Professional Documents
Culture Documents
�﷽
مقدمة
احلم�د هلل ال�ذي آذن�ت آيات�ه بك�ون غاي�ة العل�م كمال االنقي�اد والتس�ليم له س�بحانه
وتع�اىل والق�رب من�ه ج�ل ش�أنه بافتتاح�ه –س�بحانه -التنزيل العزي�ز بـاألم�ر اجلليل
ۡ ۡ
{وۤۡدُجۡسٱ َوٱق� ِب} [العل�ق ]19 :وصالة اجلالل {ٱق َرأ}[ العل�ق ]1 :وخت�م األم�ر بـ َ
ۡ َت�رَ
وسلام الكامل عىل مصباح نور مش�كاة كون اهلل روح جسد الكونني وعني حياة الدارين
سيدنا وحبيبنا حممد بن عبد اهلل النور الساري يف كون اهلل والنعمة املهداة والرمحة املسداة
والرساج املنري ،هيدي اهلل لنوره حممد ﷺ من يشاء من خلقه ،ويرضب اهلل األمثال للناس.
وبعد،
فيس�عى ه�ذا البحث إىل ضب�ط بعض التص�ورات والتصديقات املتعلق�ة بأصول اعتبار
ال ُع�رف عند الس�ادة الش�افعية؛ منطل ًقا م�ن كتاب هناي�ة املطلب يف دراي�ة املذهب إلمام
احلرمين اجلويني؛ ومس�تفيدً ا م�ن جهود املتأخري�ن الفقهية والتقعيدي�ة جتلي ًة لغموضها
ووصلاً حللقات تطور املذهب؛ وهذه القضايا هي:
146
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
147
العدد الخامس والعشرون
الكتاب جعل ما كتبه الدكتور الديب جمرد إش�ارة تس�تحق البحث والدراسة ،فإنه مل يزد
على التمثيل بنامذج نظرية وتطبيقية تؤكد هذا امللمح املتميز لإلمام مع بعض مالحظات
ٍ
أثر يف توظيفهق ِّيمة عليها ،كام كان لتقدم كالمه يف هذا الكتاب عىل خروج «النهاية» حم َّق ًقا ٌ
هل�ذه النامذج ،ويف دقة بعض املالحظات التي اس�تنتجها منها ،ولو أنه أعاد كتابة البحث
كثريا.
بعد حتقيق النهاية ألضاف ً
وال يغي�ب ع�ن أذهاننا أن املحققين أمجعوا -يف نق�ل املذهب -عىل أن الكت�ب املتقدمة
عىل الش�يخني -الرافع�ي والنووي -ال يعتد بيشء منها إال بعد كمال البحث والتحرير،
مذهب الش�افعي ،وهذا يف حك ٍم مل يتعرض له الشيخان ِ راجح
ُ حتى يغلب عىل الظن أنه
–الن�ووي والرافعي -أو أحدمها ،فإن تعرضا له فال�ذي أطبق عليه املحققون أن املعتمد
مرج ٌح ،أو وجد ولكن عىل الس�واء؛ يف املذه�ب م�ا اتفقا عليه ،فإن اختلفا ومل يوجد هلام ِّ
فاملعتمد ما قاله النووي ،وإن وجد ألحدمها دون اآلخر فاملعتمد ذو الرتجيح ،فإن اتفق
نادر جدًّ ا.
املتأخرون عىل أن ما قااله سهو ،فال يكون حينئذ معتمدً ا ،وهذا ٌ
الرميل وابن حجر ،وفيام اختلفا فيه خالف معروف. ُّ واملعتمد من بعد هذا ما اتفق عليه
الرتكيز عىل مصنفات الشيخني الرافعي والنووي ثم َ وعىل أية حال استلزم املنهج العلمي
الرميل وابن حجر ،وبخاصة رشحامها عىل املنهاج؛ ولقد تقرر عند بعض الشافعية أنه ال
جتوز الفتوى بام خيالف التحفة والنهاية إال فيام مل يتعرضا له ،فيفتى بكالم ش�يخ اإلسلام
زكري�ا األنص�اري ،ثم ب�كالم اخلطيب الرشبيني ،ثم بكالم حاش�ية الزي�ادي ،ثم بكالم
حاش�ية ابن قاس�م ،ثم بكالم عمرية ،ثم بكالم حاش�ية الشبرامليس ،ثم بكالم حاش�ية
احللبي ،ثم بكالم حاشية الشوبري ،ثم بكالم حاشية العناين ،ما مل خيالفوا أصل املذهب.
غير أن الذي يتعني اعتامده أن هؤالء األئمة املذكورين وغريهم كالبجريمي والباجوري
والرشق�اوي م�ن أرباب الرشوح واحل�وايش كلهم أئمة يف املذهب ،يس�تمد بعضهم من
بع�ض ،جي�وز العمل واإلفتاء والقض�اء بقول كل منهم ،وإن خالف من س�واه ما مل يكن
سهوا أو غل ًطا أو ضعي ًفا ظاهر الضعف(((. ً
((( راجع :الفوائد املكية فيام حيتاجه طلبة الش�افعية ،الس�يد علوي الس�قاف رمحه اهلل تعاىل ،مطبوع ضمن جمموعة سبعة
كتب مفيدة بالقاهرة مصطفى احللبي .وراجع أيضا :مقدمة برشى الكريم للشيخ باعشن.
148
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
149
العدد الخامس والعشرون
املبحث األول:
ضبط التصورات
()1
ف
مع�نى ا لعر� و ا لعا د ة�
ة
فع��� ا ع�د ا ش
ل� ا لعلا ق�ة� �� ن� ما ن
ي بي ه و
واصطالحا:
ً اً
أول :حتديد معنى العرف لغة
ت�دور العني وال�راء والفاء يف اللغة -كما يؤخذ من مقاييس ابن ف�ارس((( -حول معاين
�م ذه�ب معظ�م املفرسي�ن إىل أن امل�راد بـ واالستحس�ان ،وم�ن َث َّ التتاب�ع واالرتف�اع
(((
َ ۡ
ت عرفا} [املرسلات ،]١ :املتتابِعة أو التي حتمل اخلري
ٗ ۡ ُ َ ۡ ُ َ
(عر ًفا) يف قوله تعاىل{ :وٱلمرس��ل ٰ ِ
املراد هبا(((.
ۡ واإلحسان ،عىل اختالف يف تفسري اليشء
ۡ
{وأ ُم ۡر بِٱل ُع ۡر ِف} [األع�راف« :]١٩٩ :باملعروف
وقال النس�في((( يف تفسير قوله تع�اىلَ :
األفعال ،أو هو كل خصل�ة يرتضيها العقل ويقبلها الشرع»((( .ويف أنوار ۡ واجلمي�ل م�ن
ۡ
البيضاوي((({« :وأمر بِٱلعر ِف} املعروف املستحسن من األفعال»(((.
ۡ ُ ۡ ُ َ
متبحرا يف
ً ((( أمح�د ب�ن فارس بن زكري�اء القزويني الرازي ،أبو احلسين (املتوىف395 :ه�ـ) كان لغو ًّيا واس�ع األدب،
فقيها شافع ًّيا وحتول مالك ًّيا .انظر :إنباه الرواة عىل أنباه النحاة للقفطي ( ،)129 /1بغية الوعاة للسيوطي
اللغة العربيةً ،
(.)352 /1
((( راجع :مقاييس اللغة ألمحد بن فارس (.)281 /4
((( راجع :تفسري البغوي ( ،)301 /8تفسري الرازي (.)766 /30
((( عبد اهلل بن أمحد بن حممود النسفي ،أبو الربكات ،حافظ الدين :فقيه حنفي ،مفرس ،من أهل إيذج (من كور أصبهان)
ووفاته فيها .نس�بته إىل «نس�ف» ببالد الس�ند ،بني جيحون وس�مرقند .له مصنفات جليلة ،منها «مدارك التنزيل» ثالث
جمل�دات يف تفسير الق�رآن ،و«كن�ز الدقائق» يف الفق�ه ،و«املنار يف أصول الفقه» و«كش�ف األرسار رشح املن�ار» ،وكلها
مطبوعة .راجع :الدرر الكامنة يف أعيان املائة الثامنة ،البن حجر العسقالين ( ،)17 /3األعالم للزركيل (.)67 /4
((( مدارك التنزيل وحقائق التأويل (.)626 /1
((( عب�د اهلل ب�ن عمر بن حمم�د بن عيل ،أبو اخلري القايض نارص الدين البيضاوي ،صاح�ب الطوالع واملصباح يف أصول
الدين ،والغاية القصوى يف الفقه ،واملنهاج يف أصول الفقه ،وخمترص الكش�اف يف التفسير ،ورشح املصابيح يف احلديث،
كان إماما مربزا نظارا صاحلا متعبدا زاهدا .انظر :طبقات الشافعية الكربى للسبكي (.)157 /8
((( أنوار التنزيل وأرسار التأويل (.)46 /3
150
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
ويف االصطلاح ع�رف ش�يخ اإلسلام زكريا األنص�اري((( -رمح�ه اهلل تع�اىل -ال ُعرف
ال�ذي هو حجة رشعية؛ بأنه ما اس�تقرت عليه النفوس بش�هادة العق�ول وتلقته الطبائع
أمورا:
بالقبول .وهذا يعكس لنا ً
(((
أحده�ا :ارتب�اط املعنى االصطالحي للع�رف باملعنى اللغوي ،حي�ث مل خيرج عن معنى
التتابع واالستحسان.
ثانيها :شمول العرف األقوال واألفعال التي حصل هلا التتابع واالستقرار واالستحسان،
وذلك بداللة العموم يف لفظ (ما) ،فهو جنس يش�مل القول والفعل .وهو كذلك يشمل
خاصا.
ما كان عا ًّما من هذه األقوال واألفعال وما كان ًّ
ثالثها :أن الطبيعة االس�تقرارية للعرف الذي هو حجة ال بد أن تس�تند لش�هادة العقول؛
فال ينبع االستقرار من جهة غري جهة العقل كاهلوى أو التشهي أو الصدفة أو غريها.
وهذا باب كبري تحُ ُّل به كثري من اإلشكاالت املتعلقة بحجية العرف ،مع التنبه إىل أمر مهم
وهو أنه ليس كل ما يس�تقر من جهة العقول يكون حس�نًا ،وه�ذا أصل اعتمد عليه أهل
السنة يف ر ِّد عقيدة املعتزلة يف التكليف ،الناشئة عن قوهلم بالتحسني والتقبيح العقليني.
رابعها :أن هذا االس�تقرار الذي هو فصل يف حدِّ العرف ،ينبغي أن حياط بس�ياج القبول
الطبائع�ي ،فام كان نكرا عنده�ا فال اعتداد به((( .ويقال فيها ما قيل يف العقل من أنه ليس
كل ما أيدته الطبائع حسنًا ،كام يشهد به الواقع.
وإذا كان الكالم يف العرف الذي له قوة احلجية بمعناها اآليت بيانه إن شاء اهلل تعاىل ،فإنه
جيب التنبه إىل أن ما ذكر يف التعريف هو األركان األساسية التي يتميز هبا العرف املحدود
151
العدد الخامس والعشرون
رشوط أساس�ية بانتفائها كله�ا أو بعضها ال ٌ هن�ا ،وتتحق�ق هبا هويت�ه ،ويتبقى بعد ذلك
ربا ،فيلزم من عدمها العدم(((.حج ًة معت ً العرف َّ
ُ يكون
وقد اس�تخدم إم�ام احلرمني (الع�رف) يف الداللة عىل األمر العام املس�تقر بني طائفة من
الن�اس املتف�ق عليه بينهم ،عىل مس�توى األق�وال واألفعال؛ فهو دائًم�اً يتحدث عن أهل
العرف ،ويس�تند إىل األمور املس�تقرة بينهم ،فيقول« :وإنام الرج�وع إىل أهل العرف»(((،
األمر بالبيع متناولاً
أهل الع�رف ال يرون َ ويق�ول« :وإنما مل ينفذ بيع الوكيل بالغبن؛ ألن َ
هلذا ،والعرف هو املق ِّيد لألمر املطلق»(((.
والع�رف عن�د اإلمام هب�ذا املعنى متلقى من جه�ة العقل ،وليس ناش� ًئا عن جهة أخرى
كما قدمنا يف التعريف االصطالح�ي للعرف الذي له قوة احلجي�ة وعليه االعتامد ،وهذا
نس�تفيده م�ن ق�ول اإلمام« :إن الع�رف ال يطرد بني العقلاء ه�زلاً يف يشء»((( .وما دام
الع�رف مط�ر ًدا بني العقالء فإن طبائعهم الس�ليمة تقبله ،وهبذا يمك�ن القول :إن مفهوم
العرف عند اإلمام ال خيتلف عام قدمناه عن الشيخ زكريا األنصاري .ويف كالم اإلمام ما
مستقر بني ٍّ كل أمرُيشري إىل أن بعض األعراف قد تتجرد عن رعاية حدود الرشع ،فليس ُّ
العقالء يكون حج ًة.
أمارات ظاهرة تقارن ش�ي ًئا ٌ بي�د أن هذا التعريف ال يش�مل القرائ�ن العرفية((( ،التي هي
فتدل عليه ،لكن نقول :إن نس�بتها للعرف راجع ٌة إىل أنه أس�اس النس�بة السلبية أو خف ًّيا ُّ
ثم أحلق الفقه�اء القرائن العرفية ببح�ث العرف ،أو اإلجيابي�ة بينه�ا وبني مدلوهل�ا ،ومن َّ
نظراجتوز الفقه�اء فأطلقوا عىل داللة القرينة داللة الع�رف أو العادة؛ ً -بعب�ارة أخرىَّ -
إىل أن مس�تند الداللة يف هذه القرينة هو العرف .لكن هل اس�تناد القرينة للعرف بمعناه
الرشعي أو العرف بمعناه اللغوي؟
((( من هذه الرشوط التي تستفاد من هناية املطلب وقواعد الشافعية :أن يكون العرف مطردا ،وأال يعارض حكام رشعيا
ثابتا ،وأن يكون قائام عند الترصف ،وأال يعارض ترصحيا بخالفه.
((( هناية املطلب (.)298 /8
((( املصدر السابق (.)526 /7
((( املصدر السابق (.)192 /2
((( راجع قضية اعتبار الفقه اإلسلامي للقرائن يف :أثر العرف يف الترشيع اإلسلامي ،د /الس�يد صالح عوض (572
وما بعدها).
152
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
إن داللة االتصال يف األمالك عىل امللك ،وداللة األيدي عىل االستحقاق كام هو مفصل
أقرب
ُ يف مظانه من باب إعامل القرائن العرفية ،والعرف الش�اهد عىل امللك يف املس�ألتني
إىل التتابع واالس�تمرار منه إىل االس�تقرار املرشوط فيه ش�هادة العق�ول وقبول الطبائع،
غاية األمر أهنم قالوا :إن داللة اليشء عىل اليشء كام تأخذ مستندها من العقل تأخذه من
العرف املالحظ فيه معنى التتابع واالستمرار.
ويبق�ى مبح�ث آخر ،وهو أهن�ا من قبي�ل الداللة الوضعي�ة؛ أي أن داللته�ا اصطالحية
بوض�ع واض�ع ،فال يفهمها إال من ع�رف الوضع ،أو هي من قبيل الدالل�ة العادية التي
كل أحد ،كام ن�رى يف الواقع تكرر تنش�أ بواس�طة التكرر مع إم�كان التخلف ،فيفهمه�ا ُّ
حيازة املالك لليشء اململوك غال ًبا ،فنأخذ منه احلكم بداللة احليازة عىل امللك غال ًبا.
واألق�رب أهن�ا من قبيل الدالل�ة العادية ،واجلام�ع بينهام هو االقرتان الع�ادي بني الدال
واملدلول من خالل التكرار يف الواقع .وهذا قريب مما يسميه علامء املعاين باللزوم العريف
تص�ور امللزوم بدون الالزم ،فهو جمرد ُّ بين الالزم وامللزوم ،حيث يمتنع يف جمرى العادة
اتصال عادي قابل للتخلف ينتقل الذهن بس�ببه من امللزوم إىل الالزم يف اجلملة ،ولو يف
بعض األحيان(((.
جل ْعل ،وليس يف القرائن جعل أصلاً .وإنام أفضنا يف حتقيق أما الداللة الوضعية فقوامها ا َ
ماهية القرينة العرفية؛ ألننا سنجري عىل سنن الفقهاء يف عدم الفصل بينها وبني العرف؛
ملا قدمنا من عالقة بينهام ونسبة.
وق�د نبه س�لطان العلامء على أن القرائن كالعادات تنزل منزلة رصي�ح األقوال((( .وكان
للقرائ�ن تأثري واضح يف فروع املعامالت عند الش�افعية ،وبخاص�ة يف املعامالت القائمة
عىل النيابة ،كالوكالة والرشكة ،فقد قرر الشيخان أن من أحكام الوكالة الصحيحة صحة
تصرف الوكي�ل إذا وافق إذن امل�وكل ،وأن املوافق�ة واملخالفة ُيعرفان بالنظ�ر إىل اللفظ
ت�ارة وبالقرائ�ن التي تنضم إليه تارة أخرى؛ ألن القرينة ق�د تقوى فيكون هلا قوة إطالق
اللفظ(((.
((( راجع :حاشية الباجوري عىل متن السلم يف املنطق ( ،)31املواهب الربانية يف رشح املقدمات السنوسية أليب إسحاق
الرسقسطي ( ،)65 -64حاشية العطار عىل اخلبييص (.)58 -57
((( راجع :تبرصة احلكام ( ،)121 /2قواعد األحكام يف مصالح األنام البن عبد السالم (.)126 /2
((( انظر :الرشح الكبري ( ،)26 /11روضة الطالبني (.)304 /4
153
العدد الخامس والعشرون
ق�ال الرافع�ي(((« :القرينة قد تقوى فيكون هلا إطالق اللفظ ،أال ترى إذا أمره يف الصيف
برشاء اجلمد ال يشرتيه يف الشتاء»(((.
كثريا من األحكام يف ش�أن ترصفات الوكيل ،وإنام تنبه وعلي�ه ف�إن القرينة العرفية توجه ً
الش�افعية لق�وة تأثير القرائن يف الوكالة ملا هلذا العقد من س�ياقات خاص�ة حتيط باملوكل
اعتب�ار يف توجه
ٌ بخاص�ة م�ن جهة ،وب�ه وبالوكيل من جه�ة أخرى ،ينبغ�ي أن يكون هلا
امل�وكَّل؛ ألن الوكال�ة عندهم عقدُ إرفاق ومعونة وإحس�ان ،وترصف الوكيل يف األصل
مبني عىل رعاية املصلحة ،ومن أجلها يفعل ويدع.
البيع له؛ إال أن تدل
ش�خصا وج�ب عىل الوكيل ُ ً ولذلك قالوا((( :إنه لو عني املوكِّل بالبيع
قرينة عىل إرادة الربح مثال ،وأنه ال غرض له يف التعيني سواه ،فيجوز البيع لغري هذا املعني.
َ�ع الش�افعية الوكيل من البيع نس�يئ ًة ما مل ي�أذن له املوكل ،لكن قال�وا :إنه لو وكذل�ك َمن َ
النهب مثال أو تش�يع الرسق�ة ،فإنه جيوز للوكيل ُ حتول يف ظروف املكان كأن يعم ُف�رض ٌ
البي�ع نس�يئ ًة؛ اعتما ًدا عىل القرين�ة القاطعة بذلك ،وه�ي رغبة املوكل يف حف�ظ ماله عن
النه�ب ،وأن يص�ل إليه ماله كامًل�اً .بل لو كان الوكيل متي ِّقنً�ا من حصول النهب وجب
البيع نس�يئة ملن يظن فيه األداء عند احلل�ول؛ ألن القرين َة العرفية قاضي ٌة قط ًعا برضا علي�ه ُ
امل�وكل بذل�ك ،فرعاية املصلحة من جه�ة واعتب�ار القرائن العرفية من جه�ة أخرى مها
املوجهان لترصف الوكيل بناء عىل إذن املوكل.
ق�ال اإلم�ام الن�ووي((( يف املنه�اج وش�ارحه الرملي((( يف
((( اإلم�ام أب�و القاس�م عبد الكريم بن حمم�د بن عبد الكريم ب�ن الفضل القزوين�ي ،اإلمام البارع املتبح�ر يف املذهب،
صاح�ب الشرح الكبري عىل الوجيز وصاحب املحرر .انظر ترمجته يف :هتذيب األسماء واللغ�ات ،النووي (،)264 /2
طبقات الشافعية الكربى للسبكي (.)281 /8
((( الرشح الكبري (.)2 /11
((( راجع :هناية املحتاج (.)42 /5
((( أب�و زكري�ا حميي الدين حيي�ى بن رشف بن ُمري احلزامي النووي الدمش�قي ،حمرر مذهب الش�افعي ومهذبه وحمققه
ومرتبه ،إمام أهل عرصه علماً وعبادة ،وس�يد أوانه ورعًا وس�يادة .صاحب الرشح املش�هور عىل صحيح اإلمام مس�لم،
وصاح�ب املجم�وع رشح امله�ذب ،وروضة الطالبين خمترص الرشح الكبير للرافع�ي ،واملنهاج خمترص حم�رر الرافعي.
وغريه�ا م�ن املصنفات النافعة بإذن اهلل تع�اىل (ت676 :هـ) .راجع ترمجته يف :املنهاج الس�وي يف ترمجة اإلمام النووي،
لتلميذه عالء الدين بن العطار ،مطبوع مع روضة الطالبني.
الشافعي
ُّ الرميل :فقيه الديار املرصية يف عرصه ،ومرجعها يف الفتوى .يقال له:
ُّ ((( حممد بن أمحد بن محزة ،شمس الدين
الصغير .نس�بته إىل الرملة (من ق�رى املنوفية بمرص) ،ومول�ده ووفاته بالقاهرة .ويل إفتاء الش�افعية .ومج�ع فتاوى أبيه.
وصنَّف رشوحا وحوايش كثرية خدم هبا املذهب الش�افعي أيام خدمة ،أبرزها رشحه عىل املنهاج املوس�وم بنهاية املحتاج.
(ت1004هـ).
154
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
النهاي�ة« :ليس له البيع بغير نقد البلد الذي وقع فيه البيع ب�اإلذن لداللة القرينة العرفية
عليه»(((.
وكذلك كل من الرشيكني أو الرشكاء عند الش�افعية وكيل عن اآلخر يف الترصف ،ومن
ثم جتري غالب أحكام الوكالة يف ترصفاهتم ،وقد رصح الرميل وغريه بأن الرشكة ليست َّ
عق�دً ا مس�تقلاًّ ،وإنام ه�ي وكالة وتوكي�ل ،فهي من أف�راد الوكالة((( .وم�ن هنا كان عىل
الرشيك أن يراعي القرائن يف ترصفه يف مال الرشكة.
واصطالحا.
ً ثانيا :يف حتديد معنى العادة لغ ًة
ت�دور الع�ادة يف اللغة حول معنى الرج�وع والتكرار؛ فيق�ال :عاد إليه ول�ه وعليه عو ًدا
وعودة :رجع وارتد ،وإنام سميت العادة عادة -كام قال ابن فارس -ألن صاحبها ال يزال
ُمع�او ًدا هل�ا؛ أي يرجع إليها م�رة بعد أخرى .ويف املقاييس :والع�اد ُة الدُّ ربة ،والتامدي يف
يشء حتى يصري له س�جية .وعرفها يف اللسان بالديدن((( ،وهو يضيف إىل ما سبق معنى
املالزمة ،ومنه قول ابن األعرايب:
رأي��ت امل��ر َء يألف ما استعادا ��ح األخ��ل�اق إين ِ
()4
ُ ���و ْد َص���ال� َ
تَ��� َع َّ
تكررا
وعلي�ه ف�إن مادة العادة -كام أفاد اإلمام الزركيش -تقتضي تكرر اليشء وعوده ً
(((
155
العدد الخامس والعشرون
ويف االصطالح العام نالحظ أن الفقهاء واألصوليني توس�عوا يف اس�تخدام لفظ العادة
يف التعبير عن األعراض املتكررة عىل املس�توى الفردي واجلامعي أق�والاً وأفع ًاال ،ومن
ثم كان األنس�ب يف تعري�ف العادة ما ذكره ابن أمري احل�اج((( يف التقرير والتحبري من أن
الع�ادة :األمر املتكرر من غري عالقة عقلية؛ ليش�مل بذلك الع�ادات القولية والفعلية(((،
أمرا
الفردية واجلامعية ،س�واء كان مص�در تكرارها العقل وتلقي الطباع ل�ه بالقبول ،أو ً
طبيع ًّي�ا كحرارة اإلقليم وبرودته اللتني نش�أ عندمها ع�ادة إرساع البلوغ وإبطائه ،أو كان
مص�دره األهواء والش�هوات ...إل�خ((( .املهم أال يكون التكرار ناش� ًئا عن تالزم عقيل،
كتكرر حدوث األثر كلام وجد املؤثر ،فإن هذا ال يسمى عادة.
وملا كان للعادة اس�تخدام خمصوص عند الش�افعية -كام س�يأيت إن ش�اء اهلل تعاىل-عرف
ش�يخ اإلسلام زكريا األنصاري العادة بأهنا :ما اس�تقرت الناس فيه على حكم العقول
وع�ادوا إلي�ه مرة بع�د أخرى((( ،غير أنه ص�ادق عىل الع�ادات اجلامعي�ة دون العادات
الفردية وصادق عىل العادات العملية والقولية ،ومصطلح العادة مستخدم عند الشافعية
يف الع�ادات اجلامعي�ة والفردية ،ويف العادات العملي�ة دون القولية ،فهو غري جامع وغري
مانع .ويمكننا أن نجيب عن هذا بأن شيخ اإلسالم اعتمد يف التعريف عىل الغالب ،وهو
استخدام العادة يف األمور اجلامعية العملية ،والتعريف يشملها.
ومل�ا كان�ت العادة يف اس�تخدامها الغالب عند اإلم�ام هي العرف العميل -كام س�يأيت يف
الف�رع الق�ادم -فإنه يعترب فيها م�ا يعترب يف العرف من تكرار واس�تقرار م�ن جهة العقل
وقب�ول طبع�ي ،وهذا يعود بنا إىل تعريف الش�يخ زكريا للعادة ،فإن�ه يعكس ما نجده يف
غري جامع
كتب الش�افعية من غلبة استخدام العادة يف العرف العميل ،وإن كان التعريف َ
كام قدمنا.
((( أب�و عبد اهلل ،ش�مس الدين حممد بن حممد بن حممد املعروف بابن أمري ح�اج ،ويقال له :ابن املوقت احلنفي (املتوىف:
879ه�ـ) ،ولد س�نة 825ه�ـ بحلب وارحتل إىل محاة ،ثم إىل القاهرة فس�مع هب�ا عىل احلافظ ابن حج�ر والزم ابن اهلامم
وب�رع يف فن�ون ،وتصدى لإلقراء واإلفتاء ،ورشح منية املصيل وحترير ش�يخه ابن اهلامم والعوامل وغري ذلك ،ومات ليلة
اجلمعة التاس�ع والعرشين من رجب س�نة ( )879تس�ع وسبعني وثامنامئة .البدر الطالع بمحاس�ن من بعد القرن السابع
(.)254 /2
((( وقد قرصها املصنف وهو الكامل بن اهلامم رمحه اهلل تعاىل عىل العرف العميل؛ أي العادة العملية ،وهو جمرد اصطالح.
((( راجع :العرف والعادة يف رأي الفقهاء (.)11 -10
((( احلدود األنيقة والتعريفات الدقيقة (.)72
156
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
157
العدد الخامس والعشرون
ٌ
مضبوط ،ال وال�كالم يف كيفية تس�يري الدابة اس�تحثا ًثا وتزجي ًة -مردو ٌد إىل الع�ادة ،وهو
يع�دُّ م�ن املجاهيل ،فإذا تق َّيد املسير بالعرف ،واملراحل املرتب�ة يف الطريق ،فال مزيد وال
تراض من املكري واملكرتي»(((.ٍ نقصان إال عن
األصحاب وراء ذلك يف يد الطفل ،فقالوا :ما حتقق اتصاله ُ ويق�ول يف اللقيط« :ثم تكلم
العرف والعادةُ»(((.
ُ به عىل ما ُيعتاد يف مثله ،فهو حتت يده ...واملحكَّم يف هذا كله
فاحلاص�ل أن العادة عند اإلمام تش�مل العاد َة الفردية العملي�ة والعرف اجلامعي العميل،
وق�د راوح بينهما يف التعبري ع�ن املعنى األخري ،ومل�ا غلب االس�تخدام واملراوحة رسى
الوهم بأهنام عنده بمعنى(((.
وأم�ا حتقيق هذه العالقة عند الش�افعية ،ف�إن املتأمل يف كتبهم يتبدى ل�ه أهنم ال خيتلفون
ع�ن إمام احلرمني يف اس�تخدام املصطلحني؛ فإن الع�ادة يف اصطالحهم تنفرد يف األمور
املس�تقرة عىل املس�توى الفردي كعادة املرأة يف حيضها ،وتش�مل كذل�ك العرف العميل؛
أي م�ا ج�رى عليه عمل الناس وتعارفوه يف معامالهتم وترصفاهتم ،بينام ينفرد العرف يف
األمور املستقرة املتعلقة بداللة األلفاظ والرتاكيب ،ومن الشواهد التي تؤكد هذا ما ييل:
�ع اإلمام الزركشي ما تناثر من قواعد العرف العملي وضوابطه وأحكامه حتت أوال :جمَ ْ ُ
ترمجة (العادة فيها مباحث)(((.
ثانيا :ترمجة س�لطان العلامء العز بن عبد السالم((( للفصل الذي عقده لبيان أثر األعراف
العملية يف األحكام بقوله( :فصل يف تنزيل داللة العادات وقرائن األحوال منزلة رصيح
األق�وال) ،وترمجت�ه لل�ذي يليه بقول�ه( :فصل يف مح�ل األلفاظ عىل ظنون مس�تفادة من
((( هناية املطلب يف دراية املذهب (.)145 /8
((( املصدر السابق ( ،)503 /8وانظر مثالاً آخر (.)242 /4
((( ممن ذهب إىل أن العرف والعادة عند اإلمام بمعنى :الدكتور عبد العظيم الديب رمحه اهلل تعاىل وطيب ثراه ،يف بحثه
عن رعاية إمام احلرمني للعرف يف بناء األحكام ،املنش�ور بالعدد الثاين من حولية كلية الرشيعة والدراس�ات اإلسلامية
بجامعة قطر .وكان هذا عام 1982قبل أن يرشع يف حتقيق النهاية.
((( انظر :املنثور (.)356 /2
((( أبو حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أيب القاس�م بن احلس�ن السلمي الدمشقي ،امللقب بسلطان العلامء
(املت�وىف660 :ه�ـ) قال عنه اإلمام الس�بكي« :ش�يخ اإلسلام واملس�لمني وأحد األئم�ة األعالم ،س�لطان العلامء ،إمام
عصره بال مدافعة ،القائم باألمر باملعروف والنهي ع�ن املنكر يف زمانه ،املطلع عىل حقائق الرشيعة وغوامضها ،العارف
بمقاصده�ا ،مل ي�ر مثل نفس�ه وال رأى م�ن رآه مثله علماً وورعًا وقيا ًما يف احلق وش�جاعة وقوة جنان وسلاطة لس�ان».
طبقات الشافعية الكربى للسبكي ( ،)209 /8وقد اخترص هناية املطلب ،وله قواعد األحكام يف مصالح األنام يف قواعد
الشافعية ،وقد طبع عدة مرات.
158
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
العادات)((( .وقد دارت أمثلته عىل أعامل تعارفها الناس فاكتسبت ما للفظ الرصيح من
ق�وة ،كالدخول إىل األز َّقة والدروب املشتركة ،وطرق باب ال�دار ،واإليقاد من الرسج
واملصابيح ...إلخ.
وبن�اء على هذا يمكن تفسير م�ا صنعه اإلمام الس�يوطي((( يف األش�باه ،حي�ث مجع بني
ال ُع�رف والعادة حتت قاعدة العادة حمكمة ،وقال« :اعل�م أن اعتبار العادة والعرف ُر ِجع
إليه يف الفقه ،يف مسائل ال تعد كثرة»((( .مما أوهم أن العرف والعادة عنده بمعنى واحد،
ولي�س كذلك ،وإنام هو جار عىل اصطالح الش�افعية ،والدليل على هذا أنه يتحدث عام
خي�ص األعراف العملية حتت لفظ (الع�ادة) ،فإذا تعلق بحثه باحلقائق العرفية اس�تخدم
لفظ (العرف).
تفسير اس�تخدامهم لفظ العرف يف الضابط املش�هور( :األيامن تبنى عىل
ُ ويمكن كذلك
الع�رف غال ًب�ا) ،فإنه راجع إىل لفظية بحث األيامن ،فل�م أجد من قال :إن األيامن حممولة
عىل العادة ،وتفسري استخدامهم إياه يف القاعدة املشهورة( :ما ال حد له يف الرشع وال يف
اللغة يرجع فيه إىل العرف).
يق�ول الرملي يف (هناية املحتاج) يف ضاب�ط اإلحياء« :وخيتلف اإلحياء بحس�ب الغرض
املقص�ود من�ه ،والش�ارع أطلقه وليس له ح�د يف اللغة ،فوجب أن يرج�ع فيه إىل العرف
كاحلرز والقبض»(((.
وب�ه يفسر اجلم�ع بينهما -أحيانً�ا -يف ه�ذه القاع�دة ،كما ج�اء يف ق�ول اإلم�ام
الس�بكي((( يف تكمل�ة املجم�وع ع�ن [طري�ق تقدي�ر الربوي�ات]« :ومم�ا اس�تدل ب�ه
((( راجع :قواعد األحكام يف مصالح األنام (.)140 -126 /2
((( عبد الرمحن بن أيب بكر بن حممد بن سابق الدين بكر بن عثامن بن حممد بن خرض بن أيوب بن حممد ابن الشيخ مهام
الدين ،الشيخ العالمة ،اإلمام ،املحقق ،املدقق ،املسند ،احلافظ شيخ اإلسالم جالل الدين أبو الفضل املرصي ،صاحب
التصانيف النافعة واألس�فار اجلامعة ،له نحو 600مصنف ،وأش�هرها يف قواعد الفقه األشباه والنظائر يف قواعد وفروع
فقه الش�افعية ،وهو مطبوع .تويف ودفن بالقاهرة 911هـ .راجع ترمجته يف :الكواكب الس�ائرة بأعيان املائة العارشة (/1
،)227األعالم للزركيل (.)301 /3
((( األشباه والنظائر (.)90
((( هناية املحتاج إىل رشح املنهاج ،للرميل (.)338 /5
((( ش�يخ اإلسلام قايض القضاة تقي الدين أبو احلس�ن عيل بن عبد الكايف الس�بكي ،الش�يخ اإلمام ،انتهت إليه رئاسة
املذهب الش�افعي يف مرص ،ومن أبرز تصانيفه رشح منهاج البيضاوي ،وقد أكمله ابنه تاج الدين ،وتكملة رشح املذهب
ال�ذي ب�دأه اإلمام النووي ريض اهلل عنهم أمجعني .تويف س�نة 756هـ .راجع ترمجته الوافية يف طبقات الش�افعية الكربى
البنه تاج الدين ( 139 /10وما بعدها).
159
العدد الخامس والعشرون
املحاميل((( يف املسألة أن ما ورد به الرشع مطل ًقا وليس له حد يف الرشع وال يف اللغة يرجع
فيه إىل العرف والعادة ،وأوىل العادات ما كان يف زمنه ﷺ ،وهذه الطريقة أوىل»(((.
فمن نظر إىل تعلق القاعدة بالتعريفات اللفظية اس�تخدم لفظ (العرف) ،ومن نظر إىل أن
املرجع يف تفسري اللفظ ما جرى عليه عمل الناس استخدم لفظ (العادة).
وم�ن هنا ترفع احلجب عن العالقة بين العرف والعادة عند اإلمام والش�افعية ،فيمكننا
الق�ول :إهنا العم�وم واخلص�وص الوجهي ،فيجتمع�ان يف األمور العملية املس�تقرة بني
الع�رف يف األمور املس�تقرة املتعلقة بداللة األلف�اظ والرتاكيب ،وتنفرد
ُ الن�اس ،وينفرد
العادة يف األمور العملية املتكررة عىل مستوى الفرد.
وه�ذه العالق�ة بين العرف والعادة ليس�ت حمل وفاق بين العلامء ،فإن منه�م من رادف
بينهما ،ومنهم من ف�رق فعكس؛ فجعل الع�رف يف األقوال والع�ادة يف األفعال ،ومنهم
من جعل العرف قسماً من أقسام العادة؛ فكان بينهام العموم واخلصوص املطلق ،والعادة
أعم .ومنهم من قرص العادة عىل العرف العميل؛ فكان بينهام العموم واخلصوص كذلك،
والعرف أعم(((.
()2
ق
تح�� ق
ي� ا لمرا د �
خ ف ف
ص ال� ا � لع
مو را لعا ا � ب�ا لعر
العرف باعتبار من يصدر عنه إىل عام وخاص ،والغالب أهنم يعتمدون يف َ يقسم الفقهاء
الفصل بينهام عىل املس�احة اجلغرافية ،والعموم واخلصوص -فيام أزعم -أمر نسبي؛ ألن
خاصا بالنس�بة إىل غريه ،واإلش�كال هنا راجع
العرف املنترش يف مكان قد يكون عا ًّما فيه ًّ
إىل ما يرتتب عىل توصيف العرف من أحكام؛ فإن األحكام ختتلف باعتبار عموم العرف
((( حمم�د ب�ن أمح�د بن حمم�د بن أمحد ب�ن القاس�م ،أبو الفضل اب�ن اإلم�ام أيب احلس�ن املحاميل؛ صاح�ب «املجموع»
و«التجري�د» وغريمه�ا من التصانيف .راجع :طبقات الفقهاء الش�افعية لإلمام ابن الصلاح ( ،)98 /1املجموع لإلمام
النووي (.)99 /1
((( املجموع رشح املهذب (.)271 /10
((( راجع :نرش العرف البن عابدين ( ،)114 /2التعريفات للجرجاين ( ،)146الكليات للكفوي ( )617التلويح عىل
التوضيح ،للتفتازاين ( ،)174 /1العرف والعادة يف رأي الفقهاء ( ،)13 -10قاعدة العادة حمكمة ،الباحسني (.)28
160
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
وخصوصه؛ حيث رتب الفقهاء عىل كل قسم أحكاما خاصة ،وسوف يتبني املراد من كل
قسم إن شاء اهلل تعاىل فيام ييل:
أوال :املراد بالعرف العام:
يف ض�وء م�ا خلفه لن�ا إمام احلرمني وفقهاء الش�افعية م�ن تراث فقه�ي وتقعيدي يمكن
مجيع البلاد اإلسلامية أو أكثرها مصحو ًبا عم َ الق�ول :إن الع�رف العام عندهم ه�و ما َّ
باالمتداد الزماين غال ًبا ،وأس�تأنس هنا بتعريف الش�يخ ابن عابدين((( رمحه اهلل تعاىل من
(((
العرف العام بأنه :ما تعارفه عامة أهل البالد ،وبجعل الش�يخ أيب س�نةَ فقه�اء احلنفي�ة
رمحه اهلل تعاىل (ال) يف البالد للعهد ،وجعله املعهو َد البال َد اإلسالمي َة ،قال« :إذ غريها ال
يبحث اإلسالم عن أحكامه وال يعول عىل عرفه»(((.
وه�ذا التعري�ف ال�ذي أورده الش�يخ ابن عابدي�ن رمحه اهلل تعاىل يس�اير اختي�ار احلنفية
الدليل العام وقضاءه عىل القياس ،فإهنم اشترطوا يف هذا النوع َ ختصي�ص العرف الع�ام
َ
م�ن العرف ذي الق�وة أن يتعامله أهل البالد مجي ًعا ،وعربوا عن�ه بالعرف العام ،وكان ما
طرا كالعراق ،ولو مل يكن يف مقابلة عرف عام. خاصا ،ولو عم ُق ً
سواه عر ًفا ًّ
ويب�دو -واهلل تع�اىل أعلم -أن هذا الوضع لوحظ فيه التنبيه عىل عدم رقي هذا النوع من
األع�راف ملا ارتقى إليه العرف العام من ختصيص للدليل الرشعي العام وإلغاء القياس،
وإن كان يف املذه�ب اجتاه ضعي�ف لدعم العرف اخلاص يف مقابلة الدليل العام والقياس
اعتبارا حلاجة الناس ورف ًعا للحرج(((.
ً ختصيصا وإلغاء؛
ً
((( حممد عالء الدين بن حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين احلس�يني الدمش�قي :فقيه حنفي ،من علامء دمش�ق.
كثريا من مناصب القضاء .وس�افر إىل األس�تانة ،فكان من أعضاء جلنة وضع (املجلة) ،وويل القضاء بطرابلس الشام ويل ً
رئيس�ا ثان ًيا ملجلس املعارف بدمش�ق ،وتويف فيها 1306هـ1889 -م .األعالم للزركيل س�نة 1295 -1292هـ ،وعني ً
(.)270 /6
((( األس�تاذ الش�يخ أمحد فهمي أبو س�نة من علامء مرص يف القرن العرشين ،حصل عىل ش�هادة العاملية من درجة أس�تاذ
يف الرشيع�ة اإلسلامية م�ن اجلامع األزهر يف أول العقد اخلام�س من القرن املايض ،يف موضوع الع�رف والعادة يف رأي
الفقه�اء .ول�ه من املؤلفات :حمارضات يف النظرية العام�ة للحق ،والنظريات العامة للمعامالت يف الرشيعة اإلسلامية،
وبح�وث منه�ا :حك�م العالج بنقل دم اإلنس�ان أو نق�ل أعضائه أو أج�زاء منها ،ق�دم إىل املجمع الفقه�ي لرابطة العامل
اإلسالمي (الدورة الثامنة 1405هـ) بح ًثا يف نظرية احلق ضمن كتاب (الفقه اإلسالمي أساس الترشيع) ،طبعة املجلس
األعىل للشئون اإلسالمية.
((( العرف والعادة ،أبو سنة (.)19
((( راجع يف ذلك :نرش العرف (.)120 ،117 ،116 /2
161
العدد الخامس والعشرون
فإذا ما انتقلنا إىل إمام احلرمني والشافعية وجدناهم يتحدثون عام ييل:
-1االصطالح العام:
وهم ال يقصدون به املعنى االصطالحي للفظ اصطالح ،وإنام يقصدون به -عىل س�بيل
-بتجوز -يري�دون به أحيانًا العرف؛ ألهنمُّ التقري�ب -املعنى اللغوي ،وهو االتفاق ،أو
كثريا وعىل األع�راف الفعلية قليًل�اً ،قال اإلمام الرملي بعد بيان
يطلقون�ه عىل األلف�اظ ً
م�ا ن�ص عليه األصحاب مما جيب عىل املؤجر واملس�تأجر يف إجارة ال�دواب« :ولو اطرد
الع�رف بخالف م�ا نصوا عليه ُعمل به فيما يظهر بناء عىل أن االصطلاح اخلاص يرفع ُ
االصطالح العام كام اقتضاه كالمهم ،وإن اقتىض يف مواضع أخرى عدمه»(((.
وه�ذه األح�كام التي يصفها باالصطالح هنا هي األع�راف العملية يف اإلجارات ،لك َّن
أصل مس�ألة االصطالح العام واالصطالح اخلاص يف األلفاظ والرتاكيب ،يقول اإلمام
الزركشي يف املنث�ور« :االصطالح اخلاص ه�ل يرفع االصطالح الع�ام ،ويعرب عنها بأنه
ه�ل جيوز تغيير اللغة باالصطلاح؟ وهل جي�وز للمصطلحني نقل اللفظ ع�ن معناه يف
اللغة بالكلية أو يشرتط بقاء أصل املعنى وال يترصف فيه بأكثر من ختصيصه فيه؟ قوالن
لألصوليني وغريهم ،واملختار الثاين»(((.
وما يعنينا هنا أن العموم املوصوف به االصطالح اللفظي أو العميل يريدون به االنتش�ار
والذيوع يف عامة البلدان ،بل إهنم يعربون به عن األصل اللغوي املستعمل ،وال شك يف
اصطالحا لغو ًّيا عا ًّما ،مما يؤكد أن املراد من العموم هنا االنتش�ار والذيوع يف عامة
ً كون�ه
البل�دان واألقطار ،يق�ول اإلمام الغزايل يف اتف�اق العاقدين عىل امله�ر« :إذا توا َطئوا عىل
إرادة األل�ف بعب�ارة األلفني فيحتمل قولني؛ مأخذمه�ا :أن االصطالح اخلاص هل يؤثر
يف االصطلاح الع�ام ويغيره أم ال؟ وفيه نظ�ر»((( .وهذا الفرع صورة من صور مس�ألة
مهر الرس والعالنية املشهورة يف املذهب ،وال خيفى أهنم جعلوا داللة لفظ (األلفني) عىل
اصطالحا عا ًّما ،وداللته على املعنى العريف اخلاص بينهام -وهو األلف-ً املعن�ى األصيل
خاصا.
اصطالحا ًّ
162
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
وقد اس�تخدم اإلمام ه�ذا اللفظ فقال« :فأما القفال((( ،فإنه ي�رى االصطالح املطرد بني
أق�وام بمثابة الع�ادة العامة ،وامتنع غريه من هذا .وعندي أن هذا ينزل عىل منزلة س�تأيت
مرشوح�ة يف كت�اب الص�داق ،وه�ي أن أقوا ًما لو تواطئ�وا عىل أن يعبروا باأللفني عىل
األل�ف ،فإذا وقع العقد بلفظ األلفني ،فالتعويل على التواطؤ ،أم عىل صيغة اللفظ؟ فيه
تردد .وسيأيت يف املسألة املرتمجة بمهر الرس والعالنية»(((.
وهذا االنتش�ار وهذا الذيوع املصحوبان باالس�تقرار والقبول يم�دان األمر املتصف هبام
عند الشافعية بقوة غري عادية تتجاوز حدودي املكان والزمان ،فال يقبل الشافعية غال ًبا ما
خيالفه ولو فرض اقتالعه -بعد حني -ونبات عرف آخر مكانه ،وهذا خيار هلم سأناقشه
إن شاء اهلل تعاىل فيام بعد ،إال أنني أستقي منه هنا ما يصب يف تأييد ما ذهبت إليه يف معنى
العموم عندهم ،وهو االنتشار والذيوع يف عامة البلدان.
-2اللسان:
هذه اللفظة وردت يف كالم اإلمام يف الوصية ،وهي مشكلة إن فرست دون اعتبار لسياق
الكالم وللش�ائع يف املذهب .وما يعنينا هنا أن اإلمام اس�تخدم هذه اللفظة -يف ضوء ما
إلنس�ان ٍ
بدابة ،فاس�م الدابة ٍ انته�ى إليه البحث -بمعنى العرف العام ،قال« :ولو أوىص
يف اللس�ان ينطب�ق عىل ثالثة أجناس :اخليل ،والبغال ،واحلمير ،وال يندرج حتتها اإلبل،
واضح ،ال إش�كال فيه .ثم تردد
ٌ وإن كانت مركوبة ،وهذا متفق عليه ،ومعناه يف اللس�ان
أئمتن�ا يف لف�ظ الدابة ،إذا جرت يف مرص ،وقد قيل :إن أهلها ال يفهمون منه إال احلامر(((،
((( هو القفال الصغري املروزي ،أبو بكر ،عبد اهلل بن أمحد بن عبد اهلل ،املتوىف 417هـ عن تس�عني س�نة ،وهو املذكور يف
كت�ب املذه�ب بعامة بعد اجلمع بني الطريقني ،وعند املتأخرين؛ فحيثام يقال :القفال مطل ًقا ،فهو القفال املروزي الصغري،
وهناك قفال آخر يشرتك معه يف الكنية ،فكل منهام أبو بكر ،ولكنهام يتميزان باالسم والنسبة ،فالكبري الشايش ،والصغري
املروزي ،والشايش اسمه حممد بن عيل بن إسامعيل ،والصغري عبد اهلل بن أمحد بن عبد اهلل ،والكبري أسبق وفاة ،فقد تويف
ذكرا يف كتب احلديث والتفسري ،وإذاذكرا يف كتب الفقه ،والكبري أكثر ً
أيضا بأن الصغري املروزي أكثر ً365هـ .ويتميزان ً
ذكر يف كتب الفقه قيد ،كام فعل اإلمام يف النهاية ،وهناك قفال ثالث ،وهو ابن القفال الكبري الش�ايش ،واس�مه القاس�م،
فه�و القاس�م بن حممد بن عيل بن إسماعيل ،ومع أن�ه أوىل بلقب (الصغري) ،لكن�ه أبدً ا مل يعرف به ،وذاعت ش�هرة كتابه
(التقريب) ،وخترج به فقهاء خراس�ان ،فغلب اس�م الكتاب اس�م صاحبه ،فيقال دائام :صاحب التقريب ،كام يف النهاية،
فل�م يذك�ره إم�ام احلرمني مرة واحدة باس�مه ،بل دائًم�اً ( :صاحب التقريب) عىل كث�رة ما ذكره .انظ�ر( :مقدمات حتقيق
النهاية.)174 -173 /
((( هناية املطلب يف دراية املذهب (.)144 /5
((( كذا بالنص املحقق ،وهو يشير إىل أن [الدابة] يف [مرص] حتمل عىل [احلامر] وحده ،والثابت أن الش�افعي اعتمد يف
مح�ل الداب�ة عىل األجناس الثالثة عىل عرف أهل مرص وغريها من البلاد باعتباره العرف العام .فلعل املراد التمثيل بأي
مرص كان ال مرص املحروسة حفظها اهلل تعاىل .راجع األم ( ،)95 /4واحلاوي الكبري (.)235 /8
163
العدد الخامس والعشرون
فل�و فرض�ت بل�دة ال يفهم أهلها م�ن الدابة إال ال َف َ�رس ،نفرض الكال َم على ما يتحمل
اللف�ظ عىل موجب اللس�ان ليرت َّدد بني األجن�اس الثالثة :اخليل ،والبغ�ال ،واحلمري ،أو
حُيم�ل اللفظ على موجب عرف املكان؟ فيه تردد لألصحاب :فمنهم من مل يبال بالعرف
لظهور معنى اللسان ،ومنهم من محل اللفظ عىل موجب عرف املكان؛ فإن العرف قرينة
األلفاظ»(((.
أف�اد اإلم�ام هنا أن اس�م (الدابة) يف اللس�ان ينطبق عىل ثالثة أجن�اس :اخليل ،والبغال،
واحلمير ،كما أفاد أنه ال ين�درج حتتها اإلبل ،وإن كان�ت مركوبة ،وأن ه�ذا متفق عليه،
واضح ،ال إشكال فيه.
ٌ ومعناه يف اللسان
واملش�هور أن دالل�ة الدابة عىل هذه املذك�ورات وحدها هي الداللة العرفية ال اللس�انية
اللغوي�ة؛ ألن الداب�ة يف اللغة اس�م م�ا دب من احليوان ممي�زه وغري ممي�زه((( .والثابت أن
الش�افعي اعتم�د يف مح�ل الدابة عىل األجن�اس الثالثة عىل عرف أهل مصر وغريها من
البالد باعتباره العرف العام.
تعبيرا جماز ًّيا عن العرف العام ،فأراد باللس�ان هنا
ً فاحلاص�ل أن اإلمام عرب باللس�ان هنا
العرف اخلاص .وحيث عرب اإلمام عن العرف َ الع�رف العام املط�رد ،وأراد بعرف املكان
العام باللسان كان هذا إشارة واضحة إىل سعة العرف العام التي هي اجلامع بني اللفظني،
فكانت اس�تعارة ترصحيية مرشحة ملعاين االنتشار والشهرة والذيوع التي ندعيها يف املراد
بالعرف العام عند اإلمام والشافعية.
بالقيس ،حيثِّ وممَّا يؤكد ما ا ُّدعي ما نقله اإلمام عن اإلمام الش�افعي ◙ يف الوصية
قيس ِ ٍ
بقوس من قس�يه ،أو من ماله ،اندرج حت�ت لفظهُّ : إن الش�افعي ق�رر أن�ه إذا أوىص
وقيس العرب ،وقيس احلُس�بان ،وهي نوع من الس�هام الصغار .وال يدخل حتت ُّ العجم،
جلالهق(((.
قوس النَّدْ ف وال قوس ا ُ
اسم القوس ُ
164
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
خترجان عىل أن املتبع موجب قال اإلمام« :وهذه املسألة وتيك [مسألة معنى لفظ الدابة] َّ
اللسان يف إطالق اللفظ ،أو ما يفهم منه يف طرد العرف؟»(((.
وه�ذا يرج�ح أنه يريد باللس�ان هنا العرف الع�ام ال اللغة؛ ألن الس�بب يف دخول بعض
العرف الع�ام ،وهو ما عرب عنه ش�يخ اإلسلام يف رشح ُ أن�واع القسي دون بعضه�ا ه�و
ال�روض بقوله« :الش�تهار القوس يف الثالث�ة األول دون هذين»((( .أم�ا املعنى اللغوي
األصيل فال يفرق بني قوس وآخر.
ومل�ا كان العرف املط�رد املحمول عليه غالب الوصايا قديماً يف لف�ظ [العلامء] أن املراد به
أصحاب علوم الرشع من تفسير وفقه وحديث ،اعتبر هذا يف املذهب عر ًفا عا ًّما ،حتى
خرج من داللة اللفظ علامء الكالم وعلامء التصوف وعلامء اللغة وعلامء الطب ...إلخ.
قال اإلمام ش�هاب الدي�ن الرميل يف الفتاوى« :الوصية للعلماء أو ألهل العلم فمختصة
بأه�ل عل�وم الشرع م�ن الفق�ه والتفسير واحلدي�ث؛ الش�تهار الع�رف يف الثالثة دون
غريهم»(((.
وي�دل دالل�ة رصحي�ة عىل هذا االتس�اع امل�كاين ال�ذي يتميز به الع�رف العام م�ا جاء يف
َۡ َُ َ َ
سلونك توجي�ه اإلم�ام امل�اوردي((( يف ص�در كت�اب األطعم�ة؛ لق�ول اهلل تع�اىل{ :ي ٔ
َ َ ٓ ُ َّ
ِ��ل ل َ ُه ۡ
��م} [ املائ�دة ،]٤ :حي�ث ق�ال« :هذا خط�اب م�ن اهلل تعاىل لرس�وله ﷺ م��اذا أح
ي�دل على أن الن�اس س�ألوه عام حيل هل�م وحي�رم عليه�م ...وإذا كان هذا أصًل�اً وصار
املس�تطاب حلالاً واملس�تخبث حرا ًما وج�ب أن يعترب في�ه العرف الع�ام ...فكان أحق
الن�اس بتوج�ه اخلط�اب إليه�م الع�رب؛ ألهن�م الس�ائلون املجاب�ون ،وأح�ق األرض
م�ن بالده�م؛ ألهن�ا أوطاهن�م ،وق�د خيتلف�ون فيما يس�تطيبون ويس�تخبثون بالرضورة
واالختي�ار ،فيس�تطيب أه�ل الضرورة م�ا اس�تخبثه أه�ل االختي�ار ،فوج�ب أن
165
العدد الخامس والعشرون
يعتبر في�ه عرف أه�ل االختي�ار ،دون أه�ل الضرورة؛ ألنه لي�س مع الضرورة عرف
معهود»(((.
-3العادة العامة:
ورد تعبري العادة العامة يف بعض مواضع النهاية للداللة عىل األمر املس�تقر عىل املس�توى
الواس�ع ال�ذي ال يتقيد ببل�د دون آخر ،وقد تقدم أن العادة تلتق�ي مع العرف يف اجلانب
العميل اجلامعي ،ويقوم أحدمها يف ذلك مكان اآلخر.
م�ن ذلك -مثلاً -رد اإلمام -يف باب إحياء امل�وات -خالف األصحاب يف حكم تنحية
م�ن يطي�ل عكوف�ه عىل املع�دن إىل طلب ه�ذا الش�خص االنفراد بما يأخذه م�ن النَّ ْيل،
وخروج�ه ع�ن الع�ادة العامة التي تقضي بكون هذا األم�ر عىل االشتراك والتناوب ال
االنفراد واالستئثار(((.
وم�ن ذلك قوله يف بيع الثمار« :وإن بدا الصالح ،فيجوز بيع الثمار عىل رشط التبقية إىل
أوان اجلداد ،وإن بيعت مطلقة ،صح البيع ،ومحل عىل موجب التبقية ،بناء عىل ما مهدناه
من اتباع العادة العامة يف توابع العقد»(((.
وقوله يف سياق املسألة نفسها« :فأما القفال ،فإنه يرى االصطالح املطرد بني أقوام بمثابة
الع�رف العام يف
َ الع�ادة العام�ة»((( .فهو يقص�د بالعادة العامة يف خصوص هذه املس�ألة
أغلب البالد كام يفرسه سياق الكالم.
-4االمتداد الزماين:
وص�ف اإلم�ام العرف اخلاص بأنه الع�ادة التي تُتل َّقى من تواطؤ أق�وا ٍم عىل اخلصوص،
ِ
روض ،وقال :إن هذا اإلباح ِة يف الرهن ،وبعض الرشائط الفاس�دة يف ال ُق
َ ومثل له برشط
ِ
األعصار((( .ومفهوم خيتص ببعض البالد ببع�ض ِ
اصطلاح أقوام ،وأنه قد ُّ حمم�ول عىل
ه�ذا أن املعتبر يف العرف العام قوة االمتداد الزماين مع قوة االمتداد املكاين ،فام يطرأ عىل
خالفه يف وقت أو مكان يعترب عر ًفا ًّ
خاصا.
((( احلاوي الكبري (.)133 -132 /15
((( هناية املطلب (.)313 /8
((( املصدر السابق (.)144 /5
((( هناية املطلب (.)144 /5
((( راجع :املصدر السابق (.)144-143 /5
166
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
نصوصا لألصحاب مبنية عىل العرف ً وقد رصح ابن حجر والرميل عىل املنهاج أن هناك
يصح جتاوزها ولو تغريت األعراف .وس�بب هذا احلكم كام يظهر من العام يف زمنهم ال ُّ
تعليالهتم أن هذه النصوص مبنية عىل أعراف أصلية ال تغريها أعراف طارئة ،ومبنية عىل
أع�راف عام�ة ال تغريها أعراف خاصة((( .قال ابن حجر يف املحرم من زينة املرأة املحدة:
«ما نصوا عىل أنه زينة لو اطرد يف حمل أنه ليس زينة هل يعترب هذا أو ال؟ حمل نظر .وظاهر
كالمهم الثاين؛ ألنه ال عربة بعرف حادث وال خاص مع عرف أصيل أو عام»((( .ومن ثم
قالوا قديماً :إنه حيرم عىل نساء السودان التحيل بحيل الذهب وإن مل يعدوه زين ًة يف عرفهم؛
ألنه خمالف لنص األصحاب املبني عىل العرف العام.
فال�ذي يظهر أن ه�ذه األعراف الت�ي اعتمدوا عليها ج�اءت أصالتها م�ن امتداد مكاين
أمورا مس�تقرة بني الن�اس يف األمصاريصحب�ه امت�داد زم�اين ،أو بتعبري آخر أهن�ا كانت ً
عبر األعصار ،ومن ثم اعتربوه�ا أعرا ًفا أصلية تدفع ما خيالفه�ا ،بدليل ما جاء يف املثال
غري بعيد يف الزمان
الس�ابق؛ فإن التزين بالذهب عرف له امتداده الزماين واملكاين ،وهذا ُ
الذي عاش فيه الشافعي واألصحاب ،بل يف القرون التي عاش فيها األئمة من بعدهم.
ث�م إن هذه النصوص يف أمور معدودة كالعيوب الت�ي تُثبت اخليار وما جيب عىل العامل
يف املس�اقاة وما يلزم املؤجر واملس�تأجر ،وس�وف نناقش هذه املس�ألة إن شاء اهلل تعاىل يف
احلديث عن أحكام التعارض.
ثان ًيا :العرف اخلاص:
مل تضم النهاية هذه العبارة لف ًظا ،وإن تكرر معناها يف كثري من املواضع ،فقد حتدث اإلمام
ع�ن تواطؤ بعض األقوام عىل أمور ختالف العرف العام ،كقوله« :فأما العادة التي تتلقى
م�ن تواط�ؤ أقوام عىل اخلصوص ،كرشط اإلباحة يف الرهن ،ورشائط معروفة فاس�دة يف
الق�روض ،فهذا حممول عىل اصطالح أقوام ،وقد خيتص ببعض البالد ببعض األعصار،
خالف بني أهل املذهب.
ٌ ففي مثله الرتدد»((( .أي يف اعتباره
((( راجع عىل سبيل املثال :هناية املحتاج ،للرميل ( ،)257 /5حتفة املحتاج ،البن حجر (.)258 /8 ،117 /6
((( حتفة املحتاج يف رشح املنهاج البن حجر ،وحوايش الرشواين والعبادي (.)258 /8
((( هناية املطلب (.)144 /5
167
العدد الخامس والعشرون
الن�ص يق�ف بنا على أه�م أركان العرف اخلاص عن�د اإلمام ،وهي أن�ه خيلو من ُّ وه�ذا
العرف العام ،فيكون عىل درجة من الش�يوع أقل عملاً ُ الذيوع واالنتش�ار الذي يتمتع به
ومكانًا وزمانًا.
وم�ن اخلطأ -يف زعم�ي -أن يوصف العرف اخلاص بأنه ما قاب�ل العرف العام؛ ألنه قد
يتص�ور خل�و الزم�ان واملكان من عرف ع�ام يف خصوص ذلك املتع�ارف .كام أن حرص
خمصوصا بفئة أو بلد أو طائفة من املس�لمني((( غري جامع؛ ألن ً الع�رف اخلاص فيما كان
العرف اخلاص -كام س�يأيت يف كالمهم -يش�مل ما اختص به الفرد الواحد ،س�يام ونحن
نبحث يف األعراف القولية واألعراف الفعلية ،ومسألة مهر الرس والعالنية املتقدم ذكرها
قري ًبا مبنية -كام قرر اإلمام -عىل تعارض العرف اخلاص مع العرف العام.
وق�د تقدم أن الش�يخ ابن حجر اهليتمي -رمحه اهلل تع�اىل -اعترب من العرف اخلاص قول
الواقف( :حبس�ت مايل عىل فلان) .والعرف عند هذا الواقف أن يك�ون قوله هذا وق ًفا
عىل غري فالن املذكور من الورثة ويمنع منه(((.
العرف اخلاص بأنه م�ا مل يتعامله أهل البلاد مجي ًعا ،فمبناهَ وأم�ا تعريف الش�يخ أيب س�نة
رعاي�ة اصطالح احلنفي�ة واختيارهم؛ ألنه صادق بام تعامله فرد واح�د ،وما تعامله أهل
أيضا بما تعامله أغلب ش�ك يف دخوله يف العرف اخل�اص ،وصادق ً بل�د أو بلدي�ن ،وال َّ
خاصا ،بل هو عرف عام ،وختلف بعض البالد عنه ال البلاد ،وهذا يبعد أن يك�ون عر ًفا ًّ
يقدح يف عمومه ،وإال ملا فرضت األعراف اخلاصة يف مقابلة األعراف العامة.
مح�ل الداب�ة -وهي لغ� ًة :كل م�ا يدب على األرض -عىل ق�ال اب�ن حج�ر« :واملذهب ُ
ف�رس وبغ�ل ومح�ار أهلي ...فيعط�ى أحده�ا يف كل بلد عمًل�اً بالع�رف الع�ام ،وزعم
ممنوع كزع�م أن عرفهم خيصه�ا بالفرس كالعراق بخالف س�ائر ٌ خصوص�ه بأه�ل مرص
((( مم�ن نق�ل هذه التعاريف الباحسين يف الع�ادة حمكمة ( ،)43-42ومم�ن تبناها املدخل الفقهي الع�ام للعالمة الزرقا
(.)878
((( راجع :الفتاوى الفقهية الكربى ،البن حجر (.)244 /3
ق�ال« :واملخت�ار الث�اين؛ ومن فروعها لو اتفق الزوج�ان عىل ألف واصطلحوا عىل أن يعربوا ع�ن ألف يف العالنية بألفني
فاألظه�ر وج�وب األلفين جلريان اللف�ظ الرصيح به ،وقيل :جي�ب األلف عملا باصطالحهام .قال اإلم�ام :وعىل هذه
القاعدة جتري األحكام املتلقاة من األلفاظ .فلو قال لزوجته :إذا قلت :أنت طالق ثالثا مل أرد به الطالق أو أريد به طلقة
أن (حبس�ته عىل فالن) حبس عىل ورثته دونه؛ ألن هذا العرف واحدة ،فاملذهب أنه ال عربة بذلك ...ال عربة بعرفهم يف َّ
ليس بعام ،وإنام هو خاص ،والعرف اخلاص بل العام ال ُيعمل به يف تغيري مقتىض الرصائح».
168
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
البلاد»((( .وه�ذا رصيح يف أن عرف العراق اختلف عن عرف س�ائر البالد يف الدابة ومل
يقدح ذلك يف عمومية العرف.
وبن�ا ًء على هذا نقول يف وص�ف العرف اخلاص بام يتف�ق وفق َه اإلمام والش�افعية :إنه ما
خيتص به الواحد أو اجلامعة من الناس يف بلد أو أكثر دون حدِّ األغلبية أو العموم.
من أمثلة ذلك أن املعترب يف تقدير جنس نفقة املفلس ومن يف مؤنته وكس�وهتم التي تقدم
هل�م م�ن ماله ه�و العرف ،وأنه إنام يقتصر يف حقهم عىل القدر الذي تتحق�ق به الكفاية؛
ألن اإلمام رصح بام يؤخذ منه أن املعترب يف تقدير جنس النفقة هو عرف طبقة املفلس(((.
وم�ن أمثل�ة األعراف اخلاص�ة ما جاء يف ضب�ط الغبن ،حي�ث قال اإلم�ام« :والغبن هو
النق�ص الظاه�ر الذي يعدُّ ب�ه حا ًّطا من ثمن املثل»((( .أي يع�د يف العرف حا ًّطا من ثمن
املثل.
واألوج�ه يف املذهب الش�افعي اعتبار الع�رف املطرد يف كل ناحية بام ُيتس�امح به فيها(((،
وأن الع�رف املعترب هو عرف أهل الناحية حم�ل التعامل ،واملراد بالناحية هنا بلد البيع(((،
ال تلك املحلة التي جيرى فيها العقد بخصوصها.
()3
ف ة ف� ق
تح�� ق
بح�ي�� ا لعر�
ج � د اي� � ي� ر
مل ا
اتفق�ت كلم�ة أهل امللة املعظمة عىل أن�ه ال حاكم إال رب العاملني ،ول�زم من ذلك أنه ال
ُحكم إال هلل تعاىل الذي بس�ط بساط الوجود عىل ممكنات ال تُعدُّ وال حتىص ،وأفاض نور
فيضه عىل كائنات ال تُستقىص ،ووضع عىل ذلك كله موائد جوده وكرمه التي ال تتناهى،
فكشف خللقه عن صفات كامله ،ونعوت جالله ومجاله ،وأظهر ذلك كله بدالالت عقلية
وآثار تفصيلية ال تتناهى.
169
العدد الخامس والعشرون
((( انظ�ر لتأكيد هذا الرأي :تيسير التحرير ملحمد أمين ( )150 /2والتقرير عىل التحرير ،البن أمري احلاج (،)89 /2
ومس�لم الثبوت ورشحه فواتح الرمحوت ،لعبد العيل األنصاري ( ،)25 /1وحاش�ية األمري عىل اجلوهرة ( .)32وانظر
الرأي اآلخر يف :التوضيح عىل التنقيح لصدر الرشيعة (158 /2ط اخلريية 1322هـ).
وراج�ع عموما رس�الة :العق�ل عند األصوليني لفضيلة الدكتور عبد العظيم الديب رمح�ه اهلل تعاىل ،فقد انتهى فيه إىل أنه
ال خالف بني األصوليني من أهل السنة واملعتزلة والشيعة ،عىل أنه ال حاكم إال اهلل سبحانه وتعاىل ،وأن ما شاع بخالف
ذلك غري دقيق .دار الوفاء باملنصورة ،مرص .1992-1415
((( نس�بة لإلمام أيب احلس�ن األش�عري ،نارص الس�نة وقام�ع البدعة ،قال ابن خل�كان« :هو صاحب األص�ول والقائم
بنرصة مذهب الس�نة ،وإليه تنس�ب الطائفة األش�عرية ،وش�هرته تغني عن اإلطالة يف تعريفه ،والقايض أبو بكر الباقالين
نارص مذهبه ومؤيد اعتقاده ،وكان أبو احلس�ن جيلس أيام اجلمع يف حلقة أيب إس�حاق املروزي الفقيه الش�افعي يف جامع
املنصور ببغداد .ومولده سنة سبعني ،وقيل :ستني ومائتني بالبرصة .وتويف سنة نيف وثالثني وثالثامئة» .وفيات األعيان،
ابن خلكان (.)284 /3
((( نسبة لإلمام أيب منصور املاتريدي؛ أيب حممد بن حممد بن حممود ،من كبار العلامء ،كان يقال له :إمام اهلدى .له كتاب
التوحيد وكتاب املقاالت وكتاب بيان أوهام املعتزلة وكتاب تأويالت القرآن ،وله كتب ش�تى .مات س�نة ثالث وثالثني
وثالثامئة بعد وفاة أيب احلس�ن األش�عري .اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية ،حميي الدين احلنفي ( ،)130 /2وقد وافق
اإلم�ا ُم أب�ا احلس�ن يف جل املس�ائل إال قليلاً ،وقد درس�ها العلماء يف مصنفات مثل نظ�م الفرائد يف مس�ائل اخلالف بني
املاتريدية واألشعرية لشيخي زاده( ،العقد اجلوهري يف الفرق بني كسبي املاتريدي واألشعري) للشيخ خالد النقشبندي
1242هـ .ومعظم أتباع اإلمام املاتريدي من احلنفية.
170
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
اس�تعانة بالرشع عىل هذه األفعال باحلسن والقبح تب ًعا جلهة املصلحة أو املفسدة ،وحيكم
حل َسن ألن يتعلق به حكم اهلل تعاىل باألمر ،بحيث يستحق فاع ُله
أيضا باستحقاق الفعل ا َ ً
امل�دح يف العاج�ل والث�واب يف اآلجل ،وباس�تحقاق الفع�ل القبيح ألن يتعل�ق به حكم
اهلل تع�اىل بالنهي ،بحيث يس�تحق فاع ُله الذ َّم يف العاجل والث�واب يف اآلجل( .لكن هذا
احلكم من اهلل تعاىل ،وال يس�وغ للعقل أن حيكم عىل فعل ما بأنه
َ االس�تحقاق ال يس�تلزم
واجب أو حرام ...إلخ ذلك من األحكام ،إال بورود الرشع)((( وهو مذهب وس�ط بني
املذهبني(((.
واإلم�ام ج�ار على مذهب األش�اعرة يف ذلك ،يقول« :واملس�لك احلق عن�دي يف ذلك،
اجلامع ملحاس�ن املذاهب ،الناقض ملس�اوهيا ،أن نقول :لس�نا ننكر أن العقول تقتيض من
اجتناب املهالك وابتدار املنافع املمكنة عىل تفاصيل فيها وجحد ،هذا خروج عن َ أرباهبا
املعقول ،ولكن ذلك يف حق اآلدميني .والكالم يف مس�ألتنا مداره عىل ما يقبح وحيسن يف
حكم اهلل تعاىل .وذلك غيب ،والرب س�بحانه وتعاىل ال يتأثر برضرنا ونفعنا ،فاس�تحال
احلكم بقبح اليشء يف حكم اهلل تعاىل وحس�نه ،ومل يمتنع إجراء هذين
ُ -واألم�ر كذلك-
ع�زى إىل اهلل وال يوجب عليه أنرضر أو أمكن نفع برشط أال ُي َ
الوصفين فين�ا إذا تنج�ز ٌ
يعاقب أو يثيب»(((.
احلك�م الرشع�ي ينقس�م إىل حك�م تكليفي كوج�وب الصالة ووج�وب إقامة ُ وإذا كان
احلد عىل الس�ارق ،وحكم وضعي كجعل الزوال س�ب ًبا لتعلق وجوب صالة الظهر بذمة
املكل�ف ،والرسقة س�ب ًبا إلقامة احلد ،واحلي�ض مان ًعا من الصوم ،والعل�م باملعقود عليه
رش ًطا لصحة العقد ،وإتالف الصبي س�ب ًبا لوجوب الضامن يف ماله وأداء الويل منه ،فإن
الصحي�ح أن األحكام الوضعية أحكام رشعي�ة ،خال ًفا ملن أخرج األحكام الوضعية من
تعري�ف احلكم الرشعي ،وملن اعتربها أحكا ًما عقلي�ة؛ فإن طائفة من األصوليني -منهم
التاج الس�بكي -ذهبت إىل أن األح�كام الوضعية أحكام عقلية وليس�ت رشعية ،فقالوا
إهنا عالمات لألحكام الرشعية ،فمعنى س�ببية الزوال التي هي احلكم الوضعي أن كون
((( انظر :سلم الوصول للشيخ املطيعي ( ،)87-82 /1والبدر الساطع له ( 176وما بعدها) .وراجع :كتاب املسامرة
رشح املسايرة ( ،)41 /2وأصول الفقه للشيخ اخلرضي (.)23
((( سلم الوصول (.)86 /1
((( الربهان يف أصول الفقه ( 92-91 /1ف )12ولكنه رفض هبذا طريقة القايض الباقالين يف الرد عليهم.
171
العدد الخامس والعشرون
الزوال س�ب ًبا وموجبا عالمة على وجوب الظهر ،والزوال يدركه املكلف بدون واس�طة
الشرع؛ ألنه يرى ميل الش�مس عن خط االس�تواء إىل جهة الغ�رب ،فيعلم كون الزوال
سب ًبا للوجوب بدون واسطة الرشع ،فيعلم أن اهلل أوجب عليه الظهر.
واحل�ق م�ع الفريق اآلخر الذي يرى األحكا َم الوضعية عبارة عن وضع أس�باب وموانع
وغير ذلك من قبل الش�ارع ،فهي ال تؤخذ وال تس�تفاد إال من الرشع ال�ذي هو الدليل
الس�معي املبعوث به النب�ي الكريم ،وال معنى للرشعي إال ذل�ك((( ،ومن ثم فإن احلكم
هو خطاب اهلل املتعلق بأفعال املكلفني باالقتضاء أو التخيري أو الوضع.
عقيل ال يلزم منه أن العقل منش�ئ للحكم ،غاية األمر وحتى القول بأن احلكم الوضعي ٌّ
أنه طريق يف التعرف عىل احلكم الذي ورد به الرشع.
إذا تق�رر هذا فإن األصل يف األحكام الرشعية -كام قرر األصوليون -أن ال يؤخذ واحد
وتقريرا ،أو من اإلمجاع أو من القياس
ً منها إال من كتاب اهلل وسنة رسوله ﷺ قولاً وفعلاً
الصحي�ح ،وهي األدل�ة التي نصبها اهلل عز وجل للوقوف عىل م�راده من خلقه ،وهذان
جيوز ألحد من الناس كاف ًة أن يقولاألخريان يرجعان يف احلقيقة إىل الكتاب والسنة ،فال ُ
يف يشء م�ن األش�ياء عامة :هذا فرض أو واجب أو س�نة أو من�دوب أو حرام أو مكروه
حتريًم�اً أو تنزيهً ا .إال إذا كان قوله مأخ�و ًذا من دليل من تلك األربعة يقتيض ذلك القول،
ويدل عليه داللة صحيحة ولو بغلبة ظن القائل(((.
ومن ثم فإن العرف -من حيث هو -ال ُينشئ يف رشع اهلل حكماً ،وال يكون دليلاً من أدلة
مصدرا م�ن مصادر الترشيع؛ خال ًفا ملاً الشرع الت�ي تؤخذ منها األحكام مبارشة ،وليس
مصادر يستقون منها القوانني.
َ عند القانونيني الذين جيعلونه أوَّلاً خلمسة
موقع العرف من األدلة املختلف فيها:
إن أه�ل املذاه�ب األربعة متفقون عىل اعتبار العرف يف اجلملة ،واخلالف بينهم يكون يف
بع�ض اجلزئيات األصولية كاالختلاف عىل ختصيص العام بالع�رف ،واالختالف عىل
تقدي�م الع�رف العام عىل القي�اس بني الش�افعية واحلنفية ،وكذلك يف بع�ض التطبيقات
الفرعية ،ومن ثم ال يستقيم عدُّ العرف من األدلة املختلف فيها كام هو ذائع؛ وال يصح أن
((( راجع :هناية السول وحاشية الشيخ بخيت (.)68 /1
((( انظر :أحسن الكالم فيام يتعلق بالسنة والبدعة من األحكام للشيخ حممد بخيت املطيعي ( )4وراجع :الربهان إلمام
احلرمني ( 214 /1ف .)487
172
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
يعتمد عىل بعض اجلزئيات التي مل يعتمد فيها عىل العرف يف نسبة عدم االعتداد بالعرف
إىل أصح�اب ه�ذه اآلراء؛ فعىل س�بيل املثال جاء يف كتاب (امله�ذب يف علم ُأصول الفقه
املق�ارن) أن العرف من األدل�ة املختلف فيها بني املذاهب((( ،وأنه اختلف يف العرف عىل
مذهبين؛ املذه�ب األول :أن الع�رف ُح َّج�ة ،ودليل رشعي تثبت ع�ن طريقه األحكام.
بح َّجة ،وال يصلح أن يكون دليلاً تُبنى عليه األحكام. واملذه�ب الثاين :أن الع�رف ليس ُ
لكن�ه مل يبني أصحاب كل رأي ،وذكر أنموذجني للفروع املبن َّية عىل هذا اخلالف املعنوي
عىل حد قوله:
أحدمها :اخلالف يف املعاطاة ،فقال« :إن بيع املعاطاة -وهو :دفع ثمن املبيع للبائع وأخذ
بيشء -جائز عن�د أكثر العلامء ،ودليلهمٍ املبي�ع عن ت�راض بينهام ،دون أن يتلفظ أحدمها
العرف؛ ألن البيع قد ورد الرشع ِ
بح ِّله مطل ًقا ،ومل ُيشترط فيه يشء من األلفاظ ،ومل ُيبني
كيفيت�ه ،فريج�ع ذلك إىل العرف .وخالف يف ذلك الكثري من الش�افعية ،وقالوا :ال جيوز
أمر خفي ال يعرف إال باإلجياب الر َضا لصحة البيع ،وهو ٌ بيع املعاطاة؛ ألن الشارع رشط ِّ
والقبول»(((.
اآلخ�ر :اخللاف يف اس�تحقاق األجري الصان�ع ألجرة املث�ل عند عدم ذك�ر األجرة عند
العقد((( ،فنس�ب القول باالس�تحقاق لإلمام أمحد واإلمام أيب حنيفة اعتام ًدا عىل العرف،
ونس�ب عدم االس�تحقاق لبعض العلامء الذي�ن مل يذكرهم .ومعلوم أن بعض الش�افعية
اختاروا عدم االستحقاق.
والتمثيل هبذين املثالني واالعتامد عليهام يف نسبة إنكار حجية العرف للشافعية فيه ما ييل:
األوىل :أن ج�واز املعاطاة يف البيع واس�تحقاق األجري املعروف بالعمل أجرته هو اختيار
أكث�ر العلماء يف املذهب الش�افعي ،وهو املعتمد ال�ذي عليه األئمة ،وم�ن مل يقل هبام من
الشافعية ال ينكر العرف بالكلية كام سيأيت.
حكم أصيل كإنكار حجية العرف ،مع ٌ الثانية :أن هذين جمرد فرعني فقهيني ال ُيبنى عليهام
وجود مئات الفروع املبنية عىل العرف.
((( الرياض .مكتبة الرش�د .وممن فعل هذا األس�تاذ الش�يخ عبد الوهاب خالف يف كتابه علم أصول الفقه (،)80-79
إال أنه بعد أن عرض تعريفه وأنواعه وحكمه ،قال« :والعرف عند التحقيق ليس دليال رشعيا مستقال».
((( املهذب يف علم أصول الفقه (.)1023 /3
((( املصدر السابق (.)1023 /3
173
العدد الخامس والعشرون
الثالثة :أن هذين املثالني بخصوصهام مس�تثنيان من قاعدة اعتبار العرف عند الش�افعي،
الزركيش يف املنثور ،وقال :إن املختار يف املذهب خالفه(((.
ُّ كام أفاد ذلك
العرف يلتقي مع األدلة املختلف فيها يف أمر سنذكره قري ًبا إن شاء اهلل تعاىل ،وهو أنه
ُ نعم
يعترب البيئة التي تطبق فيها األحكام ،لكن مل أجد يف املش�هور من مصنفات الطريقتني يف
وتسمح.
ُّ بتجوز
األصول عد العرف منها ،ولو ُّ
إذن فليس�ت حجية العرف حجي َة إنشاء كام هي يف القرآن والسنة ،وليست حجي َة كشف
العرف
ُ كام هي يف اإلمجاع والقياس ،وإنام هي حجية اعتداد يف تنفيذ األحكام ،اس�تمدها
م�ن املصادر الس�ابقة ،بحي�ث يكون هو البيئ�ة التي تعترب عن�د تطبيق أحكامه�ا واألداة
العرف يف املعامالت
َ ثم قال اإلمام« :وم�ن مل يمزج التنفيذي�ة الت�ي تعني عىل ذلك ،ومن َّ
بفقهها مل يكن عىل حظ كامل فيها» .ونكون بذلك أمام جهات لالعتبار حمصورة:
الرشع يف تطبيق األحكام ،وأرشد األمة إىل أن مل َء ُ إحداها :مساحات الفراغ التي تركها
هذه املساحات وظيفة الفقيه من خالل عرف زمنه ومكانه.
ثانيته�ا :تنزي�ل الرشع للعرف املط�رد منزل َة النطق يف األمور املتعلق�ة بتعامالت املكلفني
تفسريا وختصيصا وتقييدا وإذنا ورشطا ،ويتعلق بذلك اعتبار أعرافهم القولية ،واعتباره
قرينة مرجحة لألمر الذي يتعلق به.
ثالثته�ا :االعتماد على العرف يف كش�ف مواض�ع الرضورة املمت�دة إىل س�لف األمة يف
املعامالت ،ومواضع احلاجة واملصلحة واملساحمة القائمة بني الناس.
املراد باالعتبار:
التعبير الش�ائع يف املذهب الش�افعي واملذهبني احلنف�ي واملالكي هو (اعتب�ار العرف)
(((
واالعتب�ار يف األص�ل كما يقول اإلم�ام ال�رازي(((« :مأخوذ م�ن العبور واملج�اوزة من
صورا أخرى لكنها مستثنيات من القاعدة ،وليست هي ً ((( انظر :املنثور ( ،)357-356 /2وزاد السيوطي يف األشباه
القاعدة (.)99 /1
((( راج�ع على س�بيل املث�ال :املبس�وط ،للرسخسي ( ،)18 /14 ،170 /8 ،152 /4العناية رشح اهلداي�ة ،للبابريت
( ،)15 /7حاش�ية اب�ن عابدي�ن ( ،)277 /6 ،197 /4 ،715 /3رشح خمتصر خلي�ل للخ�ريش ( )69 /3حاش�ية
الدسوقي عىل الرشح الكبري (.)140 /2
((( أبو عبد اهلل حممد بن عمر بن احلسني بن احلسن بن عيل التيمي البكري الطربستاين الرازي امللقب بفخر الدين ،فقيه
شافعي أصويل متكلم نظار مفرس أديب شاعر فيلسوف فلكي ،صاحب أساس التقديس واللوامع البينات يف رشح أسامء
اهلل تعاىل والصفات ،وصاحب التفسري الكبري (مفاتيح الغيب) واملحصول يف أصول الفقه ،وغريها .ت 606هـ .انظر:
الفتح املبني يف طبقات األصوليني ،لألستاذ الشيخ عبد اهلل املراغي (.)48-47 /2
174
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
يشء إىل يشء ،وهل�ذا س�ميت ال َعبرْ َ ُة َعْب�رْ َ ةً؛ ألهنا تنتقل من العني إىل اخلد ،وس�مي ا َملعبرَ
ربا؛ ألن به حتصل املجاوزة ،وسمي العلم املخصوص بالتعبري؛ ألن صاحبه ينتقل من مع ً
املتخ َّي�ل إىل املعقول ،وس�ميت األلفاظ عب�ارات؛ ألهنا تنقل املعاين من لس�ان القائل إىل
عقل املس�تمع ،ويقال :الس�عيد من اعترب بغريه؛ ألنه ينتقل عقله من حال ذلك الغري إىل
حال نفس�ه ،وهلذا قال املفرسون :االعتبار هو النظر يف حقائق األش�ياء وجهات داللتها
ليعرف بالنظر فيها يشء آخر من جنسها»(((.
واالعتب�ار مركب�ا مع العرف حيتفظ بمعنى االس�تدالل ويضاف إليه معن�ى االعتداد؛ إذ
االعتداد معنى من معاين االعتبار ،يقول الش�يخ الفيومي(((« :واالعتبار بمعنى االعتداد
بالشيء يف ترت�ب احلكم نح�و :والعربة بالعق�ب ،أي واالعتداد يف التق�دم بالعقب»(((.
ربا كونه معتدًّ ا به رشعا يف االستدالل به عىل هذه اجلهات الثالث فمعنى كون العرف معت ً
املذك�ورة قريب�ا ،وه�ذا هو معن�ى حتكيم الع�رف والرجوع إلي�ه؛ ومن هن�ا افتتح اإلمام
الس�يوطي املبحث اخل�اص بالعرف والعادة يف األش�باه ،بقوله« :اعل�م أن اعتبار العادة
والعرف ُرجع إليه يف الفقه يف مسائل ال تعد كثرة»(((.
هذا ما أمكن اس�تنتاجه من فقه اإلمام يف «النهاية» ،وفروع الش�افعية يف فقههم ،وقواعد
اجلمهور يف أصوهلم .وقد نوع اإلمام يف عباراته يف االعتامد عىل العرف ،فتارة يقول« :قد
أطبق الفقهاء قاطبة عىل أن املعترب يف األقارير واملعامالت إش�اعة األلفاظ وما ُيفهم منها
يف الع�رف املطرد ،والعبارات عن العقود تُعنى ملعانيها» .وثانية يقول« :من أصحابنا من
اعتبر اللف�ظ وعرفه ،ومنهم من اعتبر الالفظ وعرفه ،وميل الن�ص إىل اعتبار اللفظ إذا
حتققنا أنه مل يكن لالفظ قصد ،وهذا غائص حسن» .وثالثة يقول« :واحلكم املرجوع إليه
العرف» .ورابعة يقول« :وال يعترب يف ذلك غري الرجوع إىل العرف» ...إلخ(((.
((( تفسري الرازي ( )504 /29وراجع :تاج العروس (ع ب ر) النهاية يف غريب احلديث واألثر (.)170 /3
((( أمح�د ب�ن حمم�د الفيومي ث�م احلموي ...ولد بالفيوم واش�تغل ومه�ر ومتيز يف العربي�ة عند أيب حيان ث�م قطن محاة،
وخطب بجامع الدهشة ،وكان فاضال عارفا بالفقه واللغة .صنف املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري .تويف سنة نيف
وسبعني وسبعامئة .راجع :بغية الوعاة (.)389 /1
((( املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري ،للفيومي (ع ب ر).
((( األشباه والنظائر (.)90
((( هناية املطلب ،عىل الرتتيب.)244 /2 ،23 /13 ،351 /18 ،61 /14( :
175
العدد الخامس والعشرون
املبحث الثاني:
ضبط التصديقات
()1
ش ف ض ن
ا ل�تعا ر� ب�ي�� ا لعر� و ا ل��رع
أوال :األصل العام:
مر -هو البيئة التي تُطبق فيها أحكام الرشيعة ،واألداة
العرف –عند اإلمام والشافعية كام َّ
الت�ي ُيس�تعان هبا عىل التنفي�ذ؛ فال يقبل أن يك�ون هناك تعارض بين العرف ونصوص
الرشيع�ة؛ ألن أفع�ال املكلفين التي تش�كل العرف جي�ب أن تكون متوافق�ة مع أحكام
الرشيعة التي تنطق هبا هذه النصوص ،وهنا جيب التفريق بني أمرين:
أحدمه�ا :األعراف والعادات القائمة يف زمن الترشيع حال ورود النصوص ،وهذا -كام
يق�ول الش�يخ أبو س�نة رمحه اهلل تع�اىل -بحث تبارت في�ه أقالم األصوليين ،وأدلوا فيه
بعصارة أفكارهم ،وقد خلص الش�يخ فوائده ومجع رشائده ،وهو مبحث لغوي قائم عىل
م�دى قوة هذه األعراف -قولية كانت أو عملية -يف ختصيص عموم النصوص الرشعية
وتقييد مطلقها.
اآلخ�ر :األعراف احلادث�ة بعد زمن النبي ﷺ ،وهي ما ُيعنى ب�ه هذا البحث ،وعىل وجه
اخلصوص األعراف العملية (العادات اجلارية بني الناس) ويمكن أن نقسمها -يف ضوء
فقه اإلمام يف النهاية -قسمني:
( )1ما اتصل بزمن السلف األول رضوان اهلل تعاىل عليهم.
( )2ما نشأ يف األزمان التالية منقطع الصلة بزمن السلف األول.
وم�ا دمنا نتحدث يف التعارض فقد خرجنا من دائرة األعراف التي حتمل عليها نصوص
الرشع وعبارات املكلفني إىل دائرة األعراف التي تنشأ يف مقابلة احلكم الرشعي املستقر،
سواء كان مصدره املبارش النص أو كان مصدره اإلمجاع أو القياس ،والقياس هنا يشمل
الدليل اإلمجايل املعروف يف أصول الفقه ،وهو محل معلوم عىل معلوم ملس�اواته له يف علة
حكمه ،ويشمل القاعدة الكلية أو األصل املطرد.
176
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
وال�ذي ُيس�تنبط من فق�ه اإلم�ام يف النهاية أن ما كان حج� ًة رشعية س�واء كان النص أو
القياس ال ُيرتك لعرف خمالف؛ إذ مل أقف يف النهاية عىل حكم لإلمام قدم فيه عرفا خمالفا
لن�ص أو قي�اس عىل النص أو القياس ،إال ما س�يأيت بيانه من مس�تثنيات من هذا األصل
الع�ام ،حتى م�ا كان من قبيل األلفاظ الرشعية التي اش�تهرت يف العقود والفس�وخ كان
مقدما عنده -ويف املذهب -عىل غريه ،ولو جرى العرف به وشاع ،قال اإلمام« :ما جرى
ل�ه ذكر يف الرشع ،وتكرر حتى صار مش�هورا يف الرشع؛ فهو رصي�ح ،وإن مل يفرض فيه
إشاعة يف العادة؛ فإن ما عرف رشعا ،فهو املتبع ،وعليه بنينا محل الدراهم يف األقارير عىل
النق�رة اخلالص�ة ،وإن كان قد يغلب العرف عىل خالف ذل�ك»((( .وقد أقره الزركيش يف
القواعد(((.
والدلي�ل الرصيح على أن األصل العام عند اإلمام عدم اعتب�ار العرف املخالف للحجة
قول اإلمام يف املس�ابقة« :نقل األئمة تردد الش�افعي الرشعية من نص أو إمجاع أو قياس ُ
يف أن املتب�ع يف النض�ال القياس أو الع�ادة التي جتري بني الرماة ،وهذا مش�هور عىل هذه
الصيغ�ة ،وهو مش�كل؛ فإن القي�اس حجة يف الرشع ،ف�إن كانت الع�ادة موافق ًة ملوجب
الشرع ،فال معنى للرتدد ،واملتبع الرشع وقياس�ه ،وإذا كان للرماة عادة يناقضها القياس
املعترب يف الرشع ،فال معنى التباع عادهتم ،والوجه القطع بالتعلق باحلجة الرشعية»(((.
هذا رصيح يف بيان رأي اإلمام يف هذه املس�ألة ،وفقه اإلمام يف النهاية يف باب املعامالت
على وجه اخلصوص ،وكذلك فقه الش�افعية يف كتبهم يؤك�د االلتزام هبذا األصل ،وهذا
الرتدد املذكور يف النص الس�ابق عن الشافعي هو يف خصوص هذه املسألة ،فال ينسحب
حكم�ه عىل غيره ،وال تؤخذ منه قاعدة عامة ،وذلك -كام ق�ال احلجة الغزايل -ألن أمر
البداية أمر هني؛ فلذلك تردد فيه الش�افعي ◙((( ،وس�يأيت تفسريه إن شاء اهلل تعاىل.
وق�د نقل اإلمام الزركيش كال َم اإلمام يف املنث�ور ومل يذكر يف مقابله رأيا آخر((( ،مما يؤكد
أن هذا أمر مستقر يف املذهب.
177
العدد الخامس والعشرون
ويزيد األمر تأكيدا قول الشيخ ابن حجر يف الفتح« :والشافعية إنام أنكروا العمل بالعرف
النص الرشعي أو مل يرشد النص الرشعي إىل العرف»((( .وقول اإلمام الغزايل إذا عارضه ُّ
يف الوس�يط« :وال خيتلف القول يف كل عادة ختالف القياس؛ إذ الشافعي ال يرتك القياس
ألجل عادة خمالفة له»((( .وإذا كان هذا ش�أن الع�رف مع القياس بمعنى القاعدة املطردة
فام شأنه مع القياس األصويل واإلمجاع والنص؟
وكي�ف يقبلون العرف احلادث املخالف لنص الشرع أو للقياس وهم يرفضونه إذا كان
خمالف�ا لنص صاحب املذهب أو األصحاب ،وهناك من الفروع ما يس�ند هذه الدعوى،
فإن�ه مل�ا جرت الع�ادة يف زم�ن اإلمام الس�بكي رمح�ه اهلل تعاىل بإمه�ال الن�اس ِذكر لون
القمح ا ُملس� َلم فيه وحجمه ،وصفها بأهنا عادة فاس�دة ،وقال إهنا خمالفة لنص الش�افعي
واألصح�اب ،مشيرا بذل�ك إىل علة وصف�ه إياها بالفس�اد .وإذا كان هذا ش�أن العرف
املخالف لنص الشافعي فام القول يف املخالف لنص الرشع؟ وسوف نفرد ملسألة تعارض
العرف مع نصوص األصحاب حديثا يف هذا املبحث إن شاء اهلل تعاىل.
وثمة نامذج تبني رأي الشافعية يف تعارض العرف مع النص أو القياس؛ منها أن الشافعية
رفض�وا ما ج�رت به العادة م�ن أخذ رهن مقابل الكتاب املس�تعار؛ ألهن�ا خمالفة لقياس
الره�ن القايض بأنه ال بد م�ن أن يكون يف مقابلة دين ال عني ،وقالوا ببطالن ما جرت به
عادة بعض الناس من كونه يقف كتابا ويرشط أن ال يعار أو ال خيرج من مكان حيبسه فيه
إال برهن((( .ذلك أن الرهن ثبت يف كتاب اهلل تعاىل يف مقابل الدين يف قوله تعاىل عقب آية
ُ ُ ۡ لَىَ ٰ َ َ َ َ ۡ جَ ْ اَ َ َ
ت ُدوا كت ِٗبا ف ِرهٰ ٞن َّمق ُبوضة} [البقرة ،]٢٨٣ :وحكمة
ۡ َ ٞ
الدينِ{ :إَون كنتم ع سف ٖر ولم ِ
مرشوعي�ة العقد تقتضي أن يكون يف مقابل الدين؛ ألن مقصود الرهن اس�تيفاء املرهون
تعذر الوفاء ،وهذا ممكن يف الدَّ ْين؛ أي ماب�ه -وهو الدين -من قيم�ة املرهون وثمنه عند ُّ
يثب�ت يف الذمة كالدراهم والدنانير ونحوها من العمالت املتداولة؛ وإنام مل يصح الرهن
مقاب�ل األعي�ان ألهنا ال يمكن اس�تيفاؤها من ثمن املرهون عند تع�ذر الوفاء وبيع العني
املرهونة ،إذ كيف تستوىف مثلاً ساعة من جنيهات ونحوها ،وإذا قلنا تستوىف قيمتها ،فإن
القيمة ختتلف باختالف املقومني ،فيؤدي ذلك إىل التنازع(((.
((( فتح الباري ،ابن حجر العسقالين (.)510 /9
((( الوسيط يف املذهب (.)189 /7
((( راجع :حاشية الرميل الكبري عىل رشح الروض ( ،)150 /2التجريد لنفع العبيد (.)368 /2
((( انظر :الفقه املنهجي ،للشيخ مصطفى البغا (.)272 /3
178
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
وكذلك قىض الشافعية ببطالن ما جرت به عادة من يريدان االشرتاك يف الزارعة -مثلاً -
بحي�ث يب�ذر أحدمها يوما م�ن مال نفس�ه ،واآلخر يوما ،وهك�ذا إىل مت�ام الزراعة؛ فلم
جيعلوه�ا م�ن قبيل الرشكة املرشوعة التي تقيض بقس�مة الربح بينه�م؛ وذلك ألن قياس
الرشك�ة عندهم اختلاط املالني بغري متييز ،فحكم�وا باختصاص كل بما يبذره ،وحتمله
أج�رة األرض فيما يقابله .وطري�ق الصحة عندهم أن خيلط مريدا الرشك�ة ما يراد بذره،
ثم ُيبذر بعد ذلك.
كل أنواع الرشكات الت�ي أجازهتا املذاهب األخرى إال وأكث�ر من ذلك رفض الش�افعية َّ
رشك�ة العن�ان؛ إذ الحظوا يف معنى الرشكة االختالط((( يف امل�ال املعني املوجود بالفعل،
ورفض�وا كل عق�د رشكة ينطوي عىل غ�رر؛ ومن ثم أبطل�وا رشكات األبدان (األعامل)
واملفاوضة والوجوه.
ف�إن رشك�ة األب�دان عب�ارة عن رشك�ة بني ش�خصني أو أكثر م�ن أرباب العم�ل عىل ما
يكتس�بان ليك�ون بينهام عىل تس�او أو تف�اوت((( ،وهي باطلة عند الش�افعية س�واء اتفقا
يف الصنع�ة كنجار ْي�ن أو اختلفا كخي�اط ونجار؛ ألن كل واحد منهام ممي�ز ببدنه ومنافعه
فيختص بفوائده ،وألن املقصود من الرشكة الربح ،وهو فرع املال ،وال مال هنا.
وأم�ا رشكة املفاوض�ة فمبناها عند احلنفية القائلني هبا االنعقاد على الوكالة والكفالة(((،
وق�د بينه�ا اإلم�ام الرافعي أت�م بيان فق�ال« :وهي أن يشتركا ليكون بينهام ما يكتس�بان
ويربح�ان ويلزم�ان من غرم وحيصل هلام من غنم((( ،وه�ي باطلة خالفا أليب حنيفة رمحه
اهلل ،حي�ث ق�ال :تصح برشط أن يس�تعمال لف�ظ املفاوضة فيقوال :تفاوضنا أو اشتركنا
رشكة املفاوضة ،وأن يستويا يف الدين واحلرفة.(((»..
((( ولذلك أخرجوا القراض من كتاب الرشكة.
((( ك�ذا يف كت�ب الش�افعية ،وهو قريب مما يف كتب احلنفية .راج�ع :البناية رشح اهلداية ،للعين�ي ( ،)408 /7االختيار
لتعليل املختار ،ملجد الدين احلنفي ( ،)17 /3جملة األحكام العدلية ( ،)258 /1الرشح الكبري مع حاش�ية الدس�وقي،
للشيخ الدردير ( ،)361 /3أحكام املعامالت لألستاذ عيل اخلفيف (.)491
((( ق�ال صاح�ب املحي�ط الربه�اين يف الفقه النعماين (« :)8 /6ث�م إذا صحت الرشك�ة باملال ،ف�إن كان مفاوضة صار
كل واح�د منهما كفيلاً عن صاحبه فيام يلزمه م�ن ضامن التجارات ،وما جيوز أن يكون واج ًبا بالتجارة ،وما يش�به ضامن
التجارة ،ويصري كل واحد منهام وكيلاً عن صاحبه فيام وليه صاحبه من التجارات».
((( فه�ي كما قال اإلمام املرغيناين احلنفي« :رشكة عامة يف مجيع أنواع التجارات ،يفوض كل واحد منهام أمر الرشكة إىل
صاحبه عىل اإلطالق» .اهلداية هبامش البناية (.)375 /7
((( الشرح الكبير ،للرافعي ( )416 /10وراجع ما نس�به الرافعي لإلمام األعظم يف املصادر الثالث الس�ابقة ،وجتدر
179
العدد الخامس والعشرون
ووج�ه املذه�ب هو خمالفة القي�اس؛ إذ مبناها على الغرر الفاحش ال�ذي ال تقبله قواعد
الرشيعة ،قال الش�افعي« :رشكة املفاوضة باطل ،وال أعرف ش�يئا من الدنيا يكون باطال
َ
خل�ط املال إن مل تك�ن رشك�ة املفاوض�ة باطلا؛ إال أن يكون�ا رشيكني َي ُع�دَّ ان املفاوض َة
والعم�ل فيه واقتس�ا َم الربح فهذا ال بأس ب�ه ..وإن زعام أن املفاوض�ة عندمها بأن يكوناَ
رشيكني يف كل ما أفادا بوجه من الوجوه بسبب املال وغريه فالرشكة بينهام فاسدة((( ،وال
أع�رف القامر إال يف هذا أو أقل منه أن يشترك الرجالن بامئت�ي درهم فيجد أحدمها كنزا
فيكون بينهام .أرأيت لو تش�ارطا عىل هذا من غري أن يتخالطا بامل أكان جيوز؟ أو أرأيت
رجال وهب له هبة أو آجر نفس�ه يف عمل فأفاد ماال من عمل أو هبة أيكون اآلخر له فيه
رشيكا؟ لقد أنكروا أقل من هذا»(((.
ومما رفضه الش�افعية ما جرت به العادة يف زمان الش�يخ الشبرامليس(((؛ من بيع احللوى
املكون�ة م�ن خل�ط اللبن أو العس�ل بالنِّش�ا يف مقاب�ل احلنط�ة؛ وذلك ألهنا ع�ادة خمالفة
للنص�وص التي يؤخذ منها -قياس�ا -بطلان بيع احلب (املطعوم) بما يتخذ منه؛ وال بام
مسته النار من جنسه لعدم العلم باملامثلة(((.
اإلش�ارة إىل أن اشتراط تس�اوي أموال الرشكاء يف القيم�ة وعدم اختصاص كل رشيك بامل يصل�ح أن يكون رأس مال
للرشكة يف مجيع مراحل وجودها ،ال يبقي عليها زمنا طويال ،فإن استمرار كل رشيك عىل ما كان له من نقود عند تكوينها
وعدم زيادهتا بعد ذلك أمر يكاد أن يكون عسريا.
((( ألن عقدها عىل أن يشارك كل واحد منهام صاحبه فيام خيتص بسببه كام لو عقدها عىل ما يملكان باإلرث واهلبة مثلاً
والتايل باطل .وفيها إش�كال آخر وهو أهنا رشكة معقودة عىل أن يضمن كل واحد منهام ما جيب عىل اآلخر بعدوانه ،فلم
تص�ح كما لو عقدا الرشكة عىل أن يضمن كل واحد منهام ما جيب عىل اآلخر باجلناية .قال الرسخيس يف املبس�وط« :وأما
الش�افعي -رمحه اهلل -فإنه ينبني عىل مذهبه أن األصل رشكة امللك ،وما هو موجب املفاوضة قط ال يثبت باعتبار رشكة
امللك؛ فلهذا أفسدها ،وقال :ألهنا تتضمن الكفالة باملجهول للمجهول؛ فإن كل واحد منهام يكون كفيلاً عن صاحبه فيام
يلزمه بجهة التجارة ،والكفالة للمجهول باملعلوم باطل ،فباملجهول أوىل» .املبسوط (.)153 /11
((( األم (.)236 /3
((( عيل بن عيل أبو الضياء نور الدين الشربامليس الشافعي القاهري خامتة املحققني وو ُّيل اهلل تعاىل ،حمرر العلوم النقلية
وأعلم أهل زمانه ،متيز بدقة النظر وجودة الفهم ورسعة اس�تخراج األحكام من عبارات العلامء ،وقوة التأين يف البحث،
ومل يش�تهر م�ن مؤلفاته إال حاش�يته على املواهب اللدنية ،وحاش�ية عىل رشح الشمائل البن حجر ،وحاش�ية عىل رشح
الورقات الصغري البن قاس�م ،وحاش�ية عىل رشح أيب ش�جاع البن قاس�م الغزي ،وحاش�ية عىل رشح اجلزرية للقايض
زكري�ا ،وحاش�ية على رشح املنهاج املس�مى بالنهاية للش�مس الرملي ،وهي التي نعتم�د عليها إن ش�اء اهلل تعاىل يف هذا
البحث ،ملا فيها من حتريرات وحتقيقات مهمة .تويف يف س�نة س�بع وثامنني وألف .والشبرا َم ِّليس بشين معجمة فموحدة
فراء فألف مقصورة عىل وزن َس�ك َْرى كام يف القاموس مضافة إىل َم ِّلس بفتح امليم وكرس الالم املش�ددة وبالسين املهملة
أو مركبة تركيب مزج ،وهي قرية بمرص .انظر :خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عرش ،املحبي (.)177-174 /3
((( راجع :حاشية الشربامليس عىل النهاية (.)436 /3
180
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
ومما رفضه الش�افعية ما جرت به العادة من تعيني ٍ
أئمة إلمامة الصالة يف املس�اجد بمقابل
أج�ر ،ورفض�وا أن جيعلوا هذا م�ن قبيل اإلج�ارة املرشوعة ملخالفته لقي�اس اإلجارة يف
القرب؛ ألن القصد من الصالة امتحان املكلف هبا بكرس نفسه باالمتثال ،وغريه ال يقوم
مقامه فيه .وملا احتيج ملثل هذا التعيني ك َّيفوا األمر بتكييف آخر ،فجعلوا ما يأخذه اإلمام
من باب األرزاق واإلحسان واملساحمة ،ورفضوا أن يكون من املعاوضات(((.
ويف إحي�اء امل�وات نب�ه الرميل واب�ن حجر وغريه�م عىل ما نأخ�ذ منه أن جري�ان العادة
بالتع�دي على حري�م العامر ال عبرة به ،وال يس�تفاد منه إباح�ة؛ ملخالفته إمج�اع األئمة
األربعة والقياس؛ ألن النبي ﷺ قال« :من أحيا أرضا ميتة يف غري حق مسلم ،فهي له»(((.
ومفهومه أن ما تعلق به حق مس�لم ال يملك باإلحياء ،وألنه تابع للمملوك ،ولو جوزنا
إحياءه ،لبطل امللك يف العامر عىل أهله ،وهذا ألن أهل العلم متفقون عىل أن ما قرب من
العامر ،وتعلق بمصاحله ،من طرقه ،ومس�يل مائ�ه ،ومطرح قاممته ،وملقى ترابه وآالته،
فال جيوز إحياؤه ،وكذلك ما تعلق بمصالح القرية ،كفنائها ،ومرعى ماشيتها ،وحمتطبها،
وطرقها ،ومس�يل مائه�ا ،ال يملك باإلحي�اء ،وكذلك حريم البئر والنه�ر والعني ،وكل
مملوك ال جيوز إحياء ما تعلق بمصاحله ،وقد أفاد الشيخ ابن قدامة يف املغني أن هذا مما ال
يعلم فيه خالفا بني أهل العلم(((.
وق�د عمت البل�وى يف القرن العارش اهلجري بالتعدي عىل حريم هنر النيل -وحريم كل
يشء ما متس احلاجة إليه لتامم االنتفاع وإن حصل أصل االنتفاع بدونه -فلم جييزوا ذلك
حتى ولو كان التعدي ببناء مسجد ،بل حكموا هبدمه .قال الرميل« :فيمتنع البناء فيه ولو
مس�جدا ،وهي�دم ما بني فيه كام نقل عن إمجاع األئم�ة األربعة ،ولقد عمت البلوى بذلك
يف عرصن�ا حتى ألف العلامء يف ذلك وأطال�وا لينزجر الناس فلم ينزجروا ،وال يغري هذا
احلك�م كما أفاده الوالد -رمح�ه اهلل تعاىل -وإن بع�د عنه املاء؛ بحي�ث مل يرص من حريمه
الحتامل عوده إليه»((( .وقد وجدنا مثل هذا عند املالكية ،يقول العالمة الدسوقي« :وقد
181
العدد الخامس والعشرون
وقعت الفتوى قديام هبدم ما بني بش�اطئ النهر وحرمة الصالة فيه إن كان مس�جدا كام يف
املدخل وغريه»(((.
ِ
وبناء َ
األمح�ال واألثقال أم�ا االنتف�اع بحافة النهر بوضع املزارعين والصيادين وغريهم
يشء -من قصب مثلاً -حلفظ األمتعة فيها؛ حيث كان لالرتفاق به ومل حُيدث ً
رضرا ،ومل
يضيق عىل املارة ونحوهم وال عطل أو نقص منفعة النهر ،فإنه جائز.
حك�م بيع الث�وب املطوي ال�ذي ينقص بالنرش َ ف�إذا ما عدن�ا إىل اإلم�ام وجدناه يتناول
(البس�ط)؛ أي أن الث�وب يك�ون مطويا يف طبقات ،فإذا ما ُبس�ط عند البيع تأثر بالبس�ط
صحح البيع ،نظرا ملا يف البس�ط من التنقيص ،و ُيلح�ق ذلك ببيع اجلوز، س�لبا ،فنج�ده ُي ِّ
وانضم إىل ذلك عموم
َّ ُ
إبطال مقصود اال ِّدخار، الذي يقصد منه ُل ُّبه ،فإنه ملا كان يف كرسه
العرف ،صح العقد كام أفاد اإلمام(((.
أما إذا انتفت الرضورة ومل يبق إال التحايل عىل حتصيل األموال فال عربة بجريان العرف
ال�ذي يرتت�ب علي�ه الغ�رر الفاحش بغري حاج�ة؛ ألن العل�م باملعقود عليه رشط يفس�د
باإلخلال ب�ه العقد ،ولذلك حكم إمام احلرمني بعدم صحة بيع بعض أنواع الثياب -يف
عرصه -يف أغلفتها دون رؤيتها ،ومل يعترب جريان العرف ببيعها هبذه الصورة .قال:
عم ال ُعرف ببيع الثياب التَّوز َّية يف ا ُملس�وح ،قلنا :ال يتجه فيه إال التخريج عىل
«فإن قيلَّ :
بي�ع الغائ�ب ،وعموم عرف أهل الزمان حُي َمل عىل مقصود املالية ،واإلرضاب عن رعاية
حدود الرشع عىل قول من يمنع بيع الغائب»(((.
فق�رر اإلم�ام أن جري�ان الع�رف هن�ا ال عبرة ب�ه ،وذل�ك ملخالفت�ه قي�اس املعاوضات
املأخ�وذ م�ن عموم أدلة الرشع الناهي�ة عن الغرر يف املعامالت ،وهو م�ا تردد بني أمرين
أغلبهما أخوفهما أو ما انطوت عن العاقدين عاقبته مما ي�ؤدي إىل احلرسة والندم .والذي
يظه�ر م�ن ال�كالم أن ه�ذه الثي�اب ال خترج م�ن األغلفة عن�د البي�ع ،مع ع�دم احلاجة
لذل�ك ،وق�د رد صنيعه�م إىل املحافظ�ة عىل املالي�ة املقرتن بع�دم رعاية ح�دود الرشع،
((( حاشية الدسوقي عىل الرشح الكبري للشيخ الدردير (.)67 /4
((( هناية املطلب (.)13 /5
((( املص�در الس�ابق ( )14 /5الثي�اب التوزية :نس�بة إىل مدينة (توز) وزان فعل ،مدينة من بلاد فارس ،وعوام العجم
تق�ول :ت�وز بفتح التاء .املس�وح :مجع مس�ح ،وهو ثوب غليظ من الش�عر ،فه�ل املعنى أن الثياب التوزي�ة كانت تعرض
للبيع ملفوفة يف «املس�وح» أم أن «املس�وح» علم عىل نوع من األغلفة كانت تدرج فيها الثياب التوزية .كام هو املفهوم من
السياق؟ انظر :حاشية حمقق النهاية (.)14 /5
182
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
ولذلك قال :والذي حيقق ذلك أن من أراد ابتياع ثوب بعينه ممَّا يف املسح ،فإنه يراه عر ًفا،
ثم يشرتيه(((.
هذا قليل من كثري من النامذج التي وقفت عليها أثناء البحث مما يبني رأي الشافعية عموما
واإلمام بخاصة يف تعارض العرف مع النص والقياس.
ثانيا :املسائل التي ظاهرها تقديم العرف املخالف:
اش�تهر عن�د احلنفية أن الع�رف العام املخالف للدليل العام يف بع�ض أفراده أو املخالف
للقي�اس ،خيصص ب�ه العام ويرتك به القي�اس ،وقد نص عىل هذا اإلم�ام ابن عابدين يف
رس�الته يف الع�رف ،بل إن م�ن احلنفية من أعطى للع�رف اخلاص ه�ذه اخلاصية مراعاة
حلاجة الناس ورفعا للرضر ،وهو قول ضعيف عندهم .وقد حاول الشيخ أبو سنة -رمحه
اهلل تعاىل -أن يرد العرف الذي خيص به الدليل إىل أصل من األصول املعتربة كاإلمجاع أو
القي�اس أو املصلحة املرس�لة أو رفع احلرج ،وأكثر من ذلك جع�ل هلذا العرف قوة إلغاء
النص بالكلية ما دام مبنيا عىل أصل رشعي معترب مع قيود شدد عليها(((.
وأصل املس�ألة يرجع إىل تعارض العرف املجتمعي مع الدليل الرشعي اخلاص أو العام،
والقاعدة العامة التي نستقيها من فقه إمام احلرمني والشافعية أن العرف ولو كان عا ًّما ال
يرتك به القياس ،فضلاً عن أن خيص به النص ،إال يف أحوال يمكننا القول -بتجوز -إهنا
مس�تثنيات من هذا األصل العام فيام خيص القياس؛ ألن العرف فيها ال يس�تقل باالعتبار
كام سيأيت ،وإنام يكون خلف العرف أدلة أخرى هي املعتربة.
من املس�ائل املش�هورة يف املذهب التي ظاهرها خمالفة العرف للقياس مسألة سقوط نفقة
الزوج�ة يف الطع�ام إذا رضي�ت باألكل م�ع زوجها ،وهذه املس�ألة قال فيه�ا اإلمام« :لو
رضي�ت بأن ت�أكل مع زوجها من غري إج�راء متليك ومتلك واعتي�اض ،فهذا مما اختلف
األصح�اب فيه :فمنه�م من جرى عىل قياس املذهب ،ومل يس�قط النفقة هب�ذا ،وإن كان
الزوج يرى إطعامها عوضا عن حقها عليه ،فام يتعاطاه س�حت .ومن أصحابنا من أجاز
ذل�ك ،وبناه عىل مذهب املس�احمة واالتباع؛ فإن األولني كان يع�م هذا االعتياد منهم من
غري إجراء اعتياض»(((.
((( هناية املطلب يف دراية املذهب (.)14 /5
((( راجع :رسالة العرف والعادة للشيخ.
((( هناية املطلب يف دراية املذهب (.)434 /15
183
العدد الخامس والعشرون
ويف طوق الناظر إذا تأمل يف تعليل اإلمام والش�افعية للمعتمد -الذي هو س�قوط النفقة
برضاها باألكل -أن يعلم أن العرف الذي بني عليه احلكم حماط بس�ياج االتصال بزمان
النب�ي ﷺ وم�ن بعده ،من غري نزاع وال إنكار وال خالف ،حيث مل ينقل -كام قيل((( -أن
ام�رأة طالبت بنفقة بعده ،ولو كان ال يس�قط مع عل�م النبي ﷺ بإطباقهم عليه ألعلمهم
بذلك ،ولقضاه من تركة من مات ومل يوفه ،وهذا ال شك فيه.
العرف هنا مل يقض عىل الدليل عند الشافعية ،وإنام نحن أمام دليلني:
-تقرير من النبي ﷺ كشف عنه جريان العادة.
-إمجاع س�كويت من الس�لف واألئمة كش�ف عنه جريان العادة بأن النفقة تسقط يف هذه
احلالة.
ومن املس�ائل التي ظاهرها معارضة العرف للقياس مس�ألة إق�راض اخلبز وزنا وعددا،
وأص�ل هذه املس�ألة أن قاعدة الق�رض أن كل ما يس�لم فيه جيوز إقراضه ،وما ال يس�لم
في�ه ال جي�وز إقراضه ،بن�اء عىل أن الواجب يف املثيل رد املث�ل ويف القيمي رد املثل صورة؛
«ألن�ه ﷺ اقترض بك�را ورد رباع ًّيا ،وقال :إن خياركم أحس�نكم قض�اء»((( .وكل هذا
م�ن أج�ل ضامن حق املقرض يف احلص�ول عىل عني ما أقرض أو مثل�ه حقيقة أو صورة،
م�ع اعتبار ما فيه من املعاين أو قيمت�ه كام نص عليه اخلطيب((( يف املغني((( .فكان القياس
حينئ�ذ ع�دم جواز إقراض اخلب�ز؛ ألنه مما ال ينضب�ط الختالطه ولتأثري الن�ار فيه ،وألنه
يؤول إىل مقابلة اخلبز باخلبز وهو من الربويات التي ال جيوز فيها حلول وال أجل.
غير أن املعتم�د عند الش�افعية جواز إقراض اخلب�ز وزنا ،وأجاز بعضه�م رد مثله عددا،
واعتمده بعض املتأخرين اعتبارا الطراد العرف به؛ لكن العرف هنا اس�تمد قوته مما قال
((( أف�اده اإلم�ام الن�ووي يف روض�ة الطالبين ( ،)53 /9ونقله العالم�ة الرميل الكبري يف حاش�يته عىل أس�نى املطالب
( ،)431 /3وراجع :الغرر البهية يف رشح البهجة الوردية (.)383 /4
((( صحيح مسلم ،كتاب املساقاة ،باب من استسلف شيئًا فقىض خيرً ا منه ،وخريكم أحسنكم قضاء (ح.)1600
((( الش�يخ اإلمام العامل العالمة اهلامم اخلطيب ش�مس الدين حممد الرشبيني القاهري الش�افعي ،تلميذ الشهاب الرميل،
وصاحب تفسير الرساج والرشح املاتع عىل منهاج الطالبني املس�مى بمغني املحتاج ،وهو معتمدنا هنا مع رشحه عىل أيب
شجاع املشهور باإلقناع ،ومها مطبوعان واحلمد هلل رب العاملني .ت 977هـ .راجع ترمجته يف :الكواكب السائرة بأعيان
املائة العارشة ،نجم الدين الغزي ( ،)73-72 /3األعالم للزركيل (.)6 /6
((( مغني املحتاج (.)119 /2
184
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
الش�يخ القلي�ويب(((« :وهو ما جرى علي�ه الناس يف األمصار واألعص�ار فالوجه اعتباره
والعمل به»(((.
وق�د أضاف إم�ام احلرمني معنى آخر ،ق�ال« :ومنهم من جوز للحاجة املاس�ة ،كام جيوز
مقابل�ة الدراه�م بالدراهم من غري تقابض»((( .وعلل ش�يخ اإلسلام زكريا األنصاري
ج�واز اإلقراض بإمج�اع أهل األمصار عىل فعله يف األعصار بلا إنكار مما يعكس حاجة َ
الناس املاس�ة ملث�ل هذه املعاملة .وقال اإلم�ام الرافعي« :للحاجة العام�ة وإطباق الناس
عليه»((( .وقال الرميل يف هناية املحتاج إىل رشح املنهاج« :ويستثنى من ذلك جواز قرض
اخلبز والعجني ولو مخريا حامضا للحاجة واملساحمة»(((.
فنحن إذن أمام علة للجواز مركبة من:
-اس�تناد هذه العادة إىل زمن النبي ﷺ ومتكنها بتقريره ﷺ ،وإمجاع من بعده ﷺ إمجاعا
عمليا عىل اجلواز(((.
-اقرتان العادة باحلاجة املاسة التي قد تصل إىل منزلة الرضورة.
-اقرتان العادة بجريان املساحمة بني الناس يف الفروق التي بني األرغفة.
((( أمحد بن أمحد بن سلامة املرصي القليويب الش�افعي ،اإلمام العامل العامل الفقيه املحدث أحد رؤس�اء العلامء املجمع
عىل نباهته وعلو ش�أنه ،وكان كثري الفائدة نبيه القدر ،أخذ الفقه واحلديث عن الش�مس الرميل ،والزمه ثالث سنني وهو
منقطع ببيته ،والزم النور الزيادي وسامل الشبشريي وعليا احللبي ،وكان مهابا ال يستطيع أحد أن يتكلم بني يديه إال وهو
مط�رق رأس�ه وجال منه وخوفا ،وال يتردد أحدً ا من الكرباء ،وحيب الفقراء وال يقبل م�ن أحد صدقة مطلقا ،بل كان يف
غالب أوقاته ُيرى متصدقا .وألف مؤلفات كثرية عم نفعها؛ منها حاش�ية عىل رشح املنهاج للجالل املحيل ،وحاش�ية عىل
رشح التحرير لش�يخ اإلسلام ،وحاشية عىل رشح أيب ش�جاع البن قاسم الغزي ،وحاشية عىل رشح األزهرية ،وحاشية
عىل رشح الشيخ خالد عىل اآلجرومية ،وحاشية عىل رشح إيساغوجي لشيخ اإلسالم ،ورسالة يف معرفة القبلة بغري آلة،
وكتاب يف الطب جامع ،ومناسك احلج ،وغري ذلك من الرسائل والتحريرات املفيدة ،وكانت وفاته يف أواخر شوال سنة
تسع وستني وألف .خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عرش ،املحبي (.)175 /1
((( قلي�ويب على اجللال ( ،)259 /2وحك�ى القول باجلواز عن العالم�ة الطبالوي .وانظر :حاش�ية اجلمل عىل رشح
املنه�ج ( .)258 /3ق�ال الس�يد عم�ر البرصي« :قد يؤي�ده أن اخلبز متقوم والواج�ب فيه رد املثل الص�وري» .نقلاً عن
الرشواين عىل حتفة املحتاج (.)44 /5
((( هناية املطلب (.)452 /5
((( الرشح الكبري (.)365 /9
((( هناية املحتاج (.)227 /4
((( وج�واز اإلق�راض وزن�ا وع�ددا مذهب اإلمام أمحد ،وقد ذكر الش�يخ ابن قدام�ة هذه العلل التي ذكرها الش�افعية،
وأضاف بعض األحاديث الدالة عىل اجلواز .راجع :املغني ،للشيخ ابن قدامة (.)239 /4
185
العدد الخامس والعشرون
ف�إذا صح اتصال هذه العادة بزمن رس�ول اهلل ﷺ وحصل اإلمج�اع العميل عىل جوازها
العرف جمرد كاشف عن هذا ،وكان االعتبار احلقيقي بالتقرير واإلمجاع .وإذا مل يثبت
ُ كان
هذا االتصال كان املعترب هو احلاجة املاس�ة واإلمجاع العملي من الصحابة والتابعني عىل
اجلواز.
وأم�ا ما عم يف عادات الس�لف يف زمان الصحابة والتابعني وم�ن بعدهم من غري إنكار،
فيس�تمد قوت�ه من اإلمجاع العميل من الس�لف عىل اجل�واز؛ ألن الصحاب�ة والتابعني من
بعده�م -ريض اهلل عنه�م أمجعني -مل يكونوا ليس�كتوا عن اإلنكار على املخالف ،وهذا
ينقلنا للحديث عن قضية مهمة وهي (إطباق الناس من غري نكري) .وقد جعلها الزركيش
-يف البحر املحيط -من األدلة التي يس�تعملها الفقهاء ،ومثل هلا باستدالل الشافعية عىل
طه�ارة اإلنفح�ة بإطباق الن�اس على أكل اجلبن ،واس�تدالهلم عىل جواز ق�رض اخلبز،
واس�تدالل احلنفية عىل جواز االستصناع((( ملشاهدة السلف له من غري إنكار مع ظهوره
واستفاضته ،ودخول احلامم من غري رشط أجرة وال تقدير انتفاع وغري ذلك(((.
واملس�ائل التي بناها الش�افعية عىل ه�ذا الدليل عديدة؛ منه�ا يف املعامالت :صحة ضامن
ال�درك وكفالة البدن((( ،فأما ضامن الدرك فهو أن يلتزم البائع ملن يشتري منه س�لعة أن
ير َّد له ثمنها ،إن تبني أن الس�لعة معيبة أو ناقصة أو مس�تحقة لشخص آخر ،أي مغصوبة
أحق هبا،
أو مرسوقة أو ضائعة ،ووجدها صاحبها ،فإنه يقيم الب ِّينة عليها ويأخذها ،ألنه ُّ
صح ه�ذا الضامن عىل خالف فف�ي هذه احلالة يعود املشتري على الضامن بثمنها .وإنام َّ
قياس الضامن الذي يشرتط يف الدين املضمون أن يكون ثابتا ،وضامن الدرك ضامن لدَ ْين
إحضار املكفول
َ مل يثب�ت .وأما كفالة البدن فهي نوع م�ن الكفالة ،وهي أن يلتزم الكفيل
إىل املكف�ول له ،واألصل يف الضامن أن يتوج�ه عىل الديون ألهنا أموال تدخل حتت اليد،
أم�ا اإلنس�ان احلر فال يدخل حتت اليد ،فه�ي ضعيفة من جهة القي�اس ،ولكنها جوزت
إلطباق الناس عليها وألدلة أخرى تذكر يف مظاهنا .ومنها جواز االنتفاع بالطريق النافذ
((( االستصناع كام يؤخذ من كتب احلنفية يشبه املقاولة يف العرص احلارض ،فهو عقد بني مستهلك ومنتج عىل سلعة غري
الس�لم يف أمر مهم يتوقف عليه صحة
َ موج�ودة يتعه�د املنتج بتوفريها يف مقابل ثمن يدفع بحس�ب االتفاق ،فهو خيالف
السلم ،وهو أنه ال يشرتط فيه تسليم الثمن مقد ًما يف جملس العقد ،بل جيوز تقسيطه أو تأجيله.
((( البحر املحيط (.)50 /6
((( راجع :الرشح الكبري ،الرافعي (.)373 ،365 /10
186
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
(الش�ارع) برشط انتف�اء الرضر((( ،وجواز توكيل الصبي املمي�ز يف بعض الترصفات؛ إذ
األص�ل يف املعاملات أال تص�ح إال م�ن البالغ العاق�ل((( ،وجواز معامل�ة من ال يعرف
حاله؛ أي من العدالة وغريها((( ،وصحة اإلهداء من األعمى(((.
وه�ذا اإلطباق -كام ق�ال اإلمام الزركيش -يق�رب من اإلمجاع الس�كويت((( ويقوم مقام
الترصيح بالتجويز؛ ألن النهي عن املنكر الزم لألمة ،بل قال إمام احلرمني يف الكالم عىل
وجوب ركعتي الطواف« :وقد يس�تدل الش�افعي عىل وجوب اليشء بإطباق الناس عىل
العمل ،وما كان متطوعا به فالعادة تقتيض تردد الناس فيه»(((.
ورس املبالغة بام قال اإلمام هنا أنه جعل إطباق الناس عىل العمل دليال عىل وجوب العبادة،
واألصل يف العبادات احلظر ،فإذا كان هلذا الدليل قوته يف العبادات ففي املعامالت أوىل؛
ألن األص�ل فيها اإلباحة ،فإذا أطبق الناس عىل العمل كان دليال عىل صحته؛ س�يام وأن
املعروف عن الصحابة والتابعني عدم السكوت عىل املنكر.
ويمك�ن أن نضي�ف إىل هذا معنى آخر يقوي العمل هبذا الدليل ويعضد قربه من اإلمجاع
الس�كويت ،وه�و أن أكثر األم�ور التي تدخل حتت ه�ذه الدائرة مما عمت ب�ه البلوى بني
الن�اس ،ولعل�ه لذلك أطلق علي�ه احلنفية (اإلمج�اع العميل)((( وهو حج�ة عندهم ،وقد
اس�تدل ش�يخ اإلسالم عىل جواز قرض اخلبز -كام تقدم -بإمجاع أهل األمصار عىل فعله
يف األعصار بال إنكار.
كما أن إطب�اق املس�لمني عىل العمل ُيش�عر باحلاجة املاس�ة إلي�ه ،ولذلك وجدن�ا اقرتان
احلاج�ة باإلطب�اق يف تعليالت الش�افعية ،فقال الرافع�ي يف تعليل ج�واز إقراض اخلبز:
187
العدد الخامس والعشرون
«للحاج�ة العامة وإطباق الن�اس عليه»((( .وقال اإلمام النووي يف جواز إرس�ال الصبي
يف احلاج�ات« :وال يق�ال ه�ذا ترصف يف منفع�ة الصبي؛ ألن هذا قدر يسير ورد الرشع
باملساحمة به للحاجة واطرد به العرف وعمل املسلمني .واهلل أعلم»(((.
بي�د أن ه�ذا اإلطب�اق -كام ق�ال اإلم�ام الزركيش -ال يت�م إال إذا اتفق يف عصره -عليه
السلام -أو يف عصر الصحاب�ة والتابعني .وأما بعد ذل�ك فتزايد احل�ال إىل هذا الزمان
(زم�ان اإلم�ام الزركيش) الذي كم فيه من بدعة ،وقد تواطئ�وا عىل عدم اإلنكار هلا ،فال
ينبغي أن جيعل اإلطباق عىل الفعل مع عدم النكري دليال عىل اإلباحة عىل اإلطالق.
وبن�ا ًء على انتفاء ه�ذا األصل يف البي�ع حكم اإلمام ببطلان املعاطاة فيه ،فق�ال« :وهذا
خيال�ف ما عمت به عادات الناس بعد ذلك بس�بب دروس التق�وى يف االكتفاء باملعاطاة
األولني»((( .واعتياد الناس املعاطاة
يف البياعات؛ فإهنا عادة ال يمكن دعوى إسنادها إىل َّ
يف البي�وع مظهر من مظاهر اندراس ش�عار التقوى ال يمك�ن االعتامد عليه؛ ألن األصل
يف األفع�ال أهن�ا ال تكفي وحده�ا يف تكوين العقد وترت�ب آثاره الرشعي�ة ،ولو رافقتها
القرائ�ن ،وه�ذا هو األصل ال�ذي اعتمد عليه اإلم�ام يف رفض املعاط�اة يف البيع((( وإن
كانت مقبولة يف املعتمد ألدلة أخرى.
إذن إس�ناد األم�ر إىل األولني ل�ه قوته يف خمالفة القي�اس؛ وهذا أمر يصع�ب التحقق منه
يف عرصن�ا؛ فانحرص العمل هب�ذا الدليل يف أمور تكاد تكون مع�دودة ،ورس االعتداد به
أفص�ح عن�ه اإلمام يف موضع من النهاي�ة بام يزيل من قلب املتوه�م الريب ،فقال« :ومن
ور ِزق التوس�ع يف األخبار واآلث�ار ،فال يلقىبح�ث ع�ن جريان األولين يف التفصي�لُ ،
مذهبا ألئمة السلف إال مستندا إىل أثر»(((.
ومن القضايا املهمة يف باب اعتبار العرف ،وبخاصة يف حالة تعارض العرف مع القياس
قضية املس�احمة ،واملالحظ يف أغلب املس�ائل التي بناها الشافعية عىل (إطباق الناس بغري
نكري) اش�تامل األمر عىل املس�احمة ،وقد نبه اإلمام الرميل عىل هذا إش�ارة يف تعليله جلواز
188
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
وزنًا .واملالح�ظ أيضا يف كثري من املس�ائل التي جوزت جلريان إق�راض اخلب�ز واخلمرية ْ
الع�رف هبا اعتامد العرف عىل جريان املس�احمة بني الن�اس فيام جرى به .من أمثلة ذلك أن
القياس يف األمالك حظر االنتفاع هبا إال ملالكها أو ملن يأذن له ،ومع ذلك ملا جرت العادة
العامة بمساحمة الناس بعضهم بعضا يف االرتفاق باألمالك ،كاالستناد إىل جدار الغري أو
االستظالل بشجرته أو االستضاءة برساجه أو املرور بأرضه بغري رضر يف اجلميع -حرم
الشافعية((( منع أصحاب األمالك غريهم من وجوه االنتفاع التي جرت هبا العادة العامة
بشرط عدم إحلاق الرضر هبا ،وقال�وا إن املنع منها حمض عناد .قال اإلمام« :الترصف يف
غري ِ
ترصف يف ملك الرشيك ،والتصرف يف ملك الرشيك من غري إذنه ُ ٌ اجل�دار املشترك
سائغ ،وال يمتنع عىل كل واحد من الرشيكني أن يستند إىل اجلدار املشرتك ،أو يسند إليه
غري معتدٍّ به ،وال أثر له .ولو استند إنسان إىل
شي ًئا من األمتعة؛ فإن هذا النوع من املنفعة ُ
جدار خالص لغريه ،مل يمتنع ذلك ..وأ َّما االس�تظالل بظل جدار للغري يف الش�ارع ،فال ٍ
املنع منه»(((.
أثر له ،وال يملك مالك اجلدار َ
ومن القضايا املهمة أيضا يف مبحث التعارض املصلحة ،واملقصود باملصلحة هنا املصلحة
العام�ة للمعاملة واملتعاملني ،ف�إذا جرت العادة العامة بأمر خمال�ف لقياس املعاملة لكنه
يع�ود عليها بمصلحة ظاهرة فإن األمر خيتلف بحس�ب ش�دة املخالفة ،وق�د قرر اإلمام
األص�ل الع�ام ال�ذي جيمع احلالتين ،واختار أن املخالف�ة إذا ضعف�ت احتملت فقال يف
ظاهرا
ً املس�ابقة« :إذا عظم وقع القياس ،وب ُعد ما ُيرعى من عادة الرماة عن القياس ُبعدً ا
مصاد ًما للفقه واملعنى ،فليس إال اتباع القياس ،وإنام حيتمل جمانبة القياس إذا قرب األمر،
كالبداي�ة التي ذكرناها ،ف�إن األمر فيها وإن كان مقصو ًدا ليس واق ًعا»((( .ومراده بالبداية
بداية الرمي.
لك�ن جي�ب التنبه إىل أن رأي اإلمام مبني عىل معنى مه�م الحظه ،وهو حصول املصلحة
أمرا فيام بين أظهرهم من مصال�ح املعاملة، الرماة ً م�ن الع�ادة املخالف�ة ،ق�ال« :إذا رأى ُّ
وليس ما رأوه مما يش�هد له قياس ،فهل نتب�ع ما رأوه مصلح ًة ،أم نرد املعاملة إىل موجب
((( راجع :هناية املحتاج ( )410 /4أسنى املطالب (.)224-223 /2
((( هناي�ة املطل�ب ( ،)486-485 /6وأصل هذا يف كالم اإلمام الش�افعي يف كت�اب الصلح :األم ( ،)230 /2خمترص
املزين (.)204 /8
((( هناية املطلب (.)256 /18
189
العدد الخامس والعشرون
القي�اس؟ ه�ذا حمل الرتدد»((( .واملصلح�ة املرتتبة عىل هذه العادة العامة هنا هي تنش�يط
الس� َبق (املكافأة) التي تشجع عىل
الرياضة القتالية من خالل حفز املتنافسين عىل إخراج َ
التناف�س ،وه�و يف احلقيقة أمر يعود عىل املس�لمني مجيعا باخلري؛ ألن األصل أن املس�ابقة
واملناضلة سنة موروثة عن الرسول ﷺ إذا قصد هبام التأهب للجهاد وقتال األعداء.
ومل أقف يف كالم اإلمام إال عىل هذا املوضع ،وظاهر أنه اختيار لإلمام تفرد به ،وظاهر من
كالم اإلم�ام الغزايل رمحه اهلل تعاىل ال�ذي تقدم أول املبحث رفض خمالفة القياس مطلقا،
وقد رصح به يف املسابقة ،فأفاد أنه لو رشط لبعضهم التقدم فهو باطل كام يف املسابقة.
ومعنى هذا أن الش�افعي -رمحه اهلل تعاىل -ال يتردد يف طرح األعراف املخالفة للقياس،
وأما سبب تردده يف مسألة البداية يف الرمي بخاصة فهو ضعف املخالفة فيها كام تقدم ،أو
بعبارة حجة اإلسلام أن أمر البداية أمر هني ،ولعل هونه بس�بب أنه ال يرتتب عليه غبن
فاح�ش وال كبري ظلم لبقية الرماة؛ غاي�ة األمر أن البادئ يصادف اهلدف خاليا ،بخالف
منافسه ،وهو أمر يتسامح فيه كام يتسامح يف ختلف بعض صفات املسلم فيه عند القبض،
وكام يتس�امح يف الغبن اليسري الذي يتعرض له الرشيك والوكيل واملضارب ،واملعترب يف
ضبط الغبن اليسري العرف كام نص عليه مجع من املتأخرين ،فقال الرميل« :األوجه اعتبار
الع�رف املطرد يف كل ناحية بام يتس�امح به فيه�ا»((( .وقال ابن حج�ر« :األوجه أن يعترب
يف كل ناحي�ة عرف أهلها املطرد عندهم املس�احمة به»((( .وكام يتس�امح يف ارتكاب الغرر
احلقري للمشقة كام فصلناه قريبا بفضل اهلل تعاىل ومن ِِّه.
()2
غة ف
ا لعر� ا لعمل� و ا لل��
ي
الع�رف العملي (العادة) معتبر عند الفقهاء وعند اإلمام فيما ال ضبط له رشعا كام قرره
اإلم�ام الزركشي يف املنث�ور ،وه�ذا ال إش�كال في�ه .وم�ن أهم وج�وه اعتب�ار األعراف
العملي�ة تنزي�ل عب�ارات العاقدي�ن عليه�ا ،فتفسر جممله�ا وتقي�د مطلقه�ا وختص�ص
ٍ
وج�ه واحد، عامه�ا ،ق�ال اإلم�ام« :الع�ادة املط�ردة تُن�زل املعنى املتردد يف اللف�ظ عىل
((( املصدر السابق (.)256 /18
((( هناية املحتاج ( )32 /5وراجع :رشح الروض لشيخ اإلسالم (.)268 /2
((( حتفة املحتاج ( )316 /5وراجع :رشح اإلرشاد ،البن حجر اهليتمي (.)514 /1
190
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
يع�م يف املعاملة جريانُ�ه .فهذا أثر يف وه�ذا بمثاب�ة مح�ل النقود املطلقة يف العق�ود عىل ما ُّ
العادة ال ينكر»(((.
املجم�ل يف العقود وفا ًقا ،وعلى هذا حتمل َ َ
اللف�ظ وق�ال يف موض�ع ثان « :الع�ادة تفسرِّ
«والعرف إذا اقرتن
ُ الدراه�م املطلقة على غالب النقود يوم العق�د»((( .ويف معناه قول�ه:
باللفظ املجمل ب َّينه وأوضحه»(((.
وق�ال يف موض�ع رابع « :وجيري اللفظ إذا مل ُيرد التقييد عىل ما ذكرناه جمرى اللفظ العام،
والع�رف املقرتن ب�ه يف حكم املخصص ،وهذا بمثابة ذكر الدراه�م يف العقود ،مع تعيني ُ
لنقد من النقود»(((.العرف ٍ
كما تنزل العادة منزلة الرشوط فتقترن بالعقود وإن مل يرصح هبا العاقدان ،قال اإلمام يف
املرجع هي يف
ُ سياق بيان ما يلتزم به كل من املؤجر واملستأجر« :فأما العاد ُة امل َّطردة ،فنِ ْعم
أمثال هذه املعامالت ،وهلا أثران:
أحدمها :تقييدُ اللفظ املطلق .وهذا معلوم من أثر العادة ،وبيانُه فيام نحن فيه أن السري إذا
مس�لك فيه مراحل ،فليس يف اللفظ تقييد يف مقدار السري ،وال يف كيفيته ،ولكن ٍ أطلق يف
وجه واحد.العادة املطرد َة تُنزل املعنى املرتدد يف اللفظ عىل ٍ
ذك�ر ،ال عىل إمجال،واألث�ر الث�اين :أن العادة إذا اقتضت ش�ي ًئا ،ولي�س يف لفظ العقد له ٌ
ٍ
اطراد، موضع نظر الفقهاء ،ثم ينقس�م ،فمنه ما تظهر العادة فيه عىل وال على بيان ،فهذا
ُ
ظاه�ر املذهب
ُ حلمول�ة ورفعها ،يف اإلج�ارة الواردة على العني. كاإلعان�ة على وض�ع ا ُ
واج�ب ،وكأن الع�ادة نطقت به»((( .ويلخ�ص هذا األثر األخري ق�ول اإلمام: ٌ أن ذل�ك
أص�ل ،ال حاجة إىل تقريره ٌ «والع�ادة إذا اط�ردت كانت بمثاب�ة الترصيح بالرشط .وهذا
بالشواهد»(((.
191
العدد الخامس والعشرون
وه�ذا كل�ه يف ظاه�ره يتعارض مع م�ا قرره مجه�ور األصوليني من أن الع�رف العميل ال
يع�ارض اللغ�ة وال ينقل وال ينس�خ؛ أي ال يقوى عىل معارض�ة اللغة ،فال خيصص عاما
وال يقيد مطلقا(((.
وال�ذي ظهر للباحث أن كالم األصوليني مالحظ في�ه الغلبة؛ غلبة عدم اعتبار العادات
الفعلي�ة م�ع األلفاظ اللغوية ،س�واء صدرت عن الش�ارع أو املكلفين ،وهو احلق الذي
تتظاه�ر عىل تأيي�ده األدلة ،غير أن التقعيد والتطبي�ق الفقهيني اس�تثنوا العقود من هذه
القاعدة ،فكانت القاعدة العامة :أن العرف العميل ال سلطان له عىل األلفاظ والرتاكيب
إال يف العقود ،ونس�تأنس هنا بام قاله اإلم�ام الرافعي يف وجه اعتبار العرف يف املعامالت
دون األقارير« :الغالب أن املعاملة يف كل بلد تقع بام يروج فيها ويتعامل الناس هبا»(((.
يقول اإلمام الس�بكي« :أما العوائد الفعلي�ة ،فإن كانت خاصة فال اعتبار هبا .وإن عمت
واط�ردت فق�د اتف�ق األصحاب عىل اعتامده�ا وذكروا هل�ا أمثلة (منها) تنزي�ل الدراهم
املرس�لة يف العق�ود عىل النقد الغالب ..وقد أطلق األصولي�ون أن العادة الفعلية ال تعترب
فال ختصص عاما وال تقيد مطلقا ..والسبب يف ذلك أن العرف القويل ناسخ للغة وناقل
للف�ظ ،والفع�ل ال ينق�ل وال ينس�خ وال معارض�ة بينه وبين اللغة ،وإطالقه�م يف ذلك
صحيح ،وما قدمناه غري معارض له واهلل سبحانه وتعاىل أعلم»(((.
وكل األمثلة التي أوردها اإلمام الس�بكي رمحه اهلل تعاىل يف اعتبار العرف العميل مما نقلته
ومم�ا مل أنقل�ه إنام ه�و يف العق�ود ،وما قدمه م�ن مثال لبيان أث�ر العرف الق�ويل إنام هو يف
األيمان ،وه�ذا هو الذي جرى عليه اإلم�ام يف النهاية؛ فالقول ال�ذي تطمئن إليه النفس
ويميل إليه القلب أن العقود مستثناة من هذا احلكم العام.
الفرق بني العرف القويل والعرف العميل املتعلق بالداللة:
ثم�ة فارق دقيق بين تعلق العرفني الق�ويل والعميل بالداللة له تأثير واضح يف األحكام
الرشعية ،وهو أن العرف القويل عبارة عن شيوع استعامل لفظ أو مركب يف معنى معني،
وم�ن ثم ف�إن تعلقه بالداللة تعلق مب�ارش؛ ألن عمله ينصب عىل وض�ع اللفظ للمعنى،
((( راجع :الفروق ( )175-173 /1تكملة املجموع ،للسبكي (.)418-417 /11
((( الرشح الكبري ،للرافعي (.)132 /11
((( تكمل�ة املجم�وع ،للس�بكي ( .)418-417 /11والن�ص يف األصل مضطرب جدًّ ا اعتم�دت يف ضبطه عىل كالم
اإلمام وكتب املذهب.
192
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
وم�ن هنا ذهب الش�افعية إىل أن غلبة اس�تعامل اللفظ يف الع�رف يف معنى معني تعارض
وض�ع اللغ�ة -وإن كان�ت هي األص�ل -فقالوا بق�وة العرف الق�ويل يف ختصيص عموم
اللغة ،وذلك كام يف لفظ (الدابة) بني اللغة والعرف.
أم�ا العرف العملي -حال تعلقه بالداللة -فإنه عبارة عن اس�تعامل أه�ل العرف لبعض
أنواع مسمى اللفظ أو بعض أفراده ،وذلك ُيتصور بأن يكون ملعنى اللفظ أنواع أو أفراد،
فيش�يع يف الن�اس التعام�ل مع بعض ه�ذه األن�واع أو األفراد دون بع�ض .وذلك كلفظ
(اخلب�ز) بين اللغة والعرف العميل ،فإنه يف اللغة اس�م جلميع أفراد اخلبز ،وأهل كل بلدة
ال يس�تعملونه إال يف خبز معني ،وكذلك لفظ (البيت) اس�م عام حتته أنواع من البيوت،
منها املبني بالطني ومنها اخليام ومنها املبني باحلجارة ،ويف كل مكان ُيستعمل لفظ البيت
يف نوع واحد هو املتعارف عندهم .هذا االس�تعامل الذي يرتتب عليه ترك بعض األنواع
أو األفراد ال تعرض له لوضع اللفظ للمعنى ،بل هو جمرد ترك ملبارشة بعض املسميات،
كلفظ الطعام عام جلميع األطعمة لكن يستخدمه أهل كل عرف للداللة عىل ما يأكلون،
وهذا ال يعني عدم إطالقه عىل غري ما يأكلون من األطعمة.
وبن�اء على ذلك قال�وا :لو حل�ف ال يدخل أو ال يس�كن بيت�ا وأطلق ،حن�ث بالدخول
أو الس�كنى بالبي�وت املبني�ة -ولو من خش�ب -واخليام -ولو من جل�د -حتى ولو كان
احلالف قرويا؛ وذلك لوقوع اس�م (البيت) على الكل لغة ،وال معارض له عرفا .وعدم
اس�تعامل الق�روي للخيام ال يوج�ب ختصيصا أو نقال عرفيا للفظ ،ب�ل هو كلفظ الطعام
ال�ذي يع�م مجيع أنواع�ه مع اختصاص بع�ض النواحي بن�وع أو أكثر ،بناء على ما عليه
مجهور األصوليني من أن العادة ال ختصص.
ويف املقابل قالوا :لو حلف ال يأكل البيض أو الرءوس ال حينث بأكل بيض الس�مك وال
برءوس�ه ورءوس الطري؛ ألن لفظ (البيض) و(الرءوس) بقرينة تعلق األكل هبا ال يطلقه
أه�ل الع�رف عىل يشء من الثالثة ،وإن كثرت عنده�م؛ أي أن أهل العرف قد نقلوا هذا
اللفظ املركب (أكلت رءوس�ا) ألكل رءوس األنعام دون غريها بس�بب كثرة اس�تعامهلم
لذلك املركب يف هذا النوع خاصة دون بقية أنواع الرءوس.
193
العدد الخامس والعشرون
واحلاص�ل أن هناك فرقا بني ختصيص العرف للفظ بالنقل عن مدلوله اللغوي إىل ما هو
أخص منه ،وبني انتفاء استعامل أهل العرف له يف بعض أفراد مسامه يف بعض األقطار(((.
ه�ذا ما قرروه ومثلوا له بفروع يف األيامن ،فإذا ما نقلنا النظر إىل املعامالت نش�أ إش�كال
املوكَّل بشراء بيت بني أي نوع م�ن أنواع البيوت، كبير؛ إذ إن مقتضى م�ا قالوه أن خيري َ
ولي�س األم�ر كذلك؛ ألنه ال يقبل من�ه إال ما وافق املعت�اد املتعارف ،وكذل�ك من ُوكِّل
برشاء اخلبز ال يس�وغ له إال أن يشرتي اخلبز املتعارف ،ومن ُوكِّل برشاء سيارة ال يشرتي
إال من أنواع السيارات املتعارفة يف املجتمع؛ فإهنم -اإلمام والشافعية -اعتربوا األعراف
العملي�ة اجلارية يف املعاملات ،وكل هذه األحكام متلقاة من الع�ادات اجلارية ،هذا هو
املقرر يف فقه الوكالة بخاصة واملعامالت عامة عند اإلمام والشافعية.
وم�ن ه�ذا نأخ�ذ اجلواب عن هذا اإلش�كال ،وه�و أن املعترب يف األيمان غالبا األعراف
القولي�ة بينام املعتبر يف املعامالت غالبا األع�راف العملية والعادات اجلاري�ة ،وإنام قيدنا
بالغلب�ة؛ ألن األيمان ختصص يف بع�ض احلاالت باألعراف العملي�ة العامة ،فمن حلف
لغريه :ألخدمنك الليل والنهار ،ف ُيخص بالعرف من خدمة النهار زمان األكل والرشب
ش�اق وس�هل ،وخيص من والطه�ارة والصلاة واالستراحة بحس�ب م�ا خي�دم فيه ِمن ٍّ
خدم�ة الليل وقت النوم واملألوف ،فإن ت�رك اخلدمة فيها مل حينث ،خلروجها بالعرف من
عم�وم يمينه .بل رضب اإلمام املاوردي يف احلاوي أمثلة لتخصيصها باألعراف العملية
اخلاصة(((.
لك�ن القاع�دة العامة ما ذكرناه م�ن عدم االعتبار يف األيامن واالعتب�ار يف العقود ،وعليه
فإذا حلف الشخص ال يركب سيارة صدق ذلك بكل ما يقع عليه لفظ سيارة ،وإذا ُوكل
برشاء س�يارة صدق ذلك بام جرت العادة باس�تعامله من السيارات يف جمتمعه؛ فال يسوغ
للوكي�ل برشاء بيت يف مرص أن يشتري للموكل بيتا من خش�ب بحج�ة أنه يصدق عليه
اسم البيت.
((( انظر :أسنى املطالب ( )251 /4املنثور ( )393 /2وراجع :الفروق (.)175-173 /1
((( راجع :احلاوي الكبري (.)438-437 /15
194
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
()3
أ ثة خ ا ف أ ف
� عل�يه
ب صحا �
ل ا نص� ام � ل� �
ب �� د لحا ا � ا ل� عرا
ه�ذه القضي�ة من معضلات املذهب ،واإلش�كال ينب�ع مما ق�رره املتأخرون يف املس�ائل
والفروع اجلزئية املتناثرة يف أبواب املعامالت ،وقبل أن أسوق نامذج منها أقرر أن األصل
الذي عليه علامء املسلمني أن األحكام املبنية عىل العرف تتبدل تبعا لتغري العرف ،وإال ملا
كان يف القول بابتنائها عىل العرف فائدة .ال سيام أن هذه األحكام مبنية عىل املساحة التي
ت�رك الرشع مألها لألعراف تيسيرا عىل املكلفني وعامال من عوام�ل صالحية الرشيعة
لكل زمان ومكان.
بي�د أن متأخ�ري الش�افعية جعل�وا ملا ن�ص علي�ه األصحاب بن�اء عىل الع�رف العام يف
زماهن�م ق�وة تدف�ع ما يطرأ م�ن األعراف ول�و كتب هلا االط�راد والذيوع ،ب�ل والعموم
باملعنى االصطالحي ،وهذا -يف ظاهره -يعده الناظر مجودا عىل أعراف بعينها يتناىف مع
احلكمة من اعتبار العرف يف هذه املسائل ،وسيظهر من خالل النامذج اآلتية املشتملة عىل
تعليالهتم وجهة نظرهم:
( )1يف ب�اب اخلي�ار :املعترب يف حتديد العي�وب التي يثبت هبا اخليار ه�و العرف ،وضابط
العي�ب املثب�ت للخيار :كل م�ا ينقص العني أو القيمة نقصا يف�وت به غرض صحيح إذا
غلب يف جنس املبيع عدمه يف العرف العام .إال أن ابن حجر والرميل ومن تبعهم بعد أن
ق�رروا أن املعتبر يف الغلبة هو العرف العام ،قرروا أن هذا العرف ال يعمل به إذا عارض
نص�ا من نصوص األصحاب عىل عيب معني ،فق�ال الرميل« :وحمل الكالم فيام مل ينصوا
فيه عىل كونه عيبا وإال فال اعتبار فيه بعرف خيالفه مطلقا كام ال خيفى»((( .ومل يبني هو وال
حمشوه وال حمشو التحفة وجه الظهور.
( )2يف املس�اقاة :جي�ب عىل العامل -عند اإلطالق -أي عم�ل يقتضيه العرف حُيتاج إليه
لصالح الثمر واستزادته مما يتكرر كل سنة يف العمل ،وال يقصد به حفظ األصل ،كسقيه
إن مل يرشب بعروقه ،ويدخل يف الس�قي توابع�ه من إصالح طرق املاء ،وتنقية جمرى املاء
م�ن الطين ونحوه ،وإصلاح (األجاجني) -وهي احلفر حول الش�جر جيتم�ع فيها املاء
ليرشبه ،ش�بهت باألجاجني التي يغس�ل فيها -وتلقيح النخل ،وإزال�ة الكأل والقضبان
((( هناية املحتاج إىل رشح املنهاج (.)34 /4
195
العدد الخامس والعشرون
املضرة بالش�جر ،وقطع اجلري�د ورصفه عن وج�وه العناقي�د لتصيبها الش�مس ويتيرس
قطفها عند اإلدراك ،وتقليب األرض باملساحي ونحو ذلك مما هو مذكور يف املطوالت؛
القتضاء العرف ذلك كله.
وإن جرت عادة البلد بطرح العنب عىل العريش ،وهو أن ينصب أعوادا ويظللها ويرفع
العن�ب عليه�ا فيجب عىل العامل إصلاح العريش .وكذا عليه حفظ الثمر عىل الش�جر
وقطع�ه وحفظ�ه وجتفيف�ه يف األصح؛ ألهن�ا من مصاحل�ه ،وكذلك يف وضع ش�وك عىل
اجل�دار وترقيع يسير اتفق يف اجلدار يرجع إىل الع�ادة يف األصح من كوهنام عىل املالك أو
العامل(((.
لكن الرميل وابن حجر قرصا العمل بالعرف عىل ما مل يرد فيه نص لألصحاب؛ فإذا نص
يف املذه�ب على عمل واطرد العرف بخالف�ه ُأمهل العرف -ولو غل�ب واطرد -و ُعمل
بالن�ص .ق�ال الرميل « :وظاه�ر كالمهم أن ما نص�وا عىل كونه عىل العام�ل أو املالك ال
ُيلتف�ت في�ه إىل عادة خمالفة له كام هو ظاهر ،عىل أن العرف الطارئ ال ُيعمل به إذا خالف
عرفا سابقا له»(((.
( )3قال الشيخ ابن حجر -فيام حيرم من الزينة عىل املرأة املحدة(((« :ما نصوا [األصحاب]
عىل أنه زينة ،لو اطرد يف حمل أنه ليس زينة هل يعترب هذا أو ال؟ حمل نظر .وظاهر كالمهم
الث�اين؛ ألن�ه ال عربة بعرف حادث وال خاص مع عرف أصلي أو عام»((( .ومن ثم قالوا
إنه حيرم عىل نساء السودان التحيل بحيل الذهب وإن مل يعدوه زينة يف عرفهم؛ ألنه خمالف
لنص األصحاب املبني عىل العرف العام.
( )4يف التولي�ة واإلرشاك واملرابح�ة يظهر دور العرف يف بيان ما حتمله صيغ هذه البيوع؛
ألن البائ�ع فيه�ا يمك�ن أن جيرهيا بأكث�ر من صيغة تعبرِّ ع�ن الثمن ،كأن يق�ول« :بعت»
أو «ولي�ت» أو «أرشكت» ...إلخ« .بام اشتريت» ،أو «برأس م�ايل» فهذه كام قال اإلمام
واألئمة من بعده ال تستوجب إال الثمن الذي لزمه أوال واستقر عليه العقد.
((( انظر :مغني املحتاج ( )329 /2وراجع :هناية املطلب ( )24 /8هناية املحتاج (.)257-256 /5
((( هناي�ة املحت�اج ( )257 /5وقد ذكر مثله ابن حج�ر يف التحفة ( ،)117 /6والعجيب أن اإلمام الباجوري رصح يف
حاشيته عىل ابن قاسم ( )32 /2بأن ابن حجر خمالف للرميل وأنه يعترب العادة الطارئة.
((( ذكرنا هذا الفرع رغم خروجه عن املعامالت لالستفادة منه يف تفسري املذهب.
((( حتفة املحتاج (.)258 /8
196
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
عيل ،وهو
عيل أو بام حصل َّعيل أو بام ثبت َّ
وأما إذا قال :بعتك ،أو وليتك ...إلخ .بام قام َّ
كذا .فإن الثمن هنا يشمل الثمن األول الذي اشرتى به ومؤن االسرتباح التي أنفقها عىل
املبيع((( .يقول اإلمام:
«فإن قال :بعتك بام اشرتيت به ،وهو كذا بربح كذا .فاألصل هو الثمن ،وال حتسب أجرة
ال�دالل والكي�ال ،وغريمها من مؤن العقد؛ فإن التعويل عىل موجب لفظه ..فأما إذا أراد
العقد بلفظة تش�تمل ،فس�بيله أن َي ُضم هذه املبالغ إىل الثمن ،ويق�ول :بعتك بام قام عيل،
وه�و كذا ،مرابح ًة عىل كذا ،فإذا وقع العق�د عىل هذه الصيغة ،فاملؤن التي تعد من توابع
عيل)»(((.
التجارة تدخل حتت قول البائع( :بام قام َّ
عيل) وما يق�وم مقامها؛ ألهنا كام تقدم
ويرج�ع ال�كالم يف دور العرف إىل صيغ�ة (بام قام َّ
تس�تلزم الثم�ن األصيل والنفقات الت�ي أنفقها البائع على املبيع قص�دا للربح حتى عقد
عليه العقد اجلديد ،فيكون املحكم يف بيان ما ينفق لالسترباح من غريه العرف ،وبعبارة
أخرى( :يرجع إىل العرف يف بيان ما يعد من مؤن التجارة وما ال يكون كذلك).
لكن الش�يخ ابن حجر ذكر يف اإليعاب أن حمل حتكيم العرف هنا فيام مل ينص األئمة عىل
حكم�ه دخ�وال أو خروجا .وأم�ا ما نصوا عليه فإن�ه يكون العمل فيه عىل م�ا قالوه وإن
ُف ِرض أن عرف الوقت خيالفه(((.
( )5يف بي�ع األص�ول والثمار :نص ابن حج�ر يف الفتاوى عىل أنه ال عبرة بعرف خيالف
م�ا ذكره األصحاب .ومبناه عنده أن ما ذك�روه مبني عىل العرف العام ،واملخالف يكون
خاصا غالبا ،والعام مقدم عىل اخلاص غالبا(((.
إذن ه�ذه املواضع قدم�وا فيها نصوص األصحاب عىل ما جيد م�ن أعراف ،وهذا يمكن
توجيهه بام قدمناه من أن النص عند الشافعية سواء كان النص الرشعي أو نص صاحب
املذه�ب مقدم عىل العرف ،فإن الن�ص عندهم كالقانون الذي ال يتجاوز لعرف حادث،
وربط املس�ألة بالعرف إمجاال ال يعني أن العرف يس�تقل باحلك�م يف مجيع أفرادها ،بل قد
تتدخ�ل أدل�ة أخرى يف بعض ه�ذه األفراد ،وهو معنى نأخذه م�ن كالم اإلمام الرميل يف
((( راج�ع :حتف�ة املحتاج وحاش�يتي الشرواين واب�ن قاس�م ( )432-429 /4وهناية املحتاج وحاش�ية الشبرامليس
(.)114-112 /4
((( هناية املطلب (.)291 /5
((( نقله الشيخ اجلمل يف حاشية رشح املنهج (.)183 /3
((( الفتاوى الكربى (.)268 /2
197
العدد الخامس والعشرون
اإلج�ارة يف قول�ه بعد بيان ما يتحمله املؤجر واملس�تأجر يف إجارة الدواب وربط املس�ألة
بالع�رف« :ول�و اط�رد الع�رف بخالف م�ا نص�وا عليه ُعم�ل به فيما يظهر بن�ا ًء عىل أن
االصطلاح اخل�اص يرفع االصطالح العام كما اقتضاه كالمه�م وإن اقتىض يف مواضع
أخ�رى عدم�ه؛ ألن العرف هن�ا مع اختالفه باختلاف املحال كثريا هو املس�تقل باحلكم
فوجبت إناطته به مطلقا ،وبه يفرق بينه وبني ما مر يف املساقاة وما يأيت يف اإلحداد»(((.
ف�إن ه�ذا يؤخ�ذ منه أن م�ا نص علي�ه األصحاب مم�ا هو مبني على العرف ت�ارة يكون
للع�رف في�ه االنفراد يف احلك�م كام يف اإلج�ارة ،فيعترب تغير العرف ،ويتب�دل احلكم به
وتعترب األعراف الطارئة واألعراف اخلاصة ،وتارة ال يستقل العرف باحلكم كاملوضعني
الس�ابقني يف املس�اقاة واإلحداد ،فال عربة بالطارئ وال باخلاص بعد النص .والطريق إىل
متييز هذا من ذاك هو نص أئمة املذهب عليه.
والذي يظهر أن قضية االستقالل وعدمه غري متفق عليها ،ولذلك وجدنا شيخ اإلسالم
حيك�م باعتبار العرف مطلقا يف املس�اقاة ولو خالف املنصوص ع�ن األصحاب .كام أفاد
الش�يخ احللب�ي أن قوهلم :العرف الطارئ ال ينس�خ القدي�م -مل يلتزموه؛ ولذلك رأى يف
مسألة املساقاة املتقدمة أن املعول عليه يف كل ناحية عرفها ولو خالف نص األصحاب(((.
وكذل�ك رفض الس�يد عمر البرصي التقيد بما نص عليه األصحاب م�ن عيوب ،وقال
إن« :احلكم�ة يف مرشوعي�ة ال�رد بالعي�ب دف�ع الرضر عن املشتري ،وقد يك�ون اليشء
عيب�ا منقصا للقيم�ة يف حمل دون آخر ،ومن نص من األئمة عىل ك�ون اليشء عيبا أو غري
عي�ب إنام ه�و لكونه عرف حمله وناحيت�ه .واملعول عليه الضابط الذي ق�رروه ،وإذا كان
نص�وص الكتاب والس�نة تقبل التخصيص وي�دور حكمها مع العلة وج�ودا وعدما فام
بالك بغريها ،واألدب مع الشارع بالوقوف مع غرضه أوىل بنا عن اجلمود عىل ما يقتضيه
إطالقات األئمة»(((.
198
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
واحلاصل أننا لو اعتربنا ما تقدم من كالم الرميل يف االس�تقالل كان هذا فرقا دقيقا يزيل
اإلش�كال ع�ن كالم الش�افعية يف املواض�ع املتقدمة ،ويؤك�د كون النص ال�ذي مل جييزوا
خمالفته قانونا معتمدا غري مرصح بتفسريه ال جتوز خمالفته(((.
وإذا اعتربن�ا أن م�ا نص�وا عليه مبني على العرف الع�ام يف زماهنم وما يط�رأ من أعراف
إنما هي أع�راف خاصة كام يظهر يف بعض تعليالهتم ،فنقول :لع�ل هؤالء األئمة العظام
أرادوا -حفاظ�ا عىل اس�تقرار املعامالت بني اخللق ومنعا الحتامل وق�وع النزاع -أنه إن
بقي العرف العام الذي بنى عليه األصحاب األحكام شائعا مطردا حمتفظا بعمومه وطرأ
ع�رف خمال�ف يف حمل ما ،فإنه ال يعترب ذل�ك العرف الطارئ؛ ألنه قد ينش�أ عنه نزاع بني
املتعاقدي�ن لوجود ع�رف آخر أقوى منه ،لكن نأخذ م�ن كالم اإلمام أن اخلالف يف هذا
حمتم�ل ،فإن�ه ذكر ما يس�تفاد منه أن والده أب�ا حممد اجلويني -رمحه اهلل تع�اىل -اختار أن
اط�راد الع�رف يف بقعة نازل منزلة الرشط ولو كان عىل خلاف العرف العام((( ،فخالفه
مع اجلمهور يف اعتباره العرف احلادث الطارئ عىل العرف العام الثابت ،وقد أفاد اإلمام
أن ه�ذا خلاف حمتمل ،وأف�اد أن اخلالف هنا أه�ون من اخلالف يف مس�ألة االصطالح
اخل�اص ألن�ه يلغي رصي�ح اللغة الثابتة ،كاصطالح ش�خصني عىل أن يعبرا عن األلف
بلف�ظ (ألفين) ،ثم قال« :ومم�ا يطرأ يف هذا األصل ال�ذي نحن فيه أن الشيء إذا ُفرض
ندوره يف بقعة ،ثم ُص ِّور اطراده ،واحلكم مس�تنده العادة ،فقد تردد يف هذا حمَ َلة املذهب،
ُ
ومنه ينشأ اختالفهم يف كثري دم الرباغيث يف بعض األصقاع ،يف حكم العفو عن النجاسة.
فرض
فإن َرصم ،يف بعض الرصود؛ َّ وخيرج عىل هذا القانون املس�ألة التي ذكرناه�ا يف ِ
احل ِ
رصم ،فهو عىلاحل ِالن�دور ،وإن تُص�ور واطردت ع�ادة أهل البقعة بقط�ف ِ ِ ِ
هناي�ة ذاك يف
ِّ
الرتدد الذي ذكرناه»(((.
ه�ذا باإلضاف�ة إىل أن قاعدة رفع العرف اخل�اص للعرف العام خمتل�ف فيها يف املذهب،
وأصله�ا كام تقدم يف األلفاظ والرتاكيب ،يق�ول اإلمام الزركيش يف املنثور« :االصطالح
اخل�اص هل يرف�ع االصطالح العام؟ ويعرب عنها بأنه هل جيوز تغيري اللغة باالصطالح؟
((( وهو ما يميل إليه شيخنا األستاذ الدكتور عيل مجعة -حفظه اهلل تعاىل -كام أفادين إياه مشافهة.
((( كذا يستفاد من هناية املطلب (.)143 /5
((( املصدر السابق (.)144 /5
199
العدد الخامس والعشرون
وهل جيوز للمصطلحني نقل اللفظ عن معناه يف اللغة بالكلية أو يشرتط بقاء أصل املعنى
وال يترصف فيه بأكثر من ختصيصه فيه؟ قوالن لألصوليني وغريهم ،واملختار الثاين»(((.
ولكن اخلالف فيها يرسي يف األعراف والعادات العملية.
وقد أشار اإلمام إىل هذا فقال« :فأما القفال ،فإنه يرى االصطالح املطرد بني أقوام بمثابة
الع�ادة العام�ة ،وامتنع غريه من هذا .وعندي أن هذا ينزل عىل منزلة س�تأيت مرشوحة يف
كتاب الصداق ،وهي أن أقواما لو تواطؤوا عىل أن يعربوا باأللفني عىل األلف ،فإذا وقع
العق�د بلفظ األلفين ،فالتعويل عىل التواطؤ ،أم عىل صيغة اللفظ؟ فيه تردد .وس�يأيت يف
املسألة املرتمجة بمهر الرس والعالنية»(((.
()4
ة ف
ا لعر� ا نل�ا ز� ل م�ن�ز ل�
ف
ل��رو ط ا ل�ا سد ة� ل�� ط ق� ض��ة� ا ش
ش
ا ر و ي
اش�تهر بني أه�ل العلم قوهلم( :املع�روف عرفا كاملرشوط رشط�ا) أو (املعروف بالعرف
كاملشروط باللفظ) أو (التعيني بالعرف كالتعيين بالنص) أو (املرشوط عرفا كاملرشوط
رشعا) وغري ذلك مما يعرب عن سلطان العرف العميل وأثره يف إنشاء احلقوق وااللتزامات،
حيث يكون يف قوة العبارة املنشئة للحق وااللتزام كام يعترب بمنزلة االشرتاط الرصيح(((.
وال�ذي يس�تنتج من فقه اإلم�ام يف النهاية وبعض ف�روع الش�افعية يف مصنفاهتم أن هذه
القاع�دة املتفرع�ة عن قاع�دة حتكيم العادة ليس�ت مطلق�ة ،وإنام يش�تمل العمل هبا عىل
تفصي�ل ،ومن ثم ف�إن كال من إطالق القول بتنزيل الع�ادة منزلة الرشط وإطالق القول
بعدم نزول العادة منزلة الرشط عند الشافعية فيه نظر(((.
أف�اد اإلمام أن العرف العام واخلاص الش�ائع املطرد ينزل منزلة الرشط يف توابع العقود،
وحك�ى اإلم�ام يف اعتبار العرف اخل�اص غري املطرد خالفا بني اجلمه�ور الذين ال يرون
((( املنثور (.)180 /1
((( هناية املطلب يف دراية املذهب (.)144 /5
((( انظر :القواعد الكلية والضوابط الفقهية يف الرشيعة اإلسالمية ،حممد عثامن شبري (.)251-250
((( راجع عىل س�بيل املثال هذه اإلطالقات يف :األنوار ألعامل األبرار ( )257 /1والقواعد الفقهية يف املذهبني احلنفي
والشافعي ،للدكتور حممد الزحييل ( ،)306ورسالة القواعد الفقهية الكربى وأثرها يف الفقه عند الشافعية للدكتور عبد
الرمحن بن عبد اهلل السقاف.
200
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
اعتب�اره والقف�ال ال�ذي ي�رى اعتب�اره ،ويزيد على اجلمه�ور يف ذلك تصحي�ح العقود
وإفسادها هبذا االعتبار(((.
وقد حرر إمام احلرمني النزاع بني اجلمهور والقفال ،فقال« :والقفال جيعل اطراد العرف
بمثابة الرشط ،ومل يس�اعده كثري من أصحابنا .(((»..وقال عن�ه أيضا« :وأما القفال ،فإنه
يرى االصطالح املطرد بني أقوام بمثابة العادة العامة ،وامتنع غريه من هذا»(((.
فالقفال يعطي لألعراف اخلاصة غري املطردة قوة األعراف العامة يف االعتبار ،ويزيد عىل
ذلك أن ينزهلا منزلة الرشط.
وق�د ذك�ر الزركيش هذه اخلالصة املس�تفادة من اإلمام يف املنثور ،فق�ال« :العادة املطردة
يف ناحي�ة نزهل�ا القف�ال منزل�ة الشرط ،فق�ال :إذا ع�م [يف] الن�اس اعتياد إباح�ة منافع
الره�ن للمرهتن ،فاطراد العادة فيه بمثابة رشط عقد يف عقد حتى يفس�د الرهن ،وجعل
االصطالح اخلاص بمثابة العادة العامة ،ومل يساعده اجلمهور فيهام»(((.
فقول�ه( :فيهام) راج�ع إىل أمرين؛ األول :اعتبار العادة اخلاص�ة يف ناحية (غري املطردة يف
اإلقلي�م كل�ه) كالعادة العامة ،واآلخر :تنزيله الع�رف منزلة الرشط تنزيال يؤثر يف صحة
العقود.
وكذل�ك حرر ابن حجر اهليتم�ي يف الفتاوى الكربى النزاع بني اجلمهور والقفال ،فقال:
«اجلمه�ور ال خيالفون�ه إال يف قوله :تن�زل منزلة الرشط حتى يفس�د العقد .وأما يف أصل
اعتبار العادة اخلاصة فال خيالفونه فيه»(((.
فنحن إذن أمام ثالثة مذاهب:
األول :مذهب اجلمهور الذين ال يعتربون العادة نازلة منزلة الرشط ،وما جاء من مسائل
نزلوا فيها العرف منزلة الرشط إنام هو مستثنى من هذه القاعدة .وهذا يستفاد من عرض
يمل قول صاحب األنوار« :وال يكون املعهود الس�يوطي يف األشباه والنظائر .وعليه حُ
(((
201
العدد الخامس والعشرون
كاملرشوط لفظا ،ال يف البيع وال يف القرض وال يف الرهن وال يف غريها»((( .وبه نفهم رس
رفض الشافعية نزول العرف منزلة الرشط يف باب اهلبة ،حيث قالوا يف هبة الشخص ملن
ه�و أعىل منه رتبة :لو ج�رت العادة بمقابلة اهلبة يف هذه الصورة بعوض مل تعترب؛ معللني
بأن العادة ليس هلا قوة الرشط يف املعاوضات(((.
الثاين :مذهب القفال الذي اعترب العادة نازلة منزلة الرشط مطلقا ولو كانت خاصة وبنى
عىل اعتبارها تصحيح العقود املقرتنة هبا وإفسادها .ومن ثم ذهب إىل أنه لو عم يف الناس
اعتي�اد إباح�ة منافع الرهن للمرهت�ن ينزل ذلك منزل�ة رشطه حتى يفس�د الرهن ،وقال
اجلمه�ور :ال .وذه�ب إىل أنه لو جرت عادة املقرتض برد أزيد مم�ا اقرتض ،نزلت عادته
منزلة الرشط ،فيحرم إقراضه ،واألصح عند اجلمهور :ال حيرم.
الثالث :مذهب من توس�ط ،وهو املفهوم من كالم إمام احلرمني ورصيح رأي ابن حجر
اهليتم�ي ،وحاصله اعتبار األعراف ولو خاصة نازل�ة منزلة الرشط يف توابع العقود دون
مقصوداهت�ا ،برشط عمومه�ا واطرادها .قال اإلمام« :الوجه يف ه�ذا عندنا أن يقال :كل
م�ا يتعلق بتوابع العقود من التس�ليم ،والقط�ع ،والتبقية ،وكيفية إج�راء البهيمة املكراة،
واملق�دار الذي تطوي يف كل يوم ،فهذه التوابع منزلة عىل العرف ،كام ذكرناه .ومن مجلته
محل الدراهم املطلقة عىل النقد الغالب ،وهذا يف اعتياد يعم ،وال خيتص بتواطؤ أقوام»(((.
التوفيق بني رأي اجلمهور ورأي اإلمام:
املدق�ق يف فقه الش�افعية جيد أنه ال فرق يف التطبيق بني رأي اإلمام وما نس�ب للجمهور؛
ألن اجلمهور نزل العادة املطردة منزلة الرشط يف مسائل اعتربت مستثنيات((( من األصل
الع�ام ،وه�ي يف احلقيقة ليس�ت مس�تثنيات وإنام هي جاري�ة عىل قاعدة اإلم�ام يف اعتبار
األع�راف رشوطا يف توابع العقود؛ فقد نزلوا الع�ادة اجلارية بالتبقية منزلة الرشط يف بيع
الثمار قبل ب�دو الصالح ،وهو أم�ر تابع .ويف بي�ع الثمرة التي بدا صالحه�ا قالوا :جيب
إبقاؤه�ا إىل أوان القطاف والتمكن من الس�قي بامئها عملا بالعرف ،فنزل منزلة الرشط
((( األنوار ألعامل األبرار ( )257 /1وراجع :فتح اجلواد (.)425 /1
((( راجع :هناية املحتاج (.)422 /5
((( هناية املطلب يف دراية املذهب (.)143 /5
((( كام يف األشباه والنظائر للسيوطي ،وسار عىل هذا الرأي الدكتور عبد اهلل السقاف يف رسالته العلمية اجلامعة (القواعد
الفقهية الكربى وأثرها يف الفقه عند الشافعية).
202
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
باللفظ ،وهو أمر تابع .ونزلوها منزلة الرشط يف إجارة الدواب؛ فقالوا :إن وجود منازل
معلوم�ة بالطريق ،ج�رت العادة باعتامدها بغير اختالف -يغني عن بيان مقدار السير،
وينزل العرف املطرد هنا منزلة الرشط .وكذلك يف محل الوقف عىل العادة اجلارية يف زمن
الواقف تنزيال هلا منزلة الرشط اللفظي من الواقف .وفيام لو بارز كافر مسلام واعتيد أمان
كل من عدوه فإنه يكون بمنزلة رشطهام ذلك ،فال جيوز لنا إعانة املسلم(((.
ومل ينزلوه�ا منزل�ة الرشط يف مس�ألة الره�ن املتقدم�ة وال فيام لو جرت ع�ادة قوم بقطع
احلرصم قبل النضج فلم يصححوا البيع من غري رشط القطع خالفا يف املسألتني ،وذلك
ألن مسألة الرهن وبيع احلرصم مقصودة لذاهتا.
وأما رفض الشافعية نزول العرف منزلة الرشط يف باب اهلبة؛ حيث قالوا يف هبة الشخص
مل�ن ه�و أعىل منه رتب�ة :لو جرت الع�ادة بمقابلة اهلب�ة يف هذه الصورة بع�وض مل تعترب؛
معللين ب�أن العادة ليس هلا قوة الشرط يف املعاوضات((( .فيمك�ن توجيهه بأن العوض
يف العقود أمر مقصود وليس تابعا ،فال يكتفى فيه بجريان العادة ،فال بد من الترصيح.
وسواء اعتربنا املذاهب ثالثة أو اثنني فإنه يمكن القول :إن قوة الرأي املتوسط تكمن يف
مبارشا؛ فيتعلق
ً أن األمور املقصودة يف العقود تتوقف عليها صحة العقود وفسادها توق ًفا
هب�ا انضباط املعامالت املالية بني الناس؛ ومن ث�م ال يليق بأصالتها إال الترصيح اللفظي
والتعيين النصي ،وال يلي�ق هبا التس�اهل ،ولذلك كانت القاعدة املش�هورة عند الس�ادة
الش�افعية أن�ه يغتف�ر يف التوابع م�ا ال يغتفر يف غريها((( وش�اع عندهم أنه جي�وز يف توابع
العقود ما ال جيوز يف العقود((( .واالعتامد عىل العرف يف االستغناء عن اللفظ والترصيح
يبقي احتامالت ال يليق تعلقها هبيئة العقد التي يصح بصحتها ويفسد بفسادها ،واملقصود
دائام يف املعامالت االنضباط ورفع النزاع وما يمكن أن يؤدي إليه.
أم�ا تواب�ع العق�د فمرتبتها حتتم�ل اعتبار األع�راف ولو خاص�ة يف الداللة على كيفيتها
اس�تغناء عن الترصيح اللفظي ،فينزل العرف فيها منزلة الرشط ،نزوال ال يؤثر يف صحة
وال فساد ،ولكن برشطني يأيت ذكرمها.
((( انظر :الفتاوى الفقهية الكربى (.)183 /2
((( راجع :هناية املحتاج (.)422 /5
((( ومن فروعها أنه ال يثبت النس�ب بش�هادة النس�اء ،فلو ش�هدن بالوالدة عىل الفراش ثبت النس�ب تبعا .ومنها :البيع
الضمني ،يغتفر فيه ترك اإلجياب والقبول ،وال يغتفر ذلك يف البيع املستقل .األشباه والنظائر للسيوطي (.)120
((( راجع فروع ذلك يف احلاوي الكبري (.)366 /7 ،274 ،269 ،67 /5
203
العدد الخامس والعشرون
وكالمن�ا هن�ا يف العرف اخل�اص بخاصة؛ فهو ال�ذي صرُ ح بوجود خلاف حول نزوله
منزل�ة الشرط نزوال يؤثر يف صحة العقود وفس�ادها .وأما اعتب�ار العرف اخلاص بصفة
عام�ة فه�و حم�ل اتفاق م�ا حتققت رشوط االعتب�ار ،بل ه�و قطب الرح�ى يف املعامالت
املالي�ة ،وم�ورد أحكام مس�احات الفراغ الترشيع�ي التي ترك الرشع مأله�ا للفقهاء من
مشعرا بأن املعترب هو العرف
ً خالل األعراف .وإن كان كالم املتقدمني كاإلمام والسبكي
الع�ام دون غيره ،لكن ما أورد من أمثلة ينتمي لألعراف اخلاصة ،ومن ثم جاء كالم ابن
حجر رصحيا يف أن املس�ألة يف نزول الع�رف اخلاص منزلة الرشط ،فاإلمام يقول« :وهذا
يف اعتي�اد يع�م ،وال خيتص بتواطؤ أقوام»((( .وقال الس�بكي« :وأم�ا العوائد الفعلية فإن
كان�ت خاصة فال اعتب�ار هبا .وإن عمت واط�ردت فقد اتفق األصح�اب عىل اعتامدها،
وذك�روا هلا أمثلة (منها) تنزيل الدراهم املرس�لة يف العقود عىل النق�د الغالب( ..ومنها)
أن�ا ال نخ�رج املتكارس إىل ذكر املنازل وتفصيل كيفية األجزاء ،وهذا مثال صحيح وهي
من قسم ما يرجع إىل تقدير رشط مضموم إىل العقد ،وكثري من أحوال العقود حيمل عىل
ذلك كالتسليم والقطع والتبقية»(((.
واألق�رب فيما ُأرى أهنم يريدون بالعموم هنا االطراد والش�يوع يف اإلقلي�م كله ،واملراد
باإلقليم ما يقابل الدولة اليوم كمرص واليمن واهلند ،وال يريدون العموم االصطالحي؛
وذل�ك ألن م�ا قدم�وه م�ن أمثلة يبع�د أن يوج�د فيه عرف ع�ام باملعن�ى االصطالحي،
ف�إن مح�ل الدراهم عىل النقد الغال�ب ال يتصور فيه هذا العم�وم ،وكذلك تعيني مراحل
الس�فر ومنازله ال يتصور فيه عموم باملعنى االصطالح�ي ،وإذا كان هناك عموم باملعنى
االصطالح�ي فإن هذا العرف العام يكون هو املعترب وال ينظر للعرف اخلاص حينئذ ،ال
ألنه عرف خاص ،ولكن ألنه خمالف للعرف العام ،ومن ثم نقول استنتاجا من كالمهم:
إن�ه يشترط يف العرف اخلاص الن�ازل منزلة الشرط -يف توابع العق�ود -أن يكون عاما
مطردا يف حمله وأال خيالف عر ًفا عا ًّما.
ولعل�ه هلذا الس�بب رف�ض اإلمام ما ذهب إليه ش�يخه أب�و حممد يف مس�ألة العنب الذي
ج�رت ع�ادة أهل�ه أن يقطعوه حرص ًم�ا ،حيث قال أب�و حممد بصحة العق�د بدون رشط
((( هناية املطلب (.)143 /5
((( تكملة املجموع لإلمام السبكي ( )417 /11والنص املحقق مضطرب كام ترى؛ وصوابه( :أنا ال نحوج املتكاريني
إىل ذكر املنازل وتفصيل كيفية اإلجراء).
204
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
القط�ع اعتامدا على العادة ،ورفض اإلم�ام؛ ألن هذه عادة خاصة بني ق�وم خمالفة للعادة
العامة ،وهي التبقية التي بنى عليها اإلمام فس�اد العقد عىل ما مل يبد صالحه بدون رشط
القطع(((.
ولعله هلذا الس�بب أيضا رفض املتأخرون تصحي�ح العقد عىل الثامر التي مل يبد صالحها
بغير رشط القط�ع يف حالة جريان الع�رف بالقطع ،قال الرميل« :وال يق�وم اعتياد القطع
مق�ام رشطه»(((؛ فإنه لو تصور هذا لكان عر ًفا طارئًا خمال ًفا للعرف العام اجلاري بالتبقية
ال القطع.
وبن�اء على هذا أيضا يمكن أن نوجه قول اإلمام الس�بكي يف تكمل�ة املجموع« :جيوز أن
يشتري الدراهم من الصراف ويبيعها منه بع�د القبض ومتام العقد بالتف�رق أو التخاير
بأقل من الثمن أو أكثر ،سواء جرت له بذلك عادة أم ال ما مل يكن ذلك مرشوطا يف عقد
البيع قاله الش�افعي واألصحاب ..ومتس�ك األصحاب بأن العادة اخلاصة ال تنزل منزلة
الشرط ،كما لو نكح َمن عادته الطالق ال جيعل ذل�ك كرشط الطالق يف العقد ،وكذلك
ال ف�رق بين أن يكون ذل�ك مقصودا أو غير مقصود»((( .ف�إن املثالني اللذي�ن أوردمها
ال يمثالن س�وى ع�ادة فردية عملية ،وهذا هو س�بب عدم االعتبار ،وه�و مراده بالعادة
اخلاصة هنا التي ال تنزل منزلة الرشط ،ال مطلق العادة اخلاصة.
ويتأيد هذا بام قاله الغزايل يف الوس�يط« :ومطلق بيعها يقتيض اس�تحقاق اإلبقاء إىل أوان
القطاف وإن مل يرصح به لعموم العرف؛ إذ القرينة العرفية كاللفظية ،ولذلك نزل العرف
يف املن�ازل وآالت الداب�ة يف باب اإلجارة منزلة الترصي�ح .ولو جرى عرف بقطع العنب
حرصم�ا ألن�ه ال تتناهى هنايته ،أو ج�رى العرف باالنتفاع باملرهون م�ن املرهتن فقد منع
القفال املسألتني ،وقال :هو كالترصيح .وخالفه غريه؛ ألن املتبع ها هنا هو العرف العام،
ال عرف أقوام عىل اخلصوص»(((.
205
العدد الخامس والعشرون
((( راجع :هناية املطلب ( )143 /5املنثور ( )362 /2فتاوى ابن حجر (.)183 /2
((( كذا يستفاد من هناية املطلب (.)143 /5
206
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
إضمار للمفس�د ،واإلضمار ال أثر ل�ه يف صحة العق�ود .وإذا كان املتقدم�ون قد رفضوا
املعاطاة حرصا منهم عىل انضباط املعاملة وحتقق وجود الرتايض بني العاقدين ،ومل يلقوا
ب�اال ألثر قرائن األحوال يف هذه املس�ألة ،ف�إن عدم اعتبار العرف رش ًطا يف هذه املس�ألة
أوىل.
-3أن اعتب�ار العادات الفردية واجلامعية ضيقة النطاق يزيد من املنازعات ،وهو خالف
مقاصد الرشيعة يف املعامالت.
207
العدد الخامس والعشرون
النتائج
أوال :كش�ف البح�ث ع�ن أن العالق�ة بين الع�رف والع�ادة يف اصطالح إم�ام احلرمني
والش�افعية ه�ي العم�وم واخلصوص الوجه�ي؛ فيجتمع�ان يف األمور العملية املس�تقرة
املتك�ررة عىل املس�توى اجلامعي ،وتنفرد الع�ادة يف األمور العملية املس�تقرة املتكررة عىل
املستوى الفردي ،وينفرد العرف يف األمور القولية.
ثاني�ا :كش�ف البحث ع�ن أن العرف العام يف اصطالح الش�افعية هو ما ع�م مجيع البالد
اإلسلامية أو أكثره�ا مصحوب�ا باالمتداد الزم�اين غالبا ،وأما اخلاص فه�و ما خيتص به
الواح�د أو اجلامع�ة من الناس يف بلد أو أكثر دون حد األغلبية أو العموم .وأنه من اخلطأ
أن يوصف العرف اخلاص بأنه ما قابل العرف العام؛ ألنه قد يتصور خلو الزمان واملكان
من عرف عام يف خصوص ذلك املتعارف .كام أن حرص العرف اخلاص فيام كان خمصوصا
بفئة أو بلد أو طائفة من املسلمني كام رآه بعضهم غري جامع.
ثالث�ا :أن الع�رف -من حيث هو -ال ينش�ئ يف رشع اهلل حكام ،وال يك�ون دليال من أدلة
مصدرا من مصادر الترشيع ،وال يستقيم ً الرشع التي تؤخذ منها األحكام مبارشة ،وليس
عدُّ ه من األدلة املختلف فيها كام هو ذائع إال بتجوز.
رابعا :أن حجية العرف ليس�ت حجية إنش�اء كام هي يف القرآن والس�نة ،وليس�ت حجية
كش�ف كام هي يف اإلمجاع والقياس ،وإنام هي حجية اعتداد يف تنفيذ األحكام ،اس�تمدها
الع�رف من املص�ادر الس�ابقة ،بحيث يكون ه�و البيئة الت�ي تعترب عند تطبي�ق أحكامها
واألداة التنفيذية التي تعني عىل ذلك.
خامس�ا :أن ال�ذي يؤخ�ذ من فقه اإلمام والش�افعية أن م�ا كان حجة رشعية س�واء كان
النص أو القياس ال ُيرتك لعرف خمالف ،وأن املسائل التي جاءت عىل خالف ذلك اعترب
فيها دليل آخر كشف عنه العرف.
سادسا :أن ما قرره مجهور األصوليني من أن العرف العميل ال يعارض اللغة وال ينقل وال
ينس�خ -أي ال يقوى عىل معارضة اللغة ،فال خيصص عا ًّما وال ُيقيد مطل ًقا -مالحظ فيه
الغلبة ،وأن التقعيد والتطبيق الفقهيني اس�تثنوا العقود من هذه القاعدة ،فكانت القاعدة
العامة :أن العرف العميل ال سلطان له عىل األلفاظ والرتاكيب إال يف العقود.
208
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
س�ابعا :أن هن�اك فرقا بين ختصيص العرف للف�ظ بالنقل عن مدلوله اللغ�وي إىل ما هو
أخص منه ،وبني انتفاء اس�تعامل أهل العرف له يف بعض أفراد مسماه يف بعض األقطار،
يفرس اختالف األحكام يف املسائل التي تبدو متشاهبة عند الشافعية.
ثامن�ا :أن املواض�ع التي حكم الش�افعية بابتنائها عىل العرف ،ورفض�وا اعتبار األعراف
احلادث�ة فيه�ا مردها إىل أن العرف ليس هو املنفرد فيه�ا باالعتبار ،وأن هذا أمر غري متفق
علي�ه ،وأن قاع�دة رفع العرف اخل�اص للعرف العام الت�ي اعتمدوا عليها ليس�ت متف ًقا
عليها.
تاس�عا :أن كال من إطالق القول بتنزيل الع�ادة منزلة الرشط وإطالق القول بعدم نزول
الع�ادة منزلة الرشط عند الش�افعية فيه نظر .والصواب تقيي�د القاعدة بأن املعروف عر ًفا
خاصا -برشطيه املذكورين -كاملرشوط رشطا يف توابع العقود دون مقاصدها. عا ًّما أو ًّ
209
العدد الخامس والعشرون
املصادر واملراجع
1.1أث�ر العرف يف الترشيع اإلسلامي ،د /الس�يد صالح عوض ،القاه�رة -دار الكتاب
اجلامعي1981/م.
2.2أحس�ن الكالم فيام يتعلق بالس�نة والبدعة من األحكام ،الشيخ حممد بخيت املطيعي،
طبعته مجعية األزهر العلمية ،الطبعة الثانية1351/هـ.
3.3أحكام املعامالت الرشعية ،األستاذ الشيخ عيل اخلفيف ،القاهرة -دار الفكر العريب،
1429هـ2008 -م.
4.4االختي�ار لتعليل املختار ،عبد اهلل بن حممود بن م�ودود املوصيل البلدحي ،جمد الدين
أب�و الفضل احلنفي (املت�وىف683 :هـ) مع تعليقات الش�يخ حممود أب�و دقيقة ،القاهرة-
مطبعة احللبي1356/هـ1937 -م.
5.5أس�نى املطالب ،ش�يخ اإلسلام زكريا بن حممد بن زكريا األنصاري ،زين الدين أبو
حييى السنيكي (املتوىف926 :هـ) بريوت دار الكتاب اإلسالمي.
6.6األش�باه والنظائر ،جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر الس�يوطي (املتوىف911 :هـ)
بريوت دار الكتب العلمية .الطبعة األوىل1411 /هـ1990 -م.
7.7أص�ول الفق�ه للش�يخ حمم�د اخلضري ،القاه�رة :املكتب�ة التجاري�ة الكبرى،
ط1389/6هـ1969 -م.
8.8األعالم ،خري الدين بن حممود بن حممد بن عيل بن فارس الزركيل الدمشقي (املتوىف:
1396هـ) بريوت -دار العلم للماليني ،الطبعة اخلامسة عرشة2002 /م.
9.9األم ،اإلمام الشافعي؛ أبو عبد اهلل حممد بن إدريس بن العباس بن عثامن بن شافع بن
عب�د املطلب بن عبد مناف املطلبي القريش املكي (املتوىف204 :هـ) بريوت -دار املعرفة
1410هـ1990/م.
1010إنباه الرواة عىل أنباه النحاة ،مجال الدين أبو احلسن عيل بن يوسف القفطي (املتوىف:
646هـ) املكتبة العرصية ،بريوت الطبعة األوىل1424 /هـ.
1111أن�وار التنزي�ل وأرسار التأوي�ل ،ن�ارص الدين أبو س�عيد عبد اهلل ب�ن عمر بن حممد
الشريازي البيضاوي (املتوىف685 :هـ) حتقيق :حممد عبد الرمحن املرعشيل ،بريوت -دار
إحياء الرتاث العريب ،الطبعة األوىل 1418 /هـ.
210
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
1212األن�وار ألعمال األبرار ،الش�يخ اإلم�ام مجال الدين يوس�ف بن إبراهي�م اإلردبييل
(املتوىف799 :هـ) القاهرة ،مطبعة اجلاملية ،الطبعة األوىل 1328هـ1910 -م.
1313الب�در الس�اطع على مج�ع اجلوام�ع ،حمم�د بخي�ت املطيع�ي .مصر -مطبع�ة
التمدن1332/هـ.
1414الب�در الطال�ع بمحاس�ن من بعد القرن الس�ابع ،حممد بن عيل بن حمم�د بن عبد اهلل
الشوكاين اليمني (املتوىف1250 :هـ) بريوت -دار املعرفة.
1515الربهان ،إمام احلرمني :أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف اجلويني 478هـ،
بتحقي�ق الدكت�ور عبد العظيم الديب رمحه اهلل تعاىل ،نشر دار األنصار بالقاهرة (موافقة
لطبعة قطر يف جزأين).
1616بغي�ة الوع�اة يف طبقات اللغويين والنحاة ،عب�د الرمحن بن أيب بك�ر ،جالل الدين
الس�يوطي (املتوىف911 :ه�ـ) حتقيق :حممد أبو الفض�ل إبراهيم ،لبن�ان -صيدا ،املكتبة
العرصية.
1717البناية رشح اهلداية ،أبو حممد حممود بن أمحد بن موس�ى بن أمحد بن حسين الغيتايب
احلنف�ي بدر الدين العيني (املتوىف855 :هـ) بريوت ،لبن�ان ،دار الكتب العلمية ،الطبعة
األوىل 1420 /هـ2000 -م.
1818ت�اج العروس م�ن جواهر القاموس ،حمم�د بن حممد بن عبد الرزاق احلس�يني ،أبو
الزبيدي (املتوىف1205 :هـ) جمموعة من املحققني ،دار اهلداية.الفيض ،امللقب باملرتىض َّ
1919تبصرة احل�كام يف أص�ول األقضية ومناه�ج األحكام ،اب�ن فرحون بره�ان الدين
إبراهيم بن عيل بن حممد اليعمري (املتوىف799 :هـ) القاهرة -مكتبة الكليات األزهرية،
الطبعة األوىل1406 /هـ1986 -م.
2020حتف�ة املحت�اج يف رشح املنهاج ،أمحد ب�ن حممد بن عيل بن حج�ر اهليتمي ،روجعت
وصححت :عىل عدة نس�خ بمعرفة جلنة من العلامء ،مع حاش�يتي الرشواين وابن قاسم،
القاهرة -املكتبة التجارية الكربى (مصطفى حممد).
2121التعريفات ،عيل بن حممد بن عيل الزين الرشيف اجلرجاين (املتوىف816 :هـ) ضبطه
وصححه مجاعة من العلامء بإرشاف النارش ،بريوت -لبنان -دار الكتب العلمية ،الطبعة
األوىل1403 /هـ1983 -م.
211
العدد الخامس والعشرون
2222تفسري البغوي (معامل التنزيل) حميي السنة ،أبو حممد احلسني بن مسعود بن حممد بن
الف�راء البغوي الش�افعي (املت�وىف510 :هـ) حتقيق :عب�د الرزاق امله�دي ،بريوت -دار
إحياء الرتاث العريب ،الطبعة األوىل 1420 ،هـ.
2323تفسير الرازي (مفاتيح الغيب /التفسير الكبري) فخر الدي�ن أبو عبد اهلل حممد بن
عمر بن احلس�ن بن احلسني التيمي الرازي (املتوىف606 :هـ) بريوت -دار إحياء الرتاث
العريب ،الطبعة الثالثة 1420 /هـ.
2424التقري�ر والتحبير رشح التحرير يف أصول الفقه ،ابن أمير احلاج ،القاهرة -املطبعة
األمريية الكربى ،الطبعة األوىل1316 /هـ.
2525تكمل�ة املجم�وع ،للعالمة تقي الدين عيل بن عبد الكايف الس�بكي الش�افعي ،وهو
التكمل�ة األوىل لشرح املهذب الذي صنع�ه اإلمام النووي ،ووافت�ه املنية يف أثناء رشحه
ب�اب الرب�ا ،وقد أكمله الش�يخ الس�بكي حتى عي�وب املبيع وال�رد بالعي�ب ،وهو يمثل
األجزاء من العارش حتى الثاين عرش ،من طبعة دار الفكر.
2626التلويح عىل التوضيح ،للعالمة سعد الدين التفتازاين ،القاهرة -مطبعة صبيح.
2727هتذي�ب األسماء واللغات ،أبو زكري�ا حميي الدين حييى ب�ن رشف النووي (املتوىف:
676هـ) عنيت بنرشه وتصحيحه والتعليق عليه ومقابلة أصوله :رشكة العلامء بمساعدة
إدارة الطباعة املنريية ،يطلب من :دار الكتب العلمية ،بريوت -لبنان.
2828التوضي�ح على التنقي�ح لص�در الرشيع�ة ،ضم�ن جمموعة ح�وايش على التلويح،
القاهرة -املطبعة اخلريية /الطبعة األوىل 1322هـ.
2929تيسير التحري�ر ،حمم�د أمني (املع�روف بأمري بادش�اه احلس�يني احلنف�ي) القاهرة:
مصطفى احللبي ،الطبعة األوىل (د.ت) وقد صححت عىل نسخة خطية من مكتبة سيدي
الشيخ حممد بخيت رمحه اهلل ،وذلك يف حياته.
3030اجلواه�ر املضي�ة يف طبقات احلنفي�ة ملحيي الدين أيب حممد عبد الق�ادر بن أيب الوفاء
القريش احلنفي حتقيق :د /عبد الفتاح احللو ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة الثانية1418 /هـ.
3131حاش�ية األمري عىل اجلوهرة ،الشيخ حممد األمري الصغري عىل رشح عبد السالم عىل
اجلوهرة ،القاهرة -مصطفى احللبي 1368هـ.
212
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
3232حاش�ية الباجوري عىل متن الس�لم يف املنط�ق ،العالمة الش�يخ إبراهيم الباجوري،
القاهرة -مصطفى احللبي.
3333حاش�ية الباج�وري عىل ابن قاس�م يف الفق�ه ،العالمة الش�يخ إبراهي�م الباجوري،
القاهرة -دار الطباعة العامرة (بوالق)1285 ،هـ.
3434حاشية البيجرمي عىل رشح املنهج (التجريد لنفع العبيد) ،سليامن بن حممد بن عمر
البجريمي املرصي الشافعي (املتوىف1221 :هـ) القاهرة -مطبعة احللبي1369 ،هـ.
3535حاش�ية اجلم�ل عىل املنه�ج (فتوح�ات الوه�اب بتوضي�ح رشح منه�ج الطالب)
س�ليامن بن عمر بن منص�ور العجييل األزه�ري ،املعروف باجلمل (املت�وىف1204 :هـ)
القاهرة -املكتبة التجارية -مصطفى حممد.
3636حاش�ية احلاج إبراهيم عىل األنوار ألعامل األبرار ،هبامش األنوار ،القاهرة ،مطبعة
اجلاملية ،الطبعة األوىل 1328هـ1910 -م.
3737حاش�ية الدس�وقي على الشرح الكبير للش�يخ الدردي�ر ،العالمة حممد ب�ن عرفة
الدسوقي ،مطبوع مع الرشح الكبري للعالمة الدردير ،القاهرة -عيسى احللبي (دار إحياء
الكتب العربية) (دار إحياء الكتب العربية).
3838حاشية الرميل الكبري عىل رشح الروض لشيخ اإلسالم ،شهاب الدين أمحد بن محزة
الرميل (ت957 :هـ) ،مطبوع هبامش أسنى املطالب ،مصورة دار الكتاب اإلسالمي.
3939حاشية الشربامليس عىل هناية املحتاج ،أبو الضياء نور الدين عيل بن عيل الشربامليس
(ت1087 :ه�ـ) مطبوع مع هناية املحتاج للرميل باحلاش�ية الس�فلية ،القاهرة -مصطفى
احللبي ،الطبعة األخرية1386 ،هـ1967 -م.
4040حاش�ية الشرِّ ْ واين عىل التحفة ،عبد احلميد أفندي الداغس�تاين الرشواين نزيل مكة،
مطب�وع م�ع حتف�ة املحت�اج يف رشح املنه�اج ،أمحد ب�ن حممد بن علي بن حج�ر اهليتمي،
روجع�ت وصححت عىل عدة نس�خ بمعرفة جلنة من العلماء ،القاهرة -املكتبة التجارية
الكربى (مصطفى حممد).
4141حاش�ية ابن عابدين (رد املحتار عىل الدر املختار) ،العالمة حممد أمني عابدين (ت:
1306هـ) ،القاهرة -املطبعة العامرة (بوالق) ،الطبعة األوىل1272 /هـ.
213
العدد الخامس والعشرون
4242حاش�ية العط�ار على اخلبيصي يف املنطق ،العالمة الش�يخ حس�ن بن حمم�د العطار
(ت1250 :هـ) القاهرة -عيس�ى احللبي (دار إحياء الكتب العربية) (دار إحياء الكتب
العربية)1380 ،هـ1960 -م.
4343حاشية ابن قاسم العبادي عىل التحفة ،أمحد بن قاسم العبادي (ت992 :هـ) مطبوع
م�ع حتف�ة املحت�اج يف رشح املنهاج ،أمح�د بن حممد بن علي بن حجر اهليتم�ي ،روجعت
وصحح�ت عىل عدة نس�خ بمعرفة جلنة من العلماء ،القاهرة -املكتب�ة التجارية الكربى
(مصطفى حممد).
4444حاش�ية القليويب عىل رشح املنه�اج جلالل الدين املحيل ،ش�هاب الدين أبو العباس
أمح�د بن أمحد بن سلامة القليويب (ت1069 :هـ) وهي حاش�ية على رشح اجلالل عىل
املنهاج املوسوم بكنز الراغبني ،طبعت معه يف القاهرة -عيسى احللبي (دار إحياء الكتب
العربية).
4545حاش�ية الكمث�رى عىل األن�وار ،هبامش األن�وار ألعامل األب�رار ،القاه�رة ،مطبعة
اجلاملية ،الطبعة األوىل 1328هـ1910 -م.
4646احل�اوي الكبري ،أبو احلس�ن عيل بن حممد ب�ن حممد بن حبيب البصري البغدادي،
الشهري باملاوردي (املتوىف450 :هـ) حتقيق عيل حممد معوض -عادل أمحد عبد املوجود،
بريوت لبنان -دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1419 /هـ1999 -م.
4747احلدود األنيقة والتعريفات الدقيقة ،ش�يخ اإلسلام زين الدي�ن أبو حييى زكريا بن
حمم�د بن أمحد بن زكريا األنص�اري( ،املتوىف926 :هـ) حتقيق د .مازن املبارك ،بريوت-
دار الفكر املعارص ،الطبعة األوىل 1411 /هـ.
4848خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عرش ،حممد أمني بن فضل اهلل بن حمب الدين بن
حممد املحبي احلموي األصل ،الدمشقي (املتوىف1111 :هـ) بريوت -دار صادر.
4949اخللاف اللفظ�ي عند األصوليني ،حممد حس�ن أبو العز ،بحث منش�ور بمجلة دار
اإلفتاء املرصية ،العدد السابع إبريل 2011م.
5050ال�درر الكامن�ة يف أعيان املائة الثامنة ،أبو الفضل أمحد ب�ن عيل بن حممد بن أمحد بن
حجر العس�قالين (املت�وىف852 :هـ) جملس دائرة املع�ارف العثامنية ،اهلن�د -حيدر أباد،
الطبعة الثانية1392 /هـ1972 -م.
214
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
5151روض�ة الطالبني ،أب�و زكريا حميي الدين حييى بن رشف الن�ووي (املتوىف676 :هـ)
حتقي�ق :زهير الش�اويش ،بريوت -دمش�ق -عامن املكتب اإلسلامي ،الطبع�ة الثالثة/
1412هـ1991 -م.
5252س�لم الوص�ول لشرح هناية الس�ول رشح منه�اج األصول ،الش�يخ حمم�د بخيت
املطيعي ،مطبوع باحلاش�ية الس�فلية لنهاية الس�ول لإلس�نوي ،املطبعة الس�لفية بالقاهرة
1345هـ.
5353رشح اخل�ريش على خمتصر خليل ،حممد ب�ن عبد اهلل اخل�ريش املالكي أب�و عبد اهلل
(املتوىف1101 :هـ) بريوت -دار الفكر للطباعة.
5454الشرح الكبير عىل الوجي�ز (العزيز رشح الوجي�ز) عبد الكريم ب�ن حممد الرافعي
القزويني (املتوىف623 :هـ) دار الفكر.
5555الرشح الكبري عىل خمترص خليل ،أبو الربكات سيدي أمحد الدردير (ت1201 :هـ)،
مطبوع هبامش حاشية الدسوقي ،القاهرة -عيسى احللبي (دار إحياء الكتب العربية).
5656صحيح مسلم ،اإلمام مسلم بن احلجاج النيسابوري ،إصدار مجعية املكنز.
5757طبقات الش�افعيني للحافظ ابن كثري ،أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثري القريش
البصري ثم الدمش�قي (املت�وىف774 :هـ) حتقي�ق :د .أمحد عمر هاش�م ،د .حممد زينهم
حممد عزب ،القاهرة -مكتبة الثقافة الدينية 1413/هـ1993 -م.
5858طبقات الش�افعية الكربى للسبكي ،تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي
(املت�وىف771 :ه�ـ) حتقيق :د .حمم�ود حممد الطناح�ي د .عبد الفتاح حمم�د احللو ،هجر
للطباعة والنرش والتوزيع ،الطبعة الثانية1413/هـ.
5959طبق�ات الفقهاء الش�افعية لإلمام اب�ن الصالح ،عثامن بن عب�د الرمحن ،أيب عمرو،
تق�ي الدي�ن املعروف باب�ن الصالح (املت�وىف643 :هـ) حتقيق :حميي الدي�ن عيل نجيب،
بريوت -دار البشائر اإلسالمية ،الطبعة األوىل1992 /م.
حلنَفي ،نس�به
6060الطبق�ات الكربى للش�عراين ،أيب حممد عبد الوهاب بن أمحد بن عيل ا َ
الش� ْعراين (املتوىف973 :هـ) القاهرة -مكتبة حممد املليجي الكتبيإىل حممد ابن احلنفيةَّ ،
وأخيه1315 /هـ.
215
العدد الخامس والعشرون
216
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
7171فق�ه إمام احلرمني ،خصائصه ،أثره ،منزلته ،د /عبد العظيم الديب ،املنصورة -دار
الوفاء1409 ،هـ1988 -م.
7272الفقه املنهجي عىل مذهب اإلمام الش�افعي ،د /مصطفى اخلن ،د /مصطفى البغا،
الش�يخ علي الرشبج�ي ،دمش�ق -ف�رج اهلل كرهب�ا -دار القل�م ،الطبعة احلادي�ة عرشة/
1432هـ2011 -م.
7373الفوائ�د املكي�ة فيما حيتاجه طلبة الش�افعية للس�يد علوي بن أمحد الس�قاف ،ضمن
جمموعة سبعة كتب مفيدة .القاهرة :مصطفى احللبي ،الطبعة األخرية.
7474فواتح الرمحوت برشح مس�لم الثبوت ،األنصاري :عبد العيل حممد بن نظام الدين،
مطبوع مع املس�تصفى حلجة اإلسلام الغزايل .مصر :املطبعة األمريي�ة الكربى ،الطبعة
األوىل 1325هـ.
7575قاع�دة الع�ادة حمكم�ة ،دراس�ة نظرية تأصيلي�ة تطبيقي�ة ،يعقوب بن عب�د الوهاب
الباحسني ،الرياض -مكتبة الرشد ،الطبعة الثانية 1433هـ2012 -م.
7676قواعد األحكام يف مصالح األنام ،أبو حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم بن
أيب القاس�م بن احلس�ن الس�لمي الدمش�قي ،امللقب بس�لطان العلامء (املتوىف660 :هـ)
راجع�ه وعل�ق عليه :ط�ه عبد ال�رؤوف س�عد ،القاه�رة -مكتب�ة الكلي�ات األزهرية/
1414هـ1991 -م.
7777القواع�د الفقهي�ة الكربى وأثره�ا يف الفقه عند الش�افعية ،عبد الرمح�ن بن عبد اهلل
السقاف ،رسالة دكتوراه غري منشورة ،اليمن السعيد -أنقذه اهلل تعاىل -جامعة األحقاف
2013م.
7878القواع�د الفقهية يف املذهبني احلنفي والش�افعي ،الدكتور حممد الزحييل ،الكويت-
إصدارات جملس النرش العلمي بجامعة الكويت ،الطبعة الثانية2004 /م.
7979القواع�د الكلية والضوابط الفقهية يف الرشيعة اإلسلامية ،األس�تاذ الدكتور حممد
عثامن شبري ،عامن -األردن -دار النفائس ،الطبعة الثانية1428 /هـ2007 -م.
8080الكليات ،أيوب بن موس�ى احلس�يني القريمي الكفوي ،أبو البقاء احلنفي (املتوىف:
1094هـ) حتقيق :عدنان درويش -حممد املرصي ،بريوت -مؤسسة الرسالة.
217
العدد الخامس والعشرون
8181الكواكب الس�ائرة بأعيان املئة العارشة ،نجم الدي�ن حممد بن حممد الغزي (املتوىف:
1061ه�ـ) حتقيق :خليل املنصور ،بريوت -لبن�ان -دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل،
1418هـ1997 -م.
8282املبس�وط ،حممد بن أمحد بن أيب س�هل ش�مس األئمة الرسخيس (املتوىف483 :هـ)
بريوت -دار املعرفة1414 /هـ1993 -م.
8383جمم�ل اللغ�ة ،أمحد بن ف�ارس بن زكري�اء القزويني ال�رازي ،أبو احلسين (املتوىف:
395هـ) دراس�ة وحتقيق :زهري عبد املحسن سلطان ،بريوت -مؤسسة الرسالة ،الطبعة
الثانية 1406 /هـ1986 -م.
8484املجموع لإلمام النووي ،مع تكملتي السبكي واملطيعي ،دار الفكر.
8585جملة األحكام العدلية ،جلنة مكونة من عدة علامء وفقهاء يف اخلالفة العثامنية ،حتقيق:
ِ
جتارت كتب ،آرام باغ ،كراتيش. نجيب هواويني ،النارش :نور حممد ،كارخانه
8686املحي�ط الربه�اين يف الفقه النعامين ،أب�و املعايل برهان الدين حممود ب�ن أمحد بن عبد
العزي�ز ب�ن عمر بن َم َاز َة البخ�اري احلنفي (املتوىف616 :هـ) حتقيق :عبد الكريم س�امي
اجلندي ،بريوت -لبنان -دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1424 /هـ2004 -م.
8787خمتصر اإلمام عز الدين بن عبد السلام ،باب الوكال�ة ،مطبوع ضمن هناية املطلب
بتحقي�ق الدكتور عب�د العظيم الديب ،ج�دة -دار املنهاج ،الطبع�ة األوىل1428 /هـ-
2007م.
8888م�دارك التنزي�ل وحقائ�ق التأويل ،أبو البركات عبد اهلل بن أمحد ب�ن حممود حافظ
الدي�ن النس�في (املتوىف710 :ه�ـ) حققه وخرج أحاديثه :يوس�ف عيل بدي�وي ،راجعه
وقدم له :حميي الدين ديب مستو ،بريوت -دار الكلم الطيب ،الطبعة األوىل1419 /هـ-
1998م.
8989املدخل الفقهي العام ،األس�تاذ مصطفى الزرقا ،دمشق -دار القلم ،الطبعة الثانية/
1425هـ2004 -م.
9090املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري ،أبو العباس أمحد بن حممد بن عيل الفيومي ثم
احلموي (املتوىف :نحو 770هـ) بريوت -املكتبة العلمية.
218
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
9191املغني البن قدامة املقديس ،أيب حممد موفق الدين عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة
اجلامعييل املقديس ثم الدمش�قي احلنبيل( ،املتوىف620 :هـ) -مكتبة القاهرة (عيل يوسف
سليامن).
9292مغن�ي املحت�اج إىل معرف�ة مع�اين ألف�اظ املنه�اج ،العالمة الش�يخ حمم�د الرشبيني
اخلطيب ،القاهرة ،مصطفى احللبي1377 /هـ1958 -م.
9393املسامرة يف رشح املسايرة ،للكامل بن أيب رشيف ،القاهرة :مطبعة السعادة؛ فرج اهلل
زكي الكردي .الطبعة الثانية1347 /هـ .وقد صورهتا دار البصائر بالقاهرة.
9494مقاييس اللغة البن فارس ،أيب احلسني أمحد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي،
(املت�وىف395 :هـ) حتقيق األس�تاذ عبد السلام حممد ه�ارون ،دار الفك�ر1399 /هـ-
1979م.
9595امللكية ونظرية العقد للعالمة الش�يخ حممد أيب زه�رة ،القاهرة -دار الفكر العريب/
1977م.
9696املنث�ور يف قواع�د الفق�ه الش�افعي ،أب�و عب�د اهلل ب�در الدين حمم�د بن عب�د اهلل بن
هب�ادر الزركشي (املت�وىف794 :ه�ـ) الكوي�ت -وزارة األوق�اف الكويتي�ة ،الطبع�ة
الثانية1405/هـ1985 -م.
9797املنهاج الس�وي يف ترمج�ة اإلمام النووي ،الش�يخ عالء الدين العط�ار تلميذ اإلمام
الن�ووي ،مطب�وع يف صدر روضة الطالبين لإلمام النووي بتحقي�ق عيل معوض وعادل
عبد املوجود ،طبعة دار الكتب العلمية.
9898املهذب يف علم ُأصول الفقه املقارن ،عبد الكريم بن عيل بن حممد النملة ،الرياض-
مكتبة الرشد ،الطبعة األوىل1420 /هـ1999 -م.
9999املواهب الربانية يف رشح املقدمات السنوس�ية أليب إسحاق الرسقسطي ،مطبوع مع
رس�الة بصائر أزهرية لش�يخنا الدكتور مجال فاروق ،القاهرة -كش�يدة للنرش والتوزيع،
الطبعة األوىل 1436هـ2015 -م.
10100املوط�أ لإلم�ام مالك بن أنس ،مالك بن أنس بن مال�ك بن عامر األصبحي املدين
(املت�وىف179 :هـ) صحح�ه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه :حمم�د فؤاد عبد الباقي،
بريوت -لبنان -دار إحياء الرتاث العريب 1406 /هـ1985 -م.
219
العدد الخامس والعشرون
10101نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف ،العالمة حممد أمني عابدين احلنفي
(ت1306 :هـ) ،مطبوع ضمن جمموع رسائل الشيخ ابن عابدين.
10102هناية السول رشح منهاج الوصول ،لإلسنوي ،أيب حممد مجال الدين عبد الرحيم بن
احلسن بن عيل اإلسنوي الشافعي (املتوىف772 :هـ) بريوت -لبنان -دار الكتب العلمية،
الطبعة األوىل1420 ،هـ1999 -م.
10103النهاي�ة يف غري�ب احلديث واألثر ،جمد الدين أبو الس�عادات املب�ارك بن حممد بن
حممد بن حممد بن عبد الكريم الشيباين اجلزري ابن األثري (املتوىف606 :هـ) حتقيق :طاهر
أمحد الزاوي -حممود حممد الطناحي ،بريوت -املكتبة العلمية1399 /هـ1979 -م.
10104هناية املحتاج إىل رشح املنهاج ،شمس الدين الرميل ،حممد بن أيب العباس أمحد بن
مح�زة الرملي املنويف املرصي األنصاري امللقب بالش�افعي الصغير (املتوىف1004 :هـ)،
مطب�وع م�ع حاش�يتي الشبرامليس والرش�يدي ،القاه�رة -مصطف�ى احللب�ي ،الطبع�ة
األخرية1386 /هـ1967 -م.
10105هناية املطلب يف دراية املذهب ،أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف اجلويني
478ه�ـ ،بتحقيق الدكتور عبد العظيم الديب رمحه اهلل تعاىل ،جدة -دار املنهاج ،الطبعة
األوىل1428 /هـ2007 -م.
10106الوس�يط يف املذه�ب ،حجة اإلسلام الغ�زايل :أبو حام�د حممد بن حمم�د الغزايل
الط�ويس (املتوىف505 :هـ) حتقيق :أمحد حمم�ود إبراهيم ،حممد حممد تامر ،القاهرة -دار
السالم ،الطبعة األوىل1417 /هـ.
10107وفيات األعيان ،أبو العباس شمس الدين أمحد بن حممد بن إبراهيم بن أيب بكر ابن
خلكان الربمكي اإلربيل (املتوىف681 :هـ ،حتقيق :إحسان عباس ،بريوت -دار صادر.
220
ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ
احملتويات
م� 146............................................................................. ق ة
م�د
أ
بح� ا ل� :ض��ط ا تل�ص ا ت ا لم� ث
� 150................................................. ور ول ب
ن ش ف قة ف
ل�ا �عي� ة� 150....................... ( )1مع�نى ا لعر� و ا لعا د ة� و ا لعلا �� ب�ي� ن�هما ع�د ا
ل�ا ص 160................................ تح�� ق ا لم ا د �ا لع ف� ا لعا ا لع ف� ا خ ق
مو ر ( � )2ي� ر ب ر
ف ف ق ق
بح�ي� ة� ا لعر� 169.............................................. (� )3ي� �تح��ي� ا لمرا د � ج
� 176.............................................. بح� ا ثل�ا �ن :ض��ط ا تل�صد � ق�ا ت
ا لم� ث
ي ي� ب
ي� ا لع ف� ا ش ت ض
ل��ر ع 176................................................ ( )1ا ل�عا ر� ب�� ن ر و
ف
( )2ا لعر� ا لعملي� و ا لل�غ ة� 190.........................................................
أ ف أ ف
( )3ا ل�عرا � ا لحا د ث� ة� ب� خ�لا � ما �نص ا ل�صحا ب� عل�يه 195...........................
ل�� ط �ق�ض ي� ة� ا ش
ل��رو ط ا فل�ا سد ة� 200....................... ة ش ف ن ز
( )4ا لعر� ا ل�ا �ل م�ن�ز ل� ا ر و
ا نل� ت�ا ئ� ج� 208............................................................................
ا لمصا در و ا لمرا �ج ع 210................................................................
� 221........................................................................ ح� �ا تت
ا لم وي
221