You are on page 1of 5

‫مراد اإلمام النووي بمصطلح ( المختار) في كتابه " روضة الطالبيين وعمدة المفتيين‬

‫جمعه ورتّبه‪:‬‬
‫عبدالغني علي آدم العيني الصومالي‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫سالم على رسوله وآله وصحبه أجمعين‬


‫صالة وال ّ‬
‫الحمد هلل وال ّ‬
‫أ ّما بعد‪:‬‬
‫فمن الضروري لدى جميع أهل العلم ‪ ،‬وطلبته ‪ّ ،‬‬
‫أن اإلمام النووي ‪ ،‬جليل القدر ‪ ،‬رفيع المنصب ‪،‬‬
‫األول ‪ ،‬فهو محدث جهبذ ‪ ،‬وفقيه محقق ‪ ،‬ولغوي بارع ‪ ،‬وإمام في الزهد والعبادة‬
‫متفنن من الطراز ّ‬
‫‪ ،‬اجتمع له من العلوم والمعارف ما تفرق في غيره من أقرانه ‪.‬‬

‫ومع ذاك التفنن العجيب ‪ ،‬والجمع المبهر ‪ ،‬واإلمامة في كثير من علوم الوحيين ‪ ،‬ووسائل فهم‬
‫األصلين ‪:‬‬

‫ومخرجا عليها وعلى‬


‫ّ‬ ‫شافعي ‪ ،‬محققا له ‪ ،‬مو ّجها لألقوال ‪ ،‬ومرجحا ً بينها ‪،‬‬
‫كان إماما في المذهب ال ّ‬
‫ومفرعا ألصول اإلمام ووجوه األصحاب ‪ ،‬مستدركا على من تقدمه من أصحاب‬ ‫ّ‬ ‫أدلتها ‪ ،‬وأصولها ‪،‬‬
‫الوجوه ‪ ،‬وأرباب اإلجتهاد في المذهب ‪.‬‬

‫فهو منقّح المذهب بالمنازع ‪ ،‬السيما في القرون المتأخرة ‪ ،‬مؤلفاته النافعة هي المرجع لدى من‬
‫سالكين ‪ ،‬ومنارات الراغبين المهتمين ‪ ،‬ما بين الطالبين والمفتيين ‪ ،‬تشبع‬
‫تأخر عنه ‪ ،‬مصبابيح ال ّ‬
‫وتقرب أحكام النوازل ألصحاب اإلجتهادات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أصحاب البدايات ‪ ،‬وتكفي أولي التحقيقات ‪،‬‬

‫ومن أهم تلك المصنفات النافعات ‪ ،‬اختصاره للكتاب الكبير – فتح العزيز شرح الوجيز –‬

‫الشرح الكبير ‪.‬‬

‫لإلمام البصير‪ ،‬الحافظ الناقد إمام الملّة وفقيه زمانه ‪ ،‬الرافعي‪ ،‬الذي رفع هللا شأنه بين أهل اإلسالم‬
‫‪ ،‬رحمة هللا على الجميع ‪.‬‬
‫س ّماه بــــــــــــ‪ :‬روضة ال ّ‬
‫طالبيين وعمدة المفتيين‬

‫سلك فيه طريقة متوسطة بين المبالغة في االختصار واإليضاح ‪ ،‬وحذف معظم األدلة وأشار الخفيات‬
‫منها ‪ ،‬واستوعب جميع فقه الكتاب المختصر منه ‪ ،‬حتى الوجوه الغريبة ‪ ،‬بل والمنكرات ‪ ،‬واقتصر‬
‫على األحكام دون مؤاخذة اللفظيات ‪ ،‬وض ّم إليه في أكثر المواطن تفريعات وتتمات ‪ ،‬وزيادات ‪،‬‬
‫واستدرك على اإلمام الرافعي في مواضع عدة ‪ ،‬والتزم ترتيب األصل إال في مواضع يسيرة ‪،‬‬
‫لغرض صالح‪ ،‬ومقصد حسن ‪)1(.‬‬

‫صله أحاط‬
‫أن من ح ّ‬‫وذكر في مقدمته منبّها لمكانة الكتاب ‪ ...... :‬وأرجو‪ -‬إن تم هذا الكتاب – ّ‬
‫بالمذهب وحصل له أكمل الوثوق به ‪ ،‬وأدرك حكم مايحتاج إليه من المسائل الواقعات ! (‪)2‬‬

‫حدد المصطلحات الفقهية في المذهب ‪ ،‬بكل دقّة وتحقيق لم يسبق إليه ‪ ،‬فذكر مراده من المصطلحاف‬
‫في مقدمة بعض كتبه ‪ ،‬كالروضة ‪ ،‬والمنهاج ‪ ،‬والمجموع ‪ ،‬والتحقيق ‪ ،‬وتوسع في األخير ببسط‬
‫المقدمة ووفّر شرحها أكثر من سابقيها ‪.‬‬
‫إإل ّ‬
‫أن كثيرا ممن تأخر عنه استشكل عليه مراد اإلمام من مصطلح ( المختار)‬

‫ومامقصده منه فأحببت أن أشير في هذه السطور القليلة شيئا مما قيل حول هذا المصطلح ‪ ،‬وخاصة‬
‫في الروضة ‪ ،‬فإنّني تعرضت لهذا االستشكال عنماكنت أطالع بعض أجزاء هذا الكتاب المبارك (‪)3‬‬

‫فأقول وأستعين هللا العلي العظيم ‪:‬‬


‫شافعية ّ‬
‫أن مصطلح اإلمام النووي ( المختار) في روضة الطالبيين بمعنى‬ ‫ذهب كثير من أعالم ال ّ‬
‫سقاف في مختصر الفوائد المكيّة‬
‫األص ّح في المذهب البمعناه المعروف المصطلح عليه ‪ ،‬كذا قرره ال ّ‬
‫(‪.)4‬‬

‫وعليه جرى األهدل في سلم المتعلم المحتاج(‪ ، )5‬واسثنى من ذالك ‪ :‬اختياره في عدم كراهية الماء‬
‫المش ّمس في الروضة ‪ ،‬فهو وجه ضعيف في المذهب ‪.‬‬

‫ويرى اإلمام األسنوي ‪ ،‬أ ّن المختار في الروضة ليس هو مقابل األكثرين ‪ ،‬بل بمعنى الصحيح‬
‫والراجح ونحو ذالك كما في " المهمات " (‪)6‬‬

‫ويقول الكردي في الفوائد المدنية ‪ :‬مح ّل ما ذكر في التعبير بالمختار في غير "الروضة" أ ّماهي فقد‬
‫رأيت في كالم بعضهم ‪ ،‬أنّه حيث عبّر فيها بالمختار ولم ينبّه على أنّه مختار من حيث الدليل‪ ،‬يكون‬
‫مراده أنّه مختار من حيث المذهب ‪ ،‬فهو بمعنى المعتمد من حيث المذهب ‪ ،‬فتنبّه له ‪.‬‬

‫‪ -1‬مقتبس من كالم اإلمام النووي في مقدمة الروضة ‪ ،‬في صدد الكالم عن منهجه في اختصار الكتاب راجع الروضة ‪،1 ،‬‬
‫‪111 ،111‬‬
‫‪ - 2‬المصد السّابق ‪111 -1‬‬
‫ي هذا المصطلح أل ّن‬‫‪ -1‬كان سبب كتابة هذه الورقات أنني كنت أطالع بعض أجزاء الروضة ‪ ،‬قبل مدة من الزمن ‪ ،‬فأشكل عل ّ‬
‫اإلمام لم يبيّن مراده منه في المقدمة بيان غيره من المصطلحات ‪ ،‬مثل األظهر ‪ ،‬واألصح ‪ ،‬والصحيح ‪ ،‬فلما بحثت ما قيل عنه‬
‫كتبته في دفتر ‪ ،‬ومضى الزمن حتى أتاحت لي الفرصة نشره في هذه الورقة ‪ ،‬رجاء النفع ألحد الطلبة الصغار أمثالي ‪،‬‬
‫وإضافة عالم بالمذهب فوائد جديدة في المقام‪ ،‬ومعلومات لم نقف عليها‪.‬‬
‫‪ -4‬مختصر الفوائد المكية فيمايحتاجه طلبة الشّافعية ‪ ،‬علوي بن أحمد السّقاف ‪ ،‬صـــ‪41‬‬
‫‪ -5‬سلّم المتعلم المحتاج إلي معرفة رموز المنهاج ‪ ،‬أحمد ميقري شميلة األهدل ‪ ،‬النسخة المطبوع مع نجم الوهّاج للدميري ‪.‬‬
‫‪ -6‬المهمات في شرح الروضة والرافعي ‪ ،‬جمال الدين عبدالرحيم األسنوي ‪ ،‬جـــ ‪6‬صـــ ‪515‬‬
‫أن النووي لم يذكر في مقدمة "الروضة" حكم التعبير (بالمختار) كعادته في تعريف‬‫ويؤيد ذالك ّ‬
‫المصطلحات التي يستعملها في الترجيحات ‪.‬‬

‫وقال األسنوي أيضا كما في باب الوقف من "المهمات شرح الروضة والرافعي " في الكالم على‬
‫اشتراط القبول من الموقوف عليه ‪ّ :‬‬
‫إن المختار في "الروضة " بمعنى الصحيح والراجح ونحو ذالك‬
‫ي أبوزعة العراقي ‪ :‬في "مختصرالمهمات "‬‫وقد قرر مثل هذا المعنى الول ّ‬
‫أن النووي في " شرح المهذب " (‪ )7‬قد يعبر بالصحيح فيما عبّر عنه في "الروضة "‬ ‫ويشهد له ّ‬
‫إن الصحيح ّ‬
‫أن القيراط الثاني البحصل إال بعد الفراغ من الدفن ‪.‬‬ ‫بالمختار كقوله في الجنائز منه‪ّ :‬‬

‫مع تعبيره في "زيادة الروضة " بالمختار الروضة (‪)8‬‬

‫ونقال في الطالق عن فتاوى القفال ‪ :‬أنّه لوقال المرأته ‪ :‬يابنيتي ‪ ،‬وقعت الفرقة بينهما " زاد في‬
‫الروضة " المختار في هذه أنّه ال تقع به فرقة إذا لم تكن نيّة " وعبّرالناشري(‪ )9‬في "إيضاحه "‬
‫بالصحيح بدل المختار في الروضة وهللا أعلم ‪)10( .‬‬

‫إال ّ‬
‫أن األستاذ الدكتور ‪ :‬علي جمعة مفتي الديار المصريّة ‪:‬‬

‫‪ -7‬المجموع للنووي جــــ ‪5‬صــــ ‪512‬‬


‫يقول اإلمام النووي في شرح المهذّب ‪ :‬وذكر السرخسي في األمالي فيما يحصل به القيراط الثاني ‪ ،‬ثالثة أوجه ‪( ،‬أحدها) قال‬
‫وهو أضعفها إذا وضع في اللحد (والثاني) إذا نصب عليه اللبن قاله القفال (والثالث) إذا فرغ من الدفن ‪ ،‬قلت – أي النووي‪-‬‬
‫والصحيح أنّه اليحصل إال بالفراغ من الدفن لرواية البخاري ومسلم ‪ ،‬في هذا الحديث ‪.‬‬
‫‪ -8‬أنظر الروضة جـــ‪-1‬صـــ ‪651‬‬
‫‪ -4‬الناشري هو‪ :‬محمد بن أحمد بن أبي بكر أبوعبدهللا الناشري اليمني الشافعي المتوفى ‪ ،‬كتابه ‪ :‬إيضاح الفتاوى في النكت‬
‫المتعلقة بالحاوي ‪.‬‬
‫تنبيهان مه ّمان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬كتاب الحاوي الذي شرحه الناشري باإليضاح هو‪" :‬الحاوي الصغير في الفروع" من تصنيف اإلمام العلَم عبدالغفار‬
‫بن عبدالكريم القزويني المتوفى سنة ‪ 665‬الهجرية اختصر فيه كتاب العزيز شرح الوجيز للرافعي ‪ ،‬ويقال إنّه صنّفه البنه‬
‫محمد جالل الدين ‪ ،‬فحفظه وقرأ على أبيه المصنف ‪.‬‬
‫التنبيه الثاني ‪:‬‬
‫الناشريون كثٌر ‪ ،‬وبين اثنين منهم شبه قوي ‪:‬‬
‫فكالهما ناشري‪ ،‬ويمني ‪ ،‬وشافعي ‪ ،‬ولكل منهما كتاب باسم اإليضاح ‪ ،‬مشهور بهذا االسم !‬
‫وللتفريق بينهما ‪ :‬أحدهما فقيهي وهو صاحبنا في هنا واآلخر مقرئ !‬
‫صاحبنا في هنا اسمه محمد ‪ ،‬وشبيهه عثمان !‬
‫صاحبنا كتابه اإليضاح في الفقه‬
‫وإيضاح شبيهه في القراءات ( اإليضاح في شرح الدرة ) مطبوع وهو تلميذ ابن الجزري ‪.‬‬
‫الفقيه مات ‪ 665‬الهجرية‬
‫والمقرئ مات ‪ 212‬الهجرية وله ترجمة وافية في الضوء الالمع للحافظ السّخاوي ‪ ،‬وهو عثمان بن عمر بن أبي بكر‬
‫الناشري ‪ ،‬عفيف الدين الشّافعي صاحب اإليضاح في شرح درة ابن الجزري شيخه‪.‬‬
‫‪ -11‬الفوائد المدنية ‪ ،‬فيمن يفتى بقوله من األئمة الشّافعية ‪ ،‬محمد بن سليمان الكردي الشّافعي ‪ ،‬صـــ ‪ 21 -94‬مع تصرفات‬
‫يسيرة ‪.‬‬
‫أن مصطلح المختار عند النووي على وتيرة‬ ‫يخالف هذه التوجيهات لمراد النوي بالمختار حيث يرى ّ‬
‫واحد ‪ ،‬ونسق متماسك ‪ ،‬في جميع مؤلفاته ‪ ،‬فعلّق على قول ال ّ‬
‫سقاف المتقدم ‪ ،‬نقال عن العليجي(‪)11‬‬
‫ينص اإلمام النووي في مقدمة‬
‫ّ‬ ‫في "المدخل إلي دراسة المذاهب الفقهية" (‪ )12‬وقال وفيه تظر ‪ ،‬ولم‬
‫أن المختار يكون من حيث الدليل عنده ‪ ،‬وإن‬ ‫الروضة على مراده بالمختار‪ ،‬والذي يظهر من صنيعه ّ‬
‫خالف المذهب ‪ ،‬مثاله‪:‬‬

‫قوله في المزارعة والمخابرة ‪ :‬الروضة(‪" )13‬والمختار جواز المزارعة والمخابرة ‪ ،‬وتأويل‬


‫األحاديث على ما إذا شرط أحدهما زرع قطعة معيّنة ‪ ،‬واآلخر أخرى ‪ ،‬والمعروف في المذهب‬
‫إبطالهما "‬

‫أن المختار والراجح والصواب ‪ ،‬بمعنى واحد‬ ‫فجعل المختار في مقابل المذهب ‪ ،‬والذي يظهر أيضا ّ‬
‫عنده ‪ ،‬وأنّه قد تكون في مقابل األص ّح ‪ ،‬فقد عبّر بها جميعا في مسألة واحدة ‪ ،‬وجعلها في مقابل‬
‫األصح ‪.‬‬

‫فقال في مسألة الماء المش ّمس من الروضة ‪ :‬والمش ّمس في الحياض والبرك غيرمكروه باالتفاق وفي‬
‫الحارة ‪ ،‬واألواني المنطبعة ‪......‬قلت الراجح‬
‫ّ‬ ‫األواني مكروه على األصح بشرط أن يكون في البالد‬
‫من حيث الدليل أنّه اليكره مطلقا ‪.‬‬

‫وقال في المسألة ذاتها‪ :‬في المجموع شرح المهذب ‪:‬‬

‫الصواب الجزم أنّه الكراهة فيه ‪ ،‬وهذا الوجه الذي حكاه المصنف ‪ ،‬وضعّفه ‪ ،‬وليس بضعيف بل هو‬
‫صواب الموافق الدليل‪.. ..... ،‬والجمهور ( يعني أصحاب المذاهب األخرى )أنّه الكراهة كماهو‬‫ال ّ‬
‫المختار ‪.‬‬

‫أن الثالثة بمعنى واحد عنده ‪ّ ،‬‬


‫وأن مقابل المختار هنا هو األصح من حيث المذهب ‪ ،‬أما‬ ‫فظهر ّ‬
‫المختار ‪ ،‬والصواب ‪ ،‬والراجح فهو من الدليل ‪.‬‬

‫هذا ما أردت جمعه في هذه الورقة ‪ ،‬وهللا أعلم‪ ،‬وصلى هللا وسلم‪ ،‬وبارك على نبيه‪ ،‬وآله وصحبه‬
‫أجمعين ‪.‬‬

‫صبيحة الخميس ‪ \31‬من شهر هللا المحرم \ ‪3443‬‬

‫‪ -11‬العالّمة العليجي ‪ ،‬محمد بن إبراهيم العليجي القلهاني ‪ ،‬صاحب الرسالة الماتعة ‪ ،‬تذكرة اإلخوان في بيان مصطلحات‬
‫تحفة المحتاج البن حجر الهيتمي ‪.‬‬
‫‪ - 12‬المدخل إلي دراسة المذاهب الفقهية‪ ،‬علي جمعة محمد عبدالوهّاب صــــ ‪56‬‬
‫‪ - 13‬الروضة ‪ ،‬جـــ ‪162 -164-5‬‬

You might also like