You are on page 1of 216

‫مشاهد من المقاصد‬

‫معالي العالمة‬

‫عبد اهلل بن الشيــخ المحفـوظ بن بيـــه‬


‫مشاهد من المقاصد‬
‫معالي العالمة‬
‫عبد اهلل بن الشيخ المحفوظ بن بيه‬
‫الن�شر والتوزيع‬
‫الطبعة الثانية‬ ‫والتنفيذ الفني والإخراج‬
‫‪ 1433‬هـ ‪2012 -‬م‬
‫طبعة مزيدة ومنقحة‬
‫جميع احلقوق حمفوظة‬

‫‪www.wojoooh.com‬‬
‫اململكة العربية ال�سعودية ‪ -‬الريا�ض‬
‫ت‪ 4918198 :‬فاك�س‪ :‬حتويلة ‪108‬‬
‫للتوا�صل والن�شر‪:‬‬
‫ح‪ /‬دار وجوه للنرش والتوزيع ‪1431‬هـ‪.‬‬ ‫‪wojoooh@hotmail.com‬‬
‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النرش‬
‫بن بيه‪ ،‬عبداهلل بن الشيخ املحفوظ‬ ‫بال�شراكة مع‬
‫مشاهد من املقاصد‪ / .‬عبداهلل بن الشيخ احلفوظ بن بيه‬
‫الرياض‪1433 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ 215‬ص؛ ‪24‬سم‬
‫ردمك‪978-603-8065-15-0 :‬‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية – جدة‬
‫‪-1‬أصول الفقه ‪ -2‬املقاصد الرشعية أ‪ .‬العنوان‬ ‫‪Www.BinBayyah.Net‬‬
‫ديوي ‪1431/4908 251‬‬
‫‪DarAltajdeed@gmail.com‬‬
‫رقم اإليداع‪1431/4908 :‬‬
‫ردمك‪978-603-8065-15-0 :‬‬ ‫هاتف ‪/‬فاك�س ‪966 22635188:‬‬
‫جوال ‪966555146380 :‬‬
‫مدخل‬

‫وآله وصحبه‪..‬‬ ‫احلمد هلل والصالة والسالم عىل سيدنا حممد‬

‫ِ‬
‫الالت‬ ‫لكتَابِ َ‬
‫«أمالِ الدَّ‬ ‫رب ُم َك ِّملً ِ‬
‫قاص ِد ُيعت ُ‬
‫للم ِ‬ ‫الكتاب الذي ُن ِّ‬
‫خص ُصه َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن هذا‬
‫ِ‬
‫الالت األلفاظ‪،‬‬ ‫ث َد‬ ‫األول ملَ ِ‬
‫باح ِ‬ ‫َ‬ ‫صصت ُج ْز َءه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الفات» ‪-‬الذي َخ‬‫االختِ‬
‫ومَايل ْ‬
‫الو ِجي ِز مُارض ٌة بمك َة‬ ‫ِ‬
‫الكتاب َ‬ ‫ُ‬
‫وأصل هذا‬ ‫ِ‬
‫الالت املعاين‪-‬‬ ‫ُ‬
‫واجلز َء الثاين لدَ‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وقد أردناه ورق ًة‬
‫ّ‬ ‫مقاصد الش ِ‬
‫َّيعة‬ ‫ِ‬ ‫مركز ِدراسات‬
‫ُ‬ ‫املكرمة َن َّظمها‬
‫رسم َمسري َة‬
‫سم‪ ،‬و َت ُ‬ ‫نس وال َفصلِ َّ‬
‫والر ِ‬ ‫االسم با ِ‬
‫جل ِ‬ ‫َ‬ ‫تعريفي ًة للمقاصد‪ُ ،‬ت ِّ‬
‫عر ُف هذا‬
‫نطلقه دعو ًة‬ ‫ِ‬
‫واالستشفاف‪ ،‬الذي كان ُم ُ‬ ‫ِ‬
‫االستكشاف‬ ‫َ‬
‫وتاريخ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‪،‬‬ ‫َت ُّ‬
‫شكلِ‬
‫ري والتد ُب ِر وتنبيهه عىل‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان يف التفك ِ‬ ‫إلعامل العقلِ ا ُمل ِ‬
‫ركب يف‬ ‫ِ‬ ‫رباني ًة قرآني ًة‬
‫‪-5-‬‬
‫اخللق واألم ِر ِصنوين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودالالت األم ِر؛ باعتبا ِر‬ ‫اخل ْل ِق‬ ‫رق ال َّنظر(‪ )1‬يف ِ‬
‫آيات َ‬ ‫ُط ِ‬
‫اآلخرﱫ ﮝ ﮞ‬
‫َ‬ ‫كل منهام‬ ‫ُ‬
‫صدق ُ‬ ‫املسطور ُي‬
‫ُ‬ ‫واألمر كتا ُبه‬
‫ُ‬ ‫املنشور‬
‫ُ‬ ‫كتاب اهلل‬ ‫ُ‬
‫فالكون ُ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﱪ [األعراف‪ ،]54 :‬ﱫ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜﮝ ﱪ[اجلاثية‪.]18 :‬‬
‫طلب رشعي‪ُ ،‬فهم من القرآن الكريم يف سياقني‪:‬‬ ‫َ‬
‫البحث عن املقاصد َم ٌ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫رصيح‪ ،‬وثانيهام بالتلميح من خالل تضافر نصوص التعليل يف مقامات‬
‫ٌ‬ ‫أولُام‬
‫اإلجياب والتحريم والتحليل‪:‬‬
‫والتفكر يف آيات الكون وآيات الوحي‪ِ ،‬‬
‫وهي‬ ‫ُّ‬ ‫فالسياق األول‪ :‬دعو ُة إىل التد ُّب ِر‬
‫دعو ٌة إىل اكتناه أرسار اخللق وحكم األمرﱫ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﱪ ‪.‬‬
‫ِ‬
‫واملصلحة يف نصوص‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وإبراز‬ ‫ُ‬
‫تعليل األحكا ِم‪،‬‬ ‫أما السياق الثاين‪ :‬فهو‬
‫ِ‬
‫لألمة عىل البحث عنها كام أبرزه‬ ‫ٌ‬
‫وتربية‬ ‫تنبيه عىل املقاصد‪،‬‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وهو ٌ‬
‫األصوليون يف كتاب القياس‪.‬‬
‫ِ‬
‫اخللق واألمر‪.‬‬ ‫احلكمة ِمن‬
‫ِ‬ ‫يف السياق األول الدعو ُة إىل النظ ِر يف‬
‫ٍ‬
‫بحجة‬ ‫وأرسل إليهم رس َله‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بالغة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حلكمة‬ ‫البارئ جل وعال خلق خل َقه‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ٍ‬
‫دامغة ﱫ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﱪ [األنبياء‪،]18:‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﱪ [ص‪،]27:‬ﱫ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡﱪ [األحقاف‪.]3:‬‬

‫(‪ )1‬النظر هو‪ :‬الفكر والتأمل واالعتبار واملقايسة ور ّد ما غاب عن احلس إىل ما وجد العلم به فيه؛ الستوائهام يف‬
‫املعنى‪ ،‬واجتامعهام يف العلة‪( .‬أبو احلسن األشعري)‪.‬‬

‫‪-6-‬‬
‫وأمر بالتفك ِر يف ِ‬
‫خلقه والتدب ِر يف وحيه وأم ِره قال‪ :‬ﱫ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡﱪ [ األعراف‪، ]185:‬وقال تعاىل‪ :‬ﱫﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﱪ [آل عمران‪ ،]191:‬وقال سبحانه وتعاىل‪ :‬ﱫ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽﭾ ﱪ [النساء‪ ،]82:‬وقال جل وعال‪:‬ﱫﮣ ﮤ ﮥ ﱪ [املؤمنون‪،]68:‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﱫ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﱪ [ص‪.]29:‬‬
‫فاألمر بالتفك ِر وال َّتد ُب ِر قد ورد بصيغة اخلرب واالستفهام؛ ليكون أبلغ يف التقرير‬
‫ُ‬
‫وأ ْدعى إىل التفكري‪.‬‬
‫ِ‬
‫واملصلحة التَي‬ ‫ِ‬
‫اخللق‬ ‫ِ‬
‫حكمة‬ ‫ري والتد ُّب ُر وسيل ًة الستكناه‬
‫وإ َّنام كان التفك ُ‬
‫أحكام احلق‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تتضمنها‬
‫ِ‬
‫مئاالت األمو ِر وعواقبها‪.‬‬ ‫النظر يف‬
‫ُ‬ ‫والتدبر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إعامل النظ ِر واخلاط ِر‪.‬‬ ‫فالتفكري‬
‫أما السياق الثاين‪:‬‬
‫الشاطبي ‑وهو يتحدَّ ث عام سامه بقصد الشارع يف وضع الرشيعة‬
‫ُّ‬ ‫عنه‬
‫فقد عبَّ ُ‬
‫ابتداء‑ بقوله‪:‬‬
‫وضع الرشائع إ َّنام هو ملصالح العباد يف العاجل واآلجل ً‬
‫معا ‪ .‬وهذه دعوى‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ال بد من إقامة الربهان عليها صح ًة أو فسا ًدا‪ ،‬وليس هذا موضع ذلك‪ ،‬وقد‬
‫أن أحكام اهلل ليست ُمع َّلل ًة‬ ‫ُ‬
‫اخلالف فيها يف علم الكالم ‪ .‬وزعم الرازي َّ‬ ‫وقع‬
‫وأن املعتزل َة اتفقت عىل َّ‬
‫أن أحكا َمه تعاىل معللة‬ ‫بع َّلة ألبتة‪ ،‬كام َّ‬
‫أن أفعاله كذلك‪َّ ،‬‬
‫برعاية مصالح العباد‪ ،‬وأ َّنه اختيار أكثر الفقهاء املتأخرين‪ ،‬وملا ُ‬
‫اضط َّر يف علم‬
‫‪-7-‬‬
‫أصول الفقه إىل إثبات العلل لألحكام الرشعية؛ أثبت ذلك عىل أ َّنه يع َّلل بمعنى‬
‫املعرفة لألحكام خاصة‪ ،‬وال حاجة إىل حتقيق األمر يف هذه املسألة‪.‬‬
‫العالمات ّ‬
‫ِ‬
‫العباد استقرا ًء ال‬ ‫ملصالح‬
‫ِ‬ ‫وضعت‬
‫ْ‬ ‫واملعتمدُ إ َّنام هو‪ :‬أ َّنا استقرينا يف الرشيعة أنَّا‬
‫ريه‪:‬‬
‫الرازي وال غ ُ‬
‫ُّ‬ ‫ينازع ِ‬
‫فيه‬ ‫ُ‬
‫وهو األصل‪ :‬ﱫ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫َ‬ ‫يقول يف بعثِ ِه للرسلِ‬
‫ُ‬ ‫فإن َ‬
‫اهلل تعالَ‬ ‫َّ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﱪ [النساء‪ ،]165 :‬ﱫ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﱪ [األنبياء‪.]107 :‬‬
‫وقال يف أصل اخللقة‪:‬ﱫ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﱪ [هود‪ ،]7 :‬ﱫ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﱪ [الذاريات‪ ،]56 :‬ﱫ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢﱪ [امللك‪.]2 :‬‬
‫والس َّنة؛ فأكثر من ْ‬
‫أن تُىص؛‬ ‫ُ‬ ‫وأما التعاليل لتفاصيل األحكام يف الكتاب‬
‫كقوله تعاىل يف آية الوضوء‪ :‬ﱫ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﱪ [املائدة‪ ،]6 :‬وقال يف الصيام‪ :‬ﱫ ﭣ‬
‫ﭤﭥﭦ ﭧﭨﭩ ﭪ ﭫﭬﭭﭮ ﭯ‬
‫ﭰﱪ [البقرة‪ ،]183 :‬ويف الصالة‪ :‬ﱫ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨﯩ ﱪ [العنكبوت‪ ،]45 :‬وقال يف القبلة‪ :‬ﱫ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨﱪ [البقرة‪ ،]150 :‬ويف اجلهاد‪ :‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖ ﱪ [احلج‪ ،]39 :‬ويف القصاص‪ :‬ﱫ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﱪ‬

‫‪-8-‬‬
‫[البقرة‪ ،]179 :‬ويف التقرير عىل التوحيد‪ :‬ﱫ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﱪ [األعراف‪ ،]172 :‬واملقصود التنبيه‪.‬‬
‫وإذا َّ‬
‫دل االستقراء عىل هذا‪ ،‬وكان يف مثل هذه القضية مفيدً ا للعلم؛ فنحن‬
‫ِ‬
‫مستم ُّر يف مجيع تفاصيل الرشيعة(‪.)1‬‬ ‫نقطع بأن األمر‬
‫كانت له ميز ُة‬
‫ْ‬ ‫الرعيلِ األول الذي‬ ‫ٌ‬
‫واعية من َّ‬ ‫إن تلك الدعو َة قد َتلقفتها ٌ‬
‫آذان‬ ‫َّ‬
‫ُفأرشبت أحكامهم وفتاوهيم‬ ‫ِ‬
‫شاهدة النبي األعظم‬ ‫وم‬
‫هود الوحي ُ‬‫ومزية ُش ِ‬
‫ُ‬
‫اإلسالمي ألهنا ُتقدم إجاب ًة‬
‫ِّ‬ ‫أصبحت الح ًقا فلسف َة ال َّترشيع‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد التي‬ ‫روح‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫أساسية‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫أسئلة‬ ‫ِ‬
‫لثالثة‬
‫ُ‬
‫األول‪ :‬ما مدا استجابة الترشيع اإلسالمي للقضايا البرشية املتجددة‬ ‫ُ‬
‫السؤال‬
‫وهو ما سامه ُ‬
‫بعض القدماء بالقضايا الالمتناهية كابن رشد يف البداية‪.‬‬
‫ُ‬
‫السؤال الثاين‪:‬ما مدا ُمالءمة هذا الترشيع للمصالح اإلنسانية ورضورات احلياة؟‬
‫البرشي العقيل ا ُملؤطر بالوحي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫لالجتهاد‬ ‫ُ‬
‫املمنوحة‬ ‫ُ‬
‫املكانة‬ ‫ُ‬
‫السؤال الثالث‪ :‬ما هي‬
‫االهلي يف الترشيع اإلسالمي؟‬
‫بروح القوانني ويف ضوئها ُيفرس القضا ُة‬
‫ِ‬ ‫وإذا كان لدى الغربيني ما ُيسمى‬
‫ِ‬
‫الغرب قدْ ال تبدو‬ ‫الترشيع يف‬
‫ِ‬ ‫فإن فلسف َة‬ ‫ُ‬
‫واملحامون القواننيَ ويتأولونَا َّ‬
‫ِ‬
‫بنظرية املقاصد يف الرشيعة‬ ‫ِ‬
‫واملكان إذا قيست‬ ‫ِ‬
‫للزمان‬ ‫شمولي ًة مستوعب ًة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫ِ‬
‫املقاصد يُيب إجياب ًيا عىل تلك األسئلة مع اإلشارة بادئ ذي‬ ‫عام َل مع‬ ‫َّ‬
‫إن ال َّت ُ‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات‪.13-8/2 :‬‬

‫‪-9-‬‬
‫َترص إىل حدِّ كب ٍ‬
‫ري‬ ‫بدء إىل َث ِ‬
‫الث قضايا مل تبت فيها نظرية املقاصد ُيمكن ْ‬
‫أن ت َ‬
‫ٍ‬
‫لفيف من‬ ‫اختالف ال َي ُ‬
‫زال َماثلً يف‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اختالف املتعاملني باملقاصد وهو‬ ‫أسباب‬
‫َ‬
‫بي الذي‬ ‫الش ِ‬
‫اط ِّ‬ ‫َ‬
‫إسحاق َّ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد أبو‬ ‫شيخ‬ ‫ِ‬
‫والعملية مل ُيَ َلها ُ‬ ‫الع ِ‬
‫قدية‬ ‫ال َقضايا َ‬
‫انحاز للنظر َّي ِة املقصدية يف ج ٍ‬
‫ُلة من القضايا فإ َّنه ت ََّيـزَ لظاه ِر‬ ‫َ‬ ‫وإن َ‬
‫كان قد‬ ‫ْ‬
‫البعض اآلخ ِر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ال َّن ِ‬
‫ص يف‬
‫حتت هذه العناوين‪:‬‬
‫ف َ‬ ‫أن تص َّن َ‬
‫مكن ْ‬
‫مر من القضايا ُي ُ‬
‫الز ُ‬
‫هذه القضايا أو هذه ُّ‬
‫ُ‬
‫النقل؟‬ ‫ُ‬
‫العقل أم‬ ‫عر ُف املصلح َة؟‬ ‫ُ‬
‫األول‪َ :‬م ْن ُي ِّ‬ ‫العنوانُ‬
‫عقولِ َّي ِة وال َّتع ُب ِد‪.‬‬
‫ي املَ ُ‬ ‫بادات َب َْ‬
‫الع ُ‬ ‫العنوان الثاين‪ِ :‬‬

‫زئي َأيُّام ُي َقـدَّ ُم؟‬ ‫يل ُ‬


‫واجل ُّ‬ ‫العنوان الثالث‪ُ :‬‬
‫الك ُّ‬
‫وسنخصص مشهدً ا من هذا الكتاب هلذه القضايا الثالث لتوضيح وجه‬
‫اإلشكال وليس حلسم اختالف األقوال التي يمثل قطب رحاها التجاذب‬
‫بني املصالح ملحوظة بالعقل البرشي ُأ ُن ًفا وبني النقول موضوعة من الشارع‬
‫وبخاصة يف جزئياهتا التي تتنازع أحيا ًنا املرجعيات مع كليات ما كان هلا أن‬
‫يقوم بناؤها لوال لبنات اجلزئيات‪...‬‬
‫باإلضافة إىل قضايا دعت احلاجة إىل إبرازها كقضية «العقل يف اإلسالم»‪،‬‬
‫رد ًا عىل بابا الفاتيكان‪ ،‬وقضية «بدعة الرتك» بني النفاة والدعاة يف مسعى‬
‫لإلصالح بني تيارين من أهل السنة دعوامها واحدة‪ ،‬وتناول جديد بالنوع‬
‫وإن مل يكن جديد ًا باجلنس لالستنجاد باملقاصد‪ ،‬ومشهد خاص بمجاالت‬
‫تطبيق املقاصد‪.‬‬
‫‪-10-‬‬
‫وسيكون هذا الكتاب عبارة عن مشاهد من املقاصد وليس مستوع ًبا لكل‬
‫مفتتحا بالتعريف فالتعرف فالتصنيف فاالستنجاد واالسرتشاد وهلذا‬
‫ً‬ ‫املقاصد‬
‫سميناه مشاهد من املقاصد‪.‬‬

‫ ‬

‫‪-11-‬‬
‫املشهد األول‬

‫تعريف المقاصد‬

‫أردت املصدر بمعنَى‪ :‬القصد‪،‬‬


‫َ‬ ‫‑بفتح َما قبل آخره‑ إذا‬
‫ِ‬ ‫مقصد‬ ‫املقاصدُ ُ‬
‫مجع َ‬
‫ِ‬
‫القصد ف ُيكرس ما قبل آخره‪.‬‬ ‫املكان بمعنَى‪ِ :‬‬
‫جهة‬ ‫َ‬ ‫أردت‬
‫َ‬ ‫وإذا‬
‫بفتح املاضِ‬
‫ضَ َب» أي ِ‬ ‫القياس فِ ِ‬
‫مفعل التي يكون فع ُلها من باب « َ‬ ‫ُ‬ ‫هو‬ ‫َ‬
‫وهذا َ‬
‫ِ‬
‫األفعال‪:‬‬ ‫المي ِة‬ ‫ٍ‬
‫مالك يف َّ‬ ‫وكرس املضا ِرع‪ ،‬قال ُ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬

‫أو ما فيه قد ُع ِمال‬


‫ـعلٍ ملصد ٍر ْ‬
‫َ‬ ‫الثالثة ال َي ْف ِع ْل َل ُه ائ ِ‬
‫ْت بِ َم ْفــ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن ِذي‬
‫إىل أن يقول بعد بيتني‪:‬‬
‫وشذ الذي َعن َ‬
‫ذلك اعتزَ ال‬ ‫اكرس َّ‬
‫ْ‬ ‫ُه‬ ‫مصدرا وسوا‬
‫ً‬ ‫ري َذا عينَه ْ‬
‫افتح‬ ‫يف َغ ِ‬
‫و«قصد» هلا معان عدة مذكورة يف حملها من كتب اللغة‪ ،‬كاملقاييس البن فارس‪،‬‬
‫واللسان البن منظور‪ ،‬والقاموس املحيط للفريوزابادي‪.‬‬
‫‪-13-‬‬
‫والنهود‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والعزم‬
‫ُ‬ ‫التوجه‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫باملراد َهو‪:‬‬ ‫ُ‬
‫اللصيق‬ ‫واملعنَى‬
‫فأمه‬
‫التوجه‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫األم‬
‫قلت‪ُّ :‬‬
‫األم»‪ُ .‬‬ ‫ِ‬
‫املحيط‪« :‬القصدُ ‪ُّ :‬‬ ‫ِ‬
‫القاموس‬ ‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال‬
‫بمعنَى قصدَ ه‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ت‬ ‫َعىل َأ ِّمها َوإِن ُت َك َّل َ‬
‫مك َتب َل ِ‬ ‫رض نِس ًيا َت ُق ُّص ُه‬ ‫َك َأ َّن لا يف َ‬
‫األ ِ‬
‫االعتزام‬
‫ُ‬ ‫العرب‪:‬‬ ‫وموقعها فِ كال ِم َ‬‫ُ‬ ‫الصناعة‪« :‬أصل (ق ص د)‬ ‫ِ‬ ‫رس‬
‫ابن جنِّي فِ ِّ‬ ‫قال ُ‬
‫ٍ‬
‫اعتدال كان ذلك أو َجور‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اليشء‪ ،‬علَ‬ ‫نحو‬ ‫ُ‬
‫والنهوض َ‬ ‫والنهود‬
‫ُ‬ ‫والتوجه‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫االستقامة‬ ‫ِ‬
‫بقصد‬ ‫املواضع‬
‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫هذا أص ُله يف احلقيقة‪ ،‬وإن كان قد ي ُّ‬
‫ُص يف ِ‬
‫فاالعتزام‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫العدل أخرى‪.‬‬ ‫اجلور تار ًة كام تقصدُ‬
‫َ‬ ‫ترى أ َّنك تقصدُ‬ ‫َ‬
‫دون ميلٍ ‪ ،‬أال َ‬
‫مجيعا»‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫شامل هلام ً‬ ‫والتوج ُه‬
‫ُّ‬
‫قصده وإليه يقصد بكرس اآليت قصدً ا(‪.)1‬‬
‫قيام عن قعود‪ ،‬أما النهود فهو‬ ‫ُ‬
‫النهوض ٌ‬ ‫ُ‬
‫النهوض‪ ،‬ويقال‪:‬‬ ‫هو‬
‫النهود َ‬
‫ُ‬ ‫قلت‪:‬‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫هنوض عىل كل حال‪ .‬كام يف التاج واللسان يف مادة هند‪.‬‬ ‫أعم فهو‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫ألفاظ هي‪:‬‬ ‫ُ‬
‫أربعة‬ ‫ِ‬
‫الباب‬ ‫ُ‬
‫املستعملة فِ هذا‬ ‫وترصفات «قصد»‬
‫ُ‬
‫األلفية‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫مالك فِ‬ ‫ابن‬ ‫مقيس ل َف َع َل املتعدِّ ي َ‬
‫قال ُ‬ ‫ٌ‬ ‫مصدر‬
‫ٌ‬ ‫أولً‪ :‬القصدُ ‪َ ،‬‬
‫وهو‬
‫ِمن ِذي َثال َث ٍة َك َر َّد َّ‬
‫ردا‬ ‫َف ْع ٌل ِق َي ُ‬
‫اس َم ْصدَ ِر ا ُمل َعدَّ ى‬
‫اسم‬ ‫ويطلق ِ‬
‫عليه ُ‬ ‫ُ‬ ‫مصدرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫قبل آخ ِره َ‬
‫كان‬ ‫إن ُفتح ما َ‬
‫ثاني ًا‪ :‬املقصدُ ‪ ،‬وقد بي َّنا أ َّنه‪ْ :‬‬
‫ِ‬
‫بواسطة املصد ِر ويمتاز امليمي عن غريه من‬ ‫دل عىل الفعلِ‬ ‫وهو‪َ :‬ما َّ‬
‫مصد ٍر‪َ ،‬‬

‫(‪ )1‬املرتىض الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ :‬مادة قصد‪.‬‬

‫‪-14-‬‬
‫اسامء املصدر بداللته املبارشة عىل الفعل وبأنه مقيس دون سواه‪.‬‬
‫قال العالمة ابن َزين رمحه اهلل تعاىل يف الزيادات عىل الالمية‪:‬‬
‫اك ما ُع ِقـال‬
‫بك ْل َمتِها اإلشرْ ُ‬
‫ميم ِ‬‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫دئــه‬ ‫ِسـمـا ُة َم ْـبـنـا ُه ما زيـدَ ْت َ‬
‫بم ْب‬
‫لفظا وقصدً ا وما أعطى به بدال‬ ‫ً‬ ‫أو ما خلت من حروف الفعل بنيته‬
‫ولكـن َنق ُلــه ُقبِـال‬
‫ْ‬ ‫َت ِقس سوا ُه‬ ‫ـه وال‬ ‫وامليمي ِق ْ‬
‫ـس ُ‬ ‫َّ‬ ‫األعـــالم‬
‫ُ‬ ‫ومنه‬
‫ِ‬
‫القصد‪.‬‬ ‫يدل عىل املكان‪ ،‬أي عىل ِ‬
‫جهة‬ ‫ثال ًثا‪ :‬املقصدُ بكرسما قبل آخره‪ ،‬وهو ُّ‬

‫املقصود‪ ،‬وهو اسم مفعول مقيس‪.‬‬


‫ُ‬ ‫رابع ًا‪:‬‬
‫ُ‬
‫يستعمل مرا ًدا‬ ‫املصدر‑ قد‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫متقاربة؛ َّ‬
‫ألن القصدَ ‑وهو‬ ‫ومعاين هذه األلفاظ‬
‫برشع‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وحيصل القصدُ‬ ‫النظم‪:‬‬
‫ِ‬ ‫البنود عندَ قولِه فِ‬
‫ِ‬ ‫نرش‬ ‫اسم املفعول‪َ ،‬‬
‫قال فِ ِ‬ ‫به ُ‬‫ِ‬

‫املقصود»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫احلكم َّ‬
‫«إن القصدَ هنَا بمعنَى‬ ‫ِ‬
‫مفعول‪َ ،‬كن َْسج‬ ‫َ‬
‫تستعمل َف ْعل بمعنَى ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫معروف فِ اللغة أن ْ‬ ‫أمر‬
‫وهو ٌ‬
‫قلت‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املفعول‬ ‫واسم‬
‫ِ‬ ‫كبري فِ املعنَى بنيَ املصد ِر‬
‫فرق ٌ‬ ‫منسوج‪ ،‬مع أ َّنه َ‬
‫ال يوجدُ ٌ‬ ‫بمعنَى ُ‬
‫هو‬
‫واملقصود َ‬
‫ُ‬ ‫التوجه‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫أن القصدَ َ‬
‫هو‬ ‫فِ فعلِ «قصد» و َما فِ معنا ُه كعمد‪ ،‬إال َّ‬
‫املصدر فإ َّنه فِ معنى ما تقدم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫املقصدُ بالفتح َ‬
‫وهو‬ ‫املتوجه ِ‬
‫إليه‪َّ ،‬أما َ‬ ‫َّ‬ ‫اليشء‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫بعض‬ ‫الشيات التِي ُتفيدُ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فيحمل َ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬
‫القصد‪:‬‬ ‫وهو جه ُة‬
‫رس َ‬ ‫ِ‬
‫املقصد بالك ِ‬ ‫أما‬
‫ِ‬
‫القصد‬ ‫َ‬
‫مبارش ًة‪ ،‬وعىل‬ ‫ِ‬
‫املراد‬ ‫املفتوح دالً علَ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫يمكن ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫أنه‬
‫وهو ُ‬ ‫الف ِ‬
‫روق‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫األخرى التِي ُّ‬
‫يدل عليها‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫القصود‬ ‫ويكون الثاين دا ًّ‬
‫ال ع َ‬
‫ىل‬ ‫َ‬ ‫األكيد‪ ،‬أو االبتدائِ ِّي‪،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫املقاصد فِ اليق ِ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تفاوت‬ ‫ِ‬
‫املظنونة باعتبا ِر‬ ‫ِ‬
‫التابعة أ ِو‬ ‫ِ‬
‫القصود‬ ‫بالتعليل‪ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫الفقهاء واألصولينيَ ‪:‬‬ ‫َ‬
‫استعمل يف كال ِم‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‬ ‫فإن َ‬
‫لفظ‬ ‫أم ًا اصطالح ًا‪َّ :‬‬

‫‪-15-‬‬
‫برشع‬
‫ِ‬ ‫الشارع من عمل أو كف أو ما يقصد‬
‫ُ‬ ‫أي َما َيقصدُ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫تار ًة‬
‫ِ‬
‫اخللق»‪.‬‬ ‫«مراد احلقِّ سبحا َنه وتعالَ يف رشعه ِمن‬
‫ُ‬ ‫أخرى‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫وبعبارة َ‬ ‫احلكم‪،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫واحلكم‪،‬‬ ‫الرشع ‪ .‬فيتامهى أحيا ًنا بالعللِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نصوص‬ ‫العقول ِمن‬
‫ُ‬ ‫الذي جت ِّل ِ‬
‫يه‬ ‫وهو ِ‬
‫َ‬
‫جمر َد‬ ‫َ‬
‫العلل َّ‬ ‫–كالرازي‪-‬‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫وبخاصة عندَ َمن َيرى‬ ‫ِ‬
‫الشيات‪،‬‬ ‫بعض‬ ‫ٍ‬
‫اختالف فِ ِ‬ ‫مع‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وغايات‪.‬‬ ‫وليست ِحكمً‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫وعالمات‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أمارات‬
‫موضوعا بل إهنا يف أكثر األحوال جتري يف‬
‫ً‬ ‫مل يتوقف القدماء مع تعريف املقاصد‬
‫معرفة بصيغة اسم املفعول‪.‬‬
‫معرفة بصيغة اسم الفاعل وليست َّ‬
‫سياق املحمول ِّ‬
‫ٍ‬
‫خمتلفة َعن َ‬
‫هذا املعنَى(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫بعبارات‬ ‫العلامء‬
‫ُ‬ ‫وقد عبَّ‬
‫ِ‬
‫مقصود‬ ‫ِ‬
‫باملصلحة املحافظ َة عىل‬ ‫بقوله‪« :‬نعنِي‬
‫ِ‬ ‫عر َف الغزا ُّيل املصلح َة املعتدَّ هبا‬
‫فقدْ َّ‬
‫الشار ِع(‪.)2‬‬
‫للمصلحة ِمن ُ‬
‫حيث كوهنا‬ ‫ِ‬ ‫بل تعري ًفا‬ ‫ِ‬
‫للمقاصد ْ‬ ‫رب تعري ًفا‬ ‫وكالم الغزا ِّ‬
‫يل ال يعت ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكتاب والس َّنة‪.‬‬ ‫املقصود املفهو ِم ِمن‬
‫ِ‬ ‫حمافظ ًة علَ‬
‫َ‬
‫فصل‬ ‫اعتباره‬
‫ُ‬ ‫يمكن‬
‫ُ‬ ‫ليقرر َما‬ ‫ِ‬
‫املرسلة ِّ‬ ‫ِ‬
‫للمصلحة‬ ‫هناية بحثِه‬
‫أن الغزا َّيل عا َد فِ ِ‬ ‫إ َّ‬
‫ال َّ‬

‫إن مصطلح القصد له داللة معارصة أحببت أن أنبه عليها القارئ‪ :‬القصد مصطلح ذو مرجعيات فلسفية‬ ‫(‪َّ )1‬‬
‫متشعبة والقصد اجتاه العقل إىل املوضوع وهو يشري إىل اجلانب اإلرادي يف اإلنسان ويشرتطه بعض الفالسفة من‬
‫أجل إقامة احلكم أو اإلثبات‪ .‬ويشري القصد يف جميل من جماليه البعيدة إىل املخيلة املنتجة واملخيلة التابعة باملعنى‬
‫الكانتي‪ ،‬فهو خميلة منتجة عندما يكون حارض ًا متوجها إلقامة حكم عىل موضوع (األحكام الرتكيبية) وهو خميلة‬
‫تابعة عندما يكون متوجها إىل املوضوع تبع ًا (األحكام التحليلية)‪ .‬وال شك أن مفهوم القصد مفهوم مؤسس يف‬
‫فلسفة هرسل عن الظاهريات‪ .‬كام يؤسس مصطلح القصدية اجلانب اإلرادي يف فلسفة بول ريكور يف مواجهته‬
‫مع اجلانب الرضوري أو الالإرادي وهو موضوع املهم لكتاب اإلرادي والإلرادي‪ (.‬كريين‪ :‬دوائر اهلريمينوطيقيا‬
‫ألن‪ .‬كام يفرق بيار جاكوب بني القصدية‬ ‫ص‪ 27‬ترمجة‪ :‬مندي) وانظر متييز بول ريكور بني القصد ألجل والقصد َّ‬
‫األصلية والقصدية املتفرعة‪ .‬وكل هذا ينظر يف جماله مع الوعي بحمولته وداللته مقارنة باملقصد األصيل والتبعي‬
‫وما يتفرع منهام عند الشاطبي‪.‬‬
‫(‪ )2‬الغزايل‪ ،‬املستصفى‪.416 /1 :‬‬

‫‪-16-‬‬
‫ترجع إلَ‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ٍ‬
‫مصلحة َ‬ ‫ُّ‬
‫«فكل‬ ‫رمحه ُ‬
‫اهلل‪:‬‬ ‫االستصالح َ‬
‫فقال ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حجية‬ ‫ِ‬
‫اخلطاب يف مدَ ى‬
‫ِ‬
‫الغريبة‬ ‫املصالح‬
‫ِ‬ ‫وكانت ِمن‬
‫ْ‬ ‫واإلمجاع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الكتاب والس َّن ِة‬
‫ِ‬ ‫مقصود ُف ِه َم ِمن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حفظ‬
‫باطلة َّ‬
‫مط َر ٌ‬
‫حة ‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫فهي‬
‫الرشع‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ترصفات‬ ‫تالئم‬
‫ُ‬ ‫التِي ال‬
‫ِ‬
‫بالكتاب‬ ‫رشعي ُعلم كو ُنه مقصو ًدا‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫مقصود‬ ‫ِ‬
‫حفظ‬ ‫رجعت إلَ‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫مصلحة‬ ‫ُّ‬
‫وكل‬
‫قياسا‪ْ ،‬‬
‫بل‬ ‫يسمى ً‬ ‫األصول‪ ،‬لك َّنه َ‬
‫ال َّ‬ ‫ِ‬ ‫خارجا ِمن ِ‬
‫هذه‬ ‫ً‬ ‫فليس‬
‫َ‬ ‫واإلمجاع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والس َّن ِة‬
‫مصلح ًة مرسل ًة»(‪.)1‬‬
‫ال وج َه‬ ‫ِ‬
‫مقصود الرشع‪ ،‬ف َ‬ ‫ِ‬
‫باملحافظة عىل‬ ‫أن َ‬
‫قال‪« :‬وإذا فسّنا املصلح َة‬ ‫إىل ْ‬
‫حجة»(‪.)2‬‬
‫القطع بكونِا َّ‬
‫ُ‬ ‫جيب‬
‫بل ُ‬ ‫للخالف فِ ِ‬
‫اتباعها‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬

‫توضيحا يف “شفاء الغليل” دون ربط املصلحة بقصد‬


‫ً‬ ‫وزاد الغزايل األمر‬
‫الشارع إلثبات املناسبة لتعليل األحكام بل طلب املنفعة ودفع املرضة لتكون‬
‫مقاصد املكلفني مبينة ملناسبة الوصف للتعليل حيث يقول‪ :‬املعاين املناسبة‪ :‬ما‬
‫تشري إىل وجوه املصالح وأماراهتا‪ .‬ويف إطالق لفظ املصلحة أيضا نوع إمجال؛‬
‫واملصلحة ترجع إىل جلب منفعة أو دفع مرضة‪ .‬والعبارة احلاوية هلا‪ :‬أن املناسبة‬
‫ترجع إىل رعاية أمر مقصود‪.‬‬

‫أما املقصود فينقسم‪ :‬إىل ديني وإىل دنيوي‪ .‬وكل واحد ينقسم إىل حتصيل وإبقاء‪.‬‬
‫وقد يعرب عن التحصيل بجلب املنفعة‪ .‬وقد يعرب عن اإلبقاء بدفع املرضة‪ .‬يعني‬
‫أن ما قصد بقاؤه‪ :‬فانقطاعه مرضة وإبقاؤه دفع للمرضة‪ .‬فرعاية املقاصد عبارة‬

‫(‪ )1‬نفس املرجع‪.430/1 :‬‬


‫(‪ )2‬نفس املرجع‪ ،‬ونفس الصفحة‪.‬‬

‫‪-17-‬‬
‫حاوية لإلبقاء ودفع القواطع وللتحصيل عىل سبيل االبتداء‪.‬‬

‫ومجيع أنواع املناسبات ترجع إىل رعاية املقاصد‪.‬‬


‫وما انفك عن رعاية أمر مقصود‪ ،‬فليس مناس ًبا‪ .‬وما أشار إىل رعاية أمر مقصود‬
‫فهو‪ :‬املناسب(‪.)1‬‬

‫إن هذا النص يعرف مقاصد املكلفني املعتربة والتي برعايتها تكون املناسبة‬
‫ويتعرف املناسب الذي هو ملتقى الديني والدنيوي قصد الشارع وقصد‬
‫املكلف‪ ،‬فتحصيل املصالح هو مقصد للمكلفني وحتصيلها عىل وجه معني من‬
‫الرشع هو أيضا قصد الشارع من رشع احلكم‪ ،‬وبإلتقائهام تدرك املناسبة التي‬
‫تؤسس للتعليل وتتحقق املقاصد التي ترجع مجيع املناسبات إىل رعايتها‪.‬‬
‫األحكام علَ‬
‫ُ‬ ‫أما القرايف فعرف املقاصد يف سياق تعريف األحكام بقوله‪:‬‬
‫ُ‬
‫ووسائل‪:‬‬ ‫واملفاسد فِ ِ‬
‫أنفسها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫للمصالح‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫املتضمنة‬ ‫وهي‬
‫َ‬ ‫قسم ِ‬
‫ني‪ :‬مقاصدُ ‪:‬‬
‫إليها(‪.)2‬‬ ‫ُ‬
‫املفضية َ‬ ‫ُ‬
‫الطرق‬ ‫وهي‬
‫َ‬
‫املحرم‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫فوسيلة‬ ‫ِ‬
‫أحكامها‬ ‫تتبع املقاصدَ فِ‬ ‫ُ‬
‫الوسائل ُ‬ ‫ِ‬
‫الذخرية‪ :‬قاعد ٌة‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ويقول فِ‬
‫سائر األحكا ِم(‪.)3‬‬ ‫َ‬
‫وكذلك ُ‬ ‫ٌ‬
‫حمرمة‬

‫ُ‬
‫ووسائل‪ ،‬فاملقاصدُ‬ ‫األحكام علَ قسم ِ‬
‫ني‪ :‬مقاصدُ‬ ‫َ‬ ‫واجلواب َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ويقول ً‬
‫أيضا‪:‬‬
‫واجلهاد‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة مقصدٌ ‪،‬‬ ‫ونرص‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الدين‬ ‫ُ‬
‫وإعزاز‬ ‫ٌ‬
‫وسيلة‪،‬‬ ‫والسفر ِ‬
‫إليه‬ ‫ُ‬ ‫كاحلج‪،‬‬
‫ِّ‬

‫(‪)1‬الغزايل‪ ،‬شفاء العليل ‪ ،159‬حتقيق د‪ .‬أمحد الكبييس‪.‬‬


‫(‪ )2‬القرايف‪ ،‬الفروق‪.33/2 :‬‬
‫(‪ )3‬القرايف‪ ،‬الذخرية‪.260 /4 :‬‬

‫‪-18-‬‬
‫ِ‬
‫واملكروهات‬ ‫ِ‬
‫واملندوبات‬ ‫ِ‬
‫واملحرمات‬ ‫ِ‬
‫الواجبات‬ ‫ذلك ِمن‬
‫ونحو َ‬
‫ُ‬ ‫ٌ (‪)1‬‬
‫وسيلة‬
‫ِ‬
‫واملباحات‪:‬‬
‫ِ‬
‫اخللوة‬ ‫وحتريم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األنساب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اختالط‬ ‫ِ‬
‫مفسدة‬ ‫فتحريم الزِّ نا مقصدٌ ؛ الشتاملِه علَ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ورطانة‬ ‫ٌ‬
‫وسيلة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وامليش إليها‬ ‫مندوب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫العيدين مقصدٌ‬ ‫ٌ‬
‫وسيلة‪ ،‬وصال ُة‬ ‫والنظ ِر‬
‫مباح‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الطيبات مقصدٌ‬ ‫ُ‬
‫وأكل‬ ‫وسيلة ِ‬
‫إليه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مكروهة‪ ،‬وخمالط ُتهم‬ ‫األعاجم‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫اقتضاء‬ ‫ِ‬
‫مقصدها فِ‬ ‫حكم‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وسيلة‬ ‫وحكم ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫مباحة ‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫وسيلة‬ ‫واالكتساب ُله‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الباب ‪.‬‬ ‫منه فِ َ‬
‫ذلك‬ ‫َ‬
‫أخفض ُ‬ ‫كانت‬
‫ْ‬ ‫وإن‬ ‫ِ‬
‫الرتك ْ‬ ‫الفعلِ أ ِو‬
‫األخت ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‪ ،‬كتميي ِز‬ ‫ُ‬
‫يكون فِ تعي ِ‬
‫ني‬ ‫فاالجتهاد قدْ‬
‫ُ‬ ‫تقرر َ‬
‫هذا‬ ‫إ َذا َّ‬
‫ِ‬
‫األجنبية‪.‬‬
‫رب‬ ‫ِ‬
‫املياه ومقادي ِرها عندَ َمن يعت ُ‬ ‫ِ‬
‫أوصاف‬ ‫ِ‬
‫كاالجتهاد فِ‬ ‫يقع يف الوسائلِ‬
‫وقدْ ُ‬
‫املقدار واملقصدَ َ‬
‫هو الطهورية‪.‬‬ ‫َ‬
‫اعتبارها‪ ،‬كام إ َذا‬
‫ُ‬ ‫بطل‬ ‫ِ‬
‫املقصد َ‬ ‫ِ‬
‫الوسيلة إلَ‬ ‫ِ‬
‫إفضاء‬ ‫عدم‬
‫ي ُ‬ ‫والقاعد ُة أ َّنه مهمَ تب ََّ‬
‫جيب إعاد ُته(‪.)2‬‬
‫منقطع فإ ُّنه ُ‬
‫ٍ‬ ‫ماء ٍ‬
‫ورد‬ ‫ِ‬
‫أوصافه ُ‬ ‫أن املا َء ِ‬
‫الذي اجتهد َنا فِ‬ ‫تيق َّنا َّ‬
‫ِ‬
‫قسامن‪:‬‬ ‫أيضا‪ :‬قاعد ُة األحكا ِم ك ِّلها‬
‫وقال القرايف ً‬
‫ِ‬
‫أحكامها‬ ‫ِ‬
‫للمقاصد فِ‬ ‫تابعة‬ ‫ُ‬
‫ووسائل ٌ‬ ‫للحكم فِ ِ‬
‫أنفسها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫املتضمنة‬ ‫مقاصدُ ‪َ ،‬‬
‫وهي‬
‫عن‬ ‫ِ‬
‫املقاصد خالية ِ‬ ‫املفضية إلَ َ‬
‫تلك‬ ‫ُ‬ ‫وهي‬
‫َ‬ ‫والتحريم وغ ِ‬
‫ريمها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوجوب‬ ‫ِمن‬
‫ِ‬
‫املقاصد‪،‬‬ ‫أخفض رتب ًة ِمن‬
‫ُ‬ ‫وهي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وسائل‪،‬‬ ‫حيث ِهي‬
‫ُ‬ ‫أنفسها ِمن‬
‫ِ‬ ‫احلكم فِ‬
‫ِ‬
‫(‪ )1‬قد نفهم من هذا أننا إذا توصلنا إىل وسيلة لنرصة احلق بال جهاد بمعنى القتال كان ذلك من باب ﱫ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﱪ [األحزاب‪.]25 :‬‬
‫‪ -2‬القرايف‪ ،‬الذخرية‪.129/2 :‬‬

‫‪-19-‬‬
‫واجب وسيل ًة‪ ،‬والزِّ نا ٌ‬
‫حمرم مقصدً ا‪ ،‬واخللو ُة‬ ‫ٌ‬ ‫والسعي‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫واجبة مقصدً ا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فاجلمعة‬
‫سائر األحكام‪.‬‬ ‫َ‬
‫وكذلك ُ‬ ‫حمر ٌ‬
‫مة وسيل ًة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫أقسام‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫والوسائل‬
‫ِ‬
‫املفضية إلَ اخلم ِر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العنب‬ ‫ِ‬
‫كزراعة‬ ‫ِ‬
‫املقصد‪،‬‬ ‫حكم‬
‫َ‬ ‫عطى‬ ‫ِمنها َما يبعدُ جدًّ ا‪ ،‬ف َ‬
‫ال ُي َ‬

‫كعرص اخلم ِر‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املقصد‬ ‫حكم‬
‫َ‬ ‫قرب جدًّ ا َ‬
‫فيعطى‬ ‫وما َ‬
‫ِ‬
‫كاقتناء اخلم ِر‬ ‫العلامء فيه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيختلف‬ ‫ِ‬
‫والبعيد؛‬ ‫ِ‬
‫القريب‬ ‫هو مرت ِّد ٌد بنيَ‬
‫وما َ‬
‫للتخليلِ ‪.‬‬
‫الزوج‬
‫ِ‬ ‫الرحم ِمن‬
‫ِ‬ ‫باجتامع املائ ِ‬
‫ني فِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األنساب‬ ‫ُ‬
‫اختالط‬ ‫(‪)1‬‬
‫واملحرم مقصدً ا ها هنا‬
‫َّ‬
‫والترصيح‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الوطء‪،‬‬ ‫حتريم الوسائلِ إلفضائِه إلَ‬
‫َ‬ ‫حرام‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫والالحق‪ ،‬والعقدُ‬ ‫ِ‬
‫السابق‬
‫ِ‬
‫املقصد ْمل‬ ‫ُ‬
‫التعريض َعن‬ ‫ِ‬
‫الوسيلة‪ ،‬وملا بعدُ‬ ‫ُ‬
‫وسيلة‬ ‫فهو‬ ‫ِ‬
‫للعقد‪َ ،‬‬ ‫كذلك إلفضائِه‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫واإلكنان أبعدُ م ْن ُه(‪.)2‬‬ ‫حيرم‬
‫ُ‬
‫حتريم ر َبا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفرق بنيَ‬ ‫يتحدث ِ‬
‫عن‬ ‫ُ‬ ‫وهو‬
‫ابن الق ِّيم َ‬ ‫ِ‬
‫عبارة ِ‬ ‫عن‬ ‫َ‬
‫ذلك ْ‬ ‫وال يبعدُ‬
‫حتريم‬
‫ِ‬ ‫هو ِمن‬ ‫وحتريم ر َبا الفضلِ ِ‬
‫الذي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‬ ‫حتريم‬
‫ِ‬ ‫هو ِمن‬ ‫النساء ِ‬
‫الذي َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫املفسدة‬ ‫منصب علَ ِ‬
‫درء‬ ‫ٌّ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد ُّ‬
‫يدل علَ أ َّنه‬ ‫التحريم إلَ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فإضافة‬ ‫الوسائلِ (‪. )3‬‬
‫احلكم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫برشع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املقصود‬
‫فاملفهوم املشار إليه عند القرايف وابن القيم ال يفرق بني القصد االبتدائي أو‬
‫القصد املفهوم من العلة بل يستند عىل األصالة يف األمر والنهي مع تلميح إىل‬
‫‪ -1‬يعني النكاح يف العدة‬
‫‪ -2‬القرايف‪ ،‬الذخرية‪.192/4 :‬‬
‫‪ -3‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني‪.107 /2 :‬‬

‫‪-20-‬‬
‫تضمني املصلحة أو املفسدة‪ ،‬الذي هو املستوى الثاين عند الشاطبي‪ .‬فالوسائل‬
‫عند القرايف هي يف احلقيقة مقاصد عند الشاطبي ولكنها تبعية‪.‬‬
‫فيكون للقرايف موقف مميز جيعل األوامر االبتدائية والنواهي مقاصد إذا‬
‫اشتملت عىل احلكمة واملصلحة املقصودة‪ ،‬وإذا مل تكن كذلك فليست كذلك؛‬
‫بل هي وسائل‪ ،‬وهو ما أراده الشاطبي باالبتدائي كام فرسه‪ ،‬إال أنه رصح أحيان َا‬
‫أن كل أمر أو هني يتضمن مصلحة حتى ولو مل يكن ابتدائيا ‪-‬كام سرتى يف‬
‫النص الالحق‪ ،-‬وخال ًفا ملن يرى أن األمر والنهي ليسا مقصدين بإطالق‪.‬‬
‫موضوعا عند الغزايل يف جل تعريفاته نراها تتحول‬
‫ً‬ ‫ولنعد إىل املصلحة التي كانت‬
‫إىل حممول عند الشاطبي يف النص التايل‪ :‬وكذلك نقول إن أحكام الرشيعة تشتمل‬
‫عىل مصلحة كلية يف اجلملة وعىل مصلحة جزئية يف كل مسألة عىل اخلصوص أما‬
‫اجلزئية فام يعرب عنها كل دليل حلكم يف خاصته وأما الكلية فهي أن يكون كل‬
‫مكلف حتت قانون معني من تكاليف الرشع يف مجيع حركاته وأقواله واعتقاداته‬
‫فال يكون كالبهيمة املسيبة تعمل هبواها حتى يرتاض بلجام الرشع(‪.)1‬‬
‫فإذا كانت أحكام الرشيعة ال ختلو عن مصلحة جزئية وكلية فإن املقاصد هي‬
‫هذه املصالح ولعله هبذا الفهم الشاطبي يتجه تعريف الرشيف أمحد الريسوين‬
‫بأهنا‪ :‬الغايات التي وضعت الرشيعة ألجل حتقيقها ملصلحة العباد‪.‬‬
‫للرشيعة بقولِه‪« :‬مقاصد الترشيع‬
‫ِ‬ ‫العامة‬
‫َّ‬ ‫فيعرف املقاصدَ‬
‫ابن عاشور ِّ‬ ‫ُ‬
‫الشيخ ُ‬ ‫أما‬
‫العامة هي‪ :‬املعاين ِ‬
‫واحل َكم امللحوظة للشارع يف مجيع أحوال الترشيع أو معظمها‪،‬‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.123/3‬‬

‫‪-21-‬‬
‫ِ‬
‫الرشيعة‪.‬‬ ‫خاص ِمن أحكا ِم‬
‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫بالكون فِ نو ٍع‬ ‫ختتص مالحظ ُتها‬
‫ّ‬ ‫بحيث ال‬
‫الترشيع‬
‫ُ‬ ‫العام ُة واملعانِ ا َّلتي َ‬
‫ال خي ُلو‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة وغاي ُتها‬ ‫ُ‬
‫أوصاف‬ ‫فيدخل فِ َ‬
‫هذا‬ ‫ُ‬
‫َعن مالحظتِها‪.‬‬
‫أنواع األحكا ِم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ليست ملحوظ ًة فِ سائ ِر‬
‫ْ‬ ‫معان ِمن ِ‬
‫احلكم‬ ‫ٍ‬ ‫ويدخل فِ َ‬
‫هذا ً‬
‫أيضا‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫كثرية منها(‪. )1‬‬ ‫ٌ‬
‫ملحوظة فِ أنوا ٍع‬ ‫ولك َّنها‬
‫ً‬
‫منضبطا باجلنس والفصل ملقاصد الرشيعة‪،‬‬ ‫وهذا التعريف املوسع ليس حدا‬
‫وإنام هو لنوع من املقاصد وهو املقاصد العامة‪.‬‬
‫ِ‬
‫الرشيعة‬ ‫ِ‬
‫بمقاصد‬ ‫وحاول عالل الفايس اإلجياز فحذف العامة فقال‪َّ :‬‬
‫إن املرا َد‬
‫ِ‬
‫أحكامها‪.‬‬ ‫حكم ِمن‬
‫ٍ‬ ‫الشارع عندَ ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫وضعها‬
‫َ‬ ‫واألرسار التِي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الغاية منها‪،‬‬
‫وهذا التعريف وإن كان مستوحى من ابن عاشور إال أنه اخترص املسافة‪.‬‬
‫غري أنه عندما نتحدث عن ِ‬
‫احل َكم واألرسار والغايات يف تعريف املقاصد‬
‫فإن ذلك يستبعد املعنى اللغوي الذي قد يستعمل اللفظ فيه أو املعاين األوىل‬
‫والثانوية التي قد تفهم من الداللة اللغوية يف عدة مستويات والتي قد تكون‬
‫أوال تفسريا للفظ بمرادف كقوهلم يريد بالقروء األطهار أو احليض يف قوله‬
‫تعاىل ﱫ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﱪ [البقرة‪ ،]228:‬وهو ما يسمى باملجمل‪،‬‬
‫أو كداللة العام عىل أفراده أو بعضها يف العام املراد به اخلصوص أو داللة‬
‫اللفظ عىل معناه احلقيقي أو العريف أو الرشعي أو املجازي‪ ،‬أو داللة األمر عىل‬
‫الوجوب أو الندب‪ ،‬أو داللة النهي عىل التحريم أو الكراهة‪.‬‬

‫‪ -1‬الطاهر ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الرشيعة‪ ،165/3 :‬حتقيق الشيخ احلبيب بلخوجة‪.‬‬

‫‪-22-‬‬
‫وكذلك الدالالت الثانوية يف املركبات عند البيانيني مما تشري إليه أرسار‬
‫البالغة‪ ،‬فكل ذلك ال يدخل يف املقاصد بمفهوم ابن عاشور وعالل الفايس‬
‫خال ًفا للشاطبي‪.‬‬
‫وإن كان ابن عاشور بتقييده بالعامة ال يرد عليه الدرك يف عدم ذكره للمقاصد‬
‫االبتدائية ومع ذلك فإنه يف تعريفه للمقاصد اخلاصة مل يشأ تعريف املقاصد‬
‫اجلزئية املبثوثة يف أبواب الفقه والتي يفرتض أن تكون أساس املقاصد اخلاصة‬
‫وإنام حتدث عن كيفيات مقصودة للشارع لضبط ترصفات الناس مما يدل عىل‬
‫أنه يتحدث عن ك ِّ‬
‫يل إذ قال‪« :‬الكيفيات املقصودة للشارع لتحقيق مقاصد‬
‫الناس النافعة‪ ،‬أو حلفظ مصاحلهم العامة يف ترصفاهتم اخلاصة كي ال يعود‬
‫سعيهم يف مصاحلهم اخلاصة بإبطال ما أسس هلم من حتصيل مصاحلهم العامة‬
‫إبطاال عن غفلة أو استزالل هوى وباطل شهوة»‪.‬‬
‫لكنه ختمها بام يمكن أن يعترب كلمته األخرية يف تعريف املقاصد بقوله‪»:‬كل‬
‫حكمة روعيت يف ترشيع أحكام ترصفات الناس»‪ .‬وذلك ما يدل عىل النظرة‬
‫الكلية للشيخ الطاهر‪.‬‬
‫واستعملت املقاصد يف مضمون آخر يتعلق بنوايا املكلفني وإراداهتم التي تؤثر‬
‫يف العبادات واملعامالت‪ ،‬سل ًبا وإجيا ًبا‪ ،‬إجيا ًدا أو عدما‪ ،‬وهو ما عرب عنه الشاطبي‬
‫بمقاصد املكلفني‪ ،‬ومن ذلك القاعدة املعروفة «األمور بمقاصدها»‪.‬‬
‫وهي من القواعد اخلمس الكربى التي بني عليها الفقه راجع «األشباه‬
‫والنظائر» للسيوطي وابن نجيم وغريمها‪ ،‬ونرش البنود عند رشح قوله‪:‬‬
‫‪-23-‬‬
‫َ‬ ‫س ِ‬ ‫ُ‬
‫الو َط ْ‬
‫ـر‬ ‫ـب َ‬ ‫يَ ُل ُ‬
‫وأ َّن َما َي ُشــقّ ْ‬ ‫ـر ْر‬ ‫الف ْق ُه عىل َر ْف ِع َّ‬
‫الض َ‬ ‫َقدْ أ ِّس َ‬
‫الع ْر ُف وزا َد َم ْن َف َط ْن‬
‫ـم ُ‬ ‫َيُ ّك َ‬ ‫ـك ْ‬
‫وأن‬ ‫بالش ِ‬
‫ـع َّ‬ ‫ــع ال َق ْط ِ‬
‫و َن ْفي َر ْف ِ‬
‫ض وا ِر ِد‬ ‫ٍ‬
‫ــــف بِ َب ْع ِ‬‫ــع َت َك ُّل‬
‫َم َ‬ ‫اص ِ‬
‫ــد‬ ‫بــع املَ َق ِ‬ ‫َكــــو َن ُ‬
‫األمو ِر َت َ‬ ‫ْ‬
‫وهي قاعدة ترجع إىل احلديث الصحيح املشهور‪« :‬إنام األعامل بالنيات‪ ،‬وإنام‬
‫ِّ‬
‫لكل امرئ ما نوى»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫جماالت تطبيقاهتا التعبديات ذات اللبس فهي تفرق بني العبادات‬ ‫وأهم‬
‫ُّ‬
‫والعادات وبني العبادات يف أنفسها؛ وهلذا يقول الزقاق يف املنهج‪:‬‬
‫البــا بِ ٍ‬
‫نيــة ُبـدي‬ ‫كـان َغ ً‬
‫أو َ‬ ‫للتعبــــد‬
‫ص ُّ‬ ‫يَ ُل ُ‬ ‫ُّ‬
‫وكــل ما ْ‬
‫ولية َنحو ال َقضا‬ ‫بم ُ‬
‫عق َّ‬ ‫أعني َ‬ ‫كـان َذا ْلب ٍ‬
‫س وما ت ََّحضا‬ ‫إن َ‬ ‫ْ‬
‫‪......................‬‬ ‫أو غلبت كنجس فال افتقار‬

‫ُ‬
‫تكون‬ ‫كام تَدُ جمالً رح ًبا يف ِكنايات الطالق واأليامن ويف العقود أحيا ًنا ُ‬
‫حيث‬
‫ِ‬
‫باأللفاظ واملبانِ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالقصود واملعانِ ال‬

‫ُ‬
‫تكون‬ ‫وبام تقدم ُندرك َّ‬
‫أن املقاصدَ قد تكون أحكا ًما مقصودة باخلطاب وتار ًة‬
‫أحكا ًما تُ ِّقق تلك ِ‬
‫احلكم وتار ًة تكون نوايا‬ ‫تكون َ‬
‫ُ‬ ‫ِح َكمً َ‬
‫وغايات وتار ًة‬
‫املكلفني وغاياهتم‪.‬‬
‫ونختم بحثنا يف التعريف مع الشاطبي لنصل عىل ضوء قطوف من نصوصه‬
‫إىل تعريف مالئم بيد أن الشاطبي مل يعرف املقاصد ومل يضع حدودا هلا غري‬

‫‪ -1‬أخرجه البخاري يف صحيحه يف مواطن كثرية ومسلم وغريمها كلها من حديث عمر بن اخلطاب ريض اهلل‬
‫عنه ومل يصح إال من حديثه‪.‬‬

‫‪-24-‬‬
‫تلك احلدود اللغوية الفسيحة مركزا عىل درجات املقاصد ومستوياهتا بني‬
‫قصود ابتدائية ترصحيية جزئية تتعلق بكل أمر أو هني عىل حده داال عىل قصد‬
‫الشارع إجياد الفعل أو الكف عنه وهذا النوع يمكن أن يكون جوا ًبا عن ماذا؟‬
‫أي ماذا قال الشارع وبأي يشء أمر؟ وهذا هو املستوى األول‪ :‬الذي استبعده‬
‫ابن عاشور ومن تبعه وكان الشاطبي يف ذلك مصي ًبا كل اإلصابة ألن املقاصد‬
‫اإلبتدائية هي أصل املقاصد وأم الكتاب فيها وهي لبنات األساس يف بناء‬
‫رصح املقاصد‪ ،‬فاستبعاد األمر والنهي من مقاصد الشارع يعود عىل ِ‬
‫احلكم‬
‫والعلل باإلبطال‪ ،‬فإنه ما أمر إال ليطاع وما هني إال ليمتثل ﱫ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﱪ [النساء‪ ،]64 :‬فكيف نقول بعدها أن األمر ليس‬
‫مقصدا وبأي لغة نفهم املقصد؟‬
‫أما املستوى الثاين‪ :‬الذي قد يكون جوا ًبا عن ملاذا؟ وهو املوسوم بالغايات‬
‫واحلكم واألرسار فإنه يمثل مقاصد منتجة ومولدة ألحكام خارج النص‪.‬‬
‫وهذا هو جمال التعليل ومناط ِ‬
‫احلكم والتي قد تكون جزئية أو كلية حسب‬
‫متعلقها‪.‬‬
‫املستوى الثالث‪ :‬والذي هو يف حقيقته تقسيم باعتبار آخر؛ أي باعتبار األصالة‬
‫أو التبعية‪.‬‬
‫والذي يتمثل يف الفرق بني القصود األصلية والقصود التابعة والتي عرفت‬
‫من خالل علل األحكام السالفة‪ .‬مؤكدة لغايات وحكم أخرى ختتلف عنها يف‬
‫الدرجة واملستوى رضورة اختالف التابع عن املتبوع هلذا فهي وإن كانت قد‬
‫‪-25-‬‬
‫ترد من حيث الصيغة ابتدائية لكنها بحكم انبنائها عىل املقاصد األصلية فإنه‬
‫أفردها يف جهة ثالثة‪ .‬وسنورد عليه إشكاال‪.‬‬
‫أما املستوى الرابع‪ :‬أو اجلهة الرابعة فإهنا ال ُتضيف جديدً ا يف تعريف املقاصد‬
‫بل إهنا تتعلق بجهة أخرى للتعرف عىل قصد الشارع إذا سكت ويمكن أن‬
‫توضع يف خانة املقاصد االبتدائية ألهنا تقرر ُحكام غايته رفع احلرج يف كل‬
‫مسكوت عنه عىل حدة حسب احلال التي بينها‪ ،‬أو مقصدا كل ًيا كام أراد أبو‬
‫إسحاق الشاطبي رمحه اهلل أن يؤسسه يف مسألة البدعة وسنناقشه الحقا‪.‬‬
‫ذكر الشاطبي ذلك كله يف التعرف عىل اجلهات التي تعرف هبا مقاصد الشارع‬
‫َ‬
‫مقصد الشارع؛‬ ‫يف النصوص التالية حيث قال‪« :‬يف الضابط الذي به يعرف‬
‫فنقول‪ ،‬وباهلل التوفيق‪ :‬إنه ُيعرف من جهات‪:‬‬
‫معلوم أ َّنه‬
‫ٌ‬ ‫األمر‬
‫َ‬ ‫فإن‬ ‫االبتدائي الترص ِ‬
‫حي ِّي‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫والنهي‬
‫ِ‬ ‫جمرد األم ِر‬
‫ُ‬ ‫إحداها‪:‬‬
‫مقصود‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫وجود األم ِر بِه‬ ‫فوقوع الفعلِ عندَ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الفعل؛‬ ‫أمرا القتضائِه‬ ‫إ َّنام َ‬
‫كان ً‬
‫للشارع‪ ،‬وكذلك النهي معلوم أنه مقتض لنفي الفعل أو الكف عنه؛ فعدم‬
‫مقصود له‪ ،‬وإيقاعه خمالف ملقصوده‪ ،‬كام َّ‬
‫أن عدم إيقاع املأمور به‬ ‫ٌ‬ ‫وقوعه‬
‫ٌ‬
‫خمالف ملقصوده‪.‬‬
‫والنهي ِمن غ ِ‬
‫ري نظ ٍر إلَ ع َّل ٍة‪ ،‬وملَن‬ ‫ِ‬ ‫عام ملَن اعت َ‬
‫رب جمر َد األم ِر‬ ‫ظاهر ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫وجه‬
‫فهذا ٌ‬
‫واملصالح‪ ،‬وهو األصل الرشعي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫العلل‬ ‫رب‬
‫اعت َ‬
‫حتر ًزا من األمر أو النهي الذي ُقصد به غريه؛ كقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وإنام قيدَّ باالبتدائي ُّ‬
‫ً‬
‫مبتدأ‪،‬‬ ‫ليس هن ًيا‬ ‫ﱫﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﱪ [اجلمعة‪َّ ]9 :‬‬
‫البيع َ‬
‫عن ِ‬‫النهي ْ‬
‫َ‬ ‫فإن‬
‫‪-26-‬‬
‫ليس‬
‫فالبيع َ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫بالقصد الثانِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املقصود‬ ‫النهي‬
‫ِ‬ ‫بالسعي؛ فهو ِمن‬
‫ِ‬ ‫بل هو تأكيدٌ لألم ِر‬
‫بل ألجلِ تعطيلِ‬‫األول‪ ،‬كام هني عن الربا والزِّ نى مثلً‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بالقصد َّ‬ ‫عنه‬
‫منهيا ُ‬
‫ًّ‬
‫نظر‬ ‫الشارع ِمن َّ‬
‫جمرده ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصد‬ ‫هم‬ ‫هذا؛ ِ‬
‫ففي َف ِ‬ ‫االشتغال بِه‪ ،‬و َما شأ ُنه َ‬
‫ِ‬ ‫عي عندَ‬
‫الس ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫املرتمجة بالصالة يف الدار املغصوبة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املسألة‬ ‫واختالف‪ ،‬منشؤُ ه ِمن أصلِ‬
‫ٌ‬
‫بمرصح بِه؛‬
‫َّ‬ ‫ليس‬ ‫حتر ًزا ِمن األم ِر أ ِو ال َّنهي الضمنِي ِ‬
‫الذي َ‬ ‫وإنام َّقيد بالترص ِ‬
‫حي ِّي ُّ‬
‫النهي‬
‫ُ‬ ‫تضمنَه‬
‫الذي َّ‬ ‫األمر‪ ،‬واألم ِر ِ‬
‫ُ‬ ‫تضمنه‬
‫الذي َّ‬ ‫به ِ‬
‫أضداد املأمو ِر ِ‬
‫ِ‬ ‫عن‬
‫كال َّنهي ْ‬
‫ِ‬
‫بالقصد‬ ‫ِ‬
‫بالقصد الثانِ ال‬ ‫فهام‬ ‫إن َ‬
‫قيل هبام؛ ُ‬ ‫واألمر ها ُهنا ْ‬
‫َ‬ ‫هي‬
‫فإن ال َّن َ‬ ‫ِ‬
‫اليشء‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫عن‬
‫املرص ِح بِه ‪ْ .‬‬
‫فإن‬ ‫َّ‬ ‫النهي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التأكيد لألم ِر أ ِو‬ ‫األول؛ إ ْذ جمرامها عندَ القائلِ هبمَ َ‬
‫جمرى‬ ‫َّ‬
‫املأمور إ َّ‬
‫ال‬ ‫ُ‬ ‫يتم‬
‫األمر بام ال ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وكذلك‬ ‫ِ‬
‫القصد‪.‬‬ ‫أوضح فِ عد ِم‬
‫ُ‬ ‫فاألمر‬
‫ُ‬ ‫في؛‬ ‫ِق َ‬
‫يل بال َّن ِ‬
‫هي فِ َ‬
‫هذا‬ ‫ُ‬
‫فداللة األم ِر وال َّن ِ‬ ‫املذكور يف مسألة «ما ال يتم الواجب إال به»؛‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫به‬
‫األمر‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ولذلك ُق ِّيد‬ ‫نحن ِفيه‪،‬‬
‫متنازع ِفيه‪َ ،‬فليس داخلً فيام ُ‬
‫ٌ‬ ‫الشارع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مقصود‬ ‫عىل‬
‫والنهي بالترص ِ‬
‫حيي‪.‬‬ ‫ُ‬
‫عن َ‬
‫هذا‬ ‫أمر هبذا الفعل؟ وملاذا نَى ْ‬
‫والنهي‪ ،‬وملاذا َ‬
‫ِ‬ ‫والثانية‪ :‬اعتبار عللِ األم ِر‬
‫َ‬
‫اآلخر؟‬
‫رشع األحكا ِم العاد َّية والعباد َّية مقاصدَ أصلي ًة‬
‫ِ‬ ‫واجله ُة الثالث ُة‪َّ :‬‬
‫أن للشارع يف‬
‫ومقاصدَ تابع ًة‪.‬‬
‫طلب‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ويليه‬ ‫األول‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القصد َّ‬ ‫مرشوع للتناسل عىل‬
‫ٌ‬ ‫فإنه‬
‫مثال ذلك النكاح؛ ُ‬
‫االستمتاع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألخروية؛ من‬ ‫ِ‬
‫الدنيوية‬ ‫املصالح‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫والتعاون عىل‬ ‫واالزدواج‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫السكن‪،‬‬
‫ِ‬
‫املرأة‪ ،‬أو‬ ‫والتجم ُل ِ‬
‫بامل‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫حماسن النِّساء‪،‬‬ ‫ىل ما خلقَ ُ‬
‫اهلل ِمن‬ ‫ِ‬
‫باحلالل‪ ،‬وبالنظ ِر إ َ‬
‫‪-27-‬‬
‫الوقوع فِ‬
‫ِ‬ ‫والتحفظ ِمن‬
‫ُ‬ ‫أو إخوتِه‪،‬‬
‫نها أو ِمن غريها ْ‬
‫أوالده ِم َ‬
‫ِ‬ ‫قيامها ِ‬
‫عليه وعلَ‬ ‫ُ‬
‫ِّعم ِمن‬ ‫ِ‬
‫بمزيد الن ِ‬ ‫واالزدياد ِمن الشك ِر‬
‫ُ‬ ‫الفرج ونظ ِر الع ِ‬
‫ني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شهوة‬ ‫املحظو ِر ِمن‬
‫اهللِ علِ العبد‪ ،‬وما أشب َه َ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫السكوت‬
‫ُ‬ ‫عرف ِ‬
‫به مقصدُ الشا ِرع‪:‬‬ ‫ُ‬
‫الرابعة ممَّا ُي ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلهة‬ ‫ثم ذكر جه ًة رابع ًة بقولِه‪:‬‬
‫َّ‬
‫مع قيا ِم املعنَى املقتضِ َله‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رشعية العملِ َ‬ ‫التسبب‪ ،‬أو عن‬
‫ُّ‬ ‫رشع‬
‫عن ِ‬
‫وسرتى إيضاح ًا هلذه املعاين يف املشاهد التالية‪.‬‬
‫إن املعلم األول كان يمكن أن يستغني عن اجلهة الثالثة باعتبارها داخلة يف‬
‫اجلهة األوىل رضورة‪ ،‬ألن ورود األمر من الشارع يقتىض طلب إيقاع املأمور‬
‫به ‪ ،‬وكونه ابتدائي ًا وهو الذي احرتز به من األمر التبعي ال يستلزم ذلك‪ ،‬فاألمر‬
‫االبتدائي ال يسلتزم األصالة؛ فاألمر االبتدائي ‪-‬كام أفهمه‪ -‬يقتيض ورود‬
‫النص به عىل حدة؛ لكن األصالة أو التبعية أو القصد األول والثاين مفهوم‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫فاالبتدائية يشء واألصالة يشء آخر‪ .‬فلو حذف القيد يف اجلهة األوىل وأبقي‬
‫عىل االبتدائية بمعنى الذي يفهم من ورود النص كام دلت عليه الفقرة األوىل‬
‫لكان أوضح‪ ،‬وتكون اجلهة الثالثة موضوعة لقسمة أخرى لألمر االبتدائي أي‬
‫أنه ينقسم إىل أصيل وتابع‪.‬‬
‫فاألصيل هو املقصود باألصالة أو بالقصد األول‪ ،‬والتابع هو ما كان وسيلة أو‬
‫رشط ًا أو مكمال للمقصد األصيل‪ .‬فاألول كالسعي وترك البيع يف آية اجلمعة‪.‬‬
‫والثاين كالطهارة يف آية املائدة‪ ،‬والثالث كالسكن واملودة يف مقصد التزاوج كام‬
‫‪-28-‬‬
‫يف آية سورة الروم‪ .‬وقد ذكره أبو إسحاق؛ وإال فال فرق بني األصيل والتابع‬
‫إال باملعنى الذي يتضمنه كل منهام والوظيفة التي يؤدهيا‪ ،‬فكالمها ابتدائي من‬
‫حيث الصيغة‪ ،‬ومن الواضح أن اإلمام ‪-‬رمحه اهلل ‪ -‬أراد أن بوصف االبتدائي‬
‫التفريق بني القصد األول والقصد الثاين؛ وحيث أن الصيغة ال فرق فيها كام‬
‫قال العز بن عبد السالم‪ :‬إذ ال تفاوت بني طلب وطلب‪ ،‬وإنام التفاوت بني‬
‫املطلوبات من جلب املصالح ودرء املفاسد‪ ”،،‬اخرتنا ّ‬
‫أن نمنح االبتدائي معنى‬
‫آخر لتتم القسمة بني النص وبني املقصد خارج النص وهو النوع الثاين‪ ،‬واهلل‬
‫تعاىل ويل التوفيق(‪. )1‬‬
‫وينبغي أن نفرق هنا بني بعض املتقابالت يف القصود ولو من خالل إدراج‬
‫مصطلح الثانوي يف وصف القصد التابع؛ ألنه نازل يف الرتبة عن املقصد‬
‫األصيل‪ ،‬لكون رشط ًا له أو مكمال أو وسيلة‪ .‬ونؤثر العلة بالقصد الثاين ألهنا‬
‫ليست نازلة يف الرتبة بل مساوية أو أعىل وألهنا سابقة يف الوجود –افرتاضا‪-‬‬
‫وإن كانت الحقة يف الورود –عىل خاطر األصويل‪ -‬إذ لوال األصل اجلزئي‬
‫املنصوص ملا سارت اخلواطر إىل العلة‪ .‬أما الثانوي فإنه قد يتزامن يف الورود مع‬

‫ال ‪-‬عىل حد علمي يف‬‫‪ -1‬متكن مالحظة أن الوصف باالبتدائي الذي ذكره الشاطبي يف األمر والنهي ليس متداو ً‬
‫علم األصول‪ -‬ولعل أصوله يف كتب البالغة عند أتباع السكاكي والسعد التفتازاين‪ ،‬وذلك يف وصف اخلطاب‬
‫الساذج اخلايل من أية أداة للتأكيد وهو يقابل يف القسمة الثالثية‪ :‬اخلطاب الطلبي واإلنكاري‪ .‬قال السيوطي‪:‬‬
‫حكــــم ومن تردد فلتغتنى‬ ‫فإن خياطب خايل الذهن من‬
‫ً‬
‫وطـــالبا فمــستجيدا أكدا‬ ‫عن املؤكدات أو مـــــر ّددا‬
‫بحسب اإلنكار فالضــروبا‬ ‫أو منكرا فأكدن وجـــــوبا‬
‫تــاله فهـو الطلبي وانتمـى‬ ‫سم ابتدائيا ومـــــــا‬
‫أوهلا ّ‬
‫ظاهره إيرادها كام مضـــــى‬ ‫تاليه لإلنكار ثم مقتضـــى‬

‫‪-29-‬‬
‫ستدعى‬
‫َ‬ ‫األصيل؛ لكونه منصوص ًا وبنفس الصيغة لكنه ناشئ عنه يف الوجود ا ُمل‬
‫بطلب اإلجياد‪ .‬فافهم ذلك‪.‬‬
‫وسنذكر نصوص الشاطبي كاملة يف املشهد اخلامس‪.‬‬
‫أما ابن عاشور يف اجلهات فإنه فيام يبدو ظل عىل تعريف املقاصد باحلكم‬
‫واملعاين والعلل مضي ًفا بعدا آخر هو القطعية الناشيئة عن االستقراء حيث‬
‫استهل باستقراء اجلزئيات للوصول حلكمة متحدة أو حتصيل مفهوم كيل‬
‫إال أنه يف الطريق الثاين للتعرف عىل املقاصد حتدث عن الدالالت الواضحة‬
‫للقرآن والسنة املتواترة وهذا يرجعنا إىل املقاصد االبتدائية اجلزئية‪ ،‬ولكن من‬
‫زاوية القطع الذي حياول ابن عاشور أن يضفيه عىل املقاصد‪.‬‬
‫وإذا كان القطع بالورود والثبوت هو املعيار فإنه يكون يف االبتدائية التي ليست‬
‫حكام وال عللً فيتناقض عنده مع الطريق األول‪.‬‬
‫ونفس املالحظة تقال عن السنة املتواترة وهي الطريق الثالث الذي يرتكز عىل‬
‫الظن القريب من القطع بالنسبة للصحايب واالحتامل بالنسبة ملتلقي اخلرب‪.‬‬
‫من هناك ندرك فر ًقا جوهر ًيا بني الشاطبي وابن عاشور يف زاوية النظر للتعرف‬
‫عىل املقاصد‪.‬‬
‫فالشاطبي بحث عن طريق التعرف عىل املقصد من خالل النصوص واملعاين‬
‫األوىل والثانية‪.‬‬
‫من حيث الرتتيب يف سري عملية االستكشاف أو الثانوية من حيث الرتبة يف‬
‫العالقة بني املقصد األصيل والتابع ليصل يف النهاية إىل سبيل رابعة لتوليد‬
‫‪-30-‬‬
‫املقاصد من خالهلا هي سكوت الشارع‪ً .‬‬
‫تاركا مسئلة الثبوت إىل الدالالت‬
‫األصولية املعروفة بينام كان ابن عاشور يرمي إىل تأكيد ثبوت املقصدية وقوهتا‬
‫باستقراء اجلزئيات للوصول إىل مقصد كيل أو من خالل نص قطعي داللة‬
‫وورو ًدا‪.‬‬
‫إن اجلهات التي ذكرها الشاطبي هي بالتأكيد اجلهات التي يتعرف عىل املقاصد‬
‫من خالهلا وهي تشمل اجلزئي والكيل الظني والقطعي‪ ،‬ودالالت األلفاظ‬
‫ومعقول النصوص يف ترتيب منطقي يراعى الرتب ويقدم األهم فاملهم‪.‬‬
‫هلذا فال يمكن اعتبار ما ذهب إليه ابن عاشور بديال عن جهات الشاطبي بل‬
‫ال بد أن ينظر إليه عىل أنه مكمل هلا باالحلاح عىل زاوية معينة هي زاوية التأكد‬
‫من أكادة املقصدية‪.‬‬
‫وهلذا فإن الشاطبي يمكن أن يعترب املنطلق األساس لتعريف املقاصد بمستوياهتا‬
‫األربعة املتمثلة يف جدلية املعني واملفهوم‪.‬‬
‫فاملعنى ما يعنيه املتكلم أو الساكت مأخوذ من العناية‪ ،‬واملفهوم ما يفهمه‬
‫املتلقي السامع أو املشاهد‪ ،‬ومها متحدان بالذات خمتلفان باالعتبار‪ ،‬وذلك‬
‫إنام يعرف يف اخلطاب االبتدائي‪ ،‬الذي يمكن أن يعرب عنه بمدلوالت اللغة‬
‫وليس فقط يف صيغ األمر والنهي ولكن كل ما فهم منه مدح أو قدح‪ ،‬قبول‬
‫أو رد‪ ،‬استحسان أو استهجان‪ ،‬إو إباحة أو عفو‪ ،‬أو إذن أو تأكيد‪ ،‬أو ختفيف‬
‫أو تشديد‪.‬‬
‫وهذا كام أسلفنا جييب عن ماذا؟ ﱫ ﭠ ﭡ ﭢ ﱪ [سبأ‪ ،]23:‬وقد أشار إليه‬
‫‪-31-‬‬
‫الشاطبي يف مبحث مقاصد الرشيعة لإلفهام‪.‬‬
‫أما املستوى الثاين‪ :‬فهو ما وراء النص من تعليل أو مصالح يراد جلبها أو‬
‫مفاسد يتوخى درؤها‪ .‬وقد يعرب عنه باحلكم ألن فيه حكمة توحى بالتعليل‬
‫والصواب والرشد‪ .‬وباألرسار ألنه يف باطن اللفظ وليس يف ظاهره‪ ،‬واملرامز‬
‫التي ترمز إىل املراد حسب عبارة الباقالين‪.‬‬
‫إذ غال ًبا ما يبدو بعد بحث عقيل أو إبداء من الشارع‪.‬‬
‫أما املستوى الثالث‪ :‬فهو كالذين قبله يف عملية االستكشاف إال أنه أبرزه‬
‫نوعا ثال ًثا لنزول رتبته عن املقصد األصيل وهو تفريع عليه‪ .‬وقد‬
‫باعتباره ً‬
‫أبدينا رأينا حوله‪.‬‬
‫أما املستوى الرابع‪ :‬فإنام قرره مستقال؛ ألنه خيتلف يف وسيلة التعرف عليه عام‬
‫قبله ولنزول رتبته بناء عىل ذلك يف تأكد املقصدية وهو طريق السكوت؛ لكن‬
‫الشاطبي يف تفصيل املقاصد العليا أو التي متثل أرضية لكل املقاصد ذكر مقصد‬
‫وضع الرشيعة ابتداء جاز ًما بأنه ملصالح العباد يف العاجل واآلجل فإذا سلمت‬
‫هذه املقصدية مع مقدمة وضع الرشيعة لإلفهام الذي ينايف اإلهبام‪ ،‬وكام قال‬
‫يف املراقي‪ :‬وما به يعنى بال دليل غري الذي ظهر للعقول‬
‫ورشحه بأنه ال يكون يف القرآن والسنة حشو وال لفظ مقصود به غري ظاهره‬
‫إال بدليل عقيل‪.‬‬
‫وبناء عىل ما تقدم يمكن أن نركب التعريف التايل‪:‬‬
‫مقاصد الرشيعة هي‪ :‬املعاين اجلزئية أو الكلية املفهومة من خطاب الشارع‬
‫‪-32-‬‬
‫ابتداء‪ ،‬أصلية أو تابعة‪ ،‬وكذلك املرامي واملرامز واحلكم والغايات املستنبطة‬
‫من اخلطاب‪ ،‬وما يف معناه من سكوت بمختلف دالالته مدرك ًة للعقول‬
‫البرشية متضمنة ملصالح العباد معلومة بالتفصيل أو يف اجلملة‪.‬‬
‫وهذا التعريف الذي يدمج القصود االبتدائية املنشأة بالقصود الثانية الناشئة؛‬
‫أجناسا خمتلفة‪ ،‬ويراعي املعاين التي أشار‬
‫ً‬ ‫جنسا واحدا وليس‬
‫ليكون املحدود ً‬
‫إليها الشاطبي متفرقة من إبراز املصلحة كفصل من فصول احلد وإدراك العقل‬
‫الذي يتناول املعاين األوىل والثانية‪ ،‬وبذلك نستوعب خمتلف العنارص املكونة‬
‫يف تعريف املقصد جنس ًا ونوع ًا وفصال وخاصة‪.‬‬

‫ ‬

‫‪-33-‬‬
‫املشهد الثاني‬

‫مسيرة العمل والتعامل‬


‫مع المقاصد وبها‬

‫ِ‬
‫كشف مقاصد‬ ‫ُ‬
‫السلف تلك الدعو َة القرآنية التي أرشنا إليها إىل‬ ‫لقد فهم‬
‫واستشفاف ِح َكمها‪ ،‬فتجلَّ ذلك الفهم يف فقه الراسخنيَ يف العلم من‬
‫ِ‬ ‫الرشيعة‬
‫ِ‬
‫وبخاصة اخللفا َء الراشدين ريض اهلل عنهم‪:‬‬ ‫أصحاب رسول اهلل‬
‫َ‬
‫املصحف‪ ،‬وورث‬ ‫ِ‬
‫الزكاة‪ ،‬ومجع‬ ‫فقاتل أبو بكر الصديق ريض اهلل عنه مانعي‬
‫اجلدَ دون األخوة‪ ،‬ورشح اخلليف َة من بعده‪.‬‬
‫ووضع اخلراج‪،‬‬
‫َ‬ ‫عمر ريض اهلل عنه نفي الزاين البكر بعد أن طب َقه‪،‬‬ ‫َ‬
‫وأوقف ُ‬
‫وع َّلق حدَّ الرسقة َ‬
‫عام الرمادة وأحل الديوان حمل عاقلة النسب ملا فهم من‬
‫قصد الشارع نوط احلكم بروح التضامن والنرصة‪.‬‬
‫وباع عثامن ريض اهلل عنه ضال َة اإلبل‪ ،‬ووضع ثمنها يف ِ‬
‫بيت املال ملا رأى من‬ ‫َ‬
‫‪-35-‬‬
‫َ‬
‫متارض‬ ‫وورث‬ ‫ِ‬
‫األخالق مع ثبوت ال َّنهي عن التقاطها‪َّ ،‬‬ ‫ري‬ ‫خراب ِّ‬
‫الذمم وتغ ِ‬
‫الكلبية من زوجها عبدالرمحن بن عوف عليه الرىض الذي أبانَا يف مرض‬
‫املوت‪.‬‬
‫الناس إال ذاك“ بعد ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫وضمن ُّ‬
‫عيل ريض اهلل عنه الص َّناع وقال‪ ”:‬ال ُيصلح‬ ‫َّ‬
‫هيجوا‪ ،‬وقاتلهم بعد ْ‬
‫أن‬ ‫َّ‬
‫وكف عن اخلوارج حتى َّ‬ ‫كانت يدُ الصانع يدَ أمانة‪.‬‬
‫أقام عليهم احلج َة ومل يأخذ بحديث بروع بنت واشق‪.‬‬
‫َ‬
‫إىل غري ذلك من قضاياهم وفتاوهيم ريض اهلل عنهم يف أمو ِر مل يسبق فيها ُ‬
‫حكم أو‬
‫فخصصوه يف الزمان‪.‬‬
‫عموم َّ‬
‫ُ‬ ‫أمر منه عليه الصالة والسالم‪ ،‬أو سبقَ فيها ُ‬
‫حكم أو‬ ‫ُ‬
‫‪-‬كأم املؤمنني عائشة وأم سلمة ريض اهلل عنهام‬
‫ِّ‬ ‫وكذلك كان ُ‬
‫بعض الصحابة‬
‫وغريمها من أمهات املؤمنني والصحابة اآلخرين كابن عباس وابن مسعود‬
‫وابن عمر ومعاذ وأيب موسى األشعري وغريهم‪ -‬يفتون فيام جتدَّ د من قضايا؛‬
‫اعتام ًدا عىل ما حفظوه من الوحيني‪ ،‬وتار ًة اعتام ًدا ما فهموه من داللة املقاصد‪.‬‬
‫إمام احلرمني عن القايض الباقالين قو َله عن الصحابة‪« :‬كانوا ريض‬
‫فقد نقل ُ‬
‫مراسم اجلمع والتحرير ويقترصون عىل املَرام ِز الدَّ ِ‬
‫الة عىل‬ ‫َ‬ ‫اهلل عنهم ال يقيمون‬
‫املقاصد»(‪.)1‬‬
‫أن الصحابة كانوا يكتفون باملعاين املقصدية دون ضبط مقنن َّ‬
‫فإن‬ ‫ومع َّ‬
‫األصوليني بعد ذلك حولوا تلك املادة األصلية من قضايا الصحابة وفتاوهيم‬
‫إىل بناء رائع مربع الزوايا كرتبيع الكعبة الرشيفة وكل بناء مربع يسمى كعبة كام‬

‫‪ -1‬إمام احلرمني‪ ،‬الربهان‪ 1064/2 :‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪-36-‬‬
‫يف قول األسود بن يعفر اإليادي‪:‬‬
‫ِ‬
‫سنداد‬ ‫ِ‬
‫الكعبات من‬ ‫والقرص ذي‬ ‫ارق‬ ‫أهل َ‬
‫اخل َورنق والسدير و َب ٍ‬
‫فكانت الزاوية األوىل‪ :‬إحلاق جزئي بجزئي منصوص وهو القياس‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬استثناء جزئي والعدول به عن كيل ختفي ًفا ملعنى اجتاله لرضورة حاقة‬
‫أو حاجة ماسة وهو االستحسان‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬إحلاق جزئي بكيل مصلحي استقرائي وهو االستصالح‪.‬‬
‫والرابعة‪ :‬استثناء من أصل إباحة بناء عىل مئال متوقع وهو املعرب عنه بسد‬
‫الذرائع‪.‬‬
‫ففي احلالتني األخريتني مراعاة املصلحة من جهة الوجود يف األوىل ومن جهة‬
‫العدم يف الثانية فعاد األمر إىل جلب مصلحة أو درء مفسدة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫متفاوتة ﱫ ﯓ‬ ‫ٍ‬
‫بنسب‬ ‫وامتدَّ مسلك الصحابة يف االستنباط يف عرص التابعني‬
‫ٍ‬
‫بنصيب‪ ،‬ومع ذلك كانت‬ ‫ِ‬
‫مدرسة‬ ‫وأخذت ُّ‬
‫كل‬ ‫ْ‬ ‫ﯔ ﯕﱪ [الرعد‪،]17 :‬‬
‫ُ‬
‫السبعة‪،‬‬ ‫الفقهاء‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد؛ إذ منها‬ ‫ُ‬
‫مدرسة‬ ‫ِ‬
‫املدينة بأنَّا‬ ‫ِ‬
‫مدرسة أهلِ‬ ‫اإلشار ُة إىل‬
‫ِ‬
‫النبوة ومنهج الصحابة يف‬ ‫راث‬ ‫عمل ِ‬
‫أهلها عىل منهج ما ورثوه من ُت ِ‬ ‫واستمر ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫أوقافهم قائم ًة ُ‬
‫دليل عىل جوا ِز الوقف‪ ،‬حسب مالك‬ ‫فوجود‬
‫ُ‬ ‫رعي املقاصد‪،‬‬
‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وفقهاء احلديث‬
‫ُ‬ ‫هلذا يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬ففي اجلملة ُ‬
‫أهل املدينة‬
‫ِ‬
‫الرشيعة وأصوهلا(‪.)1‬‬ ‫منعا حمكمً مراعنيَ ملقاصد‬
‫مانعون من أنواع الربا ً‬

‫‪ -1‬جمموع الفتاوى ‪.29/30‬‬

‫‪-37-‬‬
‫ومن كثرة أخذ مالك ريض اهلل عنه باملقاصد َّادعى أبو بكر بن العريب أ َّنه انفرد‬
‫بذاك قائلً‪« :‬وأما املقاصدُ واملصالح فهي أيضا مما انفر َد به مالك دون سائر‬
‫العلامء»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫املقاصد‪ ،‬وما‬ ‫أغوصه عىل‬
‫َ‬ ‫وقال أيضا عن مالك تعج ًبا ُ‬
‫حيمل إعجا ًبا‪« :‬ما(‪ )2‬كان‬
‫كان أعر َفه باملصالح»(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫الوريث الرشعي هلذا الفقه‪ ،‬فراعاه يف اجتاهني‪ ،‬ومها‪ :‬مراعا ُة‬ ‫إذ كان ٌ‬
‫مالك هو‬
‫املصالح ‪ .‬ومن جهة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جلب‬ ‫ِ‬
‫بقاعدة‬ ‫ِ‬
‫جهة الوجود وهو املعبَّ عنه‬ ‫املصالح من‬
‫العدم املعبَّ عنه بقاعدة درء املفاسد‪.‬‬
‫املصالح‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫مالك من إعامل‬ ‫ِ‬
‫الناصعة ما اخ ُتص به‬ ‫والذي كان من جتلياته‬
‫ِ‬
‫ودرء املفاسد‪ ،‬الذي يم ِّثل اجلانب اآلخر للنظرية‬ ‫ِ‬
‫املرسلة حيث كان جم ِّل ًيا فيه‪،‬‬
‫املقاصدية‪ ،‬متمثلً يف مبدإ سد الذرائع ‪.‬‬
‫وهكذا يقول القايض ابن العريب ‪-‬عن مالك الذي زاد عىل األحاديث التي‬
‫تدور عليها البيوع أصلني‪ :-‬فإن ً‬
‫مالكا زا َد يف األصول مراعا َة الشبهة‪ ،‬وهي‬
‫التي يسميها أصحابنا الذرائع وهو األصل اخلامس‪ .‬والثاين وهو السادس‪:‬‬
‫ُ‬
‫العامة‬ ‫ُ‬
‫املنفعة‬ ‫ُ‬
‫املصلحة‪ ،‬وهو يف كل معنى قام به قانون الرشيعة‪ ،‬وحصلت به‬
‫يف اخلليقة‪ .‬ومل يساعده عىل هذين األصلني أحد من العلامء‪ ،‬وهو يف القول هبام‬

‫‪ -1‬ابن العريب‪ ،‬القبس‪ ،786/2 :‬حتقيق حممد عبداهلل ولد كريم‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -2‬تنبيه‪ :‬هذه «ما» تعجبية‪ :‬بأفعل انطق بعد ما تعجبا‪ .‬أما كان بعدها فهي زائدة‪ :‬وقد تزاد كان يف حشو كام كان‬
‫أصح علم من تقدما‪.‬‬
‫واالستشهاد من ابن مالك يف األلفية وفيه إشارة إىل صحة علم مالك‪.‬‬
‫‪ -3‬نفس املرجع ‪.1098 /3‬‬

‫‪-38-‬‬
‫أقوم قيلً وأهدَ ى سبيلً‪ ،‬وقد بينا وجوب القول هبام والعمل بمقتضامها يف‬
‫ُ‬
‫أصول الفقه ومسائل اخلالف(‪.)1‬‬
‫ٌ‬
‫متفقة يف اجلملة عىل اعتبار املقاصد؛‬ ‫لكنه يعود مرة أخرى ليقول إن األم َة‬
‫حيث يقول‪« :‬القاعدة العارشة‪ :‬هي بسط املقاصد واملصالح التي أرشنا إليها‬
‫األمة عىل اعتبارها يف اجلملة‪ ،‬وألجلها َوضع ُ‬
‫اهلل احلدو َد‬ ‫ُ‬ ‫قبل هذا‪ ،‬وقد اتَّفقت‬
‫استصالحا للخلق‪ ،‬حتى تعدَّ ى إىل البهائم(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫والزواجر يف األرض‬
‫َ‬
‫املقاصد عند أئمة املذاهب‪:‬‬
‫مبكرا يف‬
‫ً‬ ‫وإذا كانت مراعا ُة املقاصد ظلت ماثلة يف فقه األئمة‪ ،‬فإن التباين ظهر‬
‫اتساعا وضي ًقا‪ ،‬لصو ًقا بالنص وبعدً ا منه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫اجتهادهم‬
‫ويصف الشاطبي هذه االجتاهات املتعارضة يف موقفها من التعامل مع النص‬
‫‪-‬انقل عنه باملعنى‪.-‬‬

‫هيتم باملعانِ‪ ،‬وإنام يقترص عىل ظواهر النصوص‪،‬‬ ‫اً‬


‫فأول‪ :‬االجتاه الظاهري الذي ال ُّ‬
‫َّ‬
‫مظان العلم بمقاصد الشارع يف الظواهر والنصوص كموقف‬ ‫وهم حيرصون‬
‫أهل الظاهر من األصناف الزكوية واألنواع الربوية يف املطعومات والنقود‬
‫فيقترصون عىل مورد النص وال جيرون حكم العلة عىل املامثل فال زكاة يف الرز‬
‫وال يف الذرة وال ربوية يف غري األصناف املنصوصة‪.‬‬
‫ويطرد هذا يف مجيع‬
‫ُ‬ ‫واالجتاه الثاين‪ :‬يرى َّ‬
‫أن مقصدَ الشارع ليس يف الظواهر‪،‬‬

‫‪ -1‬نفس املرجع ‪.778/2‬‬


‫‪ -2‬ابن العريب القبس ‪. 801/2‬‬

‫‪-39-‬‬
‫هم الباطنة وظهر هذا االجتاه يف‬ ‫ِ‬
‫وهؤالء ُ‬ ‫متمسك‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الرشيعة‪ ،‬فال يبقى يف ظاه ٍر‬
‫القرن األول مع اجلعد بن درهم أيام اخلليفة هشام بن عبدامللك فكان أول من‬
‫ً‬
‫متمسكا بالباطن وهو‬ ‫أنكر خلة إبراهيم عليه السالم وتكليم موسى عليه السالم‬
‫ظاهر اآلية ليس مقصو ًدا وقد أقام عليه احلدَ خالد بن عبداهلل القرسي أمري‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫العراقني من قبل هشام يوم األضحى يف القصة املشهورة‪ ،)1(.‬وأ َ‬
‫لْقَ هبؤالء َمن‬
‫كانت َّ‬
‫مطرحة‪.‬‬ ‫النظري ْ‬
‫َّ‬ ‫النصوص املعنَى‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫خالفت‬ ‫ُ‬
‫بحيث لو‬ ‫طلب املعنى‬ ‫ُي ُ‬
‫غرق يف ِ‬
‫والذي نرتضيه هو االجتاه الثالث الذي رشحه الشاطبي بقوله‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وجه ال ي ُُّل فيه املعنى بال َّنص‪،‬‬ ‫مجيعا‪ ،‬عىل‬ ‫ِ‬
‫األمرين ً‬ ‫«والثالث‪ :‬أن َ‬
‫يقال باعتبا ِر‬
‫َ‬
‫تناقض‪،‬‬ ‫َ‬
‫اختالف فيه وال‬ ‫ُ‬
‫الرشيعة عىل نظام واحد ال‬ ‫لتجري‬
‫َ‬ ‫وال بالعكس؛‬
‫االعتامد(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العلامء الراسخني؛ فعليه‬ ‫أكثر‬
‫وهو الذي أ ّمه ُ‬
‫قلت‪ :‬وهذا اإلجتاه الثالث الوسطي مذهب األئمة األربعة الذين أجروا علل‬
‫األحكام املعللة عىل أمثاهلا فشبيه احلالل حالل وشبيه احلرام حرام وفرقوا‬
‫بني املعامالت والعبادات فتوسعوا يف اعتبار املقاصد يف األوىل وضيقوا حدود‬
‫املقاصد يف الثانية وإن كان قد نقل عن بعضهم التعليل يف العبادات كام أجاز‬
‫اعتبارا‬
‫ً‬ ‫األحناف أخذ القيم يف الزكاة والكفارات بدلً من األنواع املنصوصة‬
‫للمعنى واملقصد‪.‬‬
‫تقسيم دقيق‪ ،‬إال أ َّنه حيتاج إىل جتلية تتمثل باختصار فيام ييل‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫تقسيم الشاطبي‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬

‫‪ -1‬انظر الوايف بالوفيات للصفدي وغريه‪.‬‬


‫‪ -2‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.134/3‬‬

‫‪-40-‬‬
‫لقد اختلفت املدارس الفقهية بني متمسك بظاهر النصوص مع دليل واحد‬
‫هو االستصحاب‪ ،‬وهؤالء هم أهل الظاهر‪.‬‬
‫بينام قال الشافعية مع الظاهرية بظاهرها وزادوا القياس‪ ،‬مع اضطراب يف‬
‫مذهبهم حول االستصالح‪ .‬وهؤالء أقرب إىل حرفية النص‪.‬‬
‫وزادت املدارس املالكية واحلنبلية واحلنفية عىل الظاهر والقياس فقالت‬
‫باالستدالل‪ ،‬وهو لغة‪ :‬طلب الدليل‪ .‬قال الشوكاين‪« :‬وهو يف اصطالحهم‬
‫وعرفه يف نرش البنود عىل مراقي السعود‬
‫ما ليس بنص وال إمجاع وال قياس»‪َّ .‬‬
‫بقوله‪ :‬االستدالل لغ ًة ُ‬
‫طلب الدليلِ ‪ ،‬ويطلق يف العرف عىل إقامة الدليل مطل ًقا‬
‫من نص أو إمجاع أو غريمها‪ ،‬وعىل نوع خاص من الدليل وهو املراد هنا‪،‬‬
‫ويطلق أيضا عىل ذكر الدليل‪ .‬قال يف النظم‪:‬‬
‫اع وال َّت ْمثِيلِ‬
‫جْ ِ‬ ‫و َل ْي َ‬
‫س با ِ‬
‫إل َ‬ ‫ص ِم ْن الدَّ ليلِ‬ ‫ما َل ْي َ‬
‫س بال َّن ِ‬
‫ليست‬
‫ْ‬ ‫النص‬ ‫ِ‬
‫ومعقول ِّ‬ ‫ُ‬
‫تعرتف باملعنَى‬ ‫أن املدرس َة املقاصدي َة التي‬
‫وهذا يعني َّ‬
‫أقرب إىل الظاهرية‪ .‬بينام‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فالشافعية‬ ‫وزان ِ‬
‫واحد‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة وال عىل‬ ‫ٍ‬
‫درجة‬ ‫عىل‬
‫أقرب إىل نظرية املقاصد؛‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫واحلنفية‬ ‫ِ‬
‫واحلنبلية‬ ‫ِ‬
‫املالكية‬ ‫اعتبار املدا ِرس‬
‫ُ‬ ‫يمكن‬
‫لقولِم باالستدالل الذي يشمل املصالح املرسلة وسد الذرائع واالستحسان‪،‬‬
‫عىل تفاوت يف درجة األخذ؛ فحينام يقول املالكية باملصالح املرسلة وبثالثة‬
‫أنواع من االستحسان‑ يبالغ األحناف يف األخذ باالستحسان ليستغنوا به عن‬
‫االستصالح‪ ،‬ويأخذ احلنابلة مع املالكية بسد الذرائع وبطرف من االستحسان‪،‬‬
‫ويرتدد النقل عنهم يف األخذ باملصالح املرسلة‪.‬‬
‫‪-41-‬‬
‫ِ‬
‫واملتساكن واملتداخلِ‬ ‫ِ‬
‫املتباين‬ ‫ِ‬
‫املشهد‬ ‫تتبلور صور ُة‬
‫ُ‬ ‫بدأت‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫القرن الثانِ‬ ‫ويف آخ ِر‬
‫ِ‬
‫واحلنبلية مل يعلنوا َعن‬ ‫ِ‬
‫واملالكية‬ ‫ِ‬
‫احلنفية‬ ‫ِ‬
‫الثالثة‬ ‫ِ‬
‫املذاهب‬ ‫واملتقابِل‪ ،‬وإن كان ُ‬
‫أئمة‬
‫جتسدت فيام‬
‫ْ‬ ‫املتناثرة فِ املسائلِ الفقهية التِي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خالل اجتهاداتِم‬ ‫هو َّيتهم إال من‬
‫سطر أصو َله التي كان لدالالت‬
‫فإن اإلمام الشافعي رمحه اهلل َّ‬ ‫ٍ‬
‫قواعد َّ‬ ‫بعدُ فِ‬
‫ُّ‬
‫واحلظ األوىف‪ ،‬ومل يكتف بذلك فقد أوضح موقفه‬ ‫النصيب األوفر‬
‫ُ‬ ‫األلفاظ فيها‬
‫من اآلخرين‪ ،‬وبذلك قدَّ م لنا مواق َفهم كام يراها‪ ،‬فتحدَّ ث عن االستحسان‪،‬‬
‫وعن الذرائع‪ ،‬معلنًا موقفه املبدئي احلاسم منها‪.‬‬
‫ُ‬
‫روابط نسب‬ ‫متيزت اجتاهات داخل املذاهب األربعة التي جتمع بينها‬
‫وهكذا َّ‬
‫العلم باألخذ املبارش بني أئمتها‪.‬‬
‫ترشيعا مع أن الشافعي مل‬
‫ً‬ ‫وكام شدَّ د الشافعي يف رفضه لالستحسان باعتباره‬
‫يبعد أحيا ًنا من األخذ بيشء من االستدالل كام يقول إمام احلرمني ‑ فقد َّ‬
‫رد‬
‫َ‬
‫جتاوز فيها‬ ‫القايض أبو بكر الباقالين ‪-‬وهو مالكي‪ -‬االستصالح بعبارات قوية‬
‫أهل النظر‬ ‫«إن ف ْتح هذا الباب ليس له ٌ‬
‫أصل‪ ،‬ويفىض إىل أن يبقى ُ‬ ‫احلدَّ ؛ قائلً‪َّ :‬‬
‫بمنزلة األنبياء عليهم السالم‪ ،‬ومل ينسب ما يرونه إىل الرشيعة‪ ،‬وهو ذريعة إىل‬
‫إبطال أهبة الرشيعة‪ ،‬وإىل أن يفعل كل واحد ما يرى‪.‬‬
‫ثم خيتلف ذلك باختالف الزمان واملكان وأصناف اخللق‪ ،‬فيبطل ما درج عليه‬
‫األولون‪ ،‬وألنه لو جاز ذلك لكان العاقل ذو الرأي العامل بوجوه السياسات‬
‫إذا راجع املفتني يف حادثة وأعلموه أهنا ليست منصوصة وال أصل هلا‬
‫يضاهيها جيوز له حينئذ العمل باألصوب عنده والالئق بطريق االستصالح؛‬
‫‪-42-‬‬
‫الناس‬
‫ُ‬ ‫صعب ال يستجرئ عليه متد ِّين‪ ،‬ولو ساغ ما قاله مالك التَّذ‬
‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫وجتر ٌؤ عىل‬
‫أيام كرسى أنورشوان يف العدل والسياسة معتربهم؛ وهذا ممنوع ُّ‬
‫َ‬
‫االنحالل عن الدين بالكلية»‪- .‬انتهى كالمه بنقل اجلويني يف الربهان(‪.-)1‬‬
‫َ‬
‫اجلدل قد بلغ أشدَّ ه يف القرن الثالث مع تقديم األحناف رؤيتهم األصولية‬ ‫إن‬
‫مستنبطة من فروع مذهبهم مع عيسى بن أبان‪ ،‬لتكتمل مع أيب احلسن الكرخي‬
‫وتلميذه اجلصاص الرازي‪.‬‬

‫اعتبار تداعيات موقف الشافعي من االستحسان والذرائع وما‬


‫ُ‬ ‫وهلذا يمكن‬
‫املستصلح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ووصف‬ ‫ُعزي للقايض الباقالين وهو مالكي من رد لكلِ استصالح‬
‫ِ‬
‫صياغة املقاصد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لرحلة‬ ‫ِ‬
‫ضبط الرشع بداي ًة‬ ‫كاالنحالل ِ من‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بصفات ال ُ‬
‫تليق‬
‫رد إمام احلرمني‬ ‫ٌ‬
‫معروف جمدِّ ُد األصول يف القرن الرابع وقد َّ‬ ‫والباقالين كام هو‬
‫الض ِ‬
‫بط واملصري إىل انحالل‬ ‫عىل القايض بأن‪ :‬ما ذكره من خروج األم ِر عن َّ‬
‫ورد األمر إىل آراء ذوى األحالم فهذا إنام يلزم ً‬
‫مالكا ريض اهلل عنه ورهطه إن‬
‫صح ما روي عنه(‪.)2‬‬
‫إمام احلرمني محل ًة ال َّ‬
‫مرد هلا عىل مالك يف االستصالح‪ ،‬وقد رد عليه‬ ‫وشن ُ‬‫َّ‬
‫ُ‬
‫املالكية بام هو معروف‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصحابة التي ال‬ ‫ِ‬
‫أقضية‬ ‫اجلويني محلتَه باالعرتاف بأن ً‬
‫مالكا يعتمدُ عىل‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ويستهل‬
‫ِ‬
‫األقضية‬ ‫مالكا إىل تأويل هذه‬ ‫ِ‬
‫االعرتاف دعا ً‬ ‫ُيشق له فيها ُغ ُ‬
‫بار‪ ،‬إال أ َّنه بعد هذا‬

‫‪ -1‬إمام احلرمني الربهان ‪.1115/2‬‬


‫‪ -2‬نفس املرجع ‪.1119/2‬‬

‫‪-43-‬‬
‫ٍ‬
‫بعيدة اقرتحها عليه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بتأويالت‬
‫وخرجت من عباءة هذا اجلدل املقاصدُ ‪.‬‬
‫ومن املفارقات أن يكون الشافعية يف طليعة مؤسيس الفكر املقاصدي من‬
‫خالل مقوالت إمام احلرمني اجلويني وردوده الالذعة عىل مذهب مالك‬
‫ُّ‬
‫وتلتك الرباهنيُ عىل حياض‬ ‫يلج النزاع وحيتدم اجلدال‬
‫وأيب حنيفة‪ ،‬فعندما ُّ‬
‫االجتهاد‪ ،‬يف حماولة لضبط أوجهه خارج نصوص الكتاب والسنة واإلمجاع‬
‫واملعيار هلذا‬
‫َ‬ ‫والقياس فيام سمي الح ًقا باالستدالل ‑ كانت املقاصدُ الوسيل َة‬
‫ِ‬
‫عبارة‬ ‫حسب‬
‫َ‬ ‫بتفاريق ٍ‬
‫أدلة ش َّتى‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫مشككة‪ ،‬وإن كانت قطعية‬ ‫الضبط؛ ألهنا ٌ‬
‫كلية‬
‫الغزايل تقري ًبا‪.‬‬
‫فلذلك فإن البحث العلمي املقنن الستكشاف املقاصد بدأ مع رسالة الشافعي‬
‫التي ظهرت يف خضم الطور الثالث من أطوار تدوين الرشيعة التي أشار إليها‬
‫سيدي أمحد زروق يف كتابه «قواعد التصوف» والذي ذكر فيه بأن نقل الرشيعة‬
‫ِ‬
‫الصحابة حتى‬ ‫ِ‬
‫عرص‬ ‫الغالب عىل‬
‫ُ‬ ‫طور الرواية وهو‬ ‫ِ‬
‫بثالثة أطوا ٍر‪ُ :‬‬ ‫مر‬
‫وتدوينها َّ‬
‫عرص تدوين السنة بأمر عمر بن عبدالعزيز ريض‬
‫بدأ ُ‬‫هناية القرن األول‪ ،‬حيث َ‬

‫عرص التفقه ويف رأينا أن رسالة الشافعي كانت‬


‫اهلل عنه املتوىف سنة ‪102‬هـ ‪ .‬ثم ُ‬
‫صوى بارزة يف هذا الطور‪ ،‬والشافعي ريض اهلل عنه تويف سنة ‪204‬هـ‪.‬‬
‫ِ‬
‫واجلدل‬ ‫البحث عن املقاصد انطال ًقا من الرسالة‪ ،‬ور ِّد الفعل عليها‬
‫ُ‬ ‫وقد َ‬
‫بدأ‬
‫ُ‬
‫أرسخهم القايض أبو بكر‬ ‫علامء من خمتلف املذاهب‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫اشرتك فيه‬ ‫حوهلا‪ ،‬الذي‬

‫‪-44-‬‬
‫الباقالين‪ ،‬إال أن الفلسف َة املقاصدي َة كانت مع اجلويني(‪ )1‬املتوىف سنة ‪،478‬‬
‫وتلميذه أيب حامد الغزايل سنة ‪ ،505‬وتلميذ الغزايل أيب بكر ابن العريب‬
‫سنة‪ ،543‬والعز بن عبدالسالم سنة‪ ،660‬وتلميذ هذا األخري القرايف سنة‬
‫‪682‬هـ‪ .‬مع آخرين كأيب احلسني البرصي وأيب اخلطاب والرازي وغريهم من‬
‫األصوليني واملتكلمني‪.‬‬

‫َ‬
‫ليكون يف القرن الثالث فإنَّم انخرطوا‬ ‫رد فعلِ األحناف عىل الرسالة‬ ‫ْ‬
‫وإن َّ‬
‫تأخر ُّ‬
‫رجع ُ‬
‫بعضها إىل‬ ‫ريهم يف خمتلف قضايا اخلالف‪ ،‬التي َي ُ‬ ‫ٍ‬
‫جدل مع الشافعية وغ ِ‬ ‫يف‬
‫ُ‬
‫وبعضها إىل معقول النص أي املقاصد‪.‬‬ ‫دالالت األلفاظ‪،‬‬
‫وكانت موافقات الشاطبي ‪-‬التي حيتفي هبا األصوليون باعتبارها خامتة النظر‬
‫األصويل‪ -‬مقارنات بني أصول املتكلمني والفقهاء‪ ،‬وبه نقلت املقاصد من‬
‫ظواهر إىل قوانني أو فلنقل من فن إىل علم‪ .‬وهي اليوم أحوج ما حتتاج إىل‬
‫من يقرأها قراءة خترج أفكارها من ركام التبسيطات والقراءات الظاهرية التي‬
‫ُأغرقت هبا يف هذا القرن‪.‬‬
‫ِ‬
‫الكالمية كاألشعرية واملاتريدية‬ ‫ِ‬
‫املدارس‬ ‫إال أ َّنه جتدر اإلشارة إىل أن ُّ‬
‫تدخل‬

‫متيز عن سالفيه ومعارصيه بشيئني اثنني‪ :‬طرحه ألول مرة‬ ‫‪ -1‬يقول عبد املجيد الصغري عن إمام احلرمني‪ :‬إنه ّ‬
‫موضوع مقاصد الرشيعة كعلم جديد متميز بقواطع أدلته وبتجاوزه للخالف واستقالله عن املذاهب الفقهية‬
‫املتميز أخطر مهمة‪ ،‬مهمة اإلنقاذ السيايس‬
‫ّ‬ ‫الفروعية بل وعن أصول الفقه الظنية نفسها؛ ثم إناطته هبذا العلم‬
‫واالجتامعي للعامل اإلسالمي من اهلوة التي رآها وشيكة الوقوع‪ .‬ويف هذا تصميم عىل ربط مفهوم مقاصد الرشيعة‬
‫باملشكل السيايس واالجتامعي‪(.‬عبداملجيد الصغري‪ :‬الفكر األصويل وإشكالية السلطة العلمية يف اإلسالم‬
‫‪.)355‬‬
‫قلت‪ :‬إال أنه يالحظ أن إمام احلرمني عندما يتحدث يف مبحث املناسب يف أصول الفقه «الربهان» خيتلف عن‬ ‫ُ‬
‫توجهاته يف كتبه السياسية «الغياثي»‪.‬‬

‫‪-45-‬‬
‫أسسا‬
‫ً‬ ‫الفكر املقاصدي وأوجدَ‬
‫َ‬ ‫واملعتزلة والشيعة أ ْث َرى يف مسار التأصيل‬
‫طرح إشكالية‬ ‫ِ‬
‫املسألة املقاصدية‪ ،‬من خالل ْ‬ ‫جديدة للحوار الدائر حول‬
‫‑ أساسا لتعليل‬
‫ً‬ ‫التحسني والتقبيح العقليني‪ ،‬ووجوب الصالح واألصلح‬
‫الفقيه‬
‫ُ‬ ‫أحكام الباري جل وعال وأفعاله‪ ،‬ومسألة الباعث يف التعليل‪ ،‬فكان‬
‫خلوض ِغام ِر علم الكالم‪ ،‬وأحيا ًنا السباحة يف بحر الفلسفة‬
‫ِ‬ ‫مدفوعا‬
‫ً‬ ‫األصو ُّيل‬
‫األرسطية‪ ،‬دون أن يكون قد أعدَّ هلا زورقها‪.‬‬
‫فأدى هذا اجلدل إىل‬
‫احلاكم هل هو العقل أو الرشع؟ َّ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫مسألة‬ ‫هكذا ُطرحت‬
‫َ‬
‫تعليل األحكام؛ ألهنا كاألفعال‪،‬‬ ‫شطط أحيا ًنا جعل َ‬
‫بعض أهل السنة َينفي‬
‫ٌ‬
‫منصوبة عىل احلكم‪.‬‬ ‫إن العل َة أمار ٌة‬ ‫ِ‬
‫بدهية التعليل بالقول‪َّ :‬‬ ‫ويتخ َّلص من‬
‫رشحا عن العقل قبل اخلوض يف التفريعات األصولية‪:‬‬
‫وسنقدم ً‬

‫العقل عند الغربيني ‪ Raison‬من الكلمة الالتينية ‪ Ratio‬يف تعريف مبسط‬


‫هو‪ :‬ملكة خاصة باإلنسان من خالهلا يمكن أن يفكر(‪.)1‬‬

‫وهو أداة رقابة اخلاطر وسريورة حركة الفكر إىل القرار واحلركة والباعث عىل‬
‫احلركة والفعل‪.‬‬
‫وهو ً‬
‫أيضا جمموعة املبادئ وطرق التفكري التي تتيح صواب احلكم عىل‬
‫األشياء واآلراء‪.‬‬
‫إنه من الكلامت غري املحددة املعنى كاحلق واخلري والرش وليس كالسواد‬

‫ردا عىل ترصحيات بابا روما التي استشهد فيها بمقولة‬


‫‪ -1‬هذا تعليق عن العقل ال صلة له مبارشة باملقاصد كان ًّ‬
‫تتهم دين اإلسالم بالالعقالنية أثبتناه هنا للفائدة‪.‬‬

‫‪-46-‬‬
‫والتمر والرب‪.‬‬
‫وقد عرف الغزايل العقل يف «معيار العلم» فقال‪ :‬وأما العقل فهو اسم مشرتك‬
‫تطلقه اجلامهري والفالسفة واملتكلمون عىل وجوه خمتلفة ملعان خمتلفة‪ ،‬واملشرتك‬
‫ال يكون له حد جامع‪ .‬أما اجلامهري فيطلقونه عىل ثالثة أوجه‪،،،:‬‬
‫وأما الفالسفة فاسم العقل عندهم مشرتك يدل عىل ثامنية معاين خمتلفة‪.”،،‬‬
‫أما العقالنية التي يفرسها الغربيون‪ّ :‬‬
‫بأن األشياء أصلها ترجع إىل أسباب‬
‫معقولة‪ .‬وخيتلفون بعد ذلك بني قائل باستقالل العقل عن التجربة سواء‬
‫كانت مطلقة كام ذهب إليه ديكارت وهو يف هذا افالطوين‪.‬‬
‫أو نقدية كام ذهب إليه كانت وهو مذهب يقابل املذهب التجريبي للمدرسة‬
‫االنجليزية يف القرن الثامن عرش مع جون لوك وهيوم‪.‬‬
‫وقد خاض املسلمون قبل الغربيني يف هذا اخلالف منذ القرن الثاين اهلجري‬
‫الثامن امليالدي دون أن يضعوا حدًّ ا فاصلً بني العقل والعقالنية فقال الشافعي‬
‫إنه‪ :‬قوة متييز بني األشياء وأضدادها‪ .‬وكان منهم من قال‪ :‬إن العقل غريزة‬
‫تلزم العلوم البدهيية‪ .‬وقال اآلمدي‪ :‬إنه العلوم الرضورية التي ال خلو لنفس‬
‫اإلنسان منها بعد كامل اآللة وعدم أضدادها‪ .‬وهذا ما رأيناه عند ديكارت‪.‬‬
‫أما الغزايل‪ :‬فالعقل عنده غريزي ورضوري ومها‪ :‬نظري وجتريبي‪.‬‬
‫وترتب عىل هذا أن العقل هل هو متحد بالنسبة جلميع الناس ال يتفاوت بني‬
‫شخص وآخر وال بني شعب وآخر؟ هذا ما قال به الرازي وابن القشريي‬
‫وغريمها وهذا مذهب ديكارت من الغربيني الذي يقول‪ :‬إن العقل هو أعدل‬
‫‪-47-‬‬
‫األشياء توزيعا بني البرش‪.‬‬
‫أما من قال بأنه جتريبي فقال بتفاوته بني األفراد‪.‬‬
‫وقد مجع بعض العلامء بني ذلك باعرتافهم بوجود رضبني مما يشار إليه بالعقل‬
‫عقل غريزي وجتريبي بغض النظر عن احلقيقة واملجاز فالعقل يزيد بالتجارب‬
‫وينقص‪.‬‬

‫هل للعقل حدود؟‬


‫إن بعض الفالسفة الغربيني يرون أنه ال حدود للعقل وتنازل البعض وقال‪:‬‬
‫ال حدود للعقل إال تلك احلدود التي يضعها العقل‪ .‬ورأى بعضهم أن املتخيل‬
‫يمثل حدود العقل‪.‬‬
‫وقد قدم الفيلسوف كنت يف “نقد العقل املجرد” امتداد وحدود هذا العقل‪.‬‬
‫لكن بعضهم اعرتف بأن العقل اإلنساين حمدود بنهاياته واضطراره بمحيطه‬
‫اجلسدي املادي واالجتامعي الذي يفرض عليه اضطرارات تشري إىل‬
‫حمدوديته‪.‬‬
‫لعل ذلك ما يعنيه الفيلسوف اإلسالمي طه عبدالرمحن عندما حيذر من العقل‬
‫بواسطة العقل من أجل العقل‪.‬‬
‫وبالنسبة لنا معرش املسلمني ومن يؤمن برسالة ساموية فإن العقل له سقف‬
‫حيث تكون دائرة الوحي وهو فضاء ميتافزيقي فوق سقفه‪ .‬ومع ذلك فإن‬
‫العقل يتعامل مع هذه الدائرة يف نطاق االستحالة العقلية واجلواز والوجوب‬

‫‪-48-‬‬
‫العقليني‪.‬‬
‫وهذا النطاق عندنا معرش املسلمني جيب فيه عدم التعارض فام أحاله العقل ال‬
‫جييزه الوحي وما يوجبه العقل يوجبه الوحي‪.‬‬
‫واجلائز وهو حيز اإلمكان قد يقرره الوحي وقد ينفيه حيث يكون احلكم يف‬
‫هذه املنطقة للوحي دون اعرتاض من العقل الذي يتدخل يف منطقة االستحالة‬
‫والوجوب ويسلم للوحي يف حيز اإلمكان‪.‬‬
‫وهلذا ترد األحاديث إذا خالفت العقل قال الشيخ أبو إسحاق الشريازي‬
‫رب ٌ‬
‫ثقة ُر َّد‬ ‫رب الواحد‪ :‬إذا روى اخل َ‬ ‫رمحه اهلل يف “ال ُّل َمع” يف باب بيان ما ُي ُّ‬
‫رد به خ ُ‬
‫بأمور‪ :‬أحدها‪ :‬أن خيالف موجبات العقول‪ ،‬فيعلم ُبطالنه‪ ،‬ألن الرشع إنام َيرد‬
‫بمجوزات العقول‪ ،‬وأما بخالف العقول فال‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقال ابن اجلوزي رمحه اهلل‪ُّ :‬‬
‫كل حديث رأيته خيالف العقول‪ ،‬أو يناقض‬
‫األصول‪ ،‬فاعلم أنه موضوع‪ ،‬فال تتكلف اعتباره‪ ،‬أي ال تعترب رواته‪ ،‬وال‬
‫احلس واملشاهدة‪ ،‬أو ُمباين ًا لنص الكتاب‬
‫تنظر يف َج ْرحهم‪ .‬أو يكون مما يدفعه ُّ‬
‫والسنة املتواترة أو اإلمجاع القطعي‪ ،‬حيث ال يقبل يشء من ذلك التأويل(‪.)1‬‬
‫جيب أن ننبه عىل أن العقل الذي يشري إليه األستاذ أبو إسحاق الشريازي وأبو‬
‫الفرج بن اجلوزي عىل أساس أنه حيكم يف رد النصوص عند قيام التعارض‬
‫ووجود االستحالة هو العقل اخلالص؛ القائم عىل املسلامت الربهانية القطعية‬
‫املقننة يف املنطق‪ ،‬حيث يمتنع اجلمع بأي اعتبار من االعتبارات الزمانية‬

‫حتقيق الشيخ عبد الفتاح أبوغدة‬ ‫‪- 1‬نقال عن شبري اهلندي «مبادئ علم احلديث وأصوله»‬

‫‪-49-‬‬
‫واملكانية والكيفية «السلب واإلجياب» واملمكنة «الكيل واجلزئي» والنسب‬
‫واإلضافات‪ .‬وليس العقل املتأثر باملحسوسات العادية واملحجوب بالظواهر‬
‫أو املحكوم بسلطان اهلوى والغرور املعريف الزائف‪ ،‬فاملنغمس يف الغمرة ينفي‬
‫(‪)1‬‬
‫ما هو أقرب إليه من حبل الوريد ‪.‬‬
‫إن القرآن يثبت اجلواز العقيل ثم ينتقل إىل احلكم النقيل عند احلديث عن أحوال‬
‫اآلخرة وعامل الغيب بصفة عامة ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝﱪ [الزخرف‪.]11 :‬‬
‫منتجا منشأ‪ ،‬أما يف‬
‫ال ً‬ ‫هذا فيام يتعلق بمجال العقائد حيث يعترب العقل دلي ً‬
‫جمال الترشيع فينبغي أن نفرق بني فضائني فضاء املعامالت الذي يرجع‬
‫إىل مصالح البرش حيث يسري العقل إىل جانب الوحي يف تكامل وانسجام‬
‫اختلف العلامء يف وصفه فرأى بعض أن الرشع إذا ثبت يقدم عىل املصلحة‬
‫التي يقتضيها العقل ورأى البعض اآلخر أن الرشع قد فوض للعقل يف‬
‫أساسا للترشيع مع اتفاق الطرفني عىل أن العقل يظل دليال‬
‫ً‬ ‫اعتبار املصالح‬
‫مستكشفا ال غنى عنه‪.‬‬
‫أما الفضاء الثاين وهو فضاء العبادات التعبدية التي ترتكز أساسا عىل الوحي‬
‫فال سلطان للعقل عليها‪ .‬ومع ذلك فإهنا كام يقول الفهري معقولة يف اجلملة‬
‫وإن مل تعقل يف التفاصيل كالصالة ونحوها‪.‬‬

‫‪- 1‬فرتى من تلك حاله ينفي األحاديث النبوية الرشيفة وربام رد اآليات القرآنية‪ ،‬غافال عن كون التواضع مفتاح‬
‫باب العلم (وما أتيتم من العلم إال قليال) (وفوق كل ذي علم عليم) صدق ربنا العظيم‪ ،‬الذي يعلم وال نعلم‪،‬‬
‫ويقدر وال نقدر ‪( ،‬ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة)‪.‬‬

‫‪-50-‬‬
‫لقد نجح املسلمون إىل حد كبري يف وقت من األوقات يف إجياد تساكن وتعايش‬
‫بني العقل والفلسفة والدين واحلياة الروحية‪.‬‬
‫وبعيدا عن هذا اجلدل الفلسفي الذي قد ال يأيت بنتائج أو قد يتكلم به من‬
‫خيالفه تطبيقا وسلوكا فام هو موقف اإلسالم من العقل؟‬
‫لقد كانت مسألة العقل من أهم القضايا الفلسفية التي شغلت املسلمني‬
‫منذ القرن الثاين اهلجري الثامن امليالدي واشرتك يف اجلدل حوهلا الفالسفة‬
‫واملتكلمون واألطباء والفقهاء كام يقول الزركيش ويمكن أن نضيف اللغويني‬
‫املهتمني باالشتقاق اللغوي وباملعاين واملرتادفات ُّ‬
‫وكل نظر إليه من زاوية‬
‫االستعامل الذي خيدم فيه‪.‬‬
‫وقد اختلفت الفرق يف تعريفه إىل ألف قول كام يقول بعضهم‪.‬‬
‫ً‬
‫مرتبطا بالفضيلة واألخالق ويعطيه أكثر من اسم كلها‬ ‫يمجد اإلسالم العقل‬
‫تشري إىل حقيقته الراشدة وعالقته باحلكمة‪.‬‬
‫فهو العقل واحلجر والنهي وسمي عقال ألنه يعقل صاحبه عن ارتكاب القبائح‬
‫والرذائل أي يمنعه من ذلك وكذا سمي حجرا أيضا ألنه حيجر صاحبه أي‬
‫يمنعه من ارتكاب الرذائل ويفرس العقل أيضا بأنه نور روحاين به تدرك النفس‬
‫األمور أو العلوم الرضورية والنظرية‪ .‬ويفرس العقل أيضا بأنه القوة التي هبا‬
‫يكون التمييز بني احلسن والقبح‪.‬‬
‫وعقل اليشء‪ :‬فهمه قال تعاىل ‪:‬ﱫ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﱪ[البقرة‪ ،]75 :‬وقال‬
‫تعاىل ‪ :‬ﱫ ﭹ ﭺ ﭻ ﱪ [البقرة‪ ،]164 :‬ﱫ ﮭ ﮮﱪ [البقرة‪ ،]44 :‬ﱫﯫ‬

‫‪-51-‬‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﱪ [امللك‪ ،]10 :‬ﱫ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱪ [العنكبوت‪،]43 :‬‬
‫وأكثر معنى هذه الكلمة أي العقل يف القرآن أن يكون الفهم واإلدراك الصحيح أو‬
‫ما يف معناه ﱫ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﱪ [آل عمران‪ ،]118 :‬ﱫ ﭠ ﭡ ﭢ ﱪ [الفجر‪،]5:‬‬
‫مجعا مرا ًدا به العقل ﱫ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﱪ‬
‫واستعمل اللب ً‬
‫[البقرة‪ ،]179 :‬وكذلك القلب‪ :‬ﱫ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﱪ‬
‫[ق‪ ،]37:‬ﱫ ﯰﯱ ﯲ ﯳﱪ [النحل‪ ،]78 :‬والنهى ﱫ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﱪ [طه‪.]54:‬‬
‫ويف املقولة املشهورة‪ :‬أول ما خلق اهلل العقل وقال‪ :‬وعزيت وجاليل ما خلقت‬
‫خلقا أكرم منك بك آخذ وبك أعطي وبك أعاقب‪.‬‬
‫وإن مل يثبت هذا القول عنه عليه الصالة والسالم فإنه يشري إىل مكانة العقل‬
‫عند املسلمني‪.‬‬
‫مصدرا من مصادر املعرفة األساسية بل املصدر األول‬
‫ً‬ ‫اإلسالم جيعل العقل‬
‫املنتج يف العقائد واإليامن وأحد املصادر األربعة املؤسسة يف الترشيع اإلسالمي‬
‫كام يقول حجة اإلسالم أبو حامد الغزايل يف مستصفاه‪.‬‬
‫والعقل أحد الرضورات اخلمس التي يقوم الترشيع اإلسالمي عىل محايتها‬
‫إىل جانب الدين والنفس والنسل واملال هذه هي الكليات التي حتكم منظومة‬
‫الترشيع يف اإلسالم‪.‬‬
‫والعقل مناط التكليف واألمانة التي محلها الباري جل وعال لإلنسان بعد‬
‫أن عجزت السموات واألرض واجلبال عن محلها‪ .‬وحرم الدين اإلسالمي‬
‫‪-52-‬‬
‫املسكرات وكلام يؤدي إىل تغييب العقل‪.‬‬
‫وال يمكن تعارض نقل صحيح مع عقل رصيح وإال قدم العقل الرصيح‬
‫الصحيح ومحل النقل عىل التأويل أو عدم الثبوت‪ ،‬وهذا هو مذهب األشاعرة‬
‫ومجهور املتكلمني‪ ،‬وإن خالف شيخ اإلسالم ابن تيمية يف جزئيات العقليات‪.‬‬
‫ودعا القرآن إىل إعامل العقل والفكر‪ ،‬عندما دعا إىل التدبر والتفكر يف آيات‬
‫الكون وآيات الوحي وهي دعوة إىل اكتناه أرسار اخللق وحكم األمر ﱫ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡﮢﱪ [األعراف‪.]54 :‬‬
‫الفتا انتباه اإلنسان إىل الربهان القائم يف نفسه عىل نفسه من نفسه ﱫ ﮢ‬
‫ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﱪ [الذاريات‪.]21 :‬‬
‫ويف الكون من حوله‪ :‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﱪ [ص‪ ،]27 :‬ﱫ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﱪ [الروم‪.]8 :‬‬
‫وأمر بالتفكر يف خلقه والتدبر يف وحيه وأمره قال‪:‬ﱫ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﱪ [األعراف‪ ،]185 :‬وقال تعاىل ‪ :‬ﱫ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠﱪ [آل عمران‪.]191 :‬‬
‫وقال سبحانه وتعاىل‪ :‬ﱫ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﱪ [النساء‪ ،]82 :‬وقال جل وعال‪:‬ﱫ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﱪ [املؤمنون‪.]68 :‬‬
‫وقال تعاىل ‪ :‬ﱫ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﱪ [ص‪.]29 :‬‬
‫فاألمر بالتفكر والتدبر قد ورد بصيغة اخلرب واالستفهام ليكون أبلغ يف التقرير‬
‫وأدعى إىل التفكري‪.‬‬
‫‪-53-‬‬
‫وإنام كان التفكري والتدبر وسيلة الستكناه حكمة اخللق واملصلحة التي‬
‫تتضمنها أحكام احلق‪.‬‬
‫إن هذه املميزات ال توجد يف أي دين هبذا الوضوح والتامسك‪.‬‬
‫وانطالقا من هذا جاءت مقاصد الرشيعة متثل منظومة كاملة ترد الرشيعة‬
‫إىل أصول معقولة تصون مصالح الناس وتدرأ عنهم املفاسد وذلك بعد أن‬
‫استقرينا من الرشيعة أهنا وضعت ملصالح العباد استقراء ال ينازع فيه الرازي‬
‫وال غري الرازي‪ .‬حسب عبارة الشاطبي‪.‬‬
‫وما االختالف يف التحسني والتقبيح العقليني والصالح واألصلح بني الفرق‬
‫اإلسالمية إال دليل عىل مكانة العقل‪.‬‬
‫فال يوجد تعارض بني العقل والوحي فالدين اإلسالمي مثال ال يقبل‬
‫االستحالة العقلية املتمثلة يف التثليث والتي تزعم أن الثالثة واحد والواحد‬
‫ثالثة وأن اإلله حيل يف البرش‪.‬‬
‫فأهيام أحق بالعقالنية التثليث أم التوحيد‪.‬‬
‫وكثري من علامء الالهوت الغربيني الذين اعتنقوا اإلسالم كان ذلك بسبب العقالنية‬
‫التي وجدوها يف اإلسالم وما وجدوه يف ديانتهم من أمور ال تتامشى مع العقل‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن دائرة الوحي حتكم دائرة العقل الذي سلم هلا فيام ال يدركه‬
‫العقل لكنه ال حييله وإنام املحيل هو العادة‪.‬‬
‫وهلذا يقول الغزايل يف املنقذ‪ :‬ووراء العقل طور آخر تنفتح فيه عني أخرى‬
‫وأمورا ُأخر‪ ،‬العقل معزول عنها‬
‫ً‬ ‫يبرص بـها الغيب وما سيكون يف املستقبل‪،‬‬
‫‪-54-‬‬
‫كعزل قوة التمييز عن إدراك املعقوالت وكعزل قوة احلس عن مدركات‬
‫التمييز‪ .‬وكام أن املميز لو عرضت عليه مدركات العقل ألباها واستبعدها‪،‬‬
‫فكذلك بعض العقالء أبوا مدركات النبوة واستبعدوها‪ ،‬وذلك عني اجلهل‪:‬‬
‫إذ ال مستند هلم إال أنه طور مل يبلغه ومل يوجد يف حقه‪ ،‬فيظن أنه غري موجود‬
‫يف نفسه‪ .‬واألكمه‪ ،‬لو مل يعلم بالتواتر والتسامع األلوان واألشكال وحكي له‬
‫يقر بـها‪ .‬وقد قرب اهلل تعاىل عىل خلقه بأن أعطاهم‬
‫ذلك ابتدا ًء‪ ،‬مل يفهمها ومل ّ‬
‫نموذجا من خاصية النبوة‪ ،‬وهو النوم‪ :‬إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب‪،‬‬
‫ً‬
‫إما رص ً‬
‫حيا وإما يف كسوة مثال يكشف عنـه التعبري‪ .‬وهذا لو مل جيربه اإلنسان‬
‫من نفسه ‪ -‬وقيل له‪ :‬إن من الناس من يسقط مغش ًيا عليه كامليت‪ ،‬ويزول‬
‫عنه إحساسه وسمعه وبرصه فيدرك الغيب‪ –.‬ألنكره‪ ،‬وأقام الربهان عىل‬
‫استحالته‪ ،‬وقال‪ :‬القوى احلساسة أسباب اإلدراك‪ ،‬فمن ال يدرك األشياء مع‬
‫وجودها وحضورها‪ ،‬فبأن ال يدرك مع ركودها أوىل وأحق‪ .‬وهذا نوع قياس‬
‫يكذبه الوجود واملشاهدة‪ .‬فكام أن العقل طور من أطوار اآلدمي‪ ،‬حيصل‬
‫أنواعا من املعقوالت‪ ،‬واحلواس معزولة عنها‪ ،‬فالنبوة‬
‫ً‬ ‫فيه عني يبرص بـها‬
‫ً‬
‫أيضا عبارة عن طور حيصل فيه عني هلا نور يظهر يف نورها الغيب‪ ،‬وأمور ال‬
‫يدركها العقل(‪.)1‬‬

‫‪ - 1‬عن سبنرس‪ :‬فقد اعد العقل البرشي لكي يفهم ظواهر األشياء‪ ،‬وعندما نحاول استخدام هذا العقل يف فهم‬
‫ما وراء الظواهر فإننا نزج أنفسنا يف عبث ال طائل حتته‪ .‬ومع ذلك فإن هذه الظواهر واألمور النسبية التي يدركها‬
‫العقل وال يستطيع أن يتجاوزها تدل بطبيعتها واسمها عىل وجود يشء وراءها‪ ،‬وهو يشء هنائي ومطلق‪ .‬ول‬
‫ديورانت «قصة الفلسفة ص‪)467‬‬

‫‪-55-‬‬
‫والشك يف النبوة‪ ،‬إما أن يقع‪ :‬يف إمكانـها‪ ،‬أو يف وجودها ووقوعها‪ ،‬أو يف‬
‫حصوهلا لشخص معني‪.‬‬
‫ودليل إمكانـها وجودها‪ .‬ودليل وجودها وجود معارف يف العامل ال يتصور‬
‫أن تنال بالعقل‪ ،‬كعلم الطب والنجوم؛ فإن من بحث عنها علم بالرضورة أهنا‬
‫ال تدرك إال بإهلام إهلي وتوفيق من جهة اهلل تعاىل ‪ ،‬وال سبيل إليها بالتجربة‪.‬‬
‫فمن األحكام النجومية ما ال يقع إال يف كل ألف سنة مرة‪ ،‬فكيف ينال ذلك‬
‫بالتجربة؟ وكذلك خواص األدوية‪ .‬فتبني بـهذا الربهان أن يف اإلمكان وجود‬
‫طريق إلدراك هذه األمور التي ال يدركها العقل ‪-‬وهو املراد بالنبوة‪ -‬ال أن‬
‫النبوة عبارة عنها فقط‪ ،‬بل إدراك هذا اجلنس اخلارج عن مدركات العقل إحدى‬
‫خواص النبوة‪ ،‬وهلا خواص كثرية سواها‪ .‬وما ذكرنا‪ ،‬فقطرة من بحرها؛ إنام‬
‫نموذجا منها‪ ،‬وهو مدركاتك يف النوم؛ ومعك علوم من‬
‫ً‬ ‫ذكرناها ألن معك ُأ‬
‫جنسها يف الطب والنجوم‪ ،‬وهي معجزات األنبياء عليهم الصالة والسالم‪،‬‬
‫وال سبيل إليها للعقالء ببضاعة العقل أصلً»‪.‬‬
‫لقد كان هذا أنموذج ًا لفهم املسلمني لفضاءات احلس والعقل والوحي‪.‬‬
‫ِ‬
‫البيت السنِّي ومن شخص‬ ‫ني العق ِّ‬
‫يل يف داخلِ‬ ‫ٌ‬
‫موقف بالتحس ِ‬ ‫ويقابل هذا‬
‫أثر ذلك يف تعليل ٍ‬
‫مجلة‬ ‫ُ‬
‫القول بالتحسني‪ ،‬وظهر ُ‬ ‫أيب حنيفة‪ ،‬الذي ُنسب إليه‬
‫ري‬ ‫ُ‬
‫املالكية ‪-‬وهم املقاصديون األقحاح‪ -‬تعبد َّية‪ ،‬غ َ‬ ‫العبادات التِي َ‬
‫يراها‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫األعيان‬ ‫بالقيم بدلً من‬
‫ِ‬ ‫فحكم‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الزكاة والكفارات‬ ‫أن أباحنيفة ع َّلل يف مسائلِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫املنصوصة يف الرشع‪.‬‬
‫‪-56-‬‬
‫وهكذا كان للقضايا الثالث التي أثرناها يف مقدمة هذا الكتاب أثرها يف‬
‫اختالف العلامء‪.‬‬
‫وذلك هو املشهد الثالث‪ :‬املصلحة بني العقل والنقل‪.‬‬

‫ ‬

‫‪-57-‬‬
‫املشهد الثالث‬

‫المصلحة بين العقل والنقل‬

‫ُ‬
‫املصلحة التي ُتبنَى‬ ‫وهي ْ‬
‫هل‬ ‫نوع من التأث ِ‬
‫ري‪َ ،‬‬ ‫املسألة التي ال ُ‬
‫يزال هلا ٌ‬ ‫ُ‬ ‫وأط َّلت‬
‫ِ‬
‫املصلحة ْ‬
‫هل هي‬ ‫ُ‬
‫مرجعية‬ ‫األحكام عقلية أم رشعية؟ وبعبارة أخرى‪ :‬ما‬
‫ُ‬ ‫عليها‬
‫عقلية أم رشعية؟ وهي مسألة حتيل عىل مسألة التحسني العقيل‪.‬‬
‫آخر يف النظر املقاصدي يمكن استجالؤه من خالل القطوف التالية‬
‫وجه ُ‬
‫إنه ٌ‬
‫لوجهتَي نظر‪:‬‬
‫أولً‪ :‬االجتاه الذي يرى أن املصلحة ال ُتعرف إال من قبل الرشع‪:‬‬
‫فهذا الغزايل رمحه اهلل وهو يتعرض لألصول املوهومة يف «املستصفى» يطنب‬
‫االستصالح من األصول املوهومة ذكر‬
‫َ‬ ‫يف موضوع املصلحة؛ فبعد أن ذكر َّ‬
‫أن‬
‫املقصد الذي تنتمي ِ‬
‫إليه‬ ‫ِ‬
‫مرتبة َ‬ ‫ِ‬
‫بحسب‬ ‫ِ‬
‫املصلحة‬ ‫قو ِة‬ ‫ِ‬
‫بتفاوت َّ‬ ‫أمثل ًة فيام يتع َّلق‬
‫‪-59-‬‬
‫ِ‬
‫احلاجات‪ ،‬وإىل ما يتع َّلق‬ ‫الرضورات‪ ،‬وإىل ما هي يف ِ‬
‫رتبة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مرتبة‬ ‫ُ‬
‫تكون فِ‬ ‫عندما‬
‫أيضا عن ِ‬
‫رتبة احلاجات‪ .‬ويتعلق بأذيال ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫والتزيينات وتتقاعدُ ً‬ ‫ِ‬
‫بالتحسينات‬
‫قسم ما جيري منها جمرى التكملة والتتمة هلا‪ .‬ذلك فحوى كالمه‪.‬‬
‫ثم أمثلة مراتبها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املصلحة َّ‬ ‫ومن مجلة هذا الكالم يقول‪ :‬ولنفهم أولً معنَى‬
‫املصلحة‪ :‬هي عبارة يف األصل عن جلب منفعة أو دفع مرضة‪ .‬ولسنا نعنى‬
‫ِ‬
‫اخللق يف‬ ‫وصالح‬
‫ُ‬ ‫به ذلك؛ فإن جلب املنفعة‪ ،‬ودفع املرضة مقاصدُ اخللق‪،‬‬
‫حتصيل مقاصدهم‪ .‬لكنا نعنى باملصلحة املحافظة عىل مقصود الرشع‪.‬‬
‫خامسا‬
‫ً‬ ‫ليس أصلً‬
‫االستصالح َ‬
‫َ‬ ‫الثاين‪ :‬وانتهي الغزايل إىل القول‪ :‬وتبيَّ َّ‬
‫أن‬
‫أن‬ ‫استحسن فقدْ َّ‬
‫رشع‪ ،‬وتبني به َّ‬ ‫َ‬ ‫استصلح فقدْ َّ‬
‫رشع‪ ،‬كام َّ‬
‫أن َمن‬ ‫َ‬ ‫بل َمن‬ ‫ِ‬
‫برأسه‪ْ ،‬‬
‫االستصالح عىل ما ذكرنا»(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫الشاطبي حيث قال‪ :‬وإذا كان معلو ًما من‬
‫ُّ‬ ‫الثالث‪ :‬وال يبعدُ ِمن هذا االجتاه‬
‫يقدر‬
‫أخر غري ما يدركه املكلف‪ ،‬ال ُ‬
‫مصالح َ‬
‫َ‬ ‫أن ثم‬ ‫ٍ‬
‫كثرية َّ‬ ‫مواطن‬
‫َ‬ ‫الرشيعة يف‬
‫عىل استنباطها وال عىل التعدية هبا يف ٍّ‬
‫حمل آخر؛ إذ ال ُيعرف ُ‬
‫كون املحل اآلخر‬
‫ٌ‬
‫سبيل‪،‬‬ ‫يكن إىل اعتبارها يف القياس‬ ‫ُ‬
‫العلة ألبتة‪ ،‬مل ْ‬ ‫وهو الفرع وجدت فيه تلك‬
‫شبيه إ َّ‬
‫ال‬ ‫يظهر لألصلِ املع َّلل هبا ٌ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫املحض؛ أل َّنه مل‬ ‫فبقيت موقوف ًة عىل ُّ‬
‫التعبد‬ ‫ْ‬
‫احلكم املع َّلل‬
‫ِ‬ ‫يكون ُ‬
‫أخذ‬ ‫ُ‬ ‫أو العمو ِم املع َّلل‪ ،‬وإ ْذ َ‬
‫ذاك‬ ‫ِ‬
‫اإلطالق ْ‬ ‫حتت‬ ‫َ‬
‫دخل َ‬ ‫ما‬
‫الشارع ِ‬
‫فيه من غري زيادة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الوقوف عند ما حدَّ‬ ‫متعبدً ا به‪ ،‬ومعنى التعبد به‬
‫هبا َّ‬
‫وال نقصان‪.‬‬

‫‪ -1‬الغزايل املستصفى‪.432 -414/1 :‬‬

‫‪-60-‬‬
‫حتكم بني الناس وأنت غضبان؟‬
‫ُ‬ ‫السائل إذا َ‬
‫قال للحاكم‪َ :‬مل ال‬ ‫َ‬ ‫والرابع‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫الغضب‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫«ألن‬ ‫فأجاب‪« :‬بأين نُيت عن ذلك»؛ كان مصي ًبا‪ ،‬كام أ َّنه إذا قال‪:‬‬
‫َ‬
‫أيضا‪ ،‬واألول‬ ‫التثب ِ‬
‫ت يف احلكم؛ َ‬
‫كان مصي ًبا ً‬ ‫يشوش عقيل‪ ،‬وهو مظ َّنة عد ِم ُّ‬
‫ِّ‬
‫اجتامعهام‬
‫ُ‬ ‫جواب التعبد املحض‪ ،‬والثاين جواب االلتفات إىل املعنى‪ ،‬وإذا جاز‬
‫أن‬ ‫جاز القصدُ إىل التعبد َّ‬
‫دل عىل َّ‬ ‫جاز القصدُ إىل التعبد‪ ،‬وإذا َ‬
‫وعدم تنافيهام؛ َ‬
‫يصح القصدُ ِ‬
‫إليه من معدوم‬ ‫ِ‬
‫القصد إىل ما ال ُّ‬ ‫توجه‬
‫يصح ُّ‬
‫ّ‬ ‫هنالك تعبدً ا‪ ،‬وإ َّ‬
‫ال ْمل‬
‫املقصود له مطل ًقا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫صح القصدُ مطل ًقا؛ َّ‬
‫صح‬ ‫أو ٍ‬
‫ممكن ْ‬
‫أن يوجدَ أو ال يوجد‪ ،‬فلمَّ َّ‬
‫وذلك جهة التعبد‪ .‬وهو املطلوب‪.‬‬
‫ِ‬
‫واملفسدة مفسد ًة كذلك‪،‬‬ ‫باحلكم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املصلحة مصلح ًة تقصدُ‬ ‫أن َ‬
‫كون‬ ‫واخلامس‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫بالشارع‪ ،‬ال جمال للعقل فيه‪ ،‬بنا ًء عىل قاعدة نفي التحسني والتقبيح‪،‬‬
‫ِ‬ ‫خيتص‬
‫ُّ‬ ‫مما‬
‫الواضع هلا مصلح ًة‪ ،‬وإال‬
‫ُ‬ ‫فهو‬ ‫ٍ‬
‫ملصلحة ما؛ َ‬ ‫احلكم‬
‫َ‬ ‫رشع‬
‫َ‬ ‫الشارع قدْ‬
‫ُ‬ ‫فإذا َ‬
‫كان‬
‫ِ‬
‫وضعها‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة إىل‬ ‫األشياء ك ُّلها‬
‫ُ‬ ‫كذلك؛ ِ‬
‫إذ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫يمكن عقلً ْ‬
‫أن ال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فكان‬
‫ِ‬
‫املصلحة‬ ‫قبح‪ ،‬فإ ًذا ُ‬
‫كون‬ ‫ٍ‬
‫بحسن وال ٍ‬ ‫ٌ‬
‫متساوية ال قضا َء للعقلِ فيها‬ ‫ِ‬
‫األول‬
‫النفس؛‬
‫ُ‬ ‫وتطمئن ِ‬
‫إليه‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫العقل‬ ‫يصدقه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بحيث‬ ‫الشارع‬
‫ِ‬ ‫من قبلِ‬ ‫مصلح ًة َ‬
‫هو ْ‬
‫تعبديات وما انبنَى‬
‫ٌ‬ ‫فيها إلَ أهنا‬
‫النظر َ‬
‫ُ‬ ‫مصالح قدْ َ‬
‫آل‬ ‫ُ‬ ‫هي‬ ‫من ُ‬
‫حيث َ‬ ‫فاملصالح ْ‬
‫ُ‬
‫يكون إ َّ‬
‫ال تعبد ًّيا(‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫التعبدي ال‬
‫ِّ‬ ‫علَ‬
‫حق‬ ‫ِ‬
‫العباد‪َّ ،‬‬
‫وأن َّ‬ ‫ملصالح‬
‫ِ‬ ‫يقرر أن الرشيع َة إنام ُوضعت‬
‫الشاطبي عندما ِّ‬
‫َّ‬ ‫لكن‬
‫العبد راجع إىل مصاحله الدنيوية ‑ ففيه منافاة العتبار املصالح تعبدية‪.‬‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات‪.533 /2 :‬‬

‫‪-61-‬‬
‫وإما‬ ‫ِ‬
‫للعباد إما عاجلً َّ‬ ‫حق‬ ‫رشع ٍّي؛ ِ‬
‫ففيه ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫كم‬ ‫أن َّ‬
‫كل ُح ٍ‬ ‫وذلك حني يقول‪ :‬كام َّ‬
‫ِ‬
‫العباد‪ ،‬ولذلك قال يف احلديث‪:‬‬ ‫ملصالح‬
‫ِ‬ ‫ضعت‬
‫ْ‬ ‫أن الرشيع َة إنام ُو‬
‫آجلً؛ بناء عىل َّ‬
‫ال ُي َع ِّذهبم»(‪.)1‬‬ ‫العباد علىَ اهللِ إ َذا عبدُ وه و ْمل ُيشرْ ِ كوا ِ‬
‫به شيئًا أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫«حق‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫للمكلف؛‬ ‫الرشع أ َّنه ال خري َة ِ‬
‫فيه‬ ‫ِ‬ ‫أنه ما ُفهم ِمن‬ ‫ري «حقِّ اهللِ» ُ‬ ‫وعادهتم يف تفس ِ‬
‫ِ‬
‫مصاحله يف‬ ‫راجعا إىل‬
‫ً‬ ‫كان‬ ‫ِ‬
‫العبد» ما َ‬ ‫و»حق‬
‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫معقول‪،‬‬ ‫ري‬
‫أو غ ُ‬ ‫ٌ‬
‫معقول ْ‬ ‫كان َله معنًى‬
‫َ‬
‫حق هللِ‪،‬‬ ‫مجلة َما يط ُلق ِ‬
‫عليه أ َّنه ُّ‬ ‫فهو ِمن ِ‬ ‫ِ‬
‫األخروية؛ ُ‬ ‫املصالح‬
‫ِ‬ ‫كان ِمن‬
‫فإن َ‬
‫الدنيا‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫العبادات‬ ‫ُ‬
‫وأصل‬ ‫ِ‬
‫اخلصوص‪،‬‬ ‫عندهم أ َّنه ما ال ُ‬
‫يعقل معنا ُه عىل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫«التعبد»‬ ‫ومعنَى‬
‫ٌ‬
‫راجعة إىل حقوق العباد(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫العادات‬ ‫ُ‬
‫وأصل‬ ‫راجعة إىل حقِّ اهللِ‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وقال ً‬
‫أيضا‪ :‬فإذا كان كذلك؛ فاملصالح واملفاسد الراجعة إىل الدُّ نيا إنام تفهم عىل‬
‫مقتىض ما َغلب‪ ،‬فإذا كان الغالب جهة املصلحة؛ فهي املصلحة املفهومة ُع ْر ًفا‪،‬‬
‫وإذا غلبت اجلهة األخرى؛ فهي املفسدة املفهومة عر ًفا‪ ،‬ولذلك كان الفعل ذو‬
‫الراجحة‪ ،‬فإن رجحت املصلحة؛ فمطلوب‪ ،‬ويقال‬
‫الوجهني منسو ًبا إىل اجلهة َّ‬
‫فيه‪ :‬إنه مصلحة‪ ،‬وإذا غلبت جهة املفسدة؛ فمهروب عنه‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه مفسدة‪،‬‬
‫عىل ما جرت به العادات يف مثله‪ ،‬فإن خرج عن مقتىض العادات؛ فله نسبة‬
‫أخرى وقسمة غري هذه القسمة‪.‬‬
‫هذا وجه ال َّنظر يف املصلحة الدُّ نيوية واملفسدة الدُّ نيوية‪ ،‬من حيث مواقع‬
‫الوجود يف األعامل العادية‪.‬‬

‫‪ -1‬جزء من حديث أخرجه البخاري يف صحيحه «كتاب اجلهاد» وغريه‪ .‬ومسلم يف صحيحه «كتاب اإليامن»‪.‬‬
‫‪ -2‬نفس املرجع ‪.539/2‬‬

‫‪-62-‬‬
‫وأما النظر الثاين فيها من حيث تع ُّلق اخلطاب هبا ً‬
‫رشعا فاملصلحة إذا كانت‬
‫رشعا‪،‬‬
‫هي الغالبة عند مناظرهتا مع املفسدة يف حكم االعتياد؛ فهي املقصودة ً‬
‫ولتحصيلها وقع َّ‬
‫الطلب عىل العباد‪ ،‬ليجري قانوهنا عىل أقوم طريق وأهدى‬
‫سبيل‪ ،‬وليكون حصوهلا أتم وأقرب وأوىل بنيل املقصود عىل مقتىض العادات‬
‫رشعية ذلك‬
‫َّ‬ ‫اجلارية يف الدُّ نيا‪ ،‬فإن تبعها مفسد ُة أو مش َّق ُة؛ فليست بمقصودة يف‬
‫الفعل وطلبه‪.‬‬
‫وكذلك املفسدة إذا كانت هي الغالبة بالنظر إىل املصلحة يف حكم االعتياد؛‬
‫أتم وجوه‬
‫رشعا‪ ،‬وألجله وقع النهي‪ ،‬ليكون رفعها عىل ّ‬
‫فرفعها هو املقصود ً‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫مصلحة‬ ‫اإلمكان العادي يف مثلها‪ ،‬حسبام يشهد له ّ‬
‫كل عقل سليم‪ ،‬فإن َتبِعتها‬
‫أو لذ ٌة‪ ،‬فليست هي املقصودة بالنهي عن ذلك الفعل‪ ،‬بل املقصود ما غلب يف‬

‫املحل‪ ،‬وما سوى ذلك ُم ْل ً‬


‫غي يف مقتىض النهي‪ ،‬كام كانت جهة املفسدة ملغاة‬
‫يف جهة األمر‪.‬‬
‫رشعا هي‬
‫ً‬ ‫رشعا أو املفاسد املعتربة‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫فاحلاصل من ذلك أن املصالح املعتربة‬
‫ريا‪ْ ،‬‬
‫وإن ُت ُو ِّهم أهنا‬ ‫ٌ‬
‫خالصة غري َم ُشوبة بيشء من املفاسد‪ ،‬ال قليلً وال كث ً‬
‫َمشوبة‪ ،‬فليست يف احلقيقة الرشعية كذلك؛ ألن املصلحة املغلوبة أو املفسدة‬
‫الكسبي من غري خروج إىل زيادة‬
‫ّ‬ ‫املغلوبة إنام املراد هبا ما جيري يف االعتياد‬
‫تقتىض التفات الشارع إليها عىل اجلملة‪ ،‬وهذا املقدار هو الذي قيل إنه غري‬
‫مقصود َّ‬
‫للشارع يف رشعية األحكام‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.45/2‬‬

‫‪-63-‬‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫وفيه َّ‬ ‫التربيزي يف كالمه بنقلِ القرا ِّ‬
‫يف‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫االجتاه‬ ‫أرصح أهلِ هذا‬
‫َ‬ ‫ويم ِّثل‬
‫حكم ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫بواسطة ِّ‬ ‫ليست مطلوب ًة ِّ‬
‫بكل سبيلٍ ‪ ،‬وال‬ ‫ْ‬ ‫املصلح َة‬
‫ٌ‬
‫مرعية‬ ‫ِ‬
‫الرعاية وال أهنا‬ ‫ليست واجب َة‬
‫ْ‬ ‫املصالح‬
‫َ‬ ‫والرس َّ‬
‫أن‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫القول‪:‬‬ ‫وانتهى إلَ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اخلطاب ومقتضَ‬ ‫ِ‬
‫ملوجب‬ ‫ٍ‬
‫لصفة ذاهتا عندَ أهلِ احلقِّ ‪ ،‬بل إنام استح َّقت الرعاي َة‬
‫حالة أخرى ِمن غ ِ‬
‫ري تأث ٍ‬
‫ري‬ ‫ٍ‬ ‫ربه يف‬
‫يلغي ما اعت َ‬
‫َ‬ ‫وله تعالَ ْ‬
‫أن‬ ‫الوضع والنصب‪ُ .‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫احلادثة‪.‬‬ ‫َ‬
‫لتلك‬
‫املصالح فِ‬
‫ِ‬ ‫إلغاء‬ ‫ُ‬
‫يعارضه ُ‬ ‫ِ‬
‫جنس األحكام‬ ‫املصالح فِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جنس‬ ‫اعتبار‬
‫َ‬ ‫ويقول‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫ِ‬
‫جنس األحكام(‪.)1‬‬
‫أما اإلجتاه الثاين‪ :‬الذي يرى أن العقل كاف يف تقرير املصلحة فتمثله القطوف‬
‫التالية‪:‬‬
‫وفيها تندرج مقولة العز‪« :‬معظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروفة بالعقل‪،‬‬
‫وذلك معظم الرشائع»(‪.)2‬‬
‫فليعرض َ‬
‫ذلك عىل عقله‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫واملصالح واملفاسدَ‬
‫َ‬ ‫املتناسب‬
‫َ‬ ‫ويقول أيضا‪ :‬ومن أراد‬
‫حكم منها خيرج عن‬
‫ٌ‬ ‫يكاد‬
‫األحكام فال ُ‬
‫َ‬ ‫الرشع ْمل ير ْد‪َّ ،‬‬
‫ثم يبني عليه‬ ‫َ‬ ‫بتقدير َّ‬
‫أن‬
‫يقفهم عىل مصلحتِه ومفسدتِه»(‪.)3‬‬ ‫ال ما تعبدَ ُ‬
‫اهلل به عبا َده و ْمل ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬إ َّ‬
‫الرشع‬
‫ِ‬ ‫تتبع مقاصدَ‬ ‫بالرشع ُ‬
‫حيث يقول‪ :‬ومن َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫العقل‬ ‫آخر ُ‬
‫يربط‬ ‫موضع َ‬
‫ٍ‬ ‫ولكنه يف‬
‫ٌ‬
‫عرفان َّ‬
‫بأن‬ ‫اعتقاد أو‬
‫ٌ‬ ‫جمموع َ‬
‫ذلك‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫َ‬
‫حصل ُله ْ‬ ‫ِ‬
‫املفاسد‬ ‫ِ‬
‫ودرء‬ ‫املصالح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جلب‬ ‫يف‬

‫‪ -1‬يراجع املرجع ذاته‪.‬‬


‫‪ -2‬العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام ‪.6/1‬‬
‫‪ -3‬نفس املرجع ‪.9/1‬‬

‫‪-64-‬‬
‫يكن فيها‬ ‫جيوز قربانُا ْ‬
‫وإن مل ْ‬ ‫هذه املصلح َة ال ُ‬
‫جيوز إمهالُا‪َّ ،‬‬
‫وأن هذه املفسد َة ال ُ‬
‫يوجب ذلك» ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الرشع‬
‫ِ‬ ‫هم ِ‬
‫نفس‬ ‫خاص‪ ،‬فإن َف َ‬
‫ٌّ‬ ‫قياس‬
‫نص وال ٌ‬
‫إمجاع وال ٌّ‬
‫ونصه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الروضة‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ملخترص‬ ‫ِ‬
‫رشحه‬ ‫فِ يف‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ ما ذكره الطو ُّ‬ ‫وي َّتجه‬
‫ٍ‬
‫ومرسلة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وملغاة‬ ‫ٍ‬
‫معتربة‬ ‫قسموا املصلح َة إىل‬‫الذين ُ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫اعلم َّ‬
‫أن‬ ‫ْ‬ ‫قلت‪:‬‬
‫ُ‬
‫املصالح‬
‫ِ‬ ‫حكم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫ُ‬
‫والطريق إىل‬ ‫ ‑ تعسفوا وتك َّلفوا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫رضورية‬ ‫ري‬ ‫ٍ‬
‫رضورية وغ ِ‬
‫بأن َ‬
‫نقول‪:‬‬ ‫وأقرب‪ ،‬وذلك ْ‬
‫ُ‬ ‫أعم من هذا‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يقول‪:‬‬ ‫إمجاعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫باجلملة‬ ‫ِ‬
‫واملفسدة‬ ‫ِ‬
‫للمصلحة‬ ‫الرشع‬
‫ِ‬ ‫ثبت مراعا ُة‬
‫قد َ‬
‫تضمن مفسد ًة جمرد ًة نفيناها ‪.‬‬ ‫حصلناها‪ْ .‬‬
‫وإن َّ‬ ‫تضم َن مصلح ًة َّ‬
‫جمرد ًة َّ‬ ‫إن َّ‬ ‫ُ‬
‫الفعل ْ‬
‫وجه ومفسد ًة ِمن ٍ‬
‫وجه‪:‬‬ ‫تضمن مصلح ًة ِمن ٍ‬ ‫ْ‬
‫وإن َّ‬
‫أو‬
‫املرجح؛ ْ‬ ‫ِ‬
‫املفسدة تو َّقفنا عىل ِّ‬ ‫ودفع‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املصلحة‬ ‫ُ‬
‫حتصيل‬ ‫استوى فِ نظ ِرنا‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫فإن‬
‫فرج ِ‬
‫يه فقط‪:‬‬ ‫يكفي أحدَ َ‬ ‫ال ما ِ‬ ‫قيل فِ َمن ْمل جيدْ ِمن ُّ‬
‫السرتة إ َّ‬ ‫خيَّنا بينهام ‪ .‬كام َ‬
‫ري؛‬ ‫القبل الستقبالِه ِ‬
‫به القبل َة؟ أو يتخ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أفحش؟ أو‬ ‫الدبر؛ أل َّنه مكشو ًفا‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫هل يسرت‬
‫ني واملفسدت ِ‬
‫ني؟‬ ‫لتعارض املصلحت ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫املفسدة؛‬ ‫دفع‬
‫أو ُ‬ ‫ِ‬
‫املصلحة ْ‬ ‫ُ‬
‫حتصيل‬ ‫ِ‬
‫األمرين‪:‬‬ ‫ترجح أحدُ‬
‫بل َّ‬ ‫وإن ْمل يست ِو َ‬
‫ذلك ْ‬
‫يتخرج ُّ‬
‫كل ما‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫القاعدة‬ ‫رشعا ‪ .‬وعىل ِ‬
‫هذه‬ ‫بالراجح متعيِّ ً‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫العمل‬ ‫فعلناه؛ َّ‬
‫ألن‬
‫ذكروه يف تفصيلهم املصلحة»(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫يقول‪« :‬أما‬ ‫ُ‬
‫حيث‬ ‫أكثر رصاح ًة يف رشحه لألربعني النووية‬ ‫ُّ‬
‫الطويف َ‬ ‫وقد كان‬
‫وباقي ِ‬
‫أدلة‬ ‫فاملصلحة ِ‬
‫ُ‬ ‫تقرر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الناس كام َّ‬ ‫ُ‬
‫مصلحة‬ ‫املعامالت ونحوها‪ ،‬فاملتبع فيها‬

‫‪ -1‬الطويف‪ ،‬رشح خمترص الروضة ‪.214/3‬‬

‫‪-65-‬‬
‫أمكن‬
‫َ‬ ‫أن يتفقا أو خيتلفا‪ .‬فإن اتفقا فبها ونعمت‪ ....‬وإن اختلفا ْ‬
‫فإن‬ ‫الرشع َّإما ْ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫املصلحة عىل غريها؛‬ ‫اجلمع بينهام ُقدمت‬
‫ُ‬ ‫اجلمع فامجع بينهام‪ ....‬وإن َّ‬
‫تعذر‬ ‫ُ‬
‫رضار»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫رضر وال‬
‫َ‬ ‫‪« :‬ال‬ ‫لقوله‬
‫َّ‬
‫وألن‬ ‫تقديمه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فيجب‬
‫ُ‬ ‫املصالح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لرعاية‬ ‫نفي الرض ِر املستلز ِم‬‫خاص يف ِ‬
‫ٌّ‬ ‫وهو‬
‫ِ‬
‫األدلة‬ ‫بإثبات األحكا ِم ِ‬
‫وباقي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سياسة املك َّلفني‬ ‫من‬ ‫املصلح َة َ‬
‫هي املقصود ُة ْ‬
‫التقديم عىل الوسائل»(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫واجبة‬ ‫كالوسائِل‪ .‬واملقاصدُ‬
‫ُ‬
‫مدرسة‬ ‫األشعرية ‑التِي ِ‬
‫تنفي التحسنيَ العق َّ‬
‫يل وهي‬ ‫ِ‬ ‫يل‬ ‫ِ‬
‫ملدرسة الغزا ِّ‬ ‫فبالنسبة‬
‫ِ‬
‫املصلحة‪،‬‬ ‫للتعرف عىل‬
‫ُّ‬ ‫النص نقط َة االرتكا ِز‬ ‫ُ‬
‫‑ يكون ُّ‬ ‫ٍ‬
‫متفاوتة‬ ‫ٍ‬
‫بنسب‬ ‫اجلمهو ِر‬
‫الرشع باالعتبار شهاد ًة لصيق ًة بالنص‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫لتشمل ما شهدَ له‬ ‫تتسع الدائر ُة‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫املالئم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املناسب‬ ‫مع‬ ‫َ‬
‫لتقف يف احلدِّ األعلَ َ‬ ‫كاملناسب املؤث ِر‪َّ ،‬‬
‫ثم املناسب املالئم‬ ‫ِ‬
‫يف الدرجة الثالثة‪ ،‬وهو اجلنس يف اجلنس‪ ،‬والذي يسميه ُ‬
‫بعضهم بالغريب‪،‬‬

‫تظهر شهاد ٌة َّ‬


‫معينة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وتتوقف إذا ْمل‬
‫ٌ‬
‫معينة‪ ،‬وتكفى‬ ‫تظهر شهاد ٌة‬
‫ْ‬ ‫املصالح املرسل َة ُ‬
‫حيث مل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لتشمل‬ ‫تتسع الدائر ُة‬
‫وقد ُ‬
‫للرشع‪ ،‬وهذا ما‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫تكون هناك منافا ٌة‬ ‫الشارع َ‬
‫دون أن‬ ‫ِ‬ ‫ترصفات‬ ‫ِ‬
‫جنس ُّ‬ ‫شهاد ُة‬
‫بعض املالكية‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أقوال ِ‬ ‫ري إليه‬
‫تش ُ‬
‫حسب‬
‫َ‬ ‫االتساع‬
‫ِ‬ ‫تتدرج يف‬
‫ُ‬ ‫املصلحة التِي‬
‫ُ‬ ‫هي‬ ‫ِ‬
‫الدائرة عندَ ه َ‬ ‫فإن نقط َة‬ ‫ُّ‬
‫الطويف َّ‬ ‫َّأما‬
‫النص‪ ،‬بدال من أن تتو َّقف أما َمه‬
‫توقف َّ‬‫ُ‬ ‫النفعية التِي قدْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العقلية‬ ‫ِ‬
‫املصلحة‬ ‫معيا ِر‬

‫‪ -1‬سبق خترجيه‪.‬‬
‫اً‬
‫‪ -2‬الريسوين‪ ،‬االجتهاد ص‪ ،37‬نقل عن مصادر الترشيع اإلسالمي فيام ال نص فيه‪ ،‬ملخلوف‪.‬‬

‫‪-66-‬‬
‫بعضهم قدْ‬ ‫ُ‬
‫أقوال ِ‬ ‫كانت‬
‫وإن ْ‬‫فتصبح امللغا ُة معترب ًة‪ ،‬خال ًفا جلمهور أهل العلم ‪ْ .‬‬
‫ُ‬
‫عبد السال ِم الذي أرشنا ِ‬
‫إليه‪ ،‬والذي‬ ‫بن ِ‬‫توهم شيئًا من هذا القبيلِ ‪ ،‬ككال ِم العزِّ ِ‬
‫ُ‬
‫الرشع ْمل ي ِر ْد‪.‬‬
‫َ‬ ‫عرض القضايا عىل العقل كام لو َّ‬
‫أن‬ ‫أن ُت َ‬
‫َيرى ْ‬
‫أمر مس َّل ٌم بِه‪.‬‬ ‫ولع َّله يريدُ به َّ‬
‫أن التوافقَ بنيَ العقلِ والنقلِ ٌ‬
‫ال يزال هلذه القضية رضب من البزوغ بعد أن خبت جذوهتا وكانت شبه‬
‫حمسومة عند أهل السنة من خالل ضبط املناسب واعتبار التحسني العقيل غري‬
‫مثمر حكمً وإن أشار إىل حكمة‪ ،‬يستوى يف ذلك منهم من قال به ومن مل يقل‬
‫به من جهة أخرى‪ .‬وقد ظهرت يف ثوب حداثي ال يريد الترصيح بمراغمة‬
‫الوحي لكنه يتوكأ عىل املصلحة العقلية أو ما سامه بعضهم باملقصد اجلوهري‬
‫الذي يلغي النصوص واملقاصد األخر(‪.)1‬‬

‫‪ -1‬من فتنة التأويل إىل فتنة املقاصد‪ :‬إننا أمام مدرسة تقول بالظواهر واملقاصد لكنها تيسء يف استعامل االثنني‬
‫أحيا ًنا مجو ًدا عىل الظواهر مع قيام احلاجة واقتضاء التعامل مع املقاصد وأحيا ًنا انرصا ًفا عن الظواهر بمقاصد‬
‫زائفة وغري منضبطة وجتدون أمثلة هلذه املدرسة الالمنضبطة‪ .‬فقد أدعى بعض الباحثني املحدثني أو احلداثيني‬
‫بتعبري أدق أن املقاصد وسيلة الحداث ثورة فقهية الستبدال فقه جديد بفقه قديم عفا عليه الزمان حسب دعواهم‬
‫ومن هؤالء أركون والرشىف ونرص حامد أبوزيد‪.‬‬
‫وإن هذا الكالم حيمل هتاويل وظالل أشواق إىل إجياد ترشيع جديد وليس إىل جتديد رشيعة فاستعذبت ديباجته‬
‫واستحسنت حلته دون أن تشتمل عىل جوهر وجود وحد حمدود فكأنه ليل يصيح بجانبيه هنار‪- .‬يف رأي‬
‫الدينوري‪ -‬يف تشنيف املسامع وتأنيق األبصار فمشاهد اخليال يشء وتشييد بناء العلم عىل أسس ثابتة راسخة‬
‫ثامرا يشء آخر‪.‬‬
‫ليكون سكنًا وغرس شجرته يف بستان املعارف لتؤيت ً‬
‫إن هذه الدعوات من باب عريض الدعوى ورفع العقرية بالشكوى وإن ساورك شك أو اعرتاك عجب فاطلب‬
‫من هؤالء مفهو ًما واحدً ا من هذه املفاهيم أو مبدأ ً‬
‫بكرا من هذه املبادئ أو قاعدة فريدة من هذه القواعد‪...‬‬
‫وهي دعوة لركوب مطية املقاصد للهروب من ديمومة مفاهيم الرشيعة املستنبطة من الدالالت اللغوية وجتريدها‬
‫من املعاين التي فهمها الرعيل الذي تلقى الوحي ومن خالل ما سموه باملقصد اجلوهري الذي يضفى النسبية عىل‬
‫كل معنى ليتالئم معه ليكون لكل عرص رشعه ولكل زمن أحكامه دون متييز بني ثابت ومتغري‪.‬‬
‫ونرجو أال تكون فتنة كفتنة التأويل التي وصفها ابن رشد يف كتابه الكشف عن مناهج األدلة يف عقائد امللة” فقال‪:‬‬
‫ومثال من أول شيئًا وزعم أن ما أوله هو ما قصد الرشع‪ ،‬ورصح بذلك التأويل للجمهور‪ُ ،‬‬
‫مثال من أتى إىل دواء‬

‫‪-67-‬‬
‫َ‬
‫ولعل املقاصدَ الرشعي َة الثالث َة الرضوري واحلاجي والتحسني التي يرجع‬
‫تقسيمها إىل قضاء النقل وهو احلكم الذي ال يعزل ولشهادة العقل وهو الشاهد‬
‫املئاالت التِي‬
‫ِ‬ ‫مع النظ ِر إىل‬ ‫ِ‬
‫ومقتضيات النقلِ ‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ملطالب العقلِ‬ ‫املعدل مت ِّثل سق ًفا‬
‫ِ‬
‫اآلخرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بعواقب‬ ‫مصالح الدُّ نيا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تربط‬
‫مع مراعاة مقصد االستخالف الرشيد واالستعامر السديد والعدل العتيد‬
‫التي يمكن أن ترتجم إىل احلكم الرشيد وحسن إدارة املوارد وعدالة يف‬
‫التوزيع ويف احلكم مع إدماج القيم األخالقية يف طيات األسس التي تقوم‬

‫قد ركبه طبيب ماهر ليحفظ صحة مجيع الناس أو األكثر‪ ،‬فجاء رجل فلم يالئمه ذلك الدواء املركب األعظم‪،‬‬
‫لرداءة مزاج كان به ليس يعرض إال لألقل من الناس‪ ،‬فزعم أن بعض تلك األدوية التي رصح باسمه الطبيب‬
‫األول يف ذلك الدواء‪ ،‬العام املنفعة‪ ،‬املركب‪ ،‬مل ُيرد به ذلك الدواء الذي جرت العادة يف اللسان أن يدل بذلك‬
‫االسم عليه‪= =.‬وإنام أريد به دواء آخر مما يمكن أن يدل عليه بذلك باستعارة بعيدة‪ .‬فأزال ذلك الدواء األول‬
‫من ذلك املركب األعظم وجعل فيه بدله الدواء الذي ظن أنه الذي قصده الطبيب‪ .‬وقال للناس‪ :‬هذا هو الذي‬
‫قصده الطبيب األول‪ .‬فاستعمل الناس ذلك الدواء املركب عىل الوجه الذي تأوله عليه هذا املتأول ففسدت به‬
‫أمزجة كثري من الناس‪.‬‬
‫فجاء آخرون شعروا بفساد أمزجة الناس عن ذلك الدواء املركب‪ ،‬فراموا إصالحه بأن أبدلوا بعض أدويته بدواء‬
‫آخر غري الدواء األول‪ ،‬فعرض من ذلك للناس نوع من املرض غري األول النوع األول‪.‬‬
‫فجاء ثالث فتأول يف أدوية ذلك املركب‪ ،‬غري التأويل األول والثاين‪ ،‬فعرض للناس من ذلك نوع ثالث من املرض‬
‫غري النوعني املتقدمني‪.‬‬
‫تأول رابع فتأول دواء آخر غري األدوية املتقدمة‪ ،‬فعرض منه للناس نوع رابع من املرض غري األمراض‬ ‫فجاء ُم ِّ‬
‫املتقدمة‪.‬‬
‫فلام طال الزمان هبذا املركب األعظم وسلط الناس التأويل عىل أدويته‪ ،‬وغيرَّ وها وبدلوها‪ ،‬عرض منه للناس‬
‫أمراض شتى‪ ،‬حتى فسدت املنفعة املقصودة بذلك الدواء املركب يف حق أكثر الناس‪.‬‬
‫اً‬
‫تأويل‬ ‫وهذه هي حال هذه الفرق احلادثة يف هذه الرشيعة مع الرشيعة‪ .‬وذلك أن كل فرقة منهم تأولت يف الرشيعة‬
‫غري التأويل الذي تأولته الفرقة األخرى وزعمت أنه الذي قصده صاحب الرشع‪ ،‬حتى متزق الرشع كل ممزق‪،‬‬
‫وبعد جدً ا عن موضعه األول‪(.‬الكشف عن مناهج األدلة ص‪)149‬‬
‫وهذا الكالم ال ينبغي أن يفرس عىل أنه يمثل رفض ًا بات ًا من ابن رشد احلفيد يوصد يف وجه التأويل الباب ويسدل‬
‫دون املؤول احلجاب‪ ،‬فإن البن رشد يف «فصل املقال» كالما انصف فيه التأويل وأعطاه حقه‪ ،‬وأمهل الظاهر يف‬
‫بعضه ومنحه مستحقه‪.‬‬

‫‪-68-‬‬
‫عليها تلك العامرة املشار إيل مفرداهتا عىل ضوء املقاصد الكلية واجلزئية‬
‫والعامة واخلاصة لتشكل يف الرشيعة منظومة كاملة كفيلة برعاية معتربات‬
‫املصالح وجمتنبات املفاسد‪.‬‬
‫والتعبد‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫معقولية املعنَى‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة بنيَ‬ ‫ُ‬
‫دوران‬ ‫القضية الثانية‪:‬‬
‫للعقول ع َُّلته‪ .‬ويقابله‬
‫ِ‬ ‫واتضحت‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫بمعقول املعنَى ما ُعرفت حكم ُته‬ ‫ومرادنا‬
‫ُ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬
‫عبارة ِ‬ ‫ِ‬
‫النفوس‪ ،‬حسب‬ ‫ِ‬
‫تزكية‬ ‫ويرجع إىل‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫يعقل معناه‪،‬‬ ‫التعبدي الذي ْمل‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫رشد احلفيد‪.‬‬
‫مصالح‬
‫َ‬ ‫نجزم َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫فنحن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫التعبديات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلكمة يف‬ ‫انعدام‬
‫ُ‬ ‫وليس معنَى َ‬
‫ذلك‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫العباد فيها مبثوثة واملنائح موهوبة؛ ولكن عني البصرية قد تنبو يف دار الدنيا‬
‫احلجاب عىل أهلها حتى يكشف الغطاء ويربح اخلفاء يف دار‬
‫ُ‬ ‫التي ُيسدل‬
‫اخللود والبقاء‪.‬‬
‫القيص فليس عن‬
‫ِّ‬ ‫فإذا كانت األبصار ال ترى الكوكب الدري يف األفق‬
‫أديب‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وصدق‬ ‫ِ‬
‫األعيان‪،‬‬ ‫كسوف ضيائه أو مخود سنائه‪ ،‬وإنام ذلك من َك َلل‬
‫النعامن يف قولِه‪:‬‬
‫ِ‬ ‫معرة‬
‫َّ‬
‫الص َغ ِر‬ ‫للط ْر ِ‬
‫ف ال لل َّن ْج ِم فِ ِّ‬ ‫والذن ُْب َّ‬
‫َّ‬ ‫ور َته‬ ‫وال ّن ْجم َتست َْص ِغر َ‬
‫األ ْب َص ُار ُص َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫بن الزبري حيث يقول‪:‬‬ ‫وأخذ هذا املعنَى منه القايض الرشيدُ ُ‬ ‫َ‬
‫َفإ َّنمَ ِه َّي َأ ْصـــدَ ُ‬
‫اف َعىل الــدُّ َر ِر‬ ‫يمتِ َهـا‬ ‫ـمـا ِري ِ‬
‫وق َ‬ ‫ال تُغْ َر َر َّن بِ َأ ْط َ‬
‫ول َعىل ال َب ِ‬
‫صَ‬ ‫فالذن ُْب فِ َذ َ‬
‫اك مَ ُْم ٌ‬ ‫َّ‬ ‫وال َت ُظ َّن َخ َفا َء ال َّن ْج ِم ِم ْن ِص َغ ِر‬
‫التعبدي ال يلزم‬
‫َّ‬ ‫ابن حلولو يف الضياء الالمع ناس ًبا لإلمام الفهري‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ويذكر ُ‬
‫ُ‬
‫‪-69-‬‬
‫البدنية فإ ُّنه إ َّنام ُيعقل من رشعها معنى‬
‫َّ‬ ‫يل‪ ،‬كالعبادات‬ ‫ٌ‬
‫تعليل بجزئي‪ ،‬بل بك ٍّ‬ ‫فيه‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بعقود‬ ‫ِ‬
‫العهد‬ ‫ويتضمن جتديدَ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫االنقياد‪،‬‬ ‫رشع‬ ‫ِ‬
‫العباد عىل ِ‬ ‫مرور‬
‫ُ‬ ‫ٌّ‬
‫كيل وهو‬
‫والنواهي‪ ،‬وهو رس مداومة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمطاوعة األوام ِر‬ ‫ِ‬
‫واالنقياد‬ ‫ُّ‬
‫وحتققَ االستسال ِم‬
‫األوراد واألذكار‪ .‬قال اهلل تعاىل ‪:‬ﱫ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫كالم نفيس‪.‬‬
‫ﯱﱪ [العنكبوت‪ ،]45 :‬وهو ٌ‬
‫الضالل» يف كالمه عن التعبد َّي ِ‬
‫ات‪ ،‬عندما‬ ‫ِ‬ ‫«املنقذ ِمن‬
‫ُ‬ ‫يل يف ِ‬
‫كتابه‬ ‫وأشار إليه الغزا ّ‬
‫أربعا واملغرب‬
‫أربعا والعرص ً‬ ‫ِ‬
‫الصلوات‪ ،‬فِ الظه ِر ً‬ ‫ِ‬
‫الركعات فِ‬ ‫قر َر َّ‬
‫أن عد َد‬ ‫َّ‬
‫ري إلَ‬ ‫ثال ًثا والعشاء ً‬
‫أربعا والفجر ركعتني؛ معنًى غري مدرك للناس‪ .‬وكأنه يش ُ‬
‫النبوة»‪.‬‬
‫ني َّ‬ ‫إن هذا ال ُيرى إ َّ‬
‫ال بع ِ‬ ‫ِ‬
‫واألوقات قائلً‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫الركعات‬ ‫التناسب بنيَ ِ‬
‫عدد‬ ‫ِ‬
‫اخلفية‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‬ ‫ري إلَ‬
‫وهو يش ُ‬
‫فرق بني العاديات كام سامها والعبادات حيث يقول‪:‬‬
‫الشاطبي َّ‬
‫َّ‬ ‫إال َّ‬
‫أن‬
‫يستتب هذان الوجهان يف مجيع األحكام العاد َّية والعباد َّية‬
‫ُّ‬ ‫«فإن قيل‪ :‬هل‬
‫أم ال؟‬
‫الزم يف العاد َّيات‪ ،‬لظهور وجوه‬
‫املسببات ُ‬ ‫فإن الذي يظهر لبادئ الرأي َّ‬
‫أن قصد َّ‬ ‫َّ‬
‫معقولية املعنى؛ فهنالك‬
‫َّ‬ ‫مبني ٌة عىل عدم‬
‫املصالح فيها‪ ،‬بخالف العبادات؛ فإهنا َّ‬
‫ِ‬
‫جنس‬ ‫ٌ‬
‫راجعة إىل‬ ‫ين املع َّل َل هبا‬
‫املسببات؛ ألن املعا َ‬
‫َّ‬ ‫عدم االلتفات إىل‬
‫تتب ُ‬
‫َي ْس ُّ‬
‫ري ظاهرة يف العباد َّيات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املفاسد‪ ،‬وهي ظاهرة يف العاد ّيات‪ ،‬وغ ُ‬ ‫املصالح فيها أو‬
‫ِ‬
‫معترب يف العاديات‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫املسببات والقصدُ إليها‬
‫فااللتفات إىل َّ‬
‫ُ‬ ‫وإذا كان كذلك؛‬

‫‪-70-‬‬
‫ِ‬
‫وااللتفات‬ ‫سيام يف املجتهد؛ فإن املجتهد إنام ي َّتسع ُ‬
‫جمال اجتهاده بإجراء العللِ‬
‫بنص أو‬ ‫املصالح إ َّ‬
‫ال ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫إجراء األحكام عىل َو ِ‬
‫فق‬ ‫ُ‬ ‫يستقم له‬
‫ْ‬ ‫إليها‪ ،‬ولوال ذلك مل‬
‫ُ‬
‫فيبطل القياس‪ ،‬وذلك غري صحيح ‪ .‬فال بدَّ من االلتفات إىل املعاين التي‬ ‫إمجاع‪،‬‬
‫بات األحكام ‪.‬‬
‫سب ُ‬ ‫ُ‬
‫رشعت هلا األحكام واملعاين هي ُم َّ‬
‫والرجوع‬
‫َ‬ ‫الغالب عليها َفقْدَ ظهور املعاين اخلاصة هبا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أما العباد َّيات‪ ،‬فلام كان‬
‫أج َرى عىل مقصود الشارع فيها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫االلتفات ْ‬ ‫إىل مقتىض النصوص فيها؛ كان ُ‬
‫ترك‬
‫املسببات؛ إال فيام‬
‫يلتفت إىل َّ‬
‫َ‬ ‫أن ال‬ ‫سواء يف َّ‬
‫أن ح َّقه ْ‬ ‫ُ‬ ‫واألمران بالنسبة إىل املق ِّلد‬
‫الترصفات الرشعية»(‪.)1‬‬
‫َّ‬ ‫كان من ُمدْ َركاته ومعلوماته العادية يف‬
‫املسببات والتفا ُته إليها ٌ‬
‫دليل عىل‬ ‫وقال الشاطبي‪« :‬فإن قيل‪ :‬قصدُ الشارع إىل َّ‬
‫ِ‬
‫قصد‬ ‫ُ‬
‫مطابقة‬ ‫املراد بالتكليف إال‬
‫ُ‬ ‫فليس‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬
‫القصد من املك َّلف‪ ،‬و إ َّ‬ ‫ُ‬
‫مطلوبة‬ ‫أهنا‬
‫ُ‬
‫التكليف كام تبيَّ يف موضعه من‬ ‫يصح‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫لقصد الشارع؛ إ ْذ لو خالفه مل‬ ‫املك َّل ِ‬
‫ف‬
‫للمسببات‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫قاصد‬ ‫صح‪ ،‬فإذا فرضنا هذا املك َّلف غ َ‬
‫ري‬ ‫هذا الكتاب‪ ،‬فإذا طاب َقه َّ‬
‫ٍ‬
‫تكليف قد خالف‬ ‫وقد فرضناها مقصود ًة للشارع؛ كان بذلك خمال ًفا له‪ ،‬وكل‬
‫القصدُ فيه قصدَ الشارع فباطل كام تبيَّ؛ فهذا كذلك»(‪.)2‬‬
‫ويقول الشاطبي‪« :‬والقاعد ُة املستمر ُة يف أمثال هذه التفرقة بني العبادات‬
‫تظهر‬
‫َ‬ ‫دون ْ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫املنافاة َ‬ ‫واملعامالت‪ :‬فام كان من العبادات ال ُيكتفى فيه بعد ِم‬
‫أن‬ ‫ُ‬
‫واألصل فيها ْ‬ ‫ِ‬
‫االلتفات إىل املعاين‪،‬‬ ‫التعبد َ‬
‫دون‬ ‫َ‬
‫األصل فيها ّ‬ ‫املالئمة؛ َّ‬
‫ألن‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات‪.319/1 :‬‬


‫‪ -2‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات‪.316/1 :‬‬

‫‪-71-‬‬
‫َ‬
‫فكذلك ما‬ ‫التعبدات؛‬
‫اخرتاع ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للعقول يف‬ ‫بإذن؛ إذ ال َ‬
‫جمال‬ ‫ال ُيقدَ م عليها إال ٍ‬
‫يتع َّلق هبا ِمن الرشوط ‪ .‬وما كان ِمن العاديات ُيكتفى فيه بعدم املنافاة؛ َّ‬
‫ألن‬
‫اإلذن ح َّتى َّ‬
‫يدل‬ ‫ُ‬ ‫التعبد‪ ،‬واألصل فيها‬
‫االلتفات إىل املعاين دون ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫األصل فيها‬
‫الدَّ ُ‬
‫ليل عىل خالفه‪ .‬واهلل أعلم»(‪.)1‬‬
‫وقال الشاطبي ً‬
‫أيضا‪« :‬حكمة التعبد العامة االنقياد ألوامر اهلل تعاىل وإفراده‬
‫باخلضوع‪ ،‬والتعظيم جلالله والتوجه إليه»(‪.)2‬‬

‫وقد كان أبو حامد الغزايل رائدً ا يف مسألة الفرق بني التعبديات والعاديات يف‬
‫كتابيه «شفاء العليل» و»املنقذ من الضالل» حيث يقول عن مسألة االلتفات‬
‫إىل املعاين إن ذلك يف العاديات لغلبة التعليل وبالعكس من ذلك فإن التحكم‬
‫يف التعبديات هو الغالب‪ .‬وهذه شذرات من «شفاء العليل»‪ْ :‬‬
‫فإن قيل من‬
‫ترصفات الرشع ما مل يعقل معناه‪ ،‬ومل يطلع عليه‪ ،‬فيحتمل أن يكون هذا‬
‫الترصف من مجلته؛ ويكون املناسب قد اقرتن به وفا ًقا غري مقصود‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬هذا كالم من ينكر أصل القياس؛ َّ‬


‫فإن هذا السؤال يتطرق إىل املالئم‪،‬‬

‫فلعله وقع وفا ًقا وملحوظ الرشع معنى آخر ٌّ‬


‫خفي مل يطلع عليه‪ ،‬أو هو حتكم ال‬
‫سبب له وقد عضدوا هذا بأن قالوا‪ :‬عرف من الشارع َّ‬
‫أن من ترصفاته حتكامت‬
‫ال تعقل معانيها؛ إذ سوى بني خمتلفات‪ ،‬وفرق بني متامثالت؛ كحكمه بجواز‬
‫النظر إىل شعر األمة‪ ،‬وحتريم النظر إىل شعر احلرة‪ ،‬ولو مل ينص عىل جتويز النظر‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات‪.440/1 :‬‬


‫‪ -2‬نفس املرجع ‪.301/2‬‬

‫‪-72-‬‬
‫إىل شعر األمة لقال الفقهاء‪ :‬األمة يف معنى احلرة‪ ،‬واملعنى املقتىض للتحريم‪:‬‬
‫خوف الفتنة‪ ،‬ومها سيان‪.‬‬
‫وقال بغسل الثوب من بول الصبية‪ ،‬وبرش املاء عىل بول الغالم‪ ،‬ولو ذكر‬
‫أحدمها‪ ،‬واقترص عليه ألحلق القائسون اجلانب اآلخر به‪.‬‬
‫إىل أمثال لذلك رضبوها وهو وارد عىل مجيع القائسني‪.‬‬
‫ووجه االنفصال؛ َّ‬
‫أن ذلك جيرى من ترصفات الرشع جمرى الشاذ النادر‪.‬‬
‫اتباع املعاين؛ والواقعة النادرة ال تقطع‬
‫ُ‬ ‫والغالب من عادته يف الترصفات‬
‫الغالب املستفاد من العادة املتكررة(‪.)1‬‬
‫وقال الغزايل أيضا‪ :‬قلنا‪ :‬ما يتعلق من األحكام بمصالح اخللق‪ :‬املناكحات‬
‫واملعامالت واجلنايات والضامنات؛ وما عدا العبادات فالتحكم فيها نادر؛‬
‫وأما العبادات واملقدرات‪ ،‬فالتحكامت فيها غالبة‪ ،‬واتباع املعنى نادر‪.‬‬
‫ال جرم رأى الشافعي الكف عن القياس يف العبادات إال إذا ظهر املعنى ظهورا‬
‫ال يبقى معه ريب؛ ولذلك مل يقس عىل التكبري والتسيلم والفاحتة والركوع‬
‫والسجود غريها؛ بل مل يقس عىل املاء يف الطهارات غريه‪ ،‬ومل يقس األبدال‬
‫والقيم يف الزكوات عىل املنصوصات‪ ،‬ومل يقس يف مسألة األصناف‪ .‬ومال يف‬
‫مجيع مسائلها إىل الكف عن القياس ورعاية االحتياط‪ ،‬ألن مبنى العبادات عىل‬
‫االحتكامات ونعنى باالحتكام‪ :‬ما خفي علينا وجه اللطف فيه؛ ألنا نعتقد أن‬
‫رسا وفيه نوع لطف‬
‫لتقدير الصبح بركعتني‪ ،‬واملغرب بثالث والعرص بأربع ً‬

‫‪ -1‬الغزايل‪ ،‬شفاء العليل‪ ،‬ص‪ ،200‬حتقيق أمحد الكبيسى‪ ،‬مطبعة اإلرشاد بغداد‪.‬‬

‫‪-73-‬‬
‫وصالح للخلق استأثر اهلل سبحانه وتعاىل بعلمه‪ ،‬ومل نطلع عليه‪ .‬فلم نستعمله‬
‫واتبعنا فيه املوارد»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ال ينايف وجود مقاصد للتعبديات وحكمً يف العباديات‪ .‬كانت‬
‫ري كتب املقاصد ت َّتجه لبياهنا‪ ،‬ككتاب احلكيم الرتمذي املتوىف سنة ‪320‬‬
‫بواك ُ‬
‫«الصالة ومقاصدها»‪.‬‬
‫َّ‬
‫للخطايب‪ ،‬وحماسن الرشيعة للق َّفال‬ ‫ِ‬
‫السنن‬ ‫ات بغريها‪ ،‬كمعاملِ‬
‫وقد متتزج التعبد َّي ُ‬
‫الشايش ‪ .‬وقدْ َ‬
‫أخذ القايض أبو بكر بن العريب عىل الق َّفال ُّ‬
‫تعرضه للمقاصد يف‬
‫بالشيخ َّ‬
‫املعظم أيب بكر الشايش الق َّفال إىل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫احلال‬ ‫انتهت‬
‫ْ‬ ‫العبادات قائال‪ :‬ولقد‬
‫ِ‬
‫أبواب العبادات‪ ،‬وصنف يف ذلك كتا ًبا‬ ‫أن ْ‬
‫يطرد ذلك مراعاة املقاصد ح َّتى يف‬ ‫ْ‬
‫حماسن الرشيعة(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫ريا أسامه‬
‫كب ً‬
‫«حجة اهللِ البالغة» برسد أمثلة‬
‫َّ‬ ‫الدهلوي كتابه‬
‫ُّ‬ ‫افتتح العالمة و ُّيل اهللِ‬
‫َ‬ ‫وقد‬
‫ِ‬
‫كالصالة‬ ‫كثرية من احلكم والغايات األخروية والدنيوية‪ ،‬ملختلف الطاعات‪،‬‬
‫ٌ‬
‫مشتملة عىل‬ ‫ِ‬
‫الطاعات‬ ‫َ‬
‫تفاصيل هذه‬ ‫فإن‬ ‫َ‬
‫وكذلك َّ‬ ‫واحلج‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫والزكاة والصو ِم‬
‫منثور يف خمتلف أبواب‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫واملقاصد‬ ‫فيض من ِ‬
‫احلكم‬ ‫ِ‬
‫تضاعيف هذا ٌ‬ ‫ِ‬
‫احلكم ‪ .‬ويف‬
‫ألن به املعرف َة‪ ،‬وبروز اليدين‬
‫الفقه‪ ،‬كقوله يف تعليل جواز ظهور وجه املرأة‪َّ :‬‬
‫ألنه هبام يبطش‪.‬‬
‫ري مع َّللة»؛ أهنا ليست معلل ًة‬
‫ولكن املعنى املرا َد من قوهلم «إن التعبديات غ ُ‬
‫ِ‬
‫التعبديات‬ ‫دون‬ ‫ُ‬
‫يدخل يف العادات َ‬ ‫القياس‬
‫َ‬ ‫قياسا يف الغالب‪ ،‬وأن‬
‫تعليلً ُينتج ً‬

‫‪ -1‬ابن العريب‪ ،‬القبس‪.802/2 :‬‬

‫‪-74-‬‬
‫ِ‬
‫معقولة املعنَى‪ ،‬مع اجلزم بوجود احلكمة‪.‬‬ ‫غ ِ‬
‫ري‬
‫لقد انبنى عىل نفي التعليل يف التعبدي نتيجتان‪:‬‬
‫النتيجة األوىل‪ :‬امتناع القياس اجلزئي املستند إىل العلة‪.‬‬
‫ونحن هنا نستعمل هذا املصطلح يف مقابل االستصالح الذي هو نوع من‬
‫القياس الكيل‪.‬‬
‫وقيد االستناد إىل العلة حيرتز من قياس الشبه لدى من يقول به فهو جيرى يف‬
‫التعبديات كقيس الوضوء عىل التيمم يف وجوب النية دون أن يكون احلكم‬
‫معللً‪.‬‬
‫وهذه النتيجة األوىل مل يوافق عليها األحناف الذين قاسوا بتنقيح املناط‬
‫من خالل إلغاء الفارق بني األعيان التي نص عليها الشارع يف الكفارات‬
‫والزكوات وبني األبدال والقيم فسووا بينها يف اإلجزاء عن املكلف باعتبار َّ‬
‫أن‬
‫نفع الفقري هبذا القدر من املال هو مقصود الشارع الذي أناط احلكم به وقد نبه‬
‫الشاطبي عىل ذلك حيث يقول‪ :‬وقد يمكن أن تراعى املعاين يف باب العبادات‬
‫وقد ظهر منه يشء فيجرى الباقي عليه وهي طريقة احلنفية‪.»...‬‬
‫أما النتيجة الثانية‪ :‬فهي َّ‬
‫أن العبادات لكوهنا غري قابلة للتعليل فال يزاد فيها‬
‫وال ينقص كام أشار إليه الشاطبي يف كالمه املذكور آنفا‪ :‬إذ ال جمال للعقول يف‬
‫وضوحا يف اجلزء الثالث وهو يفرق بني العبادات‬
‫ً‬ ‫اخرتاع التعبدات»‪ .‬وقد زاده‬
‫والعاديات بإن األوىل ( فهم من قصده (الشارع) الوقوف عندما حد هنالك ال‬
‫الزيادة عليه وال النقصان»‪ (.‬يراجع يف هذا الكتاب يف كالمه عن اجلهات التي‬
‫‪-75-‬‬
‫تعرف هبا املقاصد‪-‬‬
‫وقد اعترب الشاطبي َّ‬
‫أن كل زيادة بإطالق أو خمالفة يف هيئة أو مقدار يسمى‬
‫بدعة قبيحة ‪-‬يراجع تعليقنا عليه‪.-‬‬
‫القضية الثالثة‪ :‬التجاذب بني الكيل واجلزئي‪:‬‬
‫وهذه استشهادات من الشاطبي إذ يقول‪ :‬وإذا كان كذلك‪ ،‬وكانت اجلزئيات‬
‫وهي أصول الرشيعة؛ فام حتتها مستمدَّ ة من تلك األصول الكلية‪ ،‬شأن‬
‫اجلزئيات مع كلياهتا يف كل نوع من أنواع املوجودات؛ فمن الواجب اعتبار‬
‫تلك اجلزئيات هبذه الكليات عند إجراء األدلة اخلاصة من الكتاب والسنة‬
‫واإلمجاع والقياس؛ إذ حمال أن تكون اجلزئيات مستغنية عن كلياهتا‪ ،‬فمن أخذ‬
‫من َ‬
‫أخذ باجلزئي‬ ‫معرضا عن كليه فقد أخطأ‪ .‬وكام َّ‬
‫أن ْ‬ ‫ً‬ ‫بنص مثلً يف جزئي‬
‫ً‬
‫معرضا عن جزئ ِّيه‪.‬‬ ‫ُم ً‬
‫عرضا عن كليه؛ فهو خمطئ‪ ،‬كذلك من أخذ بالكيل‬
‫وبيان ذلك أن تل ِّق َي العلم الكيل إنام هو من َع ْرض اجلزئيات واستقرائها؛‬
‫ُ‬
‫وإ َّ‬
‫ال فالكيل من حيث هو كيل غري معلوم لنا قبل العلم باجلزئيات‪ ،‬وألنه ليس‬
‫مضم ٌن يف اجلزئيات حسبام تقرر يف املعقوالت؛‬
‫َّ‬ ‫بموجود يف اخلارج‪ ،‬وإنام هو‬
‫وقوف مع ٍ‬
‫يشء مل يتقرر العلم‬ ‫ٌ‬ ‫فإ ًذا الوقوف مع الكيل مع اإلعراض عن اجلزئي‬
‫واجلزئي هو مظهر العلم به‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫به بعد دون العلم باجلزئي‪،‬‬
‫جزئيا؛ إال لكون الكيل فيه عىل التامم وبه قوامه‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫وأيضا؛ فإن اجلزئي مل يوضع‬
‫فاإلعراض عن اجلزئي من حيث هو جزئي إعراض عن الكيل نفسه يف احلقيقة‪،‬‬
‫وذلك تناقض‪ ،‬وألن اإلعراض عن اجلزئي مجلة يؤدي إىل الشك يف الكيل‬
‫‪-76-‬‬
‫من جهة أن اإلعراض عنه إنام يكون عند خمالفته للكيل أو توهم املخالفة له‪،‬‬
‫وإذا خالف الكيل اجلزئي مع أنا إنام نأخذه من اجلزئي؛ َّ‬
‫دل عىل َّ‬
‫أن ذلك الكيل‬
‫مل يتحقق العلم به إلمكان أن يتضمن ذلك اجلزئي جز ًءا من الكيل مل يأخذه‬
‫املعترب جز ًءا منه‪ ،‬وإذا أمكن هذا؛ مل يكن بدُّ من الرجوع إىل اجلزئي يف معرفة‬
‫أن الك َّ‬
‫يل ال يعترب بإطالقه دون اعتبار اجلزئي‪ ،‬وهذا كله‬ ‫الكيل‪َّ ،‬‬
‫ودل ذلك عىل َّ‬
‫يؤكد لك أن املطلوب املحافظة عىل قصد الشارع؛ ألن الكيل إنام ترجع حقيقته‬
‫معا يف كل مسألة‪.‬‬ ‫إىل ذلك‪ ،‬واجلزئي كذلك ً‬
‫أيضا؛ فال بد من اعتبارمها ً‬
‫فإذا ثبت باالستقراء قاعدة كلية‪ ،‬ثم أتى النص عىل جزئي خيالف القاعدة بوجه‬
‫من وجوه املخالفة؛ فال بد من اجلمع يف النظر بينهام؛ ألن الشارع مل ينص عىل‬
‫ٌ‬
‫معلومة رضور ًة بعد‬ ‫ذلك اجلزئي إال مع احلفاظ عىل تلك القواعد؛ إذ ُ‬
‫كلية هذا‬
‫اإلحاطة بمقاصد الرشيعة؛ فال يمكن واحلالة هذه أن خترم القواعد بإلغاء ما‬
‫اعتربه الشارع‪ ،‬وإذا ثبت هذا؛ مل يمكن أن يعترب الكيل ويلغى اجلزئي»(‪.)1‬‬
‫قرر هنا أمهي َة اجلزئي فإنه َي ُكر يف مكان آخر عىل هذه‬
‫لكن الشاطبي وهو ُي ُ‬
‫أمام الك ِّ‬
‫يل مُافظ ًة عىل‬ ‫َكم عىل ُ‬
‫اجلزئي بالتقهق ِر َ‬ ‫َ‬
‫النقض حيث ي ُ‬ ‫ِ‬
‫القاعدة بام ُيشبه‬
‫زئي؛‬
‫وأمر ُج ٌّ‬
‫يل ُ‬ ‫أمر ُك ٌّ‬
‫النظام قائلً‪ :‬والقاعدة املقررة يف موضعها أنه إذا تعارض ٌ‬
‫زئي يقتيض مصلح ًة جزئية‪ ،‬والك َّ‬
‫يل يقتيض مصلحة كلية‪،‬‬ ‫ألن ُ‬
‫اجل َّ‬ ‫ُ‬
‫فالكيل مقدَّ م َّ‬
‫نظام يف العامل بانخرام املصلحة اجلزئية‪ ،‬بخالف ما إذا قدّ م اعتبار‬
‫وال ينخرم ُ‬
‫فإن املصلحة الكلية ينخرم نظام ك ِّليتها‪ ،‬فمسألتنا كذلك؛ إ ْذ‬
‫املصلحة اجلزئية؛ َّ‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪176-171/3‬‬

‫‪-77-‬‬
‫أمر ٌّ‬
‫كيل ثابت عليه‪ ،‬والرخصة إنام‬ ‫ٍ‬
‫مكلف ٌ‬ ‫قد ُعلم َّ‬
‫أن العزيمة بالنسبة إىل كل‬
‫الكالم فيه ال‬
‫َ‬ ‫مرشوعيتها ْ‬
‫أن تكون جزئية‪ ،‬وحيث يتحقق املوجب‪ ،‬وما فرضنا‬
‫كل صورة ُتفرض إال واملعارض ُ‬
‫الك ُّ‬
‫يل ينازعه؛ فال ُينجى من طلب‬ ‫يتحقق يف ِّ‬
‫يل وهو العزيمة(‪.)1‬‬ ‫العهدة إال الرجوع إىل ُ‬
‫الك ّ‬ ‫اخلروج عن ُ‬
‫ويقول القرايف‪ :‬ومن جعل خيرج الفروع باملناسبات اجلزئية دون القواعد الكلية‬
‫تناقضت عليه الفروع واختلفت وتزلزت خواطره فيها واضطربت وضاقت‬
‫نفسه لذلك وقنطت واحتاج إىل حفظ اجلزئيات التي ال تتناهى وانتهى العمر‬
‫ومل تقض نفسه من طلب مناها‪ ،‬ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ‬
‫أكثر اجلزئيات الندراجها يف الكليات واحتد عنده ما تناقض عند غريه وتناسب‬
‫وأجاب الشاسع البعيد وتقارب(‪.)2‬‬
‫والقول الفصل يف هذا أنه ال الكيل يقدم بإطالق وال اجلزئي كذلك فقد يلمح‬
‫املجتهد يف اجلزئي معنى من املعاين ينخزل به عن كليه ويتقاعد به عن مدى‬
‫عمومه فيحكم له بحكم خيتلف عن حكم الكيل كام يف دليل االستحسان‬
‫وهو يف حقيقته استثناء جزئي من كيل‪ ،‬ودليل سد الذرائع وهو يف أساسه‬
‫حكم عىل جزئي مراعاة ملئال أصبح بمنزلة الكيل فاجتاله عن كليه وهو أصل‬
‫اإلباحة مثال‪.‬‬
‫وتارة يكون اجلزئي عريا عن تلك املعاين فيتقوى الكيل فيستوعب اجلزئي‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.498 /1‬‬


‫‪ -2‬القرايف‪ ،‬الفروق ‪.3/1‬‬

‫‪-78-‬‬
‫وهييمن عليه كام يف املصالح املرسلة وال ترجيح يف هذا إال ما يراه املجتهد يف‬
‫كل قضية وما يسربه يف كل مسألة من خالل األدلة األصولية التي هي أقرب‬
‫إىل الضبط وأحكم يف عملية الربط وإن كانت غري صارمة االنضباط مما أتاح‬
‫مساحة لالختالف يف األدلة احلاملة هلا‪.‬‬

‫والشاطبي رمحه اهلل تعاىل يف تقديم الكيل عىل اجلزئي يشري إىل أن تقديم اجلزئي‬
‫يؤدي إىل انخرام نظام العامل‪ ،‬وأحسب أن يف كالمه رمحه اهلل شيئًا من املبالغة‬
‫إال إذا محل عيل الكليات العقلية التي يؤدي انخرامها إىل إختالل النظام‪،‬‬
‫وليس يف الكليات الرشعية الفرعية االجتهادية التي ال تتحد بلوازمها برصامة‬
‫وحسم بل قد تنفك عنها أحيانا كام هو معروف يف حمله وقد أشار هو يف مبحث‬
‫االستحسان باحلاجة إىل ما يوحي بذلك‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫ ‬

‫‪-79-‬‬
‫املشهد الرابع‬

‫أصنـاف المقاصـد‬

‫ِ‬
‫املقاصد هي‪:‬‬ ‫شعب منتجة ِمن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بثالث‬ ‫َّ‬
‫إن األصولينيَ املقاصد ِّيني قد ُّ‬
‫اهتموا‬
‫الرضوري‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫الرشيعة‪ ،‬وهي املقصدُ‬ ‫ترجع إليها‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العامة الكربى التي‬ ‫املقاصدُ‬
‫ري‬ ‫ٍ‬
‫عنوان كب ٍ‬ ‫عن‬ ‫استقرائي ُ‬
‫ينبثق ْ‬ ‫ٍّ‬ ‫تقسيم‬
‫ٍ‬ ‫حرصا؛ بنا ًء عىل‬
‫ً‬ ‫والتحسيني‬
‫ُّ‬ ‫واحلاجي‬
‫ُّ‬
‫املصالح يف األحكام‬
‫ِ‬ ‫مالحظة ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العباد» وعند‬ ‫ملصالح‬
‫ِ‬ ‫«أن الرشيع َة‬
‫هو‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫يتعلق‬ ‫األرجح‬
‫ُ‬ ‫املقياس‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ثالثة مقايِيس‪:‬‬ ‫ري إلَ‬ ‫َ‬
‫امليزان يش ُ‬ ‫أن َ‬
‫هذا‬ ‫وجدُ وا َّ‬
‫التتامت‪ ،‬وهو‬
‫ُ‬ ‫التحسينيات أ ِو‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫احلاجيات َّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫جحان‬ ‫الر‬ ‫ِ‬
‫ويليه فِ ُّ‬ ‫ِ‬
‫بالرضورات‪،‬‬
‫الرشع‪ ،‬ملحوظة ببصرية العقل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استقراء أحكا ِم‬ ‫ترتيب ِمن‬
‫ٌ‬
‫هذه هي الشعبة األوىل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بباب‬ ‫اخلاص َة‬
‫َّ‬ ‫اخلاص ُة و َتعني َ‬
‫تلك املقاصدَ‬ ‫َّ‬ ‫أما الشعبة الثانية فهي‪ :‬املقاصدُ‬
‫‪-81-‬‬
‫منع الغر ِر‬
‫بالبيوع فِ ِ‬
‫ِ‬ ‫كتلك املتع ِّل ِ‬
‫قة‬ ‫َ‬ ‫جمال من جماالتِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الفقه أو ٍ‬ ‫ِ‬
‫أبواب‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫شئون‬ ‫انتظام‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫عام َ‬ ‫ٍ‬
‫مقصد ٍّ‬ ‫ترجع إىل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلقيقة‬ ‫ِ‬
‫وهذه فِ‬ ‫ِ‬
‫واجلهالة والر َبا‪،‬‬
‫الترصفات كام أرش َنا ِ‬
‫إليه‬ ‫ِ‬ ‫تلك‬ ‫ِ‬
‫واإلحسان ال ِّتي تنافِ َ‬ ‫ِ‬
‫العدل‬ ‫ِ‬
‫بقاعدة‬ ‫ِ‬
‫اخللق‬
‫ساب ًقا ‪.‬‬
‫ريا‬
‫وتراحم‪ ،‬والتي تناىف كث ً‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومودة‬ ‫بالنكاح ِمن تناسلٍ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫املتعلقة‬ ‫َ‬
‫وكذلك املقاصدُ‬
‫املرأة عىل خالتها أو عمتها املشا ِر إىل حكمتِه‬
‫تزوج ِ‬ ‫ِ‬
‫الفاسدة‪ ،‬كحرمة ُّ‬ ‫ِ‬
‫العقود‬ ‫من‬
‫ذلك قطع ُتم أرحا َمكم»‪ .‬إ ْذ ِمن‬
‫إن فعل ُتم َ‬ ‫بقولِه ِ‬
‫عليه الصال ُة والسالم‪ُ :‬‬
‫«إنكم ْ‬
‫النكاح وغ ِ‬
‫ريه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وهو مقصدٌ ٌّ‬
‫عام فِ‬ ‫صلة األرحا ِم َ‬ ‫ِ‬
‫مقاصد النِّكاح ُ‬
‫حكم علَ‬
‫ٍ‬ ‫الشارع فِ ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫وهي‪ :‬مقصدُ‬ ‫ُ‬
‫اجلزئية َ‬ ‫أما الشعب ُة الثالث ُة ف ِهي‪ :‬املقاصدُ‬
‫الصالة بأم ِرﱫ ﮛ ﮜ ﱪ [البقرة‪.]43 :‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كقصده لفعلِ‬ ‫ٍ‬
‫حدة‬
‫أن ِ‬
‫هذه املقاصدَ َ‬
‫هي مقاصدُ‬ ‫ُ‬
‫البالغة‪َّ -‬‬ ‫ُ‬
‫واحلكمة‬ ‫‪-‬والعلم هللِ َّ‬
‫جل وعال‬ ‫ُ‬ ‫ويف رأينا‬
‫ِ‬
‫الطلب‪.‬‬ ‫ودرجات‬
‫ُ‬ ‫وترتيب األد َّلة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫استنباط األحكا ِم‬ ‫َّب عليها‬ ‫ٍ‬
‫ترشيعية يرتت ُ‬
‫كام يمكن أن تقسم تقسيمً باعتبار آخر لنقول‪ :‬إن املقاصد تنقسم إىل كيل وهو‬
‫ما موضوعه كيل من حيث الصيغة أو املعنى يستغرق أفراده وآحاده إن كان‬
‫نكرة أو أجزاءه إن كان معر ًفا ويقابله اجلزئي‪ ،‬وهو مقصد الشارع يف كل‬
‫حكم عىل حده‪.‬‬
‫وإىل عام وهو كالكيل إال أنه ال تعنينا فيه صيغة العموم بقدر ما هنتم بانتشاره‬
‫يف كل باب كمقصد العدل واالستخالف وغريمها من املقاصد ويقابله اخلاص‬
‫الذي قد يعنى خصوصه كونه يف باب واحد أو يف جمال معني أو يف قضية واحدة‪،‬‬
‫‪-82-‬‬
‫خاصا بالنسبة ملا‬
‫فالعموم واخلصوص نسبيان فقد يكون عا ًما بالنظر إىل ما حتته ً‬
‫فوقه حسب االجتاه الذي ينظر إليه‪ ،‬فهو كالسلم أعاله املقصد وأسفل درجة‬
‫منه املقصد اجلزئي وما بينهام أن يكون كل ًيا أو عا ًما بالنسبة ملا حتته وجزئيا‬
‫بالنسبة ملا فوقه‪.‬‬
‫وتقسم من جهة أخرى إىل أصيل وتبعي أو تابع‪.‬‬
‫ُ‬
‫الباعثة‬ ‫هي املقصود ُة باألم ِر ابتدا ًء‪ ،‬وبالنهي كذلك‪ ،‬وهي أيضا ُ‬
‫العلة‬ ‫ُ‬
‫فاألصلية َ‬
‫عىل األمر أو النهي‪.‬‬
‫وسياجا‪ ،‬كمنع‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وسائل‪ ،‬وقد تكون محاي ًة لألصلية‬ ‫ُ‬
‫تكون‬ ‫ِ‬
‫الغالب قد‬ ‫ُ‬
‫والتابعة يف‬
‫ِ‬
‫لذريعة التشاغلِ عن اجلمعة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النداء سدً ا‬ ‫وقت‬
‫البيع َ‬
‫الشارع بِه‪ ،‬كالتناسلِ الذي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األول واهتام ِم‬ ‫ِ‬
‫املقصد‬ ‫ِ‬
‫أمهية‬ ‫تكون تابع ًة باعتبا ِر‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫ُ‬
‫يلحق به من املودة والسكن والتمتع‬ ‫مع ما‬
‫للنكاح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة‬ ‫هو املقصدُ األول‬
‫بامل الزوجة واالعتزاز بحسبها‪ ،‬فهذه تابعة‪.‬‬
‫ِ‬
‫اخللق واألم ِر ال تُصَ وال ُتستقصَ‪ ،‬فمنها‪:‬‬ ‫وعال يف‬
‫جل َ‬ ‫َ‬
‫وهناك مقاصدُ للبا ِري َّ‬
‫ِ‬
‫اخللق‬ ‫ِ‬
‫كخلق‬ ‫الترشيع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مقاصد‬ ‫وهي أعلَ ِمن‬
‫َ‬ ‫املقاصدُ القدر َّي ُة أ ِو الكونية‪،‬‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫ِ‬
‫أصحاب‬ ‫من‬
‫رجل ْ‬ ‫ِ‬
‫احلديث‪ :‬مرض ٌ‬ ‫ني كام جا َء فِ‬ ‫ِ‬
‫لتحقيق مقتضَ القبضت ِ‬
‫يبكيك َيا أ َبا ِ‬
‫عبد اهللِ‬ ‫َ‬ ‫فبكى‪َ ،‬‬
‫فقيل له‪ :‬ما‬ ‫فدخل ِ‬
‫عليه أصحا ُبه يعودو َنه َ‬ ‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫اهللِ‬

‫أقره ح َّتى تلقاين؟»‪ .‬قال‪ :‬بىل‪،‬‬ ‫«خذ ِمن شاربِك َّ‬


‫ثم َّ‬ ‫‪ْ :‬‬ ‫رسول اهللِ ‬
‫ُ‬ ‫يقل َ‬
‫لك‬ ‫أمل ْ‬
‫ض َق ْب َض ًة بِ َيمينِ ِه‬
‫ارك و َتعالَ َق َب َ‬ ‫ول‪« :‬إِ َّن َ‬
‫اهلل َت َب َ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫ولكنِّي‬
‫األخرى‪ ،‬فقال‪ :‬هذه‬
‫َ‬ ‫أخرى يعنِى ِ‬
‫بيده‬ ‫وقبض قبض ًة َ‬
‫َ‬ ‫ال‪َ :‬ه ِذه ِ‬
‫هلذه وال أبالِ‪،‬‬ ‫َف َق َ‬

‫‪-83-‬‬
‫املفهوم ِمن قولِه تعاىل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ني أ َنا»(‪َ .)1‬‬
‫وهو‬ ‫هلذه وال أبايل‪ ،‬فال أد ِري فِ ِّ‬
‫أي القبضت ِ‬
‫ﱫ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫﭬ ﱪ [التغابن‪.]2 :‬‬
‫الرمحة كام يف ِ‬
‫قوله تعالَ‪ :‬ﱫ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لالختالف أ ِو‬ ‫وخلقهم‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﱪ [هود‪. ]119-118 :‬‬
‫فإن قيل‪َّ :‬‬
‫إن هذا ال َّتقدير‬ ‫ونبه الشاطبي إىل املقصد القدري التكويني بقوله‪ْ :‬‬
‫ّ‬
‫مشري ملا ذهب إليه الفالسفة و َم ْن تبعهم ِم ْن َّ‬
‫أن الشَّ ليس بمقصود الفعل‪،‬‬
‫ريه ِّ‬
‫برشه؛ فاخلري هو‬ ‫ممتزجا خ ُ‬
‫ً‬ ‫وإنام املقصود اخلري‪ ،‬فإذا خلق اهلل تعاىل خل ًقا‬
‫واقعا به؛ َّ‬
‫كالطبيب‬ ‫الذي ُخلق اخللق ألجله‪ ،‬ومل خيلق ألجل ال ِّ‬
‫شَّ‪ ،‬وإن كان ً‬
‫البشع املكروه‪ ،‬فلم َيسقه إ َّياه ألجل ما‬
‫َ‬ ‫املر‬
‫عندهم إذا سقى املريض الدَّ واء ّ‬
‫والراحة‪ ،‬وكذلك‬ ‫فيه من املرارة واألمر املكروه‪ ،‬بل ألجل ما فيه من ِّ‬
‫الشفاء َّ‬
‫اإليالم بالفصد واحلجامة وقطع العضو املتأكل‪ ،‬إنام قصده بذلك َج ْل ُب‬
‫ُ‬
‫املسببة‬
‫الراحة ودفع املضار؛ فكذلك عندهم مجيع ما يف الوجود من املفاسد َّ‬
‫َّ‬
‫الشارع ‪-‬مع قصده الترشيع‬
‫َ‬ ‫قلت‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫عن أسباهبا‪ ،‬فام تقدَّ م شبيه هبذا من حيث َ‬
‫ألجل املصلحة‪ -‬ال يقصد وجه املفسدة‪ ،‬مع أنَّا الزمة للمصلحة‪.‬‬
‫ري‬ ‫مشري إىل مذاهب املعتزلة القائلني َّ‬
‫بأن الشُّور واملفاسدَ غ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫وهو ً‬
‫أيضا‬
‫وقوعها إنام هو عىل خالف اإلرادة‪ ،‬تعاىل اهلل عن ذلك‬
‫َ‬ ‫وأن‬ ‫ِ‬
‫مقصودة الوقوع‪َّ ،‬‬
‫ريا‪.‬‬
‫علوا كب ً‬
‫ًّ‬
‫اخل ْل ِقي ال َّتكويني‪ ،‬وليس كالمنا‬
‫كالم الفالسفة إنام هو يف القصد َ‬
‫أن َ‬ ‫فاجلواب َّ‬

‫‪ -1‬أخرجه أمحد يف مسنده ‪.68/5‬‬

‫‪-84-‬‬
‫ُ‬
‫الفرق بينهام يف موضعه من‬ ‫كالمنا يف ال َق ْصد ال َّترشيعي‪ ،‬وقد تبيَّ‬
‫ُ‬ ‫فيه‪ ،‬وإ َّنام‬
‫كتاب األوامر والنواهي‪.‬‬
‫أن الشَّيع َة وضعت ملصالح اخللق بإطالق حسبام تبيَّ يف موضعه‪،‬‬
‫ومعلوم َّ‬
‫ٍ‬
‫مقصود فيه ما ُيناقض ذلك‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مصلحة أو َد ْفع مفسدة؛ فغ ُ‬
‫ري‬ ‫فكل ما ش َُع َ‬
‫جل ْلب‬ ‫ُّ‬
‫واقعا يف الوجود؛ فبالقدرة القديمة وعن اإلرادة القديمة‪ ،‬ال يعزب‬ ‫ْ‬
‫وإن كان ً‬
‫وحكم‬
‫ُ‬ ‫عن علم اهلل وقدرتِه وإرادتِه ٌ‬
‫يشء من ذلك كله يف األرض وال يف السامء‪،‬‬
‫واألمر والنهي‬
‫ُ‬ ‫وترتيب آخر عىل حسب ما وضعه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫نظر‬
‫أمر آخر‪ ،‬له ٌ‬
‫الترشيع ٌ‬
‫ال يستلزمان إرادة الوقوع‪ ،‬أو عدم الوقوع‪ ،‬وإنام هذا ُ‬
‫قول املعتزلة‪ ،‬وبطال ُنه‬
‫مذكور يف علم الكالم؛ فالقصد ال َّترشيعي يشء‪ ،‬والقصد َ‬
‫اخل ْلقي يشء آخر‪،‬‬
‫ال مالزمة بينهام(‪.)1‬‬
‫املوسوم بالتعبد َّي ِ‬
‫ات‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وهو‬ ‫ِ‬
‫املصلحة‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫معروفة‬ ‫ري‬ ‫ٌ‬
‫ترشيعية لكنها غ ُ‬ ‫ومقاصدُ‬
‫ِ‬
‫اخللق‬ ‫أرسار‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫اخللقﱫ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﱪ [األعراف‪ ،]54 :‬فكمَ َّ‬ ‫صنو‬
‫فاألمر ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫فالكون‬ ‫ٌ‬
‫ومتضامنة‬ ‫ٌ‬
‫متداخلة‬ ‫وهي‬
‫مجيعا تفصيلً َ‬ ‫َ‬
‫تدرك ً‬ ‫ال تُصَ وال‬ ‫ِ‬
‫وح َكمه َ‬

‫األوجه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أو ِمن ِ‬
‫بعض‬ ‫لإلنسان ِمن ِّ‬
‫كل الوجوه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وأرض ُخلق‬ ‫ٍ‬
‫ساموات‬ ‫من‬
‫[اجلاثية‪]13:‬‬ ‫قال تعالَ‪:‬ﱫ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎﱪ‬
‫ومستودع لإلنسان‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مستقر‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫واألرض‬ ‫ِ‬
‫احلياة‪،‬‬ ‫فالكون ُ‬
‫بيئة‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫للمحافظة علَ ِ‬
‫بقاء‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بوظيفة‬ ‫يقوم‬
‫ُ‬ ‫كل عض ٍو ِ‬
‫فيه‬ ‫نفسه ُّ‬ ‫ُ‬
‫واإلنسان ُ‬
‫مسمىﱫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳﱪ‬
‫َّ‬ ‫ألجلٍ‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.49 /2‬‬

‫‪-85-‬‬
‫ِ‬
‫للعبادة ‪.‬‬ ‫[النحل‪ ،] 78 :‬وهو ك ُّله ُخلق‬
‫كل ٍ‬
‫كائن مستقلٍ ؛ ال ُ‬
‫متكن‬ ‫مجلة ِمن اخلاليا‪ ،‬وفِ ِّ‬
‫كل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خلية ويف ِّ‬ ‫فاحلكمة فِ ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫اإلحاطة بِا‪.‬‬
‫املقاصد كام أرشنا ِ‬
‫إليه‪:‬ﱫ ﯕ ﯖ ﯗ‬ ‫ِ‬ ‫حرص‬
‫ُ‬ ‫يمكن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فكذلك فِ عالَ األم ِر ال‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﱪ [يوسف‪.]76 :‬‬
‫بلور إىل حدٍّ ما مع اجلويني‬ ‫ِ‬
‫الثالثة فقد َت َ‬ ‫ِ‬
‫للمقاصد‬ ‫ُ‬
‫تصنيف األصوليني‬ ‫أما‬
‫ُ‬
‫الثالثة‪ ،‬الرضوري واحلاجي‬ ‫رد الشَّيع َة إىل مقاصد كربى هي املقاصدُ‬ ‫ُ‬
‫حيث َّ‬
‫تقاسيم العلل واألصول ُ‬
‫حيث قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مبحث‬ ‫والتحسيني يف‬
‫جلر ذلك رضور ًة ظاهرة‪ ،‬فمستند البيع‬
‫الناس لو مل يتبادلوا ما بأيدهيم َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫فإن‬
‫إ ًذا ٌ‬
‫آيل إىل الرضورة الراجعة إىل النوع واجلملة؛ ثم قد متهد يف الرشيعة أن‬
‫األصول إذا ثبتت قواعدها‪ ،‬فال نظر إىل طلب حتقيق معناها يف آحاد النوع‪،‬‬‫ُ‬

‫وهذا رضب من الرضوب اخلمسة‪.‬‬


‫والرضب الثاين‪ :‬ما يتعلق باحلاجة العامة‪ ،‬وال ينتهي إىل حد الرضورة‪ ،‬وهذا‬
‫مثل تصحيح اإلجارة؛ فإهنا مبنية عىل مسيس احلاجة إىل املساكن مع القصور‬
‫ٍ‬
‫بالغة‬ ‫عن متلكها‪ِ ،‬‬
‫وض َّنة مالكها هبا عىل سبيل العار َّية؛ فهذه حاجة ظاهرة غري‬
‫مبلغ الرضورة املفروضة يف البيع وغريه‪ ،‬ولكن حاجة اجلنس قد تبلغ مبلغ‬
‫رضورة الشخص الواحد‪ ،‬من حيث إن الكافة لو منعوا عام تظهر احلاجة فيه‬
‫رضار ال حمالة‪ ،‬تبلغ مبلغ الرضورة يف حق الواحد‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫للجنس؛ لنال آحاد اجلنس‬
‫الراجع إىل اجلنس ما ينال اآلحاد بالنسبة إىل‬
‫وقد يزيد أثر ذلك يف الرضر َّ‬
‫‪-86-‬‬
‫اجلنس‪ ،‬وهذا يتعلق َبأحكام اإليالة‪ ،‬والذي ذكرناه مقدار غرضنا اآلن(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫واجلملة‪ .‬والثانِ‬ ‫النوع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الراجعة إلَ‬ ‫ِ‬
‫الرضورة‬ ‫أشار إىل النوع األول بأ َّنه‪ٌ :‬‬
‫آئل إىل‬
‫التحسيني فلم يمنحه هنا لق ًبا‬
‫ُّ‬ ‫وهو‬ ‫ُ‬
‫الثالث َ‬ ‫العامة‪ .‬أما‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫باحلاجة‬ ‫بأ َّنه‪ :‬ما يتع َّل ُق‬
‫ُ‬
‫الثالث‪ :‬ما ال يتعلق برضورة حاقة‪ ،‬وال حاجة عامة‪،‬‬ ‫«والرضب‬
‫ُ‬ ‫بل قال عنه‪:‬‬
‫ُ‬
‫وجيوز أن يلتحق‬ ‫ِ‬
‫جلب مكرمة أو يف نفي نقيض هلا‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫غرض يف‬ ‫لوح فيه‬
‫ولك َّنه َي ُ‬
‫هبذا اجلنس طهارة احلدث وإزالة اخلبث»(‪.)2‬‬
‫خارجا عن دائرة هذه املقاصد حيث يقول‪ :‬والرضب‬
‫ً‬ ‫وجعل التعبدي املحض‬
‫اخلامس متضمنه العبادات البدنية التي ال يلوح فيها معنى خمصوص ال من‬
‫مآخذ الرضورات وال من مسالك احلاجات وال من مدارك املحاسن(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫مسالك الع َّلة‪ ،‬يف حماولة‬ ‫ِ‬
‫املناسب يف‬ ‫ضمن‬
‫َ‬ ‫واألصوليون يذكرون هذه املقاصدَ‬
‫ِ‬
‫لتصنيف األحكا ِم حسب أمهيتها الرشعية‪ ،‬ورتبتها يف سلم الرشيعة‪ ،‬ووزهنا يف‬
‫ميزان املصالح واملفاسد‪ ،‬حيث يقع املقصد الرضوري الذي ُيسمى باملناسب‬
‫املناسب احلاجي‪ ،‬ثم املقصد‬
‫ُ‬ ‫الرضوري يف مقدمتِها‪ ،‬ثم املقصد احلاجي وهو‬
‫التحسيني‪.‬‬
‫اجلوامع‬
‫ِ‬ ‫مجع‬
‫كالسبكي يف ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫التصنيف‬ ‫ِ‬
‫الفقه عىل هذا‬ ‫ِ‬
‫أصول‬ ‫وأكثر املؤلفنيَ يف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫السعود عىل ذلك حيث يقول‪:‬‬ ‫نظم ِ‬
‫مراقي‬ ‫واقترص يف ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ورشوحه‪،‬‬
‫ِم ْن ُه رضو ِر ُّي َوجا َتتِ َّم ْه‬ ‫َاس ُب َعن َْي ُت ِ‬
‫احل ْك َم ْه‬ ‫ثم ا ُملن ِ‬
‫َّ‬
‫‪ -1‬اجلويني‪ ،‬الربهان ‪ ،923/2‬حتقيق عبدالعظيم الديب‪ ،‬دار األنصار القاهرة‪.‬‬
‫‪ -2‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.924‬‬
‫‪ -3‬نفس املرجع ‪.958/2‬‬

‫‪-87-‬‬
‫الرواج‬ ‫َو َقدِّ ِم ال َق َّ‬
‫وي يف َّ‬ ‫لح ِ‬
‫ـاجي‬ ‫َب ْي ُنهمَ َما َي ْنت َِمي لِ َ‬
‫ام حو َله‬
‫وح َ‬
‫الشاطبي َ‬
‫ُّ‬ ‫أن املَنحى الذي َ‬
‫سلك ُه‬ ‫أن َن َ‬
‫ذكر َّ‬ ‫ِ‬
‫ناسب ْ‬‫يكون من ا ُمل‬
‫ُ‬ ‫إال أ َّنه قدْ‬
‫إح َك َ‬
‫ام‬ ‫قبل‪ -‬كان َم ْنحى َثر ًيا َ‬
‫أبرز ْ‬ ‫ُّ‬
‫والقرايف ‪-‬من ُ‬ ‫والعز بن عبد السالم‬
‫ُّ‬ ‫الغزا ُّيل‬
‫وانضباط منظومتِها وشمولَا وانسجا َمها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ووضوح ِح َك ِمها‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة‬ ‫أحكا ِم‬
‫ِ‬
‫والقصد الثانِ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األول‬ ‫ِ‬
‫القصد‬ ‫ٍ‬
‫وتابعة وإىل‬ ‫ٍ‬
‫أصلية‬ ‫ففرع املقاصدَ إلَ‬
‫َّ‬
‫وأطال الشاطبي رمحه اهلل تعاىل الن َف َ‬
‫س يف تأصيلِ املقاصد الثالثة وبيان َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫أصول الرشيعة بالنسبة هلذه املقاصد ُتعترب جزئي ًة لقوة هذه املقاصد وشموهلا‬
‫واستعالئها وهيمنتها إذ ليس فوقها ُّ‬
‫كيل تنتهي إليه لك َّنه َيستدرك يف هناية‬
‫معا‬
‫عرضه للعالقة بني الكليات احلاكمة واجلزئيات إىل رضورة اعتبار االثنني ً‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫الثالث ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املراتب‬ ‫ِ‬
‫املحافظة عىل‬ ‫ِ‬
‫قصد‬ ‫ُ‬
‫الرشيعة عىل‬ ‫ِ‬
‫انبنت‬ ‫املسألة األوىل‪ :‬لـمَّ‬
‫ِ‬
‫أبواب‬ ‫وكانت هذه الوجو ُه مبثوث ًة فِ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫والتحسينات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واحلاجيات‬ ‫ِ‬
‫الرضوريات‬
‫ِ‬
‫الرشيعة وأدلتها‪ ،‬غري خمتصة بمحل دون حمل‪ ،‬وال بباب دون باب‪ ،‬وال بقاعدة‬
‫دون قاعدة؛ كان النظر الرشعي فيها ً‬
‫أيضا عا ًما ال خيتص بجزئية دون أخرى؛‬
‫إضافيا أم‬
‫ًّ‬ ‫جزئيا‬
‫ًّ‬ ‫ألهنا كليات تقيض عىل كل جزئي حتتها‪ ،‬وسواء علينا أكان‬
‫حقيقيا؛ إذ ليس فوق هذه الكليات ٌّ‬
‫كيل تنتهي إليه‪ ،‬بل هي أصول الرشيعة‪،‬‬ ‫ًّ‬
‫يفتقر إىل إثباهتا بقياس أو غريه؛ فهي‬
‫َ‬ ‫بعضها ح َّتى‬ ‫وقد َّمتت؛ فال ُّ‬
‫يصح أن يفقدَ ُ‬
‫ألن َ‬
‫اهلل تعاىل قال‪:‬ﱫ ﭻ ﭼ‬ ‫وخصوصا؛ َّ‬
‫ً‬ ‫الكافية يف مصالح اخللق عمو ًما‬
‫ﭽ ﭾ ﱪ [املائدة‪ ،]3 :‬وقال‪:‬ﱫ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱪ [األنعام‪،]38 :‬‬
‫‪-88-‬‬
‫اجل َّاد ِة»(‪ .)1‬وقوله‪« :‬ال ْيَ ِل ُك َعىل اهللِ إال َهالِ ُك»(‪.)2‬‬
‫ويف احلديث‪َ « :‬ت َرك ُت ُك ْم َعىل َ‬

‫ونحو ذلك من األدلة الدالة عىل متام األمر وإيضاح السبيل‪.‬‬


‫ِ‬
‫املناسب‬ ‫ِ‬
‫خالل‬ ‫الثالثة ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‬ ‫عن‬ ‫أما الطويف ‪-‬عاز ًيا للني ِّ‬
‫يل‪ -‬فقد حتدث ِ‬
‫فضيا إىل ما‬
‫إثبات احلكم عقيبه ُم ًّ‬
‫ُ‬ ‫«املناسب ما كان‬
‫ُ‬ ‫مبينًا تفاوهتا حيث قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫والزيادة‬ ‫ِ‬
‫األنفس‬ ‫ِ‬
‫فكبقاء‬ ‫ُ‬
‫املعاش‬ ‫ِ‬
‫املعاش أو فِ املعاد‪َّ .‬أما‬ ‫ِ‬
‫العقالء فِ‬ ‫نظر‬
‫ُيوافق َ‬
‫رفع العقاب‪.‬‬
‫أو ِ‬ ‫ِ‬
‫الثواب ْ‬ ‫وأما يف املعاد فكتحصيلِ‬ ‫فِ ِ‬
‫املال‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫للمصلحة‪ ،‬وتار ًة تكميلً هلا‪ ،‬وتارة مديمً هلا ‪ .‬إىل‬ ‫ُ‬
‫يكون حتصيلً‬ ‫احلكم تار ًة‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫نظر يف األحكام‪.‬‬ ‫أن قال‪ :‬وهي ظاهر ٌة ْ‬
‫ملن ُله ٌ‬
‫ِ‬
‫احلاجات‪،‬‬ ‫حمل‬ ‫ِ‬
‫الرضورات‪ ،‬وإىل ما هو يف ِّ‬ ‫ينقسم إىل ما هو ُّ‬
‫حمل‬ ‫ُ‬ ‫املناسب‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الرتتيب يف‬ ‫وإىل ما هو يف ِّ‬
‫حمل التتامت والتكميالت‪ ،‬وهي يف مراتبها عىل هذا‬
‫ثم الثالث‪.‬‬
‫ثم الثاين َّ‬ ‫ُ‬
‫األول َّ‬ ‫ِ‬
‫التعارض؛ يقدَّ ُم‬ ‫التقديم عندَ‬
‫ِ‬

‫ألن املصلح َة‬ ‫ِ‬


‫والبابان واحدٌ ؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫املرسلة‪،‬‬ ‫املصالح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أقسامه عندَ ذك ِر‬ ‫وقد سبقَ ُ‬
‫بيان‬
‫متضمن للمصلحة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫واملناسب‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املناسب‪،‬‬ ‫ُ‬
‫مضمون‬
‫رضورية‪ ،‬ونفق َة‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫النفس‬ ‫أن نفق َة‬ ‫ٍ‬
‫وصف واحد‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫أقسامه الثالثة يف‬ ‫اجتامع‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ومثال‬
‫تتم ٌة وتكملة‪ ،‬وهلذا ُقدِّ م ُ‬
‫بعضها عىل بعض‬ ‫ِ‬
‫األقارب َّ‬ ‫حاجية‪ ،‬ونفق َة‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الزوجات‬
‫سقطت‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫القريب‪ ،‬ح َّتى‬ ‫الزوجة علَ ِ‬
‫نفقة‬ ‫ِ‬ ‫وتأكدت ُ‬
‫نفقة‬ ‫عىل الرتتيب املذكور‪َّ ،‬‬
‫الزمان‪ ،‬دون نفقتِها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫بميض‬ ‫نفق ُته‬

‫‪ -1‬ذكره ابن األثري يف جامع األصول ‪.293/1‬‬


‫‪ -2‬أخرجه مسلم يف الصحيح‪ :‬كتاب اإليامن رقم ‪.131‬‬

‫‪-89-‬‬
‫والقو ِة‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫واخلفاء‬ ‫ِ‬
‫اجلالء‬ ‫ٌ‬
‫متفاوتة يف‬ ‫ِ‬
‫املناسب‬ ‫مراتب‬
‫َ‬ ‫التنبيه عىل َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫وقدْ سبقَ‬
‫ِ‬
‫مناسبات األحكا ِم‬ ‫ظاهر ملَن َ‬
‫نظر فِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫وعدمه‪ ،‬وذلك‬ ‫ِ‬
‫القبول‬ ‫ِ‬
‫ورسعة‬ ‫ِ‬
‫والضعف‬
‫ِ‬
‫لعللها‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل أعلم»(‪.)1‬‬
‫أن حفظ ا ُمل ِ‬
‫هجة‬ ‫ويوضح الشاطبي تفاوت مرتب املقاصد بقوله‪ :‬وبيان ذلك َّ‬
‫فح ِّرمت النجاسات ً‬
‫حفظا للمروءات‪،‬‬ ‫مهم ُّ‬
‫كيل وحفظ املروءات مستحسن؛ ُ‬ ‫ُّ‬
‫وإجرا ًء ألهلها عىل حماسن العادات‪ ،‬فإن دعت الضَّورة إىل إحياء املهجة‬
‫بتناول النجس؛ كان تناوله أوىل‪.‬‬
‫وكذلك أصل البيع رضوري‪ ،‬ومنع َ‬
‫الغ َرر واجلهالة مكمل‪ ،‬فلو اشرتط نفي‬
‫ْحسم باب البيع وكذلك اإلجارة رضورية أو حاجية‪ ،‬واشرتاط‬
‫الغرر مجلة ال ن َ‬
‫حضور العوضني يف املعاوضات من باب التكميالت‪ ،‬وملا كان ذلك ممكنًا‬
‫الس َلم‪ ،‬وذلك يف‬
‫يف بيع األعيان من غري عرس؛ منع من بيع املعدوم إال يف َّ‬
‫باب املعاملة هبا‪،‬‬
‫اإلجارات ممتنع؛ فاشرتاط وجود املنافع فيها وحضورها يسدُّ َ‬
‫واإلجارة حمتاج إليها؛ فجازت(‪.)2‬‬

‫ ‬

‫‪ -1‬الطويف‪ ،‬رشح خمترص الروضة ‪ ،385-382/3‬حتقيق عبداهلل الرتكي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬


‫‪ -2‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.26 /2‬‬

‫‪-90-‬‬
‫المقاصد الكبرى‬

‫حرص فيها‪ُّ ،‬‬


‫فكل‬ ‫ٍ‬ ‫عاء‬
‫إد ُ‬‫واملقاصدُ الكربى والتي سامها بعضهم العالية ال ُيمكن ِ‬

‫يقرتح مقصدً ا بنا ًء عىل ما فهمه ‪.‬‬


‫ُ‬ ‫عامل ٍ‬
‫ُ‬
‫وعمل احلق‪:‬‬ ‫تعليم احلقِّ‬
‫ُ‬ ‫مقصود الرشع‪:‬‬
‫ُ‬ ‫كقول ابن رشد‪:‬‬
‫وينبغي أن تعلم أن مقصود الرشع إنام هو تعليم العلم احلق والعمل احلق‪.‬‬
‫والعلم احلق هو معرفة اهلل تبارك وتعاىل وسائر املوجودات عىل ما هي عليه‪،‬‬
‫وبخاصة الرشيفة منها‪ ،‬ومعرفة السعادة األخروية والشقاء األخروي‪.‬‬
‫والعمل احلق هو امتثال األفعال التي تفيد السعادة‪ ،‬وجتنب األفعال التي تفيد‬
‫الشقاء‪ .‬واملعرفة هبذه األفعال هي التي تسمى العلم العميل‪.‬‬
‫وهذه األفعال تنقسم قسمني‪:‬‬

‫‪-91-‬‬
‫أحدمها‪ :‬أفعال ظاهرة بدنية‪ ،‬والعلم هبذه هو الذي يسمى الفقه‪.‬‬
‫والقسم الثاين‪ :‬أفعال نفسانية‪ ،‬مثل الشكر والصرب‪ ،‬وغري ذلك من األخالق‬
‫التي دعا إليها الرشع أو هنى عنها‪ .‬والعلم هبذه هو الذي يسمى الزهد وعلوم‬
‫اآلخرة‪ .‬وإىل هذا نحا أبو حامد يف كتابه‪.‬‬
‫وملا كان الناس قد ارضبوا عن هذا اجلنس وخاضوا يف اجلنس الثاين‪ ،‬وكان‬
‫هذا اجلنس املك بالتقوى التي هي سبب السعادة‪ ،‬سمى كتابه «إحياء علوم‬
‫الدين»(‪.)1‬‬
‫يل اهللِ الدهلوي‪ :‬فاملقصود هو حتصيل صفة اإلحسان‪ ،‬عىل وجه ال‬
‫وقول و ِّ‬
‫ُيفىض إىل إمهال االرتفاقات الالزمة‪ ،‬وال إىل َغ ِ‬
‫مط حق من احلقوق‪.‬‬
‫ِ‬
‫التعميق يف الدين‪.‬‬ ‫باب‬
‫الترشيع أن ُيسدَّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلليلة يف‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‬ ‫فمن‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫الشاطبي بقوله‪ :‬املسألة‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫االستخالف يف األرض الذي رشحه‬ ‫وهناك مقصدُ‬
‫الثانية‪ :‬قصد الشارع من املكلف أن يكون قصدُ ه يف العمل مواف ًقا لقصده يف‬
‫من َو ْض ِع الش ِ‬
‫َّيعة؛ إذ قد مر أهنا موضوعة‬ ‫الترشيع‪ ،‬والدليل عىل ذلك ظاهر ْ‬
‫واملطلوب من املكلف أن جيري عىل‬
‫ُ‬ ‫ملصالح العباد عىل اإلطالق والعموم‪،‬‬
‫َّ‬
‫وألن املكلف ُخلق‬ ‫الشارع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫خالف ما قصد‬ ‫ذلك يف أفعاله‪ ،‬وأن ال َيقصد‬
‫لعبادة اهلل‪ ،‬وذلك راجع إىل العمل عىل وفق القصد يف وضع الرشيعة ‪-‬هذا‬
‫حمصول العبادة‪ -‬فينال بذلك اجلزاء يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ً‬
‫وأيضا فقد مر أن قصد الشارع املحافظة عىل الرضوريات وما رجع إليها من‬

‫‪ -1‬ابن رشد‪ ،‬فصل املقال‪ :‬ص‪ ،115‬حتقيق حممد عابد اجلابري‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬

‫‪-92-‬‬
‫احلاجيات والتحسينيات‪ ،‬وهو عني ما كلف به العبد؛ فال ُبد أن يكون مطلو ًبا‬
‫بالقصد إىل ذلك‪ ،‬و إال مل يكن عاملً عىل املحافظة؛ ألن األعامل بالنيات‪،‬‬
‫وحقيقة ذلك أن يكون خليفة اهلل يف إقامة هذه املصالح بحسب طاقته ومقدار‬
‫وسعه‪ُّ ،‬‬
‫وأقل ذلك خالفته عىل نفسه‪ ،‬ثم عىل أهله‪ ،‬ثم عىل كل من تعلقت له‬
‫ٌ‬
‫مسؤول‬ ‫به مصلحة‪ ،‬ولذلك قال عليه الصالة والسالم‪ُ »:‬ك ُّلكم را ٍع وك ُّلكم‬
‫عن َر ِع َّيته»‪.‬‬
‫ويف القرآن الكريم‪:‬ﱫ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙﱪ‬
‫[احلديد‪.]7 :‬‬
‫وإليهيرجعقولهتعاىل‪:‬ﱫﭕﭖﭗﭘﭙﭚﱪ [البقرة‪،]30:‬وقولهﱫﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﱪ [األعراف‪ ،]129 :‬ﱫﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖﱪ [األنعام‪.]165 :‬‬
‫ُ‬
‫والرجل را ٍع‬ ‫ري را ٍع‬
‫واخلالفة عامة وخاصة حسبام فرسها احلديث قال‪« :‬األم ُ‬
‫ٌ‬
‫مسؤول‬ ‫فك ّلكم را ٍع وكلكم‬ ‫ِ‬
‫وولده؛ ُ‬ ‫راعية عىل ِ‬
‫بيت ِ‬
‫زوجها‬ ‫ٌ‬ ‫عىل أهلِ ِ‬
‫بيته واملرأ ُة‬
‫عن ِ‬
‫رع َّيته»‪.‬‬
‫وإنام أيت بأمثلة تبني أن احلكم كيل عام غري خمتص؛ فال يتخلف عنه فرد من‬
‫أفراد الوالية‪ ،‬عامة كانت أو خاصة‪ ،‬فإذا كان كذلك؛ فاملطلوب منه أن يكون‬
‫مقام من استخلفه‪ ،‬يُري أحكامه ومقاصدَ ه جما ِرهيا وهذا ب ِّيـن‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قائمً َ‬
‫بعضهم‪ ،‬وهي‬ ‫ِ‬
‫عبارة ِ‬ ‫ُ‬
‫ووسائل الوسائلِ علَ حدِّ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‬ ‫وهناك مقاصدُ‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.23/3‬‬

‫‪-93-‬‬
‫ٌ‬
‫عبارة مل يفرسها‪.‬‬
‫أتصو ُره َّ‬
‫أن املقصدَ األدنى خيدم املقصد األعىل ويرمى إىل حتقيقه‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫والذي‬
‫كتحريم املزابنة والغرر‪ ،‬فهو مقصد يف البيوع يرمى إىل حتقيق مقصد أعىل‬
‫هو العدل‪.‬‬
‫ِ‬
‫اجلمعة‪ ،‬وترك البيع‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫ٌ‬
‫وسيلة حلضو ِر‬ ‫السعي‬
‫َ‬ ‫فإن‬ ‫ُ‬
‫وسائل الوسائلِ ‪َّ :‬‬ ‫أما‬
‫وسيلة لتحصيل السعي‪.‬‬
‫حكم‬
‫ِ‬ ‫بأكثر ِمن دليلٍ يف‬
‫َ‬ ‫قطعية ٍ‬
‫ثابتة‬ ‫ٍ‬ ‫نقرر وجو َد مقاصدَ ك َ‬
‫ربى‬ ‫فيمكن ْ‬
‫أن ِّ‬ ‫ُ‬ ‫وهلذا‬
‫كل ٍ‬
‫باب‬ ‫تنترش فِ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عامة‬ ‫ِ‬
‫كثبوت العللِ ‪ ،‬ومقاصدَ‬ ‫ٍ‬
‫ثانوية ثبوتُا‬ ‫التوا ُتر‪ ،‬ومقاصدَ‬
‫ختص با ًبا واحدً ا‪ ،‬أو طائف ًة من أحكا ِم‬ ‫ٍ‬
‫خاصة ُ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة‪ ،‬ومقاصدَ‬ ‫ِ‬
‫أبواب‬ ‫ِمن‬
‫ِ‬
‫أحد األبواب‪.‬‬
‫ِ‬
‫املعامالت‬ ‫مقصود فِ‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬ ‫ِ‬
‫واجلهالة ٌ‬ ‫فمنع الغر ِر‬
‫ومقاصد جزئية يف كل أمر وهني‪ُ ،‬‬
‫ابن‬
‫ذكر ُ‬ ‫ِ‬
‫منهيات البيع ‪ .‬وقد َ‬ ‫ِ‬
‫أحاديث‬ ‫ري ِمن‬ ‫ِ‬
‫استقراء كث ٍ‬ ‫البيوع ِمن‬
‫ِ‬ ‫وبخاصة يف‬
‫منهيا عنها بال َّنص يف كتابه «القبس رشح موطإ مالك‬ ‫يب سبع ًة وثالثنيَ ً‬
‫بيعا ًّ‬ ‫العر ِّ‬
‫بن أنس»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫بحديث‪« :‬أينقص‬ ‫ِ‬
‫عليه‬ ‫ِ‬
‫املدلول‬ ‫بيع الثام ِر‬ ‫ِ‬
‫املزابنة فِ ِ‬ ‫ملنع‬
‫الشارع ِ‬
‫ِ‬ ‫أما قصدُ‬
‫ِ‬
‫املكيالت‬ ‫بطائفة ِمن املسائلِ ‪ ،‬أغل ُبها يف‬
‫ٍ‬ ‫خاص‬
‫ٌّ‬ ‫الرطب إذا يبس؟»(‪ ،)2‬فهو‬
‫واملوزونات‪.‬‬

‫‪ -1‬القبس ‪.792/2‬‬
‫‪ -2‬سبق خترجيه‪.‬‬

‫‪-94-‬‬
‫يتنزل منزل َة‬ ‫ِ‬
‫واجلهالة َّ‬ ‫من الغر ِر‬
‫قسم َ‬ ‫ِ‬
‫بجنسه‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ِ‬
‫احليوان‬ ‫بيع‬
‫وقد تكون يف ِ‬
‫أن‬ ‫اجلزئي ِمن الكلِّ كذلك‪ ،‬والنهي عن بيع حبل احلبلة هو مقصد جزئي؛ إ َّ‬
‫ال َّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫واملعاملة‬ ‫أساس التعاملِ‬
‫َ‬ ‫الناس‪ِ ،‬‬
‫الذي يم ِّثل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العدل بنيَ‬ ‫هو ُ‬
‫إقامة‬ ‫املقصدَ األعىل َ‬
‫احلكم‪،‬ﱫ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﱪ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلياة ونظا ِم‬ ‫ِ‬
‫وللعقود ولنظا ِم‬ ‫ِ‬
‫للسلوك‬
‫[النحل‪ ،]90 :‬ﱫ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﱪ [النساء‪،]58 :‬‬
‫ﱫﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﱪ‬
‫[املائدة‪.]8 :‬‬
‫كل ٍ‬
‫جمال ما ِّ‬
‫يوضحه‪ ،‬ففي املعامالت‪:‬ﱫ ﮔ ﮕ ﮖ ﱪ‬ ‫ويظهر فِ ِّ‬
‫ُ‬
‫[الرمحن‪ ،]9 :‬وهو العدل‪:‬ﱫ ﰋ ﰌ ﰍ ﱪ [الشعراء‪.]182 :‬‬
‫وتسلسلها وترا ُتبها يف س َّلم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد وترا ُب ُطها وتضامنُها‬ ‫وهبذا ي ِّتضح توالدُ‬
‫َ‬
‫وهناك‬ ‫واألخص‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫اخلاص‬
‫ِّ‬ ‫العام واألعم وبني‬
‫ِّ‬ ‫تتدر ُج بنيَ‬ ‫ِ‬
‫واخلصوص‪َّ ،‬‬ ‫العمو ِم‬
‫ِ‬
‫املقاصد ومقاصدُ الوسائل‪.‬‬ ‫ً‬
‫أيضا مقاصدُ‬
‫قد يكون من املناسب أن نضيف هنا قضيتني هلام تأثريمها يف تصنيف املقاصد‬
‫الترشيعية املنتجة ومها‪:‬‬
‫أولً‪ :‬معيار االنتامء إىل املقصد الرضوري‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬تذبذب االنتامء لبعض القضايا بينه وبني احلاجي‪.‬‬
‫أولً‪ :‬معيار االنتامء املقصد الرضوري‪ ،‬لقد اضطربت أقوال العلامء يف هذه‬
‫املسألة فأحيانا يعللون الكليات اخلمس بأن الشارع وضع هلا احلدود وأحيانا‬

‫‪-95-‬‬
‫يعللوهنا بكوهنا علمت من الدين بالرضورة كام أشار إليه الشوكاين‪.‬‬
‫وهنا تدخل الواجبات واجلائزات واملنهيات التي علمت من الدين رضورة‪.‬‬
‫وأحيانا ألهنا رضورة ملصالح العباد وانتظام املجتمع كام أشار إليه الطويف‬
‫وغريه‪.‬‬
‫وهو رضوري لقوة املصلحة املستجلبة كام يشري العز بن عبدالسالم‪ :‬طلب‬
‫الرشع لتحصيل أعىل الطاعات كطلبه لتحصيل أدناها يف احلد واحلقيقة كام أن‬
‫طلبه لدفع أعظم املعايص كطلبه لدفع أدناها إذ ال تفاوت بني طلب وطلب‪،‬‬
‫وإنام التفاوت بني املطلوبات من جلب املصالح ودرء املفاسد»(‪.)1‬‬
‫وهذا جيعل األمر غري حمصور واملجال غري مغلق أمام ما قد يظهر أنه رضورة‬
‫حاقة يضطر الناس إليها مما جعل بعض املقاصديني املعارصين يضيفون احلرية‬
‫واملساواة وغريمها‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬تذبذب االنتامء لبعض القضايا بني الرضوري واحلاجي‪.‬‬
‫لقد نشأ عن هذا االضطراب يف حرص وحتديد الرضورات ثالثة أمور أوهلا‪:‬‬
‫اختالفهم يف موقع بعض القضايا هل هي من باب الرضورات أو احلاجات‬
‫كالبيع واإلجارة والنكاح وهذه النصوص جتىل ذلك فالسبكي يف «مجع‬
‫اجلوامع» يقول إن البيع من احلاجي‪ ،‬وكذلك الفهري يرى أن البيع حاجي إال‬
‫أنه انتهى إىل أن رشعية أصل البيع من الرضوريات فإنه ال يمكن بقاء احلياة‬
‫بدون األقوات يف الغالب وال يتوصل إليه إال باملعاوضات واختار األبياري‬

‫‪ -1‬العز ابن عبد السالم القواعد ‪.23/1‬‬

‫‪-96-‬‬
‫أن اإلجارة والبيع من قبيل الرضوريات وقال إمام احلرمني البيع رضوري‬
‫بخالف اإلجارة وجعل الفهري النكاح من احلاجيات وظاهر كالم األبياري‬
‫أنه من الرضوريات ألنه رشع لتحصني النفوس(‪.)1‬‬
‫واستشكل العبادي يف «اآليات البـينات» جعل حفظ املال من الرضوري‬
‫والبيع من احلاجي مع أن رضورية املال إنام هي لتوقف البنية عليه وحينئذ فأي‬
‫فرق بني املال الذي يف يده واملال الذي يراد حتصيله بالبيع ومل كان حفظ األول‬
‫رضور ًيا دون الثاين مع التوقف عىل كل منهام»‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫كذلك اختلفوا يف صون العرض من الوقيعة فيه هل من الرضوري أو‬


‫احلاجي‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬إحداثهم للتتمة وهي امللحق بكل مقصد ليكون يف مرتبته برشط‬
‫أن ال يبطله‪.‬‬
‫ولكل من املراتب الثالث الرضوري واحلاجي والتحسيني ملحق يلحق به‬
‫يف رتبته والتكملة هلا رشط وهو أن ال يعود اعتبارها عىل األصل باإلبطال كام‬
‫أفاده يف نرش البنود(‪.)3‬‬
‫ومثل األبياري ملكمل احلاجي بنفي الغرر قائال‪ :‬إنه تكملة هلا ملا يتوقع من‬
‫خصام ونزاع ونفي مجيع الغرر يضيق أبواب املعامالت وحيسم جهات‬
‫املعاوضات والتكميالت إنام تراعى إذا مل يفض اعتبارها إىل إبطال املهامت‬

‫‪ -1‬حلولو‪ ،‬الضياء الالمع ‪ ،33/4‬الطبعة احلجرية‪.‬‬


‫‪ -2‬راجع كالمه يف نرش البنود ‪.179/2‬‬
‫‪ -3‬سيد عبداهلل‪ ،‬نرش البنود ‪.180/2‬‬

‫‪-97-‬‬
‫فإن أفىض إىل ذلك وجب اإلعراض عن التتمة حتصيال لألمر املهم فوجب‬
‫املساحمة يف األغرار التي ال انفكاك عنها مع يسارة ما يفوت‪ ،‬وبني اليسري‬
‫والكثري فروع جتاذب العلامء النظر فيها فمن مائل إىل جانب العفو ومن مائل‬
‫إىل جانب املنع(‪.)1‬‬
‫قلت‪ :‬ونفي الغرر يدخل فيام سامه اإلمام الطاهر بالوضوح‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬اعرتاف بعضهم بعدم انحصار الرضوري وتداخل املقاصد قال‬
‫يف نرش البنود‪ :‬قد يكون احلاجي يف األصل رضور ًيا كاإلجارة لرتبية الطفل‬
‫وهبذا يعلم عدم انحصار الرضوري يف املذكورات(‪.)2‬‬
‫ويف النهاية فأنا أرى ‪-‬واهلل سبحانه وتعاىل أعلم وأحكم‪ -‬أن الكيل الرضوري‬
‫أو احلاجي ال ينبغي حرصمها بالعد اكتفاء بتسويرها باحلد وهو حد ال يضع‬
‫حاجزا لقبـ ًيا وإنام يضع عالمات تؤرش إىل وزن املصلحة ووزن الدليل وحالة‬
‫ً‬
‫املجتمع وظروفه ليكون التواصل بني منظومتي الرضوري واحلاجي منسا ًبا‬
‫ليس باملعنى الذي قرره أبو املقاصد األستاذ أبو إسحاق الشاطبي وفطن له‬
‫وهو أن الرضوري ال يستغني عن احلاجي ألنه بمنزلة املكمل له فقد خيتل‬
‫الرضوري باختالل احلاجي وكذلك احلاجي مع التحسيني(‪.)3‬‬
‫‪ -1‬الضياء الالمع ‪ ،36/3‬الطبعة احلجرية‪.‬‬
‫‪ -2‬نرش البنود ‪.181/2‬‬
‫‪ -3‬قال الشاطبي‪ :‬إذا ثبت أن التحسيني خيدم احلاجي‪ ،‬وأن احلاجي خيدم الرضوري؛ فإن الضرَّ وري هو املطلوب‪.‬‬
‫فهذه مطالب مخسة ال بد من بياهنا‪:‬‬
‫الضوري أصل ملا سواه من احلاجي والتكمييل‪.‬‬ ‫أحدها‪ :‬أن رَّ‬
‫والثاين‪ :‬أن اختالل الرضوري يلزم منه اختالل الباقيني بإطالق‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أنه ال يلزم من اختالل الباقيني بإطالق اختالل الرضوري بإطالق‪.‬‬

‫‪-98-‬‬
‫فهي عنده كاللبنات املتساندة ولكن بمعنى آخر وهو أن مفردات الكيل احلاجي‬
‫ليست مستقرة يف أسفل السلم ولكنها توجد يف الكيل الرضوري متامهية مع‬
‫مضمونه ومفاهيمه لكن بعض مضامينها قد يصبح حاج ًيا طب ًقا مليزان املصلحة‬
‫ووزن الدليل‪.‬‬
‫فال غنى ألحدمها عن اآلخر فوضع احلدود عالمة والوعد والوعيد عالمة‬
‫وقوة املصلحة املستجلبة واملفسدة املستدفعة عالمة وقوة الدليل وكلها تتضامن‬
‫يف تشكيل صورة الرضوري وجتميع جزئياته‪.‬‬
‫وطب ًقا هلذا املفهوم اجلديد القديم فالبيع مثال هو رضوري حاجي فلو راجعنا‬
‫النصوص الرشعية لوجدنا أن البيوع املتعلقة بالطعام قد أحاطها الشارع بقيود‬
‫ورشوط من التقابض واإلعالن والرتويج ومنع االحتكار مل حيط به غريها كام‬
‫قرص املالكية منع البيع قبل القبض عىل الطعام دون غريه مما جعل خليال يف‬
‫التوضيح يقول إهنا تعبدية‪ ،‬والقرايف يقول لرشف الطعام‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بوجه ما‪.‬‬ ‫والرابع‪ :‬أنه قد يلزم من اختالل التحسيني بإطالق أو احلاجي بإطالق اختالل الرضوري‬
‫واخلامس‪ :‬أنه ينبغي املحافظة عىل احلاجي وعىل ال َّتحسيني للرضوري‪.‬‬
‫مبنية عىل املحافظة عىل األمور اخلمسة املذكورة فيام تقدَّ م‪ ،‬فإذا اعترب قيام هذا الوجود‬ ‫بيان األول َّ‬
‫أن مصالح الدِّ ين َّ‬
‫َّ‬
‫مبنيا عليها‪ ،‬حتى إذا انخرمت مل يبق للدُّ نيا وجود ‪-‬أعني‪ :‬ما هو خاص باملكلفني وال َّتكليف‪ -‬وكذلك‬ ‫الدُّ نيوي ًّ‬
‫األمور األخروية ال قيام هلا إال بذلك‪.‬‬
‫ُّب اجلزاء املرتجَ ى‪ ،‬ولو ُع ِد َم َ‬
‫املك َّلف ُلع ِد َم من َيتَدَّ ين‪ ،‬ولو ُعدم العقل الرتفع التد ُّين‪ ،‬ولو‬ ‫فلو ُعدم الدِّ ين عدم ترت ُ‬
‫ُعدم النَّسل مل يكن يف العادة بقاء‪ ،‬ولو ُعدم املال مل يبق عيش وأعني باملال ما= =يقع عليه امللك ويستبد به املالك‬
‫عن غريه إذا أخذه من وجهه‪ ،‬ويستوي يف ذلك املطعم والرشاب واللباس عىل اختالفها‪ ،‬وما يؤدي إليها من مجيع‬
‫زاد‬
‫وأنا ُ‬‫املتموالت؛ فلو ارتفع ذلك مل يكن بقاء‪ ،‬وهذا كله معلوم ال يرتاب فيه من عرف ترتيب أحوال الدنيا‪ ،‬هَّ‬
‫لآلخرة»()‪ .‬املوافقات ‪31/2‬‬
‫قلت‪ :‬وحتليل الشاطبي غري مسبوق دندن حوله القرايف يف النفائس والغزايل يف الشفاء ومل ينعام لوكه وتطرق إليه‬
‫الطويف يف املناسب دون استيفاء)‪.‬‬

‫‪-99-‬‬
‫فال يمكن واحلال هذه إال أن نقول إنه من باب الرضوري إذا قابلناه ببيع‬
‫أدوات التجميل والرتفيه التي تغزو أسواق اجلياع والتي هي يف أحسن‬
‫ً‬
‫جوازا وهو املقصد الذي يقع فيه منع بيع‬ ‫أحواهلا تقع يف املقصد التحسيني‬
‫النجاسات واجليف وغريها من حمرمات األعيان ماعدا اخلمر فإن منع بيعها‬
‫ملحق بمقصد العقل وهو رضوري سدًّ ا للذريعة «إن الذي حرم رشهبا حرم‬
‫بيعها» كام يف احلديث الصحيح‪.‬‬
‫وكذلك منع بيع الصنم سدا لذريعة العبادة فهو ملحق بحفظ الدين‪.‬‬
‫مقصورا عىل جهة احلفظ من االعتداء عليه‬
‫ً‬ ‫وبام تقدم ال يكون حفظ املال‬
‫مقصورا عىل منع االعتداء عىل البضع‬
‫ً‬ ‫بانتزاعه من يد مالكه وال حفظ النسب‬
‫ترجيحا ألحد شقي القاعدة‬
‫ً‬ ‫الذي هو من الرضوري بل يدخل فيه النكاح‬
‫التي ذكرها املقري وغريه ونظمها الزقاق بقوله‪:‬‬
‫إعـفـاف والـــد عـليـه يفقـه‬ ‫هل النكـاح قوت أو تفكـه‬
‫دعـوى وبتـة بعـتـق يفـرض‬ ‫تأمـــل األم وهل تبعــض‬
‫قال يف نرش البنود‪ :‬واختلف أهل مذهبنا هل النكاح من باب احلاجيات بناء‬
‫عىل أنه تفكه أو من الرضوري بناء عىل أنه من باب األقوات ووجه كونه من‬
‫الرضوري أنه رشع لتحصني النفوس»‪.‬‬
‫احتياجا شديدا‬
‫ً‬ ‫فالذي نختاره أن النكاح قد يكون يف مرتبة الرضوري ملحتاجه‬
‫وقد يكون يف مرتبة احلاجي للمحتاج الذي ال خياف العنت‪.‬‬
‫وتصري الوقيعة يف العرض يف مرتبة الرضوري إذا تعلق باألنساب وبعضه‬
‫‪-100-‬‬
‫ً‬
‫معرتضا عىل تسوية‬ ‫اآلخر يف مرتبة احلاجي وهو رأي لبعض األصوليني‬
‫السبكي للعرض باملال قائال‪ :‬إن حفظ العرض قد يكون صيانة لألنساب عن‬
‫تطرق الشك فيكون أعىل من املال ومنه ما هو دون ذلك‪.‬‬
‫فتتواصل املنظومتان دون تقيد باأللقاب بل بالنظر لرجحانية املصالح يف ضوء‬
‫الدليل والقرائن احلافة‪.‬‬
‫وقد انتبه األصوليون لذلك يف النفقة حيث قرروا أن الوصف الواحد قد يكون‬
‫رضور ًيا حاج ًيا لكن بنسب وإضافات كالنفقة فإهنا عىل النفس رضورية وعىل‬
‫الزوجة حاجية كام البن حلولو‪ ،‬وأضاف الطويف وعىل األقارب تتمة‪.‬‬

‫خالصة القول‪ :‬إن العالقة بني منظومات املقاصد الثالثة ال ينبغي أن تكون‬
‫تكاملية كام وصل إليه الشاطبي وكام رسمه ابن حلولو يف الضياء الالمع‬
‫بقوله‪ :‬واعلم أن احلاجيات والتحسينيات كالتتمة للرضوريات والتحسينات‬
‫كاملكملة للحاجيات فإن الرضوريات هي أصول املصالح وكل تكملة فلها‬
‫من حيث هي تكملة رشط وهي أن ال يعود اعتبارها عىل األصل باإلبطال فإنه‬
‫متى عادت عليه باالعتبار سقط االعتبار(‪.)1‬‬
‫بل الذي نقوله هو أن العالقة اندماجية ونتفق مع أستاذ املقاصد الرشيف‬
‫أمحد الريسوين يف َّ‬
‫أن أصل هذا احلرص اجتهادي وبالتايل فهو مفتوح لإلضافة‬
‫مع االعرتاف مع األستاذ أيب إسحاق يف قواعده أن الكليات اخلمس‪ :‬الدين‬

‫‪ -1‬ابن حلولو‪ ،‬حاشية عىل نرش البنود ‪ ،35/3‬الطبعة احلجرية‪.‬‬

‫‪-101-‬‬
‫والنفس والعقل والنسل واملال(‪ ،)1‬هي أصل املصالح وهلذا فستظل العناوين‬
‫الرئيسية َّ‬
‫ألن كل املقاصد األخرى سواء كانت من مقاصد الشارع أو مقاصد‬
‫املكلفني غري منافية هلا ستبقى راجعة إليها إما بالتبع أو األيلولة‪ ،‬فمجمل‬
‫الكبائر وكبريات الفضائل سواء كانت مرجعيتها الفر َد أو موضوعها اجلامع َة‬
‫ال بد ْ‬
‫أن تالحظ هذه الكليات بشكل من األشكال أو رضب من الرضوب‪،‬‬
‫وإن كانت كلمة «حفظ» التي أطلقها األولون عنوا ًنا للمقصد تشري إىل نوع‬
‫من احلرص فلو أزيلت ليكون املقصد مثال‪ :‬الدين والنفس واملال‪ ..‬إىل آخره‬
‫لزال االعرتاض وحصل املطلوب‪.‬‬
‫وعىل كل حال فمن أراد أن يتعرف إىل املقاصد يف كل جزئية فام عليه إال أن‬
‫يرجع إىل ميزان النصوص ورضورات الناس وحاجاهتم ليثبت املرتبة‪.‬‬

‫ ‬

‫‪ -1‬هذا احلرص اعرتض عليه فيلسوف اإلسالم املعارص طه عبدالرمحن بقوله‪ :‬غري أن هذا احلرص ُيعرتض عليه من‬
‫جهتني‪ :‬من جهة جعل املصالح مخسة أجناس‪ ،‬ومن جهة اختصاص املصالح الرضورية هبذه األجناس اخلمسة‪.‬‬
‫ال يمكن التسليم بانحصار الرضوريات يف مخسة أجناس‪ ،‬ألن ذلك خيل بالرشوط املنطقية واملنهجية املطلوبة يف‬
‫التقسيم‪ ،‬فال يستويف رشط متام احلرص‪ ،‬إذ ال يمنع من دخول عنارص أخرى فيه‪ ،‬فقد أدخل بعضهم «العرض»‬
‫و»العدل»‪ ،‬وال يقوم برشط التباين‪ ،‬فالعنرص الواحد من هذه العنارص ليس مباين ًا ملا عداه من العنارص األخرى‪،‬‬
‫مثل حفظ النفس وحفظ العقل؛ كام ال يستويف رشط التخصيص‪ ،‬فليس كل عنرص من هذه العنارص أخص من‬
‫األصل املحصور الذي هو الرشيعة‪ ،‬فالدين الذي اعترب عنرصا هو كذلك مساو للرشيعة‪(.‬جتديد املنهج يف تقويم‬
‫الرتاث ص‪)111‬‬

‫‪-102-‬‬
‫املشهد اخلامس‬

‫استنباط المقاصد واستخراجها‬

‫احلكم َّ‬
‫بأن مقصد الشارع من أمر أو هني‬ ‫ِ‬ ‫يتوص ُل هبا إلَ‬ ‫ونعنِي ِ‬
‫به الكيفي َة ال ِّتي َّ‬
‫أو أي خطاب فيه إخبار أو فعل املعصوم أو تقريره‪.‬‬
‫الشاطبي منها ألربع جهات‪ ،‬حيث قال‪« :‬يف الضابط الذي به‬
‫ُّ‬ ‫تعرض‬
‫وقد َّ‬
‫يعرف مقصدَ الشارع؛ فنقول‪ ،‬وباهلل التوفيق‪ :‬إنه ُيعرف من جهات‪:‬‬
‫معلوم أ َّنه إ َّنام َ‬
‫كان‬ ‫ٌ‬ ‫األمر‬
‫َ‬ ‫فإن‬ ‫االبتدائي الترص ِ‬
‫حي ِّي‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫والنهي‬
‫ِ‬ ‫جمرد األم ِر‬
‫إحداها‪ُ :‬‬
‫مقصود للشارع‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫وجود األم ِر بِه‬ ‫فوقوع الفعلِ عندَ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الفعل؛‬ ‫أمرا القتضائِه‬
‫ً‬
‫وكذلك النهي معلوم أنه مقتض لنفي الفعل أو الكف عنه؛ فعدم وقوعه‬
‫ٌ‬
‫خمالف‬ ‫مقصود له‪ ،‬وإيقاعه خمالف ملقصوده‪ ،‬كام َّ‬
‫أن عدم إيقاع املأمور به‬ ‫ٌ‬
‫ملقصوده‪.‬‬
‫‪-103-‬‬
‫والنهي ِمن غ ِ‬
‫ري نظ ٍر إلَ ع َّل ٍة‪ ،‬وملَن‬ ‫ِ‬ ‫عام ملَن اعت َ‬
‫رب جمر َد األم ِر‬ ‫ظاهر ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫وجه‬
‫فهذا ٌ‬
‫واملصالح‪ ،‬وهو األصل الرشعي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫العلل‬ ‫رب‬
‫اعت َ‬
‫حتر ًزا من األمر أو النهي الذي ُقصد به غريه ؛ كقوله‬
‫وإنام قيدَّ باالبتدائي ُّ‬
‫البيع‬
‫ِ‬ ‫عن‬
‫النهي ْ‬
‫َ‬ ‫تعاىل‪:‬ﱫ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﱪ [اجلمعة‪َّ ،]9:‬‬
‫فإن‬
‫ِ‬
‫بالقصد‬ ‫ِ‬
‫املقصود‬ ‫النهي‬
‫ِ‬ ‫بالسعي؛ فهو ِمن‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫مبتدأ‪ ،‬بل هو تأكيدٌ لألم ِر‬ ‫ليس هن ًيا‬
‫َ‬
‫األول‪ ،‬كام هني عن الربا والزِّ نى مثلً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالقصد َّ‬ ‫عنه‬
‫منهيا ُ‬
‫ليس ًّ‬
‫فالبيع َ‬
‫ٌ‬ ‫الثانِ‪،‬‬
‫ِ‬
‫قصد‬ ‫هم‬ ‫هذا؛ ِ‬
‫ففي َف ِ‬ ‫االشتغال بِه‪ ،‬و َما شأ ُنه َ‬
‫ِ‬ ‫عي عندَ‬
‫الس ِ‬ ‫ْ‬
‫بل ألجلِ تعطيلِ َّ‬
‫ِ‬
‫املرتمجة بالصالة‬ ‫ِ‬
‫املسألة‬ ‫واختالف‪ ،‬منشؤُ ه ِمن أصلِ‬
‫ٌ‬ ‫نظر‬ ‫الشارع ِمن َّ‬
‫جمرده ٌ‬ ‫ِ‬
‫يف الدار املغصوبة‪.‬‬
‫بمرصح بِه؛‬
‫َّ‬ ‫ليس‬ ‫حتر ًزا ِمن األم ِر أ ِو ال َّنهي الضمنِي ِ‬
‫الذي َ‬ ‫وإنام َّقيد بالترص ِ‬
‫حي ِّي ُّ‬
‫النهي‬
‫ُ‬ ‫تضمنَه‬
‫الذي َّ‬ ‫األمر‪ ،‬واألم ِر ِ‬
‫ُ‬ ‫تضمنه‬
‫الذي َّ‬ ‫به ِ‬
‫أضداد املأمو ِر ِ‬
‫ِ‬ ‫عن‬
‫كال َّنهي ْ‬
‫ِ‬
‫بالقصد‬ ‫ِ‬
‫بالقصد الثانِ ال‬ ‫فهام‬ ‫إن َ‬
‫قيل هبام؛ ُ‬ ‫واألمر ها ُهنا ْ‬
‫َ‬ ‫هي‬
‫فإن ال َّن َ‬ ‫ِ‬
‫اليشء‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫عن‬
‫املرص ِح بِه ‪ْ .‬‬
‫فإن‬ ‫َّ‬ ‫النهي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التأكيد لألم ِر أ ِو‬ ‫األول؛ إ ْذ جمرامها عندَ القائلِ هبمَ َ‬
‫جمرى‬ ‫َّ‬
‫املأمور إ َّ‬
‫ال‬ ‫ُ‬ ‫يتم‬
‫األمر بام ال ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وكذلك‬ ‫ِ‬
‫القصد ‪.‬‬ ‫أوضح فِ عد ِم‬
‫ُ‬ ‫فاألمر‬
‫ُ‬ ‫في؛‬ ‫ِق َ‬
‫يل بال َّن ِ‬
‫هي فِ َ‬
‫هذا‬ ‫ُ‬
‫فداللة األم ِر وال َّن ِ‬ ‫املذكور يف مسألة «ما ال يتم الواجب إال به»؛‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫به‬
‫األمر‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ولذلك ُق ِّيد‬ ‫نحن ِفيه‪،‬‬
‫متنازع ِفيه‪َ ،‬فليس داخلً فيام ُ‬
‫ٌ‬ ‫الشارع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مقصود‬ ‫عىل‬
‫والنهي بالترص ِ‬
‫حيي‪.‬‬ ‫ُ‬
‫عن َ‬
‫هذا‬ ‫أمر هبذا الفعل؟ وملاذا نَى ْ‬
‫والنهي‪ ،‬وملاذا َ‬
‫ِ‬ ‫والثانية‪ :‬اعتبار عللِ األم ِر‬
‫َ‬
‫اآلخر؟‬
‫‪-104-‬‬
‫وجدت‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫فحيث‬ ‫تكون معلوم ًة أو ال‪ :‬فإن كانت معلوم ًة اتُّبعت‪،‬‬
‫َ‬ ‫والع َّلة َّإما ْ‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫ملصلحة التناسلِ ‪،‬‬ ‫كالنكاح‬
‫ِ‬ ‫القصد أو ِ‬
‫عدمه؛‬ ‫ِ‬ ‫والنهي ِمن‬
‫ِ‬ ‫وجد مقتىض األم ِر‬
‫ِ‬
‫ملصلحة االزدجا ِر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واحلدود‬ ‫باملعقود ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫االنتفاع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملصلحة‬ ‫والبيع‬
‫ِ‬
‫لم َّ‬
‫أن‬ ‫نت ُع َ‬
‫تعي ْ‬ ‫ِ‬
‫الفقه‪ ،‬فإ َذا َّ‬ ‫ِ‬
‫أصول‬ ‫ِ‬
‫املعلومة يف‬ ‫العلة هنا بمسالِكها‬
‫ُ‬ ‫و ُت ُ‬
‫عرف‬
‫التسبب أو‬
‫ُّ‬ ‫أو ِ‬
‫عدمه‪ ،‬ومن‬ ‫العلل ِمن الفعلِ ْ‬
‫ُ‬ ‫الشارع ما اقتض ْته َ‬
‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫مقصو َد‬
‫الشارع أ َّنه‬
‫ِ‬ ‫القطع علَ‬
‫ِ‬ ‫معلومة؛ فال بدَّ ِمن التو ُّقف ِ‬
‫عن‬ ‫ٍ‬ ‫ري‬
‫كانت غ َ‬
‫ْ‬ ‫وإن‬ ‫ِ‬
‫عدمه‪ْ ،‬‬
‫من النظ ِر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وجهان َ‬ ‫َ‬
‫التوقف هنَا ُله‬ ‫ال َّ‬
‫أن‬ ‫كذا َ‬
‫وكذا؛ إ َّ‬ ‫قصدَ َ‬
‫ِ‬
‫السبب املعيَّ؛‬ ‫احلكم املعيَّ أو‬
‫ِ‬ ‫ذلك‬ ‫املنصوص ِ‬
‫عليه فِ َ‬ ‫ُ‬ ‫أحدمها‪ْ :‬‬
‫أن ال يتعدَّ ى‬
‫ٌ‬
‫وضالل عىل غ ِ‬
‫ري سبيلٍ ‪ ،‬وال‬ ‫حتك ٌم من غ ِ‬
‫ري دليل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالعلة ُّ‬ ‫َّ‬
‫ألن التعدِّ ي مع اجلهلِ‬
‫الشارع‬
‫َ‬ ‫نعلم َّ‬
‫أن‬ ‫ونحن ال ُ‬
‫ُ‬ ‫عمرو‪،‬‬ ‫احلكم علَ ٍ‬
‫زيد بمَ ُوضع حكمً علَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫يصح‬
‫ُّ‬
‫َ‬
‫يكون ُحكمً‬ ‫أن َ‬
‫ال‬ ‫أمكن ْ‬
‫َ‬ ‫نعلم َ‬
‫ذلك‬ ‫أو َ‬
‫ال؛ أل َّنا إ َذا ْمل ْ‬ ‫زيد ْ‬ ‫احلكم ِ‬
‫به علَ ٍ‬ ‫َ‬ ‫قصدَ‬
‫الشارع؛ فالتو ُّق ُف هنَا لعد ِم الدَّ ليل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خمالفة‬ ‫ُ‬
‫فنكون قد أقدمنَا عىل‬ ‫عليه‪،‬‬
‫رشعا ْ‬
‫أن ال ُيتعدَّ ى هبا حمالُّا ح َّتى‬ ‫ِ‬
‫املوضوعة ً‬ ‫َ‬
‫األصل فَ األحكا ِم‬ ‫والثاين‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫عدم نصبِه دليلً عىل التعدِّ ي ٌ‬
‫دليل‬ ‫ألن َ‬ ‫َ‬
‫لذلك ال َّتعدي؛ َّ‬ ‫الشارع‬
‫ِ‬ ‫ُي َ‬
‫عرف قصدُ‬
‫ووضع‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫عليه دليلً‬ ‫لنصب‬
‫َ‬ ‫متعد ًيا‬
‫الشارع ِّ‬
‫ِ‬ ‫عىل عد ِم التعدِّ ي؛ إ ْذ لو كان عندَ‬
‫فلم توجدْ ُله‬
‫حمل احلكم؛ ْ‬ ‫ٌ‬
‫معروفة‪ ،‬وقد ُخبِ هبا ُّ‬ ‫ِ‬
‫العلة‬ ‫ُ‬
‫ومسالك‬ ‫ً‬
‫مسلكا‪،‬‬ ‫ُله‬
‫ري‬ ‫املنصوص ِ‬
‫عليه غ ُ‬ ‫ِ‬ ‫فصح َّ‬
‫أن التعدِّ َي لغ ِ‬
‫ري‬ ‫َّ‬ ‫مسلك ِمن املسالِك؛‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫علة يشهدُ هلا‬
‫للشارع‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مقصود‬
‫ف ِمن‬
‫األو َل يقتضِ التو َّق َ‬
‫أن َّ‬ ‫ِ‬
‫املوضع؛ إ َّ‬
‫ال َّ‬ ‫مها م َّت ِج ٌه يف‬ ‫ِ‬
‫املسلكان كال ُ‬ ‫ِ‬
‫فهذان‬
‫‪-105-‬‬
‫مراد؛ فيب َقى‬ ‫َ‬
‫إمكان أ َّنه ٌ‬ ‫هذا‬ ‫ري ٍ‬
‫مراد‪ ،‬ويقتضِ َ‬ ‫َ‬
‫املفروض غ ُ‬ ‫ري جز ٍم َّ‬
‫بأن ال َّتعدِّ َي‬ ‫غ ِ‬
‫ويمكن ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫الشارع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫يكون مقصو َد‬ ‫يمكن ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫الناظر باح ًثا ح َّتى جيدَ خم َل ًصا؛ إ ْذ‬
‫ُ‬
‫مراد؛ فينبنِي ِ‬
‫عليه‬ ‫ري ٍ‬ ‫ِ‬
‫القضية بأ َّنه غ ُ‬ ‫جزم‬ ‫َ‬
‫يكون مقصو ًدا له‪ ،‬والثاين يقتضِ َ‬ ‫َ‬
‫ال‬
‫ٍ‬
‫مقصود َله‪ ،‬إ ْذ لو‬ ‫ري‬ ‫وحيكم ِ‬
‫به علمً أو ظنًا بأنه غ ُ‬ ‫ُ‬ ‫نفي ال َّتعدِّ ي من غري تو ُّق ٍ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مقصود‪ْ ،‬‬
‫فإن‬ ‫دل علَ أ َّنه غ ُ‬
‫ري‬ ‫لنصب ِ‬
‫عليه دليلً‪ ،‬وملّا ْمل نجدْ َ‬
‫ذلك َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كان مقصو ًدا‬
‫احلكم‪ ،‬ثم‬
‫ِ‬ ‫جيزم القضي َة يف‬ ‫ِ‬
‫كاملجتهد ُ‬ ‫رجع ِ‬
‫إليه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املعتقد َ‬ ‫َ‬
‫خالف‬ ‫أ َتى ما ِّ‬
‫يوضح‬
‫ُ‬
‫ينسخ جز َمه إىل خالفه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫يطلع بعدُ عىل دليلٍ‬
‫واآلخر‬
‫َ‬ ‫ف‪،‬‬ ‫ألن أحدَ مها يقتضِ التو ُّق َ‬ ‫ِ‬
‫مسلكان متعارضان؛ َّ‬ ‫فإن َ‬
‫قيل‪ :‬فهام‬ ‫ْ‬
‫تدافعا أحكا َمهام؛ فال يب َقى إ َّ‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫اجتمعا‬
‫َ‬ ‫سواء‪ ،‬فإذا‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫يقتضيه‪ ،‬ومها فِ النظ ِر‬ ‫ال‬
‫معا؟‬
‫جهان ً‬ ‫َ‬
‫فكيف ي َّت َ‬ ‫التو ُّق ُف وحدَ ه؛‬
‫ُ‬
‫التوقف‬ ‫فيجب‬
‫ُ‬ ‫بعض املسائِل؛‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املجتهد فِ‬ ‫ِ‬
‫يتعارضان عندَ‬ ‫فاجلواب أنَّام قدْ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املجتهد علَ‬ ‫احلكم عندَ‬
‫ُ‬ ‫فيتفرع‬
‫َّ‬ ‫اآلخر‪،‬‬ ‫ني ْمل َّ‬
‫يرتجح أحدُ مها علَ َ‬ ‫ألنَّام كدليل ِ‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫ٍ‬
‫جمتهد‬ ‫ِ‬
‫بحسب جمتهدَ ين ْ‬
‫أو‬ ‫ِ‬
‫يتعارضان‬ ‫ِ‬
‫تعارض الدليلني‪ ،‬وقدْ ال‬ ‫ِ‬
‫مسألة‬
‫النفي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ومسلك‬ ‫ُ‬
‫مسلك التو ُّقف فِ مسألة‪،‬‬ ‫فيقوى عندَ ه‬
‫أو مسألتَني؛ َ‬ ‫فِ وقت ِ‬
‫ني ْ‬
‫ِ‬
‫اإلطالق‪.‬‬ ‫َ‬
‫تعارض علَ‬ ‫أخرى؛ فال‬ ‫ٍ‬
‫مسألة َ‬ ‫فِ‬
‫ِ‬
‫والعادات‪ ،‬وأ َّنه‬ ‫ِ‬
‫العبادات‬ ‫الشارع التفرق َة بنيَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مقصد‬ ‫وأيضا فقدْ علمنَا ِمن‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫االلتفات إلَ‬ ‫ُ‬
‫جهة‬ ‫ِ‬
‫العادات‬ ‫التعبد‪ ،‬ويف ِ‬
‫باب‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫جهة‬ ‫ِ‬
‫العبادات‬ ‫غلب فِ ِ‬
‫باب‬ ‫َ‬
‫ني ٌ‬
‫قليل‪.‬‬ ‫والعكس فِ الباب ِ‬
‫ُ‬ ‫املعانِ‪،‬‬
‫ِ‬
‫النظافة‬ ‫جمر ِد‬ ‫ِ‬
‫األحداث إلَ َّ‬ ‫ورفع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األنجاس‬ ‫ِ‬
‫إزالة‬ ‫ٌ‬
‫مالك يف‬ ‫يلتفت‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ولذلك ْمل‬
‫‪-106-‬‬
‫دون‬ ‫ُ‬
‫النظافة َ‬ ‫حصلت‬
‫ْ‬ ‫وإن‬ ‫ِ‬
‫األحداث الني َة‪ْ ،‬‬ ‫رفع‬ ‫َ‬
‫اشرتط املا َء املط َلق ويف ِ‬ ‫ح َّتى‬
‫إخراج الق َي ِم‬
‫ِ‬ ‫ومنع ِمن‬
‫َ‬ ‫والتسليم مقا َمهام‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ري التكب ِ‬
‫ري‬ ‫ِ‬
‫إقامة غ ِ‬ ‫وامتنع ِمن‬
‫َ‬ ‫ذلك‪.‬‬
‫ذلك ِمن املسائلِ ال ِّتي‬ ‫ِ‬
‫العدد يف الك َّفارات‪ .‬إىل غري َ‬ ‫واقترص عىل جمرد‬
‫َ‬ ‫فِ الزكاة‪،‬‬
‫أو ما ماث َله‪.‬‬ ‫املنصوص ِ‬
‫عليه ْ‬ ‫ِ‬ ‫االقتصار علَ ع ِ‬
‫ني‬ ‫َ‬ ‫تقتضِ‬
‫ِ‬
‫واالستحسان‬ ‫ِ‬
‫املرسلة‬ ‫املصالح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بقاعدة‬ ‫فقال فيها‬ ‫ِ‬
‫العادات املعنَى؛ َ‬ ‫وغ َّلب يف ِ‬
‫باب‬ ‫َ‬
‫الكالم يف هذا‬
‫ُ‬ ‫مر‬
‫يتبع ذلك‪ .‬وقد َّ‬
‫العلم» إىل ما ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫تسعة أعشا ِر‬ ‫الذي َ‬
‫قال فيه‪« :‬إ َّن ُه‬
‫ُ‬
‫والدليل عليه‪.‬‬
‫ِّ‬
‫متمك ٌن‬ ‫ِ‬
‫التوقف‬ ‫ُ‬
‫ومسلك‬ ‫ِّ‬
‫متمكن يف العبادات‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فمسلك النفي‬ ‫ثبت هذا‬
‫وإذا َ‬
‫يف العادات‪.‬‬
‫يشء فيج ِري‬
‫منه ٌ‬
‫ظهر ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العبادات‪ ،‬وقدْ‬ ‫أن ُت َر َاعى املعانِ يف ِ‬
‫باب‬ ‫يمكن ْ‬
‫ُ‬ ‫وقدْ‬
‫ظهر‬
‫باب العادات‪ ،‬وقد َ‬ ‫والتعبدات يف ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫طريقة «احلنفية» ‪.‬‬ ‫وهي‬ ‫ِ‬
‫الباقي عليه‪َ ،‬‬
‫ولكن العمد َة ما تقدم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫طريقة الظاهرية‪،‬‬ ‫وهي‬ ‫الباقي ِ‬
‫عليه‪َ ،‬‬ ‫يشء فيج ِرى ِ‬
‫منه ٌ‬‫ُ‬
‫وقاعدة النفي األصيل واالستصحاب راجعة إىل هذه القاعدة‪.‬‬
‫رشع األحكا ِم العاد َّية والعباد َّية مقاصدَ أصلي ًة‬
‫ِ‬ ‫واجله ُة الثالث ُة‪َّ :‬‬
‫أن للشارع يف‬
‫ومقاصدَ تابع ًة‪.‬‬
‫طلب‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ويليه‬ ‫األول‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القصد َّ‬ ‫مرشوع للتناسل عىل‬
‫ٌ‬ ‫فإنه‬
‫مثال ذلك النكاح؛ ُ‬
‫االستمتاع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألخروية؛ من‬ ‫ِ‬
‫الدنيوية‬ ‫املصالح‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫والتعاون عىل‬ ‫واالزدواج‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫السكن‪،‬‬
‫ِ‬
‫املرأة‪ ،‬أو‬ ‫والتجم ُل ِ‬
‫بامل‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫حماسن النِّساء‪،‬‬ ‫ىل ما خلقَ ُ‬
‫اهلل ِمن‬ ‫ِ‬
‫باحلالل‪ ،‬وبالنظ ِر إ َ‬
‫الوقوع فِ‬
‫ِ‬ ‫والتحفظ ِمن‬
‫ُ‬ ‫أو إخوتِه‪،‬‬
‫نها أو ِمن غريها ْ‬
‫أوالده ِم َ‬
‫ِ‬ ‫قيامها ِ‬
‫عليه وعلَ‬ ‫ُ‬
‫‪-107-‬‬
‫ِّعم ِمن‬ ‫ِ‬
‫بمزيد الن ِ‬ ‫واالزدياد ِمن الشك ِر‬
‫ُ‬ ‫الفرج ونظ ِر الع ِ‬
‫ني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شهوة‬ ‫املحظو ِر ِمن‬
‫اهللِ علِ العبد‪ ،‬وما أشب َه َ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫مشار‬
‫ٌ‬ ‫منصوص عليه أو‬
‫ٌ‬ ‫فمنه‬
‫النكاح‪ُ :‬‬
‫ِ‬ ‫رشع‬
‫ِ‬ ‫للشارع ِمن‬
‫ِ‬ ‫مقصود‬
‫ٌ‬ ‫فجميع َ‬
‫هذا‬ ‫ُ‬
‫أن‬ ‫َ‬
‫وذلك َّ‬ ‫ومسلك اس ُتقرىء ِمن َ‬
‫ذلك املنصوص؛‬ ‫ٍ‬ ‫إليه‪ ،‬ومنه ما ع ُلم بدليلٍ َ‬
‫آخر‬
‫ومقو حلكمتِه‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫لِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للمقصد األص ِّ‬ ‫التابع هو مثبِ ٌت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املقصد‬ ‫عليه من ِ‬
‫هذا‬ ‫ص ِ‬ ‫ما ُن َّ‬
‫ِ‬
‫والتعاطف‪،‬‬ ‫الرتاحم والتواصلِ‬
‫ِ‬ ‫ومستجلب لتوالِ‬
‫ٌ‬ ‫ومستودع لطلبِه وإدامتِه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫بذلك علَ َّ‬
‫أن‬ ‫التناسل؛ فاستدللنَا‬
‫ُ‬ ‫من‬
‫الشارع األصلِ َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حيصل بِه مقصدُ‬ ‫الذي‬
‫أيضا؛ كام ُر ِوي من فعلِ‬
‫للشارع ً‬
‫ِ‬ ‫مقصود‬
‫ٌ‬ ‫ذلك‬ ‫ِ‬
‫عليه ممَّا شأ ُنه َ‬ ‫كل َما ْمل َّ‬
‫ينص‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫لرشف ال َّنسب‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫طالب طل ًبا‬ ‫يل ِ‬
‫بن أبِ‬ ‫نكاح ِّأم كلثو ٍم ِ‬
‫بنت ع ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلطاب يف‬ ‫عمر ِ‬
‫بن‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املقاصد‬ ‫النكاح ملثلِ ِ‬
‫هذه‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫البيوتات‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ .‬فال َّ‬
‫شك َّ‬ ‫أرفع‬ ‫ِ‬
‫ومواصلة ِ‬
‫حسن‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫التسبب ُله‬
‫ُّ‬ ‫سائغٌ ‪َّ ،‬‬
‫وأن قصدَ‬
‫بإطالق‪ِ ،‬م ْن‬
‫ٍ‬ ‫الشارع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملقاصد‬ ‫مضاد ٌة‬
‫َّ‬ ‫هذه األمو ِر‬‫نواقض ِ‬
‫َ‬ ‫ي َّ‬
‫أن‬ ‫وعندَ َ‬
‫ذلك يتب َُّ‬
‫ملن‬ ‫ِ‬
‫واملوافقة‪ .‬كمَ إ َذا َ‬
‫نكحها ليح ّلها ْ‬ ‫ِ‬
‫والسكن‬ ‫ِ‬
‫املواصلة‬ ‫كان مآلُا إلَ ضدِّ‬ ‫حيث َ‬
‫ُ‬
‫الشارع‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املواصلة التي جعلها‬ ‫ِ‬
‫لقصد‬ ‫مضاد‬
‫ٌّ‬ ‫ِ‬
‫بمنعه‬ ‫ط َّلقها ثال ًثا؛ فإ َّنه عندَ القائلِ‬
‫ِ‬
‫بالطالق‪.‬‬ ‫منه املقاطع َة‬
‫املقصود ُ‬
‫ُ‬ ‫كان‬ ‫احلياة ِمن غ ِ‬
‫ري رشط؛ إ ْذ َ‬ ‫ِ‬ ‫انقطاع‬
‫ِ‬ ‫مستدام ًة إلَ‬
‫ِ‬
‫حمافظة‬ ‫نكاح علَ هذا السبيل‪ ،‬وهو أشدُّ يف ظهو ِر‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املتعة‪ ،‬وكل‬ ‫نكاح‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وكذلك‬
‫يكن ِ‬
‫فيه ذلك»(‪.)1‬‬ ‫حيث َهنى عمَّ ْمل ْ‬ ‫ِ‬
‫املواصلة‪ُ ،‬‬ ‫الشارع عىل دوا ِم‬
‫ِ‬
‫السكوت‬
‫ُ‬ ‫عرف ِ‬
‫به مقصدُ الشا ِرع‪:‬‬ ‫ُ‬
‫الرابعة ممَّا ُي ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلهة‬ ‫ثم ذكر جه ًة رابع ًة بقولِه‪:‬‬
‫َّ‬
‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.140-134/3‬‬

‫‪-108-‬‬
‫مع قيا ِم املعنَى املقتضِ َله‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رشعية العملِ َ‬ ‫التسبب‪ ،‬أو عن‬
‫ُّ‬ ‫رشع‬
‫عن ِ‬
‫احلكم علَ رض َبني‪:‬‬
‫ِ‬ ‫الشارع ِ‬
‫عن‬ ‫ِ‬ ‫سكوت‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫وبيان َ‬
‫ذلك َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ألجله؛‬ ‫يقدر‬
‫موجب ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫تقتضيه‪ ،‬وال‬ ‫يسكت عنه؛ أل َّنه ال داعي َة ُله‬
‫َ‬ ‫أحدمها‪ْ :‬‬
‫أن‬
‫سكت‬
‫َ‬ ‫؛ فإنَّا ْمل ْ‬
‫تكن موجود ًة َّ‬
‫ثم‬ ‫رسول اهللِ‬
‫ِ‬ ‫حدثت بعدَ‬
‫ْ‬ ‫كالنوازل التِي‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الرشيعة إلَ النظ ِر‬ ‫فاحتاج ُ‬
‫أهل‬ ‫َ‬ ‫حدثت بعدَ َ‬
‫ذلك؛‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫وجودها ‑ وإنام‬ ‫مع‬
‫عنها َ‬
‫راجع إلَ‬
‫ٌ‬ ‫الصالح‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫السلف‬ ‫كلياهتا ‪ .‬وما أحد َثه‬ ‫فيها وإجرائ ِها علَ ما َّ‬
‫تقرر فِ َّ‬
‫العلم‪ ،‬وتضم ِ‬
‫ني الص َّناع‪ ،‬وما أشبه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتدوين‬ ‫املصحف‪،‬‬
‫َ‬ ‫كجمع‬
‫ِ‬ ‫هذا القسم؛‬
‫نوازل زمانِه‪ ،‬وال‬
‫ِ‬ ‫تكن ِمن‬
‫‪ ،‬ومل ْ‬ ‫رسول اهللِ‬
‫ِ‬ ‫ذكر يف ِ‬
‫زمن‬ ‫َ‬
‫ذلك ممَّا ْمل جي ِر ُله ٌ‬
‫فروعه علَ أصولِه‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫جارية‬ ‫القسم‬
‫ُ‬ ‫موجب يقتضيها ‪ .‬فهذا‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫عرض للعملِ هبا‬
‫ِ‬
‫املذكورة‬ ‫ِ‬
‫اجلهات‬ ‫معروف ِمن‬
‫ٌ‬ ‫الرشعي فيها‬
‫ُّ‬ ‫رشعا بِال إشكال؛ فالقصدُ‬ ‫ِ‬
‫املقررة ً‬
‫ُ‬
‫قبل‪.‬‬
‫ِ‬
‫نزول‬ ‫حكم عندَ‬
‫ٌ‬ ‫وموجبه املقتضِ ُله قائِ ٌم؛ ْ‬
‫فلم يق ِرر فيه‬ ‫ُ‬ ‫عنه‬
‫يسكت ُ‬
‫َ‬ ‫والثاين‪ْ :‬‬
‫أن‬
‫كالنص‬
‫ِّ‬ ‫الرضب السكوت ِ‬
‫فيه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الزمان ‪ .‬فهذا‬ ‫كان يف َ‬
‫ذلك‬ ‫ِ‬
‫النازلة زائدٌ عىل ما َ‬
‫املوج ُب‬ ‫كان َ‬
‫هذا املعنَى ِ‬ ‫أن ال يزا َد ِ‬
‫فيه وال ين َقص؛ أل َّنه ملَّا َ‬ ‫الشارع ْ‬
‫ِ‬ ‫أن قصدَ‬‫علَ َّ‬
‫كان َ‬
‫ذلك رص ًحيا‬ ‫ثم ْمل يرشع احلكم دالل ًة عليه؛ َ‬
‫احلكم العملِ موجو ًدا َّ‬
‫ِ‬ ‫لرشع‬
‫ِ‬
‫هم‬ ‫ٌ‬
‫وخمالفة ملا قصدَ ه الشارع؛ إ ْذ ُف َ‬ ‫ٌ‬
‫بدعة زائد ٌة‪،‬‬ ‫كان هنالِك‬
‫أن الزائدَ علَ ما َ‬
‫يف َّ‬
‫ُ‬
‫النقصان منه»(‪.)1‬‬ ‫الوقوف عند ما ُحدَّ هنالك‪ ،‬ال الزياد ُة ِ‬
‫عليه وال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫قصده‬ ‫ِمن‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.157/3‬‬

‫‪-109-‬‬
‫بدعة الرتك‬
‫قلت‪ :‬إن هذه املسألة ‪-‬التي يمكن أن تسمى «ببدعة الرتك» ومعناها فعل أمر‬
‫يف حمل ترك من قبل الشارع‪ -‬من أدق األمور التي وقع فيها االلتباس واختلف‬
‫فيها بل اختصم فيها الناس‪.‬‬
‫فنقول‪:‬‬
‫أولً‪ :‬إن مسألة الرتك تشبه أن تكون من املسائل االجتهادية التي ختتلف فيها‬
‫أنظار العلامء فريتب بعضهم عليها حكم الكراهة أو التحريم حسب األدلة‬
‫التي يسوقها جلانب ترك الفعل‪ ،‬بينام ال يعتربها البعض اآلخر دليلً إال عىل‬
‫ً‬
‫معروضا‬ ‫جمرد رفع احلرج وعدم لزوم ذلك الفعل املرتوك‪ ،‬فيكون املرتوك‬
‫عىل عموم األدلة األخرى التي تدل عىل إباحته أو استحبابه أو كراهته وقد‬
‫تدل عىل وجوبه عند قيام مصلحة راجحة أو شمول دليل الوجوب له أو عىل‬
‫التحريم لنشوء مفسدة واضحة‪.‬‬
‫وهكذا قسم هذا الفريق البدعة إىل مخسة أقسام وقال هؤالء‪ :‬إن الرتك وحده‬
‫تقريرا‬
‫ً‬ ‫ليس دليلً عىل حتريم وال عىل كراهة ألنه ليس قولً وال فعال وال‬
‫والشارع يقول‪« :‬وما هنيتكم عنه فانتهوا»‪ .‬ومل يقل‪ :‬وما تركت‪.‬‬
‫ونقلوا يف ذلك عن الشافعي رمحه اهلل تعاىل قوله‪ :‬كل ماله مستند من الرشع‬
‫فليس ببدعة ولو مل يعمل به السلف‪.‬‬
‫ولكن الشافعية أصلوا تلك املقولة وانضم إليهم متأخرو املالكية كالقرايف يف‬
‫تقسيمه البدعة إىل مخسة أقسام وذلك يف الفرق الثاين واخلمسني واملائتني « بني‬
‫‪-110-‬‬
‫قاعدة ما حيرم من البدع وينهى عنه وبني قاعدة ما ال ينهى عنه منها»‪:‬‬
‫وحاصل ما ذهب إليه القرايف من انقسام البدعة إىل قبيحة وحسنة والقبيحة إىل‬
‫حرام أو إىل مكروه تنز ًهيا‪ ،‬واحلسنة إىل واجبة ومندوبة ومباحة‪.‬‬
‫ووافقه حمشيه ابن الشاط عليه وحممد الزرقاين وجرى عليه عمل أصحاب‬
‫مالك املتأخرين كالزقاق وغريه‪ .‬وإليه ذهب اإلمام النووي واإلمام ابن‬
‫عبدالسالم شيخ القرايف وغري واحد من أصحاب الشافعي مبنية عىل ثالثة‬
‫أمور أيضا األول‪ :‬أن البدعة حقيقة فيام مل يفعل يف الصدر األول حسنًا أو‬
‫قبيحا كان له أصل من أصول الرشع أم ال‪ .‬الثاين‪ :‬أن مجيع ما ورد يف البدع من‬
‫ً‬
‫‪ :‬كل بدعة ضاللة‪ ،‬عام خمصوص‪ .‬األمر الثالث‪ :‬التسوية بني‬ ‫نحو قوله‬
‫العاديات والعبادات يف حلوق البدع وعىل هذه األسس قسموا البدعة‪.‬‬
‫فالبدعة تدخل يف العادات كاملكوس التي أحدثها احلكام بعد الصدر األول‬
‫واجلور يف احلكم من القضاة فاملذموم ما خالف الرشع سواء كان يف العاديات‬
‫أو العبادات واستهول هؤالء أن يكون الوعيد عىل البدعة إال يف منهي عنه‬
‫وأصحابه‪ ،‬إنه إتباع‬ ‫وليس يف مسكوت عنه ثم ما هو األمر الذي كان عليه‬
‫يف األقوال واألفعال وليس جمرد أمتناع عن فعل‪.‬‬
‫وليكون املرء من الفرقة الناجية عليه أن ينظر إىل أوصافهم يف القرآن‬
‫الكريمﱫ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬

‫‪-111-‬‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﱪ [الفتح‪.]29 :‬‬
‫ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﱪ [التوبة‪.]112 :‬‬
‫وهلذا قال النووي إن هذه الفرقة موزعة يف طوائف املجتمع ألن كل من اتصف‬
‫فهو من هذه الفرقة فمنهم جتار‬ ‫بصفة من الصفات احلميدة ألصحاب النبي‬
‫صادقون منفقون ومنهم علامء ومنهم جماهدون‪.‬‬
‫ومقتىض ما يفهم من كالم الشاطبي ترص ًحيا وتلو ًحيا أن ترك الشارع لفعل يشء‬
‫من القربات أو لكيفية من الكيفيات أو مقدار من املقادير دليل عىل قصده عدم‬
‫إبتداعا يف الرشع‬
‫ً‬ ‫األتيان بذلك الفعل وإن إقدام املكلف يف حمل الرتك يعترب‬
‫وقد كرر ذلك يف املوافقات وزاده بيا ًنا وأعلنه إعال ًنا يف كتابه “االعتصام”‬
‫حيث حتدث عن معاناته مع أهل زمانه يف إلزامهم له باخلروج عن اجلامعة‬
‫عندما رفض الدعاء عقب الصالة مجاعة وإلتزامه بام يعتقده السنة يف عدم لزوم‬
‫الدعاء يف اخلطبة لإلئمة إىل غري ذلك من مسائل الرتك التي بنى عليها مذهبه‬
‫يف تعريف البدعة وهو يف هذا خمالف لبعض علامء عرصه الذين ال يرون يف‬
‫الرتك دليلً عىل الكراهة والتحريم‪.‬‬
‫ومن أبرز من اختلف مع الشاطبي شيخه أبوسعيد بن لب الذي ألف كتا ًبا‬
‫يف الرد عليه يف مسألة الدعاء مجاعة عقب الصلوات ملا بلغته فتوى الشاطبي‬

‫‪-112-‬‬
‫إنكارا شديدً ا ونسب بذلك لإلمام أنه من القائلني أن الدعاء‬
‫ً‬ ‫فأنكر ترك الدعاء‬
‫ال ينفع وال يفيد‪ .‬ومل يأل أن يقيد يف ذلك تألي ًفا سامه “لسان األذكار والدعوات‬
‫حججا كثرية عىل صحة ما الناس عليه مجلتها‬
‫ً‬ ‫مما رشع أدبار الصلوات” ضمنه‬
‫أن غاية ما يستند إليه املنكر أن التزام الدعاء عىل الوجه املعهود إن صح أنه‬
‫مل يكن من عمل السلف فالرتك ليس بموجب للحكم يف املرتوك إال جواز‬
‫الرتك وانتفاء احلرج فيه خاصة وأما حتريم أو كراهة فال وال سيام فيام له أصل‬
‫مجيل كالدعاء فإن صح أن السلف مل يعملوا به فقد عمل السلف بام مل يعمل‬
‫به من قبلهم مما هو خري كجمع املصحف ثم نقطه وشكله ثم نقط اآلي ثم‬
‫اخلواتم والفواتح وحتزيب القرآن والقراءة يف املصحف يف املسجد وتسميع‬
‫املؤذن تكبري اإلمام وحتصري املسجد عوض التحصيب وتعليق الثريات ونقش‬
‫الدنانري والدراهم بكتاب اهلل وأسامئه‪.‬‬
‫وقال عمر بن عبدالعزيز‪ :‬حتدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور‪.‬‬
‫وكذا حيدث هلم ترغيبات بقدر ما أحدثوا من الفتور‪.‬‬
‫وجاء‪ :‬آفة العبادة الفرتة ‪ ،‬ويف القرآنﱫ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱﱪ [املائدة‪.]2 :‬‬
‫قلت‪ :‬هذا جزء من كالم ابن لب‪ ،‬ويضاف إيل ذلك حماريب املساجد واملآذن‬
‫فقد احدثت واتفق الناس عىل جوازها بعد أن اختلفوا يف ابتدائها‪.‬‬
‫وكذلك تقليد العامل امليت واشرتاء كتب الفقه وبيعها أمور اختلف فيها ابتداء‬
‫وأمجع عىل جوازها انتهاء قال يف املراقي‪:‬‬
‫بيع طروس الفقه اآلن قد ُنفي‬ ‫واخللف يف تقليد من مات ويف‬
‫‪-113-‬‬
‫وكذلك كتابة األحاديث النبوية وإفرادها بالتأليف فام حدث كان يف هناية‬
‫القرن األول وبداية الثاين بأمر عمر بن عبدالعزيز ومل تكن إال صحف يسرية‬
‫كصحيفة عبداهلل بن عمرو‪ ،‬وكذلك جتريد املسائل الفقهية كان من حمدثات‬
‫القرن الثاين وأمجع عليه فيام بعد‪.‬‬
‫وما أشار إليه أبو سعيد ابن لب َّ‬
‫بأن السلف عمل بعضهم بام مل يعمل به من‬
‫‪-‬حمتجا به عىل اجلواز‪ -‬ذكره شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ولكنه اعتربه‬
‫ً‬ ‫قبلهم‬
‫رضب ًا من البدع‪ ،‬وكون بعض السلف عمل به ال ينفي عنه صفة البدعة‪ ،‬وذلك‬
‫بقوله‪ :‬وكثري من جمتهدى السلف واخللف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ومل‬
‫يعلموا أنه بدعة؛ إما ألحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة‪ ،‬وإما آليات فهموا‬
‫منها ما مل يرد منها‪ ،‬وإما لرأي رأوه‪ ،‬ويف املسألة نصوص مل تبلغهم‪.‬‬
‫وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل يف قوله‪ :‬ﱫ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﱪ‬
‫[التغابن‪ ، ]16 :‬ويف الصحيح َّ‬
‫أن اللَّ قال‪« :‬قد فعلت» وبسط هذا له موضع‬
‫آخر(‪.)1‬‬
‫أما ابن عرفة فأجاب عن مسألة الدعاء مجاعة بقوله‪ :‬احلمد هلل حاصل السؤال‪:‬‬
‫ما حكم الدعاء عىل اهليئة املعهودة يف هذه األمصار عقب صالة الفرض‪ ،‬وقد‬
‫كان سألني عنها بعض الواردين علينا من مدينة سال منذ نحو من عرشة أعوام‪،‬‬
‫واجلواب‪:‬‬
‫أن إيقاعه إن كان عىل نية أنه من سنن الصالة أو فضائلها فهو غري جائز‪ ،‬وإن‬

‫‪ -1‬جمموع الفتاوى ‪. 191/19‬‬

‫‪-114-‬‬
‫كان مع السالمة من ذلك فهو باق عىل حكم أصل الدعاء‪ ،‬والدعاء عبادة‬
‫نصا‬
‫رشعية فضلها من الرشيعة معلوم عظمه‪ ،‬وال أعرف فيها يف املذهب ً‬
‫إال أنه وقع يف العتبية يف كتاب الصالة كراهة مالك الدعاء بعد الصالة قائمً‪،‬‬
‫جالسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فمفهومه عدم كراهته‬
‫ويف العتبية ً‬
‫أيضا كراهة مالك الدعاء عقب القرآن‪.‬‬
‫ولكن األظهر عندي جوازه‪ ،‬وقد وردت بذلك أحاديث من املصنفات كسنن‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫النسائي وغريه ال خيلو بعضها من كون سنده‬
‫وأما البدع فقد تكلم الناس عليها من متقدم أومتأخر كالقرايف وعز الدين‬
‫وقسموها إىل أقسام‪.‬‬
‫واحلاصل إسنادها إىل ما شهد الرشع بإلغائه أو اعتباره أو ما ليس بواحد منهام‪:‬‬
‫فاألول‪ :‬واجب تركه وإنكاره‪ .‬والثاين‪ :‬معترب اتفا ًقا‪ .‬ويف الثالث‪ :‬خالف‬
‫مشهور وجمال النظر يف جزئيات املسائل طويل‪ .‬واهلل أعلم بالصواب(‪.)1‬‬
‫وقد وقع خالف يف القرن التاسع بني احلافظ السخاوي واإلمام البقاعي‬
‫الشافعي حول النداء الذي كان يفعل يف احلرم الرشيف وامتد إىل مرص قبل‬
‫صالة الفجر يادائم املعروف فأنكره األخري ورد عليه األول برسالة عنواهنا‬
‫«القول املعروف يف الرد عىل منكر املعروف» ولكل أدلة وقل أن تعرو فرتة من‬
‫نزاع حول مسألة من قبيل بدع الرتك‪.‬‬

‫‪ -1‬رشج السجلاميس عىل املنهج ويراجع رشج املنجور عىل املنهج وذلك عند قول الزقاق‪:‬‬
‫وما عليه قد أقر سنـه واملحــدثــات بدعـة لكنـه‬
‫جتب إن شملها أدلته كالكتب والضد بدت أمثلته‬

‫‪-115-‬‬
‫موضوعا غري حمسوم خيتلف العلامء يف مغزاه ويف مداه باإلضافة‬
‫ً‬ ‫ويبقى الرتك‬
‫إىل العمومات التي يدعمون هبا موقفهم حسب االجتاه الذي يتوجه صوبه‬
‫واحلنفية عىل كراهية صالة‬
‫ّ‬ ‫املالكية‬
‫ّ‬ ‫الفقيه فهذا ابن حزم يف املحىل ذكر احتجاج‬
‫ركعتني قبل املغرب بقول إبراهيم النخعي أن أبا بكر وعمر وعثامن كانوا ال‬
‫يصلوﻬﻧما ورد عليهم بقوله‪ :‬لوصح ملا كانت فيه حجة‪،‬ألنه ليس فيه أﻬﻧم ريض‬
‫اهلل عنهم ﻬﻧوا عنهام‪.‬‬
‫وقال ً‬
‫أيضا‪ :‬وذكروا عن ابن عمر أنّه قال‪:‬ما رأيت أحدً ا ّ‬
‫يصليهام‪.‬ورد عليه‬
‫ً‬
‫وأيضا فليس يف هذا لو صح هني عنهام‪،‬ونحن ال ننكر ترك التطوع ما‬ ‫بقوله‪:‬‬
‫مل ينه عنه‪.‬‬
‫املحىل(‪:)1‬يف الكالم عىل ركعتني بعد العرص‪ :‬وأما حديث عيل‪،‬فال‬ ‫وقال ً‬
‫أيضا يف ّ‬
‫حجة فيه أصال‪ ،‬ألنّه ليس فيه إال إخباره بام علم من أنه مل َير رسول اهلل ّصىل‬
‫وسلم‪ ،‬صالمها‪ ،‬وليس يف هذا هني عنهام وال كراهة هلام‪ ،‬فام صام‬
‫اهلل عليه وآله ّ‬
‫كراهية صوم‬
‫ّ‬ ‫شهرا كامال غري رمضان وليس هذا بموجب‬
‫السالم قط ً‬
‫عليه ّ‬
‫تطوعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫شهر كامل‬
‫ابيع‪ ،‬فإ َذا َ‬
‫فرغ منها‬ ‫ي َ‬
‫األ َس ِ‬ ‫جيمع ب َْ‬
‫َ‬ ‫بأس َأ ْن‬ ‫ٌ‬
‫فصل‪ :‬وال َ‬ ‫وهذا ابن قدامة يقول‪:‬‬
‫عطاء‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عائشة‪ ،‬وامل ِ ْس َو ُر بن مَرمة‪ .‬وبه قال‬
‫ُ‬ ‫ركعتيْ‪َ ،‬‬
‫فعل ذلك‬ ‫لك ِّل ُأ ْس ُبو ٍع َ‬‫ركع ُ‬
‫ُ‬
‫وإسحاق‪.‬‬ ‫وطاوس‪ ،‬وسعيدُ بن ُجب ٍ‬
‫ري‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫ْمل‬ ‫بي‬ ‫هري‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأبو حنيف َة؛ َّ‬
‫ألن ال َّن َّ‬ ‫والز ُّ‬
‫ابن عمر‪ ،‬واحلسن‪ُّ ،‬‬
‫وكرهه ُ‬
‫ُ‬

‫‪ -1‬ابن حزم‪ ،‬املحىل ‪.271/2‬‬

‫‪-116-‬‬
‫يُ ُّل با ُمل ِ‬
‫واالة بينهام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫طوافهام ِ‬ ‫عن‬ ‫الركعت ِ‬
‫يْ ْ‬ ‫ري َّ‬ ‫َّ‬
‫وألن تأخ َ‬ ‫يفعله‪،‬‬
‫ُ‬
‫بينهام‪ ،‬ف ُيص ِّليها‬ ‫مجعها و ُي ِّ‬
‫ؤخ ُر ما ُ‬ ‫الص ِ‬
‫الة‪ ،‬ي ُ‬
‫َوز ُ‬ ‫واف جيري مَرى َّ‬ ‫أن َّ‬
‫الط َ‬ ‫ولنا‪َّ ،‬‬
‫بي‬ ‫وجب كراه ًة‪َّ ،‬‬
‫فإن ال َّن َّ‬ ‫فعله ال ُي ُ‬‫ْمل َي ُ‬ ‫بي‬ ‫ُ‬
‫وكون ال َّن ِّ‬ ‫بعدَ ها‪ ،‬كذلك ُ‬
‫هاهنَا‪،‬‬
‫مكر ٍ‬
‫وه باال ِّت ِ‬
‫فاق(‪.)1‬‬ ‫ري ُ‬ ‫ني وال ثالث ًة‪ ،‬وذلك غ ُ‬ ‫ف ُأس ُبوع ِ‬
‫مل َي ُط ْ‬
‫وانبنى عىل مسألة الرتك اختالف يف كثري من املسائل تفاوتت أفهام العلامء‬
‫ومدارك الفقهاء يف فحوى الرتك فيها فاستحبها البعض وحض عليها وحث‬
‫وأنكرها البعض اآلخر وهنى عنها وكف فمنها مسألة الدعاء بعد الصالة‬
‫املكتوبة مجاعة ومنها قراءة القرآن مجاعة يف املسجد بصوت واحد كام كان عليه‬
‫عمل أهل الشام كام يقول ابن رجب وهو ما عرف بتالوة احلزب يف املغرب‬
‫ومنها التثويب والتصبيح ومنها التوسل باألنبياء والصاحلني‪ .‬ولكل طائفة يف‬
‫هذه املسائل أدلتها التي ليس هذا مقام بسطها‪.‬‬
‫أوجها متعددة‬
‫ً‬ ‫ومما أستدل به القائلون أن الرتك ال يستقل دليال بأنه حيتمل‬
‫مباحا فال يدل تركه إال عىل رفع‬
‫أوهلا‪ :‬أنه عليه الصالة والسالم قد يرتك شيئًا ً‬
‫احلرج من أجل أنه يعافه مثلً كرتكه ألكل الضب فلام سئل عنه قال‪ :‬إنه مل يكن‬
‫بأرض قومي فأجدين اعافه‪.‬‬
‫وقدم إليه طعام فيه ثوم فلم يأكل منه قال أبو أيوب ‪-‬وهو الذي بعث به إليه‪-‬‬
‫يارسول اهلل أحرام هو؟ قال‪ :‬ال ولكني أكرهه من اجل رحيه»‪ .‬الرتمذي قائال‪:‬‬

‫‪ -1‬ابن قدامة‪ ،‬املغني ‪.233 /5‬‬

‫‪-117-‬‬
‫حسن صحيح‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫قلت‪ :‬ومن املالحظ أنه عليه الصالة والسالم مل يبدأ باإلخبار عن موجب‬
‫الرتك حتى سئل‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أنه قد يرتك بعض املستحبات أحيا ًنا خو ًفا من أن تفرض عىل الناس‬
‫سبحة الضحى قط وإين ألسبحها»‪ .‬وهو يف‬ ‫فقالت عائشة‪ :‬وما سبح النبي‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫وقد ذكر الشاطبي هذا احلديث وفيه أن عائشة كانت تصىل الضحى ثامن ركعات‬
‫وتقول‪ :‬لو نرش يل أبواي ما تركتها»‪ .‬وذكر مسألة صالة الرتاويح مجاعة‪.‬‬
‫لبعض املستحبات وهو اخلوف من‬ ‫ريا آخر لرتك النبي‬
‫وزاد الشاطبي تفس ً‬
‫أن يظن فيها أحد من أمته بعده إذا داوم عليها الوجوب وهو تأويل متمكن‪.‬‬
‫حسب عبارة الشاطبي قائال‪ :‬إن الصحابة عملوا عىل هذا االحتياط يف الدين‬
‫ملا فهموا هذا األصل من الرشيعة وكانوا أئمة يقتدى هبم ليبينوا أن تركها غري‬
‫قادح وإن كانت مطلوبة»‪.‬‬
‫وذكر مسألة عثامن ريض اهلل عنه يف تركه القرص يف احلج خوف ظن األعراب‬
‫أن الصالة أصبحت ثنائية وكذلك ما رواه حذيفة بن َأ ِس ْيد شهدت أبا بكر‬
‫وعمر فكانا ال يضحيان خمافة أن يرى الناس أهنا واجبة وكان بالل يقول‪ :‬ال‬
‫أبايل أن أضحى بكبش أو ديك»‪ .‬إىل آخره(‪.)2‬‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.330/3‬‬


‫‪ -2‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪ 324/3‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪-118-‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬أن السلف قد يفعلون بعض األفعال التي ليست من قبيل السنن املؤكدة‬
‫فال يظهرون أفعاهلم فال يكون تركهم حجة وقد يقولون إهنم ال يريدون إظهار‬
‫الة‬ ‫يتوض ُأ َّ‬
‫للص ِ‬ ‫َّ‬ ‫خلف َأبِ هريرة وهو‬
‫َ‬ ‫كنت‬
‫ذلك العمل فعن أيب حازم‪ :‬قال ُ‬
‫الوضوء فقال يا‬
‫ُ‬ ‫فقلت له يا أبا هرير َة ما هذا‬
‫ُ‬ ‫يمدُّ يدَ ه ح َّتى تب ُلغَ إِ ْب َط ُه‬
‫فكان ُ‬
‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫توض ْأ ُت هذا الوضو َء‬
‫علمت أ َّنكم ها ُهنَا ما َّ‬
‫ُ‬ ‫َبنِى َف ُّر َ‬
‫وخ أنتم ها ُهنَا لو‬
‫احل ْل َي ُة ِم َن ا ُمل ْؤ ِم ِن َح ْي ُث َي ْب ُلغُ َ‬
‫الو ُض ُ‬
‫وء»‪( .‬صحيح مسلم)‪.‬‬ ‫يقول « َت ْب ُلغُ ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫خليلِ‬
‫وهبذا الصدد يذكر ابن القيم يف كتاب «الروح» يف مسألة قراءة القرآن إلهداء‬
‫ثوابه لألموات مانصه‪ :‬والقائل أن أحدً ا من السلف مل يفعل ذلك قائل ماال‬
‫علم له به فإن هذه شهادة عىل نفي ما مل يعلمه فام يدريه أن السلف كانوا يفعلون‬
‫ذلك وال يشهدون من حرضهم عليه بل يكفي اطالع عالم الغيوب عىل نياهتم‬
‫ومقاصدهم ال سيام والتلفظ بنية اإلهداء ال يشرتط كام تقدم»‪.‬‬
‫مضمو ًنا خمتل ًفا‬ ‫لكن ابن القيم يف إعالم املوقعني يعطى لداللة ترك النبي‬
‫يتفق مع شيخه شيخ اإلسالم ابن تيمية ومع الشاطبي‪ ،‬بل جعله من السنة‬
‫فهو نوعان وكالمها سنة أحدمها‪ :‬ترصحيهم بأنه‬ ‫ونصه‪ :‬وأما نقلهم لرتكه‬
‫ترك كذا وكذا ومل يفعله كقوله يف شهداء أحد‪ :‬ومل يغسلهم ومل يصل عليهم»‪.‬‬
‫وقوله يف صالة العيد «مل يكن أذان وال إقامة وال نداء»‪ .‬وقوله يف مجعه بني‬
‫الصالتني «ومل يسبح بينهام وال عىل أثر واحدة منهام» ونظائره‪ .‬والثاين‪ :‬عدم‬
‫نقلهم ملا لو فعله لتوفرت مهمهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم عىل‬
‫نقله؛ فحيث مل ينقله واحد منهم البتة وال حدَّ ث به يف جممع أبدا علم أنه مل‬
‫‪-119-‬‬
‫يكن‪ ،‬وهذا كرتكه التلفظ بالنية عند دخوله يف الصالة‪ ،‬وتركه الدعاء بعد‬
‫الصالة مستقبل املأمومني وهم يؤمنون عىل دعائه دائام بعد الصبح والعرص‬
‫أو يف مجيع الصلوات‪ ،‬وتركه رفع يديه كل يوم يف صالة الصبح بعد رفع رأسه‬
‫من ركوع الثانية‪ ،‬وقوله‪« :‬اللهم اهدنا فيمن هديت» جيهر هبا ويقول املأمومون‬
‫كلهم «آمني» ومن املمتنع أن يفعل ذلك وال ينقله عنه صغري وال كبري وال رجل‬
‫يُ ُّل به يو ًما واحدً ا‪ ،‬وتركه‬
‫وال امرأة البتة وهو مواظب عليه هذه املواظبة ال ِ‬
‫االغتسال للمبيت بمزدلفة ولرمي اجلامر ولطواف الزيارة ولصالة االستسقاء‬
‫والكسوف‪ ،‬ومن ههنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خالف السنة؛ فإن تركه‬
‫سنة كام أن فعله سنة‪ ،‬فإذا استحببنا َ‬
‫فعل ما تركه كان نظري استحبابنا ترك‬
‫ما فعله‪ ،‬وال فرق(‪.)1‬‬

‫قلت وما ذكره يف النوع األول يشبه أن يكون دليلً؛ لتوفر املوجب‪ ،‬أما النوع‬
‫الثاين فهو حمل خالف كبري‪ ،‬والعالمة ابن القيم يرد عىل مذهب الشافعي يف‬
‫مسألة التلفظ بنية الصالة وقد رواه بعض العراقيني من أصحاب الشافعي‬
‫فاوجبوا التلفظ بالنية‪ .‬ورده إمام احلرمني يف هناية املطلب(‪.)2‬‬

‫وأما مسألة القنوت يف الركعة الثانية من الصبح الذي اعتمد فيه الشافعية طر ًفا‬
‫من حديث أنس وفيه‪ :‬أما يف الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا»(‪.)3‬‬
‫‪ -1‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني ‪.281/2‬‬
‫‪ -2‬إمام احلرمني‪ ،‬هناية املطلب ‪.120/2‬‬
‫‪ -3‬رواه أمحد والبيهقي والدار قطني وفيه مقال راجع هناية املطلب ‪ 186/2‬مع تعليق عبدالعظيم الديب‬
‫وتلخيص احلبري)‪.‬‬

‫‪-120-‬‬
‫وهذا خالف ما عليه مجهور األصوليني من أن السنة قول وفعل وتقرير وليس‬
‫جمرد ترك‪.‬‬
‫وهلذا قال ابن رشد يف بداية املجتهد إن‪ :‬الرشيعة تتلقى من ثالث طرق هي‬
‫(‪)1‬‬
‫اللفظ والفعل واإلقرار‪.‬‬
‫وقال الطويف‪ :‬أما السنة فهي ‪-‬يف هذا املوطن‪ -‬أقوال النبي‪ ،‬وأفعاله‪،‬‬
‫وتقريراته(‪.)2‬‬
‫وقال الزركيش يف البحر املحيط يف حديثه عن السنة‪ :‬وأما يف االصطالح‪:‬‬
‫ترجيحا ليس معه املنع‬
‫ً‬ ‫فتطلق عىل ما ترجح جانب وجوده عىل جانب عدمه‬
‫من األقوال‬ ‫من النقيض‪ ،‬وتطلق وهو املراد هنا‪ :‬عىل ما صدر من الرسول‬
‫األصوليون‪ ،‬ولكن استعمله‬
‫ُّ‬ ‫واألفعال والتقرير‪ ،‬وا َهل ِّم‪ ،‬وهذا األخري مل يذكره‬
‫الشافعي يف االستدالل(‪.)3‬‬
‫وهذا قليل من كثري‪.‬‬
‫وأبعد ابن السمعاين النجعة فقال إن تركه لليشء يدل عىل وجوب تركه مستدلً‬
‫بحديث إمساك الصحابة عن الضب»‪ .‬وذلك يف معرض داللة الفعل‪ ،‬لو دل‬
‫عىل الوجوب لدل عليه الرتك أيضا‪ ،‬ونكتفي هبذا القدر‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬اعلم أن كالم ابن القيم رمحه اهلل يف الرتك جاء يف سياق رد طويل عىل‬
‫مقلدى املذاهب دل عىل سعة علمه وحفظه ولكنه غلب عليه احلكم بالتعارض‬

‫‪ -1‬ابن رشد‪ ،‬بداية املجتهد ‪.2/1‬‬


‫‪ -2‬الطويف‪ ،‬رشح خمترص الروضة ‪.62/2‬‬
‫‪ -3‬الزركيش‪ ،‬البحر املحيط ‪.236/3‬‬

‫‪-121-‬‬
‫يف ورود فعلني عنه عليه الصالة والسالم وقد نقل عن احلافظ ابن عبدالرب ولكن‬
‫احلافظ ابن عبدالرب محل ما ورد من اختالف احلديث يف التسليمة والتسلمتني‪،‬‬
‫وغري ذلك من هذه املسائل عىل التخيري كام يف االستذكار‪.‬‬
‫وهو أوفق للجمع وأدنى للفهم من دعوى أن الناس يف أيام مالك قد نسوا‬
‫الكثري من السنن مع العلم أن ذلك هو عرص تدوين السنن يف مطلع القرن‬
‫الثاين فرمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وليس املقام مقام تفصيل يف هذه املسألة التي محلت بعض طلبة العلم الذين‬
‫ليس هلم رسوخ ابن القيم عىل أن هيجموا عىل أئمة املذاهب بأخبار آحاد مل‬
‫تثبت وإن ثبتت فلها ما يعارضها ومل تنترش لتصبح كاخلرب اليقني عنه عليه‬
‫الصالة والسالم أو عن أصحابه‪ .‬ولنرجع إىل مسألة بدعة الرتك‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬كانوا يرتكون بعض املباحات خو ًفا من اعتقاد الناس أهنا من القربات‪،‬‬
‫ً‬
‫كام كان مالك ال يغسل يديه قبل الطعام وقال ملا قدم له أمري املدينة عبدامللك‬
‫بن صالح املاء ليغسل يديه قبل الطعام‪ :‬أما أبوعبداهلل «يعني نفسه» ال يغسل‬
‫بأسا بذلك كام رصح به يف موطن آخر‬ ‫يديه قبل الطعام»‪ .‬مع أن ً‬
‫مالكا ال يرى ً‬
‫ولكن خياف من لزوم الناس لذلك وكأنه واجب كام قال يف املوافقات‪.‬‬
‫أمرا ألنه خالف األوىل فيفعل األوىل‬
‫خامسا‪ :‬قد يرتك عليه الصالة والسالم ً‬
‫ً‬
‫ويواظب عليه وربام فعل املرتوك يف أوقات نادرة لبيان اجلواز وعدم الكراهة‬
‫فقد صح أنه عليه الصالة والسالم قدمت إليه ميمونة ريض اهلل عنها املنديل‬
‫لينشف به أعضاء طهارته فلم يمسه ويف رواية‪ :‬مل يأخذه‪ ،‬ويف رواية‪ :‬فرده‪.‬‬
‫‪-122-‬‬
‫فعلق إمام احلرمني يف هناية املطلب عىل ذلك بقوله‪ :‬ولو نشف «شخص» مل ينته‬
‫أمر ذلك إىل الكراهة ولكن يقال ترك األوىل‪ ،‬وقد روي أنه عليه السالم نشف‬
‫أعضاء وضوئه مرة وكان عليه السالم يواظب عىل األوىل ويأيت بام هو جائز يف‬
‫األحاديني فيتبني األفضل بمواظبته واجلائز بنوادر أفعاله(‪.)1‬‬
‫يعملون بعض القربات يف مقام الرتك‬ ‫سادسا‪ :‬أننا نجد أصحاب رسول اهلل‬
‫ً‬
‫ليس حائلً دون‬ ‫وهيجمون عىل العمل بدون سؤال مما يدل عىل أن تركه‬
‫حاجزا دون مبارشة قول أو فعل وهو عليه الصالة والسالم أحيا ًنا‬
‫ً‬ ‫عمل وال‬
‫يثنى عىل فعلهم أو يسكت وما المهم وال وبخهم مما يدل عىل سعة األمر فمن‬
‫ذلك‪ :‬من قال‪ :‬يا من ال تراه العيون وال ختالطه الظنون وال يصفه الواصفون‬
‫وال تغريه احلوادث وال خيشى الدوائر يعلم مثاقيل اجلبال ومكاييل البحار‬
‫وعدد قطر األمطار وعدد ورق األشجار وعدد ما أظلم عليه الليل وأرشق‬
‫عليه النهار ال تواري منه سامء سامء وال أرض أرضا وال بحر ما يف قعره وال‬
‫جبل ما يف وعره اجعل خري عمري آخره وخري عميل خوامته وخري أيامي‬
‫باألعرايب رجال فقال إذا صىل فائتني به‬ ‫يوم ألقاك فيه فوكل رسول اهلل‬
‫ذهب من بعض املعادن فلام‬ ‫فلام صىل أتاه وقد كان أهدي لرسول اهلل‬
‫أتاه األعرايب وهب له الذهب وقال ممن أنت يا أعرايب قال من بني عامر بن‬
‫صعصعة يا رسول اهلل قال هل تدري مل وهبت لك الذهب قال للرحم بيننا‬
‫وبينك يا رسول اهلل فقال إن للرحم حقا ولكن وهبت لك الذهب حلسن‬

‫‪ -1‬اجلويني‪ ،‬هناية الطلب يف دراية املذهب ‪ ،95/1‬حتقيق عبدالعظيم الديب‪ ،‬دار املنهاج‪.‬‬

‫‪-123-‬‬
‫ثنائك عىل اهلل عز و جل»‪.‬‬
‫وكذلك املواظب عىل سورة اإلخالص يف صالته‪ :‬كان رجل من األنصار‬
‫يؤمهم يف مسجد قباء وكان كلام افتتح سورة يقرأ هبا هلم يف الصالة مما يقرأ‬
‫به افتتح ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﱪ [األخالص‪ .]1 :‬حتى يفرغ منه ؛ ثم يقرأ سورة‬
‫أخرى معها وكان يصنع ذلك يف كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا إنك تفتتح‬
‫هبذه السورة ثم ال ترى أهنا جتزئك حتى تقرأ بأخرى فأما أن تقرأ هبا وأما أن‬
‫تدعها وتقرأ بأخرى فقال ما أنا بتاركها إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن‬
‫كرهتم تركتكم وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غريه فلام أتاهم‬
‫أخربوه اخلرب فقال‪ :‬يا فالن ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك‬ ‫النبي‬
‫وما حيملك عىل لزوم هذه السورة يف كل ركعة‪ .‬فقال‪ :‬إين أحبها‪ .‬فقال‪ :‬حبك‬
‫إياها أدخلك اجلنة»‪.‬‬
‫وكذلك يف احلج فقد ثبت أن بعضهم كانوا يلبون تلبية فيها زيادة عىل تلبيته‬
‫عليهم شيئا منه ولزم‬ ‫«وأهل الناس هبذا الذي هيلون به فلم يرد رسول اهلل‬
‫تلبيته»‪.‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫قال القايض عياض‪ :‬فيه إشارة إىل ما روى من زيادة الناس يف التلبية من الثناء‬
‫والذكر كتلبية عمر لبيك ذا النعامء والفضل‪ .‬وزيادة ابن عمر‪ :‬واخلري بيدك‬
‫والرغباء إليك‪ .‬واستحب االقتصار عىل تلبيته عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وكذلك ما ورد يف حديث عبداهلل بن عمر عند مسلم غدونا مع رسول اهلل‬

‫‪ -1‬النووي‪ ،‬رشح مسلم ‪.174/8‬‬

‫‪-124-‬‬
‫من منى إىل عرفات منا امللبي ومنا املكرب‪ .‬ويف رواية أخرى «عنده» منا املكرب‬
‫ومنا املهلل فال ينكر عليه وكان يكرب املكرب فال ينكر عليه‪ .‬كام يف صحيح‬
‫مسلم من حديث جابر‪ .‬ويف الرواية األخرى‪ :‬فمنا املكرب ومنا املهلل وال‬
‫يعيب أحدنا عىل صاحبه‪.‬‬
‫قال أبوطالب املشكاين‪ :‬قال أمحد‪ :‬والتعريف عشية عرفة يف األمصار‪ :‬ال بأس‬
‫به إنام هو دعاء وذكر اهلل عز وجل وأول من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث‬
‫وفعله إبراهيم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫كل ذلك يدل عىل إفساح املجال لالجتهاد وأن ترك الشارع ال يدل عىل احلظر‬
‫وال عىل الكراهة بل إنه يدل عىل أن ما فعله وواظب عليه هو األوىل لكن ال‬
‫إنكار يف فعل ما تركه عىل ما وصفنا من اندراجه ضمن السياق العام واألصل‬
‫املتبع واملنهج الفسيح وهو يف حالة التلبية تعظيمه سبحانه وتعاىل وتكبريه‪.‬‬
‫وإن ذلك حمل تقرير من الشارع وثناء أحيانا وتقاس عىل ذلك كل األوراد‬
‫الصاحلة الساملة من املخالفات‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬إن فعل السلف قد يكون نقل عن بعضهم دون بعض فهل يكون ذلك‬
‫ً‬
‫كاف ًيا لنفي صفة البدعة عنه عند من يرى بدعة الرتك‪ ،‬أو ال وعليه فإن تتبع‬
‫عبداهلل بن عمر آلثار النبي عليه وآله الصالة والسالم للتربك وعدم إنكار‬
‫أحد من الصحابة عليه ال خيرج ذلك الفعل عن كونه بدعة عند هؤالء فإن‬
‫االستسقاء عند القرب النبوي الرشيف بتوجيه اخلطاب إىل النبي صىل اهلل عليه‬

‫‪ -1‬طبقات احلنابلة‪ ،‬أليب يعىل ‪.39/1‬‬

‫‪-125-‬‬
‫وآله وسلم باستسق لنا» يعترب بدعة فاحشة أوصلها بعضهم إىل الكفر مع ورود‬
‫أثر عن فعل شخص له إما صحايب أو تابعي وإبالغ ذلك لعمر بن اخلطاب‬
‫ريض اهلل عنه ومل ينكره‪ ،‬وهذا األثر أخرجه ابن أيب شيبة كالتايل‪ :‬حدثنا أبو‬
‫معاوية عن األعمش عن أيب صالح عن مالك الدار ‪-‬قال‪ :‬وكان خازن عمر‬
‫الناس قحط يف زمن عمر‪ ،‬فجاء رجل إىل قرب النبي‬
‫َ‬ ‫عىل الطعام‪ -‬قال أصاب‬
‫صىل اهلل عليه و سلم فقال‪ :‬يا رسول اهلل استسق ألمتك فإهنم قد هلكوا فأيت‬
‫الرجل يف املنام فقيل له إئت عمر فأقرئه السالم وأخربه أنكم مسقيون وقل له‬
‫عليك الكيس عليك الكيس فأتى عمر فأخربه فبكى عمر ثم قال يا رب ال آلو‬
‫إال ما عجزت عنه»(‪.)1‬‬
‫وأخرجه البيهقي وصححه احلافظان ابن حجر يف الفتح وابن كثري يف البداية‬
‫والنهاية‪ ،‬وقد نازعو بعضهم يف عنعة األعمش بام هو معروف من اخلالف عند‬
‫املحدثني يف عنعة املدلس إذا مل يكن ذلك غال ًبا عليه واألعمش ضابط لغلبة‬
‫موافقة حديثه للضابطني‪.‬‬
‫قال يف طلعة األنوار‪:‬‬
‫وفق فضابط وإال جيتنب‬ ‫بالضابطني اعتربن فإن غلب‬
‫وهنا يدق الفرق بني ما هو مستند إىل السلف وما ليس كذلك وبني ما هني عنه‬
‫سدا للذريعة وما هنى عليه باألصالة‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إنه لو صح فإن ما فهم من أصول العقيدة ينفيه‪ ،‬وإن الصحابة ما فعلوه؛‬

‫‪ -1‬ابن أيب شيبة‪ ،‬املصنف ‪ ،64/17‬حتقيق حممد عوامة‪ ،‬رشكة دار القبلة‪.‬‬

‫‪-126-‬‬
‫وهنا يكون اإلشكال بني املدرستني يف ضبط ترك السلف ويف فهم ما هو عبادة‬
‫ال ترصف إال هلل ويف استعامل املجاز يف االسناد كقول عمر للنبي عليه الصالة‬
‫والسالم‪ :‬هال أمتعتنا بعامر»‪ .‬كام يف صحيح مسلم‪ .‬وذلك حني ترحم النبي‬
‫عىل عامر بن األكوع ففهم عمر من ذلك اإلشارة إىل موت عامر فقال تلك‬
‫أن يبقى عامرا ح ًيا وهو أمر ال‬ ‫املقالة‪ ،‬وهي يف ظاهرها طلب منه للنبي‬
‫منكرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يقدر عليه إال اهلل وما رءا عليه الصالة والسالم يف ذلك‬
‫فالنسب واالضافات والنوايا والطويات هي التي جتكم يف كالم الناس‪.‬‬
‫ولعل االختالف هنا يرجع إىل مسألة الدعاء ومفهومه بني ما يكون عبادة إذا‬
‫وجه إىل الباري جل وعال وبني ما يكون نداء إذا وجه إىل غريه ﱫ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﱪ [النور‪.]63 :‬‬

‫ومفهوم حياته عليه الصالة والسالم يف الربزخ بني حديث‪« :‬حيايت خري لكم‬
‫حتدثون وحيدث لكم وممايت خري لكم تعرض عيل أعاملكم فام رأيت من خري‬
‫محدت اهلل وما رأيت من رش استغفرت اهلل لكم»(‪.)1‬‬

‫‪ -1‬رواه البزار‪ ،‬قال احلافظ العراقي يف كتاب اجلنائز من «طرح التثريب» إسناده جيد‪ ،‬وقال اهليثمي يف «جممع‬
‫الزوائد» رجاله رجال الصحيح‪ ،‬حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبد املجيد بن عبدالعزيز بن أيب رواد عن سفيان‬
‫قال‪ :‬إن هلل مالئكة سياحني يبلغوين‬ ‫عن عبداهلل بن السائب عن زاذان عن عبداهلل ‪-‬ابن مسعود‪ -‬عن النبي‬
‫عن أمتي السالم وقال حيايت خري لكم‪ ....‬وروي عن أنس من طريق خراش ورواه احلارث ابن أيب أسامة يف‬
‫مسنده وابن عدي يف الكامل وقال العراقي‪ :‬ضعيف لضعف خراش‪ ,‬ورواه احلارث بن أيب أسامة يف مسنده من‬
‫مرسل بكر املزين وضعف بأحد رواته ولكن خرجه إسامعيل القايض من طريق صحيح عن بكر الزيب يرفعه وهو‬
‫إسناد صحيح اعرتف بصحته احلافظ ابن عبداهلادي وعن احلكيم الرتمذي يف العرض عىل األنبياء واآلباء بإسناد‬
‫فيه ضعف‪ .‬وكذلك القسطالين يف رشح البخاري‪ ،‬وقال السيوطي يف كتاب «املعجزات واخلصائص» إسناده‬
‫صحيح‪ ،‬وكذلك قال عيل القاري والشهاب اخلفاجي يف رشح الشفاء‪ ،‬وأوصل بعضهم طرقه إىل عرشين طري ًقا‬
‫أصحها طريق البزار‪.‬‬

‫‪-127-‬‬
‫وهو يدل عىل استمرار صلته بأمته‪ .‬وبني حديث احلوض الصحيح‪ :‬ما تدرى‬
‫ما أحدثوا بعدك»‪.‬‬
‫مما يفهم منه أنه عليه الصالة والسالم مل تعد له عالقة بعامل الدنيا‪ ،‬خالف ًا ملن‬
‫محل ذلك عىل املرتدين؛ ألنام يعرض عليه هو أعامل املؤمنني‪.‬‬
‫إىل غري ذلك من البناء العقدي الذي نشأ عنه ‪-‬يف القرنني السابع والثامن‪-‬‬
‫خالف شديد يراجع خاصة يف كتب شيخ اإلسالم ابن تيمية واإلمام السبكي‬
‫وغريمها‪.‬‬
‫وعىل ذلك حيمل كثري من اآلثار التي وردت كقصة األعرايب عند حممد بن‬
‫عبداهلل العتبي والتي ال يكاد خيلو كتاب من كتب املناسك منها‪.‬‬
‫ومستغفرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫وقد جاء إىل القرب الرشيف مستغي ًثا‬
‫فطاب من طيبهن القاع واألكـم‬ ‫يا خري من دفنت بالقاع أعظمه‬
‫فيه العفاف وفيه واجلود والكرم‬ ‫نفيس الفــداء لقرب أنت ساكنـه‬
‫وإن كان ابن عبداهلادي يف «الصارم» حيكم عىل إسنادها بأنه مظلم‪.‬‬
‫وحكايات أخرى كثرية(‪.)1‬‬
‫ريا‪َّ ،‬‬
‫فإن مسألة اإلسناد املجازي بني احلقيقة واملجاز من مدارات‬ ‫وأخ ً‬
‫‪ -1‬كحكاية اإلمام أيب بكر املقري احلافظ الثقة عام فعله وكان معه احلافظ الطرباين واحلافظ أبو الشيخ بن حبان‬
‫ثالثتهم من أكرب أئمة احلديث يف القرن الرابع اهلجري وكانوا يف املسجد النبوي فذهب املقري إىل القرب الرشيف‬
‫ونام هو وأبو الشيخ وبقي الطرباين يقظان فجاءهم علوي ومعه غالم حيمل الطعام‬ ‫وشكا اجلوع لرسول اهلل‬
‫ألنه راءه يف النوم وأمره بذلك‪.‬‬ ‫وقال ياقوم هل شكوتم إىل النبي‬
‫وهي حكاية ذكرها الذهبي يف سري أعالم النبالء والسمهودي يف وفاء الوفاء إىل حكايات كثرية مذكورة يف كتب‬
‫القوم وبعضها مسند إىل كتاب «مصباح الظالم يف املستغيث بخري األنام يف اليقضة واملنام» للحافظ حممد بن‬
‫موسى املالكي املتوىف سنة ‪683‬هـ‪.‬‬

‫‪-128-‬‬
‫االختالف‪ ،‬فاملجيز يرى أن الطلب جمازي ومن معهود العرب إسناد الفعل‬
‫وتوسعا يف الكالم‪ ،‬وقد ورد يف القرآن الكريم من‬
‫ً‬ ‫إىل َمن له عالقة به ً‬
‫جمازا‬
‫ذلك الكثري‪ .‬فمنه فعل اإلضالل‪.‬‬
‫فقد ورد مسندً ا إىل الباري جل وعال يف أكثر من آيةﱫ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳﯴ ﱪ [النحل‪ .]93:‬وورد مسندً ا إىل املغوين من البرش‪:‬ﱫ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈﱪ [األحزاب‪ ،]67:‬ﱫ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﱪ [الشعراء‪.]99:‬‬
‫ومسندً ا إىل الشيطان‪ ،‬قال تعاىل‪:‬ﱫﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﱪ [احلج‪ .]4:‬وقال تعاىل حكاية عنه‪ :‬ﱫ ﮰ ﮱ ﱪ‬
‫[النساء‪.]119:‬‬
‫وكذلك فعل «زين» مسندً ا إىل الباري‪ ،‬قال تعاىل‪:‬ﱫ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞﱪ [األنعام‪ .]108:‬ومسندً ا للشيطان‪:‬ﱫ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﱪ [األنفال‪ .]48:‬ومسندً ا إىل الرشكاء‪:‬ﱫﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﱪ [األنعام‪.]137:‬‬
‫مبنيا ملا مل يسم فاعله‪ :‬ﱫ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﱪ [فاطر‪.]8:‬‬ ‫وجاء ًّ‬
‫وكذلك جاءت اهلداية مسندة إىل الباري ج َّلت ُقدرته‪:‬ﱫﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱪ‬
‫[البقرة‪.]142:‬‬
‫‪ :‬ﱫ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﱪ [الشورى‪.]52:‬‬ ‫ومسندة إىل نبيه‬
‫وأثبت املشيئة ونفاها‪:‬ﱫ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵﱪ [التكوير‪ .]29-28:‬ونفى الرمي وأثبته‪ :‬ﱫ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫‪-129-‬‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﱪ [األنفال‪.]17:‬‬
‫وذلك كله الختالف االعتبار مما ال خيفى عىل العقالء‪.‬‬
‫ومعلوم أن العرب تسند إىل ظرف الفعل‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪:‬ﱫ ﭙ ﭚ ﭛ ﱪ‬
‫[الفجر‪ .]4:‬أي يرسي فيه‪ ،‬وقوهلم‪ :‬هناره صائم وليله قائم‪.‬‬
‫لـه ٍّم يا ُأ َم ْي َم َة ِ‬
‫ناص ِ‬
‫ب»‬ ‫وتسند إىل سببه‪ ،‬كام يف قول النابغة‪ِ :‬‬
‫«كليني َ‬
‫وهذه أحوال املجاز املرسل املعروفة يف كتب البالغة‪.‬‬
‫وهلذا فإن احلكم بالتناقض كام أصل املناطقة يفتقر إىل االتفاق يف ثامن وحدات‬
‫كلها ترجع إىل نسبة واحدة هي احتاد النسبة احلكمية‪.‬‬
‫وكام يقول أبو حامد فإن اختالف األحوال ينفي التناقض‪ .‬وأضاف‪ :‬فإذا‬
‫تطرق التعدد واالنفصال إىل يشء من هذه اجلملة انتفى التناقض»‪.‬‬
‫وهلذا فقد نص العلامء عىل أن قائل‪ :‬مطرنا بنوء كذا كافر؛ إذا جعل التأثري‬
‫للنجم دون الباري جلت قدرته‪ ،‬مؤمن إذا كان يقصد الوقت الذي جرت‬
‫العادة فيه بنزول املطر‪ .‬قال املرتىض‪ :‬ويف احلديث‪« :‬من قال سقينا بالنجم فقد‬
‫آمن بالنجم وكفر باهلل»‪.‬‬
‫قال الزجاج‪ :‬فمن قال مطرنا بنوء كذا وأراد الوقت ومل يقصد إىل فعل النجم‬
‫فذلك واهلل أعلم جائز كام جاء عن عمر ريض اهلل عنه أنه استسقى باملصىل‬
‫ثم نادى العباس‪ :‬كم بقي من نوء الثريا ؟ فقال‪ :‬إن العلامء هبا يزعمون أهنا‬
‫تعرتض يف األفق سبعا بعد وقوعها‪ .‬فواهلل ما مضت تلك السبع حتى غيث‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪-130-‬‬
‫فإنام أراد عمر‪ :‬كم بقي من الوقت الذي جرت به العادة أنه إذا تم أتى اهلل‬
‫باملطر؟ قال ابن األثري‪ :‬أما من جعل املطر من فعل اهلل تعاىل وأراد بقوله‪ :‬مطرنا‬
‫بنوء كذا‪ ،‬أي يف وقت كذا وهو هذا النوء الفالين‪ ،‬فإن ذلك جائز‪ ،‬أي أن اهلل‬
‫تعاىل قد أجرى العادة أن يأيت املطر يف هذه األوقات‪ .‬ومثل ذلك روي عن أيب‬
‫منصور‪ (.‬تاج العروس عند مادة ناء)‬
‫فإذا كان التأويل سائغ ًا مع ورود النص بالتكفري بناء عىل النيات والقصد فألن‬
‫ال يكفر بام مل يرد بخصوصه نص أوىل‪.‬‬
‫فلو منعت سدًّ ا للذريعة ملا كان ذلك بعيدً ا حتى ال يقع العوام الذين خيفى‬
‫عليهم ذلك يف ألفاظ مومهة‪ .‬أما التكفري فهو أمر فيه صعوبة كبرية لقيام هذه‬
‫االحتامالت فال يكفر إال َمن اعتقد أن للشخص املستغاث به قدرة مستقلة عن‬
‫قدرة اهلل تعاىل وإرادة مستقلة عن قدره‪.‬‬
‫ويظهر من فقرات لشيخ اإلسالم أن قضية سد الذرائع بالنسبة للعوام حارضة‬
‫يف ذهنه دون اخلاصة الذين تأول توسلهم وهذا نص الفقرات‪ :‬فيحمل قول‬
‫القائل‪ :‬أسألك بنبيك حممد‪ ،‬عىل أنه أراد‪ :‬إنى أسألك بإيامنى به وبمحبته‪،‬‬
‫وأتوسل إليك بإيامنى به وحمبته‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وقد ذكرتم أن هذا جائز بال‬
‫نزاع‪ .‬قيل‪ :‬من أراد هذا املعنى فهو مصيب ىف ذلك بال نزاع‪ ،‬وإذا محل عىل‬
‫بعد مماته من السلف كام نقل عن بعض‬ ‫هذا املعنى كالم من توسل بالنبى‬
‫الصحابة والتابعني وعن اإلمام أمحد وغريه كان هذا حسنا‪ ،‬وحينئذ فال يكون‬
‫ىف املسألة نزاع‪ .‬ولكن كثري من العوام يطلقون هذا اللفظ وال يريدون هذا‬
‫‪-131-‬‬
‫املعنى‪ ،‬فهؤالء الذين أنكر عليهم من أنكر‪.‬‬
‫وهذا كام أن الصحابة كانوا يريدون بالتوسل به التوسل بدعائه وشفاعته‪،‬‬
‫وهذا جائز بال نزاع‪ ،‬ثم إن أكثر الناس ىف زماننا ال يريدون هذا املعنى هبذا‬
‫اللفظ(‪.)1‬‬
‫وفرارا من تكفري الناس ذكر الذهبي ما ييل‪ :‬رأيت لألشعري كلمة أعجبتني‪،‬‬
‫ً‬
‫وهي ثابتة رواها البيهقي‪ ،‬سمعت أبا حازم العبدوي‪ ،‬سمعت زاهر بن أمحد‬
‫الرسخيس يقول‪ :‬ملا قرب حضور أجل أيب احلسن األشعري يف داري ببغداد‪،‬‬
‫دعاين فأتيته‪ ،‬فقال‪ :‬أشهد عىل أين ال ُأ َك ِّفر أحدً ا من أهل القبلة‪ ،‬ألن الكل‬
‫يشريون إىل معبود واحد‪ ،‬وإنام هذا كله اختالف العبارات‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وبنحو هذا أدين‪ ،‬وكذا كان شيخنا ابن تيمية يف أواخر أيامه يقول‪ :‬أنا‬
‫ال ُأ َك ِّفر أحدً ا من األمة‪ .‬ويقول‪ :‬قال النبي ‪« :‬ال حيافظ عىل الوضوء إال‬
‫فمن الزم الصلوات بوضوء فهو مسلم(‪.)2‬‬
‫مؤمن»‪َ .‬‬
‫ثم إن االجتاه القائل بأن كل بدعة قبيحة وإن احلسن ال يسمى بدعة فإنه ال‬
‫يمنع التخصيص وهنا يقع التقاء الطرفني يف نقطة دقيقة تكاد جتعل اخلالف‬
‫لفظيا‪.‬‬
‫بينهام ًّ‬
‫فقد قال شيخ اإلسالم ابن تيمية بعد كالم طويل إلثبات عموم «إن كل بدعة‬
‫ضاللة»‪.‬‬

‫‪ -1‬جمموع الفتاوى ‪. 221/1‬‬


‫‪ -2‬سري أعالم النبالء (‪ ،)88/15‬ترمجة األشعري‪.‬‬

‫‪-132-‬‬
‫فقد تبني أن اجلواب عن كل ما يعارض به من أنه حسن وهو بدعة‪ :‬إما بأنه‬
‫ليس ببدعة وإما بأنه خمصوص فسلمت داللة احلديث‪ ،‬وهذا اجلواب إنام هو‬
‫إذا ثبت حسنه(‪.)1‬‬
‫وكرر ذلك أكثر من مرة‪.‬‬
‫وإذا تدبرت يف أساس موقف االجتاه الثاين وجدته يدور حول احلسن ليخصص‬
‫به فعندما يقول النووي‪ :‬إن حديث من أحدث يف أمرنا‪..‬احلديث خمصوص‬
‫بحديث من سن يف اإلسالم سنة حسنة‪ ».....‬إنام يريد بذلك إلتامس احلسن‬
‫الذي خيصص بنفس الدرجة حديث «وكل بدعة ضاللة»‪.‬‬
‫وهلذا قسم هذا الفريق البدعة إىل قبيحة وحسنة‪.‬‬
‫خمصوصا‪ ،‬ومما يؤيد هذا الفهم‬
‫ً‬ ‫وقد ال تسميها بدعة وسمها إحدا ًثا حسنًا‬
‫التوفيقي أن األمثلة التي اختلفوا فيها كان حمور احتجاجهم يف الغالب ليس‬
‫اإلحداث أو احلدوث ولكن حول الدليل اخلاص أو العام الذي يشمل األمر‬
‫املحدث‪.‬‬
‫وهلذا فإن أصحاب تقسيم البدع اعتمدوا عىل الشاهد العام يف مسائل استحبوها‬
‫وقد قال الزقاق(‪:)2‬‬
‫هلـا بغـــري لفظـه ومــا بــدا‬ ‫وهـــل دعا األذين ليال والندا‬
‫مستحسنات ال نعم ذا فأعتمد‬ ‫من قولــه أصبـح واهلل محـد‬

‫‪ -1‬ابن تيمية‪ ،‬اقتضاء الرصاط املستقيم‪ ،‬ص‪.274‬‬


‫‪ -2‬وهو عيل بن القاسم التجيبي املالكي املتوىف ‪912‬هـ ونظمه سامه «املنهج املنتخب» اخترص به قواعد املقري‬
‫التي ترجع يف أصوهلا إىل املدرسة القرافية‪.‬‬

‫‪-133-‬‬
‫معترب فطـب بـــذاك نفســا‬ ‫لشــاهـد الشــرع بأن اجلنسا‬
‫وهو يشري يف األبيات وما قبلهن لالختالف الواصب بني علامء املالكية يف‬
‫تعريف البدعة ويف الفروع الفقهية املرتتبة عىل هذا االختالف والتي ترجح يف‬
‫الكثري منها عند املتأخرين جانب احلسن‪.‬‬
‫وهذا ما أشار إليه بال»‪« ،‬نعم» فبال يشري إىل االجتاه املنكر وبنعم إىل اإلجتاه‬
‫املقرر وبقوله‪ :‬ذا فاعتمد‪ ،‬يشري إىل الرتجيح‪ .‬وبقوله‪ :‬لشاهد الرشع بأن‬
‫اجلنسا‪ ...‬يشري إىل التعليل‪.‬‬
‫وإذا راجعت عرشات املسائل املختلف فيها بني الطرفني وجدهتم يتناقشون‬
‫حول الدليل اخلاص وحتى يف بعض القضايا التي احتد فيها النزاع كمسألة‬
‫التوسل فإن شيخ اإلسالم حرصه استقرائ ًيا يف ثالثة أمور منصوصة‪ ،‬وبنفس‬
‫الدليل احتج اآلخرون بجواز التوسل‪ ،‬باعتبار املنصوص شاهدً ا لغري‬
‫املنصوص‪ ،‬باإلضافة إىل حديث األعمى الذي دار اجلدال حول تأويله وقد‬
‫صححه شيخ اإلسالم لكنه تأوله بدعائه عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫وإن كانت مسألة التوسل عند الطرفني تدخل يف تعريف اخلالف الفقهي ألهنا‬
‫تدور حول إثبات حكم رشعي من حيث التحريم أو اجلواز‪.‬‬
‫وحتى يف مسئلة االستغاثة التي تشتمل عىل شحنة عقدية ألن البعض رفعها‬
‫عن درجة النهي الدال عىل التحريم املدلول عليه بحديث‪ :‬ال تستغيثوا يب‬
‫إنام يستغاث باهلل» إىل درجة الرشك األكرب أو األصغر‪ .‬تراهم يف أثناء اإليراد‬
‫واإلصدار ‪-‬عىل الرغم من األصل العام الذي اعتمده املنكر أو املقر حيث‬
‫‪-134-‬‬
‫اعتمد األول عىل اآليات العامة يف نداء األصنام واألنداد‪ ،‬واعتمد األخر‬
‫عىل أصل الشفاعة والتربك بالشعر والريق‪ -‬تراهم ينزلون إىل األدلة اخلاصة‬
‫فيستدل شيخ اإلسالم باحلديث املذكور ولكي يرد االعتضاد بأصل الشفاعة‬
‫بقوله إن االستغاثة هلا معنيان عام وخاص فالعام ال مانع منه وإنام اخلاص فهو‬
‫ما ال يقدر عليه إال اهلل فهو حمل احلديث‪ ،‬ويرد اآلخرون بضعف ابن هليعة‬
‫وتدليسه ‪-‬وهو أحد رواة حديث الطرباين املشار إليه‪ -‬وبأن احلديث ورد عىل‬
‫سبب هو أمر املنافق الذي كان يؤذي املسلمني فقال أبو بكر ريض اهلل عنه‬
‫خاصا هبذه احلالة للتشديد يف‬
‫عىل هذا املنافق فيكون ً‬ ‫نستغيث برسول اهلل‬
‫شأنه بأن وكل أمره إىل اهلل تعاىل وتكون حادثة عني ال عموم هلا‪.‬‬
‫وهنا أيضا فهل يمكن التوفيق بأن النهي يدل عىل التحريم ويكون حمر ًما يف‬
‫احلالة التي أشار إليها شيخ اإلسالم وهي ما ال يقدر عليه إال اهلل ألن االستغاثة‬
‫باملخلوق واردة يف أحوال كثرية ومنها أحاديث الشفاعة وغريها‪ ،‬أو يكون‬
‫املمنوع هو لفظ االستغاثة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ونجد الربزيل تلميذ ابن عرفة يطرد نفس الدليل ويعكسه عندما يقول إذا كانت‬
‫مسألة الرتاويح مجاعة إنام تركت يف زمنه عليه الصالة والسالم لقيام املانع وهو‬
‫خوف أن تفرض فإن الدعاء مجاعة مل يكن يف زمنه خو ًفا من أن يفرض بنفس‬
‫وعكسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫العلة طر ًدا‬
‫تنبيه‪ :‬اعلم أن كلام ذكرناه ‪-‬يف هذه املسئلة التي جرت خال ًفا جتاوز حدود‬
‫آداب االختالف بني طوائف من أهل السنة دعواها واحدة ومصادرها واحدة‬
‫‪-135-‬‬
‫هي الكتاب والسنة وفهم سلف األمة ويرتبطون بوشائج املشيخة َّ‬
‫فقل أن‬
‫جتد منهم من مل يأخذ عن اآلخر – إنام هي مقدمات حتتاج إىل بحث منصف‬
‫للوصول إىل حد أدنى من االتفاق‪ .‬وهذا ما توخيناه وهلل احلمد‪.‬‬
‫خالصة القول‪:‬‬
‫أن أصل هذا اخلالف يدور عىل ثالثة أصول‪:‬‬
‫أولً‪ :‬هل البدعة صنف واحد أم أهنا أصناف بحسب الدليل الذي يشملها‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬هل الرتك مع قيام الداعي يف التعبديات له داللة عىل النهي أو ال داللة‬
‫له عىل ذلك‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬الفرق بني املوجب وبني املقتىض‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الفرق بني إضافة املرتوك إىل عبادة حمدودة واعتقاده جزءا مكمال هلا فال‬
‫ً‬
‫يرشع أو عدم إضافته فريد إىل أصل اإلباحة أو االستحباب‪.‬‬
‫ونحن نرى صحة ما ذهب إليه اإلمام ابن عرفة من التفصيل بني ما أضيف إىل‬
‫عبادة بحيث يصبح وكأنه جزء منها فهذا غري مرشوع‪.‬‬
‫ونضيف إليه ثالثة ضوابط هي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أن ال يعطى حكمً رشع ًيا كالوجوب أو الندب إذا مل يكن مشمولً بدليل‬
‫كاألدلة املتعلقة بالذكر الدالة عىل استحبابه يف كل األحوال فال جيوز ملن اختار‬
‫تلك األذكار أن يقول إهنا واجبة مثلً إال إذا كانت بنذر‪.‬‬
‫الضابط الثاين‪ :‬أن ال حيكم هلا بثواب معني فإن من حيدد الثواب ومقاديره هو‬
‫الشارع والدليل عىل ذلك أن الصحايب الذي قال‪ :‬اللهم ربنا ولك احلمد محدً ا‬
‫‪-136-‬‬
‫ً‬
‫مباركا فيه‪« .‬احلديث» لوال أن الشارع أخرب بعظم ثواهبا ما كان‬ ‫ريا طي ًبا‬
‫كث ً‬
‫ألحد أن حيدد هلا ثوا ًبا معينًا‪.‬‬
‫إال أنه يدل من جهة أخرى عىل أنه ال حرج عىل من انشأ حمامد يف إطار ما‬
‫علم من صفات اهلل تعاىل وأسامئه وأن األمر ليس فيه توقيف فهو عليه الصالة‬
‫والسالم مل يلمه عىل ذلك بل أقره وأثنى عليه‪.‬‬
‫الضابط الثالث‪ :‬أن ال يشمل املرتوك دليل هني بالتحريم أو الكراهة‪.‬‬
‫تلك هي الضوابط التي سبق عن ابن عرفة شيخ املالكية بعضها فمن ترك‬
‫استكثارا من اخلري‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫احتياطا فال لوم عليه‪ ،‬ومن فعل القربات بضوابطها‬ ‫شيئًا‬
‫فهو عىل خري وال ينبغي أن ينكر البعض عىل البعض يف مواطن االجتهاد بله‬
‫التشنيع والتبديع «وإنام األعامل بالنيات»‪.‬‬
‫ويف املسألة جمال فسيح وميدان واسع ولوال خوف اإلطالة واخلروج عن‬
‫الغرض لذكرنا من مسائل الصحابة والسلف ما يدل عىل سعة األمر فعال‬
‫ً‬
‫وتركا وإعاملً وأمهالً‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل أعلم‪.‬‬
‫اجلهات األربع عندَ الشاطبِي‪ ،‬وقد َت َر َك‬
‫ِ‬ ‫ولنرجع إىل ما كنا بصدده من تقرير‬
‫ابن عاشو ٍر‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الشيخ ُ‬ ‫ركز ِ‬
‫عليه‬ ‫االستقرا َء ِ‬
‫الذي َّ‬
‫اجلهات التِي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للجهات أ َّنه إنام َ‬
‫ذكر‬ ‫لالستقراء فِ عدِّ ِه‬
‫ِ‬ ‫الشاطبي‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫إغفال‬ ‫َّ‬
‫ولعل‬
‫بواسطة ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫االستقراء فإ َّنام‬
‫ُ‬ ‫ُت ُ‬
‫عرف هبا املقاصدُ مبارش ًة وابتداء‪َّ ،‬أما‬
‫وليس جه ًة مستق َّلة‪ ،‬وإ َّنام هو أداة للتأكد من املقصدية أو من رتبة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املذكورات‪،‬‬
‫ِ‬
‫املذكورات وإنام هو عينها‪ .‬فافهم‬ ‫ليس ِقسمً ِمن‬
‫فاالستقراء َ‬
‫ُ‬ ‫ثبوهتا أو مكانتها‪،‬‬
‫‪-137-‬‬
‫ذلك فإنه دقيق واهلل املوفق‪ .‬إن اإلستقراء إنام هو يف حقيقته سرب للظاهرة يف‬
‫اإلطراد من خالل عينات متعددة فهو ينقل الظاهرة من اجلزئي إىل الكيل ومن‬
‫الظني إىل القطعي‪ ،‬لكن لو كان اخلطاب كل ًيا يف داللته أو قطع ًيا يف وروده ال‬
‫تكون لإلستقراء حاجة‪ .‬إن املقصدية مفهومة بداية من كل جزئية؛ وهلذا فإن‬
‫ً‬
‫مسلكا عندما كان يستنبط الكليات وذلك يف حديثه‬ ‫الشاطبي جعل االستقراء‬
‫عن مقصد وضع الرشيعة ابتداء ملصالح العباد‪.‬‬
‫* طرق التعرف عىل املقاصد عند ابن عاشور‪:‬‬
‫قال ابن عاشور وهو يرسد طرق التعرف عىل املقاصد‪:‬‬
‫ِ‬
‫الرشيعة يف ترصفاتِا‪ ،‬وهو عىل نوعني‪:‬‬ ‫استقراء‬
‫ُ‬ ‫أعظمها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الطريق األول‪ :‬وهو‬
‫ِ‬
‫املثبتة‬ ‫ِ‬
‫استقراء َ‬
‫تلك العللِ‬ ‫اآلئل إىل‬ ‫ِ‬
‫املعروفة عل ُلها‪ُ ،‬‬ ‫استقراء األحكا ِم‬
‫ُ‬ ‫أعظمهام‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الرشيعة‬ ‫ِ‬
‫بمقاصد‬ ‫العلم‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫حصول‬ ‫ِ‬
‫باستقراء العللِ‬ ‫فإن‬ ‫ِ‬
‫مسالك الع َّلة‪َّ .‬‬ ‫ِ‬
‫بطرق‬
‫حلكمة م ّت ٍ‬
‫حدة‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫ضابطا‬ ‫ٍ‬
‫بسهولة‪ ،‬أل َّننَا إ َذا استقرينَا عللً كثري ًة متامثل ًة فِ كونِا‬
‫ستنتج‬
‫ُ‬ ‫رشعي‪ ،‬كام ُي‬
‫ٌّ‬ ‫فنجزم بأنَّا مقصدٌ‬
‫ُ‬ ‫نستخلص منها حكم ًة واحدة‪،‬‬
‫َ‬ ‫أمكن ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬
‫قواعد ِ‬
‫املنطق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حسب‬
‫َ‬ ‫حتصيل مفهو ٍم ك ٍّ‬
‫لّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اجلزئيات‬ ‫ِ‬
‫استقراء‬ ‫ِمن‬
‫قول‬ ‫ِ‬
‫اإليامء فِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بمسلك‬ ‫ِ‬
‫الثابتة‬ ‫ِ‬
‫املزابنة‬ ‫النهي ِ‬
‫عن‬ ‫ِ‬ ‫مثاله‪ :‬أ َّننا إذا علمنا ع ّل َة‬
‫«أينقص‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالرطب‪:‬‬ ‫الصحيح ملَن سأ َله عن ِ‬
‫بيع التم ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلديث‬ ‫يف‬ ‫رسول اهللِ ‬
‫ِ‬
‫يبس؟»‪َ .‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪« :‬فال إذن»(‪.)1‬‬ ‫طب إذا َ‬
‫الر ُ‬
‫ُّ‬

‫‪ -1‬أخرجه أبو داود يف كتاب البيوع واإلجارات‪ ،‬باب ما يف بيع التمر بالتمر رقم ‪ 3359‬والرتمذي يف كتاب‬
‫البيوع‪ ،‬باب ما جاء يف النهي عن املحاقلة واملزابنة وقال حديث حسن صحيح رقم ‪ 1225‬ورواه غريمها‪.‬‬

‫‪-138-‬‬
‫الرطب‬ ‫أحد ِ‬
‫العوضني‪ ،‬وهو ُّ‬ ‫اجلهل بمقدا ِر ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املزابنة هي‬ ‫حتريم‬
‫ِ‬ ‫أن عل َة‬ ‫َ‬
‫فحصل لنَا ّ‬
‫املبيع باليابس‪.‬‬
‫منهام ُ‬
‫ني‬ ‫جهل ِ‬
‫أحد العوض ِ‬ ‫أن ع ّلتَه ُ‬ ‫ِ‬
‫اجلزاف باملكيلِ ‪ ،‬وعلمنا َّ‬ ‫بيع‬
‫عن ِ‬‫النهي ْ‬
‫َ‬ ‫وإذا علمنا‬
‫أن ع ّلتَه‬
‫بالغبن‪ ،‬وعلمنا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إباحة القيا ِم‬ ‫عدم‬
‫علمنا َ‬ ‫ِ‬
‫استنباط الع َّلة‪ .‬وإذا ْ‬ ‫ِ‬
‫بطريق‬
‫قول الرسول عليه السالم للرجل الذي قال له‪:‬‬ ‫بنص ِ‬ ‫اخلديعة بني ُ‬
‫األ َّمة ِّ‬ ‫ِ‬ ‫نفي‬
‫ُ‬
‫فقل‪ :‬ال ِخالبة»(‪.)1‬‬
‫بايعت ُ‬
‫َ‬ ‫إين أخدع يف البيع‪« :‬إذا‬
‫الغر ِر‬ ‫ُ‬
‫إبطال َ‬ ‫العلل ك َّلها استخلصنا منها مقصدً ا واحدً ا‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫َ‬ ‫إذا علمنا ِ‬
‫هذه‬
‫ِ‬
‫املعاوضات‪.‬‬ ‫فِ‬
‫أو غر ٍر ‪-‬يف َ‬
‫ثمن أو ُم ٍ‬
‫ثمن‬ ‫َ‬
‫اشتمل عىل خط ٍر ْ‬ ‫ٍ‬
‫تعاوض‬ ‫أن َّ‬
‫كل‬ ‫ٌ‬
‫خالف يف َّ‬ ‫فلم يبقَ‬
‫ْ‬
‫ٌ‬
‫تعاوض باطل‪.‬‬ ‫أو أجلٍ ‪ -‬فهو‬
‫مسلم آخر‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫خطبة‬ ‫املسلم عىل‬
‫ُ‬ ‫خيطب‬
‫َ‬ ‫عن أن‬
‫النهي ْ‬
‫َ‬ ‫نعلم‬ ‫ٌ‬
‫ومثال آخر‪ :‬وهو أننا ُ‬
‫ِ‬
‫الوحشة‬ ‫ذلك ِمن‬
‫ذلك هو ما يف َ‬
‫أن ع ّل َة َ‬
‫ونعلم َّ‬
‫ُ‬ ‫يسوم عىل ِ‬
‫سومه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫عن ْ‬
‫والنهي ْ‬
‫َ‬
‫فنستخلص من ذلك مقصدً ا‬
‫ُ‬ ‫احلرمان ِمن ٍ‬
‫منفعة مبتغاة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫السعي فِ‬
‫ِ‬ ‫عن‬ ‫التِي ُ‬
‫تنشأ ْ‬
‫ِ‬
‫بانتفاء‬ ‫ِ‬
‫إلثبات اجلز ِم‬ ‫فنستخدم َ‬
‫ذلك املقصدَ‬ ‫ُ‬ ‫األخوة بنيَ املسلمنيَ ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫دوام‬
‫هو‪ُ :‬‬
‫والسائم‬
‫ُ‬ ‫األو ُل‬
‫اخلاطب َّ‬
‫ُ‬ ‫كان‬ ‫ِ‬
‫اخلطبة والسو ِم بعدَ السوم‪ ،‬إذا َ‬ ‫ِ‬
‫اخلطبة بعدَ‬ ‫ِ‬
‫حرمة‬
‫أعرضا عمَّ رغ َبا ِفيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫األول قدْ‬
‫َّ‬
‫النوع الثانِ ِمن هذا الطريق‪ :‬استقراء أدلة أحكام اشرتكت يف ع ّلة‪ ،‬بحيث حيصل‬
‫ُ‬
‫مراد للشارع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بأن َ‬
‫تلك الع ّل َة مقصدٌ‬ ‫لنا اليقنيُ َّ‬

‫‪ -1‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫‪-139-‬‬
‫رواج الطعا ِم فِ األسواق‪.‬‬
‫ِ‬ ‫طلب‬ ‫قبل ِ‬
‫قبضه‪ ،‬ع َّل ُته ُ‬ ‫بيع الطعا ِم َ‬
‫النهي عن ِ‬
‫ُ‬ ‫مثا ُله‪:‬‬
‫إطالقه عندَ اجلمهور‪ِ ،‬ع ّل ُته‬
‫ِ‬ ‫بيع الطعا ِم بالطعا ِم نسيئ ًة‪ ،‬إذا حُل عىل‬
‫والنهي عن ِ‬
‫ُ‬
‫رواجه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فيفوت‬
‫ُ‬ ‫الطعام يف ِّ‬
‫الذمة‬ ‫ُ‬ ‫أن ال يب َقى‬
‫ْ‬
‫مرفوعا‪« :‬من احتكر‬
‫ً‬ ‫مسلم عن معم ٍر‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حلديث‬ ‫عن االحتكا ِر فِ الطعا ِم‬
‫والنهي ِ‬
‫ُ‬
‫إقالل الطعا ِم ِمن األسواق‪.‬‬
‫ُ‬ ‫طعا ًما فهو خاطئ»(‪ .)1‬ع َّل ُته‬
‫ري تناولِه مقصدٌ من‬
‫رواج الطعا ِم وتيس َ‬
‫َ‬ ‫العلم َّ‬
‫بأن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حيصل‬ ‫ِ‬
‫االستقراء‬ ‫فبهذا‬
‫ِ‬
‫مقاصد الرشيعة‪.‬‬
‫الرواج إنام يكون بصو ِر ِمن‬
‫َ‬ ‫إن‬ ‫ُ‬
‫ونقول‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫املقصد فنجعله أصلً‬ ‫فنعمدُ إىل هذا‬
‫َ‬
‫يرتكون‬ ‫الناس ال‬
‫ُ‬ ‫يكون بصو ٍر من املعاوضات؛ إِ ِذ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫واإلقالل إنام‬ ‫املعاوضات‪،‬‬
‫رواج الطعام‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عدم‬ ‫ِ‬
‫املعاوضات ال ي َُشى معه ُ‬ ‫التبا ُي َع‪ .‬فام عدا‬
‫قبل ِ‬
‫قبضه‪ .‬ومن هذا‬ ‫واإلقالة يف الطعام َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والتولية‬ ‫ُ‬
‫الرشكة‬ ‫ولذلك قلنا‪ُ :‬‬
‫جتوز‬
‫ُ‬
‫حصول‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة‬ ‫ِ‬
‫مقاصد‬ ‫الرقاب الذي د َّلنا عىل َّ‬
‫أن من‬ ‫ِ‬ ‫القبيلِ كثر ُة األم ِر ِ‬
‫بعتق‬
‫احلرية‪.‬‬
‫َ‬
‫يكون‬ ‫أن‬ ‫ُ‬
‫يضعف احتامل ْ‬ ‫ُ‬
‫الواضحة الداللة‪ ،‬التي‬ ‫الطريق الثاين‪ :‬أدلة القرآن‬
‫بحيث ال َي ُشك يف‬
‫ُ‬ ‫ري ما هو ظاهرها بحسب االستعامل العريب‪،‬‬
‫املراد منها غ َ‬
‫ُ‬
‫شكا ال يعتدّ به‪.‬‬ ‫أن ُي ِ‬
‫دخل عىل نفسه َّ‬ ‫املراد منها إ َّ‬
‫ال من شا َء ْ‬
‫أن َ‬
‫اهلل‬ ‫أال ترى أنا نجزم بأن معنى‪:‬ﱫ ﭦ ﭧ ﭨ ﱪ [البقرة‪َّ ]183 :‬‬
‫ِ‬
‫الورق‬ ‫مكتوب يف‬
‫ٌ‬ ‫الصيام‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫اللفظ َّ‬ ‫ظاهر هذا‬
‫َ‬ ‫إن‬ ‫أوجبه‪ .‬ولو َ‬
‫قال أحدٌ ‪َّ :‬‬

‫‪ -1‬أخرجه مسلم وغريه باب حتريم االحتكار يف األقوات رقم‪.1605‬‬

‫‪-140-‬‬
‫ً‬
‫خطأ من القول‪.‬‬ ‫جلا َء‬
‫ِ‬
‫عليه إىل‬ ‫ِ‬
‫بنسبة ما حيت ِوي‬ ‫ُ‬
‫حيصل اليقنيُ‬ ‫قطعي ُه‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اللفظ‬ ‫متواتر‬
‫َ‬ ‫فالقرآن لكونِه‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫يضعف‬ ‫ٍ‬
‫واضحة‬ ‫ٍ‬
‫داللة‬ ‫حيتاج إىل‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الداللة‬ ‫الشارع تعاىل‪ ،‬ولك َّنه لكونِه َّ‬
‫ظني‬ ‫ِ‬
‫احتامل معنًى ٍ‬
‫ثان إليها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تطر ُق‬
‫ُّ‬
‫رشعي منه‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫مقصد‬ ‫أخذ‬ ‫ِ‬
‫الداللة َت َس ّنى لنا ُ‬ ‫املتن قو ُة َظ ِّن‬
‫قطعية ِ‬
‫ّ‬ ‫انضم إىل‬
‫َّ‬ ‫فإذا‬
‫ُ‬
‫يؤخذ من قوله تعاىل‪:‬ﱫﮌ ﮍ‬ ‫ِ‬
‫اجلدل يف الفقه‪ ،‬مثل ما‬ ‫َ‬
‫اخلالف عندَ‬ ‫يرفع‬
‫ُ‬
‫ﮎ ﮏﱪ [البقرة‪ ،]205:‬وقوله‪:‬ﱫ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﱪ [النساء‪ ،]29:‬وقوله‪:‬ﱫ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤﱪ [فاطر‪ ،]18:‬وقوله‪:‬ﱫ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﱪ [املائدة‪ ،]91:‬وقوله‪:‬ﱫ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﱪ [البقرة‪ ،]185:‬ﱫ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ‬
‫ﯲ ﯳﱪ [احلج‪.]78:‬‬
‫تنبيه عىل مقصد‪.‬‬
‫رشعي أو ٌ‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫بمقصد‬ ‫ترصيح‬
‫ٌ‬ ‫ففي ّ‬
‫كل آية من هذه اآليات‬
‫الطريق ال يوجدُ له ٌ‬
‫مثال إال يف حالني‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫السنة املتواتر ُة‪ .‬وهذا‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪:‬‬ ‫ُ‬
‫الطريق‬
‫ِ‬
‫الصحابة عملً من‬ ‫ِ‬
‫مشاهدة عمو ِم‬ ‫ُ‬
‫احلاصل من‬ ‫املعنوي‬
‫ُّ‬ ‫التواتر‬
‫ُ‬ ‫احلال األول‪:‬‬
‫مجيع املشاهدين‪.‬‬
‫فيه ُ‬‫ذلك يست ِوي ِ‬
‫علم بترشيٍع يف َ‬ ‫ُ‬
‫فيحصل هلم ٌّ‬ ‫النبي ‬
‫ِّ‬
‫وقسم العملِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالرضورة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الدين‬ ‫قسم املعلو ِم من‬
‫ُ‬ ‫يرجع‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلال‬ ‫وإىل هذا‬
‫ِ‬
‫اجلارية املعبَّ‬ ‫ِ‬
‫الصدقة‬ ‫ِ‬
‫مرشوعية‬ ‫القريب من املعلو ِم رضور ًة؛ ُ‬
‫مثل‬ ‫ِ‬ ‫الرشعي‬
‫ِّ‬
‫بعضها ُ‬
‫باحل ُبس‪.‬‬ ‫عن ِ‬

‫‪-141-‬‬
‫ِ‬
‫انعقاد‬ ‫ُ‬
‫يقول بعد ِم‬ ‫بلغه‪َّ :‬‬
‫أن رش ًحيا‬ ‫ٌ‬
‫مالك حنيَ َ‬ ‫ُ‬
‫العمل هو الذي عناه‬ ‫وهذا‬
‫فرائض اهلل؛ َ‬
‫فقال مالك‪ :‬رحم اهلل رش ًحيا‬ ‫ِ‬ ‫عن‬
‫بس ْ‬ ‫ُ‬
‫احلبس‪ ،‬ويقول‪ :‬أن ال َح َ‬
‫النبي‬
‫أزواج ِّ‬
‫ِ‬ ‫تك ّلم ببالده ‑ يعني الكوفة‑ ومل َي ِرد املدينة‪ ،‬فريى آثار األكابر من‬
‫طاعن‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫يطعن فيها‬
‫ُ‬ ‫حبسوا من أمواهلم ال‬ ‫ِ‬
‫وأصحابه والتابعنيَ بعدَ هم وما َّ‬
‫أن ال يتك َّلم إ ّ‬
‫ال فيمَ‬ ‫ِ‬
‫للمرء ْ‬ ‫ِ‬
‫وينبغي‬ ‫سبعة حوائِط‪.‬‬
‫ُ‬ ‫رسول اهللِ‬
‫ِ‬ ‫صدقات‬
‫ُ‬ ‫وهذه‬
‫أحاط ِ‬
‫به ُخ ً‬
‫ربا‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫العيدين بعدَ الصالة‪.‬‬ ‫ككون ُخ ِ‬
‫طبة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العبادات كثري ٌة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وأمثلة هذا العملِ يف‬
‫ِ‬
‫أعامل‬ ‫ِ‬
‫مشاهدة‬ ‫الصحابة ِمن ُّ‬
‫تكرر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آلحاد‬ ‫ٌّ‬
‫عميل‪ ،‬حيصل‬ ‫تواتر‬
‫ٌ‬ ‫احلال الثاين‪:‬‬
‫ِ‬
‫جمموعها مقصدً ا رشع ًيا‪.‬‬ ‫ستخلص من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بحيث َي‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل‬
‫شاطئ هن ٍر باألهوا ِز‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بن ٍ‬
‫قيس قال‪ :‬ك َّنا عىل‬ ‫ِ‬
‫األزرق ِ‬ ‫البخاري عن‬
‫ِّ‬ ‫صحيح‬
‫ِ‬ ‫ففي‬
‫فرسه‪،‬‬
‫فقام يصلِّ وخلّ َ‬ ‫األسلمي عىل ٍ‬
‫فرس‪َ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫املاء‪ .‬فجا َء أ ُبو ْبرز َة‬
‫عنه ُ‬ ‫نضب ُ‬
‫َ‬ ‫قدْ‬
‫ثم جا َء فقضَ‬ ‫َ‬
‫فأخذها‪َّ ،‬‬ ‫أدركها‬ ‫الفرس‪َ .‬‬
‫فرتك صال َته وتبعها ح َّتى َ‬ ‫ُ‬ ‫فانطلقت‬
‫ْ‬
‫الشيخ َ‬
‫ترك صال َته‬ ‫ِ‬ ‫فأقبل يقول‪ :‬انظروا إىل َ‬
‫هذا‬ ‫َ‬ ‫رجل َله ٌ‬
‫رأي‬ ‫ٌ‬ ‫صال َته‪ .‬وفينا‬
‫وقال‪:‬‬ ‫رسول اهللِ‬
‫َ‬ ‫فارقت‬
‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬ما ع َّنفنِي أحدٌ ُ‬
‫منذ‬ ‫فأقبل َ‬
‫َ‬ ‫ِمن أجلِ َ‬
‫فرس‪.‬‬
‫وذكر أ َّنه‬
‫َ‬ ‫الفرس ْمل ِ‬
‫آت أهلِ إلَ الليلِ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وتركت‬
‫ُ‬ ‫صليت‬
‫ُ‬ ‫مرتاخ‪ ،‬فلو‬
‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫إن منزلِ‬
‫تيسريه»‪.‬‬ ‫َ‬
‫فرأى ِمن ِ‬ ‫رسول اهللِ‬
‫َ‬ ‫صحب‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫مقاصد‬ ‫أن ِمن‬‫استخلص منها َّ‬
‫َ‬ ‫رسول اهللِ املتعدد َة‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫أفعال‬ ‫فمشاهد ُته‬
‫العود إىل‬ ‫ثم‬ ‫إدراك ِ‬
‫ِ‬ ‫الصالة ِمن أجلِ‬
‫ِ‬ ‫ري‪َ .‬‬
‫فرأى َّ‬
‫َ‬ ‫فرسه َّ‬ ‫قطع‬
‫أن َ‬ ‫الرشع التيس ُ‬
‫ِ‬
‫الرجوع إىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مشقة‬ ‫استئناف صالتِه أولَ ِمن استمرا ِره عىل صالتِه َمع ُّ‬
‫جتشم‬ ‫ِ‬

‫‪-142-‬‬
‫ِ‬
‫أهله راجلً‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالنسبة‬ ‫ٌ‬
‫مظنون ظ ًّنا قري ًبا من القطع‪ ،‬ولك َّنه‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة إىل أيب برز َة‬ ‫فهذا املقصدُ‬
‫ِ‬
‫وجه‬ ‫حمتمل؛ ألنه ُيتل ّقى منه عىل‬
‫إىل غريه‪ -‬الذين َي ْروي إليهم خربه‪ -‬مقصدٌ َ‬
‫الظن به»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫وحسن ِّ‬ ‫ِ‬
‫التقليد‬
‫ٍ‬
‫تابعة‪ ،‬وهي مقاصدُ ال حتىص‬ ‫وأخرى‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫أصلية‬ ‫الشاطبي إىل مقاصدَ‬
‫ُّ‬ ‫ولقد صنفها‬
‫ذلك أبواب العبادات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفقه بام يف َ‬ ‫ِ‬
‫أبواب‬ ‫أكثر‬
‫شملت َ‬
‫ْ‬
‫وأصل‬
‫البيوع‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫للرواج يف‬
‫ِ‬ ‫فروج‬ ‫ِ‬
‫واألنكحة َّ‬ ‫ِ‬
‫املعامالت‬ ‫ابن عاشور يف‬
‫وتوسع ُ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫وكذلك‬ ‫ِّ‬
‫احلق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بنظرية‬ ‫أوضح إىل حدٍّ ما َما ُي َّ‬
‫سمى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫بحيث‬ ‫ِ‬
‫احلقوق‬ ‫أنواع‬
‫َ‬
‫النكاح باعتبا ِره جذم نظام العائلة‪ ،‬وغريه من املقاصد اخلاصة‬
‫ِ‬ ‫رشح مقاصدَ‬
‫َ‬
‫بأبواب الفقه‪.‬‬
‫ُ‬
‫فالرشيعة‬ ‫ِ‬
‫باألبواب ال تُىص‪.‬‬ ‫أن هذه املقاصدَ اجلزئي َة أ ِو املحدود َة‬
‫واحلق َّ‬
‫ُّ‬ ‫قلت‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان‪.‬‬ ‫يسعى إليها‬
‫غايات َ‬
‫ٌ‬ ‫ك ُّلها ِح ٌّ‬
‫كم‪ ،‬وكلها عندَ التأملِ‬
‫أصل من‬ ‫ِ‬
‫مسلك اإليامء‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ٍ‬
‫حامد الغزا ُّيل رمحه اهلل تعاىل يف‬ ‫فاألمر كام قال أبو‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫يدخل‬ ‫ذكر أمثل ًة لإليامء‪« :‬هذا وأمثا ُله ممَّا ُ‬
‫يكثر وال‬ ‫أن َ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد بعدَ ْ‬ ‫أصول هذه‬
‫ِ‬
‫كتاب «شفاء‬ ‫ِ‬
‫تفصيلها يف‬ ‫ِ‬
‫التنبيه ال تنضبط‪ .‬وقد أطنبنَا يف‬ ‫حتت احلرص‪ .‬فوجو ُه‬
‫َ‬
‫القدر ٍ‬
‫كاف ههنا»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الغليل» وهذا‬
‫سواء‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫وصف حادث‪،‬‬ ‫عقيب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حدث‬ ‫حكم‬
‫ٍ‬ ‫اجلنس ُّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يلتحق هبذا‬ ‫وأضاف‪« :‬بل‬
‫والنكاح والترصفات؛ أو‬
‫ِ‬ ‫البيع‬
‫ِ‬ ‫امللك ِ‬
‫واحل ّل عندَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كحدوث‬ ‫كان ِمن األقوال‪،‬‬
‫َ‬

‫‪ -1‬ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الرشيعة ‪.56/3‬‬

‫‪-143-‬‬
‫كتحريم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلتالف؛ أو من الصفات‪،‬‬ ‫كاشتغال ِّ‬
‫الذمة عند القتلِ‬ ‫ِ‬ ‫من األفعال‪،‬‬
‫ِ‬
‫احليض‪،‬‬ ‫ِ‬
‫طريان‬ ‫ِ‬
‫الوطء عندَ‬ ‫وحتريم‬
‫ِ‬ ‫ري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫طريان الشدّ ة عىل العص ِ‬ ‫ِ‬
‫الرشب عندَ‬
‫ال َ‬
‫هذا‪،‬‬ ‫سبب‪ ،‬ومل يتجدّ د إ َّ‬
‫ٍ‬ ‫ال بتجدُّ ِد‬
‫احلكم إ َّ‬
‫ُ‬ ‫ينقدح ْ‬
‫أن يقال‪« :‬ال يتجدّ ُد‬ ‫ُ‬ ‫فإ َّنه‬
‫وإن ْمل يناسب»(‪.)1‬‬
‫السبب ْ‬
‫ُ‬ ‫فإ ًذا َ‬
‫هو‬
‫رب خامس ًة‬ ‫يمكن ْ‬
‫أن تعت َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫جهة أخرى‬ ‫أن املقاصدَ ُت ُ‬
‫عرف من‬ ‫ويعن يل َّ‬
‫ُّ‬ ‫قـلـت‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الرتك‬ ‫وليس‬
‫َ‬ ‫هي ُ‬
‫جهة الرتْك‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اجلهة َ‬ ‫األربع‪ِ ،‬‬
‫وهذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جلهات الشاطبِ ِّي‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة‬
‫ِ‬
‫كرتكه السجو َد يف‬ ‫متعمد من الشارع‪،‬‬
‫َّ‬ ‫هو ٌ‬
‫ترك‬ ‫ُ‬
‫فالرتك َ‬ ‫مراد ًفا للسكوت‪،‬‬
‫الشارع َ‬
‫بيان‬ ‫ِ‬ ‫الرتاويح‪ ،‬الذي ُيعرف منه قصدُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتركه صال َة‬ ‫مواضع السجود‪،‬‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫تفرض وال يعتقدَ‬ ‫ِ‬
‫الوجوب ح َّتى ال‬ ‫مرتبة هذه العبادات‪ ،‬وأهنا ال تر َقى إىل‬
‫فيها الفرض‪.‬‬
‫أما الرتك الذي مل تقم عليه قرينة القصد فهو موضوع خالف بني العلامء هل‬
‫يمكن أن يكون مناط حكم أولً كام أسلفنا يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫مقام األوام ِر‪ ،‬ومنف ِّيها الذي يعت ُ‬
‫رب‬ ‫تعرف من مث َبت األخبا ِر التِي ُ‬
‫تقوم َ‬ ‫ُ‬ ‫كام أهنا‬
‫تتبعه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يطول ُّ‬ ‫أمر‬
‫وهو ٌ‬ ‫نواهي‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫الصحابة وفتاوهيِم؛ ألنَّم كانوا ي َّتبعون املقاصدَ‬ ‫كام أنَّا ُتعرف من أحكا ِم‬
‫واملعاينَ ‪.‬‬
‫واالقتصار يف ِ‬
‫درك‬ ‫ُ‬ ‫ّباع املعانِ‬ ‫ِ‬
‫الصحابة ات ُ‬ ‫املفهوم من‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اجلملة‬ ‫قال الغزايل‪ :‬وعىل‬
‫َ‬
‫مسائل‬ ‫ِ‬
‫اليقني؛ فإهنم حكموا يف‬ ‫درك‬ ‫ِ‬
‫اشرتاط ِ‬ ‫الغالب َ‬
‫دون‬ ‫ِ‬ ‫املعانِ عىل الرأيِ‬

‫‪ -1‬أبو حامد الغزايل املستصفى ‪.301/2‬‬

‫‪-144-‬‬
‫احلكم‬
‫ُ‬ ‫مجيعها إ َّ‬
‫ال‬ ‫جيمع َ‬
‫ُ‬ ‫املناهج‪ ،‬ال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومتباينة‬ ‫ِ‬
‫الطرق‬ ‫ِ‬
‫متفاوتة‬ ‫َ‬
‫بمسالك‬ ‫ٍ‬
‫خمتلفة‬
‫النبي عليه الصالة‬
‫قرر ُّ‬ ‫ِ‬
‫باالجتهاد الذي َّ‬ ‫املراد‬
‫ُ‬ ‫األرجح‪ ،‬وهو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األغلب‬ ‫بالرأيِ‬
‫والسالم معا ًذا عليه»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫ألصول‬ ‫جامعا ِّ‬
‫موض ًحا‬ ‫ً‬ ‫رشح َّ‬
‫املوطا‪ -‬كال ًما‬ ‫املسوى ِ‬
‫هلوي ‪-‬يف َّ‬
‫ُّ‬ ‫قال و ُّيل اهللِ الدِّ‬
‫للشارع ُّ‬
‫يدل عىل الرضا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫خطاب‬ ‫عرف املقاصدُ من ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‪ :‬و ُت ُ‬ ‫ِ‬
‫استنباط‬
‫ِ‬
‫السخط الذي‬ ‫أو ُّ‬
‫يدل عىل‬ ‫ِ‬
‫الندب‪ْ ،‬‬ ‫الوجوب أ ِو‬
‫ِ‬ ‫يتفاوت ليمثَّل درج َة‬
‫ُ‬ ‫الذي‬
‫ِ‬
‫الكراهة»‪.‬‬ ‫التحريم أ ِو‬
‫ِ‬ ‫يتفاوت ليمثَّل درج َة‬
‫ُ‬
‫فيعلم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والسخط‬ ‫ذلك يف مقدِّ متِه لذلك الرشح بقوله‪َّ :‬أما الرضا‬
‫عن َ‬ ‫وعبَّ ْ‬
‫ِ‬
‫والرمحة واللعنة‪،‬‬ ‫واحلب والبغض‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الصيغ الدا َّلة عىل ِّ‬
‫الرضا والسخط‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫واملالئكة وأهلِ اجل َّنة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املرض ِّيني مثلِ األنبياء‬ ‫ُ‬
‫ونسبة الفعلِ إىل‬ ‫ِ‬
‫والبعد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والقرب‬
‫واملنع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والطلب‪،‬‬ ‫أو إىل غ ِ‬
‫ري املرض ِّيني مثلِ الشياطني‪ ،‬واملنافقني‪ ،‬وأهلِ النار‪.‬‬
‫العرف مثلِ املِسك‪ ،‬أو‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بمحمود يف‬ ‫ِ‬
‫والتشبيه‬ ‫ِ‬
‫اجلزاء املرتَّب عىل الفعل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وبيان‬
‫مع‬ ‫ِ‬
‫بفعله‪ ،‬أو اجتنابِه عنه َ‬ ‫النبي‬ ‫العرف مثلِ ِ‬
‫قيء الكلب‪ ،‬واهتام ِم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫مذمو ٍم فِ‬
‫حضو ِر ِ‬
‫داعيه‪.‬‬
‫املسمى‬
‫َّ‬ ‫املؤك ِد‬
‫ري َّ‬ ‫َ‬
‫والرضا غ ِ‬ ‫املؤك ِد ا ُملسمى بالوجوب‪،‬‬
‫الرضا َّ‬ ‫التمييز ب َ‬
‫ني ِّ‬ ‫ُ‬ ‫أ َّما‬
‫املسمى‬
‫َّ‬ ‫ري َّ‬
‫املؤكد‬ ‫ِ‬
‫والسخط غ ِ‬ ‫املسمى باحلر َمة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫املؤكد‬ ‫ِ‬
‫السخط َّ‬ ‫ِ‬
‫وعن‬ ‫بالندب‪،‬‬
‫مثل قولِه‬ ‫حال ِ‬
‫خمالفه ُ‬ ‫يَّ َ‬
‫وأرصحه ما ب َ‬
‫ُ‬ ‫الرشعية‪،‬‬
‫َّ‬ ‫بتتبع الدالئلِ‬ ‫ُ‬
‫فيحصل ُّ‬ ‫بالكراهة‪،‬‬
‫َ‬
‫«من‬
‫شجاعا أقرع»‪ .‬وقوله ‪ْ :‬‬‫ً‬ ‫ِ‬
‫القيامة‬ ‫«من ْمل يؤ ِّد زكا َة مالِه ُم ِّثل َله ما ُله َ‬
‫يوم‬ ‫‪ْ :‬‬

‫‪ -1‬الغزايل شفاء الغليل ص‪.195‬‬

‫‪-145-‬‬
‫ال فال حرج»‪.‬‬
‫ركن اإلسالم‪ ،‬أو الكف ِر‪ ،‬والتشديدُ‬ ‫ِ‬
‫اليشء َ‬ ‫ُ‬
‫وجعل‬ ‫حيل»‬ ‫مثل ِ‬
‫لفظ‪« :‬جيب» و«ال ُّ‬
‫«ليس ِمن املرو َءة» و«ال ينبغي»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ومثل‪َ :‬‬ ‫فعله أو ِ‬
‫تركه‪،‬‬ ‫البالغُ علَ ِ‬

‫ليست‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫التالوة‬ ‫عمر‪« :‬سجد ُة‬ ‫مثل ِ‬
‫قول َ‬ ‫ِ‬
‫الصحابة يف َ‬
‫ذلك ُ‬ ‫الفقهاء ِمن‬
‫ِ‬ ‫حكم‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الصامت‪« :‬إن الوتر ليس بواجب»‪.‬‬ ‫عمر وعبادة ِ‬
‫بن‬ ‫ِ‬
‫وقول ِ‬
‫ابن َ‬ ‫بواج َب ٍة»‪،‬‬
‫هو‬
‫أو َ‬ ‫ِ‬
‫لذريعة اإلثم؟ ْ‬ ‫ٍ‬
‫طاعة؟ أو سدٌّ‬ ‫ُ‬
‫تكميل‬ ‫املطلوب ْ‬
‫هل هو‬ ‫ِ‬ ‫وبالتأملِ يف ِ‬
‫حال‬
‫ركن ِمن‬ ‫ٌ‬
‫داخل فِ ٍ‬ ‫هو‬
‫مؤكد‪ ،‬أم َ‬‫ري َّ‬ ‫ُ‬
‫فيكون غ َ‬ ‫ِ‬
‫السمت؟‬ ‫ِ‬
‫وحسن‬ ‫ِمن ِ‬
‫باب الوقا ِر‬
‫فيكون َّ‬
‫مؤكدً ا»(‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫إثم ِمن الكبائ ِر؟‬
‫أو ٌ‬ ‫ِ‬
‫أركان اإلسال ِم‪ْ ،‬‬
‫وقد أبان ذلك وزاد عليه يف كتابه «حجة اهلل البالغة» فقال‪ :‬باب كيفية فهم‬
‫املعاين الرشعية من الكتاب والسنة‪ :‬واعلم أن الصيغة الدالة عىل الرضا‬
‫والسخط هي احلب والبغض والرمحة واللعنة والقرب والبعد ونسبة الفعل‬
‫إىل املرضيني أو املسخوطني كاملؤمنني واملنافقني واملالئكة والشياطني وأهل‬
‫اجلنة والنار والطلب واملنع وبيان اجلزاء املرتتب عىل الفعل والتشبيه بمحمود‬
‫بفعله أو اجتنابه عنه مع حضور دواعيه‬ ‫يف العرف أو مذموم واهتامم النبي‬
‫وأما التمييز بني درجات الرضا والسخط من الوجوب والندب واحلرمة‬
‫والكراهية فأرصحه ما بني حال خمالفه مثل من مل يؤد زكاة ماله مثل له احلديث‬
‫ومن ال فال حرج ثم اللفظ مثل جيب وال حيل وجعل اليشء ركن‬ ‫وقوله‬
‫اإلسالم أو الكفر والتشديد البالغ عىل فعله أو تركه ومثل ‪ -‬ليس من املروءة‬

‫‪ -1‬ويل اهلل الدهلوي املسوى من أحاديث املوطأ ‪.49/1‬‬

‫‪-146-‬‬
‫وال ينبغي ‪ -‬ثم حكم الصحابة والتابعني يف ذلك كقول عمر ريض اهلل عنه إن‬
‫سجدة التالوة ليست بواجبة وقول عيل ريض اهلل عنه إن الوتر ليس بواجب‬
‫ثم حال املقصد من كونه تكميال لطاعة أو سدا لذريعة إثم أو من باب الوقار‬
‫وحسن األدب وأما معرفة العلة والركن والرشط فأرصحها ما يكون بالنص‬
‫مثل كل مسكر حرام ال صالة ملن مل يقرأ بأم الكتاب ال تقبل صالة أحدكم‬
‫حتى يتوضأ ثم باإلشارة واإليامء مثل قول الرجل واقعت أهيل يف رمضان قال‬
‫أعتق رقبة وتسمية الصالة قياما وركوعا وسجودا يفهم أهنا أركاهنا‪.‬‬
‫‪ :‬دعهام فإين أدخلتهام طاهرتني»(‪ .)1‬يفهم اشرتاط الطهارة عند لبس‬ ‫قوله‬
‫اخلفني ثم أن يكثر احلكم بوجود اليشء عند وجوده أو عدمه عند عدمه حتى‬
‫يتقرر يف الذهن عليه اليشء أو ركنيته أو رشطيته بمنزلة ما يدب يف ذهن‬
‫الفاريس من معرفة موضوعات اللغة العربية عند ممارسة العرب واستعامهلم‬
‫إياها يف املواضع املقرونة بالقرائن من حيث ال يدري وإنام ميزانه نفس تلك‬
‫الرجز وتكرر ذلك‬
‫املعرفة فإذا رأينا الشارع كلام صىل ركع وسجد ودفع عنه ّ‬
‫جزمنا باملقصود‪ .‬وإن شئت احلق فهذا هو املعتمد يف معرفة األوصاف النفسية‬
‫مطلقا فإذا رأينا الناس جيمعون اخلشب ويصنعون منه شيئا جيلس عليه‬
‫ويسمونه الرسير نزعنا من ذلك أوصافه النفسية ثم ختريج ملناط اعتام ًدا عىل‬
‫وجدان مناسبة أو عىل السرب واحلذف‪ .‬وأما معرفة املقاصد التي بني عليها‬
‫األحكام فعلم دقيق ال خيوض فيه إال من لطف ذهنه واستقام فهمه وكان فقهاء‬

‫‪ -1‬أخرجه البخاري‪ ،‬باب إذا أدخل رجليه ومها طاهرتان‪.‬‬

‫‪-147-‬‬
‫الصحابة تلقت أصول الطاعات واآلثام من املشهورات التي أمجع عليها األمم‬
‫املوجودة يومئذ كمرشكي العرب كاليهود والنصارى فلم تكن هلم حاجة إىل‬
‫معرفة ملياهتا وال البحث عام يتعلق بذلك أما قوانني الترشيع والتيسري وأحكام‬
‫الدين فتلقوها من مشاهدة مواقع األمر والنهي كام أن جلساء الطبيب يعرفون‬
‫مقاصد األدوية التي يأمر هبا بطول املخالطة واملامرسة وكانوا يف الدرجة العليا‬
‫من معرفتها ومنه قول عمر ريض اهلل عنه ملن أراد أن يصل النافلة بالفريضة‬
‫أصاب اهلل بك يا ابن اخلطاب وقول ابن‬ ‫هبذا هلك من قبلكم فقال النبي‬
‫عباس ريض اهلل عنهام يف بيان سبب األمر بغسل يوم اجلمعة وقول عمر ريض‬
‫اهلل عنه وافقت ريب يف ثالث وقول زيد ريض اهلل عنه يف املنهي عنها إنه كان‬
‫يصيب الثامر مراض قشام دمان الخ وقول عائشة ريض اهلل عنها لو أدرك النبي‬
‫ما أحدثه النساء ملنعهن من املساجد كام منعت نساء بني إرسائيل وأرصح‬
‫طرقها ما بني يف نص الكتاب والسنة مثل(‪.)1‬‬
‫ألن َ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫الستنباط املقاصد؛ َّ‬ ‫ستودعا‬
‫ً‬ ‫ُثل ُم‬ ‫ِ‬
‫اإليامن ت ُ‬ ‫قلت‪ :‬ويبدو يل أن ُش َ‬
‫عب‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫العبادات أم من‬ ‫كانت من ِجنس‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫شتمل عىل معنى من املعاين‪ ،‬سوا ًء‬ ‫ُش ٍ‬
‫عبة َت‬
‫ِجنس املعامالت‪.‬‬
‫كانت‬
‫ْ‬ ‫سواء‬
‫ٌ‬ ‫ال االستقراء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املقاصد إ َّ‬ ‫ِ‬
‫حرص‬ ‫ٌ‬
‫دليل عىل‬ ‫فإنه ال يوجدُ‬ ‫ِ‬
‫وباجلملة ُ‬
‫تابع ًة‪.‬‬
‫أو َ‬ ‫أو جزئي ًة أصلي ًة ْ‬
‫مقاصدَ كلي ًة ْ‬
‫التعرف عىل‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫خالل وسائلِ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة من‬ ‫ِ‬
‫نصوص‬ ‫االستقراء املعتمدُ عىل‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫‪ -1‬الدهلوي‪ ،‬حجة اهلل البالغة ‪.288/1‬‬

‫‪-148-‬‬
‫كانت‬
‫ْ‬ ‫احلرص‪ ،‬التِي ْ‬
‫وإن‬ ‫ِ‬ ‫دعوى‬ ‫مسالك الع َّل ِة َّ‬
‫‑ أدى إىل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد عىل غرا ِر‬
‫والتحسيني‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫واحلاجي‬
‫ِّ‬ ‫الرضوري‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫باملقاصد الثال َثة‪:‬‬ ‫مقبول ًة فِ تع ُّلق األحكا ِم‬
‫فإن َ‬
‫ذلك ْمل‬ ‫ِ‬
‫الثالث؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫املراتب‬ ‫يمكن نم ُيها إىل إحدَ ى‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة‬ ‫وأن َّ‬
‫كل أحكا ِم‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫تتعلق هبا‬ ‫للشارع‪ ،‬وبالتالِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫تكون مقصود ًة‬ ‫أخرى عام ًة‬ ‫يمنع ِمن ِ‬
‫إجياد مقاصدَ َ‬ ‫ْ‬
‫تتباين معها‪ ،‬فمقصدُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‪ ،‬وال‬ ‫مع َ‬
‫تلك‬ ‫تتقاطع َ‬
‫ُ‬ ‫مصلحيا‬
‫ًّ‬ ‫األحكام تع ُّل ًقا‬
‫ُ‬
‫شك من َ‬
‫تلك املقاصد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بدون ٍّ‬ ‫واالستخالف‪ِ ،‬‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العبادة‬ ‫ِ‬
‫العامرة‪ ،‬ومقصدُ‬
‫ِ‬
‫العلة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مسالك‬ ‫ٍ‬
‫وبخاصة‬ ‫ِ‬
‫األصول‬ ‫ِ‬
‫أبواب‬ ‫بتتبع‬ ‫ُ‬
‫يكون ُّ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‬ ‫والتعرف عىل‬
‫ُّ‬
‫وهلذا ُ‬
‫يقول الشاطبِ ُّي‪:‬‬
‫الرشع أنَّا علَ رض َبني‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ظهر لنَا ِمن‬ ‫ِ‬
‫التكليف َ‬ ‫املصالح فِ‬
‫َ‬ ‫الثالث‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫الوج ُه‬
‫والنص‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫كاإلمجاع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بمسالكه املعرو َف ِة؛‬
‫ِ‬ ‫الوصول إىل معرفتِه‬
‫ُ‬ ‫يمكن‬
‫ُ‬ ‫أحدُ مها‪ :‬ما‬
‫الظاهر ِ‬
‫الذي نع ِّل ُل بِه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هو‬
‫القسم َ‬
‫ُ‬ ‫ريها‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫واملناسبة‪ ،‬وغ ِ‬ ‫رب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واإلشارة‪ ،‬والس ِ‬
‫ِ‬
‫ألجله»(‪.)1‬‬ ‫إن رشعي َة األحكا ِم‬
‫ونقول‪َّ :‬‬

‫ ‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.532/2‬‬

‫‪-149-‬‬
‫املشهد السادس‬

‫االستنجاد بالمقاصد واستثمارها‬

‫كيف نجنِى‬
‫واستخراجها ِمن مكامنِها َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استنباطها‬ ‫نعني هبذا َّ‬
‫أن املقاصدَ بعدَ‬
‫ثمرهتا؟ وكيف تنجدنا وترفدنا وتسعفنا وتتحفنا بفوائد ترشيعية؟‬
‫ليكون جمتهدا موصو ًفا‬
‫َ‬ ‫ترشيح املستثم ِر الذي هو املجتهدُ ؛‬
‫ُ‬ ‫فأول استثام ٍر هلا َ‬
‫هو‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫املقاصد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بمعرفة‬ ‫الوصف ال بدَّ ِمن ا ِّت ِ‬
‫صافه‬ ‫ِ‬ ‫هبذا‬
‫ِ‬
‫املعرفة‪ ،‬مها‪:‬‬ ‫ني ِمن‬
‫املجتهدين عىل دعامت ِ‬
‫َ‬ ‫الشاطبي اجتها َد‬
‫ُّ‬ ‫لقد بنَي‬
‫ِ‬
‫النصوص‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومقتضيات‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ‬ ‫ِ‬
‫بدالالت‬ ‫ِ‬
‫العربية فيمَ يتع َّلق‬ ‫ِ‬
‫اللغة‬ ‫ُ‬
‫معرفة‬ ‫أولً‪:‬‬
‫االجتهاد باملعانِ ِمن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة مجل ًة وتفصيلً إذا تع َّلق‬ ‫ِ‬
‫مقاصد‬ ‫ُ‬
‫معرفة‬ ‫ثان ًيا‪:‬‬
‫أشار‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫االجتهاد‪ ،‬وقدْ‬ ‫اخلامسة ِمن مسائلِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املسألة‬ ‫َ‬
‫وذلك فِ‬ ‫ِ‬
‫واملفاسد‪،‬‬ ‫املصالح‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫االجتهاد‬ ‫ُ‬
‫درجة‬ ‫ُ‬
‫حتصل‬ ‫قال‪« :‬إ َّنام‬ ‫ِ‬
‫الثانية عندما َ‬ ‫ِ‬
‫املسألة‬ ‫املعنى فِ‬
‫َ‬ ‫ذلك إلَ َ‬
‫هذا‬ ‫قبل َ‬
‫َ‬

‫‪-151-‬‬
‫ِ‬
‫الرشيعة علَ كاملِا»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مقاصد‬ ‫فهم‬ ‫َ‬
‫اتصف بوص َف ِ‬
‫ني‪ :‬أحدُ مها‪ُ :‬‬ ‫ملَن‬
‫َ‬
‫اشرتط َهذا‬ ‫اجلملة بأ َّنه ْمل َير ِمن األصولينيَ َمن‬
‫ِ‬ ‫تعليقه علَ ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫وذكر ُ‬
‫دراز فِ‬ ‫َ‬
‫ري الشاطبِ ِّي‪.‬‬ ‫َ‬
‫الرشط غ َ‬
‫ِ‬
‫املقاصد «مجل ًة‬ ‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫ِ‬
‫املتمثلة فِ‬ ‫ِ‬
‫القوية‬ ‫ِ‬
‫العبارات‬ ‫والشاطبي ِ‬
‫هبذه‬ ‫ُّ‬ ‫قلت‪:‬‬
‫ُ‬
‫ذلك ً‬
‫رشطا رضور ًيا وال غنَى‬ ‫ِ‬
‫املقاصد «عىل كامهلا» ‑ باعتبا ِر َ‬ ‫وفهم‬
‫ِ‬ ‫وتفصيلً»‪،‬‬
‫ِ‬
‫القواعد‬ ‫ِ‬
‫«بمالحظة‬ ‫ُ‬
‫البعض‬ ‫عنه‬
‫بِّ ُ‬
‫عام قد يع ُ‬
‫ري إلَ معنًى ٍّ‬ ‫ِ‬
‫للمجتهد ‑ يش ُ‬ ‫عنه‬
‫ُ‬
‫إمام احلرم ِ‬
‫ني‪.‬‬ ‫أشار ِ‬
‫إليه ُ‬ ‫اجلزئية» كام َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وتقديمها علَ‬ ‫الكلية‬
‫َّ‬
‫وأن َ‬
‫حييط‬ ‫العلوم ملك ًة ُله‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫املجتهد‪ْ :‬‬ ‫ِ‬
‫رشوط‬ ‫السبكي فِ‬
‫ِّ‬ ‫ابن‬
‫وأشار ُ‬
‫َ‬
‫الشارع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫يكتسب قو ًة ُ‬
‫يفهم َهبا مقصو َد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بحيث‬ ‫ويامرسها‬
‫َ‬ ‫الرشع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قواعد‬ ‫بمعظم‬
‫ِ‬
‫املنهاج‪.‬‬
‫ِ‬ ‫رشح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السبك ِّي فِ‬ ‫ِ‬
‫الدين‬ ‫تقي‬ ‫ِ‬
‫وأبيه ِّ‬ ‫ِ‬
‫الدين‬ ‫تاج‬
‫وتكررت فِ كال ِم ِ‬
‫ْ‬
‫فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة َ‬ ‫ِ‬
‫مقاصد‬ ‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫ِ‬
‫الفقيه إلَ‬ ‫الحتياج‬
‫ِ‬ ‫ابن عاشو ٍر‬
‫ض ُ‬ ‫وتعر َ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫أنحاء‪:‬‬ ‫ِ‬
‫مخسة‬ ‫يقع علَ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة ُ‬ ‫املجتهدين بفق ِههم فِ‬
‫َ‬ ‫ترص َف‬ ‫َّ‬
‫إن َّ‬
‫ِ‬
‫االستعامل‬ ‫ِ‬
‫بحسب‬ ‫ِ‬
‫األقوال‪،‬‬ ‫تلك‬ ‫ِ‬
‫مدلوالت َ‬ ‫األو ُل‪ُ :‬‬
‫فهم أقوالِا‪ ،‬واستفاد ُة‬ ‫النحو َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫االستدالل‬ ‫اللفظية التِي َهبا ُ‬
‫عمل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالقواعد‬ ‫الرشعي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫وبحسب النقلِ‬ ‫لغوي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ا ُّل‬
‫ِ‬
‫الفقه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أصول‬ ‫علم‬ ‫ِ‬
‫بمعظمه ُ‬ ‫الفق ِه ِّي‪ .‬وقدْ تك َّف َل‬
‫َ‬
‫استكمل‬ ‫الحت للمجت ِهد‪ ،‬والتِي‬
‫ْ‬ ‫يعارض األد ّل َة التِي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫البحث عمّ‬ ‫النحو الثانِ‪:‬‬
‫ُ‬
‫بطل داللتَها‬ ‫أن َ‬
‫تلك األد َّل َة ٌ‬
‫ساملة ممَّا ُي ُ‬ ‫ليستيقن َّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫استفادة مدلوالتِا‪،‬‬ ‫َ‬
‫إعامل نظ ِره فِ‬
‫والتنقيح‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باإللغاء‬ ‫عليها‬
‫ويقضِ َ‬
‫نظر فِ‬ ‫ً‬
‫معارضا َ‬ ‫عارض أعم َله‪ ،‬وإ َذا أل َفى ُله‬
‫ِ‬ ‫الدليل سا ٌمل ِ‬
‫عن ا ُمل‬ ‫َ‬ ‫استيقن َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫فإ َذا‬
‫‪-152-‬‬
‫رجحان ِ‬
‫أحدمها علَ َ‬
‫اآلخر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أو‬
‫معا‪ْ ،‬‬
‫ني ً‬ ‫ِ‬
‫كيفية العملِ بالدليل ِ‬
‫ورد‬ ‫الشارع علَ ْ‬
‫حك ِم َما َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أقوال‬ ‫حكمه فِ‬
‫ُ‬ ‫قياس ما ْمل ي ِر ْد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪:‬‬ ‫النحو‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫مسالك‬ ‫بطريق ِمن ُط ِ‬
‫رق‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الثابتة‬ ‫ِ‬
‫الترشيعات‬ ‫عرف َ‬
‫علل‬ ‫أن َي َ‬
‫بعد ْ‬ ‫حكمه ِ‬
‫فيه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫العلة ا ُمل َّبي ِ‬
‫نة يف أصول الفقه‪.‬‬

‫حكمه فيمَ‬
‫ُ‬ ‫اس ال ُي ُ‬
‫عرف‬ ‫َ‬
‫حدث لل َّن ِ‬ ‫ث‬ ‫أو ِ‬
‫حاد ٍ‬ ‫حكم لفعلٍ ْ‬
‫ٍ‬ ‫إعطاء‬
‫ُ‬ ‫الرابع‪:‬‬
‫ُ‬ ‫النحو‬
‫ُ‬
‫يقاس ِ‬
‫عليه‪.‬‬ ‫نظري ُ‬
‫وال ُله ٌ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة‪َ ،‬‬ ‫للمجتهدين ِمن أد َّل ِة‬
‫َ‬ ‫الح‬
‫َ‬

‫يعرف ِع َل َل‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫الثابتة عندَ ه َت َل ِّق َي َمن ْمل‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة‬ ‫اخلامس‪ :‬تل ِّقي ِ‬
‫بعض أحكا ِم‬ ‫ُ‬ ‫النحو‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫إدراك‬ ‫نفسه بالقصو ِر َعن‬
‫فهو ي ّتهم َ‬ ‫ِ‬
‫ترشيعها‪َ .‬‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة فِ‬ ‫ِ‬
‫أحكامها وال حكم َة‬
‫فيسمي َ‬
‫هذا‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة‪،‬‬ ‫ب َس َع ِة‬
‫علمه فِ َج ْن ِ‬ ‫ُ‬
‫ويستضعف َ‬ ‫منها‪،‬‬
‫الشارع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حكمة‬
‫دي‪.‬‬
‫بالتعب ِّ‬
‫ُّ‬ ‫النوع‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األنحاء ك ِّل َها(‪.)1‬‬ ‫الرشيعة فِ ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مقاصد‬ ‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إلَ‬ ‫فالفقيه‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫األئمة‬ ‫أيضا َ‬
‫قال‬ ‫املصالح املرس َل ِة‪ِ .‬‬
‫وفيه ً‬ ‫ِ‬ ‫رمحه ُ‬
‫اهلل حجي َة‬ ‫أثبت ٌ‬
‫مالك ُ‬ ‫وفِ هذا النح ِو َ‬
‫والتحسيني ِة‪»...‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ّ‬ ‫احلاجي ِة‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وأحلقوا َهبا‬ ‫ِ‬
‫الرشعية الرضور َّية‪،‬‬ ‫الكلي ِ‬
‫ات‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫بمراعاة‬
‫ِ‬
‫األغالط‬ ‫ضخاض ِمن‬
‫ٍ‬ ‫ويتوح ُل فِ َخ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫العلامء‬ ‫صِّ ُ‬
‫بعض‬ ‫أيضا‪ِ :‬‬
‫«ومن هنا يق ُ‬ ‫َ‬
‫وقال ً‬
‫ويوج ُه رأ َيه إلَ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة علَ اعتصا ِر‬ ‫ِ‬
‫استنباط أحكا ِم‬ ‫يقترص فِ‬
‫ُ‬ ‫حنيَ‬
‫ُ‬
‫وهيمل ما قدمنا ُه‬ ‫يستخرج ُل َّبه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ويأمل ْ‬
‫أن‬ ‫مقتنعا بِه‪ ،‬فال ُ‬
‫يزال يق ِّل ُبه وحي ِّل ُله‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫اللفظ‬
‫ِ‬
‫والسياق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واالصطالحات‬ ‫ِ‬
‫القرائن‬ ‫حيف بالكال ِم ِمن حا َّف ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬
‫االستعانة بمَ ُّ‬ ‫ِمن‬
‫‪ -1‬ابن عاشور مقاصد الرشيعة ‪.40/3‬‬
‫‪ -2‬نفس املرجع ‪.41/3‬‬

‫‪-153-‬‬
‫الترشيع»(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫مقام‬
‫عليها ُ‬ ‫ِ‬
‫االستعانة َ‬ ‫وأحوجه إىل‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الداللة‬ ‫وإن َّ‬
‫أدق مقا ٍم فِ‬ ‫َّ‬
‫املقاص ِد»‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫مدارك أو أكنس ُة‬ ‫حمائر أو‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الشيخ‬ ‫ُ‬
‫والعالمة‬ ‫الشاطبي‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‬ ‫ِ‬
‫املقاصد أ ُبو‬ ‫دندن حو َله أ ُبو‬ ‫ِ‬
‫ولبيان ما َ‬ ‫قلـت‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫نقول‪ :‬املراد باالستنجاد هو إدراك طبيعة‬ ‫بن عاشو ٍر رمحهام اهلل تعاىل‬
‫الطاهر ُ‬
‫ُ‬
‫التعامل مع املقاصد وباملقاصد وأهنا ليست تر ًفا ذهن ًيا وال ثقافة عامة يتعاطاها‬
‫موضوعا فلسف ًيا جمر ًدا أو نظر ًيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الصحفي واالجتامعي وال‬
‫إهنا أداة الستنباط األحكام الرشعية اخلمسة وبالتايل لتكون كذلك ال بد أن‬
‫تنزل من سامء التنظري إىل أرض العمليات ومن التصور الذهني إىل ميدان‬
‫التطبيقات‪.‬‬
‫أن‬‫يمكن ْ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األصول‪،‬‬ ‫منحى ِمن مسائلِ‬
‫أكثر ِمن ثالثنيَ ً‬ ‫ِ‬
‫باملقاصد فِ َ‬ ‫إ َّنه ُيستنجدُ‬
‫ِ‬
‫ظباء‬ ‫ومكانس‬
‫ُ‬ ‫مكامن لؤل ِؤ ِ‬
‫احل َكم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ري َهلا كلم َة املحائ ِر واألكنِ ِ‬
‫سة؛ ألنَّا‬ ‫نستع َ‬
‫ِ‬
‫أجناسها‪:‬‬ ‫وأقناس‬
‫ُ‬ ‫وجذور أرومتِها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫املقاصد‪،‬‬
‫ريها‬ ‫ِ‬
‫وجوده فِ نظ ِ‬ ‫مع‬ ‫ِ‬
‫االجتهاد َ‬ ‫حمل‬ ‫ِ‬
‫املسألة ِّ‬ ‫ِ‬
‫بخصوص‬ ‫نص‬ ‫حيث َ‬
‫ال َّ‬ ‫ُ‬ ‫أولً‪:‬‬
‫هو الع َّلة‪.‬‬
‫جامع َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وصف‬ ‫ِ‬
‫لوجود‬ ‫عليها‬
‫فتقاس َ‬
‫ُ‬
‫بعض مشموالتِه ِمن دائرة‬
‫ِ‬ ‫إخراج‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫احلاجة إىل‬ ‫متس‬
‫عموم ُّ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫حيث يوجدُ‬ ‫ثان ًيا‪:‬‬
‫ِ‬
‫التخصيص‬ ‫النوع ِمن‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫قياس‪ ،‬وهذا‬ ‫أو‬ ‫ص ِمن ٍّ‬
‫نص ْ‬ ‫دون ظهو ٍر ِّ‬
‫خمص ٍ‬ ‫العموم‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫االستحسان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رضوب‬ ‫رب رض ًبا ِمن‬ ‫ِ‬
‫باملقاصد يعت ُ‬
‫لمت ِمن‬ ‫ٍ‬
‫قاعدة ُع ْ‬ ‫يكون خمال ًفا ألصلٍ ْ‬
‫أو‬ ‫ُ‬ ‫لكن تطبي َقه قدْ‬
‫نص َّ‬ ‫ثال ًثا‪ُ :‬‬
‫حيث يوجدُ ٌّ‬

‫‪ -1‬نفس املرجع ‪.81/3‬‬

‫‪-154-‬‬
‫أخرى‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫نصوص َ‬
‫القرينة املقصد َّي ِة لبيانِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بيان‪ ،‬في ُ‬
‫لجأ إلَ‬ ‫املجمل إلَ ٍ ُ‬
‫ُ‬ ‫حيتاج‬
‫ُ‬ ‫رابعا‪ُ :‬‬
‫حيث‬ ‫ً‬
‫أساس التأويلِ ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ليكون املقصدُ‬ ‫ِ‬
‫املقصد‬ ‫ِ‬
‫بداللة‬ ‫عن الظاه ِر‬ ‫خامسا‪ُ :‬ي ُ‬
‫عدل ِ‬ ‫ً‬
‫عاما َيرى أ َّنه‬ ‫ِ‬
‫املقاصد ليقدَّ م املجتهدُ ًّ‬ ‫ِ‬
‫ضوء‬ ‫ِ‬
‫النصوص علَ‬ ‫الرتجيح بنيَ‬
‫ُ‬ ‫سادسا‪:‬‬
‫ً‬
‫بقياس علَ َما ُ‬
‫خيالفه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أو يعتضدُ ٌّ‬
‫نص‬ ‫خاصا ‪ْ .‬‬
‫ويرد ًّ‬ ‫ِ‬
‫باملقصد ُّ‬ ‫ُ‬
‫ألصق‬
‫التوقيفي ِمن غ ِ‬
‫ريه‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫املدينة‬ ‫سابعا‪ :‬فِ متيي ِز عملِ أهلِ‬
‫ً‬
‫ُمل علَ الرأيِ ‪ِ ،‬من قولِه ِ‬
‫الذي ي ُ‬
‫ُمل علَ‬ ‫بِ ِ‬
‫الذي ي ُ‬ ‫ثامنًا‪ :‬لتميي ِز ِ‬
‫قول الصحا ِّ‬
‫الرفع‪.‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫املناسب‬ ‫أي فِ انعدا ِم‬
‫معينة‪ْ ،‬‬ ‫نص َ‬
‫وال مناسب َة َّ‬ ‫كم ُ‬
‫حيث ال َّ‬ ‫ِ‬
‫إحداث ُح ٍ‬ ‫تاسعا‪ :‬فِ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫املرسلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باملصلحة‬ ‫تسمى‬ ‫ِ‬
‫املقصد هنا َّ‬ ‫ِ‬
‫بنوعيه‪ .‬ومراعا ُة‬ ‫املعت ِ‬
‫رب‬
‫عن َ‬
‫هذا الدليلِ‬ ‫بَّ ْ‬ ‫ِ‬
‫واملئاالت‪ ،‬وقدْ يع ُ‬ ‫والذرائع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلامية‬ ‫ِ‬
‫للمقاصد فِ‬ ‫ُتاج‬ ‫ً‬
‫عارشا‪ :‬ي ُ‬
‫ِ‬
‫املئاالت‪.‬‬ ‫الذرائع وبالنظ ِر فِ‬
‫ِ‬ ‫بسدِّ‬
‫املدح أ ِو َّ‬
‫الذ ِّم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫النهي أ ِو‬
‫ِ‬ ‫احلكم ِ‬
‫مناط األم ِر أ ِو‬ ‫ِ‬ ‫ونوع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫درجة‬ ‫تقرير‬
‫ُ‬ ‫شَ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫احلادي ع َ‬

‫تفاوت َما‬
‫َ‬ ‫وبالدرجة نعنِى‪:‬‬
‫ِ‬ ‫مندوب؟‬
‫ٌ‬ ‫أو‬ ‫ٌ‬
‫كراهة ْ‬ ‫أو‬
‫هو حتر ٌيم ْ‬ ‫بالنوع‪ْ :‬‬
‫هل َ‬ ‫ِ‬ ‫فنعنِى‬
‫وحرام كذلك ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ريه‪،‬‬ ‫واجب لذاتِه ْ‬
‫أو لغ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫فهناك‬ ‫الواجبات فِ ِ‬
‫نفسها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بنيَ‬
‫ِ‬
‫عمومه لغ ِ‬
‫ريه‪.‬‬ ‫أو‬
‫والسالم‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫احلكم بِه ِ‬
‫عليه الصال ُة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫خصوصية‬ ‫الثاين عشَ‪:‬‬
‫مفهوم املخال َف ِة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الثالث عشَ‪:‬‬
‫مفهوم املواف َق ِة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الرابع عشَ‪:‬‬
‫ُ‬
‫اخلامس عشَ‪ :‬تقييدُ املط َل ِق‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪-155-‬‬
‫املسببات‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫األسباب وقصدُ‬ ‫وضع‬
‫ُ‬ ‫السادس عشَ‪:‬‬
‫ُ‬
‫االستصحاب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫السابع عشَ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫االستحسان‪.‬‬ ‫الثامن عشَ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫امللغاة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واملصلحة‬ ‫ِ‬
‫املعتربة‬ ‫ِ‬
‫املصلحة‬ ‫ُ‬
‫الفرق بنيَ‬ ‫التاسع عشَ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫التعارض‪.‬‬ ‫اجلمع بنيَ األد َّل ِة عندَ‬
‫ُ‬ ‫العرشونَ ‪:‬‬
‫ِ‬
‫التعارض‪.‬‬ ‫الرتجيح بنيَ األد َّل ِة عندَ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلادي والعرشونَ ‪:‬‬
‫ِ‬
‫والنواهي‪.‬‬ ‫املنفي ِة منزل َة األوام ِر‬ ‫ُ‬
‫تنزيل األخبا ِر املثبتَة أ ِو َّ‬ ‫الثاين والعرشون‪:‬‬
‫ِ‬
‫ومعقولية املعنَى‪.‬‬ ‫التعب ِد‬
‫الثالث والعرشون‪ :‬بنيَ ُّ‬
‫ُ‬

‫احلكم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املقصد املؤ ِّثر فِ ُ‬ ‫ِ‬
‫طبيعة‬ ‫ُ‬
‫االختالف فِ‬ ‫الرابع والعرشونَ ‪:‬‬
‫ُ‬
‫اخلامس والعرشون ‪ :‬تعدد املقاصد أو االقتصار عىل مقصد واحد مما يؤثر‬
‫يف احلكم‪.‬‬
‫كم‪.‬‬
‫بح ٍ‬
‫بعض ُ‬ ‫الناس َ‬
‫دون ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اختصاص ِ‬
‫بعض‬ ‫ُ‬ ‫السادس والعرشون‪:‬‬
‫ُ‬
‫ليس تفصيلً ألم ٍر‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أفعال املقتدَ ى بِه ممَّا َ‬ ‫السابع والعرشون‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫الدال علَ العف ِو‪.‬‬ ‫السكوت‬
‫ُ‬ ‫الثامن والعرشون‪:‬‬
‫ُ‬
‫املشاه ِد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫التاسع والعرشون‪ :‬إشار ُة النبِ ِّي‬
‫إلفها ِم‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫والرشوط‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واإلبطال‬ ‫التصحيح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العقود فِ‬ ‫ِ‬
‫قصود‬ ‫املنحى الثالثونَ ‪ :‬مراعا ُة‬
‫َ‬
‫عن ُع ِ‬
‫قود‬ ‫ِ‬
‫عروف ْ‬ ‫ِ‬
‫باملقاصد يف ْتَيي ِز ُع ِ‬
‫قود املَ‬ ‫املنحى َ‬
‫احل ِ‬
‫ادي وال َّثالثون‪ُ :‬يستنجدُ‬ ‫َ‬
‫كايسة الص ِ‬
‫َّفة وعقود التربعات العطاء العقد حكمً بني حكمني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ا ُمل‬
‫املنحى الثاين والثالثون‪ :‬أن العلة املستنبطة ال يمكن أن تلغي احلكم املعلل هبا‬
‫‪-156-‬‬
‫يف حال ختلف العلة‪.‬‬
‫املنحى الثالث والثالثون‪ :‬فهم مقصد الشارع من داللة اللفظ سواء كان‬
‫لفظ الشارع أو لفظ راوي احلديث مما يرتب حكمً ختتلف درجته باختالف‬
‫الصيغ‪.‬‬
‫املنحى الرابع والثالثون‪ :‬قد يؤثر مقصد عام يالحظه املجتهد من خالل نصوص‬
‫عدة يف احلد من تأثري مقصد خاص ليخفف من اطراده ومن احلاحه يف كل‬
‫املحال‪.‬‬
‫أو أكنس ًة ُ‬
‫نقول‪:‬‬ ‫َ‬
‫مدارك ْ‬ ‫أو‬
‫حمائر ْ‬
‫نسميها َ‬
‫َ‬ ‫يمكن ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫التي‬ ‫ِ‬
‫املناحي ِ‬ ‫ولرشح ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫منصوص‬ ‫نص ِ‬
‫فيه بأصلٍ‬ ‫إلحلاق فر ٍع َ‬
‫ال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باملقاصد‬ ‫االستنجاد‬
‫ُ‬ ‫األو ُل‪:‬‬
‫املنحى ُّ‬
‫َ‬
‫بقياس الع َّل ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يسمى‬ ‫جامع َ‬
‫وهذا َما َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لوصف‬
‫ِ‬
‫للوصول إليها‪،‬‬ ‫عن الع َّلة‬
‫الباحث ِ‬
‫ُ‬ ‫الطرق التِي يسلكها‬
‫ُ‬ ‫هي‬ ‫َ‬
‫مسالك الع َّلة َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ليس بالقص ِ‬
‫ري‪.‬‬ ‫منذ ٍ‬
‫وقت َ‬ ‫األصول ُ‬
‫ِ‬ ‫علامء‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫منضبطة ضبطها‬ ‫وهي ٌ‬
‫طرق‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫وبخاصة إ َذا استبعد َنا‬ ‫احلكم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أمارات عىل‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫العلل مقاصدَ ألنَّا‬ ‫ُ‬
‫تكون‬ ‫قدْ َ‬
‫ال‬
‫ِ‬
‫وجود املعنَى‬ ‫وإشارات إىل‬
‫ٌ‬ ‫عالمات‬
‫ٌ‬ ‫باحلكمة التِي َ‬
‫هي املقصدُ ؛ ألنَّا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫التعليل‬
‫ِ‬
‫النصوص ‪.‬‬ ‫نص ِمن‬ ‫ِ‬
‫املقصدي فِ ٍّ‬
‫ِ‬
‫املقاصد؛‬ ‫ِ‬
‫مسالك‬ ‫ً‬
‫مسلكا من‬ ‫رب‬ ‫يمكن ْ‬
‫أن ُتعت َ‬ ‫ُ‬ ‫فإن العل َة املنصوص َة‬ ‫ومع َ‬
‫ذلك َّ‬
‫ِ‬
‫ككلمة‪ :‬ﱫ ﭑ ﭒ ﱪ‬ ‫املقص ِد‬ ‫العلة ِهي ُ‬
‫نفسها الدَّ ُ‬
‫الة علَ َ‬ ‫ِ‬ ‫الناص ُة عىل‬ ‫ُ‬
‫فاأللفاظ َّ‬
‫وﱫ ﯺ ﱪ ‪ ،‬ﱫ ﯖ ﯗﱪ ‪.‬‬
‫أو تلو ًحيا «إيامء»‪،‬‬
‫ص ترص ًحيا ْ‬ ‫ِ‬
‫طريق ال َّن ِّ‬ ‫عن‬ ‫ُ‬
‫يتعرف عليها ْ‬ ‫كالعلة التِي‬
‫ِ‬ ‫فاملقصدُ‬
‫‪-157-‬‬
‫ً‬
‫استنباطا ‪.‬‬ ‫إمجاعا‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫أو‬
‫ِ‬
‫بدون ٍّ‬
‫شك عال ُقتها‬ ‫املناسبة ِ‬
‫وهذه‬ ‫ُ‬ ‫رق ِه َي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بثالث ُط ٍ‬ ‫ُ‬
‫تكون‬ ‫ُ‬
‫املستنبطة‬ ‫ُ‬
‫والعلة‬
‫احلكم علَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املرتبطة بتنزيلِ‬ ‫ِ‬
‫املصلحة‬ ‫تقوم علَ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فاملناسبة‬ ‫ٌ‬
‫واضحة؛‬ ‫ِ‬
‫باملقصد‬
‫املصالح التِي‬
‫ِ‬ ‫مصلحة ِمن ِ‬
‫نوع‬ ‫ٍ‬ ‫نشوء‬
‫ُ‬ ‫يرتتب علَ َ‬
‫هذا التنزيلِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بحيث‬ ‫الواقع‪،‬‬
‫ِ‬
‫الشارع بجلبِها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هيتم‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫يفيدان‬ ‫ولو كانا‬
‫وعكسا ْ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫والدوران طر ًدا‬ ‫والتقسيم‬
‫ِ‬ ‫رب‬ ‫َ‬
‫مسلكي الس ِ‬ ‫ال َّ‬
‫أن‬ ‫إ َّ‬
‫التناسب ِ‬
‫الذي رآ ُه ُ‬
‫بعض‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫ِ‬
‫يفيدان املقصد َّي َة إ َّ‬
‫ال باعتبا ِر‬ ‫العلي َة فإنَّام َ‬
‫ال‬ ‫َّ‬
‫األصولي ِ‬
‫ني‪.‬‬
‫ِ‬
‫املناسبة‬ ‫ِ‬
‫وجود‬ ‫العلي َة َ‬
‫دون‬ ‫ِ‬
‫األحيان َّ‬ ‫ِ‬
‫اإليامء قدْ يفيدُ فِ ِ‬
‫بعض‬ ‫َ‬
‫مسلك‬ ‫وح َّتى َّ‬
‫أن‬
‫رب احلكم َة الِتي ينبنِي َ‬
‫عليها املقصدُ ‪.‬‬ ‫التِي ُتعت ُ‬
‫مها‪:‬‬ ‫بنوع ِ‬
‫يه‪ ،‬و َ‬ ‫ِ‬
‫املناط َ‬ ‫تنقيح‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫مسلك‬ ‫ِ‬
‫بق َي‬
‫الصالح للتعليلِ ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوصف‬ ‫واإلبقاء علَ‬
‫ُ‬ ‫ري املؤ ِّث ِ‬
‫رة‬ ‫ِ‬
‫األوصاف غ ِ‬ ‫طرد‬
‫ُ‬
‫منع سف ِر‬ ‫ِ‬
‫املناط فِ ِ‬ ‫فتنقيح‬
‫ُ‬ ‫جامع؛‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وصف‬ ‫وهو زياد ُة‬ ‫ِ‬
‫الفارق‪َ ،‬‬ ‫إلغاء‬
‫والنوع الثانِ ُ‬
‫ُ‬
‫وهو‬
‫أعم َ‬ ‫بوصف َّ‬‫ٍ‬ ‫احلكم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإناطة‬ ‫املحرمية‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وصف‬ ‫ِ‬
‫بإلغاء‬ ‫ري ِذي َ‬
‫حمر ٍم‬ ‫مع غ ِ‬ ‫ِ‬
‫املرأة َ‬
‫نتج‬
‫أو نسا ًء ‑  ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫املأمونة رجالً ْ‬ ‫ِ‬
‫الرفقة‬ ‫تسافر فِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املرأة عىل ِ‬
‫عرضها فِ السف ِر‬ ‫أمن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشبهة‬ ‫ِ‬
‫مواطن‬ ‫واملجتمع فِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املرأة‬ ‫ُ‬
‫صيانة‬ ‫األمن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أعم ِمن ِذي املحر ِم؛ َ‬
‫وهو‬ ‫عل ًة َّ‬
‫بامتياز ذلك هو املقصود برشع احلكم‪.‬‬
‫املقصد؛ إما مبارش ًة‪ْ ،‬‬
‫أو‬ ‫ِ‬ ‫القياس ُّ‬
‫تدل علَ‬ ‫ِ‬ ‫باب‬ ‫املسالك التِي َّ‬
‫تفص ُل عاد ًة فِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫فهذه‬
‫كالسف ِر املع َّللِ‬ ‫ِ‬
‫العلة‪َّ ،‬‬ ‫تكون متواري ًة ورا َء‬
‫ُ‬ ‫احلكمة التِي قدْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليامء إلَ‬ ‫ِ‬
‫طريق‬ ‫عن‬
‫ْ‬
‫‪-158-‬‬
‫الشارع ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫املشقة التِي يريدُ‬
‫ُ‬ ‫أن احلكم َة ِه َي‬
‫مع َّ‬ ‫ِ‬
‫النضباطه وظهو ِره َ‬ ‫ِ‬
‫القرص؛‬ ‫بِه فِ‬
‫خي ِّففها؛ ﱫ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧﱪ [النساء‪. ]28 :‬‬
‫والنهي‬
‫ِ‬ ‫اعتبار عللِ األم ِر‬
‫َ‬ ‫الشاطبي َيرى‬
‫َّ‬ ‫فإن‬ ‫هو املقصدُ  ‪َ .‬‬
‫وهلذا َّ‬ ‫ِ‬
‫املشقة َ‬ ‫ُ‬
‫فتخفيف‬
‫ِ‬
‫الرشع ِّي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املقصد‬ ‫ِ‬
‫للتعرف علَ‬ ‫سبيلً‬
‫ِ‬
‫املناسب ف ِه َي تفيدُ املقصد َّي َة ‪.‬‬ ‫كانت ِمن ِ‬
‫نوع‬ ‫ْ‬ ‫فإن العل َة إ َذا‬ ‫ِ‬
‫وباجلملة َّ‬
‫احلكمة فيهام فِ ِّ‬
‫حمل التعليلِ ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مسلكان َ‬
‫ال َت ُ‬
‫ربز‬ ‫ِ‬ ‫مسالك الع َّل ِة‬
‫ِ‬ ‫ويتخلف ِمن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والدوران‪.‬‬ ‫رب‬ ‫ُ‬
‫املقصدية؛ ومها مسلكا الس ِ‬ ‫تظهر‬
‫ُ‬ ‫وبالتالِ َ‬
‫ال‬
‫والشيخ زكر َّيا‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫والزركيش‬ ‫‪-‬شارح خمترص ِ‬
‫ابن احلاجب‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال األصفهاينُّ‬
‫ِ‬
‫الدوران‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫سلك‬ ‫ِ‬
‫والوصف ا ُملدا ِر فِ َم ِ‬ ‫ِ‬
‫مسلك الس ِ‬
‫رب‬ ‫َ‬
‫الوصف املستب َقى فِ‬
‫املذكور ِمن‬
‫ُ‬ ‫احلكم عليهمَ املعنَى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ترتيب‬ ‫حيصل عقلً ِمن‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬
‫للعلية ف َ‬ ‫يصلح‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كان‬
‫األوصاف ِمن‬
‫ِ‬ ‫خلو ِ‬
‫هذه‬ ‫يلزم ِمن َ‬
‫ذلك ُّ‬ ‫ٍ‬
‫مفسدة‪ ،‬وال ُ‬ ‫دفع‬
‫أو ِ‬ ‫ٍ‬
‫مصلحة ْ‬ ‫ِ‬
‫حصول‬
‫ِ‬
‫البينات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫العبادي فِ‬
‫ُّ‬ ‫بحث فِ َ‬
‫ذلك‬ ‫َ‬ ‫حكم ٍة ‪ .‬وقدْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫االشتامل علَ‬
‫األربع ِة؛‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫أصناف الطعا ِم‬ ‫ِ‬
‫لربوية‬ ‫رب عل ًة‬ ‫ُ‬
‫وصف الكيلِ مثلً إذا اع ُت َ‬ ‫قلت‪ :‬مثا ُله‪:‬‬
‫ُ‬
‫ألن‬ ‫ُ‬
‫املناسبة؛ َّ‬ ‫تظهر ِ‬
‫فيه‬ ‫ُ‬ ‫رب عندَ أبِ حنيف َة َ‬
‫ال‬ ‫ُ‬
‫الوصف املستب َقى فِ الس ِ‬ ‫أل َّن ُه َ‬
‫هو‬
‫تضم َن مصلح ًة ْ‬
‫أو َد َر َء مفسد ًة‪.‬‬ ‫املناسب كام يقول يف التنقيح هو‪ :‬ما َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫مراقي‬ ‫رشحه لقولِه فِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البنود فِ‬ ‫ُ‬
‫يقول فِ ِ‬
‫نرش‬ ‫خاص ٌة كام‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫مالءمة‬ ‫ُ‬
‫فاملناسبة‬
‫السعود‪:‬‬
‫اع َتنَى‬ ‫ُّب ُ‬
‫احل ْك ِم َع َل ْيه َما ْ‬ ‫َت َرت َ‬ ‫ـب ا ْل ِذي َت َض َّمنَا‬ ‫ُث َّم ا ُملن ِ‬
‫َاس ُ‬
‫ب ِذي َسدَ ِاد‬ ‫سـدَ ٍة َأ ْو َج ْل ِ‬
‫َم ْف َ‬ ‫ـر َع ِم ْ‬
‫ـن إِ ْب ِ‬
‫عاد‬ ‫بِ ِه ا َّل ِ‬
‫ـذي َش َ‬
‫‪-159-‬‬
‫آلل‬ ‫الص ِ‬
‫دقة ِ‬ ‫منع َّ‬
‫ذلك‪ُ :‬‬ ‫بمقص ٍد‪ُ ،‬‬
‫مثال َ‬ ‫َ‬ ‫املنحى الثاين‪ :‬يتمث َُّل فِ عمو ِم ي َُّص ُ‬
‫ص‬
‫ِ‬
‫الفيء َما يسدُّ‬ ‫يكن ُهل ْم ِمن‬
‫العموم بمَ إ َذا ْمل ْ‬
‫ُ‬ ‫ص هذا‬
‫فيخص ُ‬
‫َّ‬ ‫النبي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫بيت‬
‫فإن سدَّ َخلتِهم أولَ ِمن سدِّ َخ َّل ِة غ ِ‬
‫ريهم‪ ،‬كام يرا ُه‬ ‫هلم َّ‬ ‫َخ َّلتَهم ‪ .‬فإ َذا لَ ْ‬
‫يكن ْ‬
‫واحلنفي ُة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫املالكية‬
‫ِ‬
‫ملصلحة‬ ‫ٍ‬
‫مالك‬ ‫للجنب استحسا ًنا عندَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫احلائض ِمن عمو ِم ِ‬
‫منع‬ ‫ِ‬ ‫واستثناء‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وحفظه‪.‬‬ ‫الكريم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫استذكا ِر‬
‫خاص ملخالفتِه أصلً ْ‬
‫أو قاعد ًة‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫نص‬
‫عن مقتضَ ٍّ‬ ‫ُ‬
‫العدول ْ‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪:‬‬ ‫املنحى‬
‫بيع الطعا ِم‬
‫منع ِ‬ ‫ِ‬
‫لقاعدة ِ‬ ‫املرص ِاة ملخالفتِه‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫بحديث‬ ‫عن العملِ‬ ‫ِ‬
‫األحناف ِ‬ ‫ِ‬
‫كعدول‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ثابت بنصوص َ‬
‫أمر ٌ‬ ‫ِ‬
‫املزابنة‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫منع‬ ‫ِ‬
‫وقاعدة ِ‬ ‫بالطعا ِم نسي َئ ًة‪،‬‬
‫بمقص ٍد أولَ ْ‬
‫أو أعلَ‪ .‬كامتناع عمر‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اإلخالل‬ ‫النص إلَ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫تطبيق‬ ‫لو َّأدى‬
‫كمَ ْ‬
‫الصحيح؛‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلديث‬ ‫ذلك فِ‬ ‫ِ‬
‫ورود َ‬ ‫تغريب الزانِ البك ِر‪ ،‬مع‬
‫ِ‬ ‫من تطبيق‬
‫التحاق ِ‬
‫املنف ِّي بالكفا ِر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أل َّن ُه يؤ ِّدي إىل‬
‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫املسلم فِ‬
‫ِ‬ ‫الناس‪َّ ،‬‬
‫وأن اإلبقا َء عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هداية‬ ‫الشارع علَ‬
‫ِ‬ ‫حرص‬
‫ُ‬ ‫وقدْ ُعلم‬
‫عنه‪:‬‬ ‫يل ريض ُ‬
‫اهلل ُ‬ ‫عليه وافتتانِه‪ .‬وقد َ‬
‫قال ع ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العقوبة‬ ‫ِ‬
‫تطبيق‬ ‫اإلسال ِم أولَ ِمن‬
‫بالنفي فتن ًة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ك َفى‬
‫خمصصا لعموم النص فهو يف قوة‬
‫ً‬ ‫ومعنى ذلك أن املجتهد اعترب املقصد‬
‫االستثناء فكأن الشارع يغرب سنة إال إذا خيف كفره‪.‬‬
‫يعذب‬
‫ُ‬ ‫امليت‬
‫إن َ‬ ‫ريض ُ‬
‫اهلل عنهام‪َّ :‬‬ ‫َ‬ ‫عمر‬ ‫رب ِ‬
‫ابن َ‬ ‫ريض ُ‬
‫اهلل عنها خ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عائشة‬ ‫وردت‬
‫َّ‬
‫وهوﱫ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﱪ [النجم‪.]38:‬‬ ‫ٍ‬
‫ثابت عام‪َ ،‬‬ ‫ببكاء ِ‬
‫أهله‪ ،‬بأصلٍ‬ ‫ِ‬

‫‪-160-‬‬
‫يوص بِه»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ببكاء ْمل ِ‬ ‫عذ ُب‬ ‫واحلنابلة أيضا‪َ :‬‬
‫«وال ُي َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املالكية‬ ‫ني َ‬
‫قال‬ ‫ومجعا بنيَ الدليل ِ‬
‫ً‬
‫عمر علَ املوىص بِه‪.‬‬ ‫رب ِ‬
‫ابن َ‬ ‫محلً خل ِ‬
‫وهذا الصنيع هو تعامل مقصدي حيرص معنى احلديث يف املوىص به فيكون‬
‫خمصصا فيدرأ التعارض ويعضد هذا الفهم أهنم كانوا يف اجلاهلية‬
‫ً‬ ‫املقصد‬
‫يوصون بالنياحة كام يف قول طرفة‪:‬‬
‫يب يا اِب َن َة َمع َب ِد‬ ‫لَ َ‬
‫اجل َ‬ ‫َو ُش ِّقي َع َّ‬ ‫َفإِن ُم ُّت َفاِنعيني بِام َأنا َأه ُل ُه‬
‫وقول لبيد‪:‬‬
‫بيع َة َأو ُمضَ‬
‫َو َهل َأنا إِلّ ِمن َر َ‬ ‫عيش َأبوهُا‬
‫َتاي َأن َي َ‬
‫ََم ّنى اِبن َ‬
‫إىل قوله‪:‬‬
‫اعتذر‬
‫ْ‬ ‫ال ِ‬
‫فقد‬ ‫َو َم ْن َي ْب ِك َح ْو ًال كام ً‬ ‫ال ِم ع َل ُ‬
‫يكام‬ ‫الس َ‬
‫اسم ّ‬
‫ثم ُ‬ ‫إىل َ‬
‫احل ْو ِل َّ‬
‫مالك بن الريب‪:‬‬
‫الغ ِ‬
‫واديا‬ ‫حاب َ‬
‫الس َ‬ ‫ِ‬
‫سقيت َ‬‫مس ُأ‬
‫الر ِ‬
‫َعىل َّ‬ ‫بور َو َس ِّلمي‬ ‫مت َفاِعتادي ُ‬
‫الق َ‬ ‫إِذا ُّ‬
‫أما عائشة ريض اهلل عنها فقد قدمت عموم اآلية وردت اخلرب مجلة وتفصيلً‪،‬‬
‫قائلة عن ابن عمر‪ :‬إنه ما كذب ولعله نيس أو أخطأ‪.‬‬
‫ِ‬
‫للقرء‬ ‫ِ‬
‫األحناف‬ ‫بيان املجملِ باملعنى املقصدي‪ ،‬ومثا ُله تفس ُ‬
‫ري‬ ‫املنحى الرابع‪ُ :‬‬
‫َ‬
‫هو‬ ‫ُ‬
‫واحليض َ‬ ‫لرباءة ِ‬
‫الرحم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫باحليض َّ‬
‫ألن العد َة شُعت‬ ‫ِ‬ ‫جممل‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬وهو ٌ‬
‫لفظ‬
‫تلك الربا َء ِة‪.‬‬
‫عالمة َ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫فيكون املقصدُ‬ ‫ٍ‬
‫مقصدية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لقرينة‬ ‫النص‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫العدول عن ظاه ِر‬ ‫املنحى اخلامس‪:‬‬
‫ِ‬
‫«املتبايعان باخليا ِر َما ْمل‬ ‫َ‬
‫حديث‪:‬‬ ‫ِ‬
‫واألحناف‬ ‫ِ‬
‫املالكية‬ ‫أساس التأويلِ ‪ ،‬كتأويلِ‬
‫َ‬
‫‪-161-‬‬
‫يتفرقا»‪ .‬باملتساومني كام يقول الرشيف التلمساين يف كتابه مفتاح الوصول إيل‬
‫َّ‬
‫ختريج الفروع عىل األصول‪.‬‬
‫مرجوح لدليلٍ ‪ ،‬واملقصدُ‬
‫ٍ‬ ‫رصف لِ َّل ِ‬
‫فظ َعن ظاه ِره إىل معنًى‬ ‫ُ‬ ‫هو‬ ‫َ‬
‫التأويل َ‬ ‫َّ‬
‫وألن‬
‫َ‬
‫ضبط‪ .‬وقد‬ ‫املجلس َ‬
‫ال حدَّ ُله وال‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫وألن البقا َء فِ‬ ‫ِ‬
‫املعامالت‪،‬‬ ‫ُ‬
‫االنضباط فِ‬ ‫هو‬
‫َ‬
‫أشار مالك رمحه اهلل إىل ذلك يف املوطأ‪.‬‬
‫ُ‬
‫يتمثل يف‬ ‫ِ‬
‫املقصد‪ ،‬الذي قد‬ ‫ِ‬
‫ضوء‬ ‫الرتجيح بنيَ ُعمو َم ِ‬
‫ني علَ‬ ‫ُ‬ ‫املنحى السادس‪:‬‬
‫«من بدَّ ل‬ ‫كتقديم اجلمهو ِر خ َ‬
‫رب‪ْ :‬‬ ‫ِ‬ ‫اآلخ ِر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وفقدها فِ َ‬ ‫علة يف ِ‬
‫أحد النصني‪،‬‬ ‫وجود ٍ‬
‫ِ‬

‫عن‬‫النهي ْ‬
‫ِ‬ ‫ني ِمن‬ ‫ِ‬
‫املرتدة عىل ما ورد يف الصحيح ِ‬ ‫دينَه فاقت ُلوه» الذي يقتيض َ‬
‫قتل‬
‫ِ‬
‫احلربية‬ ‫النهي فَ الثانِ علَ‬
‫َ‬ ‫األو َل َّ‬
‫تضمن العل َة فحملوا‬ ‫رب َّ‬
‫ألن اخل َ‬ ‫ِ‬
‫النساء؛ َّ‬ ‫قتلِ‬
‫ِ‬
‫اخلصوص‪.‬‬ ‫َ‬
‫واألول علَ‬ ‫خال ًفا أليب حنيف َة فِ محلِ الثانِ علَ العمو ِم‬
‫قال يف مراقي السعود يف املرجحات‪:‬‬
‫ُح ْكمً ِ‬
‫وعــــ َّل ًة َك َق ْتلِ َم ْن َر َج ْع‬ ‫ــــــع‬
‫ْ‬ ‫بَ الذي جَ‬ ‫واملَدَ ين َ‬
‫واخل ُ‬
‫وخ ٍ‬
‫وف ُي ْع َل ُ‬
‫ـم‬ ‫ٍ‬
‫يــــد َ‬ ‫وما بِت ِ‬
‫َوك‬ ‫ـه لِع َّل ٍ‬
‫ـة َتــــــــــــ َقدُّ ُم‬ ‫و َما بِ ِ‬
‫َ‬
‫ريض‬ ‫حديث عائش َة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الشافعية‬ ‫ِ‬
‫كتعضيد‬ ‫الش ِ‬
‫به‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قياس َّ‬ ‫نص فِ مقابِل‬
‫وتعضيدُ ٍّ‬
‫يقوم فيصلِّ» َّ‬
‫بأن‬ ‫ثم ُ‬ ‫ِ‬
‫بعرق اإلذخ ِر َّ‬ ‫عن ثوبِه‬ ‫َ‬
‫«كان يسل ُته ْ‬ ‫ني أ َّن ُه‬ ‫ُ‬
‫اهلل عنها يف املَ ِّ‬
‫ِ‬
‫نجاسة‬ ‫ِ‬
‫قاعدة‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان طهار ُته‪ ،‬فِ مقابلِ‬ ‫ِ‬
‫كرامة‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان فمقتضَ‬ ‫ُ‬
‫أصل‬ ‫املني‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫البول‪.‬‬ ‫قياسا علَ‬
‫مالك ً‬ ‫ذهب ِ‬
‫إليه ٌ‬ ‫ني‪ ،‬كام َ‬ ‫اخلارج ِمن ِ‬
‫أحد السبيل ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫فعمل أهلِ‬ ‫َ‬
‫القائلون بِه؛‬ ‫حيتج ِ‬
‫به‬ ‫املدينة ِ‬
‫الذي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫متييز عملِ أهلِ‬
‫السابع‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫املنحى‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫التوقيف‪.‬‬ ‫ري مع َّلل حُل علَ‬ ‫إن َ‬
‫كان غ َ‬ ‫ِ‬
‫املدينة ْ‬
‫‪-162-‬‬
‫حج ًة‪ ،‬فاملقاصدُ هنَا تفيدُ فِ‬ ‫ُ‬
‫يكون َّ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬
‫االجتهاد والرأيِ ف َ‬ ‫ِ‬
‫طريق‬ ‫عن‬
‫منه ْ‬ ‫وما َ‬
‫كان ُ‬
‫ونسبه فِ َ‬
‫نرش‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الفصول‪.‬‬ ‫إليه ِ‬
‫الباجي فِ‬ ‫أشار ِ‬
‫الرتجيح‪ ،‬كام َ‬
‫ِ‬ ‫التميي ِز َ‬
‫وال تفيدُ فِ‬
‫ِ‬
‫البنود لألكث ِر‪.‬‬
‫ُمل‬ ‫الرفع ِمن قولِه ِ‬
‫الذي ي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُمل علَ‬ ‫بِ ِ‬
‫الذي ي ُ‬ ‫متييز ِ‬
‫قول الصحا ِّ‬ ‫املنحى الثامن‪ُ :‬‬
‫علَ الرأيِ ‪.‬‬
‫القياس‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خالف‬ ‫ِ‬
‫التوقيف إ َذا‬ ‫ُ‬
‫حممول علَ‬ ‫يب‬ ‫ُ‬
‫فقول الصحا ِّ‬
‫القياس‪ :‬فقال أبوحنيفة‪ :‬ال يكون حجة‪.‬‬
‫َ‬ ‫وإ َذا وافقَ‬
‫”أكثر ما يب َقى الولدُ‬
‫ُ‬ ‫عنها‪:‬‬ ‫ريض ُ‬
‫اهلل تعالَ َ‬ ‫َ‬ ‫القياس ُ‬
‫قول عائش َة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خالف‬ ‫فممَّ‬
‫ِ‬
‫عبارة‬ ‫ِ‬
‫حسب‬ ‫ٍ‬
‫بقياس‪.‬‬ ‫ال يُتدَ ى إِ ِ‬
‫ليه‬ ‫هذا التحديدَ َ‬
‫فإن َ‬ ‫ِ‬
‫سنتان“؛ َّ‬ ‫بطن أ ِّم ِه‬
‫فِ ِ‬
‫ِ‬
‫الوصول‪.‬‬ ‫مفتاح‬
‫ِ‬ ‫التلمسانِ فِ‬
‫سمى‬
‫وهو َما ُي َّ‬ ‫ٌ‬
‫مناسبة معترب ٌة‪َ ،‬‬ ‫حيث َ‬
‫ال توجدُ‬ ‫ُ‬ ‫حكم‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫إحداث‬ ‫املنحى التاسع‪:‬‬
‫السجون ِمن ِقبلِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كإحداث‬ ‫ُ‬
‫املرسلة؛‬ ‫املصالح‬
‫ُ‬ ‫ترجع ِ‬
‫إليه‬ ‫ُ‬ ‫باملناسب املرسلِ ِ‬
‫الذي‬ ‫ِ‬
‫لردع املجرمنيَ ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عنه‬ ‫ريض ُ‬
‫اهلل ُ‬ ‫َ‬ ‫أم ِ‬
‫ري املؤمننيَ َ‬
‫عمر‬
‫ُ‬
‫املصلحة‬ ‫هو‬ ‫ِ‬
‫املعروف هبا «وتو ُّق ُع اإلقرا ِر َ‬ ‫ِ‬
‫بالرسقة‬ ‫املته ِم‬ ‫ِ‬
‫برضب َّ‬ ‫ِ‬
‫املالكية‬ ‫ِ‬
‫وقول‬
‫بردع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األموال‬ ‫ُ‬
‫صيانة‬ ‫ال َّ‬
‫أن املقصدَ َ‬
‫هو‬ ‫ِ‬
‫البنود‪ .‬إ َّ‬ ‫نرش‬ ‫ُ‬
‫يقول فِ ِ‬ ‫ُ‬
‫املرسلة» كام‬
‫املجرمنيَ ‪.‬‬
‫ِ‬
‫واملئاالت‪.‬‬ ‫والذرائع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلامية‬ ‫ِ‬
‫للمقاصد فِ‬ ‫حيتاج‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العارش‪:‬‬ ‫املنحى‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املئاالت‪.‬‬ ‫الذرائع والنظ ِر فِ‬
‫ِ‬ ‫عنه بسدِّ‬
‫بَّ ُ‬
‫وهو املع ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫قصد التحايلِ علَ َّ‬
‫الربا؛ أل ُهنم‬ ‫ِ‬
‫العينة بنا ًء علَ‬ ‫بيع‬ ‫ُ‬
‫واحلنابلة َ‬ ‫ُ‬
‫املالكية‬ ‫منع‬
‫وقدْ َ‬
‫‪-163-‬‬
‫إليها‪.‬‬
‫يئول َ‬ ‫ِ‬
‫الزيادة و َما ُ‬ ‫حتريم‬
‫َ‬ ‫الشارع‬
‫ِ‬ ‫فهموا قصدَ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالعينة‪ ،‬وتار ًة باملح ِّلل‪ ،‬وتار ًة‬ ‫حيل ا ُملرابني‪« :‬فتار ًة‬
‫يذكر َ‬
‫ُ‬ ‫ابن القيم وهو‬
‫قال ُ‬
‫علم‬ ‫ٍ‬
‫اشرتاط‪ .‬وقدْ َ‬ ‫يطلقون العقدَ ِمن غ ِ‬
‫ري‬ ‫َ‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬
‫عليه‪َّ ،‬‬ ‫بالرشط املتقدِّ م املتواطأِ‬
‫ِ‬

‫وروحه‬
‫ُ‬ ‫مقصوده‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫حرض أ َّنه عقدُ ر َبا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملتعاقدان و َمن‬ ‫َ‬
‫الكاتبون‬ ‫والكرام‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اهلل‬
‫ٌ‬
‫حرف‬ ‫ِ‬
‫كخروجها‬ ‫ِ‬
‫السلعة‬ ‫ُ‬
‫ودخول‬ ‫ليس إ َّ‬
‫ال‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بعرشة نقدً ا َ‬ ‫مؤجل ًة‬ ‫بيع مخس َة َ‬
‫عرش َّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫عجوة‬ ‫ِ‬
‫مسألة مدِّ‬ ‫ال فعلوا ههنَا كمَ فع ُلوا (الشافعية) فِ‬
‫ريه‪ .‬فه َّ‬
‫جا َء ملعنَى فِ غ ِ‬
‫َ‬
‫يكون املدُّ‬ ‫بأن‬ ‫ُ‬
‫جيعل وسيل ًة إىل ر َبا الفضل ْ‬ ‫ودره ٍم‪ ،‬وقالوا‪ :‬قدْ‬
‫َ‬ ‫ودرهم بمدٍّ‬
‫ٍ‬
‫التفاضل‪ .‬فياهللِ‬
‫ُ‬ ‫فيقع‬
‫اآلخر ُ‬ ‫ِ‬
‫اجلانب َ‬ ‫َ‬
‫بعض مدٍّ فِ‬ ‫ني يسا ِوي‬ ‫فِ ِ‬
‫أحد اجلانب ِ‬
‫ُ‬
‫املوصلة إلَ ر َبا‬ ‫الذرائع‬
‫ُ‬ ‫وأبيحت َ‬
‫تلك‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الذريعة‬ ‫رمت َ‬
‫تلك‬ ‫العجب! َ‬
‫كيف ُح ْ‬ ‫َ‬
‫خالصا؟!‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫النسيئة‬
‫ِ‬
‫مفسدة‬ ‫ِ‬
‫الثمن إلَ‬ ‫بحظها ِمن‬ ‫ِ‬
‫الصياغة ِّ‬ ‫ِ‬
‫ومقابلة‬ ‫بجنسها‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫احللية‬ ‫وأين مفسد ُة ِ‬
‫بيع‬ ‫َ‬
‫حصحص‬
‫َ‬ ‫بلية‪ ،‬وإ َذا‬ ‫وأصل ِّ‬
‫كل َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫مفسدة‬ ‫أساس ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫بوية التِي َ‬
‫هي‬ ‫الر ِ‬‫احليلِ َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬
‫التوفيق‪».‬‬ ‫اجلاهل َما شا َء‪ ،‬وباهللِ‬
‫ُ‬ ‫احلق فليقلِ‬
‫ُّ‬
‫يكون ِمن أهلِ العين َِة‪.‬‬
‫َ‬ ‫للمنع ْ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫املالكية‬ ‫َ‬
‫واشرتط‬
‫هي‪.‬‬ ‫احلكم ِ‬
‫مناط األم ِر وال َّن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ونوع‬
‫ِ‬ ‫احلكم‬
‫ِْ‬ ‫ِ‬
‫مرتبة‬ ‫تقرير‬
‫ُ‬ ‫املنحى احلادي عرش‪:‬‬
‫ِ‬
‫كتابة الدين‪ :‬ﱫ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫أمر‬
‫أن َ‬‫كرتجيح اجلمهو ِر َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫للدائن‬ ‫الدين ٌ‬
‫ملك‬ ‫َ‬ ‫واالستحباب ؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للندب‬ ‫ﭚﭛ ﱪ [البقرة‪]282:‬‬

‫أن يو ِّثقه‪ ،‬خال ًفا للطربي والظاهرية‪.‬‬


‫جيب ْ‬
‫ال ُ‬ ‫َ‬
‫يسقطه ف َ‬ ‫يمكن ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬

‫‪ -1‬ابن القيم إعالم املوقعني ‪.143-142/1‬‬

‫‪-164-‬‬
‫الرقيق فِ قولِه تعاىل‪:‬ﱫ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﱪ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫كتابة‬ ‫َ‬
‫وكذلك‬
‫بيعه َّ‬
‫وأن قضا َيا‬ ‫جيب ِ‬
‫عليه ُ‬ ‫للندب؛ أل َّنه َ‬
‫ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫األمر‬
‫َ‬ ‫اجلمهور َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫[النور‪]33:‬؛ يرى‬
‫النفس واخلاط ِر؛ خال ًفا ملَا ُر َ‬
‫وي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وطيب‬ ‫ِ‬
‫واالستحباب‬ ‫ِ‬
‫الندب‬ ‫ترجع إلَ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املواساة‬
‫الطربي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ذهب ِ‬
‫إليه‬ ‫عنه‪ ،‬و َما َ‬ ‫ريض ُ‬
‫اهلل ُ‬ ‫َ‬ ‫عمر‬
‫عن َ‬‫ْ‬
‫والسالم ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫احلكم بِه ِ‬
‫عليه الصال ُة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫خصوصية‬ ‫املنحى الثاين عشَ‪:‬‬
‫دليل عىل‬ ‫فالعلة هنَا ِ‬
‫‪-‬وه َي املقصدُ ‪ٌ -‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الوجوب؛‬ ‫َ‬
‫خوف‬ ‫الرتاويح مجاع ًة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كرتك‬
‫‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بزمن ال َّنبي‬ ‫ِ‬
‫الرتك‬ ‫ِ‬
‫اختصاص‬
‫ِ‬
‫كخامتة‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫سجدات‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬
‫األحيان فِ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬
‫السجود فِ‬ ‫وكذلك ُ‬
‫ترك‬ ‫َ‬
‫النجم‪.‬‬
‫سورة ْ‬
‫َ‬
‫وذلك أحيا ًنا‬ ‫ِ‬
‫املخالفة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بحث مفهو ِم‬ ‫ُ‬
‫تدخل املقاصدُ فِ‬ ‫ُ‬
‫الثالث عشَ‪:‬‬ ‫املنحى‬
‫ِ‬
‫املخالفة‪ ،‬وتار ًة ر ًدا وتفنيدً ا ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لداللة مفهو ِم‬ ‫تعضيدً ا‬
‫فمن األول‪:‬‬
‫اع َن ْخلً‬ ‫ِ‬
‫حديث‪َ « :‬م ْن َب َ‬ ‫ِ‬
‫املخالفة فِ‬ ‫اجلمهور ِمن اعتبا ِر مفهو ِم‬
‫ُ‬ ‫ذهب ِ‬
‫إليه‬ ‫َ‬ ‫ما‬
‫قبل‬ ‫بيعت َ‬
‫ْ‬ ‫مفهومه أنَّا َإذا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يشرتط ا ُملبتاع»(‪)1‬؛‬ ‫مر َها للبائِع؛ إ َّ‬
‫ال ْ‬
‫أن‬ ‫َقدْ ُأ ِّب ْ‬
‫رت ف َث ُ‬
‫الشارع مكافأ َة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بقصد‬ ‫ذلك ِمن ِ‬
‫جهة املعنَى‬ ‫رتي‪َ ،‬ع َّضدوا َ‬ ‫اإلبا ِر فثمرتُا للمش ِ‬
‫هو‬‫البائع َ‬
‫َ‬ ‫ري َّ‬
‫فإن‬ ‫بيعت بعدَ التأب ِ‬
‫ْ‬ ‫صلحت؛ ألنَّا َإذا‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫الثمرة ح َّتى‬ ‫قام علَ‬
‫َمن َ‬
‫وقام‬
‫َ‬ ‫عاجلها‬
‫َ‬ ‫هو ِ‬
‫الذي‬ ‫رتي َ‬ ‫وأما قب َله َّ‬
‫فإن املش ِ‬ ‫عليها فاستح َّقها‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫قام‬
‫الذي َ‬‫ِ‬

‫ممرا أو شرِ ب يف حائط أو نخل رقم‬


‫‪ -1‬أخرجه البخاري يف الصحيح‪ :‬كتاب املساقاة‪ ،‬باب الرجل يكون له ً‬
‫‪ 2379‬وكتاب الرشوط‪ ،‬باب إذا باع اً‬
‫نخل قد أبرت رقم ‪ 2716‬ومسلم يف الصحيح‪ :‬كتاب البيوع‪ ،‬باب من باع‬
‫اً‬
‫نخل عليها ثمر رقم ‪1543‬‬

‫‪-165-‬‬
‫عليها فاستح َّقها‪.‬‬
‫َ‬
‫أو بعدَ ه علَ ِ‬
‫أصله فِ ن ْف ِي‬ ‫بيعت َ‬
‫قبل اإلبا ِر ْ‬ ‫للبائع ْ‬
‫ِ‬ ‫َّأما أ ُبو حنيف َة َ‬
‫فرأى َّ‬
‫أن الثمر َة‬
‫مفهو ِم املخال َف ِة‪.‬‬
‫فمنه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املقصد ِّي‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫باالعتامد علَ املعنَى‬ ‫ِ‬
‫املخالفة‬ ‫رد مفهو ِم‬
‫وهو ُّ‬
‫أ َّما الثاين َ‬
‫املخالفة فِ قولِه تعالَ‪:‬ﱫ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ِ‬ ‫رد أبِ حنيف َة ملفهو ِم‬
‫ُّ‬
‫‪-‬وهي‬
‫َ‬ ‫ري احلاملِ‬ ‫منه َّ‬
‫أن غ َ‬ ‫اجلمهور ُ‬
‫ُ‬ ‫فهم‬
‫ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﱪ [الطالق‪ ،]6:‬فقدْ َ‬
‫ِ‬
‫املخالفة؛‬ ‫نوع ِمن مفهو ِم‬
‫وهو ٌ‬ ‫ِ‬
‫الرشط‪َ ،‬‬ ‫احلائل‪ -‬ال نفق َة َهلا بنا ًء علَ مفهو ِم‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫النفقة َّ‬
‫ألن‬ ‫حمبوسة بعدَّ تِه‪ ،‬وبالتالِ َ‬
‫فلها‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬
‫احلائل‬ ‫ذلك أبو حنيف َة قائِلً‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫فرد َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الزوجة بالعدَّ ة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حبس‬ ‫عن‬ ‫ٌ‬
‫ناشئة ْ‬ ‫ِ‬
‫النفقة‬ ‫مرشوعي َة‬
‫وهو مرت ِّدد بنيَ‬ ‫ِ‬
‫اخلطاب‪َ ،‬‬ ‫فحوى‬
‫ويسمى َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫املوافقة‬ ‫مفهوم‬
‫ُ‬ ‫املنحى الرابع عرش‪:‬‬
‫اللفظية‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الداللة‬ ‫ِ‬
‫القياس وبنيَ‬
‫الرضب لِا‬
‫ُ‬ ‫مثا ُله‪ :‬قو ُله تعالَ‪ :‬ﱫ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﱪ [اإلرساء‪ ،]23:‬فإ َّنام ُفهم ُ‬
‫منه‬
‫جعله مفهو ًما ِمن‬
‫ُ‬ ‫ملطلق األ َذى‪ .‬خال ًفا ملَن‬
‫ِ‬ ‫ربمها املنافِ‬
‫الشارع ل ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصد‬ ‫رف ِمن‬
‫ُع َ‬
‫ِ‬
‫احلاجب‪.‬‬ ‫اللغوي ِ‬
‫كابن‬ ‫ِّ‬ ‫الوضع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جهة‬
‫ِ‬
‫بالنظرية‬ ‫هو َما نعنِيه‬
‫إن مالحظ َة املعنَى َ‬ ‫ِ‬
‫املطلق‪َّ :‬‬ ‫املنحى اخلامس عرش‪ :‬تقييدُ‬
‫ِ‬
‫كمالحظة‬ ‫يقيدُ باملق ِّي ِد‪،‬‬ ‫أن املطلقَ َ‬
‫ال َّ‬ ‫ُ‬
‫األحناف َّ‬ ‫ُ‬
‫يالحظ‬ ‫املقصد َّية؛ َ‬
‫وهلذا فعند َما‬
‫ني‬ ‫ِ‬
‫كفارة اليم ِ‬ ‫ِ‬
‫ورقبة‬ ‫ِ‬
‫باإليامن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كفارة القتلِ َّ‬
‫فقيدها‬ ‫التفريق بنيَ ِ‬
‫رقبة‬ ‫ِ‬ ‫الشارع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصد‬
‫حكم‬
‫ِ‬ ‫حكم القتلِ وبنيَ‬
‫ِ‬ ‫ني بنيَ‬ ‫ِ‬
‫الختالف املرتبت ِ‬ ‫ِ‬
‫باإليامن؛‬ ‫والظها ِر ْ‬
‫فلم يقيدْ ها‬
‫ني والظها ِر؛ فإنام يبنون عىل ما فهموه من قصد الشارع‪.‬‬
‫اليم ِ‬
‫‪-166-‬‬
‫تشجيع‬
‫َ‬ ‫الشارع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصد‬ ‫فهموا ِمن‬
‫اجلمهور عند َما َّقيدوا املطلقَ فإ َّنام ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وكذلك‬
‫دون غ ِ‬
‫ريها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املؤمنة َ‬ ‫ِ‬
‫الرقاب‬ ‫حتري ِر‬
‫ِ‬
‫قصد الشا ِرع‪.‬‬ ‫فهمو ُه ِمن‬
‫مبني علَ َما ُ‬
‫ني ٌّ‬ ‫ُ‬
‫فاخلالف بنيَ الطرف ِ‬
‫املسب ِ‬
‫بات؛‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وقصد‬ ‫ِ‬
‫األسباب‬ ‫بوضع‬
‫ِ‬ ‫الشاطبي‬
‫ُّ‬ ‫السادس عشَ‪َ :‬ما سام ُه‬
‫َ‬ ‫املنحى‬
‫َ‬
‫الشارع ‪.‬‬
‫َ‬ ‫بات‪ ،‬أعنِي‬
‫املسب ِ‬
‫الواضع إلَ ّ‬
‫ِ‬ ‫يستلزم قصدَ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األسباب‬ ‫فوضع‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫والدليل عىل ذلك أمور ( والكالم للشاطبي)‪:‬‬
‫هي‬
‫حيث َ‬‫ألنفسها ِمن ُ‬
‫ِ‬ ‫األسباب ْمل ْ‬
‫تكن أسبا ًبا‬ ‫َ‬ ‫بأن‬ ‫َ‬
‫قاطعون َّ‬ ‫أحدُ ها‪َّ :‬‬
‫إن العقال َء‬
‫لزم ِمن‬ ‫َ‬
‫كذلك؛ َ‬ ‫أخ ُر‪ ،‬وإ َذا َ‬
‫كان‬ ‫أمور َ‬
‫عنها ٌ‬ ‫حيث ُ‬
‫ينشأ َ‬ ‫بل ِمن ُ‬
‫فقط‪ْ ،‬‬ ‫موجودات ْ‬
‫ٌ‬
‫ُ‬
‫وضعها أسبا ًبا القصدُ إىل ما ينشأ عنها ِمن َّ‬
‫املسببات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القصد إلَ‬
‫املفاس ِد‪ِ ،‬‬
‫وهي‬ ‫ِ‬ ‫أو ِ‬
‫درء‬ ‫املصالح ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جللب‬ ‫األحكام الرشعي َة إنام ش ْ‬
‫ُعت‬ ‫َ‬ ‫والثاين‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫لزم َمن‬
‫املسببات؛ َ‬
‫عت ألجل َّ‬ ‫األسباب إنام ِ‬
‫شُ ْ‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫قطعا‪ ،‬فإذا ك َّنا َن ُ‬
‫علم َّ‬ ‫مسبباتُا ً‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫األسباب القصدُ إلَ َّ‬
‫املسببات‪- )1(»...‬وقد تقدم بقية كالمه‪.-‬‬ ‫القصدَ إلَ‬
‫ٍ‬
‫حكمة‬ ‫ال خت ُلو ِمن‬
‫االستصحاب َ‬
‫ِ‬ ‫أنواع‬
‫َ‬ ‫املنحى السابع عرش‪ :‬االستصحاب‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫َ‬
‫تكليف‬ ‫َ‬
‫فـ»ال‬ ‫حكم العقلِ ِ‬
‫املبقي علَ الن ْفي»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫«استصحاب‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وبخاصة‬ ‫ٍ‬
‫ومقصد‬
‫ِ‬
‫بحسب‬ ‫ِ‬
‫واالنطالق‪،‬‬ ‫لإلنسان واحلر َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملقصد أصلِ االختيا ِر‬ ‫بالنص» يشهدُ‬
‫ِّ‬ ‫إلَّ‬
‫عنها» كام‬ ‫َ‬
‫«وترك أشيا َء ع َفا َ‬ ‫الشارع مساح َة العف ِو‬
‫ُ‬ ‫فرتك‬ ‫ما ِ‬
‫متليه فطر ُته وعق ُله‪َ .‬‬

‫جاء يف احلديث‪.‬‬
‫للدفع َ‬
‫دون‬ ‫ِ‬ ‫يصلح‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫االستصحاب قائلنيَ ‪ :‬إ َّنه‬ ‫األحناف َ‬
‫دليل‬ ‫ُ‬ ‫ضعف‬
‫وعندما َّ‬

‫‪ -1‬الشاطبي املوافقات ‪.311/1‬‬

‫‪-167-‬‬
‫وضع َ‬
‫كان قائمً‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لإلبقاء علَ‬ ‫حكم الن ْف ِي‬
‫ِ‬ ‫إثبات‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حياولون‬ ‫ِ‬
‫االستحقاق‪ .‬كا ُنوا‬
‫يورث ولك َّنه َ‬
‫ال‬ ‫ُ‬ ‫فاملفقود َ‬
‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ال إىل الن ْف ِي؛‬ ‫ٍ‬
‫جديد َ‬
‫ال يستندُ إ َّ‬ ‫ِ‬
‫إحداث أث ٍر‬ ‫َ‬
‫دون‬
‫ُ‬
‫يرث فِ رأيِم‪.‬‬
‫تنازع مقاصدَ ‪ ،‬وليس َ‬
‫نزاع‬ ‫ُ‬ ‫بينهم وبنيَ اجلمهو ِر َ‬
‫هو‬ ‫ِ‬
‫اخلالف ُ‬ ‫سبب‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فكان‬
‫ٍ‬
‫نصوص‪.‬‬
‫أو‬ ‫ِ‬
‫باملسألة َعن نظائ ِرها‪ْ ،‬‬ ‫كان عدولً‬ ‫سواء َ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫االستحسان‪:‬‬ ‫املنحى الثامن عرش‪:‬‬
‫ِ‬
‫احلاالت‬ ‫ِ‬
‫بالعرف‪ ،‬فإ َّنه فِ أكث ِر‬ ‫عام‪ ،‬أو استثنا ًء‬ ‫ِ‬
‫ختصيص ٍّ‬ ‫ِ‬
‫للمصلحة فِ‬ ‫مراعا ًة‬
‫مع َّ‬
‫أن‬ ‫الزكاة ِ‬
‫لعبد الفق ِ‬
‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األحناف إعطا َء‬ ‫ِ‬
‫كاستحسان‬ ‫يراعي معنًى ِمن املعانِ؛‬
‫ِ‬
‫ري؛ باعتبا ِر ف ْق ِر عائِله‪َّ ،‬‬
‫وأن حكم َة ِ‬
‫املنع‬ ‫عطى ملَن ُ‬
‫جتب نفق ُته عىل الغ ِ‬ ‫الزكا َة َ‬
‫ال ُت َ‬

‫بإغناء العائِل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫هي غنا ُه‬
‫َ‬
‫بيعها؛ لِ َل ْم ِح ٍ‬
‫فرق‬ ‫ومنع ِ‬
‫ِ‬ ‫اخلراج‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أرض‬ ‫ِ‬
‫اشرتاء‬ ‫َ‬
‫جواز‬ ‫ِ‬
‫واستحسان اإلما ِم أمحدَ‬
‫فمن‬ ‫ِ‬
‫احلبيب َ‬ ‫ريق‬ ‫ِ‬
‫األحناف بنيَ ِ‬ ‫ِ‬
‫كتفريق‬ ‫ِ‬
‫واإلدخال‪،‬‬ ‫اإلخراج‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلكمة بنيَ‬ ‫فِ‬
‫نظرا إىل‬
‫الصائم ً‬
‫ُ‬ ‫يفطر ِ‬
‫به‬ ‫ُ‬ ‫عاف‪ ،‬ف َ‬
‫ال‬ ‫البغيض ِ‬
‫الذي ُي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وريق‬ ‫صومه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ابتلعه فسدَ‬
‫َ‬
‫ري مشتَهى‪.‬‬ ‫وريق األخ ِ‬
‫ري غ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الشهوة‪.‬‬ ‫عن‬ ‫ُ‬
‫اإلمساك ْ‬ ‫أن احلكم َة ِمن الصو ِم‬
‫َّ‬
‫الذي ِمن شأنِه‬
‫الوضيع ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسنان‪ ،‬بنيَ‬ ‫بلع َما بنيَ‬ ‫َ‬
‫كذلك فِ الصو ِم فِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وتفريقهم‬
‫نفسه َ‬
‫ذلك‪.‬‬ ‫تعاف ُ‬ ‫الرفيع ِ‬
‫الذي ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫بذلك وبنيَ‬ ‫َّ‬
‫يستلذ‬ ‫ْ‬
‫أن‬
‫الدائن إ َذا َ‬
‫كان‬ ‫ِ‬ ‫مقابل ِ‬
‫زكاة‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫املدين‬ ‫الدين ِ‬
‫عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إسقاط‬ ‫َ‬
‫جواز‬ ‫ِ‬
‫املالكية‬ ‫ِ‬
‫واستحسان‬
‫كان ُمعد ًما‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الزكاة إ َذا َ‬ ‫ِ‬
‫إجزاء‬ ‫الدين‪ ،‬وعد ِم‬
‫َ‬ ‫ضِ بِه‬
‫أن َيق َ‬
‫يمكن ْ‬
‫ُ‬ ‫للمدين ٌ‬
‫مال‬ ‫ِ‬
‫وإن َ‬
‫كان‬ ‫ِ‬
‫واملصلحة َ‬
‫امللغاة‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫املعتربة‬ ‫ِ‬
‫املصلحة‬ ‫ُ‬
‫الفرق بنيَ‬ ‫التاسع عشَ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫املنحى‬

‫‪-168-‬‬
‫ٍ‬
‫بمصلحة‬ ‫أو‬ ‫ٍ‬
‫بمفسدة ْ‬ ‫ٍ‬
‫مصلحة‬ ‫ِ‬
‫بمقابلة‬ ‫َ‬
‫كذلك‬ ‫ُ‬
‫يعرف‬ ‫ِ‬
‫اإللغاء فإ َّنه‬ ‫ُيعرف بدليلِ‬
‫أعظم املصلحت ِ‬
‫ني ‪ .‬قال‬ ‫ِ‬ ‫وترجيح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرضرين‪،‬‬ ‫ارتكاب ِّ‬
‫أخف‬ ‫ِ‬ ‫وهي قاعد ُة‬
‫أقوى‪َ .‬‬
‫َ‬
‫يف مراقي السعود‪:‬‬
‫الفســاد أبعدَ ا‬
‫ُ‬ ‫إن ُ‬
‫يك‬ ‫وألغ ْ‬
‫ِ‬ ‫‪............................‬‬
‫للنصـــارى‬
‫َ‬ ‫تُفدَ ى بمَ ُ‬
‫ينفع‬ ‫كاألسارى‬
‫َ‬ ‫اإلصالح‬
‫َ‬ ‫رج ِح‬
‫أو ِّ‬
‫ِ‬
‫املقاصد‪.‬‬ ‫مبني علَ‬ ‫ِ‬
‫واألولويات‪ ،‬وك ُّله ٌّ‬ ‫ِ‬
‫املوازنات‬ ‫اآلن ِ‬
‫بفقه‬ ‫ِ‬
‫نسميه َ‬ ‫وهذا ما‬
‫خري‬
‫القوي ٌ‬
‫ُّ‬ ‫«املؤمن‬
‫ُ‬ ‫رشعي‬
‫ٌّ‬ ‫ِ‬
‫املؤمن مقصدٌ‬ ‫ِ‬
‫األقليات‪ :‬فقو ُة‬ ‫مسائل يف ِ‬
‫فقه‬ ‫ُ‬ ‫منها‬
‫ِ‬
‫وبعض‬ ‫ِ‬
‫الفاسدة‬ ‫البيوع‬
‫ِ‬ ‫تعاطي‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الضعيف»(‪،)1‬‬ ‫ِ‬
‫املؤمن‬ ‫وأحب إىل اهللِ ِمن‬
‫ٌّ‬
‫يمنح اجلامع َة ثرا ًء ومكان ًة إ َّ‬
‫ال َّ‬
‫أن‬ ‫كان ُ‬‫ولو َ‬
‫ني ْ‬ ‫للمقيم فِ ديا ِر غ ِ‬
‫ري املسلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املناكر‬
‫ِ‬
‫العلامء‬ ‫املعروضة ألنظا ِر‬
‫َ‬ ‫وهي ِمن املسائِل‬ ‫َّ‬
‫املتوخاة‪َ .‬‬ ‫تغلب املصلح َة‬
‫ُ‬ ‫مفسد َته‬
‫املعارصين‪.‬‬
‫َ‬
‫يستطيع‬
‫ُ‬ ‫املسلم‬
‫ُ‬ ‫االنتقال ِمن دا ِر الكف ِر إ َذا َ‬
‫كان‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الشافعية‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫منع‬ ‫َ‬
‫وكذلك ُ‬
‫ُ‬
‫وصف الدَّ ار؛‬ ‫َ‬
‫انتقل تغيَّ‬ ‫دار إسال ٍم‪ ،‬وإ َذا‬ ‫ِ‬
‫بوجوده ُ‬ ‫إقام َة شعائ ِره باعتبا ِر أنَّا‬
‫ِ‬
‫الطريقة‪ -‬مقصدً ا رشع ًيا‪( .‬يراجع يف‬ ‫إقامة دا ِر اإلسال ِم ‪-‬ولو ِ‬
‫هبذه‬ ‫ِ‬ ‫باعتبا ِر‬
‫وفقه األقليات)‪.‬‬
‫الفتوى ُ‬ ‫ُ‬
‫صناعة َ‬ ‫ذلك كتا ُبنا‪:‬‬
‫وجوب ُ‬
‫الغسلِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كحديث‬ ‫ِ‬
‫التعارض‬ ‫ِ‬
‫األدلة عندَ‬ ‫اجلمع بنيَ‬
‫ُ‬ ‫املنحى العرشون‪:‬‬
‫َ‬
‫األو ُل علَ َمن توجدُ‬
‫مل َّ‬‫فيح ُ‬
‫ونعمت»(‪)2‬؛ ُ‬
‫ْ‬ ‫فبها‬
‫توضأ َ‬ ‫ِ‬
‫حديث‪َ « :‬من َّ‬ ‫مع‬ ‫ِ‬
‫للجمعة‪َ ،‬‬
‫‪ -1‬أخرجه مسلم يف الصحيح‪:‬كتاب القدر‪ ،‬باب يف األمر بالقوة وترك العجز واالستعانة رقم‪ 2052‬وابن ماجه‬
‫يف السنن رقم ‪ 79‬وأمحد يف املسند رقم ‪ 370‬وغريهم‪.‬‬
‫‪ -2‬أخرجه أبو داود‪ ،‬باب يف الرخصة يف ترك الغسل يوم اجلمعة‪.‬‬

‫‪-169-‬‬
‫ِ‬
‫اخلربين َعن‬ ‫جمع بنيَ‬ ‫َ‬
‫كذلك‪ .‬ف ُي ُ‬ ‫ليس‬ ‫ُ‬
‫وحيمل الثانِ علَ َمن َ‬ ‫ٌ‬
‫موذية‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫رائحة‬ ‫منه‬
‫ُ‬
‫وردت اإلشار ُة إلَ َ‬
‫ذلك فِ‬ ‫ْ‬ ‫الشارع ِمن األم ِر ُ‬
‫بالغسل‪ .‬وقدْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مقصد‬ ‫ني‬ ‫ِ‬
‫طريق تعي ِ‬
‫ضِ ُ‬
‫اهلل عنها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حديث عائش َة ر َ‬
‫كرتجيح‬
‫ِ‬ ‫تعارض األخبا ِر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باملقصد يف‬ ‫الرتجيح‬
‫ُ‬ ‫املنحى احلادي والعرشون‪:‬‬
‫مغيث وهو عبد‪ ،‬علَ خ ِ‬
‫رب‬ ‫ٍ‬ ‫حتت‬
‫عتقت َ‬‫ْ‬ ‫ري برير َة‪ ،‬أ َّهنا‬ ‫ٍ‬
‫عباس فِ ختي ِ‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬
‫حديث ِ‬
‫رفع رض ِر ِ‬
‫بقاء‬ ‫هو ُ‬‫الشارع َ‬
‫ِ‬ ‫حرا‪َّ ،‬‬
‫ألن مقصدَ‬ ‫األسود بن يزيد عن عائشة أ َّنه َ‬
‫كان ً‬
‫ِ‬
‫العبد‪ .‬وهذا مذهب مالك وأمحد والشافعي واألوزاعي والليث بن‬ ‫حتت‬
‫احلرة َ‬
‫َّ‬
‫سعد خال ًفا أليب حنيفة والثوري الذين اعتمدوا عىل مقصد آخر يف ختيريها‬
‫ولو كان حرا ألهنا مل تكن هلا يف أصل النكاح إرادة وال رأي ألن سيدها هو‬
‫الذي زوجها فلام عتقت كانت حريتها مالئمة ملراجعة ما عقده سيدها‪.‬‬
‫ِ‬
‫والنواهي‪،‬‬ ‫املنفية أو املث َب ِ‬
‫تة منزل َة األوام ِر‬ ‫ُ‬
‫تنزيل األخبا ِر َّ‬ ‫املنحى الثاين والعرشون‪:‬‬
‫ِ‬
‫اإلثبات قو ُله تعالَ‪ :‬ﱫ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ‬ ‫ُ‬
‫مثال َ‬
‫ذلك فِ‬
‫ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ِ‬
‫قصد‬ ‫رب ال ُبدَّ ِمن ِ‬
‫فهم‬ ‫ِ‬
‫صدق اخل ِ‬ ‫ِ‬
‫فلرضورة‬ ‫ﯛ ﯜ ﯝﱪ [آل عمران‪]97:‬‬

‫أي أ ِّمنوه‪.‬‬
‫األمر ْ‬
‫ُ‬ ‫رب هنا ُيراد بِه‬ ‫الشارع َّ‬
‫بأن اخل َ‬ ‫ِ‬
‫وكذلك فِ قولِه تعاىل‪:‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫َ‬
‫ﭛ ﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣ ﭤ ﭥﭦﭧ‬
‫ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫للكافرين ُ‬
‫عليكم سبيلً‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أي ال جتعلوا‬
‫النهي ْ‬
‫ُ‬ ‫ستفاد منه‬
‫ُ‬ ‫ﭶﱪ [النساء‪ُ ]141:‬ي‬

‫‪-170-‬‬
‫كام ذكر الشاطبي(‪.)1‬‬
‫ليس‬
‫املنحى َ‬
‫هذا َ‬‫إن َ‬ ‫النص‪َّ :‬‬
‫ِّ‬ ‫ومعقولي ِة‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫التعبد‬ ‫الثالث والعرشون‪ :‬بنيَ‬ ‫ُ‬ ‫املنحى‬
‫ِ‬
‫البحث‬ ‫أن اخلطو َة األولَ َ‬
‫قبل‬ ‫للقياس؛ إ ْذ َّ‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫سابقة‬ ‫ٌ‬
‫مرحلة‬ ‫للقياس؛ إ ْذ أ َّنه‬
‫ِ‬ ‫تكرارا‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫فيتوقف‬ ‫النهي تعبد ًّيا ال ُي ُ‬
‫عقل معنا ُه‬ ‫ُ‬ ‫األمر َأو‬
‫ُ‬ ‫تقرير ما إذا َ‬
‫كان‬ ‫ُ‬ ‫َعن الع َّلة َ‬
‫هي‬
‫عن ع َّلتِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بمحله ف ُي ُ‬
‫بحث ْ‬ ‫خاص‬
‫ٍّ‬ ‫ري‬ ‫َ‬
‫معقول املعنَى وغ َ‬ ‫هو‬ ‫عندَ حدِّ ه‪ْ ،‬‬
‫أو َ‬
‫النصوص‪ ،‬كاألم ِر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عرشات‬ ‫ِ‬
‫العلامء فِ‬ ‫ٍ‬
‫اختالف بنيَ‬ ‫قطب‬ ‫إن ِ‬
‫هذه اخلطو َة مث ْ‬
‫َّلت َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ومعقولية املعنَى عندَ‬ ‫ِ‬
‫املالكية‬ ‫التعب ِد عندَ‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫الكلب؛ بنيَ‬ ‫ولوغ‬
‫ِ‬ ‫اإلناء ِمن‬
‫ِ‬ ‫بغسلِ‬
‫اجلمهو ِر فيفيدُ النجاس َة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ومعقولية املعنَى عندَ‬ ‫ِ‬
‫املالكية‬ ‫التعب ِد عندَ‬ ‫قبل ِ‬
‫قبضه؛ بنيَ ُّ‬ ‫بيع الطعا ِم َ‬
‫والنهي َعن ِ‬
‫ِ‬
‫عباس‪« :‬وأحسب أن كل يشء كالطعام»‪.‬‬
‫البن َّ‬ ‫اجلمهو ِر ً‬
‫تبعا ِ‬
‫ِ‬
‫والشافعية‬ ‫ِ‬
‫احلنابلة‬ ‫التعبد عندَ‬
‫ُّ‬ ‫ث؛ بنيَ‬‫االسترباء ِمن اخل َب ِ‬
‫ِ‬ ‫واألم ِر باإليتا ِر فِ‬
‫ِّ‬
‫املحل‪.‬‬ ‫إنقاء‬
‫فيكفى ُ‬ ‫املالكية ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ومعقولية املعنَى عندَ‬
‫َ‬
‫يكون‬ ‫فيجب ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األسواق‬ ‫ِ‬
‫بحوالة‬ ‫السلم؛ بنيَ التعليلِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مسألة تأجيلِ‬ ‫َ‬
‫وكذلك‬
‫عرش يو ًما عندَ ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬
‫األسواق‪ ،‬كخمس َة َ‬ ‫ِ‬
‫حلوالة‬ ‫ليكون مظ َّن ًة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫األجل طويلً نسب ًيا‬
‫تسليم املس َل ِم ِ‬
‫فيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاشرتاط‬ ‫آخر غ ِ‬
‫ري األجلِ‬ ‫العلة بسبيلٍ َ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫جدت‬ ‫القاسم‪ ،‬وإذا ُو‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫املكان‬ ‫فينز ُل‬
‫السلم َّ‬
‫ِ‬ ‫حمل ِ‬
‫عقد‬ ‫ختتلف فيه عنها يف ِّ‬
‫ُ‬ ‫األسعار‬
‫َ‬ ‫ظن َّ‬
‫أن‬ ‫مكان ٍ‬
‫بعيد ُي ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫فِ‬
‫ِ‬
‫األسواق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بحوالة‬ ‫الذين ْمل ينظروا إىل التعليلِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫لألحناف‬ ‫ِ‬
‫الزمان ‪ .‬خال ًفا‬ ‫منزل َة‬
‫املكان‪ ،‬كام ُيفهم ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بثالثة أ َّيا ٍم عندَ هم‪ ،‬وال عرب َة عندهم بتغ ِ‬
‫ري‬ ‫وبالتالِ ُيكت َفى‬

‫‪ -1‬املوافقات ‪.156/1‬‬

‫‪-171-‬‬
‫ِ‬
‫املجتهد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بداية‬ ‫ابن ٍ‬
‫رشد فِ‬ ‫كال ِم ِ‬
‫ِ‬
‫كمسألة‬ ‫احلكم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املقصد املؤ ِّث ِر فِ‬ ‫ِ‬
‫طبيعة‬ ‫ُ‬
‫االختالف فِ‬ ‫املنحى الرابع والعرشون‪:‬‬
‫ِ‬
‫الكلب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لعاب‬ ‫ِ‬
‫نجاسة‬ ‫راجع إلَ‬
‫ٌ‬ ‫اجلمهور أ َّنه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫السالفة الذك ِر؛ فريى‬ ‫ِ‬
‫الكلب‬ ‫ولوغ‬
‫ِ‬
‫العدوى‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫خوف‬ ‫يرجع إلَ‬
‫ُ‬ ‫صحي‬
‫ٌّ‬ ‫ابن ٍ‬
‫رشد اجلدّ أنَّا مقصدٌ‬ ‫ويرى ُ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫واحد ممَّا يؤ ِّث ُر‬ ‫ٍ‬
‫مقصد‬ ‫واالقتصار علَ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‬ ‫املنحى اخلامس والعرشون‪ :‬تعدُّ ُد‬
‫ذلك‪َّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫جواز َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫املالكية‬ ‫ريى‬ ‫ِ‬
‫اآلفاق‪ ،‬ف َ‬ ‫ِ‬
‫كمسألة نقلِ حلو ِم اهلدْ يِ إلَ‬ ‫ِ‪,‬‬
‫احلكم‬ ‫يف‬
‫الشارع إخراج هدي للمساكني يف احلرم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مقصدَ‬
‫النس ِ‬
‫ك‪.‬‬ ‫أن َ‬
‫ذلك أحدُ مقصدَ يِ ُ‬ ‫ني احلر ِم بِه؛ إ ْذ َّ‬
‫اختصاص مساك ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫احلنابلة‬ ‫ويرى‬
‫َ‬
‫ابن قدا َمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عبارة ِ‬ ‫حسب‬
‫َ‬
‫بحكم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بعض‬ ‫الناس َ‬
‫دون ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اختصاص ِ‬
‫بعض‬ ‫ُ‬ ‫املنحى السادس والعرشون‪:‬‬
‫يصلح ِّ‬
‫بكل‬ ‫ُ‬ ‫النظر فيمَ‬
‫ُ‬ ‫وهو‬
‫آخر‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫بوجه َ‬ ‫ري املنحتِم‬
‫وخيتص غ ُ‬
‫ُّ‬ ‫الشاطبي‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫قال‬
‫وشخص َ‬
‫دون‬ ‫ٍ‬ ‫دون ٍ‬
‫حال‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وحال َ‬ ‫دون ٍ‬
‫وقت‪،‬‬ ‫بحسب ٍ‬
‫وقت َ‬ ‫ِ‬ ‫ف فِ ِ‬
‫نفسه‬ ‫مك َّل ٍ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬كام أنَّا‬ ‫اخلاص ِة علَ ِو ٍ‬
‫زان‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫األعامل‬ ‫ِ‬
‫قبول‬ ‫ليست فِ‬
‫ْ‬ ‫النفوس‬
‫ُ‬ ‫شخص؛ ِ‬
‫إذ‬ ‫ٍ‬
‫رضر‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫يدخل بسبِبه علَ رجلٍ‬ ‫صالح‬
‫ٍ‬ ‫فرب عملٍ‬
‫والصنائع كذلك؛ َّ‬
‫ِ‬ ‫فِ العلو ِم‬
‫ِ‬
‫النفس‬ ‫يكون ُّ‬
‫حظ‬ ‫ُ‬ ‫ورب عملٍ‬
‫َّ‬ ‫آخ َر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة إلَ َ‬ ‫َ‬
‫كذلك‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫أو فرت ٌة‪ ،‬وال‬
‫ْ‬
‫ويكون بريئًا من َ‬
‫ذلك‬ ‫ُ‬ ‫منه فِ عملٍ َ‬
‫آخر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة إلَ العاملِ َ‬
‫أقوى ُ‬ ‫والشيطان ِفيه‬
‫ِ‬
‫هو الذي ُرزق‬
‫اخلاص َ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫التحقيق‬ ‫فصاحب هذا‬
‫ُ‬ ‫دون بعض؛‬ ‫ِ‬
‫األعامل َ‬ ‫يف ِ‬
‫بعض‬
‫وتفاوت إدراكها‪ ،‬وقو َة ُّ‬
‫حتملها للتكاليف‪،‬‬ ‫َ‬ ‫النفوس ومراميها‪،‬‬
‫َ‬ ‫عرف ِ‬
‫به‬ ‫نورا َي ُ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫العاجلة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلظوظ‬ ‫ربها علَ محلِ أعبائها‪ ،‬أو ضعفها‪ ،‬و َي ُ‬
‫عرف التفاتَا إلَ‬ ‫وص َ‬
‫‪-172-‬‬
‫ِ‬
‫النصوص ما ُ‬
‫يليق َهبا‪ ،‬بنا ًء‬ ‫نفس ِمن أحكا ِم‬
‫كل ٍ‬ ‫حيمل عىل ِّ‬
‫ُ‬ ‫فهو‬
‫أو عد ِم التفاتِا؛ َ‬
‫عموم املك َّلفني‬
‫َ‬ ‫خيص‬ ‫ِ‬
‫التكاليف؛ فكأ َّنه ُّ‬ ‫الرشعي يف تل ِّقي‬
‫ُّ‬ ‫املقصود‬
‫ُ‬ ‫أن َ‬
‫ذلك‬ ‫علَ َّ‬
‫ويقيدُ‬
‫العام‪َّ ،‬‬
‫األول ُّ‬ ‫ِ‬
‫التحقيق َّ‬ ‫عمومه فِ‬
‫ُ‬ ‫ثبت‬
‫لكن ممَّا َ‬ ‫ِ‬
‫التحقيق؛ ْ‬ ‫والتكاليف َ‬
‫هبذا‬ ‫َ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬
‫األول ُ‬ ‫يضم قيدً ا أو قيو ًدا ملا َ‬
‫ثبت ُله فِ‬ ‫ِ‬
‫األول‪ ،‬أو ُّ‬ ‫ثبت إطال ُقه يف‬
‫به ما َ‬
‫ِ‬
‫املناط هنَا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حتقيق‬ ‫ِ‬
‫القيود‪ .‬هذا معنَى‬
‫األصوليون ِ‬
‫ببيان‬ ‫َ‬ ‫فإن َما ِسوا ُه قدْ تك َّفل‬ ‫ِ‬
‫االجتهاد؛ َّ‬ ‫هذا‬ ‫ِ‬
‫صحة َ‬ ‫ُ‬
‫الدليل علَ‬ ‫وبقي‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫مطلق‬ ‫حتت‬
‫مندرجا َ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫فيكون‬ ‫ِ‬
‫املناط؛‬ ‫ِ‬
‫حتقيق‬ ‫حتت عمو ِم‬ ‫ٌ‬
‫داخل َ‬ ‫وهو‬ ‫الداللة ِ‬
‫عليه‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الداللة عليه؛ فاألد َّل ُة ِ‬
‫عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خصوص‬ ‫تشوف أحدٌ إلَ‬ ‫ولكن ْ‬
‫إن َّ‬ ‫ْ‬ ‫الداللة ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫ِ‬

‫بحول اهللِ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫منها ما تيسَّ‬ ‫كثري ٌة ُ‬
‫نذكر َ‬
‫عن أفضلِ األعامل‪ ،‬وخ ِ‬
‫ري‬ ‫ٍ‬
‫خمتلفة ْ‬ ‫ٍ‬
‫أوقات‬ ‫َ‬
‫سئل فِ‬ ‫النبي‬
‫َّ‬ ‫أن‬ ‫فمن َ‬
‫ذلك َّ‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫بأجوبة‬ ‫فأجاب‬
‫َ‬ ‫األوقات ِمن غ ِ‬
‫ري سؤال؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫َ‬
‫بذلك يف‬ ‫وعر َف‬
‫األعامل‪َّ ،‬‬
‫التضاد‬
‫َّ‬ ‫مع غ ِ‬
‫ريه‬ ‫ِ‬
‫عمومه القتضَ َ‬ ‫ِ‬
‫إطالقه أو‬ ‫ٍ‬
‫واحد منها لو ح َُل علَ‬ ‫خمتل َف ٍة‪ُّ ،‬‬
‫كل‬
‫فِ التفضيل ‪.‬‬
‫أفضل؟ َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األعامل‬ ‫والسالم سئِل‪ُّ :‬‬
‫أي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫عليه الصال ُة‬ ‫ففي «الصحيح» أ َّنه‬
‫ثم ما َذا؟ قال‪:‬‬ ‫«اجلهاد فِ سبيلِ اهللِ»‪َ .‬‬
‫قال‪َّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ثم ما َذا؟ قال‪:‬‬ ‫«إيامن باهللِ»‪َ .‬‬
‫قال‪َّ :‬‬ ‫ٌ‬
‫مربور»(‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫«حج‬
‫ٌّ‬
‫ليس تفصيلً ألم ٍر‪.‬‬ ‫أفعال املقتدَ ى ِ‬
‫به ممَّا َ‬ ‫ُ‬ ‫املنحى السابع والعرشون‪:‬‬

‫‪ -1‬أخرجه البخاري ومسلم عن أيب هريرة واللفظ ملسلم وزاد البخاري‪»:‬إيامن باهلل ورسوله» ‪ 25/5‬وما‬
‫بعدها‪..‬‬

‫‪-173-‬‬
‫يقع عىل وجه ِ‬
‫ني‪:‬‬ ‫ِ‬
‫االقتداء ُ‬ ‫ِ‬
‫الصادرة من أهلِ‬ ‫ِ‬
‫باألفعال‬ ‫االقتداء‬
‫ُ‬ ‫الشاطبي‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫قال‬
‫ِ‬
‫كاالقتداء‬ ‫الدليل عىل عصمتِه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫دل‬ ‫ِ‬
‫األفعال ممَّن َّ‬ ‫يكون املقتدَ ى ِ‬
‫به يف‬ ‫َ‬ ‫أحدمها‪ْ :‬‬
‫أن‬
‫بالرشع أنَّم ال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالعادة أو‬ ‫علم‬
‫اإلمجاع‪ ،‬أو ما ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫أو ِفعلِ أهلِ‬
‫النبي ‪ْ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫بفعلِ‬
‫ٍ‬
‫مالك‪....‬‬ ‫ِ‬
‫املدينة علَ رأيِ‬ ‫يتواطؤُ ون علَ اخلطأِ؛ كعملِ أهلِ‬
‫أوقعه‬ ‫الوجه ِ‬
‫الذي َ‬ ‫ِ‬ ‫إيقاع الفعلِ علَ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املقتدي‬ ‫فالقسم األول‪ :‬ال خيلو ْ‬
‫أن يقصدَ‬ ‫ُ‬
‫ال َ‬
‫ذلك‪ ،‬سواء عليه أفهم مغزاه أم ال؟ من غري‬ ‫ِ‬
‫عليه املقتدَ ى بِه‪ ،‬ال يقصدُ بِه إ َّ‬
‫زيادة‪ ،‬أو يزيد عليه ت ْنو َي ُة املقتدَ ى به يف الفعل أحسن املحامل مع احتامله يف‬
‫األحكام‬
‫َ‬ ‫رتب عليه‬
‫األحسن‪ ،‬وجيعله أصلً ُي ُ‬
‫َ‬ ‫املحملِ‬
‫َ‬ ‫نفسه؛ فيبني يف اقتدائه عىل‬
‫و ُي َف ِر ُع عليه املسائل‪.‬‬
‫ِ‬
‫حسب ما قرر ُه األصوليون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫االقتداء بِه عىل‬ ‫ِ‬
‫صحة‬ ‫َ‬
‫إشكال يف‬ ‫ُ‬
‫األول؛ فال‬ ‫فأما‬
‫َّ‬
‫وخلع‬
‫ِ‬ ‫هبي‪،‬‬ ‫اخلاتم َّ‬
‫الذ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫كنزع‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كثرية؛‬ ‫يف أشياء‬ ‫بالنبي‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫الصحابة‬ ‫كام اقتدَ ى‬
‫عام احلديبية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العمرة َ‬ ‫واإلحالل ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬واإلفطا ِر يف السف ِر‪،‬‬ ‫النعل ِ‬
‫ني يف‬
‫الصحابة التِي أمجعوا عليها‪ ،‬وما أشبه ذلك”(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أفعال‬ ‫َ‬
‫وكذلك‬
‫َ‬
‫فرائض‬ ‫فرض‬ ‫«إن َ‬
‫اهلل َ‬ ‫السكوت ُّ‬
‫الدال عىل العف ِو دليله‪َّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫الثامن والعرشون‪:‬‬
‫ُ‬ ‫املنحى‬
‫تنتهكوها وحدَّ حدو ًدا فال تعتدوها‪ ،‬وعفا‬
‫َ‬ ‫فال تضيعوها ونَى َعن أشيا َء فال‬
‫ال تبح ُثوا عنها»(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬
‫نسيان ف َ‬ ‫بكم َ‬
‫ال َعن‬ ‫َعن أشيا َء رمح ًة ْ‬
‫الشاطبي مرتب َة العف ِو باعتبا ِرها قسمً مستقلً‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫حسن‪ ،‬أخذ منه‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫وهو‬

‫‪ -1‬الشاطبي املوافقات ‪. 302/5‬‬


‫رب يف جامع بيان العلم ‪ 2012‬والبيهقي يف السنن الكربى‪.‬‬
‫‪ -2‬أخرجه الدارقطني والطرباين وابن عبد ال ِّ‬

‫‪-174-‬‬
‫ألن ترك االستفصال يف طعام الذين أوتوا الكتاب يدل عىل جواز ذبحهم‪.‬‬
‫عرف بِه‬ ‫ٍ‬
‫إشارة ونحوها‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫الشارع ِمن‬
‫ُ‬ ‫املنحى التاسع والعرشون‪ :‬ما يقصدُ‬
‫ِ‬
‫معهود‬ ‫اإلفهام يف‬
‫ُ‬ ‫الشاطبي‪ :‬ما ُيقصدُ بِه‬
‫ُّ‬ ‫الفتوى‪ .‬قال‬ ‫ِ‬
‫سياق َ‬ ‫الشارع فِ‬
‫ِ‬ ‫قصدُ‬
‫والسالم‪»:‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫عليه الصال ُة‬ ‫ِ‬
‫كقوله‬ ‫املرص ِح بِه‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫مقام‬
‫قائم َ‬
‫فهو ٌ‬ ‫ِ‬
‫االستعامل؛ َ‬
‫(‪)1‬‬ ‫َ‬
‫وهكذا»‪.‬‬ ‫الشهر َ‬
‫هكذا‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الرأس‪،‬‬ ‫بإشارة ِ‬
‫اليد أ ِو‬ ‫ِ‬ ‫أجاب الفت َيا‬
‫َ‬ ‫البخاري بقولِه‪ُ :‬‬
‫باب َمن‬ ‫ُّ‬ ‫قلت‪ :‬وع ْن َ‬
‫ون‬ ‫ُ‬
‫فذكر حديث ِ‬
‫ني‪:‬‬ ‫َ‬
‫بيده َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫َ‬
‫فأومأ ِ‬ ‫أرمي‬ ‫ذبحت َ‬
‫قبل ْ‬
‫أن‬ ‫حجتِه َ‬
‫فقال‪:‬‬ ‫َ‬
‫سئل فِ َّ‬ ‫النبي‬ ‫األول‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أن َّ‬
‫حرج‪.‬‬
‫َ‬ ‫بيده‪َ :‬‬
‫وال‬ ‫َ‬
‫فأومأ ِ‬ ‫أذبح‬
‫أن َ‬ ‫حلقت َ‬
‫قبل ْ‬ ‫ُ‬ ‫حرج‪َ ،‬‬
‫وقال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال‬
‫ويظهر‬
‫ُ‬ ‫العلم‬
‫ُ‬ ‫سمعت أبا هرير َة َعن النبِي قال‪« :‬يقبض‬
‫ُ‬ ‫عن سامل ٍ َ‬
‫قال‬ ‫والثاين‪ْ :‬‬
‫هكذا ِ‬
‫بيده‬ ‫اهلرج؟ فقال َ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهللِ و َما‬
‫َ‬ ‫اهلرج”‪ .‬قيل‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫ويكثر‬
‫ُ‬ ‫والفتن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلهل‬
‫َ‬
‫القتل‪.‬‬ ‫فحر َفها ُ‬
‫كأنه يريدُ‬ ‫َّ‬
‫لكن ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬
‫كالضارب‪َّ ،‬‬ ‫اليد وحركتِها‬
‫حتريف ِ‬
‫ِ‬ ‫هم ِمن‬ ‫كأن َ‬
‫ذلك ُف َ‬ ‫ابن حج ٍر‪َّ :‬‬
‫قال ُ‬
‫الروايات وكأنَّا ِمن تفس ِ‬
‫ري الرا ِوى َعن حنظل َة‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ِ‬ ‫معظم‬
‫ِ‬ ‫الزياد َة ْمل َأرها فَ‬
‫عن حنظل َة‪َ ،‬‬
‫وقال فَ آخ ِره‪:‬‬ ‫عاصم ْ‬
‫ٍ‬ ‫الدوري َعن أبِ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫عباس‬ ‫أ َبا عوان َة روا ُه َعن‬
‫يرضب عنقَ اإلنسان»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫عاصم كأ َّنه‬
‫ٍ‬ ‫وأرا َنا أ ُبو‬
‫ِ‬
‫والرشوط‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واإلبطال‬ ‫التصحيح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العقود فِ‬ ‫ِ‬
‫قصود‬ ‫املنحى الثالثون‪ :‬مراعا ُة‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.258/5‬‬


‫‪ -2‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.219/1‬‬

‫‪-175-‬‬
‫لكل ٍ‬
‫عقد قصو ًدا مالئم ًة وقصو ًدا‬ ‫َ‬
‫جعل ِّ‬ ‫رمحه ُ‬
‫اهلل تعالَ‬ ‫أن ً‬
‫مالكا ُ‬ ‫ومعنَى هذا َّ‬
‫الرشوط عىل ِ‬
‫هذه القصود؛‬ ‫ِ‬ ‫ري‬
‫َّب تأث َ‬ ‫ٍ‬
‫منافية‪ ،‬ورت َ‬ ‫وال‬ ‫ٍ‬
‫مالئمة َ‬ ‫منافي ًة وقصو ًدا غ َ‬
‫ري‬
‫ٍ‬
‫مناف‬ ‫بطل العقدَ أل َّنه‬ ‫فهذا ٌ‬
‫رشط ُي ُ‬ ‫هيب َ‬ ‫يبيع املش ِ‬
‫رتي وال َ‬ ‫ال َ‬ ‫أن َ‬ ‫ِ‬
‫برشط ْ‬ ‫باع‬
‫فمن َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫برشط‬ ‫باع‬
‫ومن َ‬ ‫ِ‬
‫اململوك‪ْ .‬‬ ‫الترص ِ‬
‫ف فِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫حرية‬ ‫امللكية التِي َ‬
‫منها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحقوق‬ ‫للتمتع‬
‫ِ‬
‫ني ملالءمته للتو ُّثق ِمن نتائج العقد‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الرشط والعقدُ صحيح ِ‬ ‫أو محيلٍ َ‬
‫كان‬ ‫ٍ‬
‫رهن ْ‬
‫ِ‬
‫العقد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قصد‬ ‫والوفاء بمقتضياتِه التِي َ‬
‫هي ِمن‬
‫جيمع‬ ‫ٌ‬
‫تفصيل ُ‬ ‫وهو‬ ‫ِ‬
‫الرشوط َ‬ ‫وفصل ٌ‬
‫مالك فِ‬ ‫ِ‬
‫بالرشوط‪َّ ،‬‬ ‫َ‬
‫فأبطل‬ ‫وأما أ ُبو حنيف َة‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الباب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الواردة فِ‬ ‫ِ‬
‫األحاديث‬ ‫بنيَ‬
‫وابن‬ ‫سعيد وسؤالِه ألبِ حنيف َة ِ‬
‫وابن شربم َة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بن‬ ‫ِ‬
‫الوارث ِ‬ ‫العلامء قص َة ِ‬
‫عبد‬ ‫ُ‬ ‫ذكر‬
‫وقدْ َ‬
‫ِ‬
‫املسألة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بحديث روا ُه فِ‬ ‫منهم‬
‫كل ُ‬‫واحتجاج ٍّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرشوط‬ ‫ِ‬
‫واختالفهم فِ‬ ‫أبِ ليلَ‬
‫عروف عن ُع ِ‬
‫قود‬ ‫ِ‬ ‫قود املَ‬ ‫ِ‬
‫باملقاصد يف تَيي ِز ُع ِ‬ ‫املنحى احلادي والثالثون‪ُ :‬يستنجدُ‬
‫كايسة الص َِّف ِة إلحداث حكم بني حكمني مما جييز التجاوز عن بعض‬ ‫ِ‬ ‫ا ُمل‬
‫أسباب الفساد من غرر وجهالة وشبهة ربا‪.‬‬
‫املنحى الثاين والثالثون‪ :‬أن العلة املستنبطة ال يمكن أن تلغي احلكم املعلل هبا‬
‫يف حال ختلف العلة‪ ،‬كالثمنية يف النقدين بأن صار الذهب والفضة أو أحدمها‬
‫غري رائج يف الثمنية فإن ذلك ال يؤثر يف أصل ربويتهام ألن الربوية منصوصة‬
‫من الشارع متحققة فال تكر عليها علة مستنبطة بالبطالن ومن جهة أخرى‬
‫فإن مقصد الربوية يمنع التفاضل يف النوع والنسيئة يف اجلنسني مقصد أصىل‬
‫ابتدائي رصيح فال يكر عليه مقصد تابع يف الرتبة مظنون يف اجلملة‪.‬‬
‫‪-176-‬‬
‫املنحى الثالث والثالثون‪ :‬فهم مقصد الشارع من داللة اللفظ سواء كان لفظ‬
‫الشارع‪ ،‬أو لفظ راوي احلديث‪ ،‬مما يرتب حكمً ختتلف درجته باختالف‬
‫الصيغ‪ ،‬كاستعامل لفظ «هنى» فإهنا تدل عىل أن احلكم املرتتب عىل النهي‬
‫ليس بالقوي لقيام االحتامل وبسبب االمجال أو ما سامه الزركيش بالعموم‬
‫ألن النهي قد يدل عىل الكراهة أو التحريم فام هو كداللة النهي «بال تفعل»‬
‫الدالة عىل التحريم»‪.‬‬
‫وسمى القاىض ابن العريب الصيغة األوىل بالنهي من الدرجة الثانية والصيغة‬
‫الثانية «ال تفعل» بالنهي من الدرجة األوىل وذلك يف مسألة النهي عن بيع‬
‫الثمرة قبل بدو صالحها فحديث ابن عمر فيه هني وحديث زيد بن ثابت‬
‫فيه «ال تبايعوا‪ »..‬لكنه ورد يف آخر حديث زيد «كاملشورة هلم» فأثرت يف قوة‬
‫النهي مما أثار حفيظة ابن العريب قائلً‪ :‬لكنه عقب عليها بام غري الدليل وأتعب‬
‫يف التأويل فقال‪ :‬كاملشورة هلم فجعل ذلك زيد يف ظاهر احلديث رأ ًيا عرضه‬
‫ال هن ًيا حرمه(‪.)1‬‬
‫املنحى الرابع والثالثون‪ :‬قد يؤثر مقصد عام يالحظه املجتهد من خالل نصوص‬
‫عدة يف احلد من تأثري مقصد خاص‪ ،‬ليخفف من اطراده ومن احلاحه يف كل‬
‫املحال‪ ،‬ومن هذا القبيل تأثري احلاجة يف ممنوعات ضعيفة نسب ًيا الستثناء الشارع‬
‫من عمومها ولقوة املصلحة املعارضة تقدم عىل العلة املانعة يقول ابن العريب‪:‬‬
‫القاعدة السابعة‪ :‬اعتبار احلاجة يف جتويز املمنوع كاعتبار الرضورة يف حتليل‬

‫‪ -1‬ابن العريب‪ ،‬القبس ‪.778/2‬‬

‫‪-177-‬‬
‫املحرم ومن ذلك استثناء القرض من حتريم بيع الذهب بالذهب إىل أجل وهو‬
‫يشء انفرد به مالك مل جيوزه أحد من العلامء سواه لكن الناس كلهم اتفقوا عىل‬
‫جواز التأخري فيه من غري رشط بأجل وإذا جاز التفرق قبل التقابض بإمجاع‬
‫فرضب األجل أتم للمعروف وأبقى للمودة‪.‬‬
‫‪ :‬إن رجلً كان فيمن كا ن قبلكم‬ ‫وعول يف ذلك علامؤنا عىل قول النبي‬
‫استسلف من رجل ألف دينار إىل أجل فلام حل األجل طلب مرك ًبا خيرج فيه‬
‫قرطاسا وكتب فيه إليه ونقر خشبة فجعل فيها القرطاس‬
‫ً‬ ‫إليه فلم جيده فأخذ‬
‫واأللف دينار ورمى هبا يف البحر وقال اللهم إنه قد قال يل حني دفعها إيل‬
‫أشهد يل قلت كفى باهلل شهيدً ا أو قال أيتني بكفيل قلت كفى باهلل كفيال اللهم‬
‫أنت كفيل بإبالغها‪ .‬فخرج صاحب األلف إىل ساحل البحر حيتطب فدفع‬
‫البحر له العود فأخذه فلام فلقه وجد املال والقرطاس ثم إن ذلك الرجل وجد‬
‫مرك ًبا فأخذ املال وركب فيه ومحل إليه املال فلام عرضه عليه قال له قد أدى اهلل‬
‫أمانتك»‪ .‬فإن قيل هذا رشع من قبلنا‪ .‬قلنا‪ :‬كلام ذكر النبي لنا مما كان عملً ملن‬
‫قبلنا يف معرض املدح فإنه رشع لنا وقد مهدنا ذلك يف كتب األصول ومن ذلك‬
‫حديث العرايا وبيع التمر املوضوع عىل األرض وفيه من الربا ثالثة أوجه‪:‬‬
‫بيع الرطب باليابس‪.‬‬
‫والعمل باحلزر والتخمني يف تقدير املالني الربويني‪.‬‬
‫وتأخري بالتقابض‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ -1‬ابن العريب‪ ،‬القبس ‪.790/2‬‬

‫‪-178-‬‬
‫مرجحا‬
‫ً‬ ‫قلت‪ :‬وليس جمرد احلاجة هو الذي رجح ولكن قصد املعروف كان‬
‫كام ذكرنا فإن العرايا والقرض هي من باب املعروف والشارع متشوف إليه‬
‫وكذلك نجد التخفيف يف جمال املشاركات فاجاز فيها للحاجة بعض اجلهالة‬
‫والغرر وقد خيتلف العلامء يف ذلك‪.‬‬
‫أما تشوف الشارع للتعاون والتضامن فهو ثابت بالكتاب والسنة أما الكتاب‬
‫فقوله تعاىل‪ :‬ﱫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﱪ [املائدة‪ ،]2:‬والتعاون يف الكسب‬
‫املباح هو من الرب وما حديث األشعريني عن مجع األزواد إال من هذا القبيل‬
‫ومن ذلك ما ورد يف الرشكة بخصوصها من احلديث القديس‪ :‬إن اهلل يقول‪:‬‬
‫«أنا ثالث الرشيكني ما مل خين أحدمها صاحبه‪.)1(»...‬‬
‫يف أول‬ ‫وحديث السائب بن أيب السائب املخزومي أنه كان رشيك النبي‬
‫اإلسالم فلام كان يوم الفتح قال له عليه الصالة والسالم مرحبا بأخي ورشيكي‬
‫ال يداري وال يامري‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫إىل غري ذلك من األخبار التي تدل عىل اإلقرار‪ .‬ويشري إىل معنى الرشكة قوله‬
‫تعاىل‪:‬ﱫ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﱪ [البقرة‪ ]220:‬يف أموال اليتامى واستشهد ابن‬
‫رشد اجلد رمحه اهلل تعاىل به عىل جواز خلط الذهوب واقتسامها بعد الصياغة‬
‫كام يف املعيار‪ ،‬وهلذا أبيح يف رشكة العنان الوكالة يف جمهول‪.‬‬
‫وأبيحت اجلهالة يف مشاركات أخرى من املزارعات واملساقاة ستأيت‪.‬‬

‫‪ -1‬أخرجه أبو داوود وقد عل باإلرسال وأعله بعضهم بجهالة الراوي‪.‬‬


‫‪ -2‬صححه احلاكم والذهبي‪.‬‬

‫‪-179-‬‬
‫ِ‬
‫الطية‬ ‫مرة لو أردنا َ‬
‫نرشها ‪-‬كام ُتن ُ‬
‫شّ بعدَ‬ ‫ِ‬
‫ألول َّ‬ ‫تسج ُل‬ ‫ِ‬
‫املناحي التي َّ‬ ‫ِ‬
‫وهذه‬
‫أن‬‫هو اإلشار ُة إلَ َّ‬
‫هذا َ‬‫مقصودنا ِمن َ‬
‫ُ‬ ‫لكن‬
‫ريا‪ْ ،‬‬
‫لكانت جز ًءا كب ً‬
‫ْ‬ ‫تب‪-1‬‬ ‫ُ‬
‫الك ُ‬
‫ِ‬
‫احلميمة‬ ‫للوشائج‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫واملدارك ٌ‬
‫أمثلة‬ ‫وهذه ِ‬
‫املناحي‬ ‫الفقه بعينِها‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أصول‬ ‫املقاصدَ ِهي‬
‫الفكر ألض ْفنا إليها غريها‪.‬‬
‫َ‬ ‫النظر وأعملنَا‬
‫َ‬ ‫والتداخلِ والتواصلِ ‪ْ ،‬‬
‫ولو أمع َّنا‬
‫عنه‬ ‫ريض ُ‬
‫اهلل ُ‬ ‫َ‬ ‫البعض إلَ ع ِّ‬
‫يل‬ ‫ُ‬ ‫النحو» كام عزا ُه‬
‫َ‬ ‫«انح َ‬
‫هذا‬ ‫العلم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لطالب‬ ‫ُ‬
‫فأقول‬
‫ِ‬
‫األسود الدؤلِ‪.‬‬ ‫خياطب أ َبا‬
‫ُ‬

‫* خالصة القول‪:‬‬
‫وحكمها وغاياتُا ومراميها ومغازهيا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة‬ ‫روح‬ ‫َّ‬
‫إن املقاصدَ ُ‬
‫ِ‬
‫حلدود‬ ‫مبالغ فِ اعتبا ِرها متجاو ٍز‬
‫ٍ‬ ‫املقاصد ِمن‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫حول‬ ‫آراء الباحثنيَ‬
‫تباينت ُ‬
‫ْ‬ ‫وقدْ‬
‫َ‬
‫وجعل شمولَا مطر ًدا‪ ،‬غافلً أو متجاهلً ما يع ِ‬
‫رتى‬ ‫حيث جع َله قطع ًيا‬ ‫ِ‬
‫عمومها ُ‬
‫فألغوا‬ ‫ِ‬
‫معوقات التنصيص‪َ .‬‬ ‫للشمول ِمن‬
‫ِ‬ ‫ربى‬ ‫ِ‬
‫التخصيص‪ ،‬وما ين ِ‬ ‫العموم ِمن‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫مقصد شاملٍ ‪.‬‬ ‫بدعوى انضوائِها َ‬
‫حتت‬ ‫َ‬ ‫ختصها‬ ‫ٍ‬
‫معان ُّ‬ ‫اجلزئيات التِي َهلا‬
‫ِ‬ ‫أحكام‬
‫َ‬
‫غاية تلغي املقاصدَ واملعا َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫اجلزئية إلَ ٍ‬ ‫ِ‬
‫بالنصوص‬ ‫ِ‬
‫للمقاصد متعل ًقا‬ ‫ٍ‬
‫جمانب‬ ‫ِ‬
‫وم ْن‬
‫ري إلَ ظرفيتِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تطبيقه وتش ُ‬ ‫النص اجلزئِ َّي‪ ،‬وحتدُّ ِمن مدَ ى‬ ‫ُ‬
‫تعرتض َّ‬ ‫واحلكم التِي‬
‫َ‬
‫املصالح‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بإبطال‬ ‫ِ‬
‫املناداة‬ ‫ص ملدَ ى اعتبا ِره إلَ حدِّ‬ ‫واملخص ِ‬
‫ِّ‬ ‫كاملقي ِد ُله‬
‫َّ‬ ‫فهي‬
‫َ‬
‫اجلزئي فِ‬
‫َّ‬ ‫ويضع‬
‫ُ‬ ‫يل نصي َبه‪،‬‬ ‫وذاك‪ِ ،‬‬
‫يعطى الك َّ‬ ‫َ‬ ‫هذا‬ ‫ٌ‬
‫وسط بنيَ َ‬ ‫الصحيح‬
‫ُ‬ ‫واملنهج‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫تغييب‬ ‫حذر ِمن‬
‫حيث َّ‬
‫ُ‬ ‫رمحه ُ‬
‫اهلل تعالَ‬ ‫الشاطبي ُ‬ ‫ِ‬
‫املزالق‬ ‫نصابِه‪ .‬وقد انتب َه ِ‬
‫هلذه‬
‫ُّ‬
‫‪ ) 1‬شطر بيت لذي الرمة أوله‪ :‬من دمنة نسفت عنها الصبا ُس ُعف ًا‬

‫‪-180-‬‬
‫مع اجلزئِ ِّي‪.‬‬ ‫عن الك ِّ‬
‫يل فِ التعاملِ َ‬ ‫اإلعراض ِ‬
‫ِ‬ ‫مراعاة الكلِّ‪ِ ،‬‬
‫ومن‬ ‫ِ‬ ‫اجلزئي عندَ‬
‫ِّ‬
‫وإذا كان بعض املقاصديني يف هذا العرص قد استشعر إمكانية استقالل املقاصد‬
‫ِ‬
‫املقاصد َعن‬ ‫ِ‬
‫استقالل‬ ‫نكون قدْ رمينَا نظري َة‬
‫ُ‬ ‫عن علم أصول الفقه فبام قدَّ منا‬
‫ِ‬
‫واملعدود‬ ‫الروح فِ اجلسد‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اندماج‬
‫َ‬ ‫االندماج بينهام‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالفند‪ ،‬وأب َّنا‬ ‫ِ‬
‫الفقه‬ ‫ِ‬
‫أصول‬
‫فِ العدد‪.‬‬
‫َأ ٌخ َأ َ‬
‫رض َع ْت ُه ُأ ُّمها بِ ِلبانِا‬ ‫َفإِ ْن ال َي ُك ْنها َأ ْو َت ُك ُنه َفإِ َّن ُه‬

‫ضوابط التعامل مع املقاصد‪:‬‬


‫واملتعامل مع املقاصد عليه أن يراعي الضوابط الثامنية التالية ‪-‬لعله بذلك‬
‫يكون أقرب إىل الدقة والرصامة العلمية ‪ -‬حتى ال يقع يف خطإ يف التعامل‬
‫وخطل يف التداول وهي‪:‬‬
‫الضابط األول‪ :‬هو التحقق من املقصد األصيل الذي من أجله شُع احلكم؛ ألنه‬
‫ُّ‬
‫التحقق من املقصد األصيل ال يمكن أن يعلل به؛ إذ يمكن أن ينرصف‬ ‫بدون‬
‫األمر إىل التعبد مبارشة؛ ألن األصل يف املصلحة تعبدي كام يقول الشاطبي‬
‫ألن الشارع هو الذي حدَّ دها‪ ،‬وهي مسألة خمتلف فيها‪ .‬قال إمام احلرمني‪ :‬ما‬
‫ال يعقل معناه عىل التثبت ال يُكم املعنى فيه»(‪ .)1‬ومنها عرشات املسائل‪.‬‬
‫ً‬
‫منضبطا؛ ألنه إذا مل يكن‬ ‫ظاهرا‬
‫ً‬ ‫الضابط الثاين‪ :‬أن يكون ذلك املقصدُ وص ًفا‬
‫كذلك فال يمكن التعليل به؛ فالغرر مثال يورث البغضاء‪ ،‬والبغضاء صفة‬

‫‪ -1‬هناية املطلب ‪.291/4‬‬

‫‪-181-‬‬
‫نفسية‪ ،‬فهو من باب احلكمة التي قد نلجأ إليها للتعليل هبا عىل خالف‪ ،‬وذلك‬
‫عند تعذر االنضباط يف الوصف‪ ،‬قال يف املراقي‪:‬‬
‫إال فـحـكـــــــمـة هبا يـنـاط‬ ‫ومن رشوط الوصف االنضباط‬
‫الضابط الثالث‪ :‬أن نحدد درجة املقصد يف سلم املقاصد هل هو يف مرتبة‬
‫الرضوري أو مرتبة احلاجي ألن التعامل معهام ليس عىل وترية واحدة‪ ،‬هل‬
‫هو مقصد أصيل أو تابع‪.‬‬
‫الضابط الرابع‪ :‬النظر يف النصوص اجلزئية املؤسسة للحكم ألنه من خالهلا‬
‫يمكن ضبط الترصف يف ضوء تأكيد الشارع عىل احلكم أو عدمه للتعرف عىل‬
‫املقصد ومكانته وضبط التعامل معه إلغاء أو أثبا ًتا ملا يعارضه من الرضورات‬
‫احلاقة أو احلاجات املاسة‪.‬‬
‫الضابط اخلامس‪ :‬هل املقصد املعلل به منصوص أو مستنبط يف احلالة األوىل‬
‫يرتفع احلكم بزواله ويف الثانية ال يرتفع لكنه يمكن أن خيصص كالثمنية‬
‫بالنسبة للنقدين‪.‬‬
‫الضابط السادس‪ :‬أن ال يكون املقصد املعلل فيه مردود ًا بقادح النقص‬
‫كاالستعجال واملعاملة بنقيض القصد‪.‬‬
‫الضابط السابع‪ :‬أن ال يكون معارض ًا بمقصد آخر أوىل منه باالعتبار فيستصحب‬
‫أصل النص أو يرجح بني مقصدين‪.‬‬
‫الضابط الثامن‪ :‬أن ال يكون حمل إلغاء بالنص أو اإلمجاع أو القياس السامل من‬
‫املعارض‪.‬‬
‫‪-182-‬‬
‫ِ‬
‫األصول‪ ،‬وأصولً عام ًة‬ ‫علم‬ ‫ربى َ‬
‫فوق ِ‬ ‫ِ‬
‫للمقاصد أصولً ك َ‬ ‫ُ‬
‫الفصل‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ُ‬
‫والقول‬
‫ال أنَّا فِ خدمتِها مفصل ًة‬ ‫أخص ِمن َ‬
‫ذلك إ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫وأخرى‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األصول‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بمباحث‬ ‫مشتبك ًة‬
‫هلا مبين ًة تار ًة ومكمل ًة تار ًة أخرى‪.‬‬
‫تغيب عنها ِح ٌ‬
‫كمة‪.‬‬ ‫حكم‪ ،‬وال ُ‬
‫ٌ‬ ‫يعزب عنها‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة ال‬ ‫ُ‬
‫فمنظومة‬
‫ِ‬
‫االبتالء‬ ‫ِ‬
‫العبادة ومقصدُ‬ ‫وهي مقصدُ‬
‫ربى‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫للمقاصد الك َ‬ ‫َ‬
‫األصوليون‬ ‫وقد َّ‬
‫تفطن‬
‫ِ‬
‫التكليف كام اهتم الشاطبي بمقصد وضع الرشيعة ابتداء‬ ‫ِ‬
‫مبحث‬ ‫ِ‬
‫واالمتثال يف‬
‫ملصالح العباد ومقصد االستخالف وغريمها من نوع املقاصد التي ال تتولد‬
‫عنها فروع وقد سامها ابن عاشور بالعالية أحيا ًنا‪.‬‬
‫يتجدد عطاؤُ ه وبخاصة فِ قضا َيا الفروع‬
‫ُّ‬ ‫زاخرا‬
‫ً‬ ‫ال ُ‬
‫يزال‬ ‫ِ‬
‫املقاصد َ‬ ‫بحر‬
‫لكن َ‬
‫َّ‬
‫ني‪:‬‬ ‫َ‬
‫وذلك فِ اجتاه ِ‬ ‫املتجدِّ دة‬
‫فقام فِ َ‬
‫هذا‬ ‫إليها‪َ :‬‬ ‫ُ‬
‫احلاجة َ‬ ‫تظهر‬
‫ْ‬ ‫الزمن املاضِ‪ ،‬و ْمل‬
‫ِ‬ ‫قضا َيا ْمل ْ‬
‫يقم موج ُبها فِ‬
‫ِ‬
‫الصحابة أحكا ًما فِ قضا َيا ْمل ْ‬
‫يكن‬ ‫الشاطبي فِ إحداث‬
‫ُّ‬ ‫أشار ِ‬
‫إليه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الزمان كمَ‬
‫كجمع‬
‫ِ‬ ‫نوازل زمانِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫يكن ِمن‬
‫والسالم و ْمل ْ‬
‫ُ‬ ‫مقتضاها قائمً فِ زمنِه ِ‬
‫عليه الصال ُة‬ ‫َ‬
‫حسب عبارتِه‪.‬‬
‫َ‬ ‫العلم وتضم ِ‬
‫ني الصناع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتدوين‬ ‫ِ‬
‫املصحف‬
‫املصالح أ ِو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رجحان‬ ‫ِ‬
‫مقتضيات‬ ‫لكن‬
‫العلامء َّ‬
‫ُ‬ ‫فيها‬ ‫َ‬
‫فاختلف َ‬ ‫قام موج ُبها‬
‫وقضا َيا َ‬
‫املرجوح‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالقول‬ ‫َ‬
‫األخذ‬ ‫ِ‬
‫الزمان اقت ََضت‬ ‫هذا‬ ‫ِ‬
‫املفاسد يف َ‬ ‫ترج ِح‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫املذاهب‬ ‫ِ‬
‫خمتلف‬ ‫الحب نجدُ ه عندَ العلام َء ِمن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وطريق‬ ‫واضح‬
‫ٌ‬ ‫مذهب‬
‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫ٌ‬
‫واحتياط‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫عزيمة‬ ‫ُ‬
‫واألخذ ُبه‬ ‫ُ‬
‫الدليل‬ ‫أرجح ِمن ُ‬
‫حيث‬ ‫ُ‬ ‫هو‬ ‫ٍ‬
‫بقول َ‬ ‫َ‬
‫يأخذون زما ًنا‬
‫ِ‬
‫وفوات‬ ‫وعرس االحرتا ِز واملش َّق ِة‬
‫ِ‬ ‫البلوى‬ ‫ٍ‬
‫الحق لعمو ِم َ‬ ‫ٍ‬
‫وقت‬ ‫ثم هيجرو َنه فِ‬
‫َّ‬
‫‪-183-‬‬
‫ِ‬
‫املفسدة ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ودرء‬ ‫ِ‬
‫املصلحة‬
‫ِ‬
‫األئمة يف بعض املسائل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بقول‬ ‫ِ‬
‫الزمن‬ ‫ردحا ِمن‬ ‫األحناف فِ ِ‬
‫أخذهم ً‬ ‫ُ‬ ‫كمَ َ‬
‫فعل‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫تعليم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزمان‪ ،‬فأجازوا االستئجا ِر علَ‬ ‫ِ‬
‫ملقتضيات‬ ‫عن َ‬
‫ذلك‬ ‫وعد ُلوا ْ‬
‫ألن َ‬
‫أهل‬ ‫مع ِ‬
‫زوجها؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫االرحتال َ‬ ‫املرأة ِمن‬
‫ِ‬ ‫امتناع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرشعية‪ ،‬وكإجازتِم‬ ‫والعلو ِم‬
‫َ‬
‫خالف‬ ‫ِ‬
‫اخلالف‬ ‫النوع‪ ،‬وجعلوا َ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬ ‫الزمان قدْ فسدُ وا وقضايا كثرية ِمن َ‬
‫هذا‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫وبرهان‪.‬‬ ‫َ‬
‫اختالف دليلٍ‬ ‫ٍ‬
‫زمان ال‬
‫ٍ‬
‫مالك علَ‬ ‫مذهب‬
‫َ‬ ‫فراجعوا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫جريان العملِ‬ ‫ِ‬
‫لقاعدة‬ ‫أصلوا‬ ‫ُ‬
‫املالكية فإن َّْم َّ‬ ‫َّأما‬
‫خيتلف ِف ِ‬
‫يه َع ْن عملِ‬ ‫ُ‬ ‫عمل‬ ‫فكان ِّ‬
‫لكل ُقط ٍر ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اإلسالمي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الغرب‬ ‫ضوئِها فِ ِ‬
‫بالد‬
‫األقوال وأمه ُلوا‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ضعيف‬ ‫فاس وقرطب َة وتو ُنس‪ ،‬فأعم ُلوا‬
‫القط ِر املجاو ِر كعملِ ٍ‬
‫والروائح‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغوادي‬ ‫ِ‬
‫املقاصد‬ ‫رياح‬
‫وماسوا َم َع ِ‬
‫ُ‬ ‫املصالح‬
‫ُ‬ ‫ترج ِ‬
‫حت‬ ‫راج َحها إ َذا َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫جلب‬ ‫سبب ِمن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لعروض‬ ‫الصحيح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫ِ‬
‫الضعيف علَ‬ ‫بتقديم‬
‫ِ‬ ‫وحكموا‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مفسدة ‪.‬‬ ‫أو ِ‬
‫درء‬ ‫ٍ‬
‫مصلحة ْ‬
‫َّصل‬ ‫سبب ِ‬
‫قد ات ْ‬ ‫ٍ‬ ‫به ِمن أجلِ‬
‫ِ‬ ‫جرى ْ‬
‫عمل‬ ‫َ‬
‫الضعيف ْ‬
‫إن َ‬ ‫وقدِّ م‬
‫ِ‬
‫السعود‪.‬‬ ‫قال فِ ِ‬
‫مراقي‬ ‫كمَ َ‬
‫ِ‬
‫املعامالت‬ ‫ِ‬
‫مئات املسائلِ ‪ ،‬ك ّلها فِ‬ ‫ِ‬
‫الرجحان فِ‬ ‫َ‬
‫تعديل‬ ‫ِ‬
‫القاعدة‬ ‫ورتَّبوا علَ ِ‬
‫هذه‬
‫إجراء‬
‫ُ‬ ‫العبادات التِي ُّ‬
‫نصوا فيها عىل أ َّنه ال ُ‬
‫جيوز‬ ‫ِ‬ ‫دون‬ ‫ِ‬
‫الشخصية‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫واألحوال‬
‫ِ‬
‫عمل‬ ‫اجلمع فِ املط ِر فِ‬
‫ِ‬ ‫هي ُ‬
‫ترك‬ ‫ٍ‬
‫واحدة َ‬ ‫ٍ‬
‫مسألة‬ ‫العملِ َ‬
‫فيها مع أهنم أجروه يف‬
‫أهلِ فاس‪ ،‬قال ناظم «عمليات فاس»‪:‬‬
‫علمهم برتك مجع يا ندس‬ ‫بالقرويني جرى واألندلس‬
‫‪-184-‬‬
‫واملراد بالقرويني واألندلس‪ :‬عدوتا مدينة فاس‪.‬‬
‫وأن‬ ‫يتعلق باملفتِي جمرى العملِ ‪ِ :‬من كونِه أهلً َ‬
‫للفتوى‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫منها َما‬ ‫ً‬
‫رشوطا َ‬ ‫ُ‬
‫واشرتطوا‬
‫ِ‬
‫القول الضعيف(‪.)1‬‬ ‫الراجح إلَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫دل ِ‬
‫عن‬ ‫الذي ِمن ِ‬
‫أجله ُع َ‬ ‫السبب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يعرف‬
‫جماالت االستنجاد باملقاصد‪:‬‬
‫فيها واستثام ِرها‬ ‫ِ‬
‫باملقاصد َ‬ ‫االستنجاد‬
‫ُ‬ ‫املجاالت التِي ُ‬
‫جيب‬ ‫ِ‬ ‫وبنا ًء علَ َما تقدَّ م َّ‬
‫فإن‬
‫ٍ‬
‫جماالت‪:‬‬ ‫تتمثل فِ ثالثِة‬
‫ُ‬
‫لتوسيع الدوائر‬
‫ِ‬ ‫املقاصد فِ بنيتِها؛‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إعامل‬ ‫ِ‬
‫ضوء‬ ‫ِ‬
‫الفقه علَ‬ ‫ِ‬
‫أصول‬ ‫أولً‪ :‬فِ تفعيلِ‬
‫ِ‬
‫االستحسان‬ ‫األربع التي ذكرناها يف املشهد الثاين من هذا الكتاب وهي‪ :‬دائرة‬
‫والذرائع‪ ،‬حتى ال تكون‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املئاالت‬ ‫ِ‬
‫ومراعاة‬ ‫ِ‬
‫األقيسة‬ ‫ِ‬
‫واستنباط‬ ‫واالستصالح‬
‫ِ‬
‫آخر َما أرش َنا ِ‬
‫إليه؛‬ ‫األصول عقيمة والفروع يتيمة‪ ...‬إلَ ِ‬

‫ويمكن أن نعرب عن إعامل املقاصد يف هذه الدوائر بأن مراعاة املعنى املقصدي‬
‫أما أن تكون بمعنى جزئي وهو إحلاق فرع بأصل خاص يف حمل خمصوص‬
‫وهذا هو القياس‪.‬‬
‫أو إحداث حكم يف حمل بناء عىل كيل حيث ال يوجد أصل خاص وهذا ما‬
‫يسمى باالستصالح‪.‬‬
‫أو استثناء جزئي ملعنى خيصه من كيل ثابت بالدليل وهذا هو االستحسان‪.‬‬
‫أو تغيري حكم عام يقتضيه الظاهر نظرا إىل املئاالت وهذا ما يسمى سد‬
‫الذرائع‪.‬‬

‫‪ -1‬تراجع الرشوط اخلمسة إلجراء العمل يف كتابنا «صناعة الفتوى وفقه األقليات»‪.‬‬

‫‪-185-‬‬
‫هذه االجتاهات األربعة هي بحق وحقيقة جماالت املقاصد وقد قدمنا اإلشارة‬
‫إىل بعض أمثلتها وأمهها االستحسان وصدق اإلمام مالك حيث يقول‪ :‬إنه‬
‫ِ‬
‫الرشعية وتقييد‬ ‫ِ‬
‫النصوص‬ ‫ِ‬
‫عمومات‬ ‫ختصيص‬
‫ُ‬ ‫يتاح‬
‫تسعة أعشار العلم ألن به ُ‬
‫دعا فِ العملِ وال بدع َة ِمن النحلِ  ‪.‬‬ ‫وليس َ‬
‫ذلك بِ ً‬ ‫َ‬ ‫مطلقاهتا‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصياغة‬ ‫ِ‬
‫مسألة‬ ‫النوع فِ‬
‫ِ‬ ‫مسألة ِمن َ‬
‫هذا‬ ‫ٍ‬ ‫عن ِ‬
‫إيراد‬ ‫يب ْ‬ ‫أجاب أبو بك ٍر ُ‬
‫ابن العر ِّ‬ ‫َ‬ ‫وقدْ‬
‫منصوص‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫العلامء‪ :‬الر َبا‬ ‫مجاعة ِمن‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫«وقال‬ ‫ً‬
‫عروضا؟ بقوله‪:‬‬ ‫ري النقود‬ ‫ْ‬
‫هل تص ُ‬
‫ِ‬
‫قاعدتان‪:‬‬ ‫تعارضت‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫مستنبطة‪ ،‬فقدْ‬ ‫واملصالح‬
‫ُ‬ ‫متوعدٌ ِ‬
‫فيه‪ ،‬واملقاصدُ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫عليه‬
‫املصالح‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫والثانية قاعد ُة‬ ‫متفق ِفيها‪.‬‬
‫عليها ٌ‬
‫منصوص َ‬
‫ٌ‬ ‫وهي‬ ‫إحداهُا قاعد ُة ِّ‬
‫الربا َ‬
‫رجح‬ ‫ِ‬
‫يتساويان؟ فضلً َعن ْ‬
‫أن ُت َّ‬ ‫َ‬
‫فكيف‬ ‫فيها‬ ‫ٌ‬
‫خمتلف َ‬ ‫ٌ‬
‫مستنبطة‬ ‫وهي‬ ‫ِ‬
‫واملقاصد‪َ ،‬‬
‫املصالح واملقاصد؟‬
‫ِ‬ ‫قاعد ُة‬
‫ٌ‬
‫مجاعة‪.‬‬ ‫َ‬
‫القول‬ ‫هذا‬ ‫َ‬
‫واستهول َ‬

‫عليه فِ ذاتِه‪َ ،‬‬


‫وهي الزياد ُة‬ ‫منصوصا ِ‬
‫ً‬ ‫وإن َ‬
‫كان‬ ‫سمح؛ َّ‬
‫فإن الر َبا ْ‬ ‫ٌ‬ ‫واجلواب ِ‬
‫فيه‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالقواعد‬ ‫َ‬
‫فكيف‬ ‫ِ‬
‫بالقياس‬ ‫صص‬ ‫والعموم َّ‬
‫يتخ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫واملحال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األحوال‬ ‫فإ َّن ٌه ٌّ‬
‫عام فِ‬
‫العامة»(‪.)1‬‬
‫سة َّ‬ ‫املؤس ِ‬
‫ِّ‬
‫واضعا إيا ُه فِ إطا ِره‬
‫ً‬ ‫احلاجي‬
‫َّ‬ ‫املفهوم‬
‫َ‬ ‫الشاطبي َ‬
‫هذا‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‬ ‫أصل أ ُبو‬
‫وقدْ َّ‬
‫يل قائلً‪ :‬وممَّا ينبنِي علَ َ‬
‫هذا األصلِ قاعد ُة االستحسان»(‪.)2‬‬ ‫األصو ِّ‬
‫لِّ‪ .‬ومقتضا ُه‬ ‫ٍ‬
‫جزئية فِ مقابِلِ دليلٍ ك ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫بمصلحة‬ ‫ُ‬
‫األخذ‬ ‫ٍ‬
‫مالك‪:‬‬ ‫ِ‬
‫مذهب‬ ‫وهو فِ‬
‫َ‬

‫‪ -1‬ابن العريب‪ ،‬القبس ‪.820/2‬‬


‫‪ -2‬املوافقات ‪. 193/5‬‬

‫‪-186-‬‬
‫يرجع‬
‫ْ‬ ‫استحسن ْمل‬
‫َ‬ ‫القياس‪ ،‬فإِ َّن َمن‬
‫ِ‬ ‫املرسلِ علَ‬ ‫ِ‬
‫االستدالل َ‬ ‫تقديم‬
‫ِ‬ ‫الرجوع إلَ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجلملة‪ ،‬يف‬ ‫الشارع فِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصد‬ ‫علم ِمن‬
‫رجع إلَ َما َ‬
‫َ‬ ‫وتشه ِ‬
‫يه‪ ،‬وإ َّنمَ‬ ‫ِّ‬ ‫جمر ِد ِ‬
‫ذوقه‬ ‫إلَ َّ‬
‫أمرا؛ إ ّ‬
‫ال ّ‬
‫أن‬ ‫فيها ً‬
‫القياس َ‬
‫ُ‬ ‫املفروضة ‪ .‬كاملسائلِ التِي يقتضِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األشياء‬ ‫تلك‬ ‫ِ‬
‫أمثال َ‬
‫ٍ‬
‫مفسدة كذلك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫جلب‬ ‫أخرى‪ ،‬أو‬ ‫املصلحة ِمن ِ‬
‫جهة َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فوات‬ ‫األمر يؤ ِّدي إلَ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذلك‬
‫مع التكمي ِّ‬
‫لِ؛‬ ‫واحلاجي َ‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫احلاج ِّي‪،‬‬ ‫مع‬
‫الرضوري َ‬
‫ُّ‬ ‫فق َ‬
‫هذا فِ األصلِ‬ ‫ريا ما ي َّت ُ‬
‫وكث ً‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ٍ‬
‫ومشقة فِ‬ ‫حرج‬
‫ٍ‬ ‫الرضوري يؤ ِّدي إلَ‬
‫ِّ‬ ‫القياس مطل ًقا فِ‬
‫ِ‬ ‫إجراء‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيكون‬
‫الرضوري‬
‫ِّ‬ ‫مع التكمي ِّ‬
‫يل أو‬ ‫احلاجي َ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫وكذلك فِ‬ ‫احلرج‪،‬‬
‫ِ‬ ‫موضع‬
‫ُ‬ ‫موا ِرده ف ُيستثنَى‬
‫ظاهر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وهو‬ ‫مع التكمي ِّ‬
‫لِ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫الدرهم‬
‫ُ‬ ‫كالقرض مثلً فإ َّنه ِر َبا فِ األصلِ ؛ أل َّن ُه‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫أمثلة كثري ٌة‪:‬‬ ‫الرشع‬
‫ِ‬ ‫وله فِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والتوسعة علَ املحتاجنيَ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الرفق‬ ‫يه ِمن‬
‫أبيح لِا ِف ِ‬
‫أجلٍ ‪ ،‬ولك َّنه َ‬ ‫بالدرهم إلَ َ‬
‫ِ‬
‫لكان فِ َ‬
‫ذلك ٌ‬
‫ضيق علَ املكلفنيَ ‪.‬‬ ‫املنع َ‬
‫بقي علَ أصلِ ِ‬
‫لو َ‬ ‫ُ‬
‫بحيث ْ‬
‫فيه ِمن‬
‫أبيح ملَا ِ‬
‫لكنه َ‬ ‫ِ‬
‫باليابس‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الرطب‬ ‫بيع‬
‫فإنه ُ‬
‫مترا؛ ُ‬
‫بخرصها ً‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العرية‬ ‫ومث ُله ُ‬
‫بيع‬
‫امتنع مطل ًقا لكان وسيل ًة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة إلَ املع ِري وا ُمل َعرى‪ ،‬ولو‬ ‫احلرج‬
‫ِ‬ ‫ورفع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرفق‬
‫الرفق ِمن‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أصل‬ ‫المتنع‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫القرض‬ ‫امتنع فِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫النسيئة ل ِو‬ ‫ملنع اإلعراء‪ .‬كمَ َّ‬
‫أن ر َبا‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الوجه ‪.‬‬ ‫َ‬
‫هذا‬
‫والفطر‬
‫ُ‬ ‫وقرص الصالة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ومجع املسافر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والعشاء للمط ِر‬ ‫ِ‬
‫املغرب‬ ‫اجلمع بنيَ‬
‫ُ‬ ‫ومث ُله‬
‫ِ‬
‫اخلوف ‪.‬‬ ‫فِ السف ِر الطويل‪ ،‬وصال ُة‬
‫ُ‬
‫الدليل‬ ‫وإن َ‬
‫كان‬ ‫ُ‬
‫والقرض واملساقا ُة‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫العورات فِ التدا ِوي‪،‬‬ ‫االطالع علَ‬
‫ُ‬ ‫ومث ُله‬
‫وأشياء ِمن َ‬
‫هذا القبيلِ كثري ٌة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫املنع‪،‬‬
‫العام يقتضِ َ‬
‫ُّ‬
‫‪-187-‬‬
‫ترجع إلَ اعتبا ِر ِ‬
‫املآل فِ‬ ‫ُ‬ ‫فإن حقي َقتَها‬ ‫صات التِي علَ َ‬
‫هذا السبيلِ ؛ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫الرتخ‬ ‫وسائر‬
‫ُ‬
‫العام يقتضِ‬ ‫ُ‬
‫الدليل ُّ‬ ‫حيث َ‬
‫كان‬ ‫ِ‬
‫اخلصوص‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫املفاسد علَ‬ ‫أو ِ‬
‫درء‬ ‫املصالح ْ‬
‫ِ‬ ‫حتصيلِ‬
‫رفع َما اقتضا ُه َ‬
‫ذلك‬ ‫ألدى إلَ ِ‬
‫العام َّ‬
‫ِّ‬ ‫مع أصلِ َ‬
‫هذا الدليلِ‬ ‫لو بقينَا َ‬ ‫منع َ‬
‫ذلك‪ ،‬أل َّنا ْ‬ ‫َ‬
‫ذلك ِ‬
‫املآل إلَ أقصا ُه ‪.‬‬ ‫رعي َ‬ ‫ِ‬
‫الواجب ُ‬ ‫فكان ِمن‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املصلحة‪،‬‬ ‫الدليل ِمن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القاعدة‪ ،‬وعليها بنَى ٌ‬
‫مالك‬ ‫القول ِ‬
‫هبذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحة‬ ‫األدلة الدا َّل ِة علَ‬
‫ِ‬ ‫نمط ِمن‬
‫هذا ٌ‬

‫وأصحا ُبه‪.‬‬
‫إيثار ِ‬
‫ترك مقتضَ الدليلِ علَ‬ ‫ِ‬
‫االستحسان‪« :‬بأ َّنه ُ‬ ‫يب فِ تفس ِ‬
‫ري‬ ‫ابن العر ِّ‬ ‫وقدْ َ‬
‫قال ُ‬
‫بعض مقتضياتِه»‪.‬‬
‫ض بِه فِ ِ‬
‫يعار ُ‬ ‫ِ‬
‫ملعارضة ما َ‬ ‫ِ‬
‫والرتخيص‪،‬‬ ‫ِ‬
‫االستثناء‬ ‫ِ‬
‫طريق‬
‫وتركه إىل‬ ‫ِ‬
‫العرف‪ُ .‬‬ ‫ِ‬
‫األيامن إلَ‬ ‫ِ‬
‫للعرف‪ ،‬كر ِّد‬ ‫فمنه ُ‬
‫ترك الدليلِ‬ ‫ثم جعله أقسا ًما‪ُ :‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫كإجياب الغر ِم علَ َمن‬ ‫لإلمجاع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫رت ِك‪ .‬أو ُ‬
‫تركه‬ ‫ري املش َ‬
‫ني األج ِ‬ ‫ِ‬
‫املصلحة‪ ،‬كتضم ِ‬
‫ُ‬
‫وتركه يف اليسري لتفاهته لرفع املشقة وإيثار التوسعة‬ ‫ذنب ِ‬
‫بغلة القاضِ‪.‬‬ ‫قطع َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ورصف‬ ‫بيع‬ ‫ِ‬
‫وإجازة ٍ‬ ‫ِ‬
‫الكثرية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املراطلة‬ ‫ري فِ‬ ‫ِ‬
‫كإجازة التفاضلِ اليس ِ‬ ‫عىل اخللق‪،‬‬
‫فِ اليس ِ‬
‫ري‪.‬‬
‫بأقوى‬ ‫ُ‬
‫العمل َ‬ ‫هو‬ ‫ِ‬
‫احلنفية َ‬ ‫ُ‬
‫االستحسان عند َنا وعندَ‬ ‫َ‬
‫وقال فِ أحكا ِم القرآن‪:‬‬
‫ِ‬
‫يريان‬ ‫فإن ً‬
‫مالكا وأ َبا حنيف َة‬ ‫والقياس إ َذا َّ‬
‫اطر َد؛ َ‬ ‫ُ‬ ‫استمر‬
‫َّ‬ ‫فالعموم إ َذا‬
‫ُ‬ ‫الدليل ِ‬
‫ني‪،‬‬
‫كان ِمن ظاه ٍر ْ‬
‫أو معنَى‪.‬‬ ‫بأي دليلٍ َ‬
‫ختصيص العمو ِم ِّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بقول‬ ‫خيص‬ ‫ويستحسن أبو حنيف َة ْ‬
‫أن َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫باملصلحة‪،‬‬ ‫ُص‬
‫أن ي َّ‬ ‫ٌ‬
‫مالك ْ‬ ‫ويستحسن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القياس‬ ‫ختصيص‬
‫َ‬ ‫معا‬ ‫ِ‬
‫ويريان ً‬ ‫ِ‬
‫القياس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بخالف‬ ‫ِ‬
‫الوارد‬ ‫ِ‬
‫الصحابة‬ ‫الواحد ِمن‬
‫ِ‬
‫ختصيصا‪ .‬وهذا ِ‬
‫الذي‬ ‫ً‬ ‫الرشع إ َذا ْ‬
‫ثبتت‬ ‫ِ‬ ‫الشافعي لع َّل ِة‬
‫ُّ‬ ‫ونقض الع َّلة‪ .‬وال َيرى‬
‫َ‬
‫‪-188-‬‬
‫العام‬
‫ِّ‬ ‫مآالت األحكا ِم ِمن غ ِ‬
‫ري اقتصا ٍر علَ مقتضَ الدليلِ‬ ‫ِ‬ ‫نظر فِ‬
‫هو ٌ‬ ‫َ‬
‫قاال َ‬
‫العام(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫والقياس ِّ‬
‫ِ‬
‫ختصيص عمو ٍم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫احلاجة فِ‬ ‫تدخ ُل‬
‫الشاطبي فاقول قدْ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ونتيج ًة ملَا تقدَّ م ِمن كال ِم‬
‫يكون عمو ًما ضعي ًفا‪ ،‬كإجازة مالك تالوة القرآن للحائض‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الغالب‬ ‫وفِ‬
‫واحليض جنابة‪ ،‬وإجازة ابن قدامة للسفتجة مع ما فيها من مفهوم «قرض‬
‫نفعا» للمصلحة‪ ،‬وإجازة الشافعية لبيع أرزاق اجلند قبل قبضها‪ ،‬وهم ال‬
‫جر ً‬
‫جييزون البيع قبل القبض‪.‬‬
‫التخصيص ِمن نواد ِر الصو ِر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عليها‬
‫الوارد َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلزئية‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫الضعف ْ‬ ‫ومعنَى‬
‫العام‪.‬‬
‫حكم ِّ‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وخيتلف فِ دخولِا فِ‬
‫قال فِ ِ‬
‫مراقي السعود‪:‬‬ ‫َ‬

‫أو ال ِخ َ‬
‫ال ٌف ُي ْن َق ُل‬ ‫ومط َل ٍق ْ‬
‫ُ‬ ‫اد ٌر فِ ِذي ُ‬
‫الع ُمو ِم َيدْ ُخ ُل‬ ‫هل َن ِ‬
‫ْ‬

‫قال ُ‬
‫بعضهم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وقوعه‪ ،‬ولذا َ‬ ‫ِ‬
‫لندرة‬ ‫ببال املتك ِّلم‬
‫خيطر غال ًبا ِ‬
‫ُ‬ ‫ويعنِي بالناد ِر َما َ‬
‫ال‬
‫َ‬
‫«ال‬ ‫واألصل فِ َ‬
‫ذلك قوله‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وجوزها ُ‬
‫بعضهم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫املسابقة علَ الفيلِ ‪َّ ،‬‬ ‫ال ُ‬
‫جتوز‬ ‫َ‬
‫سبقَ إلَّ فِ ٍّ‬
‫خف»‪.‬‬
‫ِ‬
‫الرشط معنًى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اإلثبات أ َّنه فِ ح ِّي ِز‬ ‫ٌ‬
‫واقعة فِ‬ ‫أنه نكر ٌة‬ ‫ِ‬
‫عمومه مع ُ‬ ‫وجه‬
‫قال زكر َّيا‪ُ :‬‬
‫تعم(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫سياق الشَّط ُّ‬ ‫كان فِ ٍّ‬
‫خف»‪ ،‬والنكر ُة فِ‬ ‫إن َ‬ ‫التقدير «إ ّ‬
‫ال ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫إذ‬
‫ص لعام‪.‬‬
‫خمص ٌ‬
‫وهو ِّ‬ ‫للقرآن‪ ،‬ح َّتى َ‬
‫ال َت َ‬
‫نسى‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلائض‬ ‫وأجاز ٌ‬
‫مالك تالو َة‬ ‫َ‬

‫‪ -1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات ‪.209-205/4‬‬


‫‪ -2‬سيدي عبد اهلل نرش البنود ‪ 208/1‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪-189-‬‬
‫ِ‬
‫اللفظية‪-‬‬ ‫ِ‬
‫صات‬ ‫املخص‬
‫َّ‬ ‫ليست ِمن‬
‫ْ‬ ‫‪-‬وهي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫احلاجة‬ ‫ص‬
‫ختص ُ‬
‫كيف ِّ‬ ‫وإ َذا َ‬
‫قلت‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫بنوعيه‬ ‫كاإلمجاع واملفهو ِم‬
‫ِ‬ ‫الكتاب والس ّن ِة وغ ِ‬
‫ريها‬ ‫ِ‬ ‫نصوص وظواه ِر‬
‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫ِ‬
‫والقياس؟‬
‫ِ‬
‫احلاجة‪،‬‬ ‫التخصيص للمعنى وهو مقصد التيسري املعتمد علَ‬
‫ُ‬ ‫قلت‪ :‬إ َّنام يعزَ ى‬
‫ُ‬
‫عن الشاطبِ ِّي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واملالك ِّي كام تقدَّ م ِ‬ ‫احلنفي‬
‫ِّ‬ ‫ني‬ ‫ٌ‬
‫معروف فِ املذهب ِ‬ ‫أمر‬ ‫َ‬
‫وذلك ٌ‬
‫ِ‬
‫للحاجة؛‬ ‫أجازها َمن َ‬
‫أجازها‬ ‫َ‬ ‫املسائل التِي‬
‫َ‬ ‫أن ِ‬
‫هذه‬ ‫التنبيه ِ‬
‫عليه َّ‬ ‫ُ‬ ‫الذي ِ‬
‫ينبغي‬ ‫وإن ِ‬
‫َّ‬
‫والنهي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للقرآن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلنب‬ ‫ِ‬
‫قراءة‬ ‫عن‬
‫النهي ْ‬
‫ِ‬ ‫ختصيصا ِمن العمو ِم فِ‬
‫ً‬ ‫كانت‬
‫وإن ْ‬‫فإنَّا ْ‬
‫ٌ‬
‫ضعيف فِ املسائلِ‬ ‫عموم‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫القبض؛ فإ َّنه‬ ‫بيع َ‬
‫قبل‬ ‫والنهي َعن ٍ‬
‫ِ‬ ‫نفعا‪،‬‬
‫جير ً‬ ‫عن ٍ‬
‫قرض ُّ‬ ‫ْ‬
‫وهو‬ ‫ِ‬
‫احلائض‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫جنابة غ ِ‬
‫ري‬ ‫ِ‬
‫معرض‬ ‫ِ‬
‫اجلنب جا َء فِ‬ ‫َ‬
‫حديث‬ ‫ألن‬ ‫ِ‬
‫املخصوصة؛ َّ‬
‫ِ‬
‫بالنسبة لرا ِوي احلديث‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النادرة‬ ‫ِ‬
‫الصورة‬ ‫ِ‬
‫بمنزلة‬ ‫ُ‬
‫احليض‬ ‫َ‬
‫فكان‬ ‫يل‪،‬‬‫حديث ع ٍّ‬
‫ُ‬
‫تشتمل علَ زيادة‪ِ -‬من الصو ِر‬
‫ُ‬ ‫منفعة َ‬
‫ال‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬وهي‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫السفتجة‬ ‫َ‬
‫وكذلك َّ‬
‫فإن استثنا َء‬
‫ِ‬
‫باألصالة‬ ‫النفع فإ َّنه يعنِي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة للمتك ِّلم؛ فإ َّنه عند َما يتحدَّ ُث َعن ِّ‬
‫جر‬ ‫ِ‬
‫النادرة‬
‫خفي عند َما‬
‫ف ٍّ‬ ‫ابن قدام َة ِمن ْ‬
‫طر ٍ‬ ‫الزياد َة أ ِو اهلد َّي َة أو نح ِو َ‬
‫ذلك‪ .‬وعلَ هذا ّنب َه ُ‬
‫ِ‬
‫بخصوصها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حتريمها أي‬ ‫نص فِ‬ ‫إنه َ‬
‫ال َّ‬ ‫َ‬
‫قال‪ُ :‬‬
‫خمتلف فِ دخو َهلا‬
‫ٌ‬ ‫نوادر الصو ِر‬
‫َ‬ ‫ومعلوم َّ‬
‫أن‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫األرزاق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مسألة‬ ‫مثل َ‬
‫ذلك فِ‬ ‫و ُق ْل َ‬
‫فِ العمو ِم كمَ أسل ْفنا(‪.)1‬‬
‫فهل يمكن أن يقال إن النهي عن التصوير ال يشمل الصورة الفوتغرافية‬
‫ألهنا صورة نادرة غري موجود يف ذلك العرص فال تكون مشمولة بالعموم أو‬

‫‪ -1‬ينظر كتايب «صناعة الفتوى»‪.‬‬

‫‪-190-‬‬
‫اشرتاكها معها من باب االشرتاك اللفظي غري املؤثر كخنزير املاء كام يقول ابن‬
‫رشد يف البداية‪.‬‬
‫ويمنحه احليوي َة الالز َم َة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الفقه‪ ،‬ولك َّن ُه سيجدِّ ُده‬ ‫ِ‬
‫أصول‬ ‫يِّ بنا َء‬
‫لن يغ َ‬ ‫إن َ‬
‫ذلك ْ‬ ‫َّ‬
‫اجلديدة ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مستقلٍ فِ القضا َيا‬ ‫ٍ‬
‫اجتهاد‬ ‫تقديم‬
‫ُ‬ ‫سيتاح‬
‫ُ‬ ‫هذا التفعيلِ‬ ‫ِ‬
‫ضوء َ‬ ‫وفِ‬
‫ِ‬
‫املشكالت‬ ‫استيعاب ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ستكون قادر ًة علَ‬ ‫االجتهاد‪ ،‬التِي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آليات‬ ‫ِ‬
‫خالل‬
‫الواقع ِّ‬
‫بكل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دراسة‬ ‫ينطلق ِمن‬
‫ُ‬ ‫املناط ِ‬
‫الذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حتقيق‬ ‫ِ‬
‫واالجتامعية‪ ،‬بعدَ‬ ‫ِ‬
‫االقتصادية‬
‫تعقيداتِه‪.‬‬
‫كانت‬
‫ْ‬ ‫املناسبة التِي حت ِّق ُق املقاصدَ الرشعي َة‪ ،‬ح َّتى ْ‬
‫ولو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األقوال‬ ‫اختيار‬
‫ُ‬ ‫ثان ًيا‪:‬‬
‫ُ‬
‫احلاجة‪.‬‬ ‫ودعت إليها‬
‫ْ‬ ‫عن ٍ‬
‫ثقة‪،‬‬ ‫دامت نسب ُتها صحيح ًة‪ ،‬وصادر ًة ْ‬
‫ْ‬ ‫مهجور ًة‪ ،‬ما‬
‫ُ‬
‫املالكية للعملِ الضعيف‪.‬‬ ‫اشرتطها‬
‫َ‬ ‫الثالثة التِي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرشوط‬ ‫هي‬ ‫َ‬
‫تلك َ‬
‫قوي بسبب ظهور دليله أو كثرة القائلني به‪،‬‬
‫قول ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫ضعيف علَ ٍ‬ ‫ترجيح ٍ‬
‫قول‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املقصد‬ ‫قو ِة‬
‫الرتجيح كام أسلفنَا يعتمدُ علَ َّ‬
‫ُ‬ ‫فريجح عليه القول الضعيف َ‬
‫وهذا‬
‫ِ‬
‫احلارض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫فِ‬
‫ٍ‬
‫أبواب‪.‬‬ ‫سأرضب أمثل ًة ِمن ِ‬
‫عدة‬ ‫ُ‬ ‫ري‬ ‫فألطبقَ ِ‬
‫هذه املعاي َ‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬
‫خمالف‬ ‫الزوال وهو ٌ‬
‫قول‬ ‫ِ‬ ‫قبل‬ ‫مسألة ِ‬
‫الرمي َ‬ ‫ُ‬ ‫احلج مثلً‬ ‫بالعبادات‪ِ :‬‬
‫ففي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ألبدأ‬
‫ِ‬
‫الصحابة والتابعنيَ‬ ‫العلامء ِمن‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫بعض‬ ‫قال ِ‬
‫به‬ ‫العلم‪ ،‬وقدْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لقول أكث ِر أهلِ‬
‫وعن ِ‬
‫ابن‬ ‫ْ‬ ‫عباس عندَ ِ‬
‫ابن أبِ شيبة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ابن‬ ‫ٌ‬
‫منقول َعن ِ‬ ‫فهو‬
‫اآلخرين؛ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫والفقهاء‬
‫ِ‬
‫حممد‬ ‫ٍ‬
‫وعطاء فِ إحدَ ى الروايتني‪ ،‬واإلما ِم‬ ‫ُ‬
‫وقول طاووس‬ ‫ِ‬
‫الفاكهي‪،‬‬ ‫الزب ِ‬
‫ري عندَ‬
‫وهو ُ‬
‫قول ِ‬
‫ابن عقيلٍ‬ ‫املرجوحة َعن أبِ حنيف َة‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والرواية‬ ‫ريض ُ‬
‫اهلل عنه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الباق ِر‬
‫‪-191-‬‬
‫والرافعي من الشافعية‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫احلنابلة‪،‬‬ ‫اجلوزي ِمن‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫وابن‬
‫وجها بأن األيام كلها وقت رمي فلو رمى يف أي يوم منها‬
‫وخرج إمام احلرمني ً‬
‫كان أداء وصح رميه وهو وجه غريب‪.‬‬
‫ِ‬
‫وجوب الرمي يف هذا‬ ‫يدل عىل‬ ‫الشارع ِ‬
‫الذي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الراجح فيستندُ إىل فعلِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القول‬ ‫أما‬
‫ِ‬
‫الزوال ‪.‬‬ ‫أي ِ‬
‫بعد‬ ‫الوقت؛ ْ‬
‫الواجب‪ ،‬ومنها الس َّنة‪ ،‬ومنها‬
‫ُ‬ ‫احلج منها‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫أفعال‬ ‫ألن‬ ‫ٌ‬
‫جممل؛ َّ‬ ‫الشارع‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وفعل‬
‫والسالم فِ‬
‫ُ‬ ‫بعضهم أفعا َله ِ‬
‫عليه الصال ُة‬ ‫َ‬
‫خالف ُ‬ ‫ِ‬
‫كالتحصيب مثلً‪ ،‬وقدْ‬ ‫اجلائز‪،‬‬
‫ُ‬
‫حرج‪.‬‬
‫ْ‬ ‫افعل َ‬
‫وال‬ ‫وأقرهم علَ َ‬
‫ذلك قائلً‪ْ :‬‬ ‫ِ‬
‫الرتتيب‪َّ ،‬‬
‫باإلضافة إىل أن الرمي س َّن ٌة عندَ ِ‬
‫بعضهم نسبه ابن جرير إىل أم املؤمنني عائشة‬
‫ريض اهلل عنها ‪.‬‬
‫ضعيفة ِمن وجه ِ‬
‫ني أولً‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫األفعال‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫ُ‬
‫وداللة «خذوا عني مناسككم» علَ‬
‫ُ‬
‫والوقف‬ ‫والندب‬
‫ُ‬ ‫الوجوب‬
‫ُ‬ ‫اخلالف ِ‬
‫ففيه اثنا َ‬
‫عرش قولً‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫داللة األم ِر ِمن‬
‫ِ‬ ‫ملَا فِ‬
‫ُ‬
‫والتفصيل‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫املشرتك‬ ‫والقدر‬
‫ُ‬
‫احلج ومستحباتِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بسنن ِّ‬ ‫خمصوص‬
‫ٌ‬ ‫عام‬
‫و«مناسككم» ٌّ‬
‫َ‬
‫املكان‬ ‫ِ‬
‫ضيقت‬ ‫املواصالت ِ‬
‫فيه‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وسائل‬ ‫ٍ‬
‫عرص‬ ‫احلجاج فِ‬
‫ِ‬ ‫أما الواقع‪ :‬فكثر ُة‬
‫ُ‬
‫املشقة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وتضاعفت‬ ‫األنفس‬
‫ُ‬ ‫هلكت ِ‬
‫فيه‬ ‫ْ‬ ‫فأدت لزحا ٍم‬ ‫َ‬
‫الزمان َّ‬ ‫ِ‬
‫وقاربت‬
‫ِ‬
‫األنفس إحدى الرضورات ﱫ ﭹ ﭺ‬ ‫ُ‬
‫املحافظة علَ‬ ‫الرشعي‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫املقصدُ‬
‫ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﱪ [النساء‪.]29:‬‬
‫اآلية ِمن‬
‫ُ‬ ‫ري‪:‬ﱫ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﱪ‬
‫اآلخر‪ :‬التيس ُ‬
‫ُ‬ ‫الرشعي‬
‫ُّ‬ ‫املقصدُ‬

‫‪-192-‬‬
‫ٌ‬
‫وأدلة كثري ٌة‬ ‫احلج بدليلِ «افعل وال حرج»‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فريضة ِّ‬ ‫سيام فِ‬
‫احلج [‪ ،]78‬وال َّ‬ ‫ِ‬
‫سورة ِّ‬

‫ال حتىص‪.‬‬

‫النتيج ُة‪:‬‬
‫الرمي َ‬
‫قبل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيجوز‬ ‫راجحا ومتعينًا‬
‫ً‬ ‫الرشعي‬
‫ُّ‬ ‫القول املرجوح َجعله املقصدُ‬
‫الزوال‪.‬‬
‫قوي بسبب ظهور دليله أو كثرة القائلني به‪،‬‬
‫قول ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫ضعيف علَ ٍ‬ ‫ترجيح ٍ‬
‫قول‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املقصد‬ ‫قو ِة‬
‫الرتجيح كام أسلفنَا يعتمدُ علَ َّ‬
‫ُ‬ ‫فريجح عليه القول الضعيف َ‬
‫وهذا‬
‫ِ‬
‫احلارض ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫فِ‬
‫ٌ‬
‫مصونة؛‬ ‫ٌ‬
‫حمفوظة‪ ،‬وحقو ُقه‬ ‫الراجح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫أقول لطلبتِي َّ‬
‫إن مكان َة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وهلذا فإنَّ‬
‫التقاعد‪ ،‬ريثمَ ِ‬
‫ختتفي‬ ‫ِ‬ ‫وال حتي ُله إلَ‬ ‫ٍ‬
‫إجازة‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بالذهاب فِ‬ ‫حتكم ِ‬
‫عليه‬ ‫لكن املقاصدَ ُ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫الضعيف مكا َنه ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫القول‬ ‫تبوأ‬ ‫املصلحة التِي ِمن ِ‬
‫أجلها َّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫القول‬ ‫الذي يستندُ ِ‬
‫إليه‬ ‫ميزان يتمث َُّل فِ النظ ِر فِ الدليلِ ِ‬
‫ٍ‬ ‫حيتاج إلَ‬
‫ُ‬ ‫األمر‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫َّ‬
‫أو فعلً حمتملً‪.‬‬
‫قياسا ْ‬
‫أو ً‬ ‫ظاهرا ْ‬
‫ً‬ ‫يكون إ َّ‬
‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫الراجح ِ‬
‫الذي قدْ َ‬ ‫ُ‬
‫ونحوه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫آحاد‬ ‫رب‬ ‫ُ‬
‫يكون خ َ‬ ‫ِ‬
‫الثبوت قدْ‬ ‫وأيضا ِمن ِ‬
‫جهة‬ ‫ِ‬
‫الداللة‪ً .‬‬ ‫هذا ِمن ِ‬
‫جهة‬
‫رفت‬
‫الذين ُع ْ‬
‫َ‬ ‫العلم‬
‫ِ‬ ‫يكون ِمن أهلِ‬
‫َ‬ ‫جيب ْ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫الضعيف ُ‬ ‫ِ‬
‫بالقول‬ ‫َ‬
‫القائل‬ ‫ثم َّ‬
‫إن‬ ‫َّ‬
‫ألن ُيقتدَ ى هبِم‪.‬‬ ‫مكان ُتهم‪ ،‬وأنَّم ٌ‬
‫أهل ْ‬
‫متاحا‪ْ ،‬‬
‫بل ومتعينًا ‪.‬‬ ‫باملقصد ً‬
‫َ‬ ‫الرتجيح‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫َ‬
‫وبذلك‬
‫سيام يف‬ ‫ِ‬
‫الفقه وال َّ‬ ‫ِ‬
‫أبواب‬ ‫النوع فِ خمتلف‬
‫ِ‬ ‫عرشات املسائلِ ِمن َ‬
‫هذا‬ ‫ُ‬ ‫ولدينا‬
‫‪-193-‬‬
‫ِ‬
‫الرضورات‪.‬‬ ‫املنز ِ‬
‫لة منزل َة‬ ‫ِ‬
‫الرضورات واحلاجات َّ‬ ‫املعامالت التي تستندُ إىل‬
‫ُ‬
‫تفعيل النظرية املقاصدية فِ وضع فلسفة إسالمية شاملة جتيب عىل‬ ‫ثال ًثا‪:‬‬
‫األسئلة التي يطرحها العرص يف خمتلف القضايا الكربى التي تشغل اإلنسان‬
‫وشغلته منذ القدم يف الكون والنظم السياسية واالقتصادية واالجتامعية لتفسري‬
‫خمتلف الظواهر اإلنسانية ومظاهر العالقات وتقديم قوانني عامة تنطلق من‬
‫ثنائية الوحي والعقل‪.‬‬
‫وهي فلسفة تبدأ بإرساء املنهج وحترير املفردات وعقد املقارنات ووضع‬
‫الكليات بعد استقراء اجلزئيات ودراسة التجارب البرشية واملقوالت املتنوعة‬
‫بغض النظر عن االتفاق واالختالف معها آخذة يف االعتبار رضورات احلياة‬
‫وحاجياهتا يف كل زمان ومكان‪.‬‬
‫ولعل سلوك املجتمع ومؤسساته وعالقة الفرد هبا ونوع السلوك اإلنساين يف‬
‫اجلملة هو اجلانب الذي ال يزال حيوم حوله الباحثون‪.‬‬
‫واملباحث الفلسفية كثرية ومتنوعة بتنوع قضايا واهتاممات اإلنسان املعرفية‬
‫والروحية واملادية يف حماولة إلجياد قانون ما يكون مرتكزا حلكم ما أو مقاربة‬
‫ً‬
‫سلوكا‪.‬‬ ‫من نوع ما توسس لتوجه أو تفرس ظاهرة أو‬
‫ِ‬
‫املجالس‬ ‫ِ‬
‫وانتخاب‬ ‫ِ‬
‫والديمقراطية‬ ‫كالشورى‬
‫َ‬ ‫النظم؛‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ميدان‬ ‫وجيد ذلك تطبيقه يف‬
‫النيابية وأنواع التمثيل املبارش وغري املبارش‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن نظام الشورى يصب يف جدول واحد هو «العدالة» يف اإلسالم والتي‬
‫أن الديمقراطي َة تبحث عنه من‬
‫أن توفر لإلنسان ما نقدر ونظن َّ‬
‫بإمكاهنا ْ‬
‫‪-194-‬‬
‫إسعاد‪ ،‬وما نظن أهنا مل تصل إليه َبعدُ باعتبار الديمقراطية كالشورى وسيلة‬
‫وليست غاية‪ ،‬والديمقراطية حمطة من حمطات اإلبداع اإلنساين وليست هناية‬
‫التاريخ‪ ،‬فالبحث عن إسعاد اإلنسان إذن هو هدف مشرتك للديمقراطية‬
‫معا‪.‬‬
‫والشورى ً‬
‫والشورى نظام متعدد األوجه واألشكال قائم عىل دعامتني‪ ،‬دعامة الرتايض‬
‫ودعامة العدل وهو بحث دائم عن األفضل للوصول إىل األمثل‪ ،‬وليس‬
‫ملصلحة األكثرية دون األقلية‪ ،‬بل ملصلحة اجلميع‪.‬‬
‫يؤحذ عىل الشورى أهنا مل تتجسد تارخي ًيا يف مؤسسات حمكمة صادة عن‬
‫االستبداد مانعة من حيف احلكام‪ ،‬ونحن ال ننكر احلاجة إىل ذلك ولكنها يف‬
‫وقت فاعلية النظام اإلسالم أعطت أفضل ما يمكن يف وقت ما من التاريخ‬
‫بحسب الزمان واإلنسان إال أنه جيب أن ينظر إليها كموجه وليس كنظام‬
‫رشعا بصياغة ذلك النظام طب ًقا للموجهات الكربى‬
‫مفصل‪ ،‬واإلنسان مكلف ً‬
‫التي جيب أن تتظافر ليكون نظام شوري وهي‪ :‬العدل الذي يستبعد حيف‬
‫األكثرية األثنية أو الدينية عىل األقلية من أي نوع‪ .‬والرتايض الذي ال يفرز‬
‫أقلية ساخطة كام هو حال الديموقراطية‪ ،‬إننا من خالل نظام شوري حقيقي‬
‫يمكن أن نداوي ذلك اخللل‪.‬‬
‫إن مقاصد الرشيعة هي النرباس لتكوين مثل تلك الفلسفة‪.‬‬
‫ريا وثناء مجيال ومنه‪ :‬إن الديمقراطية هي النظام‬
‫لقد قالوا عن الديموقراطية شيئًا كث ً‬
‫الذي يعرتف باألفراد واجلامعات بوصفهم ذوا ًتا‪ ،‬أي النظام الذي حيميهم‪.‬‬
‫‪-195-‬‬
‫والديمقراطية تتحدد عىل نحو أوضح باألعداء الذين تقارعهم أكثر مما تتحدد‬
‫باملبادئ التي تدافع عنها‪.‬‬
‫ينبغي حتديد الديمقراطية ال بوصفها تغ ُّلب اجلامع والشامل عىل اخلصوصيات‪،‬‬
‫بل بوصفها جممل الضامنات املؤسساتية التي تتيح اجلمع بني وحدة العقل‬
‫الوسائيل وبني تنوع الذاكرات‪ ،‬اجلمع بني التبادل واحلرية‪ .‬فالديمقراطية هي‬
‫سياسة االعرتاف باآلخر(‪.)1‬‬
‫هذا أفضل ما يقال عنها إال أن بعضهم يقول ‪-‬الفيلسوف الفرنيس أالن باديو‪:-‬‬
‫أن الديمقراطية مل تستطع أن خت ّفف حدّ ة العنف داخل املجتمعات‬
‫واحلقيقة ّ‬
‫الغربية إال بواسطة حتويل هذا العنف إىل اخلارج‪.‬‬
‫الواليات املتحدة األمريكية هي يف حالة حرب شبه دائمة منذ قرن ونصف‪،‬‬
‫إذا اعتربنا ‪ ،1918 - 1914‬حروب التحرير‪ ،‬حرب كوريا‪ ،‬حرب فيتنام‪،‬‬
‫العراق‪ ،‬الرصاع الفلسطيني ‪ -‬اإلرسائييل‪ ..‬دون أن ننسى احلروب الثانوية‬
‫حيث تتدخل الديمقراطيات َك َي ٍد ثانية‪ ،‬إهنا لكذبة أن نقول انه بفضل‬
‫الديمقراطيات نحن نعيش يف عامل بال عنف‪ .‬الديمقراطية مل تنه العنف بل‬
‫صدّ رته إىل اخلارج ألنّه‪ ،‬إذا كانت ساحة ديمقراطية خاضعة للرأساملية تريد‬
‫نسبي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫البقاء‪ ،‬عليها أن تكون ساحة رخاء‬
‫ّ‬
‫إن مسارات الديمقراطية كام هي ال تكفي الحتواء الرصاعات والصدامات‬
‫يتحول ذلك إىل عنف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الطبقية النامجة عن الفوارق االجتامعية‪ ،‬ولكي ال‬

‫‪ -1‬يراجع يف ذلك كتاب أالن تورين «ما هي الديموقراطية» منشورات دار الساقي ط‪.2‬‬

‫‪-196-‬‬
‫جيب إجياد نوع من الرخاء يظهر وكأنه ال يوجد يف أماكن أخرى‪ .‬وجيب محاية‬
‫هذا الرخاء‪ ..‬هكذا يولد مفهوم احلامية‪ ،‬القوانني ضدّ املهاجرين األجانب‪،‬‬
‫التدخالت العسكرية‪ّ ...‬‬
‫إن العنف صاحب عملية تراكم الرأسامل البدائي‬ ‫ّ‬
‫وظهور الديمقراطيات‪ ،‬أ ّما االزدهار الرأساميل فقد كان عىل حساب شعوب‪،‬‬
‫منها التي أفنيت متاما‪ ،،‬وقد وقعت حروب وجمازر ال حرص هلا‪ .‬وهذا العنف‬
‫مستمرا‪ ،‬وال يمكن له إال أن ينمو ويتسع يف ظروف كهذه‪...‬‬
‫ً‬ ‫ما زال‬
‫يتم استخدام مبادرات جديدة سياسية وشعبية‪ ،‬فإننا نسري نحو‬
‫صدقني إذا مل ّ‬
‫مروعة‪.‬‬
‫حروب ّ‬
‫هل معنى ذلك أن نتخىل عن الديمقراطية؟‬
‫فرنيس‪ ،‬أعرف أنني أمت ّتع بالكثري من االمتيازات‪ ،‬إذن أطلب فقط أن‬
‫ّ‬ ‫كمواطن‬
‫نعي ثمنها الباهظ‪ ،‬والذي يزداد ارتفاعا يوما بعد يوم‪.‬‬
‫لقد أثرت ‪-‬منذ قليل‪ -‬عدد ضحايا الشيوعية‪ ،‬نستطيع أن نجيب‪ ،‬إنّه ومنذ‬
‫اخلمسينات من القرن املايض‪ ،‬قتلت الواليات املتحدة وحلفاؤها يف الغرب‬
‫من الناس ما مل تفعله أي بالد أخرى‪ .‬إنني عائد من إرسائيل وفلسطني حيث‬
‫رأيت هذا اجلدار الذي يمتدّ عىل طول الض ّفة‪ ..‬ما الذي مل نفعله جتاه حائط‬
‫برلني؟ واآلن نبني جدرانا يف ّ‬
‫كل مكان‪ ،‬فلسطني املكسيك‪ ...‬وبعدد من‬
‫احلديدي (نسبة للعامل الشيوعي‬
‫ّ‬ ‫القتىل يضاهي قتىل الشيوعية‪ّ ..‬‬
‫إن الستار‬
‫السابق) كان يمنع الناس من اخلروج‪ ..‬واجلدران األمنية احلالية متنعهم‬
‫تورد العنف للداخل‪ ،‬والديمقراطية‬
‫من الدخول‪ ..‬األنظمة االشرتاكية ّ‬
‫‪-197-‬‬
‫تصدّ ره‪...‬أن تكون جالد شعوب أخرى عوضا عن شعبك بالتحديد‪ ،‬هل‬
‫حمبذ فعلً؟(‪.)1‬‬
‫هذا أمر ّ‬
‫ويقول الفيلسوف األملاين ليو سرتاوس إن الديمقراطية هي «استبداد العدد‬
‫األكرب» وفعال فإنك ترى األكثرية ولو كانت بنسبة قليلة من األصوات املعرب‬
‫عنها تستأثر باحلكم والثروة واألقلية حمرومة ومضطهدة وقد يدوم ذلك وق ًتا‬
‫طويال حيث يستعمل احلزب احلاكم كل الوسائل للبقاء يف احلكم‪.‬‬
‫أال حيق لنا أن نوجد نظا ًما مستوحى من مبدإ الشورى ومقصد العدالة األعىل؛‬
‫إلجياد حل أفضل‪ ،‬ونعنى بالديمقراطية والشورى حقيقة النظامني ال الصور‬
‫املزيفة واملنافقة كتلك االنتخابات التي متثل ديمقراطية الواجهة يف بعض‬
‫النظم العربية(‪.)2‬‬
‫يف املجال االقتصادي‪:‬‬
‫يمكن اعتبار مقاصد الرشيعة يف املعامالت املالية ممثلة للفلسفة اإلسالمية‬
‫للمعامالت يف اإلطار اجلامع الناظم ملختلف فروعها‪ ،‬بينام تعترب األحكام‬
‫الفقهية التفصيلية ملختلف األبواب واملتعلقة بالعقود ورشوطها والتي تنشؤ‬
‫عنها الصحة والبطالن بمنزلة الترشيعات‪.‬‬
‫إن موقف الرشيعة الفريد من املال ينسجم مع احلقيقة التي عليها يقوم بناء هذا‬
‫الدين من أن الكون كله ملك هلل جل وعال فليس املال فقط وإنام اإلنسان أيضا‬

‫‪ -1‬مقابلة ‪ Liberation‬الثالثاء ‪ 27‬يناير ‪2009‬م ‪.‬‬


‫‪ -2‬راجع كتابنا «حوار عن بعد حول حقوق اإلنسان»‪.‬‬

‫‪-198-‬‬
‫يف كل تقلباته وترصفاته وسكناته وحركاته‪:‬ﱫ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﱪ‬
‫[األنعام‪.]163-162 :‬‬
‫بقدر ما خيضع اإلنسان كيانه هلذه احلقيقة بقدر ما يكون صالحه ومتام النعمة‬
‫عليه ورضاه‪ :‬ﱫ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﱪ [الليل‪.]21-19 :‬‬
‫وفرعا وليس أصلً يف امللكية وهلذا فإن‬
‫ً‬ ‫إن هذا املوقف جيعل اإلنسان مستخل ًفا‬
‫حريته يف الترصف مضبوطة بالضوابط التي يضعها املالك األصيل‪.‬‬
‫ومعنى ذلك عمل ًيا أن املصلحة العامة جيب أن تراعي يف النظام االقتصادي‬
‫مما يستلزم إمكانية بل أحيا ًنا رضورة تدخل الدولة التي يفرتض أن تكون‬
‫ممثلة للمصالح العامة‪ ،‬مما قد يتناىف مع الرأساملية املتوحشة املتمثلة يف مذهب‬
‫آدم اسميث واتباعه من أمثال فريديريك هايك القائمة عىل النأي بالكلية عن‬
‫أي تدخل للدولة انطال ًقا من فكرة «اليد اخلفية للسوق» وتطبي ًقا ملبدأ احلرية‬
‫املطلقة للفرد واستبعاد قانون األخالق والقيم عن املنظومة االقتصادية بعكس‬
‫النظرة اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد حاولت تطبيق الرؤية املقاصدية يف كتايب «مقاصد املعامالت ومراصد‬
‫الواقعات» فرضبت أمثل ًة يف اجتاهني‪ :‬يف اجتاه مجود املجامع الفقهية يف‬
‫موضوعات فيها سعة‪ .‬ويف اجتاه اجتهادات مقاصدية غري منضبطة لبعض‬
‫جلان الفتوى يف املجال االقتصادي‪.‬‬
‫‪-199-‬‬
‫موضوعا للدراسة وهي‪:‬‬
‫ً‬ ‫وقد تناولت جمموعة من القضايا امللحة جعلتها‬
‫ومسألة تأجيلِ ِ‬
‫العوضني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫التضخم‪ ،‬ومسألة بيع دين السلم لغري من هو عليه‪.‬‬
‫ومسألة عقود اخليارات‪ .‬وعقود املستقبليات‪ ،‬والتأمني‪ ،‬واإلجيار املنتهي‬
‫بالتمليك‪ ،‬فلينظر هناك‪.‬‬

‫ ‬

‫‪-200-‬‬
‫فقـه األقليــات‬

‫أو بعدَ‬ ‫فمذهب اجلمهو ِر فسخ النكاح؛ َّإما ً‬


‫فورا ْ‬ ‫ُ‬ ‫وزوجها نرصاينٌّ ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫تسلم‬
‫ُ‬ ‫املرأ ُة‬
‫ِ‬
‫املمتحنةﱫ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬ ‫ُ‬
‫الدليل ُ‬
‫آية‬ ‫ِ‬
‫انقضاء العدَّ ة؛‬
‫ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﱪ [املمتحنة‪.]10 :‬‬
‫قرار املجلس األوريب‪ - :‬إسالم املرأة وبقاء زوجها عىل دينه‪:‬‬
‫بعد اطالع املجلس عىل البحوث والدراسات املختلفة يف توجهاهتا والتي‬
‫تناولت املوضوع بتعميق وتفصيل يف دورات ثالث متتالية واستعراض‬
‫اآلراء الفقهية وأدلتها مع ربطها بقواعد الفقه وأصوله ومقاصد الرشع‪ ،‬ومع‬
‫مراعاة الظروف اخلاصة التي تعيشها املسلامت اجلديدات يف الغرب حني بقاء‬
‫أزواجهن عىل أدياهنم‪ ،‬فإن املجلس يؤكد أنه حيرم عىل املسلمة أن تتزوج ابتداء‬
‫‪-201-‬‬
‫من غري املسلم‪ ،‬وعىل هذا إمجاع األمة سل ًفا وخل ًفا‪ ،‬أما إذا كان الزواج قبل‬
‫إسالمها فقد قرر املجلس يف ذلك ما ييل‪:‬‬
‫أولً‪ :‬إذا أسلم الزوجان معا ومل تكن الزوجة ممن حيرم عليه الزواج هبا ابتداء‬
‫«كاملحرمة عليه حرمة مؤبدة بنسب أو رضاع» فهام عىل نكاحهام‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬إذا اسلم الزوج وحده‪ ،‬ومل يكن بينهام سبب من أسباب التحريم وكانت‬
‫الزوجة من أهل الكتاب فهام عىل نكاحهام‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬إذا أسلمت الزوجة وبقى الزوج عىل دينه فريى املجلس‪:‬‬
‫أ‪ -‬إن كان إسالمها قبل الدخول هبا فتجب الفرقة حالً‪.‬‬
‫ب‪ -‬إن كان إسالمها بعد الدخول وأسلم الزوج قبل انقضاء عدهتا‪،‬فهام عىل‬
‫نكاحهام‪.‬‬
‫ج‪ -‬إن كان إسالمها بعد الدخول‪ ،‬وانقضت العدة‪ ,‬فلها أن تنتظر إسالمه ولو‬
‫طالت املدة‪ ،‬فإن أسلم فهام عىل نكاحهام األول دون حاجة إىل جتديد له‪.‬‬
‫د‪ -‬إذا اختارت الزوجة نكاح غري زوجها بعد انقضاء العدة فيلزمها طلب‬
‫فسخ النكاح عن طريق القضاء‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ال جيوز للزوجة عند املذاهب األربعة بعد انقضاء عدهتا البقاء عند‬
‫ً‬
‫زوجها‪ ،‬أو متكينه من نفسها‪ .‬ويرى بعض العلامء أنه جيوز هلا أن متكث مع‬
‫زوجها بكامل احلقوق والواجبات الزوجية إذا كان ال يضريها يف دينها وتطمع‬
‫يف إسالمه‪ ,‬وذلك لعدم تنفري النساء من الدخول يف اإلسالم إذا علمن أهنن‬
‫ن ويستندون يف ذلك إىل قضاء أمري املؤمنني‬
‫سيفارقن أزواجهن ويرتكن أرسه ‪,‬‬
‫‪-202-‬‬
‫عمر بن اخلطاب يف ختيري املرأة يف احلرية التي أسلمت ومل يسلم زوجها‪« :‬إن‬
‫شاءت فارقته وإن شاءت قرت عنده»‪ ,‬وهي رواية ثابتة عن يزيد بن عبد اهلل‬
‫اخلطمي‪ .‬كام يستندون إىل رأي أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب إذا أسلمت‬
‫النرصانية امرأة اليهودي أو النرصاين كان أحق ببضعها ألن له عهدً ا‪ ,‬وهي‬
‫ً‬
‫أيضا رواية ثابتة‪ .‬وثبت مثل هذا القول عن إبراهيم النخعي والشعبي ومحاد‬
‫بن أيب سليامن»‪.‬‬
‫اخلطاب وع ِّ‬
‫ىل‬ ‫ِ‬ ‫عمر ِ‬
‫بن‬ ‫َ‬ ‫رييِ املؤمننيَ‬
‫الروايات عن أم َ‬
‫ٌ‬ ‫قلت‪ :‬فإذا ثبتت هذه‬
‫بن تيمي َة‬ ‫ِ‬
‫الدين ُ‬ ‫تقي‬ ‫ريض ُ‬‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ويرى ُّ‬
‫الزهري‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫عنهام وهو رأى‬‫اهلل ُ‬ ‫طالب‬ ‫بن أبِ‬
‫أن َ‬
‫ال يقر َهبا فإهنا ليست عرية عن الدليل األصيل‬ ‫يفسخ علَ ْ‬
‫ْ‬ ‫النكاح َما ْمل‬
‫ِ‬ ‫بقا َء‬
‫األو ِل علَ‬ ‫ِ‬
‫بالعقد َّ‬ ‫ردها ألبِ العاصِ‬
‫َّ‬ ‫رسول اهللِ‬
‫ِ‬ ‫زينب ِ‬
‫بنت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قضية‬ ‫وهو‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫ِ‬
‫فرارا بدين ِه َّن ِمن دا ِر‬
‫خرجن ً‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫نساء‬ ‫ٍ‬
‫خاصة فِ‬ ‫ٍ‬
‫بحالة‬ ‫ُ‬
‫تتعلق‬ ‫ِ‬
‫املمتحنة‬ ‫ُ‬
‫وآية‬
‫ِ‬
‫احلرب‪.‬‬
‫نص‬ ‫ِ‬
‫الفقه‪َّ .‬‬ ‫ِ‬
‫أصول‬ ‫ِ‬
‫علامء‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫احلكم عندَ‬
‫ِ‬ ‫عموم‬
‫َ‬ ‫يمنع‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫السبب قدْ‬ ‫وخصوص‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الربهان وغريه‪ ،‬وممن قال بذلك أبو الفرج من املالكية‬ ‫رشح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عليه املازري فِ‬
‫وقال به من الشافعية املزين والدقاق والقفال وبه قال أبو ثور وحكاه أبوحامد‬
‫اإلسفرايني عن مالك وأشار ابن خويزمنداد إىل اختالف قول مالك يف هذا‬
‫استقراء من اختالف قوله يف غسل اآلنية التي ولغ فيها كلب وفيها طعام‪.‬‬
‫ري الز ٍم‪.‬‬
‫جائزا غ َ‬
‫نكاحا ً‬
‫ً‬ ‫النكاح‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيكون‬
‫‪-203-‬‬
‫السن‬
‫ِّ‬ ‫ري مسلمنيَ ‪ ،‬أحيا ًنا ً‬
‫كبارا فِ‬ ‫أزواج غ َ‬
‫ٍ‬ ‫حتت‬ ‫ِ‬
‫الغرب َ‬ ‫يسلمن فِ‬
‫َ‬ ‫نساء‬
‫الواقع‪ٌ :‬‬
‫ُ‬
‫الفراق فقدْ ترتدُّ كمَ‬ ‫الرجل زوجتَه فِ اإلسال ِم‪ ،‬فإ َذا ُف َ‬
‫رض علي ِهام‬ ‫ُ‬ ‫يتبع‬
‫وقدْ ُ‬
‫هبذا املعنَى‪.‬‬ ‫َ‬
‫أمريكا َ‬ ‫سؤال ِمن‬
‫ٍ‬ ‫ور َد فِ‬
‫وبخاصة بنيَ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫بحمد اهلل تعالَ‬ ‫وانتشار اإلسال ِم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تواصل العاملِ‬ ‫هو‬
‫اجلديدُ ‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫النساء‪.‬‬
‫وعدم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الدين مقصدٌ أعلَ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫واملحافظة علَ‬ ‫ري‪.‬‬
‫ري والتبش ُ‬
‫الرشعي‪ :‬التيس ُ‬
‫ُّ‬ ‫املقصدُ‬
‫التنف ِ‬
‫ري‪.‬‬
‫ُ‬
‫ستفارق‬ ‫تعلم أ َهنا‬
‫أن َ‬ ‫ريا ْ‬ ‫قال‪ :‬إ َّنه ِ‬
‫يكفي تنف ً‬ ‫تيمية عندما َ‬
‫ابن َّ‬ ‫ِ‬
‫املقصد ُ‬ ‫وقدْ انتب َه َ‬
‫هلذا‬
‫أسلمت‪.‬‬
‫ْ‬ ‫زوجها إ َذا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫للبحوث‬ ‫ِ‬
‫املجلس األوربِّ‬ ‫قرار‬
‫هذا ُ‬‫وكان َ‬
‫َ‬ ‫مع ِ‬
‫زوجها‪.‬‬ ‫جواز بقائِها َ‬
‫ُ‬ ‫النتيج ُة‪:‬‬
‫األخرى‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الفقهية‬ ‫للمجامع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلفتاء خال ًفا‬
‫ِ‬
‫البنوك اعتام ًدا علَ‬ ‫بقروض ِمن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الغرب‬ ‫ٍ‬
‫بيوت فِ‬ ‫اشرتاء‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫طويلة‪ :‬م ْنها‬ ‫ُ‬
‫والقائمة‬
‫ِ‬
‫والنخع ِّي‪.‬‬ ‫مذهب أبِ حنيف َة‬
‫ِ‬
‫املعامالت‪ ،‬وجواز ِ‬
‫هتنئة غ ِ‬
‫ري املسلمنيَ‬ ‫ِ‬ ‫أنواع‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫وهناك قضا َيا جديد ٌة أخرى من‬
‫مذهب اإلما ِم أمحدَ ‪ ،‬والتِي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الثالثة فِ‬ ‫ِ‬
‫الرواية‬ ‫وعيادتِم وتعزيتِهم؛ اعتام ًدا علَ‬
‫ِ‬
‫اإلنصاف للمردا ِوي(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫للمصلحة كمَ فِ‬ ‫ابن تيمي َة‬
‫أ َّيدها ُ‬
‫يقوم علَ‬
‫األضالع‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ثالثي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫وضبطها بمعيا ٍر‬ ‫الفتاوى‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫مراجعة‬ ‫أدعو إلَ‬ ‫َ‬
‫وهلذا فإنِّ ُ‬
‫ِ‬
‫املستحدثة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العنارص‬ ‫وتقويم‬
‫ِ‬ ‫واحلاجة التِي ُ‬
‫تطبعه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لوزن املش َّق ِة‬
‫ِ‬ ‫الواقع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فحص‬

‫‪ -1‬يراجع يف ذلك كتابنا «صناعة الفتوى وفقه األقليات»‪.‬‬

‫‪-204-‬‬
‫ينطبق ِ‬
‫عليه إ َذا ُوجدَ ‪َ ،‬مع‬ ‫ُ‬ ‫النص اجلزئِ ِّي ِ‬
‫الذي‬ ‫ِ‬
‫خالل ِّ‬ ‫حكم ِمن‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫البحث َع ْن‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫كقصد‬ ‫الرشعي ُكل ًيا أو عا ًما‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫املقصد‬ ‫ُ‬
‫إبراز‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬
‫حكمه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ومرتبة‬ ‫فحص درجتِه‬
‫ِ‬
‫خالل َ‬
‫هذا املعيا ِر‬ ‫ِ‬ ‫ومن‬
‫الفرع‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫رجع إليه‬ ‫ِ‬
‫بالباب الذي َي ُ‬ ‫خاصا‬
‫التيسري مثلً‪ ،‬أو ً‬
‫َ‬
‫بسيط ًة‪.‬‬ ‫وليست‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫مركبة‬ ‫ٌ‬
‫صناعة‬ ‫الفتوى التِي َ‬
‫هي‬ ‫تصدر َ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الدقيق‬
‫هندس هذه‬
‫َ‬ ‫أن ُم‬ ‫ِ‬
‫عادلة لك َّن ُه من لوازمها وهو َّ‬ ‫خارج ا ُمل‬
‫َ‬ ‫رابع‬
‫رشط ٍ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫باإلضافة إىل‬
‫باملصالح‬
‫ِ‬ ‫ريا‬ ‫رتاضا يف الش ِ‬
‫َّيعة بص ً‬ ‫َ‬
‫يكون ُم ً‬ ‫أن‬ ‫قرر النتيج َة ُ‬
‫جيب ْ‬ ‫ِ‬
‫العملية الذي ُي ُ‬
‫نظو َمتِها‪ ،‬وقد آثرنا ُمصطلح االرتياض عىل‬
‫بتوازنات َم ُ‬
‫ُ‬ ‫ا ُمل ِ‬
‫عتربة فيها ُمتم ِر ًسا‬
‫مصطلح االجتهاد لئال نصطدم برشوط االجتهاد الصعبة التحصيل من جهة‬
‫ولتسهيل اإلفتاء يف هذه القضايا إذا ضبطت بمعايريها‪ ،‬وهي كلمة استعملها‬
‫املالكية يف مسألة متييز املصالح واالعتامد عىل املقاصد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫اجتامعية‬ ‫أو‬ ‫ٍ‬
‫اقتصادية ْ‬ ‫ٍ‬
‫كارثة‬ ‫ِ‬
‫العنارص قدْ يؤ ِّدي إلَ‬ ‫أي ِمن ِ‬
‫هذه‬ ‫َ‬
‫إمهال ٍّ‬ ‫إ ْذ َّ‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫واإلحسان ﱫ ﮔ‬ ‫ِ‬
‫العدل‬ ‫ِ‬
‫وميزان‬ ‫الرشع‬
‫ِ‬ ‫لروح‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫خمالف‬ ‫َ‬
‫وذلك‬ ‫ٍ‬
‫سياسية‪،‬‬ ‫أو‬
‫ْ‬
‫ﮕ ﮖ ﱪ [الرمحن‪.]9:‬‬
‫بروح اجلد َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫دورات مكث َّف ٍة ت َّت ُ‬
‫سم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تكوين فقهاء مقاصد ِّينيَ فِ‬ ‫أدعو إلَ‬
‫كمَ ُ‬
‫ِ‬
‫الرشيعة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املرتاض فِ معانِ‬ ‫والتواضع لتحصيلِ العالِ‬
‫ِ‬ ‫واالنفتاح‬
‫ِ‬

‫ ‬

‫‪-205-‬‬
‫خالصة القول‬

‫لقد خلصنا يف هذا الكتاب الوجيز‪ :‬احلد‪ ،‬والتعريف‪ ،‬ووسائل التعرف عىل‬
‫املقاصد‪ ،‬وتصنيف املقاصد‪ ،‬وترصيف أوجه الفوائد؛ الذي دعوناه باالستنجاد‬
‫لتوليد الفروع‪ ،‬وختريج األحكام اجلزئية‪ ،‬اسرتشا ًدا باملقاصد أو اعتام ًدا عليها‪،‬‬
‫وضبط كيفية التعامل‪ ،‬وجتنب معوقات العمل هبا‪.‬‬
‫وإذا استعملنا اللغة األصولية لوصف ما تقدم قلنا‪ :‬إن وسائل التعرف مسالك‪،‬‬
‫ويمكننا أن نضيف إليها االستنجاد باعتبار ما قدم فيه إنام هو أمثلة للمسالك‬
‫وتفريعا وتفعيال‪ ،‬ووصفنا علمية ضبط التعامل باملقاصد‬
‫ً‬ ‫تأصيلً وتفصيلً‬
‫ٌ‬
‫تعامل مع القوادح فتكون‬ ‫‪-‬التي تشخص معوقات التعامل‪ -‬بأهنا يف حقيقتها‬
‫للمقاصد مسالك وهلا قوادح كام للعلة يف األصول مسالك وقوادح‪.‬‬
‫‪-207-‬‬
‫ففي جمال التعريف أكدنا عىل أمهية االنطالق من التعريف اللغوي للمقاصد‬
‫الحاطته وشموله وترابط مراتب املقاصد فيه وتساندها وتعاضدها بدءا من‬
‫املقصد االبتدائي إىل القصد الثاين ومن القصد اجلزئي إىل الكيل ومن األصيل‬
‫إىل التابع ومن اخلصوص إىل العموم وهي معان متداخلة‪.‬‬
‫ولعل ما نقلناه عن اإلمام الشاطبي يوضح املنحى الذي نحينا إليه وبذلك ننئ‬
‫يف بحثنا هذا عام حاول البعض تأس ًيا باألستاذ ابن عاشور من تعريف املقاصد‬
‫بأهنا‪ :‬املعاين ِ‬
‫واحل َكم امللحوظة للشارع يف مجيع أحوال الترشيع أو معظمها‪،‬‬
‫ِ‬
‫الرشيعة‪.‬‬ ‫خاص ِمن أحكا ِم‬
‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫بالكون فِ نو ٍع‬ ‫ختتص مالحظ ُتها‬
‫ّ‬ ‫بحيث ال‬
‫الترشيع‬
‫ُ‬ ‫العام ُة واملعانِ ال ِّتي َ‬
‫ال خي ُلو‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة وغاي ُتها‬ ‫ُ‬
‫أوصاف‬ ‫فيدخل فِ َ‬
‫هذا‬ ‫ُ‬
‫َعن مالحظتِها‪.‬‬
‫أنواع األحكا ِم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ليست ملحوظ ًة فِ سائ ِر‬
‫ْ‬ ‫معان ِمن ِ‬
‫احلكم‬ ‫ٍ‬ ‫ويدخل فِ َ‬
‫هذا ً‬
‫أيضا‬ ‫ُ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ٍ‬
‫كثرية منها‬ ‫ٌ‬
‫ملحوظة فِ أنوا ٍع‬ ‫ولك َّنها‬
‫ألن ذلك حممول عىل املقاصد الكلية وليس تعري ًفا ملقاصد الرشيعة بإطالق‬
‫وطب ًقا هلذا التعريف كان التصنيف شاملً ملا أرشنا إليه من جزئي وكيل‬
‫وعام وخاص‪.‬‬
‫إال أن التصنيف كان يلتفت إىل زاوية أخرى هي موضوع املقاصد وحمتواها‪.‬‬
‫وبالنسبة للتصنيف فاليشء الذي ينبغي أن نالحظه ويعلق باخلاطر هو أولً‬
‫أن املقاصد مراتب بحسب وظائفها فمنها ما سامه بعضهم باملقاصد العالية‬

‫‪ -1‬الطاهر ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الرشيعة‪ 165/3 :‬حتقيق الشيخ احلبيب بلخوجة‪.‬‬

‫‪-208-‬‬
‫فروعا ألهنا ال تنتج أحكا ًما جزئية لكنها حتدد موجهات وقوانني‬
‫ً‬ ‫التي ال تولد‬
‫عامة تؤسس لفلسفة إسالمية ذات تأثري غري مبارش عىل األحكام والفروع‬
‫كمقصد االستخالف‪ ،‬ومقصد أن الرشيعة ملصالح العباد ومقصد عامرة‬
‫الكون‪ ،‬ومقصد العدل ملا تستتبعه من وضع إطار للرؤية الكونية ولسلوكيات‬
‫اإلنسان يف شتى املجاالت وبخاصة يف النظام األرسي واملجتمعي ونظام‬
‫احلكم واالقتصاد واملجال اإلنساين وهي جماالت تُكم قواعدها املبارشة‬
‫املقاصد الكلية املولدة للترشيع التي متثل السقف واملظلة ملجاالت الترشيع‬
‫املختلفة ويتعلق األمر هنا باملقاصد الثالثة الكربى التي يرى الشاطبي أهنا‬
‫كيل الكليات وأنه ال منتهى وراءها وإن الكليات األخرى إنام هي جزئيات‬
‫بالنسبة إليها بام يف ذلك أصول الفقه نفسها وهو يشري بذلك إىل بعد الشمول‬
‫والعموم‪ ،‬ولذلك فإن املقاصد العامة أو اخلاصة األخرى تنتمي إليها بشكل‬
‫من األشكال وتنضوى حتت لوائها بصورة من الصور فاملقاصد املالية مثال‬
‫كالرواج والوضوح والثبات واحلفظ والعدل ترجع يف متعلقها إىل أحد‬
‫املقاصد الثالثة فهي بحسب أكادهتا أو تراخيها إما أن تكون من الرضوري أو‬
‫احلاجي أو التحسيني وهنا يربز املوضوع الثاين وهو معيار تصنيف اجلزئيات‬
‫يف سلم الرضوري واحلاجي والتحسيني‪.‬‬
‫معيارا ثنائ ًيا يعتمد عىل وزن‬
‫ً‬ ‫وحماولة لضبط كل واحد منها فقد وضعنا‬
‫املصلحة من حيث الوجود ‪-‬للجزئية املستهدفة‪ -‬واملفسدة من حيث‬
‫العدم‪ ،‬وميزان النصوص الرشعية ذات العالقة يف مجع بني العز بن عبد‬
‫‪-209-‬‬
‫السالم الذي قال إنه ال فرق بني هني وهني وأمر وأمر إال بقدر املصلحة‬
‫املستجلبة واملفسدة املدروءة وبني من يقول إن عالمة وضع الشارع للحد‬
‫هي املؤرش الذي يشري عىل انتامء الفرع للرضوري ويميز املقصد الرضوري‬
‫عن قسيميه‪ ،‬ويميز بني أنواع الرضوري الذي هو متفاوت يف كلياته مع‬
‫االتفاق عىل أهنا كلها من الرضوري وتبقى مكوناهتا لتكون حمل خالف‬
‫كالبيع وعالقته بحفظ املال وكالنكاح يف عالقته بحفظ النسل وكالربا يف‬
‫عالقته بحفظ املال‪.‬‬
‫وقد أوضحنا أن أكثر جزئيات املقاصد ال مستقر هلا وال مستودع إال بميزان‬
‫النصوص وأوزان املصالح واملفاسد وبالتايل فقد جتول يف سلم املنظومة‬
‫املقاصدية بعض اجلزئيات كالبيع طب ًقا ملتعلقه وموضوعه‪.‬‬
‫وأما االستنجاد باملقاصد فهو الثمرة التي جينيها الفقيه من مقاصد الرشيعة‬
‫والتي كانت يف منهجنا هذا ملتقى الفروع باألصول إهنا استنباط للفروع من‬
‫خالل املقاصد بأدوات أصولية تضبط تعامل الفقيه وحتفظ عملية إعامل فكره‬
‫من اخلطأ وتعصم بيانه من اخلطل وتنظم إيقاع خطاه يف االجتهاد فال يغلو يف‬
‫إعامل مقاصد موهومة أو معارضة بام هو آكد الختالف يف الرتبة أو الدرجة‬
‫كحاجي مقابل رضوري أو جزئي مقابل كيل‪.‬‬
‫وعجنا عىل آلية الرتجيح يف الفروع وبخاصة يف نطاق احلاجي العام لرتجيح‬
‫مرجوحا لضعف الدليل وليس النعدامه بناء عىل مقصد تأكد أو‬
‫ً‬ ‫قول كان‬
‫وضع جتدد‪.‬‬
‫‪-210-‬‬
‫ريا‬
‫وأخ ً‬
‫أرشنا إىل االستنجاد باملقاصد يف صياغة فلسفة إسالمية معارصة جتيب عىل‬
‫خمتلف األسئلة يف شتى املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتامعية‪.‬‬
‫لمعا‬
‫وم ً‬‫وهبذا نختم هذا الكتاب الذي أردناه أن يكون وجيزا حسب اإلمكان ُ‬
‫إىل ما وراءه من بيان ألنه كان منص ًبا عىل موضوع العالقة بني أصول الفقه‬
‫ومقاصد الرشيعة من زاوية تطبيقية من خالل تفعيل املقاصد عن طريق أبواب‬
‫أصول الفقه كام تقدم يف مناحى االستنجاد إال أن املنهجية اقتضت التعريف‬
‫والتعرف والتصنيف‪.‬‬

‫وعىل اهلل قصد السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫ ‬

‫‪-211-‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫‪5‬‬ ‫مدخل‬
‫‪13‬‬ ‫املشهد األول‪ :‬تعريف املقاصد‬
‫‪13‬‬ ‫تعريف املقاصد لغة‬
‫‪15‬‬ ‫اصطالحا‬
‫ً‬ ‫تعريف املقاصد‬
‫‪26‬‬ ‫الضابط الذي به يعرف مقصد الشارع‬
‫‪32‬‬ ‫خالصة تعريف مقاصد الرشيعة‬
‫‪35‬‬ ‫املشهد الثاين‪ :‬مسرية العمل والتعامل مع املقاصد وهبا‬
‫‪39‬‬ ‫املقاصد عند أئمة املذهب‬

‫‪-213-‬‬
‫‪46‬‬ ‫حدوث العقل‬
‫‪59‬‬ ‫املشهد الثالث‪ :‬املصلحة بني العقل والنقل‬
‫‪67‬‬ ‫من فتنة التأويل إىل فتنة املقاصد‬
‫‪69‬‬ ‫دوران الرشيعة بني معقولية املعنى والتعبد‬
‫‪76‬‬ ‫التجاذب بني الكيل واجلزئي‬
‫‪81‬‬ ‫املشهد الرابع‪ :‬أصناف املقاصد‬
‫‪81‬‬ ‫املقاصد العامة التي ترجع إليها الرشيعة‬
‫‪81‬‬ ‫املقاصد اخلاصة‬
‫‪82‬‬ ‫املقاصد اجلزئية‬
‫‪91‬‬ ‫املقاصد الكربى‬
‫‪95‬‬ ‫معيار االنتامء املقصد الرضوري‬
‫‪96‬‬ ‫تذبذب االنتامء لبعض القضايا بني الرضوري واحلاجي‬
‫‪103‬‬ ‫املشهد اخلامس‪ :‬استنباط املقاصد واستخراجها‬
‫‪110‬‬ ‫بدعة الرتك‬
‫‪151‬‬ ‫املشهد السادس‪ :‬االستنجاد باملقاصد واستثامرها‬
‫‪152‬‬ ‫ترصف املجتهدين بفقههم يف الرشيعة‬
‫‪154‬‬ ‫حمائر أو مدارك أو أكنسة املقاصد‬
‫‪181‬‬ ‫الضوابط الثامنية املراعاة يف التعامل مع املقاصد‬
‫‪185‬‬ ‫جماالت االستنجاد باملقاصد‬

‫‪-214-‬‬
‫‪198‬‬ ‫املجال االقتصادي‬
‫‪201‬‬ ‫فقه األقليات‪:‬‬
‫‪207‬‬ ‫خالصة القول‪:‬‬
‫‪213‬‬ ‫فهرس املحتويات‬

‫‪-215-‬‬

You might also like