذات بالنسبة إليهم ويستدل
بحقائقها في طور العقل النظري حال الحجاب ؛ لشمول حكمها وتبعية غيرها من
الصفات واألسماء لها وتوقف تعين ما بعدها عليها ]
.
إرشاد للمحجوبين من المتكلمين حيث أنكروا ترتب األسماء التالية وهي صفات األفعال
،وقد قال الشيخ أبو الحسن األشعري :إنها نسب حادثة مترتبة على الصفات القديمة ،
ثم إن تعذر عليهم تعقل أسماء وصفات وراء ما تصوره ،وقالوا بعدم كلها حتى
صفات األفعال كالحنفية .
فنقول :ما هو المقدم هي صفات الذات بالنسبة إلى صفات األفعال ،ويستدل على ذلك
بشمول حكم صفات الذات للكل وتبعية غيرها من صفات األفعال .إذ يتوقف تعين ما
بعد صفات الذات من صفات األفعال عليها بحسب مقتضى حقائقها ،فإن حقائقها تدل
على أن بعضها متبوعة شاملة ،فيتوقف الباقي عليها وبعضها بخالفه داللة يفهمها من
في طور العقل النظري هو الحجاب .
وقيد بذلك أفعال الكشف فال يحتاج إلى ذلك ،وقوله عطف تفسيري ،للتبعية وهذه
التبعية والتوقف ليس بالزمان ،فإن جميعها قديمة أزلية بمعنى أنها غير مسبوقة بالعدم
،لكن ترتيبها بحسب احتياجها إلى ما قبلها ،وهو الحدوث الذاتي الذي ال يقول به
المتكلمون ،فافهم .
ّللا عنه [ :فالعطايا اإللهية الذاتية واألسمائية يعرف من هذه القاعدة ،
قال رضي ه
بمعنى أن كل عطاء وخير يصل من الحق إلى الخلق ،إما أن يكون عطاء ذاتيها أو
أسمائيها أو أن يكون مجموعا من الذات واألسماء ]
.
شروع في المقصود ،وجعل العطايا كلها إلهية ؛ ألنها ال تتعلق بالذات المطلقة ،
وفسرها بالخيرات الواصلة من الحق إلى الخلق ،فاحترز بالخيرات عن الشر المحض
،فإنه على تقدير وقوعه ال يسمى عطاء ،وكذا الواصل من ذات الحق إلى صفاته أو
إلى األعيان الثابتة ال يسمى بذلك ؛ ألن العطاء يشعر بسبق العدم .
سم العطايا أوال إلى الذاتية واألسمائية باعتبار أن كل عطاء مبدؤه الذات ،من
وق ه
اعتبار اسم معين قيدنا بذلك إذ ال ب هد من الواسطة ؛ ألن الذات من حيث هي غنية عن
123
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 124عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٢٤
العالمين ،عطاء ذاتي ،وباعتبار اسم معين عطاء رسمي ،ثم إلى ثالثة أقسام باعتبار
أن ما يغلب فيه جهة الوجوب ،فعطاء ذاتي ،وما يغلب فيه جهة اإلمكان ،فعطاء
رسمي ،وما فيه الجهتان على التساوي أو قريبا فيه ،فعطاء مجموعي حاصل من
مجموع الذات واألسماء ،فافهم " .
ّللا عنه [ :فأما العطايا الذاتية فال حساب عليها وال ينضبط تعيناتها بعدد ،
قال رضي ه
وال ينحصر فيه .وأما العطايا األسمائية والمنسوبة إلى الذات واألسماء جميعا ،فال
يخلو إما أن تكون نسبتها إلى حضرة الذات أقوى وأتم من نسبتها إلى حضرة األسماء
والصفات ،أو بالعكس ،فإن غلبت نسبتها إلى حضرة األسماء والصفات أو بالعكس ،
فإن غلبت نسبتها إلى األسماء والصفات على نسبتها إلى الذات ،وقع الحساب عليها
إما عسيرا أو يسيرا بحسب الغلبة والمغلوبية الواقعة هناك ،وهنا سر كبير ال يمكن
إفشاؤه وإن كانت نتيجة الغلبة والمغلوبية قوة نسبة تلك العطايا إلى حضرة الذات ،
فذلك الذي ال حساب عليه ؛ ألن العطاء الذاتي ،وما قويت نسبته إليها ال يصدر وال
يقبل إال بمناسبة ذاتية ،فال موجب لها غير تلك المناسبة ] .
شروع فيما يترتب على هذه العطايا ،فأما العطايا الذاتية بالمعنيين فال حساب عليها ،
لما يأتي أن صدورها وقبولها لمناسبة ذاتية ،وال ينضبط تعيناتها إلى أنواعها
وأوصافها بعدد ال ينحصر من حيث اإلفراد فيه :كتجليات الذات ال تتناهى ،وذلك
لقوة المناسبة بينهما .
ثم قال “ :وأما العطايا األسمائية “ ،أي التي غلب فيها جهة اإلمكان والمنسوبة إلى
الذات واألسماء ،استوت فيها الجهتان أو قريبا من االستواء :فال يخلو إما أن تكون
نسبتها إلى حضرة الذات بالمعين األول إلى عدم اعتبار اسم معين أقوى وأتم أولى ،
فإن غلب نسبتها إلى األسماء والصفات باعتبار تعيناتها وقع الحساب عليها باعتبار
األفراد والدوام وعدمها ؛ ألن لسلطنة كل اسم حدا معلوما من المربوبات واألوقات ،
وينقسم ذلك الحساب إلى عسير وهو الموجب للعذاب ،ويسير وهو الموجب للثواب .
ُ
ب َحسابا ً يَ َسيرا ً ( َ ) 8ويَ ْنقَ َل ُ
ب س ُ
ف يُحا َ
س ْو َ قال تعالى :فَأ َ هما َم ْن أوتَ َ
ي َكتابَهُ َبيَ َمينَ َه ) ( 7فَ َ
س ُروراً( [ ) 9االنشقاق . ] 9 ، 8 ، 7 : َإلى أ َ ْه َل َه َم ْ
ثم قال :بحسب الغلبة والمغلوبية نفيا لزعم من يتوهم أن بعض األسماء يقتضي
124
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 125عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٢٥
الحساب دون البعض ،فأكد لتيقنه ،وقال سرا كبيرا ال يمكن إفشاؤه ،وقرر ذلك أن
األسماء راجعة إلى الذات ،فالحساب وإن عسر لبعض األسماء رجع إلى ما ال حساب
فيه ،وهو الرحمة وإن كانت في صورة العذاب ؛ وذلك ألن العذاب لما كان حكمه ففيه
مناسبة عقلية ألفعالهم ،وفيه من كمال الحكمة ما يلتذ به من حيث العقل ،وإن كان
يتألم من حيث الطبع .
ولعل العقل يغلب عليهم في اآلخرة على الطبع ،على أن تجليات أهل العذاب ال ب هد
وأن تكون أسمائية ،فال ب هد من انتهاء عذابهم بوجه من الوجوه ،وهو ما ذكرناه ،وقد
ّللا عنه ،وقد مر بحث هذه النسبة لكثرتها في صرح بذلك الشيخ محيي الدين رضي ه
الواقع ،وإن كانت نتيجته أي أثر ما وقع من الغلبة والمغلوبية قوة نسبة تلك العطايا
إلى حضرة الذات ،وأورد هذه العبارة إشعارا بلزوم لزوم النتيجة للقياس الصحيح
بخالف النسبة إلى األسماء ،فإنها غير الزمة لجواز تبدلها .
فذلك الذي عليه أورد بصيغة الحصر إشعارا بانحصار عدم الحساب في هذا القسم من
بين القسمين ،ولو أورد هذه الصيغة في هذه العطايا الذاتية ؛ ألوهم وجوب الحساب
فيما سواه حتى هذا القسم .
ثم علل عدم الحساب في الموضعين بقوله “ :ألن العطايا الذاتية “ ،أي :المذكورة
أوال ،وما قويت نسبة إليها ،وهذا هو القسم األخير ،ال يصدر من الفاعل ،وال يقبل
من جهة القابل إال لمناسبة ذاتية فيهما ،وبالذات ال يزول أبدا وال يتوقف ،لكنه يختص
بالرحمة ؛ ألن نسبة الرحمة إلى الذات أسبق من نسبة الغضب ،ولما كان في القسم
األخير جهة األسماء ظاهرة ،فأوهم أنه من جهة الذات ال حساب فيه ،ومن جهة
األسماء فيه حساب يفي ذلك بأنه ال موجب لها غير تلك المناسبة المغلوبة ال أثر لها ،
فافهم “ .
ّللاُ
:و هّللا عنه [ :ومن لم يعرف هذا األصل ،لم يعلم حقيقة قوله تعالى َ قال رضي ه
ب[ البقرة ، ] 212 : يَ ْر ُز ُق َم ْن يَشا ُء بَغَي َْر َحسا ٍ
ب [ص ، ] 39 :ونحو ذلك امنُ ْن أ َ ْو أ َ ْم َس ْك َبغَي َْر َحسا ٍ
عطاؤُنا فَ ْوال سر قوله تعالى :هذا َ
ّللا
مما تكرر ذكره في الكتاب العزيز ،وفي األحاديث النبوية أيضا مثل قوله صلى ه
عليه وسلم “ :أنه يدخل الجنة من أمته سبعون ألفا بغير حساب
125
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 126عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٢٦
وهو عال في دنوه دان في علوه ،وكذا المشيئة فوق اإلرادة ،فلها نسبتها إلى الذات
أيضا .ومعنى قوله :بغير حساب حصوال وتوقيتا ،وال يعلم سر قوله تعالى :هذا
عطاؤُنا[ ص ، ] 39 :أي :عطاء ذاتي ال يترتب عليه تكليف وال جزاء حتى من جهة َ
اإلرشاد الذي يرد ألجله الكمل من الحق إلى الخلق ،فامنن بتعليم من شئت أو أمسكه ،
فإنه بغير حساب ،فلذا أ ه
خره .
وإنما قال :أوال حقيقة إشعارا بأنه مستقر في القلوب ؛ لتعلقه باألسماء الظاهرة ،وثانيا
وسرا إشعارا بأنه متعلق بالذات التي هي أعظم األسرار الغيبية .
ثم قال :وفي األحاديث النبوية أيضا أن ال حساب على هذين القسمين من العطايا ،أي
المنسوبة إلى الذات وحدها وما غلب نسبتها إلى الذات .
فالقسم األول :سبعون ألفا ،واإلشارة إلى ذلك في الحديث أنهم متبوعون .
ّللا عليه وسلم “ :ومع كل ألف سبعون والقسم الثاني :وما أشار إليهم بقوله صلى ه
ألفا “ “ ، “ 2هؤالء أصحاب العطايا األسمائية ،غير أن نسبتهم إلى الحضرة
الذاتية أقوى من جهة غلبة جهة الوجوب.
...........................................................
) ( 1رواه الترمذي ( ، ) 626 / 4وابن ماجة ( ، ) 1433 / 2وأحمد ( 5 /
268 ) .
) ( 2تقدم في سابقه.
126
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 127عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٢٧
ولعل السر في العدد األول أنهم على عدد الحجب اإللهية ،وفي الثاني أن كل ألف
استتبع العدد المذكور ؛ ألن بهذا االجتماع إلى عدد األلف تكون المناسبة في الغاية ،
فتجعل أصحاب المناسبة االسمية مع قوتها تابعة لها ،وأشار بقوله :ولهذا تبعوا
أصحاب المناسبة الذاتية ،إلى أن الحكم للغالب حتى إنه شاركهم في أحوالهم كلها ؛
وذلك ألن التابع قد يبلغ بالتبعية ما ال يبلغ باالستقالل ،فلذلك قال :فاعلم ذلك .
ّللا عنه [ :وإذ قد ذكرنا أقسام العطايا وأحكامها ،فلنذكر أقسام القابلين لها
قال رضي ه
فإنهم في أخذهم على طبقات يتعدد بحسب سؤاالتهم االستعدادية أو الحلية أو المرتبية
أو الروحانية أو الطبيعية المزاجية أو الطبيعية العرضية التي يترجم عنها لسان الطالب
القابل ] .
لما فرغ عن أقسام العطايا ،أي الذاتية واألسمائية والمنسوبة إليهما وما يترتب عليهما
،ذكر أقسام القابلين لتلك األقسام ،لكونهم في قبولها على طبقات متفاوتة ،فانقسمت
ّللا عنه أن طبقاتهم تتعدد بحسب سؤاالتهم . العطايا بأقسامهم أيضا ،وبين رضي ه
الطبقة األولى :السؤاالت الحالية ،والحال القابلة الفائضة االستعدادية ،إذ هو القابلية
الفائضة بالفيض األقدس على الشأن اإللهي .
الثانية :السؤاالت المقدسة عن األعيان الثابتة .
الثالثة :السؤاالت المرتبة ما يعم كل مرتبة من مراتب النزول .
الرابعة :السؤاالت المختصة ببعض المراتب كالروحانية ،أي المنسوبة إلى الروح ،
وما يناسبه من القلب والنفس ،وكالطبيعية المزاجية المتعلقة بالبدن من حيث تركيبه
من العناصر ،وكالطبيعة العرضية ،أي العارضة بحسب الدواعي الحاصلة من القوة
الجسمانية .
وهذه السؤاالت الناشئة من الطبيعة هي التي ترجم عنها ،أي باأللفاظ الدالة عليها بعد
استقرارها في القلب بلسان الطالب ،وفيه إشعار بأن الداعي إنما يستجاب له ،إذا كان
ّللا تعالى بالمعرفة التامة والمطاوعة الكاملة القابلة ،إذ سؤال ما ال يمكن ،
طالبا من ه
ال يفيد اإلجابة كسؤال النبوة في هذا الزمان ،وأما السؤاالت المتقدمة فليست مما يتلفظ
بها
127
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 128عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٢٨
يعني :إن في كل قسم من األقسام اآلخذين بحسب سؤاالتهم المذكورة تفاوتا آخر ،
فأعلى مراتب القابلين سواء قبله بسؤال االستعداد أو الحال أو غيرهما في قبولهم قيد
بذلك :إما بحسب السؤال قدر لما يرد عليهم من فيض الحق وحدهم ؛ ألنه في األصل
واحد ،ومن عطاياه المفصلة لذلك الفيض ،أوردهما معا ؛ ليشعر بأن رؤيتهم وجهه
تعالى في اإلجمال والتفصيل على نهج واحد رؤية وجه الحق في الشروط واألسباب .
والشرط ما يتوقف الشيء من غير تأثير فيه ،والسبب ما يتوقف عليه مع التأثير
ذكرهما يشعر برؤية وجهه فيما يؤثر ،وما ال يؤثر المسماة بالوسائط ؛ لتوسطها بين
الفيض األول والقابل ،وبسلسلة الترتيب أي ترتيب الموجودات الفائضة في األلوهية
إلى
...............................................................
) ( 1فائدة :قال سيدنا الشعراني :أن الحق لما أحب الظهور من ذاته لذاته بمقتضى
ذاته قسم صفات ذاته قسمين من غير تعدد في العين ،فسمى أحد القسمين بالواجب
والقديم والرب والفاعل ،وسمى القسم الثاني بالممكن والمحدث والعبد والمنفعل ،فأول
ما ظهر من ذلك القسم الثاني محل حكمي سماه بالهيولي والقبولي .
قال الشيخ األكبر :ولوال أن القسم الثاني عينه ونسخته لما صح العبد التخلق باألسماء
والصفات ،فأنت الحي وأنت العليم ،وأنت القدير وأنت المريد ،وأنت السميع وأنت
البصير ،وأنت المتكلم ،وهذه السبعة هي أمهات الكمال وأئمة األسماء والصفات ،
وقد سميت بها ظاهرا ،وأطال في ذلك فمن وجد فهما فليوضحه ،وإال فليضرب عليه
،وإنما أثبته لك هنا ؛ ألنه كالم مائل للتوحيد المجرد ،وقوله :فللحقيقة دقائق ،المراد
بالحقيقة هنا :الحقيقة اإللهية والدقائق هي المعاني الكمالية التي هي أعيان األسماء
والصفات المظهرة لحقائقها في ذوات الموجودات على سائر النعوت والنسب
واإلضافات واالعتبارات ،فهي هوية شيء واحد من كل الوجوه بالذات [ .مختصر
الفتوحات المكية ] تحت قيد التحقيق والطبع.
128
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 129عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٢٩
اإلنسانية .
وذكر هذين االسمين ،ليشعر بعمومهما األسباب والشرائط ،غير اختصاص الوسائط
بالشرائط ؛ ألن السبب القريب واسطة بين المؤثر الحقيقي والقابل ،فكيف للبعيد ،
والختصاص سلسلة الترتيب باألسباب ،إذ الشرائط لم تدخل في سلسلة المؤثرات لكنها
داخلة في سلسلة الموجودات المرتبة ،فيرى في الكل وجه الحق بحيث يعلم األخذ إن
كان من أهل العلم ،ويشهد إن كان من أهل العين ،إن الوسائط النسبية خاص ذكرها ؛
ألن هذه المؤثرات إذا كانت عين الحق مع ظهور استقاللها ،ال تقوم بذاته ،فغير
المؤثرة أولى أن ال تستقل بل تقوم ،وليستا بالحق غير تعينات الحق في المراتب
اإللهية كاألسماء والصفات ،والكونية كالنار والماء في اإلحراق واإلغراق على
سة بعضها ،ال يوجب اختالف ضروب األسباب والشرائط ،ذكر ذلك ليشعر أن خ ه
كونه غير تعينه لعلو جنابه ،أو ال يقال لو كان الكل تعيناته لتساوت بأن تقاربت ،فهذا
التفاوت إنما هو من النسب واالعتبارات ،وكونها عين تعينات الحق ،يتوقف على
مقدمتين :
األولى :أنه ليس شيء بين فيض الحق المعنوي األول قيد به ؛ ألنه المحجوب يتوهم
أن بينه وبين القابل المحسوس وسائط كثيرة هي غير ذلك الفيض ،وال يتوهم بين
الفيض الحسي وبين القابل واسطة ،ولو لم يذكره ربما يتوهم أن المراد هو الفيض
الحسي ،فال يتم التقريب من أن الوسائط عين الفيض المعنوي ،وبين القابل من
األمور الحسية إال نفس تعين الفيض األول بالقابلة المقيدة بمرتبة إلهية أو كونية ،وال
ينضم إلى ذلك الفيض المعنوي حكم إمكاني حتى يكون المجموع من الفيض والحكم
واسطة بين الفيض المعنوي والقابل ،وذلك الحكم اإلمكاني هو الذي يقتضيه ويوجبه .
إنما ذكر هما ؛ ليعلم أنه سواء كان باالختيار أو اإليجاب ،أثر مرور الفيض على
مراتب الوسائط ،وإنما ذكر األثر ؛ لئال يتوهم كون المرور يوجب حكما إمكانيها في
الفيض وإن لم يؤثر فيه ،وليس كذلك ؛ ألن حكم الشيء هو األثر الثابت ،وذلك األثر
هو انصباغ الفيض بأحكام إمكانات الوسائط ،ويدل على أن الفيض لم ينضم إليه
مر عليها ؛ ألن أحكام إمكانات الوسائط قائمة بالوسائط ،
أحكام إمكانات الوسائط التي ه
والعرض الواحد ال يقوم بسببين.
129
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 130عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٣٠
نعم حصل لذلك الفيض بالمرور عليها تعين ،فالوسائط تعينات الفيض ،هذه مقدمة
ّللا عنه :
واألخرى أن تعينات الفيض هي تعينات الحق وبيانها ،بما قال الشيخ رضي ه
[ويرى الفيض أنه تج هل من تجليات باطن الحق ،فإن تعددات التعينات التي لحقته ،
هي أحكام االسم الظاهر من حيث أن ظاهر الحق مجلي لباطنه ،فأحكام الظهور تعدد
مطلق وحدة البطون ،وتلك األحكام هي المسماة بالقوابل ،وهي صور الشؤون ليس
وّللا يقول الحق ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم] .غيرها ،فافهم ه
بيان لكون تعينات الفيض ،هي تعينات الحق ،بأن يرى الفيض تجليا من تجليات
باطن الحق ،قيد بذلك ؛ ألن له تجليات كثيرة من جهة الظاهر ،ويدل على كونه من
تجليات الباطن ،أنه لحقه التعدد ،فإن الفيض يتكثر بتكثر القوابل ،والتعددات من
أحكام االسم الظاهر ،فالفيض هو االسم الظاهر ،والفيض تج هل من تجليات الحق
بالحق ،من حيث أنه ظاهر الحق مجلي لباطنه بأحكام الظهور بعدد مطلق وحدة
البطون إلى الوحدة التي كانت للباطن ،وهذه مطلقة ال في مقابلة الكثرة ،بل مشتملة
على الكثرة .
فأحكام االسم الظاهر أظهرت تلك بالكثرة منها ،وتلك األحكام االسم الظاهر هي
المسماة بالقوابل وهي األعيان الثابتة ،واألعيان الثابتة صور شؤون الحق ،فتلك
األحكام في االسم الظاهر ،صور شؤون الحق التي هي أحكام االسم الباطن ،وصور
الشيء تعيناته فهي تعينات الحق ،فالوسائط هي عين تعيناته ،وليس غيرها بطريق
األولى ،فافهم .
ّللا يقول
هذا هو ما يمكن استنباطه من العبارة الدالة على التوحيد على وجه الكشف ،و ه
الحق الذي هو عين التوحيد الذي ال كثرة فيه أصال ،وإال فالعبارة ال ب هد وأن تدل على
التوحيد الذي هو المصدر والموحد اسم الفاعل والموحد اسم المفعول وعلى المبتدأ
والخبر ،ويهدي من يشاء من عباده إلى صراط مستقيم من التوحيد الذوقي الذي ال
يمكن العبارة عنه ،وإنما يقابله بالمشيئة ؛ ألنه فوق اإلرادة ولعله محض الهداية ،أي
ال مدخل فيها للكسب ،إذ ال مدخل لألدلة العقلية والنقلية هناك ،وجعله الصراط
ّللا تعالى عما يشركون.
المستقيم ؛ ألن ما دونه ال يخلو عن دعوى مشاركة مع ه
130
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 131عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٣١
الميزان اسم لما يمكن أن يعرف به مقدار الشيء في الثقل والخفة ،والبرهان اسم
للقياس المركب من األقيسة على هيئة منتجة ،واستعير للقاعدة المذكورة إشعارا بأنها
ال تحتمل الزيادة والنقصان والتشكيك ،ووصف الميزان بالتام ؛ ألن الناقص ال يدل
على المقدار بحيث ال يحتمل الزيادة والنقصان وبالصريح ؛ ألن من الميزان ما ال
يعرف كونه على وجه الكمال والصحة ،بل يكون أمره مشتبها ،فبيهن أنه ال نقصان
فيه وال اشتباه ،وإن كان ببعض البديهيات يحتمل التشكيك بحسب العبارة ،وإن لم
يحصل به الشك في قلب السامع كشبهات السوفسطائية والسفيه في البديهيات
والنظريات.
131
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 132عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٣٢
ووصف البرهان بالذوقي ؛ ليشعر بأن مقدماته وإن لم تكن محسوسة فهي محدوسة ،
ولما كان في الحدس احتمال اشتباه ،وصفه بالمحقق ،ولما كان في المغالطات ما
يشبه البرهان ،وصفه بالصحيح .
وإنما بالغ هذه المبالغة في تشبيه القاعدة المذكورة بالميزان والبرهان ،لما ذكرنا من
كثرة الداعين مع قلة اإلجابة حتى توهم من ذلك أنه ال يمكن ضبط ما يفيد معرفة محل
اإلجابة .
وإنما قال هنا :في معرفة متى يكون العبد من المطيعين لربه ،وقد قال :أوال في
معرفة المطاوعة واإلجابة اإللهيين ؛ ألن إطاعة العبد ملزومة لطاعة الحق ،
والمطلوب إثبات الالزم ،فذكر أوال ما هو المطلوب ،وثانيا قدم ذكر وجود الملزوم
ليدل على وجود الالزم ،ولم يفعل ذلك في اإلجابة ؛ ألنها ليست ملزومة للمعرفة ،إذ
قد يحصل بدونها عند االضطرار ،فأبقاها على المنهج األول وقيد اإلجابة بكونها في
عين ما يسأله ؛ ألن اإلجابة المطلقة حاصلة لكل معين إما بالقول ،وهو لبيك عبدي ،
وإما بالفعل مؤخرا ومفوضا عن المسؤول عنه في الحال ،أو مؤخرا وجعل سبب
اإلجابة صحة المعرفة ،وسبب المطاوعة اإللهية كمال مطاوعة العبد على اللف
والنشر المشوش .
وإنما جعل كذلك ؛ ألن مرتبة المطاوعة أعظم ،فقدمها أوال ،واإلجابة بالنسبة إليها
كالمفرد من المركب ،فقدمه ثانيا .
ولما كان في العبارة هاهنا نوع اشتباه فصله ،فقال :فاألصح معرفة بالحق ،ولما
كانت المعرفة تستعمل في التعقل غالبا ،فسرها بقوله “ :واألصح تصورا له “ ،
وإنما أورد هما ؛ لئال يتوهم من التصور أنه له تعالى صورة يتقيد فيها ،تكون اإلجابة
اإللهية في عين ما سأل فيه أسرع ،وذلك بأن يراه في كل شيء غير انحصار ،وال
حلول فيها وال اتحاد بها ،واألتم مراقبة ألوامر الحق بأن ينظر على عباراته وإشاراته
،ويأخذ باألحوط والعزائم منها ،والنواهي داخلة ؛ ألن المنهيات تركها مأمور
ومبادرة إليها بالفعل كمال المطاوعة بأن يكون على االجتهاد الكامل يكون مطاوعة
الحق له أيضا أتم من مطاوعته سبحانه لغيره من العبيد ،سواء كانوا أعداءه ،فلم يكن
الحق مطيعا لهم أصال .
132
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 133عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٣٣
فلهذا يحرم من هذا شأنه اإلجابة في عين ما سأل فيه ،أو يتأخر عنه أعني اإلجابة ،
استدل بالواقع ،ثم بالنص القرآني على القاعدة المذكورة ،أي وألجل أن كمال المعرفة
موجبة لْلجابة وكمال المطاوعة موجبة للمطاوعة ،وكان مقتضى حال األكابر من
ّللا أن أكثر أدعيتهم مستجابة .
أهل ه
إنما جاء بلفظ األكثر ؛ ألنه المعلوم قطعا ،ولم يعلم باالستقراء التام استجابة جميع
أدعيتهم حتى يتم االستدالل باالستقراء التام ،بل هو استدالل باالستقراء الناقص ،ثم
باّلل والتصور له ، أشار إلى وجه االستدالل بقوله لكمال المطاوعة ،وهو المعرفة ه
أي :
الستجماعهم شرط اإلجابة مع شروط المطاوعة التي هي أزيد من اإلجابة ،وكيف ال
يحصل لهم ،وإنما قدم المطاوعة هنا ؛ لينبه على أن كمال المعرفة إنما يتم بها ،
وأعاد قوله والتصور ؛ لئال يتوهم أن المراد إدراكهم إياه من جهة صفاته كما يشعر به
المعرفة .ولما كان االستدالل باالستقراء الناقص ناقص الداللة ،استدل بالنص
عو َني أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم [ غافر ، ] 60 :
القرآني هو قوله عز من قائل :ا ْد ُ
وجه االستدالل أن منطوقه يدل على أن من توجه إليه بالتصور الصحيح ،إجابة الحق
من غير شرط آخر ،وقد دل بمفهوم المخالفة أن عدم المعرفة الصحيحة ،وهي
المعرفة الشهودية أي :التي يشهد بها الحق في كل شيء من غير تقيد بها ،وال حلول
عونَي أ َ ْست َ َجبْ
فيها ،وال اتحاد معا ليس بداعي الحق ،فال يلزمه المضمونة ،بقوله :ا ْد ُ
لَ ُك ْم [غافر ، “ 1 “ ] 60 :وإنما أعاده ؛ ألنه قد يستجاب المضطر
......................................................................
) ( 1أي :ادعوني في زمان الدعاء الذي جعلته خاصا إلجابة الدعوة ،فادعوني في
تلك األوقات ،أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم؛ فإن وقوع اإلجابة فيها حقيقة بال شك ،ومن لم يعرف
أوقات الدعاء فدعاؤه ترك أدب ؛ فإن الدعاء في وقت االستغفار من قلة معرفة
المقامات ،فإن السلطان إذا كان غضبانا ال
133
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 134عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٣٤
ثم ذكر أن هذه الصورة هي حاصلة من نظره الفكري ،أو من خياله ،أو حاصلة من
خيال غيره أو نظره ،وقدم النظر في حقه وعكس في حق الغير ؛ ألن من حق طالب
الحق أن يقدم نظره الفكري ،فينظر فيما يليق به وما ال يليق به ،والمقلهد إنما ينظر
إلى خيال الغير ثم على نظره ؛ ألنه لو نظر إلى نظره أوال لكان األولى أن ينظر إلى
نظر من هو أعلى منه ،لكن لغلبة الخيال عليه في خيال الغير ،ثم يستحسن نظره
الفاسد أو تشخصه تلك الصورة من خياله ونظره وخيال الغير ونظره ،بأن يليق لهما
،ثم يعتقد في ذلك ،فيتقوى بذلك اعتقاده الفاسد.
وإنما ذكر هذه الصورة الفاسدة ،لالحتراز عنها بكل حال ،ثم قال :فلهذا أي:
وألجل أنه ليس بداعي الحق بل هو متوجه إلى صورة خياله إلى آخره ،يحرم من هذا
شأنه اإلجابة في عين ما سأل ،بل يتعوض له بحس مقتضى تلك الصورة ،ووالية ما
يرى بها من األسماء اإللهية.
وإنما قال :أعني اإلجابة ؛ لئال يتوهم اإلجابة في عين ما سأل ،ويفهم منه أنه ال يخلو
عن إجابة ما ؛ ألنه داعي الحق بوجه من وجوهه.
ّللا عنه [ :ومتى أجيب مثل هذا ،فإنما سببه سر المعية اإللهية المقتضية قال رضي ه
عدم خلو شيء
......................................................
يسأل عنه ،وإذا كان مستبشرا فيكون زمانه زمان العطاء والفضل ،ومن عصى
السلطان ،ويسأل منه شيئا فيضرب عنقه ،ومن يطع السلطان ثم يسأل ؛ فإنه أجدر أن
عونَي في وقت غليان قلوبكم بالشوق إلى لقائي ،أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم يعطيه مأموله ،وأيضا ا ْد ُ
بكشف جمالي ،وأعطيكم مأمولكم
ّللا على رقة قلوبكم “ .وأيضا ادعوني بال ّللا عليه وسلم “ :ادعوا ه لذلك قال صلى ه
سؤال أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم بال محال ،فإنك إذا شوقت إلى جمالي تدعوني لنفسي ،فوجب من
حيث الكرم أن أجيب لك بنعت مرادك ،فإنك إذا سألت شيئا لم تدعني بل دعوت
مرادك .
عو َني بال غفلة ،أ َ ْ
ست َ َجبْ لَ ُك ْم بال مهلة. قال بعضهم :ا ْد ُ
134
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 135عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٣٥
عن الحق أو الجمعية التامة الحاصلة للمضطرين الموعود لهم باإلجابة لالستدعاء
االضطراري ،واالستعداد الحاصل به ،أي :باالضطرار] .
أي :ومتى أجيب في عين ما سأل من غير تأخير ،مثل هذا المتوجه في دعائه إلى
الصورة المشخصة في ذهنه ،فإنما سبب تلك اإلجابة في حقه أحد األمرين :أمر
سراية المعية اإللهية ،أي تعلق الصفات اإللهية وظهوراته بجميع الحقائق ،والصور
الكونية على ما أشار إليه بقوله تعالى َ :و ُه َو َمعَ ُك ْم أَيْنَ ما ُك ْنت ُ ْم [ الحديد .] 4 :
وإنما قال :سراية المعية اإللهية ؛ ألن الذات من حيث هي غنية عن العالمين ال تعلق
لها باألشياء من حيث هي ،وأشار باإللهية إلى أن تعلقها باعتبار الصفات ،وإن أوهم
قوله تعالى َ :و ُه َو َمعَ ُك ْم [ الحديد ، ] 4 :
ير [ الممتحنة : ّللاُ َبما ت َ ْع َملُونَ بَ َ
ص ٌ معية هوية بالذات إال أن ذلك الوهم مرفوع بقولهَ :و ه
،]3
وإنما كانت هذه السراية سبب اإلجابة ؛ ألنها مقتضية عدم خلق شيء عن الخلق ،إال
أنها ليست من األسباب الموجبة لْلجابة ؛ ألن الداعي ال يلتفت إليها من حيث أنها
مظهر ،بل من حيث أنها عين الحق.
فالصورة ذات وجهين :أحدهما يوجب اإلجابة ،واآلخر يمنعها ،فإذا تأكد أحدهما
بأمر خفي أجيب ،وإال فال.
أما جمعية الهمة جمعية تامة حاصلة للمضطرين من المحجوبين الموعود لهم باإلجابة
سو َء [ النمل ، ] 62 : ف ال ُّط هر َإذا َدعاهُ َويَ ْك َش ُ يب ْال ُم ْ
ض َ في قوله تعالى :أ َ هم ْن يُ َج ُ
وهو وإن توجه إلى الشخص المتخيل في ذهنه ،لكنه بمنزلة الداعي للحق باعتبار
معيته لذلك الشخص الذي في ذهنه مع ترجحه باالستدعاء االضطراري ال محل
الرحمة باالستعداد الحاصل له باالضطرار.
وإنما فسر الضمير في به باالضطرار ؛ لئال يتوهم عوده إلى استدعاء ،وهذا السبب
موجب لْلجابة ،فافهم.
ّللا عنه [ :وحال من هذا وصفه مخالف لحال ذي التصور الصحيحقال رضي ه
والمعرفة المحققة ،فإنه مستحضر الحق ،ومتوجه إليه استحضارا وتوجها محققا ،
وإن لم يكن ذلك من جميع الوجوه ،لكن يكفيه كونه متصورا ومستحضرا للحق في
توجهه ،ولو في بعض المراتب ،ومن حيثية بعض األسماء والصفات .وهذا حال
ّللا والحال
المتوسطين من أهل ه
135
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 136عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٣٦
المقدم ذكره حال المحجوبين ].
أي :وحال من هذا أي التوجه إلى الشخص المتخيل في الذهن وصفه ،وإن أجيب في
عين ما سأل من غير تأخير مخالف لحال ذي التصور الصحيح والمعرفة المحققة ،
فسر التصور الصحيح بالمعرفة أي المطابقة للواقع ؛ ليعلم أنه ال يتم بالتقييد ،بل ال ب هد
معه من الدليل القطعي :فكريها أو ذوقيها ،وإنما خالف حاله لحال ذي التصور الصحيح
؛ ألن ذا التصور الصحيح يستحضر الحق قبل الدعاء ،ثم يتوجه إليه استحضارا
محققا وتوجها محققا ،فهو مشاهد للحق متوجه إليه بحسب إجابته بمقتضى الوعد في
عو َني أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم [ غافر ، ] 60 :
قوله :ا ْد ُ
بخالف المستحضر صورة متخيلة في ذهنه والمتوجه إليها ،فإنه ال يجب إجابته أصال
؛ وإنما يجب إجابة ذي التصور الصحيح ،وإن لم يكن ذلك من جميع الوجوه من
الذات واألسماء والصفات وسائر المراتب واالعتبارات ،لكن يكفيه في وجوب اإلجابة
كونه متصورا للحق تصورا مطابقا في بعض المراتب مستحضرا للحق في توجهه إليه
في بعض المراتب.
ولما أوهم هذا إن بعض المحجوبين أيضا متوجه إلى الحق في بعض المراتب ،فسرها
بكونها من المراتب العالية الحاصلة من حيثيات بعض األسماء والصفات ،ال من
حيثية الصورة المستجلية فإنها مخلة بالمعرفة ،واستحضار بعض المراتب اإللهية ال
تخل بها ،وهذا التصور في بعض المراتب األسمائية والصفاتية حال المتوسطين من
ّللا ،فلهذا كثيرا ما يجابون في عين ما سألوا من غير تأخير ،وإن أخرت أو
أهل ه
بدلت ،باعتبار والية ذلك االسم وتقيده والحال المقدم ذكره ،وهو استحضار الصورة
المتخيلة في الذهن حال المحجوبين ،فال يجب لهم اإلجابة أصال ،وهو ال يعلم أن تلك
الصورة من مظاهر الحق بل يتوهم غيبتها ،فيبعد عن الحق والمتوسط يعلم أنه من
أسمائه فيقرب من الحق ،فيجب إجابته ،فافهم.
ّللا عنه [ :وأما الك همل واألفراد ،فإن توجههم إلى الحق ،تابع للتجلي
قال رضي ه
الذاتي المشار إليه الحاصل لهم والوقوف تحققهم بمقال الكمال على الفوز به ،فإنه
مثمر لهم معرفة تامة جامعة لحيثيات جميع األسماء والصفات والمراتب واالعتبارات
مع صحة تصور الحق من حيث تجليه الذاتي المشار إليه الحاصل لهم بالشهود األتم ،
فلهذا ال تتأخر عنهم اإلجابة ].
136
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 137عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٣٧
لما فرغ عن بيان حال المحجوب ،وأنه ال يجب إجابته إال أنه قد يجاب ألمر عارض
،وعن بيان حال المتوسطين ،فإنهم يجابون غالبا فيما سألوا من غير تأخير ؛ لكونهم
أصح تصورا أو أتم مطاوعة ،فأشار هنا إلى بيان أن تصورهم هو أصح ما يتصور
به الحق ،وإنما أخره إلى هنا لتوقفه على تحصيل مقام التوسط ،
فقال :فإن توجههم ،أي في أدعيتهم إلى الحق تابع للتجلي الذاتي المشار إليه أنه
التجلي االختصاصي المسمى البرقي ،ولما توقفت تبعية توجههم لهذا التجلي على
حصوله لهم ،أشار إليه بقوله :الحاصل ،
ثم استدل عليه بقوله :والموقوف تحققه بمقام الكمال على الفوز به ،ثم بين تبعية
توجههم لذلك التجلي مع عدم بقائه نفسين بأنه مثمر لهم معرفة تامة جامعة لحيثيات
جميع األسماء والصفات وسائر المراتب اإللهية والكونية وجميع االعتبارات ؛ ألن
النزول على التجلي الذاتي المشار إليه ،يكون إلى حضرة األسماء والصفات وسائر
المراتب واالعتبارات جميعا ،
وال يقتصر على ذلك بل يكون مع صحة تصور الحق الذي حصل لهم من حيث تجليه
الذاتي من غير المظاهر على ما أشير إليه ؛ ألنه قد حصل لهم بالشهود األتم فيبقى
ذلك التصور في أرواحهم وإن زال التجلي ،
فتكون معرفتهم وتصورهم للحق أتم وتوجههم بحسب استحضارهم للحق بذلك
المتصور الذي ال يحجبهم فيه الصفات عن الذات وال الذات عن الصفات وال سائر
األمور عنها :فلهذا ال تتأخر عنهم اإلجابة في عين ما سألوا وإنما لم يعده ؛ ألنه
مفهوم مما سبق إن عدم التأخير يدل عليه ؛ ألن تغيير المسؤول أشد من تأخيره في
عدم القبول ،
وقد أشار بقوله :بالشهود األتم أي :إن التصور إنما يزول إذا لم يكن الشهود كامال ،
وأما مع كماله فال ،وقد أشار بقوله :فلهذا ال يتأخر عنهم اإلجابة ؛ ألنهم سائلون
بجميع األلسنة ،والتأخر نوع إباء ،وال إباء مع السؤال بلسان الذات واألسماء ،فكيف
بألسنة الجميع.
137
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 138عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٣٨
ّللا روحه -سنين كثيرة في أمور ال وقد عاينت ذلك من شيخنا “ - “ 1قدس ه
ّللا عليه وسلم في بعض ّللا عنه أنه رأى النبي صلى هأحصيها ،وأخبرني رضي ه
ّللا أسرع إليك باإلجابة منك إليه بالدعاء .
وقائعه وأنه بشره ،وقال له :ه
دليل آخر على وجوب إجابتهم في عين ما سألوا من غير تأخير ،وهو إن الكمل من
ّللا من األفراد بالمشيئة السابقة ّللا تعالى ،ومن شاء ه
األقطاب أهل االطالع على إرادة ه
على اإلرادة ،ولذلك بين الضمير إذ ال يدخلون تحت اإلرادة المخصصة التي لألقطاب
لها ال يخصصون كل شيء بما يليق به أهل االطالع على اللوح المحفوظ الذي هو
النفس الكلية محل تفصيل رقوم األكوان ،
بل المقام القلمي الذي هو العقل األول محل رقومها إجماال ،بل وعلى العلم اإللهي
الذي هو ممدها ؛ وذلك ألنهم أهل التجلي الذاتي ،فال ب هد لهم من النزول إلى هذه
المراتب والمرور بها ،فيعرفون ما فيها ويطلعون عليها ،فيشعرون بالمقدر كونه ،
سرا َبي َل ت َ َقي ُك ُم ْال َح هر[ النحل :
وما لم يقدر اكتفى بأحدهما عن اآلخر ،كمال قوله تعالى َ :
، ] 81
وإنما يشعرون بذلك ؛ لسبق العلم اإللهي بوقوع كلما قدر كونه وما لم يقدر ،وقد
اطلعوا على ذلك العلم ،فيسألون فيما يمكن وجوده مما سبق العلم به ال في مستحيل
غير مقدر الوجود ،وإن كانت استحالته ال بالذات بل بالعلم ،الستلزام وقوع ما سبق
العلم ،بخالف انقالب علمه تعالى جهال ،
ّللا عن ذلك العلم القديم ،فإذا كان مستحيال ال يدعون فيه ،بل وال تنبعث هممهم
تعالى ه
إلى طلب ،وال تتوجه إرادتهم فضال عن الدعاء حتى يقع اإلباء بالنسبة إليهم في ذلك
المستحيل باعتبار انبعاث همهم وإراداتهم .
وإنما قال [ :وال تنبعث هممهم وإيراداتهم من أجل أن في الكمل من يتوقف وقوف
األشياء على همته وإيرادته ،كما يتوقف وقوع األشياء في التقدير اإللهي على الدعاء
هذا بالنسبة إلى بعض األشياء ،فإن المقدرات على نوعين جازمة ومعلقة ،فالمعلقة
يتوقف على الدعاء ،أو غيره من األسباب والجازمة ما ال يتوقف على شيء ،فمن
توقف وقوع األشياء على إرادته فقط ،حصلت بمجرد اإلرادة ،وإن لم يدع ولم يسأل
الحق في الحصول بلسان الظاهر ] .
...................................................
) ( 1يعني الشيخ األكبر ختم الوالية المحمدية ،سيدي محيي الدين بن عربي.
138
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 139عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٣٩
(وقد عاينت ) أي :علمت علما يشبه العيان من الشيخ الكامل المكمل محيي الدين بن
ّللا عليه وسلم في بعض وقائعه ،أيّللا روحه ،أنه رأى النبي صلى ه
عربي قدس ه
ّللا أسرع إليك باإلجابة
ّللا عليه وسلم بشره بقوله “ :ه
كشوفه أو مناجاته ،وأنه صلى ه
منك “ أي :من سرعتك إليه بالدعاء إذ يجيبك بمجرد اإلرادة قبل الدعاء ،أورد هذه
ّللا أسرع إليك . . .
ّللا عليه وسلم يبشره بأن ه
العبارة الطويلة ،ولما رأى النبي صلى ه
إلى آخره ؛ ليشعر أوال أنه رأى من تكون رؤيته رؤية الحق ،ثم ليمدح رؤياه بأنه
ّللا عليه وسلم ،ثم بيهن ما أجمله مع رعاية عبارة النبي صلى
بشرى من النبي صلى ه
ّللا عليه وسلم .
ه
ّللا عنه [ :وهذا المقام فوق مقام إجابة األدعية ،وإنه من خصائص كمال قال رضي ه
المطاوعة ،ومقامه فوق مقام المطاوعة ،فإن مقام المطاوعة يختص بما سبقت
اإلشارة إليه من المبادرة إلى امتثال األوامر ،وتتبع مراضي الحق ،والقيام بحقوقه
بقدر االستطاعة .
ّللا عليه وسلم في جواب عمه أبي طالب حين قال له “ :ما كما أشار النبي صلى ه
أسرع ربك إلى هواك يا محمد “ “ ، “ 1لما رأى من سرعة إجابة الحق له فيما
يدعوه فيه .
ّللا
وجاء في رواية أخرى أنه قال له “ :ما أطوع ربك لك “ ،فقال له النبي صلى ه
عليه وسلم “ :وأنت يا عم إن أطعته أطاعك “ " . " 2
وهذا المقام الذي قلت إنه فوق هذا ،راجع إلى كمال موافاة العبد من حيث حقيقته لما
يريده الحق منه باإلرادة األولى الكلية المتعلقة بحصول كمال الجالء واالستجالء ،فإنه
الموجب إليجاد العالم ،واإلنسان الكامل الذي هو العين المقصودة هّلل على التعيين ،
وكل ما سواه فمقصود بطريق التبعية له وبسببه من جهة أن ما ال يوصل إلى المطلوب
إال به ،فهو مطلوب ،فهذا هو المراد من قولي “ فمقصود بطريق التبعية ] .
أي :ومقام إجابة اإلرادة فوق مقام إجابة األدعية باللسان لما أنه يحتاج زيادة اإلخراج
إلى اللسان لما يتأخر إجابته إلى ذلك اإلخراج ،وأن مقام إجابة اإلرادة من خصائص
كمال المطاوعة من العبد الموجبة للمطاوعة اإلرادة اإللهية ؛ إلرادته قبل التلفظ .
ومقام كمال المطاوعة فوق مقام مطلق المطاوعة الموجبة للمطاوعة اإللهية بعد
السؤال باللسان ؛ ألن مقام مطلق المطاوعة يختص بما سبقت اإلشارة إليه من المبادرة
إلى
..........................................................
) ( 1لم أقف عليه .
) ( 2لم أقف عليه.
139
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 140عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٤٠
امتثال أوامر الحق من الواجبات ،وتتبع مراضي الحق من المندوبات ،والقيام بحقوق
الحق من واجب االعتقاد الصحيح فيه ،ومن اإلخالص في العمل بترك طلب العوض
والغرض ،فهو بقدر االستطاعة قيد به ؛ ألن اإلتيان بذلك على وجه الكمال إنما هو
مقام كمال المطاوعة .
وإنما أعاد هذا مع أنه سبقت اإلشارة إليه ؛ ألن السابق يوهم أنه هو كمال المطاوعة ،
وليس كذلك ،بل هو مطلق المطاوعة ،ثم استدل على استلزام مطلق المطاوعة
ّللا عليه وسلم “ :وأنت يا ع هم إن أطعته
للمطاوعة اإللهية في إجابة سؤاله صلى ه
“ “ ، “ 1أي إنما سارع ربي إلى هواي وأطاعني ،لمطاوعتي إياه جزاء عليه ،
وليس يختص بي بل هو عام لكل مطيع له ،فدل على أن مطلق اإلطاعة من العبد
يستوجب إجابة الحق سؤاله ،وقول أبي طالب “ :ما أسرع ربك إلى هواك “ “ 2
“ ،أي إلى ما تحبه فتسأله فيجيبك أسرع من إجابته غيرك .
ومعنى ما في الرواية األخرى “ :ما أطوع ربك إليك “ “ “ 3أي :أسرع إجابة
إلى دعائك ؛ فعلى الرواية األولى يكون عليه كالمه عليه من قبيل المشاكلة باعتبار
أول كالمه عليه السالم السالم فقط ،وعلى الرواية الثانية من قبيل المشاكلة باعتبار
قول أبي طالب أيضا ،وإنما أورد الروايتين ؛ ألن األولى تدل على سرعة اإلجابة
دون الثانية ؛ ألنها تدل على مطلق اإلجابة ،إذ هي المرادة من اإلطاعة اإللهية ،
والثانية تدل على أن هذا االطالع شائع في الجاهلية واإلسالم من غير منع
.
فهذا مقام مطلق المطاوعة ،وأما كمال المطاوعة ،فهو المشار إليه بقوله :وهذا المقام
الذي أنه فوق هذا أي :فوق قوته مطلق الكمال راجع إلى كمال مواطآت العبد ،ال من
حيث حقيقته الذي هو الوجود المطلق لكن باعتبار تعينه به ،ولهذا لو ورد لفظ المواتاة
لما يريده الحق فيه باإلرادة األولى ،أي :المتعلقة بما هو مراد بالذات ،لكونه أكمل
البريات ،وهي اإلرادة الكلية التي أريد بها ظهور كمال يمكن ظهوره ،وهي المتعلقة
بحصول كمال الجالء واالستجالء .فالجالء ظهور الذات المقدسة لذاته في ذاته ،
.....................................
واالستجالء ظهور
) ( 1لم أقف عليه .
) ( 2لم أقف عليه .
) ( 3لم أقف عليه.
140
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 141عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٤١
الذات للذات في التعينات ،وكمال األولى أن يظهر أيضا في مراتب األسماء والصفات
،وكمال الثانية أن يجتمع بتلك التعينات إجماال وتفصيال في التعين الجامع للتعينات في
المرتبة الجامعية اإلنسانية ،فإنه أي طلب كمال الجالء واالستجالء ،هو الموجب
إليجاد العالم الذي به تتفصل الكماالت المجملة في الذات ،واإلنسان الكامل الذي
تصير به الكماالت مجملة بعد التفصيل ،فهو الجامع للكماالت اإلجمالية والتفصيلية
جميعا ؛ فلهذا كان اإلنسان الكامل عينا مقصودة هّلل تعالى على التعين ،أي من حيث
تلك اإلرادة ،وإال فهو سبحانه وتعالى غني عن العالمين ،وكل ما سواه كان إنسانا
غير كامل أو غير إنسان ،فمقصود بطريق لْلنسان الكامل ،لكونه كالمقدمات
والمتممات له .
ّللا عنه [ :وإنما كان اإلنسان الكامل هو المراد بعينه دون غيره من أجل
قال رضي ه
أنه مجلى تام للحق يظهر الحق به من حيث ذاته وجميع أسمائه وصفاته وأحكامه
واعتباراته على نحو ما يعلم نفسه بنفسه في نفسه ،وما ينطوي عليه من أسمائه
وصفاته وسائر ما أشرت إليه من األحكام واالعتبارات وحقائق معلوماته التي في
أعيان مكوناته دون تغيير يوجبه نقص القبول وخلل في مرآتيته يفضي بعدم ظهور ما
ينطبع فيه على خالف ما هو عليه في نفسه ] .
إشارة إلى سبب كون اإلنسان الكامل من األقطاب واألفراد مرادا للحق دون غيره ،
كالعقول والنفوس واألجسام وغيرها ،وهو أن اإلنسان الكامل إنما كان مرادا للحق من
أجل مجلى تام للحق ،إجماال وتفصيال من غير نقص وخلل في مظهريته ؛ وذلك أنه
يظهر به الحق من حيث ذاته ،لكنه متصف بالوجود ،وجميع أسمائه وصفاته ؛ ألنه
ي ،عالم ،قادر ،مريد ،سميع ،بصير ،متكلم ،وفيه الحياة والعلم والقدرة
ح ه
واإلرادة والسمع
141
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 142عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٤٢
والبصر والكالم وأحكامه المتعلقة بذاته وصفاته ؛ لكونه واجبا به ،ممكنا بنفسه
واعتباراته من حيث اإلطالق والتقييد وسائر النسب ،مع ظهور كل منها فيه على
الكمال ،فإنه يظهر فيه الذات على نحو ما يعلم نفسه بنفسه ال بعلم زائد ،وال باعتبار
ما يعلم نفسه في المظاهر التي سواه ؛ وذلك عن كونه فانيا فيه ،ويظهر أسماءه
وصفاته على نحو علمه بما ينطوي عليه ذاته من أسمائه وصفاته وسائر ما أشرت إليه
من األحكام واالعتبارات ،وذلك عند كونه باقيا به ،ويظهر فيه أيضا حقائق معلوماته
التي هي األعيان الثابتة لمكوناته ،لكونه مختصرا من العالم الكبير ،فهو جامع
لنسختي الحق والخلق على ظهور كل منها فيه على الكمال دون تغيير من الظهورين ،
سببه نقص قبول المظهر وذلك النقص بخلل في مرآتية المظهر يقتضي ذلك الخلل
ظهور ما ينطبع فيه على خالف ما هو عليه في نفسه ،كما هو شأن المرايا المحسوسة
إذا كانت معوجة أو مستطيلة يظهر ذلك االعوجاج واالستطالة فيما انطبع فيها من
الصور .وإنما كان قبول اإلنسان كامال غير مختل بحسب المرآتية ؛ ألنه مظهر كامل
لذاته وأسمائه وصفاته وسائر اعتباراته ،بخالف سائر العوام ،فافهم “ “ .1
فإن من كان هذا شأنه ،ال يكون له إرادة ممتازة عن إرادة ّللا عنه [ :هقال رضي ه
الحق ،بل هو مرآة إرادة ربه وغيرها من الصفات ؛ وحينئذ يستهلك دعاءه في إرادته
ّللا تعالى :فَعها ٌل َلما يُ َري ُد [ هود :
التي ال تغاير إرادة ربه ،فيقع ما يريده كما قال ه
] .107
ومن تحقق بما ذكرنا ،فإنه إن دعا ،إنما يدعو بألسنة العالمين ومراتبهم من كونه
مرآة لجميعهم ؛ كما أنه متى ترك الدعاء ،إنما يتركه من حيث كونه مجلى للحق
باعتبار أحد وجهيه الذي يلي الجناب اإللهي ،وال يغايره من كونه :فَعها ٌل َلما يُ َري ُد
[ هود .] 107 :
تعليل لقوله :وإنه من خصائص كمال المطاوعة ،أورد بعد بيان معناه ،والفرق بينه
..................................................................
) ( 1قال الشيخ األكبر في الجواب الثامن ومائة :اعلم أنه ليس في الوجود أكمل من
اإلنسان ؛ ألنه على األخالق اإللهية ،فاإلنسان الكامل هو األول ،واآلخر ،والظاهر
،والباطن األول بالقصد ،واآلخر بالفعل ،والظاهر بالحرف ،والباطن بالمعنى ،
وهو الجامع بين العقل ،والطبع ،ففيه أكثف تركيب ،وألطف تركيب ،من حيث
طبعه ،وفيه التجرد عن المواد ،والقوى الحاكمة على األجساد ،وليس ذلك لغيره من
ّللا أن أحدا المخلوقات ؛ ولهذا خص بعلم األسماء كلها ،وبجوامع الكلم ،ولم يعلمنا ه
سواه أعطاه غير هذا اإلنسان الكامل ،وليس فوق اإلنسان مرتبة.
142
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 143عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٤٣
وبين مطلق المطاوعة ،أي إنما إجابة مجرد اإلرادة من خصائص كمال المطاوعة ؛
ألن العبد المتصف بها لما كان مرآة من حيث حقيقته لما يريده الحق منه باإلرادة
األولى الكلية المتعلقة بحصول كمال الجالء واالستجالء ،ال يكون له إرادة ممتازة عن
إرادة الحق ،بل هذا العبد مرآة إرادة ربه ،ومرآة غيرها من الصفات ،وإرادته ظل
عز وجل ،بل عينها بحسب الحقيقة ،فال يحتاج إلى الدعاء ؛ ألنه حينئذ إرادته ه
يستهلك دعاءه في إرادته ،وإرادته ال تغاير إرادة ربه ،فيقع ما يريد الرب الذي هو
فعال لما يريد ،ال يختلف عن إرادته مراد ما بوجه من الوجوه ،إذ الوجود العام مطيع
له بالطبع ،إطاعة أعضاء اإلنسان له عند صحته وكمال قواه ،فهكذا ما هو مرآته
لتنورها بنوره ،فيؤثر فيما يقابله تنوير الماء المتنور بالشمس ما يقابله من الحائط ،
فيكون فعال لما يريد بربه ال بنفسه ،ثم ذكر ما هو أعلى منه ،وهو من تحقق بما
ذكرناه من كمال الجالء واالستجالء ،وكان في مقام البقاء ،فال يستهلك دعاءه ،فإنه
يستجاب دعاؤه وإرادته جميعا ؛ ألنه إنما يدعو بألسنة العالمين الظاهرة وبمراتبهم التي
هي أسئلة معنوية من سؤال الحال واالستعداد وغيرها ،وكل هذا ناشئ من كونه مرآة
لجميعهم ،ودعاء الكل مقبول ال محالة ،وإن ترك الدعاء تجاب إرادته ؛ ألنه إنما
يتركه من حيث كونه مجلى للحق ،والحق ال يكون داعيا ،فإنه من شأن العبد ،وهو
تعالى أعلى من أن يصير عبدا ،كما أن العبد أخس من أن يصير ربها ،وكونه مجلى
للحق باعتبار أحد وجهيه ،وهو أن كل مقيد له وجه إلى وجه اإلطالق ،وقد كمل هذا
الوجه في حق هذا العبد إذ كان مظهرا كامال ،فال يغايره من جهة كونه فعاال لما يريد
؛ ألن إرادته مرآة إرادة الحق ،فيكون مجاب اإلرادة ال محالة .فافهم .
قال [ :وليس وراء هذا المقام مرمى لرام ،وال مرقى إلى مرتبة وال مقام ،ودونه
عونَي أ َ ْست َ َجبْ
المتوجه إلى الحق بمعرفة تامة وتصور صحيح المقصود بخطاب :ا ْد ُ
لَ ُك ْم ،وخبر الحق صدق ،وقد تيسر ذلك لهذا العبد المشار إليه ،فلزمت النتيجة التي
هي اإلجابة ،وال ب هد بخالف غيره من المتوجهين المذكور شأنهم .
فاعلم ذلك تفز بأسرار عزيزة وعلوم غريبة لم تنساق إليها األفكار واألفهام وال رقمتها
وّللا المرشد ] .
األنامل باألقالم ه
أي :وليس وراء مقام التحقيق بما ذكرنا من كمال المطاوعة التي هي مرآة للعبد من
143
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 144عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٤٤
حيث حقيقته لما يريده الحق منه باإلرادة األولى الكلية المتعلقة بكمال الجالء
واالستجالء والتحقيق به في مقام البقاء مرمى لرام ترقى إليه همته فيقصده ،وال
مرقى إلى المرتبة ؛ ألنها أجمع للمراتب وال مقام ،ألنه فوق المقامات كلها ،فيكون
مستجاب الدعوة واإلرادة جميعا ،ودون هذا الكامل المتوجه إلى الحق بمعرفة تامة
وتصور صحيح ،وهو الذي ال يناقض الحق بوجه من الوجوه بلوغه غاية ما يمكن
الوصول إليه إال ما يحيط بكنه حقيقته ،إذ هو محال ،وهذا هو الذي يجيب إجابته
عو َني أ َ ْست َ َجبْ لَ ُك ْم [ غافر ، ] 60 :ال إرادته ،وهو المقصود بخطاب
بمقتضى :ا ْد ُ
ادعوني إذ من يجاب إرادته ال يحتاج إلى الدعاء إال لتحقيق مقام العبودية وكونه مرآة
العالم .ثم ذكر أنه وإن كان دون األول ،ال يجوز ترك إجابته ؛ ألن خبر الحق صدق
،وقد أخبر باإلجابة عند دعوته ،وقد تيسر ذلك الدعاء لهذا العبد بالمعرفة التامة
والتصور الصحيح ،فلزمت نتيجة الوعد المذكور التي هي اإلجابة.
شبهت نتيجة القياس في اللزوم ثم ألزم بقوله “ :وال ب هد “ بخالف غيره من
المتوجهين المذكور شأنهم في التوسط أو الحجاب الذي يتوجه إلى صورة مختلفة ،فإن
إجابتهم جائزة ال واجبة.
وإنما أوردهم إشعارا بأنه لو لم يجب إجابة العارف التام المعرفة ؛ لكان مثل هؤالء في
عونَي أ َ ْست َ َجبْ
جواز ترك اإلجابة ،لكن الحكمة اإللهية تأبى ذلك ،ولم يدخلوا في :ا ْد ُ
لَ ُك ْم [ غافر ] 60 :؛ ألنهم لم يدعوه مستحضرين له بالتصور الصحيح.
فاعلم هذه القاعدة تفز بأسرار عزيزة من لزوم إجابة الدعوة أو اإلرادة أو عدم لزوم
أحدهما ،وعلم غريبه من معرفة الكامل ،وغير الكامل على وجه خاص كلي حاضر
لم يتسابق إليها األفكار ،التي ال تحيط بهذه األمور الكشفية بل ،واألفهام الذوقية وال
رقمتها األنامل باألقالم ؛ إذ هي فرع الفكر والفهم ،وإنما أورده ؛ ألنه ما يتوهم
وّللا المرشد إلى مثل هذه األسرار والعلوم بتجلياته الذاتية “ يعلمون ما يسطرون “ ،ه
ال غير ،فافهم.
النص الثاني عشر:
ّللا عنه [ :نص شريف ] لما ذكر في النص السابق :األتم معرفته تكون قال رضي ه
اإلجابة إليه أسرع ،شرع في بيان كمال المعرفة ،وبيهن فيها أيضا كمال اإلنسان أن
يكون مظهر الحق على
144
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 145عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٤٥
نحو ما يعلم نفسه بنفسه في نفسه ،وأنه يكون مرآة لما يريد الحق باإلرادة األولى
الكلية ،وما يترتب على ذلك مع بيان كيفيتها ،وهي أمور عظيمة ،فلهذا عبر عنه
بأنه نص شريف .
ّللا عنه [ :اعلم أن أعلى درجات العلم بالشيء أي شيء كان وبالنسبة إلى قال رضي ه
أي عالم كان ،وسواء كان المعلوم شيئا واحدا أو أشياء ،إنما تحصل باالتحاد بالمعلوم
وعدم مغايرة العالم له ؛ ألن سبب الجهل بالشيء المانع من كمال إدراكه ،ليس غير
غلبة حكم ما به يمتاز كل واحد منهما عن اآلخر ،فإن ذلك بعد معنوي والبعد حيث
كان مانع من كمال إدراك العبد البعيد وتفاوت درجات العلم بالشيء بمقدار تفاوت غلبة
حكم ما به يتحد العالم بالمعلوم ،وأنه القرب الحقيقي الرافع للفصل الذي هو البعد
الحقيقي المشار إليه بأحكام ما به المباينة واالمتياز ] .
الفرق بين هذا ،وبين ما تقدم في التفريع الثالث من تفاريع النصوص األول ،أن
المذكور ثمة بيان كمال اإلحاطة بالشيء وأنه محال ،وهنا بيان سبب العلم ،وكيف
تحصيله إلى حد ليس فوقه إمكان إدراك .أي إنما يحصل أعلى درجات العلم بالشيء
حتى لو كان المعلوم به تعالى ؛ ألجاب من توجه إليه في دعوته ،لكنه أي :شيء كان
من الحق أو الخلق ،وبالنسبة إلى أي عالم من الحق أو الخلق ،وسواء كان شيئا
واحدا بالذات كالبسائط أو بالعرض كالمركبات أو أشياء كثيرة من حيث هي كثيرة ،
فهذه ثمانية أقسام :أن يعلم الحق نفسه وحدها ،أو مع العالم ،أو شخصا من العالم
وحده .أن مع غيره من العالم .
أو يعلم أحد من الخلق الحق وحده ،أو مع العالم ،أو نفسه وحدها .أو مع آخر من
العالم باالتحاد بالمعلوم وعدم مغايرة العالم له .وهذا في األول والسابع ظاهر ،وأما
في بقية األقسام ؛ فألن المعلوم ال ب هد وأن يحصل للعالم مثاله وينتقش في مرآة علمه
صورة بحيث ال يتميز غير المرآة في رأي العين ،وهذا هو المراد باالتحاد ،على أن
كل شيء متحد بالكل من حيث اإلطالق ،وهو الغاية في التجرد كمال علمه ،إذ ال
مغايرة في مقام اإلطالق .
ثم استدل على ذلك بأن سبب الجهل إنما احتاج إلى السبب ؛ ألنه عارض بالنسبة إلى
الوجود ؛ ألنه يستلزم صفة العلم على ما مر ،فلهذا فسره بالمانع من كمال اإلدراك ،
ولم يجعله مانعا من نفس اإلدراك ؛ ألن كل شيء مدرك بوجه من الوجوه كالشيئية
والوجودية ،وذلك من آثار االتحاد في اإلطالق األصلي ،وليس ذلك السبب غير غلبة
145
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 146عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٤٦
هذا في البعد الحسي ظاهر ،وأما في المعنوي ،فبطريق القياس المسمى بالتمثيل في
الظاهر وبطريق التحقيق في الحقيقة ،أن البعد المعنوي موجب لعدم حصول أمثال
المعلوم للعالم على الكمال ،كما أن البعد الحسي مانع من تمثيل المرئي في حاسة
الرائي على الكمال ،وإذا علم أن البعد سبب الجهل ،فالقرب سبب العلم .ولما كانا
أمرين إضافيين غير متحدين بل مختلفين اختالفا غير منضبط ،فلهما درجات تفاوت
درجات العلم بالشيء والجهل به من حيث اإلحاطة بمقدار تفاوت غلبة حكم ما به يتحد
العالم بالمعلوم .
ّللا عنه حكم ما به االتحاد بالقرب الحقيقي ؛ ألن القرب في المسافة وسمي رضي ه
والزمان والصفات قرب بالواسطة ،وهنا ال واسطة وإذا كان قربا حقيقيها ،كان رافعا
للفصل ،أي الفرق والمباينة الذي هو البعد الحقيقي أعم من الحسي والمعنوي ،والبعد
الحقيقي هو المشار إليه بأحكام ما به المباينة واالمتياز ،وقد أوهم كالمه األول
ّللا عنه قصد أوال ،أن البعد
اختصاصه بالمعنوي ،لكن ذلك الوهم مرتفع بأنه رضي ه
المعنوي مانع من كمال اإلدراك بالقياس على الحسي ،ثم بيهن بالدليل على أن البعد
حسيها أو معنويها ،مانع فسمي جميع أحكام المباينة واالمتياز بالبعد الحقيقي ،بمعنى أن
فيه حقيقة البعد ،فافهم .
ّللا عنه [ :وإذا شهدت هذا األمر وذقته بكشف محقق علمت أن سبب كمال قال رضي ه
علم الحق باألشياء إنما هو من أجل استجالئه إياها في نفسه ،واستهالك كثرتها
وغيريتها في وحدته ،فإن كينونية كل شيء في أي شيء كان ،سواء كان المحل
صوريها أو معنويها ،إنما يكون ويظهر بحسب ما تعين وظهر فيه ،ولهذا نقول :الحق
علم نفسه بنفسه ،وعلم األشياء في نفسه بعين علمه بنفسه ] .
أي :إذا شهدت بالبصيرة الباطنة المفيدة للوجدان الذي هو ذوق ،بكشف محقق الذي
يجعله بديهيها أن أعلى درجات العلم للشيء بالنسبة إلى كل عالم ،إنما هو باالتحاد
بالمعلوم.
146
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 147عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٤٧
قيد حصوله بالشهود المذكور ؛ ألن الدليل السابق إنما يدل على اعتبار القرب في
الجملة ؛ ألن القرب الحقيقي ،إنما يوجد بالكشف والذوق ،وقيد الكشف بالمحقق ؛ ألن
الصورة ال تدل على ذلك ،إذ ال صورة بهذا القرب حتى يكون لها مثال ،بل هذا
القرب يكون وراء طور العقل علمت أن سبب كمال علم الحق باألشياء مع أنها كثيرة
ممكنة وعلمه واحد واجب ،إنما هو من أجل استجالئه إياه ،أي :إظهاره في نفسه
بحسب تعيناته بحيث مرآتها ،والمرآة متحدة بالمرئي ،وإذا اتحدت بمرآته استهالك
كثرتها وغيريتها في وحدته الوجودية ،فصارت واحدة واجبة .
ولهذا قيل :الوحدة تساوق الوجود ،وكل ممكن محفوف بوجوبين :سابق وال حق ،
وإنما استهلك كثرتها وغيريتها في وحدة الحق إذا أتت في علمه مع أن حقائقها على
الكثرة ،واإلمكان الموجب للغير ؛ ألن كون كل شيء في شيء بحسب محله ال بحسب
نفسه ،سواء كان المحل معنويها كالعلم أو صوريها ،كالمرايا المتعارفة يكون تعينه
وظهوره بحسب المحل الذي تعين فيه فظهر فيه .فاألشياء لما ظهرت في علم الحق ،
كان ظهوره على الوحدة والوجوب .
ولما ظهر الوجود في الحقائق ،كان ظهوره على الكثرة واإلمكان ،وإنما كانت
األشياء على الوحدة والوجوب في علم الحق ؛ لكونه في غاية الوحدة حتى اتحد فيه
المعلوم والعالم والعلم .ولهذا القول علم الحق نفسه بنفسه بعلم نفسه ،ال بمثال زائد ،
وال بمغايرة العالم للمعلوم ،وذلك كمال علمه باألشياء باعتبار علمه بنفسه باستجالئه
إياها فيه ،فافهم .
استدالل على وجوب األشياء ،وعدم غيريتها للحق باعتبار انتقاشها في العلم األزلي
باإلخبار النبوي الذي هو وجود إلهي لقوله تعالى َ :إ ْن ُه َو َإ هال َو ْح ٌ
ي يُوحى [ النجم :
ّللا كان ولم يكن معه شيء مع أن حقائق األشياء كانت ، ] 4لكنه وحى خفي ب :إن ه
في علمه باإلجماع ،فال بد من تأويله بأنه ،لم يكن معه شيء يغايره ،فانتفت غيرية
147
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 148عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٤٨
األشياء بالنسبة إلى الوحدة التي هي ،أو هو محل لكون األشياء بالنسبة إلى الوحدة
التي هي أو هو محل ؛ لكون األشياء عين الحق والنسبة العلمية متعلقة به .
ومن هنا ثبتت أولية الحق لألشياء ،بمعنى أنها كانت حقها أوال ،وأن الحق أولها من
حيث الوحدة التي لألشياء ،وإال فمن حيث كثرة حقائقها لم تكن حقها ،وال الحق أولها ،
وهي كثيرة مع وحدته ،لما يذكر بعد من أن الواحد ال يصدر عنه إال الواحد ،لكن
األشياء من حيث الوجود العام واحد ،فالحق أولها ،فافهم .
ّللا عنه [ :وبامتياز كثرة األشياء المتعلقة ثانيا الكامنة من قبل في ضمنقال رضي ه
الوحدة والجمع بينهما وبين الوحدة بالفعل ،ظهر الكمال المستجن في الوحدة أوال ،
فانفتح بذلك باب كمال الجالء واالستجالء الذي هو المطلوب الحقيقي ،وظهرت أحكام
الوحدة في الكثرة ،والكثرة في الوحدة ] .
بيان كمال علمه تعالى التفصيلي باألشياء الكثيرة ،أي لما كانت األشياء كامنة في
ضمن الوحدة المذكورة التي هي التعين األول ،ولها كثرة اعتبارية من حيث تعلق
العلم الذاتي بها ،صارت متعلقة ثانيا من حيث الكثرة ،والتعقل بهذه الحيثية يقتضي
امتياز تلك األشياء بعضها من بعض ،فاجتمع هذا االمتياز مع الوحدة الحقيقية في
العلم الذاتي بالفعل ،فبهذا الجمع ظهر الكمال الذي كان للوجود مستجنها في الوحدة ،
وهو الكمال األسمائي ،وال يظهر إال في المظاهر ،
فانفتح بذلك الجمع باب كمال الجالء ،وهو ظهور الذات المقدسة لذاته في ذاته ،
وكمال االستجالء ظهورها لذاته في تعيناته ،أي اجتمع له الظهوران معا ،والجمع
بين الظهورين مطلوب حقيقي للذات ؛ إذ قال “ :كنت كنزا مخفيها فأحببت أن أعرف
“ “ ، “ 1وظهرت عند ذلك أحكام من الصفات الوجوبية في الكثرة ،أو صارت
بالفعل ،فاتصفت بالوجود بالفعل ال يكون بال وجوبين ،سابق وال حق على ما تقرر
في الحكمة وظهرت أحكام الكثرة من الصفات اإلمكانية في الوحدة ؛
ألنها لما تعلقت بالكثرة ،فظهرت في مراياها انصبغت بصبغتها ،فاتصفت الوحدة
بصفاتها ،فيما يلوح للناظرين ،وهي في الواقع صفات الكثرة ،وكانت أيضا في
الوحدة من حيث اشتمالها على الكثرة.
.......................................
) ( 1تقدم تخريجه.
148
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 149عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٤٩
ّللا عنه [ :فوحدت الوحدة الكثرة ؛ لكونها صارت قدرا مشتركا بين قال رضي ه
المتكثرات المتميزة بالذات بعضها عن بعض ،فوصلت فصولها ؛ ألنها جمعت بذاتها
كما ذكرنا ،وعددت المتكثرات الواحد من حيث التعينات التي هي سبب تنوعات
ظهور الواحد بالصبغ واإلصباغ ،والكيفيات المختلفة التي اقتضتها اختالفات
استعدادات المتكثرات القابلة للتجلي الواحد فيها ] .
أي :لما ظهرت أحكام الوحدة في الكثرة ،جعلت الوحدة الكثرة أيضا واحدة ،لشمول
الوحدة جميع أفرادها شمول الكلي على جزئياته .ففي ك هل شيء له آية * تد هل على أنهه
واحدوذلك لكون الوحدة صارت عند اتصاف أفراد الكثرة بها قدرا مشتركا بين
المتكثرات التي هي أفراد الكثرة ،فال تتميز من حيث الوحدة ،بل إنما يتميز بعضها
عن بعض بذواتها وماهياتها ويتميز ذواتها أيضا ،
وتميز ذواتها ليست بمجرد أنها ذوات ،لجواز تشاركها ،بل بفصول مميز لها
عرضت ألجناسها ،وهي وجودية لتقويمها األجناس ،فهي من حيث الحقيقة عين
الوحدة التي هي الوجود ،فوصلت الوحدة فصول الكثرة ؛ ألن الوحدة جامعة بذاتها
ذوات الكثرة ؛ ألنها شؤون الوحدة ،كما ذكرنا .
فالعلم بالكثرة الفعلية كمال من حيث تعلق أحكام الوحدة بها ،وأما من جهة الكثرة
نفسها فال ؛ ألنه لما ظهرت أحكام الكثرة في الوحدة ،جعلت المتكثرات الوحدة
الظاهرة فيها متعددة بحسب تعينات عرضت للوحدة بالنسبة إلى ظهورها في الكثرة ،
فصارت التعينات سبب تنوعات ظهور الواحد بحسب الظاهر بصبغ للمظهر الظاهر
بلون أحكام اإلمكان ،وانصباغ الظاهر يظهر بلون أحكام الوجوب ،
فحصلت كيفيات مختلفة بحسب اختالف استعدادات في ماهيات المتكثرات التي كلها
قابلة للتجلي الواحد الذاتي ،فتكثر الواحد بحسب هذه االختالفات منصبغا بصبغها تكثر
صور الوجه الواحد في المرايا المختلفة ،وانصباغ الزجاجات المختلفة األلوان بنور
الشمس ،وانصباغ نوره المنعكس في ذاتها بألوانها ،فيعلم هذه الصور من حيث أنها
متحدة بصورة في الحقيقة ،مخالفة لها بهيئات بحسب استعدادات المظاهر ،فهاهنا
يتجدد نسبة لعلمه إلى تلك الهيئات ال تجددا زمنيها ،بل بحسب الرتبة من حيث أن هذه
الصور تابعة لصورته األصلية المعلومة
149
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 150عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٥٠
بالذات .
ّللا عنه [ :فتجددت معرفة أنواع الظهورات واألحكام الالزمة لها التي
كما قال رضي ه
علوا وسفال
هي عبارة عن تأثير بعضها في البعض باإلبرام والنقض ظاهرا وباطنا ،ه
،مؤقتا وغير مؤقت ،مناسبا وغير مناسب .كل ذلك باالتصال الحاصل بينها بالتجلي
الوجودي الوجداني الجامع شملها كما ذكرنا ] .
أي :لما عددت المتكثرات الواحد بنوع ظهوراته في تعيناته مختلفة االستعدادات ،
اختلفت صور الواحد ،وبحسب ذلك تجددت ،أي ترتبت ترتبا طبيعيها على معرفة
الوحدة معرفة أنواع ظهورات الواحد ،التحاد الظاهر بالمظهر من حيث الوجود
والظاهر صورة المظهر اسم الفاعل ،وهي بالحقيقة عينه ،وغيريتها من حيث أنها
مثاله ،فأوجبت ترتب معرفتها على معرفة الوحدة الذاتية ،ولما كانت لهذه الظهورات
أحكام الزمة من كون بعضها مؤثرا في البعض باإلبرام ،كتأثير المطر في إنبات
الزرع والنقص ،كتأثير النار في إحراق الحطب ظاهرا ،
كما ذكرنا وباطنا كتأثير المقدمتين الموجبتين في إيجاب النتيجة ،وتأثير مقدمتين
علوا كتأثير العقول في النفوس ،وتأثير هما فيما دونهما إبراما
أحدهما سالبة في سلبها ه
ونقضا وسفال كتأثير العناصر بعضها في بعض بالكون والفساد ،ومؤقتا كتأثير العقول
في العناصر ،وتأثير العناصر بعضها في بعض ،وغير مؤقت كتأثير العقول في
النفوس مناسبا ،كتأثير األعمال الصالحة في إفادة السعادة ،وغير مناسب ،كتأثير
األعمال الفاسدة في إفادة الشقاوة والعذاب .
فهذه كلها علوم مختلفة متجددة أي :مترتبة على الحكم بالوحدة وباالتصال الحاصل
بين تلك األمور ،وإن كان بينها تضاد بالتجلي الوجودي الوحداني المشترك بينها
الجامع شملها في علم أزلي أبدي مع تغير النسب التي بينه ،وبين هذه األشياء من
حيث تضادها ،فافهم .
150
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 151عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٥١
أي :إذا كانت أعلى درجات العلم بالشيء االتحاد بالمعلوم ،فمطلق العلم على اختالف
ضروبه ،وما يناسبه من النعيم والسعادة على اختالف ضروبها بحسب المناسبة التي
هي نوع اتحاد بين العالم والمعلوم ،وبين المتنعم والمتنعم به والسعيد وما يسعد به ،
والمعرفة واإليمان واألخالق واألعمال الصالحة لتحصل تلك المناسبة ،ولزم من
عكسه كون الجهل والعذاب والشقاء بحسب قوة أحكام المباينة ،واالمتياز بين الجاهل
والمجهول والمتعذب وما يتعذب به ،والشقي وما يشقى به ،واالمتناع عن الكفر
واألخالق الرديئة والمعاصي ؛ لئال تغلب أحكام المباينة ،واالمتياز بين العبد وبين ما
يتعذب ويتنعم به .
وإنما أوجب قوة أحكام المباينة ذلك ؛ ألنها مقابلة ألحكام المناسبة ،فتعمل ما يقابل
عملها ،فلو ضعفت ،ثم تقابل المناسبة األصلية من حيث اتحاد الكل بالوجود ،وأما
امتزاج أحكام ما به االتحاد من األوصاف الوجوبية ،وأحكام ما به المباينة من
األوصاف اإلمكانية بحيث يكونان على استواء أو يتقاربان ،
فأبدي السلطنة ما دام موجودا ،فمن امتزجا فيه ،فهو عالم سعيد ،متنعم من وجه
دون وجه ،كأهل جنة األفعال سعداء حيث نجوا عن النار ،أشقياء بالنسبة إلى أهل
الجنة الصفات والذات .
وأما الذي يدخل النار أوال ،ثم الجنة فمن غلبة أحكام المباينة عليه أوال ،ثم غلبة
أحكام االتحاد ؛ وذلك ألن قوة اإليمان كانت بأرواحهم ،وقوة األعمال الرديئة
بظواهرهم ،وما على الظاهر يمكن زواله ،بخالف ما على الباطل .
ويمكن أن يقال :الجهل والعذاب والشقاء بحسب قوة أحكام المباينة واالمتياز ال غير ،
فإنها إذا لم تقو فال أثر لها في مقابلة المناسبة األصلية ،ثم نفي ما يتوهم من االتحاد
أنه ال يكون معه من أحكام ما به المباينة واالمتياز ،أصل فعال ،بل األمران دائمان
بعد الظهور ،فهو من حيث الوجوب حق واجب واحد في الكل دائما ومن حيث
التعينات والصفات الممكنة خلق دائما .
ثم ذكر أن محتد ،أي :أصل كل جملة من أحكام ما به االتحاد ،وأحكام ما به المباينة
واالمتياز ،بضرب ما من المناسبة مع الوحدة الحقيقية هو المسمى بالمرتبة ،فلذلك
علمها الحق سبحانه وتعالى علما كامال ،فأثرت تلك المناسبة من جهته ه
عز وج هل فيهم
؛ ألنها أصلية ولم
151
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 152عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٥٢
تؤثر مناسبتهم في تحصيل ذلك العلم لهم ؛ ألنها فرعية فيهم ،فضعفت ؛ وذلك ألن
المناسبة وإن كانت أمرا مشتركا ،لكنها في كل شيء بحسب مرتبته ،فلذلك كان
مرجعهم من حيث اإلضافة ،أي مناسبة الحق للخلق أو مناسبة الخلق للحق هو
المسمى بالمرتبة ،فأثرها في رتبة الحق الذي وحدته أصلية أعلى من أثرها في مرتبة
الخلق الذي وحدته عارضة باعتبار الوجود .
ولوال اعتبار هذا التفاوت ،لتساوى العلمان بوجود المناسبة المشتركة بين العالمين
الحق والخلق ،فافهم .
ّللا عنه [ :ولما شرعت في كتابة هذا النص ،قيل لي في باطني في أثناء
قال رضي ه
الكتابة األحكام المضافة إلى الوحدة والواحد الحق والمعبر عنها بأحكام الوجوب ،
أصلها من حيث الوحدة ،حكم واحد هو حقيقة القضاء والمقادير أثر تعددات
المعلومات لذلك الحكم الواحد ،وظهور الوجود بموجب تلك التعديدات تأثرا أوال ،
وتأثيرا ثانيا في المعدودات بإعادة أثرها عليها ،فاعلم ذلك وتدبر غريب ما نبهت عليه
وّللا المرشد ] .
تفز بالعلم العزيز ،ه
زيادة بيان لكمال العلم اإللهي إجماال وتفصيال ،مع بيان أن األول هو المسمى بالقضاء
،والثاني بالقدر مع شمول الذات للكل ؛ وذلك ألن األحكام المضافة إلى الوحدة التي
هي التعين األول والواحد ،الذي هو التعين الثاني أعني مرتبة األلوهية ،وهي األحكام
المعبر عنها بأحكام الوجوب ،وأصل جميع تلك األحكام من حيث الوحدة حكم واحد ،
هو حقيقة القضاء ،وهو العلم اإللهي بذاته في ذاته ،وال تعدد لها في مرتبة التعين
األول بالفعل ،فاالتحاد بالمعلومات هناك أشد ؛ ولذلك وجب الرضا به ،والمقادير
وقوع كل معلوم منها بقدره زمانا ومكانا ،واكتنافا لسائر العوارض أثر تعديدات تلك
المعلومات التي اشتملت عليها تلك الوحدة بالقوة لذلك الحكم الواحد من حيث تعلقه لها
بعد تعلقه بالذات الشاملة عليها ،وذلك األثر طلب كل معلوم ما يقبله بذاته أو بواسطة
أمر آخر ،واالتحاد هاهنا دون األول ،وهو العلم التفصيلي محل القدر .
ثم ظهور وجود الواحد الحق من حيث أسماؤه على تلك المعلومات بموجب تلك
التعديدات تأثيرا في المراتب العالية من العقول والنفوس ،وتأثيرا ثانيا فيما دونها من
152
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 153عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٥٣
األجسام والجسمانيات ،إنما يكون في تلك المعدودات بإعادة آثارها التي هي عليها
حال ثبوت أعيانها ،فكمل العلم األزلي بها أيضا من حيث أنها ال تغاير ما في محل
القدر ،مع أنها متحدة بالوجود الواحد من وجه ،وإن اعتبر معها تلك اآلثار ،فإنها
عين تلك المعلومات أيضا ،إذ هي معادة ال مستقلة من كل وجه .
فاعلم ذلك ،هو علم غريب ال يوجد في الكتب ،وفيه معرفة القضاء والقدر على وجه
وّللا المرشد إلى تحقيق أمثال هذه العلوم التي ال تنالها األفكار ،وال
ما لم يسبق إليها ،ه
تدركها األبصار .
ّللا عنه [ :اعلم أن أعلى درجات العلم بالشيء ،أي شيء كان ما عدا قال رضي ه
الحق ،هو أن تعلمه بعلم يكون نتيجة رؤيتك إياه في علم الحق تماما ،ولهذا العلم
آيتان :أحدهما استغناؤك بما حصل لك من العلم به من معاودة النظر فيه ،وتكراره
طلبا لمزيد معرفته به ،فإن تجدد العلم بالشيء بطريق االزدياد ،بعد دعوى معرفة
سابقة به ،إنما موجبه نقصان العلم به أوال ،فلو كمل العلم به أوال الستغنى عن
االزدياد كما هو شأن الحق ،وذلك موقوف على كمال اإلحاطة العلمية بالمعلوم ] .
أي :اعلم أن أعلى درجات علم العلماء من اإلنس والمالئكة بالشيء ،أي شيء كان
من البديهيات أو النظريات ما عدا الحق ،فإن حصول أعلى درجات العلم به على نحو
ما يعلمه ،من المحاالت على ما مر ويأتي أيضا ،هو أن تعلم أنت ذلك الشيء بعلم
منحك رؤيتك عين ذاك الشيء ،وحقيقته في علم الحق عند اتصالك به بكشف الحجب
بينه وبين
153
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 154عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٥٤
قلبك تماما بجميع استعداداته من غير ذهول بالفناء ؛ بخالف تصوره بالتعريفات
النظرية ،إذ ال يخلو غالبا عن األوهام والخياالت الفاسدة قبل التصفية الكاملة ؛ ولهذا
ترى أكثر النظار يختلفون في التعريفات بعد بذلهم جهدهم فيها .
ولحصول هذا العلم لك آيتان :أحدهما استغناؤك بما حصل لك من العلم اليقيني الذوقي
به ،مع صفاء القلب وذكاء النفس عن معاودة النظر فيه ،سواء بطريق العقل أو
الكشف ،وتكرار النظر لو اكتسبه أوال بالنظر بعد الصفاء ،والذكاء المذكورين طلبا
لمزيد المعرفة به ؛ إذ ال يمكن معاودته ؛ ليتمكن في القلب ،فقد تمكن ويتفرع عليه
معرفة لوازمه .
وأما طلب مزيد المعرفة بعد دعوى المعرفة السابقة ،فإنما يمكن لنقصان في السابقة ،
إذ لو كانت كاملة من كل الوجوه ،فطلب الزيادة عليه ،طلب لوجه حاصل من تلك
الوجوه ،وهو تحصيل الحاصل الذي هو محال ؛ فلذلك لما كان علم الحق كامال من
كل الوجوه ،كان طلب الزيادة عليه محاال .
نعم يمكن له طلب يفصل ما علمه كامال في ذاته ؛ ليتعلق به فعليها ،وحصول مثل هذا
العلم الموجب لالستغناء المذكور موقوف على كمال اإلحاطة العلمية بالمعلوم ؛ فلذلك
ّللا لغيره .
لما استحال إحاطة المقيد بالمطلق ،امتنع ذلك في علم ه
ّللا عنه [ :واآلية األخرى التي يستدل بها على حصول هذا العلم وصحته
قال رضي ه
،هي أن ينسحب حكم علمه على الشيء حتى يتجاوز تقيده ،فينتهي إلى أن يرى آخره
متصال بإطالق الحق ] .
أي :واآلية األخرى الدالة على حصول هذا العلم بالشيء برؤيته إياه في علم الحق
تماما ،وعلى صحة ذلك العلم أي يصلح إلنيهته ولميته بخالف ما سبق ،فإنه يدل على
اآلنيهة ال غير .
وإنما قال :يستدل بها ؛ ليشعر أنها دليل تشبه األدلة النظرية ،لما نذكر من وجه
االستدالل بها ،هي أن ينسحب حكم علمه ،أي يحيط أثره على الشيء بجملة أجزائه
وعوارضه ،وسائر جهاته حتى يتجاوزه إلى ما فوقه من الذاتيات والعوارض ،وهكذا
ذاتيات وعوارض فوق هذه الذاتيات والعوارض التي لما فوقه ،وهلم . . .حتى ينتهي
إلى حيث يرى آخر ذلك الشيء ،أي آخر متصورات التصور عند اإلحاطة بتصورات
الشيء
154
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 155عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٥٥
وتصور ما فوقه ،وهكذا متصال بإطالق الحق الذي ليس وراءه شيء ،فيكون عالما
به علما تاما ،وذلك ال يكون إال برؤيته في علم الحق ،إذ هو من جملة الوسائط شامل
على الغاية والبداية وما بينها بما ال يتناهى .
أي :ومن علم بالحق ال يمكن أن ينسحب حكم علمه عليه ،حتى يتجاوزه ؛ ألن علم
الحق به إنما يتعلق به من حيث تعينه في مرتبة من األحدية ،أو الواحدية ،أو مظهر
من األرواح ،أو األجسام ،أو حال من الظهور والبطون ،أو حيثية من اإلطالق
والتقييد ،أو اعتبار من ال يتقيد بشيء من ذلك ،وال منافاة له .
وكل هذه األشياء تعينات ،إذ اإلطالق الحقيقي أمر سلبي ،ومع ذلك ما انضبط للعالم
به عند تعلقه باعتبار تعين من التعينات المذكورة ،فإنما يظهر له ويتعين في تعلقه ما
لم يسبق تعينه الذي قبل ذلك التعين ،ومع ذلك هو من مطلق الذات ،إنما يكون بحسب
حال المتجلي له ،فأين اإلطالق الحقيقي ؟ وهو عن تصور ما وراءه ،ويتقيد اإلطالق
بتصورات ما وراءه .
ثم استدل على أن تعيناته ال تتناهى ،وإن كان يتصور في بعضها ؛ ألنها مرتبة
اإلطالق .
قال قده [ :فكلما ال تنتهي أحوال اإلنسان إلى غاية تقف عندها ،فكذلك ال تتناهى
تعينات الحق ،وتنوعات ظهوراته لْلنسان بحسب أحواله التي هي تعينات مطلق ذات
الحق ،وتنوعات ظهوراته] .
وقد سبق التنبيه في غير هذا الموضع على أن األسماء أسماء األحوال ،وعلى أن
األعيان تتقلب عليها األحوال.
155
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 156عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٥٦
بخالف الحق ،فإنه يتقلب في األحوال ،كما أخبر سبحانه عن ذلك بقوله ُ :ك هل يَ ْو ٍم ُه َو
َفي شَأ ْ ٍن [ الرحمن ، ] 29 :فافهم ،وال تتأول بل اجتهد أن تعاين أوال فآمن وأسلم
وّللا الموفق والملهم . تسلم ،ه
أي :وكما ال تنتهي أحوال اإلنسان إلى غاية ال يكون وراءها له حالة ؛ ألنه بدأ يتغير
عليها األحوال كل حين ،كما هو شأن المشاهد ،وهو تعينات الذات المطلق ،
ومتنوعات ظهوراته ال تنتهي تعينات الحق وتنوعات ظهوراته لْلنسان بحسب تلك
األحوال .والفرق بين التعينات وتنوعات الظهور ،
أن التعين سبب للظهور ؛ الكتنافه بالصفات الموجبة له ؛ وتنوعات الظهور إنما هو
الختالف التعينات باختالف الصفات واألحوال اإلنسانية لما كانت مظهر الذات باعتبار
الصفات ،فهي متنوعة لظهوره ،استلزم تنوع الظهورات اختالف التعينات ،ولزم
بكل ظهور تعين مناسبة ،فأحوال اإلنسان هي المعينات والمنوعات ؛ ولذلك كانت
األسماء اإللهية التي هي بحسب التعينات أسماء له بالنسبة إلى أحوال اإلنسان ،إذ هي
التي استلزمت تلك التعينات ،بواسطة استلزامها ،تنوعات الظهور المستلزمة اختالف
التعينات.
وقد سبق التنبيه على ذلك في غير هذا الموضع من كتب القوم ،وعلى عدم تناهيها
بقوله تعالى ُ :ك هل يَ ْو ٍم ُه َو فَي شَأ ْ ٍن [ الرحمن ، ] 29 :واأليام ال تتناهى فهكذا
شؤونها.
ولما كانت الشؤون بحسب األعيان الثابتة ،وكلها في اإلنسان بجمعيته ،فأحوال
اإلنسان ال تناهى ،فهكذا ما يلزمها من تنوع الظهورات ،وما يلزمها من تكثرات
التعينات إلى غير النهاية ،ولما كانت غير متناهية ،امتنع اإلحاطة بها ،فكيف
يتجاوز إلى ما ورائها حتى يقيد بذلك ،فافهم .وال تتأول شيئا مما ذكرنا ،فإنه على
ظاهره ،بل اجتهد أن تعاين هذا األمر ،فآمن به أوال ،وأسلم تسلم من الخطأ في
وّللا الموفق
ادعاء معرفة ما ال يمكن معرفته ،أعني الحق من جهة جميع تعيهناته ،ه
لهذه المعرفة التي هي معرفة العجز عن حقيقة المعرفة ،والملهم بإلقاء ما تحقق امتناع
وّللا أعلم.
الوصول إليه ،ه
156
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 157عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٥٧
اإلطالق لما غلب ،لم يظهر فيه الكثير ،وإن كان له وجه النهاية اتحد بها والتقييد ،
وإن كان له وجه إلى اإلطالق ،لكنه لم يغلب فيه ،فلم يظهر فيه بل ظهرت الكثرة
لكونها فعلية فيه ،لكن بقدر ما ظهرت الوحدة فيه ،يعرف اإلطالق ال كما يعرفه
المطلق .
ّللا عليه [ :اعلم أن ليس في الوجود موجود يوصف باإلطالق إال وله قال رضوان ه
وجه إلى التقييد ،ولو من حيث تعينه في تعقل متعقل ما أو متعقلين ،وكذلك ليس في
الوجود موجود محكوم عليه بالتقيد إال وله وجه إلى اإلطالق ،ولكن ال يعرف ذلك إال
من عرف األشياء “ “ 1معرفة تامة بعد معرفة الحق ،ومعرفة كل ما يعرفه به ،
ومن لم يشهد هذا المشهد ذوقا لم يتحقق بمعرفة الحق والخلق ] .
أي :كل موجود من الحق والخلق ،موصوف باإلطالق ،فله وجه إلى التقييد ال محالة
،أي :متصف بالتقييد ،أو قابل لالتصاف به -وإن لم ينحصر فيه -ومن هاهنا اتحد
الحق بالخلق والخلق بالحق ،وبعض الخلق ببعض .
وأقله أن يتقيد المطلق بتعينه في تعقل متعقل ما ،فإن تعقل الشيء يقتضي تعينه بمثال
يميزه عما سواه ،ذاتيها أو عرضيها ولو بحسب فرد ،فيتقيد به على إطالقه بنفسه ،أو
في تعقل جمع من المتعقلين ،فإنه يتعين في كل مثال ال يكون عين اآلخر بالشخصية ،
سيما إذا تغايرت األمثلة بالنسبة إلى أذهانهم ،وكذا كل محكوم عليه بالتقييد من
الموجودات .
وإنما قال ؛ ألن المطلق يمتنع الحكم عليه ما لم يعرف له وصف ،فإذا عرف حكم به
عليه سيما إذا انحصر فيه له وجه إلى اإلطالق ،وإن كان منحصرا في القيد ؛ ألن
القيد وصف موضعه المطلق ،ويجوز أن يعرف ذلكم الوصف ،فيرجع إلى األصل .
وال يجوز رفع ذلك الموصوف ،المتناع قيام الوصف بدونه ،فالموجود من كل مقيد
هو الوجود المطلق الحق الواجب بذاته ،فالموصوف يتقيد بصفات المظاهر ،ولكن ال
يعرف ذلك إال من عرف األشياء معرفة تامة ،إنها ماهيات معدومة انضمت إلى
الوجود فاتصف بمراياها ،فصارت أوصافه قيودا ،والماهيات العدمية ليست صفة له
،وإال اتصف الموجود بالمعدوم الذي هو ضده ،وال موصوفه وإال اتصف الموجود
بالمعدوم ،بل الموصوف هو الوجود المطلق ،والصفات هي القيود الالحقة به عند
إضافته إلى الماهيات ،
..............................................
) ( 1أي أن الماهيات األعيان الثابتات باقية على عدميتها ،والحق تعالى يظهر
بأحكامها.
157
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 158عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٥٨
أي :الظاهرة عند ذلك بعد ما كانت مندمجة في الذات المطلقة ،وإنما ال يعرف ذلك
إال بمعرفة أن الحق هو الوجود المطلق ،وال يعرف ذلك إال بمعرفة أنه موجود بالذات
،واجب غير قابل االتصاف بالعدم واالنقالب إليه ،وال من األمور العقلية التي ال
تحقق لها في الخارج بل الكل متحقق به ،وهو متحقق بذاته ،وأنه ال وجود لغيره .
ّللا عنه ( :ومن لم يشهد هذا المشهد ) . .بأن الوجود هو المطلق ،وإن ثم قال رضي ه
ظهر بالقيود باعتبار نسبة إلى المظاهر ،وأن الحقائق معدومة لم يتحقق بمعرفة الحق
الذي ذكرنا أنه الوجود المطلق ،وأطلق بأنه الماهيات التي نسب إليها الوجود ،فليس
الحق من عوارض الماهيات أو معروضاتها ،فال يتكثر بتكثرها وال يتعين .وال الخلق
موجود بأنفسهم ،بل به ،فهم على مستقر العدم والحق كما لم يزل ال شيء معه في
القدم ،فافهم .
وأما من حيث أن انتشاء أسماء الحق من حضرة وحدته ،هو من مقتضى ذاته ،فإن
جميع الكماالت التي يوصف بها ،كماالت ذاتية ] .
أي :الكمال الالزم للحق له اعتباران :فإنه باعتبار ينقسم إلى ذاتي وأسمائي ،فالذاتي
ما ال يتوقف وجوده وال ظهوره على شيء ،بل هو ظاهر لذاته في ذاته أزال وأبدا من
غير توقف على التعينات والتقيدات ،وباعتبار الحق غني عن العالمين ،والكمال
األسمائي وإن لم
158
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 159عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٥٩
يتوقف وجوده على شيء ،يتوقف ظهوره وحصوله بالفعل على إيجاد العالم ؛ ألن
األسماء نسب بين الذات واألشياء ،فال يتحقق إال بالمنتسبين ،وليس ذلك استكماال
للذات ،بل لظهورها في المظاهر بعد كمال ظهورها لذاتها .
وباعتبار آخر ،وهو اعتبار ،أن الحكم بالكمال للحق ،يتوقف على تعينه ،فالكماالن
معا أسمائيها .
ما الذي جعلناه أسمائيها في االعتبار األول ،فظاهر ،وأما ما جعلناه ذاتيها هناك ؛ فألنه
إذا حكمنا على الذات بأنها كاملة ،فال ب هد من تصور الذات الكاملة ،والنسبة بينها ،
وتصور الذات إنما هو بتميزها عما عداها ولو بوجه ما ،فإذا عرف أنه كامل فقد
تصور أنه متميزا ولو بعارض ،ككونه لم يضف إليه األسماء بعد ،وأنه ممتاز بغناه
في ثبوت وجود عما سواه ،وكل ما تتصور متميزا عن الغير ،
فهو متعين وال شك أن كل تعين يتعقل للحق هو اسم له ؛ ألنه معقول بالنسبة إلى الغير
ولو باعتبار التميز عنه ،ولهذا كانت األسماء تعينات الحق عند المحققين ،إذ هي من
حيث أنها نسب أمور معدومة ،وال أثر للمعدوم في الوجود ،فاألسماء بالحقيقة تعينات
الحق باعتبار تلك النسب ،فلما كان كل تعين اسما وال حكم بالكمال على الحق قبل
التعين ،فكل كمال اسمي ،وإن لم يتوقف ظهوره على إيجاد الغير
.
وباعتبار ثالث أن الكمالين ذاتيان :أما الذي جعله ذاتيها في االعتبار األول فظاهر ،
وأما الذي جعلناه اسميها هناك ؛ فألن جميع األسماء من حضرة وحدته الذي اشتق منها
األحدية والواحدية ،واألسماء منتشية من الواحدية ،والمنتشيء من المنتشيء من
شيء منتش من ذلك الشيء مع أن االنتشاء مقتضي ذاته ،إذ كانت كامنة فيه ،فالكل
متقضي الذات ،ومنتش منها فينسب إليها ،فجميع الكماالت التي يوصف بها الحق
كماالت ذاتية من هذا االعتبار ،فافهم .
ّللا عنه [ :وإذا تقرر هذا ،فنقول :من كان له هذا الكمال
قال الشيخ الصدر رضي ه
من ذاته ،فإنه ال ينقص بالعوارض واللوازم الخارجية في بعض المراتب معنى أنها
تقدح في كماله ] .
إشارة إلى المسألة األولى أي من ثبت له الكمال من ذاته ،فهو له أزال وأبدا ،فال
ينقص كماله إذا تقيد باعتبار مرتبة أو مظهر بقيود هي من العوارض الزائلة ،أو
اللوازم الخارجية ،وإذا كانت تلك القيود تقابل أضدادها وما يناقضها ،لكنه ال تفيده
نقصا بمعنى
159
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 160عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٦٠
قدحها في كماله المطلق ؛ ألن القيد إنما يلحقه باعتبار مرتبة ،ال باعتبار غيرها ،فهو
على إطالقه ،وإذا كان على إطالقه فهو على كماله .
أما باعتبار انقسام الكمال الذاتي واألسمائي ؛ فألن الذات ال تتغير بتغيرات األسماء ،
كما أنها ال تتكثر بتكثرها ،فالنقص من جهة عدم اعتبار بعض األسماء في تلك
المرتبة ،ال تضره باعتبار اإلطالق .
وأما باعتبار كون الكل اسميها ؛ فألنه ال يفتقر شيء ،منها باعتبار مرتبة التعين األول
،وإن فقد البعض باعتبار سائر المراتب ،وإن فقد مرتبة ،لم يفقد في أخرى .
وأما على اعتبار كون األول ذاتيها ؛ فألن الذات منشأ جميع المراتب ،فهو كما أنه
منشأ األول فهو منشأ منشأ األولى ،فهو منشأ جميع الكماالت ،فافهم “ .
ّللا عنه [ :وال جائز أن يتوهم في كماله نقص أيضا بحيث يكمل بها بل قد
قال رضي ه
يظهر بالعوارض واللوازم في بعض المراتب ،وصف أكمليته ،ومن جملتها معرفة
أن هذا شأنه ] .
إشارة إلى أن الثانية ،أي :وال يجوز أيضا أن يتوهم أن المطلق يكمل بالقيد بحيث
يكون ناقصا بذاته كامال به ،بل كماله الذاتي بحاله ويظهر بالعوارض واللوازم في
بعض المراتب ،كمرتبة اإلنسان الكامل وصف أكمليته باألسماء هذا على اعتبار
انقسام الكمال إلى الذاتي واألسمائي ظاهر .
وأما على اعتبار كون الكل اسميها ؛ فألن الكمال بحسب التعين األول بحاله ،وإنما زاد
وصف األكملية بحسب التعينات الباقية .وأما على اعتبار كون الكل ذاتيها ،فألن الذي
بال واسطة شيء بحاله ،وإنما زاد ما هو بالواسطة ،ثم استشعر سؤاال ،بأن فيه
استكمال الذات بالكمال ،ظهر وصف األكملية بظهوره في شؤونه ،فهي داخلة في
الذات مشهودة فيها موجودة ثمة ،فما حصل لها من األكملية شيء لم يكن ،بل إنما
زاد نسبة الظهور بها في المظاهر ،والنسبة أمر عدمي ،وإنما اعتبر المعرفة ؛ ألن
في مرتبة اإلطالق ال تتميز الشؤون أصال ،بل هي بالقوة ،وال كمال لما هي بالقوة
من كل وجه .
النص السادس عشر :
ّللا عنه [ :نص شريف جدها ] لما ذكر في النص السابق بحث الكمال ، قال رضي ه
وهو وصف فال ب هد من معرفة الموصوف بحسب المراتب الحقيقية وشرع فيها.
160
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 161عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٦١
وإنما كان شريفا لشموله الحقائق الموصوفة به أجمع ،وإنما كان شرفه جدها إلفادة
المعرفة التامة بالموصوفات والصفات .
ّللا عنه [ :حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه بنفسه من حيث تعينه قال الشيخ رضي ه
في تعلقه نفسه باعتبار يوحد العلم والعالم والمعلوم ] .
أي :الحقيقة التي يتميز بها الحق عما عداه تميزا ذاتيها ،هي صورة علمه بنفسه ،أي
إن فرضت مغايرة لذي الصورة ،كانت مطابقة له تعلق ذلك العلم بنفسه من حيث
تعينه الضروري الذي يلزم تعقله لنفسه ،واحترز به عن تعقله نفسه من حيث الظهور
في المظاهر أو من حيث تعقل الغير إياه ،وليس تعلق ذلك العلم بنفسه باعتبار زيادة
الصورة على ذي الصورة وزيادة النسبة بينهما ؛ فإنه مثل هذا العلم يكون حجابا على
المعلوم ،تعالى علم الحق عن ذلك ،على أنه يستلزم التعدد في رتبة التعين األول ،
وهي بسيطة من جميع الوجوه .بل باعتبار توحد العلم والعالم والمعلوم ،لعدم زيادة
الصورة ونسبها على ذي الصورة ،واحترز بذلك عن تعقله نفسه في رتبة األسماء .
ّللا عنه [ :وصفته الذاتية التي ال تغاير ذاته ،أحدية جمع ال يتعقل وراءها
قال رضي ه
جمعية ،وال نسبة وال اعتبار ] .
أي :والصفة الذاتية ذكرها ؛ ألن الذات إنما يعرف بها معرفة هي غاية ما يمكن من
المعارف ،وهي التي ال تغاير الذات بحسب الصدق وإن غايرته بحسب المفهوم ،وإال
امتنع القول بالموصوف والصفة أحدية جمعية الوجود ومراتبه وأوصافه ال يتعقل
وراءها جمعية الجتماع أحدية الفرق ،والجمع فيها من غير منافاة بينهما ،بل
يجمعهما من غير تقيد بهما ،وال نسبة اختصاص ألحد األمرين من الجمع والفرق ،
بل بجمع الكل بال تقيد بالجمع ،وال اعتبار إطالق فوقه ،بل بحيث يشمل اإلطالق
والتقييد من غير أن يتقيد بالشمول .
ّللا عنه [ :والتحقق بشهود هذه الصفة “ “ 1ومعرفتها تماما ،إنما قال الشيخ رضي ه
يكون بمعرفة أن الحق في كل متعين قابل للحكم عليه بأنه متعين بحسب األمر
المقتضي إدراك الحق فيه متعينا مع العلم ،بأنه غير محصور في التعين ،وأنه من
حيث هو هو غير متعين ].
................................................
) ( 1يعني الصفة الذاتية.
161
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 162عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٦٢
أي :إنما يشاهد هذه الصفة شهودا حقيقيها بحيث يصير عين اليقين أو حقه بمشاهدة أنه
الحق ،ومعرفتها تماما بحيث يصير علم اليقين ،إما يكون بمعرفة أنه الحق في كل
متعين رتبة أو فرعا أو شخصا قابل ؛ ألن يحكم عليه بالتعين ،ال بحسب ذاته بل
بحسب األمر المقتضي إدراك الحق فيه متعينا من الحواس أو العقول ،أو تجليه
بحسب األسماء المختصة بتلك المرتبة مع علم المشاهد والعارف بأنه غير محصول
في التعين أصال ،فضال عن تعينه في تلك المتعين المخصوص بالمشاهدة أو المعرفة
في الحال مع العلم بأنه من حيث هو غير متعين ،وإنما يتعين بحسب المراتب ،فهو
على صرافة إطالقه في حال تعينه ،فإذا عرف ذلك عرفها بأحدية جمع ال يتعقل
وراءها شيء مما ذكر ،ولما جعل هذه الصفة ،ال تغاير الذات افتقر إلى بيانه .
ّللا عنه [ :وهذا هو صورة علمه بنفسه ،فيعرف ذاته متعينا بالنسبة إلى
فقال رضي ه
ظهوره في المتعينات بحسبها ،وبالنسبة إلى من لم يشهده ،وإال في مظهر ،ويعرف
سبحانه أنه من حيث هو هو غير متعين أيضا حال الحكم عليه بالتعين لقصور إدراك
من لم يدركه إال في مظهر ،وسواء اعتبر المظهر عين الظاهر أو غيره “ “ ] . 1
أي :كونه في كل متعين للحكم بأنه يتعين بحسب ما يقتضي إدراكه فيه ،كذلك مع
العلم بأنه غير محصور فيه ،وال متعين ،من حيث هو هو ،هي صورة علمه بنفسه ،
بحيث كانت زائدة طابقت حقيقته ،فيعرف في علم نفسه ذاته متعينة بالنسبة إلى
ظهوره في المتعينات بحسب استعداداتها وقابلياتها لتجليه مع كونه غير متعين وال
منحصرا فيه ،ويعرف ذاته أيضا متعينة بالنسبة إلى من لم يشهده إال في مظهر ،فإن
علم ذلك الشخص ظل ،فعلم الحق بعينه الثابت ،لكنه سبحانه يعرف مع ذلك ال من
حيث تعلق علمه بعينه ،بل من حيثية غيرها أنه من حيث هو غير متعين ،ولو حال
الحكم بالتعين .
وإنما لم يكن بتلك الحيثية ،علم الحق سبحانه بعينه ،لقصور إدراكه ،فال يعلم بذلك
العلم إال من هو مدركه ؛ ألن العلم بالشيء تابع للمعلوم ،وسواء كان في قصور
ّللا مقيدا ببعض األشياء الظاهر مع
اإلدراك اعتبار المظهر عين الظاهر كمن يرى ه
االنحصار فيه أوال ،بل يجعل في جميع المظاهر منحصرا فيه ،فيعلم من حيث تعلق
علمه بهم بنفسه
...............................................
) ( 1فالظاهر هو عين المظهر وذلك من حيث الوجود وغير من حيث التعينات.
162
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 163عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٦٣
كذلك ،ويعلم من حيثية أخرى أنه ال يتقيد بشيء من ذلك ،أي سواء كان اعتقادهم في
غاية الفساد ،أو صوابا من وجه ،فإنه يعلم نفسه من حيث تعلق علمه بهم ،كما
يعتقدون ،فافهم .
ّللا عنه [ :وحقيقة الخلق عبارة عن صورة علم ربهم بهم وصفتهم الذاتية ، قال رضي ه
الفقر المثمر لمطلق الغناء ليس كل فقر ،فافهم ] .
أي :وحقيقة الخلق المميزة لهم عن الحق مع وحدة الوجود ،عبارة عن صورة
تطابقهم منتقشة في علم ربهم بهم في المرتبة الثانية ،وهي األعيان الثابتة وال الشؤون
،فهي حقيقة تلك األعيان ال حقيقة الخلق بنفسها ،وصفتهم الذاتية التي هي مقتضى
ّللا في ثبوت حقائقهم المتعلقة له وفي وجوده ،
ذواتهم بال واسطة افتقارهم إلى ه
وأوصافهم المثمرة المطلق الغني للحق في هذه األمور .
أي :المعرفة لذلك المعنى والمظهرة اسم الفاعل ،ليس كل فقر من صفتهم الذاتية ،
كافتقار األسماء في ظهورها إلى المظاهر ،فافهم .
ّللا عنه [ :اعلم أن ثمرة التنزيه العقلي ،هي تميز الحق عما يسمى سواه
قال رضي ه
بالصفات السلبية حذرا من نقائص مفروضة في األذهان غير واقعة في الوجود ،
والتنزيهات الشرعية ثمرتها ،نفي التعدد الوجودي واالشتراك في المرتبة األلوهية ،
وهي ثابتة أيضا شرعا مع تقرير االشتراك مع الحق في الصفات الثبوتية لنفى
المشابهة والمساواة ] .
163
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 164عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٦٤
وأما التنزيهات الشرعية ،أي :المفهوم من ظاهر الكتاب والسنة واألقوال الظاهرة من
العلماء ،وإنما أورد بلفظ الجمع لتعدد هذه األمور ،فتنزيهه عن الشريك في المرتبة
األلوهية ،والمثل والمساوي منها ،ثمرتها نفي التعدد الوجودي إلله العالم .
وإنما قيد بذلك ؛ ألنه ال ينفيه بحسب الذهن بل بحسب الخارج ،وبذا ال يحتاج لنفسه
ّللا عنه ،إذ الشركة في صفات األلوهية إال األدلة ،ولم يرتضه الشيخ القونوي رضي ه
ّللا
من السمع والبصر والحياة والعلم والقدرة واإلرادة والكالم أيضا ثابتة شرعا لغير ه
تعالى ؛ ألن الشرع إنما نفى المشابهة والمساواة في هذه الصفات ،ومفهومه تقرير
االشتراك مع الحق في الصفات الثبوتية المذكورة ،ال على وجه المساواة والمشابهة ؛
ّللا خير الرازقين ،فأثبت جمعا مع الرازقين ،وكذا
وذلك ألن ظاهر القرآن ناطق بأن ه
الغافرين والخالقين والراحمين ،فلم ينفه أصال االشتراك في هذه الصفات ،فلم يثبت
ما فهمه أهل الظاهر بحسب ظاهر الشرع أيضا ،بل ال بد من تأويله بما يجمع بين
النصوص وذلك في التنزيه الكشفي ،
وهو الذي فيه قال الشيخ األعظم :
[وأما تنزيه أهل الكشف ،فهو بإثبات الجمعية للحق مع عدم الحصر ،وتمييز أحكام
األسماء بعضها عن بعض ،فإنه ليس كل حكم يصح إضافته إلى كل اسم ،بل من
األسماء
164
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 165عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٦٥
ما يستحيل إضافة بعض األحكام إليها ،وإن كانت ثابتة ألسماء أخرى “ ، “ 1وهكذا
األمر في الصفات ،ومن ثمرات التنزيه الكشفي نفي السوي مع بقاء الحكم العددي ،
دون فرض نقص يسلب أو تعقل كمال يضاف إلى الحق بإثبات مثبت ،والسالم ] .
إنما ذكر التنزيه هنا من غير اقتصار على الثمرة كما فعل فيما مضى ؛ إشعارا
باعتباره من أول األمر دون ما مضى إلى التنزيه الكشفي تنزيه الحق عن خروج شيء
منه ،فهو إلثبات جمعية الحق مع عدم الحصر في الجمعية ،حتى إنه يوجد في
التفرقة ،فله أحدية الجمع والفرق معا وفرادى ،وهذا األمر في تنزيه الذات .
وأما االسمي ،فهو تنزيه بعض األسماء عن إضافة بعض األحكام إليها فهو تمييز
أحكام األسماء بعضها عن بعض ،إذ من األسماء ما يستحيل إضافة بعض األحكام
إليها من حيث هي تلك األسماء ،وإن كانت مضافة إلى أسماء أخرى.
والذات تشمل الكل ؛ فأحكام المذل ال تنسب إلى المعز وبالعكس ،فقد أشار هاهنا إلى
المثمر والثمرة جميعا ،ثم ذكر من ثمراته نفي السوي القتضاء الجمعية ،نفيه مع بقاء
الحكم العددي بحيث صار من وجه آخر سواه ،وإال لم يكن للفرق مدخل أصال ،وكان
مقيدا بالجمعية ؛ وإذا انتفى السوى ،دخل الكل فيه دون فرض نقص في الذات دون
سلب ذلك النقص بدخوله ؛ لشمولها على الكل بالقوة ،فال نقص فيها ،وال حدوث
يحلها أو تعقل كمال يضاف إلى الحق بإثبات مثبت من هذه األشياء ؛ ألنه كامل بالذات
،وكمالها من الحق ؛ ألنها صفاته بالحقيقة ظهرت بالمقيدات ،والسالم على أهل
ع هما ب ْال َع هز َة َسبْحانَ َر َبه َك َر ه َ الكشف إذ لم يحيطوا في تنزيههم بخالف األولين ُ ،
صفُونَ [ الصافات ، ] 180 :أي: يَ َ
علَى ْال ُم ْر َ
س َلينَ سال ٌم َ عن تنزيههم وتشبيههم ؛ ألن عزته مانعة أن يصل إليه إدراكهم َو َ
ب ْالعالَ َمينَ [ الصافات ] 181 :إذ أصابوا في تنزيههم الكشفي َو ْال َح ْم ُد َ ه َ
ّلل َر ه َ
[ الصافات ] 182 :؛ لشموله الكل بال نقص وتغيير فيه ،فله الكماالت كلها ،فافهم.
...............................................................
) ( 1يعني كالصفات المتضادة ،مثل الحافظية والدافعية ،والمعزية والمذلية والمنعية
والعطائية.
165
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 166عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٦٦
ّللا عنه [ :كينونة كل شيء في شيء إنما تكون بحسب المحل ،وسواء قال رضي ه
كان المحل معنويها أو صوريها ؛ ولهذا وصفت المعلومات الممكنة من حيث ثبوت تعينها
في علم الحق وارتسامها فيه بالقدم ،كما أن كل متعين في علم الحق من وجه آخر ال
يخلو عن حكم الحدوث ،بأن وجود العالم وعلوم أهله حادثان منفعالن ،بخالف وجود
ّللا تعالى ] .
الحق وعلمه ،فاعلم ذلك ترشد إن شاء ه
أي :ثبوت كل حال في محل إنما يكون في الحدوث والقدم بحسب المحل -وإن كان
في نفسه ليس كذلك -وسواء في هذا الحكم ،كان المحل معنويها كعلم الباري والعقول ،
أو صوريها كالعنصريات .
وبهذا القول المعلومات الممكنة التي هي حوادث بالذات ،توصف بالقدم من حيث
تعينها في علم الحق ؛ ألن العلم اإللهي قديم ،فما يثبت فيه من حيث أنه مرتسم فيه
أيضا قديم ،واألحدث االرتسام فيه مع أنه ليس محال للحوادث ،وهذا الذي حكم عليه
بالقدم من حيث أنه متعين في علم الحق ومرتسم فيه ،محكوم عليه بالحدوث من حيث
أنه موجود في الخارج ؛ ألن وجود العالم وعلوم أهله مع تعينها في علم الحق حادثان
بحسب الخارج ،النفعالهما عن وجود الحق وعلمه ،
وهذا بخالف وجود الحق وعلمه ،فإنه من حيث هو قديم ،فإذا ظهرت الحوادث فهو
حادث بحسب الظهور ال بحسب نفسه ،فإن الظاهر هو الوجود القديم والعلم القديم
أضيفا إلى األشياء ،فصارت مثلها بحسب اإلضافة ال بحسب نفس األمر .فاعلم ذلك
ّللا
ترشد في الجمع بين الشريعة والحقيقة إلى ما أصله التوحيد الصرف إن شاء ه
تعالى.
166
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 167عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٦٧
لما ذكر في النص السابق حكم الشيء باعتبار محله ،وذكر هاهنا ما هو باعتبار نفسه
،فذكر فيه الحقائق اإللهية من الذات ،وأسمائها الذهاتية وأحكامها وأثريتها ومؤثريتها
بالذات ،وعلمها وواحديتها ،وكون علمها مرآة الذات واألسماء ومحتد الكثرة ،وذكر
فيه المراتب ،ومناسبة كل مرتبة لألخرى وشرفه ؛ الشتماله على نتائج ما سبق من
النصوص وجاللته ؛ الشتماله على مقدماتها وأجمعيته لجمعه بين المبادئ والغايات ،
فافهم .
ّللا عنه [ :اعلم أن إطالق اسم الذات ال يصدق على الحق إال باعتبار تعينه
قال رضي ه
،التعين الذي يلي في تعقل الخلق غير الكمل اإلطالق ،المجهول النعت ،العديم االسم
،وأنه وصف سلبي للذات ،فإنه مفروض االمتياز عن كل تعين ،وإنما األمر الثبوتي
الواقع هو التعين األول] .
اعلم أن المبتدئين في هذا العلم يتوهمون أن الذات اسم للحق باعتبار اإلطالق الذي هو
معنى سلبي مع أنه مجهول النعت عديم االسم ،وأنه هو المسمى بغيب الحق ؛ ألنه
فوق الكل ولو كانت الذات اسما لما دونه ،لكان فوق ذات الحق هذا اإلطالق ،وليس
فوقه شيء باالتفاق .
وإنما قلنا :أنه فوق كل شيء ؛ ألن كل تعين مسبوق بال تعين والالتعين هو اإلطالق ؛
ّللا عنه هذا الوهم تنبيها بقوله “ :اعلم أن إطالق أي اسم “ أي : فدفع الشيخ رضي ه
لفظ الذات ال يصدق على الحق إال باعتبار تعينه األول ،إذ ال اسم قبله باالتفاق ،فلو
كان هذا اسمه ،وقع التناقض أنه ليس بمقيد بالذاتية ،كما أنه ليس بمقيد بالوصفية ،
على أنه أجمع على أن الحق إنما بتعقل ذاته باعتبار تعينه األول ،فما لم يتعقله الحق ،
كيف يكون متعقال لغيره ؟
حتى يعلم أن اسم الذات اسم له ،بل هذا التعقل أمر وهمي يتعقله غير الك همل بالقياس
إلى سائر اإلطالقات ،وهو وصف سلبي فال يكون فوق الحق ؛ ألن ما فوقه شيء إنما
يكون إذا كان في نفسه شيئا .
ال يقال :لو لم يكن شيئا ،لم عن كل تعين ؛ ألنها نقول هذا االمتياز أمر يفرضه الوهم
،
167
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 168عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٦٨
كما يفرض فوق كل تعين ال تعينا ،مع أن الالتعين أمر سلبي ال يصح الفوقية والتقدم
،وإنما األمر الثبوتي الواقع هو التعين األول ،فذات الحق اسم له ،إذ ليس اسما لألمر
العدمي .
نعم هو وصف سلبي للذات باعتبار عدم تقييده بشيء من اإلطالق والتقييد ،لكنه ليس
باعتبار التعين األول ،بل باعتبار المراتب ،لكنه لما كان عا هما في تعقل العامة ،
فرضوه سابقا على التعين األول ،فافهم .
قال المصنف [ :وأنه بالذات مشتمل على األسماء الذاتية التي هي مفاتيح الغيب ،
ومسمى الذات ال يغاير أسماءها .
وأما األسماء ،فيتغاير ويتضاد بعضها بعضا ،ويتحد أيضا بعضها مع البعض من
حيث الذات الشاملة لجميعها ] ،أي :التعين األول بالذات مشتمال على األسماء الذاتية
التي هي مفاتيح الغيب ،ومسمى الذات التي هي مفاتيح النسب ،وهي :الحي العالم
القادر المريد السميع البصير المتكلم ،وإال كانت هذه األسماء بواسطة ،وكانت
الواسطة مفتاح الغيب ال هذه .
ال يقال :لو اشتمل التعين األول عليها ،لم يكن تعينا أوال بل تكون حضرة األسماء ؛
ألنا نقول ،مسمى الذات ال يغاير أسماءها بوجه ما ،في تلك الحضرة ،وأما األسماء
في حضرته التي هي التعين الثاني ،فيتغاير بعضها بعضا بالمفهوم ،ويتضاد بعضها
بعضا بالحكم ،ويتحد أيضا بعضها لبعض من حيث الذات الشاملة عليها ،فيتصادق
بعضها بعضا على بعض ،ويصدق الجميع على الذات .
ّللا عنه [ :واألحدية وصف التعين ال وصف المطلق المعين إذ ال قال الشيخ رضي ه
اسم للمطلق ،وال وصف ] “ “ .1
..........................................................
) ( 1األحدية هي اعتبار الذات من حيث ال نسبة بينها وبين شيء أصال وال شيء إلى
الذات نسبة أصال ،ولهذا االعتبار المسمى باألحدية تقتضي الذات الغنى عن العالمين
،ألنها من هذه الحيثية ال نسبة بينها وبين شيء أصال .ومن هذا الوجه المسمى
باألحدية يقتضى أن ال تدرك الذات وال يحاط بها بوجه من الوجوه لسقوط االعتبارات
عنها بالكلية .وهذا هو االعتبار الذي به تسمى الذات أحدا كما عرفت ،ئمتعلقه بطون
الذات وإطالقها وأزليتها.
168
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 169عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٦٩
جواب سؤال مقدر تقديره كيف تشتمل الذات على الحقائق األسمائية الذاتية مع أن
الذات اسم للمطلق عند تعينه تعينا أوال ،وأول ما يتصور ال يكون إال الذات وحدها ؛
ولهذا يوصف باألحدية العتبار األسماء ،فكيف تكون الذات باعتبار أحديتها شاملة
على األسماء .
فأجاب بأن :المطلق ال يتعين أصال إذ ال اسم له وال وصف ،فكيف يوصف بالتعين
وباألحدية بل األحدية ال يعتبر معها األسماء ،والواحدية يعتبر معها األسماء ،فالذات
أعم من الموصوف باألحدية والواحدية ،فتكون شاملة على األسماء ،لكن ال تتميز
األسماء باعتبار أحديتها وواحديتها ،فافهم .
ّللا عنه [ :ومن حيثية هذه األسماء باعتبار عدم مغايرة الذات لها ،
قال الشيخ رضي ه
ونقول إن الحق مؤثر بالذات ،فافهم ] .
تفريع على عدم مغايرة الذات لهذه األسماء ،حتى قال المحققون :الذات مؤثرة في
األشياء بال واسطة مع أن الذات من حيث هي غنية عن العالمين ،فال ب هد من واسطة
األسماء ،لكنها كانت عين الذات في رتبة األحدية ،ومن جهة اشتمال الذات عليها في
الواحدية وبحسب الصدق جعلت الواسطة كال واسطة ،وإنما قال :فافهم ؛ ألنه يصدق
حينئذ قول من قال بالواسطة أيضا ،لكنه باعتبار آخر .
ّللا عنه [ :وللذات الزم واحد فحسب ،ال يغايرها إال مغايرة نسبية ، قال الشيخ رضي ه
وذلك الالزم هو العلم ] “ “ . 1
أي :وللذات سواء اعتبرت أحديتها أو أحديتها الزم واحد من بين األسماء السبعة ،أما
الباقية إنما يلزم بواسطته إال أنه يغاير الذات ومغايرتها أيضا في الواحدية ،بل ال
تغايرها إال مغايرة نسبية ثمة فضال عن األحدية ،إذ يحد هناك العلم والمعلوم من كل
وجه ،فلما لم يغاير هذه الواسطة في موضع تميزه تميزا كامال ،لم يعد واسطة بين
الذات وسائر األسماء الذاتية .
ثم بيهن إن ذلك الالزم هو العلم ال الحياة ،وإن كان العلم يتوقف عليها ،لكن الحياة
..................................................................................
) ( 1يقصد بذلك شمول هذا الالزم جميع اللوازم ؛ ألن سائر اللوازم لها ظهور وثبوت
في الحضرة العلمية حتى الذات.
169
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 170عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٧٠
إنما تعلم به ،وليس التوقف هاهنا إال باعتبار التعقل ،وإال فالكل صفات أزلية أبدية .
ّللا عنه [ :والوحدانية ثابتة للحق من حيث العلم ،فإن فيه وبه تتعين مرتبة
قال رضي ه
اإللهية وغيرها من المراتب والمعلومات ؛ الرتسام الجميع فيه ] ،
أي :الوحدانية وإن كانت من لوازم الذات من حيث اشتمالها على األسماء ،فإنها ثبتت
للحق من حيث العلم ،إذ العلم لما كانت محل ارتسام الكل ،وال تعين قبل االرتسام ،
ففيه وبه تتعين مرتبة األلوهية التي هي الواحدية ،وكذا غيرها من المراتب الكلية
والمعلومات الجزئية .
وإنما قال :فيه وبه ؛ ليعلم أن التعين حكم فيحتاج إلى معرفة المحكوم ،فيكون كالسبب
لتعين الوحدانية ،كتعين سائر المراتب أيضا على أنه ذات ارتسم الكل فيه كان محيطا
بالجميع ،والمحاط أدنى من المحيط ،وكل أدنى ثابت باألعلى .
ّللا عنه [ :وهو مرآة الذات من حيث اشتمالها على األسماء الذاتية قال الشيخ رضي ه
مر وهو أعني العلم محتد الكثرة المعنويةالتي ال يغايرها الذات بوجه ما ،كما ه
ومشروعها ،وإنما قلت ،أن العلم كالمرآة للمعلومات والذات أيضا مع أسمائها الذاتية
من أجل أنه باعتبار امتياز العلم عن الذات االمتياز االعتباري ،تعقل تعين الحق في
تعقله نفسه في نفسه ،فعلمه الذاتي كالمرآة له “ ، ] “ 1
أي :إنما كان العلم محل ارتسام الجميع ؛ ألنه مرآة الذهات من حيث اشتمالها على
األسماء الذاتية ،واألسماء الذاتية مفاتيح الغيب ،فشمول الذهات عليها يستلزم شمولها
على جميع الشؤون الذاتية ؛ وإنما ظهرت الذات في المرتبة األولى مع األسماء الذاتية
؛ ألنها ال تغاير الذات ،وظهور الذات ظهور أسمائها الذاتية .
وإنما لم تظهر الشؤون هناك لتوقفها على تمايز األسماء ،واألسماء وإن ظهرت
بظهور الذات ال تتمايز في المرتبة األولى إال أن العلم لما كان مرآة الذات مع األسماء
الذاتية ،كان محتد .
أي :أصل الكثرة المعنوية ،أي :كثرة المعنى التي هي األعيان الثابت ومشروعها
الذي خرجت األعيان بسببه من المرتبة األولى ،فظهرت في الثانية ،ثم استشعر
سؤاال بأن العلم كيف يصير مرآة الذات ،مع أن األسماء الذاتية التي ال تغاير الذات ،
إنما لزمت الذات بواسطته ،فال مغايرة للعلم مع الذات أصال والمرآة ال ب هد وأن تغاير
المرئي فيها.
...........................................................
) ( 1وذلك باعتبار االمتياز النسبي ،وإال فيكون العلم عين الذات في الحقيقة.
170
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 171عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٧١
فأجاب بأن :المراد بقولهم مرآة الذات ،أنه كالمرآة ،وإنما ساغ هذا التنبيه مع امتناع
تبعية الشيء بنفسه باعتبار امتياز العلم عن الذات ،في المرتبة الثانية االمتياز الذي
تقتضيه نسبة تعقل الذات إليها ،وهو االمتياز االعتباري.
وإنما قلنا بهذا االمتياز إذ به يعقل تعين الحق في تعقل نفسه في نفسه فنفسه كالمرآة
لنفسه ،وعلمه عين نفسه ،فعلمه الذاتي كالمرآة له بالطريق األولى.
ّللا عنه [ :ولهذا قلنا في غير هذا الموضع أن حقيقة الحق عبارة قال الشيخ رضي ه
عن صورة علمه بنفسه ،ونبهنا أيضا على أن كل ظاهر في مظهر ،فإنه يغاير
المظهر من وجه أو وجوه إال الحق ،فإن له أن يكون عين الظاهر وعين المظهر ،
فتذ هكر ].
أي :وألجل أن العلم كالمرآة للذات ،مغاير لها مغايرة نسبية اعتبارية ال حقيقية ،قلنا
في غير هذه المواضع وهو النص الرابع عشر أن حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه
بنفسه ،ولوال أن علمه كالمرآة له ،لم يكن له صورة منتقشة في علمه ،وهو أيضا
على نهج من المجاز ،وإال فال صورة ثمة لعدم مغايرة العالم للمعلوم ثمة ،لعدم
الكثرة بالفعل في المرتبة األولى ،ونبهت لبيان عدم مغايرة العالم للمعلوم على أن كل
ظاهر في مظهر ،فإنه يغاير المظهر من وجه أو وجوه إال الحق ،حيث قال :وال
يثمر بشيء ،وال يظهر عنه عينه ،ذكره في السابع والثامن اللذين جمع بينهما مع أنه
قال في النص الرابع ،فوحدته الحقيقية الماحية جميع االعتبارات واألسماء والنسب
واإلضافات ،عبارة عن تعقل الحق نفسه وإدراكه لها من حيث تعيهنه ،ففهم منه ،إن
الحق يكون بحسب هذه الوحدة عين الظاهر والمظهر جميعا ،وإنما قال :فتذكر ،
لتعرف الموضعين المستثنى والمستثنى منه.
ّللا عنه [ :وأما المراتب ،فعبارة عن تعينات كلية ،يشتمل قال الشيخ األعظم رضي ه
عليها الالزم الواحد الذاتي الذي هو العلم ،وهي كالمحال لما يمر عليها من مطلق
فيض الصادر عن الذات باعتبار عدم مغايرة الفيض للمفيض كما سبق التنبيه عليه في
شأن مظهرية الحق وظاهريته ] .أي :وإنما قلنا :العلم مرآة للمرتب ؛ فألن المراتب
عبارة عن تعينات كلية ،والكليات من حيث هي كليات ،ال تثبت إال في العلم ،فحينئذ
يشتمل عليها الالزم الواحد بالذات ،فيلزمها ذلك الالزم والواحد ،فهي منتقشة فيه
انتقاش الذات ،لكن فرق بين االنتقاشين ،فإن لها صورة زائدة في حضرة العلم حتى
صارت كالمحال ال يمر عليها
171
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 172عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٧٢
من مطلق فيض الذات ،فيتقيد ذلك الفيض بحسب قابلياتها .
وإنما قلنا :أن فيض الذات مطلق ؛ ألن ظاهر الحق ومظهره لما كانا متحدين في
مرتبة الوحدة والتعين األول ،والمفيض هو الظاهر ،والفيض هو المظهر ،كانا
متحدين ثمة ،ثم يقيد بحسب صور المراتب المنتقشة في حضرة العلم بقيود زائدة .
ّللا عنه [ :ولها مدخل في حقيقة التأثير ال مطلقا ،بل من حيث ما قلت أنها
قال رضي ه
كالمحال ] .
أي :لما كان الفيض يصير مقيدا بحسب المراتب عند المرور عليها ،فلها مدخل في
حقيقة التأثير ،إذ هي المؤثرة في الفيض الواحد المطلق بالتقييد والتكثير ،وال تأثير
قبل ذلك ؛ التحاد الفيض والمفيض قبلها ،لكن ال مدخل لها في حقيقة التأثير مطلقا ،
لما ذكر في النص الرابع أن كل ما يوصف بالمؤثرية في شيء أو في أشياء ،فإنه ال
يصدق إطالق هذا الوصف عليه تماما ما لم يؤثر في حقيقة ذلك من حيث هو ،دون
تعقل انضمام قيد آخر ،أي :تلك الحقيقة موصوفة بالتأثير أو شرف خارجي ،وهنا قد
انضم إليها قيد آخر مع أنها كالمحال " .
قال قدس سره [ :فكل مرتبة مجلى معنوي لجملة من أحكام الوجود واإلمكان ،
المتفرعة من األسماء الذاتية وأمهات األسماء األلوهية ،وما يليها من األسماء
التالية ] .
أي :إنما كانت المراتب مؤثرة في تقييد الفيض وتكثيره بعد إطالقه ووحدته ،أي :
كل مرتبة مجلى معنوي ،وهو كالحسي في التأثير “ لون الماء لون إنائه “ لجملة من
أحكام الوجوب واإلمكان ،ولألولى تأثير الفاعلية ،ولألخرى تأثير القابلية ،وقد
اجتمعا في كل مرتبة متوزعة تلك األحكام الوجوبية عن األسماء الذاتية التي ال تدل
وّللا والوجود والقديم والعالم
على معاني زائدة على الذات أصال ،كاالسم هو ه
والظاهر ،
وأمهات األسماء األلوهية وهي التي جعلناها األسماء الذاتية فيما تقدم بدليل أنه نص
وصفها بأنها مفاتيح الغيب ،وسيأتي منه التصريح بذلك ومتفرعة تلك األحكام
اإلمكانية عن األسماء التالية ،كالخالق والرازق والمصور ،فبواسطة أحكام تلك
األسماء أثرت ،فالمؤثر بالحقيقة تلك األسماء بل الذات الموصوفة بها ،فافهم .
ّللا عنه [ :ولها -أعني للمراتب -أعيان ثابتة في عرصة العلم قال الشيخ رضي ه
والتعقل ،وال
172
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 173عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٧٣
أثر لها على سبيل االستقالل ،بل بالوجود ،وهكذا شأن الوجوب مع المراتب ،فإنها
مؤثرة ظاهرة الحكم في كل ما يتصل بها ويتعين لديها بتكيفات مطلق الفيض الواصل
والمار عليها ] .بيهن الضمير ؛ لئال يتوهم عوده إلى األسماء التي هي أقرب
ه إليها
المذكورات .
أي :إنما قلنا :تأثير المراتب من حيث هي محال معنوية لجملة من أحكام الوجوب
واإلمكان ال بنفسها ؛ ألنه لو لم يعتبر في تأثيرها ذلك ،ال عتبر مجرد صورها العلمية
،إذ ليس لها من حيث هي األعيان الثابتة في عرصة العلم الذي تعقلها ،وهي من
حيث هي معدومة ،وال أثر للمعدوم في الموجود ،والفيض المقيد أمر وجودي
ومتحقق في الخارج ،فال أثر لتلك األعيان على سبيل االستقالل ،بل بالوجود
المستلزم أحكام الوجوب باألسماء الذاتية وأحكام اإلمكان باألسماء التالية .
وإنما لم يقل األثر للوجود ؛ ألنه ال يستقل بتنويع الفيض بالنسبة إلى المراتب ؛ ألنه
واحد فال يصدر عنه إال الواحد الذي هو الوجود العام وإذا كان كذلك ،فالمراتب
ظاهرة الحكم في كل ما يتصل بها من الفيض ،ومعنى االتصال بها ،التعين لديها .
أي :عند النسبة إليها بإعطاء تلك المراتب تكييفات بحسبها لمطلق الفيض الواصل
إليها ،أي :المنتهى إليها ،والفيض المار عليها إلى غيرها ،فإن للمرور عليها تكييفا
غير تكييف الموصول إليه ،فالتأثير لها من حيث هي محل األحكام الوجوب النسبي
للوجود وأحكام اإلمكان التي لها ،ولم يقل التأثير لتلك األحكام نفسها ؛ ألنها أيضا ال
تستقل بنفسها ،بل ال ب هد لها من القيام من المراتب فاألثر للمجموع ،فافهم .
173
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 174عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٧٤
إلى ما يؤثر فيه مما دونه ،فالكل نهايات نسبية ،وذلك كان في تعيين الفيض عندها
وإيصالها بها ،وإنما كانت نهايات نسبية باعتبار سر الفيض الذاتي الذي هو التجلي
الوجودي في كل منزل ودرجة من المنازل والدرجات .
وإنما جمع بينهما ؛ ألن المنازل تفرض فيما ينتقل الفيض منه بالكلية ،والدرجات فيما
عداه المتعينة بين األزل واألبد ،ال إلى غاية ال يكون وراءها غاية ،وال قرار فيما
فاض عليه لحصول الخلق الجديد في اآليات كلها ؛ وذلك ألن الحركة وجودية
والسكون أمر عدمي ،فال ب هد للتجلي من الحركة الدائمة ،فلكل منزل ودرجة ،نهاية
بالنسبة إلى ما قبله دون ما بعده ،فافهم .
فقد استبان بما ذكرته إن المراتب مجتمع جمل األحكام المستقرة لديها من حضرة
الوجوب واإلمكان ،وهي المظهرة لنتائج تلك االجتماعات لكن بحسبها ال بحسب
األحكام ،وال بحسب مطلق الفيض فحكمها حكم األشكال والقوالب مع كل متشكل
ومتقولب يتصل بها ويحل فيها ،فهذا أثرها فهي ثابتة العين ،وإليها يستند نتائج
األحكام وينضاف آخرا ؛ ألنها المشرع والمرجع ،فافهم .
أي :فقد ظهر لي بما ذكرت مع أن لكل مرتبة محل معنوي لجملة من أحكام الوجوب
واإلمكان ،إن المراتب مجتمع جمل من األحكام ،وهي مستقرة لديها ،وإن انتقل
الفيض عنها ،أو أصاب الغير بواسطتها ؛ ألن تلك األحكام حصلت من حضرة
األسماء الوجوبية واإللهية ،ومن حضرة األسماء اإلمكانية من األسماء التالية ،
والحضرتان مستقرتان ،فيستقر الحاصل منها .
وظهر مما ذكرته من أن لها مدخال في حقيقة التأثير أنها المظهر لنتائج تلك
االجتماعات ،أي بين أحكام الوجوب وأحكام اإلمكان ،لكن بحسبها من حيث أنها
مجال ال بحسب األحكام ،إنها ال تستقل بنفسها بالوجود دونها ،فكيف تؤثر دونها .
على أن تلك األحكام ليست مرائي للفيض ،فكيف تؤثر فيه ،وال بحسب مطلق الفيض
،إذ ال استقالل له في تنوعه على أنه عين الوجود وال تنوع له استقالال ،ثم بيهن
تأثيرها من حيث هي مجال معنوية بأنها نسبه الحسية .
والغرض منه بيان أن الفيض هو المتأثر بها ،وهي ال تتغير ؛ فلذلك قال :فهي ثابتة
174
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 175عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٧٥
العين في عرصة العلم ،وإليها تستند نتائج األحكام إذ هي أحكام لتلك األعيان ؛ ألن
التنوع إنما حصل من األعيان ،وإليها ينضاف آثارها فتنوع الجزاء يترتب عليها ال
على األمر المقدر ؛ ألن هذه األعيان هي موضع الجزاء ،وإال فالوجوب وأحكامه من
حيث هو ال يستحق جزاء وال شيئا آخر ،كما أنها مشرع تلك األفعال ،فلذا قال
تعالى َ :جزا ًء َبما كانُوا يَ ْع َملُونَ ،وهي ال ينافي أن وجودها من الحق وبتجليه ،فافهم
فإنه حينئذ للجمع بين القدر والشرع .
ّللا عنه [ :ثم اعلم أن المراتب متعلقة االنتشاء بعضها من بعض ،وكذلك قال رضي ه
األسماء ،فاأللوهية بأسمائها الكلية التي هي :الحي العليم القادر المريد ظل للذات من
حيث اشتمالها بذاتها على مفاتيح الغيب ،لكن بين األلوهية والذات في ذلك فرق دقيق
في ذوق الكمل ،وهو أن األلوهية تتعقل ممتازة عن أمهات أسمائها المذكورة ،والذات
ال يعقل تميزها عن أسمائها الذاتية إال المحجوبون عن التجلي الذاتي “ ، “ 1وأما
أهل التجلي الذاتي فال يعقلون هذا النوع من التميز ،وال يشاهدونه إال باعتبار علمهم
بعلم المحجوبين ،وإنما التميز عندهم في ذلك فهو بما أشرت إليه من أن الذات غير
مغايرة ألسمائها الذاتية بوجه ما ،وهي تغاير بعضها بعضا مع أنه ال انفكاك .
ومع أن درجات المفاتيح متفاوتة ،فإن بعضها تابع للبعض ،كما نبهت عليه في
األسماء األلوهية من تبعية اسم الخالق والبارئ والمصور وأمثالها ،فتذكر ] .
لما ذكر أن كل مرتبة نهاية نسبة علم ،وأن بعضها مترتب على البعض فنبهه عليه ،ثم
ذكر أن هذا الترتب متفرع على ترتب األسماء ،فاأللوهية التي هي مرتبة الواحدية
بأسمائها الكلية ،وهي األربعة المذكورة جعلها كليات ؛ ألن السميع والبصير راجعان
إلى العالم ،
والمتكلم إلى القادر المريد ظل الذات األحدية من حيث اشتمالها بذاتها على مفاتيح
النسب التي هي األسماء السبعة استشعر سؤاال ،وهو أن األحدية إذ اشتملت على
األسماء التي هي مفاتيح الغيب ،كالواحدية ،فأي فرق بينهما حتى جعال مرتبتين ،
فقال :بينهما فرق دقيق يختص بالك همل ،وهو أن في مرتبة األلوهية يعقل تميز الذات
عن هذه األسماء
......................................................
) ( 1هو أعلى التجليات ،وأعلى مراتب التجريد الذي عرفت بأنه تجريد الذات الذي
ال يرى فيه سوى ذات واحدة في تعيناتها.
175
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 176عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٧٦
بظهورها بالفعل فيها ،وأما األحدية ،فالذات ال يعقل تميزها عن أسمائها الذاتية ؛ ألن
كلها ثمرة بالقوة ،فال يتعقل تميزها عنها ،ال من حجب عن هذا السر ،فيقول :ال
أسماء وال صفات هناك أصال ،وإنما هي في حضرة األلوهية حتى أنهم منعوا من
التجلي الذاتي إذ الذات مجردة عن الصفات ال تتجلى على شيء لغاية غنائها عن
العالمين على أن كل متج هل ال ب هد وأن يتصف بالظهور .
وأما الذين تجلى لهم الذات ،فال يعقلون هذا النوع من التمييز بين األلوهية والذات ،
أعني بنفي الصفات في مرتبة الذات ،وإثباتها في مرتبة األلوهية ،وال يشهدونه عند
التجلي الذاتي ؛ ألن التجلي يستلزم االتصاف بالظهور ،بل يستلزم ظهور كل شيء ؛
ألنه الظاهر في كل شيء ،كما أنه الباطن عن الكل إال باعتبار علمهم بعلم المحجوبين
؛ ألنهم لما كوشفوا بكل شيء عند تجلي الذات ،كوشفوا بعلمهم أيضا ،فيتعقلون هذا
التمييز بالنسبة إلى علم المحجوبين الجاهلين في علمهم ،ال بالنسبة إلى نفس األمر .
بلى التميز الصادق عندهم هو التمييز بما أشرت إليه من أن الذات ال تغاير أسماءها
الذاتية في المرتبة األولى بوجه ما ،وتغاير في مرتبة األلوهية عن أسمائها ،وال
لبعض األسماء عن بعض ،فهي معا في التحقيق مع تفاوت درجات المفاتيح فضال عن
األسماء التالية ،فإن العالم يسبق الحي ظهورا ،والحي شرط والقادر عنها والمريد
عن الثالث ،فبعضها تابع للبعض .
ّللا عنه على ذلك في تبعية أسماء األلوهية أنها متبوعة لألسماء
وقد نبهه الشيخ رضي ه
ّللا قدره في الفصل الموضح بقية أسرار النهص الحادي عشر “ إن التالية ،ذكر أعلى ه
األسماء أحوال ، . .فافهم .
176
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 177عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٧٧
بها أي :المناسبة ،فهو أن المناسبة إنما نشأت من مكان االشتراك بين المتناسبين في
أمر يوجد فيما يقضي برفع المغايرة بينهما من هذا الوجه ،وإن ثبتت المغايرة بوجه
آخر حتى صار هذا مرتبا عليه وال خفاء به .وتلك المناسبة إما ذاتية أو مرتبية ،
والذاتية إما بين الحق واإلنسان ،أو بين بعض أفراد اإلنسان مع بعض اآلخر منه ،
وأما المرتبية ففيما بين أفراد اإلنسان فقط .
قال الشيخ في مقام بيان المناسبة الذاتية [ :وأولها وأعالها ،المناسبة الذاتية ،
فالمناسبة الذاتية بين الحق واإلنسان الذي هو العين المقصودة تثبت من وجهين :
أحدهما من جهة ضعف تأثير مرآتيته في التجلي المتعين لديه بحيث ال يكسبه وصفا
قادحا في تقديسه سوى قيد التعين ،غير القادح في عظمة الحق وجالله ووحدانيته ،
وخلوه عن أكثر أحكام اإلمكان ،وخواص الوسائط ،وتفاوت درجات المقربين
واألفراد عند الحق هو من هذا الوجه ] .
أي :وأول المناسبات لتعلقها بأول التعينات ،أي بأول المظاهر فضال وأعالها ؛
لكونها بين أعلى التعينات وأعلى المظاهر ،أو بين أفراده هي المناسبة الذاتية التي بين
الحق واإلنسان أو بين أفراد اإلنسان الكامل بعضها مع بعض ،فالمناسبة الذاتية بين
الحق واإلنسان ،خصت باالعتبار دون سائر المظاهر ،لكونها العين المقصودة للحق
بالذات .
فالمناسبة الذاتية فيها أظهر وأكثر ،وهذه المناسبة من وجهين على سبيل منع الخلو ،
أحدهما عدمي نشأ من جهة ضعف تأثير مرآتية الشيء بعينه الثابتة في تجلي الحق
المتعين ذلك التجلي عند الوصول إلى هذه المرآة ؛ ألنها إذا ضعف تأثيرها فيما ظهر ،
وانتقش فيها ،ال تكسبه وصفا قادحا في تقدسيه ،فيبقى مناسبا للحق الذي تجلى فيه ،
إال أن التقديس ال يمكن أن يبقى على تمامه ،إذ ال ب هد من قيد تعين الغير فيما ظهر من
مرآتيه ،وهذا القدح قادح في عظمة الحق وجالله ووحدانيته .
أما قدحه في العظمة ؛ فألنه ظل فال يساوى ذا الظل ،وأما في الجالل ،فألنه يقتضي
اإلحاطة العلية بهذا الظل الظاهر والجالل يمنعه ،وأما في الواحديهة ،فألن تعين الغير
يوجب االثنينيهة ،وإنما اعتبر الضعف ولم يجعله صرف العدم ألجل وجوب التأثير
بوجه .
وأيضا تنشأ هذه المناسبة العدمية من جهة خلو مراتبه عن أحكام اإلمكان المكثر فيها
أحكام الوجوب ،وذلك لخلوه عن خواص الوسائط ،لغاية قربه من الحق فإذا كثرت
177
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 178عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٧٨
ّللا عنه [ :وأما المناسبة مع الحق من اآلخر ،فهو بحسب حظ العبد قال الشيخ رضي ه
من صورة الحضرة اإللهية ،وذلكم الحظ يتفاوت بحسب تفاوت الجمعية فيه ،
فتضعف المناسبة وتقوى بحسب ضيق ،فلك جمعية ذلك اإلنسان من حيث قابليته
وسعتها ،فتنقص الحظوظ لذلك ،وتنوافر تارة لذلك ] .
أي :وأما مناسبة اإلنسان مع الحق مناسبة من الوجه اآلخر الذي هو وجودي ،وهو
المناسبة بالتخلق بأخالقه واالتصاف بصفاته ،وهو بحسب حظ العبد من صفاته
األلوهية على سبيل المثال المتناع االنتقال على صفاته تعالى ،وامتناع قيام صفة
واحدة بموصوفين ؛ فلذلك قال :من الصورة معنوية ال حسية ،وذلك الحظ يتفاوت
عز وج هل ،فإن كانت جمعيته أقلبحسب تفاوت جمعية العبد ألخالقه وأوصافه ه
تضعف المناسبة ،وإن كانت أكثر تقوى المناسبة ،وتفاوت هذه الجمعية بحسب ضيق
األفالك إلى العين الثابتة التي هي مرآة جمعية اإلنسان من قابليته واستعداده لقلة
الجمعية وكثرتها ،ومن حيث سعة فلكها ،فتنقص حظوظ العبد في الخارج بضيق
الفلك وتوفر حظوظه بسعتها .
ّللا عنه [ :والمستوعب لما يشتمل عليه مقام الوجوب واإلمكان من
قال رضي ه
الصفات واألحكام ،وما يمكن ظهوره بالفعل من ذلك في كل عصر وزمان مع ثبوت
المناسبة أيضا من الوجه األول له الكمال ،وهو محبوب الحق والمقصود لعينه ،فهو
من حيث حقيقته التي هي برزخ البرازخ ،مرآة الذات واأللوهية معا ولوازمها
وصاحب المناسبة الذاتية من وجه األول محبوب مقرب ال غير وقد سبق التنبيه على
ذلك ] .
لما كان الوجهان على سبيل منع الخلو أمكن الجمع بينهما ،فالجامع لما يشتمل عليه
مقام الوجوب من الصفات اإللهية ومقام اإلمكان من أحكام المراتب ،بشرط إمكان
178
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 179عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٧٩
ظهور تلك الصفات واألحكام بالفعل في كل عصر وزمان ،قيد بذلك إذ منها ما ال
يمكن ظهوره أصال وبحسب بعض األزمنة ،فال يخ هل النقص من كمال الشخص مع
ثبوت المناسبة أيضا من الوجه األول مع الحق
.
أي :الذي من جهة ضعف تأثير مرآته في تجلي الحق وخلوه عن أحكام اإلمكان ،
مؤثرة في تجلية الكمال اإلنساني الذي ثبت به النبوة في زمان إمكانها ،والقطبية
والفردية في زماننا ،فهو محبوب الحق لمناسبته إياه من الوجه األول والمقصود بعينه
،وذلك من حيث حقيقته التي هي برزخ البرازخ من حيث شموله األسماء الذاتية
واأللوهية .
سمي برزخ البرازخ ؛ لكونه أعلى البرازخ ،بخالف البرزخ بين الوجوب واإلمكان
وبين األرواح واألجسام ،وإنما كان مقصودا لعينه من حيث هذه الحقيقة البرزخية ؛
ألنه مرآة لشموله على أسمائها التي ال يغايرها بوجه من الوجوه ،ومرآة األلوهية
لشموله على أسمائها أيضا ولوازمها من أحكام الوجوب واإلمكان ،فهو أعلم الخلق به
لظهور الكل فيه .
والمقصود من اإليجاد ،هو إظهاره على الوجه األكمل الجامع لْلجمال والتفصيل معا
،وأما صاحب المناسبة من الوجه األول ،فهو وإن كان محبوبا لظهوره بقدسيه مقربا
التصافه بصفات الوجوب بعيدا عن اإلمكان ،إال أنه ليس مقصودا بعينه ،لعدم شمول
الكل ،وقد سبق التنبيه في النص العاشر على أن المقصود بعينه من هو .
ّللا عليه [ :وأما المناسبة الذهاتية بين الناس ،فتثبت من وجهين أيضا ،
قال رضوان ه
وهما مثاالن للوجهين اإللهيين المذكورين ،أحدهما من جهة اشتراك المتناسبين في
المزاج بمعنى وقوع مزاجيهما -مزاجهما -في درجة واحدة من درجات االعتداالت
التي يشتمل عليها مطلق عرض األمزجية اإلنسانية ،أو تكون درجة مزاج أحدهما
مجاورة لدرجة مزاج اآلخر ،وهذا أصل عظيم في مشرب التحقيق ،قل من يعرف
ذوقا ؛ ألن تعينات األناس من العوالم الروحانية ،وتفاوت درجاتها في الشرف ،وعلو
المنزلة من حيث قلة الوسائط وكثرتها وتضاعف وجوه اإلمكان وقوتها بسبب كثرة
ّللا تعالى وقدره ،المزاج المستلزم
الوسائط وقلتها وضعفها ،إنما موجبها بعد قضاء ه
لتعين الروح بحسبه .
فاألقرب نسبة إلى االعتدال الحقيقي الذي تعين نفوس الكمل في نقطة دائرته ،
179
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 180عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٨٠
يستلزم قبول روح أشرف وأعلى نسبة من درجة العقول والنفوس العالية ،واألبعد عن
النقطة االعتدالية المشار إليها بالعكس من الخسة ونزول الدرجة ] .
أي :المناسبة بين أفراد الناس باعتبار ذواتهم ،فمن وجهين أيضا يماثالن المناسبة
الذاتية بين الحق واإلنسان ،أحدهما عدمي ،وهو أن ال يتفاوت مزاجهما ،فيشتركان
في المزاج المعتدل بأن يقع مزاجهما في درجة واحدة من بين درجات كثيرة لالعتدال
المخصوص بنوع اإلنسان ،أو يكون درجة مزاج أحدهما مجاورة لدرجة مزاج اآلخر
من غير تخلل درجة أخرى بينهما .
صا
بيان ذلك أن لكل من المولدات أعني المعدن والنبات والحيوان واإلنسان مزاجا خا ه
ال يتحقق بدونه ،ثم لكل نوع منها كذلك ،ثم لكل صنف ثم لكل فرد ؛ لكن المزاج
النوعي إذا فقد فقد الشخص ،وفسد فسد المزاج ،والنوعي يشتمل كل مزاج يعرض
النوع بأدلة درجات بحسب األصناف واألشخاص والمتناسبات في المزاج من
اشتراكهما في درجة واحدة أو جاوزت درجة مزاجه درجة مزاج اآلخر .
وهذا التناسب المزاجي أصل عظيم في باب صحبة المريدين للمشايخ ،وإفادتهم إياهم
واستفادتهم منهم ،قل من يعرفه من المشايخ ذوقا في المريدين دائما ،وإنما كان أصال
عظيما ؛ ألن تعينات أرواح األناس التي بقدرها االنجذاب ،أي :المقامات العالية من
العوالم الروحانية التي هي العقول والنفوس ،وتفاوت درجات تلك األرواح في الشرف
ّللا تعالى ،
وعلو المرتبة وعلو المنزلة ،وضدهما من حيث قلة الوسائط بينهما وبين ه
وكثرتها وقلة الوسائط وضعفها يقلل وجوه اإلمكان ويضعفها ،
وكثرة الوسائط وقوتها ،تكثر وجوه اإلمكان وتقويها والموجب لكثرة الوسائط وقلتها
ّللا وقدره المزاج ؛ ألنه المستلزم تعين الروح بحسب ما فيه من الوحدةبعد قضاء ه
والنزاهة عن تأثير طبائع العناصر بعضها في بعض ،
فاألتم مزاج أقرب إلى الوحدة ،فيناسبه فيفيض عليه الروح على حسب ذلك ،فبدن
اإلنسان األقرب نسبة إلى االعتدال الحقيقي ،وهو االعتدال الذي تعين نفوس الكل في
نقطة دائرته ،أي :مركزها بحيث ال يتفاوت فيه العناصر وطبائعها أصال ،خالفا لما
يقوله الحكماء ،يستلزم قبول روح أشرف وأعلى يفيض عليه إما من العقول أو من
النفوس العالية والبدن األبعد عن النقطة االعتدالية المشار إليها ،وبالعكس في قبول
الروح ،
180
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 181عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٨١
فيكون فيها من الخسة ونزول الدرجة بحسب بعده عن نقطة االعتدال .
ّللا عليه [ :فاعلم ذلك ،وتف ههم ما ذكرته في أمر االشتراك المزاجي ،
قال رضوان ه
ترق به إلى معرفة المناسبة الروحانية الخصيصة بالوجه اآلخر المشابه للمناسبة
الذاتية الخفية الحقيهة المحضة ] .
أي :فاعلم المناسبة الذاتية بحسب المزاج ،وتف ههم ما ذكرته من أن هذه المناسبة أصل
عظيم ،ترق بمعرفته ،أي :معرفة المناسبة أصل عظيم ترقى بمعرفته ،أي معرفة
المناسبة الروحانية بحسب اشتراكهما في أوصاف األرواح وعلوها ومقامها ،فإن ذلك
أيضا بحسب مزاجها ؛ ألن ما تعين من األعلى ،يكون على صفات الوجوب أشمل ،
ومن كان تعينه من األدنى ،كان على أحكام اإلمكان أشمل ،ومن تشارك كالجمع بين
المناسبتين كانا مشتركين في اإلنسانية الكاملة ،فافهم .
ّللا عنه [ :وإذا عرفت هذا عن شهود أو فهم محقق ،رأيت أن قال الشيخ رضي ه
بعض األرواح يكون مبدأ مقامها في التعين اللوح المحفوظ ،ومبدأ تعين بعضها من
روحانية العرش من مقام إسرافيل ،وبعضها من الكرسي من مقام ميكائيل ،وبعضها
من السدرة من مقام جبرئيل ،هكذا متنازال حتى ينتهي األمر إلى سماء الدنيا المختصة
بإسمائيل رئيس مالئكتها على جميعهم السالم ،فتعرف حالة إذ أن الشرط األكبر
ّللا وعنايته
الموجب لما ذكرته من تفاوت درجات أرواح الناس في ذلك بعد سابق علم ه
وقضائه ومشيئته ،هو ما سبق ذكره في شأن األمزجة وقربها من نقطة االعتدال
الحقيقي وبعدها ،وأثر العناية والمشيئة يختص بحسن التسوية الربانية التي يليها نفخ
الروح وتعينه ،فافهم وتذكر ] .
أي :وإذا عرفت أن المزاج هو الذي يستلزم تعين الروح بحسبه شرفا وخسة عن
شهود من أهل اليقين ،وإال فعن فهم محقق عرفت أن بعض األرواح يكون مبدأ مقامها
،أي :كمالها في التعين من جهة االعتدال سواء حصل أصل المتعين من اللوح أو من
أعلى منه ،إال أن الكمال في االعتدال ال يتعلق بما فوقه ؛ ألن اللوح هو النفس الكلية
المسماة بالزمرد الخضرات ،لها نسبة ظلمانية إلى الهباء بحر الطبيعة ،كما أن لها
نسبة نورانية إلى العقل األول ،فاالعتدال بيدها بخالف ما يذكر في المناسبة المرتبية ،
وهي كما كانت بمنزلة القلب للعالم كله ،كان تعرفها في جسم الكل ،فلهذا لم يخصها
بروحانية شيء من األفالك.
181
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 182عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٨٢
ومبدأ تعين بعضها روحانية العرش ،أي عرش الرحمن وروحانية المالئكة الواهبات
،وهي حاصلة من مقام إسرافيل عليه السالم ،وبعدها من روحانية سدرة المنتهى ،
منتهى مقام العابدين تحت الكرسي في فلك البروج ،وهي المالئكة المسماة من مقام
جبرائيل عليه السالم ،وبعضها من روحانية فلك الثوابت ،وهي التاليات من مقام
رضوان خازن الجنان عليه السالم ،وبعضها من روحانية فلك زحل ،وهي النازعات
من مقام الملك الكريم ،وبعضها من روحانية فلك المشتري ،
وهي الملقيات من مقام الملك المقرب ،وبعضها من روحانية فلك المريخ ،وهي
الفارقات من مقام الخاشع ،وبعضها من روحانية فلك الشمس ،وهي الصفات من مقام
الرفيع ،وبعضها من روحانية فلك الزهرة ،وهي الفانيات من مقام الحمد ،وبعضها
من روحانية عطارد ،وهي الناشطات من مقام فلك الروح ،وبعضها من روحانية فلك
القمر ،وهي مالئكة الروحانية من مقام إسماعيل عليه السالم ،وأسامي هذه المالئكة
ّللا روحه -في رسالة
ذكرها الشيخ الكامل المكمل محيي الدين بن العربي -قدس ه
“ عقلة المستوفز " . " 1
ّللا عنه [ :فتعرف حالة إذ ] أي :حالة إذ يعرف ما ذكرنا عن قال المصنف رضي ه
شهود ،أو فهم محقق إن الشرط األكبر قيد به ؛ ألن لهذا التفاوت شرطا آخر من
األدوار الفلكية ،وخواص األمكنة أحوال األبوين لتفاوت أرواح الناس في الشرف
والخسة ،هو قرب األمزجة من نقطة االعتدال الحقيقي وبعدها عنها ،
ّللا المسمى بالعناية والقضاء والمشيئة ،جعله بعدها ؛ ألنه أثر
لكن ذلك بعد سابق علم ه
المزاج الذي هو أثر العناية التي هي المشيئة ؛ ألن أثرها يختص بحسب التسوية
الربانية المسماة االعتدال ،ربانية لحصولها من الرتبة اإللهية ،يليها نفخ الروح الذي
هو تعين الروح لما فيه من الخروج من مقامه الغيبي إلى الظهور الذي هو التعين.
فلذلك قال [ :فافهم ] ،وإنما قال :وتذكر لتعرف بذلك التناسب الذهاتي من الوجه
اآلخر ،وذلك باستجماع خواص تلك المالئكة ،وعينه .
ّللا عنه [ :وأما المناسبة المرتبية ،فإنها ليست من وجه واحد ،بل قال الشيخ رضي ه
من وجوه متعددة :أحدها من جهة معدنها األصلية التي هي مبدأ تعينات األرواح
المشار إليها آنفا ،
.........................................................
) ( 1انظره في ( :ص ، ) 173طبعة دار الكتب العلمية.
182
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 183عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٨٣
فإن مبدأ تعين أعالها درجة أعني أرواح الكمل ،أم الكتاب ومبدأ تعين بعضها علما
ووجودا متوحدا ذات القلم األعلى المسمى بالعقل األول والروح الكلي ومبدأ تعين
بعضها اللوح المحفوظ ،وبعضها عرشية إسرافيلية ،وبعضها ميكائيلية من مقام
الكرسي وروحانيته ،وبعضها جبرائيلية من مقام سدرة المنتهى ،هكذا إلى آخر
أجناس هذه األصول الروحانية المختصة بإسماعيل صاحب سماء الدنيا المعبر عنه
مر ] .
عند حكماء المشائيين بالعقل الفعال كما ه
اعلم أنه اختار من بين الوجوه الكثيرة ثالثة أوجه ما به المبدأ ،وما إليه المنتهى ،وما
عليه الوسط .
فأول من معادنها األصلية ،أي مبادئ تعيناتها األصلية دون اعتبار كما لها ،وقد أشير
إلى ذلك فيما سبق من أن مبادئ التعينات من حيث األصل عين مبادئها من حيث
الكمال ،ثم بيهن أن مبدأ تعين أعالها درجة ،وهي أرواح الك همل من األنبياء واألقطاب
واألفراد أم الكتاب ،وهو العلم اإلجمالي اإللهي تسمى به ؛ ألنه أصل األصول للعقول
والنفس التي هي كتب اإللهية ،إذ المراد بالكتاب العالم الكبير ،والعلم أصله ومبدأ
تعين بعضها على تفصيلها من وجه وجوده ،لجعله مجمال من وجه آخر .
وهذا االتحاد بالنسبة إلى ما دونه ،والوجود هنا فعلي دون المرتبة األولى ذات القلم
األعلى ،دون تعلق اللوح المحفوظ به سمي أي :قلبا ؛ ألن به التدوين والتسطير للعالم
،وعقال لتعقله الكل أوال ،لكنه أول المخلوقات مرتبة وروحا ال به التصرف في العالم
،وكليها ،ألن كليات األرواح جزئياته ،وبعضها عرشية إسرائيلية ،أي من نفسه
وعقله معا وكهف هذه األسامي ؛ لئال يتوهم أن لها أمورا أخرى بها التناسب
المرضي .
وأشار أيضا إلى أن هذه هي األصول الروحانية وأجناسها .وذكر في األخير أنه العقل
الفعال ،نفيا لما يقال ،إن تعلق العقل الفعال بعالم العناصر فقط .
والمشاءون طائفة من الحكماء تعلم أوائلهم من أفالطون في الطريق على ما ذكره
السيد السمرقندي في “ شرح صحائفه “ " . " 1
ّللا عنه [ :والوجه اآلخر من وجهة مظاهرها المثالية ،فإنقال الشيخ الصدر رضي ه
األرواح
....................................................
) ( 1طبع حديثا بدار الكتب العلمية -بتحقيقنا- .
183
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 184عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٨٤
على اختالف مراتبها ال تخلو عند جميع المحققين من مظاهر تتعين وتظهر بها ،وأول
مراتب مظاهر أرواح األناسي ما عدا الك همل ،عالم المثال المطلق ] .
أي :الوجه الثاني الذي إليه المنتهى ،لكونه مبدأ الظهور ،وإن كان المبدأ األصلي
غيره من جهة المظاهر المثالية ،أي :المنسوبة إلى عالم المطلق الذي تتجسد فيه
األرواح من غير أشباح ،وال يحتاج في إدراكه إلى القوة الخيالية التي في دماغ
اإلنسان ،وإنما وقع التناسب بذلك ؛ ألن األرواح مع اختالف مراتبها إنما تظهر
وتتعين عن مظاهر على ما وقع عليه اتفاق المحققين .
واستدل عليه بأنه لوال المظاهر ،المتنع تميزها لبساطتها واتحادها نوعا ،فلو لم تكن
لها مظهرا افتقرت في تميزها إلى فصل ينضم إلى جنسه الذي اشترك فيه االتحاد
النوعي ،وما به االتحاد غير ما به التمييز ،وال يكفي في ذلك اختالف المراتب ؛ ألنه
من العوارض العامة ،فال يفيد التمييز بالخواص ؛ ألنه ال يفيد التميز الشخصي ،وأما
بالعوارض المختصة فهي ال تلحق قبل الظهور ،وأول مراتب مظاهر أرواح غير
الك همل عالم المثال المطلق ،إذ ال تعين لهم قبل ذلك الختصاصه بالك همل ،فال يظهر
قبل التعين ،إذ هذا العالم في فلك البروج على ما ذكره الشيخ المحقق محيي الدين ابن
ّللا سره -في " عقلته " .العربي -قدس ه
قال الشيخ [ :والصور الخيالية ،وإن كانت مواد انتشائها لطائف قوى هذه النشأة
الطبيعية ،وجواهرها المطهرة ،والمز هكاة المكتسية صفات األرواح ،فإن صفاتها
وأحوالها في الجنة إنما يظهر بحسب روحانياتها وقواها وخواص مظاهرها المثالية
“.] “1
إشارة إلى بيان أن عالم المثال “ “ 2مرجع مظاهر أرواح أهل الجنة ،فهو مبدأ
مظاهرها أيضا ؛ وذلك ألن صورة الجنانية مظاهر أرواحهم بال شك ،فهذه الصور ،
وإن كان أهل منشأها لطائف قوى هذه النشأة الطبيعية ،أعني :القوى الحيوانية التي
هي الحواس الظاهرة والباطنة ،والقوى النباتية إذا تلطفت باألعمال الصالحة ،
واألخالق الفاضلة ،
........................................................
) ( 1ال العنصرية حيث إن المواد العنصرية مواد الكون والفساد ،وهذا ليس في
الجنة .
) ( 2مرتبة عالم المثال ،هي مرتبة وجود األشياء الكونية المركبة اللطيفة ،التي ال
تقبل التجزئة والتبعيض والخرق وااللتئام.
184
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 185عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٨٥
ولطائف جواهرها ،أعني :القلب والنفس بشرط تطهير القلب عن لوث النفس األمارة
،وترى النفس عن صفاتها وأخالقها بحيث اكتسبت تلك الجواهر صفات األرواح
وكانت الصور الجنانية على حسبها إال أن لها أحواال وأوصافا في الجنة ليكون
ظهورها فيها إال بحسب روحانياتها وقوتها متجسدة بالصورة المثالية ،وبحسب
خواص مظاهرها المثالية بدليل وقوع التبدل والتغير فيها من غير كون وفساد ،
فصفات تلك الصور وأحوالها من عالم المثال مرجع لمظاهر األرواح ،فهو مبدأ
لمظاهرها أيضا ،ثم رجع إلى بيان المناسبة بذلك بين الناس .
ّللا عنه [ :ومنازل أهل الجنة مظاهر مراتب األرواح من حيث فقال الشيخ رضي ه
ّللا عليه
مكانتها عند الحق ومن حيث مظاهرها المثالية األولى ،وقد نبه النبي صلى ه
ّللا عليه وسلم “ :يا علي إن قصرك وسلم على ذلك بإشارات لطيفة ،مثل قوله صلى ه
في الجنة في مقابلة قصري “ “ ، “ 1
وفي رواية “ :محاذاة قصري “ " . " 2
وقال في حق العباس قريبا من ذلك .
وقال في حق جمهور المؤمنين “ :ألحدكم أهدى إلى منزله في الجنة منه إلى منزله
في الدنيا “ “ ، “ 3وليس هذا إال من حكم المناسبة ] .
أشار إلى أن عالم المثال كما هو مرجع مظاهر أرواح أهل الجنة من حيث صفاء
صورهم وأحوالهم ،كذلك هو مرجع منازلها ،وهذا أدل على كونه مبدأ مظاهرها ،
وذلك إن منازل أهل الجنة مراتب األرواح ،ظهرت فيها من حيث مكانتها عند الحق
من حيث قربها وبعدها في المناسبة مع الحق ،فترتفع وتدنو منازلهم بحسب ذلك من
حيث مظاهرها المثالية ،وهي مظاهر األولى ،فمن كان مثاله على أصفى حال أو
أكدر فمنزلة بحسب ذلك .
ّللا عليه وسلم لعلي عليه السالم “ :إن قصرك في واستدل على ذلك بقوله صلى ه
الجنة في مقابلة قصري “ ؛ ألن قرب مكانته عليه السالم بالنسبة إلى مكان النبي
ّللا عليه وسلم غير ممكن ؛ ألن أدنى مراتب األنبياء ،أعلى مراتب األولياء ، صلى ه
ّللا عليه وسلم أفضل األنبياء ،فأين مكانته من مكانة علي ،فهو بالضرورة وهو صلى ه
من
...........................................................
) ( 1لم أقف عليه .
) ( 2لم أقف عليه .
) ( 3رواه الطبري في التفسير( 24 / 36 ) .
185
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 186عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٨٦
ثم استشعر سؤالين بأن هذا إنما يتم لو اعتبرت المناسبة الروحانية في تلك المنازل ،
ّللا عليه وسلم في حق جمهور المؤمنين “ ألحدكم فدفع ذلك بما روى عن النبي صلى ه
أهدى . .إلى آخره “ ،ثم صرح بالمقصود فقال " :وليس هذا األمر إال حكم
المناسبة " .
ّللا عنه بقوله [ :وأما سوق الجنة المشتمل على الصورة اإلنسانيةفقال الشيخ رضي ه
المستحسنة التي يتخير أهل الجنة التلبس بما شاءوا منها ،فمن بعض جداول عالم
المثال المطلق الذي هو معدن المظاهر وينبوعها ،وهو مجرى المدد الواصل من عالم
المثال إلى مظاهر أرواح أهل الجنة ] .
جواب سؤال مقدر تقديره :أن الصورة المثالية موادها لطائف قوى هذه المنشأة
الطبيعية وجواهرها المتطهرة وصفاتها تظهر بحسب روحانياتها وقوتها وخواص
مظاهرها المثالية ،وكذا أحوال تلك الصور ،فهذه الصورة التي في السوق ليس
موادها لطائف قوى هذه النشأة إذ هي ثابتة ال تتغير بعد الموت والحشر ،وال صفات
تظهر من روحانياتها بحالها ،على أنه ال يحتاج إلى التخرج ،وال من خواص
مظاهرها المثالية ،إذ قد ظهرت تلك في الصور األولى ،فما هذه الصور ،وكذلك
منازلها مظاهر مراتب األرواح من حيث مكانتها عند الحق ،ومن حيث مظاهرها
المثالية ،فما هذا السوق الذي هو من منازلهم ،وليس بحسب مكانتهم عند الحق
الشتراك الكل فيه ،فيها الورود ال من حيث مظاهرها المثالية ،الستلزامه التفاوت في
الظاهر هذا المنزل .
فأجاب بأن :ما ذكرنا أوال ،هي الصور األصلية والمنازل األصلية جعلت من بحر
عالم المثال المطلق ،وهذه الصور والمنازل فرعية حصلت من بعض جداول عالم
المثال ،إذ عالم المثال المطلق بحر عظيم معدن مظاهر وصور كثيرة ،فاستلزمت
المنازل األصلية التي جعلت فيها التفاوت ،ال يستلزم في المنازل الفرعية ،وخواص
مظاهرها التي ظهرت في
186
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 187عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٨٧
إشارة إلى أن كل ما يصل إليهم على التدريج يحتاج إلى جدول خاص من تلك الجداول
،وإال كانت على نسق واحد لكنها على المزيد والدليل على أنها من عالم المثال أنها
سريعة االنقالب ،فإن الطيور إذا أكلت عادت إلى ما كانت ،وكذا الفواكه ،ويحتمل
أن يقال في أراضي مراتب أعمالهم ،خبر لقوله ومنشأ مأكلهم ،فهو إشارة إلى أن هذه
األحوال أيضا من عالم المثال الجامع صورها ،وقوله “ :في ذلك كله “ متعلق
باعتداالتهم ،فاالعتدال في الكل شرط في إثبات صورة ،فافهم .
ّللا عنه [ :وأما الخلع والتحف التي يأتي بها المالئكة من عند الحق إلى
قال رضي ه
جمهور أهل الجنة حال حملهم إياهم إلى كثيب الرؤية لزيارة الحق ومجالسته ،هي
مظاهر أحكام األسماء والصفات التي يستند إليها الزائرون في نفس األمر ،وإن لم
يعلموا ذلك ،وبتلك التحف تقوى مناسبتهم مع الحق وتحيى رقائق ارتباطاتهم به من
حيث تلك األسماء والصفات التي لها درجة الربوبية على أولياء الزائرين ] .
إشارة إلى ما يظهر عليهم من حيث روحانيتهم ومكانتهم من الحق بعد بيان ما يظهر
عليهم من جهة مظاهرة المثالية وخواصها ،وفيه دفع ما يتوهم أنها من عالم المثال
أيضا ؛ فلذلك قال بهذه العبارة ( :وأما الخلع والتحف ) ،وقيد بالجمهور إذ الك همل ال
يحتاجون إلى ذلك ،وهم دائمون في الرؤية .
وأما البله ،فهم ال يصلون إلى هذه الرتبة ،لعدم كمال روحانيتهم المناسبة لرتبة
الرؤية ،وبين أنها من عند الحق ،إشعارا بأنها ليست من عالم المثال ،إذ ال مناسبة
بذلك مع
187
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 188عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٨٨
الحق ،فال يستحقون به الحمل إلى كثيب الرؤية لزيارة الحق ومجالسته ،فهي مظاهر
أحكام األسماء والصفات التي استندا في الواقع إليها ،وإن لم يعلموا استنادهم إليها إلى
اآلن ،ثم ذكر فائدة إتيان المالئكة بها ،بأنه ال بد لهم من حصول استعداد جديد ،إذ
المستمر لو كان كافيا لمراتب الرؤية بدوامه ؛ على أن الرؤيا تحتاج إلى مناسبة ذاتية
وأسمائية ،لكن المناسبة بالذات ال تحصل بنفسه إذ ال عالقة بينهما ،بل بواسطة
األسماء والصفات التي لها ربوبية خاصة على أولئك الزائرين ،فبتلك التحف يحيي
الرقائق ،أي :تعلقات ارتباطهم بالحق ،فإذا حييت تلك الرقائق ،قربت المناسبة مع
الحق ،فصارت من جهة الذات واألسماء جميعا تستحق الحمل إلى كثيب الرؤية .
ّللا عنه [ :وقوله تعالى للمالئكة في أواخر مجالس الزيارة عن أهل الجنة
قال رضي ه
ردوهم إلى قصورهم ،إشارة إلى انتهاء أحكام المناسبات المستفادة من تلك الخلع
والتحف ،وانتهاء أحكام األسماء والصفات التي هي من حيث هي تثبت المناسبة بينهم
وبين الحق ،ويوجب جميعهم وحضورهم عنده ،فمتى ظهرت سلطنة األسماء
والصفات التي تقابل أحكام األسماء والصفات المقتضية لالجتماع ،ظهرت األحكام
القاضية باالمتياز ،فحصل البعد والحجاب ،فافهم ] .
إشارة إلى االستدالل على أنها مظاهر أحكام األسماء والصفات ،وإال لم تنقطع
المناسبة المستفادة من تلك الخلع والتحف بانقطاع أحكام تلك األسماء التي تثبت
المناسبة بين الزائرين وبين الحق ،لكن المناسبة تنقطع بدليل انقطاع موجبها من
الرؤية عند الرد إلى القصور ،مع أن المعلول واجب من العلة ،
فالعلة التي هي المناسبة منقطعة ،فال ب هد من انقطاع علة المناسبة أيضا ،وهي أحكام
األسماء والصفات المقابلة لتلك األسماء والصفات ،على أولئك الزائرين بحيث
صارت أربابهم بعد ما كانت الربوبية أوال لتلك األسماء السابقة في المقابلة ،
وتلك السلطنة أحكام تلك األسماء السابقة المقتضية لالجتماع ،فمتى ظهرت سلطنة
هذه األسماء ظهرت األحكام القاضية باالمتياز بين أولئك الزائرين وبين الحق ،
فحصل البعد فيما بينهما وحصل الحجاب وهكذا انتهت سلطنة هذه األسماء المقتضية
للبعد والحجاب ،وانتهت أحكامها ،عادت سلطنة األسماء األول ،فعادوا إلى الرؤية ،
فعلم أن لكل اسم حدها معلوما في السلطنة محال وزمانا ،فلها الربوبية بحسب تلك
188
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 189عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٨٩
األزمنة .
ّللا عنه [ :وأما تفاوت مراتبهم حال المجالسة مع الحق ،فهو بحسب
قال رضي ه
ّللا ،أو علومهم
تفاوت مراتبهم في نفس الحق ،وبحسب صحة عقائدهم في ه
ومشاهداتهم الصحيحة ،وإيثارهم فيما قبل جناب الحق على ما سواه ،وطول زمان
المجالسة وقصرها وتفاوت الشرف فيما يخاطبون به ،وما يفهمونه من خطابه ،هو
بحسب ما ذكرناه ،وبحسب حضورهم على ما كانوا يعلمون منه ،أو استحضارهم له
بمقتضى اعتقاداتهم فيه ومناسبتهم لجنابه من حيث مقام كثيب الرؤية ،والتجلي
الخصيص بهم منه ،فاعلم ذلك ] .
إشارة إلى ما يظهر عليهم بحسب المناسبة الذاتية بعد ذكر ما يظهر عليهم بالمناسبة
األسمائية أي :وأما تفاوت مراتبهم في القرب من الحق والبعد منه -مع اشتراك الكل
في المناسبة -فهو بحسب مراتبهم في نفس الحق ،فإن المناسبة الذاتية متفاوتة سواء
كانت من جهة ضعف تأثير مرتبة العبد في التجلي المتعين لربه أو من جهة حظ العبد
ّللا ،وهي أيضا تقيد المناسبة
من صورة الجمعية اإللهية ،وبحسب صحة عقائدهم في ه
الذاتية حتى توجب الفناء فيه والبقاء به .
ثم ذكر أن طول زمان مجالسته وقصرها يكون بحسب ما ذكرنا من أنه بحسب
مراتبهم في نفس الحق ،وصحة عقائدهم وعلومهم ومشاهدتهم وإيثارهم جناب الحق
مع حسب حضورهم معه في الدنيا ،واستحضارهم له بمقتضى اعتقادهم ،وبحسب
مناسبتهم بجنابه من حيث األسماء التي جاءت بهم في مقام كثيب الرؤية ،وإفادتهم
التجلي الخصيص بهم ،إذ مجرد ما ذكرنا أوال إنما يوجب نفس المجالسة مع مقدار
من القرب والبعد ال غير ،وهكذا تفاوت الشرف فيما يخاطبون به ،وفيما يفهمونه مع
كون الخطاب واحدا .
189
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 190عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٩٠
ذلك فإنهم قد تجاوزوا حضرات األسماء والصفات والتجليات الخصيصة بها إلى
ّللا عليه وسلم عن شأنهم بقوله :عرصة التجلي الذاتي ،فهم كما أخبر النبي صلى ه
“صنف من أهل الجنة ،ال يستتر الرب عنهم ،وال يحتجب “ “ ، “ 1وذلك أنهم
غير محصورين في الجنة وغيرها من العوالم والحضرات كما قد أشرت إليه في غير
هذا الموضع ،من أن الجنة ال تسع إنسانا كامال وال غير الجنة ،فهم وإن ظهروا فيما
شاءوا من المظاهر ،فإنهم منزهون عن الحصر والقيود ،واألمكنة واألزمنة ،
كسيدهم ،بل هم معه أينما كان ،وحيث ال أين وال حيث وال جرم وال بعد وال حجاب
وال انتقال لزيارة وال انتهاء بحكم وقت من األوقات والسماء والصفات ،فافهم واجتهد
ّللا ولي ه
وتمن أن تلحق بهم ،وأن تشاركهم في بعض مراتبهم العلية :فإن ه ،
اإلحسان ] .
هذا يقابل قوله فيما تقدم [ :وأول مراتب مظاهر األرواح اإللهية ما عدا الك همل عالم
المثال ،فقال :خفاء لهم في الظهور فيما ذكرنا من عالم المثال ،ومن الصور الخيالية
ومآكلها ومشاربها والخلع والتحف وكثيب الرؤية وغير ذلك ،بخالف حال الجمهور إذ
حال الجمهور يتقيد لحضرات األسماء والصفات ،وما دونها من التجليات الخصيصة
بها لعالم المثال وغيره ،وهؤالء قد تجاوزوا حضرات األسماء والصفات إلى عرصة
التجلي الذاتي ،فلهم من المناسبة الذاتية أعلى المراتب بحيث ال دخل لألسماء فيها ؛
فهم كما أخبر النبي عليه السالم عنهم ،صنف من أهل الجنة ال يتستر الرب عنهم
أي :حينا من األحيان ،وال يحتجب بجهة من الجهات عند التجلي عليهم .
وسبب عدم التستر واالحتجاب أنهم ال يتقيدون بمظهر سواء الجنة وغيرها من العوالم
والحضرات ؛ وذلك ألن كل مقيد ضيق واإلنسان الكامل واسع بسعة ربه ،فله بكل
مكان مظهر من غير تقيد به ،فهم وإن ظهروا فيما شاءوا من المظاهر ال يتقيدون به
،وكذا ال يتقيدون باألمكنة واألزمنة ،وإال تقيدوا بها ،وأنهم لتسترهم في الظهور في
كل مكان وزمان ،مع عدم التقيد ،بل هم معه في كل مكان وزمان ،وحيث المكان
وال جهة ،بل صاروا مظاهر كلية لربهم بجميع تجلياته ،ال جرم ال بعد لهم وال
حجاب عنه بوجه من الوجوه ،فكذا ال انتقال عليهم لزيارة لما فيه من التخصيص
بالمكان ،وهم منزهون عنه ،
................................................................
) ( 1رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( ) 101 / 1بلفظ ( :إن المتقين في الجنة )
بدال من ( صنف .) . .
190
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 191عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٩١
وال انتهاء لرؤيتهم بحكم وقت من األوقات ؛ ألنهم جاوزوا األزمنة ،وال بحكم األسماء
والصفات القاضية باالمتياز ؛ ألنهم تجاوزوا حضرات األسماء والصفات ،فافهم .
فإنهم مع الحق في الكل ،واجتهد أن تلحق بهم في بعض مراتبهم العالية بتبعيتهم ،بل
وّللا ولي اإلحسان ،فال تنظر إلى قصورك فتنقطع
وأن تشاركهم في ذلك باالستقالل ،ه
عن هذا الجهد ] .
ّللا عنه [ :وأما المناسبات الثابتة بين الناس من جهة المراتب البرزخية ،
قال رضي ه
فأنموذجها المنبه على تفاصيلها ،لمن لم يكشفها ،ولم يشهدها ،هو ما ذكره النبي
ّللا عليه وسلم في حديث اإلسراء :صلى ه
" من رؤيته آدم عليه السالم في سماء الدنيا ،وأن على يمينه أسودة السعداء من ذريته
،وعلى يساره أسودة األشقياء من ذريته ،أنه إذا نظر عن يمينه ضحك ،وإذا نظر
على يساره بكى " . " 1 " .فهذه إشارة إلى مراتب عموم األشقياء والسعداء ]
.
إشارة إلى الوجه الثالث من وجوه المناسبات المرتبية ،وهي التي عليها الوسط الذي
هو البرزخ بين الدنيا والقيامة الكبرى ،أعني أحوال القبر ،فذكر النموذج تلك
ّللا عليه وسلم في حديث اإلسراء ،وذلك األنموذج منبه المناسبة ما ذكره النبي صلى ه
على تفاصيل تلك المناسبات بأنها منتسبة على حسب منازلها علوا وسفال ،وإنما
يحتاج إلى هذا التنبيه من لم يكشفها ولم يشهدها ،وإال فال حاجة له إلى الخبر ،وذلك
ّللا عليه وسلم رأى آدم عليه السالم في سماء الدنيا ،
أنه صلى ه
وذلك ليتولى القسم بين أوالده علوا وسفال ،فلذلك يفوض إليه بعث النار يوم القيامة ،
وضحكه عبارة عن رضاه عن أسودة السعداء ،وبكاؤه عبارة عن حزنه عليهم لرؤية
نقصانه ،ويمينه عبارة عن الجانب الذاتي ؛ ألنه الجانب القوي أنا لها ،والقوي أحلى
من الضعيف ،فافهم هذا الحديث ،أن األشقياء يكون منزلهم تحت السماء الدنيا ،في
البرزخ ،وأن السعداء فوق ذلك .
191
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 192عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٩٢
والخابتين “ “ 1 “ .مبدأ مراتب األشقياء من مقعر السماء الدنيا التي فيها آدم ،
وأنزلها ما ذكره عليه السالم ،ومراتب عموم السعداء في البرزخ السماء الدنيا على
درجات متفاوتة يجمعها مرتبة واحدة ،ومراتب أهل الخصوص من السعداء ما أشار
ّللا عليه وسلم في حديث اإلسراء بعد ذكره آدم من أن “ :عيسى عليه إليه صلى ه
السالم في الثانية ،ويوسف في الثالثة ،وإدريس في الرابعة ،وهارون في الخامسة ،
وموسى في السادسة ،وإبراهيم في السابعة على جميعهم السالم “ “ ، “ 2
وهكذا شأن شاركي هؤالء األنبياء والوارثين لهم تماما متفاوت المراتب في هذه
ّللا عليه وسلم هي باعتبار ما شاهده
السماوات ،فإن هذه األخبار من الرسول صلى ه
ّللا عليه وسلم حصل له أربعة وثالثونفي إحدى إسرائه ،فإنه ثبت أن النبي صلى ه
ّللا عليه ] .
معراجا رواها وجمعها وأثبت رواياتها أبو نعيم الحافظ األصفهاني رحمة ه
أي :لما رأى أسودة األشقياء عن يسار آدم عليه السالم ،فأهل الشقاء جميعهم لم تفتح
لهم أبواب السماء حال كونهم ميتين ،فليس لهم مظهر سماوي ،وهم في شقائهم على
مراتب مختلفة .
ّللا عليه وسلم أخبر عن أرواح بعضهم أنها تجمع في برهوت فإن النبي صلى ه
والخاسئين ،وهي آثار مشهورة ،فمرتبتهم في الشقاء كرة التراب .
وقد ذكر في حديث اإلسراء “ :أنهم تحت سماء الدنيا “ “ ، “ 3ومقتضاه أنهم في
كرة األثير .
فوجه الجمع بينهما الدهال على اختالف مراتبهم ،أن مبدأ مراتب األشقياء من مقعر
سماء الدنيا فأعالها ،وهو لما كان أدنى شقاوة كرة األثير ؛ لقربهم من آدم عليه السالم
ّللا عليه وسلم :من أن بعضهافي العصيان ورجاء الغفران ،وأنزلها ما ذكره صلى ه
تجمع في برهوت ،والخابتين ،
ثم ذكر أن مراتب عموم السعداء ،أي من كان شقاوة في عالم البرزخ ،قيد به إذ في
القيامة يكونون فوق تلك المنازل في الجنة السماء الدنيا ،ولهم فيها أيضا مراتب
مختلفة مع اشتراكهم في رتبة سماء الدنيا ،وذلك لجمعهم بين الطاعة والعصيان
وحصول الغفران ،كآدم عليه السالم ومراتب
.......................................................................
) ( 1رواه عبد الرزاق في مصنفه ( ) 116 / 5بنحوه .
) ( 2رواه الطبراني في األوسط ( 7 / 41 ) .
) ( 3لم أقف عليه.
192
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 193عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٩٣
خواص السعداء فوق ذلك ،وإن كانت لهم معاص لكنها بدلت بالحسنات ،فلم يعبأ
بها .
كما أخبر عليه السالم عن هؤالء األنبياء ،وهكذا شأن الك همل من ورثتهم وأتباعهم مع
اختالفهم أيضا في المرتبة ،ذكر أنهم لكونهم من أهل الكمال ال ينحصرون هناك ،بل
ّللا عليه وسلم باعتبار
هي بعض مظاهرهم ،فإن هذه األخبار من الرسول صلى ه
بعض مشاهداته الحاصلة في بعض معاريجه .
ّللا عنه [ :وكيف ينحصر هذا الحال مع هؤالء األنبياء السبعة دون قال الشيخ رضي ه
ّللا ،كداوود
غيرهم ،ومن البيهن أن الرسل واألنبياء كثيرون ،وفيهم الك همل بتعريف ه
عليه السالم المنصوص على خالفته ،وغيره من أكابر األنبياء المرسلين ،فأين تتعين
مراتبهم البرزخية بعد الموت ،ومن ثم إلى العالم األعلى األسفل ،وعالم السفلى محل
تعينات مراتب األشقياء على اختالفهم ،فتعين أن تكون طبقات تعينات مراتب األنبياء
والمرسلين ،والك همل من ورثتهم وأهل الخصوص من السعداء بعد الموت ،وقبل
الحشر في الحضرات السماوية ،وأن موجب ما ذكره عليه وعلى آله السالم -هو ما
سبقت اإلشارة إليه ،فهو كاألنموذج لما لم يتعين ذكره ،فافهم .
193
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 194عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٩٤
الواقع لتعينها إال العالم األعلى السماوي ،والعالم األسفل العنصري ،والعالم السفلي
محل تعينات مراتب األشقياء على اختالف طبقاتهم ،فكيف يشارك السعداء بل األنبياء
والك همل من ذريتهم في تلك المراتب ،وال يمكن أن يكون تعينات مراتبهم في تلك
المنازل ؛ ألن ذلك يختص بما بعد الحشر .
فتعين أن يكون مراتب األنبياء والمرسلين والك همل من ورثتهم من األولياء ،وأهل
الخصوص من السعداء ،وإن لم يبلغوا مراتب األولياء بعد الموت ،وقبل الحشر في
الحضرات السماوية ،فأين يصح الحصر في األنبياء المذكورين ،بل موجب ما ذكره
ّللا عليه وسلم لهؤالء األنبياء السبعة هو ما سبق اإلشارة إليه من أنه في
النبي صلى ه
بعض مشاهداتهم مما ذكره عليه السالم في ذلك الحديث كاألنموذج لما لم يتعين ،أي :
لم يذكره على التعين ،لكنهم مذكورون على الجملة إذ جعل عليه أسودة السعداء عن
يمينه ،فدل على أنهم في السماوات .
ثم ذكر ما هو سبب هذه المشاهدة الخاصة ،بل موجبها في تلك الحالة غلبت مناسبة
ألولئك األنبياء مع تلك السماوات ،صفاتية أو فعلية أو حالية ال ذاتية ،وأال يتغيروا
عن تلك السماوات أصال ،لكنه ليس كذلك كاألمر في شأن يحيى عليه السالم من أن
يكون مع عيسى ،وتارة مع هارون ،وليس ذلك االختالف فيه إال من مقتضى
مشاركته الذاتية ال تتغير ،على أنه يدل على تعدد المعاريج حمل الروايات المختلفة
على الصحة ؛ فلذلك قال الشيخ ( :فتدبر ترشد ) أي :أن حال مشاركتهم في تلك
الصفات واألحوال كذلك يكون تعيناتهم في السماوات .
ّللا عنه [ :اعلم أن الحق هو الوجود المحض ال اختالف فيه ،وإنه واحد
قال رضي ه
وحدة حقيقية ال يتعقل في مقابلة كثرة ،وال يتوقف تحققها في نفسها ،وال تصورها في
العلم
194
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 195عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٩٥
الصحيح المحقق على تصور ضد لها ،بل هي لنفسها ثابتة مثبتة ال مثبتة .
وقولنا :وحدة للتنزيه والتفهيم ال للداللة على مفهوم الوحدة على نحو ما هو متصور
في األذهان المحجوبة ] .
أي :الحق في التعين األول “ ، “ 1والصور العلمية الذاتية هو الوجود المحض ،لم
يقل هو المجرد ،إذ هو فيه وثمة ال يتقيد بالظهور والبطون ال اختالف فيه بتحقق
شيئين :
الماهية والوجود ،أو المطلق والقيود .
والوجود المحض واحد ؛ ألنه الواجب لذاته وال تعدد فيه ،وحدة حقيقية ال إضافية
مقابل الكثرة ،وكيف يتعقل في مقابلة الكثرة وهي ضد الوحدة ،وليس لها ضد أصال
وإال توقف تحققها ذهنا على توقف ضدها فيه ،وال يتوقف تحققها في نفسها على
سر ضدها ،وإال لزم توقف الواجب على الغير ،وال تصورها في العلم الصحيح ،وف ه
الصحيح بالمحقق للحاصل بالكشف على تصور ضد لها ،بخالف علم المحجوبين من
المتكلمين حتى افتقروا في إثباته إلى أدلة التوحيد ؛ وذلك ألنهم تصوروا الوحدة في
مقابل الكثرة ،فتصوروها زائدة على الذات ،فأثبتوها باألدلة على النهج عروضها
للذات ،وليس كذلك ،بل هي بنفسها ثابتة خارجا وذهنا ،مثبتة لما سواها ال مثبتة
بالغير كأدلتهم .
ثم استشعر سؤاال بأن الذات من حيث هي يمكن تعقل واحدة وكثيرة ،فكيف الوحدة
عينها .
فأجاب بأن قولنا :وحدة للتنزيه عن الكثرة المتوهمة للمحجوبين ،وتفهم أن تلك الذات
نفس الوجود المحض ،إذ الوحدة تساوق الوجود ،فكل موجود له وحدة حتى الكثير ال
من حيث هو كثير ،بل من حيث فيه كثرة ،والوحدة تعرض الكثرة .
قيل :الكثير من حيث هو كثير يعرض له الوجود دون الوحدة .
قلنا :لما عرضت الكثرة التي فيه ،فقد عرضت للكثير بالواسطة ،وتغاير الجهات
أمر عقلي .قيل :لو كانت نفس الوجود ،لكان التفريق إعداما وهو باطل ،إذ ليس
شق
................................................
) ( 1يعنون به الوحدة التي انتشت عنها األحدية والواحدية ،وهي أول رتب الذات ،
وأول اعتباراتها .
وهي القابلية األولى لكون نسبة الظهور والبطون إليها على السواء ،ويعبر بالتعين
األول عن النسبة العلمية الذاتية باعتبار تميزها عن الذات االمتياز النسبي ال الحقيقي.
195
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 196عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٩٦
البعوض بإبرة البحر األخضر إعداما له ،وإحداثا لبحرين آخرين ضرورة .
قلنا :إنما يمكن التفريق إعداما لو كان مبدأ للوحدة ،فإن وحدة البحر أيضا باقية ،
سلمنا أنه يكثر ،فقد عدم من حيث الوحدة ،وإحداث البحرين ،أي :صفة جعلت
لبحرين قبل األحداث ال يكون محض عدم ،وإن كانت غير الوجود ،فلم يذكر الداللة
على مفهوم الوحدة المقابلة للكثرة ،وهي أن يكون مفروضها شخصا ال يقبل القسمة
بالوحدة والكثرة ،فيه يتحدان من غير أن تتعدد ذات الواجب تعالى .
أي :إذا عرفت أنه محض الوجود ال اختالف فيه ،وأن وحدته ليست في مقابلة الكثرة
،فنقول :أن الحق سبحانه وتعالى من حيث اعتبار وحدته المنبه عليها قيد بذلك ؛
إلمكان معرفته من جهة الوحدة التي له في الصفات التي ال يدرك إدراكا تاما ؛ ألنه
يقتضي تميزه عما عداه ،وما ال ضد له كيف تميز عما عداه وال يحاط به بالتعريف
الحدهي ،إذ ال ذاتيات فيه لتعريفها على االختالف في ذاته من الجنس والفصل ،وال
التعريف الرسمي ،إذ ال عبرة للوازم في تلك الحضرة ،بل وال ينعت نعتا يميزه بوجه
ذاتي ،وال يوصف بوصف يميزه بوجه عرضي ،إذ ال عبرة لها ،وهكذا من حيث
اعتبار تجرده عن المظاهر ،وهي أوصافه باعتبار ،وال باعتبار ذاته ،إذ ال يتقيد
بشيء تميزه حينئذ ،وجميع ما ذكرناه باعتبار التميز ،فافهم .
ّللا عنه [ :وكل ما يدرك في األعيان ،ويشهد من األكوان بأي وجه قال الشيخ رضي ه
كان أدركه اإلنسان ،وفي أي حضرة حصل الشهود ،ما عدا اإلدراك المتعلق
بالمعاني المجردة والحقائق في حضرة غيبها بطريق الكشف ؛ ولذلك قلت في األعيان
،أي :ما أدرك في مظهر ما كان ،فإنما ذلك المدرك ألوان وأضواء وسطوح مختلفة
الكيفية متفاوتة الكمية ،تظهر أو مثلتها في عالم المثال المتصل بنشأة اإلنسان أو
المنفصل عنه من وجه على نحو ما هو في الخارج ،أو ما مفرداته في الخارج ،
وكثرة الجميع محسوسة ،واألحدية فيها معقولة أو محدوسة ،وكل ذلك أحكام الوجود
أو قل صور نسب علمه أو صفات الزمة له بحيث
196
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 197عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٩٧
اقترانه بكل عين موجودة بسر ظهوره ،فيظهر فيها وبها ولها بحسبها كيف شئت ،
وأطلقت ليس هو الوجود ] .
جواب سؤال مقدر تقديره :إنكم قلتم أن الوجود من حيث وحدته ال يدرك وال يعرف ،
وقد قلتم أيضا :أن الوحدة ثابتة له بالذات ،ومن لوازمه المساوقة ،ونحن نحس به في
األعيان واألكوان ،ونعرفه في المعاني المجردة والحقائق في حضرة غيبها بطريق
الكشف .
فأجاب بأن :اإلدراك إما متعلق بالمعاني المجردة والحقائق الغيبية ،فهي أمور عقلية
ال وجود لها ،فكيف يدرك فيها الوجود والكشف إنما يدرك في حضرة غيبها وهي
عدمية ،وإما باألعيان ،فكل ما يدرك في األعيان سواء أدركه اإلنسان الذي هو أكمل
المدركين بعقله أو بروحه أو بقلبه أو بحواسه الظاهرة أو الباطنة ،وكذا ما يشهد من
األكوان ،أي :
في حضرة من الحضرات الحقيهة والخلقية ،حصل الشهود ،ال ب هد وأن يكون في
مظهر ،سواء كان من المظاهر الحسية أو الروحانية .
فالمدرك بالذات من ذلك إنما هو األلوان واألضواء ،وبالعرض السطوح مختلفة
الكيفية باختالف ألوانها ،فتفاوت الكمية ال يستلزم إدراك السطوح ذلك -هذا -في
الحس الظاهر .
وأما الباطن فالمدرك أمثلتها ،تلك األمثلة في عالم المثال المتصل بنشأة اإلنسان ،وهو
الخيال الذي هو في مقدم الدماغ ،أو عالم المثال المنفصل عن اإلنسان من وجه لكونه
ليس من قواه ،بل في فلك البروج ،لكنه متصل به من وجه آخر ،إذ لواله لم يدرك
أصال بتلك األمثلة تظهر في أحد العالمين على نحو ما هي أمثلته في الخارج ،فتظهر
أمثلة األلوان واألضواء والسطوح المذكورة ،
أو على ما تقرر ذاته في الخارج لبحر من الزئبق فاإلحساس بذلك وإدراكها ليس
بإحساس ،وأدرك للوجود ؛ ألن كثرة الجميع محسوسة سيما في السطوح المختلفة
الكيفية ،المختلفة المتفاوتة الكمية ؛ واألحدية الالزمة للوجود فيها معقولة أو محدوسة
،أي :يدركه بالعقل أو بالحدس ،فإذا لم يدرك الوحدة المساوقة للوجود ،لم يدرك
الوجود أيضا .
ال يقال :وما ذكرتم أن الوحدة فيها معقولة أو محدوسة ،فقد أدركت ؛ فأدرك
197
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 198عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٩٨
الوجود ؛ ألنها نقول :المراد اإلدراك التام ،ولم يدرك كذلك ،بل في الجملة ؛ على أن
هذه الوحدة المدركة فيها ليست هي وحدة الوجود ،فإنها ال تدرك فيها أصال ،وإذا لم
يكن المرئي من هذه األشياء نفس الوجود ،فنقول كل ذلك المدرك أحكام الوجود من
حيث اقترانه لكل عين أضيف إليه الوجود ،وليس ذلك االقتران بطريق االتصال ،بل
بسر ظهوره فيها ،
أي :في حقائقها ،وظهوره إذا هي تراه في غيره ،كما ترى في اآلفاق واألنفس ؛
ويظهر بها لذاتها أو لغيره وبحسبها ال بكليته ؛ كما هو ،فلذلك يتفاوت ظهور في
اإلنسان وغيره .
أو نقول :كل ذلك المدرك صور نسب علمه ،أي :الحقائق التي فيه من حيث اقترانه
بكل من تلك الحقائق إلى آخره .
أو تقول صفات الزمة له من حيث اقترانه المذكور ،والفرق بين هذا وبين األحكام
والصور ،أن الصفات تتعلق بالذات وله بواسطة وصف آخر ،واألحكام يجوز تعلقها
بالصفات فقط ،والصور ال ب هد وأن تختص بالصفات ال فيها ،بل في مظاهرها كيف
شئت وأطلقت ،فقل وأطلق .
والحاصل أن ذلك المدرك ليس الوجود الذي هو الحق الواحد من حيث هو واحد ،ثم
علله الشيخ ،فقال [ :فإن الوجود واحد ،وال يدرك بسواه من حيث ما يغايره على ما
مر من أن الواحد من كونه واحدا ال يدرك بالكثير من حيث هو كثير وبالعكس ،ولم
يصح اإلدراك لْلنسان من كونه واحدا وحدة حقيقية كوحدة الوجود ،بل إنما صح له
ذلك من كونه حقيقية متصفة بالوجود والحياة وقيام العلم به ،وثبوت المناسبة بينه
وبين ما يروم إدراكه وارتفاع الموانع العائقة عن اإلدراك ،
فما أدرك ما أدركه إال من حيث كثرته ،ال من حيث أحديته ،فتعذر إدراكه من حيث
هو ما ال كثرة فيه أصال لما مر .ولهذه النكتة أسرار نفسية ذكرتها بتفصيل أكثر من
هذا في كتابي المسمي بكشف ستر الغيرة عن سر الحيرة ،وسيرد أيضا في داخل
ّللا تعالى ] .
الكتاب ما يزيد بيانا لما ذكرناه وأصلناه إن شاء ه
أي إنما لم يدرك الوجود فيها ؛ ألنه واحد وال يدرك الواحد بالكثير من حيث هو كثير ؛
ألنه يغايره ،والمغايرة مباينة ،والمباينة مانعة من العلم على ما مر في النص الحادي
عشر.
198
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 199عالء أحمد المهائمي
“ “ ١٩٩
ولذا ال يدرك الكثير بالواحد من حيث هو واحد على أنه لو أدرك الواحد بالكثير ال
تنقش له صور بحسب أجزاء الكثير ،فيدرك كثيرا ،ولو أدرك الكثير بالواحد لتمثل
في الواحد ،وهو محل لعدم اتساع الواحد لتمثل الكثير فيه .
نعم يدرك الواحد بالكثير من جهة واحدة كونت الكثير بالوحدة من حيث شمول الواحد
ّللا عنه ( :ال يدرك بسواه من حيث ما يغايره ) .
له بالقوة ؛ فلذلك قال رضي ه
وقال ( :من كونه واحدا ) ،ثم استشعر سواه ،ال بأنه لم يجز أن يدركه اإلنسان من
حيث وحدته ،فإن الكثير من حيث وحدته يجوز أن يدرك الواحد ؛ ولذلك قيد ثم المنع
من حيث الكثرة ،فأجاب بأن إدراك اإلنسان للحق ليس من جهة كونه واحدا وحدة
حقيقية كوحدة الوجود ،
فإنه ليس له ذلك ،سلمناه فال ندركه إال من حيث كثرته ،كاالتصاف بالوجود ،وفيه
الكثرة من الماهية والوجود ،بل بشرط الحياة مع هذين إذ الميت ال يدرك شيئا بل
بشرط رابع هو العلم ،وخامس هو المناسبة ،وسادس هو ارتفاع الموانع ،فإذا كان
كذلك يقدر إدراك اإلنسان من حيث هو إنسان ال كثرة فيه أصال ،لما مر أن الكثير ال
يدرك الكثير ،فال يدرك من الحق ( إال ) باعتبار صفاته أو مظاهره .
فإن قيل :هذا يناقض ما مر من التجلي الذاتي له ،قلنا :ليس ذلك التجلي مع بقاء
أنانيته بل مع صيرورتها مغلوبة تحت نور التجلي األحدي “ ، “ 1وغلبة الوحدة
الوجودية عليه في تلك النفس ،وفي اإلنسان أحدية إذا ظهرت وغلبت أدرك بها ال من
حيث إنسانيته ،لكن اإلنسان من حيث أحديته ال يدرك شيئا ،فإن أدرك فال يبقى إنسانا
موصوفا باألحدية ،فافهم .
ّللا عنه [ :ثم نرجع إلى تمام ما كنا بسبيله ،فنقول :الوجود في حق الحق
قال رضي ه
عين ذاته فيما عداه أمر زائد على حقيقته ،وحقيقة كل موجود عبارة عن نسبة تعينه
ّللا عينا ثابتة ،وباصطالح
في علم ربه أزال ،ويسمى باصطالح المحققين من أهل ه
غيرهم ماهية ،والمعلوم المعدوم والشيء الثابت ونحو ذلك ] .
رجوع إلى تحقيق كون الحق هو الوجود ،ال أمر زائد على حقيقته يتقوم بذلك
.....................................................................
) ( 1يعرف بالتجلي األحدي الجمعي ،وهو التجلي األول ،وسمي باألحدي ؛ ألنه هو
ّللا وال شيء معه .وسمي بالجمعي ألنه شهود الذات ذاتها التجلي الذي باعتباره كان ه
بجميع اعتباراتها.
199
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 200عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٠٠
الوجود ،وإن لم يلحقها لم توجد بل بقيت معدومة أما األول ؛ فألنه لو قام وجوده
بماهيته ،لكان محتاجا إليها وهي غيره ،والمحتاج إلى الغير ممكن ،وهي ليست غير
الماهية ،وإال لكان وجوده الواجب بغيره ،فهي الماهية ،والعلة متقدمة على المعلول
بالوجود ،فتتقدم الماهية على الوجود بالوجود ،وأنه محال ومتناقض ،والزمة تقدم
الشيء على نفسه والتسلسل .
قيل :العلة متقدمة إما بالوجود ،فممنوع كتقدم الماهية الممكنة فإنها قابلة للوجود
والقابل يتقدم ال بالوجود ،كما ذكرتم بعينه ،وأيضا فاألجزاء مقومة للماهية المركبة ،
والمقومة متقدم وليس بالوجود ؛ ألنها نجزم بذلك التقدم ،وإن قطعنا النظر عن
الوجود .
قلنا :المفيد للوجود ال بد ،وأن يلحظ العقل له وجود أوال ،والمستفيد للوجود ال بد ،
وأن يلحظ له الخلو عن الوجود والمقوم للماهية يجب أن يقطع فيه النظر عن وجوده
وعدمه ،فالمنع مندفع والفرق بين صورة النزاع ،وما جعلتموه سندا بيهن لصورة
الوجود في صورة النزاع ،والعدم في السند األولى وقطع النظر في الثاني لضرورة .
فإن قلت :ال نسلم أن المفيد ،وجود لشيء ال ب هد وأن يكون له وجود قبله ،وإنما هو لو
أفاد لغيره ال غير ،وإال لزم كونه موجودا مرتين .
قلنا :الوجود حينئذ غير الماهية الموجدة ،فيكون لها وجود قبل وجودها ويتسلسل ،
على أنا ال نسلم أن أجزاء الماهية ليست متقدمة ذهنا وخارجا .
وأما الثاني فلوجوه :األول :الماهية الممكنة من حيث هي تقبل العدم ،وإال ارتفع
اإلمكان والماهية مع الوجود تأباه ،ولو كان نفس الماهية أو جزؤها لم تكن قابلة للعدم
الجتماع النقيضين ،بل كانت تأبى العدم من حيث هي هي ،كما تأباه مع اعتبار
الوجود .
قيل :إن أردت بقبولها العدم ،إنها تثبت خالية عن الوجود ،فال نسلم ثبوتها حينئذ ،
وإن أردت ارتفاعها ،فال نسلم أنها لو كانت الوجود لما قبلته ،ألن الوجود نفسه يرتفع
،فالوجود يقبل العدم ،وال يلزم اجتماع النقيضين .
قلنا ثبوتها ضروري ؛ ألنها غير مجعولة على ما يذكره آنفا ،وارتفاع الوجود ممنوع
،وإال لكان قابال لنقيضه ،وهو أشد من اجتماع النقيضين على ما مر ،الثاني :إنها
نعقل الماهية مع الشك في وجودها .
قيل :في الخارجي دون الذهني ،فإنه نفس التعقل ،والكالم في الوجود المطلق.
200
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 201عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٠١
أجيب :بأن تحقق الذهني ال يمنع الشك فيه ؛ ولذلك اختلف فيه ،فمن أثبته فالبرهان ،
وأيضا فالماهية الخارجية خالية عن الوجود الذههني ما لم يتعقل ،فتغايرتان.
وقد ثبتت مغايرة الخارجي لها فتغاير المطلق ،ال وهاهنا أبحاث طويلة مر أكثرها في
المقدمة ،وال يليق ما بقي منها بكتب الصوفية ،فليراجع بها كتب الكالم والحكمة.
ّللا عنه ما هو حقيقة كل شيء ،وهي التي يزيد عليها الوجود ،بأنها ثم ذكر رضي ه
عبارة عن نسبة تعينه في علم ربه أزال.
بيانه :إن الذات األزلية مشتملة على شؤون كثيرة ال تميز لها فيها ،وللعلم األزلي
نسبة إلى كل شأن ،بها يتعين ويصير صورة في العلم األزلي ،وبإضافة الوجود إليها
يتحقق الشيء.
فلذا قال المتكلمون :لكل شيء حقيقة هي بها ،هي مغايرة لما عداه الزما أو مفارقا ،
فيجاب بها عند السؤال بما هو كالحيوان الناطق في جواب “ :ما اإلنسان“ .
فمعنى قوله :عن نسبة تعينه احتراز عن الشؤون ،وعن الوجود المطلق الذي ال نسبة
فيه.
وقوله “ :في علم الحق “ احتراز عن ظهورها بصور الوجود ،فإنها ماهيات
موجودة.
واحترز بذلك أيضا عن علم الحق ،فإن الماهيات ال يجب ثبوتها فيه إال بحسب علم
الحق ،وفي علم الخلق ،هي أمور اعتبارية ال يجب ثبوتها.
فلذلك قال المتكلمون :هي ال تثبت مجردة عن الوجود ،وقوله :أزال ،احتراز عن
علم الحق بها في علمه تعالى متصفة بالوجود ،فإن ذلك ليس من نفس الماهية بل
ّللا الجاعلين لها أمرا ثابتا
زائدا عليها كما ذكرنا .وتسمى هذه الحقيقة باصطالح أهل ه
أزليها علنيها لتعينها وتميزها ثابتة لثبوتها في علم الحق ،من غير اتصاف بالوجود
الخارجي.
وباصطالح غيرهم إما ماهية ؛ ألن تحقق الشيء بهذا عندهم ،وأما عند المحققين
فبالوجود ال بها ،وأما المعلوم والمعدوم قول بعض المتكلمين القائلين بزيادة الوجود
عليها ،وهي عندهم غير ثابتة فهي معدومة ،وأما الشيء الثابت ،وهو قول جمهور
ّللا يختص
المعتزلة بقاء على أن المعدوم الممكن ثابت ،لكن الشيء عند أهل ه
بالموجود ،لقوله:
201
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 202عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٠٢
لما فرع من بيان كون نفس الوجود ،شرع فيما يتفرع على وحدته ،فقال ( :وهو من
حيث وحدة وجوده لم يصدر عنه إال واحدا ) ضرورة استحالة إظهار الواحد من حيث
كونه واحدا ،ما هو أكثر من واحد ،وكذا إيجاد الواحد من حيث كونه واحدا ،ما هو
أكثر من واحد ] .
ّللا سره - :
قال األستاذ المحقق نصير الدين الطوسي -قدهس ه
وكان هذا الحكم قريبا من الوضوح إنما كثرت مدافعة الناس إياه إلغفالهم عن معنى
الوحدة الحقيقية ،وتقريره أن يقال :مفهوم كون الشيء بحيث يجب عنه “ ألف
“ غير مفهوم كونه بحيث يجب عنه “ ب “ ،أي :عليته ألحدهما غير عليته آلخر .
وتغاير المفهومين يدل على تغاير حقيقتهما ،فإذن المفروض شيء واحد ،هو شيئان
أو شيء موصوف بصفتين متغايرتين ،وقد فرضنا واحدا هذا خلف .
وهذا القدر كاف في تقرير هذا المعنى ،ثم قال :ولزيادة الوضوح .
قيل :إذا كان الواحد يجب عنه اثنان ،فهما إما من مقوماته أو لوازمه أو أحدهما مقوم
واآلخر الزم ،فإن فرضنا من لوازمه ،عاد الكالم األول بعينه ،وهو كونه بحيث
يجب عنه الحقيقة األولى ،غير كونه بحيث يجب عنه الثانية ،ولم يقف فهما من
مقوماته .
وإن فرضنا التقدير الثالث يكون حيثية استلزم ذلك الالزم هي بعينها حيثية ذلك المقوم
،ويلزم أن يكون مبدأ حيثية االستلزام غير خارج عن ذاته ،وإال فعاد الكالم .
وعلى التقديرات يلزم تركب إما في هيئة ذلك الشيء ،كالجسم المنقسم إلى مادة
202
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 203عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٠٣
وصورة ؛ أو ألنه موجود بعد كونه شيء ما ،كما في العقل األول بحسب التكثر الذي
يلزمه عند وجوده بسبب مغايرة ماهيته ووجوده أو بعد وجوده بتفريق له ،كما في
الشيء المنقسم إلى أجزائه أو جزئياته وبالجملة فهو منقسم الحقيقة ،انتهى كالمه رفع
مقامه.
فإن قلت :هذا الدليل يقتضي أال يكون البسيط علة لواحد ،فإن كونه فاعال لكذا ،هذا
المفهوم مغاير لمفهوم ذاته ،فإنها نتصور الذات البسيطة ،ونشك في كونها علة لكذا ،
فهذا المفهوم إن كان مقاوما له ،كان مركبا ،وإن كان الزما عاد الكالم جذعا ،وال
يتسلسل بل ينتهي إلى حيثية مقومة ،فيلزم التركيب.
فالحاصل أن هذا التسلسل لم يلزم من تعدد المعلول ،بل من مغايرة حيثية الذات ،
وكون تلك الحيثية معلولة للذات بتقدير كونها غير مقومة ،فلم يختلف الحال بكونه علة
لواحد أو أكثر ،فإذن ال ب هد من التزام هذا التسلسل ،أو كون الحيثية غير معلولة ،
وعلى التقديرين يبطل الدليل .قلت :الحيثية الواحدة ذاته ،وال يمكن في الحيثيتين
المتخالفتين ،فال تكون معلولة ،وال مقومة ويجوز أن تكون علة ،فال تكون الحيثيتان
مختلفتين ،فال تكون معلولة وال مقومة ،ويجوز أن تكون علة فال تكون الحيثيتان
مختلفتين .ذلك.
فإن قلت :ال نسلم لزوم التسلسل ،وإنما يلزم لو كان علة أمر ثبوتي ،وهو ممنوع ،
فإنه أمر آخر أزلي ،فإنه يفتقر إلى علة.
قلت :كونه استلزام علة أمر ثبوتي لتوقف وجود المعلول عليه ،فإنه ما لم يكن الفعال
في نفسه ،ال يصدر بحيث يجب عنه المعلول ،فإن كل شيء ال يكون فاعال لكل شيء
،بل ال ب هد من معنى يختص به ،باعتباره يكون فاعال ،اعتبره معتبر أم ال.
فإن قلت :كونه علة إذا كان اعتباريها ،سقط الدليل ،فإن كان حقيقيها فقد صدر عنه
األول اثنان ،إذ ال يكون المعلول األول معلوال.
قلت :المبدأ األول علة لذاته ،فعليته عين ذاته ،وإال توقف المعلول على أمر آخر
يرجح وجوده عنه ،فكان هو المعلول األول ،هذا خلف.
وعارض اإلمام فخر الدين الرازي :بأن الواحد قد يسلب عنه أشياء كثيرة ،كقولنا هذا
الشيء ليس بحجر وال بشجر ،وقد يوصف بأشياء كثيرة ،كقولنا :هذا الرجل قائم
وقاعد ،وقد يقبل أشياء كثيرة كالجوهر للسواد والحركة ،وال شك أن مفهومات سلب
203
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 204عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٠٤
تلك األشياء عنه ،واتصافه بتلك األشياء ،وقبوله لتلك األشياء مختلفة ويعود التقسيم
المذكور ،حتى يلزم الواحد من حيث هو واحد ،ال يسلب عنه إال واحد ،وال يوصف
إال بواحد ،وال يقبل إال واحدا .
وأجاب الطوسي :إن سلب الشيء عن الشيء ،واتصاف الشيء بالشيء ،وقبول
الشيء للشيء أمور ال يتحقق عن وجود شيء واحد ال غير ،فإنه ال يلزم الشيء
الواحد من حيث هو واحد ،بل يستدعي وجود أشياء فوق واحد يتقدمه حتى تلزم تلك
األمور لتلك األشياء باعتبارات مختلفة ،وصدور األشياء الكثيرة عن األشياء الكثيرة
ليس بمحال .
وبيانه :إن السلب يفتقر إلى ثبوت مسلوب ومسلوب عنه يتقدمانه ،وال يكفي فيه ثبوت
المسلوب عنه فقط ،وكذلك االتصاف فيفتقر إلى ثبوت موصوف وصفة ،والقابلية إلى
قابل ومقبول ،واختالف المقبول كالسواد والحركة يفتقر إلى اختالف حال القابل ،فإن
الجسم يقبل السواد من حيث ينفعل عن غيره ،ويقبل الحركة من حيث يكون له حال ال
ينفع خروجه عنها .
وأما صدور الشيء عن الشيء أمر يكفي في تحققه في فرض شيء واحد هو العلة ،
وإال امتنع استناد جميع المعلوالت إلى مبدأ واحد .
ال يقال :الصدور أيضا ال يتحقق إال بعد تحقق شيء يصدر عنه ،وشيء صادر ؛ ألنها
نقول :الصدور يطلق على معنيين :أحدهما أمر إضافي يعرض العلة والمعلول من
حيث يكونان معا وكالمنا ليس فيه ،والثاني كون العلة بحيث يصدر عنها المعلول ،
وهو بهذا المعنى متقدم على المعلول ،ثم على اإلضافة العارضة لهما وكالمنا فيه ،
وهو أمر واحد إن كان المعلول واحدا ،وذلك األمر قد يكون هو ذات العلة بعينها إن
كانت العلة علة لذاتها ،وقد يكون حالة يعرض لها ،إن كانت علة ال لذاتها ،بل
بحسب حالة أخرى .
أما إذا كان المعلول فوق واحد ،فال محالة يكون ذلك األمر مختلفا ،فيلزم منه التكثر
في ذات العلة كما مر ،انتهى .
وقد عورض بأن اإليجاد ال يمكن بدون صدور االثنين :الماهية والوجود ،بأن النقطة
المركزية محاذية للنقاط دون مفهوم كونها محاذية لنقطة غير مفهوم كونها محاذية
204
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 205عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٠٥
ألخرى ،فإن كان أحدهما أو كالهما داخال في النقطة المركزية لزم تركيبها ،وإال ال
تكون النقطة مصدرا لهما ،وللزم إما التركيب أو التسلسل ،وأيضا الجوهرية علة
للتحيز والقبول لألعراض الوجودية ،فهما أثران لبسيط .
ال يقال :أحدهما باعتبار الحال ،واآلخر باعتبار الحيز ؛ ألنها نقول الكالم في قابليته
لهما ،وهو من عوارض ذاته .
والجواب :أن الماهية غير مجعولة ،ولو سلمنا أنها مجعولة ،فهي موصوفة بتقدم
على الوجود الذي هو صفتها .
ال يقال :جعلها عين تحصيل وجودها ،ألنا نقول :فليست الماهية مجعولة بل هي
مستقرة على ما كانت لكنها وصفت بالوجود ،ومحاذاة نقطة المركز لنقطة من المحيط
باعتبار ما بينهما من النسبة ،وهي غير النسبة التي بينهما وبين أخرى من المحيط ،
فليس المحاذاتان من جهة واحدة ،وعلة كل نسبة نقطة المركز مع نقطة من المحيط ،
وكون الجوهر لها إنما يتم ببيان بساطته ،وكون األمرين وجودين ،وانتفاء تعدد األدلة
والشرط على قبول التحيز ،لكونه إذا وضع ،ولألعراض لكونه محال .
قيل :لو لم يصدر عن الواحد إال الواحد يلزم أن ال يوجد الواحد واحدا آخر ،وعلى
هذا إلى آخر الموجودات ،وذلك باطل ،ضرورة أن زيدا ليس علة عمرو وبالعكس .
وأجاب عنه الطوسي في رسالته :إن الواحد الذي ال أعتبر معه شيئا آخر ،جاز أن
يصدر عنه أكثر من واحد ،مثال إذا صدر عن الواحد واحدا آخر ،يجوز أن يصدر
مع واحد آخر -كب -وعنه مع -ب -آخر ( كج ) ،ثم مع كل اثنين واحد آخر ،
وعلى هذا فال يلزم كون كل واحد من الشيئين على اآلخر لجواز أن يكون أحدهما من
سلسلة ،واآلخر من سلسلة أخرى .
قيل :لو صدر عنه واحد ،ثم معه آخر له تأثير في األول بال شرط ،وفي الثانية
بشرط األول ،فكونه لألول بال شرط غير كونه مصدرا للثاني بالشرط ،ويلزم إما
التركيب والتسلسل .
قلنا :ال نسلم أن األول مؤثر في الثالث ،بل المؤثر هو المجموع والتركيب فيه .
على أنها نقول ،إنما يلزم أن يكون أحد الشيئين علة لآلخر ،إن كان المعلول األول
205
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 206عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٠٦
موجودا واحدا من جميع الوجوه ،فإن المعلول ال ب هد من وجود صدر عن الواجب ،
وماهية يقبله من إمكان ،فيجوز أن يصدر من المعلول األول لكل جزء وشيء آخر .
وإذا عرفت هذا ،
ّللا عنه “ :ال استحالة إظهار الواحد ؛ لئال يتوهم أن
فنقول :إنما قال المصنف رضي ه
الواحد إنما يمتنع عنه صدور الواحد ،إلظهاره عن مذهب الصوفية في األشياء ،
فأشار إليه ليفهم العموم صريحا ،ثم لما كان هذا المذهب إلى امتناع صدور أكثر من
واحد ،من الواحد من كل الوجوه محل تشنيع العلماء ؛
الستلزامه وجود األشياء المتوسطة بين الحق والحوادث اليومية ،وغيرها بحيث يعجز
عن إيجاد بدون مشرب هذه الطائفة ،
فلذلك كفهروا القائلين به من الفالسفة ،منع الشيخ رضي ه
ّللا عنه ما يستلزم ذلك من
قبول األصل ،فقال :لكن ذلك الواحد عندنا هو الوجود العالم المطلق البسيط ،وتكثره
ال ينافي وحدته الحقيقية ،
كذلك النسب والرقائق في العقل األول ،فهذا الوجود فاض على جميع أعيان الممكنات
،والحقائق الثابتة لها في العلم األزلي ،فأبعد منها في الحال والماضي لم توجد ،فإنه
محال وإن كان بالغير ،وقد سبق العلم األزلي بأنه ال يوجد ،ولكن العلم األزلي يتعلق
بوجود األشياء ،وكذلك تعلق بذلك الوجود العام في األزل بالقوة ،ولكن ظهورها
بالفعل تابع للنظام ،ويتعلق العلم بكل شيء وعلى ما هو عليه .
وهذا الوجود العام مشترك بين القلم األعلى الذي هو أول موجود بذلك الوجود العام ،
ّللا القلم “ “ “ . 1كما ورد في الحديث “ :أول ما خلق ه
ّللا العقل
ّللا عليه وسلم “ :أول ما خلق ه وهو المسمى بالعقل األول ،حيث قال صلى ه
“ “ ، “ 2وسمي قلما ؛ ألنه مبدأ التدوين والتسطير .
وعقال بكونه مجردا ،ولبيان سائر الموجودات حتى الحوادث اليومية حتى يستند
عز وج هل منحصرا فيه ،كما يقوله أهل ّللا تعالى بال واسطة وليس معلوله ه الجميع إلى ه
النظر من الفالسفة “ “ . 3
قيد أهل النظر لهم ؛ ألن سائر المتكلمين غير المعتزلة ينفون الفرع مع األصل ؛
.....................................................................
) ( 1رواه أبو داود ( 4 / 225 ) .
) ( 2رواه الطبراني في الكبير ( ، ) 283 / 8وفي األوسط ( 7 / 190 ) .
) ( 3انظر :الفتوحات المكية( 4 / 87 ) .
206
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 207عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٠٧
ّللا عنه [ :والحقائق من حيث معلوميتها فأشار إلى بطالن الثاني بما قال الشيخ رضي ه
،وتعين صورها في علم الحق الذاتي األزلي ،يستحيل أن تكون مجعولة الستحالة
قيام الحوادث بذات الحق سبحانه وتعالى ،واستحالة أن يكون الحق ظرفا لسواه أو
مظروفا ،ولمفاسد أخرى ال تخفى على المستبصرين فافهم ؛
ولهذا ال يوصف بالجعل عند المحققين من أهل الكشف والنظر أيضا ،إذ المجعول هو
الوجود ،فما ال وجود له ال يكون مجعوال ؛ ولو كان كذلك لكان للعلم القديم في تعين
معلوماته فيه أزال ،أثر من أنها غير خارجية عن العالم بها ،فلو قيل بجعلها ،لزم إما
مساوقتها للعالم بها في الوجود ،أو أن يكون العالم بها محال لقبول األثر من نفسه في
نفسه ،وظروفا لغيره أيضا كما مر ،وكل ذلك باطل ؛ ألنه قادح في صرافة وحدته
سبحانه ،وقاض بأن الوجود المفاض عرض لألشياء الموجودة ال المعدومة ،وكل
ذلك محال من حيث أنه تحصيل للحاصل ومن وجوه أخرى ،ال حاجة إلى التطويل
بذكرها ،فافهم ] .
فثبت أنها من حيث ما ذكرنا غير مجعولة ،وليس ثمة وجودين كما ذكرنا ،بل الوجود
واحد ،وأنه مشترك بين سائرها ،مستفاد من الحق سبحانه ،أي :إنما يتصور
الواسطة بين الحق وحقائق العالم ،لو كانت حقائقه مجعولة ،لكنها من حيث معلوميتها
للحق ،وهو حيثية تعين صورها في علم الحق الذاتي األزلي ،يستحيل أن تكون
مجعولة ،والحقائق إما تتحقق بهذه الحيثية مجردة عن الوجود قبل العالم ،فكانت هذه
الحيثية لها من األزل ،وكانت أبدية .
عز وج هل باعتبار ظهور علمه وأما من حيثية أنها صورة معلومة لغيره تعالى ،وله ه
في المظاهر ،فهي وإن كانت مجعولة لكنه أمر عارض ،فهي من حيث هي حقائق ،
غير مجعولة وإنما استحال كونها مجعولة من تلك الجهة ؛ ألن ذلك العلم ال يغاير
الذات بوجه ،فهو في حكمها في امتناع قيام الحوادث به ،على أن القائم به ،وهو
صفة الحق قائم بالحق ،فلو
207
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 208عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٠٨
كانت مجعولة لكانت حادثة ،فيمتنع قيامها بذات الحق وصفته الالزمة القديمة أيضا .
فإن لم تكن تلك الحقائق قائمة بالحق ،وال يعلم وهي ثابتة هناك ،فهي إما حالة أو
محال له ،والكل محال ،على أن في جعلها مجعولة ،مفاسد أخرى ال تخفى على
المستبصر ،وتلك المفاسد ال توصف بالجعل عند المحققين من أهل الكشف ،ومن
أهل النظر من الحكماء أيضا .
ثم بيهن تلك المفاسد بعد اإلشارة إلى كونها في غاية الوضوح بحيث يسلمها كل محقق
بأن المجعول هو الوجود الخارجي ،فما ال يكون في الخارج ال يكون مجعوال ،
واألعيان ال وجود لها وإن ظهر بها الوجود ،وظهر عليها وأضيف إليها .
وأيضا لو كانت الماهيات مجعولة ،وال شك أنها معلومات للحق تعالى لشمول علمه
األزلي على الكل ،لكان أول حدثت في علمه األزلي ،ولم يوجد عن الذات من حيث
هي ؛ لغنائها عن الكل ،فكان للعلم القديم أثر في تعين معلوماته فيه ،مع أن
المعلومات غير خارجة عن العالم بها ؛ ألنها قائمة بالعلم القائم به ،بل هي قائمة ؛
ألنها معدومة ألنفسها ،فال وجود لها إال بالحق إذ هو الوجود المطلق ووجودها ليس
في الخارج ،فال يكون إال في ذات العالم بها .
فلو قيل بجعلها ،فإما أن تكون حادثة في األزل مساوقة للعالم بها في الوجود ،لكن
الحدوث الزمني في األزل محال ،أوال مساوقة لكنها حادثة في ذاته ،فالعالم بها إما
عينه ،فيكون محال لقبول األثر من نفسه في نفسه ،أو غيره فيكون ظرفا لغيره ،
وتعالى أن يكون ظرفا أو مظروفا .
ثم أبطل الكل بدليل تناسب التوحيد بأنه تعالى واحد من كل وجه من حيث أزليته ،
وهذا قادح في صرافة وحدته إذ الحقائق المختلفة موجودة معه بوجود مستقل ،فال
يكون إال بالترتيب معه على أنها لو كانت مجعولة ،لكانت موجودة والوجود الفائض
عليها يكون عرضا لها ،وهي موجودة فيتكرر الوجود عليها ،فهو تحصيل الحاصل ،
فهو محال من هذا الوجه ،ومن وجوه أخر ال حاجة إلى التطويل بها .
مثل ما يقال :الماهيات حينئذ إنما تتحقق بالوجود حال عدمه ،مثل ما يقال ،لو كانت
مجعولة ،لكانت اإلنسانية عند عدم جعلها اإلنسانية ،فيلزم سلبه عن نفسه ،وهو
208
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 209عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٠٩
محال .
ومثل ما يقال :أن بعض اللوازم تعرض الماهيات من حيث هي كالزوجية لألربعة ،
فلو فرض أربعة غير زوج ،لم يكن أربعة ،فال ب هد من تقررها مجردة عن الهويات ،
والهوية هي الوجود ،ولو كانت مجعولة لكان ما جعلها قبل الوجود ،لكن هذه القبلية
محالة ،فثبت أن الحقائق من حيث معلوميتها للحق غير مجعولة ،وإن كان جاز
جعلها باعتبار آخر ،وإذا لم تكن مجعولة من حيث هي ،فليس في الواقع وجدان ،إذ
تعدد الوجود إنما يلزم لو كانت الماهيات موجودة من حيث هي ،وهي مختلفة بذواتها
حتى يختلف الوجود باختالفها اختالفا ذاتيها .
فالوجود من حيث هو واحد في الحق والخلق ،وهو مشترك بين جميع الحقائق باعتبار
ظهوره فيها وبها ،وأصله الحق فاض منه عليها فيضان نور الشمس لمن يقابله .
ّللا عنه [ :ثم إن هذا
أشار إلى عدم احتياج وجود العالم إلى الواسطة ،بما قال رضي ه
الوجود الواحد العارض للممكنات المخلوقة ،ليس بمغاير في الحقيقة للوجود الحق
الباطن المجرد عن األعيان والمظاهر ،إال بنسب واعتبارات كالظهور والتعين والتعدد
الحاصل باقتران وقبول حكم االشتراك ونحو ذلك من النعوت التي تلحقه بواسطة
التعلق بالمظاهر ] .
أي :لما كان الوجود العارض للمكنات المخلوقة قيد بذلك ؛ ألنه ال يعرض لغيرها
واحد ،فال يمكن الممكنات واسطة باعتبار البعض اآلخر لحصول ذلك الوجود في
نفسه ،وال لحصول نسبه واعتباراته .
أما األول ؛ فألنه ليس بمغاير في الحقيقة للوجود الحق الباطن المجرد عن األعيان
والمظاهر ،وإن كان هذا باطال ظاهرا غير مجرد عن األعيان والمظاهر ،فاالختالف
بهذه األمور ال يستلزم االختالف بالحقيقة ،فهو واجب بالذات ال يفتقر إلى واسطة
أصال .
سلمنا أنه ليس بواجب ،فهو واحد ،فحصوله في ممكن غير حصوله في اآلخر إال
باعتبار اإلضافة ،وأما الثاني ؛ فألن تلك النسب واالعتبارات إنما حصلت له بواسطة
المظاهر ،وهي معدومة ،فال يكون واسطة ،فإن اعتبر وجودها فال يكون العقل
األول واسطة بما دونه ،بل كل مظهر واسطة نفسه ،وذلك أن االعتبارات األصلية
ثابتة الظهور
209
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 210عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢١٠
في المظاهر والتعين بها والتعدد بعددها ،واألوالن يحصالن باقترانه بها ،والثالث
لقبول حكم االشتراك الذي هو فرع االقتران ،وكذا سائر الصفات إنما تلحقه بواسطة
التعلق بالمظاهر ،وكل مظهر واسطة نفسه في تلك االعتبارات والصفات ال في نفس
الوجود ،فال واسطة بين الحق والخلق ،
وما يظن أنه واسطة ،فلحصول تلك االعتبارات عندها ال بها ،وإذا لم يفتقر العالم إلى
الواسطة باعتبار الماهية والوجود والنسبة وصفاته ،لم يفتقر باعتبار المجموع ،إذ لم
يحدث بما يوجب االفتقار إليها .
ثم ذكر أن الواسطة يحتاج إليها فيما بين الحق وبين اقترانه بالحقائق الممكنة ،لكونه
بالذات غنيها عن العالمين ،فال تكون تلك الواسطة من العالم ،حقيقته أو وجوده ،بل
من الحق وأسمائه وصفاته .
أي :وأصل مظاهر الوجود الذي به ،صارت حقائق الممكنات مرائي الوجود الحق -
ال باعتبار ذاته الغنية عن العالمين -بل باعتبار اقترانه بهذه الحقائق .
وليس ذلك االقتران اقتران األجسام بعضها ببعض ،وال اقتران الحال بالمحال أو
اقتران المحل بالحال ،بل باعتبار تجليه في حقائق بحيث يظهر في األعيان الثابتة
قربها بعد ظهوره في ذاته لذاته .فلذلك كان منزل تعينه أنزل عن التعين األول إلى
سائر التعينات ،وليس هذا التنزيل من مكان عال إلى سافل بل بمعنى التدلي إلى
ّللا عليه وسلم “ :إذا سئل أين المظاهر ،والمتدلهي هو العلماء الذي ذكره النبي صلى ه
كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟ قال :كان في عماء ما فوقه هواء ،وما تحته هواء “
.................................................
“ ، “ 1فالعلماء هو حضرة الواحدية بمنزلة الحجاب الرقيق بين الخلق
) ( 1رواه الترمذي ( ، ) 288 / 5وأحمد ( ، ) 12 / 4وقال القاشاني :العماء هو
الحضرة العمائية التي عرفت بأنها هي النفس الرحماني ،والتعين الثاني ،وأنها هي
البرزخية الحائلة بكثرتها النسبية بين الوحدة والكثرة الحقيقتين ،كما عرفت ذلك فيما
مر من كونها محل تفصيل الحقائق التي كانت في المرتبة
210
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 211عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢١١
وإنما انفتحت هذه األسماء بالتوجهات الذاتية األزلية إلى شؤونها ،لتكميل أمر
األولى شؤونا مجملة في الوحدة ،فسميت بهذا االعتبار بالعماء ،وهو الغيم الرقيق ،
وذلك لكون هذه الحضرة برزخا حائال بين إضافة ما في هذه الحضرة من الحقائق إلى
الحق ،وإلى الخلق ،كما يحول العماء الذي هو الغيم الرقيق بين الناظر وبين نور
الشمس .
......................................................
) ( 1تقدم تخريجه .
) ( 2فائدة :قال الشيخ األكبر :سر االفتتاح بالنكاح القول من القائل في السامع ،فعين
القول عين ما يكون من السامع ،فظهر ظهور المصباح التوجه سبب القول والتكوين
على اليقين في المحل الظاهر ؛ لبروز الباطن إلى الظاهر ،وهذا نكاح بين المعنى
والحس واألمر المركب والنفس ؛ ليجمع بين الكثيف واللطيف ،ويكون منه التمييز
والتعريف ،وإن خالف تركيب المعني تركيب الحروف ،فهو لخالف المعرفة
والمعروف ،ثم ينزل األمر النكاحي من مقام االفتتاح إلى مقام األرواح ،ومن المنازل
الرفيعة إلى ما يظهر من نكاح الطبيعة ،ومن ثبوت اإلهالك إلى نكاح األفالك لوجود
األمالك ،ومن حركات األزمان إلى نكاح األركان إلى ظهور المولدات التي آخرها
جسم اإلنسان ،ثم يظهر في األشخاص بين مياص ومناص ،فالنكاح ثابت مستقر
ودائم مستمر [ .مختصر الفتوحات .] 1385
211
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 212عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢١٢
الوجود باعتبار إظهار ما فيه من الصفات الممكنات بالقوة في المظهر بالفعل .
ّللا عنه [ :وسنفك ختم مفتاح مفاتيح الذي هو التوجه الحبي ،ولعل ذلك
قال رضي ه
المفتاح هو اشتمال الوجود على االعتبارات الكثيرة والشؤون الراقية بالقوة “ ،فلذلك
ّللا عنه :
قال رضي ه
“ فللوجود إن فهمت اعتباران :أحدهما من كونه وجودا فحسب وهو الحق ،وأنه من
هذا الوجه كما سبقت اإلشارة إليه ،ال كثرة فيه ،وال تركيب ،وال صفة ،وال نعت ،
وال اسم ،وال رسم ،وال نسبة ،وال حكم ،بل هو وجود بحت ] .
وقولنا :وجود هو للتفهيم ،ال أن ذلك اسم حقيقي له ،بل اسمه عين صفته ،وصفته
عين ذاته ،أي وإذا كان ينبوع مظاهر الوجود وحضرة العماء -وهو من المراتب
الحقيقية إذ هو قبل الخلق وفوقه شيء -إذ العماء حائل بين ذلك الشيء ،وبين الخلق
فللوجود في الرتبة الحقيقية إن فهمت هذا المعنى اعتباران :أحدهما من كونه وجودا
فحسب ،وذلك في المرتبة األحدية .
وفي هذه المرتبة هو الحق من غير اعتبارين معه ،إذ هو واجب الوجود بذاته لما مر
في المقدمة ،وأنه من هذا الوجه كما سبقت اإلشارة إليه من أن األحدية ال كثرة فيها
بالفعل ،وال تركيب من وجود وماهية أو غيرهما ،وال صفة غير راسخة وال نعت
راسخة ،وال اسم يغايره وال رسم يظهره ،إذ ال نسبة له بذلك االعتبار إلى شيء ،
وال لشيء إليه لغنائه عن العالمين ،وحكم من كونه مبدأ أو غير مبدأ ،وإن لم يخل
عنها ،لكنها ال تتميز بهذا االعتبار ،
بل هو بهذا االعتبار وجود بحث أي :صرف .
ثم استشعر سؤاال بأنه :ال يقال عليته الوجود والمحمول ال ب هد وأن يغاير الموضوع من
وجه ،فكيف ال يكون له اسم يغايره ؟
فقال :وقولنا وجود للتفهيم ؛ ألنه لما كان أعم األشياء أشير به إليه إال أنه ال اسم
حقيقي متميز عنه هناك ،بل اسمه في ذلك المرتبة عين صفته وصفته عين ذاته ،إذ
ال تميز وال اثنينية هناك بوجه من الوجوه .
أي :لو قدر له اسم ،لم يتميز عن الصفة ،وكذا الصفة عن الذات ،بل الكل في نفس
الوجود عين الوجود .
ثم استشعر سؤاال آخر ،بأنه كيف ال نعت ،وال صفة يتميز عنه مع أنه موصوف
بالكمال ،وبالعلم والحياة والقدرة ومفهوماتها متغايرة ،فكيف ال يتميز هناك ،فأجاب
عنه
212
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 213عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢١٣
ّللا عنه [ :وكما له نفس وجوده الذاتي الثابت له من نفسه ال من سواه ،
بما قال رضي ه
وحياته وقدرته عين علمه ،وعلمه باألشياء أزال عين علمه بنفسه :بمعنى أنه علم
نفسه بنفسه ،وعلم كل شيء بنفس علمه بنفسه ] .
أي :والكمال الثابت له في األحدية والتعين األول ،وهو نفس وجوده الذي هو مقتضى
ذاته ،فالكمال أيضا ثابت له من نفسه ؛ وذلك ألن النقص لما كان هو العدم ،كان
الكمال هو الوجود والوجود ثابت له من نفسه ال من سواه ؛ ألنه عين نفسه ،إذ لو كان
غيره ،لكان الوجود حاصال مما هو سوى الوجود ،فلم يكن واجبا لذاته ،وكذا حياته
وقدرته عين علمه بنفسه ؛ وذلك ألن كل ما يشعر بذاته ،يسمى حيها ،وما ال يشعر .
ومعنى القدرة أن يفعل ما يشاء وفعله معلوم ،فما علم وجوده فعل ،وما ال ،فال .
وأما رجوع اإلرادة والسمع والبصر والكالم إلى العلم فظاهر ،فهذه الصفات راجعة
مر بقي الكالم في علمه باألشياء .
إلى العلم وعلمه بنفسه عين نفسه على ما ه
ّللا عنه [ :وعلمه باألشياء عين علمه بنفسه أيضا ] ؛ وذلك ألنه ه
عز وج هل فقال رضي ه
علم نفسه بنفسه ال بمثال زائد على نفسه حتى يقال :علم نفسه بعلم زائد ،وعلمه
باألشياء أزال عين علمه بنفسه ؛ ألن األشياء عبارة عن الوجود والحقائق والوجود
عين نفسه ،والحقائق صور علمه ،وصور العلم ال تغاير العلم في المرتبة األزلية .
ولذلك قيد بقوله :أزال ؛ وذلك ألن الكل في الوجود نفسه نفس الوجود ،وإذا كان كذلك
،فال نعت وال صفة تتميز هناك .
ثم استشعر سؤاال بأنه كيف يكون عين هذه األشياء المختلفة المتكثرة مع غاية وحدته
ّللا عنه [ تتحد فيه المختلفات ،وتنبعث منه
وبساطته ،فأشار إلى دفعه بما قال رضي ه
المتكثرات ،هي دون أن تحويه أو يحويها أو تبديه عن بطون متقدم أو هو من نفسه
يبرزها ،فيبديها له وحدة هي محتد كل كثرة وبساطة هي عين كل تركيب آخر ،وأول
مرة كل ما يتناقض في حق غيره ،فهو له على أكمل الوجوه ثابت ] .
يعني :أن المختلفات من حيث الماهيات تتحد من حيث الوجود ؛ الشتراكه فيها
وتنبعث منه المتكثرات ،فأصل كثرتها وحدته ،فالكثرة في المرتبة األولى كانت وحدة
،ثم صارت كثرة تنسب إلى ماهياتها ،لكن كثرة نسبته إلى تلك الماهيات ليس بطريق
المحلية
213
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 214عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢١٤
لها ،وال الحالة فيها حتى يكون محال للحوادث أو صفة لها أو متمكنا فيها ،تعالى عن
ذلك ،بل مظهرة له وظاهرة به .
وليس ذلك بمعنى أنها تبديه عن بطون متقدم على هذا الظهور ؛ ألنه لم يزل ظاهرا
لنفسه ،بل ظهوره فيها بعد بطونه بالنسبة إليها ،وكذا ظهورها عنه ليس بمعنى أنه
يخرجها من نفسه فيبديها إذ األعيان ال تزال على ما هي عليه إلى األبد ال تشم رائحة
الوجود ،وإن ظهر الوجود بها وبصورها ،إذ لو اتصفت بالوجود ،لكان الوجود من
عوارضها فيتأخر عنها ،وهو مقدم عليها ،فلهذا جعلت المسألة غامضة .
ثم استشعر سؤاال آخر بأن هذه النسب ال ب هد من تكثرها ،فكيف يكون معها واحدا من
كل الوجوه ،وكيف يكون مع تحققها بسيطا حقيقيها .
فقال :له وحدة هي أصل كل كثرة من النسب وغيرها ،فجميع النسب فيها موجودة
بالقوة ،كالشجرة في النهواة .
فهي بالفعل بالنظر إلى ذاتها واحدة من كل وجه ،ومن جهة أنها محتد الكثرة فيها
كثرة بالقوة ،وهكذا بساطته عين كل تركيب من حيث إنها محتد التركيبات ،فهي من
حيث هي بساطة بالفعل من كل وجه ،ومن جهة أنها محتد التراكيب عين التراكيب
كلها .
ثم استدل على ذلك بأنه يقال فيه تعالى “ :أول وآخر “ معا ؛ ألن صفاته قديمة أبدية
وأوليته باعتبار وحدته وبساطته وآخريته باعتبار كثرته وتركيبه ،فهما يجتمعان فيه .
ثم استشعر سؤاال آخر ،بأن في الكثرة والتركيب نقصا ينافي القدم والوجوب الذاتي .
فأجاب بأن :كل ما يتناقض في حق غيره ،وهو ثابت له على الوجوه فهما إنما يثبتان
فيه من حيث ما فيها من الوحدة والبساطة والوجوب ،ال من جهات النقص ،إذ هي
عدمية ،وقد مر أن كل مقيد له وجه إلى اإلطالق ،ولكل مطلق وجه إلى التقييد ،وإن
كل كائن في محل ال يكون إال بحسب المحل ،ثم رد على العوام المخالفين بهذا .
““ 1
..................................................................
) ( 1قال المصنف القونوي في رسالة “ مفتاح الغيب “ في ترجمة فصل شريف
يشتمل على علم غزير خفي لطيف ما نصه :الوجود في حق الحق عين ذاته وفي من
عداه أمر زائد على حقيقته وحقيقة كل موجود عبارة عن نسبة تعينه في علم ربه أزال
ّللا عينا ثابتة .
وتسمى باصطالح المحققين من أهل ه
وفي اصطالح غيرهم ماهية والمعدوم الممكن والشيء الثابت ونحو ذلك والحق
سبحانه من حيث
214
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 215عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢١٥
ّللا عنه [ :وكل من نطق عنه ال به ونفى عنه كل أمر مشتبه وحصره في وقال رضي ه
مدركه ،فهو أبكم ساكت ،وجاهل مباهت ،حتى يرى به كل ض هد في نفس ضده ،بل
عينه مع تميزه بين حقيقته وبينه ] أي :كل ما نطق عنه من العلماء بزعمه ال به ،
لدعوى التمييز الكلي لثبات نفسه ،ونفى عنه كل أمر مشتبه على عقله حقيقة ،فلم يعلم
أن وجوده عين الحق والغير ،إنما هو حقيقة التي ال وجود لها .
وحصر الحق في مدركه من الواجب الوجود القديم البريء عن النقائص ،فهو أبكم
ساكت عن حقائق األمور ،وجاهل بالحقائق مباهت فيها ،ال يعرف الحق على ما هو
عليه حتى يرى كل ضد في نفس ضده ،فيرى القديم في الحادث والحادث في القديم ،
والواجب بالذات في الممكن ،والممكن في الواجب بالذات ،بل يرى الكل عين اآلخر
من جهة الوجود مع تمييزه بين حقيقته ،كل ضد ،وبين الحق الواحد الواجب من غير
اعتقاد حلول أو اتحاد .
ّللا عنه [ :وحدته عين كثرته ،وبساطته عين تركيبه ، صل ذلك فقال رضي ه ثم ف ه
وظهوره نفس بطونه ،وآخريته عين أوليته ،ال ينحصر في المفهوم من الوحدة أو
الوجود ،وال ينضبط
وحدة وجوده لم يصدر عنه إال واحد الستحالة إظهار الواحد غير الواحد وإيجاده من
كونه واحدا أكثر من واحد لكن ذلك الواحد عندنا هو الوجود العام المفاض على أعيان
الممكنات ما وجد منها وما لم يوجد معا سبق العلم بوجوده وهذا الوجود مشترك بين
القلم األعلى الذي هو أول موجود عند الحكيم المسمي بالعقل األول وبين سائر
الموجودات وليس كما يذكره أهل النظر من الفالسفة بأنه ما ثم عند المحققين إال الحق
والعالم ،والعالم ليس بشيء زائد على حقائق معلومة هّلل تعالى أوال كما أشرنا إليه من
قبل متصفة بالوجود ثانيا فالحقائق من حيث معلوميتها وعدميتها ال توصف بالجعل
عند المحققين من أهل الكشف والنظر أيضا إذ المجعول هو الموجود فما ال وجود له ال
يكون مجعوال ،
ولو كان كذلك لكان للعلم القديم في تغير معلوماته فيه أزال أثر مع أنها غير خارجة
عن العالم بها فإنها معدومة ال نفسها ال ثبوت لها إال في نفس العالم بها فلو قيل بجعلها
لزم أما مساواتها للعالم بها في الوجود أو أن يكون العالم بها محال لقبول األثر من
نفسه في نفسه وظرفا لغيره أيضا وكل ذلك باطل ألنه قادح في صرافة وحدته سبحانه
أزال وقاض بأن الوجود المفاض عرض ألشياء موجودة ال معدومة ،
وكل ذلك محال من حيث أنه تحصيل للحاصل ،ومن وجوه أخر ال حاجة إلى التطويل
بذكرها فافهم ،فثبت أنها من حيث ما ذكرنا غير مجعولة وليس ثمة وجودان كما ذكر
بل الوجود واحد وهو مشترك بين سائرها مشتفاد من الحق سبحانه وتعالى.
215
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 216عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢١٦
لشاهد وال في مشهود له ،أن يكون كما قال ،وظهر كما يريد دون الحصر في
اإلطالق ،والتقييد له المعنى المحيط بكل حرف ،والكمال المستوعب بكل وصف ،
كل ما خفي عن المحجوبين حسنه ،مما يتوهم فيه شين ونقص ،فإنه متى كشف عن
ساقه بحيث يدرك صحة انضيافه إليه ألقى فيه صورة الكمال ،ورأى أنه منصة لتجلي
الجالل أو الجمال ،سائر األسماء والصفات عنده متكثرة في عين وحدته هي عينه ال
يتنزه عما هو ثابت له ،وال يحتجب عما أبداه ليكمله ] .
أي :وحدته الحقيقية عين ضدها الذي هو الكثرة ؛ ألن الكثرة ليست في نفس الوجود ،
بل في صورة عينه من حيث ال وجود لها بدونه ،فهي من حيث الوجود الذي يقتضي
الوحدة ويساوقها واحدة .
فالوحدة عين الكثرة باعتبار الوجود ،كذا بساطته الحقيقية عين ضدها الذي هو
التركيب ؛ ألنه ليس في نفس الوجود ،بل بين صورة ،وهي عينه . .إلخ .
وكذا ظهوره نفس بطونه ؛ ألن الظاهر صورة الباطن ،وكذا اآلخرية التي هي من
لوازم الظهور عين األولية التي هي من لوازم البطون ،واتحاد اللزوم بحسب الصدق
،يستلزم اتحاد الالزم بحسبه ،ثم اعتذر عن سبب اجتماع الضدين فيه ،بأنه يمتنع
اجتماعهما فيما ينحصر في مفهوم واحد ،والحق ال ينحصر في مفهوم أصال ،ال في
الوحدة ،حتى يقابل الكثير ،وال في الوجود حتى يقابل العدم ،فلذلك يتحقق في الكثرة
،وفي الحقائق الممكنة التي هي أعدام ،وليس المراد العدم المطلق ،فإنه ليس بثابت ،
فافهم .
فلذلك ال ضد له كما أنه ال ند له ،ثم ذكر :أن شاهد العقل ،وإن دل على انحصاره
في الوحدة والوجود -إذ جعله واجب الوجود -فال ينضبط فيه بحسب األدلة الكشفية ،
فإنها دلت على ظهوره في الكثرة ،وفي الحقائق الممكنة ،لكنه ال ينضبط في ذلك
المشهود أيضا .
ش ْيءٍ َم ْن َع ْل َم َه َإ هال َبما :وال يُ َحي ُ
طونَ َب َ ثم قال :له أن يكون كما قال من أنهم َ
شا َء[ البقرة ] 255 :هذا في األحدية وظهر كما يريد هذا في الواحدية بحسب
االستعدادات التي في األعيان الثابتة من قبولها الظهور بصور معينة في أزمنة معينة
وأمكنة مخصوصة ،ومع ذلك ال ينحصر في األحدية والواحدية ،وكيف ينحصر وله
المعنى المحيط
216
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 217عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢١٧
ولما ذكر أن الكثرة في الوجود عين الوحدة ،ذكر أن الكثرة ثبتت في الوجود ،وكيف
يجامع وحدته ،فقال :ذلك في األسماء والصفات ،فإنها متكثرة بالمفهومات واألحكام
الالزمة ،وكلها في عين الوحدة من حيث الصدق ،حتى أن تلك الوحدة عين الذات
من جهة الصدق ،فالكل عين الذات ،ففيها الوحدة والكثرة معا ،ثم اعتذر عما يتوهم
أنه يستلزم وجود الكثرة فيه بعدد اإلله ،وهو تعالى ه
منزه عن الشريك باتفاق من يعتد
منزه عن كثرة فيبه من العقالء وأهل المكاشفة ،فأجاب بأنه عند بعضهم غير ه
الصفات ؛ ألنها أيضا ثابتة له عندهم ،وإنما يتنزه عن الكثرة في الموصوفين بتلك
الصفات ،وليسوا بثابتين ،فهذا عين مذهب أهل السنة من األشاعرة وغيرهم ،ثم
اعتذر عما يقال يثبت تعدد الصفات في الكشف ،وإال كانت حجبا عن الذهات .
فأجاب :أنه يبدأ لهم بتجلي الصفات أيضا ،حتى إذا كملوا ،تجلى لهم بالذات ،فيكمل
لهم تجلي الصفات أيضا ؛ ألن الكامل ال يحجبه شيء عن شيء ،حتى أنه ال يحجبه
الخلق عن الحق ،فكيف يحجبه صفات الحق عنه ،ولما وقع الكالم في الحجاب
والتقديس استطرد على أنه لما قيل أن جميع ما وصف به عين أضدادها ،فالحجاب في
حقه عين الكشف ،والعزة عين الذل والغني عين االفتقار ،والتقديس عين النقص ،
مع ثبوت هذه
217
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 218عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢١٨
ّللا
األمور باإلجماع ،وانتفاء أضدادها به احتاج إلى بيان ذلك ،فهو ما قال رضي ه
عنه [ :وحجابه وعزته وغناه وقدسه ،عبارة عن امتياز حقيقته عن كل شيء يضادهها
،وعن عدم تعلقه بشيء ،أو عدم احتياجه في صبوته وجوده له وبقائه إلى ذلك ،ال
تحقق لشيء بنفسه وال بشيء إال به ،فانتبه ] .
أي :حجابه عبارة عن امتياز حقيقته عن كل شيء يضادهها ،وال ضدية إال بحسب
الوجود ،فال حجاب من تلك الجهة ،وإنما كان امتياز حقيقته حجابا ؛ ألنه تحصل به
المباينة الموجبة للجهل به .
فإن قلت :ليس ث همة حقيقة ووجد ،بل حقيقته عين الوجود .
قلنا :المراد حقيقة الوجود التي بها الوجود وجود ،فالوجود وإن كان أظهر باإلنيهة ،
أخفى باعتبار الحقيقة ؛ ألنه ال يمكن تعريفه بحد وال رسم .
وعزته عبارة عن عدم تعلقه بشيء ؛ وذلك ألن التعلق بالدون ذاته ،وهو من حيث
إطالق الذات عزيزة إال أنه لما كان له وجه على التقييد ،صار متعلقا باألكوان ،حتى
ظهرت ووجدت .
وغناؤه عبارة عن عدم احتياجه في ثبوت وجوده وبقائه إلى شيء ،وهذا من حيث
الذات ،وأما من حيث األسماء ،فال ب هد لظهورها في المظاهر من األعيان الثابتة التي
يظهر بها وفيها .
وقدسه عبارة عن جميع ذلك ،وذلك أيضا بحسب الذات ال بحسب األسماء ،بدليل أنه
ال يتحقق الشيء بنفسه وال بشيء آخر إال به ،فليس محتجب عنه وال غير متعلق به ،
وال غير محتاج في ظهوره في المظاهر إليه ،وال مقدس عن ذلك .
ثم قال “ :فانتبه “ أي :عند إطالق الحجاب العزة والغنى والقدس لهذه الدقيقة ،ثم
ّللا عنه :
شرع في أحكام الوجود من حيث كونه وجودا فحسب ،فهو ما قال رضي ه
[ال تدركه سبحانه من حيث الحيثية العقول واألفكار ،وال تحويه الجهات واألقطار ،
وال تحيط بمشاهدته ومعرفته البصائر واألبصار ،ومنزه عن القيود الصورية
والمعنوية ،مقدس عن قبول كل تقدير متعلق بكمية أو كيفية متعال عن اإلحاطات
الحدسية والفهمية والظنية والعلمية ،متحجب بكمال عزته عن جميع بريته الكامل منه
218
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 219عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢١٩
والناقص.
[ أي :ال يدركه سبحانه وتعالى من حيث كونه وجودا فحسب ،العقول البديهية
واألفكار النظرية ،وال تحويه الجهات واألقطار ،فال تدركه الحواس الظاهرة ،وال
يحيط بمشاهدته الغيبية ،ومعرفته اليقينية البصائر الباطنة ،وال جميع األبصار ،
منزه عن القيود الصورية والمعنوية ،فكيف تدركه الحواس والعقول ثم علل ذلك بأنه ه
واألفكار التي هي مقيدة ،ثم بين تنزيهه تعالى عن القيود الصورية ،بأنه مقدس عن
قبول كل تقديره متعلق بكمية أو كيفية ،وعن القيود المعنوية بأنه متعال عن اإلحاطات
الحدسية والفهمية والظنية والعلمية ،
ثم علل عدم إحاطة البصائر واألبصار ،بأنه محتجب بكمال عزته عن جميع بريته
للكامل صاحب البصيرة ،والناقص المقتصر على ظاهر البصر ،وبين الكامل بأنه
المقبل إليه ،والناقص بأنه النهاكص عنه .
وقيد المقبل بقوله :في زعمه إشعارا بأنه لما احتجب عنه ،فلم يدركه ،فكيف يقبل
إليه إقباال حقيقيها ،بل هو إقبال وهمي وإن أفاده مقاما أو حاال ،ثم استشعر سؤاال بأنه
ال تدركه العقول والبصائر ،وقد أدركت تنزيهه ،
ّللا عنه [ :جميع تنزيهات العقول من حيث أفكارها ومن حيث فأخبر بما قال رضي ه
بصائرها ،أحكام سلبية ال تفيد معرفة حقيقية ،وهي مع ذلك دون ما يقتضيه جالله
ويستحقه قدسه وكماله ،ومنشأ تعلق علمه بالعالم من عين علمه بنفسه ،وظهور هذا
التعلق بظهور نسب علمه التي هي معلوماته ،وإنما هو عالم بما ال يتناهى من حيث
إحاطة علمه وكونه مصدرا لكل شيء ،فيعلم ذاته والزم ذاته ،والزم الالزم جمعا
وفرادى ،وإجماال وتفصيال ،هكذا إلى ما ال يتناهى وما عينه أو علم تعين مرتبته عند
شرط وسبب ،فإنه يعلمه بشرط وسببه ،والزمة أن سبق علمه بذلك تعينه ،وإال
فيعلمه بنفسه سبحانه وكيف شاء ،غير أنه ال يتجدد له علم ،وال يتعين في حقه أمر
ينحصر فيه وال حكم ] .
أي :لما كان وجودا فحسب ،لم يغاير الموجودات من هذا الوجه ،فلما تعلق علمه
بنفسه ،تعلق بالعالم متميزا عن الحق ،
قال ( :وظهور هذا التعلق )أي :تعلق علمه بالعالم ،سبب ظهور نسب علمه ،فإن
تلك النسب لما كانت هي المعلومات وقد ظهرت ،ظهر التعلق بها كما ظهر تعلق
الوجود بها عند ظهور نسبه التي هي حقائق الموجودات ،ولما كان
219
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 220عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٢٠
مقتضاه أن يكون علمه واحدا ،فال يعلم المتعدد به ،مع أنه عالم بما ال يتناهى من
المتعددات .
قال :وإنما هو عالم بما ال يتناهى من حيث علمه ،محيط بذاته وذاته شاملة على
األشياء ؛ ألن حقائقها شؤونه هذه من جهة الحقائق ،وأما من جهة تعلق الوجود بها ،
فمن حيث كونه مصدرا لكل شيء ؛ ألن هذه من جملة صفات الذات التي ال يغايرها
في مرتبة الذات ،فهي من لوازمها ،فإذا علم الذات بالكلية علم هذه الصفة ؛ ألن العلم
بالملزوم يستلزم العلم بالالزم ،فيعلم مصدرية الذات ،
وما يلزم مصدريتها من تعلق الوجود باألشياء ،أعني الحقائق التي هي شؤون في
الذات وأعيان ثابتة في العلم ،فيعلمها من حيث الذات جمعا وإجماال ،ومن حيث
الصفات والتعلق الوجودي ،فرادى وتفصيال ،فسرى علمه الواحد الذاتي إلى ما ال
يتناهى من المعلومات .
ولما كان مقتضاه أال يعلم الحوادث الزمانية إما من جهة األولى ؛ فألنها غير جهة
االتحاد ،وإما من الجهة الثانية ؛ فألنها ليست من لوازم مصدريته ؛ ألنها أمور
جائزة .
قال ( :وما عينه . . .عند شرط أو سبب ) من غير أن يتوقف عليها الذات ،أو علم
تعين مرتبته عند أحدهما لتوقفه من حيث الحقيقة على ذلك ،فإنه تعالى يعلم ذلك
الشيء بسبب علمه بشرطه وسببه ،وإن لم يتوقف عليها ،فلم يلزماه ،ويعلم سبب
علمه بالزمة من الشرط ؛ والسبب أن سبق علمه بأن له سببا وشرطا ،
هو إنما يتعين عندهما ال دونهما ؛ ألن ذلك الشرط ،والسبب ال ب هد وأن يرجعا إلى ما
هو من لوازم ذاته ،أو بالذات مصدرا له ،والالزم له اتحاد بالذات من وجهة ،فيعلمه
من الجهتين ،وإن لم يكن متعلقا بشرط وسبب الزم وال غير الزم ،يعلمه سبحانه
بنفسه ؛ ألنه من لوازم مصدريته لألشياء ،فكيف ما شاء الشيء من تعليقه على
الشرط والسبب ،وال تعليقه بهما ال ب هد وأن يعلمه علما أزليها .
ولما توهم أنه إذا علم الشيء بشرطه أو بسببه أو الزمه ،فهو على متجدد ،على أنه
يعلم وجود زيد في األزل مستقبال ،فإذا وجد علم وجوده ،فإذا فني علمه ماضيا ،
فكيف ال يتجدد له علم بذلك ،فإنه علم في األزل وجود زيد في الزمان الفالني ،
وحاليته لذلك الزمان ،واستقباله بالنسبة إلى األزل ،ومضيه بالنسبة إلى ما بعده فيعلم
بذلك ما علم ،
220
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 221عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٢١
وكذا توقفه على السبب والشرط ال يستلزم حدوثه ،بل يعلم في األزل ترتبه عليه
واستلزم علمه به ،علمه إياه من غير سبق ،علم بالسبب ،على العلم المسبب سببا
زمانيها .
ثم ذكر أنه إنما يتجدد العلم بتجدد المعلوم ،فمن يتعين في حقه أمر ينحصر فيه ،فإذا
انحصر في زمان ،يعلم ما يكون بالنسبة إليه دون غيره ،ولما لم يتقيد سبحانه بهذه
األزمنة حتى أن كونه في األزل عين كونه في األبد ،لم يتجدد له شيء من العلم .
ثم ذكر أنه ال يتعين في حقه حكم حتى يقال إنه يعلم وجود زيد في الزمان الفالني ال
غير ،وال يعلم استقباله بالنسبة إلى األزل ومضيه بالنسبة إلى ما بعد فنائه ،بل يعلم
جميع األحوال بعلم واحد ،وهكذا يعلم ما تعلمه المحادثات الحادثة من حيث أن
علومهم ظالل علمه تعالى .
ّللا تعالى َ :حتهى نَ ْعلَ َم[ محمد ، ] 32 :فله اإلحاطة الكلية باألشياء بجميع
ومن هنا يقول ه
العلوم ،لكنها ال تتجدد في حقه ،وإن تجدد ظهورها في المظاهر ،فافهم .
ثم ذكر حكما ثالثا للوجود من حيث هو وجود فحسب ،
ّللا عنه [ :كماله بنفسه ووجوده بالفعل ال بالقوة ،وبالوجوب ال باإلمكان فقال رضي ه
منزه عن التغير المعلوم والحدثان ،ال تحويه المحدثات لتبديه أو تصونه ،وال ،ه
يكونها لحاجة إلى سواه وال تكونه ،ترتبط األشياء به من حيث ما تعين منه ،وال
يرتبط بها من حيث امتيازها بتعدد عنه ،فيتوقف وجودها لها عليه ،وال يتوقف عليه
،مستغن بحقيقته عن كل شيء مفتقر إليه في وجوده كل شيء] .
أي :كماله الذاتي “ “ 1بنفسه ،ال بأسمائه وصفاته ومظاهره ؛ ألنه عين ذاته ،
وإنما األسماء والصفات ومظاهرها من أنوارها ،وظهوره في الظاهر عكس نوره في
نفسه ؛ ولذلك كان وجوده بالفعل ال بالقوة ؛ ألن ما بالقوة ناقص .
هذا بالنسبة إلى وجوده في ذاته ،ال بالنسبة إلى الصفات الفعلية التي هي نسب محضة
،والمظاهر وكذا وجوده لذاته بالوجوب ال باإلمكان ،وإن كان ظهوره في المظاهر
..................................................................
) ( 1الكمال الذاتي هو ما يضاف إلى الحق تعالى من غير اعتبار فعل ،وتعين
وغيرية ،ومظهر ،بل ما يكون تحققه للحق تعالى بال شرط شيء أصال فيكون حقيقة
الكمال الذاتي ظهور الذات لنفسها من غير اعتبار غير وغيرية.
221
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 222عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٢٢
باإلمكان ؛ ألن الكمال للواجب دون الممكن ،فإنه ناقص ،فإن كان كامال فليس
بنفسه .
ولما كان واجبا بالذات كان منزها عن التغيير المعلوم الستلزامه زوال حاله بذاته ،
وإنما يتغير نسبه إلى المظاهر .
تنزه عن التغيير ،تنزه عن الحدثان ؛ ألن حدوث شيء فيه ،يستلزم تغيره عما ولما ه
كان عليه ،إال أنه ينتسب إليها بحسب تعلقاته بحقائق الممكنات ،للظهور فيها وبها ،
ال بحسب الذات والصفات الذاتية واإللهية ،ولكماله الذاتي وتنزهه عن التغيرات ال
تحويه المحدثات بأن تصير أعراضه لتبديه إبداء األلوان واألضواء ،والمقادير
والجواهر الجسمانية ،وال تحويه أيضا بأن تصير ظروفه لتصونه عن الظهور ؛ ألنه
يستلزم التغيير والنقص بالذات ،إذ ظهوره بطونه حينئذ ليس بذاته .نعم ظهوره في
المظاهر وبطونه هاهنا بها .وأما بالنسبة إلى ذاته فظاهرة ،ومن حيث الغناء عن
العالمين باطن .
ولما كان كماله بذاته ،ال تكون المحادثات لحاجة له إلى سواه ،بل إنما كونها لظهوره
في المظاهر بعد الظهور الكامل في ذاته ؛ ألن الكمال العارض للوجود من حيث
اشتماله على شؤون الممكنات ال يتم إال بها ،والشؤون في الذات عينها ،فليس ذلك
حاجة إلى الغير وال المحدثات تكونه ؛ ألنه موجود بذاته ،فال يتكرر وجوده بها ،بل
تظهر به وتتعلق ،ويحصل لظاهرها صفات بالفعل كانت لها القوة بسببه .
فالمكون إنما هو تعلقه لها ،وتلك الصفات ظهرت عليه بذلك التعلق بعد بطونها .
ثم استشعر سؤاال بأنه لما كان كماله بنفسه ،وال حاجة له إلى المحدثات ،فما من وجه
ارتباط األشياء به حتى كونها ،
فقال [ :ارتباط األشياء به من حيث غيريتها وامتيازها ،بل من حيث إنها تعيناته
المظهرية يظهر بها الكمال الذي ليس بذاتي له ،ووجودها غير وجود مع قيد تعينه
بها ] .
وأما امتيازها فمن حيث تعددها بحقائقها ،بخالف جهة الوجود ،فإن الفيض واحد
تعدد بحسب تعدد الحقائق ،ولما ارتبطت من جهة الوجود ،توقف وجودها ألنفسها
عليه من غير عكس ،فهو مستغن بحقيقته التي هي حقيقة الوجود عن كل شيء ،
وإن لم يستغن باعتبار ظهوره في المظاهر عنها ،مفتقر إليه في وجوده كل شيء ،إذ
كل شيء ،ليس له وجود من ذاته ،وإال لكان كل واجبا بالذات ،فيتعدد القدماء
بالذهات.
222
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 223عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٢٣
ولما ذكر أن ارتباط األشياء به من حيث وجودها ،ثم ذكر ما هو سبب تعلق الوجود
ّللا عنه [ :ليس بينه وبين األشياء نسبة إلى العناية كما قيل ،
بها ،فهو كما قال رضي ه
وال حجاب إال الجهل والتلبيس والتخيهل لغاية قربه ودنوه وفرط عزه وعلوه ،وعنايته
في الحقيقة إفاضة نوره الوجودي على من انطبع في مرآة عينه التي هي نسب
معلوميته ،واستعد لقبول حكم إيجاده ومظهريته سبحانه ،ليس كمثله شيء من الوجه
األول ،وهو السميع البصير من الوجه الثاني ] .
من هنا شروع في الثاني إذ ما قبله جهة الوجود المحض ،وإن ذكر فيه أبحاث من
التعلق على طريق االستطراد ؛ ألن المقصود بالذات بيان الوجود من حيث هو ،
وبيان أحكامه من تلك الحيثية ،واستطرد باألحكام التي تتعلقها لتوقف بيان األحكام
الذاتية عليها ،إذ األشياء تتبين بأضدادها ،أي :ليس بين الحق من حيث هو وبين
األشياء نسبة تعلق وجوده بها مع غنائه عنها بحسب الذات إال العناية التي هي العلم
السابق ،كما قاله الفالسفة ،وإال لكان مفتقرا إليها في استكمال ذاته بها ،أو كان عابثا
وهو من النقائص .
ولما كانت األشياء موجودة بوجوده لعنايته بها من حيث أنها صور شؤونه ،فال
حجاب بينها وبينه ،لغاية قربه منها ودنوه إال الجهل منها ،والتلبيس تخيل تعداداتها
لفرط عزه وعلوه ،فال يحاط به هذه المظاهر كلها فضال عن مظهر واحد منها .
ثم ذكر أن العناية وإن فسرت بسبق العلم باألشياء كلها في الحقيقة هي إفاضة النور
الوجودي إذ سبق العلم ال يكفي لحصول األشياء في الخارج بدون اإلفاضة ،أي تعين
وجوده من حيث نوريته وظهوره ،ال من حيث الذات ،فالعناية إنما كملت بهذه
اإلفاضة ،فهي حقيقة تلك العناية ،كأنه أعظم أجزائه الذاتية .
ثم ذكر المفاض عليه بأنه من انطبع وانتقش في مرآة عينه الثابتة ،ولم يجعل نفس
العين الثابتة الستمرار عدمها والمنطبع صورته والوجود المفاض ال حق بتلك الصورة
،وتلك الحقيقة نسبة معلوميته تعالى ؛ لكن شرط المنطبع أن يكون مستعدا لقبول حكم
إيجاده تعالى إياه وظهوره فيه ،وإال ال يوجد وإن كان في ذاته ممكنا .
ثم ذكر أن التنزيه العقلي “ “ 1يختص بالوجه األول إذ المثل ما يقوم مقام آخر من
نوعه
...................................................................
) ( 1اعلم أن للتنزيه العقلي ثمرة وهي تنزيه الحق عما يسمى غيرا ،أو سوى
بالصفات السلبية حذرا من
223
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 224عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٢٤
وال تعدد للوجود فال مثل ،وأما السميع والبصير فهو من الوجه الثاني ؛ لكن فيه تنزيه
ّللا عنه لقوله “ :أوال سبحانه
كشفي إذا أورده بطريق الحصر ،وإليه أشار رضي ه
ّللا
“ ،ثم ذكر أن ذلك التنزيه دائم مستمر ،وإن ظهر في المظاهر بما قال رضي ه
عنه [ :ومتى أدرك أو شوهد أو خاطب أو خوطب ،فمن وراء حجاب عزته في
مرتبة نفسه المذكورة ،بنسبة ظاهريته ،وحكم تجليه في منزل تدليه من حيث اقتران
وجوده العام بالممكنات ،وشروق نوره على أعيان الموجودات ليس غير ذلك].
أي :متى أدرك الحق بالعلم اليقيني أو شوهد بعين اليقين في المظاهر ،أو غيرها أو
خاطب أحدا من خلقه ملكا أو نبيها أو وليها أو خوطب ،فال ب هد وأن يكون الحق حينئذ من
وراء حجاب عزته في المرتبة األحدية ،فيكون على تنزيهه األصلي العقلي .
وإنما وقع اإلدراك ،وما عطف عليه بنسبة ظاهريته لألشياء ،وهذه النسبة هي حكم
تجليه لها في منزل تدليه إلى قربة منها ،وذلك القرب من حيث اقتران وجوده العام
بالممكنات ،وليس اقترانه بطريقة اتصال بل بشروق نوره على أعيان الموجودات ،
وال يقع شيء منها إال بالظاهرية واألحدية على نزاهته العقلية “ .
ثم ذكر سبب كون ذلك الموجود الظاهر فيها خلف ،مع أنه الحق المنزه في كل مرتبة
ّللا عنه [ :فهو سبحانه من حيث هذا الوجه إذا لومح تعين وجودهدائما بما قال رضي ه
متقيدا بالصفات الالزمة لكل متعين من األعيان الممكنة التي هي في الحقيقة نسب
علمه جمعا وفرادى ،وما يتبع تلك الصفات من األمور المسماة شئونا والخواص
والعوارض ،واآلثار التابعة ألحكام االسم الدهر المسماة باألوقات والمراتب أيضا
والمواطن ،فإن ذلك التعين والتشخص يسمى خلقا وسوى ،كما ستعرف عن قريب
ّللا تعالى ] .
سره إن شاء ه
أي :والحق المنزه يسمى خلقا وسوى من الوجه الثاني إذا لو محيي تعين وجوده مقيدا
بالصفات الالزمة لكل متعين من األعيان الممكنة بالقيد األول ،خرج من حيث التعين
األول وبالقيد الثاني خرج من حيث تعينه بصفات اإللهية والربوبية ،وبقيد األعيان
الممكنة خرجت الممتنعات ،فإنها ال تس همى خلقا كما ال تس همى حقها.
نقائص مفروضة في األذهان غير واقعة في األعيان.
224
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 225عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٢٥
ثم ذكر أن تلك األعيان في الحقيقة نسب علمه إشعارا بأن أصلها عدم ليس لها صفة
العتبار تعين الوجود بها ؛ فلذلك قلنا :أن الوجود تقيد بتلك الصفات .
ثم ذكر أنه ال فرق بين الصفات جمعا وفرادى ؛ لئال يتوهم إن تلك الصفات إذا كانت
على الجمعية ،ال تسمى خلقا من حيث أن الجمعية من خواص اإللهية ،وذلك إن تلك
جمعية جميع الصفات الالزمة الالحقة باعتبار التعين بحسب األعيان الممكنة ،وهذه
الصفات ذاتية تلك األشياء ،ومقيدة بما يتبع تلك الصفات ،إذ بهذه التوابع يزداد البعد
عن الوجوب ،والقرب من اإلمكان ،فهي مؤ هكدة للخلقية .
وإنما ذكرها ؛ لئال يتوهم إن هذه األمور العارضة ال تجعل من الخلقية ،إذ أصل
الوجود الوجوب ،فال يقال :هذا األصل من قبيل عروض هذه الصفات ،لكن الوهم
يندفع بأن عروضها بعد ثبوت الخلقية ،فليس في معارضية األصل ومقابلته في شيء
،وتلك التوابع من األمور المسماة شئونا ،أي :قابليات األشياء لالتصاف بصفات
وجودية ،وخواص تختص ببعض األشياء دون بعض .
وعوارض تمامه تعرض للشيء من غير اختصاص به ،وهذه الصفات وإن لم تكن
من الذاتيات ،فهي دائمة لموصوفاتها ،وهكذا اآلثار التابعة ألحكام االسم الدهر الذي
ّللا تعالى ،كما ورد في الحديث “ :يؤذيني ابن آدم ،يسب الدهر ،وأنا
هو من أسماء ه
الدهر أقلب الليل والنهار “ “ ، “ 1وتلك األحكام المسماة باألوقات ،وآثارها هي
التغيرات الزمانية وكذا العارضة باعتبار المراتب من عالم األعلى ،والعارضة
باعتبار المواطن كالعارض للعناصر من جهة قبول التركيب ،واالنقالب من صورة
إلى صورة .
وإنما ذكر هذه األشياء ؛ إشعارا بأن المخلوقات ال ب هد وأن تتصف بهذه الصور كلها ،
فذكر هذه األمور ليس إلخراج شيء ،بل لالطالع على كمال الحقيقة الخلقية
وصفاتها .
ثم ذكر أن سر ذلك سيعرف عن قريب ،وذلك أنه سيذكر “ :أنه بسريانه في كل
ّللا تعالى .
شيء . . .إلى آخره “ ،وستعرفه إن شاء ه
ّللا عنه [ :وينضاف إليه إذ ذاك “ 2 ثم ذكر أحكام الوجود بهذا الوجه بما قال رضي ه
“ كل وصف
.....................................................................
) ( 1تقدم تخريجه .
) ( 2أي إلى الحق إذ ذاك أي في زمان اقتران وجود العام بالممكنات ،ويقصد
بالوجود العام هو الوجود
225
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 226عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٢٦
ويسمى بكل اسم ،ويظهر بكل رسم ،ويقبل كل حكم ،ويتقيد في كل مكان بكل رسم ،
ويدرك لكل مشعر من بصر وسمع وعقل وفهم ،وغير ذلك من القوى والمدارك ،
فاذكر ] .
أي :وينسب إلى الوجود عند التقييد لما ذكر كل وصف حادث ،ويسمى بكل اسم من
أسماء المحدثات ،ويظهر بكل رسم من رسومها ،ويقبل كل حكم من التغييرات ،
ويتقيد في كل مكان بكل رسم يليق بذلك المكان ،سواء كان المكان معنويها أو حسيها ،
ويدرك عنه ذلك بكل مشعر ظاهر من سمع وبصر وباطن من عقل وفهم وغير ذلك
من القوى ،كالحس المشترك والخيال والوهم والحافظة والمفكرة والمدارك من النفس
والقلب والروح ،فاذكر هذه المسألة ؛ لئال يحجبك الحق عن الخلق ،والخلق عن
الحق .
ّللا عنه :
ثم ذكر سر تقييده بهذه األوصاف مع تنزهه عنها بما قال الشيخ رضي ه
[ واعلم أن ذلك بسريانه في كل شيء بنوره الذاتي المقدس عن التجزيء واالنقسام
والحلول في األرواح واألجسام ،فافهم ] .
ولكن كل ذلك متى أحب وكيف شاء ،أي إنما يقيد بهذه الصفات باعتبار سريانه ،أي
ظهوره بحيث يسرى نوره في كل شيء ،وهو النور الذاتي الوجودي المظهر للكل مع
التجزيء في نفسه ،يمتنع انقسامه بالمظاهر ،لكن ظهر في كل مظهر ه تقدسه عن
بقدر استعداده الذي أعطاه .
وليس ذلك السريان بطريق الحلول ال في األرواح المجردة وال في األجسام المطلقة ،
وظهوره فيها وإن كان بحسب استعدادها ،فليس بطريق الوجوب ؛ ولكن متى أحب
وكيف شاء فإن االستعداد حاصل له من حبه ومشيئته والتجلي بحسبه ،فإذا سري فيها
تقيد بقيودها الالحقة لها باعتبار هذا السريان .
226
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 227عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٢٧
وإال لكانت الحوادث أزلية ،ويمكن أن يقال قابل بذاته ،إال أن األزل يمنع من القبول ،
فهذا قابل لهذين الحكمين التجرد والتقيد الكليين ؛ ألنه اعتبر التجرد عن الكل في األول
،والتقيد بالكل في الثاني ،وهما متضادان ،بينهما غاية الخالف إال أن الضدية إنما
تعتبر بالنظر إلى الموضوعات الخاصة والتعينات الشخصية ،وقبوله له بذاته ال بأمر
زائد ينضاف إليه إذ ليس وراء الوجود المطلق شيء حتى يعتبر انضيافه إليه ،وإن
كان أثر قابليته للتقيد ببعض األمور باعتبار األمر الزائد ،لكن ذلك األمر اعتباري
بالنظر إلى نفس الوجود .نعم جمعيته المتقابلين ،بل لكل مختلفين سواء كان بينهما
تقابل أم ال ،باعتبار صورته ال باعتبار ذاته فقط .
واختالف الصور باختالف ما ظهر فيها من األمور المختلفة ،واختالف تلك األمور
بما ينضاف إليه من المشيئة ،فإذا شاء ظهر في كل صورة ،وإن لم يشأ ال ينضاف
ّلل ْال َ
واح َد إليه صورة أصال ،كما يكون يوم يقول عز وجل َ :ل َم َن ْال ُم ْلكُ ْاليَ ْو َم َ ه َ
ْالقَ هه َ
ار[ غافر . ] 16 :
وإنما قال :وإن لم يشأ ؛ ليشعر بأن مشيئة العدم ،وعدم المشيئة سواء في عدم
انضياف الصور ،والمراد عدم تعلق المشيئة ،وإال فالمشيئة قديمة ال تنعدم ،ثم ذكر
أن هذه الصور ال تغيره عما كان عليه في األحدية .
ّللا عنه [ :ال يقدح تعينه وتشخصه بالصور ،واتصافه بصفاتها في فذلك قال رضي ه
كمال وجوده وعزه وقدسه ،وال ينافي ظهوره في األشياء وإظهاره وتعينه وتقيده بها
وبأحكامها من حيث هي علوه وإطالقه من القيود وغناه بذاته عن جميع ما وصف
بالوجود ،بل هو سبحانه الجامع بين ما تماثل من الحقائق وتخالف فيتألف ،وبين ما
تغاير وتباين فيختلف ] .
أي :ال يقدح تعينه بالصور النوعية والشخصية ،واتصافه بصفاته الحادثة في كمال
وجوده األحدية والواحدية ؛ ألن هذه التعيهنات والتش هخصات باعتبار المظاهر ال بالذات
،فال ينافي كمال الذات وال عزته عن التعلق بها ،وال قدسه عن الحوادث لذلك ،فإن
ما يلحق الصورة في المرآة عند تحريكها أو كسرها ،ال يلحق شيء ذا الصورة ،
ولذلك ال ينافي ظهوره في األشياء ،وإظهاره لألشياء وال تعينه بمراتبها الدنيهة ،وال
تقيده بحقائقها الممكنة وبصفاتها الحادثة من هذه الحيثية ،علوه من حيثية أخرى هي
األحدية ،وال إطالقه الذاتي
227
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 228عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٢٨
وال غناه بذاته عن الجميع ،بل هو تعالى مع تنزهه عن الجميع ،يجمع بين الحقائق
المتماثلة والمتخالفة أي المتقاربة ،فيؤلهف بينهما ،فيجعلها واحدة أو أحدية بسبب
المناسبة التي بين تلك الحقائق ،حتى يناسب وحدته على حسب ذلك .
ويجمع أيضا بين ما ينافر أخرى تنافر ،وبين ما يباين ،فال يكون بينهما مناسبة
جامعة ،فال يناسب وحدته فيختلف ،لكنها تجتمع بالوجود في الوجود .
وإنما فعل ذلك إظهارا للقابلية على سبيل االجتماع واالفتراق ؛ لشموله لها جميعا ،ثم
ذكر األسماء التي بها الظهور عند االتحاد والخفاء عند اإلعدام .
ّللا عنه [ :بتجليه الوجودي ظهرت الخفيهات ،وتنزلت من الغيب إلىفلذلك قال رضي ه
الشهادة البركات ،من حيث أسمائه الباسط والمبديء ،وبارتفاع حكم تدلهيه تخفي
وتنعدم الموجودات باسميه القابض والمعيد ] .
أي :بتجليه بالوجود العام باقتضاء االسم الباسط على الحقائق ،والمبديء إظهاره
مقيدا بها وبأحوالها ،أظهرت الحقائق وأوصافها الخفيات في الواحدية ،وتنزلت
بالظهور من غيب الوحدة إلى الشهادة بركات تلك الحقائق ،وهي التجليات عليها
الخارجية الكاملة بالفعل بعد ما كانت لها بالقوة ،ثم بارتفاع حكم تدليه ،أي دنوه من
الحقائق يخفي ما فعل منها في الوجود الخارجي ،بل ينعدم في الخارجي ،بمقتضى
اسميه القابض والباسط للظهور والبطون ،والمعيد لما ظهر إلى ما كان عليه في
األول .
أي :إن نظر سبحانه وتعالى علوه واستغنائه ،احتجب عن األشياء بعزه فيكون غفورا
،أي :ساترا لها ،وإن أحب أن يعرف من جهة تكميل العالم والوجود بالظهور في
المظاهر ،وإخراج ما لهما في اإلمكان بالقوة إلى الفعل وما من الحقائق ،وظهر فيما
شاء بالمشيئة األزلية المفيضة عليها االستعداد كيف شاء هناك ،فكان ودودا لظهوره
فيها وإظهارها ،فبالمحبة من جهة كونه محبها فقط ،إذ ال محبوب من الخلق قبل
اإليجاد ،يبديء
228
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 229عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٢٩
الحقائق بإعطاء الوجود لها ،وتبديه بالظهور فيها بعد ظهوره بذاته في ذاته ،
وبالمحبة من جهة كونه محبها في الصور الخلقية ،ومحبوبا من جهة الحقيقة يعيد إليه ،
ّللا عليه وسلم “ :حب الوطن من اإليمان “ “ “ . 1ومنه قوله صلى ه
ثم أشار إلى أن المحبة والمحبوبية ال تكفيان في ذلك ،بل ال بد معها من كون كل
شيء في قبضة مشيئته ،ومقهورا تحت قوة بطشه التي هو قدرته ،وهما يتمان بقوة
فعله حتى يصير قاهرا قابضا ،وضعف الفعل حتى يصير مقبوضا مقهورا ؛ فلذلك ال
يكون غيره فاعال ،وال يكون هو منفعال .
ثم ذكر ما هو المظهر األول الذي بواسطته ظهرت هذه األشياء وأسبابها بما قال الشيخ
ّللا عنه [ :ومظهر قدرته ،وآلة حكمته في فعله بسنته ،ومحل ظهور سر رضي ه
القبض والبسط ،واإلبداء واإلخفاء ،والغيب الشهادة ،والكشف والحجاب الصوري
السببي الذي به يفعل ما ذكره وال مطلقا هو عرشه المجيد ] .
أي :مظهر قدرته القاهرة ،العرش المجيد الذي هو العقل األول على ما فسره الشيخ
ّللا روحه في رسالته المسماة ب المحقق المحيى الحق والدين ابن العربي قدس ه
“ العقلية “ ،وهو آلة لفعله األشياء على ما اقتضته الحكمة المرتبة للمسببات على
أسبابها بسنته الجارية في إيجاد األشياء ،عقيب توجهات العقول والنفوس الكلية ؛
وذلك ألن العقل األول كان محال لظهور القبض من حيث إمكانه ،والبسط من حيث
وجوبه بربه ،واإلبداء مكن حيث وجوده ،واإلخفاء من حيث تجرده ،والغيب من
حيث كونه من عالم األرواح والشهادة من حيث ظهوره بربه ،والكشف من حيث
تسطيره ألمور الغيبية ،والحجاب من حيث توسطه بين الحق والخلق ،فصار حجابا
ّللا ،لكنه لما كان إيجاد األشياء
صوريها ،أي بحسب الظاهر إذ ال فاعل في الحقيقة إال ه
عند توجهه نسب إليه لكونه سببا ال لكونه فاعال " .
فهو الذي يفعل الحق ما يفعل بسبب توجهه ال بإعانته وسببيته ،بل عند توجهه كما
نقول في أفعالنا أنها مخلوقات الحق ،لكنها توجد عند توجهاتنا إليها ؛ فلذلك كان الكل
ّللا عنه:
أفعاله مطلقا ،ثم استدل على هذا المجموع بما قال رضي ه
.........................................................
) ( 1ذكره القاري في المصنوع ( ، ) 91 / 1والعجلوني في كشف الخفا ( 1 /
413 ) .
229
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 230عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٣٠
س ْم َع َو ُه َو ب أ َ ْو أ َ ْلقَى ال ه
[ولهذا قال سبحانه وتعالى مبدئ سر هذا األمر َ :ل َم ْن كانَ لَهُ قَ ْل ٌ
ئ َويُ َعي ُد ( َ ) 13و ُه َو ش َر َبه َك لَ َ
شدَي ٌد ( َ ) 12إنههُ ُه َو يُ ْب َد ُ ش َهي ٌد [ ق َ ، ] 37 :إ هن بَ ْ
ط َ َ
ور ْال َودُو ُد ( ) 14ذُو ْالعَ ْر َش ْال َم َجي ُد ( ) 15فَعها ٌل َلما يُ َري ُد ( [ ) 16البروج : ْالغَفُ ُ
] 16 - 12في مرتبتي اإلطالق والتقييد ،وقوله :فَعها ٌل َلما يُ َري ُد [ البروج ، ] 16 :
جواب سؤال مقدر ،علم أنه يبدو من معترض محجوب]
.
أي :لما ذكرنا من الترتيب ،قال سبحانه إلظهار سر هذا الترتيب بطريق الرمز
بحيث يختص بالفهم من كان له قلب يستكشف المعاني الغامضة من القرآن ،أو ألقى
السمع إلى المشايخ الكاشفة لها ،وهو حاضر كامل التوجه ،كأنه ينظر إلى ما يسمع
أن بطش -أي قدرة -ربك لشديد يؤثر فيما شاء كيف شاء أنه هو يبدي من حيث كونه
ودودا ،ويعيد من حيث كونه غفورا ودودا معا ،يفعل ذلك بالعرش المجيد الذي هو
العقل األول .اإلعادة إلى البطون ،واإلبداء إلى الظهور ،
في قوله تعالى :فَعها ٌل َلما يُ َري ُد [ البروج ، ] 16 :إشارة إلى أنه ال يحتاج إلى األسباب
كما يتوهم من قوله تعالى :ذُو ْالعَ ْر َش ْال َم َجي ُد [ البروج ، ] 15 :بل فَعها ٌل َلما يُ َري ُد
[ البروج ، ] 16 :باألسباب وبدونها .
وإنما األسباب على مقتضى الحكمة ،وإلى أنه ليس موجبا بالذات ،كما يتوهم من أن
الغفورية والودودية يوجبان اإلعادة واإلبداء ،فبيهن أن تجابيها أيضا بمشيئته واختياره
ال بإيجاب ،كما يقول أهل الحجاب.
230
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 231عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٣١
وإنما ظهرت آثارها في الوجود ولم تظهر أبدا ؛ ألنها ذاتها ال تقتضي الظهور ] .
إنما كان هذا أعظم الشبه الحاجبة عن التوحيد ؛ ألن جميع الحجب من النقص واإلمكان
والتغييرات فرع هذا ،فإذا ارتفع ،فكأنه ارتفع الكل .
يعنى :أن هذه التعددات إنما هي آثار األعيان الثابتة في الوجود الواحد الظاهر بها ،
فتوهم أن األعيان هي التي ظهرت في الوجود ،فهي المرئية ،وظهرت بوجود خاص
لها غير وجود الواجب ،فرد ذلك بأن الظاهر هو الحق فيها وبها ،وإنما ظهرت آثار
األعيان في ذلك الوجود الواحد ،ولم تظهر تلك األعيان وال تظهر أبدا ؛ ألنها بالذات
ال تقتضي ،أي :
ال تقبل الظهور ؛ ألنها أمور عدمية وال ظهور للعدم بل الوجود هو الظاهر والباطن .
ومن هنا قال الشيخ محيي الدين في “ إنشاء الدوائر “ “ : “ 1إن الوجود ليس
بزائد على الوجود ؛ ألن الوجود هو الظاهر ،وال ينافي كونه زائدا على الماهية في
غير الواجب ،ثم ذكر تأويل ما يخالفه من أقوال المحققين ،
ّللا مقامه :
بما قال الشيخ أعلى ه
(ومتى أخبر محقق بغير هذا أو نسب إليها الوجود والظهور ،فإنما ذلك اإلخبار بلسان
بعض المراتب واألذواق النسبية ،أي :إنما يثبت صحتها بالنسبة إلى مقام معين ،أو
مقامات مخصوصة دون ذوق مقام الكمال ،وأما النص الذي ال ينسخ حكمه ،فهو ما
ذكرناه وهكذا كل ما ذكر في هذا الكتاب ،فإنه الحق الصريح الذي هو األمر عليه ،
وما سواه ،فقد يكون صحيحا مطلقا كهذا الذي ذكرنا ،وقد يكون صحيحا بالنسبة
واإلضافة إلي مقام ما ،كما سبقت اإلشارة إليه ] .
أي :ومتى أخبر محقق عن كشفه بغير ما ذكرنا من أن الظهور للوجود ،بأن قال :
الظهور لها والوجود محقق فيها ،أو نسب إليها الوجود والظهور جميعا ،وقال لها :
الوجود اإلضافي هو ظل الوجود الحق ،وهي الظاهرة بذلك الوجود ،فإنما ذلك
اإلخبار بلسان بعض مراتب الكشف وبلسان بعض األذواق النسبية ال بمعنى أن المخبر
المكاشف بجميع المقامات يخبر بذلك عن بعضها ،بل بمعنى أن هذا الكالم ،إنما
يصح من المخبر بها إذا بلغ مقاما معينا ،أو مقامات مخصوصة وتقيد بها ،ولم يصل
إلى مقام الكمال ،فإن الواصل إليه ال يعتد بظهورها وال وجودها ،بل الظاهر هو
الوجود الواحد فيها.
......................................................
) ( 1انظره في ( ص ، ) 140طبعة دار الكتب العلمية.
231
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 232عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٣٢
هذا هو النص الذي ال ينسخ بما هو أعلى منه ،بخالف تلك المقامات فإنها تنسخ بما
هي أعلى منها ،ثم ذكر أن جميع نصوصه إنما هي على مقام الكمال وصحتها على
اإلطالق ،بخالف المذكور في غيره من كتبه وكتب غيره ،فإنه قيد يكون كذلك وقد
ال يكون ،مع أنه ال ب هد وأن يكون صحيحا ،واإلضافة إلى مقام ما سبقت اإلشارة في
التفريع الثالث من تفاريع النصوص الثالثة :األول من أن جميع الكشوف ال ب هد من
صحتها بوجه .
فإن قيل :قد مر مرارا أن األعيان ظاهرة ،قلنا :المراد ظهورها بظهور الحق فيها ،
ال بذاتها ،كما أن وجودها كذلك ،وذلك الظهور والوجود عين الحق ال هي ،فهي
معدومة أبدا .
فإن قيل :فحينئذ ال يكون ذلك من النصوص .
قلنا :إنما ال يكون من النصوص على تقدير أن يقال :أن الظهور إما بذاتها وإال فهذا
الكالم ال يقبل النسخ ،فافهم .
قال الشيخ [ :ومتى وضح لك ما ذكرته في هذا النص ،علمت أن الظهور في الوجود
؛ لكن بشرط التعدد مع آثار األعيان فيه ،وأن البطون صفة ذاتية لألعيان ،والوجود
أيضا من حيث تعقل وحدته “ ، “ 1واألمر دائر بين الظهور ،وبطون غلبة
ومغلوبية ،بمعنى أنه ما نقص من الظاهر ،اندرج في الباطن ،وبالعكس والنسب
واإلضافات صور أحوال وأحكام تنشأ بين المراتب ،فيظهر بعضها بعضا ،ويخفى
بعضها بعضا بحسب الغلبية والمغلوبية المشار إليها آنفا ،فافهم ] .
وص هل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلهم ،أي :وما ظهر لك ما ذكرته من أن
الظهور آلثار األعيان في الوجود ،علمت أن الظهور للوجود ،إذ ال أثر لألعيان من
حيث هي ؛ ألنها معدومة ،بل من حيث تعلق الوجود بها فاآلثار في الحقيقة آثار
الوجود بشرط األعيان ،فإذا ظهرت آثار الوجود بشرط .
آخره والحمد هلل رب العالمين
***
) ( 1فإن ظهر الوجود على األعيان اختفى حاله الذاتية وهي بطونها وعدميتها ،وإن
ظهر حكمها الذاتي توهم بطون الوجود لعدم غير يعرفه.
232
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 233عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٣٣
233
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 234عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٣٤
.
234
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 235عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٣٥
وصلهى ه
ّللا على المتحقق به من حيثية الشهود األكمل ،والعلم األتم األشرف األشمل ،
مع دوام الحضور معه سبحانه في جميع مواطنه وأحواله ومراتبه ونشأته .
ّللا ميراثه األتم المشتمل
سيدنا محمد وآله والصفوة من أمته وإخوانه الحائزين من ه
على علومه وأحواله ومقاماته .
مع تحققهم بنتائج حظوظهم االختصاصية المميهزة إيهاهم عن التي تميز بها خواص
الوسائط وثمرات التبعية ،وأحكام الروابط ،صالة مستمرة الحكم .
دائمة اإليناع دوام الزمان من حيث حقيقتها الكلية ،وصور أحكامها التفصيلية المعبهر
عنها بسنينه وشهوره وأيامه وساعاته .
نص شريف هو أول النصوص الواجب تقديمه :اعلم أن الحق من حيث إطالقه الذاتي ه
يعرف بوصف ،أو يضاف إليه نسبة ما من وحدة ، ال يصح أن يحكم عليه بحكم ،أو ه
أو وجوب وجود ،أو مبدئية ،أو اقتضاء إيجاد ،أو صدور أثر ،أو تعلق علم منه
235
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 236عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٣٦
بنفسه أو غيره ؛ ألن كل ذلك يقضي بالتعين والتقيد ،وال ريب في أن تعقل كل تعين
يقضي بسبق الالتعين ،فكل ما ذكرناه ينافي اإلطالق ،بل تصور إطالق الحق يشترط
ي ،ال بمعنى أنه إطالق ضد التقييد ،بل هو إطالق فيه أن يتعقل بمعنى أنه وصف سلب ه
عن الوحدة والكثرة المعلومتين ،وعن الحصر أيضا في اإلطالق والتقييد ،وفي الجمع
بين كل ذلك والتنزه عنه ،فيصح في حقه كل ذلك حال ه
تنزهه عن الجميع ،فنسبة كل
ذلك إليه وغيره وسلبه عنه على السواء ،ليس أحد األمرين بأولى من اآلخر ،وإذا
وضح هذا علم أن نسبة الوحدة إلى الحق والمبدئية والتأثير والفعل اإليجادي ونحو ذلك
إنما يصح وينضاف إلى الحق باعتبار التعين .
وأول التعينات المتعلقة :النسبة العلمية الذاتية ،لكن باعتبار تميزها عن الذات
باالمتياز النسبي ال الحقيقي ،وبواسطة النسبة العلمية الذاتية يتعقل وحدة الحق
ووجوب وجوده ومبدئيته ،وسيما من حيث أن علمه بنفسه في نفسه في نفسه ،وأن
عين علمه بنفسه سبب لعلمه بكل شيء ،وأن األشياء عبارة عن تعيهنات تعقالته الكلية
والتفصيلية ،وأن الماهيات عبارة عن التعقالت ،وأنها تعقالت منتشئة التعقل بعضها
ّللا عما ال يليق به .
من بعض ،ال بمعنى أنها تحدث في تعقل الحق تعالى ،تعالى ه
بل تعقل البعض من متأخر الرتبة عن البعض ،وكلها تعقالت أزلية أبدية على وتيرة
واحدة ،تتعقل في العلم ويتعلق بها بحسب ما تقتضيه حقائقها .
والنحو اآلخر :تعقهل أحكام الوحدة جملة بعد جملة ،فيتعقل كل جملة بما تشتمل عليه
من الماهيات التي هي صورة تلك التعقهالت المتكثرة المعددة للوجود الواحد ،وهكذا
عكس االستهالك األول المشار إليه ؛ فإن ذلك عبارة عن استهالك الكثرة في الوحدة ،
236
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 237عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٣٧
ولست أعني بهذا أن ثمة اقتضاءات ثالثة مختلفة الحقائق ،بل هو اقتضاء واحد وله
ثالث مراتب ،يظهر ويتعين به من حيثية كل مرتبة منها أثر أو آثار فافهم .
ومن النصوص اإللهية :إن العلم الوحداني الذاتي يضاف إليه التعدهد من حيث تعلهقه
بالمعلومات ،وال يتحقق بإدراكها إال من تعيهناته وتعلهقاته ،وتعلقه بكل معلوم تابع
للمعلوم بحسب ما هو المعلوم عليه في نفسه ،بسيطا كان المعلوم أو مركبا ،زمانيها أو
مكانيها ،أو غير زماني وال مكاني ،موقت القبول ،متناهي الحكم والوصف ،أو غير
موقت وال متناه فيما ذكرنا ،فاعلم ذلك .
ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص أيضا أن الحكم من كل حاكم على كل محكوم عليه
تابع لحال الحاكم حين الحكم ،وتابع لحال المحكوم عليه حال حكم الحاكم عليه ،فإن
237
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 238عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٣٨
كان المحكوم عليه ما من شأنه التنقل في األحوال تنوعت أحكام الحاكم عليه في كل
حال ،واختلفت بحسب تلبهسه بتلك األحوال ،وإن كان المحكوم عليه من شأنه الثبات
على وتيرة واحدة ثبت حكم الحاكم عليه بحسب التعلق المعين بحكم الحاكم عليه
ومقتضاه ،وبقي األمر بحسب حال الحاكم حين الحكم ،فإن كان الحاكم من مقتضى
ذاته التقلهب في األحوال بحسبها ،أو مقتضى ذاته أنه ثابت واألحوال تنقلب فيكون
تبعية حكم الحاكم بحسب أحد األمرين الحاصرين لمراتب حكم كل حاكم وكل محكوم
عليه ؛ إذ ال يخرج عما ذكرته حكم حاكم وال محكوم عليه .
ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص أيضا أن العلم يتبع الوجود ،بمعنى أنه حيث يكون
الوجود يكون العلم دون انفكاك .
وتفاوت العلم بحسب تفاوت قبول الماهية الوجود تماما ونقصانا ،فالقابل للوجود على
وجه أتم يكون العلم هناك أتم ،وينقص العلم بقدر القبول الناقص ،وغلبة أحكام
اإلمكان على أحكام الوجوب عكس ما ذكرنا أوال ،فاعلم ذلك .
ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص المحققة أيضا ،وإن كنت قد ألمعت بطرف منه
في بعض المواضع من كتبي في ضمن أمر آخر وبلسانه ،لكن لما أفردت هذا الكتاب
صة بخصوص مقام الكمال ،دون لسان عمومه من لذكر النصوص من األذواق المخت ه
األذواق المقيهدة الحاصلة ألرباب المقامات المخصوصة والمستندة من حيث األصالة
إلى حضرة اسم أو صفة من الصفات ،واألسماء اإللهية التي هي محتد ذلك الذوق
ي أن أفرد وأميز ما يختص بذوق المقام األكمل األجمع ،الخاص ومنبعه ،وجب عل ه
ّللا تعالى في أعلى درجات علمه وأتمها وأكملها من
وصحة ثبوته ومطابقته لما يعلمه ه
ذلك األمر المترجم عنه ،دون تقرير صحته وثبوته بالنسبة واإلضافة إلى مقام دون
مقام ،وباعتبار حال ووقت دون غيرهما من األوقات واألحوال وما ذكر .
فنقول بعد تمهيد هذه المقدمة الكلية في بيان هذا النص الذي قصدنا إيضاحه :
إن كل معلوم أدركه اإلنسان بنظره أو كشفه أو حسه أو خياله جمعا وفرادى ،ولم ينته
سا وخياال إلى إدراك ما وراءه بعد معرفة
نظره أو كشفه لذلك األمر ،أو إدراكه إيهاه ح ه
238
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 239عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٣٩
ذاتياته ولوازمه الكلية ،فإنه لم يدرك ذلك األمر حق اإلدراك تماما ،ولم يعرفه حق
المعرفة .
وسواء كان متعلق إدراكه ومعرفته العالم من حيث معانيه وأرواحه ،أو من حيث
صوره وأعراضه ،أو كان متعلق معرفته الحق ،فإنه متى كشف له عن جلية األمر
وصورة تعين كل معلوم في علم الحق وجد األمر كذلك ،فإنه ما لم ينته معرفته بالحق
إلى إطالقه وصرافة وحدة ذاته الحقيقية ،التي ال اسم يعيهنها وال وصف وال حكم وال
رسم ،وال تنضبط بشهود ،وال تعقل ،وال تنحصر في أمر معين ،لم يعرف أن ليس
ّللا مرمى ،وأن اإلحاطة به علما وشهودا محال ،وأن ليس بعد الوجود الحق وراء ه
المطلق إال العدم المتوهم ،هذا وإن كان لمعرفة تع هذر العلم ه
باّلل على نحو ما يعلم نفسه
ّللا ومنهه ،لكن ذلك مما
طريق آخر أعلى وأتم وأكشف ،عرفناه ذوقا وشهودا بحمد ه
يحرم بيانه وتسطيره وغاية البيان عنه هذا اإللماع المذكور .
هذا وإن كان الذوق والمعرفة الحاصلة لصاحبه والشهود من حيث استناد ذلك الذوق ،
والمقام إلى حضرة اسم من األسماء اإللهية الذي هو قبلة ذلك المقام ،وغاية معرفته
من الحق نهايته ،سيما من الوجه الذي يقضي بأن االسم عين المس همى ،كما أوضحناه
في مواضع من كالمنا ،لكن تلك غايات نسبية ،فإن المبادئ والغايات أعالم الكماالت
النسبية ،واألمر من حيث الكمال الحقيقي بخالف ذلك .
239
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 240عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٤٠
بانتهائه في معرفة الحق إلى غاية الغايات ،وهذا كالتفسير لآلية المذكورة ،وهي
ك ْال ُم ْنتَهى . :وأ َ هن َإلى َر َبه َ
قوله َ
وفي األحاديث النبوية تنبيهات كثيرة تشير إلى ما ذكرنا ،من تتبهعها بعد التيقظ والتفهم
لما ذكرت ألفاه واضحا جليها .
ثم نقول :ولهذا المقام والذوق المنبه عليه ألسنة تترجم عنه بصيغ مختلفة ،فمن ألسنته
ّللا سبحانه أن رجاله يعرفون ه
كال بسيماهم ، من القرآن من حيث التسمية الذي أخبر ه
وهذا من خاصية االستشراف على األطراف باالنتهاء في معرفة األشياء إلى الغاية
التي توجب االستشراف ،على ما وراءها .
ّللا عليه وسلم في أم القرآن بل في ولسانه في مقام النبوة واسمه المطلع كما قال صلى ه
سر كل آية منه :
إن لها ظهرا وبطنا ،وح هدا ومطلعا إلى سبعة أبطن “ . “ “ 1وفي رواية : “ ه
“ إلى سبعين بطنا “ .
وقد نبههت على ذلك في تفسير الفاتحة فلينظر هناك .
ّللا الموقف الذي هو منتهى كل مقام ،والمستشرف واسمه ولسانه في اصطالح أهل ه
منه على المقام المستقبل .
واسمه ولسانه في ذوق مقام الكمال بالنسبة إلى كل مقامين البرزخ الجامع بينهما ،
والنسبة إلى خصوص مقام الكمال برزخ البرازخ .
نص شريف عزيز المنال :غيب هوية الحق إشارة إلى إطالقه باعتبار الالتعين . ه
ووحدته الحقيقية الماحية لجميع االعتبارات واألسماء والصفات .
والنسب واإلضافات هي عبارة عن تعقل الحق نفسه ،وإدراكه لها من حيث تعيهنه ،
وهذا التعقل واإلدراك التعيهني وإن كان يلي اإلطالق المشار إليه فإنه بالنسبة إلى تعين
الحق في تعقل كل متعقل في كل تج هل تعين مطلق ،وإن أوسع التعينات ،وهو شهود
الك همل ،وهو التجلهي الذاتي ،وله مقام التوحيد األعلى .
ومبدئية الحق تلي هذا التعين ،والمبدئية هي محتد االعتبارات ،ومنبع النسب
...................................................................
) ( 1ذكره الشريف الجرجاني في التعريفات ( ) 48 / 1بنحوه.
240
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 241عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٤١
كل سالك سلك على أي طريق كان غايته الحق ،بشرط فوزه منه سبحانه بسعادة ما ،
فإن ذلك السالك صاحب معراج ،وسلوكه عروج فافهم .
ي يحتوي على أسرار جليلة :اعلم أن كل ما يوصف بالمؤثرية في نص شريف كل هه
شيء أو في أشياء فإنه ال يصدق إطالق هذا الوصف عليه تماما ،ما لم يؤثر حقيقية
ذلك الشيء من حيث هو دون تعقل انضمام قيد آخر إلى تلك الحقيقية الموصوفة
بالتأثير ،أو شرط ما خارجي كان ما كان ،وإنما ذكرت هذه القيود من أجل اآلثار
المنسوبة إلى األشياء ،من حيث مراتبها ،أو من حيث اعتبارات هي من لوازم
حقائقها ،ومن أجل ما استفاض أيضا عند أهل العقل النظري ،وأكثر أهل األذواق بأن
كل موصوف بالمرآتية سواء كانت مرآته معنوية أو محسوسة ،
فإن لها :أي لتلك المرآة أثرا في المنطبع فيها ؛ لردها صورة المنطبع إليها ،وظهور
صورة المنطبع فيها بحسبها .وهذا صحيح من وجه ليس مطلقا ؛ فإن األثر للمرآة في
المنطبع إنما كان يصح أن لو أثرت في حقيقته من حيث هو ،
وذلك غير واقع ،وإنما يثبت األثر للمرآة في المنطبع من حيث إدراك من لم يعرف
حقيقة المنطبع ولم يدركه إال في المرآة ،وليست المرآة بمحل لحقيقة المنطبع ،بل هي
مجلى لمثاله وبعض ظهوراته ،والظهر نسبة تضاف إلى المنطبع من حيث انطباع
صورته في المرآة ليس عين حقيقة المنطبع .
ومرادي من قولي ببعض ظهوراته التنبيه على أن التجليات الذاتية االختصاصية ال
تكون في مظهر وال في مرآة ،وال بحسب مرتبة ما ،فإن من أدرك الحق من حيث
هذه التجليات فقد شهد الحقيقة خارج المرآة من حيث هي ال بحسب مظهر وال مرتبة
كما قلنا ،وال اسم وال صفة وال حال معين وال غير ذلك ،وهو يعلم ذوقا أن المرآة ال
أثر لها في الحقيقة.
241
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 242عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٤٢
ثم إن هذه التجليات الذاتية البرقية ال تحصل إال لذي فراغ تام من سائر األوصاف
واألحوال واألحكام الوجوبية األسمائية واإلمكانية ،وهذا الفراغ فراغ مطلق ،ال يغاير
إطالق الحق ،غير أنه ال مكث له أكثر من نفس واحد ،ولهذا شبه بالبرق .
وسبب عدم دوامه حكم جمعية الحقيقة اإلنسانية ،وكما أن هذه الجمعية ال تقتضي
دوامه ،كذلك لو لم يتضمن الجمعية اإلنسانية هذا الوصف من الفراغ واإلطالق
المستجلب لهذه التجليات ،لم تكن الجمعية اإلنسانية مستوعبة كل وصف وحال ،فحكم
الجمعية يثبته وينفي دوامه ،ووجدت لهذا التجلهي لما منحنيه ه
ّللا أحكاما غريبة في
باطني وظاهري ،من جملتها أنه مع عدم مكثه نفسين ،يبقى في المحل من األوصاف
ّللا ،وعرفت في ليلة كتابتي هذا الوارد أنه من لم يذق هذا
والعلوم ما ال يحصره إال ه
ّللا
ّللا عليه وسلم “ :لي مع همحال للورثة ،ولم يعرف سر قوله صلى ه المشهد لم يكن ه
وقت ال يسعني فيه غير ربي “ . “ “ 1
ّللا وال شيء معه “ “ . “ 2وال سر قوله سالم “ :كان ه وال سر قوله عليه ال ه
ص َر[ القمر ، ] 50 : واح َدة ٌ َكلَ ْمحٍ َب ْالبَ َ
:وما أ َ ْم ُرنا َإ هال َ
تعالى َ
وال يعرف سر مبدئية اإليجاد ال في زمان موجود ،كما أنه من ذاق هذا المشهد وقد
كان علم أن األعيان الثابتة هي حقائق الموجودات ،وأنها غير مجعولة ،وحقيقة الحق
منزهة عن الجعل والتأثير ،وما ثم أمر ثالث غير الحق واألعيان فإنه يجب أن يعلم ه
إن صح له ما ذكرنا أن ال أثر لشيء في شيء ،وأن األشياء هي المؤثرة في أنفسها ،
وأن المس هماه علال وأسبابا مؤثرة هي شروط في ظهور آثار األشياء في أنفسها ،
ال أن ثمة حقيقة تؤثر في حقيقة غيرها وهكذا ،فلتعرف األمر في المدد ،
فليس ثمة شيء يمد شيئا غيره ،بل المدد يصل من باطن الشيء إلى الظاهر ،
والتجلهي النوري الوجودي يظهر ذلك ،فليس اإلظهار بتأثير في حقيقة ما أظهره ،
فالنسب هي المؤثرة بعضها في البعض ،بمعنى
...............................................................
) ( 1ذكره القاري في المصنوع ( ، ) 151 / 1والمناوي في فيض القدير ( 4 /
6).
) ( 2رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( ، ) 104 / 4وذكره ابن حجر في فتح
الباري( 6 / 289 ) .
242
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 243عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٤٣
أن بعضها سبب النتشاء البعض ،وظهور حكمه في الحقيقة التي هي محتدها .
ومن جملة ما يعرفه ذائق هذا التجلهي أن ال أثر لألعيان الثابتة من كونها مرائي في
التجلهي الوجودي اإللهي ،إال من حيث ظهور التعدد الكامن في غيب ذلك التجلهي ،
فهو أثر في نسبة الظهور الذي هو شرط في اإلظهار ،والحق يتعالى عن أن يكون
متأثرا من غيره ،وتتعالى حقائق الكائنات أن تكون من حيث هي حقائقها متأثرة ،
فإنها من هذا الوجه في ذوق الكمال عين شؤون الحق ،فال جائز أن يؤثر فيها غيرها
مر بيانه .
،فال أثر لمرآة ما من حيث هي مرآة في حقيقته المنطبع فيها لما ه
فافهم هذا النص وتدبهره ،فقد أدرجت فيه من نفائس العلوم واألسرار ما ال يقدر قدره
ّللا ،وهذا هو الحق اليقين ،والنص المبين ،وكل ما تسمعه مما يخالف هذا فإنه
إال ه
وّللا
ي ،وهذا هو الحق الصريح الذي ال مرية فيه ،ه وإن كان صوابا فإنه صواب نسب ه
المرشد والهادي .
ومن النصوص الكلية نصوص ذكرتها في كتاب مفتاح غيب الجمع وتفصيله ،وفي
غيره من الكتب التي أنشأتها ال بكالم أحد من الناس ،فإن ذلك ليس من دأبي ؛ إذ قد
ّللا من ذلك ،وأغناني بهباته الخالصة العلية عن العواري الخارجية السفلية ،
عصمني ه
اختص هذا الكتاب بذكر هذه النصوص وجب ذكر تلك النصوص أيضا ه غير أنه لما
هنا .
ومنها أن الشيء ال يصدر عنه ،وال ينمي ما يضاده ،وال ما يباينه على اختالف
ضروب اإلثمار وأنواعه المعنوية والروحانية والمثالية والخيالية والحسية والطبيعية ،
وهذا عام في كل ما يس همى مصدرا لشيء أو أشياء ،أو أصال مثمرا ،لكن إنما يكون
له هذا الوصف باعتبار تعقله من حيث هو هو ،وباعتبار آخر خفي ال ه
يطلع عليه إال
الندر من المحققين .
ومتى توهم وقوع خالف ما ذكرنا فليس ذلك إال بشرط خارج عن ذات الشيء ،
243
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 244عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٤٤
أو شروط وبحسبها وبحسب الهيئة المتعقلة الحاصلة من تلك الجمعية ،أعني جمعية
الحقيقة الموصوفة بالمصدرية مع الشروط واالعتبارات الخارجية ،وأحكام المرتبة
على شا َكلَتَ َه [ اإلسراء .] 84 :
التي يتعيهن فيها ذلك االجتماع .قال تعالى ُ :ك ٌّل يَ ْع َم ُل َ
وال يثمر شيء ،وال يظهر عنه أيضا عينه وال ما يشابهه مشابهة تامة ،فإنه يلزم من
ذلك أن يكون الوجود قد حصل مرتين ،وظهر في حقيقة واحدة ومرتبة واحدة على
وجه ونسق واحد ،
وذلك تحصيل للحاصل ،وأنه محال لخلوه عن الفائدة ،وكونه من قبيل العبث ،
ويتعالى الفاعل الحق الحكيم العليم من فعل العبث ،فال ب هد من اختالف ما بين األصول
وثمراتها ،فالممكنات غير متناهية ،والفيض من الحق الذي هو أصل األصول واحد ،
فال تكرار في الوجود عند من عرف ما ذكرنا فافهم.
ولهذا قال المحققون :إن الحق سبحانه وتعالى ما تجلهى في صورة واحدة لشخص
واحد مرتين ،وال لشخصين أيضا في صورة ،فال ب هد من فارق واختالف من وجه أو
وّللا المرشد.
وجوه ،كما أشرت إليه من قبل ،فافهم ه
نص شريف :اعلم أن الحق لما لم يكن أن ينسب إليه من حيث إطالقه صفة وال اسم ، ه
أو يحكم عليه بحكم ما سلبيها كان أو إيجابيها ،علم أن الصفات واألسماء واألحكام ال
يطلق عليه وال ينسب إليه إال من حيث التعينات ،
ولما استبان أن كل كثرة وجودية أو متعقلة يجب أن تكون مسبوقة بوحدة ،لزم أن
تكون التعينات التي من حيث ما تضاف األسماء والصفات واألحكام إلى الحق مسبوقة
بتعين هو مبدأ جميع التعينات ومحدتها ،بمعنى أن ليس وراءه إال اإلطالق الصرف ،
ي يستلزم سلب األوصاف واألحكام والتعينات واالعتبارات عن كنه ذاته وأنه أمر سلب ه
سبحانه ،وعدم التقيد والحصر في وصف أو اسم أو تعين ،أو غير ذلك مما عدهدنا أو
أجملنا ذكره.
ثم إن لذوي العقول السليمة وإن عدموا الكشف الصحيح أن يعتبروا الصفات واألسماء
التالية ،فإن تعذهر عليهم تعقل أسماء وصفات وراء ما تصورت وانتهت إليه ادراكاتهم
العقلية ،فتلك أسماء الذات بالنسبة إليهم ،ويستدل بحقائقها في طور العقل
244
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 245عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٤٥
النظري حال الحجاب ؛ لشمول حكمها ،وتبعية غيرها من الصفات واألسماء لها ،
وتوقف تعين ما بعدها عليها ،فالعطايا اإللهية الذاتية واألسمائية تعرف من هذه القاعدة
،بمعنى أن كل عطاء وخير يصل من الحق إلى الخلق ،إما أن يكون عطاء ذاتيها أو
أسمائيها ،أو أن يكون مجموعا من الذات واألسماء .
فأما العطايا الذاتية فال حساب عليها ،وال تنضبط تعيناتها بعدد وال تنحصر فيه ،وأما
العطايا األسمائية والمنسوبة إلى الذات واألسماء جميعا فال يخلو إما أن تكون نسبتها
إلى حضرة الذات أقوى وأتم من نسبتها إلى حضرة األسماء والصفات ،أو بالعكس ،
فإن غلبت نسبتها إلى األسماء والصفات على نسبتها إلى الذات وقع الحساب عليها ،
إما عسيرا أو يسيرا ،بحسب الغلبة والمغلوبية الواقعة هناك .
سر كبير ال يمكن إفشاؤه ،وإن كانت نتيجة الغلبة والمغلوبية قوة نسبة تلك وهنا ه
العطايا إلى حضرة الذات ،فذلك الذي ال حساب عليه ؛ ألن العطايا الذاتية وما قويت
نسبتها إليها ال يصدر وال يقبل إال بمناسبة ذاتية ،فال موجب لها غير تلك المناسبة .
ب[ آل:وت َ ْر ُز ُق َم ْن تَشا ُء َبغَي َْر َحسا ٍ
ومن لم يعرف هذا األصل لم يعلم حقيقة قوله تعالى َ
عمران . ] 27 :
ب[ النور . ] 38 : ّللاُ يَ ْر ُز ُق َم ْن يَشا ُء َبغَي َْر َحسا ٍ
وال سر قوله تعالى َ :و ه
ب[ ص . ] 39 : امنُ ْن أ َ ْو أ َ ْم َس ْك َبغَي َْر َحسا ٍ
عطاؤُنا فَ ْ
وال سر قوله تعالى :هذا َ
245
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 246عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٤٦ئ
وإذ قد ذكرنا أقسام العطايا وأحكامها فلنذكر أقسام القابلين لها ،فإنهم في أخذهم على
طبقات يتعدد بحسب سؤاالتهم االستعدادية ،أو الحالية ،أو المرتبية ،أو الروحانية ،
أو الطبيعية المزاجية ،أو الطبيعية العرضية التي يترجم عنها لسان الطالب القابل .
وعلى الجملة فأعلى مراتب القابلين في قبولهم لما يرد عليهم من فيض الحق وعطاياه
رؤية وجه الحق في الشروط واألسباب المس هماه بالوسائط وسلسلة الترتيب ،
بحيث يعلم اآلخذ ،ويشهد أن الوسائط السببية ليست غير تعينات الحق في المراتب
اإللهية والكونية على اختالف ضروبها ،بمعنى أنه ليس بين فيض الحق المقبول وبين
القابل إال نفس تعين الفيض بالقابلية المقيهدة دون انضمام حكم إمكاني يقتضيه ويوجبه
أثر مرور الفيض على مراتب الوسائط ،واالنصباغ بأحكام إمكاناتها ،ويرى الفيض
أنه تجل من تجليات باطن الحق ،
فإن التعددات والتعينات التي لحقته هي أحكام االسم الظاهر من حيث أن ظاهر الحق
مجلى لباطنه ،فأحكام الظهور تعدهد مطلق وحدة البطون ،وتلك األحكام هي المس هماة
وّللا يقول الحق وهو يهدي من
بالقوابل ،وهي صور الشؤون ليس غيرها فافهم .ه
يشاء إلى صراط مستقيم .
246
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 247عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٤٧
المتحصلة من المجموع المشار إليه ،فلهذا يحرم من هذا شأنه اإلجابة في عين ما سأل
فيه ،أو يتأخر عنه ،أعني اإلجابة .
ومتى أجيب مثل هذا فإنما سببه سر المعية اإللهية المقتضية عدم خلو شيء عن الحق
،أو الجمعية التامة الحاصلة للمضطرين ،الموعود لهم باإلجابة لالستدعاء
االضطراري ،واالستعداد الحاصل به :أي باالضطرار .
وحال من هذا وصفه مخالف لحال ذي التصور الصحيح والمعرفة المحققة ،فإنه
مستحضر الحق ،ومتو هجه إليه استحضارا وتوجها محققا ،وإن لم يكن ذلك من جميع
ه
للحق في توجهه ،ولو في بعض الوجوه لكن يكفيه كونه متصورا ومستحضرا
ّللا ،
المراتب ،ومن حيثية بعض األسماء والصفات ،وهذا حال المتوسطين من أهل ه
والحال إلى المقدهم ذكره حال المحجوبين .
وأما الك همل واألفراد فإن تو هجههم إلى الحق تابع للتجلهي الذاتي المشار إليه ،الحاصل
لهم ،والموقوف تحققهم بمقام الكمال على الفوز به ،فإنه مثمر لهم معرفة تامة جامعة
لحيثيات جميع األسماء والصفات والمراتب واالعتبارات ،مع صحة تصور الحق من
حيث تجليه الذاتي المشار إليه ،الحاصل لهم بالشهود األتم ،فلهذا ال يتأخر عنهم
اإلجابة .
ه
االطالع على اللوح المحفوظ ، ّللا من األفراد أهل
وأيضا فإنهم أعني الك همل ومن شاء ه
بل وعلى المقام القلمي ،بل وعلى حضرة العلم اإللهي ،فيشعرون بالمقدهر كونه لسبق
العلم بوقوعه ،وال ب هد فيسألون ال في مستحيل غير مقدر الوجود ،وال تنبعث هممهم
إلى طلب ذلك واإلرادة له .
وإنما قلت ( :واإلرادة له ) من أجل أن ثمة من يتوقف وقوع األشياء على إرادته ،
ّللا روحه
وإن لم يدع ولم يسأل الحق في حصوله ،وقد عاينت ذلك من شيخنا قدهس ه
ّللا
ّللا عنه أنه رأى النبي صلى ه
سنين كثيرة في أمور ال أحصيها ،وأخبرني رضي ه
ّللا أسرع إليك باإلجابة منك إليه عليه وسلم في بعض وقائعه ،وأنه ب ه
شره وقال له :ه
بالدعاء .
وهذا المقام فوق مقام إجابة األدعية ،وأنه من خصائص كمال المطاوعة ،ومقامه
فوق مقام المطاوعة ،فإن مقام المطاوعة يختص بما سبقت اإلشارة إليه من المبادرة
إلى امتثال
247
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 248عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٤٨
األوامر ،وتتبع مراضي الحق ،والقيام بحقوقه بقدر االستطاعة ،كما أشار إليه صلى
ّللا عليه وسلم في جواب عمه أبي طالب حين قال له :ما أسرع ربك إلى هواك يا ه
محمد ،لما رأى من سرعة إجابة الحق له فيما يدعوه فيه .
ّللا عليه
وجاء في رواية أخرى أنه قال له :ما أطوع ربك لك ،فقال له النبي صلى ه
وسلم “ :وأنت يا عم إن أطعته أطاعك “ . “ “ 1وهذا المقام الذي قلت أنه فوق
هذا راجع إلى كمال موافاة العبد من حيث حقيقته لما يريده الحق منه باإلرادة األولى
الكلية المتعلقة بحصول كمال الجالء واالستجالء ،فإنه الموجب إليجاد العالم ،
واإلنسان الكامل الذي هو العين المقصودة هّلل على التعيين ،وكل ما سواه فمقصود
بطريق التبعية له وبسببه من جهة أن ما ال يوصل إلى المطلوب إال به فهو مطلوب ،
فهذا هو المراد من قولي ( :فمقصود بطريق التبعية ) .
وإنما كان اإلنسان الكامل هو المراد بعينه دون غيره من أجل أنه مجلى تام للحق ،
يظهر الحق به من حيث ذاته ،وجميع أسمائه وصفاته وأحكامه واعتباراته على نحو
ما يعلم نفسه بنفسه في نفسه ،وما ينطوي عليه من أسمائه وصفاته ،وسائر ما أشرت
إليه من األحكام واالعتبارات ،وحقائق معلوماته التي في أعيان مكنوناته دون تغيير
يوجبه نقص القبول ،وخلل في مرآتيته يفضي بعدم ظهور ما ينطبع فيه على خالف
ما هو عليه في نفسه .
فإن من كان هذا شأنه ال يكون له إرادة ممتازة عن إرادة الحق ،بل هو مرآة إرادة
ربه وغيرها من الصفات ،وحينئذ يستهلك دعاؤه في إرادته التي ال تغاير إرادة ربه ،
فيقع ما يريد كما قال تعالى :فَعها ٌل َلما يُ َريدُ[ البروج . ] 16 :
ومن تحقق بما ذكرناه فإنه إن دعا فإنما يدعو بألسنة العالمين ومراتبهم من كونه مرآة
لجميعهم ،كما أنه متى ترك الدعاء إنما يتركه من حيث كونه مجلى للحق ،باعتبار
أحد وجهيه الذي يلي الجناب اإللهي ،وال يغايره من كونه :فَعها ٌل َلما يُ َري ُد .
وليس وراء هذا المقام مرمى لرام ،وال مرقى لراق إلى مرتبة وال مقام ،ودونه
المتوجه إلى الحق بمعرفة تامة وتصور صحيح ،المقصود بخطاب قوله:
............................................................................
) ( 1رواه الحاكم في المستدرك( 1 / 727 ) .
248
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 249عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٤٩
فاعلم ذلك تفز بأسرار عزيزة وعلوم غريبة لم تنساق إليها األفكار واألفهام ،وال
وّللا المرشد .
رقمتها األنامل باألقالم ،ه
نص شريف :اعلم أن أعلى درجات العلم بالشيء أي شيء كان ،وبالنسبة إلى أي ه
عالم كان ،وسواء كان المعلوم شيئا واحدا أو أشياء ،إنما تحصل باالتحاد بالمعلوم
وعدم مغايرة العالم له ؛ ألن سبب الجهل بالشيء المانع من كمال إدراكه ليس غير
غلبة حكم ما به يمتاز كل واحد منهما عن اآلخر ،فإن ذلك بعد معنوي ،والبعد حيث
كان مانع من كمال إدراك العبد البعيد ،وتفاوت درجات العلم بالشيء بمقدار تفاوت
غلبة حكم ما به يتهحد العالم بالمعلوم ،وإنه القرب الحقيقي الرافع للفصل الذي هو البعد
الحقيقي المشار إليه بأحكام ما به المباينة واالمتياز .
وإذا شهدت هذا األمر وذقته بكشف محقق علمت أن سبب كمال علم الحق باألشياء إنما
هو من أجل استجالئه إيهاها في نفسه ،واستهالك كثرتها وغيريتها في وحدته ،فإن
كينونية كل شيء في أي شيء كان ،سواء كان المحل معنويها أو صوريها ،إنما يكون
ويظهر بحسب ما تعين وظهر فيها .
ولهذا نقول :الحق علم نفسه بنفسه ،وعلم األشياء في نفسه بعين علمه بنفسه ،ولما
ّللا تعالى “ :كان ولم يكن معه شيء “ “ “ . 1 ورد اإلخبار اإللهي بأن ه
انتفت غيرية األشياء بالنسبة إلى الوحدة التي هي محلها العيني ،وثبتت أولية الحق من
حيث الوحدة .
وبامتياز كثرة األشياء المتعقلة ثانيا ،الكامنة من قبل في ضمن الوحدة ،والجمع بينهما
وبين الوحدة بالفعل ،ظهر الكمال المستجن في الوحدة أوال ،فانفتح بذلك باب كمال
الجالء واالستجالء الذي هو المطلوب الحقيقي ،وظهرت أحكام الوحدة في الكثرة ،
..................................................................................
) ( 1رواه النسائي في السنن الكبرى ( ، ) 363 / 6والطبري في التفسير ( 12 /
4).
249
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 250عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٥٠
والكثرة في الوحدة ،فو هحدت الوحدة الكثرة ؛ لكونها صارت قدرا مشتركا بين
المتكثرات المتميزة بالذات بعضها عن بعض ،فوصلت فصولها ؛ ألنها جمعت بذاتها
كما ذكرنا ،وعددت المتكثرات الواحد من حيث التعينات التي هي سبب تنوعات
ظهور الواحد بالصبغ واإلصباغ ،والكيفيات المختلفة التي اقتضتها اختالفات
استعدادات المتكثرات القابلة للتجلهي الواحد فيها ،فتجدهدت معرفة أنواع الظهورات
واألحكام الالزمة لها التي هي عبارة عن تأثير بعضها في البعض باإلبرام والنقض ،
علوا وسفال ،مؤقتا وغير مؤقت ،مناسبا وغير مناسب ، ظاهرا وباطنا ،ه
كل ذلك باالتصال الحاصل بينها بالتجلهي الوجودي الوحداني الجامع شملها كما ذكرنا .
فالعلم والنعيم والسعادة على اختالف ضروب الجميع إنما هو بحسب المناسبة ،
والجهل والعذاب والشقاء بحسب قوة أحكام المباينة واالمتياز ،وأما امتزاج أحكام ما
به االتحاد وأحكام ما به االمتياز فأيدي السلطنة ،ومحتد كل جملة من تلك األحكام
بضروب ما من المناسبة ومرجعها من حيث اإلضافة ومستندها هو المس همى بالمرتبة
فافهم .
ولما شرعت في كتابة هذا النص قيل لي في باطني في أثناء الكتابة :األحكام المضافة
إلى الوحدة والواحد الحق ،والمعبر عنها بأحكام الوجوب أصلها من حيث الوحدة حكم
واحد هو حقيقة القضاء ،والمقادير أثر تعددات المعلومات لذلك الحكم الواحد ،
وظهور الوجود الواحد بموجب تلك التعديدات تأثيرا أوال ،وتأثيرا ثانيا في المعدودات
وّللا
بإعادة أثرها عليها ،فاعلم ذلك وتدبهر غريب ما نبههت عليه تفز بالعلم العزيز ،ه
المرشد .
نص شريف يوضح بقية أسرار هذا النص :اعلم أن أعلى درجات العلم بالشيء أي ه
شيء كان ما عدا الحق هو أن تعلمه بعلم يكون نتيجة رؤيتك إيهاه في علم الحق تماما ،
ولهذا العلم آيتان :
أحدهما :استغناؤك بما حصل لك من العلم به عن معاودة النظر فيه وتكراره طلبا
لمزيد معرفة به ،فإن تجدهد العلم بالشيء بطريق االزدياد ،بعد دعوى معرفة سابقة به
إنما موجبه نقصان العلم به أوال ،فلو كمل العلم به أوال الستغنى عن االزدياد كما هو
شأن الحق ،وذلك موقوف على كمال اإلحاطة العلمية بالمعلوم .واآلية األخرى التي
يستدل بها على حصول هذا العلم وص هحته ،هو أن ينسحب حكم علمه على الشيء
حتى
250
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 251عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٥١
يتجاوز تقيده ،فينتهي إلى أن يرى آخره متهصال بإطالق الحق .والعلم بالحق ليس
كذلك ،فإنه إنما يتعلق به من حيث تعينه سبحانه في مرتبة أو مظهر أو حال أو حيثية
أو اعتبار ،وكلما انضبط للعالم به بتعينه من إحدى الوجوه المذكورة ،يظهر علمه
ويتعين له من مطلق الذات بحسب حال المتجلي له ؛ إذ ذاك ما لم يسبق تعينه قبل
ذلك .فكما ال ينتهي أحوال اإلنسان إلى غاية تقف عندها فكذلك ال تتناهى تعينات الحق
وتنوعات ظهوراته لْلنسان ،بحسب أحواله التي هي تعيهنات مطلق ذات الحق
وتنوعات ظهوراته ،وقد سبق التنبيه في غير هذا الموضع على أن األسماء أسماء
أحوال ،وعلى أن األعيان يتقلب عليها األحوال بخالف الحق ؛ فإنه يتقلب في األحوال
،كما أخبر سبحانه عن ذلك بقوله ُ :ك هل يَ ْو ٍم ُه َو فَي شَأ ْ ٍن[ الرحمن ، ] 29 :
وّللا الموفق .
فافهم ،وال تتأول بل اجتهد أن تعاين أوال ،فأمن واسلم تسلم ،ه
نص جليل :اعلم أن ليس في الوجود موجود يوصف باإلطالق إال وله وجه التقييد ،ه
ولو من حيث تعينه في تعقل متعقل ما أو متعقلين ،وكذلك ليس في الوجود موجود
محكوم عليه بالتقييد إال وله وجه إلى اإلطالق ،ولكن ال يعرف ذلك إال من عرف
األشياء معرفة تامة بعد معرفة الحق ،ومعرفة كل ما يعرفه به ،ومن لم يشهد هذا
المشهد ذوقا لم يتحقق بمعرفة الحق والخلق .
نص في بيان سر الكمال واألكملية :اعلم أن للحق كماال ذاتيها وكماال أسمائيها يتوقفه
ظهوره على إيجاد العالم ،والكماالن معا من حيث التعين أسمائيان ؛ ألن الحكم من
كل حاكم على كل أمر ما مسبوق بتعين المحكوم عليه في تعقل الحاكم ،فلو ال تعقهل
ذات الحق قبل إضافة األسماء إليه وامتيازه بغناه في ثبوت وجوده له عما سواه لما
شك أن كل تعين يتعقل للحق هو اسم له ،فإن األسماء حكم بأن له كماال ذاتيها ،وال ه
ليست عند المحققين إال تعينات الحق ،فإذن كل كمال يوصف به الحق فإنه يصدق
عليه أنه كمال أسمائي من هذا الوجه ،وأما من حيث أن انتشاء أسماء الحق من
حضرة وحدته هو من مقتضى ذاته فإن جميع الكماالت التي يوصف بها كماالت
ذاتية .
تقرر هذا فنقول :ما كان له هذا الكمال من ذاته ،فإنه ال ينقص بالعوارض
وإذا ه
251
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 252عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٥٢
واللوازم الخارجية في بعض المراتب ،بمعنى أنها تقدح في كماله ،وال جائز أن
يتوهم في كماله نقص أيضا بحيث يكمل بها ،بل قد يظهر بالعوارض واللوازم في
بعض المراتب وصف أكمليهته ،ومن جملتها معرفة أن هذا شأنه .
نص شريف جدها :حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه بنفسه من حيث تعينه في تعقله ه
نفسه باعتبار يوحد العلم والعالم والمعلوم ،وصفته الذاتية التي ال تغاير ذاته أحدية
جمع ال يتعقل وراءها جمعية ،وال نسبة ،وال اعتبار ،والتحقق بشهود هذه الصفة
ومعرفتها تماما إنما يكون بمعرفة أن الحق في كل متعين قابل للحكم عليه بأنه متعين
بحسب األمر المقتضي إدراك الحق فيه ،متعينا مع العلم بأنه غير محصور في التعين
،وأنه من حيث هو هو غير متعين ،وهذا هو صورة علمه بنفسه ،فيعرف ذاته
متعيهنة بالنسبة إلى ظهوره في المتعينات بحسبها ،وبالنسبة إلى من لم يشهده إال في
مظهر ،ويعرف سبحانه أنه من حيث هو هو غير متعين أيضا حال الحكم عليه
بالتعين ؛ لقصور إدراك من لم يدركه إال في مظهر ،وسواء اعتبر المظهر عين
الظاهر أو غيره .
وحقيقة الخلق عبارة عن صورة علم ربهم بهم ،وصفتهم الذاتية الفقر المثمر لمطلق
الغناء ليس كل فقر فافهم .
نص شريف جدها :اعلم أن ثمرة التنزيه العقلي هو تميز الحق ع هما يس همى سواهه
بالصفات السلبية ؛ حذرا من نقائص مفروضة في األذهان ،غير واقعة في الوجود ،
والتنزيهات الشرعية ثمرتها نفي التعدد الوجودي ،واالشتراك في المرتبة األلوهية ،
وهي ثابتة أيضا شرعا مع تقرير االشتراك مع الحق في الصفات الثبوتية ؛ لنفي
المشابهة والمساواة .
وأما تنزيه أهل الكشف فهو بإثبات الجمعية للحق مع عدم الحصر ،وتمييز أحكام
األسماء بعضها عن بعض ،فإنه ليس كل حكم يصح إضافته إلى كل اسم ،بل من
األسماء
252
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 253عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٥٣
ما يستحيل إضافة بعض األحكام إليها ،وإن كانت ثابتة ألسماء أخر ،وهذا األمر في
الصفات ،ومن ثمرات التنزيه الكشفي نفي السوى مع بقاء الحكم العددي ،دون فرض
نقص يسلب أو تعقل كمال يضاف إلى الحق بإثبات مثبت والسالم .
نص شريف :كينونة كل شيء في شيء إنما يكون بحسب المحل ،وسواء كان المحل ه
معنويها أو صوريها ،ولهذا وصفت المعلومات الممكنة من حيث ثبوت تعيهنها في علم
الحق ،وارتسامها فيه بالقدم ،كما أن كل متعين في علم الحق من وجه آخر ال يخلو
عن حكم الحدوث ؛ ألن وجود العالم وعلوم أهله حادثان منفعالن ،بخالف وجود الحق
ّللا .
وعلمه ،فاعلم ذلك ترشد إن شاء ه
نص شريف من أشرف النصوص وأجلهها وأجمعها لكليات أصول المعرفة اإللهية ه
والكونية :اعلم أن إطالق اسم الذات ال يصدق على الحق إال باعتبار تعيهنه ،التعيهن
الذي يلي في تعقل الخلق غير الكمل اإلطالق المجهول النعت العديم االسم ،وأنه
ي للذات ،فإنه مفروض االمتياز عن كل تعين ،وإنما األمر الثبوتي الواقع وصف سلب ه
هو التعيهن األول ،وأنه بالذات مشتمل على األسماء الذاتية التي هي مفاتيح الغيب ،
ومس همى الذات ال يغاير أسماؤها بوجه ما .
وأما األسماء فتتغاير ويضاد بعضها بعضا ،ويتحد أيضا بعضها مع البعض من حيث
الذات الشاملة لجميعها .
واألحدية وصف التعين ال وصف المطلق المعين ؛ إذ ال اسم للمطلق وال وصف .
ومن حيثية هذه األسماء باعتبار عدم مغايرة الذات لها نقول :إن الحق مؤثر بالذات
فافهم .
وللذات الزم واحد فحسب ،ال يغايرها إال مغايرة نسبية ،وذلك الالزم هو العلم .
والوحدانية ثابتة للحق من حيث العلم ،فإن فيه وبه يتعيهن مرتبة اإللهية وغيرها من
المراتب والمعلومات ؛ الرتسام الجميع فيه ،وهو مرآة الذات من حيث اشتمالها على
مر ،وهو أعني العلم محتد الكثرة
األسماء الذاتية التي ال يغايرها الذات بوجه ما ،كما ه
المعنوية ومشرعها ،وإنما قلت أن العلم كالمرآة للمعلومات وللذات أيضا مع أسمائها
الذاتية من
253
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 254عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٥٤
أجل أنه باعتبار امتياز العلم عن الذات االمتياز االعتباري ،تعقل تعين الحق في تعقله
نفسه في نفسه ،فعلمه الذاتي كالمرآة له .
ولهذا قلنا في غير هذا الموضع أن حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه بنفسه ،ونبههنا
أيضا على أن كل ظاهر في مظهر ،فإنه يغاير المظهر من وجه أو وجوه إال الحق ،
فإن له أن يكون عين الظاهر وعين المظهر فتذ هكر .
وأما المراتب فعبارة عن تعيهنات كلية ،يشتمل عليها الالزم الواحد الذاتي الذي هو
العلم ،وهو كالمحال لما يمر عليها من مطلق فيض الصادر عن الذات ،باعتبار عدم
مغايرة الفيض للمفيض ،كما سبق التنبيه عليه في شأن مظهرية الحق وظاهريته ،
ولها مدخل في حقيقة التأثير ال مطلقا ،بل من حيث ما قلت أنها كالمحال .
فكل مرتبة مجلى معنوي لجملة من أحكام الوجوب واإلمكان المتفرعة من األسماء
الذاتية وأمهات األسماء اإللهية ،وما يليها من األسماء التالية ،ولها أعني للمراتب
أعيان ثابتة في عرصة العلم والتعقل ،وال أثر لها على سبيل االستقالل بل بالوجود ،
وهكذا شأن الوجود مع المراتب ،فإنها مؤثرة ظاهرة الحكم في كل ما يتصل بها ،
ويتعيهن لديها بتكيفات مطلق الفيض الواصل إليها والمار عليها .
وإنها كالنهايات النسبية باعتبار سير الفيض الذاتي والتجلهي الوجودي في المنازل
والدرجات المتعينة بين األزل واألبد ،ال إلى غاية وال إلى قرار ،فقد استبان بما
ذكرته أن المراتب مجمع جمل األحكام المستقرة لديها من حضرة الوجوب واإلمكان ،
وهي المظهرة لنتائج تلك االجتماعات ،لكن بحسبها ال بحسب األحكام ،وال بحسب
مطلق الفيض ،فحكمها حكم األشكال والقوالب مع كل متشكل ومتقولب يتصل بها
ويحل فيها ،فهذا أثرها ،فهي ثابتة العين ،وإليها يستند نتائج األحكام وينضاف آخرا
؛ ألنها المشرع والمرجع فافهم .
ثم اعلم أن المراتب متعقلة االنتشاء بعضها من بعض ،وكذلك األسماء ،فاأللوهية
بأسمائها الكلية التي هي ( الحي ،العالم ،المريد ،القادر ) ظ هل للذات من حيث
اشتمالها بذاتها على مفاتيح الغيب ،لكن بين األلوهية والذات في ذلك فرق دقيق في
ذوق الك همل ،وهو أن
254
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 255عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٥٥
األلوهية تتعقهل ممتازة عن أمهات أسمائها المذكورة ،والذات ال يعقل تميزها عن
أسمائها الذاتية إال المحجوبون عن التجلهي الذاتي ،وأما أهل التجلهي الذاتي فال يعقلون
هذا النوع من التميز ،وال يشهدونه إال باعتبار علمهم بعلم المحجوبين ،وأما التميز
عندهم في ذلك فهو بما أشرت إليه من أن الذات غير مغايرة ألسمائها الذاتية بوجه ما
،وهي تغاير بعضها بعضا مع أنه ال انفكاك ،ومع أن درجات المفاتيح متفاوتة ،فإن
بعضها تابع للبعض ،كما نبههت عليه في أسماء األلوهية من تبعية اسم :الخالق ،
والبارئ ،والمصور ،أمثالها فتذ هكر .
فصل في وصل :وأما سر المناسبات فهو من حيث االشتراك في األمر القاضي برفع
أحكام المغايرة من الوجه المثبت للمناسبة ،وأولها وأعالها المناسبة الذاتية ؛ فالمناسبة
الذاتية بين الحق واإلنسان الذي هو العين المقصودة ،يثبت من وجهين :
أحدهما من جهة ضعف تأثير مرآتيته في التجلهي المتعين لديه ،بحيث ال يكسبه وصفا
قادحا في تقديسه سوى قيد التعين الغير القادح في عظمة الحق وجالله ووحدانيته ،
المقربين واألفراد
ه وخلوه عن أكثر أحكام اإلمكان وخواص الوسائط ،وتفاوت درجات
عند الحق من هذا الوجه .
وأما المناسبة مع الحق من الوجه اآلخر فهو بحسب حظ العبد من صورة الحضرة
اإللهية ،وذلك الحظ يتفاوت بحسب تفاوت الجمعية فيه ،فتضعف المناسبة وتقوى
بحسب ضيق ،فلك جمعية ذلك اإلنسان من حيث قابليته وسعتها ،فتنقص الحظوظ
لذلك وتتوفر تارة لذلك .
والمستوعب لما يشتمل عليه مقام الوجوب واإلمكان من الصفات واألحكام ،وما يمكن
ظهوره بالفعل من ذلك في كل عصر وزمان ،مع ثبوت المناسبة أيضا من الوجه
األول له الكمال ،وهو محبوب الحق والمقصود لعينه ،فهو من حيث حقيقته التي هي
برزخ البرازخ ،مرآة الذات واأللوهية معا ولوازمها ،وصاحب المناسبة الذاتية من
مقرب ال غير ،وقد سبق التنبيه على ذلك .
الوجه األول محبوب ه
وأما المناسبة الذاتية بين الناس فتثبت من وجهين أيضا ،وهما مثاالن للوجهين
اإللهيين المذكورين :أحدهما من جهة اشتراك المتناسبين في المزاج ،بمعنى وقوع
مزاجيهما
255
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 256عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٥٦
في درجة واحدة من درجات االعتداالت التي يشتمل عليها مطلق عرض األمزجة
اإلنسانية ،أو يكون درجة مزاج أحدهما مجاورة لدرجة مزاج اآلخر ،وهذا أصل
عظيم في مشرب التحقيق ،ق هل من يعرفه ذوقا ؛ ألن تعيهنات أرواح األناس من العوالم
الروحانية وتفاوت درجاتها في الشرف ،وعلو المنزلة من حيث قلة الوسائط وكثرتها
،وتضاعف وجوه اإلمكان وقوتها بسبب كثرة الوسائط وقلتها وضعفها ،إنما موجبه
ّللا تعالى وقدره ،المزاج المستلزم لتعيهن الروح بحسبه .
بعد قضاء ه
فاألقرب نسبة إلى االعتدال الحقيقي الذي يعين نفوس الك همل في نقطة دائرته ،يستلزم
قبول روح أشرف وأعلى نسبة من درجة العقول والنفوس العالية ،واألبعد عن النقطة
االعتدالية المشار إليها بالعكس من الخسة ونزول الدرجة .
فاعلم ذلك وتف ههم ما ذكرته في أمر االشتراك المزاجي ترق به إلى معرفة المناسبة
الروحانية الخصيصة بالوجه اآلخر المشابه للمناسبة الذاتية الخفية الحقية المحضة .
وإذا عرفت هذا عن شهود أو فهم محقق ،رأيت أن بعض األرواح يكون مبدأ مقامها
في التعين اللوح المحفوظ ،ومبدأ تعين بعضها من روحانية العرش من مقام إسرافيل ،
وبعضها من الكرسي من مقام ميكائيل ،وبعضها من السدرة من مقام جبرائيل ،هكذا
صة بإسماعيل رئيس مالئكتها على متنازال حتى ينتهي األمر إلى سماء الدنيا المخت ه
جمعيهم السالم ،فتعرف حينئذ أن الشرط األكبر الموجب لما ذكرته من تفاوت درجات
ّللا وعنايته وقضائه ومشيئته ،هو ما سبق ذكره أرواح الناس في ذلك بعد سابق علم ه
في شأن األمزجه وقربها من نقطة االعتدال الحقيقي وبعدها ،وأثر العناية والمشيئة
تختص بحسن التسوية الربهانية التي يليها نفخ الروح وتعينه ،فافهم وتذ هكر .
وأما المناسبة المرتبية فإنها ليست من وجه واحد ،بل من وجوه متعددة :أحدها من
جهة معادنها األصلية ،التي هي مبدأ تعيهنات األرواح المشار إليها آنفا ،فإن مبدأ تعين
أعالها درجة أعني أرواح الك همل ،أ هم الكتاب ،ومبدأ تعين بعضها علما ووجودا
متوحدا ذات القلم األعلى المس همى بالعقل األول والروح الكلهي ،ومبدأ تعين بعضها
اللوح المحفوظ ،وبعضها عرشية إسرافيلية ،وبعضها مكائيلية من مقام الكرسي
ورحانيته ،
256
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 257عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٥٧
والصور الخيالية وإن كانت مواد انتشائها لطائف قوى هذه النشأة الطبيعية ،
وجواهرها المط ههرة والمزكات المكتسية صفات األرواح ،فإن صفاتها وأحوالها في
الجنة إنما تظهر بحسب روحانيتها وقواها ،وخواص مظاهرها المثالية .
ومنازل أهل الجنة مظاهر مراتب األرواح من حيث مكاناتها عند الحق ،ومن حيث
ّللا عليه وسلم على ذلك بإشارات لطيفة مظاهرها المثالية األولى ،وقد نبهه النبي صلى ه
سالم " :يا علي إن قصرك في الجنة في مقابلة قصري " ،وفي ،مثل قوله عليه ال ه
رواية " :في محاذاة قصري " .
وقال في حق العباس قريبا من ذلك .
وقال في حق جمهور المؤمنين “ :ألحدكم أهدى إلى منزله في الجنة منه إلى منزله
في الدهنيا “ ، “ “ 1وليس هذا ال من حكم المناسبة .
وأما سوق الجنة المشتمل على الصور اإلنسانية المستحسنة ،التي يتخير أهل الجنة
التلبهس بما شاءوا منها ،فمن بعض جداول عالم المثال المطلق الذي هو معدن المظاهر
وينبوعها ،وهو مجرى المدد الواصل من عالم المثال إلى مظاهر أرواح أهل الجنة ،
ومنشأ مآكلهم ومشاربهم ومالبسهم ،وكل ما يتنعمون به في أراضي مراتب أعمالهم
واعتقاداتهم وأخالقهم وصفاتهم ودرجات اعتداالتهم في ذلك كله .
وأما الخلع والتحف التي تأتي بها المالئكة من عند الحق إلى جمهور أهل الجنة حال
حملهم إيهاهم إلى كثيب الرؤية ؛ لزيارة الحق ومجالسته هي مظاهر أحكام األسماء
.....................................................................
) ( 1رواه البيهقي في الشعب ( ، ) 304 / 1والطبري في التفسير( 24 / 36 ) .
257
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 258عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٥٨
والصفات ،التي يستند إليها الزائرون في نفس األمر ،وإن لم يعلموا ذلك ،وبتلك
التحف تقوى منسابتهم مع الحق ،وتحيا رقائق ارتباطاتهم به من حيث تلك األسماء
والصفات التي لها درجة الربوبية على أولئك الزائرين .
وقوله تعالى للمالئكة في أواخر مجالس الزيارة عند أهل الجنة :
“ ردهوهم إلى قصورهم “ ،إشارة إلى أحكام المناسبات المستفادة من تلك الخلع
والتحف ،وانتهاء أحكام األسماء والصفات ،التي هي من حيث هي تثبت المناسبة
بينهم وبين الحق ،وتوجب جمعيهتم وحضورهم عنده ،فمتى ظهرت سلطنة األسماء
والصفات التي تقابل أحكام األسماء والصفات المقتضية لالجتماع ،ظهرت األحكام
القضائية باالمتياز ،فحصل البعد والحجاب فافهم .
وأما تفاوت مراتبهم حال المجالسة مع الحق فهو بحسب تفاوت مراتبهم في نفس الحق
ّللا ،أو علومهم ومشاهداتهم الصحيحة ،وإيثارهم فيما
،وبحسب صحة عقائدهم في ه
قبل جناب الحق على ما سواه ،وطول زمان المجالسة وقصرها ،وتفاوت الشرف
فيما يخاطبون به ،وما يفهمونه من خطابه هو بحسب ما ذكرناه ،وبحسب حضورهم
على ما كانوا يعلمون منه ،أو استحضارهم له بمقتضى اعتقادهم فيه ،ومناسبتهم
لجنابه من حيث مقام كثيب الرؤية ،والتجلهي الخصيص بهم منه .فاعلم ذلك .
ّللا بهم فيما ذكرنا وسواه ،فإنه بخالف ذلك .
وأما حال الك همل نفعنا ه
فإنهم قد تجاوزوا حضرات األسماء والصفات والتجليات الخصيصة بها إلى عرصة
التجلهي الذاتي ،فهم كما أخبر النبي صلى ه
ّللا عليه وسلم عن شأنهم بقوله :
“ صنف من أهل الجنة ال يستتر الرب عنهم وال يحتجب “ “ “ . 1
وذلك أنهم غير محصورين في الجنة وغيرها من العوالم والحضرات ،كما قد أشرت
إليه في غير هذا الموضع ،من أن الجنة ال تسع إنسانا كامال وال غير الجنة ،فهم وإن
منزهون عن الحصر والقيود ،واألمكنة ظهروا فيما شاءوا من المظاهر فإنهم ه
واألزمنة ،كسيدهم ،
...................................................
) ( 1رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( ) 101 / 1بنحوه.
258
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 259عالء أحمد المهائمي
وأما المناسبات الثابتة بين الناس من جهة المراتب البرزخية ،فأنموذجها المنهبه على
ّللا عليه وسلم في
تفاصيلها لمن لم يكشفها ولم يشهدها ،هو ما ذكره النبي صلى ه
سالم في سماء الدنيا ،وأن على يمينه أسودةحديث اإلسراء من رؤيته آدم عليه ال ه
السعداء من ذريته ،وعلى يساره أسودة األشقياء من ذريته ،وأنه إذا نظر عن يمينه
ضحك ،وإذا نظر عن يساره بكى .
فهذه إشارة إلى مراتب عموم األشقياء والسعداء ،فأهل الشقاء هم الذين لم يفتح لهم
أبواب السماء حال الموت ،وهم في شقائهم على مراتب مختلفة ،فإن النبي عليه
وعلى أهل بيته التحية أخبر عن أرواح بعض األشقياء أنها تجمع في برهوت والحليتين
والخاسئين والخابتين .
فمبدأ مراتب األشقياء من مقعر السماء الدنيا التي فيها آدم ،وأنزلها ما ذكره عليه
سالم ،ومراتب عموم السعداء في البرزخ السماء الدنيا على درجات متفاوتة ، ال ه
ّللا
يجمعها مرتبة واحدة ،ومراتب أهل الخصوص من السعداء ما أشار إليه صلى ه
سالم في الثانية ،
عليه وسلم في حديث اإلسراء بعد ذكره آدم من أن عيسى عليه ال ه
ويوسف في الثالثة ،وإدريس في الرابعة ،وهارون في الخامسة ،وموسى في
السادسة ،وإبراهيم في السابعة ،على جميعهم السالم .
وهكذا شأن مشاركي هؤالء األنبياء ،والوارثين لهم تماما متفاوت المراتب في هذه
ّللا عليه وسلم هو باعتبار ما شاهده في
السماوات ،فإن هذه األخبار من الرسول صلى ه
ّللا عليه وسلم حصل له أربع وثالثون معراجاإحدى إسرائه ،فإنه ثبت أن النبي صلى ه
ّللا عليه .
،رواها وجمعها وأثبت رواياتها أبو نعيم الحافظ األصبهاني رحمة ه
وكيف ينحصر هذا الحال مع هؤالء األنبياء السبعة دون غيرهم ،ومن البين أن الرسل
سالم المنصوص على ّللا ،كداود عليه ال ه
واألنبياء كثيرون ،وفيهم الك همل بتعريف ه
خالفته ،وغيره من أكابر األنبياء والمرسلين ،فأين تتعين مراتبهم البرزخية بعد
الموت ،وما ث هم إال
259
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 260عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٦٠
نص شريف جدها :اعلم أن الحق هو الوجود المحض ال اختالف فيه ،وأنه واحد وحدة ه
حقيقية ،ال يتعقل في مقابلة كثرة ،وال يتوقف تحققها في نفسها ،وال تصورها في
العلم الصحيح المحقق على تصور ضد لها ،بل هي لنفسها ثابتة مثبتة ال مثبتة .
وقولنا :وحدة للتنزيه والتفهيم ال للداللة على مفهوم الوحدة على نحو ما هو متصور
في األذهان المحجوبة .
وإذا عرفت هذا فنقول :إنه سبحانه من حيث اعتبار وحدته المنبه عليها ،وتجرده عن
المظاهر ،وعن األوصاف المضافة إليه من حيث المظاهر ،وظهوره فيها ال يدرك ،
وال يحاط به ،وال يعرف ،وال ينعت ،وال يوصف .
وكل ما يدرك في األعيان ،ويشهد من األكوان بأي وجه كان أدركه اإلنسان ،وفي
أي حضرة حصل الشهود ،ما عدا اإلدراك المتعلق بالمعاني المجردة والحقائق في
حضرة غيبها بطريق الكشف ،ولذلك قلت في األعيان :أي ما أدرك في مظهر ما
كان ،فإنما ذلك
..........................................................
) ( 1وقع في األصل :ومن كالمه قدس روحه وهو نص ملحق ولكن هكذا وجدت
النسخة التي كتبت منها وهي بخط بعض األفاضل.
260
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 261عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٦١
المدرك ألوان وأضواء ،وسطوح مختلفة الكيفية متفاوتة الكمية ،تظهر أمثلتها في
عالم المثال المتصل بنشأة اإلنسان ،أو المنفصل عنه من وجه على نحو ما هو في
الخارج ،أو ما مفرداته في الخارج وكثرة الجميع محسوسة ،واألحدية فيها معقولة أو
محدوسة ،وكل ذلك أحكام الوجود ،أو قل صور نسب علمه ،أو صفات الزمة له من
حيث اقترانه بكل عين موجودة بسر ظهوره ،فيظهر فيها وبها ولها بحسبها كيف
شئت ،وأطلقت ليس هو الوجود .
مر من أن الواحد منفإن الوجود واحد ،وال يدرك بسواه من حيث ما يغايره على ما ه
كونه واحدا ال يدرك بالكثير من حيث هو كثير وبالعكس .
ولم يصح اإلدراك لْلنسان من كونه واحدا وحدة حقيقية كوحدة الوجود ،بل إنما ص هح
له ذلك من كونه حقيقة متصفة بالوجود والحياة وقيام العلم به ،وثبوت المناسبة بينه
وبين ما يروم إدراكه ،وارتفاع الموانع العائقة عن اإلدراك ،فما أدرك ما أدركه إال
من حيث كثرته ،ال من حيث أحديته ،فتعذهر إدراكه من حيث هو ما ال كثرة فيه
مر .
أصال لما ه
ولهذه النكتة أسرار نفيسة ذكرتها بتفصيل أكثر من هذا في كتابي المس همى ب “ كشف
سر الغيرة عن سر الحيرة “ .
والحق سبحانه من حيث وحدة وجوده لم يصدر عنه إال واحد ؛ الستحالة إظهار الواحد
وإيجاده من حيث كونه واحدا ،ما هو أكثر من واحد ،لكن ذلك الواحد عندنا هو
الوجود العام المفاض على أعيان المكونات ،ما وجد منها وما لم يوجد مما سبق العلم
بوجوده ،وهذا الوجود مشترك بين القلم األعلى الذي هو أول موجود ،المس همى أيضا
بالعقل األول ،وبين سائر الموجودات ليس كما ذكره أهل النظر من الفالسفة ،فإنه ما
ث هم عند المحققين إال الحق والعالم ،والعالم ليس بشيء زائد على حقائق معلومة هّلل
تعالى كما
261
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 262عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٦٢
فلو قيل بجعلها لزم إما مساوقتها للعالم بها في الوجود ،وإما أن يكون العالم بها ه
محال
مر ،وكل ذلك باطل ؛ ألنه
لقبول األثر من نفسه في نفسه ،وظرفا لغيره أيضا كما ه
قادح في صرافة وحدته سبحانه ،وقاض بأن الوجود المفاض عرض لألشياء
الموجودة ال المعدومة ،وكل ذلك محال من حيث أنه تحصل للحاصل ومن وجوه أخر
،ال حاجة إلى التطويل بذكرها فافهم .
فثبت أنها من حيث ما ذكرنا غير مجعولة ،وليس ثمة وجودان كما ذكرنا ،بل الوجود
واحد ،وأنه مشترك بين سائرها ،مستفاد من الحق سبحانه وتعالى .
ثم إن هذا الوجود الواحد العارض للممكنات المخلوقة ليس بمغاير في الحقيقة للوجود
المجرد عن األعيان والمظاهر إال بنسب واعتبارات ،كالظهور والتعيهن
ه الحق الباطن
والتعدهد الحاصل باالقتران وقبول حكم االشتراك ،ونحو ذلك من النعوت التي تلحقه
بواسطة التعلق بالمظاهر .
وينبوع مظاهر الوجود باعتبار اقترانه حضرة تجليه ،ومنزل تعينه وتدليه العماء الذي
ّللا عليه وسلم ،وهو مقام التنزل الربهاني ،ومنبع الجود الذاتي
ذكره النبي صلى ه
الرحماني من غيب الهوية ،وحجاب عز األنية ،وفي هذا العماء يتعين مرتبة النكاح
األول الغيبي األزلي ،الفاتح حضرات األسماء اإللهية بالتو هجهات الذاتية األزلية ،
ّللا تعالى ،فللوجود إن فهمت اعتباران : وسنفك ختم مفتاح مفاتيحه عن قريب إن شاء ه
أحدهما :من كونه وجودا فحسب
262
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 263عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٦٣
وهو الحق ،وإنه من هذا الوجه كما سبقت اإلشارة إليه ال كثرة فيه ،وال تركيب ،وال
صفة ،وال نعت ،وال اسم ،وال رسم ،وال نسبة ،وال حكم ،بل هو وجود بحت .
وقولنا ( :وجود ) هو للتفهيم ،ال أن ذلك االسم حقيقي له ،بل اسمه عين صفته ،
وصفته عين ذاته .وكماله نفس وجوده الذاتي الثابت له من نفسه ال من سواه ،وحياته
وقدرته عين علمه ،وعلمه باألشياء أزال عين علمه بنفسه ،بمعنى أنه علم نفسه بنفسه
،وعلم كل شيء بنفس علمه بنفسه .
تتحد فيه المختلفات ،وتنبعث منه المتكثرات هي دون أن تحويه أو يحويها ،أو تبديه
عن بطون متقدم ،أو هو بنفسه يبرزها فيبديها ،له وحدة هي محتد كل كثرة ،
وبساطة هي عين كل تركيب آخر ،وأول مرة كل ما يتناقض في حق غيره فهو له
على أكمل الوجوه ثابت ،وكل من نطق عنه ال به ،ونفى عنه كل أمر مشتبه وحصره
في مدركه ،فهو أبكم ساكت ،وجاهل مباهت ،حتى يرى به كل ض هد في نفس ضده ،
بل عينه مع تميزه بين حقيقته وبينه .
وحدته عين كثرته ،وبساطته عين تركيبه ،وظهوره نفس بطونه ،وآخريته عين
أوليته ،ال ينحصر في المفهوم من الوحدة أو الوجود ،وال ينضبط لشاهد وال في
مشهود له أن يكون كما قال وظهر كما يريد ،دون الحصر في اإلطالق والتقييد ،له
المعنى المحيط بكل حرف ،والكمال المستوعب كل وصف كل ما خفي عن
المحجوبين حسنه ،مما يتوهم فيه شين ونقص ،فإنه متى كشف عن ساقه بحيث يدرك
صحة انضيافه إليه ألقى فيه صورة الكمال ،ورئي أنه منصة لتجلهي الجالل أو
الجمال .
سائر األسماء والصفات عنده متكثرة في عين وحدة هي عينه ،ال يتنزه ع هما هو ثابت
له ،وال يحتجب ع هما أبداه ليكمل .
وحجابه وعزته وغناه وقدسه عبارة عن امتياز حقيقته عن كل شيء يضادها ،وعن
عدم تعلقه بشيء ،أو عدم احتياجه في ثبوت وجوده له وبقائه إلى ذلك ،ال تحقق
لشيء بنفسه وال بشيء إال به فانتبه .
ال تدركه سبحانه من هذه الحيثية العقول واألفكار ،وال تحويه الجهات واألقطار ،
263
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 264عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٦٤
ه
ومنزه عن القيود الصورية وال تحيط بمشاهدته ومعرفته البصائر واألبصار ،
والمعنوية ،مقدهس عن قبول كل تقدير متعلق بكمية أو كيفية ،متعال عن اإلحاطات
الحدسية والفهمية والظنية والعلمية ،محتجب بكمال عزته عن جميع بريته ،الكامل
منهم والناقص ،والمقبل إليه في زعمه والناكس .
جميع تنزيهات العقول من حيث أفكارها ومن حيث بصائرها أحكام سلبية ،ال تفيد
معرفة حقيقية ،وهي مع ذلك دون ما يقتضيه جالله ويستحقه قدسه وكماله ،ومنشأ
تعلق علمه بالعالم من عين علمه بنفسه ،وظهور هذا التعلق بظهور نسب علمه التي
هي معلوماته ،وإنما هو عالم بما ال يتناهى من حيث إحاطة علمه ،وكونه مصدرا
لكل شيء ،فيعلم ذاته والزم ذاته ،والزم الالزم جمعا وفرادى ،وإجماال وتفصيال ،
هكذا إلى ما ال يتناهى ،وما عينه أو علم تعين مرتبته عند شرط وسبب ،فإنه يعلمه
بشرطه وسببه ،والزمه أن سبق علمه بذلك تعينه ،وإال فيعلمه بنفسه سبحانه ،وكيف
شاء ،غير أنه ال يتجدهد له علم ،وال يتعين في حقه أمر ينحصر فيه وال حكم .
ليس بينه وبين األشياء نسبة إال العناية ،كما قيل ،وال حجاب إال الجهل والتلبيس
والتخيل ؛ لغاية قربه ودنوه ،وفرط عزه وعلوه ،وعنايته في الحقيقة إفاضة نوره
الوجودي على من انطبع في مرآة عينه التي هي نسب معلوميته ،واستعد لقبول حكم
،و ُه َو ال ه
س َمي ُع ْس َك َمثْ َل َه ش ْ
َي ٌءمن الوجه األول َ إيجاده ومظهريته سبحانه ،لَي َ
ير[ الشورى ] 11 :من الوجه الثاني . ص ُْالبَ َ
ومتى أدرك أو شوهد أو خاطب أو خوطب فمن وراء حجاب عزته في مرتبة نفسه
المذكورة ،بنسبة ظاهريته وحكم تجليه في منزل تدليه من حيث اقتران وجوده العام
264
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 265عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٦٥
بالممكنات ،وشروق نوره على أعيان الموجودات ليس غير ذلك .
فهو سبحانه من حيث هذا الوجه إذا لومح تعين وجوده متقيدا بالصفات الالزمة لكل
متعين من األعيان الممكنة ،التي هي في الحقيقة نسب علمه جمعا وفرادى ،وما يتبع
تلك الصفات من األمور المس هماه شؤونا وخواص وعوارض ،واآلثار التابعة ألحكام
االسم الدهر المس هماه أوقاتا ،والمراتب أيضا والمواطن ،فإن ذلك التعين والتشخص
ّللا تعالى .
يس همى خلقا وسوى ،كما ستعرف عن قريب سره إن شاء ه
وينضاف إليه إذ ذاك كل وصف ،ويس همى بكل اسم ،ويظهر بكل رسم ،ويقبل كل
حكم ،ويتقيهد في كل مكان بكل رسم ،ويدرك لكل مشعر من بصر وسمع وعقل وفهم
،وغير ذلك من القوى والمدارك فاذكر .
واعلم أن ذلك بسريانه في كل شيء بنوره الذاتي المقدهس عن التجزئ واالنقسام ،
والحلول في األرواح واألجسام فافهم ،ولكن كل ذلك متى أحب وكيف شاء .
وهو في كل وقت وحال القابل لهذين الحكمين الكليين المذكورين المتضادين بذاته ،ال
بأمر زائد ،والجامع بين كل أمرين مختلفين من غائب وحاضر وصادر ووارد ،إذا
شاء ظهر في كل صورة ،وإن لم يشأ لم ينضاف إليه صورة .
ال يقدح تعيهنه وتش هخصه بالصور ،واتصافه بصفاتها في كمال وجوده وعزه وقدسه ،
وال ينافي ظهوره في األشياء وإظهاره وتعينه وتقيده بها وبأحكامها من حيث هي علوه
وإطالقه من القيود ،وغناه بذاته عن جميع ما وصف بالوجود ،بل هو سبحانه الجامع
بين ما تماثل من الحقائق وتخالف فيتألف ،وبين ما تغاير وتباين فيختلف .
بتجليه الوجودي ظهرت الخفيات ،وتنزلت من الغيب إلى الشهادة البركات من حيث
أسمائه :الباسط والمبدي ،وبارتفاع حكم تدليه تخفى وتنعدم الموجودات باسميه :
القابض والمعيد .
إنه تعالى كان محتجبا بعزه ،كان غفورا ،وإن أحب أن يعرف دنا وظهر فيما شاء
كيف شاء ،فكان ودودا ،فبالمحبة يبدي من كونه محبها وهي تبديه ،وبها من كونه
محبها ومحبوبا يعيد كل شيء في قبضته ،ومقهور تحت قوة بطشه لقوة فعله وضعف
المنفعل.
265
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 266عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٦٦
ومظهر قدرته وآلة حكمته في فعله بسنته ،ومحل ظهور سر القبض والبسط واإلبداء
واإلخفاء والغيب والشهادة والكشف والحجاب الصوري السببي ،الذي به يفعل ما
ذكره ال مطلقا هو عرشه المجيد .
ب أ َ ْو أ َ ْلقَى ال ه
س ْم َع َو ُه َو ولهذا قال سبحانه وتعالى مبدأ سر هذا األمر َ :ل َم ْن كانَ لَهُ قَ ْل ٌ
ور ْال َودُو ُد *ئ َويُ َعي ُد * َو ُه َو ْالغَفُ ُ ش َر َبه َك لَ َ
شدَي ٌد * َإنههُ ُه َو يُ ْب َد ُ ش َهي ٌد [ ق َ ، ] 37 :إ هن بَ ْ
ط َ َ
ذُو ْالعَ ْر َش ْال َم َجي ُد * فَعها ٌل َلما يُ َري ُد [ البروج . ] 16 - 12 :
في مرتبتي اإلطالق والتقييد ،وقوله تعالى :فَعها ٌل َلما يُ َريدُجواب سؤال مقدار ،علم أنه
يبدو من معترض محجوب .
***
266
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 267عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٦٧
وأما النص الذي ال ينسخ حكمه فهو ما ذكرناه ،وهكذا كل ما ذكر في هذا الكتاب ،
فإنه الحق الصريح الذي هو األمر عليه ،وما سواه فقد يكون صحيحا مطلقا كهذا الذي
ذكرنا ،وقد يكون صحيحا بالنسبة واإلضافة إلى مقام ما ،كما سبقت اإلشارة إليه .
ومتى وضح لك ما ذكرته في هذا النص علمت أن الظهور للوجود ،لكن بشرط التع هدد
مع آثار األعيان فيه ،وأن البطون صفة ذاتية لألعيان ،والوجود أيضا من حيث تعقل
وحدته ،واألمر دائر بين ظهور وبطون لغلبة ومغلوبية ،بمعنى أنه ما نقص من
الظاهر اندرج في الباطن وبالعكس ،والنسب واإلضافات صور أحوال وأحكام تنشئ
بين المراتب ،فيظهر بعضها بعضا ،ويخفي بعضها بعضا ،بحسب الغلبة والمغلوبية
المشار إليها آنفا فافهم .
ت هم الكتاب والحمد هلل وحده وصلهى هللا على سيهدنا محمد وآله وصحبه وسلم* * *
267
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 268عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٦٨
.
268
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 269عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٦٩
فهرس المحتويات
مقدمة التحقيق 3
ترجمة المصنف 5
ترجمة صاحب النصوص 5
ترجمة الشارح 8
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص مقدمة الشيخ الشارح 11
[ مقدمة ،وفيها ثالثة فصول ] 14
الفصل األول :في األدلة النقلية 14
الفصل الثاني :في البراهين العقلية على وجود الواجب 39
الفصل الثالث :في رفع الشبهات 47
أوان الشروع في المقاصد 50
النص األول 72
النص الثاني 80
النص الثالث 83
النص الرابع 86
النص الخامس 88
النص السادس 100
النص السابع 103
269
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص ص 270عالء أحمد المهائمي
“ “ ٢٧٠
*
تم بحمد هللا تعالى رب العالمين
عبدهللا المسافر باهلل
.
270