You are on page 1of 76

‫� ن � ش �ف� �ة‬ ‫� ا ���ُ �ف‬ ‫أ �‬

‫العدد الخامس والعشرون‬

‫ع��د ا �ل���ا �عي��‬ ‫ا ع�ت�ب ا ر لعر�‬ ‫� �ص�و�ل‬


‫م ن خ�لا �أ حكا ا لمعا ملا ت‬
‫�‬ ‫لن ي�ة م‬ ‫�‬
‫ت‬ ‫ف‬
‫�ي� ك�ا ب� �ها � ا لم ب‬
‫طل�‬
‫أ‬
‫ح����س ن � ب� ا �ل�ع ز �ع� �د ا �ل ح�م� ن‬ ‫حم‬
‫�‬
‫�م�د � � و � �ب ر �‬
‫ا لمسا عد �ق�س ا لل�غ�ة ا لع ��ي�ة ا لد ا سا ت‬
‫�‬ ‫ا لمد‬
‫رب و ر‬ ‫� ارسي�ة ي�ة ت بي�ة م �ة‬
‫�ش‬ ‫ن‬
‫ا لإ سل م� ‪ ،‬ب�كل� ا ل�رب�� ج�ا مع ع�ي� مس‬

‫�﷽‬

‫مقدمة‬
‫احلم�د هلل ال�ذي آذن�ت آيات�ه بك�ون غاي�ة العل�م كمال االنقي�اد والتس�ليم له س�بحانه‬
‫وتع�اىل والق�رب من�ه ج�ل ش�أنه بافتتاح�ه –س�بحانه‪ -‬التنزيل العزي�ز بـاألم�ر اجلليل‬
‫ۡ ۡ‬
‫{وۤۡدُجۡسٱ َوٱق� ِب} [العل�ق‪ ]19 :‬وصالة اجلالل‬ ‫{ٱق َرأ}‪[ ‬العل�ق‪ ]1 :‬وخت�م األم�ر بـ َ‬
‫ۡ َت�رَ‬
‫وسلام الكامل عىل مصباح نور مش�كاة كون اهلل روح جسد الكونني وعني حياة الدارين‬
‫سيدنا وحبيبنا حممد بن عبد اهلل النور الساري يف كون اهلل والنعمة املهداة والرمحة املسداة‬
‫والرساج املنري‪ ،‬هيدي اهلل لنوره حممد ﷺ من يشاء من خلقه‪ ،‬ويرضب اهلل األمثال للناس‪.‬‬
‫وبعد‪،‬‬
‫فيس�عى ه�ذا البحث إىل ضب�ط بعض التص�ورات والتصديقات املتعلق�ة بأصول اعتبار‬
‫ال ُع�رف عند الس�ادة الش�افعية؛ منطل ًقا م�ن كتاب هناي�ة املطلب يف دراي�ة املذهب إلمام‬
‫احلرمين اجلويني؛ ومس�تفيدً ا م�ن جهود املتأخري�ن الفقهية والتقعيدي�ة جتلي ًة لغموضها‬
‫ووصلاً حللقات تطور املذهب؛ وهذه القضايا هي‪:‬‬

‫‪146‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫‪ -1‬معنى ال ُعرف والعادة والعالقة بينهام‪.‬‬


‫‪ -2‬املراد بالعرف العام والعرف اخلاص‪.‬‬
‫‪ -3‬املراد بحجية العرف‪.‬‬
‫‪ -4‬موقف الشافعية من تعارض العرف مع الرشع‪.‬‬
‫نص عليه األصحاب‪.‬‬ ‫‪ -5‬موقف الشافعية من األعراف احلادثة بخالف ما َّ‬
‫‪ -6‬موقف الشافعية من نزول العرف منزلة الرشط‪.‬‬
‫أثر العرف يف الترشيع عىل املس�تويني‬ ‫ذل�ك أن�ه عىل الرغم من الدراس�ات التي تناول�ت َ‬
‫الفقهي واإلفتائي‪ ،‬فإن مبحث العرف بصفة عامة مل يزل حما ًطا بس�ياج الغموض يف كثري‬
‫من جزئياته‪ ،‬كام أن الناظر يف اإلنتاج العلمي لدور وهيئات الفقه واإلفتاء يف العامل ليشعر‬
‫بع َظ�م حاجة العلماء والباحثني إىل نصوص العلماء وآراء املذاه�ب يف القضايا املختلفة‬ ‫ِ‬
‫فرو ًع�ا وأص�ولاً ‪ ،‬مم�ا يرجح أمه َّية تن�اول املوضوعات الت�ي تتعرض للقضاي�ا العامة يف‬
‫الفقه؛ مج ًعا لفروعها و ًّملا لشتات أصوهلا‪.‬‬
‫ويضاف إىل هذا أنه عىل الرغم مما كُتب يف القواعد الفقهية قديماً وحدي ًثا فإن هذه القضايا‬
‫م�ا زالت بحاجة إىل حتقيق يكش�ف رأي الس�ادة الش�افعية عمو ًم�ا‪ ،‬ورأي إمام احلرمني‬
‫امللم�ح البارز يف هناي�ة املطلب (املذه�ب الكبري) ‪-‬ال�ذي يمثل أهم‬ ‫بخاص�ة؛ حي�ث إن َ‬
‫احلرص الدَّ ُءوب منه عىل لفت نظر القارئ إىل أثر العرف‬‫ُ‬ ‫كتابات إمام احلرمني الفقهية‪-‬‬
‫يف بناء احلكم الفقهي‪.‬‬
‫وقد أثبتت الدراس�ة والبحث يف مصنفات الش�افعية بعده حتى عصر اإلمام الباجوري‬
‫مت ُّي َ�ز إمام احلرمني يف هذا اجلانب واختصاصه به‪ ،‬حتى أضحى هناية املطلب عونًا يف فهم‬
‫كثري من العبارات املجملة يف كتب الشافعية‪.‬‬
‫البحث هي احلاج ُة إىل حتديد موقع العرف يف منظومة‬ ‫َ‬ ‫إذن املش�كلة الرئيس�ة التي أثارت‬
‫االس�تدالل الفقهي ‪-‬يف املعامالت‪ -‬عند الش�افعية‪ ،‬وجتلية بعض مباحثه من خالل إمام‬
‫احلرمني الذي متيز يف هذا اجلانب‪ ،‬ويف سياق نتاج الشافعية من حوله ومن بعده‪.‬‬
‫وكان أول م�ن لف�ت نظ�ر الباحثين إىل ملم�ح اعتب�ار العرف يف فق�ه اإلم�ام‪ -‬الدكتور‬
‫عبد‪ ‬العظيم الديب رمحه اهلل تعاىل يف كتابه (فقه إمام احلرمني)(((‪ ،‬غري أن اتس�اع موضوع‬
‫((( طبع يف قطر يف جزأين‪ ،‬وطبعته دار الوفاء بمرص طبعة ثانية عام ‪1409‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫الكتاب جعل ما كتبه الدكتور الديب جمرد إش�ارة تس�تحق البحث والدراسة‪ ،‬فإنه مل يزد‬
‫على التمثيل بنامذج نظرية وتطبيقية تؤكد هذا امللمح املتميز لإلمام مع بعض مالحظات‬
‫ٍ‬
‫أثر يف توظيفه‬‫ق ِّيمة عليها‪ ،‬كام كان لتقدم كالمه يف هذا الكتاب عىل خروج «النهاية» حم َّق ًقا ٌ‬
‫هل�ذه النامذج‪ ،‬ويف دقة بعض املالحظات التي اس�تنتجها منها‪ ،‬ولو أنه أعاد كتابة البحث‬
‫كثريا‪.‬‬
‫بعد حتقيق النهاية ألضاف ً‬
‫وال يغي�ب ع�ن أذهاننا أن املحققين أمجعوا ‪-‬يف نق�ل املذهب‪ -‬عىل أن الكت�ب املتقدمة‬
‫عىل الش�يخني ‪-‬الرافع�ي والنووي‪ -‬ال يعتد بيشء منها إال بعد كمال البحث والتحرير‪،‬‬
‫مذهب الش�افعي‪ ،‬وهذا يف حك ٍم مل يتعرض له الشيخان‬ ‫ِ‬ ‫راجح‬
‫ُ‬ ‫حتى يغلب عىل الظن أنه‬
‫–الن�ووي والرافعي‪ -‬أو أحدمها‪ ،‬فإن تعرضا له فال�ذي أطبق عليه املحققون أن املعتمد‬
‫مرج ٌح‪ ،‬أو وجد ولكن عىل الس�واء؛‬ ‫يف املذه�ب م�ا اتفقا عليه‪ ،‬فإن اختلفا ومل يوجد هلام ِّ‬
‫فاملعتمد ما قاله النووي‪ ،‬وإن وجد ألحدمها دون اآلخر فاملعتمد ذو الرتجيح‪ ،‬فإن اتفق‬
‫نادر جدًّ ا‪.‬‬
‫املتأخرون عىل أن ما قااله سهو‪ ،‬فال يكون حينئذ معتمدً ا‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫الرميل وابن حجر‪ ،‬وفيام اختلفا فيه خالف معروف‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫واملعتمد من بعد هذا ما اتفق عليه‬
‫الرتكيز عىل مصنفات الشيخني الرافعي والنووي ثم‬ ‫َ‬ ‫وعىل أية حال استلزم املنهج العلمي‬
‫الرميل وابن حجر‪ ،‬وبخاصة رشحامها عىل املنهاج؛ ولقد تقرر عند بعض الشافعية أنه ال‬
‫جتوز الفتوى بام خيالف التحفة والنهاية إال فيام مل يتعرضا له‪ ،‬فيفتى بكالم ش�يخ اإلسلام‬
‫زكري�ا األنص�اري‪ ،‬ثم ب�كالم اخلطيب الرشبيني‪ ،‬ثم بكالم حاش�ية الزي�ادي‪ ،‬ثم بكالم‬
‫حاش�ية ابن قاس�م‪ ،‬ثم بكالم عمرية‪ ،‬ثم بكالم حاش�ية الشبرامليس‪ ،‬ثم بكالم حاش�ية‬
‫احللبي‪ ،‬ثم بكالم حاشية الشوبري‪ ،‬ثم بكالم حاشية العناين‪ ،‬ما مل خيالفوا أصل املذهب‪.‬‬
‫غير أن الذي يتعني اعتامده أن هؤالء األئمة املذكورين وغريهم كالبجريمي والباجوري‬
‫والرشق�اوي م�ن أرباب الرشوح واحل�وايش كلهم أئمة يف املذهب‪ ،‬يس�تمد بعضهم من‬
‫بع�ض‪ ،‬جي�وز العمل واإلفتاء والقض�اء بقول كل منهم‪ ،‬وإن خالف من س�واه ما مل يكن‬
‫سهوا أو غل ًطا أو ضعي ًفا ظاهر الضعف(((‪.‬‬ ‫ً‬

‫((( راجع‪ :‬الفوائد املكية فيام حيتاجه طلبة الش�افعية‪ ،‬الس�يد علوي الس�قاف رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬مطبوع ضمن جمموعة سبعة‬
‫كتب مفيدة بالقاهرة مصطفى احللبي‪ .‬وراجع أيضا‪ :‬مقدمة برشى الكريم للشيخ باعشن‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫وقد جاءت الدراسة يف مبحثني يشتمالن عىل مسائل‪:‬‬


‫املبحث األول‪ :‬ضبط التصورات‪ ،‬ويتناول‪:‬‬
‫(‪ )1‬معنى العرف والعادة والعالقة بينهام‪.‬‬
‫(‪ )2‬حتقيق املراد بالعرف العام والعرف اخلاص‪.‬‬
‫(‪ )3‬حتقيق املراد بحجية العرف‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ضبط التصديقات‪ ،‬ويتناول‪:‬‬
‫(‪ )1‬حكم التعارض بني العرف والنص والقياس‪.‬‬
‫(‪ )2‬إشكالية العرف العميل واللغة‪.‬‬
‫(‪ )3‬األعراف احلادثة بخالف ما نص األصحاب عليه‪.‬‬
‫(‪ )4‬العرف النازل منزلة الرشط وقضية الرشوط الفاسدة‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫املبحث األول‪:‬‬
‫ضبط التصورات‬
‫(‪)1‬‬
‫ف‬
‫مع�نى ا لعر� و ا لعا د ة�‬
‫ة‬
‫فع��‬‫�‬ ‫ا‬ ‫ع�د ا ش‬
‫ل�‬ ‫ا لعلا ق�ة� �� ن� ما ن‬
‫ي‬ ‫بي ه‬ ‫و‬
‫واصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫اً‬
‫أول‪ :‬حتديد معنى العرف لغة‬
‫ت�دور العني وال�راء والفاء يف اللغة ‪-‬كما يؤخذ من مقاييس ابن ف�ارس(((‪ -‬حول معاين‬
‫�م ذه�ب معظ�م املفرسي�ن إىل أن امل�راد بـ‬ ‫واالستحس�ان ‪ ،‬وم�ن َث َّ‬ ‫التتاب�ع واالرتف�اع‬
‫(((‬
‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ت عرفا} [املرسلات‪ ،]١ :‬املتتابِعة أو التي حتمل اخلري‬
‫ٗ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫(عر ًفا) يف قوله تعاىل‪{ :‬وٱلمرس��ل ٰ ِ‬
‫املراد هبا(((‪.‬‬
‫ۡ‬ ‫واإلحسان‪ ،‬عىل اختالف يف تفسري اليشء‬
‫ۡ‬
‫{وأ ُم ۡر بِٱل ُع ۡر ِف} [األع�راف‪« :]١٩٩ :‬باملعروف‬
‫وقال النس�في((( يف تفسير قوله تع�اىل‪َ :‬‬
‫األفعال‪ ،‬أو هو كل خصل�ة يرتضيها العقل ويقبلها الشرع»(((‪ .‬ويف أنوار‬ ‫ۡ‬ ‫واجلمي�ل م�ن‬
‫ۡ‬
‫البيضاوي(((‪{« :‬وأمر بِٱلعر ِف} املعروف املستحسن من األفعال»(((‪.‬‬
‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫متبحرا يف‬
‫ً‬ ‫((( أمح�د ب�ن فارس بن زكري�اء القزويني الرازي‪ ،‬أبو احلسين (املتوىف‪395 :‬ه�ـ) كان لغو ًّيا واس�ع األدب‪،‬‬
‫فقيها شافع ًّيا وحتول مالك ًّيا‪ .‬انظر‪ :‬إنباه الرواة عىل أنباه النحاة للقفطي (‪ ،)129 /1‬بغية الوعاة للسيوطي‬
‫اللغة العربية‪ً ،‬‬
‫(‪.)352 /1‬‬
‫((( راجع‪ :‬مقاييس اللغة ألمحد بن فارس (‪.)281 /4‬‬
‫((( راجع‪ :‬تفسري البغوي (‪ ،)301 /8‬تفسري الرازي (‪.)766 /30‬‬
‫((( عبد اهلل بن أمحد بن حممود النسفي‪ ،‬أبو الربكات‪ ،‬حافظ الدين‪ :‬فقيه حنفي‪ ،‬مفرس‪ ،‬من أهل إيذج (من كور أصبهان)‬
‫ووفاته فيها‪ .‬نس�بته إىل «نس�ف» ببالد الس�ند‪ ،‬بني جيحون وس�مرقند‪ .‬له مصنفات جليلة‪ ،‬منها «مدارك التنزيل» ثالث‬
‫جمل�دات يف تفسير الق�رآن‪ ،‬و«كن�ز الدقائق» يف الفق�ه‪ ،‬و«املنار يف أصول الفقه» و«كش�ف األرسار رشح املن�ار»‪ ،‬وكلها‬
‫مطبوعة‪ .‬راجع‪ :‬الدرر الكامنة يف أعيان املائة الثامنة‪ ،‬البن حجر العسقالين (‪ ،)17 /3‬األعالم للزركيل (‪.)67 /4‬‬
‫((( مدارك التنزيل وحقائق التأويل (‪.)626 /1‬‬
‫((( عب�د اهلل ب�ن عمر بن حمم�د بن عيل‪ ،‬أبو اخلري القايض نارص الدين البيضاوي‪ ،‬صاح�ب الطوالع واملصباح يف أصول‬
‫الدين‪ ،‬والغاية القصوى يف الفقه‪ ،‬واملنهاج يف أصول الفقه‪ ،‬وخمترص الكش�اف يف التفسير‪ ،‬ورشح املصابيح يف احلديث‪،‬‬
‫كان إماما مربزا نظارا صاحلا متعبدا زاهدا‪ .‬انظر‪ :‬طبقات الشافعية الكربى للسبكي (‪.)157 /8‬‬
‫((( أنوار التنزيل وأرسار التأويل (‪.)46 /3‬‬

‫‪150‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫ويف االصطلاح ع�رف ش�يخ اإلسلام زكريا األنص�اري((( ‪-‬رمح�ه اهلل تع�اىل‪ -‬ال ُعرف‬
‫ال�ذي هو حجة رشعية؛ بأنه ما اس�تقرت عليه النفوس بش�هادة العق�ول وتلقته الطبائع‬
‫أمورا‪:‬‬
‫بالقبول ‪ .‬وهذا يعكس لنا ً‬
‫(((‬

‫أحده�ا‪ :‬ارتب�اط املعنى االصطالحي للع�رف باملعنى اللغوي‪ ،‬حي�ث مل خيرج عن معنى‬
‫التتابع واالستحسان‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬شمول العرف األقوال واألفعال التي حصل هلا التتابع واالستقرار واالستحسان‪،‬‬
‫وذلك بداللة العموم يف لفظ (ما)‪ ،‬فهو جنس يش�مل القول والفعل‪ .‬وهو كذلك يشمل‬
‫خاصا‪.‬‬
‫ما كان عا ًّما من هذه األقوال واألفعال وما كان ًّ‬
‫ثالثها‪ :‬أن الطبيعة االس�تقرارية للعرف الذي هو حجة ال بد أن تس�تند لش�هادة العقول؛‬
‫فال ينبع االستقرار من جهة غري جهة العقل كاهلوى أو التشهي أو الصدفة أو غريها‪.‬‬
‫وهذا باب كبري تحُ ُّل به كثري من اإلشكاالت املتعلقة بحجية العرف‪ ،‬مع التنبه إىل أمر مهم‬
‫وهو أنه ليس كل ما يس�تقر من جهة العقول يكون حس�نًا‪ ،‬وه�ذا أصل اعتمد عليه أهل‬
‫السنة يف ر ِّد عقيدة املعتزلة يف التكليف‪ ،‬الناشئة عن قوهلم بالتحسني والتقبيح العقليني‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬أن هذا االس�تقرار الذي هو فصل يف حدِّ العرف‪ ،‬ينبغي أن حياط بس�ياج القبول‬
‫الطبائع�ي‪ ،‬فام كان نكرا عنده�ا فال اعتداد به(((‪ .‬ويقال فيها ما قيل يف العقل من أنه ليس‬
‫كل ما أيدته الطبائع حسنًا‪ ،‬كام يشهد به الواقع‪.‬‬
‫وإذا كان الكالم يف العرف الذي له قوة احلجية بمعناها اآليت بيانه إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬فإنه‬
‫جيب التنبه إىل أن ما ذكر يف التعريف هو األركان األساسية التي يتميز هبا العرف املحدود‬

‫وسنَ ْيكة املنسوب إليها ‪-‬بضم السني وفتح‬


‫السنَيكي‪ ،‬املرصي‪ ،‬األزهري‪ ،‬الشافعي‪ُ .‬‬ ‫((( زين الدين أبو حييى األنصاري ُّ‬
‫الن�ون وإس�كان الي�اء‪ -‬بليدة من الرشقية‪ ،‬وهو أح�د أركان الطريقني‪ :‬الفق�ه والتصوف‪ ،‬وصاحب التصانيف الش�ائعة‬
‫النافعة‪ ،‬ورأس املدرس�ة املرصية الش�افعية يف القرن الع�ارش اهلجري‪ ،‬له‪ :‬خمترص مجع اجلوام�ع (لب األصول)‪ ،‬وخمترص‬
‫املنهاج (املنهج)‪ ،‬ورشح البهجة (الغرر البهية)‪ ،‬ورشح الروض (أسنى املطالب)‪ ،‬ورشح الرسالة القشريية يف التصوف‪.‬‬
‫تويف سنة (‪926‬هـ)‪.‬‬
‫راجع يف ترمجته‪ :‬الطبقات الكربى للشعراين (‪ ،)107 /2‬الكواكب السائرة بأعيان املائة العارشة (‪.)198 /1‬‬
‫((( احلدود األنيقة والتعريفات الدقيقة‪ ،‬لزكريا األنصاري (‪ )72‬ونقله الشيخ اجلمل يف حاشية رشح املنهج عن العالمة‬
‫خمتصرا‪ ،‬فق�ال‪ :‬العرف ما اس�تقر يف العقول وتلقت�ه الطباع الس�ليمة بالقبول‪ .‬راجع حاش�ية اجلمل عىل فتح‬ ‫ً‬ ‫الربم�اوي‬
‫الوهاب (‪.)60 /1‬‬
‫((( أما قول الشيخ أبو سنة رمحه اهلل تعاىل‪« :‬ما أنكرته الطباع أو بعضها فإنه نكر ال عرف»‪ ،‬ففيه أن االتفاق العام للطبائع‬
‫مع اختالف األجناس واأللوان غري متصور عقلاً ‪ ،‬وال يشهد به الواقع‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫رشوط أساس�ية بانتفائها كله�ا أو بعضها ال‬ ‫ٌ‬ ‫هن�ا‪ ،‬وتتحق�ق هبا هويت�ه‪ ،‬ويتبقى بعد ذلك‬
‫ربا‪ ،‬فيلزم من عدمها العدم(((‪.‬‬‫حج ًة معت ً‬ ‫العرف َّ‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫وقد اس�تخدم إم�ام احلرمني (الع�رف) يف الداللة عىل األمر العام املس�تقر بني طائفة من‬
‫الن�اس املتف�ق عليه بينهم‪ ،‬عىل مس�توى األق�وال واألفعال؛ فهو دائًم�اً يتحدث عن أهل‬
‫العرف‪ ،‬ويس�تند إىل األمور املس�تقرة بينهم‪ ،‬فيقول‪« :‬وإنام الرج�وع إىل أهل العرف»(((‪،‬‬
‫األمر بالبيع متناولاً‬
‫أهل الع�رف ال يرون َ‬ ‫ويق�ول‪« :‬وإنما مل ينفذ بيع الوكيل بالغبن؛ ألن َ‬
‫هلذا‪ ،‬والعرف هو املق ِّيد لألمر املطلق»(((‪.‬‬
‫والع�رف عن�د اإلمام هب�ذا املعنى متلقى من جه�ة العقل‪ ،‬وليس ناش� ًئا عن جهة أخرى‬
‫كما قدمنا يف التعريف االصطالح�ي للعرف الذي له قوة احلجي�ة وعليه االعتامد‪ ،‬وهذا‬
‫نس�تفيده م�ن ق�ول اإلمام‪« :‬إن الع�رف ال يطرد بني العقلاء ه�زلاً يف يشء»(((‪ .‬وما دام‬
‫الع�رف مط�ر ًدا بني العقالء فإن طبائعهم الس�ليمة تقبله‪ ،‬وهبذا يمك�ن القول‪ :‬إن مفهوم‬
‫العرف عند اإلمام ال خيتلف عام قدمناه عن الشيخ زكريا األنصاري‪ .‬ويف كالم اإلمام ما‬
‫مستقر بني‬ ‫ٍّ‬ ‫كل أمر‬‫ُيشري إىل أن بعض األعراف قد تتجرد عن رعاية حدود الرشع‪ ،‬فليس ُّ‬
‫العقالء يكون حج ًة‪.‬‬
‫أمارات ظاهرة تقارن ش�ي ًئا‬ ‫ٌ‬ ‫بي�د أن هذا التعريف ال يش�مل القرائ�ن العرفية(((‪ ،‬التي هي‬
‫فتدل عليه‪ ،‬لكن نقول‪ :‬إن نس�بتها للعرف راجع ٌة إىل أنه أس�اس النس�بة السلبية أو‬ ‫خف ًّيا ُّ‬
‫ثم أحلق الفقه�اء القرائن العرفية ببح�ث العرف‪ ،‬أو‬ ‫اإلجيابي�ة بينه�ا وبني مدلوهل�ا‪ ،‬ومن َّ‬
‫نظرا‬‫جتوز الفقه�اء فأطلقوا عىل داللة القرينة داللة الع�رف أو العادة؛ ً‬ ‫‪-‬بعب�ارة أخرى‪َّ -‬‬
‫إىل أن مس�تند الداللة يف هذه القرينة هو العرف‪ .‬لكن هل اس�تناد القرينة للعرف بمعناه‬
‫الرشعي أو العرف بمعناه اللغوي؟‬

‫((( من هذه الرشوط التي تستفاد من هناية املطلب وقواعد الشافعية‪ :‬أن يكون العرف مطردا‪ ،‬وأال يعارض حكام رشعيا‬
‫ثابتا‪ ،‬وأن يكون قائام عند الترصف‪ ،‬وأال يعارض ترصحيا بخالفه‪.‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)298 /8‬‬
‫((( املصدر السابق (‪.)526 /7‬‬
‫((( املصدر السابق (‪.)192 /2‬‬
‫((( راجع قضية اعتبار الفقه اإلسلامي للقرائن يف‪ :‬أثر العرف يف الترشيع اإلسلامي‪ ،‬د‪ /‬الس�يد صالح عوض (‪572‬‬
‫وما بعدها)‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫إن داللة االتصال يف األمالك عىل امللك‪ ،‬وداللة األيدي عىل االستحقاق كام هو مفصل‬
‫أقرب‬
‫ُ‬ ‫يف مظانه من باب إعامل القرائن العرفية‪ ،‬والعرف الش�اهد عىل امللك يف املس�ألتني‬
‫إىل التتابع واالس�تمرار منه إىل االس�تقرار املرشوط فيه ش�هادة العق�ول وقبول الطبائع‪،‬‬
‫غاية األمر أهنم قالوا‪ :‬إن داللة اليشء عىل اليشء كام تأخذ مستندها من العقل تأخذه من‬
‫العرف املالحظ فيه معنى التتابع واالستمرار‪.‬‬
‫ويبق�ى مبح�ث آخر‪ ،‬وهو أهن�ا من قبي�ل الداللة الوضعي�ة؛ أي أن داللته�ا اصطالحية‬
‫بوض�ع واض�ع‪ ،‬فال يفهمها إال من ع�رف الوضع‪ ،‬أو هي من قبيل الدالل�ة العادية التي‬
‫كل أحد‪ ،‬كام ن�رى يف الواقع تكرر‬ ‫تنش�أ بواس�طة التكرر مع إم�كان التخلف‪ ،‬فيفهمه�ا ُّ‬
‫حيازة املالك لليشء اململوك غال ًبا‪ ،‬فنأخذ منه احلكم بداللة احليازة عىل امللك غال ًبا‪.‬‬
‫واألق�رب أهن�ا من قبيل الدالل�ة العادية‪ ،‬واجلام�ع بينهام هو االقرتان الع�ادي بني الدال‬
‫واملدلول من خالل التكرار يف الواقع‪ .‬وهذا قريب مما يسميه علامء املعاين باللزوم العريف‬
‫تص�ور امللزوم بدون الالزم‪ ،‬فهو جمرد‬ ‫ُّ‬ ‫بين الالزم وامللزوم‪ ،‬حيث يمتنع يف جمرى العادة‬
‫اتصال عادي قابل للتخلف ينتقل الذهن بس�ببه من امللزوم إىل الالزم يف اجلملة‪ ،‬ولو يف‬
‫بعض األحيان(((‪.‬‬
‫جل ْعل‪ ،‬وليس يف القرائن جعل أصلاً ‪ .‬وإنام أفضنا يف حتقيق‬ ‫أما الداللة الوضعية فقوامها ا َ‬
‫ماهية القرينة العرفية؛ ألننا سنجري عىل سنن الفقهاء يف عدم الفصل بينها وبني العرف؛‬
‫ملا قدمنا من عالقة بينهام ونسبة‪.‬‬
‫وق�د نبه س�لطان العلامء على أن القرائن كالعادات تنزل منزلة رصي�ح األقوال(((‪ .‬وكان‬
‫للقرائ�ن تأثري واضح يف فروع املعامالت عند الش�افعية‪ ،‬وبخاص�ة يف املعامالت القائمة‬
‫عىل النيابة‪ ،‬كالوكالة والرشكة‪ ،‬فقد قرر الشيخان أن من أحكام الوكالة الصحيحة صحة‬
‫تصرف الوكي�ل إذا وافق إذن امل�وكل‪ ،‬وأن املوافق�ة واملخالفة ُيعرفان بالنظ�ر إىل اللفظ‬
‫ت�ارة وبالقرائ�ن التي تنضم إليه تارة أخرى؛ ألن القرينة ق�د تقوى فيكون هلا قوة إطالق‬
‫اللفظ(((‪.‬‬
‫((( راجع‪ :‬حاشية الباجوري عىل متن السلم يف املنطق (‪ ،)31‬املواهب الربانية يف رشح املقدمات السنوسية أليب إسحاق‬
‫الرسقسطي (‪ ،)65 -64‬حاشية العطار عىل اخلبييص (‪.)58 -57‬‬
‫((( راجع‪ :‬تبرصة احلكام (‪ ،)121 /2‬قواعد األحكام يف مصالح األنام البن عبد السالم (‪.)126 /2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الرشح الكبري (‪ ،)26 /11‬روضة الطالبني (‪.)304 /4‬‬

‫‪153‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫ق�ال الرافع�ي(((‪« :‬القرينة قد تقوى فيكون هلا إطالق اللفظ‪ ،‬أال ترى إذا أمره يف الصيف‬
‫برشاء اجلمد ال يشرتيه يف الشتاء»(((‪.‬‬
‫كثريا من األحكام يف ش�أن ترصفات الوكيل‪ ،‬وإنام تنبه‬ ‫وعلي�ه ف�إن القرينة العرفية توجه ً‬
‫الش�افعية لق�وة تأثير القرائن يف الوكالة ملا هلذا العقد من س�ياقات خاص�ة حتيط باملوكل‬
‫اعتب�ار يف توجه‬
‫ٌ‬ ‫بخاص�ة م�ن جهة‪ ،‬وب�ه وبالوكيل من جه�ة أخرى‪ ،‬ينبغ�ي أن يكون هلا‬
‫امل�وكَّل؛ ألن الوكال�ة عندهم عقدُ إرفاق ومعونة وإحس�ان‪ ،‬وترصف الوكيل يف األصل‬
‫مبني عىل رعاية املصلحة‪ ،‬ومن أجلها يفعل ويدع‪.‬‬
‫البيع له؛ إال أن تدل‬
‫ش�خصا وج�ب عىل الوكيل ُ‬ ‫ً‬ ‫ولذلك قالوا(((‪ :‬إنه لو عني املوكِّل بالبيع‬
‫قرينة عىل إرادة الربح مثال‪ ،‬وأنه ال غرض له يف التعيني سواه‪ ،‬فيجوز البيع لغري هذا املعني‪.‬‬
‫َ�ع الش�افعية الوكيل من البيع نس�يئ ًة ما مل ي�أذن له املوكل‪ ،‬لكن قال�وا‪ :‬إنه لو‬ ‫وكذل�ك َمن َ‬
‫النهب مثال أو تش�يع الرسق�ة‪ ،‬فإنه جيوز للوكيل‬ ‫ُ‬ ‫حتول يف ظروف املكان كأن يعم‬ ‫ُف�رض ٌ‬
‫البي�ع نس�يئ ًة؛ اعتما ًدا عىل القرين�ة القاطعة بذلك‪ ،‬وه�ي رغبة املوكل يف حف�ظ ماله عن‬
‫النه�ب‪ ،‬وأن يص�ل إليه ماله كامًل�اً ‪ .‬بل لو كان الوكيل متي ِّقنً�ا من حصول النهب وجب‬
‫البيع نس�يئة ملن يظن فيه األداء عند احلل�ول؛ ألن القرين َة العرفية قاضي ٌة قط ًعا برضا‬ ‫علي�ه ُ‬
‫امل�وكل بذل�ك‪ ،‬فرعاية املصلحة من جه�ة واعتب�ار القرائن العرفية من جه�ة أخرى مها‬
‫املوجهان لترصف الوكيل بناء عىل إذن املوكل‪.‬‬
‫ق�ال اإلم�ام الن�ووي((( يف املنه�اج وش�ارحه الرملي((( يف‬
‫((( اإلم�ام أب�و القاس�م عبد الكريم بن حمم�د بن عبد الكريم ب�ن الفضل القزوين�ي‪ ،‬اإلمام البارع املتبح�ر يف املذهب‪،‬‬
‫صاح�ب الشرح الكبري عىل الوجيز وصاحب املحرر‪ .‬انظر ترمجته يف‪ :‬هتذيب األسماء واللغ�ات‪ ،‬النووي (‪،)264 /2‬‬
‫طبقات الشافعية الكربى للسبكي (‪.)281 /8‬‬
‫((( الرشح الكبري (‪.)2 /11‬‬
‫((( راجع‪ :‬هناية املحتاج (‪.)42 /5‬‬
‫((( أب�و زكري�ا حميي الدين حيي�ى بن رشف بن ُمري احلزامي النووي الدمش�قي‪ ،‬حمرر مذهب الش�افعي ومهذبه وحمققه‬
‫ومرتبه‪ ،‬إمام أهل عرصه علماً وعبادة‪ ،‬وس�يد أوانه ورعًا وس�يادة‪ .‬صاحب الرشح املش�هور عىل صحيح اإلمام مس�لم‪،‬‬
‫وصاح�ب املجم�وع رشح امله�ذب‪ ،‬وروضة الطالبين خمترص الرشح الكبير للرافع�ي‪ ،‬واملنهاج خمترص حم�رر الرافعي‪.‬‬
‫وغريه�ا م�ن املصنفات النافعة بإذن اهلل تع�اىل (ت‪676 :‬هـ)‪ .‬راجع ترمجته يف‪ :‬املنهاج الس�وي يف ترمجة اإلمام النووي‪،‬‬
‫لتلميذه عالء الدين بن العطار‪ ،‬مطبوع مع روضة الطالبني‪.‬‬
‫الشافعي‬
‫ُّ‬ ‫الرميل‪ :‬فقيه الديار املرصية يف عرصه‪ ،‬ومرجعها يف الفتوى‪ .‬يقال له‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫((( حممد بن أمحد بن محزة‪ ،‬شمس الدين‬
‫الصغير‪ .‬نس�بته إىل الرملة (من ق�رى املنوفية بمرص)‪ ،‬ومول�ده ووفاته بالقاهرة‪ .‬ويل إفتاء الش�افعية‪ .‬ومج�ع فتاوى أبيه‪.‬‬
‫وصنَّف رشوحا وحوايش كثرية خدم هبا املذهب الش�افعي أيام خدمة‪ ،‬أبرزها رشحه عىل املنهاج املوس�وم بنهاية املحتاج‪.‬‬
‫(ت‪1004‬هـ)‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫النهاي�ة‪« :‬ليس له البيع بغير نقد البلد الذي وقع فيه البيع ب�اإلذن لداللة القرينة العرفية‬
‫عليه»(((‪.‬‬
‫وكذلك كل من الرشيكني أو الرشكاء عند الش�افعية وكيل عن اآلخر يف الترصف‪ ،‬ومن‬
‫ثم جتري غالب أحكام الوكالة يف ترصفاهتم‪ ،‬وقد رصح الرميل وغريه بأن الرشكة ليست‬ ‫َّ‬
‫عق�دً ا مس�تقلاًّ ‪ ،‬وإنام ه�ي وكالة وتوكي�ل‪ ،‬فهي من أف�راد الوكالة(((‪ .‬وم�ن هنا كان عىل‬
‫الرشيك أن يراعي القرائن يف ترصفه يف مال الرشكة‪.‬‬
‫واصطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬يف حتديد معنى العادة لغ ًة‬
‫ت�دور الع�ادة يف اللغة حول معنى الرج�وع والتكرار؛ فيق�ال‪ :‬عاد إليه ول�ه وعليه عو ًدا‬
‫وعودة‪ :‬رجع وارتد‪ ،‬وإنام سميت العادة عادة ‪-‬كام قال ابن فارس‪ -‬ألن صاحبها ال يزال‬
‫ُمع�او ًدا هل�ا؛ أي يرجع إليها م�رة بعد أخرى‪ .‬ويف املقاييس‪ :‬والع�اد ُة الدُّ ربة‪ ،‬والتامدي يف‬
‫يشء حتى يصري له س�جية‪ .‬وعرفها يف اللسان بالديدن(((‪ ،‬وهو يضيف إىل ما سبق معنى‬
‫املالزمة‪ ،‬ومنه قول ابن األعرايب‪:‬‬
‫رأي��ت امل��ر َء يألف ما استعادا‬ ‫��ح األخ��ل�اق إين‬ ‫ِ‬
‫(‪)4‬‬
‫ُ‬ ‫���و ْد َص���ال� َ‬
‫تَ��� َع َّ‬
‫تكررا‬
‫وعلي�ه ف�إن مادة العادة ‪-‬كام أفاد اإلمام الزركيش ‪ -‬تقتضي تكرر اليشء وعوده ً‬
‫(((‬

‫كثريا خيرج عن كونه وقع بطريق االتفاق(((‪.‬‬ ‫ً‬


‫((( هناية املحتاج (‪ .)31 /5‬وراجع‪ :‬حتفة املحتاج (‪.)315 /5‬‬
‫((( غير أهن�م مل يراعوا ذلك يف ترتيب األب�واب‪ ،‬فالغالب يف مصنفات املذهب تقدم الرشكة على الوكالة‪ ،‬وقليل منهم‬
‫من راعى ذلك‪ ،‬فقدم الوكالة عىل الرشكة كش�يخ اإلسلام زكريا األنصاري يف حترير تنقيح اللباب‪ .‬ولعل هذا يرجع إىل‬
‫وكثيرا ما يلوح إلمام احلرمني خمالفة هذا الرتتي�ب‪ ،‬ومع ذلك يلتزمه تيمنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫التزامه�م ترتي�ب كتاب األم وخمترص املزين‪،‬‬
‫ق�ال‪« :‬ول�و مل نلتزم اجلريان عىل ترتيب الس�واد (يقصد خمترص امل�زين)‪ ،‬ألخرنا هذا الفص�ل إىل ذاك الباب‪ ،‬النعطافه يف‬
‫جوانبه عىل مضمون ذلك الباب‪ ،‬ولكن نتبع الرتتيب‪ ،‬ومس�لك الش�ارحني»‪ .‬هناية املطلب (‪ ،)367 /19‬وراجع منهج‬
‫اإلمام يف مقدمة كتاب النهاية للمحقق الدكتور عبد العظيم الديب رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫((( راجع‪ :‬جممل اللغة البن فارس (ع و د)‪ ،‬مقاييس اللغة (ع و د)‪ ،‬لسان العرب (ع و د)‪ ،‬املعجم الوسيط (ع و د)‪.‬‬
‫((( البيت من الوافر‪.‬‬
‫((( حمم�د ب�ن هب�ادر بن عبد اهلل العامل العالم�ة املصنف املحرر بدر الدين أبو عبد اهلل الرتك�ي األصل‪ ،‬املرصي الزركيش‬
‫الش�افعي‪ ،‬ولد س�نة ‪745‬هـ وتويف ‪794‬هـ‪ ،‬أخذ عن الشيخني مجال الدين اإلسنوي ورساج الدين البلقيني‪ ،‬ورحل إىل‬
‫حلب إىل شهاب الدين األذرعي وخترج بمغلطاي يف احلديث‪ ،‬وهو صاحب املنثور يف القواعد والبحر املحيط وتشنيف‬
‫املس�امع يف أصول الفقه‪ ،‬وهي مطبوعة‪ .‬راجع ترمجته يف‪ :‬طبقات الش�افعية البن قايض شهبة (‪ ،)167 /3‬الدرر الكامنة‬
‫يف أعيان املائة الثامنة (‪.)135-133 /5‬‬
‫((( راجع‪ :‬املنثور (‪.)358 -357 /2‬‬

‫‪155‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫ويف االصطالح العام نالحظ أن الفقهاء واألصوليني توس�عوا يف اس�تخدام لفظ العادة‬
‫يف التعبير عن األعراض املتكررة عىل املس�توى الفردي واجلامعي أق�والاً وأفع ًاال‪ ،‬ومن‬
‫ثم كان األنس�ب يف تعري�ف العادة ما ذكره ابن أمري احل�اج((( يف التقرير والتحبري من أن‬
‫الع�ادة‪ :‬األمر املتكرر من غري عالقة عقلية؛ ليش�مل بذلك الع�ادات القولية والفعلية(((‪،‬‬
‫أمرا‬
‫الفردية واجلامعية‪ ،‬س�واء كان مص�در تكرارها العقل وتلقي الطباع ل�ه بالقبول‪ ،‬أو ً‬
‫طبيع ًّي�ا كحرارة اإلقليم وبرودته اللتني نش�أ عندمها ع�ادة إرساع البلوغ وإبطائه‪ ،‬أو كان‬
‫مص�دره األهواء والش�هوات‪ ...‬إل�خ(((‪ .‬املهم أال يكون التكرار ناش� ًئا عن تالزم عقيل‪،‬‬
‫كتكرر حدوث األثر كلام وجد املؤثر‪ ،‬فإن هذا ال يسمى عادة‪.‬‬
‫وملا كان للعادة اس�تخدام خمصوص عند الش�افعية ‪-‬كام س�يأيت إن ش�اء اهلل تعاىل‪-‬عرف‬
‫ش�يخ اإلسلام زكريا األنصاري العادة بأهنا‪ :‬ما اس�تقرت الناس فيه على حكم العقول‬
‫وع�ادوا إلي�ه مرة بع�د أخرى(((‪ ،‬غير أنه ص�ادق عىل الع�ادات اجلامعي�ة دون العادات‬
‫الفردية وصادق عىل العادات العملية والقولية‪ ،‬ومصطلح العادة مستخدم عند الشافعية‬
‫يف الع�ادات اجلامعي�ة والفردية‪ ،‬ويف العادات العملي�ة دون القولية‪ ،‬فهو غري جامع وغري‬
‫مانع‪ .‬ويمكننا أن نجيب عن هذا بأن شيخ اإلسالم اعتمد يف التعريف عىل الغالب‪ ،‬وهو‬
‫استخدام العادة يف األمور اجلامعية العملية‪ ،‬والتعريف يشملها‪.‬‬
‫ومل�ا كان�ت العادة يف اس�تخدامها الغالب عند اإلم�ام هي العرف العميل ‪-‬كام س�يأيت يف‬
‫الف�رع الق�ادم‪ -‬فإنه يعترب فيها م�ا يعترب يف العرف من تكرار واس�تقرار م�ن جهة العقل‬
‫وقب�ول طبع�ي‪ ،‬وهذا يعود بنا إىل تعريف الش�يخ زكريا للعادة‪ ،‬فإن�ه يعكس ما نجده يف‬
‫غري جامع‬
‫كتب الش�افعية من غلبة استخدام العادة يف العرف العميل‪ ،‬وإن كان التعريف َ‬
‫كام قدمنا‪.‬‬

‫((( أب�و عبد اهلل‪ ،‬ش�مس الدين حممد بن حممد بن حممد املعروف بابن أمري ح�اج‪ ،‬ويقال له‪ :‬ابن املوقت احلنفي (املتوىف‪:‬‬
‫‪879‬ه�ـ)‪ ،‬ولد س�نة ‪825‬ه�ـ بحلب وارحتل إىل محاة‪ ،‬ثم إىل القاهرة فس�مع هب�ا عىل احلافظ ابن حج�ر والزم ابن اهلامم‬
‫وب�رع يف فن�ون‪ ،‬وتصدى لإلقراء واإلفتاء‪ ،‬ورشح منية املصيل وحترير ش�يخه ابن اهلامم والعوامل وغري ذلك‪ ،‬ومات ليلة‬
‫اجلمعة التاس�ع والعرشين من رجب س�نة (‪ )879‬تس�ع وسبعني وثامنامئة‪ .‬البدر الطالع بمحاس�ن من بعد القرن السابع‬
‫(‪.)254 /2‬‬
‫((( وقد قرصها املصنف وهو الكامل بن اهلامم رمحه اهلل تعاىل عىل العرف العميل؛ أي العادة العملية‪ ،‬وهو جمرد اصطالح‪.‬‬
‫((( راجع‪ :‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء (‪.)11 -10‬‬
‫((( احلدود األنيقة والتعريفات الدقيقة (‪.)72‬‬

‫‪156‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫ثالثا‪ :‬العالقة بني العرف والعادة‪:‬‬


‫العالق�ة بين لفظي (العرف) و(العادة) عند اإلمام والش�افعية ه�ي العموم واخلصوص‬
‫(العرف) يف الداللة‬
‫َ‬ ‫الوجهي(((‪ ،‬والدليل عىل ذلك أن إمام احلرمني ‪-‬كام تقدم‪ -‬استخدم‬
‫على األمر العام املس�تقر بني طائف�ة من الناس املتف�ق عليه بينهم‪ ،‬عىل مس�توى األقوال‬
‫واألفعال‪.‬‬
‫وأم�ا العادة عند اإلمام فتس�تخدم يف الدالل�ة عىل األمور العملية املتكررة عىل املس�توى‬
‫الف�ردي ‪-‬وهو ما تنفرد فيه عن العرف‪ -‬وكذلك املس�تقرة عىل املس�توى اجلامعي‪ ،‬وهو‬
‫ما تلتقي فيه مع العرف‪ ،‬وذلك يكون بحس�ب طبيعة املس�ألة؛ ففي احليض يتحدث عن‬
‫ع�ادة امل�رأة يف حيضها‪ ،‬ويف البي�ع يتحدث عن عادة أه�ل البلد يف ت�داول عملة بعينها‪،‬‬
‫ويف اإلجارة يتحدث عن عادة النس�اخ يف حتمل حرب الكتابة‪ ،‬ويف بيع الثامر يتحدث عن‬
‫صالح�ه‪ ،‬ويف خيار العي�ب يتحدث عام يكون يف ع�ادة الناس‬ ‫ُ‬ ‫أن الع�ادة تبقي�ة م�ا مل يبدُ‬
‫تقصريا وتوان ًيا يف ال�رد‪ ،‬ويف الوقف يتحدث عن عادة‬
‫ً‬ ‫اس�تخدا ًما‪ ،‬وم�ا يكون يف عادهتم‬
‫الناس يف االنتفاع باليشء املوقوف‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ومل�ا كانت أكثر املس�ائل متعلقة بالعرف العميل اجلامع�ي‪ ،‬راوح اإلمام بني لفظي العرف‬
‫والعادة يف التعبري عن هذا املعنى؛ فمن ذلك مثلاً قوله يف إجارة الدواب يف بيان ما يتحمله‬
‫العاق�دان‪« :‬واختلف أصحابنا يف الرسج ‪-‬والداب ُة معينة للركوب‪ -‬فمنهم من قال‪ :‬يأيت‬
‫قياسا عىل اإلكاف‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬يأيت به املستأجر‪ ،‬بخالف اإلكاف‪.‬‬ ‫به املكري ً‬
‫والتعوي�ل يف ذل�ك عىل الع�ادة‪ ،‬وأهنا يف السرج جتري عىل خالف حكمه�ا يف اإلكاف‪،‬‬ ‫ُ‬
‫العرف‪ ،‬كام سنصفه‪ ،‬إن شاء اهلل تعاىل»(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫واملتبع يف اخلالف والوفاق‬
‫وقول�ه يف الب�اب نفس�ه‪« :‬ف�إن كان يف الطري�ق مراح�ل معلوم�ة‪ ،‬باملناه�ل والرباطات‪،‬‬
‫والصوى(((‪ ،‬فالعقد صحيح حمم�ول عىل موجب العادة‪،‬‬ ‫وال ُق�رى‪ ،‬أو باألميال‪ ،‬والُب�رُ ُد ُّ‬
‫((( كان حقها الدخول يف مبحث التصديقات‪ ،‬لكن آثرت تقديمها هنا ألهنا املقصودة من تعريف العرف والعادة‪.‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)138 /8‬‬
‫((( املناهل مجع منهل‪ ،‬وهو املنزل يف املفازة عىل طريق السفار؛ ألن فيه ماء‪ .‬والرباط بناء جمهز يوقف عىل فقراء الصوفية‬
‫غال ًب�ا‪ ،‬والص�وى مجع ص�وة‪ ،‬وهي ما غلظ وارتفع من األرض وما نصب من احلجارة ليس�تدل به على الطريق‪ .‬املعجم‬
‫الوسيط (ن هـ ل‪ /‬ر ب ط‪ /‬ص و ى)‪.‬‬
‫وأما البرُ ُ د فجمع بريد‪ ،‬وهو يف األصل الرسول‪ ،‬ثم استعمل يف املسافة التي يقطعها‪ ،‬وهي اثنا عرش ميلاً ‪ .‬انظر‪ :‬املصباح‬
‫املنري يف غريب الرشح الكبري (ب ر د)‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫ٌ‬
‫مضبوط‪ ،‬ال‬ ‫وال�كالم يف كيفية تس�يري الدابة اس�تحثا ًثا وتزجي ًة ‪-‬مردو ٌد إىل الع�ادة‪ ،‬وهو‬
‫يع�دُّ م�ن املجاهيل‪ ،‬فإذا تق َّيد املسير بالعرف‪ ،‬واملراحل املرتب�ة يف الطريق‪ ،‬فال مزيد وال‬
‫تراض من املكري واملكرتي»(((‪.‬‬‫ٍ‬ ‫نقصان إال عن‬
‫األصحاب وراء ذلك يف يد الطفل‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما حتقق اتصاله‬ ‫ُ‬ ‫ويق�ول يف اللقيط‪« :‬ثم تكلم‬
‫العرف والعادةُ»(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫به عىل ما ُيعتاد يف مثله‪ ،‬فهو حتت يده‪ ...‬واملحكَّم يف هذا كله‬
‫فاحلاص�ل أن العادة عند اإلمام تش�مل العاد َة الفردية العملي�ة والعرف اجلامعي العميل‪،‬‬
‫وق�د راوح بينهما يف التعبري ع�ن املعنى األخري‪ ،‬ومل�ا غلب االس�تخدام واملراوحة رسى‬
‫الوهم بأهنام عنده بمعنى(((‪.‬‬
‫وأم�ا حتقيق هذه العالقة عند الش�افعية‪ ،‬ف�إن املتأمل يف كتبهم يتبدى ل�ه أهنم ال خيتلفون‬
‫ع�ن إمام احلرمني يف اس�تخدام املصطلحني؛ فإن الع�ادة يف اصطالحهم تنفرد يف األمور‬
‫املس�تقرة عىل املس�توى الفردي كعادة املرأة يف حيضها‪ ،‬وتش�مل كذل�ك العرف العميل؛‬
‫أي م�ا ج�رى عليه عمل الناس وتعارفوه يف معامالهتم وترصفاهتم‪ ،‬بينام ينفرد العرف يف‬
‫األمور املستقرة املتعلقة بداللة األلفاظ والرتاكيب‪ ،‬ومن الشواهد التي تؤكد هذا ما ييل‪:‬‬
‫�ع اإلمام الزركشي ما تناثر من قواعد العرف العملي وضوابطه وأحكامه حتت‬ ‫أوال‪ :‬جمَ ْ ُ‬
‫ترمجة (العادة فيها مباحث)(((‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ترمجة س�لطان العلامء العز بن عبد السالم((( للفصل الذي عقده لبيان أثر األعراف‬
‫العملية يف األحكام بقوله‪( :‬فصل يف تنزيل داللة العادات وقرائن األحوال منزلة رصيح‬
‫األق�وال)‪ ،‬وترمجت�ه لل�ذي يليه بقول�ه‪( :‬فصل يف مح�ل األلفاظ عىل ظنون مس�تفادة من‬
‫((( هناية املطلب يف دراية املذهب (‪.)145 /8‬‬
‫((( املصدر السابق (‪ ،)503 /8‬وانظر مثالاً آخر (‪.)242 /4‬‬
‫((( ممن ذهب إىل أن العرف والعادة عند اإلمام بمعنى‪ :‬الدكتور عبد العظيم الديب رمحه اهلل تعاىل وطيب ثراه‪ ،‬يف بحثه‬
‫عن رعاية إمام احلرمني للعرف يف بناء األحكام‪ ،‬املنش�ور بالعدد الثاين من حولية كلية الرشيعة والدراس�ات اإلسلامية‬
‫بجامعة قطر‪ .‬وكان هذا عام ‪ 1982‬قبل أن يرشع يف حتقيق النهاية‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنثور (‪.)356 /2‬‬
‫((( أبو حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أيب القاس�م بن احلس�ن السلمي الدمشقي‪ ،‬امللقب بسلطان العلامء‬
‫(املت�وىف‪660 :‬ه�ـ) قال عنه اإلمام الس�بكي‪« :‬ش�يخ اإلسلام واملس�لمني وأحد األئم�ة األعالم‪ ،‬س�لطان العلامء‪ ،‬إمام‬
‫عصره بال مدافعة‪ ،‬القائم باألمر باملعروف والنهي ع�ن املنكر يف زمانه‪ ،‬املطلع عىل حقائق الرشيعة وغوامضها‪ ،‬العارف‬
‫بمقاصده�ا‪ ،‬مل ي�ر مثل نفس�ه وال رأى م�ن رآه مثله علماً وورعًا وقيا ًما يف احلق وش�جاعة وقوة جنان وسلاطة لس�ان»‪.‬‬
‫طبقات الشافعية الكربى للسبكي (‪ ،)209 /8‬وقد اخترص هناية املطلب‪ ،‬وله قواعد األحكام يف مصالح األنام يف قواعد‬
‫الشافعية‪ ،‬وقد طبع عدة مرات‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫العادات)(((‪ .‬وقد دارت أمثلته عىل أعامل تعارفها الناس فاكتسبت ما للفظ الرصيح من‬
‫ق�وة‪ ،‬كالدخول إىل األز َّقة والدروب املشتركة‪ ،‬وطرق باب ال�دار‪ ،‬واإليقاد من الرسج‬
‫واملصابيح‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وبن�اء على هذا يمكن تفسير م�ا صنعه اإلمام الس�يوطي((( يف األش�باه‪ ،‬حي�ث مجع بني‬
‫ال ُع�رف والعادة حتت قاعدة العادة حمكمة‪ ،‬وقال‪« :‬اعل�م أن اعتبار العادة والعرف ُر ِجع‬
‫إليه يف الفقه‪ ،‬يف مسائل ال تعد كثرة»(((‪ .‬مما أوهم أن العرف والعادة عنده بمعنى واحد‪،‬‬
‫ولي�س كذلك‪ ،‬وإنام هو جار عىل اصطالح الش�افعية‪ ،‬والدليل على هذا أنه يتحدث عام‬
‫خي�ص األعراف العملية حتت لفظ (الع�ادة)‪ ،‬فإذا تعلق بحثه باحلقائق العرفية اس�تخدم‬
‫لفظ (العرف)‪.‬‬
‫تفسير اس�تخدامهم لفظ العرف يف الضابط املش�هور‪( :‬األيامن تبنى عىل‬
‫ُ‬ ‫ويمكن كذلك‬
‫الع�رف غال ًب�ا)‪ ،‬فإنه راجع إىل لفظية بحث األيامن‪ ،‬فل�م أجد من قال‪ :‬إن األيامن حممولة‬
‫عىل العادة‪ ،‬وتفسري استخدامهم إياه يف القاعدة املشهورة‪( :‬ما ال حد له يف الرشع وال يف‬
‫اللغة يرجع فيه إىل العرف)‪.‬‬
‫يق�ول الرملي يف (هناية املحتاج) يف ضاب�ط اإلحياء‪« :‬وخيتلف اإلحياء بحس�ب الغرض‬
‫املقص�ود من�ه‪ ،‬والش�ارع أطلقه وليس له ح�د يف اللغة‪ ،‬فوجب أن يرج�ع فيه إىل العرف‬
‫كاحلرز والقبض»(((‪.‬‬
‫وب�ه يفسر اجلم�ع بينهما ‪-‬أحيانً�ا‪ -‬يف ه�ذه القاع�دة‪ ،‬كما ج�اء يف ق�ول اإلم�ام‬
‫الس�بكي((( يف تكمل�ة املجم�وع ع�ن [طري�ق تقدي�ر الربوي�ات]‪« :‬ومم�ا اس�تدل ب�ه‬
‫((( راجع‪ :‬قواعد األحكام يف مصالح األنام (‪.)140 -126 /2‬‬
‫((( عبد الرمحن بن أيب بكر بن حممد بن سابق الدين بكر بن عثامن بن حممد بن خرض بن أيوب بن حممد ابن الشيخ مهام‬
‫الدين‪ ،‬الشيخ العالمة‪ ،‬اإلمام‪ ،‬املحقق‪ ،‬املدقق‪ ،‬املسند‪ ،‬احلافظ شيخ اإلسالم جالل الدين أبو الفضل املرصي‪ ،‬صاحب‬
‫التصانيف النافعة واألس�فار اجلامعة‪ ،‬له نحو ‪ 600‬مصنف‪ ،‬وأش�هرها يف قواعد الفقه األشباه والنظائر يف قواعد وفروع‬
‫فقه الش�افعية‪ ،‬وهو مطبوع‪ .‬تويف ودفن بالقاهرة ‪911‬هـ‪ .‬راجع ترمجته يف‪ :‬الكواكب الس�ائرة بأعيان املائة العارشة (‪/1‬‬
‫‪ ،)227‬األعالم للزركيل (‪.)301 /3‬‬
‫((( األشباه والنظائر (‪.)90‬‬
‫((( هناية املحتاج إىل رشح املنهاج‪ ،‬للرميل (‪.)338 /5‬‬
‫((( ش�يخ اإلسلام قايض القضاة تقي الدين أبو احلس�ن عيل بن عبد الكايف الس�بكي‪ ،‬الش�يخ اإلمام‪ ،‬انتهت إليه رئاسة‬
‫املذهب الش�افعي يف مرص‪ ،‬ومن أبرز تصانيفه رشح منهاج البيضاوي‪ ،‬وقد أكمله ابنه تاج الدين‪ ،‬وتكملة رشح املذهب‬
‫ال�ذي ب�دأه اإلمام النووي ريض اهلل عنهم أمجعني‪ .‬تويف س�نة ‪756‬هـ‪ .‬راجع ترمجته الوافية يف طبقات الش�افعية الكربى‬
‫البنه تاج الدين (‪ 139 /10‬وما بعدها)‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫املحاميل((( يف املسألة أن ما ورد به الرشع مطل ًقا وليس له حد يف الرشع وال يف اللغة يرجع‬
‫فيه إىل العرف والعادة‪ ،‬وأوىل العادات ما كان يف زمنه ﷺ‪ ،‬وهذه الطريقة أوىل»(((‪.‬‬
‫فمن نظر إىل تعلق القاعدة بالتعريفات اللفظية اس�تخدم لفظ (العرف)‪ ،‬ومن نظر إىل أن‬
‫املرجع يف تفسري اللفظ ما جرى عليه عمل الناس استخدم لفظ (العادة)‪.‬‬
‫وم�ن هنا ترفع احلجب عن العالقة بين العرف والعادة عند اإلمام والش�افعية‪ ،‬فيمكننا‬
‫الق�ول‪ :‬إهنا العم�وم واخلص�وص الوجهي‪ ،‬فيجتمع�ان يف األمور العملية املس�تقرة بني‬
‫الع�رف يف األمور املس�تقرة املتعلقة بداللة األلف�اظ والرتاكيب‪ ،‬وتنفرد‬
‫ُ‬ ‫الن�اس‪ ،‬وينفرد‬
‫العادة يف األمور العملية املتكررة عىل مستوى الفرد‪.‬‬
‫وه�ذه العالق�ة بين العرف والعادة ليس�ت حمل وفاق بين العلامء‪ ،‬فإن منه�م من رادف‬
‫بينهما‪ ،‬ومنهم من ف�رق فعكس؛ فجعل الع�رف يف األقوال والع�ادة يف األفعال‪ ،‬ومنهم‬
‫من جعل العرف قسماً من أقسام العادة؛ فكان بينهام العموم واخلصوص املطلق‪ ،‬والعادة‬
‫أعم‪ .‬ومنهم من قرص العادة عىل العرف العميل؛ فكان بينهام العموم واخلصوص كذلك‪،‬‬
‫والعرف أعم(((‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ق‬
‫تح�� ق‬
‫ي� ا لمرا د‬ ‫�‬
‫خ‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ص‬ ‫ا‬‫ل�‬ ‫ا‬ ‫�‬ ‫لع‬
‫مو ر‬‫ا‬ ‫لعا‬ ‫ا‬ ‫�‬ ‫ب�ا لعر‬
‫العرف باعتبار من يصدر عنه إىل عام وخاص‪ ،‬والغالب أهنم يعتمدون يف‬ ‫َ‬ ‫يقسم الفقهاء‬
‫الفصل بينهام عىل املس�احة اجلغرافية‪ ،‬والعموم واخلصوص ‪-‬فيام أزعم‪ -‬أمر نسبي؛ ألن‬
‫خاصا بالنس�بة إىل غريه‪ ،‬واإلش�كال هنا راجع‬
‫العرف املنترش يف مكان قد يكون عا ًّما فيه ًّ‬
‫إىل ما يرتتب عىل توصيف العرف من أحكام؛ فإن األحكام ختتلف باعتبار عموم العرف‬

‫((( حمم�د ب�ن أمح�د بن حمم�د بن أمحد ب�ن القاس�م‪ ،‬أبو الفضل اب�ن اإلم�ام أيب احلس�ن املحاميل؛ صاح�ب «املجموع»‬
‫و«التجري�د» وغريمه�ا من التصانيف‪ .‬راجع‪ :‬طبقات الفقهاء الش�افعية لإلمام ابن الصلاح (‪ ،)98 /1‬املجموع لإلمام‬
‫النووي (‪.)99 /1‬‬
‫((( املجموع رشح املهذب (‪.)271 /10‬‬
‫((( راجع‪ :‬نرش العرف البن عابدين (‪ ،)114 /2‬التعريفات للجرجاين (‪ ،)146‬الكليات للكفوي (‪ )617‬التلويح عىل‬
‫التوضيح‪ ،‬للتفتازاين (‪ ،)174 /1‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء (‪ ،)13 -10‬قاعدة العادة حمكمة‪ ،‬الباحسني (‪.)28‬‬

‫‪160‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫وخصوصه؛ حيث رتب الفقهاء عىل كل قسم أحكاما خاصة‪ ،‬وسوف يتبني املراد من كل‬
‫قسم إن شاء اهلل تعاىل فيام ييل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬املراد بالعرف العام‪:‬‬
‫يف ض�وء م�ا خلفه لن�ا إمام احلرمني وفقهاء الش�افعية م�ن تراث فقه�ي وتقعيدي يمكن‬
‫مجيع البلاد اإلسلامية أو أكثرها مصحو ًبا‬ ‫عم َ‬ ‫الق�ول‪ :‬إن الع�رف العام عندهم ه�و ما َّ‬
‫باالمتداد الزماين غال ًبا‪ ،‬وأس�تأنس هنا بتعريف الش�يخ ابن عابدين((( رمحه اهلل تعاىل من‬
‫(((‬
‫العرف العام بأنه‪ :‬ما تعارفه عامة أهل البالد‪ ،‬وبجعل الش�يخ أيب س�نة‬‫َ‬ ‫فقه�اء احلنفي�ة‬
‫رمحه اهلل تعاىل (ال) يف البالد للعهد‪ ،‬وجعله املعهو َد البال َد اإلسالمي َة‪ ،‬قال‪« :‬إذ غريها ال‬
‫يبحث اإلسالم عن أحكامه وال يعول عىل عرفه»(((‪.‬‬
‫وه�ذا التعري�ف ال�ذي أورده الش�يخ ابن عابدي�ن رمحه اهلل تعاىل يس�اير اختي�ار احلنفية‬
‫الدليل العام وقضاءه عىل القياس‪ ،‬فإهنم اشترطوا يف هذا النوع‬ ‫َ‬ ‫ختصي�ص العرف الع�ام‬
‫َ‬
‫م�ن العرف ذي الق�وة أن يتعامله أهل البالد مجي ًعا‪ ،‬وعربوا عن�ه بالعرف العام‪ ،‬وكان ما‬
‫طرا كالعراق‪ ،‬ولو مل يكن يف مقابلة عرف عام‪.‬‬ ‫خاصا‪ ،‬ولو عم ُق ً‬
‫سواه عر ًفا ًّ‬
‫ويب�دو ‪-‬واهلل تع�اىل أعلم‪ -‬أن هذا الوضع لوحظ فيه التنبيه عىل عدم رقي هذا النوع من‬
‫األع�راف ملا ارتقى إليه العرف العام من ختصيص للدليل الرشعي العام وإلغاء القياس‪،‬‬
‫وإن كان يف املذه�ب اجتاه ضعي�ف لدعم العرف اخلاص يف مقابلة الدليل العام والقياس‬
‫اعتبارا حلاجة الناس ورف ًعا للحرج(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫ختصيصا وإلغاء؛‬
‫ً‬

‫((( حممد عالء الدين بن حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين احلس�يني الدمش�قي‪ :‬فقيه حنفي‪ ،‬من علامء دمش�ق‪.‬‬
‫كثريا من مناصب القضاء‪ .‬وس�افر إىل األس�تانة‪ ،‬فكان من أعضاء جلنة وضع (املجلة)‪ ،‬وويل القضاء بطرابلس الشام‬ ‫ويل ً‬
‫رئيس�ا ثان ًيا ملجلس املعارف بدمش�ق‪ ،‬وتويف فيها ‪1306‬هـ‪1889 -‬م‪ .‬األعالم للزركيل‬ ‫س�نة ‪1295 -1292‬هـ‪ ،‬وعني ً‬
‫(‪.)270 /6‬‬
‫((( األس�تاذ الش�يخ أمحد فهمي أبو س�نة من علامء مرص يف القرن العرشين‪ ،‬حصل عىل ش�هادة العاملية من درجة أس�تاذ‬
‫يف الرشيع�ة اإلسلامية م�ن اجلامع األزهر يف أول العقد اخلام�س من القرن املايض‪ ،‬يف موضوع الع�رف والعادة يف رأي‬
‫الفقه�اء‪ .‬ول�ه من املؤلفات‪ :‬حمارضات يف النظرية العام�ة للحق‪ ،‬والنظريات العامة للمعامالت يف الرشيعة اإلسلامية‪،‬‬
‫وبح�وث منه�ا‪ :‬حك�م العالج بنقل دم اإلنس�ان أو نق�ل أعضائه أو أج�زاء منها‪ ،‬ق�دم إىل املجمع الفقه�ي لرابطة العامل‬
‫اإلسالمي (الدورة الثامنة ‪1405‬هـ) بح ًثا يف نظرية احلق ضمن كتاب (الفقه اإلسالمي أساس الترشيع)‪ ،‬طبعة املجلس‬
‫األعىل للشئون اإلسالمية‪.‬‬
‫((( العرف والعادة‪ ،‬أبو سنة (‪.)19‬‬
‫((( راجع يف ذلك‪ :‬نرش العرف (‪.)120 ،117 ،116 /2‬‬

‫‪161‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫فإذا ما انتقلنا إىل إمام احلرمني والشافعية وجدناهم يتحدثون عام ييل‪:‬‬
‫‪ -1‬االصطالح العام‪:‬‬
‫وهم ال يقصدون به املعنى االصطالحي للفظ اصطالح‪ ،‬وإنام يقصدون به ‪-‬عىل س�بيل‬
‫‪-‬بتجوز‪ -‬يري�دون به أحيانًا العرف؛ ألهنم‬‫ُّ‬ ‫التقري�ب‪ -‬املعنى اللغوي‪ ،‬وهو االتفاق‪ ،‬أو‬
‫كثريا وعىل األع�راف الفعلية قليًل�اً ‪ ،‬قال اإلمام الرملي بعد بيان‬
‫يطلقون�ه عىل األلف�اظ ً‬
‫م�ا ن�ص عليه األصحاب مما جيب عىل املؤجر واملس�تأجر يف إجارة ال�دواب‪« :‬ولو اطرد‬
‫الع�رف بخالف م�ا نصوا عليه ُعمل به فيما يظهر بناء عىل أن االصطلاح اخلاص يرفع‬ ‫ُ‬
‫االصطالح العام كام اقتضاه كالمهم‪ ،‬وإن اقتىض يف مواضع أخرى عدمه»(((‪.‬‬
‫وه�ذه األح�كام التي يصفها باالصطالح هنا هي األع�راف العملية يف اإلجارات‪ ،‬لك َّن‬
‫أصل مس�ألة االصطالح العام واالصطالح اخلاص يف األلفاظ والرتاكيب‪ ،‬يقول اإلمام‬
‫الزركشي يف املنث�ور‪« :‬االصطالح اخلاص ه�ل يرفع االصطالح الع�ام‪ ،‬ويعرب عنها بأنه‬
‫ه�ل جيوز تغيير اللغة باالصطلاح؟ وهل جي�وز للمصطلحني نقل اللفظ ع�ن معناه يف‬
‫اللغة بالكلية أو يشرتط بقاء أصل املعنى وال يترصف فيه بأكثر من ختصيصه فيه؟ قوالن‬
‫لألصوليني وغريهم‪ ،‬واملختار الثاين»(((‪.‬‬
‫وما يعنينا هنا أن العموم املوصوف به االصطالح اللفظي أو العميل يريدون به االنتش�ار‬
‫والذيوع يف عامة البلدان‪ ،‬بل إهنم يعربون به عن األصل اللغوي املستعمل‪ ،‬وال شك يف‬
‫اصطالحا لغو ًّيا عا ًّما‪ ،‬مما يؤكد أن املراد من العموم هنا االنتش�ار والذيوع يف عامة‬
‫ً‬ ‫كون�ه‬
‫البل�دان واألقطار‪ ،‬يق�ول اإلمام الغزايل يف اتف�اق العاقدين عىل امله�ر‪« :‬إذا توا َطئوا عىل‬
‫إرادة األل�ف بعب�ارة األلفني فيحتمل قولني؛ مأخذمه�ا‪ :‬أن االصطالح اخلاص هل يؤثر‬
‫يف االصطلاح الع�ام ويغيره أم ال؟ وفيه نظ�ر»(((‪ .‬وهذا الفرع صورة من صور مس�ألة‬
‫مهر الرس والعالنية املشهورة يف املذهب‪ ،‬وال خيفى أهنم جعلوا داللة لفظ (األلفني) عىل‬
‫اصطالحا عا ًّما‪ ،‬وداللته على املعنى العريف اخلاص بينهام ‪-‬وهو األلف‪-‬‬‫ً‬ ‫املعن�ى األصيل‬
‫خاصا‪.‬‬
‫اصطالحا ًّ‬

‫((( هناية املحتاج إىل رشح املنهاج (‪.)301 /5‬‬


‫((( املنثور يف القواعد الفقهية (‪.)180 /1‬‬
‫((( الوسيط (‪.)235 /5‬‬

‫‪162‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫وقد اس�تخدم اإلمام ه�ذا اللفظ فقال‪« :‬فأما القفال(((‪ ،‬فإنه ي�رى االصطالح املطرد بني‬
‫أق�وام بمثابة الع�ادة العامة‪ ،‬وامتنع غريه من هذا‪ .‬وعندي أن هذا ينزل عىل منزلة س�تأيت‬
‫مرشوح�ة يف كت�اب الص�داق‪ ،‬وه�ي أن أقوا ًما لو تواطئ�وا عىل أن يعبروا باأللفني عىل‬
‫األل�ف‪ ،‬فإذا وقع العقد بلفظ األلفني‪ ،‬فالتعويل على التواطؤ‪ ،‬أم عىل صيغة اللفظ؟ فيه‬
‫تردد‪ .‬وسيأيت يف املسألة املرتمجة بمهر الرس والعالنية»(((‪.‬‬
‫وهذا االنتش�ار وهذا الذيوع املصحوبان باالس�تقرار والقبول يم�دان األمر املتصف هبام‬
‫عند الشافعية بقوة غري عادية تتجاوز حدودي املكان والزمان‪ ،‬فال يقبل الشافعية غال ًبا ما‬
‫خيالفه ولو فرض اقتالعه ‪-‬بعد حني‪ -‬ونبات عرف آخر مكانه‪ ،‬وهذا خيار هلم سأناقشه‬
‫إن شاء اهلل تعاىل فيام بعد‪ ،‬إال أنني أستقي منه هنا ما يصب يف تأييد ما ذهبت إليه يف معنى‬
‫العموم عندهم‪ ،‬وهو االنتشار والذيوع يف عامة البلدان‪.‬‬
‫‪ -2‬اللسان‪:‬‬
‫هذه اللفظة وردت يف كالم اإلمام يف الوصية‪ ،‬وهي مشكلة إن فرست دون اعتبار لسياق‬
‫الكالم وللش�ائع يف املذهب‪ .‬وما يعنينا هنا أن اإلمام اس�تخدم هذه اللفظة ‪-‬يف ضوء ما‬
‫إلنس�ان ٍ‬
‫بدابة‪ ،‬فاس�م الدابة‬ ‫ٍ‬ ‫انته�ى إليه البحث‪ -‬بمعنى العرف العام‪ ،‬قال‪« :‬ولو أوىص‬
‫يف اللس�ان ينطب�ق عىل ثالثة أجناس‪ :‬اخليل‪ ،‬والبغال‪ ،‬واحلمير‪ ،‬وال يندرج حتتها اإلبل‪،‬‬
‫واضح‪ ،‬ال إش�كال فيه‪ .‬ثم تردد‬
‫ٌ‬ ‫وإن كانت مركوبة‪ ،‬وهذا متفق عليه‪ ،‬ومعناه يف اللس�ان‬
‫أئمتن�ا يف لف�ظ الدابة‪ ،‬إذا جرت يف مرص‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن أهلها ال يفهمون منه إال احلامر(((‪،‬‬
‫((( هو القفال الصغري املروزي‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬عبد اهلل بن أمحد بن عبد اهلل‪ ،‬املتوىف ‪417‬هـ عن تس�عني س�نة‪ ،‬وهو املذكور يف‬
‫كت�ب املذه�ب بعامة بعد اجلمع بني الطريقني‪ ،‬وعند املتأخرين؛ فحيثام يقال‪ :‬القفال مطل ًقا‪ ،‬فهو القفال املروزي الصغري‪،‬‬
‫وهناك قفال آخر يشرتك معه يف الكنية‪ ،‬فكل منهام أبو بكر‪ ،‬ولكنهام يتميزان باالسم والنسبة‪ ،‬فالكبري الشايش‪ ،‬والصغري‬
‫املروزي‪ ،‬والشايش اسمه حممد بن عيل بن إسامعيل‪ ،‬والصغري عبد اهلل بن أمحد بن عبد اهلل‪ ،‬والكبري أسبق وفاة‪ ،‬فقد تويف‬
‫ذكرا يف كتب احلديث والتفسري‪ ،‬وإذا‬‫ذكرا يف كتب الفقه‪ ،‬والكبري أكثر ً‬
‫أيضا بأن الصغري املروزي أكثر ً‬‫‪365‬هـ‪ .‬ويتميزان ً‬
‫ذكر يف كتب الفقه قيد‪ ،‬كام فعل اإلمام يف النهاية‪ ،‬وهناك قفال ثالث‪ ،‬وهو ابن القفال الكبري الش�ايش‪ ،‬واس�مه القاس�م‪،‬‬
‫فه�و القاس�م بن حممد بن عيل بن إسماعيل‪ ،‬ومع أن�ه أوىل بلقب (الصغري)‪ ،‬لكن�ه أبدً ا مل يعرف به‪ ،‬وذاعت ش�هرة كتابه‬
‫(التقريب)‪ ،‬وخترج به فقهاء خراس�ان‪ ،‬فغلب اس�م الكتاب اس�م صاحبه‪ ،‬فيقال دائام‪ :‬صاحب التقريب‪ ،‬كام يف النهاية‪،‬‬
‫فل�م يذك�ره إم�ام احلرمني مرة واحدة باس�مه‪ ،‬بل دائًم�اً ‪( :‬صاحب التقريب) عىل كث�رة ما ذكره‪ .‬انظ�ر‪( :‬مقدمات حتقيق‬
‫النهاية‪.)174 -173 /‬‬
‫((( هناية املطلب يف دراية املذهب (‪.)144 /5‬‬
‫((( كذا بالنص املحقق‪ ،‬وهو يشير إىل أن [الدابة] يف [مرص] حتمل عىل [احلامر] وحده‪ ،‬والثابت أن الش�افعي اعتمد يف‬
‫مح�ل الداب�ة عىل األجناس الثالثة عىل عرف أهل مرص وغريها من البلاد باعتباره العرف العام‪ .‬فلعل املراد التمثيل بأي‬
‫مرص كان ال مرص املحروسة حفظها اهلل تعاىل‪ .‬راجع األم (‪ ،)95 /4‬واحلاوي الكبري (‪.)235 /8‬‬

‫‪163‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫فل�و فرض�ت بل�دة ال يفهم أهلها م�ن الدابة إال ال َف َ�رس‪ ،‬نفرض الكال َم على ما يتحمل‬
‫اللف�ظ عىل موجب اللس�ان ليرت َّدد بني األجن�اس الثالثة‪ :‬اخليل‪ ،‬والبغ�ال‪ ،‬واحلمري‪ ،‬أو‬
‫حُيم�ل اللفظ على موجب عرف املكان؟ فيه تردد لألصحاب‪ :‬فمنهم من مل يبال بالعرف‬
‫لظهور معنى اللسان‪ ،‬ومنهم من محل اللفظ عىل موجب عرف املكان؛ فإن العرف قرينة‬
‫األلفاظ»(((‪.‬‬
‫أف�اد اإلم�ام هنا أن اس�م (الدابة) يف اللس�ان ينطبق عىل ثالثة أجن�اس‪ :‬اخليل‪ ،‬والبغال‪،‬‬
‫واحلمير‪ ،‬كما أفاد أنه ال ين�درج حتتها اإلبل‪ ،‬وإن كان�ت مركوبة‪ ،‬وأن ه�ذا متفق عليه‪،‬‬
‫واضح‪ ،‬ال إشكال فيه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ومعناه يف اللسان‬
‫واملش�هور أن دالل�ة الدابة عىل هذه املذك�ورات وحدها هي الداللة العرفية ال اللس�انية‬
‫اللغوي�ة؛ ألن الداب�ة يف اللغة اس�م م�ا دب من احليوان ممي�زه وغري ممي�زه(((‪ .‬والثابت أن‬
‫الش�افعي اعتم�د يف مح�ل الدابة عىل األجن�اس الثالثة عىل عرف أهل مصر وغريها من‬
‫البالد باعتباره العرف العام‪.‬‬
‫تعبيرا جماز ًّيا عن العرف العام‪ ،‬فأراد باللس�ان هنا‬
‫ً‬ ‫فاحلاص�ل أن اإلمام عرب باللس�ان هنا‬
‫العرف اخلاص‪ .‬وحيث عرب اإلمام عن العرف‬ ‫َ‬ ‫الع�رف العام املط�رد‪ ،‬وأراد بعرف املكان‬
‫العام باللسان كان هذا إشارة واضحة إىل سعة العرف العام التي هي اجلامع بني اللفظني‪،‬‬
‫فكانت اس�تعارة ترصحيية مرشحة ملعاين االنتشار والشهرة والذيوع التي ندعيها يف املراد‬
‫بالعرف العام عند اإلمام والشافعية‪.‬‬
‫بالقيس‪ ،‬حيث‬‫ِّ‬ ‫وممَّا يؤكد ما ا ُّدعي ما نقله اإلمام عن اإلمام الش�افعي ◙ يف الوصية‬
‫قيس‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بقوس من قس�يه‪ ،‬أو من ماله‪ ،‬اندرج حت�ت لفظه‪ُّ :‬‬ ‫إن الش�افعي ق�رر أن�ه إذا أوىص‬
‫وقيس العرب‪ ،‬وقيس احلُس�بان‪ ،‬وهي نوع من الس�هام الصغار‪ .‬وال يدخل حتت‬ ‫ُّ‬ ‫العجم‪،‬‬
‫جلالهق(((‪.‬‬
‫قوس النَّدْ ف وال قوس ا ُ‬
‫اسم القوس ُ‬

‫((( هناية املطلب (‪.)168 /11‬‬


‫((( راجع‪ :‬التحفة (‪.)43 /7‬‬
‫((( ق�وس الن�دف أداة تس�تخدم لندف القطن؛ أي طرق�ه ليصري رقي ًقا‪ .‬راجع املعجم الوس�يط (ن د ف)‪ .‬وأما اجلالهق‬
‫بض�م اجلي�م فه�و البندق املعمول من الطني مف�رده جالهقة وهو ف�اريس؛ ألن اجليم والقاف ال جيتمع�ان يف كلمة عربية‬
‫ويض�اف الق�وس إليه للتخصيص‪ ،‬فيقال‪ :‬قوس اجلالهق كام يقال قوس النش�ابة‪ .‬املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري‬
‫(ج ل هـ)‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫خترجان عىل أن املتبع موجب‬ ‫قال اإلمام‪« :‬وهذه املسألة وتيك [مسألة معنى لفظ الدابة] َّ‬
‫اللسان يف إطالق اللفظ‪ ،‬أو ما يفهم منه يف طرد العرف؟»(((‪.‬‬
‫وه�ذا يرج�ح أنه يريد باللس�ان هنا العرف الع�ام ال اللغة؛ ألن الس�بب يف دخول بعض‬
‫العرف الع�ام‪ ،‬وهو ما عرب عنه ش�يخ اإلسلام يف رشح‬ ‫ُ‬ ‫أن�واع القسي دون بعضه�ا ه�و‬
‫ال�روض بقوله‪« :‬الش�تهار القوس يف الثالث�ة األول دون هذين»(((‪ .‬أم�ا املعنى اللغوي‬
‫األصيل فال يفرق بني قوس وآخر‪.‬‬
‫ومل�ا كان العرف املط�رد املحمول عليه غالب الوصايا قديماً يف لف�ظ [العلامء] أن املراد به‬
‫أصحاب علوم الرشع من تفسير وفقه وحديث‪ ،‬اعتبر هذا يف املذهب عر ًفا عا ًّما‪ ،‬حتى‬
‫خرج من داللة اللفظ علامء الكالم وعلامء التصوف وعلامء اللغة وعلامء الطب‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫قال اإلمام ش�هاب الدي�ن الرميل يف الفتاوى‪« :‬الوصية للعلماء أو ألهل العلم فمختصة‬
‫بأه�ل عل�وم الشرع م�ن الفق�ه والتفسير واحلدي�ث؛ الش�تهار الع�رف يف الثالثة دون‬
‫غريهم»(((‪.‬‬
‫وي�دل دالل�ة رصحي�ة عىل هذا االتس�اع امل�كاين ال�ذي يتميز به الع�رف العام م�ا جاء يف‬
‫َۡ َُ َ َ‬
‫سلونك‬ ‫توجي�ه اإلم�ام امل�اوردي((( يف ص�در كت�اب األطعم�ة؛ لق�ول اهلل تع�اىل‪{ :‬ي ‍ٔ‬
‫َ َ ٓ ُ َّ‬
‫ِ��ل ل َ ُه ۡ‬
‫��م} [ املائ�دة‪ ،]٤ :‬حي�ث ق�ال‪« :‬هذا خط�اب م�ن اهلل تعاىل لرس�وله ﷺ‬ ‫م��اذا أح‬
‫ي�دل على أن الن�اس س�ألوه عام حيل هل�م وحي�رم عليه�م‪ ...‬وإذا كان هذا أصًل�اً وصار‬
‫املس�تطاب حلالاً واملس�تخبث حرا ًما وج�ب أن يعترب في�ه العرف الع�ام‪ ...‬فكان أحق‬
‫الن�اس بتوج�ه اخلط�اب إليه�م الع�رب؛ ألهن�م الس�ائلون املجاب�ون‪ ،‬وأح�ق األرض‬
‫م�ن بالده�م؛ ألهن�ا أوطاهن�م‪ ،‬وق�د خيتلف�ون فيما يس�تطيبون ويس�تخبثون بالرضورة‬
‫واالختي�ار‪ ،‬فيس�تطيب أه�ل الضرورة م�ا اس�تخبثه أه�ل االختي�ار‪ ،‬فوج�ب أن‬

‫((( هناية املطلب (‪.)177 /11‬‬


‫((( أسنى املطالب (‪.)47 /3‬‬
‫((( فتاوى الرميل‪ ،‬هبامش الفتاوى الكربى البن حجر (‪.)136 /3‬‬
‫((( عيل بن حممد بن حبيب اإلمام اجلليل القدر الرفيع الش�أن أبو احلس�ن املاوردي‪ ،‬أحد أصحاب الوجوه يف املذهب‪،‬‬
‫وامللق�ب بأقضى القض�اة صاحب احل�اوي واإلقن�اع يف الفقه الش�افعي وأدب الدي�ن والدنيا والتفسير ودالئ�ل النبوة‬
‫واألحكام الس�لطانية وقانون الوزارة وسياس�ة امللك وغري ذلك‪ .‬كان إماما جليال رفيع الشأن له اليد الباسطة يف املذهب‬
‫والتفنن التام يف س�ائر العلوم‪ .‬انظر‪ :‬طبقات الشافعية الكربى للسبكي (‪ ،)267 /5‬طبقات الشافعيني للحافظ ابن كثري‬
‫(‪.)418‬‬

‫‪165‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫يعتبر في�ه عرف أه�ل االختي�ار‪ ،‬دون أه�ل الضرورة؛ ألنه لي�س مع الضرورة عرف‬
‫معهود»(((‪.‬‬
‫‪ -3‬العادة العامة‪:‬‬
‫ورد تعبري العادة العامة يف بعض مواضع النهاية للداللة عىل األمر املس�تقر عىل املس�توى‬
‫الواس�ع ال�ذي ال يتقيد ببل�د دون آخر‪ ،‬وقد تقدم أن العادة تلتق�ي مع العرف يف اجلانب‬
‫العميل اجلامعي‪ ،‬ويقوم أحدمها يف ذلك مكان اآلخر‪.‬‬
‫م�ن ذلك ‪-‬مثلاً ‪ -‬رد اإلمام ‪-‬يف باب إحياء امل�وات‪ -‬خالف األصحاب يف حكم تنحية‬
‫م�ن يطي�ل عكوف�ه عىل املع�دن إىل طلب ه�ذا الش�خص االنفراد بما يأخذه م�ن النَّ ْيل‪،‬‬
‫وخروج�ه ع�ن الع�ادة العامة التي تقضي بكون هذا األم�ر عىل االشتراك والتناوب ال‬
‫االنفراد واالستئثار(((‪.‬‬
‫وم�ن ذلك قوله يف بيع الثمار‪« :‬وإن بدا الصالح‪ ،‬فيجوز بيع الثمار عىل رشط التبقية إىل‬
‫أوان اجلداد‪ ،‬وإن بيعت مطلقة‪ ،‬صح البيع‪ ،‬ومحل عىل موجب التبقية‪ ،‬بناء عىل ما مهدناه‬
‫من اتباع العادة العامة يف توابع العقد»(((‪.‬‬
‫وقوله يف سياق املسألة نفسها‪« :‬فأما القفال‪ ،‬فإنه يرى االصطالح املطرد بني أقوام بمثابة‬
‫الع�رف العام يف‬
‫َ‬ ‫الع�ادة العام�ة»(((‪ .‬فهو يقص�د بالعادة العامة يف خصوص هذه املس�ألة‬
‫أغلب البالد كام يفرسه سياق الكالم‪.‬‬
‫‪ -4‬االمتداد الزماين‪:‬‬
‫وص�ف اإلم�ام العرف اخلاص بأنه الع�ادة التي تُتل َّقى من تواطؤ أق�وا ٍم عىل اخلصوص‪،‬‬
‫ِ‬
‫روض‪ ،‬وقال‪ :‬إن هذا‬ ‫اإلباح ِة يف الرهن‪ ،‬وبعض الرشائط الفاس�دة يف ال ُق‬
‫َ‬ ‫ومثل له برشط‬
‫ِ‬
‫األعصار(((‪ .‬ومفهوم‬ ‫خيتص ببعض البالد ببع�ض‬ ‫ِ‬
‫اصطلاح أقوام‪ ،‬وأنه قد ُّ‬ ‫حمم�ول عىل‬
‫ه�ذا أن املعتبر يف العرف العام قوة االمتداد الزماين مع قوة االمتداد املكاين‪ ،‬فام يطرأ عىل‬
‫خالفه يف وقت أو مكان يعترب عر ًفا ًّ‬
‫خاصا‪.‬‬
‫((( احلاوي الكبري (‪.)133 -132 /15‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)313 /8‬‬
‫((( املصدر السابق (‪.)144 /5‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)144 /5‬‬
‫((( راجع‪ :‬املصدر السابق (‪.)144-143 /5‬‬

‫‪166‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫نصوصا لألصحاب مبنية عىل العرف‬ ‫ً‬ ‫وقد رصح ابن حجر والرميل عىل املنهاج أن هناك‬
‫يصح جتاوزها ولو تغريت األعراف‪ .‬وس�بب هذا احلكم كام يظهر من‬ ‫العام يف زمنهم ال ُّ‬
‫تعليالهتم أن هذه النصوص مبنية عىل أعراف أصلية ال تغريها أعراف طارئة‪ ،‬ومبنية عىل‬
‫أع�راف عام�ة ال تغريها أعراف خاصة(((‪ .‬قال ابن حجر يف املحرم من زينة املرأة املحدة‪:‬‬
‫«ما نصوا عىل أنه زينة لو اطرد يف حمل أنه ليس زينة هل يعترب هذا أو ال؟ حمل نظر‪ .‬وظاهر‬
‫كالمهم الثاين؛ ألنه ال عربة بعرف حادث وال خاص مع عرف أصيل أو عام»(((‪ .‬ومن ثم‬
‫قالوا قديماً ‪ :‬إنه حيرم عىل نساء السودان التحيل بحيل الذهب وإن مل يعدوه زين ًة يف عرفهم؛‬
‫ألنه خمالف لنص األصحاب املبني عىل العرف العام‪.‬‬
‫فال�ذي يظهر أن ه�ذه األعراف الت�ي اعتمدوا عليها ج�اءت أصالتها م�ن امتداد مكاين‬
‫أمورا مس�تقرة بني الن�اس يف األمصار‬‫يصحب�ه امت�داد زم�اين‪ ،‬أو بتعبري آخر أهن�ا كانت ً‬
‫عبر األعصار‪ ،‬ومن ثم اعتربوه�ا أعرا ًفا أصلية تدفع ما خيالفه�ا‪ ،‬بدليل ما جاء يف املثال‬
‫غري بعيد يف الزمان‬
‫الس�ابق؛ فإن التزين بالذهب عرف له امتداده الزماين واملكاين‪ ،‬وهذا ُ‬
‫الذي عاش فيه الشافعي واألصحاب‪ ،‬بل يف القرون التي عاش فيها األئمة من بعدهم‪.‬‬
‫ث�م إن هذه النصوص يف أمور معدودة كالعيوب الت�ي تُثبت اخليار وما جيب عىل العامل‬
‫يف املس�اقاة وما يلزم املؤجر واملس�تأجر‪ ،‬وس�وف نناقش هذه املس�ألة إن شاء اهلل تعاىل يف‬
‫احلديث عن أحكام التعارض‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬العرف اخلاص‪:‬‬
‫مل تضم النهاية هذه العبارة لف ًظا‪ ،‬وإن تكرر معناها يف كثري من املواضع‪ ،‬فقد حتدث اإلمام‬
‫ع�ن تواطؤ بعض األقوام عىل أمور ختالف العرف العام‪ ،‬كقوله‪« :‬فأما العادة التي تتلقى‬
‫م�ن تواط�ؤ أقوام عىل اخلصوص‪ ،‬كرشط اإلباحة يف الرهن‪ ،‬ورشائط معروفة فاس�دة يف‬
‫الق�روض‪ ،‬فهذا حممول عىل اصطالح أقوام‪ ،‬وقد خيتص ببعض البالد ببعض األعصار‪،‬‬
‫خالف بني أهل املذهب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ففي مثله الرتدد»(((‪ .‬أي يف اعتباره‬

‫((( راجع عىل سبيل املثال‪ :‬هناية املحتاج‪ ،‬للرميل (‪ ،)257 /5‬حتفة املحتاج‪ ،‬البن حجر (‪.)258 /8 ،117 /6‬‬
‫((( حتفة املحتاج يف رشح املنهاج البن حجر‪ ،‬وحوايش الرشواين والعبادي (‪.)258 /8‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)144 /5‬‬

‫‪167‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫الن�ص يق�ف بنا على أه�م أركان العرف اخلاص عن�د اإلمام‪ ،‬وهي أن�ه خيلو من‬ ‫ُّ‬ ‫وه�ذا‬
‫العرف العام‪ ،‬فيكون عىل درجة من الش�يوع أقل عملاً‬ ‫ُ‬ ‫الذيوع واالنتش�ار الذي يتمتع به‬
‫ومكانًا وزمانًا‪.‬‬
‫وم�ن اخلطأ ‪-‬يف زعم�ي‪ -‬أن يوصف العرف اخلاص بأنه ما قاب�ل العرف العام؛ ألنه قد‬
‫يتص�ور خل�و الزم�ان واملكان من عرف ع�ام يف خصوص ذلك املتع�ارف‪ .‬كام أن حرص‬
‫خمصوصا بفئة أو بلد أو طائفة من املس�لمني((( غري جامع؛ ألن‬ ‫ً‬ ‫الع�رف اخلاص فيما كان‬
‫العرف اخلاص ‪-‬كام س�يأيت يف كالمهم‪ -‬يش�مل ما اختص به الفرد الواحد‪ ،‬س�يام ونحن‬
‫نبحث يف األعراف القولية واألعراف الفعلية‪ ،‬ومسألة مهر الرس والعالنية املتقدم ذكرها‬
‫قري ًبا مبنية ‪-‬كام قرر اإلمام‪ -‬عىل تعارض العرف اخلاص مع العرف العام‪.‬‬
‫وق�د تقدم أن الش�يخ ابن حجر اهليتمي ‪-‬رمحه اهلل تع�اىل‪ -‬اعترب من العرف اخلاص قول‬
‫الواقف‪( :‬حبس�ت مايل عىل فلان)‪ .‬والعرف عند هذا الواقف أن يك�ون قوله هذا وق ًفا‬
‫عىل غري فالن املذكور من الورثة ويمنع منه(((‪.‬‬
‫العرف اخلاص بأنه م�ا مل يتعامله أهل البلاد مجي ًعا‪ ،‬فمبناه‬‫َ‬ ‫وأم�ا تعريف الش�يخ أيب س�نة‬
‫رعاي�ة اصطالح احلنفي�ة واختيارهم؛ ألنه صادق بام تعامله فرد واح�د‪ ،‬وما تعامله أهل‬
‫أيضا بما تعامله أغلب‬ ‫ش�ك يف دخوله يف العرف اخل�اص‪ ،‬وصادق ً‬ ‫بل�د أو بلدي�ن‪ ،‬وال َّ‬
‫خاصا‪ ،‬بل هو عرف عام‪ ،‬وختلف بعض البالد عنه ال‬ ‫البلاد‪ ،‬وهذا يبعد أن يك�ون عر ًفا ًّ‬
‫يقدح يف عمومه‪ ،‬وإال ملا فرضت األعراف اخلاصة يف مقابلة األعراف العامة‪.‬‬
‫مح�ل الداب�ة ‪-‬وهي لغ� ًة‪ :‬كل م�ا يدب على األرض‪ -‬عىل‬ ‫ق�ال اب�ن حج�ر‪« :‬واملذهب ُ‬
‫ف�رس وبغ�ل ومح�ار أهلي‪ ...‬فيعط�ى أحده�ا يف كل بلد عمًل�اً بالع�رف الع�ام‪ ،‬وزعم‬
‫ممنوع كزع�م أن عرفهم خيصه�ا بالفرس كالعراق بخالف س�ائر‬ ‫ٌ‬ ‫خصوص�ه بأه�ل مرص‬

‫((( مم�ن نق�ل هذه التعاريف الباحسين يف الع�ادة حمكمة (‪ ،)43-42‬ومم�ن تبناها املدخل الفقهي الع�ام للعالمة الزرقا‬
‫(‪.)878‬‬
‫((( راجع‪ :‬الفتاوى الفقهية الكربى‪ ،‬البن حجر (‪.)244 /3‬‬
‫ق�ال‪« :‬واملخت�ار الث�اين؛ ومن فروعها لو اتفق الزوج�ان عىل ألف واصطلحوا عىل أن يعربوا ع�ن ألف يف العالنية بألفني‬
‫فاألظه�ر وج�وب األلفين جلريان اللف�ظ الرصيح به‪ ،‬وقيل‪ :‬جي�ب األلف عملا باصطالحهام‪ .‬قال اإلم�ام‪ :‬وعىل هذه‬
‫القاعدة جتري األحكام املتلقاة من األلفاظ‪ .‬فلو قال لزوجته‪ :‬إذا قلت‪ :‬أنت طالق ثالثا مل أرد به الطالق أو أريد به طلقة‬
‫أن (حبس�ته عىل فالن) حبس عىل ورثته دونه؛ ألن هذا العرف‬ ‫واحدة‪ ،‬فاملذهب أنه ال عربة بذلك‪ ...‬ال عربة بعرفهم يف َّ‬
‫ليس بعام‪ ،‬وإنام هو خاص‪ ،‬والعرف اخلاص بل العام ال ُيعمل به يف تغيري مقتىض الرصائح»‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫البلاد»(((‪ .‬وه�ذا رصيح يف أن عرف العراق اختلف عن عرف س�ائر البالد يف الدابة ومل‬
‫يقدح ذلك يف عمومية العرف‪.‬‬
‫وبن�ا ًء على هذا نقول يف وص�ف العرف اخلاص بام يتف�ق وفق َه اإلمام والش�افعية‪ :‬إنه ما‬
‫خيتص به الواحد أو اجلامعة من الناس يف بلد أو أكثر دون حدِّ األغلبية أو العموم‪.‬‬
‫من أمثلة ذلك أن املعترب يف تقدير جنس نفقة املفلس ومن يف مؤنته وكس�وهتم التي تقدم‬
‫هل�م م�ن ماله ه�و العرف‪ ،‬وأنه إنام يقتصر يف حقهم عىل القدر الذي تتحق�ق به الكفاية؛‬
‫ألن اإلمام رصح بام يؤخذ منه أن املعترب يف تقدير جنس النفقة هو عرف طبقة املفلس(((‪.‬‬
‫وم�ن أمثل�ة األعراف اخلاص�ة ما جاء يف ضب�ط الغبن‪ ،‬حي�ث قال اإلم�ام‪« :‬والغبن هو‬
‫النق�ص الظاه�ر الذي يعدُّ ب�ه حا ًّطا من ثمن املثل»(((‪ .‬أي يع�د يف العرف حا ًّطا من ثمن‬
‫املثل‪.‬‬
‫واألوج�ه يف املذهب الش�افعي اعتبار الع�رف املطرد يف كل ناحية بام ُيتس�امح به فيها(((‪،‬‬
‫وأن الع�رف املعترب هو عرف أهل الناحية حم�ل التعامل‪ ،‬واملراد بالناحية هنا بلد البيع(((‪،‬‬
‫ال تلك املحلة التي جيرى فيها العقد بخصوصها‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ف‬ ‫ة‬ ‫ف� ق‬
‫تح�� ق‬
‫بح�ي�� ا لعر�‬
‫ج‬ ‫�‬ ‫د‬ ‫ا‬‫ي� � ي� ر‬
‫م‬‫ل‬ ‫ا‬
‫اتفق�ت كلم�ة أهل امللة املعظمة عىل أن�ه ال حاكم إال رب العاملني‪ ،‬ول�زم من ذلك أنه ال‬
‫ُحكم إال هلل تعاىل الذي بس�ط بساط الوجود عىل ممكنات ال تُعدُّ وال حتىص‪ ،‬وأفاض نور‬
‫فيضه عىل كائنات ال تُستقىص‪ ،‬ووضع عىل ذلك كله موائد جوده وكرمه التي ال تتناهى‪،‬‬
‫فكشف خللقه عن صفات كامله‪ ،‬ونعوت جالله ومجاله‪ ،‬وأظهر ذلك كله بدالالت عقلية‬
‫وآثار تفصيلية ال تتناهى‪.‬‬

‫((( حتفة املحتاج (‪.)45 /7‬‬


‫((( راجع‪ :‬هناية املطلب (‪.)410 -408 /6‬‬
‫((( خمترص العز‪ ،‬ضمن النهاية (‪.)43 /7‬‬
‫((( هناية املحتاج (‪ .)32 /5‬وراجع‪ :‬رشح الروض لش�يخ اإلسلام (‪ ،)268 /2‬حتفة املحتاج (‪ ،)316 /5‬فتح اجلواد‬
‫رشح اإلرشاد (‪.)514 /1‬‬
‫((( راجع‪ :‬حاشية القليويب عىل اجلالل (‪.)341 /2‬‬

‫‪169‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫أمر متفق عليه بني املس�لمني‪ ،‬ال ينقضه من‬


‫وقضي�ة اختص�اص احلاكمية بامل�وىل عز وجل ٌ‬
‫احلق‬
‫حاولوا الطع َن فيه حمتجني بخالف املعتزلة يف مسألة التحسني والتقبيح العقليني؛ ألن َّ‬
‫أن املعتزلة مل خيالفوا يف أن احلكم هلل وحده‪ ،‬فإنه مما ال جيرتئ عليه أحدٌ ممن يدعي اإلسالم‪،‬‬
‫بل إنام يقولون‪ :‬إن العقل معرف لبعض األحكام اإلهلية سواء ورد به رشع أو ال(((‪.‬‬
‫بعد هذا االتفاق عىل نفي العالقة بني العقل وإنشاء احلكم‪ ،‬نكون أما َم ثالثة اجتاهات يف‬
‫العالقة بني العقل واكتشاف احلكم‪:‬‬
‫َ‬
‫إدراك العبد حلكم اهلل‬ ‫األول‪ :‬يمثل�ه األش�اعرة((( ‪-‬جناح أهل الس�نة‪ -‬الذي�ن ي�رون أن‬
‫تعاىل فيام يقوم به من أفعال يتوقف عىل ورود الرشع بإرسال الرسل وإنزال الكتب‪ ،‬وأنه‬
‫ال عالقة للعقل باحلكم من حيث اجلزاء‪.‬‬
‫والث�اين‪ :‬يمثل�ه املعتزلة الذين ي�رون أن ه�ذا اإلدراك ال يتوقف على ورود الرشع‪ ،‬وأن‬
‫للعقل إليه س�بيلاً ‪ ،‬بحيث يرتتب عىل الفعل احلس�ن املدح والثواب عاجلاً وآجلاً وعىل‬
‫الفعل القبيح الذم والعقاب عاجلاً وآجلاً ‪.‬‬
‫والثال�ث‪ :‬يمثل�ه املاتريدي�ة((( اجلناح الثاين ألهل الس�نة‪ ،‬وهم ي�رون أن األفعال تتصف‬
‫لذواهت�ا باحلس�ن والقب�ح التابعني مل�ا فيها من مصلحة أو مفس�دة‪ ،‬والعق�ل حيكم بدون‬

‫((( انظ�ر لتأكيد هذا الرأي‪ :‬تيسير التحرير ملحمد أمين (‪ )150 /2‬والتقرير عىل التحرير‪ ،‬البن أمري احلاج (‪،)89 /2‬‬
‫ومس�لم الثبوت ورشحه فواتح الرمحوت‪ ،‬لعبد العيل األنصاري (‪ ،)25 /1‬وحاش�ية األمري عىل اجلوهرة (‪ .)32‬وانظر‬
‫الرأي اآلخر يف‪ :‬التوضيح عىل التنقيح لصدر الرشيعة (‪158 /2‬ط اخلريية ‪1322‬هـ)‪.‬‬
‫وراج�ع عموما رس�الة‪ :‬العق�ل عند األصوليني لفضيلة الدكتور عبد العظيم الديب رمح�ه اهلل تعاىل‪ ،‬فقد انتهى فيه إىل أنه‬
‫ال خالف بني األصوليني من أهل السنة واملعتزلة والشيعة‪ ،‬عىل أنه ال حاكم إال اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأن ما شاع بخالف‬
‫ذلك غري دقيق‪ .‬دار الوفاء باملنصورة‪ ،‬مرص ‪.1992-1415‬‬
‫((( نس�بة لإلمام أيب احلس�ن األش�عري‪ ،‬نارص الس�نة وقام�ع البدعة‪ ،‬قال ابن خل�كان‪« :‬هو صاحب األص�ول والقائم‬
‫بنرصة مذهب الس�نة‪ ،‬وإليه تنس�ب الطائفة األش�عرية‪ ،‬وش�هرته تغني عن اإلطالة يف تعريفه‪ ،‬والقايض أبو بكر الباقالين‬
‫نارص مذهبه ومؤيد اعتقاده‪ ،‬وكان أبو احلس�ن جيلس أيام اجلمع يف حلقة أيب إس�حاق املروزي الفقيه الش�افعي يف جامع‬
‫املنصور ببغداد‪ .‬ومولده سنة سبعني‪ ،‬وقيل‪ :‬ستني ومائتني بالبرصة‪ .‬وتويف سنة نيف وثالثني وثالثامئة»‪ .‬وفيات األعيان‪،‬‬
‫ابن خلكان (‪.)284 /3‬‬
‫((( نسبة لإلمام أيب منصور املاتريدي؛ أيب حممد بن حممد بن حممود‪ ،‬من كبار العلامء‪ ،‬كان يقال له‪ :‬إمام اهلدى‪ .‬له كتاب‬
‫التوحيد وكتاب املقاالت وكتاب بيان أوهام املعتزلة وكتاب تأويالت القرآن‪ ،‬وله كتب ش�تى‪ .‬مات س�نة ثالث وثالثني‬
‫وثالثامئة بعد وفاة أيب احلس�ن األش�عري‪ .‬اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية‪ ،‬حميي الدين احلنفي (‪ ،)130 /2‬وقد وافق‬
‫اإلم�ا ُم أب�ا احلس�ن يف جل املس�ائل إال قليلاً ‪ ،‬وقد درس�ها العلماء يف مصنفات مثل نظ�م الفرائد يف مس�ائل اخلالف بني‬
‫املاتريدية واألشعرية لشيخي زاده‪( ،‬العقد اجلوهري يف الفرق بني كسبي املاتريدي واألشعري) للشيخ خالد النقشبندي‬
‫‪1242‬هـ‪ .‬ومعظم أتباع اإلمام املاتريدي من احلنفية‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫اس�تعانة بالرشع عىل هذه األفعال باحلسن والقبح تب ًعا جلهة املصلحة أو املفسدة‪ ،‬وحيكم‬
‫حل َسن ألن يتعلق به حكم اهلل تعاىل باألمر‪ ،‬بحيث يستحق فاع ُله‬
‫أيضا باستحقاق الفعل ا َ‬ ‫ً‬
‫امل�دح يف العاج�ل والث�واب يف اآلجل‪ ،‬وباس�تحقاق الفع�ل القبيح ألن يتعل�ق به حكم‬
‫اهلل تع�اىل بالنهي‪ ،‬بحيث يس�تحق فاع ُله الذ َّم يف العاجل والث�واب يف اآلجل‪( .‬لكن هذا‬
‫احلكم من اهلل تعاىل‪ ،‬وال يس�وغ للعقل أن حيكم عىل فعل ما بأنه‬
‫َ‬ ‫االس�تحقاق ال يس�تلزم‬
‫واجب أو حرام‪ ...‬إلخ ذلك من األحكام‪ ،‬إال بورود الرشع)((( وهو مذهب وس�ط بني‬
‫املذهبني(((‪.‬‬
‫واإلم�ام ج�ار على مذهب األش�اعرة يف ذلك‪ ،‬يقول‪« :‬واملس�لك احلق عن�دي يف ذلك‪،‬‬
‫اجلامع ملحاس�ن املذاهب‪ ،‬الناقض ملس�اوهيا‪ ،‬أن نقول‪ :‬لس�نا ننكر أن العقول تقتيض من‬
‫اجتناب املهالك وابتدار املنافع املمكنة عىل تفاصيل فيها وجحد‪ ،‬هذا خروج عن‬ ‫َ‬ ‫أرباهبا‬
‫املعقول‪ ،‬ولكن ذلك يف حق اآلدميني‪ .‬والكالم يف مس�ألتنا مداره عىل ما يقبح وحيسن يف‬
‫حكم اهلل تعاىل‪ .‬وذلك غيب‪ ،‬والرب س�بحانه وتعاىل ال يتأثر برضرنا ونفعنا‪ ،‬فاس�تحال‬
‫احلكم بقبح اليشء يف حكم اهلل تعاىل وحس�نه‪ ،‬ومل يمتنع إجراء هذين‬
‫ُ‬ ‫‪-‬واألم�ر كذلك‪-‬‬
‫ع�زى إىل اهلل وال يوجب عليه أن‬‫رضر أو أمكن نفع برشط أال ُي َ‬
‫الوصفين فين�ا إذا تنج�ز ٌ‬
‫يعاقب أو يثيب»(((‪.‬‬
‫احلك�م الرشع�ي ينقس�م إىل حك�م تكليفي كوج�وب الصالة ووج�وب إقامة‬ ‫ُ‬ ‫وإذا كان‬
‫احلد عىل الس�ارق‪ ،‬وحكم وضعي كجعل الزوال س�ب ًبا لتعلق وجوب صالة الظهر بذمة‬
‫املكل�ف‪ ،‬والرسقة س�ب ًبا إلقامة احلد‪ ،‬واحلي�ض مان ًعا من الصوم‪ ،‬والعل�م باملعقود عليه‬
‫رش ًطا لصحة العقد‪ ،‬وإتالف الصبي س�ب ًبا لوجوب الضامن يف ماله وأداء الويل منه‪ ،‬فإن‬
‫الصحي�ح أن األحكام الوضعية أحكام رشعي�ة‪ ،‬خال ًفا ملن أخرج األحكام الوضعية من‬
‫تعري�ف احلكم الرشعي‪ ،‬وملن اعتربها أحكا ًما عقلي�ة؛ فإن طائفة من األصوليني ‪-‬منهم‬
‫التاج الس�بكي‪ -‬ذهبت إىل أن األح�كام الوضعية أحكام عقلية وليس�ت رشعية‪ ،‬فقالوا‬
‫إهنا عالمات لألحكام الرشعية‪ ،‬فمعنى س�ببية الزوال التي هي احلكم الوضعي أن كون‬
‫((( انظر‪ :‬سلم الوصول للشيخ املطيعي (‪ ،)87-82 /1‬والبدر الساطع له (‪ 176‬وما بعدها)‪ .‬وراجع‪ :‬كتاب املسامرة‬
‫رشح املسايرة (‪ ،)41 /2‬وأصول الفقه للشيخ اخلرضي (‪.)23‬‬
‫((( سلم الوصول (‪.)86 /1‬‬
‫((( الربهان يف أصول الفقه (‪ 92-91 /1‬ف‪ )12‬ولكنه رفض هبذا طريقة القايض الباقالين يف الرد عليهم‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫الزوال س�ب ًبا وموجبا عالمة على وجوب الظهر‪ ،‬والزوال يدركه املكلف بدون واس�طة‬
‫الشرع؛ ألنه يرى ميل الش�مس عن خط االس�تواء إىل جهة الغ�رب‪ ،‬فيعلم كون الزوال‬
‫سب ًبا للوجوب بدون واسطة الرشع‪ ،‬فيعلم أن اهلل أوجب عليه الظهر‪.‬‬
‫واحل�ق م�ع الفريق اآلخر الذي يرى األحكا َم الوضعية عبارة عن وضع أس�باب وموانع‬
‫وغير ذلك من قبل الش�ارع‪ ،‬فهي ال تؤخذ وال تس�تفاد إال من الرشع ال�ذي هو الدليل‬
‫الس�معي املبعوث به النب�ي الكريم‪ ،‬وال معنى للرشعي إال ذل�ك(((‪ ،‬ومن ثم فإن احلكم‬
‫هو خطاب اهلل املتعلق بأفعال املكلفني باالقتضاء أو التخيري أو الوضع‪.‬‬
‫عقيل ال يلزم منه أن العقل منش�ئ للحكم‪ ،‬غاية األمر‬ ‫وحتى القول بأن احلكم الوضعي ٌّ‬
‫أنه طريق يف التعرف عىل احلكم الذي ورد به الرشع‪.‬‬
‫إذا تق�رر هذا فإن األصل يف األحكام الرشعية ‪-‬كام قرر األصوليون‪ -‬أن ال يؤخذ واحد‬
‫وتقريرا‪ ،‬أو من اإلمجاع أو من القياس‬
‫ً‬ ‫منها إال من كتاب اهلل وسنة رسوله ﷺ قولاً وفعلاً‬
‫الصحي�ح‪ ،‬وهي األدل�ة التي نصبها اهلل عز وجل للوقوف عىل م�راده من خلقه‪ ،‬وهذان‬
‫جيوز ألحد من الناس كاف ًة أن يقول‬‫األخريان يرجعان يف احلقيقة إىل الكتاب والسنة‪ ،‬فال ُ‬
‫يف يشء م�ن األش�ياء عامة‪ :‬هذا فرض أو واجب أو س�نة أو من�دوب أو حرام أو مكروه‬
‫حتريًم�اً أو تنزيهً ا‪ .‬إال إذا كان قوله مأخ�و ًذا من دليل من تلك األربعة يقتيض ذلك القول‪،‬‬
‫ويدل عليه داللة صحيحة ولو بغلبة ظن القائل(((‪.‬‬
‫ومن ثم فإن العرف ‪-‬من حيث هو‪ -‬ال ُينشئ يف رشع اهلل حكماً ‪ ،‬وال يكون دليلاً من أدلة‬
‫مصدرا م�ن مصادر الترشيع؛ خال ًفا ملا‬‫ً‬ ‫الشرع الت�ي تؤخذ منها األحكام مبارشة‪ ،‬وليس‬
‫مصادر يستقون منها القوانني‪.‬‬
‫َ‬ ‫عند القانونيني الذين جيعلونه أوَّلاً خلمسة‬
‫موقع العرف من األدلة املختلف فيها‪:‬‬
‫إن أه�ل املذاه�ب األربعة متفقون عىل اعتبار العرف يف اجلملة‪ ،‬واخلالف بينهم يكون يف‬
‫بع�ض اجلزئيات األصولية كاالختلاف عىل ختصيص العام بالع�رف‪ ،‬واالختالف عىل‬
‫تقدي�م الع�رف العام عىل القي�اس بني الش�افعية واحلنفية‪ ،‬وكذلك يف بع�ض التطبيقات‬
‫الفرعية‪ ،‬ومن ثم ال يستقيم عدُّ العرف من األدلة املختلف فيها كام هو ذائع؛ وال يصح أن‬
‫((( راجع‪ :‬هناية السول وحاشية الشيخ بخيت (‪.)68 /1‬‬
‫((( انظر‪ :‬أحسن الكالم فيام يتعلق بالسنة والبدعة من األحكام للشيخ حممد بخيت املطيعي (‪ )4‬وراجع‪ :‬الربهان إلمام‬
‫احلرمني (‪ 214 /1‬ف ‪.)487‬‬

‫‪172‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫يعتمد عىل بعض اجلزئيات التي مل يعتمد فيها عىل العرف يف نسبة عدم االعتداد بالعرف‬
‫إىل أصح�اب ه�ذه اآلراء؛ فعىل س�بيل املثال جاء يف كتاب (امله�ذب يف علم ُأصول الفقه‬
‫املق�ارن) أن العرف من األدل�ة املختلف فيها بني املذاهب(((‪ ،‬وأنه اختلف يف العرف عىل‬
‫مذهبين؛ املذه�ب األول‪ :‬أن الع�رف ُح َّج�ة‪ ،‬ودليل رشعي تثبت ع�ن طريقه األحكام‪.‬‬
‫بح َّجة‪ ،‬وال يصلح أن يكون دليلاً تُبنى عليه األحكام‪.‬‬ ‫واملذه�ب الثاين‪ :‬أن الع�رف ليس ُ‬
‫لكن�ه مل يبني أصحاب كل رأي‪ ،‬وذكر أنموذجني للفروع املبن َّية عىل هذا اخلالف املعنوي‬
‫عىل حد قوله‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬اخلالف يف املعاطاة‪ ،‬فقال‪« :‬إن بيع املعاطاة ‪-‬وهو‪ :‬دفع ثمن املبيع للبائع وأخذ‬
‫بيشء‪ -‬جائز عن�د أكثر العلامء‪ ،‬ودليلهم‬‫ٍ‬ ‫املبي�ع عن ت�راض بينهام‪ ،‬دون أن يتلفظ أحدمها‬
‫العرف؛ ألن البيع قد ورد الرشع ِ‬
‫بح ِّله مطل ًقا‪ ،‬ومل ُيشترط فيه يشء من األلفاظ‪ ،‬ومل ُيبني‬
‫كيفيت�ه‪ ،‬فريج�ع ذلك إىل العرف‪ .‬وخالف يف ذلك الكثري من الش�افعية‪ ،‬وقالوا‪ :‬ال جيوز‬
‫أمر خفي ال يعرف إال باإلجياب‬ ‫الر َضا لصحة البيع‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫بيع املعاطاة؛ ألن الشارع رشط ِّ‬
‫والقبول»(((‪.‬‬
‫اآلخ�ر‪ :‬اخللاف يف اس�تحقاق األجري الصان�ع ألجرة املث�ل عند عدم ذك�ر األجرة عند‬
‫العقد(((‪ ،‬فنس�ب القول باالس�تحقاق لإلمام أمحد واإلمام أيب حنيفة اعتام ًدا عىل العرف‪،‬‬
‫ونس�ب عدم االس�تحقاق لبعض العلامء الذي�ن مل يذكرهم‪ .‬ومعلوم أن بعض الش�افعية‬
‫اختاروا عدم االستحقاق‪.‬‬
‫والتمثيل هبذين املثالني واالعتامد عليهام يف نسبة إنكار حجية العرف للشافعية فيه ما ييل‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬أن ج�واز املعاطاة يف البيع واس�تحقاق األجري املعروف بالعمل أجرته هو اختيار‬
‫أكث�ر العلماء يف املذهب الش�افعي‪ ،‬وهو املعتمد ال�ذي عليه األئمة‪ ،‬وم�ن مل يقل هبام من‬
‫الشافعية ال ينكر العرف بالكلية كام سيأيت‪.‬‬
‫حكم أصيل كإنكار حجية العرف‪ ،‬مع‬ ‫ٌ‬ ‫الثانية‪ :‬أن هذين جمرد فرعني فقهيني ال ُيبنى عليهام‬
‫وجود مئات الفروع املبنية عىل العرف‪.‬‬
‫((( الرياض‪ .‬مكتبة الرش�د‪ .‬وممن فعل هذا األس�تاذ الش�يخ عبد الوهاب خالف يف كتابه علم أصول الفقه (‪،)80-79‬‬
‫إال أنه بعد أن عرض تعريفه وأنواعه وحكمه‪ ،‬قال‪« :‬والعرف عند التحقيق ليس دليال رشعيا مستقال»‪.‬‬
‫((( املهذب يف علم أصول الفقه (‪.)1023 /3‬‬
‫((( املصدر السابق (‪.)1023 /3‬‬

‫‪173‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫الثالثة‪ :‬أن هذين املثالني بخصوصهام مس�تثنيان من قاعدة اعتبار العرف عند الش�افعي‪،‬‬
‫الزركيش يف املنثور‪ ،‬وقال‪ :‬إن املختار يف املذهب خالفه(((‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫كام أفاد ذلك‬
‫العرف يلتقي مع األدلة املختلف فيها يف أمر سنذكره قري ًبا إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬وهو أنه‬
‫ُ‬ ‫نعم‬
‫يعترب البيئة التي تطبق فيها األحكام‪ ،‬لكن مل أجد يف املش�هور من مصنفات الطريقتني يف‬
‫وتسمح‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫بتجوز‬
‫األصول عد العرف منها‪ ،‬ولو ُّ‬
‫إذن فليس�ت حجية العرف حجي َة إنشاء كام هي يف القرآن والسنة‪ ،‬وليست حجي َة كشف‬
‫العرف‬
‫ُ‬ ‫كام هي يف اإلمجاع والقياس‪ ،‬وإنام هي حجية اعتداد يف تنفيذ األحكام‪ ،‬اس�تمدها‬
‫م�ن املصادر الس�ابقة‪ ،‬بحي�ث يكون هو البيئ�ة التي تعترب عن�د تطبيق أحكامه�ا واألداة‬
‫العرف يف املعامالت‬
‫َ‬ ‫ثم قال اإلمام‪« :‬وم�ن مل يمزج‬ ‫التنفيذي�ة الت�ي تعني عىل ذلك‪ ،‬ومن َّ‬
‫بفقهها مل يكن عىل حظ كامل فيها»‪ .‬ونكون بذلك أمام جهات لالعتبار حمصورة‪:‬‬
‫الرشع يف تطبيق األحكام‪ ،‬وأرشد األمة إىل أن مل َء‬ ‫ُ‬ ‫إحداها‪ :‬مساحات الفراغ التي تركها‬
‫هذه املساحات وظيفة الفقيه من خالل عرف زمنه ومكانه‪.‬‬
‫ثانيته�ا‪ :‬تنزي�ل الرشع للعرف املط�رد منزل َة النطق يف األمور املتعلق�ة بتعامالت املكلفني‬
‫تفسريا وختصيصا وتقييدا وإذنا ورشطا‪ ،‬ويتعلق بذلك اعتبار أعرافهم القولية‪ ،‬واعتباره‬
‫قرينة مرجحة لألمر الذي يتعلق به‪.‬‬
‫ثالثته�ا‪ :‬االعتماد على العرف يف كش�ف مواض�ع الرضورة املمت�دة إىل س�لف األمة يف‬
‫املعامالت‪ ،‬ومواضع احلاجة واملصلحة واملساحمة القائمة بني الناس‪.‬‬
‫املراد باالعتبار‪:‬‬
‫التعبير الش�ائع يف املذهب الش�افعي واملذهبني احلنف�ي واملالكي هو (اعتب�ار العرف)‬
‫(((‬

‫واالعتب�ار يف األص�ل كما يقول اإلم�ام ال�رازي(((‪« :‬مأخوذ م�ن العبور واملج�اوزة من‬
‫صورا أخرى لكنها مستثنيات من القاعدة‪ ،‬وليست هي‬ ‫ً‬ ‫((( انظر‪ :‬املنثور (‪ ،)357-356 /2‬وزاد السيوطي يف األشباه‬
‫القاعدة (‪.)99 /1‬‬
‫((( راج�ع على س�بيل املث�ال‪ :‬املبس�وط‪ ،‬للرسخسي (‪ ،)18 /14 ،170 /8 ،152 /4‬العناية رشح اهلداي�ة‪ ،‬للبابريت‬
‫(‪ ،)15 /7‬حاش�ية اب�ن عابدي�ن (‪ ،)277 /6 ،197 /4 ،715 /3‬رشح خمتصر خلي�ل للخ�ريش (‪ )69 /3‬حاش�ية‬
‫الدسوقي عىل الرشح الكبري (‪.)140 /2‬‬
‫((( أبو عبد اهلل حممد بن عمر بن احلسني بن احلسن بن عيل التيمي البكري الطربستاين الرازي امللقب بفخر الدين‪ ،‬فقيه‬
‫شافعي أصويل متكلم نظار مفرس أديب شاعر فيلسوف فلكي‪ ،‬صاحب أساس التقديس واللوامع البينات يف رشح أسامء‬
‫اهلل تعاىل والصفات‪ ،‬وصاحب التفسري الكبري (مفاتيح الغيب) واملحصول يف أصول الفقه‪ ،‬وغريها‪ .‬ت ‪606‬هـ‪ .‬انظر‪:‬‬
‫الفتح املبني يف طبقات األصوليني‪ ،‬لألستاذ الشيخ عبد اهلل املراغي (‪.)48-47 /2‬‬

‫‪174‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫يشء إىل يشء‪ ،‬وهل�ذا س�ميت ال َعبرْ َ ُة َعْب�رْ َ ةً؛ ألهنا تنتقل من العني إىل اخلد‪ ،‬وس�مي ا َملعبرَ‬
‫ربا؛ ألن به حتصل املجاوزة‪ ،‬وسمي العلم املخصوص بالتعبري؛ ألن صاحبه ينتقل من‬ ‫مع ً‬
‫املتخ َّي�ل إىل املعقول‪ ،‬وس�ميت األلفاظ عب�ارات؛ ألهنا تنقل املعاين من لس�ان القائل إىل‬
‫عقل املس�تمع‪ ،‬ويقال‪ :‬الس�عيد من اعترب بغريه؛ ألنه ينتقل عقله من حال ذلك الغري إىل‬
‫حال نفس�ه‪ ،‬وهلذا قال املفرسون‪ :‬االعتبار هو النظر يف حقائق األش�ياء وجهات داللتها‬
‫ليعرف بالنظر فيها يشء آخر من جنسها»(((‪.‬‬
‫واالعتب�ار مركب�ا مع العرف حيتفظ بمعنى االس�تدالل ويضاف إليه معن�ى االعتداد؛ إذ‬
‫االعتداد معنى من معاين االعتبار‪ ،‬يقول الش�يخ الفيومي(((‪« :‬واالعتبار بمعنى االعتداد‬
‫بالشيء يف ترت�ب احلكم نح�و‪ :‬والعربة بالعق�ب‪ ،‬أي واالعتداد يف التق�دم بالعقب»(((‪.‬‬
‫ربا كونه معتدًّ ا به رشعا يف االستدالل به عىل هذه اجلهات الثالث‬ ‫فمعنى كون العرف معت ً‬
‫املذك�ورة قريب�ا‪ ،‬وه�ذا هو معن�ى حتكيم الع�رف والرجوع إلي�ه؛ ومن هن�ا افتتح اإلمام‬
‫الس�يوطي املبحث اخل�اص بالعرف والعادة يف األش�باه‪ ،‬بقوله‪« :‬اعل�م أن اعتبار العادة‬
‫والعرف ُرجع إليه يف الفقه يف مسائل ال تعد كثرة»(((‪.‬‬
‫هذا ما أمكن اس�تنتاجه من فقه اإلمام يف «النهاية»‪ ،‬وفروع الش�افعية يف فقههم‪ ،‬وقواعد‬
‫اجلمهور يف أصوهلم‪ .‬وقد نوع اإلمام يف عباراته يف االعتامد عىل العرف‪ ،‬فتارة يقول‪« :‬قد‬
‫أطبق الفقهاء قاطبة عىل أن املعترب يف األقارير واملعامالت إش�اعة األلفاظ وما ُيفهم منها‬
‫يف الع�رف املطرد‪ ،‬والعبارات عن العقود تُعنى ملعانيها»‪ .‬وثانية يقول‪« :‬من أصحابنا من‬
‫اعتبر اللف�ظ وعرفه‪ ،‬ومنهم من اعتبر الالفظ وعرفه‪ ،‬وميل الن�ص إىل اعتبار اللفظ إذا‬
‫حتققنا أنه مل يكن لالفظ قصد‪ ،‬وهذا غائص حسن»‪ .‬وثالثة يقول‪« :‬واحلكم املرجوع إليه‬
‫العرف»‪ .‬ورابعة يقول‪« :‬وال يعترب يف ذلك غري الرجوع إىل العرف»‪ ...‬إلخ(((‪.‬‬

‫((( تفسري الرازي (‪ )504 /29‬وراجع‪ :‬تاج العروس (ع ب ر) النهاية يف غريب احلديث واألثر (‪.)170 /3‬‬
‫((( أمح�د ب�ن حمم�د الفيومي ث�م احلموي‪ ...‬ولد بالفيوم واش�تغل ومه�ر ومتيز يف العربي�ة عند أيب حيان ث�م قطن محاة‪،‬‬
‫وخطب بجامع الدهشة‪ ،‬وكان فاضال عارفا بالفقه واللغة‪ .‬صنف املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري‪ .‬تويف سنة نيف‬
‫وسبعني وسبعامئة‪ .‬راجع‪ :‬بغية الوعاة (‪.)389 /1‬‬
‫((( املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري‪ ،‬للفيومي (ع ب ر)‪.‬‬
‫((( األشباه والنظائر (‪.)90‬‬
‫((( هناية املطلب‪ ،‬عىل الرتتيب‪.)244 /2 ،23 /13 ،351 /18 ،61 /14( :‬‬

‫‪175‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫املبحث الثاني‪:‬‬
‫ضبط التصديقات‬
‫(‪)1‬‬
‫ش‬ ‫ف‬ ‫ض ن‬
‫ا ل�تعا ر� ب�ي�� ا لعر� و ا ل��رع‬
‫أوال‪ :‬األصل العام‪:‬‬
‫مر‪ -‬هو البيئة التي تُطبق فيها أحكام الرشيعة‪ ،‬واألداة‬
‫العرف –عند اإلمام والشافعية كام َّ‬
‫الت�ي ُيس�تعان هبا عىل التنفي�ذ؛ فال يقبل أن يك�ون هناك تعارض بين العرف ونصوص‬
‫الرشيع�ة؛ ألن أفع�ال املكلفين التي تش�كل العرف جي�ب أن تكون متوافق�ة مع أحكام‬
‫الرشيعة التي تنطق هبا هذه النصوص‪ ،‬وهنا جيب التفريق بني أمرين‪:‬‬
‫أحدمه�ا‪ :‬األعراف والعادات القائمة يف زمن الترشيع حال ورود النصوص‪ ،‬وهذا ‪-‬كام‬
‫يق�ول الش�يخ أبو س�نة رمحه اهلل تع�اىل‪ -‬بحث تبارت في�ه أقالم األصوليين‪ ،‬وأدلوا فيه‬
‫بعصارة أفكارهم‪ ،‬وقد خلص الش�يخ فوائده ومجع رشائده‪ ،‬وهو مبحث لغوي قائم عىل‬
‫م�دى قوة هذه األعراف ‪-‬قولية كانت أو عملية‪ -‬يف ختصيص عموم النصوص الرشعية‬
‫وتقييد مطلقها‪.‬‬
‫اآلخ�ر‪ :‬األعراف احلادث�ة بعد زمن النبي ﷺ‪ ،‬وهي ما ُيعنى ب�ه هذا البحث‪ ،‬وعىل وجه‬
‫اخلصوص األعراف العملية (العادات اجلارية بني الناس) ويمكن أن نقسمها ‪-‬يف ضوء‬
‫فقه اإلمام يف النهاية‪ -‬قسمني‪:‬‬
‫(‪ )1‬ما اتصل بزمن السلف األول رضوان اهلل تعاىل عليهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬ما نشأ يف األزمان التالية منقطع الصلة بزمن السلف األول‪.‬‬
‫وم�ا دمنا نتحدث يف التعارض فقد خرجنا من دائرة األعراف التي حتمل عليها نصوص‬
‫الرشع وعبارات املكلفني إىل دائرة األعراف التي تنشأ يف مقابلة احلكم الرشعي املستقر‪،‬‬
‫سواء كان مصدره املبارش النص أو كان مصدره اإلمجاع أو القياس‪ ،‬والقياس هنا يشمل‬
‫الدليل اإلمجايل املعروف يف أصول الفقه‪ ،‬وهو محل معلوم عىل معلوم ملس�اواته له يف علة‬
‫حكمه‪ ،‬ويشمل القاعدة الكلية أو األصل املطرد‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫وال�ذي ُيس�تنبط من فق�ه اإلم�ام يف النهاية أن ما كان حج� ًة رشعية س�واء كان النص أو‬
‫القياس ال ُيرتك لعرف خمالف؛ إذ مل أقف يف النهاية عىل حكم لإلمام قدم فيه عرفا خمالفا‬
‫لن�ص أو قي�اس عىل النص أو القياس‪ ،‬إال ما س�يأيت بيانه من مس�تثنيات من هذا األصل‬
‫الع�ام‪ ،‬حتى م�ا كان من قبيل األلفاظ الرشعية التي اش�تهرت يف العقود والفس�وخ كان‬
‫مقدما عنده ‪-‬ويف املذهب‪ -‬عىل غريه‪ ،‬ولو جرى العرف به وشاع‪ ،‬قال اإلمام‪« :‬ما جرى‬
‫ل�ه ذكر يف الرشع‪ ،‬وتكرر حتى صار مش�هورا يف الرشع؛ فهو رصي�ح‪ ،‬وإن مل يفرض فيه‬
‫إشاعة يف العادة؛ فإن ما عرف رشعا‪ ،‬فهو املتبع‪ ،‬وعليه بنينا محل الدراهم يف األقارير عىل‬
‫النق�رة اخلالص�ة‪ ،‬وإن كان قد يغلب العرف عىل خالف ذل�ك»(((‪ .‬وقد أقره الزركيش يف‬
‫القواعد(((‪.‬‬
‫والدلي�ل الرصيح على أن األصل العام عند اإلمام عدم اعتب�ار العرف املخالف للحجة‬
‫قول اإلمام يف املس�ابقة‪« :‬نقل األئمة تردد الش�افعي‬ ‫الرشعية من نص أو إمجاع أو قياس ُ‬
‫يف أن املتب�ع يف النض�ال القياس أو الع�ادة التي جتري بني الرماة‪ ،‬وهذا مش�هور عىل هذه‬
‫الصيغ�ة‪ ،‬وهو مش�كل؛ فإن القي�اس حجة يف الرشع‪ ،‬ف�إن كانت الع�ادة موافق ًة ملوجب‬
‫الشرع‪ ،‬فال معنى للرتدد‪ ،‬واملتبع الرشع وقياس�ه‪ ،‬وإذا كان للرماة عادة يناقضها القياس‬
‫املعترب يف الرشع‪ ،‬فال معنى التباع عادهتم‪ ،‬والوجه القطع بالتعلق باحلجة الرشعية»(((‪.‬‬
‫هذا رصيح يف بيان رأي اإلمام يف هذه املس�ألة‪ ،‬وفقه اإلمام يف النهاية يف باب املعامالت‬
‫على وجه اخلصوص‪ ،‬وكذلك فقه الش�افعية يف كتبهم يؤك�د االلتزام هبذا األصل‪ ،‬وهذا‬
‫الرتدد املذكور يف النص الس�ابق عن الشافعي هو يف خصوص هذه املسألة‪ ،‬فال ينسحب‬
‫حكم�ه عىل غيره‪ ،‬وال تؤخذ منه قاعدة عامة‪ ،‬وذلك ‪-‬كام ق�ال احلجة الغزايل‪ -‬ألن أمر‬
‫البداية أمر هني؛ فلذلك تردد فيه الش�افعي ◙(((‪ ،‬وس�يأيت تفسريه إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وق�د نقل اإلمام الزركيش كال َم اإلمام يف املنث�ور ومل يذكر يف مقابله رأيا آخر(((‪ ،‬مما يؤكد‬
‫أن هذا أمر مستقر يف املذهب‪.‬‬

‫((( هناية املطلب يف دراية املذهب (‪.)294 /13‬‬


‫((( املنثور (‪.)306 /2‬‬
‫((( هناية املطلب يف دراية املذهب (‪.)255 /18‬‬
‫((( الوسيط يف املذهب (‪.)189 /7‬‬
‫((( راجع‪ :‬املنثور (‪.)357 /2‬‬

‫‪177‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫ويزيد األمر تأكيدا قول الشيخ ابن حجر يف الفتح‪« :‬والشافعية إنام أنكروا العمل بالعرف‬
‫النص الرشعي أو مل يرشد النص الرشعي إىل العرف»(((‪ .‬وقول اإلمام الغزايل‬ ‫إذا عارضه ُّ‬
‫يف الوس�يط‪« :‬وال خيتلف القول يف كل عادة ختالف القياس؛ إذ الشافعي ال يرتك القياس‬
‫ألجل عادة خمالفة له»(((‪ .‬وإذا كان هذا ش�أن الع�رف مع القياس بمعنى القاعدة املطردة‬
‫فام شأنه مع القياس األصويل واإلمجاع والنص؟‬
‫وكي�ف يقبلون العرف احلادث املخالف لنص الشرع أو للقياس وهم يرفضونه إذا كان‬
‫خمالف�ا لنص صاحب املذهب أو األصحاب‪ ،‬وهناك من الفروع ما يس�ند هذه الدعوى‪،‬‬
‫فإن�ه مل�ا جرت الع�ادة يف زم�ن اإلمام الس�بكي رمح�ه اهلل تعاىل بإمه�ال الن�اس ِذكر لون‬
‫القمح ا ُملس� َلم فيه وحجمه‪ ،‬وصفها بأهنا عادة فاس�دة‪ ،‬وقال إهنا خمالفة لنص الش�افعي‬
‫واألصح�اب‪ ،‬مشيرا بذل�ك إىل علة وصف�ه إياها بالفس�اد‪ .‬وإذا كان هذا ش�أن العرف‬
‫املخالف لنص الشافعي فام القول يف املخالف لنص الرشع؟ وسوف نفرد ملسألة تعارض‬
‫العرف مع نصوص األصحاب حديثا يف هذا املبحث إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وثمة نامذج تبني رأي الشافعية يف تعارض العرف مع النص أو القياس؛ منها أن الشافعية‬
‫رفض�وا ما ج�رت به العادة م�ن أخذ رهن مقابل الكتاب املس�تعار؛ ألهن�ا خمالفة لقياس‬
‫الره�ن القايض بأنه ال بد م�ن أن يكون يف مقابلة دين ال عني‪ ،‬وقالوا ببطالن ما جرت به‬
‫عادة بعض الناس من كونه يقف كتابا ويرشط أن ال يعار أو ال خيرج من مكان حيبسه فيه‬
‫إال برهن(((‪ .‬ذلك أن الرهن ثبت يف كتاب اهلل تعاىل يف مقابل الدين يف قوله تعاىل عقب آية‬
‫ُ ُ ۡ لَىَ ٰ َ َ َ َ ۡ جَ ْ اَ َ َ‬
‫ت ُدوا كت ِٗبا ف ِرهٰ ‪ٞ‬ن َّمق ُبوضة} [البقرة‪ ،]٢٨٣ :‬وحكمة‬
‫ۡ َ ‪ٞ‬‬
‫الدين‪ِ{ :‬إَون كنتم ع سف ٖر ولم ِ‬
‫مرشوعي�ة العقد تقتضي أن يكون يف مقابل الدين؛ ألن مقصود الرهن اس�تيفاء املرهون‬
‫تعذر الوفاء‪ ،‬وهذا ممكن يف الدَّ ْين؛ أي ما‬‫ب�ه ‪-‬وهو الدين‪ -‬من قيم�ة املرهون وثمنه عند ُّ‬
‫يثب�ت يف الذمة كالدراهم والدنانير ونحوها من العمالت املتداولة؛ وإنام مل يصح الرهن‬
‫مقاب�ل األعي�ان ألهنا ال يمكن اس�تيفاؤها من ثمن املرهون عند تع�ذر الوفاء وبيع العني‬
‫املرهونة‪ ،‬إذ كيف تستوىف مثلاً ساعة من جنيهات ونحوها‪ ،‬وإذا قلنا تستوىف قيمتها‪ ،‬فإن‬
‫القيمة ختتلف باختالف املقومني‪ ،‬فيؤدي ذلك إىل التنازع(((‪.‬‬
‫((( فتح الباري‪ ،‬ابن حجر العسقالين (‪.)510 /9‬‬
‫((( الوسيط يف املذهب (‪.)189 /7‬‬
‫((( راجع‪ :‬حاشية الرميل الكبري عىل رشح الروض (‪ ،)150 /2‬التجريد لنفع العبيد (‪.)368 /2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفقه املنهجي‪ ،‬للشيخ مصطفى البغا (‪.)272 /3‬‬

‫‪178‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫وكذلك قىض الشافعية ببطالن ما جرت به عادة من يريدان االشرتاك يف الزارعة ‪-‬مثلاً ‪-‬‬
‫بحي�ث يب�ذر أحدمها يوما م�ن مال نفس�ه‪ ،‬واآلخر يوما‪ ،‬وهك�ذا إىل مت�ام الزراعة؛ فلم‬
‫جيعلوه�ا م�ن قبيل الرشكة املرشوعة التي تقيض بقس�مة الربح بينه�م؛ وذلك ألن قياس‬
‫الرشك�ة عندهم اختلاط املالني بغري متييز‪ ،‬فحكم�وا باختصاص كل بما يبذره‪ ،‬وحتمله‬
‫أج�رة األرض فيما يقابله‪ .‬وطري�ق الصحة عندهم أن خيلط مريدا الرشك�ة ما يراد بذره‪،‬‬
‫ثم ُيبذر بعد ذلك‪.‬‬
‫كل أنواع الرشكات الت�ي أجازهتا املذاهب األخرى إال‬ ‫وأكث�ر من ذلك رفض الش�افعية َّ‬
‫رشك�ة العن�ان؛ إذ الحظوا يف معنى الرشكة االختالط((( يف امل�ال املعني املوجود بالفعل‪،‬‬
‫ورفض�وا كل عق�د رشكة ينطوي عىل غ�رر؛ ومن ثم أبطل�وا رشكات األبدان (األعامل)‬
‫واملفاوضة والوجوه‪.‬‬
‫ف�إن رشك�ة األب�دان عب�ارة عن رشك�ة بني ش�خصني أو أكثر م�ن أرباب العم�ل عىل ما‬
‫يكتس�بان ليك�ون بينهام عىل تس�او أو تف�اوت(((‪ ،‬وهي باطلة عند الش�افعية س�واء اتفقا‬
‫يف الصنع�ة كنجار ْي�ن أو اختلفا كخي�اط ونجار؛ ألن كل واحد منهام ممي�ز ببدنه ومنافعه‬
‫فيختص بفوائده‪ ،‬وألن املقصود من الرشكة الربح‪ ،‬وهو فرع املال‪ ،‬وال مال هنا‪.‬‬
‫وأم�ا رشكة املفاوض�ة فمبناها عند احلنفية القائلني هبا االنعقاد على الوكالة والكفالة(((‪،‬‬
‫وق�د بينه�ا اإلم�ام الرافعي أت�م بيان فق�ال‪« :‬وهي أن يشتركا ليكون بينهام ما يكتس�بان‬
‫ويربح�ان ويلزم�ان من غرم وحيصل هلام من غنم(((‪ ،‬وه�ي باطلة خالفا أليب حنيفة رمحه‬
‫اهلل‪ ،‬حي�ث ق�ال‪ :‬تصح برشط أن يس�تعمال لف�ظ املفاوضة فيقوال‪ :‬تفاوضنا أو اشتركنا‬
‫رشكة املفاوضة‪ ،‬وأن يستويا يف الدين واحلرفة‪.(((»..‬‬
‫((( ولذلك أخرجوا القراض من كتاب الرشكة‪.‬‬
‫((( ك�ذا يف كت�ب الش�افعية‪ ،‬وهو قريب مما يف كتب احلنفية‪ .‬راج�ع‪ :‬البناية رشح اهلداية‪ ،‬للعين�ي (‪ ،)408 /7‬االختيار‬
‫لتعليل املختار‪ ،‬ملجد الدين احلنفي (‪ ،)17 /3‬جملة األحكام العدلية (‪ ،)258 /1‬الرشح الكبري مع حاش�ية الدس�وقي‪،‬‬
‫للشيخ الدردير (‪ ،)361 /3‬أحكام املعامالت لألستاذ عيل اخلفيف (‪.)491‬‬
‫((( ق�ال صاح�ب املحي�ط الربه�اين يف الفقه النعماين (‪« :)8 /6‬ث�م إذا صحت الرشك�ة باملال‪ ،‬ف�إن كان مفاوضة صار‬
‫كل واح�د منهما كفيلاً عن صاحبه فيام يلزمه م�ن ضامن التجارات‪ ،‬وما جيوز أن يكون واج ًبا بالتجارة‪ ،‬وما يش�به ضامن‬
‫التجارة‪ ،‬ويصري كل واحد منهام وكيلاً عن صاحبه فيام وليه صاحبه من التجارات»‪.‬‬
‫((( فه�ي كما قال اإلمام املرغيناين احلنفي‪« :‬رشكة عامة يف مجيع أنواع التجارات‪ ،‬يفوض كل واحد منهام أمر الرشكة إىل‬
‫صاحبه عىل اإلطالق»‪ .‬اهلداية هبامش البناية (‪.)375 /7‬‬
‫((( الشرح الكبير‪ ،‬للرافعي (‪ )416 /10‬وراجع ما نس�به الرافعي لإلمام األعظم يف املصادر الثالث الس�ابقة‪ ،‬وجتدر‬

‫‪179‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫ووج�ه املذه�ب هو خمالفة القي�اس؛ إذ مبناها على الغرر الفاحش ال�ذي ال تقبله قواعد‬
‫الرشيعة‪ ،‬قال الش�افعي‪« :‬رشكة املفاوضة باطل‪ ،‬وال أعرف ش�يئا من الدنيا يكون باطال‬
‫َ‬
‫خل�ط املال‬ ‫إن مل تك�ن رشك�ة املفاوض�ة باطلا؛ إال أن يكون�ا رشيكني َي ُع�دَّ ان املفاوض َة‬
‫والعم�ل فيه واقتس�ا َم الربح فهذا ال بأس ب�ه‪ ..‬وإن زعام أن املفاوض�ة عندمها بأن يكونا‬‫َ‬
‫رشيكني يف كل ما أفادا بوجه من الوجوه بسبب املال وغريه فالرشكة بينهام فاسدة(((‪ ،‬وال‬
‫أع�رف القامر إال يف هذا أو أقل منه أن يشترك الرجالن بامئت�ي درهم فيجد أحدمها كنزا‬
‫فيكون بينهام‪ .‬أرأيت لو تش�ارطا عىل هذا من غري أن يتخالطا بامل أكان جيوز؟ أو أرأيت‬
‫رجال وهب له هبة أو آجر نفس�ه يف عمل فأفاد ماال من عمل أو هبة أيكون اآلخر له فيه‬
‫رشيكا؟ لقد أنكروا أقل من هذا»(((‪.‬‬
‫ومما رفضه الش�افعية ما جرت به العادة يف زمان الش�يخ الشبرامليس(((؛ من بيع احللوى‬
‫املكون�ة م�ن خل�ط اللبن أو العس�ل بالنِّش�ا يف مقاب�ل احلنط�ة؛ وذلك ألهنا ع�ادة خمالفة‬
‫للنص�وص التي يؤخذ منها ‪-‬قياس�ا‪ -‬بطلان بيع احلب (املطعوم) بما يتخذ منه؛ وال بام‬
‫مسته النار من جنسه لعدم العلم باملامثلة(((‪.‬‬
‫اإلش�ارة إىل أن اشتراط تس�اوي أموال الرشكاء يف القيم�ة وعدم اختصاص كل رشيك بامل يصل�ح أن يكون رأس مال‬
‫للرشكة يف مجيع مراحل وجودها‪ ،‬ال يبقي عليها زمنا طويال‪ ،‬فإن استمرار كل رشيك عىل ما كان له من نقود عند تكوينها‬
‫وعدم زيادهتا بعد ذلك أمر يكاد أن يكون عسريا‪.‬‬
‫((( ألن عقدها عىل أن يشارك كل واحد منهام صاحبه فيام خيتص بسببه كام لو عقدها عىل ما يملكان باإلرث واهلبة مثلاً‬
‫والتايل باطل‪ .‬وفيها إش�كال آخر وهو أهنا رشكة معقودة عىل أن يضمن كل واحد منهام ما جيب عىل اآلخر بعدوانه‪ ،‬فلم‬
‫تص�ح كما لو عقدا الرشكة عىل أن يضمن كل واحد منهام ما جيب عىل اآلخر باجلناية‪ .‬قال الرسخيس يف املبس�وط‪« :‬وأما‬
‫الش�افعي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬فإنه ينبني عىل مذهبه أن األصل رشكة امللك‪ ،‬وما هو موجب املفاوضة قط ال يثبت باعتبار رشكة‬
‫امللك؛ فلهذا أفسدها‪ ،‬وقال‪ :‬ألهنا تتضمن الكفالة باملجهول للمجهول؛ فإن كل واحد منهام يكون كفيلاً عن صاحبه فيام‬
‫يلزمه بجهة التجارة‪ ،‬والكفالة للمجهول باملعلوم باطل‪ ،‬فباملجهول أوىل»‪ .‬املبسوط (‪.)153 /11‬‬
‫((( األم (‪.)236 /3‬‬
‫((( عيل بن عيل أبو الضياء نور الدين الشربامليس الشافعي القاهري خامتة املحققني وو ُّيل اهلل تعاىل‪ ،‬حمرر العلوم النقلية‬
‫وأعلم أهل زمانه‪ ،‬متيز بدقة النظر وجودة الفهم ورسعة اس�تخراج األحكام من عبارات العلامء‪ ،‬وقوة التأين يف البحث‪،‬‬
‫ومل يش�تهر م�ن مؤلفاته إال حاش�يته على املواهب اللدنية‪ ،‬وحاش�ية عىل رشح الشمائل البن حجر‪ ،‬وحاش�ية عىل رشح‬
‫الورقات الصغري البن قاس�م‪ ،‬وحاش�ية عىل رشح أيب ش�جاع البن قاس�م الغزي‪ ،‬وحاش�ية عىل رشح اجلزرية للقايض‬
‫زكري�ا‪ ،‬وحاش�ية على رشح املنهاج املس�مى بالنهاية للش�مس الرملي‪ ،‬وهي التي نعتم�د عليها إن ش�اء اهلل تعاىل يف هذا‬
‫البحث‪ ،‬ملا فيها من حتريرات وحتقيقات مهمة‪ .‬تويف يف س�نة س�بع وثامنني وألف‪ .‬والشبرا َم ِّليس بشين معجمة فموحدة‬
‫فراء فألف مقصورة عىل وزن َس�ك َْرى كام يف القاموس مضافة إىل َم ِّلس بفتح امليم وكرس الالم املش�ددة وبالسين املهملة‬
‫أو مركبة تركيب مزج‪ ،‬وهي قرية بمرص‪ .‬انظر‪ :‬خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عرش‪ ،‬املحبي (‪.)177-174 /3‬‬
‫((( راجع‪ :‬حاشية الشربامليس عىل النهاية (‪.)436 /3‬‬

‫‪180‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬
‫ومما رفضه الش�افعية ما جرت به العادة من تعيني ٍ‬
‫أئمة إلمامة الصالة يف املس�اجد بمقابل‬
‫أج�ر‪ ،‬ورفض�وا أن جيعلوا هذا م�ن قبيل اإلج�ارة املرشوعة ملخالفته لقي�اس اإلجارة يف‬
‫القرب؛ ألن القصد من الصالة امتحان املكلف هبا بكرس نفسه باالمتثال‪ ،‬وغريه ال يقوم‬
‫مقامه فيه‪ .‬وملا احتيج ملثل هذا التعيني ك َّيفوا األمر بتكييف آخر‪ ،‬فجعلوا ما يأخذه اإلمام‬
‫من باب األرزاق واإلحسان واملساحمة‪ ،‬ورفضوا أن يكون من املعاوضات(((‪.‬‬
‫ويف إحي�اء امل�وات نب�ه الرميل واب�ن حجر وغريه�م عىل ما نأخ�ذ منه أن جري�ان العادة‬
‫بالتع�دي على حري�م العامر ال عبرة به‪ ،‬وال يس�تفاد منه إباح�ة؛ ملخالفته إمج�اع األئمة‬
‫األربعة والقياس؛ ألن النبي ﷺ قال‪« :‬من أحيا أرضا ميتة يف غري حق مسلم‪ ،‬فهي له»(((‪.‬‬
‫ومفهومه أن ما تعلق به حق مس�لم ال يملك باإلحياء‪ ،‬وألنه تابع للمملوك‪ ،‬ولو جوزنا‬
‫إحياءه‪ ،‬لبطل امللك يف العامر عىل أهله‪ ،‬وهذا ألن أهل العلم متفقون عىل أن ما قرب من‬
‫العامر‪ ،‬وتعلق بمصاحله‪ ،‬من طرقه‪ ،‬ومس�يل مائ�ه‪ ،‬ومطرح قاممته‪ ،‬وملقى ترابه وآالته‪،‬‬
‫فال جيوز إحياؤه‪ ،‬وكذلك ما تعلق بمصالح القرية‪ ،‬كفنائها‪ ،‬ومرعى ماشيتها‪ ،‬وحمتطبها‪،‬‬
‫وطرقها‪ ،‬ومس�يل مائه�ا‪ ،‬ال يملك باإلحي�اء‪ ،‬وكذلك حريم البئر والنه�ر والعني‪ ،‬وكل‬
‫مملوك ال جيوز إحياء ما تعلق بمصاحله‪ ،‬وقد أفاد الشيخ ابن قدامة يف املغني أن هذا مما ال‬
‫يعلم فيه خالفا بني أهل العلم(((‪.‬‬
‫وق�د عمت البل�وى يف القرن العارش اهلجري بالتعدي عىل حريم هنر النيل‪ -‬وحريم كل‬
‫يشء ما متس احلاجة إليه لتامم االنتفاع وإن حصل أصل االنتفاع بدونه‪ -‬فلم جييزوا ذلك‬
‫حتى ولو كان التعدي ببناء مسجد‪ ،‬بل حكموا هبدمه‪ .‬قال الرميل‪« :‬فيمتنع البناء فيه ولو‬
‫مس�جدا‪ ،‬وهي�دم ما بني فيه كام نقل عن إمجاع األئم�ة األربعة‪ ،‬ولقد عمت البلوى بذلك‬
‫يف عرصن�ا حتى ألف العلامء يف ذلك وأطال�وا لينزجر الناس فلم ينزجروا‪ ،‬وال يغري هذا‬
‫احلك�م كما أفاده الوالد ‪-‬رمح�ه اهلل تعاىل‪ -‬وإن بع�د عنه املاء؛ بحي�ث مل يرص من حريمه‬
‫الحتامل عوده إليه»(((‪ .‬وقد وجدنا مثل هذا عند املالكية‪ ،‬يقول العالمة الدسوقي‪« :‬وقد‬

‫((( راجع ما قاله الرميل يف النهاية (‪.)291 /5‬‬


‫((( أخرجه اإلمام مالك يف املوطأ‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬العمل يف عامرة املوات (ح‪.)2893‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني البن قدامة (‪.)418 /5‬‬
‫((( هناية املحتاج (‪.)336-335 /5‬‬

‫‪181‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫وقعت الفتوى قديام هبدم ما بني بش�اطئ النهر وحرمة الصالة فيه إن كان مس�جدا كام يف‬
‫املدخل وغريه»(((‪.‬‬
‫ِ‬
‫وبناء‬ ‫َ‬
‫األمح�ال واألثقال‬ ‫أم�ا االنتف�اع بحافة النهر بوضع املزارعين والصيادين وغريهم‬
‫يشء ‪-‬من قصب مثلاً ‪ -‬حلفظ األمتعة فيها؛ حيث كان لالرتفاق به ومل حُيدث ً‬
‫رضرا‪ ،‬ومل‬
‫يضيق عىل املارة ونحوهم وال عطل أو نقص منفعة النهر‪ ،‬فإنه جائز‪.‬‬
‫حك�م بيع الث�وب املطوي ال�ذي ينقص بالنرش‬ ‫َ‬ ‫ف�إذا ما عدن�ا إىل اإلم�ام وجدناه يتناول‬
‫(البس�ط)؛ أي أن الث�وب يك�ون مطويا يف طبقات‪ ،‬فإذا ما ُبس�ط عند البيع تأثر بالبس�ط‬
‫صحح البيع‪ ،‬نظرا ملا يف البس�ط من التنقيص‪ ،‬و ُيلح�ق ذلك ببيع اجلوز‪،‬‬ ‫س�لبا‪ ،‬فنج�ده ُي ِّ‬
‫وانضم إىل ذلك عموم‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫إبطال مقصود اال ِّدخار‪،‬‬ ‫الذي يقصد منه ُل ُّبه‪ ،‬فإنه ملا كان يف كرسه‬
‫العرف‪ ،‬صح العقد كام أفاد اإلمام(((‪.‬‬
‫أما إذا انتفت الرضورة ومل يبق إال التحايل عىل حتصيل األموال فال عربة بجريان العرف‬
‫ال�ذي يرتت�ب علي�ه الغ�رر الفاحش بغري حاج�ة؛ ألن العل�م باملعقود عليه رشط يفس�د‬
‫باإلخلال ب�ه العقد‪ ،‬ولذلك حكم إمام احلرمني بعدم صحة بيع بعض أنواع الثياب ‪-‬يف‬
‫عرصه‪ -‬يف أغلفتها دون رؤيتها‪ ،‬ومل يعترب جريان العرف ببيعها هبذه الصورة‪ .‬قال‪:‬‬
‫عم ال ُعرف ببيع الثياب التَّوز َّية يف ا ُملس�وح‪ ،‬قلنا‪ :‬ال يتجه فيه إال التخريج عىل‬
‫«فإن قيل‪َّ :‬‬
‫بي�ع الغائ�ب‪ ،‬وعموم عرف أهل الزمان حُي َمل عىل مقصود املالية‪ ،‬واإلرضاب عن رعاية‬
‫حدود الرشع عىل قول من يمنع بيع الغائب»(((‪.‬‬
‫فق�رر اإلم�ام أن جري�ان الع�رف هن�ا ال عبرة ب�ه‪ ،‬وذل�ك ملخالفت�ه قي�اس املعاوضات‬
‫املأخ�وذ م�ن عموم أدلة الرشع الناهي�ة عن الغرر يف املعامالت‪ ،‬وهو م�ا تردد بني أمرين‬
‫أغلبهما أخوفهما أو ما انطوت عن العاقدين عاقبته مما ي�ؤدي إىل احلرسة والندم‪ .‬والذي‬
‫يظه�ر م�ن ال�كالم أن ه�ذه الثي�اب ال خترج م�ن األغلفة عن�د البي�ع‪ ،‬مع ع�دم احلاجة‬
‫لذل�ك‪ ،‬وق�د رد صنيعه�م إىل املحافظ�ة عىل املالي�ة املقرتن بع�دم رعاية ح�دود الرشع‪،‬‬
‫((( حاشية الدسوقي عىل الرشح الكبري للشيخ الدردير (‪.)67 /4‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)13 /5‬‬
‫((( املص�در الس�ابق (‪ )14 /5‬الثي�اب التوزية‪ :‬نس�بة إىل مدينة (توز) وزان فعل‪ ،‬مدينة من بلاد فارس‪ ،‬وعوام العجم‬
‫تق�ول‪ :‬ت�وز بفتح التاء‪ .‬املس�وح‪ :‬مجع مس�ح‪ ،‬وهو ثوب غليظ من الش�عر‪ ،‬فه�ل املعنى أن الثياب التوزي�ة كانت تعرض‬
‫للبيع ملفوفة يف «املس�وح» أم أن «املس�وح» علم عىل نوع من األغلفة كانت تدرج فيها الثياب التوزية‪ .‬كام هو املفهوم من‬
‫السياق؟ انظر‪ :‬حاشية حمقق النهاية (‪.)14 /5‬‬

‫‪182‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫ولذلك قال‪ :‬والذي حيقق ذلك أن من أراد ابتياع ثوب بعينه ممَّا يف املسح‪ ،‬فإنه يراه عر ًفا‪،‬‬
‫ثم يشرتيه(((‪.‬‬
‫هذا قليل من كثري من النامذج التي وقفت عليها أثناء البحث مما يبني رأي الشافعية عموما‬
‫واإلمام بخاصة يف تعارض العرف مع النص والقياس‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬املسائل التي ظاهرها تقديم العرف املخالف‪:‬‬
‫اش�تهر عن�د احلنفية أن الع�رف العام املخالف للدليل العام يف بع�ض أفراده أو املخالف‬
‫للقي�اس‪ ،‬خيصص ب�ه العام ويرتك به القي�اس‪ ،‬وقد نص عىل هذا اإلم�ام ابن عابدين يف‬
‫رس�الته يف الع�رف‪ ،‬بل إن م�ن احلنفية من أعطى للع�رف اخلاص ه�ذه اخلاصية مراعاة‬
‫حلاجة الناس ورفعا للرضر‪ ،‬وهو قول ضعيف عندهم‪ .‬وقد حاول الشيخ أبو سنة ‪-‬رمحه‬
‫اهلل تعاىل‪ -‬أن يرد العرف الذي خيص به الدليل إىل أصل من األصول املعتربة كاإلمجاع أو‬
‫القي�اس أو املصلحة املرس�لة أو رفع احلرج‪ ،‬وأكثر من ذلك جع�ل هلذا العرف قوة إلغاء‬
‫النص بالكلية ما دام مبنيا عىل أصل رشعي معترب مع قيود شدد عليها(((‪.‬‬
‫وأصل املس�ألة يرجع إىل تعارض العرف املجتمعي مع الدليل الرشعي اخلاص أو العام‪،‬‬
‫والقاعدة العامة التي نستقيها من فقه إمام احلرمني والشافعية أن العرف ولو كان عا ًّما ال‬
‫يرتك به القياس‪ ،‬فضلاً عن أن خيص به النص‪ ،‬إال يف أحوال يمكننا القول ‪-‬بتجوز‪ -‬إهنا‬
‫مس�تثنيات من هذا األصل العام فيام خيص القياس؛ ألن العرف فيها ال يس�تقل باالعتبار‬
‫كام سيأيت‪ ،‬وإنام يكون خلف العرف أدلة أخرى هي املعتربة‪.‬‬
‫من املس�ائل املش�هورة يف املذهب التي ظاهرها خمالفة العرف للقياس مسألة سقوط نفقة‬
‫الزوج�ة يف الطع�ام إذا رضي�ت باألكل م�ع زوجها‪ ،‬وهذه املس�ألة قال فيه�ا اإلمام‪« :‬لو‬
‫رضي�ت بأن ت�أكل مع زوجها من غري إج�راء متليك ومتلك واعتي�اض‪ ،‬فهذا مما اختلف‬
‫األصح�اب فيه‪ :‬فمنه�م من جرى عىل قياس املذهب‪ ،‬ومل يس�قط النفقة هب�ذا‪ ،‬وإن كان‬
‫الزوج يرى إطعامها عوضا عن حقها عليه‪ ،‬فام يتعاطاه س�حت‪ .‬ومن أصحابنا من أجاز‬
‫ذل�ك‪ ،‬وبناه عىل مذهب املس�احمة واالتباع؛ فإن األولني كان يع�م هذا االعتياد منهم من‬
‫غري إجراء اعتياض»(((‪.‬‬
‫((( هناية املطلب يف دراية املذهب (‪.)14 /5‬‬
‫((( راجع‪ :‬رسالة العرف والعادة للشيخ‪.‬‬
‫((( هناية املطلب يف دراية املذهب (‪.)434 /15‬‬

‫‪183‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫ويف طوق الناظر إذا تأمل يف تعليل اإلمام والش�افعية للمعتمد ‪-‬الذي هو س�قوط النفقة‬
‫برضاها باألكل‪ -‬أن يعلم أن العرف الذي بني عليه احلكم حماط بس�ياج االتصال بزمان‬
‫النب�ي ﷺ وم�ن بعده‪ ،‬من غري نزاع وال إنكار وال خالف‪ ،‬حيث مل ينقل ‪-‬كام قيل(((‪ -‬أن‬
‫ام�رأة طالبت بنفقة بعده‪ ،‬ولو كان ال يس�قط مع عل�م النبي ﷺ بإطباقهم عليه ألعلمهم‬
‫بذلك‪ ،‬ولقضاه من تركة من مات ومل يوفه‪ ،‬وهذا ال شك فيه‪.‬‬
‫العرف هنا مل يقض عىل الدليل عند الشافعية‪ ،‬وإنام نحن أمام دليلني‪:‬‬
‫‪ -‬تقرير من النبي ﷺ كشف عنه جريان العادة‪.‬‬
‫‪ -‬إمجاع س�كويت من الس�لف واألئمة كش�ف عنه جريان العادة بأن النفقة تسقط يف هذه‬
‫احلالة‪.‬‬
‫ومن املس�ائل التي ظاهرها معارضة العرف للقياس مس�ألة إق�راض اخلبز وزنا وعددا‪،‬‬
‫وأص�ل هذه املس�ألة أن قاعدة الق�رض أن كل ما يس�لم فيه جيوز إقراضه‪ ،‬وما ال يس�لم‬
‫في�ه ال جي�وز إقراضه‪ ،‬بن�اء عىل أن الواجب يف املثيل رد املث�ل ويف القيمي رد املثل صورة؛‬
‫«ألن�ه‪ ‬ﷺ اقترض بك�را ورد رباع ًّيا‪ ،‬وقال‪ :‬إن خياركم أحس�نكم قض�اء»(((‪ .‬وكل هذا‬
‫م�ن أج�ل ضامن حق املقرض يف احلص�ول عىل عني ما أقرض أو مثل�ه حقيقة أو صورة‪،‬‬
‫م�ع اعتبار ما فيه من املعاين أو قيمت�ه كام نص عليه اخلطيب((( يف املغني(((‪ .‬فكان القياس‬
‫حينئ�ذ ع�دم جواز إقراض اخلب�ز؛ ألنه مما ال ينضب�ط الختالطه ولتأثري الن�ار فيه‪ ،‬وألنه‬
‫يؤول إىل مقابلة اخلبز باخلبز وهو من الربويات التي ال جيوز فيها حلول وال أجل‪.‬‬
‫غير أن املعتم�د عند الش�افعية جواز إقراض اخلب�ز وزنا‪ ،‬وأجاز بعضه�م رد مثله عددا‪،‬‬
‫واعتمده بعض املتأخرين اعتبارا الطراد العرف به؛ لكن العرف هنا اس�تمد قوته مما قال‬

‫((( أف�اده اإلم�ام الن�ووي يف روض�ة الطالبين (‪ ،)53 /9‬ونقله العالم�ة الرميل الكبري يف حاش�يته عىل أس�نى املطالب‬
‫(‪ ،)431 /3‬وراجع‪ :‬الغرر البهية يف رشح البهجة الوردية (‪.)383 /4‬‬
‫((( صحيح مسلم‪ ،‬كتاب املساقاة‪ ،‬باب من استسلف شيئًا فقىض خيرً ا منه‪ ،‬وخريكم أحسنكم قضاء (ح‪.)1600‬‬
‫((( الش�يخ اإلمام العامل العالمة اهلامم اخلطيب ش�مس الدين حممد الرشبيني القاهري الش�افعي‪ ،‬تلميذ الشهاب الرميل‪،‬‬
‫وصاحب تفسير الرساج والرشح املاتع عىل منهاج الطالبني املس�مى بمغني املحتاج‪ ،‬وهو معتمدنا هنا مع رشحه عىل أيب‬
‫شجاع املشهور باإلقناع‪ ،‬ومها مطبوعان واحلمد هلل رب العاملني‪ .‬ت ‪977‬هـ‪ .‬راجع ترمجته يف‪ :‬الكواكب السائرة بأعيان‬
‫املائة العارشة‪ ،‬نجم الدين الغزي (‪ ،)73-72 /3‬األعالم للزركيل (‪.)6 /6‬‬
‫((( مغني املحتاج (‪.)119 /2‬‬

‫‪184‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫الش�يخ القلي�ويب(((‪« :‬وهو ما جرى علي�ه الناس يف األمصار واألعص�ار فالوجه اعتباره‬
‫والعمل به»(((‪.‬‬
‫وق�د أضاف إم�ام احلرمني معنى آخر‪ ،‬ق�ال‪« :‬ومنهم من جوز للحاجة املاس�ة‪ ،‬كام جيوز‬
‫مقابل�ة الدراه�م بالدراهم من غري تقابض»(((‪ .‬وعلل ش�يخ اإلسلام زكريا األنصاري‬
‫ج�واز اإلقراض بإمج�اع أهل األمصار عىل فعله يف األعصار بلا إنكار مما يعكس حاجة‬ ‫َ‬
‫الناس املاس�ة ملث�ل هذه املعاملة‪ .‬وقال اإلم�ام الرافعي‪« :‬للحاجة العام�ة وإطباق الناس‬
‫عليه»(((‪ .‬وقال الرميل يف هناية املحتاج إىل رشح املنهاج‪« :‬ويستثنى من ذلك جواز قرض‬
‫اخلبز والعجني ولو مخريا حامضا للحاجة واملساحمة»(((‪.‬‬
‫فنحن إذن أمام علة للجواز مركبة من‪:‬‬
‫‪ -‬اس�تناد هذه العادة إىل زمن النبي ﷺ ومتكنها بتقريره ﷺ‪ ،‬وإمجاع من بعده ﷺ إمجاعا‬
‫عمليا عىل اجلواز(((‪.‬‬
‫‪ -‬اقرتان العادة باحلاجة املاسة التي قد تصل إىل منزلة الرضورة‪.‬‬
‫‪ -‬اقرتان العادة بجريان املساحمة بني الناس يف الفروق التي بني األرغفة‪.‬‬

‫((( أمحد بن أمحد بن سلامة املرصي القليويب الش�افعي‪ ،‬اإلمام العامل العامل الفقيه املحدث أحد رؤس�اء العلامء املجمع‬
‫عىل نباهته وعلو ش�أنه‪ ،‬وكان كثري الفائدة نبيه القدر‪ ،‬أخذ الفقه واحلديث عن الش�مس الرميل‪ ،‬والزمه ثالث سنني وهو‬
‫منقطع ببيته‪ ،‬والزم النور الزيادي وسامل الشبشريي وعليا احللبي‪ ،‬وكان مهابا ال يستطيع أحد أن يتكلم بني يديه إال وهو‬
‫مط�رق رأس�ه وجال منه وخوفا‪ ،‬وال يتردد أحدً ا من الكرباء‪ ،‬وحيب الفقراء وال يقبل م�ن أحد صدقة مطلقا‪ ،‬بل كان يف‬
‫غالب أوقاته ُيرى متصدقا‪ .‬وألف مؤلفات كثرية عم نفعها؛ منها حاش�ية عىل رشح املنهاج للجالل املحيل‪ ،‬وحاش�ية عىل‬
‫رشح التحرير لش�يخ اإلسلام‪ ،‬وحاشية عىل رشح أيب ش�جاع البن قاسم الغزي‪ ،‬وحاشية عىل رشح األزهرية‪ ،‬وحاشية‬
‫عىل رشح الشيخ خالد عىل اآلجرومية‪ ،‬وحاشية عىل رشح إيساغوجي لشيخ اإلسالم‪ ،‬ورسالة يف معرفة القبلة بغري آلة‪،‬‬
‫وكتاب يف الطب جامع‪ ،‬ومناسك احلج‪ ،‬وغري ذلك من الرسائل والتحريرات املفيدة‪ ،‬وكانت وفاته يف أواخر شوال سنة‬
‫تسع وستني وألف‪ .‬خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عرش‪ ،‬املحبي (‪.)175 /1‬‬
‫((( قلي�ويب على اجللال (‪ ،)259 /2‬وحك�ى القول باجلواز عن العالم�ة الطبالوي‪ .‬وانظر‪ :‬حاش�ية اجلمل عىل رشح‬
‫املنه�ج (‪ .)258 /3‬ق�ال الس�يد عم�ر البرصي‪« :‬قد يؤي�ده أن اخلبز متقوم والواج�ب فيه رد املثل الص�وري»‪ .‬نقلاً عن‬
‫الرشواين عىل حتفة املحتاج (‪.)44 /5‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)452 /5‬‬
‫((( الرشح الكبري (‪.)365 /9‬‬
‫((( هناية املحتاج (‪.)227 /4‬‬
‫((( وج�واز اإلق�راض وزن�ا وع�ددا مذهب اإلمام أمحد‪ ،‬وقد ذكر الش�يخ ابن قدام�ة هذه العلل التي ذكرها الش�افعية‪،‬‬
‫وأضاف بعض األحاديث الدالة عىل اجلواز‪ .‬راجع‪ :‬املغني‪ ،‬للشيخ ابن قدامة (‪.)239 /4‬‬

‫‪185‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫ف�إذا صح اتصال هذه العادة بزمن رس�ول اهلل ﷺ وحصل اإلمج�اع العميل عىل جوازها‬
‫العرف جمرد كاشف عن هذا‪ ،‬وكان االعتبار احلقيقي بالتقرير واإلمجاع‪ .‬وإذا مل يثبت‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫هذا االتصال كان املعترب هو احلاجة املاس�ة واإلمجاع العملي من الصحابة والتابعني عىل‬
‫اجلواز‪.‬‬
‫وأم�ا ما عم يف عادات الس�لف يف زمان الصحابة والتابعني وم�ن بعدهم من غري إنكار‪،‬‬
‫فيس�تمد قوت�ه من اإلمجاع العميل من الس�لف عىل اجل�واز؛ ألن الصحاب�ة والتابعني من‬
‫بعده�م ‪-‬ريض اهلل عنه�م أمجعني‪ -‬مل يكونوا ليس�كتوا عن اإلنكار على املخالف‪ ،‬وهذا‬
‫ينقلنا للحديث عن قضية مهمة وهي (إطباق الناس من غري نكري)‪ .‬وقد جعلها الزركيش‬
‫‪-‬يف البحر املحيط‪ -‬من األدلة التي يس�تعملها الفقهاء‪ ،‬ومثل هلا باستدالل الشافعية عىل‬
‫طه�ارة اإلنفح�ة بإطباق الن�اس على أكل اجلبن‪ ،‬واس�تدالهلم عىل جواز ق�رض اخلبز‪،‬‬
‫واس�تدالل احلنفية عىل جواز االستصناع((( ملشاهدة السلف له من غري إنكار مع ظهوره‬
‫واستفاضته‪ ،‬ودخول احلامم من غري رشط أجرة وال تقدير انتفاع وغري ذلك(((‪.‬‬
‫واملس�ائل التي بناها الش�افعية عىل ه�ذا الدليل عديدة؛ منه�ا يف املعامالت‪ :‬صحة ضامن‬
‫ال�درك وكفالة البدن(((‪ ،‬فأما ضامن الدرك فهو أن يلتزم البائع ملن يشتري منه س�لعة أن‬
‫ير َّد له ثمنها‪ ،‬إن تبني أن الس�لعة معيبة أو ناقصة أو مس�تحقة لشخص آخر‪ ،‬أي مغصوبة‬
‫أحق هبا‪،‬‬
‫أو مرسوقة أو ضائعة‪ ،‬ووجدها صاحبها‪ ،‬فإنه يقيم الب ِّينة عليها ويأخذها‪ ،‬ألنه ُّ‬
‫صح ه�ذا الضامن عىل خالف‬ ‫فف�ي هذه احلالة يعود املشتري على الضامن بثمنها‪ .‬وإنام َّ‬
‫قياس الضامن الذي يشرتط يف الدين املضمون أن يكون ثابتا‪ ،‬وضامن الدرك ضامن لدَ ْين‬
‫إحضار املكفول‬
‫َ‬ ‫مل يثب�ت‪ .‬وأما كفالة البدن فهي نوع م�ن الكفالة‪ ،‬وهي أن يلتزم الكفيل‬
‫إىل املكف�ول له‪ ،‬واألصل يف الضامن أن يتوج�ه عىل الديون ألهنا أموال تدخل حتت اليد‪،‬‬
‫أم�ا اإلنس�ان احلر فال يدخل حتت اليد‪ ،‬فه�ي ضعيفة من جهة القي�اس‪ ،‬ولكنها جوزت‬
‫إلطباق الناس عليها وألدلة أخرى تذكر يف مظاهنا‪ .‬ومنها جواز االنتفاع بالطريق النافذ‬

‫((( االستصناع كام يؤخذ من كتب احلنفية يشبه املقاولة يف العرص احلارض‪ ،‬فهو عقد بني مستهلك ومنتج عىل سلعة غري‬
‫الس�لم يف أمر مهم يتوقف عليه صحة‬
‫َ‬ ‫موج�ودة يتعه�د املنتج بتوفريها يف مقابل ثمن يدفع بحس�ب االتفاق‪ ،‬فهو خيالف‬
‫السلم‪ ،‬وهو أنه ال يشرتط فيه تسليم الثمن مقد ًما يف جملس العقد‪ ،‬بل جيوز تقسيطه أو تأجيله‪.‬‬
‫((( البحر املحيط (‪.)50 /6‬‬
‫((( راجع‪ :‬الرشح الكبري‪ ،‬الرافعي (‪.)373 ،365 /10‬‬

‫‪186‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫(الش�ارع) برشط انتف�اء الرضر(((‪ ،‬وجواز توكيل الصبي املمي�ز يف بعض الترصفات؛ إذ‬
‫األص�ل يف املعاملات أال تص�ح إال م�ن البالغ العاق�ل(((‪ ،‬وجواز معامل�ة من ال يعرف‬
‫حاله؛ أي من العدالة وغريها(((‪ ،‬وصحة اإلهداء من األعمى(((‪.‬‬
‫وه�ذا اإلطباق ‪-‬كام ق�ال اإلمام الزركيش‪ -‬يق�رب من اإلمجاع الس�كويت((( ويقوم مقام‬
‫الترصيح بالتجويز؛ ألن النهي عن املنكر الزم لألمة‪ ،‬بل قال إمام احلرمني يف الكالم عىل‬
‫وجوب ركعتي الطواف‪« :‬وقد يس�تدل الش�افعي عىل وجوب اليشء بإطباق الناس عىل‬
‫العمل‪ ،‬وما كان متطوعا به فالعادة تقتيض تردد الناس فيه»(((‪.‬‬
‫ورس املبالغة بام قال اإلمام هنا أنه جعل إطباق الناس عىل العمل دليال عىل وجوب العبادة‪،‬‬
‫واألصل يف العبادات احلظر‪ ،‬فإذا كان هلذا الدليل قوته يف العبادات ففي املعامالت أوىل؛‬
‫ألن األص�ل فيها اإلباحة‪ ،‬فإذا أطبق الناس عىل العمل كان دليال عىل صحته؛ س�يام وأن‬
‫املعروف عن الصحابة والتابعني عدم السكوت عىل املنكر‪.‬‬
‫ويمك�ن أن نضي�ف إىل هذا معنى آخر يقوي العمل هبذا الدليل ويعضد قربه من اإلمجاع‬
‫الس�كويت‪ ،‬وه�و أن أكثر األم�ور التي تدخل حتت ه�ذه الدائرة مما عمت ب�ه البلوى بني‬
‫الن�اس‪ ،‬ولعل�ه لذلك أطلق علي�ه احلنفية (اإلمج�اع العميل)((( وهو حج�ة عندهم‪ ،‬وقد‬
‫اس�تدل ش�يخ اإلسالم عىل جواز قرض اخلبز ‪-‬كام تقدم‪ -‬بإمجاع أهل األمصار عىل فعله‬
‫يف األعصار بال إنكار‪.‬‬
‫كما أن إطب�اق املس�لمني عىل العمل ُيش�عر باحلاجة املاس�ة إلي�ه‪ ،‬ولذلك وجدن�ا اقرتان‬
‫احلاج�ة باإلطب�اق يف تعليالت الش�افعية‪ ،‬فقال الرافع�ي يف تعليل ج�واز إقراض اخلبز‪:‬‬

‫((( راجع‪ :‬أسنى املطالب (‪.)219 /2‬‬


‫((( راجع‪ :‬حاشية الرميل الكبري عىل رشح الروض (‪.)264 /2‬‬
‫((( راجع‪ :‬التحفة (‪.)166 /5‬‬
‫((( راجع‪ :‬حاشية الرشواين عىل التحفة (‪.)299 /6‬‬
‫بعض املجتهدين يف عرص من العصور قولاً يف مس�ألة م�ا‪ ،‬أو يعمل عمال ينقل عنه‬
‫((( اإلمج�اع الس�كويت هو أن يق�ول ُ‬
‫ويشتهر بني علامء عرصه‪ ،‬وال ينكره عليه أحد‪ ،‬مع جترد السكوت من عالمات الرضا والسخط وانتفاء املوانع عن إبداء‬
‫الرأي وميض مدة كافية للنظر وغري ذلك من الرشوط‪ ،‬راجع تعريف اإلمجاع الس�كويت وحكمه ورشوطه يف‪ :‬دراس�ات‬
‫حول اإلمجاع والقياس‪ ،‬د‪ /‬شعبان إسامعيل‪.‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)294 /4‬‬
‫((( انظر مثلاً من تطبيقاته عندهم يف‪ :‬فتح القدير للكامل بن اهلامم (‪ ،)115 /7 ،398 /6 ،100 /1‬حاشية ابن عابدين‬
‫(رد املحتار) (‪ )601 /1‬التحرير ورشحه التقرير والتحبري‪ ،‬البن أمري حاج (‪.)277 /2‬‬

‫‪187‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫«للحاج�ة العامة وإطباق الن�اس عليه»(((‪ .‬وقال اإلمام النووي يف جواز إرس�ال الصبي‬
‫يف احلاج�ات‪« :‬وال يق�ال ه�ذا ترصف يف منفع�ة الصبي؛ ألن هذا قدر يسير ورد الرشع‬
‫باملساحمة به للحاجة واطرد به العرف وعمل املسلمني‪ .‬واهلل أعلم»(((‪.‬‬
‫بي�د أن ه�ذا اإلطب�اق ‪-‬كام ق�ال اإلم�ام الزركيش‪ -‬ال يت�م إال إذا اتفق يف عصره ‪-‬عليه‬
‫السلام‪ -‬أو يف عصر الصحاب�ة والتابعني‪ .‬وأما بعد ذل�ك فتزايد احل�ال إىل هذا الزمان‬
‫(زم�ان اإلم�ام الزركيش) الذي كم فيه من بدعة‪ ،‬وقد تواطئ�وا عىل عدم اإلنكار هلا‪ ،‬فال‬
‫ينبغي أن جيعل اإلطباق عىل الفعل مع عدم النكري دليال عىل اإلباحة عىل اإلطالق‪.‬‬
‫وبن�ا ًء على انتفاء ه�ذا األصل يف البي�ع حكم اإلمام ببطلان املعاطاة فيه‪ ،‬فق�ال‪« :‬وهذا‬
‫خيال�ف ما عمت به عادات الناس بعد ذلك بس�بب دروس التق�وى يف االكتفاء باملعاطاة‬
‫األولني»(((‪ .‬واعتياد الناس املعاطاة‬
‫يف البياعات؛ فإهنا عادة ال يمكن دعوى إسنادها إىل َّ‬
‫يف البي�وع مظهر من مظاهر اندراس ش�عار التقوى ال يمك�ن االعتامد عليه؛ ألن األصل‬
‫يف األفع�ال أهن�ا ال تكفي وحده�ا يف تكوين العقد وترت�ب آثاره الرشعي�ة‪ ،‬ولو رافقتها‬
‫القرائ�ن‪ ،‬وه�ذا هو األصل ال�ذي اعتمد عليه اإلم�ام يف رفض املعاط�اة يف البيع((( وإن‬
‫كانت مقبولة يف املعتمد ألدلة أخرى‪.‬‬
‫إذن إس�ناد األم�ر إىل األولني ل�ه قوته يف خمالفة القي�اس؛ وهذا أمر يصع�ب التحقق منه‬
‫يف عرصن�ا؛ فانحرص العمل هب�ذا الدليل يف أمور تكاد تكون مع�دودة‪ ،‬ورس االعتداد به‬
‫أفص�ح عن�ه اإلمام يف موضع من النهاي�ة بام يزيل من قلب املتوه�م الريب‪ ،‬فقال‪« :‬ومن‬
‫ور ِزق التوس�ع يف األخبار واآلث�ار‪ ،‬فال يلقى‬‫بح�ث ع�ن جريان األولين يف التفصي�ل‪ُ ،‬‬
‫مذهبا ألئمة السلف إال مستندا إىل أثر»(((‪.‬‬
‫ومن القضايا املهمة يف باب اعتبار العرف‪ ،‬وبخاصة يف حالة تعارض العرف مع القياس‬
‫قضية املس�احمة‪ ،‬واملالحظ يف أغلب املس�ائل التي بناها الشافعية عىل (إطباق الناس بغري‬
‫نكري) اش�تامل األمر عىل املس�احمة‪ ،‬وقد نبه اإلمام الرميل عىل هذا إش�ارة يف تعليله جلواز‬

‫((( الرشح الكبري‪ ،‬للرافعي (‪.)365 /9‬‬


‫((( رشح اإلمام النووي عىل صحيح اإلمام مسلم (‪.)156 /16‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)408 /8‬‬
‫((( راجع‪ :‬املصدر السابق (‪.)408-407 /8 ،168 /7 ،432 ،393 /5‬‬
‫((( املصدر السابق (‪.)253 /15‬‬

‫‪188‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫وزنًا‪ .‬واملالح�ظ أيضا يف كثري من املس�ائل التي جوزت جلريان‬ ‫إق�راض اخلب�ز واخلمرية ْ‬
‫الع�رف هبا اعتامد العرف عىل جريان املس�احمة بني الن�اس فيام جرى به‪ .‬من أمثلة ذلك أن‬
‫القياس يف األمالك حظر االنتفاع هبا إال ملالكها أو ملن يأذن له‪ ،‬ومع ذلك ملا جرت العادة‬
‫العامة بمساحمة الناس بعضهم بعضا يف االرتفاق باألمالك‪ ،‬كاالستناد إىل جدار الغري أو‬
‫االستظالل بشجرته أو االستضاءة برساجه أو املرور بأرضه بغري رضر يف اجلميع ‪-‬حرم‬
‫الشافعية((( منع أصحاب األمالك غريهم من وجوه االنتفاع التي جرت هبا العادة العامة‬
‫بشرط عدم إحلاق الرضر هبا‪ ،‬وقال�وا إن املنع منها حمض عناد‪ .‬قال اإلمام‪« :‬الترصف يف‬
‫غري‬ ‫ِ‬
‫ترصف يف ملك الرشيك‪ ،‬والتصرف يف ملك الرشيك من غري إذنه ُ‬ ‫ٌ‬ ‫اجل�دار املشترك‬
‫سائغ‪ ،‬وال يمتنع عىل كل واحد من الرشيكني أن يستند إىل اجلدار املشرتك‪ ،‬أو يسند إليه‬
‫غري معتدٍّ به‪ ،‬وال أثر له‪ .‬ولو استند إنسان إىل‬
‫شي ًئا من األمتعة؛ فإن هذا النوع من املنفعة ُ‬
‫جدار خالص لغريه‪ ،‬مل يمتنع ذلك‪ ..‬وأ َّما االس�تظالل بظل جدار للغري يف الش�ارع‪ ،‬فال‬ ‫ٍ‬
‫املنع منه»(((‪.‬‬
‫أثر له‪ ،‬وال يملك مالك اجلدار َ‬
‫ومن القضايا املهمة أيضا يف مبحث التعارض املصلحة‪ ،‬واملقصود باملصلحة هنا املصلحة‬
‫العام�ة للمعاملة واملتعاملني‪ ،‬ف�إذا جرت العادة العامة بأمر خمال�ف لقياس املعاملة لكنه‬
‫يع�ود عليها بمصلحة ظاهرة فإن األمر خيتلف بحس�ب ش�دة املخالفة‪ ،‬وق�د قرر اإلمام‬
‫األص�ل الع�ام ال�ذي جيمع احلالتين‪ ،‬واختار أن املخالف�ة إذا ضعف�ت احتملت فقال يف‬
‫ظاهرا‬
‫ً‬ ‫املس�ابقة‪« :‬إذا عظم وقع القياس‪ ،‬وب ُعد ما ُيرعى من عادة الرماة عن القياس ُبعدً ا‬
‫مصاد ًما للفقه واملعنى‪ ،‬فليس إال اتباع القياس‪ ،‬وإنام حيتمل جمانبة القياس إذا قرب األمر‪،‬‬
‫كالبداي�ة التي ذكرناها‪ ،‬ف�إن األمر فيها وإن كان مقصو ًدا ليس واق ًعا»(((‪ .‬ومراده بالبداية‬
‫بداية الرمي‪.‬‬
‫لك�ن جي�ب التنبه إىل أن رأي اإلمام مبني عىل معنى مه�م الحظه‪ ،‬وهو حصول املصلحة‬
‫أمرا فيام بين أظهرهم من مصال�ح املعاملة‪،‬‬ ‫الرماة ً‬ ‫م�ن الع�ادة املخالف�ة‪ ،‬ق�ال‪« :‬إذا رأى ُّ‬
‫وليس ما رأوه مما يش�هد له قياس‪ ،‬فهل نتب�ع ما رأوه مصلح ًة‪ ،‬أم نرد املعاملة إىل موجب‬
‫((( راجع‪ :‬هناية املحتاج (‪ )410 /4‬أسنى املطالب (‪.)224-223 /2‬‬
‫((( هناي�ة املطل�ب (‪ ،)486-485 /6‬وأصل هذا يف كالم اإلمام الش�افعي يف كت�اب الصلح‪ :‬األم (‪ ،)230 /2‬خمترص‬
‫املزين (‪.)204 /8‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)256 /18‬‬

‫‪189‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫القي�اس؟ ه�ذا حمل الرتدد»(((‪ .‬واملصلح�ة املرتتبة عىل هذه العادة العامة هنا هي تنش�يط‬
‫الس� َبق (املكافأة) التي تشجع عىل‬
‫الرياضة القتالية من خالل حفز املتنافسين عىل إخراج َ‬
‫التناف�س‪ ،‬وه�و يف احلقيقة أمر يعود عىل املس�لمني مجيعا باخلري؛ ألن األصل أن املس�ابقة‬
‫واملناضلة سنة موروثة عن الرسول ﷺ إذا قصد هبام التأهب للجهاد وقتال األعداء‪.‬‬
‫ومل أقف يف كالم اإلمام إال عىل هذا املوضع‪ ،‬وظاهر أنه اختيار لإلمام تفرد به‪ ،‬وظاهر من‬
‫كالم اإلم�ام الغزايل رمحه اهلل تعاىل ال�ذي تقدم أول املبحث رفض خمالفة القياس مطلقا‪،‬‬
‫وقد رصح به يف املسابقة‪ ،‬فأفاد أنه لو رشط لبعضهم التقدم فهو باطل كام يف املسابقة‪.‬‬
‫ومعنى هذا أن الش�افعي ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬ال يتردد يف طرح األعراف املخالفة للقياس‪،‬‬
‫وأما سبب تردده يف مسألة البداية يف الرمي بخاصة فهو ضعف املخالفة فيها كام تقدم‪ ،‬أو‬
‫بعبارة حجة اإلسلام أن أمر البداية أمر هني‪ ،‬ولعل هونه بس�بب أنه ال يرتتب عليه غبن‬
‫فاح�ش وال كبري ظلم لبقية الرماة؛ غاي�ة األمر أن البادئ يصادف اهلدف خاليا‪ ،‬بخالف‬
‫منافسه‪ ،‬وهو أمر يتسامح فيه كام يتسامح يف ختلف بعض صفات املسلم فيه عند القبض‪،‬‬
‫وكام يتس�امح يف الغبن اليسري الذي يتعرض له الرشيك والوكيل واملضارب‪ ،‬واملعترب يف‬
‫ضبط الغبن اليسري العرف كام نص عليه مجع من املتأخرين‪ ،‬فقال الرميل‪« :‬األوجه اعتبار‬
‫الع�رف املطرد يف كل ناحية بام يتس�امح به فيه�ا»(((‪ .‬وقال ابن حج�ر‪« :‬األوجه أن يعترب‬
‫يف كل ناحي�ة عرف أهلها املطرد عندهم املس�احمة به»(((‪ .‬وكام يتس�امح يف ارتكاب الغرر‬
‫احلقري للمشقة كام فصلناه قريبا بفضل اهلل تعاىل ومن ِِّه‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫غة‬ ‫ف‬
‫ا لعر� ا لعمل� و ا لل��‬
‫ي‬
‫الع�رف العملي (العادة) معتبر عند الفقهاء وعند اإلمام فيما ال ضبط له رشعا كام قرره‬
‫اإلم�ام الزركشي يف املنث�ور‪ ،‬وه�ذا ال إش�كال في�ه‪ .‬وم�ن أهم وج�وه اعتب�ار األعراف‬
‫العملي�ة تنزي�ل عب�ارات العاقدي�ن عليه�ا‪ ،‬فتفسر جممله�ا وتقي�د مطلقه�ا وختص�ص‬
‫ٍ‬
‫وج�ه واحد‪،‬‬ ‫عامه�ا‪ ،‬ق�ال اإلم�ام‪« :‬الع�ادة املط�ردة تُن�زل املعنى املتردد يف اللف�ظ عىل‬
‫((( املصدر السابق (‪.)256 /18‬‬
‫((( هناية املحتاج (‪ )32 /5‬وراجع‪ :‬رشح الروض لشيخ اإلسالم (‪.)268 /2‬‬
‫((( حتفة املحتاج (‪ )316 /5‬وراجع‪ :‬رشح اإلرشاد‪ ،‬البن حجر اهليتمي (‪.)514 /1‬‬

‫‪190‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫يع�م يف املعاملة جريانُ�ه‪ .‬فهذا أثر يف‬ ‫وه�ذا بمثاب�ة مح�ل النقود املطلقة يف العق�ود عىل ما ُّ‬
‫العادة ال ينكر»(((‪.‬‬
‫املجم�ل يف العقود وفا ًقا‪ ،‬وعلى هذا حتمل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اللف�ظ‬ ‫وق�ال يف موض�ع ثان‪ « :‬الع�ادة تفسرِّ‬
‫«والعرف إذا اقرتن‬
‫ُ‬ ‫الدراه�م املطلقة على غالب النقود يوم العق�د»(((‪ .‬ويف معناه قول�ه‪:‬‬
‫باللفظ املجمل ب َّينه وأوضحه»(((‪.‬‬
‫وق�ال يف موض�ع رابع‪ « :‬وجيري اللفظ إذا مل ُيرد التقييد عىل ما ذكرناه جمرى اللفظ العام‪،‬‬
‫والع�رف املقرتن ب�ه يف حكم املخصص‪ ،‬وهذا بمثابة ذكر الدراه�م يف العقود‪ ،‬مع تعيني‬ ‫ُ‬
‫لنقد من النقود»(((‪.‬‬‫العرف ٍ‬
‫كما تنزل العادة منزلة الرشوط فتقترن بالعقود وإن مل يرصح هبا العاقدان‪ ،‬قال اإلمام يف‬
‫املرجع هي يف‬
‫ُ‬ ‫سياق بيان ما يلتزم به كل من املؤجر واملستأجر‪« :‬فأما العاد ُة امل َّطردة‪ ،‬فنِ ْعم‬
‫أمثال هذه املعامالت‪ ،‬وهلا أثران‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬تقييدُ اللفظ املطلق‪ .‬وهذا معلوم من أثر العادة‪ ،‬وبيانُه فيام نحن فيه أن السري إذا‬
‫مس�لك فيه مراحل‪ ،‬فليس يف اللفظ تقييد يف مقدار السري‪ ،‬وال يف كيفيته‪ ،‬ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫أطلق يف‬
‫وجه واحد‪.‬‬‫العادة املطرد َة تُنزل املعنى املرتدد يف اللفظ عىل ٍ‬
‫ذك�ر‪ ،‬ال عىل إمجال‪،‬‬‫واألث�ر الث�اين‪ :‬أن العادة إذا اقتضت ش�ي ًئا‪ ،‬ولي�س يف لفظ العقد له ٌ‬
‫ٍ‬
‫اطراد‪،‬‬ ‫موضع نظر الفقهاء‪ ،‬ثم ينقس�م‪ ،‬فمنه ما تظهر العادة فيه عىل‬ ‫وال على بيان‪ ،‬فهذا‬
‫ُ‬
‫ظاه�ر املذهب‬
‫ُ‬ ‫حلمول�ة ورفعها‪ ،‬يف اإلج�ارة الواردة على العني‪.‬‬ ‫كاإلعان�ة على وض�ع ا ُ‬
‫واج�ب‪ ،‬وكأن الع�ادة نطقت به»(((‪ .‬ويلخ�ص هذا األثر األخري ق�ول اإلمام‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫أن ذل�ك‬
‫أص�ل‪ ،‬ال حاجة إىل تقريره‬ ‫ٌ‬ ‫«والع�ادة إذا اط�ردت كانت بمثاب�ة الترصيح بالرشط‪ .‬وهذا‬
‫بالشواهد»(((‪.‬‬

‫((( املصدر السابق (‪.)149 /8‬‬


‫((( هناية املطلب (‪.)206 /8‬‬
‫((( السابق (‪.)112 /8‬‬
‫((( السابق (‪.)390 /11‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)150-149 /8‬‬
‫((( املصدر السابق (‪.)393 /8‬‬

‫‪191‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫وه�ذا كل�ه يف ظاه�ره يتعارض مع م�ا قرره مجه�ور األصوليني من أن الع�رف العميل ال‬
‫يع�ارض اللغ�ة وال ينقل وال ينس�خ؛ أي ال يقوى عىل معارض�ة اللغة‪ ،‬فال خيصص عاما‬
‫وال يقيد مطلقا(((‪.‬‬
‫وال�ذي ظهر للباحث أن كالم األصوليني مالحظ في�ه الغلبة؛ غلبة عدم اعتبار العادات‬
‫الفعلي�ة م�ع األلفاظ اللغوية‪ ،‬س�واء صدرت عن الش�ارع أو املكلفين‪ ،‬وهو احلق الذي‬
‫تتظاه�ر عىل تأيي�ده األدلة‪ ،‬غير أن التقعيد والتطبي�ق الفقهيني اس�تثنوا العقود من هذه‬
‫القاعدة‪ ،‬فكانت القاعدة العامة‪ :‬أن العرف العميل ال سلطان له عىل األلفاظ والرتاكيب‬
‫إال يف العقود‪ ،‬ونس�تأنس هنا بام قاله اإلم�ام الرافعي يف وجه اعتبار العرف يف املعامالت‬
‫دون األقارير‪« :‬الغالب أن املعاملة يف كل بلد تقع بام يروج فيها ويتعامل الناس هبا»(((‪.‬‬
‫يقول اإلمام الس�بكي‪« :‬أما العوائد الفعلي�ة‪ ،‬فإن كانت خاصة فال اعتبار هبا‪ .‬وإن عمت‬
‫واط�ردت فق�د اتف�ق األصحاب عىل اعتامده�ا وذكروا هل�ا أمثلة (منها) تنزي�ل الدراهم‬
‫املرس�لة يف العق�ود عىل النقد الغالب‪ ..‬وقد أطلق األصولي�ون أن العادة الفعلية ال تعترب‬
‫فال ختصص عاما وال تقيد مطلقا‪ ..‬والسبب يف ذلك أن العرف القويل ناسخ للغة وناقل‬
‫للف�ظ‪ ،‬والفع�ل ال ينق�ل وال ينس�خ وال معارض�ة بينه وبين اللغة‪ ،‬وإطالقه�م يف ذلك‬
‫صحيح‪ ،‬وما قدمناه غري معارض له واهلل سبحانه وتعاىل أعلم»(((‪.‬‬
‫وكل األمثلة التي أوردها اإلمام الس�بكي رمحه اهلل تعاىل يف اعتبار العرف العميل مما نقلته‬
‫ومم�ا مل أنقل�ه إنام ه�و يف العق�ود‪ ،‬وما قدمه م�ن مثال لبيان أث�ر العرف الق�ويل إنام هو يف‬
‫األيمان‪ ،‬وه�ذا هو الذي جرى عليه اإلم�ام يف النهاية؛ فالقول ال�ذي تطمئن إليه النفس‬
‫ويميل إليه القلب أن العقود مستثناة من هذا احلكم العام‪.‬‬
‫الفرق بني العرف القويل والعرف العميل املتعلق بالداللة‪:‬‬
‫ثم�ة فارق دقيق بين تعلق العرفني الق�ويل والعميل بالداللة له تأثير واضح يف األحكام‬
‫الرشعية‪ ،‬وهو أن العرف القويل عبارة عن شيوع استعامل لفظ أو مركب يف معنى معني‪،‬‬
‫وم�ن ثم ف�إن تعلقه بالداللة تعلق مب�ارش؛ ألن عمله ينصب عىل وض�ع اللفظ للمعنى‪،‬‬
‫((( راجع‪ :‬الفروق (‪ )175-173 /1‬تكملة املجموع‪ ،‬للسبكي (‪.)418-417 /11‬‬
‫((( الرشح الكبري‪ ،‬للرافعي (‪.)132 /11‬‬
‫((( تكمل�ة املجم�وع‪ ،‬للس�بكي (‪ .)418-417 /11‬والن�ص يف األصل مضطرب جدًّ ا اعتم�دت يف ضبطه عىل كالم‬
‫اإلمام وكتب املذهب‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫وم�ن هنا ذهب الش�افعية إىل أن غلبة اس�تعامل اللفظ يف الع�رف يف معنى معني تعارض‬
‫وض�ع اللغ�ة ‪-‬وإن كان�ت هي األص�ل‪ -‬فقالوا بق�وة العرف الق�ويل يف ختصيص عموم‬
‫اللغة‪ ،‬وذلك كام يف لفظ (الدابة) بني اللغة والعرف‪.‬‬
‫أم�ا العرف العملي ‪-‬حال تعلقه بالداللة‪ -‬فإنه عبارة عن اس�تعامل أه�ل العرف لبعض‬
‫أنواع مسمى اللفظ أو بعض أفراده‪ ،‬وذلك ُيتصور بأن يكون ملعنى اللفظ أنواع أو أفراد‪،‬‬
‫فيش�يع يف الن�اس التعام�ل مع بعض ه�ذه األن�واع أو األفراد دون بع�ض‪ .‬وذلك كلفظ‬
‫(اخلب�ز) بين اللغة والعرف العميل‪ ،‬فإنه يف اللغة اس�م جلميع أفراد اخلبز‪ ،‬وأهل كل بلدة‬
‫ال يس�تعملونه إال يف خبز معني‪ ،‬وكذلك لفظ (البيت) اس�م عام حتته أنواع من البيوت‪،‬‬
‫منها املبني بالطني ومنها اخليام ومنها املبني باحلجارة‪ ،‬ويف كل مكان ُيستعمل لفظ البيت‬
‫يف نوع واحد هو املتعارف عندهم‪ .‬هذا االس�تعامل الذي يرتتب عليه ترك بعض األنواع‬
‫أو األفراد ال تعرض له لوضع اللفظ للمعنى‪ ،‬بل هو جمرد ترك ملبارشة بعض املسميات‪،‬‬
‫كلفظ الطعام عام جلميع األطعمة لكن يستخدمه أهل كل عرف للداللة عىل ما يأكلون‪،‬‬
‫وهذا ال يعني عدم إطالقه عىل غري ما يأكلون من األطعمة‪.‬‬
‫وبن�اء على ذلك قال�وا‪ :‬لو حل�ف ال يدخل أو ال يس�كن بيت�ا وأطلق‪ ،‬حن�ث بالدخول‬
‫أو الس�كنى بالبي�وت املبني�ة ‪-‬ولو من خش�ب‪ -‬واخليام ‪-‬ولو من جل�د‪ -‬حتى ولو كان‬
‫احلالف قرويا؛ وذلك لوقوع اس�م (البيت) على الكل لغة‪ ،‬وال معارض له عرفا‪ .‬وعدم‬
‫اس�تعامل الق�روي للخيام ال يوج�ب ختصيصا أو نقال عرفيا للفظ‪ ،‬ب�ل هو كلفظ الطعام‬
‫ال�ذي يع�م مجيع أنواع�ه مع اختصاص بع�ض النواحي بن�وع أو أكثر‪ ،‬بناء على ما عليه‬
‫مجهور األصوليني من أن العادة ال ختصص‪.‬‬
‫ويف املقابل قالوا‪ :‬لو حلف ال يأكل البيض أو الرءوس ال حينث بأكل بيض الس�مك وال‬
‫برءوس�ه ورءوس الطري؛ ألن لفظ (البيض) و(الرءوس) بقرينة تعلق األكل هبا ال يطلقه‬
‫أه�ل الع�رف عىل يشء من الثالثة‪ ،‬وإن كثرت عنده�م؛ أي أن أهل العرف قد نقلوا هذا‬
‫اللفظ املركب (أكلت رءوس�ا) ألكل رءوس األنعام دون غريها بس�بب كثرة اس�تعامهلم‬
‫لذلك املركب يف هذا النوع خاصة دون بقية أنواع الرءوس‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫واحلاص�ل أن هناك فرقا بني ختصيص العرف للفظ بالنقل عن مدلوله اللغوي إىل ما هو‬
‫أخص منه‪ ،‬وبني انتفاء استعامل أهل العرف له يف بعض أفراد مسامه يف بعض األقطار(((‪.‬‬
‫ه�ذا ما قرروه ومثلوا له بفروع يف األيامن‪ ،‬فإذا ما نقلنا النظر إىل املعامالت نش�أ إش�كال‬
‫املوكَّل بشراء بيت بني أي نوع م�ن أنواع البيوت‪،‬‬ ‫كبير؛ إذ إن مقتضى م�ا قالوه أن خيري َ‬
‫ولي�س األم�ر كذلك؛ ألنه ال يقبل من�ه إال ما وافق املعت�اد املتعارف‪ ،‬وكذل�ك من ُوكِّل‬
‫برشاء اخلبز ال يس�وغ له إال أن يشرتي اخلبز املتعارف‪ ،‬ومن ُوكِّل برشاء سيارة ال يشرتي‬
‫إال من أنواع السيارات املتعارفة يف املجتمع؛ فإهنم ‪-‬اإلمام والشافعية‪ -‬اعتربوا األعراف‬
‫العملي�ة اجلارية يف املعاملات‪ ،‬وكل هذه األحكام متلقاة من الع�ادات اجلارية‪ ،‬هذا هو‬
‫املقرر يف فقه الوكالة بخاصة واملعامالت عامة عند اإلمام والشافعية‪.‬‬
‫وم�ن ه�ذا نأخ�ذ اجلواب عن هذا اإلش�كال‪ ،‬وه�و أن املعترب يف األيمان غالبا األعراف‬
‫القولي�ة بينام املعتبر يف املعامالت غالبا األع�راف العملية والعادات اجلاري�ة‪ ،‬وإنام قيدنا‬
‫بالغلب�ة؛ ألن األيمان ختصص يف بع�ض احلاالت باألعراف العملي�ة العامة‪ ،‬فمن حلف‬
‫لغريه‪ :‬ألخدمنك الليل والنهار‪ ،‬ف ُيخص بالعرف من خدمة النهار زمان األكل والرشب‬
‫ش�اق وس�هل‪ ،‬وخيص من‬ ‫والطه�ارة والصلاة واالستراحة بحس�ب م�ا خي�دم فيه ِمن ٍّ‬
‫خدم�ة الليل وقت النوم واملألوف‪ ،‬فإن ت�رك اخلدمة فيها مل حينث‪ ،‬خلروجها بالعرف من‬
‫عم�وم يمينه‪ .‬بل رضب اإلمام املاوردي يف احلاوي أمثلة لتخصيصها باألعراف العملية‬
‫اخلاصة(((‪.‬‬
‫لك�ن القاع�دة العامة ما ذكرناه م�ن عدم االعتبار يف األيامن واالعتب�ار يف العقود‪ ،‬وعليه‬
‫فإذا حلف الشخص ال يركب سيارة صدق ذلك بكل ما يقع عليه لفظ سيارة‪ ،‬وإذا ُوكل‬
‫برشاء س�يارة صدق ذلك بام جرت العادة باس�تعامله من السيارات يف جمتمعه؛ فال يسوغ‬
‫للوكي�ل برشاء بيت يف مرص أن يشتري للموكل بيتا من خش�ب بحج�ة أنه يصدق عليه‬
‫اسم البيت‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬أسنى املطالب (‪ )251 /4‬املنثور (‪ )393 /2‬وراجع‪ :‬الفروق (‪.)175-173 /1‬‬
‫((( راجع‪ :‬احلاوي الكبري (‪.)438-437 /15‬‬

‫‪194‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫(‪)3‬‬
‫أ‬ ‫ثة خ ا ف‬ ‫أ ف‬
‫� عل�يه‬
‫ب‬ ‫صحا‬ ‫�‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫نص‬‫�‬ ‫ا‬‫م‬ ‫�‬ ‫ل‬‫�‬ ‫�‬
‫ب‬ ‫�‬‫�‬ ‫د‬ ‫لحا‬ ‫ا‬ ‫�‬ ‫ا ل� عرا‬
‫ه�ذه القضي�ة من معضلات املذهب‪ ،‬واإلش�كال ينب�ع مما ق�رره املتأخرون يف املس�ائل‬
‫والفروع اجلزئية املتناثرة يف أبواب املعامالت‪ ،‬وقبل أن أسوق نامذج منها أقرر أن األصل‬
‫الذي عليه علامء املسلمني أن األحكام املبنية عىل العرف تتبدل تبعا لتغري العرف‪ ،‬وإال ملا‬
‫كان يف القول بابتنائها عىل العرف فائدة‪ .‬ال سيام أن هذه األحكام مبنية عىل املساحة التي‬
‫ت�رك الرشع مألها لألعراف تيسيرا عىل املكلفني وعامال من عوام�ل صالحية الرشيعة‬
‫لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫بي�د أن متأخ�ري الش�افعية جعل�وا ملا ن�ص علي�ه األصحاب بن�اء عىل الع�رف العام يف‬
‫زماهن�م ق�وة تدف�ع ما يطرأ م�ن األعراف ول�و كتب هلا االط�راد والذيوع‪ ،‬ب�ل والعموم‬
‫باملعنى االصطالحي‪ ،‬وهذا ‪-‬يف ظاهره‪ -‬يعده الناظر مجودا عىل أعراف بعينها يتناىف مع‬
‫احلكمة من اعتبار العرف يف هذه املسائل‪ ،‬وسيظهر من خالل النامذج اآلتية املشتملة عىل‬
‫تعليالهتم وجهة نظرهم‪:‬‬
‫(‪ )1‬يف ب�اب اخلي�ار‪ :‬املعترب يف حتديد العي�وب التي يثبت هبا اخليار ه�و العرف‪ ،‬وضابط‬
‫العي�ب املثب�ت للخيار‪ :‬كل م�ا ينقص العني أو القيمة نقصا يف�وت به غرض صحيح إذا‬
‫غلب يف جنس املبيع عدمه يف العرف العام‪ .‬إال أن ابن حجر والرميل ومن تبعهم بعد أن‬
‫ق�رروا أن املعتبر يف الغلبة هو العرف العام‪ ،‬قرروا أن هذا العرف ال يعمل به إذا عارض‬
‫نص�ا من نصوص األصحاب عىل عيب معني‪ ،‬فق�ال الرميل‪« :‬وحمل الكالم فيام مل ينصوا‬
‫فيه عىل كونه عيبا وإال فال اعتبار فيه بعرف خيالفه مطلقا كام ال خيفى»(((‪ .‬ومل يبني هو وال‬
‫حمشوه وال حمشو التحفة وجه الظهور‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف املس�اقاة‪ :‬جي�ب عىل العامل ‪-‬عند اإلطالق‪ -‬أي عم�ل يقتضيه العرف حُيتاج إليه‬
‫لصالح الثمر واستزادته مما يتكرر كل سنة يف العمل‪ ،‬وال يقصد به حفظ األصل‪ ،‬كسقيه‬
‫إن مل يرشب بعروقه‪ ،‬ويدخل يف الس�قي توابع�ه من إصالح طرق املاء‪ ،‬وتنقية جمرى املاء‬
‫م�ن الطين ونحوه‪ ،‬وإصلاح (األجاجني) ‪-‬وهي احلفر حول الش�جر جيتم�ع فيها املاء‬
‫ليرشبه‪ ،‬ش�بهت باألجاجني التي يغس�ل فيها‪ -‬وتلقيح النخل‪ ،‬وإزال�ة الكأل والقضبان‬
‫((( هناية املحتاج إىل رشح املنهاج (‪.)34 /4‬‬

‫‪195‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫املضرة بالش�جر‪ ،‬وقطع اجلري�د ورصفه عن وج�وه العناقي�د لتصيبها الش�مس ويتيرس‬
‫قطفها عند اإلدراك‪ ،‬وتقليب األرض باملساحي ونحو ذلك مما هو مذكور يف املطوالت؛‬
‫القتضاء العرف ذلك كله‪.‬‬
‫وإن جرت عادة البلد بطرح العنب عىل العريش‪ ،‬وهو أن ينصب أعوادا ويظللها ويرفع‬
‫العن�ب عليه�ا فيجب عىل العامل إصلاح العريش‪ .‬وكذا عليه حفظ الثمر عىل الش�جر‬
‫وقطع�ه وحفظ�ه وجتفيف�ه يف األصح؛ ألهن�ا من مصاحل�ه‪ ،‬وكذلك يف وضع ش�وك عىل‬
‫اجل�دار وترقيع يسير اتفق يف اجلدار يرجع إىل الع�ادة يف األصح من كوهنام عىل املالك أو‬
‫العامل(((‪.‬‬
‫لكن الرميل وابن حجر قرصا العمل بالعرف عىل ما مل يرد فيه نص لألصحاب؛ فإذا نص‬
‫يف املذه�ب على عمل واطرد العرف بخالف�ه ُأمهل العرف ‪-‬ولو غل�ب واطرد‪ -‬و ُعمل‬
‫بالن�ص‪ .‬ق�ال الرميل‪ « :‬وظاه�ر كالمهم أن ما نص�وا عىل كونه عىل العام�ل أو املالك ال‬
‫ُيلتف�ت في�ه إىل عادة خمالفة له كام هو ظاهر‪ ،‬عىل أن العرف الطارئ ال ُيعمل به إذا خالف‬
‫عرفا سابقا له»(((‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال الشيخ ابن حجر ‪-‬فيام حيرم من الزينة عىل املرأة املحدة(((‪« :‬ما نصوا [األصحاب]‬
‫عىل أنه زينة‪ ،‬لو اطرد يف حمل أنه ليس زينة هل يعترب هذا أو ال؟ حمل نظر‪ .‬وظاهر كالمهم‬
‫الث�اين؛ ألن�ه ال عربة بعرف حادث وال خاص مع عرف أصلي أو عام»(((‪ .‬ومن ثم قالوا‬
‫إنه حيرم عىل نساء السودان التحيل بحيل الذهب وإن مل يعدوه زينة يف عرفهم؛ ألنه خمالف‬
‫لنص األصحاب املبني عىل العرف العام‪.‬‬
‫(‪ )4‬يف التولي�ة واإلرشاك واملرابح�ة يظهر دور العرف يف بيان ما حتمله صيغ هذه البيوع؛‬
‫ألن البائ�ع فيه�ا يمك�ن أن جيرهيا بأكث�ر من صيغة تعبرِّ ع�ن الثمن‪ ،‬كأن يق�ول‪« :‬بعت»‬
‫أو «ولي�ت» أو «أرشكت»‪ ...‬إلخ‪« .‬بام اشتريت»‪ ،‬أو «برأس م�ايل» فهذه كام قال اإلمام‬
‫واألئمة من بعده ال تستوجب إال الثمن الذي لزمه أوال واستقر عليه العقد‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬مغني املحتاج (‪ )329 /2‬وراجع‪ :‬هناية املطلب (‪ )24 /8‬هناية املحتاج (‪.)257-256 /5‬‬
‫((( هناي�ة املحت�اج (‪ )257 /5‬وقد ذكر مثله ابن حج�ر يف التحفة (‪ ،)117 /6‬والعجيب أن اإلمام الباجوري رصح يف‬
‫حاشيته عىل ابن قاسم (‪ )32 /2‬بأن ابن حجر خمالف للرميل وأنه يعترب العادة الطارئة‪.‬‬
‫((( ذكرنا هذا الفرع رغم خروجه عن املعامالت لالستفادة منه يف تفسري املذهب‪.‬‬
‫((( حتفة املحتاج (‪.)258 /8‬‬

‫‪196‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫عيل‪ ،‬وهو‬
‫عيل أو بام حصل َّ‬‫عيل أو بام ثبت َّ‬
‫وأما إذا قال‪ :‬بعتك‪ ،‬أو وليتك‪ ...‬إلخ‪ .‬بام قام َّ‬
‫كذا‪ .‬فإن الثمن هنا يشمل الثمن األول الذي اشرتى به ومؤن االسرتباح التي أنفقها عىل‬
‫املبيع(((‪ .‬يقول اإلمام‪:‬‬
‫«فإن قال‪ :‬بعتك بام اشرتيت به‪ ،‬وهو كذا بربح كذا‪ .‬فاألصل هو الثمن‪ ،‬وال حتسب أجرة‬
‫ال�دالل والكي�ال‪ ،‬وغريمها من مؤن العقد؛ فإن التعويل عىل موجب لفظه‪ ..‬فأما إذا أراد‬
‫العقد بلفظة تش�تمل‪ ،‬فس�بيله أن َي ُضم هذه املبالغ إىل الثمن‪ ،‬ويق�ول‪ :‬بعتك بام قام عيل‪،‬‬
‫وه�و كذا‪ ،‬مرابح ًة عىل كذا‪ ،‬فإذا وقع العق�د عىل هذه الصيغة‪ ،‬فاملؤن التي تعد من توابع‬
‫عيل)»(((‪.‬‬
‫التجارة تدخل حتت قول البائع‪( :‬بام قام َّ‬
‫عيل) وما يق�وم مقامها؛ ألهنا كام تقدم‬
‫ويرج�ع ال�كالم يف دور العرف إىل صيغ�ة (بام قام َّ‬
‫تس�تلزم الثم�ن األصيل والنفقات الت�ي أنفقها البائع على املبيع قص�دا للربح حتى عقد‬
‫عليه العقد اجلديد‪ ،‬فيكون املحكم يف بيان ما ينفق لالسترباح من غريه العرف‪ ،‬وبعبارة‬
‫أخرى‪( :‬يرجع إىل العرف يف بيان ما يعد من مؤن التجارة وما ال يكون كذلك)‪.‬‬
‫لكن الش�يخ ابن حجر ذكر يف اإليعاب أن حمل حتكيم العرف هنا فيام مل ينص األئمة عىل‬
‫حكم�ه دخ�وال أو خروجا‪ .‬وأم�ا ما نصوا عليه فإن�ه يكون العمل فيه عىل م�ا قالوه وإن‬
‫ُف ِرض أن عرف الوقت خيالفه(((‪.‬‬
‫(‪ )5‬يف بي�ع األص�ول والثمار‪ :‬نص ابن حج�ر يف الفتاوى عىل أنه ال عبرة بعرف خيالف‬
‫م�ا ذكره األصحاب‪ .‬ومبناه عنده أن ما ذك�روه مبني عىل العرف العام‪ ،‬واملخالف يكون‬
‫خاصا غالبا‪ ،‬والعام مقدم عىل اخلاص غالبا(((‪.‬‬
‫إذن ه�ذه املواضع قدم�وا فيها نصوص األصحاب عىل ما جيد م�ن أعراف‪ ،‬وهذا يمكن‬
‫توجيهه بام قدمناه من أن النص عند الشافعية سواء كان النص الرشعي أو نص صاحب‬
‫املذه�ب مقدم عىل العرف‪ ،‬فإن الن�ص عندهم كالقانون الذي ال يتجاوز لعرف حادث‪،‬‬
‫وربط املس�ألة بالعرف إمجاال ال يعني أن العرف يس�تقل باحلك�م يف مجيع أفرادها‪ ،‬بل قد‬
‫تتدخ�ل أدل�ة أخرى يف بعض ه�ذه األفراد‪ ،‬وهو معنى نأخذه م�ن كالم اإلمام الرميل يف‬
‫((( راج�ع‪ :‬حتف�ة املحتاج وحاش�يتي الشرواين واب�ن قاس�م (‪ )432-429 /4‬وهناية املحتاج وحاش�ية الشبرامليس‬
‫(‪.)114-112 /4‬‬
‫((( هناية املطلب (‪.)291 /5‬‬
‫((( نقله الشيخ اجلمل يف حاشية رشح املنهج (‪.)183 /3‬‬
‫((( الفتاوى الكربى (‪.)268 /2‬‬

‫‪197‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫اإلج�ارة يف قول�ه بعد بيان ما يتحمله املؤجر واملس�تأجر يف إجارة الدواب وربط املس�ألة‬
‫بالع�رف‪« :‬ول�و اط�رد الع�رف بخالف م�ا نص�وا عليه ُعم�ل به فيما يظهر بن�ا ًء عىل أن‬
‫االصطلاح اخل�اص يرفع االصطالح العام كما اقتضاه كالمه�م وإن اقتىض يف مواضع‬
‫أخ�رى عدم�ه؛ ألن العرف هن�ا مع اختالفه باختلاف املحال كثريا هو املس�تقل باحلكم‬
‫فوجبت إناطته به مطلقا‪ ،‬وبه يفرق بينه وبني ما مر يف املساقاة وما يأيت يف اإلحداد»(((‪.‬‬
‫ف�إن ه�ذا يؤخ�ذ منه أن م�ا نص علي�ه األصحاب مم�ا هو مبني على العرف ت�ارة يكون‬
‫للع�رف في�ه االنفراد يف احلك�م كام يف اإلج�ارة‪ ،‬فيعترب تغير العرف‪ ،‬ويتب�دل احلكم به‬
‫وتعترب األعراف الطارئة واألعراف اخلاصة‪ ،‬وتارة ال يستقل العرف باحلكم كاملوضعني‬
‫الس�ابقني يف املس�اقاة واإلحداد‪ ،‬فال عربة بالطارئ وال باخلاص بعد النص‪ .‬والطريق إىل‬
‫متييز هذا من ذاك هو نص أئمة املذهب عليه‪.‬‬
‫والذي يظهر أن قضية االستقالل وعدمه غري متفق عليها‪ ،‬ولذلك وجدنا شيخ اإلسالم‬
‫حيك�م باعتبار العرف مطلقا يف املس�اقاة ولو خالف املنصوص ع�ن األصحاب‪ .‬كام أفاد‬
‫الش�يخ احللب�ي أن قوهلم‪ :‬العرف الطارئ ال ينس�خ القدي�م ‪-‬مل يلتزموه؛ ولذلك رأى يف‬
‫مسألة املساقاة املتقدمة أن املعول عليه يف كل ناحية عرفها ولو خالف نص األصحاب(((‪.‬‬
‫وكذل�ك رفض الس�يد عمر البرصي التقيد بما نص عليه األصحاب م�ن عيوب‪ ،‬وقال‬
‫إن‪« :‬احلكم�ة يف مرشوعي�ة ال�رد بالعي�ب دف�ع الرضر عن املشتري‪ ،‬وقد يك�ون اليشء‬
‫عيب�ا منقصا للقيم�ة يف حمل دون آخر‪ ،‬ومن نص من األئمة عىل ك�ون اليشء عيبا أو غري‬
‫عي�ب إنام ه�و لكونه عرف حمله وناحيت�ه‪ .‬واملعول عليه الضابط الذي ق�رروه‪ ،‬وإذا كان‬
‫نص�وص الكتاب والس�نة تقبل التخصيص وي�دور حكمها مع العلة وج�ودا وعدما فام‬
‫بالك بغريها‪ ،‬واألدب مع الشارع بالوقوف مع غرضه أوىل بنا عن اجلمود عىل ما يقتضيه‬
‫إطالقات األئمة»(((‪.‬‬

‫((( هناية املحتاج إىل رشح املنهاج (‪.)301 /5‬‬


‫((( راجع‪ :‬حاش�ية اجلمل عىل املنهج (‪ .)527 /3‬والش�يخ احللبي (‪ 1044 - 975‬هـ = ‪ 1635 - 1567‬م) هو نور‬
‫الدي�ن علي بن إبراهيم ب�ن أمحد احللبي‪ ،‬أبو الفرج‪ ،‬م�ؤرخ أديب‪ .‬أصله من حلب‪ ،‬ومولده ووفات�ه بمرص‪ .‬له تصانيف‬
‫كثرية‪ ،‬منها «إنسان العيون يف سرية األمني املأمون» الذي يعرف بالسرية احللبية‪ ،‬و«زهر املزهر» اخترص به مزهر السيوطي‪،‬‬
‫و«مطالع البدور» يف قواعد العربية‪ ،‬و«غاية اإلحسان فيمن لقيته من أبناء الزمان» األعالم للزركيل (‪.)251 /4‬‬
‫((( من حاشية البرصي نقال عن حاشية الشيخ عبد احلميد الرشواين عىل التحفة (‪.)357 /4‬‬

‫‪198‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫واحلاصل أننا لو اعتربنا ما تقدم من كالم الرميل يف االس�تقالل كان هذا فرقا دقيقا يزيل‬
‫اإلش�كال ع�ن كالم الش�افعية يف املواض�ع املتقدمة‪ ،‬ويؤك�د كون النص ال�ذي مل جييزوا‬
‫خمالفته قانونا معتمدا غري مرصح بتفسريه ال جتوز خمالفته(((‪.‬‬
‫وإذا اعتربن�ا أن م�ا نص�وا عليه مبني على العرف الع�ام يف زماهنم وما يط�رأ من أعراف‬
‫إنما هي أع�راف خاصة كام يظهر يف بعض تعليالهتم‪ ،‬فنقول‪ :‬لع�ل هؤالء األئمة العظام‬
‫أرادوا ‪-‬حفاظ�ا عىل اس�تقرار املعامالت بني اخللق ومنعا الحتامل وق�وع النزاع‪ -‬أنه إن‬
‫بقي العرف العام الذي بنى عليه األصحاب األحكام شائعا مطردا حمتفظا بعمومه وطرأ‬
‫ع�رف خمال�ف يف حمل ما‪ ،‬فإنه ال يعترب ذل�ك العرف الطارئ؛ ألنه قد ينش�أ عنه نزاع بني‬
‫املتعاقدي�ن لوجود ع�رف آخر أقوى منه‪ ،‬لكن نأخذ م�ن كالم اإلمام أن اخلالف يف هذا‬
‫حمتم�ل‪ ،‬فإن�ه ذكر ما يس�تفاد منه أن والده أب�ا حممد اجلويني ‪-‬رمحه اهلل تع�اىل‪ -‬اختار أن‬
‫اط�راد الع�رف يف بقعة نازل منزلة الرشط ولو كان عىل خلاف العرف العام(((‪ ،‬فخالفه‬
‫مع اجلمهور يف اعتباره العرف احلادث الطارئ عىل العرف العام الثابت‪ ،‬وقد أفاد اإلمام‬
‫أن ه�ذا خلاف حمتمل‪ ،‬وأف�اد أن اخلالف هنا أه�ون من اخلالف يف مس�ألة االصطالح‬
‫اخل�اص ألن�ه يلغي رصي�ح اللغة الثابتة‪ ،‬كاصطالح ش�خصني عىل أن يعبرا عن األلف‬
‫بلف�ظ (ألفين)‪ ،‬ثم قال‪« :‬ومم�ا يطرأ يف هذا األصل ال�ذي نحن فيه أن الشيء إذا ُفرض‬
‫ندوره يف بقعة‪ ،‬ثم ُص ِّور اطراده‪ ،‬واحلكم مس�تنده العادة‪ ،‬فقد تردد يف هذا حمَ َلة املذهب‪،‬‬
‫ُ‬
‫ومنه ينشأ اختالفهم يف كثري دم الرباغيث يف بعض األصقاع‪ ،‬يف حكم العفو عن النجاسة‪.‬‬
‫فرض‬
‫فإن َ‬‫رصم‪ ،‬يف بعض الرصود؛ َّ‬ ‫وخيرج عىل هذا القانون املس�ألة التي ذكرناه�ا يف ِ‬
‫احل ِ‬
‫رصم‪ ،‬فهو عىل‬‫احل ِ‬‫الن�دور‪ ،‬وإن تُص�ور واطردت ع�ادة أهل البقعة بقط�ف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هناي�ة‬ ‫ذاك يف‬
‫ِّ‬
‫الرتدد الذي ذكرناه»(((‪.‬‬
‫ه�ذا باإلضاف�ة إىل أن قاعدة رفع العرف اخل�اص للعرف العام خمتل�ف فيها يف املذهب‪،‬‬
‫وأصله�ا كام تقدم يف األلفاظ والرتاكيب‪ ،‬يق�ول اإلمام الزركيش يف املنثور‪« :‬االصطالح‬
‫اخل�اص هل يرف�ع االصطالح العام؟ ويعرب عنها بأنه هل جيوز تغيري اللغة باالصطالح؟‬

‫((( وهو ما يميل إليه شيخنا األستاذ الدكتور عيل مجعة ‪-‬حفظه اهلل تعاىل‪ -‬كام أفادين إياه مشافهة‪.‬‬
‫((( كذا يستفاد من هناية املطلب (‪.)143 /5‬‬
‫((( املصدر السابق (‪.)144 /5‬‬

‫‪199‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫وهل جيوز للمصطلحني نقل اللفظ عن معناه يف اللغة بالكلية أو يشرتط بقاء أصل املعنى‬
‫وال يترصف فيه بأكثر من ختصيصه فيه؟ قوالن لألصوليني وغريهم‪ ،‬واملختار الثاين»(((‪.‬‬
‫ولكن اخلالف فيها يرسي يف األعراف والعادات العملية‪.‬‬
‫وقد أشار اإلمام إىل هذا فقال‪« :‬فأما القفال‪ ،‬فإنه يرى االصطالح املطرد بني أقوام بمثابة‬
‫الع�ادة العام�ة‪ ،‬وامتنع غريه من هذا‪ .‬وعندي أن هذا ينزل عىل منزلة س�تأيت مرشوحة يف‬
‫كتاب الصداق‪ ،‬وهي أن أقواما لو تواطؤوا عىل أن يعربوا باأللفني عىل األلف‪ ،‬فإذا وقع‬
‫العق�د بلفظ األلفين‪ ،‬فالتعويل عىل التواطؤ‪ ،‬أم عىل صيغة اللفظ؟ فيه تردد‪ .‬وس�يأيت يف‬
‫املسألة املرتمجة بمهر الرس والعالنية»(((‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ة‬ ‫ف‬
‫ا لعر� ا نل�ا ز� ل م�ن�ز ل�‬
‫ف‬
‫ل��رو ط ا ل�ا سد ة�‬ ‫ل�� ط ق� ض��ة� ا ش‬
‫ش‬
‫ا ر و ي‬
‫اش�تهر بني أه�ل العلم قوهلم‪( :‬املع�روف عرفا كاملرشوط رشط�ا) أو (املعروف بالعرف‬
‫كاملشروط باللفظ) أو (التعيني بالعرف كالتعيين بالنص) أو (املرشوط عرفا كاملرشوط‬
‫رشعا) وغري ذلك مما يعرب عن سلطان العرف العميل وأثره يف إنشاء احلقوق وااللتزامات‪،‬‬
‫حيث يكون يف قوة العبارة املنشئة للحق وااللتزام كام يعترب بمنزلة االشرتاط الرصيح(((‪.‬‬
‫وال�ذي يس�تنتج من فقه اإلم�ام يف النهاية وبعض ف�روع الش�افعية يف مصنفاهتم أن هذه‬
‫القاع�دة املتفرع�ة عن قاع�دة حتكيم العادة ليس�ت مطلق�ة‪ ،‬وإنام يش�تمل العمل هبا عىل‬
‫تفصي�ل‪ ،‬ومن ثم ف�إن كال من إطالق القول بتنزيل الع�ادة منزلة الرشط وإطالق القول‬
‫بعدم نزول العادة منزلة الرشط عند الشافعية فيه نظر(((‪.‬‬
‫أف�اد اإلمام أن العرف العام واخلاص الش�ائع املطرد ينزل منزلة الرشط يف توابع العقود‪،‬‬
‫وحك�ى اإلم�ام يف اعتبار العرف اخل�اص غري املطرد خالفا بني اجلمه�ور الذين ال يرون‬
‫((( املنثور (‪.)180 /1‬‬
‫((( هناية املطلب يف دراية املذهب (‪.)144 /5‬‬
‫((( انظر‪ :‬القواعد الكلية والضوابط الفقهية يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬حممد عثامن شبري (‪.)251-250‬‬
‫((( راجع عىل س�بيل املثال هذه اإلطالقات يف‪ :‬األنوار ألعامل األبرار (‪ )257 /1‬والقواعد الفقهية يف املذهبني احلنفي‬
‫والشافعي‪ ،‬للدكتور حممد الزحييل (‪ ،)306‬ورسالة القواعد الفقهية الكربى وأثرها يف الفقه عند الشافعية للدكتور عبد‬
‫الرمحن بن عبد اهلل السقاف‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫اعتب�اره والقف�ال ال�ذي ي�رى اعتب�اره‪ ،‬ويزيد على اجلمه�ور يف ذلك تصحي�ح العقود‬
‫وإفسادها هبذا االعتبار(((‪.‬‬
‫وقد حرر إمام احلرمني النزاع بني اجلمهور والقفال‪ ،‬فقال‪« :‬والقفال جيعل اطراد العرف‬
‫بمثابة الرشط‪ ،‬ومل يس�اعده كثري من أصحابنا‪ .(((»..‬وقال عن�ه أيضا‪« :‬وأما القفال‪ ،‬فإنه‬
‫يرى االصطالح املطرد بني أقوام بمثابة العادة العامة‪ ،‬وامتنع غريه من هذا»(((‪.‬‬
‫فالقفال يعطي لألعراف اخلاصة غري املطردة قوة األعراف العامة يف االعتبار‪ ،‬ويزيد عىل‬
‫ذلك أن ينزهلا منزلة الرشط‪.‬‬
‫وق�د ذك�ر الزركيش هذه اخلالصة املس�تفادة من اإلمام يف املنثور‪ ،‬فق�ال‪« :‬العادة املطردة‬
‫يف ناحي�ة نزهل�ا القف�ال منزل�ة الشرط‪ ،‬فق�ال‪ :‬إذا ع�م [يف] الن�اس اعتياد إباح�ة منافع‬
‫الره�ن للمرهتن‪ ،‬فاطراد العادة فيه بمثابة رشط عقد يف عقد حتى يفس�د الرهن‪ ،‬وجعل‬
‫االصطالح اخلاص بمثابة العادة العامة‪ ،‬ومل يساعده اجلمهور فيهام»(((‪.‬‬
‫فقول�ه‪( :‬فيهام) راج�ع إىل أمرين؛ األول‪ :‬اعتبار العادة اخلاص�ة يف ناحية (غري املطردة يف‬
‫اإلقلي�م كل�ه) كالعادة العامة‪ ،‬واآلخر‪ :‬تنزيله الع�رف منزلة الرشط تنزيال يؤثر يف صحة‬
‫العقود‪.‬‬
‫وكذل�ك حرر ابن حجر اهليتم�ي يف الفتاوى الكربى النزاع بني اجلمهور والقفال‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«اجلمه�ور ال خيالفون�ه إال يف قوله‪ :‬تن�زل منزلة الرشط حتى يفس�د العقد‪ .‬وأما يف أصل‬
‫اعتبار العادة اخلاصة فال خيالفونه فيه»(((‪.‬‬
‫فنحن إذن أمام ثالثة مذاهب‪:‬‬
‫األول‪ :‬مذهب اجلمهور الذين ال يعتربون العادة نازلة منزلة الرشط‪ ،‬وما جاء من مسائل‬
‫نزلوا فيها العرف منزلة الرشط إنام هو مستثنى من هذه القاعدة‪ .‬وهذا يستفاد من عرض‬
‫يمل قول صاحب األنوار‪« :‬وال يكون املعهود‬ ‫الس�يوطي يف األشباه والنظائر ‪ .‬وعليه حُ‬
‫(((‬

‫((( هناية املطلب يف دراية املذهب (‪.)144-142 /5‬‬


‫((( املصدر السابق (‪.)143 /5‬‬
‫((( املصدر السابق (‪.)144 /5‬‬
‫((( املنثور يف القواعد الفقهية (‪.)362 /2‬‬
‫((( الفتاوى الفقهية الكربى (‪.)183 /2‬‬
‫((( األشباه والنظائر للسيوطي (‪.)96‬‬

‫‪201‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫كاملرشوط لفظا‪ ،‬ال يف البيع وال يف القرض وال يف الرهن وال يف غريها»(((‪ .‬وبه نفهم رس‬
‫رفض الشافعية نزول العرف منزلة الرشط يف باب اهلبة‪ ،‬حيث قالوا يف هبة الشخص ملن‬
‫ه�و أعىل منه رتبة‪ :‬لو ج�رت العادة بمقابلة اهلبة يف هذه الصورة بعوض مل تعترب؛ معللني‬
‫بأن العادة ليس هلا قوة الرشط يف املعاوضات(((‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬مذهب القفال الذي اعترب العادة نازلة منزلة الرشط مطلقا ولو كانت خاصة وبنى‬
‫عىل اعتبارها تصحيح العقود املقرتنة هبا وإفسادها‪ .‬ومن ثم ذهب إىل أنه لو عم يف الناس‬
‫اعتي�اد إباح�ة منافع الرهن للمرهت�ن ينزل ذلك منزل�ة رشطه حتى يفس�د الرهن‪ ،‬وقال‬
‫اجلمه�ور‪ :‬ال‪ .‬وذه�ب إىل أنه لو جرت عادة املقرتض برد أزيد مم�ا اقرتض‪ ،‬نزلت عادته‬
‫منزلة الرشط‪ ،‬فيحرم إقراضه‪ ،‬واألصح عند اجلمهور‪ :‬ال حيرم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬مذهب من توس�ط‪ ،‬وهو املفهوم من كالم إمام احلرمني ورصيح رأي ابن حجر‬
‫اهليتم�ي‪ ،‬وحاصله اعتبار األعراف ولو خاصة نازل�ة منزلة الرشط يف توابع العقود دون‬
‫مقصوداهت�ا‪ ،‬برشط عمومه�ا واطرادها‪ .‬قال اإلمام‪« :‬الوجه يف ه�ذا عندنا أن يقال‪ :‬كل‬
‫م�ا يتعلق بتوابع العقود من التس�ليم‪ ،‬والقط�ع‪ ،‬والتبقية‪ ،‬وكيفية إج�راء البهيمة املكراة‪،‬‬
‫واملق�دار الذي تطوي يف كل يوم‪ ،‬فهذه التوابع منزلة عىل العرف‪ ،‬كام ذكرناه‪ .‬ومن مجلته‬
‫محل الدراهم املطلقة عىل النقد الغالب‪ ،‬وهذا يف اعتياد يعم‪ ،‬وال خيتص بتواطؤ أقوام»(((‪.‬‬
‫التوفيق بني رأي اجلمهور ورأي اإلمام‪:‬‬
‫املدق�ق يف فقه الش�افعية جيد أنه ال فرق يف التطبيق بني رأي اإلمام وما نس�ب للجمهور؛‬
‫ألن اجلمهور نزل العادة املطردة منزلة الرشط يف مسائل اعتربت مستثنيات((( من األصل‬
‫الع�ام‪ ،‬وه�ي يف احلقيقة ليس�ت مس�تثنيات وإنام هي جاري�ة عىل قاعدة اإلم�ام يف اعتبار‬
‫األع�راف رشوطا يف توابع العقود؛ فقد نزلوا الع�ادة اجلارية بالتبقية منزلة الرشط يف بيع‬
‫الثمار قبل ب�دو الصالح‪ ،‬وهو أم�ر تابع‪ .‬ويف بي�ع الثمرة التي بدا صالحه�ا قالوا‪ :‬جيب‬
‫إبقاؤه�ا إىل أوان القطاف والتمكن من الس�قي بامئها عملا بالعرف‪ ،‬فنزل منزلة الرشط‬

‫((( األنوار ألعامل األبرار (‪ )257 /1‬وراجع‪ :‬فتح اجلواد (‪.)425 /1‬‬
‫((( راجع‪ :‬هناية املحتاج (‪.)422 /5‬‬
‫((( هناية املطلب يف دراية املذهب (‪.)143 /5‬‬
‫((( كام يف األشباه والنظائر للسيوطي‪ ،‬وسار عىل هذا الرأي الدكتور عبد اهلل السقاف يف رسالته العلمية اجلامعة (القواعد‬
‫الفقهية الكربى وأثرها يف الفقه عند الشافعية)‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫باللفظ‪ ،‬وهو أمر تابع‪ .‬ونزلوها منزلة الرشط يف إجارة الدواب؛ فقالوا‪ :‬إن وجود منازل‬
‫معلوم�ة بالطريق‪ ،‬ج�رت العادة باعتامدها بغير اختالف‪ -‬يغني عن بيان مقدار السير‪،‬‬
‫وينزل العرف املطرد هنا منزلة الرشط‪ .‬وكذلك يف محل الوقف عىل العادة اجلارية يف زمن‬
‫الواقف تنزيال هلا منزلة الرشط اللفظي من الواقف‪ .‬وفيام لو بارز كافر مسلام واعتيد أمان‬
‫كل من عدوه فإنه يكون بمنزلة رشطهام ذلك‪ ،‬فال جيوز لنا إعانة املسلم(((‪.‬‬
‫ومل ينزلوه�ا منزل�ة الرشط يف مس�ألة الره�ن املتقدم�ة وال فيام لو جرت ع�ادة قوم بقطع‬
‫احلرصم قبل النضج فلم يصححوا البيع من غري رشط القطع خالفا يف املسألتني‪ ،‬وذلك‬
‫ألن مسألة الرهن وبيع احلرصم مقصودة لذاهتا‪.‬‬
‫وأما رفض الشافعية نزول العرف منزلة الرشط يف باب اهلبة؛ حيث قالوا يف هبة الشخص‬
‫مل�ن ه�و أعىل منه رتب�ة‪ :‬لو جرت الع�ادة بمقابلة اهلب�ة يف هذه الصورة بع�وض مل تعترب؛‬
‫معللين ب�أن العادة ليس هلا قوة الشرط يف املعاوضات(((‪ .‬فيمك�ن توجيهه بأن العوض‬
‫يف العقود أمر مقصود وليس تابعا‪ ،‬فال يكتفى فيه بجريان العادة‪ ،‬فال بد من الترصيح‪.‬‬
‫وسواء اعتربنا املذاهب ثالثة أو اثنني فإنه يمكن القول‪ :‬إن قوة الرأي املتوسط تكمن يف‬
‫مبارشا؛ فيتعلق‬
‫ً‬ ‫أن األمور املقصودة يف العقود تتوقف عليها صحة العقود وفسادها توق ًفا‬
‫هب�ا انضباط املعامالت املالية بني الناس؛ ومن ث�م ال يليق بأصالتها إال الترصيح اللفظي‬
‫والتعيين النصي‪ ،‬وال يلي�ق هبا التس�اهل‪ ،‬ولذلك كانت القاعدة املش�هورة عند الس�ادة‬
‫الش�افعية أن�ه يغتف�ر يف التوابع م�ا ال يغتفر يف غريها((( وش�اع عندهم أنه جي�وز يف توابع‬
‫العقود ما ال جيوز يف العقود(((‪ .‬واالعتامد عىل العرف يف االستغناء عن اللفظ والترصيح‬
‫يبقي احتامالت ال يليق تعلقها هبيئة العقد التي يصح بصحتها ويفسد بفسادها‪ ،‬واملقصود‬
‫دائام يف املعامالت االنضباط ورفع النزاع وما يمكن أن يؤدي إليه‪.‬‬
‫أم�ا تواب�ع العق�د فمرتبتها حتتم�ل اعتبار األع�راف ولو خاص�ة يف الداللة على كيفيتها‬
‫اس�تغناء عن الترصيح اللفظي‪ ،‬فينزل العرف فيها منزلة الرشط‪ ،‬نزوال ال يؤثر يف صحة‬
‫وال فساد‪ ،‬ولكن برشطني يأيت ذكرمها‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفتاوى الفقهية الكربى (‪.)183 /2‬‬
‫((( راجع‪ :‬هناية املحتاج (‪.)422 /5‬‬
‫((( ومن فروعها أنه ال يثبت النس�ب بش�هادة النس�اء‪ ،‬فلو ش�هدن بالوالدة عىل الفراش ثبت النس�ب تبعا‪ .‬ومنها‪ :‬البيع‬
‫الضمني‪ ،‬يغتفر فيه ترك اإلجياب والقبول‪ ،‬وال يغتفر ذلك يف البيع املستقل‪ .‬األشباه والنظائر للسيوطي (‪.)120‬‬
‫((( راجع فروع ذلك يف احلاوي الكبري (‪.)366 /7 ،274 ،269 ،67 /5‬‬

‫‪203‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫وكالمن�ا هن�ا يف العرف اخل�اص بخاصة؛ فهو ال�ذي صرُ ح بوجود خلاف حول نزوله‬
‫منزل�ة الشرط نزوال يؤثر يف صحة العقود وفس�ادها‪ .‬وأما اعتب�ار العرف اخلاص بصفة‬
‫عام�ة فه�و حم�ل اتفاق م�ا حتققت رشوط االعتب�ار‪ ،‬بل ه�و قطب الرح�ى يف املعامالت‬
‫املالي�ة‪ ،‬وم�ورد أحكام مس�احات الفراغ الترشيع�ي التي ترك الرشع مأله�ا للفقهاء من‬
‫مشعرا بأن املعترب هو العرف‬
‫ً‬ ‫خالل األعراف‪ .‬وإن كان كالم املتقدمني كاإلمام والسبكي‬
‫الع�ام دون غيره‪ ،‬لكن ما أورد من أمثلة ينتمي لألعراف اخلاصة‪ ،‬ومن ثم جاء كالم ابن‬
‫حجر رصحيا يف أن املس�ألة يف نزول الع�رف اخلاص منزلة الرشط‪ ،‬فاإلمام يقول‪« :‬وهذا‬
‫يف اعتي�اد يع�م‪ ،‬وال خيتص بتواطؤ أقوام»(((‪ .‬وقال الس�بكي‪« :‬وأم�ا العوائد الفعلية فإن‬
‫كان�ت خاصة فال اعتب�ار هبا‪ .‬وإن عمت واط�ردت فقد اتفق األصح�اب عىل اعتامدها‪،‬‬
‫وذك�روا هلا أمثلة (منها) تنزيل الدراهم املرس�لة يف العقود عىل النق�د الغالب‪( ..‬ومنها)‬
‫أن�ا ال نخ�رج املتكارس إىل ذكر املنازل وتفصيل كيفية األجزاء‪ ،‬وهذا مثال صحيح وهي‬
‫من قسم ما يرجع إىل تقدير رشط مضموم إىل العقد‪ ،‬وكثري من أحوال العقود حيمل عىل‬
‫ذلك كالتسليم والقطع والتبقية»(((‪.‬‬
‫واألق�رب فيما ُأرى أهنم يريدون بالعموم هنا االطراد والش�يوع يف اإلقلي�م كله‪ ،‬واملراد‬
‫باإلقليم ما يقابل الدولة اليوم كمرص واليمن واهلند‪ ،‬وال يريدون العموم االصطالحي؛‬
‫وذل�ك ألن م�ا قدم�وه م�ن أمثلة يبع�د أن يوج�د فيه عرف ع�ام باملعن�ى االصطالحي‪،‬‬
‫ف�إن مح�ل الدراهم عىل النقد الغال�ب ال يتصور فيه هذا العم�وم‪ ،‬وكذلك تعيني مراحل‬
‫الس�فر ومنازله ال يتصور فيه عموم باملعنى االصطالح�ي‪ ،‬وإذا كان هناك عموم باملعنى‬
‫االصطالح�ي فإن هذا العرف العام يكون هو املعترب وال ينظر للعرف اخلاص حينئذ‪ ،‬ال‬
‫ألنه عرف خاص‪ ،‬ولكن ألنه خمالف للعرف العام‪ ،‬ومن ثم نقول استنتاجا من كالمهم‪:‬‬
‫إن�ه يشترط يف العرف اخلاص الن�ازل منزلة الشرط ‪-‬يف توابع العق�ود‪ -‬أن يكون عاما‬
‫مطردا يف حمله وأال خيالف عر ًفا عا ًّما‪.‬‬
‫ولعل�ه هلذا الس�بب رف�ض اإلمام ما ذهب إليه ش�يخه أب�و حممد يف مس�ألة العنب الذي‬
‫ج�رت ع�ادة أهل�ه أن يقطعوه حرص ًم�ا‪ ،‬حيث قال أب�و حممد بصحة العق�د بدون رشط‬
‫((( هناية املطلب (‪.)143 /5‬‬
‫((( تكملة املجموع لإلمام السبكي (‪ )417 /11‬والنص املحقق مضطرب كام ترى؛ وصوابه‪( :‬أنا ال نحوج املتكاريني‬
‫إىل ذكر املنازل وتفصيل كيفية اإلجراء)‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫القط�ع اعتامدا على العادة‪ ،‬ورفض اإلم�ام؛ ألن هذه عادة خاصة بني ق�وم خمالفة للعادة‬
‫العامة‪ ،‬وهي التبقية التي بنى عليها اإلمام فس�اد العقد عىل ما مل يبد صالحه بدون رشط‬
‫القطع(((‪.‬‬
‫ولعله هلذا الس�بب أيضا رفض املتأخرون تصحي�ح العقد عىل الثامر التي مل يبد صالحها‬
‫بغير رشط القط�ع يف حالة جريان الع�رف بالقطع‪ ،‬قال الرميل‪« :‬وال يق�وم اعتياد القطع‬
‫مق�ام رشطه»(((؛ فإنه لو تصور هذا لكان عر ًفا طارئًا خمال ًفا للعرف العام اجلاري بالتبقية‬
‫ال القطع‪.‬‬
‫وبن�اء على هذا أيضا يمكن أن نوجه قول اإلمام الس�بكي يف تكمل�ة املجموع‪« :‬جيوز أن‬
‫يشتري الدراهم من الصراف ويبيعها منه بع�د القبض ومتام العقد بالتف�رق أو التخاير‬
‫بأقل من الثمن أو أكثر‪ ،‬سواء جرت له بذلك عادة أم ال ما مل يكن ذلك مرشوطا يف عقد‬
‫البيع قاله الش�افعي واألصحاب‪ ..‬ومتس�ك األصحاب بأن العادة اخلاصة ال تنزل منزلة‬
‫الشرط‪ ،‬كما لو نكح َمن عادته الطالق ال جيعل ذل�ك كرشط الطالق يف العقد‪ ،‬وكذلك‬
‫ال ف�رق بين أن يكون ذل�ك مقصودا أو غير مقصود»(((‪ .‬ف�إن املثالني اللذي�ن أوردمها‬
‫ال يمثالن س�وى ع�ادة فردية عملية‪ ،‬وهذا هو س�بب عدم االعتبار‪ ،‬وه�و مراده بالعادة‬
‫اخلاصة هنا التي ال تنزل منزلة الرشط‪ ،‬ال مطلق العادة اخلاصة‪.‬‬
‫ويتأيد هذا بام قاله الغزايل يف الوس�يط‪« :‬ومطلق بيعها يقتيض اس�تحقاق اإلبقاء إىل أوان‬
‫القطاف وإن مل يرصح به لعموم العرف؛ إذ القرينة العرفية كاللفظية‪ ،‬ولذلك نزل العرف‬
‫يف املن�ازل وآالت الداب�ة يف باب اإلجارة منزلة الترصي�ح‪ .‬ولو جرى عرف بقطع العنب‬
‫حرصم�ا ألن�ه ال تتناهى هنايته‪ ،‬أو ج�رى العرف باالنتفاع باملرهون م�ن املرهتن فقد منع‬
‫القفال املسألتني‪ ،‬وقال‪ :‬هو كالترصيح‪ .‬وخالفه غريه؛ ألن املتبع ها هنا هو العرف العام‪،‬‬
‫ال عرف أقوام عىل اخلصوص»(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬هناية املطلب (‪.)143 /5‬‬


‫((( حتفة املحتاج (‪.)461 /4‬‬
‫((( تكملة املجموع (‪.)149 /10‬‬
‫((( الوسيط يف املذهب (‪.)181 /3‬‬

‫‪205‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫رأي القفال وأيب حممد اجلويني‪:‬‬


‫خال�ف القف�ال اجلمه�ور يف قول�ه بنزول الع�رف منزلة الشرط بال تفرقة بين ما يتعلق‬
‫بمقصود العقد وما يتعلق بتوابعه(((‪ ،‬وتفريعا عىل هذا األصل حكم بصحة بعض العقود‬
‫وفس�اد بعضها لتضمنها رشوطا مس�تفادة من جريان العادة بام هو صحيح موافق للرشع‬
‫أو فاس�د خمالف له‪ .‬وكذلك ‪-‬كام يس�تفاد من األمثلة الت�ي عرضها اإلمام والزركيش يف‬
‫املنثور‪ -‬مل يميز القفال يف اعتباره العرف اخلاص بني األعراف الفردية واألعراف اجلامعية‬
‫ضيقة النطاق واألعراف الش�ائعة يف اإلقليم كله‪ ،‬وجعل ذلك كله يف مرتبة العرف العام‬
‫اعتبارا‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذل�ك اعترب الش�يخ أبو حممد اجلوين�ي ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬اطراد الع�رف يف بقعة نازال‬
‫منزل�ة الشرط ول�و كان عىل خلاف العرف الع�ام(((‪ ،‬فخالف�ه مع اجلمه�ور يف اعتباره‬
‫العرف احلادث الطارئ عىل العرف العام الثابت‪ ،‬وهو خالف حمتمل كام تقدم يف املسألة‬
‫السابقة‪.‬‬
‫وأما رأي القفال رمحه اهلل تعاىل ففيه إشكال من جهات‪:‬‬
‫‪ -1‬أن�ه بتنزيل�ه العرف منزلة الشرط يف األمور املقصودة يف العق�ود حيكم بصحة العقد‬
‫وفس�اده بن�اء على العرف اجلاري‪ ،‬فمجرد إنش�اء عق�د الرهن بني أناس ج�رت عادهتم‬
‫باالنتف�اع باملرهون جيعل العقد فاس�دا؛ ألن اشتراط االنتفاع باملره�ون خمالف للقياس‬
‫ال�ذي حيكم بأن اشتراط االنتفاع حيول صورة الدين املوث�ق بالرهن إىل قرض جر نفعا‪،‬‬
‫والعق�د املنط�وي عىل املخالفة فاس�د‪ ،‬وعىل هذا فإن كل عقود الره�ن التي جترى يف هذا‬
‫املكان بني أهله بعضهم بعضا وبينهم وبني غريهم ممن يعلم حاهلم تكون فاسدة عىل رأي‬
‫القفال ملجرد جريان العادة‪ ،‬عىل الرغم من أن صورة العقد صحيحة؛ ألن أحد العاقدين‬
‫مل ين�ص لفظ�ا عىل رشط االنتفاع بالرهن‪ ،‬ومن هنا كان�ت وجهة نظر اجلمهور أقرب إىل‬
‫الصواب‪ ،‬نظرا إىل صحة صورة العقد من جهة‬
‫‪ -2‬أن انضباط املعامالت ال يليق به االعتامد عىل ما ال يس�لم من االحتامل واإليراد‪ ،‬فال‬
‫يكتف�ى في�ه إال بام يفيد القطع عادة‪ ،‬كام أن جريان العادة بالفعل الفاس�د ال يمثل س�وى‬

‫((( راجع‪ :‬هناية املطلب (‪ )143 /5‬املنثور (‪ )362 /2‬فتاوى ابن حجر (‪.)183 /2‬‬
‫((( كذا يستفاد من هناية املطلب (‪.)143 /5‬‬

‫‪206‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫إضمار للمفس�د‪ ،‬واإلضمار ال أثر ل�ه يف صحة العق�ود‪ .‬وإذا كان املتقدم�ون قد رفضوا‬
‫املعاطاة حرصا منهم عىل انضباط املعاملة وحتقق وجود الرتايض بني العاقدين‪ ،‬ومل يلقوا‬
‫ب�اال ألثر قرائن األحوال يف هذه املس�ألة‪ ،‬ف�إن عدم اعتبار العرف رش ًطا يف هذه املس�ألة‬
‫أوىل‪.‬‬
‫‪ -3‬أن اعتب�ار العادات الفردية واجلامعية ضيقة النطاق يزيد من املنازعات‪ ،‬وهو خالف‬
‫مقاصد الرشيعة يف املعامالت‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫النتائج‬
‫أوال‪ :‬كش�ف البح�ث ع�ن أن العالق�ة بين الع�رف والع�ادة يف اصطالح إم�ام احلرمني‬
‫والش�افعية ه�ي العم�وم واخلصوص الوجه�ي؛ فيجتمع�ان يف األمور العملية املس�تقرة‬
‫املتك�ررة عىل املس�توى اجلامعي‪ ،‬وتنفرد الع�ادة يف األمور العملية املس�تقرة املتكررة عىل‬
‫املستوى الفردي‪ ،‬وينفرد العرف يف األمور القولية‪.‬‬
‫ثاني�ا‪ :‬كش�ف البحث ع�ن أن العرف العام يف اصطالح الش�افعية هو ما ع�م مجيع البالد‬
‫اإلسلامية أو أكثره�ا مصحوب�ا باالمتداد الزم�اين غالبا‪ ،‬وأما اخلاص فه�و ما خيتص به‬
‫الواح�د أو اجلامع�ة من الناس يف بلد أو أكثر دون حد األغلبية أو العموم‪ .‬وأنه من اخلطأ‬
‫أن يوصف العرف اخلاص بأنه ما قابل العرف العام؛ ألنه قد يتصور خلو الزمان واملكان‬
‫من عرف عام يف خصوص ذلك املتعارف‪ .‬كام أن حرص العرف اخلاص فيام كان خمصوصا‬
‫بفئة أو بلد أو طائفة من املسلمني كام رآه بعضهم غري جامع‪.‬‬
‫ثالث�ا‪ :‬أن الع�رف ‪-‬من حيث هو‪ -‬ال ينش�ئ يف رشع اهلل حكام‪ ،‬وال يك�ون دليال من أدلة‬
‫مصدرا من مصادر الترشيع‪ ،‬وال يستقيم‬ ‫ً‬ ‫الرشع التي تؤخذ منها األحكام مبارشة‪ ،‬وليس‬
‫عدُّ ه من األدلة املختلف فيها كام هو ذائع إال بتجوز‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن حجية العرف ليس�ت حجية إنش�اء كام هي يف القرآن والس�نة‪ ،‬وليس�ت حجية‬
‫كش�ف كام هي يف اإلمجاع والقياس‪ ،‬وإنام هي حجية اعتداد يف تنفيذ األحكام‪ ،‬اس�تمدها‬
‫الع�رف من املص�ادر الس�ابقة‪ ،‬بحيث يكون ه�و البيئة الت�ي تعترب عند تطبي�ق أحكامها‬
‫واألداة التنفيذية التي تعني عىل ذلك‪.‬‬
‫خامس�ا‪ :‬أن ال�ذي يؤخ�ذ من فقه اإلمام والش�افعية أن م�ا كان حجة رشعية س�واء كان‬
‫النص أو القياس ال ُيرتك لعرف خمالف‪ ،‬وأن املسائل التي جاءت عىل خالف ذلك اعترب‬
‫فيها دليل آخر كشف عنه العرف‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬أن ما قرره مجهور األصوليني من أن العرف العميل ال يعارض اللغة وال ينقل وال‬
‫ينس�خ ‪-‬أي ال يقوى عىل معارضة اللغة‪ ،‬فال خيصص عا ًّما وال ُيقيد مطل ًقا‪ -‬مالحظ فيه‬
‫الغلبة‪ ،‬وأن التقعيد والتطبيق الفقهيني اس�تثنوا العقود من هذه القاعدة‪ ،‬فكانت القاعدة‬
‫العامة‪ :‬أن العرف العميل ال سلطان له عىل األلفاظ والرتاكيب إال يف العقود‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫س�ابعا‪ :‬أن هن�اك فرقا بين ختصيص العرف للف�ظ بالنقل عن مدلوله اللغ�وي إىل ما هو‬
‫أخص منه‪ ،‬وبني انتفاء اس�تعامل أهل العرف له يف بعض أفراد مسماه يف بعض األقطار‪،‬‬
‫يفرس اختالف األحكام يف املسائل التي تبدو متشاهبة عند الشافعية‪.‬‬
‫ثامن�ا‪ :‬أن املواض�ع التي حكم الش�افعية بابتنائها عىل العرف‪ ،‬ورفض�وا اعتبار األعراف‬
‫احلادث�ة فيه�ا مردها إىل أن العرف ليس هو املنفرد فيه�ا باالعتبار‪ ،‬وأن هذا أمر غري متفق‬
‫علي�ه‪ ،‬وأن قاع�دة رفع العرف اخل�اص للعرف العام الت�ي اعتمدوا عليها ليس�ت متف ًقا‬
‫عليها‪.‬‬
‫تاس�عا‪ :‬أن كال من إطالق القول بتنزيل الع�ادة منزلة الرشط وإطالق القول بعدم نزول‬
‫الع�ادة منزلة الرشط عند الش�افعية فيه نظر‪ .‬والصواب تقيي�د القاعدة بأن املعروف عر ًفا‬
‫خاصا ‪-‬برشطيه املذكورين‪ -‬كاملرشوط رشطا يف توابع العقود دون مقاصدها‪.‬‬ ‫عا ًّما أو ًّ‬

‫‪209‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫املصادر واملراجع‬
‫‪1.1‬أث�ر العرف يف الترشيع اإلسلامي‪ ،‬د‪ /‬الس�يد صالح عوض‪ ،‬القاه�رة ‪-‬دار الكتاب‬
‫اجلامعي‪1981/‬م‪.‬‬
‫‪2.2‬أحس�ن الكالم فيام يتعلق بالس�نة والبدعة من األحكام‪ ،‬الشيخ حممد بخيت املطيعي‪،‬‬
‫طبعته مجعية األزهر العلمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪1351/‬هـ‪.‬‬
‫‪3.3‬أحكام املعامالت الرشعية‪ ،‬األستاذ الشيخ عيل اخلفيف‪ ،‬القاهرة ‪-‬دار الفكر العريب‪،‬‬
‫‪1429‬هـ‪2008 -‬م‪.‬‬
‫‪4.4‬االختي�ار لتعليل املختار‪ ،‬عبد اهلل بن حممود بن م�ودود املوصيل البلدحي‪ ،‬جمد الدين‬
‫أب�و الفضل احلنفي (املت�وىف‪683 :‬هـ) مع تعليقات الش�يخ حممود أب�و دقيقة‪ ،‬القاهرة‪-‬‬
‫مطبعة احللبي‪1356/‬هـ‪1937 -‬م‪.‬‬
‫‪5.5‬أس�نى املطالب‪ ،‬ش�يخ اإلسلام زكريا بن حممد بن زكريا األنصاري‪ ،‬زين الدين أبو‬
‫حييى السنيكي (املتوىف‪926 :‬هـ) بريوت دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪6.6‬األش�باه والنظائر‪ ،‬جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر الس�يوطي (املتوىف‪911 :‬هـ)‬
‫بريوت دار الكتب العلمية‪ .‬الطبعة األوىل‪1411 /‬هـ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪7.7‬أص�ول الفق�ه للش�يخ حمم�د اخلضري‪ ،‬القاه�رة‪ :‬املكتب�ة التجاري�ة الكبرى‪،‬‬
‫ط‪1389/6‬هـ‪1969 -‬م‪.‬‬
‫‪8.8‬األعالم‪ ،‬خري الدين بن حممود بن حممد بن عيل بن فارس الزركيل الدمشقي (املتوىف‪:‬‬
‫‪1396‬هـ) بريوت‪ -‬دار العلم للماليني‪ ،‬الطبعة اخلامسة عرشة‪2002 /‬م‪.‬‬
‫‪9.9‬األم‪ ،‬اإلمام الشافعي؛ أبو عبد اهلل حممد بن إدريس بن العباس بن عثامن بن شافع بن‬
‫عب�د املطلب بن عبد مناف املطلبي القريش املكي (املتوىف‪204 :‬هـ) بريوت‪ -‬دار املعرفة‬
‫‪1410‬هـ‪1990/‬م‪.‬‬
‫‪1010‬إنباه الرواة عىل أنباه النحاة‪ ،‬مجال الدين أبو احلسن عيل بن يوسف القفطي (املتوىف‪:‬‬
‫‪646‬هـ) املكتبة العرصية‪ ،‬بريوت الطبعة األوىل‪1424 /‬هـ‪.‬‬
‫‪1111‬أن�وار التنزي�ل وأرسار التأوي�ل‪ ،‬ن�ارص الدين أبو س�عيد عبد اهلل ب�ن عمر بن حممد‬
‫الشريازي البيضاوي (املتوىف‪685 :‬هـ) حتقيق‪ :‬حممد عبد الرمحن املرعشيل‪ ،‬بريوت‪ -‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1418 /‬هـ‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫‪1212‬األن�وار ألعمال األبرار‪ ،‬الش�يخ اإلم�ام مجال الدين يوس�ف بن إبراهي�م اإلردبييل‬
‫(املتوىف‪799 :‬هـ) القاهرة‪ ،‬مطبعة اجلاملية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1328‬هـ‪1910 -‬م‪.‬‬
‫‪1313‬الب�در الس�اطع على مج�ع اجلوام�ع‪ ،‬حمم�د بخي�ت املطيع�ي‪ .‬مصر‪ -‬مطبع�ة‬
‫التمدن‪1332/‬هـ‪.‬‬
‫‪1414‬الب�در الطال�ع بمحاس�ن من بعد القرن الس�ابع‪ ،‬حممد بن عيل بن حمم�د بن عبد اهلل‬
‫الشوكاين اليمني (املتوىف‪1250 :‬هـ) بريوت‪ -‬دار املعرفة‪.‬‬
‫‪1515‬الربهان‪ ،‬إمام احلرمني‪ :‬أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف اجلويني ‪478‬هـ‪،‬‬
‫بتحقي�ق الدكت�ور عبد العظيم الديب رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬نشر دار األنصار بالقاهرة (موافقة‬
‫لطبعة قطر يف جزأين)‪.‬‬
‫‪1616‬بغي�ة الوع�اة يف طبقات اللغويين والنحاة‪ ،‬عب�د الرمحن بن أيب بك�ر‪ ،‬جالل الدين‬
‫الس�يوطي (املتوىف‪911 :‬ه�ـ) حتقيق‪ :‬حممد أبو الفض�ل إبراهيم‪ ،‬لبن�ان ‪ -‬صيدا‪ ،‬املكتبة‬
‫العرصية‪.‬‬
‫‪1717‬البناية رشح اهلداية‪ ،‬أبو حممد حممود بن أمحد بن موس�ى بن أمحد بن حسين الغيتايب‬
‫احلنف�ي بدر الدين العيني (املتوىف‪855 :‬هـ) بريوت‪ ،‬لبن�ان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ 1420 /‬هـ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪1818‬ت�اج العروس م�ن جواهر القاموس‪ ،‬حمم�د بن حممد بن عبد الرزاق احلس�يني‪ ،‬أبو‬
‫الزبيدي (املتوىف‪1205 :‬هـ) جمموعة من املحققني‪ ،‬دار اهلداية‪.‬‬‫الفيض‪ ،‬امللقب باملرتىض َّ‬
‫‪1919‬تبصرة احل�كام يف أص�ول األقضية ومناه�ج األحكام‪ ،‬اب�ن فرحون بره�ان الدين‬
‫إبراهيم بن عيل بن حممد اليعمري (املتوىف‪799 :‬هـ) القاهرة‪ -‬مكتبة الكليات األزهرية‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1406 /‬هـ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪2020‬حتف�ة املحت�اج يف رشح املنهاج‪ ،‬أمحد ب�ن حممد بن عيل بن حج�ر اهليتمي‪ ،‬روجعت‬
‫وصححت‪ :‬عىل عدة نس�خ بمعرفة جلنة من العلامء‪ ،‬مع حاش�يتي الرشواين وابن قاسم‪،‬‬
‫القاهرة‪ -‬املكتبة التجارية الكربى (مصطفى حممد)‪.‬‬
‫‪2121‬التعريفات‪ ،‬عيل بن حممد بن عيل الزين الرشيف اجلرجاين (املتوىف‪816 :‬هـ) ضبطه‬
‫وصححه مجاعة من العلامء بإرشاف النارش‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1403 /‬هـ‪1983 -‬م‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫‪2222‬تفسري البغوي (معامل التنزيل) حميي السنة‪ ،‬أبو حممد احلسني بن مسعود بن حممد‪ ‬بن‬
‫الف�راء البغوي الش�افعي (املت�وىف‪510 :‬هـ) حتقيق‪ :‬عب�د الرزاق امله�دي‪ ،‬بريوت‪ -‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2323‬تفسير الرازي (مفاتيح الغيب ‪ /‬التفسير الكبري) فخر الدي�ن أبو عبد اهلل حممد بن‬
‫عمر بن احلس�ن بن احلسني التيمي الرازي (املتوىف‪606 :‬هـ) بريوت‪ -‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1420 /‬هـ‪.‬‬
‫‪2424‬التقري�ر والتحبير رشح التحرير يف أصول الفقه‪ ،‬ابن أمير احلاج‪ ،‬القاهرة‪ -‬املطبعة‬
‫األمريية الكربى‪ ،‬الطبعة األوىل‪1316 /‬هـ‪.‬‬
‫‪2525‬تكمل�ة املجم�وع‪ ،‬للعالمة تقي الدين عيل بن عبد الكايف الس�بكي الش�افعي‪ ،‬وهو‬
‫التكمل�ة األوىل لشرح املهذب الذي صنع�ه اإلمام النووي‪ ،‬ووافت�ه املنية يف أثناء رشحه‬
‫ب�اب الرب�ا‪ ،‬وقد أكمله الش�يخ الس�بكي حتى عي�وب املبيع وال�رد بالعي�ب‪ ،‬وهو يمثل‬
‫األجزاء من العارش حتى الثاين عرش‪ ،‬من طبعة دار الفكر‪.‬‬
‫‪2626‬التلويح عىل التوضيح‪ ،‬للعالمة سعد الدين التفتازاين‪ ،‬القاهرة‪ -‬مطبعة صبيح‪.‬‬
‫‪2727‬هتذي�ب األسماء واللغات‪ ،‬أبو زكري�ا حميي الدين حييى ب�ن رشف النووي (املتوىف‪:‬‬
‫‪676‬هـ) عنيت بنرشه وتصحيحه والتعليق عليه ومقابلة أصوله‪ :‬رشكة العلامء بمساعدة‬
‫إدارة الطباعة املنريية‪ ،‬يطلب من‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪2828‬التوضي�ح على التنقي�ح لص�در الرشيع�ة‪ ،‬ضم�ن جمموعة ح�وايش على التلويح‪،‬‬
‫القاهرة‪ -‬املطبعة اخلريية‪ /‬الطبعة األوىل ‪1322‬هـ‪.‬‬
‫‪2929‬تيسير التحري�ر‪ ،‬حمم�د أمني (املع�روف بأمري بادش�اه احلس�يني احلنف�ي) القاهرة‪:‬‬
‫مصطفى احللبي‪ ،‬الطبعة األوىل (د‪.‬ت) وقد صححت عىل نسخة خطية من مكتبة سيدي‬
‫الشيخ حممد بخيت رمحه اهلل‪ ،‬وذلك يف حياته‪.‬‬
‫‪3030‬اجلواه�ر املضي�ة يف طبقات احلنفي�ة ملحيي الدين أيب حممد عبد الق�ادر بن أيب الوفاء‬
‫القريش احلنفي حتقيق‪ :‬د‪ /‬عبد الفتاح احللو‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1418 /‬هـ‪.‬‬
‫‪3131‬حاش�ية األمري عىل اجلوهرة‪ ،‬الشيخ حممد األمري الصغري عىل رشح عبد السالم عىل‬
‫اجلوهرة‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصطفى احللبي ‪1368‬هـ‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫‪3232‬حاش�ية الباجوري عىل متن الس�لم يف املنط�ق‪ ،‬العالمة الش�يخ إبراهيم الباجوري‪،‬‬
‫القاهرة‪ -‬مصطفى احللبي‪.‬‬
‫‪3333‬حاش�ية الباج�وري عىل ابن قاس�م يف الفق�ه‪ ،‬العالمة الش�يخ إبراهي�م الباجوري‪،‬‬
‫القاهرة‪ -‬دار الطباعة العامرة (بوالق)‪1285 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3434‬حاشية البيجرمي عىل رشح املنهج (التجريد لنفع العبيد)‪ ،‬سليامن بن حممد بن عمر‬
‫البجريمي املرصي الشافعي (املتوىف‪1221 :‬هـ) القاهرة‪ -‬مطبعة احللبي‪1369 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3535‬حاش�ية اجلم�ل عىل املنه�ج (فتوح�ات الوه�اب بتوضي�ح رشح منه�ج الطالب)‬
‫س�ليامن‪ ‬بن عمر بن منص�ور العجييل األزه�ري‪ ،‬املعروف باجلمل (املت�وىف‪1204 :‬هـ)‬
‫القاهرة‪ -‬املكتبة التجارية‪ -‬مصطفى حممد‪.‬‬
‫‪3636‬حاش�ية احلاج إبراهيم عىل األنوار ألعامل األبرار‪ ،‬هبامش األنوار‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة‬
‫اجلاملية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1328‬هـ‪1910 -‬م‪.‬‬
‫‪3737‬حاش�ية الدس�وقي على الشرح الكبير للش�يخ الدردي�ر‪ ،‬العالمة حممد ب�ن عرفة‬
‫الدسوقي‪ ،‬مطبوع مع الرشح الكبري للعالمة الدردير‪ ،‬القاهرة‪ -‬عيسى احللبي (دار إحياء‬
‫الكتب العربية) (دار إحياء الكتب العربية)‪.‬‬
‫‪3838‬حاشية الرميل الكبري عىل رشح الروض لشيخ اإلسالم‪ ،‬شهاب الدين أمحد بن محزة‬
‫الرميل (ت‪957 :‬هـ)‪ ،‬مطبوع هبامش أسنى املطالب‪ ،‬مصورة دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪3939‬حاشية الشربامليس عىل هناية املحتاج‪ ،‬أبو الضياء نور الدين عيل بن عيل الشربامليس‬
‫(ت‪1087 :‬ه�ـ) مطبوع مع هناية املحتاج للرميل باحلاش�ية الس�فلية‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصطفى‬
‫احللبي‪ ،‬الطبعة األخرية‪1386 ،‬هـ‪1967 -‬م‪.‬‬
‫‪4040‬حاش�ية الشرِّ ْ واين عىل التحفة‪ ،‬عبد احلميد أفندي الداغس�تاين الرشواين نزيل مكة‪،‬‬
‫مطب�وع م�ع حتف�ة املحت�اج يف رشح املنه�اج‪ ،‬أمحد ب�ن حممد بن علي بن حج�ر اهليتمي‪،‬‬
‫روجع�ت وصححت عىل عدة نس�خ بمعرفة جلنة من العلماء‪ ،‬القاهرة‪ -‬املكتبة التجارية‬
‫الكربى (مصطفى حممد)‪.‬‬
‫‪4141‬حاش�ية ابن عابدين (رد املحتار عىل الدر املختار)‪ ،‬العالمة حممد أمني عابدين (ت‪:‬‬
‫‪1306‬هـ)‪ ،‬القاهرة‪ -‬املطبعة العامرة (بوالق)‪ ،‬الطبعة األوىل‪1272 /‬هـ‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫‪4242‬حاش�ية العط�ار على اخلبيصي يف املنطق‪ ،‬العالمة الش�يخ حس�ن بن حمم�د العطار‬
‫(ت‪1250 :‬هـ) القاهرة‪ -‬عيس�ى احللبي (دار إحياء الكتب العربية) (دار إحياء الكتب‬
‫العربية)‪1380 ،‬هـ‪1960 -‬م‪.‬‬
‫‪4343‬حاشية ابن قاسم العبادي عىل التحفة‪ ،‬أمحد بن قاسم العبادي (ت‪992 :‬هـ) مطبوع‬
‫م�ع حتف�ة املحت�اج يف رشح املنهاج‪ ،‬أمح�د بن حممد بن علي بن حجر اهليتم�ي‪ ،‬روجعت‬
‫وصحح�ت عىل عدة نس�خ بمعرفة جلنة من العلماء‪ ،‬القاهرة‪ -‬املكتب�ة التجارية الكربى‬
‫(مصطفى حممد)‪.‬‬
‫‪4444‬حاش�ية القليويب عىل رشح املنه�اج جلالل الدين املحيل‪ ،‬ش�هاب الدين أبو العباس‬
‫أمح�د بن أمحد بن سلامة القليويب (ت‪1069 :‬هـ) وهي حاش�ية على رشح اجلالل عىل‬
‫املنهاج املوسوم بكنز الراغبني‪ ،‬طبعت معه يف القاهرة‪ -‬عيسى احللبي (دار إحياء الكتب‬
‫العربية)‪.‬‬
‫‪4545‬حاش�ية الكمث�رى عىل األن�وار‪ ،‬هبامش األن�وار ألعامل األب�رار‪ ،‬القاه�رة‪ ،‬مطبعة‬
‫اجلاملية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1328‬هـ‪1910 -‬م‪.‬‬
‫‪4646‬احل�اوي الكبري‪ ،‬أبو احلس�ن عيل بن حممد ب�ن حممد بن حبيب البصري البغدادي‪،‬‬
‫الشهري باملاوردي (املتوىف‪450 :‬هـ) حتقيق عيل حممد معوض‪ -‬عادل أمحد عبد املوجود‪،‬‬
‫بريوت لبنان‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1419 /‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪4747‬احلدود األنيقة والتعريفات الدقيقة‪ ،‬ش�يخ اإلسلام زين الدي�ن أبو حييى زكريا بن‬
‫حمم�د بن أمحد بن زكريا األنص�اري‪( ،‬املتوىف‪926 :‬هـ) حتقيق د‪ .‬مازن املبارك‪ ،‬بريوت‪-‬‬
‫دار الفكر املعارص‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1411 /‬هـ‪.‬‬
‫‪4848‬خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عرش‪ ،‬حممد أمني بن فضل اهلل بن حمب الدين‪ ‬بن‬
‫حممد املحبي احلموي األصل‪ ،‬الدمشقي (املتوىف‪1111 :‬هـ) بريوت‪ -‬دار صادر‪.‬‬
‫‪4949‬اخللاف اللفظ�ي عند األصوليني‪ ،‬حممد حس�ن أبو العز‪ ،‬بحث منش�ور بمجلة دار‬
‫اإلفتاء املرصية‪ ،‬العدد السابع إبريل ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪5050‬ال�درر الكامن�ة يف أعيان املائة الثامنة‪ ،‬أبو الفضل أمحد ب�ن عيل بن حممد بن أمحد بن‬
‫حجر العس�قالين (املت�وىف‪852 :‬هـ) جملس دائرة املع�ارف العثامنية‪ ،‬اهلن�د‪ -‬حيدر أباد‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1392 /‬هـ‪1972 -‬م‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫‪5151‬روض�ة الطالبني‪ ،‬أب�و زكريا حميي الدين حييى بن رشف الن�ووي (املتوىف‪676 :‬هـ)‬
‫حتقي�ق‪ :‬زهير الش�اويش‪ ،‬بريوت‪ -‬دمش�ق‪ -‬عامن املكتب اإلسلامي‪ ،‬الطبع�ة الثالثة‪/‬‬
‫‪1412‬هـ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪5252‬س�لم الوص�ول لشرح هناية الس�ول رشح منه�اج األصول‪ ،‬الش�يخ حمم�د بخيت‬
‫املطيعي‪ ،‬مطبوع باحلاش�ية الس�فلية لنهاية الس�ول لإلس�نوي‪ ،‬املطبعة الس�لفية بالقاهرة‬
‫‪1345‬هـ‪.‬‬
‫‪5353‬رشح اخل�ريش على خمتصر خليل‪ ،‬حممد ب�ن عبد اهلل اخل�ريش املالكي أب�و عبد اهلل‬
‫(املتوىف‪1101 :‬هـ) بريوت‪ -‬دار الفكر للطباعة‪.‬‬
‫‪ 5454‬الشرح الكبير عىل الوجي�ز (العزيز رشح الوجي�ز) عبد الكريم ب�ن حممد الرافعي‬
‫القزويني (املتوىف‪623 :‬هـ) دار الفكر‪.‬‬
‫‪5555‬الرشح الكبري عىل خمترص خليل‪ ،‬أبو الربكات سيدي أمحد الدردير (ت‪1201 :‬هـ)‪،‬‬
‫مطبوع هبامش حاشية الدسوقي‪ ،‬القاهرة‪ -‬عيسى احللبي (دار إحياء الكتب العربية)‪.‬‬
‫‪5656‬صحيح مسلم‪ ،‬اإلمام مسلم بن احلجاج النيسابوري‪ ،‬إصدار مجعية املكنز‪.‬‬
‫‪5757‬طبقات الش�افعيني للحافظ ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثري القريش‬
‫البصري ثم الدمش�قي (املت�وىف‪774 :‬هـ) حتقي�ق‪ :‬د‪ .‬أمحد عمر هاش�م‪ ،‬د‪ .‬حممد زينهم‬
‫حممد عزب‪ ،‬القاهرة‪ -‬مكتبة الثقافة الدينية‪ 1413/‬هـ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫‪5858‬طبقات الش�افعية الكربى للسبكي‪ ،‬تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي‬
‫(املت�وىف‪771 :‬ه�ـ) حتقيق‪ :‬د‪ .‬حمم�ود حممد الطناح�ي د‪ .‬عبد الفتاح حمم�د احللو‪ ،‬هجر‬
‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪1413/‬هـ‪.‬‬
‫‪5959‬طبق�ات الفقهاء الش�افعية لإلمام اب�ن الصالح‪ ،‬عثامن بن عب�د الرمحن‪ ،‬أيب عمرو‪،‬‬
‫تق�ي الدي�ن املعروف باب�ن الصالح (املت�وىف‪643 :‬هـ) حتقيق‪ :‬حميي الدي�ن عيل نجيب‪،‬‬
‫بريوت‪ -‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1992 /‬م‪.‬‬
‫حلنَفي‪ ،‬نس�به‬
‫‪6060‬الطبق�ات الكربى للش�عراين‪ ،‬أيب حممد عبد الوهاب بن أمحد بن عيل ا َ‬
‫الش� ْعراين (املتوىف‪973 :‬هـ) القاهرة‪ -‬مكتبة حممد املليجي الكتبي‬‫إىل حممد ابن احلنفية‪َّ ،‬‬
‫وأخيه‪1315 /‬هـ‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫‪6161‬الع�رف والع�ادة يف رأي الفقه�اء (ع�رض نظرية يف الترشيع اإلسلامي) األس�تاذ‬


‫الشيخ أمحد فهمي أبو سنة‪ ،‬القاهرة‪ -‬مطبعة األزهر‪1947/‬م‪.‬‬
‫‪6262‬العق�ل عن�د األصوليني لفضيل�ة الدكتور عبد العظي�م الديب رمح�ه اهلل تعاىل‪ ،‬فقد‬
‫انته�ى في�ه إىل قضية خطرية ه�ي أنه ال خالف بين األصوليني من أهل الس�نة واملعتزلة‬
‫والش�يعة عىل أنه ال حاكم إال اهلل س�بحانه وتعاىل‪ ،‬وأن ما ش�اع بخالف ذلك غري دقيق‪.‬‬
‫دار الوفاء باملنصورة‪ ،‬مرص‪.1992 -1415 ،‬‬
‫‪6363‬عل�م أص�ول الفق�ه‪ ،‬األس�تاذ الش�يخ عب�د الوه�اب خلاف‪ ،‬القاه�رة‪ -‬دار‬
‫احلديث‪2003/‬م‪.‬‬
‫‪6464‬العناي�ة رشح اهلداي�ة‪ ،‬أكم�ل الدين أبو عب�د اهلل حممد بن حممد بن حمم�ود‪ ،‬البابريت‬
‫(املتوىف‪786 :‬هـ)‪ -‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪6565‬الغرر البهية يف رشح البهجة الوردية‪ ،‬شيخ اإلسالم زكريا األنصاري (ت‪926 :‬هـ)‬
‫القاهرة‪ -‬املطبعة امليمنية‪.‬‬
‫‪ 6666‬فت�اوى الرملي‪ ،‬ش�هاب الدين أمحد بن مح�زة األنصاري الرميل الش�افعي (املتوىف‪:‬‬
‫‪957‬ه�ـ) مجعه�ا‪ :‬ابنه‪ ،‬ش�مس الدين حممد ب�ن أيب العباس أمحد بن محزة ش�هاب الدين‬
‫الرملي (املت�وىف‪1004 :‬هـ) طبع�ت هبامش الفت�اوى الكربى البن حج�ر‪ ،‬مصورة دار‬
‫صادر بريوت‪.‬‬
‫‪6767‬الفتاوى الفقهية الكربى‪ ،‬شيخ اإلسالم شهاب الدين‪ ،‬أبو العباس أمحد بن حممد‪ ‬بن‬
‫عيل بن حجر اهليتمي الس�عدي األنصاري‪( ،‬املتوىف‪974 :‬هـ) مجعها‪ :‬تلميذه الشيخ عبد‬
‫القادر بن أمحد بن عيل الفاكهي املكي (املتوىف ‪ 982‬هـ) مصورة دار صادر بريوت‪.‬‬
‫‪6868‬فتح اجلواد رشح اإلرشاد‪ ،‬شيخ اإلسالم شهاب الدين أبو العباس أمحد بن حممد‪ ‬بن‬
‫عيل بن حجر اهليتمي السعدي األنصاري (املتوىف‪974 :‬هـ)‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصطفى احللبي‪/‬‬
‫‪1347‬هـ‪.‬‬
‫‪6969‬الفتح املبني يف طبقات األصوليني‪ ،‬األس�تاذ الش�يخ عبداهلل املراغي‪ ،‬القاهرة‪ -‬عبد‬
‫احلميد حنفي‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪7070‬الفروق للقرايف (أنوار الربوق يف أنواء الفروق)‪ ،‬أبو العباس شهاب الدين أمحد بن‬
‫إدريس بن عبد الرمحن املالكي الشهري بالقرايف (املتوىف‪684 :‬هـ)‪ -‬عامل الكتب‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫‪7171‬فق�ه إمام احلرمني‪ ،‬خصائصه‪ ،‬أثره‪ ،‬منزلته‪ ،‬د‪ /‬عبد العظيم الديب‪ ،‬املنصورة‪ -‬دار‬
‫الوفاء‪1409 ،‬هـ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪7272‬الفقه املنهجي عىل مذهب اإلمام الش�افعي‪ ،‬د‪ /‬مصطفى اخلن‪ ،‬د‪ /‬مصطفى البغا‪،‬‬
‫الش�يخ علي الرشبج�ي‪ ،‬دمش�ق ‪-‬ف�رج اهلل كرهب�ا‪ -‬دار القل�م‪ ،‬الطبعة احلادي�ة عرشة‪/‬‬
‫‪1432‬هـ‪2011 -‬م‪.‬‬
‫‪7373‬الفوائ�د املكي�ة فيما حيتاجه طلبة الش�افعية للس�يد علوي بن أمحد الس�قاف‪ ،‬ضمن‬
‫جمموعة سبعة كتب مفيدة‪ .‬القاهرة‪ :‬مصطفى احللبي‪ ،‬الطبعة األخرية‪.‬‬
‫‪7474‬فواتح الرمحوت برشح مس�لم الثبوت‪ ،‬األنصاري‪ :‬عبد العيل حممد بن نظام الدين‪،‬‬
‫مطبوع مع املس�تصفى حلجة اإلسلام الغزايل‪ .‬مصر‪ :‬املطبعة األمريي�ة الكربى‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1325‬هـ‪.‬‬
‫‪7575‬قاع�دة الع�ادة حمكم�ة‪ ،‬دراس�ة نظرية تأصيلي�ة تطبيقي�ة‪ ،‬يعقوب بن عب�د الوهاب‬
‫الباحسني‪ ،‬الرياض‪ -‬مكتبة الرشد‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1433‬هـ‪2012 -‬م‪.‬‬
‫‪7676‬قواعد األحكام يف مصالح األنام‪ ،‬أبو حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم‪ ‬بن‬
‫أيب القاس�م بن احلس�ن الس�لمي الدمش�قي‪ ،‬امللقب بس�لطان العلامء (املتوىف‪660 :‬هـ)‬
‫راجع�ه وعل�ق عليه‪ :‬ط�ه عبد ال�رؤوف س�عد‪ ،‬القاه�رة‪ -‬مكتب�ة الكلي�ات األزهرية‪/‬‬
‫‪1414‬هـ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪7777‬القواع�د الفقهي�ة الكربى وأثره�ا يف الفقه عند الش�افعية‪ ،‬عبد الرمح�ن بن عبد اهلل‬
‫السقاف‪ ،‬رسالة دكتوراه غري منشورة‪ ،‬اليمن السعيد ‪-‬أنقذه اهلل تعاىل‪ -‬جامعة األحقاف‬
‫‪2013‬م‪.‬‬
‫‪7878‬القواع�د الفقهية يف املذهبني احلنفي والش�افعي‪ ،‬الدكتور حممد الزحييل‪ ،‬الكويت‪-‬‬
‫إصدارات جملس النرش العلمي بجامعة الكويت‪ ،‬الطبعة الثانية‪2004 /‬م‪.‬‬
‫‪7979‬القواع�د الكلية والضوابط الفقهية يف الرشيعة اإلسلامية‪ ،‬األس�تاذ الدكتور حممد‬
‫عثامن شبري‪ ،‬عامن‪ -‬األردن‪ -‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة الثانية‪1428 /‬هـ‪2007 -‬م‪.‬‬
‫‪8080‬الكليات‪ ،‬أيوب بن موس�ى احلس�يني القريمي الكفوي‪ ،‬أبو البقاء احلنفي (املتوىف‪:‬‬
‫‪1094‬هـ) حتقيق‪ :‬عدنان درويش‪ -‬حممد املرصي‪ ،‬بريوت‪ -‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫‪8181‬الكواكب الس�ائرة بأعيان املئة العارشة‪ ،‬نجم الدي�ن حممد بن حممد الغزي (املتوىف‪:‬‬
‫‪1061‬ه�ـ) حتقيق‪ :‬خليل املنصور‪ ،‬بريوت‪ -‬لبن�ان‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪ 1418‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪8282‬املبس�وط‪ ،‬حممد بن أمحد بن أيب س�هل ش�مس األئمة الرسخيس (املتوىف‪483 :‬هـ)‬
‫بريوت‪ -‬دار املعرفة‪1414 /‬هـ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫‪8383‬جمم�ل اللغ�ة‪ ،‬أمحد بن ف�ارس بن زكري�اء القزويني ال�رازي‪ ،‬أبو احلسين (املتوىف‪:‬‬
‫‪395‬هـ) دراس�ة وحتقيق‪ :‬زهري عبد املحسن سلطان‪ ،‬بريوت‪ -‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ 1406 /‬هـ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪8484‬املجموع لإلمام النووي‪ ،‬مع تكملتي السبكي واملطيعي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪8585‬جملة األحكام العدلية‪ ،‬جلنة مكونة من عدة علامء وفقهاء يف اخلالفة العثامنية‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫ِ‬
‫جتارت كتب‪ ،‬آرام باغ‪ ،‬كراتيش‪.‬‬ ‫نجيب هواويني‪ ،‬النارش‪ :‬نور حممد‪ ،‬كارخانه‬
‫‪8686‬املحي�ط الربه�اين يف الفقه النعامين‪ ،‬أب�و املعايل برهان الدين حممود ب�ن أمحد بن عبد‬
‫العزي�ز ب�ن عمر بن َم َاز َة البخ�اري احلنفي (املتوىف‪616 :‬هـ) حتقيق‪ :‬عبد الكريم س�امي‬
‫اجلندي‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1424 /‬هـ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫‪8787‬خمتصر اإلمام عز الدين بن عبد السلام‪ ،‬باب الوكال�ة‪ ،‬مطبوع ضمن هناية املطلب‬
‫بتحقي�ق الدكتور عب�د العظيم الديب‪ ،‬ج�دة‪ -‬دار املنهاج‪ ،‬الطبع�ة األوىل‪1428 /‬هـ‪-‬‬
‫‪2007‬م‪.‬‬
‫‪8888‬م�دارك التنزي�ل وحقائ�ق التأويل‪ ،‬أبو البركات عبد اهلل بن أمحد ب�ن حممود حافظ‬
‫الدي�ن النس�في (املتوىف‪710 :‬ه�ـ) حققه وخرج أحاديثه‪ :‬يوس�ف عيل بدي�وي‪ ،‬راجعه‬
‫وقدم له‪ :‬حميي الدين ديب مستو‪ ،‬بريوت‪ -‬دار الكلم الطيب‪ ،‬الطبعة األوىل‪1419 /‬هـ‪-‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪8989‬املدخل الفقهي العام‪ ،‬األس�تاذ مصطفى الزرقا‪ ،‬دمشق‪ -‬دار القلم‪ ،‬الطبعة الثانية‪/‬‬
‫‪1425‬هـ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫‪9090‬املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري‪ ،‬أبو العباس أمحد بن حممد بن عيل الفيومي ثم‬
‫احلموي (املتوىف‪ :‬نحو ‪770‬هـ) بريوت‪ -‬املكتبة العلمية‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫‪9191‬املغني البن قدامة املقديس‪ ،‬أيب حممد موفق الدين عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة‬
‫اجلامعييل املقديس ثم الدمش�قي احلنبيل‪( ،‬املتوىف‪620 :‬هـ)‪ -‬مكتبة القاهرة (عيل يوسف‬
‫سليامن)‪.‬‬
‫‪9292‬مغن�ي املحت�اج إىل معرف�ة مع�اين ألف�اظ املنه�اج‪ ،‬العالمة الش�يخ حمم�د الرشبيني‬
‫اخلطيب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصطفى احللبي‪1377 /‬هـ‪1958 -‬م‪.‬‬
‫‪9393‬املسامرة يف رشح املسايرة‪ ،‬للكامل بن أيب رشيف‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة السعادة؛ فرج اهلل‬
‫زكي الكردي‪ .‬الطبعة الثانية‪1347 /‬هـ‪ .‬وقد صورهتا دار البصائر بالقاهرة‪.‬‬
‫‪9494‬مقاييس اللغة البن فارس‪ ،‬أيب احلسني أمحد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي‪،‬‬
‫(املت�وىف‪395 :‬هـ) حتقيق األس�تاذ عبد السلام حممد ه�ارون‪ ،‬دار الفك�ر‪1399 /‬هـ‪-‬‬
‫‪1979‬م‪.‬‬
‫‪9595‬امللكية ونظرية العقد للعالمة الش�يخ حممد أيب زه�رة‪ ،‬القاهرة‪ -‬دار الفكر العريب‪/‬‬
‫‪1977‬م‪.‬‬
‫‪9696‬املنث�ور يف قواع�د الفق�ه الش�افعي‪ ،‬أب�و عب�د اهلل ب�در الدين حمم�د بن عب�د اهلل بن‬
‫هب�ادر الزركشي (املت�وىف‪794 :‬ه�ـ) الكوي�ت‪ -‬وزارة األوق�اف الكويتي�ة‪ ،‬الطبع�ة‬
‫الثانية‪1405/‬هـ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫‪9797‬املنهاج الس�وي يف ترمج�ة اإلمام النووي‪ ،‬الش�يخ عالء الدين العط�ار تلميذ اإلمام‬
‫الن�ووي‪ ،‬مطب�وع يف صدر روضة الطالبين لإلمام النووي بتحقي�ق عيل معوض وعادل‬
‫عبد املوجود‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪9898‬املهذب يف علم ُأصول الفقه املقارن‪ ،‬عبد الكريم بن عيل بن حممد النملة‪ ،‬الرياض‪-‬‬
‫مكتبة الرشد‪ ،‬الطبعة األوىل‪1420 /‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪9999‬املواهب الربانية يف رشح املقدمات السنوس�ية أليب إسحاق الرسقسطي‪ ،‬مطبوع مع‬
‫رس�الة بصائر أزهرية لش�يخنا الدكتور مجال فاروق‪ ،‬القاهرة‪ -‬كش�يدة للنرش والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1436‬هـ‪2015 -‬م‪.‬‬
‫‪10100‬املوط�أ لإلم�ام مالك بن أنس‪ ،‬مالك بن أنس بن مال�ك بن عامر األصبحي املدين‬
‫(املت�وىف‪179 :‬هـ) صحح�ه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه‪ :‬حمم�د فؤاد عبد الباقي‪،‬‬
‫بريوت‪ -‬لبنان‪ -‬دار إحياء الرتاث العريب‪ 1406 /‬هـ‪1985 -‬م‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫العدد الخامس والعشرون‬

‫‪10101‬نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‪ ،‬العالمة حممد أمني عابدين احلنفي‬
‫(ت‪1306 :‬هـ)‪ ،‬مطبوع ضمن جمموع رسائل الشيخ ابن عابدين‪.‬‬
‫‪10102‬هناية السول رشح منهاج الوصول‪ ،‬لإلسنوي‪ ،‬أيب حممد مجال الدين عبد‪ ‬الرحيم‪ ‬بن‬
‫احلسن بن عيل اإلسنوي الشافعي (املتوىف‪772 :‬هـ) بريوت‪ -‬لبنان‪ -‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1420 ،‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪10103‬النهاي�ة يف غري�ب احلديث واألثر‪ ،‬جمد الدين أبو الس�عادات املب�ارك بن حممد بن‬
‫حممد بن حممد بن عبد الكريم الشيباين اجلزري ابن األثري (املتوىف‪606 :‬هـ) حتقيق‪ :‬طاهر‬
‫أمحد الزاوي‪ -‬حممود حممد الطناحي‪ ،‬بريوت‪ -‬املكتبة العلمية‪1399 /‬هـ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫‪10104‬هناية املحتاج إىل رشح املنهاج‪ ،‬شمس الدين الرميل‪ ،‬حممد بن أيب العباس أمحد‪ ‬بن‬
‫مح�زة الرملي املنويف املرصي األنصاري امللقب بالش�افعي الصغير (املتوىف‪1004 :‬هـ)‪،‬‬
‫مطب�وع م�ع حاش�يتي الشبرامليس والرش�يدي‪ ،‬القاه�رة‪ -‬مصطف�ى احللب�ي‪ ،‬الطبع�ة‬
‫األخرية‪1386 /‬هـ‪1967 -‬م‪.‬‬
‫‪10105‬هناية املطلب يف دراية املذهب‪ ،‬أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف اجلويني‬
‫‪478‬ه�ـ‪ ،‬بتحقيق الدكتور عبد العظيم الديب رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬جدة‪ -‬دار املنهاج‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1428 /‬هـ‪2007 -‬م‪.‬‬
‫‪10106‬الوس�يط يف املذه�ب‪ ،‬حجة اإلسلام الغ�زايل‪ :‬أبو حام�د حممد بن حمم�د الغزايل‬
‫الط�ويس (املتوىف‪505 :‬هـ) حتقيق‪ :‬أمحد حمم�ود إبراهيم‪ ،‬حممد حممد تامر‪ ،‬القاهرة‪ -‬دار‬
‫السالم‪ ،‬الطبعة األوىل‪1417 /‬هـ‪.‬‬
‫‪10107‬وفيات األعيان‪ ،‬أبو العباس شمس الدين أمحد بن حممد بن إبراهيم بن أيب بكر ابن‬
‫خلكان الربمكي اإلربيل (املتوىف‪681 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬بريوت‪ -‬دار صادر‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫ةيعفاشلا دنع فرُعلا رابتعا لوصأ‬

‫احملتويات‬
‫م� ‪146.............................................................................‬‬ ‫ق ة‬
‫م�د‬
‫أ‬
‫بح� ا ل� ‪ :‬ض��ط ا تل�ص ا ت‬ ‫ا لم� ث‬
‫� ‪150.................................................‬‬ ‫ور‬ ‫ول ب‬
‫ن ش ف‬ ‫قة‬ ‫ف‬
‫ل�ا �عي� ة� ‪150.......................‬‬ ‫(‪ )1‬مع�نى ا لعر� و ا لعا د ة� و ا لعلا �� ب�ي� ن�هما ع�د ا‬
‫ل�ا ص ‪160................................‬‬ ‫تح�� ق ا لم ا د �ا لع ف� ا لعا ا لع ف� ا خ‬ ‫ق‬
‫مو ر‬ ‫(‪ � )2‬ي� ر ب ر‬
‫ف‬ ‫ف ق ق‬
‫بح�ي� ة� ا لعر� ‪169..............................................‬‬ ‫(‪� )3‬ي� �تح��ي� ا لمرا د � ج‬
‫� ‪176..............................................‬‬ ‫بح� ا ثل�ا �ن ‪ :‬ض��ط ا تل�صد � ق�ا ت‬
‫ا لم� ث‬
‫ي‬ ‫ي� ب‬
‫ي� ا لع ف� ا ش‬ ‫ت ض‬
‫ل��ر ع ‪176................................................‬‬ ‫(‪ )1‬ا ل�عا ر� ب�� ن ر و‬
‫ف‬
‫(‪ )2‬ا لعر� ا لعملي� و ا لل�غ ة� ‪190.........................................................‬‬
‫أ‬ ‫ف‬ ‫أ ف‬
‫(‪ )3‬ا ل�عرا � ا لحا د ث� ة� ب� خ�لا � ما �نص ا ل�صحا ب� عل�يه ‪195...........................‬‬
‫ل�� ط �ق�ض ي� ة� ا ش‬
‫ل��رو ط ا فل�ا سد ة� ‪200.......................‬‬ ‫ة ش‬ ‫ف ن ز‬
‫(‪ )4‬ا لعر� ا ل�ا �ل م�ن�ز ل� ا ر و‬
‫ا نل� ت�ا ئ� ج� ‪208............................................................................‬‬
‫ا لمصا در و ا لمرا �ج ع ‪210................................................................‬‬
‫� ‪221........................................................................‬‬ ‫ح� �ا ت‬‫ت‬
‫ا لم وي‬

‫‪221‬‬

You might also like