You are on page 1of 26

‫ماستر الدراسات القرآهية والحديثية وقضايا الاجتماع الاوساوي‬

‫وحدة الاثجاهات التجديدية في ثفسير القرآن الكريم‬

‫عرض بعىوان‪:‬‬

‫ي‬ ‫ل‬ ‫ف‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ال‬


‫قراءة في كتاب "الاتجاهاب رفة ي ر ران رم"‬
‫ك‬ ‫ا‬ ‫ق‬‫ل‬‫ا‬ ‫سي‬ ‫ف‬ ‫ح‬

‫إشراف فضيلة الدكتور‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬

‫أحمد السليماوي الحسني‬ ‫سارة بولعساس‬

‫العام الجامعي‪1443-1442 :‬‬


‫املوافق لـ‪2022-2021 :‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫احلمد هلل الذي نور بكتابو القلوب‪ ،‬وشرح بو الصدور‪ ،‬أنزلو ابحلق وأخرج بو الناس من الظلمات إذل‬

‫النور‪ ،‬والصالة والسالم على من بعثو هللا رمحة للعادلُت‪ ،‬وعلى آلو وصحبو ومن تبعهم إبحسان إذل‬

‫يوم الدين‪.‬‬

‫اقتضت مشيئة هللا تعاذل أن ينزل القرآن رمحة للناس ومنهجا حلياهتم اخلاصة والعامة‪ ،‬والتباع‬

‫جادة الصواب كان لزاما فهم القرآن فهما سليما‪ ،‬وقد كان الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يفهم للصحابة ما استشكل‬

‫عليهم فهمو فهما واضحا‪ .‬وبعد وفاتو ملسو هيلع هللا ىلص ظهرت مؤلفات قيمة اعتنت بتفسَت كتاب هللا على الوجو‬

‫الصحيح‪ ،‬يف ادلقابل زبللت بعض ادلؤلفات تفاسَت حرفت كالم هللا تعاذل وأخرجتو عن مساره‬

‫الصحيح‪ .‬وقد تطرق الكثَت من العلماء إذل تبيُت ونقد ىذه التفاسَت ومن بينهم العادل الشيخ "دمحم‬

‫حسُت الذىيب" يف كتابو " االذباىات ادلنحرفة يف تفسَت القرآن الكرمي" وسأبُت يف ىذا العرض ما‬

‫تطرق لو من اضلرافات يف التفسَت‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التعريف مبحمود حسني الذىيب وكتابو‬

‫ادلطلب األول‪ :‬التعريف ابلشيخ زلمود حسُت الذىيب‬

‫ادلطلب الثاين‪ :‬التعريف ابلكتاب‬

‫املبحث الثاين‪ :‬االجتاىات املنحرفة يف التفسري من خالل كتاب الذىيب‬

‫ادلطلب األول‪ :‬اإلخباريُت والقصاص وأصحاب النحو‬

‫ادلطلب الثاين ‪ :‬التفسَت ادلنحرف للفرق‬

‫ادلطلب الثالث‪ :‬أصحاب التفسَت العلمي ومدعي التجديد‬

‫خامتة‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تعريف دمحم حسني الذىيب وكتابو‬

‫املطلب األول‪ :‬تعريف دمحم حسني الذىيب‬

‫دمحم حسُت الذىيب ولد يف ‪ 19‬أكتوبر ‪ 1915‬يف قرية مطوبس يف زلافظة كفر الشيخ‪ ،‬ابحث مفسر‬

‫من كبار علماء األزىر التحق بكلية الشريعة وحصل على العادلية بدرجة أستاذ‪ .‬عُت أول أمره خطيبا‬

‫وإماما دبساجد األوقاف‪ .‬مث مدرسا دبعهد القاىرة الديٍت مث أستاذا بكلية أصول الدين ابألزىر وكان‬

‫عميدا لكلية الشريعة ‪.‬مث أمينا جملما البحوث اإلسالمية ووزيرا لألوقاف فكان عادلا ‪ .‬اختطف وقتل‬
‫‪1‬‬
‫سنة ‪1977‬م‪ ،‬قيل‪ :‬لتذىب معادل السرقات اليت كانت بيديو واثئقها منذ كان وزيرا لألوقاف‪.‬‬

‫مؤلفاتو‪:‬‬

‫التفسَت وادلفسرون‬

‫مقدمة يف علم التفسَت‬

‫مقدمة يف علوم القرآن‬

‫مقدمة يف علوم احلديث‬

‫مشكالت الدعوة والدعاة‬

‫أثر إقامة احلدود يف استقرار اجملتما‬

‫‪1‬‬
‫إتمام األعالم للدكتورين نزار أباظة ودمحم رياض المالح (بتصرف ) ص ‪132‬‬

‫‪3‬‬
‫‪1‬‬
‫اإلسرائيليات يف التفسَت واحلديث‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التعريف ابلكتاب ومنهج الذىيب فيو‬

‫كتاب االذباىات ادلنحرفة يف تفسَت القرآن الكرمي (دوافعها ودفعها) من الكتب القيمة للباحثُت يف‬

‫العلوم اإلسالمية‪ ،‬يقا يف ‪ 112‬صفحة تناول فيو الشيخ دمحم حسُت الذىيب االذباىات ادلنحرفة يف‬

‫التفسَت وأابن فيو الكثَت شلن زببطوا يف التفسَت زببطا عشوائيا ودل تسلم مؤلفاهتم من اخلطأ والتحريف‪.‬‬

‫وقد هنج الذىيب رمحو هللا منهجا رصينا يف عرضو ذلذه االذباىات‪ ،‬فقدم لكل اذباه مقدمة بسيطة‬

‫وبُت عقائده اليت زبالف السنة‪ ،‬وأضاف أمثلة من تفاسَتىم‪ ،‬مث عقب ورد على ادعاءاهتم‪.‬‬

‫يقول رمحو هللا‪" :‬فقد قرأت يف كتب التفسَت قدديها وحديثها ما شاء هللا أن أقرأ‪ ...‬قرأت فيها على‬

‫اختالف مناىجها‪ ،‬وتباين اذباىاهتا‪ ،‬وتلون أساليبها‪ ،‬فرأبت الكثَت منها ال خيلو من اذباىات منحرفة‬

‫يف فهم النص القرآين‪ ،‬وأتويالت ابطلة‪ ،‬بعضها متكلف مرذول‪ ،‬ديجو الذوق السليم‪ ،‬وأتابه بالغة‬

‫القرآن الكرمي‪ ،‬وبعضها ال يتفق وقواعد الدين‪ ،‬وردبا خرج بصاحبو إذل زمرة من ليسوا دبسلمُت‪ .‬وقد‬

‫رأيت أن أتتبا ىذه االضلرافات يف كتب التفسَت على اختالف عصورىا‪ ،‬وتباين مذاىبها واذباىاهتا‪،‬‬

‫مث أمجا من ىذه األفكار ادلنحرفة‪ ،‬والتأويالت احملرفة لكتاب هللا مثال عدة‪ ،‬أرعها إذل أسباهبا‬

‫ودوافعها اليت دفعت بقائليها إذل أن يسودوا هبا صحائف تفاسَتىم‪ ،‬مث أدفا ىذه األابطيل‪ ،‬وأزيف‬

‫‪1‬‬
‫إتمام األعالم للدكتورين نزار أباظة ودمحم رياض المالح ص ‪132‬‬

‫‪4‬‬
‫ىذه السخافات واألضاليل‪ ،‬اليت تروج على بعض األغمار اجلهلة‪ ،‬وكثَتا ما خيدع هبا من أخذوا من‬
‫‪1‬‬
‫العلم نصيبا ال حيميهم من ىراء ادلبتدعة ونزغات ادلضللة‪.‬‬

‫وقبل التطرق إذل التفاسَت ادلنحرفة أرى ال بد من ذكر اختصار للمقدمة اليت أوردىا الدكتور حسن‬

‫الذىيب إذ ذكر مراحل تدرج التفسَت فجعلو يف مرحلتُت ‪ :‬مرحلة الرواية ومرحلة التدوين فقسم ىذه‬

‫األخَتة إذل أربا مراحل ‪:‬‬

‫ادلرحلة األوذل ‪ :‬كان التفسَت جزءا من أبواب احلديث ودل يفرد لو أتليف خاص‪.‬‬

‫ادلرحلة الثانية‪ :‬أصبح التفسَت علما قائما بذاتو‪ ،‬ومن أعالم ىذه ادلرحلة‪ :‬ابن ماجة(ت ‪273‬ىـ)‬

‫والطربي ( ت‪310‬ىـ)‬

‫ادلرحلة الثالثة ‪ :‬اختصار األسانيد وذكر أقوال ادلفسرين بدون سند‬

‫ادلرحلة الرابعة ‪ :‬امتدت من العصر العباسي إذل عصران احلاضر‬

‫مث ذكر العوامل اليت أدت إذل ظهور التفاسَت ادلنحرفة وجعلها يف أربا صور‪:‬‬

‫الصورة األوذل‪ :‬أن يكون ادلعٌت الذي يريد ادلفسر نفيو أو إثباتو صوااب‪ ،‬فمراعاة ذلذا ادلعٌت حيمل عليو‬

‫لفظ القرآن ما أنو ال يدل عليو‪ ،‬وال يراد منو‪ ،‬وىو ما ذلك ال ينفى ادلعٌت الظاىر ادلراد وعلى ىذا‬
‫‪2‬‬
‫يكون اخلطأ واقعا يف الدليل ال يف ادلدلول‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪ 7‬و‪8‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪12‬‬

‫‪5‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬أن يكون ادلعٌت الذي يريد ادلفسر نفيو أو اثباتو صوااب‪ ،‬فمراعاة ذلذا ادلعٌت يسلب لفظ‬

‫القرآن ما يدل عليو ويراد بو‪ ،‬وحيملو على ما يريده ىو‪ ،‬وعلى ىذا يكون اخلطأ واقعا يف الدليل ال يف‬
‫‪1‬‬
‫ادلدلول أيضا‬

‫الصورة الثالثة‪ :‬أن يكون ادلعٌت الذي يريد ادلفسر نفسو أو اثباتو خطأ‪ ،‬فمراعاة ذلذا ادلعٌت حيمل عليو‬

‫لفظ القرآن ما أنو ال يدل عليو وال يراد منو‪ ،‬وىو ما ذلك ال ينفي الظاىر ادلراد‪ ،‬وعلى ىذا يكون‬
‫‪2‬‬
‫اخلطأ واقعا يف الدليل وادلدلول معا‬

‫الصورة الرابعة‪ :‬أن يكون ادلعٌت الذي يريد ادلفسر نفيو أو اثباتو خطأ‪ ،‬فمراعاة ذلذا ادلعٌت يسلب لفظ‬

‫القرآن ما يدل عليو ويراد بو‪ ،‬وحيملو على ذلك اخلطأ دون الظاىر ادلراد‪ ،‬وعلى ىذا يكون اخلطأ يف‬
‫‪3‬‬
‫الدليل وادلدلول معا‬

‫وانتقل بذلك إذل تناول تسعة اذباىات منحرفة وىي‪:‬‬

‫‪ 1‬اذباه اإلخباريُت والقصاص‬

‫‪ 2‬اذباه أصحاب ادلذاىب النحوية‬

‫‪ 3‬اذباه من جيهل قواعد النحو‬

‫‪ 4‬اذباه ادلعتزلة‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪12‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪12‬‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪11‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ 5‬اذباه الشيعة‬

‫‪ 6‬اذباه اخلوارج‬

‫‪ 7‬اذباه الصوفية‬

‫‪ 8‬اذباه أصحاب التفسَت العلمي‬

‫‪ 9‬اذباه مدعي التجديد‬

‫املبحث الثاين‪ :‬االجتاىات املنحرفة يف التفسري من خالل كتاب الذىيب‬

‫املطلب األول‪ :‬اإلخباريني والقصاص وأصحاب النحو‬

‫اإلخباريني والقصاص‬

‫يرى الذىيب أن القرآن اشتمل على الكثَت من القصص‪ ،‬وإذا نظر الناظر إذل التوراة واالصليل فسيجد‬

‫أهنما يتضمنان القصص أيضا لكن بتفصيالت أكثر من القرآن الكرمي‪ ،‬فالقرآن إذا عرض إذل قصة ما‬

‫فإنو ينحو منحى سلالف عن التوراة واإلصليل‪ .‬فهو يقتصر على مواضا العظة وجوىر ادلوضوع وال‬

‫يتطرق إذل اجلزئيات‪ .‬خبالف التوراة واإلصليل فإهنما يذكران كل التفاصيل الدقيقة ‪.‬‬

‫كان الناس يف عهد الصحابة يستقون األخبار والقصص شلن أسلم من أىل الكتاب‪ ،‬حيث أيخذون‬

‫ما يوافق الشريعة اإلسالمية ويردون ما خيالفها‪ .‬لكن األمر تغَت يف عهد التابعُت حيث كثُرت‬

‫اإلسرائيليات ومال الناس لسماع تفاصيل أكثر عن القصص القرآنية‪ .‬وقد ظهر يف ىذا العهد مجاعة‬

‫‪7‬‬
‫من ادلفسرين أرادوا أن يسدوا ىذه الثغرات القائمة‪ ،‬فقاموا حبشو التفسَت بكثَت من القصص‬

‫ادلتناقضة والرواايت اليت ىي أقرب للخرافة‪ 1.‬ولقد استمر ىذا الشغف ابإلسرائيليات‪ ،‬والولا بنقل‬

‫األخبار اليت يعترب الكثَت منها نوعا من اخلرافة‪ ،‬حىت وجدان من كتب التفسَت على اختالف العصور‬

‫ما ىو مليء هبذا القصص على ما يف بعضو من منافاة لعصمة األنبياء‪ ،‬األمر الذي كاد يصد الناس‬

‫عن النظر يف ىذه الكتب‪ ،‬والذي جعلهم ال يثقون دبا فيها من الرواايت ولو كان صحيحا‪ .‬ولعل‬

‫أبرز من عرفناه يعٌت ابإلسرائيليات من ادلفسرين‪ :‬أبو إسحاق أمحد بن دمحم بن ابراىيم الثعليب‬

‫النيسابوري ادلتوىف سنة ‪427‬ىـ) يف كتابو " الكشف والبيان عن تفسَت القرآن" ‪ ،‬وعالء الدين أبو‬

‫احلسن علي بن دمحم بن ابراىيم بن عمر بن خليل الشيحي البغدادي ادلعروف ابخلازن ادلتوىف سنة‬
‫‪2‬‬
‫‪741‬ىـ يف كتابو " لباب التأويل يف معاين التنزيل "‬

‫‪ ‬وقد عرض لنا احلسُت الذىيب مثاال من تفسَت الثعليب لقولو تعاذل‪" :‬إذ أويت الفتية إىل‬
‫الكهف" سورة الكهف اآلية ‪. 10‬روى عن السدي ووىب بن منبو وغَتمها رواية طويلة فيها‬
‫ذكر أمساء ىؤالء الفتية واسم كلبهم‪ ،‬وفيها حوار غريب بُت الكلب والفتية حُت تبعهم‬
‫الكلب فحاولوا رده‪ ،‬وأعجب ما فيها ‪ :‬أن نبينا دمحم ملسو هيلع هللا ىلص طلب من ربو أن يريو أصحاب‬
‫الكهف فأجابو أبنو لن يراىم يف دار الدنيا‪ ،‬وأمره أن يرسل إليهم أربعة من خيار أصحابو‬
‫ليبلغوىم رسالتو‪ .‬ويروي الثعليب ىذه الرواية فيقول فيما يروي عن السدى ووىب وغَتمها‪:‬‬
‫"‪ ...‬وأمساؤىم‪(-‬يريد الفتية‪ -‬مكشلميا‪ :‬وىو كبَتىم ورئيسهم‪ ،‬وامليخا‪ :‬وىو أمجلهم‬
‫وأعبدىم وأنشطهم‪ ،‬ومكشيتا‪ ،‬ومرطوش‪ ،‬ونوانس‪ ،‬وكيد سططنوس‪ ،‬وكلبهم قطمَت‪ "...‬مث‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪ 18‬و ‪ ( 18‬بتصرف)‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪ 18‬و ‪19‬‬

‫‪8‬‬
‫قال‪ " :‬قال كعب ‪ :‬مروا بكلب فنبح‪ ،‬فطردوه مرارا‪ ،‬فقام الكلب على رجليو‪ ،‬رافعا يديو إذل‬
‫السماء كهيئة الداعي‪ ،‬فنطق فقال ‪ :‬ال زبافوا مٍت أان أحب أحباء هللا‪ ،‬فناموا حىت‬
‫أحرسكم‪ "..‬مث ذكر من قصتهم ما ذكر إذل أن قال ‪ " :‬وقيل ‪ :‬إن النيب ملسو هيلع هللا ىلص سأل هللا أن يريو‬
‫اايىم‪ ،‬فقال‪ :‬إنك لن تراىم يف دار الدنيا‪ ،‬ولكن ابعث إليهم أربعة من خيار أصحابك‬
‫ليبلغوىم رسالتك‪ ،‬ويدعوىم إذل اإلديان‪ ،‬فقال النيب ملسو هيلع هللا ىلص جلربيل‪ :‬كيف أبعثهم؟ فقال‪ :‬ابسط‬
‫كساءك‪ ،‬وأجلس على طرف من أطرافو أاب بكر‪ ،‬وعلى اآلخر عمر‪ ،‬وعلى الثالث عثمان‬
‫وعلى الرابا علي ابن أيب طالب‪ ،‬مث ادع الريح الرخاء ادلسخرة لسليمان‪ ،‬فإن هللا تعاذل أيمرىا‬
‫أن تطيعك‪ ،‬ففعل‪ ،‬فحملتهم الريح إذل ابب الكهف‪ ،‬فقلعوا منو حجرا‪ ،‬فحمل الكلب‬
‫عليهم‪ ،‬فلما رآىم حرك رأسو وبصبص بعينو‪ ،‬وأومأ برأسو ان ادخلوا فادخلوا الكهف‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬السالم عليكم ورمحة هللا وبركاتو‪ ،‬فرد هللا على الفتية أرواحهم‪ ،‬فقاموا أبمجعهم‪ ،‬وقالوا‬
‫‪ :‬وعليكم السالم ورمحة هللا وبركاتو‪ ،‬فقالوا‪ :‬معشر الفتية ‪ ...‬ان النيب ملسو هيلع هللا ىلص يقرأ عليكم السالم‬
‫فقالوا‪ :‬وعلى دمحم رسول هللا السالم مادامت السماوات واألرض‪ ،‬وعليكم ما أبلغتم‪ ،‬وقبلوا‬
‫دينو وأسلموا‪ ،‬مث قالوا‪ :‬أقرؤوا دمحما رسول هللا من السالم‪ ،‬وأخذوا مضاجعهم‪ ،‬وصاروا إذل‬
‫‪1‬‬
‫رقدهتم‪"...‬‬

‫وعقب بعد إيراده ألمثلة أخرى من تفسَتات الثعليب واخلازن أهنما دل يرىقا نفسيهما بتعقب صحة‬

‫األقوال اليت ذكروىا رغم أن الوضا والكذب فيها واضح‪ ،‬كما أضاف أن نقلهم عن اإلسرائيليات‬

‫جعل التفسَت ينحو منحى سيئ وسلالف للشريعة إذ زبطى دائرة ادلباح وأصبح نوعا من التفسَت‬

‫اخليارل ادلخًتع‪..‬‬

‫أصحاب املذاىب النحوية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪ 32‬و ‪31‬‬

‫‪9‬‬
‫يرى الذىيب أن بعض التفاسَت غلب عليها أتثر أصحاهبا دبا يربعون فيو من فنون‪ ،‬فالفقيو غلب عليو‬

‫الفقو‪ ،‬وادلؤرخ غلب عليو التاريخ‪ ،‬وكذلك صلد النحوي أتثر بنحوه‪ .‬فنجدىم يقحمون أحباثهم يف‬

‫التفسَت جملرد االستطراد ال أكثر‪ .‬ومن بينهم الزسلشري ( ت‪538‬ىـ) و ابن عطية األندلسي‬
‫‪1‬‬
‫(ت‪546‬ىـ)‬

‫‪ ‬ويورد لنا الذىيب مثاال من تفسَت الزسلشري لقولو تعاذل ‪ " :‬وكذلك زين لكثري من املشركني‬
‫قتل أوالدىم شركاؤىم " سورة األنعام اآلية ‪ ،137‬فقد فسر ىذه اآلية على قراءة حفص‬
‫اليت يقرأ فيها الفعل "زين" على البناء للفاعل الذي ىو شركاؤىم‪ ،‬وفسرىا على قراءة غَته‬
‫اليت يقرأ فيها الفعل "زين" على البناء للمفعول الذي ىو القتل ادلضاف ألوالدىم‪ ،‬ورفا "‬
‫شركاؤىم" إبضمار فعل دل عليو "زين" كأنو قيل‪ :‬من زينو؟ فقيل زينو شركاؤىم‪.‬‬
‫‪ ‬فسر الزسلشري اآلية على ىاتُت القراءتُت تفسَتا مقبوال‪ ،‬مث قال ما نصو‪ " :‬وأما قراءة ابن‬
‫عامر‪ :‬قتل أوالدىم شركائهم‪ ،‬برفا القتل‪ ،‬ونصب األوالد‪ ،‬وجر الشركاء‪ ،‬على إضافة القتل‬
‫إذل الشركاء‪ ،‬والفصل بينهما بغَت الظرف‪-‬وىو ادلفعول‪ -‬فشيء لو كان يف مكان‬
‫الضرورات‪-‬وىو الشعر‪ -‬لكان مسجا شلدودا‪ ...‬والذي محلو ‪ -‬يريد بن عامر – على ذلك‬
‫أنو رأى بعض ادلصاحف "شركائهم" مكتواب ابلياء‪ ،‬ولو قرأ جبر األوالد والشركاء – ألن‬
‫‪2‬‬
‫األوالد شركاؤىم يف أمواذلم – لوجد يف ذلك مندوحة عن ىذا االرتكاب‬
‫اجتاه من جيهلون قواعد النحو‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪ ( 39‬بتصرف )‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪ 02‬و ‪02‬‬

‫‪10‬‬
‫ديثل ىذا االذباه فئة شلن فسروا القرآن الكرمي تفسَتا منحرفا جلهلهم بقواعد اللغة العربية وأصوذلا ‪.‬‬

‫ويذكر الذىيب أنو دل يقف عند مؤلفاهتم ‪ ،‬بل أخذ من بعض ادلفسرين الذين نقلوا عنهم ومنهم‪ :‬ابن‬

‫قتيبة ‪.‬‬

‫‪ ‬نقل ابن قتيبة عن بعض ادلعتزلة يف تفسَت قولو تعاذل‪ " :‬وسع كرسيو السماوات واألرض "‬
‫البقرة ‪ 255‬أن معناه‪ :‬وسا علمو وأنو ساق على ذلك شاىدا ال يعرف وىو قول الشاعر‪" :‬‬
‫وال يكرسئ علم هللا سللوق "‪ .‬وقال ‪" :‬كأنو عندىم‪ :‬وال يعلم علم هللا سللوق‪ ،‬والكرسي غَت‬
‫مهموز‪ ،‬ويكرسئ مهموز" مث بُت ابن قتيبة أن الذي دفعهم إذل ىذا االذباه يف فهم اللفظ‬
‫واخلروج بو عن معناه‪ ،‬أهنم يستوحشون أن جيعلوا هلل تعاذل كرسيا أو سريرا‪ ،‬وجيعلون العرش‬
‫شيئا آخر‪ ،‬مث دفا ىذا أبن العرب ال تعرف من العرش إال السرير وما عرش من السقف‬
‫واآلابر‪ ...‬وساق على ذلك األدلة من القرآن والشعر العريب القدمي‪.‬‬
‫‪ ‬وشلا نقلو ابن قتيبة أيضا أن بعض ادلعتزلة يف تفسَت قولو تعاذل ‪ " :‬وعصى آدم ربو فغوى"‬
‫طو ‪ 121‬أن معٌت غوى‪ :‬أزبم من أكل الشجرة‪ 1.‬كما رد عليهم يف تفسَتىم لكلمة‬
‫"غوى" وأبطلو ابالحتكام إذل قواعد اللغة العربية فقال‪ :‬أهنم ذىبوا إذل قول العرب‪" :‬غوى‬
‫غوى"‪ ،‬إذ أكثر من شرب اللنب حىت يبشم‪ ،‬وذلك غوى يغواي غياً‪ .‬وىو من‬
‫الفصيل يغوي ً‬
‫‪2‬‬
‫غوى‬
‫البشم غوى يغوى ً‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التفسري املنحرف للفرق‬

‫املعتزلة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪00‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪04‬‬

‫‪11‬‬
‫يقول دمحم أبو زىرة يف وقت ظهور ىذه الفرقة ‪ :‬نشأت ىذه الفرقة يف العصر األموي‪ ،‬ولكنها شغلت‬

‫الفكر اإلسالمي يف العصر العباسي ردحا طويال من الزمن‪ .‬واختلف العلماء يف وقت ظهورىا‪،‬‬

‫فبعضهم يرى أهنا ابتدأت يف قوم من أصحاب علي هنع هللا يضر اعتزلوا السياسة وانصرفوا إذل العقائد عندما‬

‫نزل احلسن عن اخلالفة دلعاوية بن أيب سفيان‪ ،‬وىم مسوا أنفسهم معتزلة‪ .‬وذلك عندما ابيا احلسن بن‬

‫علي عليو السالم معاوية ومجيا الناس‪ .‬ولزموا منازذلم ومساجدىم‪ ،‬وقالوا نشتغل ابلعلم والعبادة‪.‬‬

‫واألكثرون على رأس ادلعتزلة ىو واصل بن عطاء‪ ،‬وقد كان شلن حيضرون رللس احلسن البصري‬

‫العلمي‪ .‬فثارت تلك ادلسألة اليت شغلت األذىان يف ذلك العصر وىي مسألة مرتكب الكبَتة‪ ،‬فقال‬

‫واصل سلالفا احلسن‪ :‬أان أقول أن صاحب الكبَتة ليس دبؤمن إبطالق‪ ،‬وال ىو كافر إبطالق‪ ،‬بل ىو‬
‫‪1‬‬
‫يف منزلة بُت ادلنزلتُت‪ ،‬مث اعتزل رللس احلسن‪ ،‬وازبذ لو رللسا آخر يف ادلسجد‬

‫وقد بٌت ادلعتزلة عقيدهتم على أصول مخسة " التوحيد " " العدل" "الوعد والوعيد" " ادلنزلة بُت‬

‫ادلنزلتُت" " األمر ابدلعروف والنهي عن ادلنكر" وفسروا القرآن الكرمي وأولوه أتويال يوافق ىذه‬

‫األصول‪.‬‬

‫‪ ‬مثال ذلك تفسَتىم لقولو تعاذل‪" :‬وجوه يومئذ انضرة إىل رهبا انظرة" القيامة ‪ 22‬و ‪ 23‬دبا‬
‫يتماشى ما مذىبهم الذي ينفي جواز رؤية هللا تعاذل‪ ،‬فقالوا ‪ " .‬اعلم أبن أصحابنا قد‬
‫اعتمدوا يف إبطال ما ظنو أصحاب الرؤية يف قولو تعاذل ‪" :‬وجوه يومئذ انضرة إىل رهبا‬
‫انظرة" على وجوه معروفة‪ ،‬ألهنم بينوا أن النظر ليس يفيد الرؤية وال الرؤية من أحد احتماالتو‬
‫ودللوا على أن النظر ينقسم إذل أقسام كثَتة‪ ،‬منها‪ :‬تقليب احلدقة الصحيحة يف جهة ادلرء‬

‫‪1‬‬
‫تاريخ المذاهب اإلسالمية ألبو زهرة ص ‪228‬‬

‫‪12‬‬
‫طلبا للرؤية‪ .‬ومنها‪ :‬النظر وىو االنتظار‪ .‬ومنها‪ :‬النظر الذي ىو التعطف وادلرمحة‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫النظر الذي ىو الفكر والتأمل‪ .‬وقالوا‪ :‬إذا دل يكن يف أقسام النظر الرؤية دل يكن للقوم‬
‫بظاىرىا تعلق‪ ،‬واحتجنا مجيعا إذل طلب أتويل اآلية من جهة غَت الرؤية‪ .‬وأتوذلا بعضهم‬
‫على االنتظار للثواب وإن كان ادلنتظر يف احلقيقة زلذوفا‪ ،‬وادلنتظر منو مذكورا على عادة‬
‫‪1‬‬
‫للعرب معروفة‪.‬‬
‫‪ ‬وذىب الزسلشري وىو من رؤوس ادلعتزلة يف تفسَته إذل أن النظر يف اآلية معناه التوقا‬
‫والرجاء‪ ،‬فهو من قبيل قول الناس‪ :‬أان إذل فالن انظر ما يصنا يب‪ ،‬تريد معٌت التوقا والرجاء‪،‬‬
‫قال‪ :‬ومنو قول القائل‪:‬‬

‫والبحر دونك زدتٍت نعما‬ ‫وإذا نظرت اليك من ملك‬

‫وعلى ىذا فمعٌت اآلية‪ -‬كما يقول – أهنم ال يتوقعون النعمة والكرامة إال من رهبم‪ ،‬كما كانوا يف‬
‫‪2‬‬
‫الدنيا ال خيشون وال يرجون إال إايه‬

‫وقد عقب الذىيب على تفسَت ادلعتزلة فقال‪ " :‬والناظر إذل أتويالت ادلعتزلة ذلذه اآلية يرى أهنم قد‬

‫صرفوا لفظ " انظرة" عن احتمال أن يراد بو رؤية العُت‪ ،‬أو أهنم أبقوه على احتمال معٌت الرؤية‬

‫ابلعُت‪ ،‬ولكنهم استعملوا مهاراهتم اللغوية فصرفوا لفظ" إذل" عن احلرفية إذل اإلمسية‪ ،‬وكل ىذه‬

‫احملاوالت غَت سليمة‪ ،‬فإن أتويل النظر دبعٌت االنتظار مدفوع أبنو هبذا ادلعٌت ال يتعدى ب"إذل"‪ ،‬بل‬

‫يتعدى " بنفسو'‪ ،‬وأبنو ال يسند إذل الوجو‪ ،‬فال يقال‪ :‬وجو فالن منتظر‪ .‬ومحلو على توقا النعمة‬

‫والكرامة من هللا تكلف ظاىر‪ ،‬وىو يؤدي إذل معٌت االنتظار‪ ،‬واالنتظار ال يساعده ادلقام ألنو ال‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪08‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪09‬‬

‫‪13‬‬
‫نعمة فيو كما يقول اآللوسي‪ .‬وصرف "إذل" عن احلرفية إذل اإلمسية تكلف ظاىر‪ ،‬وفيو من البعد ما‬

‫فيو‪ ...‬مث إن آايت الرؤية يف مواضعها وسياقاهتا‪ ،‬ال يفهم منها إال ادلراد الرؤية البصرية‪ ،‬ما تنزيو هللا‬
‫‪1‬‬
‫عما ال يليق جباللو من االحاطة بو وكونو يف مكان‪ ...‬وغَت ذلك شلا يفضي إذل التشبيو‪.‬‬

‫الشيعة‪:‬‬

‫يعرف الشهرستاين ىذه الفرقة بقولو ‪ :‬الشيعة ىم الذين شايعوا عليا هنع هللا يضر على اخلصوص‪ .‬وقالوا‬

‫إبمامتو وخالفتو نصا ووصية‪ ،‬إما جليا‪ ،‬وإما خفيا‪ .‬واعتقدوا أن اإلمامة ال زبرج من أوالده‪ ،‬وإن‬

‫خرجت فبظلم يكون من غَته‪ ،‬أو بتقية من عنده‪ .‬وقالوا‪ :‬ليست اإلمامة قضية مصلحية تناط‬

‫ابختيار العامة وينتصب اإلمام بنصبهم‪ ،‬بل ىي قضية أصولية‪ ،‬وىي ركن الدين‪ ،‬ال جيوز للرسل‬

‫عليهم السالم إغفالو وإمهالو‪ ،‬وال تفويضو إذل العامة وإرسالو‪.‬‬

‫وجيمعهم القول بوجوب التعيُت والتنصيص‪ ،‬وثبوت عصمة األنبياء واألئمة وجواب عن الكبائر‬

‫والصغائر‪ .‬والقول ابلتورل والتربي قوال‪ ،‬وفعال‪ ،‬وعقدا‪ ،‬إال يف حال التقية وخيالفهم بعض الزيدية يف‬
‫‪2‬‬
‫ذلك‪ ،‬وذلم يف تعدية اإلمام كالم وخالف كثَت‪ .‬وعند كل تعدية وتوقف‪ :‬مقالة‪ ،‬ومذىب‪ ،‬وخبط‬

‫لقد انقسم الشيعة يف إعطاء علي هنع هللا يضر األولوية يف الوالية إذل قسمُت‪ :‬فمنهم من اعتدل وقال على‬

‫وجوب تعيينو وليا وأنو أفضل من ابقي الصحابة‪ ،‬ومنهم من غاذل غلوا شديدا وجعلو يف مرتبة‬

‫األلوىية‪ .‬ولعل من بُت الفرق الشيعية اليت ضلت ىذا ادلنحى وحاولت جبهد عظيم أن تبحث يف‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪42‬‬
‫‪2‬‬
‫الملل والنحل للشهرستاني ج‪ 2/‬ص ‪201‬‬

‫‪14‬‬
‫القرآن الكرمي ما يعزز قوذلا ىم اإلثٍت عشرية‪ .‬قال الذىيب ‪ " :‬وىم الذين يقولون أبن النيب صلى هللا‬

‫عليو وسلم نص على إمامة علي من بعده وأن اإلمامة انتقلت من علي إذل ابنو احلسن ابلوصية من‬

‫أبيو‪ ،‬مث إذل احلسُت‪ ،‬مث إذل ابنو على زين العابدين‪...‬مث إذل ابنو دمحم ادلهدي ادلنتظر‪ ،‬وىو اإلمام الثاين‬

‫عشر‪ ،‬ويزعمون أنو دخل سردااب يف دار أبيو بسر من رأى وأنو سيخرج يف آخر الزمان ليمأل الدنيا‬

‫عدال وأمنا‪ ،‬كما ملئت ظلما وخوفا‪ .‬وىؤالء جاوزوا احلد يف تقديسهم لألئمة‪ ،‬فزعموا أن اإلمام لو‬
‫‪1‬‬
‫صلة روحية ابهلل كصلة األنبياء‬

‫‪ ‬وقد ذكر الذىيب أمثلة من تفسَتىم يبُت من خالذلا مدى اضلرافهم وغلوىم‪ ،‬منها ما ذكره‬
‫السيد عبد هللا العلوي يف كتابو "تفسَت القرآن" حيث فسر قولو تعاذل‪ " :‬إمنا وليكم هللا‬
‫ورسولو والذين آمنوا الذين يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وىم راكعون" ادلائدة ‪ 55‬يقول‬
‫ما نصو‪ ":‬يذكر أهنا نزلت يف علي عليو السالم حُت سألو وىو راكا يف صالتو‪ ،‬فأومأ إليو‬
‫خبنصره فأخذ خاسبو منها"‪ ..‬مث يقول " وتدل – يعٍت اآلية – على إمامتو دون سواه‪،‬‬
‫للحصر‪ ،‬وعدم اتصاف غَته هبذه الصفات‪ ،‬وعرب عنو بصيغة اجلما تعظيما‪ ،‬أو لدخول‬
‫‪2‬‬
‫أوالده الطاىرين"‬
‫‪ ‬كما جاء دبثال آخر عن ما ذكره ادلوذل عبد اللطيف الكازراين يف " مرآة األنوار ومشكاة‬
‫األسرار " عن احلجة القائم أنو سئل عن أتويل "كهيعص" فقال‪ :‬أن ىذه احلروف من أنباء‬
‫الغيب‪ ،‬أطلا هللا عليها عبده زكراي‪ ،‬مث فصلها على دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وذلك أن زكراي سأل ربو أن‬
‫يعلمو أمساء اخلمسة‪ ،‬فأىبط هللا عليو جربيل عليو السالم فعلمو إايىا‪ ،‬فكان زكراي إذا ذكر‬
‫دمحما وعليا وفاطمة واحلسن‪ ،‬سرى عنو مهو‪ ،‬واصللى كربو‪ ،‬وإذا ذكر احلسُت خنقتو العربة‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫انظر االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪40‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪41‬‬

‫‪15‬‬
‫ووقعت عليو البهرة‪ ،‬فقال ذات يوم‪ :‬اذلي‪ ...‬ما ابرل إذا ذكرت أربعا منهم تسليت أبمسائهم‬
‫عن مهومي؟ وإذا ذكرت احلسُت تدما عيٍت وتثور زفريت؟ فأنبأه تعاذل عن قصتو‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫كهيعص‪ ،‬فالكاف‪ :‬اسم كربالء‪ ،‬واذلاء‪ :‬ىالك العًتة‪ ،‬والياء‪ :‬يزيد لعنو هللا وىو ظادل احلسُت‪،‬‬
‫والعُت‪ :‬عطشو‪ ،‬والصاد‪ :‬صربه‪ ،‬فلما مسا بذلك زكراي‪ ،‬دل يفارق مسده ثالثة أايم‪ ،‬ومنا فيها‬
‫‪1‬‬
‫الناس من الدخول عليو‪"...‬‬

‫ويعقب الذىيب قائال‪" :‬وبدىي أن ىذا االذباه يف تفسَت ما سبق من اآلايت إمنا دفا قائليو إليو‬

‫ما يعتقدون يف اإلمامة واألئمة‪ .‬ولسنا حباجة إذل اإلطالة يف إبطال ىذا االذباه‪ ،‬بعد ما أثبت لنا‬

‫علماء احلديث ونقاده أن كل الرواايت يف والية علي ليس ذلا أساس من الصحة‪ ،‬وأهنا من وضا‬
‫‪2‬‬
‫الشيعة أنفسهم لَتوجوا هبا مذىبهم يف اإلمامة واألئمة"‪.‬‬

‫اخلوارج‪:‬‬

‫يقول أبو زىرة يف كتابو اتريخ ادلذاىب اإلسالمية ‪ :‬أن ىذه الفرقة أشد الفرق اإلسالمية دفاعا عن‬

‫مذىبها‪ ،‬ومحاسة آلرائها‪ ،‬وأشد الفرق تدينا يف مجلتها وأشدىا هتورا واندفاعا‪ ،‬وىم يف اندفاعهم‬

‫وهتورىم مستمسكون أبلفاظ قد أخذوا بظواىرىا وظنوا ىذه الظواىر دينا مقدسا‪ ،‬ال حييد عنو مؤمن‪،‬‬

‫وقد اسًتعت ألباهبم كلمة " ال حكم إال هلل " فازبذوىا دينا ينادون بو فكانوا كلما رأوا عليا يتكلم‬
‫‪3‬‬
‫وقد أمجعوا كلمتهم على مبادئ من بينها‪ :‬تكفَت علي ومعاوية وعثمان وكل‬ ‫قذفوه هبذه الكلمة‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪11‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪48‬‬
‫‪3‬‬
‫تاريخ المذاهب اإلسالمية ألبي زهرة ص ‪41‬‬

‫‪16‬‬
‫من قبل ابلتحكيم واخلروج أئمة اجلور‪ ،‬وتكفَت مرتكب الكبَتة‪ .‬فسعوا بكل جهد إذل تفسَت القرآن‬

‫دبا يتبٌت أصوذلم وعقيدهتم‪ ،‬فنجدىم قد غلب عليهم سلطان العقل يف فهمهم آلايت هللا تعاذل‪.‬‬

‫فمثال نرى أكثر اخلوارج جيمعون على أن مرتكب الكبَتة كافر وسللد يف انر جهنم‪ .‬ونقرأ يف الكتب‬

‫اليت تكلمت عن اخلوارج فنجد ابن أيب احلديد – وىو شلن تعرض ذلم يف كتابو "شرح هنج البالغة" –‬

‫يسوق لنا أدلتهم اليت أخذوىا من القرآن‪ ،‬وبنوا عليها رأيهم يف مرتكب الكبَتة‪ ،‬وكان شلا ذكره من‬

‫ىذه األدلة قولو تعاذل يف اآلية ‪ 97‬من سورة آل عمران‪ " :‬وهلل على الناس حج البيت من استطاع‬
‫‪1‬‬
‫إليو سبيال‪ ،‬ومن كفر فإن هللا غين عن العاملني" قالوا‪ :‬فجعل اترك احلج كافرا‪.‬‬

‫‪ ‬ويف كتاب " ىيمان الزاد" أيضا‪ ،‬صلد ادلؤلف عندما يعرض لقولو تعاذل يف اآلية‪ 81‬من سورة‬
‫البقرة ‪ " :‬بلى من كسب سيئة وأحاطت بو خطيئتو فأولئك أصحاب النار ىم فيها‬
‫خالدون" يقول ما نصو‪" :‬سيئة‪ :‬خصلة قبيحة‪ ،‬وىي الذنب الكبَت سواء أكان نفاقا أو‬
‫‪2‬‬
‫إشراكا‪ .‬ومن الذنوب الكبَتة اإلصرار‪ ،‬فإنو نفسو كبَتة سواء أكان على الصغَتة أو الكبَتة‪.‬‬

‫وعقب الذىيب على تفسَت أطفيش بقولو‪ :‬وليس خيفى أن الذي دعاه إذل ىذا الفهم ادلنحرف يف‬

‫اآلية إمنا ىو مذىبو يف أن مرتكب الكبَتة سللد يف النار‪ .‬ويكفي يف الرد على ىذا ادلذىب ما صح‬

‫عند البخاري وغَته من حديث أيب سعيد اخلدري‪ ،‬عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنو قال‪ " :‬يدخل أىل اجلنة اجلنة‪،‬‬

‫وأىل النار النار‪ ،‬مث يقول هللا تعاذل‪ :‬أخرجوا من كان يف قلبو مثقال حبة من خردل من إديان‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪ 10‬و ‪14‬‬
‫‪2‬‬
‫انظر االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪17‬‬

‫‪17‬‬
‫فيخرجون منها قد اسودوا‪ ،‬فيلقون يف هنر احلياة فينبتون كما تنبت احلبة يف جانب السيل‪ ،‬أدل تر أهنا‬
‫‪1‬‬
‫زبرج صفراء ملتوية؟ "‬

‫الصوفية‪:‬‬

‫ٍ‬
‫كنزعات فردية تدعو إذل‬ ‫التصوف حركة دينية انتشرت يف العادل اإلسالمي يف القرن الثالث اذلجري‬
‫ُّ‬

‫الزىد وشدة العبادة كرد فعل مضاد لالنغماس يف الًتف احلضاري‪ .‬مث تطورت تلك النزعات بعد‬

‫ويتوخى ادلتصوفة تربية النفس والسمو هبا بغية‬


‫ذلك حىت صارت طرق شليزة معروفة ابسم الصوفية‪ّ ،‬‬
‫الوصول إذل معرفة هللا تعاذل ابلكشف وادلشاىدة ال عن طريق إتباع الوسائل الشرعية‪ ،‬ولذا جنحوا يف‬
‫‪2‬‬
‫ادلسار حىت تداخلت طريقتهم ما الفلسفات الوثنية ‪ :‬اذلندية والفارسية واليواننية ادلختلفة‬

‫يقول الذىيب‪ :‬ولقد كان لبعض ادلتصوفة صالت قوية ابلفالسفة‪ ،‬واىتمام ظاىر ابلنظرايت الفلسفية‪،‬‬

‫حىت وجدان من بينهم رجاال أشبو ابلفالسفة منهم ابلصوفية‪ ،‬وأصبحنا نرى بعضهم يدين بنظرايت‬

‫فلسفية ال تتفق ومبادئ الشريعة‪ ،‬ومن ىنا كان للمتصوفة يف تصوفهم اذباىان‪ :‬اذباه نظري يقوم على‬
‫‪3‬‬
‫البحث والدراسة‪ .‬واذباه عملي يقوم على التقشف والزىد والتفاين يف إطاعة هللا‬

‫‪ ‬ومن أمثلة التفسَت الصويف النظري ‪ :‬تفسَت ابن عريب لقولو تعاذل‪ " :‬واذكر اسم ربك وتبتل‬
‫إليو تبتيال رب املشرق واملغرب" ادلزمل ‪ 8‬و ‪ ، 9‬قال ما نصو‪ " :‬واذكر ربك الذي ىو‬
‫أنت‪ ،‬أي اعرف نفسك واذكرىا وال تنسها فينسك هللا‪ ،‬واجتهد لتحصيل كماذلا بعد معرفة‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪18‬‬
‫‪2‬‬
‫الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب واألحزاب المعاصرة ج‪ 2/‬ص ‪109‬‬
‫‪3‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن للذهبي ص ‪72‬‬

‫‪18‬‬
‫حقيقتها‪ "...‬رب ادلشرق وادلغرب" أي الذي ظهر عليك نوره فطلا من أفق وجودك‬
‫‪1‬‬
‫إبجيادك‪ ،‬وادلغرب‪ :‬الذي اختفى بوجودك وغرب نوره فيك واحتجب بك"‬

‫وعقب الذىيب على تفسَت ابن عريب قائال‪ " :‬وليس من شك يف أن التفسَت الذي أقامو ابن عريب‬
‫‪2‬‬
‫على نظرية وحدة الوجود ال يقبل حبال من األحوال‪ ،‬ألنو ىدم للدين من أساسو"‬

‫‪ ‬أما االذباه االشاري أو الفيضي فمن أمثلتو ما قالو سهل التسًتي يف تفسَته لقولو تعاذل‪:‬‬
‫"فال جتعلوا هلل أندادا وأنتم تعلمون" قال رمحو هللا ‪" :‬فال ذبعلوا هلل أندادا"‪ :‬أي أضدادا‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فأكرب األضداد‪ ،‬النفس األمارة ابلسوء‪ ،‬ادلتطلعة إذل حظوظها ومناىا بغَت ىدى من هللا"‬
‫‪ ‬ومن التفاسَت اليت يقف فيها العقل حائرا ما ذكره أبو عبد الرمحان السلمي يف تفسَته‪" :‬أمل"‬
‫فاربة البقرة‪ .‬قال‪" :‬أدل‪ :‬قيل‪ :‬إن األلف ألف الوحدانية‪ .‬والالم‪ :‬الم اللطف‪ .‬وادليم‪ :‬ميم‬
‫ادللك‪ .‬معناه‪ :‬من وجدين على احلقيقة‪ ،‬إبسقاط العالئق واألغراض تلطفت لو‪...‬فأخرجتو‬
‫من رق العبودية إذل ادلأل األعلى‪ ،‬وىو االتصال دبالك ادلبك‪ ،‬دون االشتغال بشيء من‬
‫ادللك‪...‬وقيل‪ :‬أدل‪ :‬معٌت األلف‪ :‬أي افرد سرك‪ ،‬والالم‪ :‬ليت جوارحك لعباديت‪ .‬وادليم‪ :‬أقم‬
‫‪4‬‬
‫معي دبحو رسومك وصفاتك‪ ،‬أزينك بصفات األنس يب وادلشاىدة إايي والقرب مٍت‪...‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬أصحاب التفسري العلمي ومدعي التجديد‬

‫أصحاب التفسَت العلمي‪:‬‬

‫يذكر اإلمام الذىيب أن العلماء قدديا وحديثا ربدثوا عن تفسَت القرآن ابعتباره حوى مجيا علوم‬

‫الكون‪ ،‬إذ ديكن استخراج واستنباط ىذه العلوم بشىت أنواعها‪ .‬ومن أبرز من اذبو ىذا االذباه اإلمام‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪70‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪74‬‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪78‬‬
‫‪4‬‬
‫المصدر نفسه ار ص ‪82‬‬

‫‪19‬‬
‫الغزارل إذ "يعقد يف كتابو "اإلحياء" الباب الرابا من أبواب آداب تالوة القرآن يف فهم القرآن وتفسَته‬

‫ابلرأي من غَت نقل‪ ،‬وفيو ينقل عن بعض العلماء‪ " :‬أن القرآن حيوي سبعة وسبعُت ألف علم ومائيت‬
‫‪1‬‬
‫علم‪ ،‬إذ كل كلمة‪ ،‬مث يتضاعف ذلك أربعة أضعاف‪ ،‬إذ لكل كلمة ظاىر وابطن‪ ،‬وحد ومطلا""‬

‫ويرى أن النزعة العلمية التفسَتية امتدت من عهد النهضة إذل عصران احلارل‪ ،‬وقد بدأت على ىيئة‬

‫زلاوالت يقصد منها التوفيق بُت القرآن وما وجد من العلوم‪ ،‬مث وجدت الفكرة مركزة وصرحية على‬

‫لسان الغزارل ومن سلك مسلكو من العلماء‪ .‬وراجت بعد ذلك حىت وصلت إذل العصر احلاضر‬

‫فنتجت عنها مؤلفات كثَتة ‪.‬إال أن من العلماء قدديا وحديثا من عارض ىذا التفسَت ومن بينهم‬

‫اإلمام الشاطيب فقال يف ادلوافقات‪" :2‬إن كثَتا من الناس ذباوزوا يف الدعوى على القرآن احلد فأضافوا‬

‫إليو كل علم يذكر للمتقدمُت وادلتأخرين"‪ 3‬ويقول‪..." :‬إن السلف الصاحل من الصحابة والتابعُت‬

‫ومن يليهم كانوا أعرف ابلقرآن وبعلومو وما أودع فيو‪ ،‬ودل يبلغنا أنو تكلم يف شيء من ىذا‬

‫ادلدعى‪...‬ولو كان ذلم يف ذلك خوض ونظر لبلغنا منو ما يدلنا على أصل ادلسألة إال أن ذلك على‬
‫‪4‬‬
‫أنو غَت موجود عندىم‪ ،‬وذلك دليل على أن القرآن دل يقصد فيو تقرير لشيء شلا زعموا‪"...‬‬

‫‪ ‬ومن أمثلة التفسَت العلمي الذي ورد عن ادلتقدمُت ما ذكره اجلالل السيوطي عن أيب الفضل‬
‫ادلرسي من أن علم اذلندسة موجود يف قولو تعاذل يف اآلية‪ 30 :‬من سورة ادلرسالت‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪83‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪ 80‬و‪( 84‬بتصرف)‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪84‬‬
‫‪4‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪84‬‬

‫‪20‬‬
‫"انطلقوا إىل ظل ذي ثالث شعب" قال‪ :‬فإن فيو قاعدة ىندسية‪ ،‬وىي أن الشكل ادلثلث‬
‫‪1‬‬
‫ال ظل لو‪.‬‬
‫‪ ‬وأما تفسَت ادلتأخرين ما قالو ادلرحوم الدكتور عبد العزيز إمساعيل يف كتابو " االسالم والطب‬
‫احلديث" عندما عرض لقولو تعاذل يف اآلية ‪ 22‬من سورة البقرة‪" :‬وأنزل من السماء ماء‬
‫فأخرج بو من الثمرات زرقا لكم" ربت عنوان "احلياة ربت ضوء القرآن" وفيو يقول‪..." :‬‬
‫ىذه اآلية الكردية معناىا – وهللا أعلم – (أتمل قولو معناىا ) أن اللحوم واألمساك‬
‫واأللبان‪...‬إخل أفضل يف التغذية من البقول والقمح والذرة‪ ،‬وليست األفضلية يف مقدار ادلواد‬
‫الزاللية الضرورية للجسم يف كل نوع‪ ،‬ألن ىذا جيب أن ال يكون سببا مهما لألفضلية‪"...‬مث‬
‫يعقد مقارنة بُت بعض األغذية وما فيها من نسبة ادلواد الزاللية‪ ،‬مث يقول " وقد اىتدت أخَتا‬
‫جلنة األحباث إبصللًتا إذل أن قيمة ادلواد الزاللية ادلكونة لألنسجة من أن ربًتق‪ ،‬ورأوا أن‬
‫‪2‬‬
‫اللحوم ابلنسبة للمواد الزاللية ونوعها ذلا قيمة أكثر من اللنب والذرة‪.‬‬

‫مث يعقب الذىيب على ىذا التفسَت بقولو أنو اضلرف وخرج عن مقصود القرآن الكرمي‪ ،‬إذ القرآن دل‬

‫ينزل على دمحم صلى هللا عليم وسلم ليكون مصدرا للطب والفلك وقوانُت الكيمياء وغَتىا بل ىو‬

‫كتاب ىداية ونور جاء مشتمال على األصول العامة اليت ينبغي لإلنسان معرفتها حىت يبلغ درجة‬

‫الكمال جسدا وروحا‪ .‬وإذا كان أرابب ىذا االذباه قد استندوا إذل ما تناولتو بعض اآلايت من‬

‫حقائق الكون وأن القرآن قد مجا علوم األولُت واآلخرين فهم سلطئون ال زلالة‪ ،‬وذلك ألن تناول‬
‫‪3‬‬
‫القرآن حلقائق الكون ما ىو إال توجيو الناس للتدبر يف عظمة هللا وقدرتو‬

‫مدعي التجديد‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪81‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪88‬‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪( 92‬بتصرف)‬

‫‪21‬‬
‫ويتمثل ىذا االذباه يف األشخاص الذين يكنون حقدا على اإلسالم ويريدون الكيد بو وأبىلو‪ ،‬فأولوا‬

‫القرآن دبا يوافق ىواىم وحاجياهتم العامة‪ ،‬وأدخلوا بو تفاسَت غَت منطقية وآراء سخيفة‪ .‬يقول الذىيب‪:‬‬

‫"ولقد اندفا ىؤالء النفر من ادلضللة إذل ما ذىبوا إليو من أفهام زائفة يف القرآن بعوامل سلتلفة‪ :‬فمنهم‬

‫من حسب أن التجديد ولو بتحريف كتاب هللا تعاذل سبب لظهوره وشهرتو يف احمليط العلمي‪،‬‬

‫فذىب يفسر كتاب هللا تفسَتا ال تقره لغة القرآن وال يتفق ما قواعد الدين عامة‪ ،‬ومنهم من تلقى‬

‫من العلم حظا يسَتا ال يرقى بو إذل مستوى العلماء‪...‬ولكنو اغًت دبا لديو فحسب أنو بلغ مبلغ‬

‫الراسخُت يف العلم‪ ،‬ونسى أنو قل يف علم اللغة نصيبو‪ ،‬وخف يف علم الشريعة وزنو‪ ،‬فراح ينظر يف‬

‫كتاب هللا نظرة حرة ال تتقيد أبي أصل من أصول التفسَت‪ ،‬مث أخذ يهذي أبفكار فاسدة تتناىف ما‬

‫ما قرره علماء اللغة وأئمة الدين‪ ،‬وألول نظرة يتضح دلن يطلا عليها أهنا ال تقوم على حجة وال‬
‫‪1‬‬
‫ترتكز على دليل‪.‬‬

‫‪ ‬ومن أمثلة ىذا التفسَت‪ :‬ما جاء يف كتاب "اذلداية والعرفان يف تفسَت القرآن ابلقرآن" للشيخ‬
‫أيب زيد الدمنهوري‪ ،‬وقد أحدث ىذا الكتاب ضجة كربى يف احمليط العلمي‪ ،‬وثورة ساخطة‬
‫من شيوخ األزىر الشريف على مؤلفو‪ ،‬وانتهى األمر دبصادرة الكتاب واحلكم على صاحبو‬
‫ابلزيغ والضالل‪ .‬ومن أمثلة ما جاء يف ىذا التفسَت ما يلي‪ :‬عندما تعرض لقولو تعاذل يف‬
‫اآلية ‪ 49‬من سورة آل عمران‪ ،‬يف شأن عيسى عليو السالم‪ ..." :‬أين قد جئتكم آبية من‬
‫ربكم‪ ،‬أين أخلق لكم من الطني كهيئة الطري فأنفخ فيو فيكون طريا إبذن هللا‪ ،‬وأبرئ‬
‫األكمو واألبرص وأحيي املوتى إبذن هللا‪ ،‬وأنبئكم مبا أتكلون وما تدخرون يف بيوتكم‪ ،‬إن‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪90‬‬

‫‪22‬‬
‫يف ذلك آلية لكم إن كنتم مؤمنني" صلده يقول ما نصو‪ " :‬كهيئة الطَت " يفيدك التمثيل‬
‫إلخراج الناس من ثقل اجلهالة وظلماهتا إذل خفة العلم ونوره ‪" :‬األكمو" من ليس عنده نظر‪:‬‬
‫"األبرص" ادلتلون دبا يشوه الفطرة‪ ،‬فهل عيسى يربئ ىذا دبعٌت أنو يكمل التكوين اجلسماين‬
‫ابألعمال الطيبة؟ أم دبعٌت أنو يكمل التكوين الروحي والفكري‪ .‬ابذلداية الدينية؟ ‪":‬يف‬
‫‪1‬‬
‫بيوتكم" يعلمكم التدبَت ادلنزرل‪.‬‬
‫‪ ‬وعندما عرض لقولو تعاذل يف اآلية ‪ 79‬من سورة األنبياء‪..." :‬وسخران مع داوود اجلبال‬
‫يسبحن والطري‪ ،‬وكنا فاعلني" يقول ما نصو‪" :‬يسبحن" يعرب عما تظهره اجلبال من ادلعادن‬
‫اليت كان يسخرىا داوود يف صناعتو احلربية‪" ،‬والطَت"‪ :‬يطلق على كل ذي جناح‪ ،‬وكل سريا‬
‫‪2‬‬
‫السَت من اخليل والقطارات البخارية والطيارات اذلوائية"‬

‫‪1‬‬
‫االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم للذهبي ص ‪ 97‬و ‪98‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪ 98‬و ‪99‬‬

‫‪23‬‬
‫خامتة‪:‬‬

‫استطاع اإلمام الذىيب بشخصيتو الفريدة وعلمو اجلليل أن يبُت لنا من خالل كتابو مدى االضلراف‬

‫الشديد لالذباىات ادلختلفة ‪ .‬حيث بُت على أن ىذه التفاسَت ترجا ابألساس إذل األصول‬

‫وادلعتقدات اليت كانت تؤمن هبا ىذه االذباىات‪ ،‬إذ بذلوا كل ما يف وسعهم لنصرة مذاىبهم‬

‫ومبادئهم‪ ،‬األمر الذي جعلهم يقحمون أتويالت ومفاىيم غَت منطقية ‪ .‬ابإلضافة إذل أنو عقب‬

‫عليهم ورد أقواذلم اليت زبالف الشريعة‪ .‬ومن بُت النتائج اليت توصلت ذلا يف ىذا العرض‪:‬‬

‫‪ ‬أن االخباريُت والقصاص حشوا تفاسَتىم إبسرائيليات موضوعة ‪.‬‬


‫‪ ‬أن ادلذاىب النحوية أتثروا ابلنحو حىت غلب عليهم يف تفسَتىم‪ ،‬وفسروا القرآن تفسَتا‬
‫ابطال‪.‬‬
‫‪ ‬اذبهت الفرق يف تفسَت القرآن الكرمي اذباىا منحرفا من أجل خدمة أىواءىا وعقائدىا‪.‬‬
‫‪ ‬تطفل على التفسَت من ال ديت للغة العربية بصلة شلا أدى إذل صعوبة الفهم وابلتارل أتليف‬
‫تفسَت منحرف‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الئحة املصادر واملراجع‪:‬‬

‫‪ ‬القرآن الكرمي‬
‫‪ ‬االذباىات ادلنحرفة يف تفسَت القرآن الكرمي حملمد حسُت الذىيب الطبعة الثالثة ‪1406‬ىـ ‪-‬‬
‫‪1986‬م الناشر مكتبة وىبة‪.‬‬
‫‪ ‬اتريخ ادلذاىب اإلسالمية يف السياسة والعقائد واتريخ ادلذاىب الفقهية أليب زىرة دار الفكر‬
‫العريب‬
‫‪ ‬إسبام األعالم للدكتورين نزار أابظة ودمحم رايض ادلاحل الطبعة األوذل ‪ / 1999‬دار صادر‬
‫بَتوت‬
‫‪ ‬ادلوسوعة ادليسرة يف األداين وادلذاىب واألحزاب ادلعاصرة‪ .‬ادلؤلف‪ :‬الندوة العادلية للشباب‬
‫اإلسالمي ‪ /‬دار الندوة العادلية للطباعة والنشر والتوزيا ‪ /‬الطبعة الرابعة ‪ 1420‬ىـ‬

‫احمللل والنحل للشهرستاين ‪ /‬مؤسسة احلليب‬ ‫‪‬‬

‫‪25‬‬

You might also like