Professional Documents
Culture Documents
معالي العالمة
www.wojoooh.com
اململكة العربية ال�سعودية -الريا�ض
ت 4918198 :فاك�س :حتويلة 108
للتوا�صل والن�شر:
ح /دار وجوه للنرش والتوزيع 1431هـ. wojoooh@hotmail.com
فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النرش
بن بيه ،عبداهلل بن الشيخ املحفوظ بال�شراكة مع
مشاهد من املقاصد / .عبداهلل بن الشيخ احلفوظ بن بيه
الرياض1433 ،هـ.
215ص؛ 24سم
ردمك978-603-8065-15-0 : اململكة العربية ال�سعودية – جدة
-1أصول الفقه -2املقاصد الرشعية أ .العنوان Www.BinBayyah.Net
ديوي 1431/4908 251
DarAltajdeed@gmail.com
رقم اإليداع1431/4908 :
ردمك978-603-8065-15-0 : هاتف /فاك�س 966 22635188:
جوال 966555146380 :
مدخل
ِ
الالت لكتَابِ َ
«أمالِ الدَّ رب ُم َك ِّملً ِ
قاص ِد ُيعت ُ
للم ِ الكتاب الذي ُن ِّ
خص ُصه َ َ َّ
إن هذا
ِ
الالت األلفاظ، ث َد األول ملَ ِ
باح ِ َ صصت ُج ْز َءه
ُ ِ
الفات» -الذي َخاالختِ
ومَايل ْ
الو ِجي ِز مُارض ٌة بمك َة ِ
الكتاب َ ُ
وأصل هذا ِ
الالت املعاين- ُ
واجلز َء الثاين لدَ
اإلسالمية ،وقد أردناه ورق ًة
ّ مقاصد الش ِ
َّيعة ِ مركز ِدراسات
ُ املكرمة َن َّظمها
رسم َمسري َة
سم ،و َت ُ نس وال َفصلِ َّ
والر ِ االسم با ِ
جل ِ َ تعريفي ًة للمقاصدُ ،ت ِّ
عر ُف هذا
نطلقه دعو ًة ِ
واالستشفاف ،الذي كان ُم ُ ِ
االستكشاف َ
وتاريخ ِ
املقاصد، َت ُّ
شكلِ
ري والتد ُب ِر وتنبيهه عىل ِ
اإلنسان يف التفك ِ إلعامل العقلِ ا ُمل ِ
ركب يف ِ رباني ًة قرآني ًة
-5-
اخللق واألم ِر ِصنوين
ِ ِ
ودالالت األم ِر؛ باعتبا ِر اخل ْل ِق رق ال َّنظر( )1يف ِ
آيات َ ُط ِ
اآلخرﱫ ﮝ ﮞ
َ كل منهام ُ
صدق ُ املسطور ُي
ُ واألمر كتا ُبه
ُ املنشور
ُ كتاب اهلل ُ
فالكون ُ
ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﱪ [األعراف ،]54 :ﱫ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜﮝ ﱪ[اجلاثية.]18 :
طلب رشعيُ ،فهم من القرآن الكريم يف سياقني: َ
البحث عن املقاصد َم ٌ َّ
إن
رصيح ،وثانيهام بالتلميح من خالل تضافر نصوص التعليل يف مقامات
ٌ أولُام
اإلجياب والتحريم والتحليل:
والتفكر يف آيات الكون وآيات الوحيِ ،
وهي ُّ فالسياق األول :دعو ُة إىل التد ُّب ِر
دعو ٌة إىل اكتناه أرسار اخللق وحكم األمرﱫ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﱪ .
ِ
واملصلحة يف نصوص ِ
احلكمة، ُ
وإبراز ُ
تعليل األحكا ِم، أما السياق الثاين :فهو
ِ
لألمة عىل البحث عنها كام أبرزه ٌ
وتربية تنبيه عىل املقاصد،
القرآن الكريم ،وهو ٌ
األصوليون يف كتاب القياس.
ِ
اخللق واألمر. احلكمة ِمن
ِ يف السياق األول الدعو ُة إىل النظ ِر يف
ٍ
بحجة وأرسل إليهم رس َله
َ ٍ
بالغة، ٍ
حلكمة البارئ جل وعال خلق خل َقه
َ َّ
إن
ٍ
دامغة ﱫ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﱪ [األنبياء،]18:ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﱪ [ص،]27:ﱫ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮡﱪ [األحقاف.]3:
( )1النظر هو :الفكر والتأمل واالعتبار واملقايسة ور ّد ما غاب عن احلس إىل ما وجد العلم به فيه؛ الستوائهام يف
املعنى ،واجتامعهام يف العلة( .أبو احلسن األشعري).
-6-
وأمر بالتفك ِر يف ِ
خلقه والتدب ِر يف وحيه وأم ِره قال :ﱫ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡﱪ [ األعراف، ]185:وقال تعاىل :ﱫﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠ ﱪ [آل عمران ،]191:وقال سبحانه وتعاىل :ﱫ ﭻ ﭼ
ﭽﭾ ﱪ [النساء ،]82:وقال جل وعال:ﱫﮣ ﮤ ﮥ ﱪ [املؤمنون،]68:
وقال تعاىل :ﱫ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﱪ [ص.]29:
فاألمر بالتفك ِر وال َّتد ُب ِر قد ورد بصيغة اخلرب واالستفهام؛ ليكون أبلغ يف التقرير
ُ
وأ ْدعى إىل التفكري.
ِ
واملصلحة التَي ِ
اخللق ِ
حكمة ري والتد ُّب ُر وسيل ًة الستكناه
وإ َّنام كان التفك ُ
أحكام احلق.
ُ تتضمنها
ِ
مئاالت األمو ِر وعواقبها. النظر يف
ُ والتدبر:
ُ ُ
إعامل النظ ِر واخلاط ِر. فالتفكري
أما السياق الثاين:
الشاطبي ‑وهو يتحدَّ ث عام سامه بقصد الشارع يف وضع الرشيعة
ُّ عنه
فقد عبَّ ُ
ابتداء‑ بقوله:
وضع الرشائع إ َّنام هو ملصالح العباد يف العاجل واآلجل ً
معا .وهذه دعوى َ َّ
إن
ال بد من إقامة الربهان عليها صح ًة أو فسا ًدا ،وليس هذا موضع ذلك ،وقد
أن أحكام اهلل ليست ُمع َّلل ًة ُ
اخلالف فيها يف علم الكالم .وزعم الرازي َّ وقع
وأن املعتزل َة اتفقت عىل َّ
أن أحكا َمه تعاىل معللة بع َّلة ألبتة ،كام َّ
أن أفعاله كذلكَّ ،
برعاية مصالح العباد ،وأ َّنه اختيار أكثر الفقهاء املتأخرين ،وملا ُ
اضط َّر يف علم
-7-
أصول الفقه إىل إثبات العلل لألحكام الرشعية؛ أثبت ذلك عىل أ َّنه يع َّلل بمعنى
املعرفة لألحكام خاصة ،وال حاجة إىل حتقيق األمر يف هذه املسألة.
العالمات ّ
ِ
العباد استقرا ًء ال ملصالح
ِ وضعت
ْ واملعتمدُ إ َّنام هو :أ َّنا استقرينا يف الرشيعة أنَّا
ريه:
الرازي وال غ ُ
ُّ ينازع ِ
فيه ُ
وهو األصل :ﱫ ﭾ ﭿ ﮀ
َ يقول يف بعثِ ِه للرسلِ
ُ فإن َ
اهلل تعالَ َّ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﱪ [النساء ،]165 :ﱫ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﱪ [األنبياء.]107 :
وقال يف أصل اخللقة:ﱫ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﱪ [هود ،]7 :ﱫ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﱪ [الذاريات ،]56 :ﱫ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢﱪ [امللك.]2 :
والس َّنة؛ فأكثر من ْ
أن تُىص؛ ُ وأما التعاليل لتفاصيل األحكام يف الكتاب
كقوله تعاىل يف آية الوضوء :ﱫ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﱪ [املائدة ،]6 :وقال يف الصيام :ﱫ ﭣ
ﭤﭥﭦ ﭧﭨﭩ ﭪ ﭫﭬﭭﭮ ﭯ
ﭰﱪ [البقرة ،]183 :ويف الصالة :ﱫ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ
ﯨﯩ ﱪ [العنكبوت ،]45 :وقال يف القبلة :ﱫ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨﱪ [البقرة ،]150 :ويف اجلهاد :ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕﭖ ﱪ [احلج ،]39 :ويف القصاص :ﱫ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﱪ
-8-
[البقرة ،]179 :ويف التقرير عىل التوحيد :ﱫ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﱪ [األعراف ،]172 :واملقصود التنبيه.
وإذا َّ
دل االستقراء عىل هذا ،وكان يف مثل هذه القضية مفيدً ا للعلم؛ فنحن
ِ
مستم ُّر يف مجيع تفاصيل الرشيعة(.)1 نقطع بأن األمر
كانت له ميز ُة
ْ الرعيلِ األول الذي ٌ
واعية من َّ إن تلك الدعو َة قد َتلقفتها ٌ
آذان َّ
ُفأرشبت أحكامهم وفتاوهيم ِ
شاهدة النبي األعظم وم
هود الوحي ُومزية ُش ِ
ُ
اإلسالمي ألهنا ُتقدم إجاب ًة
ِّ أصبحت الح ًقا فلسف َة ال َّترشيع
ْ ِ
املقاصد التي روح
َ
ٍ
أساسية: ٍ
أسئلة ِ
لثالثة
ُ
األول :ما مدا استجابة الترشيع اإلسالمي للقضايا البرشية املتجددة ُ
السؤال
وهو ما سامه ُ
بعض القدماء بالقضايا الالمتناهية كابن رشد يف البداية.
ُ
السؤال الثاين:ما مدا ُمالءمة هذا الترشيع للمصالح اإلنسانية ورضورات احلياة؟
البرشي العقيل ا ُملؤطر بالوحي
ِّ ِ
لالجتهاد ُ
املمنوحة ُ
املكانة ُ
السؤال الثالث :ما هي
االهلي يف الترشيع اإلسالمي؟
بروح القوانني ويف ضوئها ُيفرس القضا ُة
ِ وإذا كان لدى الغربيني ما ُيسمى
ِ
الغرب قدْ ال تبدو الترشيع يف
ِ فإن فلسف َة ُ
واملحامون القواننيَ ويتأولونَا َّ
ِ
بنظرية املقاصد يف الرشيعة ِ
واملكان إذا قيست ِ
للزمان شمولي ًة مستوعب ًة
اإلسالمية.
ِ
املقاصد يُيب إجياب ًيا عىل تلك األسئلة مع اإلشارة بادئ ذي عام َل مع َّ
إن ال َّت ُ
-9-
َترص إىل حدِّ كب ٍ
ري بدء إىل َث ِ
الث قضايا مل تبت فيها نظرية املقاصد ُيمكن ْ
أن ت َ
ٍ
لفيف من اختالف ال َي ُ
زال َماثلً يف ُ ِ
اختالف املتعاملني باملقاصد وهو أسباب
َ
بي الذي الش ِ
اط ِّ َ
إسحاق َّ ِ
املقاصد أبو شيخ ِ
والعملية مل ُيَ َلها ُ الع ِ
قدية ال َقضايا َ
انحاز للنظر َّي ِة املقصدية يف ج ٍ
ُلة من القضايا فإ َّنه ت ََّيـزَ لظاه ِر َ وإن َ
كان قد ْ
البعض اآلخ ِر.
ِ ال َّن ِ
ص يف
حتت هذه العناوين:
ف َ أن تص َّن َ
مكن ْ
مر من القضايا ُي ُ
الز ُ
هذه القضايا أو هذه ُّ
ُ
النقل؟ ُ
العقل أم عر ُف املصلح َة؟ ُ
األولَ :م ْن ُي ِّ العنوانُ
عقولِ َّي ِة وال َّتع ُب ِد.
ي املَ ُ بادات َب َْ
الع ُ العنوان الثاينِ :
-11-
املشهد األول
تعريف المقاصد
-14-
اسامء املصدر بداللته املبارشة عىل الفعل وبأنه مقيس دون سواه.
قال العالمة ابن َزين رمحه اهلل تعاىل يف الزيادات عىل الالمية:
اك ما ُع ِقـال
بك ْل َمتِها اإلشرْ ُ
ميم ٌِ ِ
دئــه ِسـمـا ُة َم ْـبـنـا ُه ما زيـدَ ْت َ
بم ْب
لفظا وقصدً ا وما أعطى به بدال ً أو ما خلت من حروف الفعل بنيته
ولكـن َنق ُلــه ُقبِـال
ْ َت ِقس سوا ُه ـه وال وامليمي ِق ْ
ـس ُ َّ األعـــالم
ُ ومنه
ِ
القصد. يدل عىل املكان ،أي عىل ِ
جهة ثال ًثا :املقصدُ بكرسما قبل آخره ،وهو ُّ
املقصود».
ُ احلكم َّ
«إن القصدَ هنَا بمعنَى ِ
مفعولَ ،كن َْسج َ
تستعمل َف ْعل بمعنَى ُ ِ ٌ
معروف فِ اللغة أن ْ أمر
وهو ٌ
قلتَ :
ُ
ِ
املفعول واسم
ِ كبري فِ املعنَى بنيَ املصد ِر
فرق ٌ منسوج ،مع أ َّنه َ
ال يوجدُ ٌ بمعنَى ُ
هو
واملقصود َ
ُ التوجه،
ُّ أن القصدَ َ
هو فِ فعلِ «قصد» و َما فِ معنا ُه كعمد ،إال َّ
املصدر فإ َّنه فِ معنى ما تقدم.
ُ املقصدُ بالفتح َ
وهو املتوجه ِ
إليهَّ ،أما َ َّ اليشء
ُ
َ
بعض الشيات التِي ُتفيدُ
ِ ُ
فيحمل َ
بعض ِ
القصد: وهو جه ُة
رس َ ِ
املقصد بالك ِ أما
ِ
القصد َ
مبارش ًة ،وعىل ِ
املراد املفتوح دالً علَ
ُ َ
يكون يمكن ْ
أن ُ أنه
وهو ُ الف ِ
روقَ ، ُ
األخرى التِي ُّ
يدل عليها َ ِ
القصود ويكون الثاين دا ًّ
ال ع َ
ىل َ األكيد ،أو االبتدائِ ِّي،
ِ
ِ
املقاصد فِ اليق ِ
ني. ِ
تفاوت ِ
املظنونة باعتبا ِر ِ
التابعة أ ِو ِ
القصود بالتعليل ،أو
ِ
الفقهاء واألصولينيَ : َ
استعمل يف كال ِم ِ
املقاصد فإن َ
لفظ أم ًا اصطالح ًاَّ :
-15-
برشع
ِ الشارع من عمل أو كف أو ما يقصد
ُ أي َما َيقصدُ ِ
الرشيعةْ ، ِ
ملقاصد تار ًة
ِ
اخللق». «مراد احلقِّ سبحا َنه وتعالَ يف رشعه ِمن
ُ أخرى: ٍ
وبعبارة َ احلكم،
ِ
ِ
واحلكم، الرشع .فيتامهى أحيا ًنا بالعللِ
ِ ِ
نصوص العقول ِمن
ُ الذي جت ِّل ِ
يه وهو ِ
َ
جمر َد َ
العلل َّ –كالرازي-
ِّ ٍ
وبخاصة عندَ َمن َيرى ِ
الشيات، بعض ٍ
اختالف فِ ِ مع
َ
ٍ
وغايات. وليست ِحكمً
ْ ٍ
وعالمات، ٍ
أمارات
موضوعا بل إهنا يف أكثر األحوال جتري يف
ً مل يتوقف القدماء مع تعريف املقاصد
معرفة بصيغة اسم املفعول.
معرفة بصيغة اسم الفاعل وليست َّ
سياق املحمول ِّ
ٍ
خمتلفة َعن َ
هذا املعنَى(.)1 ٍ
بعبارات العلامء
ُ وقد عبَّ
ِ
مقصود ِ
باملصلحة املحافظ َة عىل بقوله« :نعنِي
ِ عر َف الغزا ُّيل املصلح َة املعتدَّ هبا
فقدْ َّ
الشار ِع(.)2
للمصلحة ِمن ُ
حيث كوهنا ِ بل تعري ًفا ِ
للمقاصد ْ رب تعري ًفا وكالم الغزا ِّ
يل ال يعت ُ ُ
ِ
الكتاب والس َّنة. املقصود املفهو ِم ِمن
ِ حمافظ ًة علَ
َ
فصل اعتباره
ُ يمكن
ُ ليقرر َما ِ
املرسلة ِّ ِ
للمصلحة هناية بحثِه
أن الغزا َّيل عا َد فِ ِ إ َّ
ال َّ
إن مصطلح القصد له داللة معارصة أحببت أن أنبه عليها القارئ :القصد مصطلح ذو مرجعيات فلسفية (َّ )1
متشعبة والقصد اجتاه العقل إىل املوضوع وهو يشري إىل اجلانب اإلرادي يف اإلنسان ويشرتطه بعض الفالسفة من
أجل إقامة احلكم أو اإلثبات .ويشري القصد يف جميل من جماليه البعيدة إىل املخيلة املنتجة واملخيلة التابعة باملعنى
الكانتي ،فهو خميلة منتجة عندما يكون حارض ًا متوجها إلقامة حكم عىل موضوع (األحكام الرتكيبية) وهو خميلة
تابعة عندما يكون متوجها إىل املوضوع تبع ًا (األحكام التحليلية) .وال شك أن مفهوم القصد مفهوم مؤسس يف
فلسفة هرسل عن الظاهريات .كام يؤسس مصطلح القصدية اجلانب اإلرادي يف فلسفة بول ريكور يف مواجهته
مع اجلانب الرضوري أو الالإرادي وهو موضوع املهم لكتاب اإلرادي والإلرادي (.كريين :دوائر اهلريمينوطيقيا
ألن .كام يفرق بيار جاكوب بني القصدية ص 27ترمجة :مندي) وانظر متييز بول ريكور بني القصد ألجل والقصد َّ
األصلية والقصدية املتفرعة .وكل هذا ينظر يف جماله مع الوعي بحمولته وداللته مقارنة باملقصد األصيل والتبعي
وما يتفرع منهام عند الشاطبي.
( )2الغزايل ،املستصفى.416 /1 :
-16-
ترجع إلَ
ُ ال ٍ
مصلحة َ ُّ
«فكل رمحه ُ
اهلل: االستصالح َ
فقال ُ ِ ِ
حجية ِ
اخلطاب يف مدَ ى
ِ
الغريبة املصالح
ِ وكانت ِمن
ْ واإلمجاع،
ِ الكتاب والس َّن ِة
ِ مقصود ُف ِه َم ِمن
ٍ ِ
حفظ
باطلة َّ
مط َر ٌ
حة ... ٌ فهي
الرشعَ ،
ِ ِ
ترصفات تالئم
ُ التِي ال
ِ
بالكتاب رشعي ُعلم كو ُنه مقصو ًدا
ٍّ ٍ
مقصود ِ
حفظ رجعت إلَ
ْ ٍ
مصلحة ُّ
وكل
قياساْ ،
بل يسمى ً األصول ،لك َّنه َ
ال َّ ِ خارجا ِمن ِ
هذه ً فليس
َ واإلمجاع،
ِ والس َّن ِة
مصلح ًة مرسل ًة»(.)1
ال وج َه ِ
مقصود الرشع ،ف َ ِ
باملحافظة عىل أن َ
قال« :وإذا فسّنا املصلح َة إىل ْ
حجة»(.)2
القطع بكونِا َّ
ُ جيب
بل ُ للخالف فِ ِ
اتباعهاْ ، ِ
أما املقصود فينقسم :إىل ديني وإىل دنيوي .وكل واحد ينقسم إىل حتصيل وإبقاء.
وقد يعرب عن التحصيل بجلب املنفعة .وقد يعرب عن اإلبقاء بدفع املرضة .يعني
أن ما قصد بقاؤه :فانقطاعه مرضة وإبقاؤه دفع للمرضة .فرعاية املقاصد عبارة
-17-
حاوية لإلبقاء ودفع القواطع وللتحصيل عىل سبيل االبتداء.
إن هذا النص يعرف مقاصد املكلفني املعتربة والتي برعايتها تكون املناسبة
ويتعرف املناسب الذي هو ملتقى الديني والدنيوي قصد الشارع وقصد
املكلف ،فتحصيل املصالح هو مقصد للمكلفني وحتصيلها عىل وجه معني من
الرشع هو أيضا قصد الشارع من رشع احلكم ،وبإلتقائهام تدرك املناسبة التي
تؤسس للتعليل وتتحقق املقاصد التي ترجع مجيع املناسبات إىل رعايتها.
األحكام علَ
ُ أما القرايف فعرف املقاصد يف سياق تعريف األحكام بقوله:
ُ
ووسائل: واملفاسد فِ ِ
أنفسها. ِ للمصالح
ِ ُ
املتضمنة وهي
َ قسم ِ
ني :مقاصدُ :
إليها(.)2 ُ
املفضية َ ُ
الطرق وهي
َ
املحرم
َّ ُ
فوسيلة ِ
أحكامها تتبع املقاصدَ فِ ُ
الوسائل ُ ِ
الذخرية :قاعد ٌة: ُ
ويقول فِ
سائر األحكا ِم(.)3 َ
وكذلك ُ ٌ
حمرمة
ُ
ووسائل ،فاملقاصدُ األحكام علَ قسم ِ
ني :مقاصدُ َ واجلواب َّ
أن ُ ويقول ً
أيضا:
واجلهاد
ُ ِ
الكلمة مقصدٌ ، ونرص
ُ ِ
الدين ُ
وإعزاز ٌ
وسيلة، والسفر ِ
إليه ُ كاحلج،
ِّ
-18-
ِ
واملكروهات ِ
واملندوبات ِ
واملحرمات ِ
الواجبات ذلك ِمن
ونحو َ
ُ ٌ ()1
وسيلة
ِ
واملباحات:
ِ
اخللوة وحتريم
ُ ِ
األنساب، ِ
اختالط ِ
مفسدة فتحريم الزِّ نا مقصدٌ ؛ الشتاملِه علَ
ُ
ُ
ورطانة ٌ
وسيلة، ُ
وامليش إليها مندوب،
ٌ ِ
العيدين مقصدٌ ٌ
وسيلة ،وصال ُة والنظ ِر
مباح،
ٌ ِ
الطيبات مقصدٌ ُ
وأكل وسيلة ِ
إليه، ٌ ٌ
مكروهة ،وخمالط ُتهم األعاجم
ِ
ِ
اقتضاء ِ
مقصدها فِ حكم
ُ ٍ
وسيلة وحكم ِّ
كل ُ ٌ
مباحة . ٌ
وسيلة واالكتساب ُله
ُ
ِ
الباب . منه فِ َ
ذلك َ
أخفض ُ كانت
ْ وإن ِ
الرتك ْ الفعلِ أ ِو
األخت ِمن
ِ ِ
املقاصد ،كتميي ِز ُ
يكون فِ تعي ِ
ني فاالجتهاد قدْ
ُ تقرر َ
هذا إ َذا َّ
ِ
األجنبية.
رب ِ
املياه ومقادي ِرها عندَ َمن يعت ُ ِ
أوصاف ِ
كاالجتهاد فِ يقع يف الوسائلِ
وقدْ ُ
املقدار واملقصدَ َ
هو الطهورية. َ
اعتبارها ،كام إ َذا
ُ بطل ِ
املقصد َ ِ
الوسيلة إلَ ِ
إفضاء عدم
ي ُ والقاعد ُة أ َّنه مهمَ تب ََّ
جيب إعاد ُته(.)2
منقطع فإ ُّنه ُ
ٍ ماء ٍ
ورد ِ
أوصافه ُ أن املا َء ِ
الذي اجتهد َنا فِ تيق َّنا َّ
ِ
قسامن: أيضا :قاعد ُة األحكا ِم ك ِّلها
وقال القرايف ً
ِ
أحكامها ِ
للمقاصد فِ تابعة ُ
ووسائل ٌ للحكم فِ ِ
أنفسها. ِ ُ
املتضمنة مقاصدُ َ ،
وهي
عن ِ
املقاصد خالية ِ املفضية إلَ َ
تلك ُ وهي
َ والتحريم وغ ِ
ريمها، ِ ِ
الوجوب ِمن
ِ
املقاصد، أخفض رتب ًة ِمن
ُ وهي
َ ُ
وسائل، حيث ِهي
ُ أنفسها ِمن
ِ احلكم فِ
ِ
( )1قد نفهم من هذا أننا إذا توصلنا إىل وسيلة لنرصة احلق بال جهاد بمعنى القتال كان ذلك من باب ﱫ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄ ﱪ [األحزاب.]25 :
-2القرايف ،الذخرية.129/2 :
-19-
واجب وسيل ًة ،والزِّ نا ٌ
حمرم مقصدً ا ،واخللو ُة ٌ والسعي
ُ ٌ
واجبة مقصدً ا، ُ
فاجلمعة
سائر األحكام. َ
وكذلك ُ حمر ٌ
مة وسيل ًة، َّ
أقسام:
ٌ ُ
والوسائل
ِ
املفضية إلَ اخلم ِر. ِ
العنب ِ
كزراعة ِ
املقصد، حكم
َ عطى ِمنها َما يبعدُ جدًّ ا ،ف َ
ال ُي َ
-20-
تضمني املصلحة أو املفسدة ،الذي هو املستوى الثاين عند الشاطبي .فالوسائل
عند القرايف هي يف احلقيقة مقاصد عند الشاطبي ولكنها تبعية.
فيكون للقرايف موقف مميز جيعل األوامر االبتدائية والنواهي مقاصد إذا
اشتملت عىل احلكمة واملصلحة املقصودة ،وإذا مل تكن كذلك فليست كذلك؛
بل هي وسائل ،وهو ما أراده الشاطبي باالبتدائي كام فرسه ،إال أنه رصح أحيان َا
أن كل أمر أو هني يتضمن مصلحة حتى ولو مل يكن ابتدائيا -كام سرتى يف
النص الالحق ،-وخال ًفا ملن يرى أن األمر والنهي ليسا مقصدين بإطالق.
موضوعا عند الغزايل يف جل تعريفاته نراها تتحول
ً ولنعد إىل املصلحة التي كانت
إىل حممول عند الشاطبي يف النص التايل :وكذلك نقول إن أحكام الرشيعة تشتمل
عىل مصلحة كلية يف اجلملة وعىل مصلحة جزئية يف كل مسألة عىل اخلصوص أما
اجلزئية فام يعرب عنها كل دليل حلكم يف خاصته وأما الكلية فهي أن يكون كل
مكلف حتت قانون معني من تكاليف الرشع يف مجيع حركاته وأقواله واعتقاداته
فال يكون كالبهيمة املسيبة تعمل هبواها حتى يرتاض بلجام الرشع(.)1
فإذا كانت أحكام الرشيعة ال ختلو عن مصلحة جزئية وكلية فإن املقاصد هي
هذه املصالح ولعله هبذا الفهم الشاطبي يتجه تعريف الرشيف أمحد الريسوين
بأهنا :الغايات التي وضعت الرشيعة ألجل حتقيقها ملصلحة العباد.
للرشيعة بقولِه« :مقاصد الترشيع
ِ العامة
َّ فيعرف املقاصدَ
ابن عاشور ِّ ُ
الشيخ ُ أما
العامة هي :املعاين ِ
واحل َكم امللحوظة للشارع يف مجيع أحوال الترشيع أو معظمها،
-21-
ِ
الرشيعة. خاص ِمن أحكا ِم
ٍّ ِ
بالكون فِ نو ٍع ختتص مالحظ ُتها
ّ بحيث ال
الترشيع
ُ العام ُة واملعانِ ا َّلتي َ
ال خي ُلو َّ ِ
الرشيعة وغاي ُتها ُ
أوصاف فيدخل فِ َ
هذا ُ
َعن مالحظتِها.
أنواع األحكا ِم،
ِ ليست ملحوظ ًة فِ سائ ِر
ْ معان ِمن ِ
احلكم ٍ ويدخل فِ َ
هذا ً
أيضا ُ
ٍ
كثرية منها(. )1 ٌ
ملحوظة فِ أنوا ٍع ولك َّنها
ً
منضبطا باجلنس والفصل ملقاصد الرشيعة، وهذا التعريف املوسع ليس حدا
وإنام هو لنوع من املقاصد وهو املقاصد العامة.
ِ
الرشيعة ِ
بمقاصد وحاول عالل الفايس اإلجياز فحذف العامة فقالَّ :
إن املرا َد
ِ
أحكامها. حكم ِمن
ٍ الشارع عندَ ِّ
كل ُ وضعها
َ واألرسار التِي
ُ ُ
الغاية منها،
وهذا التعريف وإن كان مستوحى من ابن عاشور إال أنه اخترص املسافة.
غري أنه عندما نتحدث عن ِ
احل َكم واألرسار والغايات يف تعريف املقاصد
فإن ذلك يستبعد املعنى اللغوي الذي قد يستعمل اللفظ فيه أو املعاين األوىل
والثانوية التي قد تفهم من الداللة اللغوية يف عدة مستويات والتي قد تكون
أوال تفسريا للفظ بمرادف كقوهلم يريد بالقروء األطهار أو احليض يف قوله
تعاىل ﱫ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﱪ [البقرة ،]228:وهو ما يسمى باملجمل،
أو كداللة العام عىل أفراده أو بعضها يف العام املراد به اخلصوص أو داللة
اللفظ عىل معناه احلقيقي أو العريف أو الرشعي أو املجازي ،أو داللة األمر عىل
الوجوب أو الندب ،أو داللة النهي عىل التحريم أو الكراهة.
-1الطاهر ابن عاشور ،مقاصد الرشيعة ،165/3 :حتقيق الشيخ احلبيب بلخوجة.
-22-
وكذلك الدالالت الثانوية يف املركبات عند البيانيني مما تشري إليه أرسار
البالغة ،فكل ذلك ال يدخل يف املقاصد بمفهوم ابن عاشور وعالل الفايس
خال ًفا للشاطبي.
وإن كان ابن عاشور بتقييده بالعامة ال يرد عليه الدرك يف عدم ذكره للمقاصد
االبتدائية ومع ذلك فإنه يف تعريفه للمقاصد اخلاصة مل يشأ تعريف املقاصد
اجلزئية املبثوثة يف أبواب الفقه والتي يفرتض أن تكون أساس املقاصد اخلاصة
وإنام حتدث عن كيفيات مقصودة للشارع لضبط ترصفات الناس مما يدل عىل
أنه يتحدث عن ك ِّ
يل إذ قال« :الكيفيات املقصودة للشارع لتحقيق مقاصد
الناس النافعة ،أو حلفظ مصاحلهم العامة يف ترصفاهتم اخلاصة كي ال يعود
سعيهم يف مصاحلهم اخلاصة بإبطال ما أسس هلم من حتصيل مصاحلهم العامة
إبطاال عن غفلة أو استزالل هوى وباطل شهوة».
لكنه ختمها بام يمكن أن يعترب كلمته األخرية يف تعريف املقاصد بقوله»:كل
حكمة روعيت يف ترشيع أحكام ترصفات الناس» .وذلك ما يدل عىل النظرة
الكلية للشيخ الطاهر.
واستعملت املقاصد يف مضمون آخر يتعلق بنوايا املكلفني وإراداهتم التي تؤثر
يف العبادات واملعامالت ،سل ًبا وإجيا ًبا ،إجيا ًدا أو عدما ،وهو ما عرب عنه الشاطبي
بمقاصد املكلفني ،ومن ذلك القاعدة املعروفة «األمور بمقاصدها».
وهي من القواعد اخلمس الكربى التي بني عليها الفقه راجع «األشباه
والنظائر» للسيوطي وابن نجيم وغريمها ،ونرش البنود عند رشح قوله:
-23-
َ س ِ ُ
الو َط ْ
ـر ـب َ يَ ُل ُ
وأ َّن َما َي ُشــقّ ْ ـر ْر الف ْق ُه عىل َر ْف ِع َّ
الض َ َقدْ أ ِّس َ
الع ْر ُف وزا َد َم ْن َف َط ْن
ـم ُ َيُ ّك َ ـك ْ
وأن بالش ِ
ـع َّ ــع ال َق ْط ِ
و َن ْفي َر ْف ِ
ض وا ِر ِد ٍ
ــــف بِ َب ْع ِــع َت َك ُّل
َم َ اص ِ
ــد بــع املَ َق ِ َكــــو َن ُ
األمو ِر َت َ ْ
وهي قاعدة ترجع إىل احلديث الصحيح املشهور« :إنام األعامل بالنيات ،وإنام
ِّ
لكل امرئ ما نوى»(.)1
ِ
جماالت تطبيقاهتا التعبديات ذات اللبس فهي تفرق بني العبادات وأهم
ُّ
والعادات وبني العبادات يف أنفسها؛ وهلذا يقول الزقاق يف املنهج:
البــا بِ ٍ
نيــة ُبـدي كـان َغ ً
أو َ للتعبــــد
ص ُّ يَ ُل ُ ُّ
وكــل ما ْ
ولية َنحو ال َقضا بم ُ
عق َّ أعني َ كـان َذا ْلب ٍ
س وما ت ََّحضا إن َ ْ
...................... أو غلبت كنجس فال افتقار
ُ
تكون كام تَدُ جمالً رح ًبا يف ِكنايات الطالق واأليامن ويف العقود أحيا ًنا ُ
حيث
ِ
باأللفاظ واملبانِ. ِ
بالقصود واملعانِ ال
ُ
تكون وبام تقدم ُندرك َّ
أن املقاصدَ قد تكون أحكا ًما مقصودة باخلطاب وتار ًة
أحكا ًما تُ ِّقق تلك ِ
احلكم وتار ًة تكون نوايا تكون َ
ُ ِح َكمً َ
وغايات وتار ًة
املكلفني وغاياهتم.
ونختم بحثنا يف التعريف مع الشاطبي لنصل عىل ضوء قطوف من نصوصه
إىل تعريف مالئم بيد أن الشاطبي مل يعرف املقاصد ومل يضع حدودا هلا غري
-1أخرجه البخاري يف صحيحه يف مواطن كثرية ومسلم وغريمها كلها من حديث عمر بن اخلطاب ريض اهلل
عنه ومل يصح إال من حديثه.
-24-
تلك احلدود اللغوية الفسيحة مركزا عىل درجات املقاصد ومستوياهتا بني
قصود ابتدائية ترصحيية جزئية تتعلق بكل أمر أو هني عىل حده داال عىل قصد
الشارع إجياد الفعل أو الكف عنه وهذا النوع يمكن أن يكون جوا ًبا عن ماذا؟
أي ماذا قال الشارع وبأي يشء أمر؟ وهذا هو املستوى األول :الذي استبعده
ابن عاشور ومن تبعه وكان الشاطبي يف ذلك مصي ًبا كل اإلصابة ألن املقاصد
اإلبتدائية هي أصل املقاصد وأم الكتاب فيها وهي لبنات األساس يف بناء
رصح املقاصد ،فاستبعاد األمر والنهي من مقاصد الشارع يعود عىل ِ
احلكم
والعلل باإلبطال ،فإنه ما أمر إال ليطاع وما هني إال ليمتثل ﱫ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﱪ [النساء ،]64 :فكيف نقول بعدها أن األمر ليس
مقصدا وبأي لغة نفهم املقصد؟
أما املستوى الثاين :الذي قد يكون جوا ًبا عن ملاذا؟ وهو املوسوم بالغايات
واحلكم واألرسار فإنه يمثل مقاصد منتجة ومولدة ألحكام خارج النص.
وهذا هو جمال التعليل ومناط ِ
احلكم والتي قد تكون جزئية أو كلية حسب
متعلقها.
املستوى الثالث :والذي هو يف حقيقته تقسيم باعتبار آخر؛ أي باعتبار األصالة
أو التبعية.
والذي يتمثل يف الفرق بني القصود األصلية والقصود التابعة والتي عرفت
من خالل علل األحكام السالفة .مؤكدة لغايات وحكم أخرى ختتلف عنها يف
الدرجة واملستوى رضورة اختالف التابع عن املتبوع هلذا فهي وإن كانت قد
-25-
ترد من حيث الصيغة ابتدائية لكنها بحكم انبنائها عىل املقاصد األصلية فإنه
أفردها يف جهة ثالثة .وسنورد عليه إشكاال.
أما املستوى الرابع :أو اجلهة الرابعة فإهنا ال ُتضيف جديدً ا يف تعريف املقاصد
بل إهنا تتعلق بجهة أخرى للتعرف عىل قصد الشارع إذا سكت ويمكن أن
توضع يف خانة املقاصد االبتدائية ألهنا تقرر ُحكام غايته رفع احلرج يف كل
مسكوت عنه عىل حدة حسب احلال التي بينها ،أو مقصدا كل ًيا كام أراد أبو
إسحاق الشاطبي رمحه اهلل أن يؤسسه يف مسألة البدعة وسنناقشه الحقا.
ذكر الشاطبي ذلك كله يف التعرف عىل اجلهات التي تعرف هبا مقاصد الشارع
َ
مقصد الشارع؛ يف النصوص التالية حيث قال« :يف الضابط الذي به يعرف
فنقول ،وباهلل التوفيق :إنه ُيعرف من جهات:
معلوم أ َّنه
ٌ األمر
َ فإن االبتدائي الترص ِ
حي ِّيَّ ، ِّ والنهي
ِ جمرد األم ِر
ُ إحداها:
مقصود
ٌ ِ
وجود األم ِر بِه فوقوع الفعلِ عندَ
ُ َ
الفعل؛ أمرا القتضائِه إ َّنام َ
كان ً
للشارع ،وكذلك النهي معلوم أنه مقتض لنفي الفعل أو الكف عنه؛ فعدم
مقصود له ،وإيقاعه خمالف ملقصوده ،كام َّ
أن عدم إيقاع املأمور به ٌ وقوعه
ٌ
خمالف ملقصوده.
والنهي ِمن غ ِ
ري نظ ٍر إلَ ع َّل ٍة ،وملَن ِ عام ملَن اعت َ
رب جمر َد األم ِر ظاهر ٌّ
ٌ وجه
فهذا ٌ
واملصالح ،وهو األصل الرشعي.
َ َ
العلل رب
اعت َ
حتر ًزا من األمر أو النهي الذي ُقصد به غريه؛ كقوله تعاىل :
وإنام قيدَّ باالبتدائي ُّ
ً
مبتدأ، ليس هن ًيا ﱫﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﱪ [اجلمعةَّ ]9 :
البيع َ
عن ِالنهي ْ
َ فإن
-26-
ليس
فالبيع َ
ٌ ِ
بالقصد الثانِ، ِ
املقصود النهي
ِ بالسعي؛ فهو ِمن
ِ بل هو تأكيدٌ لألم ِر
بل ألجلِ تعطيلِاألول ،كام هني عن الربا والزِّ نى مثلًْ ، ِ
بالقصد َّ عنه
منهيا ُ
ًّ
نظر الشارع ِمن َّ
جمرده ٌ ِ ِ
قصد هم هذا؛ ِ
ففي َف ِ االشتغال بِه ،و َما شأ ُنه َ
ِ عي عندَ
الس ِ
َّ
ِ
املرتمجة بالصالة يف الدار املغصوبة. ِ
املسألة واختالف ،منشؤُ ه ِمن أصلِ
ٌ
بمرصح بِه؛
َّ ليس حتر ًزا ِمن األم ِر أ ِو ال َّنهي الضمنِي ِ
الذي َ وإنام َّقيد بالترص ِ
حي ِّي ُّ
النهي
ُ تضمنَه
الذي َّ األمر ،واألم ِر ِ
ُ تضمنه
الذي َّ به ِ
أضداد املأمو ِر ِ
ِ عن
كال َّنهي ْ
ِ
بالقصد ِ
بالقصد الثانِ ال فهام إن َ
قيل هبام؛ ُ واألمر ها ُهنا ْ
َ هي
فإن ال َّن َ ِ
اليشءَّ ، ِ
عن
املرص ِح بِه ْ .
فإن َّ النهي
ِ ِ
التأكيد لألم ِر أ ِو األول؛ إ ْذ جمرامها عندَ القائلِ هبمَ َ
جمرى َّ
املأمور إ َّ
ال ُ يتم
األمر بام ال ُّ
ُ َ
وكذلك ِ
القصد. أوضح فِ عد ِم
ُ فاألمر
ُ في؛ ِق َ
يل بال َّن ِ
هي فِ َ
هذا ُ
فداللة األم ِر وال َّن ِ املذكور يف مسألة «ما ال يتم الواجب إال به»؛
ُ ِ
به
األمر
ُ َ
ولذلك ُق ِّيد نحن ِفيه،
متنازع ِفيهَ ،فليس داخلً فيام ُ
ٌ الشارع
ِ ِ
مقصود عىل
والنهي بالترص ِ
حيي. ُ
عن َ
هذا أمر هبذا الفعل؟ وملاذا نَى ْ
والنهي ،وملاذا َ
ِ والثانية :اعتبار عللِ األم ِر
َ
اآلخر؟
رشع األحكا ِم العاد َّية والعباد َّية مقاصدَ أصلي ًة
ِ واجله ُة الثالث ُةَّ :
أن للشارع يف
ومقاصدَ تابع ًة.
طلب
ُ ِ
ويليه األول، ِ
القصد َّ مرشوع للتناسل عىل
ٌ فإنه
مثال ذلك النكاح؛ ُ
االستمتاع
ِ ِ
واألخروية؛ من ِ
الدنيوية املصالح
ِ ُ
والتعاون عىل واالزدواج
ُ ِ
السكن،
ِ
املرأة ،أو والتجم ُل ِ
بامل ُّ ِ
حماسن النِّساء، ىل ما خلقَ ُ
اهلل ِمن ِ
باحلالل ،وبالنظ ِر إ َ
-27-
الوقوع فِ
ِ والتحفظ ِمن
ُ أو إخوتِه،
نها أو ِمن غريها ْ
أوالده ِم َ
ِ قيامها ِ
عليه وعلَ ُ
ِّعم ِمن ِ
بمزيد الن ِ واالزدياد ِمن الشك ِر
ُ الفرج ونظ ِر الع ِ
ني، ِ ِ
شهوة املحظو ِر ِمن
اهللِ علِ العبد ،وما أشب َه َ
ذلك.
السكوت
ُ عرف ِ
به مقصدُ الشا ِرع: ُ
الرابعة ممَّا ُي ُ ُ
اجلهة ثم ذكر جه ًة رابع ًة بقولِه:
َّ
مع قيا ِم املعنَى املقتضِ َله. ِ
رشعية العملِ َ التسبب ،أو عن
ُّ رشع
عن ِ
وسرتى إيضاح ًا هلذه املعاين يف املشاهد التالية.
إن املعلم األول كان يمكن أن يستغني عن اجلهة الثالثة باعتبارها داخلة يف
اجلهة األوىل رضورة ،ألن ورود األمر من الشارع يقتىض طلب إيقاع املأمور
به ،وكونه ابتدائي ًا وهو الذي احرتز به من األمر التبعي ال يستلزم ذلك ،فاألمر
االبتدائي ال يسلتزم األصالة؛ فاألمر االبتدائي -كام أفهمه -يقتيض ورود
النص به عىل حدة؛ لكن األصالة أو التبعية أو القصد األول والثاين مفهوم
من جهة أخرى.
فاالبتدائية يشء واألصالة يشء آخر .فلو حذف القيد يف اجلهة األوىل وأبقي
عىل االبتدائية بمعنى الذي يفهم من ورود النص كام دلت عليه الفقرة األوىل
لكان أوضح ،وتكون اجلهة الثالثة موضوعة لقسمة أخرى لألمر االبتدائي أي
أنه ينقسم إىل أصيل وتابع.
فاألصيل هو املقصود باألصالة أو بالقصد األول ،والتابع هو ما كان وسيلة أو
رشط ًا أو مكمال للمقصد األصيل .فاألول كالسعي وترك البيع يف آية اجلمعة.
والثاين كالطهارة يف آية املائدة ،والثالث كالسكن واملودة يف مقصد التزاوج كام
-28-
يف آية سورة الروم .وقد ذكره أبو إسحاق؛ وإال فال فرق بني األصيل والتابع
إال باملعنى الذي يتضمنه كل منهام والوظيفة التي يؤدهيا ،فكالمها ابتدائي من
حيث الصيغة ،ومن الواضح أن اإلمام -رمحه اهلل -أراد أن بوصف االبتدائي
التفريق بني القصد األول والقصد الثاين؛ وحيث أن الصيغة ال فرق فيها كام
قال العز بن عبد السالم :إذ ال تفاوت بني طلب وطلب ،وإنام التفاوت بني
املطلوبات من جلب املصالح ودرء املفاسد ”،،اخرتنا ّ
أن نمنح االبتدائي معنى
آخر لتتم القسمة بني النص وبني املقصد خارج النص وهو النوع الثاين ،واهلل
تعاىل ويل التوفيق(. )1
وينبغي أن نفرق هنا بني بعض املتقابالت يف القصود ولو من خالل إدراج
مصطلح الثانوي يف وصف القصد التابع؛ ألنه نازل يف الرتبة عن املقصد
األصيل ،لكون رشط ًا له أو مكمال أو وسيلة .ونؤثر العلة بالقصد الثاين ألهنا
ليست نازلة يف الرتبة بل مساوية أو أعىل وألهنا سابقة يف الوجود –افرتاضا-
وإن كانت الحقة يف الورود –عىل خاطر األصويل -إذ لوال األصل اجلزئي
املنصوص ملا سارت اخلواطر إىل العلة .أما الثانوي فإنه قد يتزامن يف الورود مع
ال -عىل حد علمي يف -1متكن مالحظة أن الوصف باالبتدائي الذي ذكره الشاطبي يف األمر والنهي ليس متداو ً
علم األصول -ولعل أصوله يف كتب البالغة عند أتباع السكاكي والسعد التفتازاين ،وذلك يف وصف اخلطاب
الساذج اخلايل من أية أداة للتأكيد وهو يقابل يف القسمة الثالثية :اخلطاب الطلبي واإلنكاري .قال السيوطي:
حكــــم ومن تردد فلتغتنى فإن خياطب خايل الذهن من
ً
وطـــالبا فمــستجيدا أكدا عن املؤكدات أو مـــــر ّددا
بحسب اإلنكار فالضــروبا أو منكرا فأكدن وجـــــوبا
تــاله فهـو الطلبي وانتمـى سم ابتدائيا ومـــــــا
أوهلا ّ
ظاهره إيرادها كام مضـــــى تاليه لإلنكار ثم مقتضـــى
-29-
ستدعى
َ األصيل؛ لكونه منصوص ًا وبنفس الصيغة لكنه ناشئ عنه يف الوجود ا ُمل
بطلب اإلجياد .فافهم ذلك.
وسنذكر نصوص الشاطبي كاملة يف املشهد اخلامس.
أما ابن عاشور يف اجلهات فإنه فيام يبدو ظل عىل تعريف املقاصد باحلكم
واملعاين والعلل مضي ًفا بعدا آخر هو القطعية الناشيئة عن االستقراء حيث
استهل باستقراء اجلزئيات للوصول حلكمة متحدة أو حتصيل مفهوم كيل
إال أنه يف الطريق الثاين للتعرف عىل املقاصد حتدث عن الدالالت الواضحة
للقرآن والسنة املتواترة وهذا يرجعنا إىل املقاصد االبتدائية اجلزئية ،ولكن من
زاوية القطع الذي حياول ابن عاشور أن يضفيه عىل املقاصد.
وإذا كان القطع بالورود والثبوت هو املعيار فإنه يكون يف االبتدائية التي ليست
حكام وال عللً فيتناقض عنده مع الطريق األول.
ونفس املالحظة تقال عن السنة املتواترة وهي الطريق الثالث الذي يرتكز عىل
الظن القريب من القطع بالنسبة للصحايب واالحتامل بالنسبة ملتلقي اخلرب.
من هناك ندرك فر ًقا جوهر ًيا بني الشاطبي وابن عاشور يف زاوية النظر للتعرف
عىل املقاصد.
فالشاطبي بحث عن طريق التعرف عىل املقصد من خالل النصوص واملعاين
األوىل والثانية.
من حيث الرتتيب يف سري عملية االستكشاف أو الثانوية من حيث الرتبة يف
العالقة بني املقصد األصيل والتابع ليصل يف النهاية إىل سبيل رابعة لتوليد
-30-
املقاصد من خالهلا هي سكوت الشارعً .
تاركا مسئلة الثبوت إىل الدالالت
األصولية املعروفة بينام كان ابن عاشور يرمي إىل تأكيد ثبوت املقصدية وقوهتا
باستقراء اجلزئيات للوصول إىل مقصد كيل أو من خالل نص قطعي داللة
وورو ًدا.
إن اجلهات التي ذكرها الشاطبي هي بالتأكيد اجلهات التي يتعرف عىل املقاصد
من خالهلا وهي تشمل اجلزئي والكيل الظني والقطعي ،ودالالت األلفاظ
ومعقول النصوص يف ترتيب منطقي يراعى الرتب ويقدم األهم فاملهم.
هلذا فال يمكن اعتبار ما ذهب إليه ابن عاشور بديال عن جهات الشاطبي بل
ال بد أن ينظر إليه عىل أنه مكمل هلا باالحلاح عىل زاوية معينة هي زاوية التأكد
من أكادة املقصدية.
وهلذا فإن الشاطبي يمكن أن يعترب املنطلق األساس لتعريف املقاصد بمستوياهتا
األربعة املتمثلة يف جدلية املعني واملفهوم.
فاملعنى ما يعنيه املتكلم أو الساكت مأخوذ من العناية ،واملفهوم ما يفهمه
املتلقي السامع أو املشاهد ،ومها متحدان بالذات خمتلفان باالعتبار ،وذلك
إنام يعرف يف اخلطاب االبتدائي ،الذي يمكن أن يعرب عنه بمدلوالت اللغة
وليس فقط يف صيغ األمر والنهي ولكن كل ما فهم منه مدح أو قدح ،قبول
أو رد ،استحسان أو استهجان ،إو إباحة أو عفو ،أو إذن أو تأكيد ،أو ختفيف
أو تشديد.
وهذا كام أسلفنا جييب عن ماذا؟ ﱫ ﭠ ﭡ ﭢ ﱪ [سبأ ،]23:وقد أشار إليه
-31-
الشاطبي يف مبحث مقاصد الرشيعة لإلفهام.
أما املستوى الثاين :فهو ما وراء النص من تعليل أو مصالح يراد جلبها أو
مفاسد يتوخى درؤها .وقد يعرب عنه باحلكم ألن فيه حكمة توحى بالتعليل
والصواب والرشد .وباألرسار ألنه يف باطن اللفظ وليس يف ظاهره ،واملرامز
التي ترمز إىل املراد حسب عبارة الباقالين.
إذ غال ًبا ما يبدو بعد بحث عقيل أو إبداء من الشارع.
أما املستوى الثالث :فهو كالذين قبله يف عملية االستكشاف إال أنه أبرزه
نوعا ثال ًثا لنزول رتبته عن املقصد األصيل وهو تفريع عليه .وقد
باعتباره ً
أبدينا رأينا حوله.
أما املستوى الرابع :فإنام قرره مستقال؛ ألنه خيتلف يف وسيلة التعرف عليه عام
قبله ولنزول رتبته بناء عىل ذلك يف تأكد املقصدية وهو طريق السكوت؛ لكن
الشاطبي يف تفصيل املقاصد العليا أو التي متثل أرضية لكل املقاصد ذكر مقصد
وضع الرشيعة ابتداء جاز ًما بأنه ملصالح العباد يف العاجل واآلجل فإذا سلمت
هذه املقصدية مع مقدمة وضع الرشيعة لإلفهام الذي ينايف اإلهبام ،وكام قال
يف املراقي :وما به يعنى بال دليل غري الذي ظهر للعقول
ورشحه بأنه ال يكون يف القرآن والسنة حشو وال لفظ مقصود به غري ظاهره
إال بدليل عقيل.
وبناء عىل ما تقدم يمكن أن نركب التعريف التايل:
مقاصد الرشيعة هي :املعاين اجلزئية أو الكلية املفهومة من خطاب الشارع
-32-
ابتداء ،أصلية أو تابعة ،وكذلك املرامي واملرامز واحلكم والغايات املستنبطة
من اخلطاب ،وما يف معناه من سكوت بمختلف دالالته مدرك ًة للعقول
البرشية متضمنة ملصالح العباد معلومة بالتفصيل أو يف اجلملة.
وهذا التعريف الذي يدمج القصود االبتدائية املنشأة بالقصود الثانية الناشئة؛
أجناسا خمتلفة ،ويراعي املعاين التي أشار
ً جنسا واحدا وليس
ليكون املحدود ً
إليها الشاطبي متفرقة من إبراز املصلحة كفصل من فصول احلد وإدراك العقل
الذي يتناول املعاين األوىل والثانية ،وبذلك نستوعب خمتلف العنارص املكونة
يف تعريف املقصد جنس ًا ونوع ًا وفصال وخاصة.
-33-
املشهد الثاني
ِ
كشف مقاصد ُ
السلف تلك الدعو َة القرآنية التي أرشنا إليها إىل لقد فهم
واستشفاف ِح َكمها ،فتجلَّ ذلك الفهم يف فقه الراسخنيَ يف العلم من
ِ الرشيعة
ِ
وبخاصة اخللفا َء الراشدين ريض اهلل عنهم: أصحاب رسول اهلل
َ
املصحف ،وورث ِ
الزكاة ،ومجع فقاتل أبو بكر الصديق ريض اهلل عنه مانعي
اجلدَ دون األخوة ،ورشح اخلليف َة من بعده.
ووضع اخلراج،
َ عمر ريض اهلل عنه نفي الزاين البكر بعد أن طب َقه، َ
وأوقف ُ
وع َّلق حدَّ الرسقة َ
عام الرمادة وأحل الديوان حمل عاقلة النسب ملا فهم من
قصد الشارع نوط احلكم بروح التضامن والنرصة.
وباع عثامن ريض اهلل عنه ضال َة اإلبل ،ووضع ثمنها يف ِ
بيت املال ملا رأى من َ
-35-
َ
متارض وورث ِ
األخالق مع ثبوت ال َّنهي عن التقاطهاَّ ، ري خراب ِّ
الذمم وتغ ِ
الكلبية من زوجها عبدالرمحن بن عوف عليه الرىض الذي أبانَا يف مرض
املوت.
الناس إال ذاك“ بعد ْ
أن َ وضمن ُّ
عيل ريض اهلل عنه الص َّناع وقال ”:ال ُيصلح َّ
هيجوا ،وقاتلهم بعد ْ
أن َّ
وكف عن اخلوارج حتى َّ كانت يدُ الصانع يدَ أمانة.
أقام عليهم احلج َة ومل يأخذ بحديث بروع بنت واشق.
َ
إىل غري ذلك من قضاياهم وفتاوهيم ريض اهلل عنهم يف أمو ِر مل يسبق فيها ُ
حكم أو
فخصصوه يف الزمان.
عموم َّ
ُ أمر منه عليه الصالة والسالم ،أو سبقَ فيها ُ
حكم أو ُ
-كأم املؤمنني عائشة وأم سلمة ريض اهلل عنهام
ِّ وكذلك كان ُ
بعض الصحابة
وغريمها من أمهات املؤمنني والصحابة اآلخرين كابن عباس وابن مسعود
وابن عمر ومعاذ وأيب موسى األشعري وغريهم -يفتون فيام جتدَّ د من قضايا؛
اعتام ًدا عىل ما حفظوه من الوحيني ،وتار ًة اعتام ًدا ما فهموه من داللة املقاصد.
إمام احلرمني عن القايض الباقالين قو َله عن الصحابة« :كانوا ريض
فقد نقل ُ
مراسم اجلمع والتحرير ويقترصون عىل املَرام ِز الدَّ ِ
الة عىل َ اهلل عنهم ال يقيمون
املقاصد»(.)1
أن الصحابة كانوا يكتفون باملعاين املقصدية دون ضبط مقنن َّ
فإن ومع َّ
األصوليني بعد ذلك حولوا تلك املادة األصلية من قضايا الصحابة وفتاوهيم
إىل بناء رائع مربع الزوايا كرتبيع الكعبة الرشيفة وكل بناء مربع يسمى كعبة كام
-36-
يف قول األسود بن يعفر اإليادي:
ِ
سنداد ِ
الكعبات من والقرص ذي ارق أهل َ
اخل َورنق والسدير و َب ٍ
فكانت الزاوية األوىل :إحلاق جزئي بجزئي منصوص وهو القياس.
والثانية :استثناء جزئي والعدول به عن كيل ختفي ًفا ملعنى اجتاله لرضورة حاقة
أو حاجة ماسة وهو االستحسان.
والثالثة :إحلاق جزئي بكيل مصلحي استقرائي وهو االستصالح.
والرابعة :استثناء من أصل إباحة بناء عىل مئال متوقع وهو املعرب عنه بسد
الذرائع.
ففي احلالتني األخريتني مراعاة املصلحة من جهة الوجود يف األوىل ومن جهة
العدم يف الثانية فعاد األمر إىل جلب مصلحة أو درء مفسدة.
ٍ
متفاوتة ﱫ ﯓ ٍ
بنسب وامتدَّ مسلك الصحابة يف االستنباط يف عرص التابعني
ٍ
بنصيب ،ومع ذلك كانت ِ
مدرسة وأخذت ُّ
كل ْ ﯔ ﯕﱪ [الرعد،]17 :
ُ
السبعة، الفقهاء
ُ ِ
املقاصد؛ إذ منها ُ
مدرسة ِ
املدينة بأنَّا ِ
مدرسة أهلِ اإلشار ُة إىل
ِ
النبوة ومنهج الصحابة يف راث عمل ِ
أهلها عىل منهج ما ورثوه من ُت ِ واستمر ُ
َّ
ِ
أوقافهم قائم ًة ُ
دليل عىل جوا ِز الوقف ،حسب مالك فوجود
ُ رعي املقاصد،
رمحه اهلل تعاىل.
وفقهاء احلديث
ُ هلذا يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية :ففي اجلملة ُ
أهل املدينة
ِ
الرشيعة وأصوهلا(.)1 منعا حمكمً مراعنيَ ملقاصد
مانعون من أنواع الربا ً
-37-
ومن كثرة أخذ مالك ريض اهلل عنه باملقاصد َّادعى أبو بكر بن العريب أ َّنه انفرد
بذاك قائلً« :وأما املقاصدُ واملصالح فهي أيضا مما انفر َد به مالك دون سائر
العلامء»(.)1
ِ
املقاصد ،وما أغوصه عىل
َ وقال أيضا عن مالك تعج ًبا ُ
حيمل إعجا ًبا« :ما( )2كان
كان أعر َفه باملصالح»(.)3
َ
الوريث الرشعي هلذا الفقه ،فراعاه يف اجتاهني ،ومها :مراعا ُة إذ كان ٌ
مالك هو
املصالح .ومن جهة
ِ ِ
جلب ِ
بقاعدة ِ
جهة الوجود وهو املعبَّ عنه املصالح من
العدم املعبَّ عنه بقاعدة درء املفاسد.
املصالح
ِ ٌ
مالك من إعامل ِ
الناصعة ما اخ ُتص به والذي كان من جتلياته
ِ
ودرء املفاسد ،الذي يم ِّثل اجلانب اآلخر للنظرية ِ
املرسلة حيث كان جم ِّل ًيا فيه،
املقاصدية ،متمثلً يف مبدإ سد الذرائع .
وهكذا يقول القايض ابن العريب -عن مالك الذي زاد عىل األحاديث التي
تدور عليها البيوع أصلني :-فإن ً
مالكا زا َد يف األصول مراعا َة الشبهة ،وهي
التي يسميها أصحابنا الذرائع وهو األصل اخلامس .والثاين وهو السادس:
ُ
العامة ُ
املنفعة ُ
املصلحة ،وهو يف كل معنى قام به قانون الرشيعة ،وحصلت به
يف اخلليقة .ومل يساعده عىل هذين األصلني أحد من العلامء ،وهو يف القول هبام
-1ابن العريب ،القبس ،786/2 :حتقيق حممد عبداهلل ولد كريم ،دار الغرب اإلسالمي.
-2تنبيه :هذه «ما» تعجبية :بأفعل انطق بعد ما تعجبا .أما كان بعدها فهي زائدة :وقد تزاد كان يف حشو كام كان
أصح علم من تقدما.
واالستشهاد من ابن مالك يف األلفية وفيه إشارة إىل صحة علم مالك.
-3نفس املرجع .1098 /3
-38-
أقوم قيلً وأهدَ ى سبيلً ،وقد بينا وجوب القول هبام والعمل بمقتضامها يف
ُ
أصول الفقه ومسائل اخلالف(.)1
ٌ
متفقة يف اجلملة عىل اعتبار املقاصد؛ لكنه يعود مرة أخرى ليقول إن األم َة
حيث يقول« :القاعدة العارشة :هي بسط املقاصد واملصالح التي أرشنا إليها
األمة عىل اعتبارها يف اجلملة ،وألجلها َوضع ُ
اهلل احلدو َد ُ قبل هذا ،وقد اتَّفقت
استصالحا للخلق ،حتى تعدَّ ى إىل البهائم(.)2
ً والزواجر يف األرض
َ
املقاصد عند أئمة املذاهب:
مبكرا يف
ً وإذا كانت مراعا ُة املقاصد ظلت ماثلة يف فقه األئمة ،فإن التباين ظهر
اتساعا وضي ًقا ،لصو ًقا بالنص وبعدً ا منه .
ً اجتهادهم
ويصف الشاطبي هذه االجتاهات املتعارضة يف موقفها من التعامل مع النص
-انقل عنه باملعنى.-
-39-
هم الباطنة وظهر هذا االجتاه يف ِ
وهؤالء ُ متمسك،
َّ الرشيعة ،فال يبقى يف ظاه ٍر
القرن األول مع اجلعد بن درهم أيام اخلليفة هشام بن عبدامللك فكان أول من
ً
متمسكا بالباطن وهو أنكر خلة إبراهيم عليه السالم وتكليم موسى عليه السالم
ظاهر اآلية ليس مقصو ًدا وقد أقام عليه احلدَ خالد بن عبداهلل القرسي أمري
َ َّ
أن
العراقني من قبل هشام يوم األضحى يف القصة املشهورة ،)1(.وأ َ
لْقَ هبؤالء َمن
كانت َّ
مطرحة. النظري ْ
َّ النصوص املعنَى
ُ ِ
خالفت ُ
بحيث لو طلب املعنى ُي ُ
غرق يف ِ
والذي نرتضيه هو االجتاه الثالث الذي رشحه الشاطبي بقوله:
ٍ
وجه ال ي ُُّل فيه املعنى بال َّنص، مجيعا ،عىل ِ
األمرين ً «والثالث :أن َ
يقال باعتبا ِر
َ
تناقض، َ
اختالف فيه وال ُ
الرشيعة عىل نظام واحد ال لتجري
َ وال بالعكس؛
االعتامد(.)2
ُ ِ
العلامء الراسخني؛ فعليه أكثر
وهو الذي أ ّمه ُ
قلت :وهذا اإلجتاه الثالث الوسطي مذهب األئمة األربعة الذين أجروا علل
األحكام املعللة عىل أمثاهلا فشبيه احلالل حالل وشبيه احلرام حرام وفرقوا
بني املعامالت والعبادات فتوسعوا يف اعتبار املقاصد يف األوىل وضيقوا حدود
املقاصد يف الثانية وإن كان قد نقل عن بعضهم التعليل يف العبادات كام أجاز
اعتبارا
ً األحناف أخذ القيم يف الزكاة والكفارات بدلً من األنواع املنصوصة
للمعنى واملقصد.
تقسيم دقيق ،إال أ َّنه حيتاج إىل جتلية تتمثل باختصار فيام ييل:
ٌ تقسيم الشاطبي
َ َّ
إن
-40-
لقد اختلفت املدارس الفقهية بني متمسك بظاهر النصوص مع دليل واحد
هو االستصحاب ،وهؤالء هم أهل الظاهر.
بينام قال الشافعية مع الظاهرية بظاهرها وزادوا القياس ،مع اضطراب يف
مذهبهم حول االستصالح .وهؤالء أقرب إىل حرفية النص.
وزادت املدارس املالكية واحلنبلية واحلنفية عىل الظاهر والقياس فقالت
باالستدالل ،وهو لغة :طلب الدليل .قال الشوكاين« :وهو يف اصطالحهم
وعرفه يف نرش البنود عىل مراقي السعود
ما ليس بنص وال إمجاع وال قياس»َّ .
بقوله :االستدالل لغ ًة ُ
طلب الدليلِ ،ويطلق يف العرف عىل إقامة الدليل مطل ًقا
من نص أو إمجاع أو غريمها ،وعىل نوع خاص من الدليل وهو املراد هنا،
ويطلق أيضا عىل ذكر الدليل .قال يف النظم:
اع وال َّت ْمثِيلِ
جْ ِ و َل ْي َ
س با ِ
إل َ ص ِم ْن الدَّ ليلِ ما َل ْي َ
س بال َّن ِ
ليست
ْ النص ِ
ومعقول ِّ ُ
تعرتف باملعنَى أن املدرس َة املقاصدي َة التي
وهذا يعني َّ
أقرب إىل الظاهرية .بينام
ُ ُ
فالشافعية وزان ِ
واحد: ٍ ٍ
واحدة وال عىل ٍ
درجة عىل
أقرب إىل نظرية املقاصد؛
َ ِ
واحلنفية ِ
واحلنبلية ِ
املالكية اعتبار املدا ِرس
ُ يمكن
لقولِم باالستدالل الذي يشمل املصالح املرسلة وسد الذرائع واالستحسان،
عىل تفاوت يف درجة األخذ؛ فحينام يقول املالكية باملصالح املرسلة وبثالثة
أنواع من االستحسان‑ يبالغ األحناف يف األخذ باالستحسان ليستغنوا به عن
االستصالح ،ويأخذ احلنابلة مع املالكية بسد الذرائع وبطرف من االستحسان،
ويرتدد النقل عنهم يف األخذ باملصالح املرسلة.
-41-
ِ
واملتساكن واملتداخلِ ِ
املتباين ِ
املشهد تتبلور صور ُة
ُ بدأت
ْ ِ
القرن الثانِ ويف آخ ِر
ِ
واحلنبلية مل يعلنوا َعن ِ
واملالكية ِ
احلنفية ِ
الثالثة ِ
املذاهب واملتقابِل ،وإن كان ُ
أئمة
جتسدت فيام
ْ املتناثرة فِ املسائلِ الفقهية التِي
ِ ِ
خالل اجتهاداتِم هو َّيتهم إال من
سطر أصو َله التي كان لدالالت
فإن اإلمام الشافعي رمحه اهلل َّ ٍ
قواعد َّ بعدُ فِ
ُّ
واحلظ األوىف ،ومل يكتف بذلك فقد أوضح موقفه النصيب األوفر
ُ األلفاظ فيها
من اآلخرين ،وبذلك قدَّ م لنا مواق َفهم كام يراها ،فتحدَّ ث عن االستحسان،
وعن الذرائع ،معلنًا موقفه املبدئي احلاسم منها.
ُ
روابط نسب متيزت اجتاهات داخل املذاهب األربعة التي جتمع بينها
وهكذا َّ
العلم باألخذ املبارش بني أئمتها.
ترشيعا مع أن الشافعي مل
ً وكام شدَّ د الشافعي يف رفضه لالستحسان باعتباره
يبعد أحيا ًنا من األخذ بيشء من االستدالل كام يقول إمام احلرمني ‑ فقد َّ
رد
َ
جتاوز فيها القايض أبو بكر الباقالين -وهو مالكي -االستصالح بعبارات قوية
أهل النظر «إن ف ْتح هذا الباب ليس له ٌ
أصل ،ويفىض إىل أن يبقى ُ احلدَّ ؛ قائلًَّ :
بمنزلة األنبياء عليهم السالم ،ومل ينسب ما يرونه إىل الرشيعة ،وهو ذريعة إىل
إبطال أهبة الرشيعة ،وإىل أن يفعل كل واحد ما يرى.
ثم خيتلف ذلك باختالف الزمان واملكان وأصناف اخللق ،فيبطل ما درج عليه
األولون ،وألنه لو جاز ذلك لكان العاقل ذو الرأي العامل بوجوه السياسات
إذا راجع املفتني يف حادثة وأعلموه أهنا ليست منصوصة وال أصل هلا
يضاهيها جيوز له حينئذ العمل باألصوب عنده والالئق بطريق االستصالح؛
-42-
الناس
ُ صعب ال يستجرئ عليه متد ِّين ،ولو ساغ ما قاله مالك التَّذ
ٌ وهذا
وجتر ٌؤ عىل
أيام كرسى أنورشوان يف العدل والسياسة معتربهم؛ وهذا ممنوع ُّ
َ
االنحالل عن الدين بالكلية»- .انتهى كالمه بنقل اجلويني يف الربهان(.-)1
َ
اجلدل قد بلغ أشدَّ ه يف القرن الثالث مع تقديم األحناف رؤيتهم األصولية إن
مستنبطة من فروع مذهبهم مع عيسى بن أبان ،لتكتمل مع أيب احلسن الكرخي
وتلميذه اجلصاص الرازي.
-43-
ٍ
بعيدة اقرتحها عليه. ٍ
بتأويالت
وخرجت من عباءة هذا اجلدل املقاصدُ .
ومن املفارقات أن يكون الشافعية يف طليعة مؤسيس الفكر املقاصدي من
خالل مقوالت إمام احلرمني اجلويني وردوده الالذعة عىل مذهب مالك
ُّ
وتلتك الرباهنيُ عىل حياض يلج النزاع وحيتدم اجلدال
وأيب حنيفة ،فعندما ُّ
االجتهاد ،يف حماولة لضبط أوجهه خارج نصوص الكتاب والسنة واإلمجاع
واملعيار هلذا
َ والقياس فيام سمي الح ًقا باالستدالل ‑ كانت املقاصدُ الوسيل َة
ِ
عبارة حسب
َ بتفاريق ٍ
أدلة ش َّتى ِ ِّ
مشككة ،وإن كانت قطعية الضبط؛ ألهنا ٌ
كلية
الغزايل تقري ًبا.
فلذلك فإن البحث العلمي املقنن الستكشاف املقاصد بدأ مع رسالة الشافعي
التي ظهرت يف خضم الطور الثالث من أطوار تدوين الرشيعة التي أشار إليها
سيدي أمحد زروق يف كتابه «قواعد التصوف» والذي ذكر فيه بأن نقل الرشيعة
ِ
الصحابة حتى ِ
عرص الغالب عىل
ُ طور الرواية وهو ِ
بثالثة أطوا ٍرُ : مر
وتدوينها َّ
عرص تدوين السنة بأمر عمر بن عبدالعزيز ريض
بدأ ُهناية القرن األول ،حيث َ
-44-
الباقالين ،إال أن الفلسف َة املقاصدي َة كانت مع اجلويني( )1املتوىف سنة ،478
وتلميذه أيب حامد الغزايل سنة ،505وتلميذ الغزايل أيب بكر ابن العريب
سنة ،543والعز بن عبدالسالم سنة ،660وتلميذ هذا األخري القرايف سنة
682هـ .مع آخرين كأيب احلسني البرصي وأيب اخلطاب والرازي وغريهم من
األصوليني واملتكلمني.
َ
ليكون يف القرن الثالث فإنَّم انخرطوا رد فعلِ األحناف عىل الرسالة ْ
وإن َّ
تأخر ُّ
رجع ُ
بعضها إىل ريهم يف خمتلف قضايا اخلالف ،التي َي ُ ٍ
جدل مع الشافعية وغ ِ يف
ُ
وبعضها إىل معقول النص أي املقاصد. دالالت األلفاظ،
وكانت موافقات الشاطبي -التي حيتفي هبا األصوليون باعتبارها خامتة النظر
األصويل -مقارنات بني أصول املتكلمني والفقهاء ،وبه نقلت املقاصد من
ظواهر إىل قوانني أو فلنقل من فن إىل علم .وهي اليوم أحوج ما حتتاج إىل
من يقرأها قراءة خترج أفكارها من ركام التبسيطات والقراءات الظاهرية التي
ُأغرقت هبا يف هذا القرن.
ِ
الكالمية كاألشعرية واملاتريدية ِ
املدارس إال أ َّنه جتدر اإلشارة إىل أن ُّ
تدخل
متيز عن سالفيه ومعارصيه بشيئني اثنني :طرحه ألول مرة -1يقول عبد املجيد الصغري عن إمام احلرمني :إنه ّ
موضوع مقاصد الرشيعة كعلم جديد متميز بقواطع أدلته وبتجاوزه للخالف واستقالله عن املذاهب الفقهية
املتميز أخطر مهمة ،مهمة اإلنقاذ السيايس
ّ الفروعية بل وعن أصول الفقه الظنية نفسها؛ ثم إناطته هبذا العلم
واالجتامعي للعامل اإلسالمي من اهلوة التي رآها وشيكة الوقوع .ويف هذا تصميم عىل ربط مفهوم مقاصد الرشيعة
باملشكل السيايس واالجتامعي(.عبداملجيد الصغري :الفكر األصويل وإشكالية السلطة العلمية يف اإلسالم
.)355
قلت :إال أنه يالحظ أن إمام احلرمني عندما يتحدث يف مبحث املناسب يف أصول الفقه «الربهان» خيتلف عن ُ
توجهاته يف كتبه السياسية «الغياثي».
-45-
أسسا
ً الفكر املقاصدي وأوجدَ
َ واملعتزلة والشيعة أ ْث َرى يف مسار التأصيل
طرح إشكالية ِ
املسألة املقاصدية ،من خالل ْ جديدة للحوار الدائر حول
‑ أساسا لتعليل
ً التحسني والتقبيح العقليني ،ووجوب الصالح واألصلح
الفقيه
ُ أحكام الباري جل وعال وأفعاله ،ومسألة الباعث يف التعليل ،فكان
خلوض ِغام ِر علم الكالم ،وأحيا ًنا السباحة يف بحر الفلسفة
ِ مدفوعا
ً األصو ُّيل
األرسطية ،دون أن يكون قد أعدَّ هلا زورقها.
فأدى هذا اجلدل إىل
احلاكم هل هو العقل أو الرشع؟ َّ
ِ ُ
مسألة هكذا ُطرحت
َ
تعليل األحكام؛ ألهنا كاألفعال، شطط أحيا ًنا جعل َ
بعض أهل السنة َينفي
ٌ
منصوبة عىل احلكم. إن العل َة أمار ٌة ِ
بدهية التعليل بالقولَّ : ويتخ َّلص من
رشحا عن العقل قبل اخلوض يف التفريعات األصولية:
وسنقدم ً
وهو أداة رقابة اخلاطر وسريورة حركة الفكر إىل القرار واحلركة والباعث عىل
احلركة والفعل.
وهو ً
أيضا جمموعة املبادئ وطرق التفكري التي تتيح صواب احلكم عىل
األشياء واآلراء.
إنه من الكلامت غري املحددة املعنى كاحلق واخلري والرش وليس كالسواد
-46-
والتمر والرب.
وقد عرف الغزايل العقل يف «معيار العلم» فقال :وأما العقل فهو اسم مشرتك
تطلقه اجلامهري والفالسفة واملتكلمون عىل وجوه خمتلفة ملعان خمتلفة ،واملشرتك
ال يكون له حد جامع .أما اجلامهري فيطلقونه عىل ثالثة أوجه،،،:
وأما الفالسفة فاسم العقل عندهم مشرتك يدل عىل ثامنية معاين خمتلفة.”،،
أما العقالنية التي يفرسها الغربيونّ :
بأن األشياء أصلها ترجع إىل أسباب
معقولة .وخيتلفون بعد ذلك بني قائل باستقالل العقل عن التجربة سواء
كانت مطلقة كام ذهب إليه ديكارت وهو يف هذا افالطوين.
أو نقدية كام ذهب إليه كانت وهو مذهب يقابل املذهب التجريبي للمدرسة
االنجليزية يف القرن الثامن عرش مع جون لوك وهيوم.
وقد خاض املسلمون قبل الغربيني يف هذا اخلالف منذ القرن الثاين اهلجري
الثامن امليالدي دون أن يضعوا حدًّ ا فاصلً بني العقل والعقالنية فقال الشافعي
إنه :قوة متييز بني األشياء وأضدادها .وكان منهم من قال :إن العقل غريزة
تلزم العلوم البدهيية .وقال اآلمدي :إنه العلوم الرضورية التي ال خلو لنفس
اإلنسان منها بعد كامل اآللة وعدم أضدادها .وهذا ما رأيناه عند ديكارت.
أما الغزايل :فالعقل عنده غريزي ورضوري ومها :نظري وجتريبي.
وترتب عىل هذا أن العقل هل هو متحد بالنسبة جلميع الناس ال يتفاوت بني
شخص وآخر وال بني شعب وآخر؟ هذا ما قال به الرازي وابن القشريي
وغريمها وهذا مذهب ديكارت من الغربيني الذي يقول :إن العقل هو أعدل
-47-
األشياء توزيعا بني البرش.
أما من قال بأنه جتريبي فقال بتفاوته بني األفراد.
وقد مجع بعض العلامء بني ذلك باعرتافهم بوجود رضبني مما يشار إليه بالعقل
عقل غريزي وجتريبي بغض النظر عن احلقيقة واملجاز فالعقل يزيد بالتجارب
وينقص.
-48-
العقليني.
وهذا النطاق عندنا معرش املسلمني جيب فيه عدم التعارض فام أحاله العقل ال
جييزه الوحي وما يوجبه العقل يوجبه الوحي.
واجلائز وهو حيز اإلمكان قد يقرره الوحي وقد ينفيه حيث يكون احلكم يف
هذه املنطقة للوحي دون اعرتاض من العقل الذي يتدخل يف منطقة االستحالة
والوجوب ويسلم للوحي يف حيز اإلمكان.
وهلذا ترد األحاديث إذا خالفت العقل قال الشيخ أبو إسحاق الشريازي
رب ٌ
ثقة ُر َّد رب الواحد :إذا روى اخل َ رمحه اهلل يف “ال ُّل َمع” يف باب بيان ما ُي ُّ
رد به خ ُ
بأمور :أحدها :أن خيالف موجبات العقول ،فيعلم ُبطالنه ،ألن الرشع إنام َيرد
بمجوزات العقول ،وأما بخالف العقول فال.
ّ
وقال ابن اجلوزي رمحه اهللُّ :
كل حديث رأيته خيالف العقول ،أو يناقض
األصول ،فاعلم أنه موضوع ،فال تتكلف اعتباره ،أي ال تعترب رواته ،وال
احلس واملشاهدة ،أو ُمباين ًا لنص الكتاب
تنظر يف َج ْرحهم .أو يكون مما يدفعه ُّ
والسنة املتواترة أو اإلمجاع القطعي ،حيث ال يقبل يشء من ذلك التأويل(.)1
جيب أن ننبه عىل أن العقل الذي يشري إليه األستاذ أبو إسحاق الشريازي وأبو
الفرج بن اجلوزي عىل أساس أنه حيكم يف رد النصوص عند قيام التعارض
ووجود االستحالة هو العقل اخلالص؛ القائم عىل املسلامت الربهانية القطعية
املقننة يف املنطق ،حيث يمتنع اجلمع بأي اعتبار من االعتبارات الزمانية
حتقيق الشيخ عبد الفتاح أبوغدة - 1نقال عن شبري اهلندي «مبادئ علم احلديث وأصوله»
-49-
واملكانية والكيفية «السلب واإلجياب» واملمكنة «الكيل واجلزئي» والنسب
واإلضافات .وليس العقل املتأثر باملحسوسات العادية واملحجوب بالظواهر
أو املحكوم بسلطان اهلوى والغرور املعريف الزائف ،فاملنغمس يف الغمرة ينفي
()1
ما هو أقرب إليه من حبل الوريد .
إن القرآن يثبت اجلواز العقيل ثم ينتقل إىل احلكم النقيل عند احلديث عن أحوال
اآلخرة وعامل الغيب بصفة عامة ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝﱪ [الزخرف.]11 :
منتجا منشأ ،أما يف
ال ً هذا فيام يتعلق بمجال العقائد حيث يعترب العقل دلي ً
جمال الترشيع فينبغي أن نفرق بني فضائني فضاء املعامالت الذي يرجع
إىل مصالح البرش حيث يسري العقل إىل جانب الوحي يف تكامل وانسجام
اختلف العلامء يف وصفه فرأى بعض أن الرشع إذا ثبت يقدم عىل املصلحة
التي يقتضيها العقل ورأى البعض اآلخر أن الرشع قد فوض للعقل يف
أساسا للترشيع مع اتفاق الطرفني عىل أن العقل يظل دليال
ً اعتبار املصالح
مستكشفا ال غنى عنه.
أما الفضاء الثاين وهو فضاء العبادات التعبدية التي ترتكز أساسا عىل الوحي
فال سلطان للعقل عليها .ومع ذلك فإهنا كام يقول الفهري معقولة يف اجلملة
وإن مل تعقل يف التفاصيل كالصالة ونحوها.
- 1فرتى من تلك حاله ينفي األحاديث النبوية الرشيفة وربام رد اآليات القرآنية ،غافال عن كون التواضع مفتاح
باب العلم (وما أتيتم من العلم إال قليال) (وفوق كل ذي علم عليم) صدق ربنا العظيم ،الذي يعلم وال نعلم،
ويقدر وال نقدر ( ،ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة).
-50-
لقد نجح املسلمون إىل حد كبري يف وقت من األوقات يف إجياد تساكن وتعايش
بني العقل والفلسفة والدين واحلياة الروحية.
وبعيدا عن هذا اجلدل الفلسفي الذي قد ال يأيت بنتائج أو قد يتكلم به من
خيالفه تطبيقا وسلوكا فام هو موقف اإلسالم من العقل؟
لقد كانت مسألة العقل من أهم القضايا الفلسفية التي شغلت املسلمني
منذ القرن الثاين اهلجري الثامن امليالدي واشرتك يف اجلدل حوهلا الفالسفة
واملتكلمون واألطباء والفقهاء كام يقول الزركيش ويمكن أن نضيف اللغويني
املهتمني باالشتقاق اللغوي وباملعاين واملرتادفات ُّ
وكل نظر إليه من زاوية
االستعامل الذي خيدم فيه.
وقد اختلفت الفرق يف تعريفه إىل ألف قول كام يقول بعضهم.
ً
مرتبطا بالفضيلة واألخالق ويعطيه أكثر من اسم كلها يمجد اإلسالم العقل
تشري إىل حقيقته الراشدة وعالقته باحلكمة.
فهو العقل واحلجر والنهي وسمي عقال ألنه يعقل صاحبه عن ارتكاب القبائح
والرذائل أي يمنعه من ذلك وكذا سمي حجرا أيضا ألنه حيجر صاحبه أي
يمنعه من ارتكاب الرذائل ويفرس العقل أيضا بأنه نور روحاين به تدرك النفس
األمور أو العلوم الرضورية والنظرية .ويفرس العقل أيضا بأنه القوة التي هبا
يكون التمييز بني احلسن والقبح.
وعقل اليشء :فهمه قال تعاىل :ﱫ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﱪ[البقرة ،]75 :وقال
تعاىل :ﱫ ﭹ ﭺ ﭻ ﱪ [البقرة ،]164 :ﱫ ﮭ ﮮﱪ [البقرة ،]44 :ﱫﯫ
-51-
ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﱪ [امللك ،]10 :ﱫ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱪ [العنكبوت،]43 :
وأكثر معنى هذه الكلمة أي العقل يف القرآن أن يكون الفهم واإلدراك الصحيح أو
ما يف معناه ﱫ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﱪ [آل عمران ،]118 :ﱫ ﭠ ﭡ ﭢ ﱪ [الفجر،]5:
مجعا مرا ًدا به العقل ﱫ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﱪ
واستعمل اللب ً
[البقرة ،]179 :وكذلك القلب :ﱫ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﱪ
[ق ،]37:ﱫ ﯰﯱ ﯲ ﯳﱪ [النحل ،]78 :والنهى ﱫ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺ ﭻ ﱪ [طه.]54:
ويف املقولة املشهورة :أول ما خلق اهلل العقل وقال :وعزيت وجاليل ما خلقت
خلقا أكرم منك بك آخذ وبك أعطي وبك أعاقب.
وإن مل يثبت هذا القول عنه عليه الصالة والسالم فإنه يشري إىل مكانة العقل
عند املسلمني.
مصدرا من مصادر املعرفة األساسية بل املصدر األول
ً اإلسالم جيعل العقل
املنتج يف العقائد واإليامن وأحد املصادر األربعة املؤسسة يف الترشيع اإلسالمي
كام يقول حجة اإلسالم أبو حامد الغزايل يف مستصفاه.
والعقل أحد الرضورات اخلمس التي يقوم الترشيع اإلسالمي عىل محايتها
إىل جانب الدين والنفس والنسل واملال هذه هي الكليات التي حتكم منظومة
الترشيع يف اإلسالم.
والعقل مناط التكليف واألمانة التي محلها الباري جل وعال لإلنسان بعد
أن عجزت السموات واألرض واجلبال عن محلها .وحرم الدين اإلسالمي
-52-
املسكرات وكلام يؤدي إىل تغييب العقل.
وال يمكن تعارض نقل صحيح مع عقل رصيح وإال قدم العقل الرصيح
الصحيح ومحل النقل عىل التأويل أو عدم الثبوت ،وهذا هو مذهب األشاعرة
ومجهور املتكلمني ،وإن خالف شيخ اإلسالم ابن تيمية يف جزئيات العقليات.
ودعا القرآن إىل إعامل العقل والفكر ،عندما دعا إىل التدبر والتفكر يف آيات
الكون وآيات الوحي وهي دعوة إىل اكتناه أرسار اخللق وحكم األمر ﱫ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮠ ﮡﮢﱪ [األعراف.]54 :
الفتا انتباه اإلنسان إىل الربهان القائم يف نفسه عىل نفسه من نفسه ﱫ ﮢ
ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﱪ [الذاريات.]21 :
ويف الكون من حوله :ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﱪ [ص ،]27 :ﱫ ﭭ ﭮ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﱪ [الروم.]8 :
وأمر بالتفكر يف خلقه والتدبر يف وحيه وأمره قال:ﱫ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﱪ [األعراف ،]185 :وقال تعاىل :ﱫ ﮜ ﮝ
ﮞ ﮟ ﮠﱪ [آل عمران.]191 :
وقال سبحانه وتعاىل :ﱫ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﱪ [النساء ،]82 :وقال جل وعال:ﱫ ﮣ
ﮤ ﮥ ﱪ [املؤمنون.]68 :
وقال تعاىل :ﱫ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﱪ [ص.]29 :
فاألمر بالتفكر والتدبر قد ورد بصيغة اخلرب واالستفهام ليكون أبلغ يف التقرير
وأدعى إىل التفكري.
-53-
وإنام كان التفكري والتدبر وسيلة الستكناه حكمة اخللق واملصلحة التي
تتضمنها أحكام احلق.
إن هذه املميزات ال توجد يف أي دين هبذا الوضوح والتامسك.
وانطالقا من هذا جاءت مقاصد الرشيعة متثل منظومة كاملة ترد الرشيعة
إىل أصول معقولة تصون مصالح الناس وتدرأ عنهم املفاسد وذلك بعد أن
استقرينا من الرشيعة أهنا وضعت ملصالح العباد استقراء ال ينازع فيه الرازي
وال غري الرازي .حسب عبارة الشاطبي.
وما االختالف يف التحسني والتقبيح العقليني والصالح واألصلح بني الفرق
اإلسالمية إال دليل عىل مكانة العقل.
فال يوجد تعارض بني العقل والوحي فالدين اإلسالمي مثال ال يقبل
االستحالة العقلية املتمثلة يف التثليث والتي تزعم أن الثالثة واحد والواحد
ثالثة وأن اإلله حيل يف البرش.
فأهيام أحق بالعقالنية التثليث أم التوحيد.
وكثري من علامء الالهوت الغربيني الذين اعتنقوا اإلسالم كان ذلك بسبب العقالنية
التي وجدوها يف اإلسالم وما وجدوه يف ديانتهم من أمور ال تتامشى مع العقل.
ومع ذلك فإن دائرة الوحي حتكم دائرة العقل الذي سلم هلا فيام ال يدركه
العقل لكنه ال حييله وإنام املحيل هو العادة.
وهلذا يقول الغزايل يف املنقذ :ووراء العقل طور آخر تنفتح فيه عني أخرى
وأمورا ُأخر ،العقل معزول عنها
ً يبرص بـها الغيب وما سيكون يف املستقبل،
-54-
كعزل قوة التمييز عن إدراك املعقوالت وكعزل قوة احلس عن مدركات
التمييز .وكام أن املميز لو عرضت عليه مدركات العقل ألباها واستبعدها،
فكذلك بعض العقالء أبوا مدركات النبوة واستبعدوها ،وذلك عني اجلهل:
إذ ال مستند هلم إال أنه طور مل يبلغه ومل يوجد يف حقه ،فيظن أنه غري موجود
يف نفسه .واألكمه ،لو مل يعلم بالتواتر والتسامع األلوان واألشكال وحكي له
يقر بـها .وقد قرب اهلل تعاىل عىل خلقه بأن أعطاهم
ذلك ابتدا ًء ،مل يفهمها ومل ّ
نموذجا من خاصية النبوة ،وهو النوم :إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب،
ً
إما رص ً
حيا وإما يف كسوة مثال يكشف عنـه التعبري .وهذا لو مل جيربه اإلنسان
من نفسه -وقيل له :إن من الناس من يسقط مغش ًيا عليه كامليت ،ويزول
عنه إحساسه وسمعه وبرصه فيدرك الغيب –.ألنكره ،وأقام الربهان عىل
استحالته ،وقال :القوى احلساسة أسباب اإلدراك ،فمن ال يدرك األشياء مع
وجودها وحضورها ،فبأن ال يدرك مع ركودها أوىل وأحق .وهذا نوع قياس
يكذبه الوجود واملشاهدة .فكام أن العقل طور من أطوار اآلدمي ،حيصل
أنواعا من املعقوالت ،واحلواس معزولة عنها ،فالنبوة
ً فيه عني يبرص بـها
ً
أيضا عبارة عن طور حيصل فيه عني هلا نور يظهر يف نورها الغيب ،وأمور ال
يدركها العقل(.)1
- 1عن سبنرس :فقد اعد العقل البرشي لكي يفهم ظواهر األشياء ،وعندما نحاول استخدام هذا العقل يف فهم
ما وراء الظواهر فإننا نزج أنفسنا يف عبث ال طائل حتته .ومع ذلك فإن هذه الظواهر واألمور النسبية التي يدركها
العقل وال يستطيع أن يتجاوزها تدل بطبيعتها واسمها عىل وجود يشء وراءها ،وهو يشء هنائي ومطلق .ول
ديورانت «قصة الفلسفة ص)467
-55-
والشك يف النبوة ،إما أن يقع :يف إمكانـها ،أو يف وجودها ووقوعها ،أو يف
حصوهلا لشخص معني.
ودليل إمكانـها وجودها .ودليل وجودها وجود معارف يف العامل ال يتصور
أن تنال بالعقل ،كعلم الطب والنجوم؛ فإن من بحث عنها علم بالرضورة أهنا
ال تدرك إال بإهلام إهلي وتوفيق من جهة اهلل تعاىل ،وال سبيل إليها بالتجربة.
فمن األحكام النجومية ما ال يقع إال يف كل ألف سنة مرة ،فكيف ينال ذلك
بالتجربة؟ وكذلك خواص األدوية .فتبني بـهذا الربهان أن يف اإلمكان وجود
طريق إلدراك هذه األمور التي ال يدركها العقل -وهو املراد بالنبوة -ال أن
النبوة عبارة عنها فقط ،بل إدراك هذا اجلنس اخلارج عن مدركات العقل إحدى
خواص النبوة ،وهلا خواص كثرية سواها .وما ذكرنا ،فقطرة من بحرها؛ إنام
نموذجا منها ،وهو مدركاتك يف النوم؛ ومعك علوم من
ً ذكرناها ألن معك ُأ
جنسها يف الطب والنجوم ،وهي معجزات األنبياء عليهم الصالة والسالم،
وال سبيل إليها للعقالء ببضاعة العقل أصلً».
لقد كان هذا أنموذج ًا لفهم املسلمني لفضاءات احلس والعقل والوحي.
ِ
البيت السنِّي ومن شخص ني العق ِّ
يل يف داخلِ ٌ
موقف بالتحس ِ ويقابل هذا
أثر ذلك يف تعليل ٍ
مجلة ُ
القول بالتحسني ،وظهر ُ أيب حنيفة ،الذي ُنسب إليه
ري ُ
املالكية -وهم املقاصديون األقحاح -تعبد َّية ،غ َ العبادات التِي َ
يراها ِ من
ِ
األعيان بالقيم بدلً من
ِ فحكم
َ ِ
الزكاة والكفارات أن أباحنيفة ع َّلل يف مسائلِ
َّ
ِ
املنصوصة يف الرشع.
-56-
وهكذا كان للقضايا الثالث التي أثرناها يف مقدمة هذا الكتاب أثرها يف
اختالف العلامء.
وذلك هو املشهد الثالث :املصلحة بني العقل والنقل.
-57-
املشهد الثالث
ُ
املصلحة التي ُتبنَى وهي ْ
هل نوع من التأث ِ
ريَ ، املسألة التي ال ُ
يزال هلا ٌ ُ وأط َّلت
ِ
املصلحة ْ
هل هي ُ
مرجعية األحكام عقلية أم رشعية؟ وبعبارة أخرى :ما
ُ عليها
عقلية أم رشعية؟ وهي مسألة حتيل عىل مسألة التحسني العقيل.
آخر يف النظر املقاصدي يمكن استجالؤه من خالل القطوف التالية
وجه ُ
إنه ٌ
لوجهتَي نظر:
أولً :االجتاه الذي يرى أن املصلحة ال ُتعرف إال من قبل الرشع:
فهذا الغزايل رمحه اهلل وهو يتعرض لألصول املوهومة يف «املستصفى» يطنب
االستصالح من األصول املوهومة ذكر
َ يف موضوع املصلحة؛ فبعد أن ذكر َّ
أن
املقصد الذي تنتمي ِ
إليه ِ
مرتبة َ ِ
بحسب ِ
املصلحة قو ِة ِ
بتفاوت َّ أمثل ًة فيام يتع َّلق
-59-
ِ
احلاجات ،وإىل ما يتع َّلق الرضورات ،وإىل ما هي يف ِ
رتبة ِ ِ
مرتبة ُ
تكون فِ عندما
أيضا عن ِ
رتبة احلاجات .ويتعلق بأذيال ِّ
كل ِ
والتزيينات وتتقاعدُ ً ِ
بالتحسينات
قسم ما جيري منها جمرى التكملة والتتمة هلا .ذلك فحوى كالمه.
ثم أمثلة مراتبها، ِ
املصلحة َّ ومن مجلة هذا الكالم يقول :ولنفهم أولً معنَى
املصلحة :هي عبارة يف األصل عن جلب منفعة أو دفع مرضة .ولسنا نعنى
ِ
اخللق يف وصالح
ُ به ذلك؛ فإن جلب املنفعة ،ودفع املرضة مقاصدُ اخللق،
حتصيل مقاصدهم .لكنا نعنى باملصلحة املحافظة عىل مقصود الرشع.
خامسا
ً ليس أصلً
االستصالح َ
َ الثاين :وانتهي الغزايل إىل القول :وتبيَّ َّ
أن
أن استحسن فقدْ َّ
رشع ،وتبني به َّ َ استصلح فقدْ َّ
رشع ،كام َّ
أن َمن َ بل َمن ِ
برأسهْ ،
االستصالح عىل ما ذكرنا»(.)1
َ
الشاطبي حيث قال :وإذا كان معلو ًما من
ُّ الثالث :وال يبعدُ ِمن هذا االجتاه
يقدر
أخر غري ما يدركه املكلف ،ال ُ
مصالح َ
َ أن ثم ٍ
كثرية َّ مواطن
َ الرشيعة يف
عىل استنباطها وال عىل التعدية هبا يف ٍّ
حمل آخر؛ إذ ال ُيعرف ُ
كون املحل اآلخر
ٌ
سبيل، يكن إىل اعتبارها يف القياس ُ
العلة ألبتة ،مل ْ وهو الفرع وجدت فيه تلك
شبيه إ َّ
ال يظهر لألصلِ املع َّلل هبا ٌ
ْ ِ
املحض؛ أل َّنه مل فبقيت موقوف ًة عىل ُّ
التعبد ْ
احلكم املع َّلل
ِ يكون ُ
أخذ ُ أو العمو ِم املع َّلل ،وإ ْذ َ
ذاك ِ
اإلطالق ْ حتت َ
دخل َ ما
الشارع ِ
فيه من غري زيادة ُ ُ
الوقوف عند ما حدَّ متعبدً ا به ،ومعنى التعبد به
هبا َّ
وال نقصان.
-60-
حتكم بني الناس وأنت غضبان؟
ُ السائل إذا َ
قال للحاكمَ :مل ال َ والرابعَّ :
أن
الغضب
َ َّ
«ألن فأجاب« :بأين نُيت عن ذلك»؛ كان مصي ًبا ،كام أ َّنه إذا قال:
َ
أيضا ،واألول التثب ِ
ت يف احلكم؛ َ
كان مصي ًبا ً يشوش عقيل ،وهو مظ َّنة عد ِم ُّ
ِّ
اجتامعهام
ُ جواب التعبد املحض ،والثاين جواب االلتفات إىل املعنى ،وإذا جاز
أن جاز القصدُ إىل التعبد َّ
دل عىل َّ جاز القصدُ إىل التعبد ،وإذا َ
وعدم تنافيهام؛ َ
يصح القصدُ ِ
إليه من معدوم ِ
القصد إىل ما ال ُّ توجه
يصح ُّ
ّ هنالك تعبدً ا ،وإ َّ
ال ْمل
املقصود له مطل ًقا،
ُ صح القصدُ مطل ًقا؛ َّ
صح أو ٍ
ممكن ْ
أن يوجدَ أو ال يوجد ،فلمَّ َّ
وذلك جهة التعبد .وهو املطلوب.
ِ
واملفسدة مفسد ًة كذلك، باحلكم،
ِ ِ
املصلحة مصلح ًة تقصدُ أن َ
كون واخلامسَّ :
ُ
بالشارع ،ال جمال للعقل فيه ،بنا ًء عىل قاعدة نفي التحسني والتقبيح،
ِ خيتص
ُّ مما
الواضع هلا مصلح ًة ،وإال
ُ فهو ٍ
ملصلحة ما؛ َ احلكم
َ رشع
َ الشارع قدْ
ُ فإذا َ
كان
ِ
وضعها ِ
بالنسبة إىل األشياء ك ُّلها
ُ كذلك؛ ِ
إذ َ َ
تكون يمكن عقلً ْ
أن ال ُ َ
فكان
ِ
املصلحة قبح ،فإ ًذا ُ
كون ٍ
بحسن وال ٍ ٌ
متساوية ال قضا َء للعقلِ فيها ِ
األول
النفس؛
ُ وتطمئن ِ
إليه ُّ ُ
العقل يصدقه
ُ ُ
بحيث الشارع
ِ من قبلِ مصلح ًة َ
هو ْ
تعبديات وما انبنَى
ٌ فيها إلَ أهنا
النظر َ
ُ مصالح قدْ َ
آل ُ هي من ُ
حيث َ فاملصالح ْ
ُ
يكون إ َّ
ال تعبد ًّيا(.)1 ُ التعبدي ال
ِّ علَ
حق ِ
العبادَّ ،
وأن َّ ملصالح
ِ يقرر أن الرشيع َة إنام ُوضعت
الشاطبي عندما ِّ
َّ لكن
العبد راجع إىل مصاحله الدنيوية ‑ ففيه منافاة العتبار املصالح تعبدية.
-61-
وإما ِ
للعباد إما عاجلً َّ حق رشع ٍّي؛ ِ
ففيه ٌّ ِ كم أن َّ
كل ُح ٍ وذلك حني يقول :كام َّ
ِ
العباد ،ولذلك قال يف احلديث: ملصالح
ِ ضعت
ْ أن الرشيع َة إنام ُو
آجلً؛ بناء عىل َّ
ال ُي َع ِّذهبم»(.)1 العباد علىَ اهللِ إ َذا عبدُ وه و ْمل ُيشرْ ِ كوا ِ
به شيئًا أ َّ ِ «حق
ُّ
ِ
للمكلف؛ الرشع أ َّنه ال خري َة ِ
فيه ِ أنه ما ُفهم ِمن ري «حقِّ اهللِ» ُ وعادهتم يف تفس ِ
ِ
مصاحله يف راجعا إىل
ً كان ِ
العبد» ما َ و»حق
ُّ ٍ
معقول، ري
أو غ ُ ٌ
معقول ْ كان َله معنًى
َ
حق هللِ، مجلة َما يط ُلق ِ
عليه أ َّنه ُّ فهو ِمن ِ ِ
األخروية؛ ُ املصالح
ِ كان ِمن
فإن َ
الدنياْ ،
ِ
العبادات ُ
وأصل ِ
اخلصوص، عندهم أ َّنه ما ال ُ
يعقل معنا ُه عىل ُ ِ
«التعبد» ومعنَى
ٌ
راجعة إىل حقوق العباد(.)2 ِ
العادات ُ
وأصل راجعة إىل حقِّ اهللِ،
ٌ
وقال ً
أيضا :فإذا كان كذلك؛ فاملصالح واملفاسد الراجعة إىل الدُّ نيا إنام تفهم عىل
مقتىض ما َغلب ،فإذا كان الغالب جهة املصلحة؛ فهي املصلحة املفهومة ُع ْر ًفا،
وإذا غلبت اجلهة األخرى؛ فهي املفسدة املفهومة عر ًفا ،ولذلك كان الفعل ذو
الراجحة ،فإن رجحت املصلحة؛ فمطلوب ،ويقال
الوجهني منسو ًبا إىل اجلهة َّ
فيه :إنه مصلحة ،وإذا غلبت جهة املفسدة؛ فمهروب عنه ،ويقال :إنه مفسدة،
عىل ما جرت به العادات يف مثله ،فإن خرج عن مقتىض العادات؛ فله نسبة
أخرى وقسمة غري هذه القسمة.
هذا وجه ال َّنظر يف املصلحة الدُّ نيوية واملفسدة الدُّ نيوية ،من حيث مواقع
الوجود يف األعامل العادية.
-1جزء من حديث أخرجه البخاري يف صحيحه «كتاب اجلهاد» وغريه .ومسلم يف صحيحه «كتاب اإليامن».
-2نفس املرجع .539/2
-62-
وأما النظر الثاين فيها من حيث تع ُّلق اخلطاب هبا ً
رشعا فاملصلحة إذا كانت
رشعا،
هي الغالبة عند مناظرهتا مع املفسدة يف حكم االعتياد؛ فهي املقصودة ً
ولتحصيلها وقع َّ
الطلب عىل العباد ،ليجري قانوهنا عىل أقوم طريق وأهدى
سبيل ،وليكون حصوهلا أتم وأقرب وأوىل بنيل املقصود عىل مقتىض العادات
رشعية ذلك
َّ اجلارية يف الدُّ نيا ،فإن تبعها مفسد ُة أو مش َّق ُة؛ فليست بمقصودة يف
الفعل وطلبه.
وكذلك املفسدة إذا كانت هي الغالبة بالنظر إىل املصلحة يف حكم االعتياد؛
أتم وجوه
رشعا ،وألجله وقع النهي ،ليكون رفعها عىل ّ
فرفعها هو املقصود ً
ُ
ٌ
مصلحة اإلمكان العادي يف مثلها ،حسبام يشهد له ّ
كل عقل سليم ،فإن َتبِعتها
أو لذ ٌة ،فليست هي املقصودة بالنهي عن ذلك الفعل ،بل املقصود ما غلب يف
-63-
إن ِ
وفيه َّ التربيزي يف كالمه بنقلِ القرا ِّ
يف، ُّ ِ
االجتاه أرصح أهلِ هذا
َ ويم ِّثل
حكم .
ٍ كل ِ
بواسطة ِّ ليست مطلوب ًة ِّ
بكل سبيلٍ ،وال ْ املصلح َة
ٌ
مرعية ِ
الرعاية وال أهنا ليست واجب َة
ْ املصالح
َ والرس َّ
أن ُّ ِ
القول: وانتهى إلَ
َ
ِ
اخلطاب ومقتضَ ِ
ملوجب ٍ
لصفة ذاهتا عندَ أهلِ احلقِّ ،بل إنام استح َّقت الرعاي َة
حالة أخرى ِمن غ ِ
ري تأث ٍ
ري ٍ ربه يف
يلغي ما اعت َ
َ وله تعالَ ْ
أن الوضع والنصبُ .
ِ
ِ
احلادثة. َ
لتلك
املصالح فِ
ِ إلغاء ُ
يعارضه ُ ِ
جنس األحكام املصالح فِ
ِ ِ
جنس اعتبار
َ ويقولَّ :
إن
ِ
جنس األحكام(.)1
أما اإلجتاه الثاين :الذي يرى أن العقل كاف يف تقرير املصلحة فتمثله القطوف
التالية:
وفيها تندرج مقولة العز« :معظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروفة بالعقل،
وذلك معظم الرشائع»(.)2
فليعرض َ
ذلك عىل عقله، ْ واملصالح واملفاسدَ
َ املتناسب
َ ويقول أيضا :ومن أراد
حكم منها خيرج عن
ٌ يكاد
األحكام فال ُ
َ الرشع ْمل ير ْدَّ ،
ثم يبني عليه َ بتقدير َّ
أن
يقفهم عىل مصلحتِه ومفسدتِه»(.)3 ال ما تعبدَ ُ
اهلل به عبا َده و ْمل ُ ذلك ،إ َّ
الرشع
ِ تتبع مقاصدَ بالرشع ُ
حيث يقول :ومن َّ ِ َ
العقل آخر ُ
يربط موضع َ
ٍ ولكنه يف
ٌ
عرفان َّ
بأن اعتقاد أو
ٌ جمموع َ
ذلك ِ من َ
حصل ُله ْ ِ
املفاسد ِ
ودرء املصالح
ِ ِ
جلب يف
-64-
يكن فيها جيوز قربانُا ْ
وإن مل ْ هذه املصلح َة ال ُ
جيوز إمهالُاَّ ،
وأن هذه املفسد َة ال ُ
يوجب ذلك» .
ُ الرشع
ِ هم ِ
نفس خاص ،فإن َف َ
ٌّ قياس
نص وال ٌ
إمجاع وال ٌّ
ونصه: ِ
الروضةُّ ، ِ
ملخترص ِ
رشحه فِ يف ٍ
حينئذ ما ذكره الطو ُّ وي َّتجه
ٍ
ومرسلة، ٍ
وملغاة ٍ
معتربة قسموا املصلح َة إىلالذين َُ ِ
هؤالء اعلم َّ
أن ْ قلت:
ُ
املصالح
ِ حكم
ِ ِ
معرفة ُ
والطريق إىل ‑ تعسفوا وتك َّلفوا.
َّ ٍ
رضورية ري ٍ
رضورية وغ ِ
بأن َ
نقول: وأقرب ،وذلك ْ
ُ أعم من هذا
ُّ
ٍ
وحينئذ يقول: إمجاعا،
ً ِ
باجلملة ِ
واملفسدة ِ
للمصلحة الرشع
ِ ثبت مراعا ُة
قد َ
تضمن مفسد ًة جمرد ًة نفيناها . حصلناهاْ .
وإن َّ تضم َن مصلح ًة َّ
جمرد ًة َّ إن َّ ُ
الفعل ْ
وجه ومفسد ًة ِمن ٍ
وجه: تضمن مصلح ًة ِمن ٍ ْ
وإن َّ
أو
املرجح؛ ْ ِ
املفسدة تو َّقفنا عىل ِّ ودفع
ُ ِ
املصلحة ُ
حتصيل استوى فِ نظ ِرنا
َ ْ
فإن
فرج ِ
يه فقط: يكفي أحدَ َ ال ما ِ قيل فِ َمن ْمل جيدْ ِمن ُّ
السرتة إ َّ خيَّنا بينهام .كام َ
ري؛ القبل الستقبالِه ِ
به القبل َة؟ أو يتخ ُ َ ُ
أفحش؟ أو الدبر؛ أل َّنه مكشو ًفا
َ ْ
هل يسرت
ني واملفسدت ِ
ني؟ لتعارض املصلحت ِ
ِ
ِ
املفسدة؛ دفع
أو ُ ِ
املصلحة ْ ُ
حتصيل ِ
األمرين: ترجح أحدُ
بل َّ وإن ْمل يست ِو َ
ذلك ْ
يتخرج ُّ
كل ما َّ ِ
القاعدة رشعا .وعىل ِ
هذه بالراجح متعيِّ ً
ِ َ
العمل فعلناه؛ َّ
ألن
ذكروه يف تفصيلهم املصلحة»(.)1
ُ
يقول« :أما ُ
حيث أكثر رصاح ًة يف رشحه لألربعني النووية ُّ
الطويف َ وقد كان
وباقي ِ
أدلة فاملصلحة ِ
ُ تقرر. ِ
الناس كام َّ ُ
مصلحة املعامالت ونحوها ،فاملتبع فيها
-65-
أمكن
َ أن يتفقا أو خيتلفا .فإن اتفقا فبها ونعمت ....وإن اختلفا ْ
فإن الرشع َّإما ْ
ِ
ُ
املصلحة عىل غريها؛ اجلمع بينهام ُقدمت
ُ اجلمع فامجع بينهام ....وإن َّ
تعذر ُ
رضار»(.)1
َ رضر وال
َ « :ال لقوله
َّ
وألن تقديمه،
ُ فيجب
ُ املصالح
ِ ِ
لرعاية نفي الرض ِر املستلز ِمخاص يف ِ
ٌّ وهو
ِ
األدلة بإثبات األحكا ِم ِ
وباقي ِ ِ
سياسة املك َّلفني من املصلح َة َ
هي املقصود ُة ْ
التقديم عىل الوسائل»(.)2
ِ ُ
واجبة كالوسائِل .واملقاصدُ
ُ
مدرسة األشعرية ‑التِي ِ
تنفي التحسنيَ العق َّ
يل وهي ِ يل ِ
ملدرسة الغزا ِّ فبالنسبة
ِ
املصلحة، للتعرف عىل
ُّ النص نقط َة االرتكا ِز ُ
‑ يكون ُّ ٍ
متفاوتة ٍ
بنسب اجلمهو ِر
الرشع باالعتبار شهاد ًة لصيق ًة بالنص،
ُ َ
لتشمل ما شهدَ له تتسع الدائر ُة
ُ ثم
َّ
املالئم
ِ ِ
املناسب مع َ
لتقف يف احلدِّ األعلَ َ كاملناسب املؤث ِرَّ ،
ثم املناسب املالئم ِ
يف الدرجة الثالثة ،وهو اجلنس يف اجلنس ،والذي يسميه ُ
بعضهم بالغريب،
-1سبق خترجيه.
اً
-2الريسوين ،االجتهاد ص ،37نقل عن مصادر الترشيع اإلسالمي فيام ال نص فيه ،ملخلوف.
-66-
بعضهم قدْ ُ
أقوال ِ كانت
وإن ْفتصبح امللغا ُة معترب ًة ،خال ًفا جلمهور أهل العلم ْ .
ُ
عبد السال ِم الذي أرشنا ِ
إليه ،والذي بن ِتوهم شيئًا من هذا القبيلِ ،ككال ِم العزِّ ِ
ُ
الرشع ْمل ي ِر ْد.
َ عرض القضايا عىل العقل كام لو َّ
أن أن ُت َ
َيرى ْ
أمر مس َّل ٌم بِه. ولع َّله يريدُ به َّ
أن التوافقَ بنيَ العقلِ والنقلِ ٌ
ال يزال هلذه القضية رضب من البزوغ بعد أن خبت جذوهتا وكانت شبه
حمسومة عند أهل السنة من خالل ضبط املناسب واعتبار التحسني العقيل غري
مثمر حكمً وإن أشار إىل حكمة ،يستوى يف ذلك منهم من قال به ومن مل يقل
به من جهة أخرى .وقد ظهرت يف ثوب حداثي ال يريد الترصيح بمراغمة
الوحي لكنه يتوكأ عىل املصلحة العقلية أو ما سامه بعضهم باملقصد اجلوهري
الذي يلغي النصوص واملقاصد األخر(.)1
-1من فتنة التأويل إىل فتنة املقاصد :إننا أمام مدرسة تقول بالظواهر واملقاصد لكنها تيسء يف استعامل االثنني
أحيا ًنا مجو ًدا عىل الظواهر مع قيام احلاجة واقتضاء التعامل مع املقاصد وأحيا ًنا انرصا ًفا عن الظواهر بمقاصد
زائفة وغري منضبطة وجتدون أمثلة هلذه املدرسة الالمنضبطة .فقد أدعى بعض الباحثني املحدثني أو احلداثيني
بتعبري أدق أن املقاصد وسيلة الحداث ثورة فقهية الستبدال فقه جديد بفقه قديم عفا عليه الزمان حسب دعواهم
ومن هؤالء أركون والرشىف ونرص حامد أبوزيد.
وإن هذا الكالم حيمل هتاويل وظالل أشواق إىل إجياد ترشيع جديد وليس إىل جتديد رشيعة فاستعذبت ديباجته
واستحسنت حلته دون أن تشتمل عىل جوهر وجود وحد حمدود فكأنه ليل يصيح بجانبيه هنار- .يف رأي
الدينوري -يف تشنيف املسامع وتأنيق األبصار فمشاهد اخليال يشء وتشييد بناء العلم عىل أسس ثابتة راسخة
ثامرا يشء آخر.
ليكون سكنًا وغرس شجرته يف بستان املعارف لتؤيت ً
إن هذه الدعوات من باب عريض الدعوى ورفع العقرية بالشكوى وإن ساورك شك أو اعرتاك عجب فاطلب
من هؤالء مفهو ًما واحدً ا من هذه املفاهيم أو مبدأ ً
بكرا من هذه املبادئ أو قاعدة فريدة من هذه القواعد...
وهي دعوة لركوب مطية املقاصد للهروب من ديمومة مفاهيم الرشيعة املستنبطة من الدالالت اللغوية وجتريدها
من املعاين التي فهمها الرعيل الذي تلقى الوحي ومن خالل ما سموه باملقصد اجلوهري الذي يضفى النسبية عىل
كل معنى ليتالئم معه ليكون لكل عرص رشعه ولكل زمن أحكامه دون متييز بني ثابت ومتغري.
ونرجو أال تكون فتنة كفتنة التأويل التي وصفها ابن رشد يف كتابه الكشف عن مناهج األدلة يف عقائد امللة” فقال:
ومثال من أول شيئًا وزعم أن ما أوله هو ما قصد الرشع ،ورصح بذلك التأويل للجمهورُ ،
مثال من أتى إىل دواء
-67-
َ
ولعل املقاصدَ الرشعي َة الثالث َة الرضوري واحلاجي والتحسني التي يرجع
تقسيمها إىل قضاء النقل وهو احلكم الذي ال يعزل ولشهادة العقل وهو الشاهد
املئاالت التِي
ِ مع النظ ِر إىل ِ
ومقتضيات النقلِ َ ، ِ
ملطالب العقلِ املعدل مت ِّثل سق ًفا
ِ
اآلخرة. ِ
بعواقب مصالح الدُّ نيا
َ ُ
تربط
مع مراعاة مقصد االستخالف الرشيد واالستعامر السديد والعدل العتيد
التي يمكن أن ترتجم إىل احلكم الرشيد وحسن إدارة املوارد وعدالة يف
التوزيع ويف احلكم مع إدماج القيم األخالقية يف طيات األسس التي تقوم
قد ركبه طبيب ماهر ليحفظ صحة مجيع الناس أو األكثر ،فجاء رجل فلم يالئمه ذلك الدواء املركب األعظم،
لرداءة مزاج كان به ليس يعرض إال لألقل من الناس ،فزعم أن بعض تلك األدوية التي رصح باسمه الطبيب
األول يف ذلك الدواء ،العام املنفعة ،املركب ،مل ُيرد به ذلك الدواء الذي جرت العادة يف اللسان أن يدل بذلك
االسم عليه= =.وإنام أريد به دواء آخر مما يمكن أن يدل عليه بذلك باستعارة بعيدة .فأزال ذلك الدواء األول
من ذلك املركب األعظم وجعل فيه بدله الدواء الذي ظن أنه الذي قصده الطبيب .وقال للناس :هذا هو الذي
قصده الطبيب األول .فاستعمل الناس ذلك الدواء املركب عىل الوجه الذي تأوله عليه هذا املتأول ففسدت به
أمزجة كثري من الناس.
فجاء آخرون شعروا بفساد أمزجة الناس عن ذلك الدواء املركب ،فراموا إصالحه بأن أبدلوا بعض أدويته بدواء
آخر غري الدواء األول ،فعرض من ذلك للناس نوع من املرض غري األول النوع األول.
فجاء ثالث فتأول يف أدوية ذلك املركب ،غري التأويل األول والثاين ،فعرض للناس من ذلك نوع ثالث من املرض
غري النوعني املتقدمني.
تأول رابع فتأول دواء آخر غري األدوية املتقدمة ،فعرض منه للناس نوع رابع من املرض غري األمراض فجاء ُم ِّ
املتقدمة.
فلام طال الزمان هبذا املركب األعظم وسلط الناس التأويل عىل أدويته ،وغيرَّ وها وبدلوها ،عرض منه للناس
أمراض شتى ،حتى فسدت املنفعة املقصودة بذلك الدواء املركب يف حق أكثر الناس.
اً
تأويل وهذه هي حال هذه الفرق احلادثة يف هذه الرشيعة مع الرشيعة .وذلك أن كل فرقة منهم تأولت يف الرشيعة
غري التأويل الذي تأولته الفرقة األخرى وزعمت أنه الذي قصده صاحب الرشع ،حتى متزق الرشع كل ممزق،
وبعد جدً ا عن موضعه األول(.الكشف عن مناهج األدلة ص)149
وهذا الكالم ال ينبغي أن يفرس عىل أنه يمثل رفض ًا بات ًا من ابن رشد احلفيد يوصد يف وجه التأويل الباب ويسدل
دون املؤول احلجاب ،فإن البن رشد يف «فصل املقال» كالما انصف فيه التأويل وأعطاه حقه ،وأمهل الظاهر يف
بعضه ومنحه مستحقه.
-68-
عليها تلك العامرة املشار إيل مفرداهتا عىل ضوء املقاصد الكلية واجلزئية
والعامة واخلاصة لتشكل يف الرشيعة منظومة كاملة كفيلة برعاية معتربات
املصالح وجمتنبات املفاسد.
والتعبد:
ُّ ِ
معقولية املعنَى ِ
الرشيعة بنيَ ُ
دوران القضية الثانية:
للعقول ع َُّلته .ويقابله
ِ واتضحت
ْ ِ
بمعقول املعنَى ما ُعرفت حكم ُته ومرادنا
ُ
ابن ِ
عبارة ِ ِ
النفوس ،حسب ِ
تزكية ويرجع إىل
ُ ْ
يعقل معناه، التعبدي الذي ْمل
ُّ
ٍ
رشد احلفيد.
مصالح
َ نجزم َّ
أن ُ فنحن
ُ ِ
التعبديات، ِ
احلكمة يف انعدام
ُ وليس معنَى َ
ذلك َ
ِ
العباد فيها مبثوثة واملنائح موهوبة؛ ولكن عني البصرية قد تنبو يف دار الدنيا
احلجاب عىل أهلها حتى يكشف الغطاء ويربح اخلفاء يف دار
ُ التي ُيسدل
اخللود والبقاء.
القيص فليس عن
ِّ فإذا كانت األبصار ال ترى الكوكب الدري يف األفق
أديب
ُ َ
وصدق ِ
األعيان، كسوف ضيائه أو مخود سنائه ،وإنام ذلك من َك َلل
النعامن يف قولِه:
ِ معرة
َّ
الص َغ ِر للط ْر ِ
ف ال لل َّن ْج ِم فِ ِّ والذن ُْب َّ
َّ ور َته وال ّن ْجم َتست َْص ِغر َ
األ ْب َص ُار ُص َ ُ ُ ْ
بن الزبري حيث يقول: وأخذ هذا املعنَى منه القايض الرشيدُ ُ َ
َفإ َّنمَ ِه َّي َأ ْصـــدَ ُ
اف َعىل الــدُّ َر ِر يمتِ َهـا ـمـا ِري ِ
وق َ ال تُغْ َر َر َّن بِ َأ ْط َ
ول َعىل ال َب ِ
صَ فالذن ُْب فِ َذ َ
اك مَ ُْم ٌ َّ وال َت ُظ َّن َخ َفا َء ال َّن ْج ِم ِم ْن ِص َغ ِر
التعبدي ال يلزم
َّ ابن حلولو يف الضياء الالمع ناس ًبا لإلمام الفهريَّ :
أن ويذكر ُ
ُ
-69-
البدنية فإ ُّنه إ َّنام ُيعقل من رشعها معنى
َّ يل ،كالعبادات ٌ
تعليل بجزئي ،بل بك ٍّ فيه
ِ
اإليامن، ِ
بعقود ِ
العهد ويتضمن جتديدَ
ُ ِ
االنقياد، رشع ِ
العباد عىل ِ مرور
ُ ٌّ
كيل وهو
والنواهي ،وهو رس مداومة
ِ ِ
بمطاوعة األوام ِر ِ
واالنقياد ُّ
وحتققَ االستسال ِم
األوراد واألذكار .قال اهلل تعاىل :ﱫ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
كالم نفيس.
ﯱﱪ [العنكبوت ،]45 :وهو ٌ
الضالل» يف كالمه عن التعبد َّي ِ
ات ،عندما ِ «املنقذ ِمن
ُ يل يف ِ
كتابه وأشار إليه الغزا ّ
أربعا واملغرب
أربعا والعرص ً ِ
الصلوات ،فِ الظه ِر ً ِ
الركعات فِ قر َر َّ
أن عد َد َّ
ري إلَ ثال ًثا والعشاء ً
أربعا والفجر ركعتني؛ معنًى غري مدرك للناس .وكأنه يش ُ
النبوة».
ني َّ إن هذا ال ُيرى إ َّ
ال بع ِ ِ
واألوقات قائلًَّ : ِ
الركعات التناسب بنيَ ِ
عدد ِ
اخلفية.
َّ ِ
احلكمة ري إلَ
وهو يش ُ
فرق بني العاديات كام سامها والعبادات حيث يقول:
الشاطبي َّ
َّ إال َّ
أن
يستتب هذان الوجهان يف مجيع األحكام العاد َّية والعباد َّية
ُّ «فإن قيل :هل
أم ال؟
الزم يف العاد َّيات ،لظهور وجوه
املسببات ُ فإن الذي يظهر لبادئ الرأي َّ
أن قصد َّ َّ
معقولية املعنى؛ فهنالك
َّ مبني ٌة عىل عدم
املصالح فيها ،بخالف العبادات؛ فإهنا َّ
ِ
جنس ٌ
راجعة إىل ين املع َّل َل هبا
املسببات؛ ألن املعا َ
َّ عدم االلتفات إىل
تتب ُ
َي ْس ُّ
ري ظاهرة يف العباد َّيات، ِ
املفاسد ،وهي ظاهرة يف العاد ّيات ،وغ ُ املصالح فيها أو
ِ
معترب يف العاديات ،وال
ٌ املسببات والقصدُ إليها
فااللتفات إىل َّ
ُ وإذا كان كذلك؛
-70-
ِ
وااللتفات سيام يف املجتهد؛ فإن املجتهد إنام ي َّتسع ُ
جمال اجتهاده بإجراء العللِ
بنص أو املصالح إ َّ
ال ٍّ ِ إجراء األحكام عىل َو ِ
فق ُ يستقم له
ْ إليها ،ولوال ذلك مل
ُ
فيبطل القياس ،وذلك غري صحيح .فال بدَّ من االلتفات إىل املعاين التي إمجاع،
بات األحكام .
سب ُ ُ
رشعت هلا األحكام واملعاين هي ُم َّ
والرجوع
َ الغالب عليها َفقْدَ ظهور املعاين اخلاصة هبا،
ُ أما العباد َّيات ،فلام كان
أج َرى عىل مقصود الشارع فيها. ِ
االلتفات ْ إىل مقتىض النصوص فيها؛ كان ُ
ترك
املسببات؛ إال فيام
يلتفت إىل َّ
َ أن ال سواء يف َّ
أن ح َّقه ْ ُ واألمران بالنسبة إىل املق ِّلد
الترصفات الرشعية»(.)1
َّ كان من ُمدْ َركاته ومعلوماته العادية يف
املسببات والتفا ُته إليها ٌ
دليل عىل وقال الشاطبي« :فإن قيل :قصدُ الشارع إىل َّ
ِ
قصد ُ
مطابقة املراد بالتكليف إال
ُ فليس
َ ال ِ
القصد من املك َّلف ،و إ َّ ُ
مطلوبة أهنا
ُ
التكليف كام تبيَّ يف موضعه من يصح
ّ ِ
لقصد الشارع؛ إ ْذ لو خالفه مل املك َّل ِ
ف
للمسببات،
َّ ٍ
قاصد صح ،فإذا فرضنا هذا املك َّلف غ َ
ري هذا الكتاب ،فإذا طاب َقه َّ
ٍ
تكليف قد خالف وقد فرضناها مقصود ًة للشارع؛ كان بذلك خمال ًفا له ،وكل
القصدُ فيه قصدَ الشارع فباطل كام تبيَّ؛ فهذا كذلك»(.)2
ويقول الشاطبي« :والقاعد ُة املستمر ُة يف أمثال هذه التفرقة بني العبادات
تظهر
َ دون ْ
أن ِ
املنافاة َ واملعامالت :فام كان من العبادات ال ُيكتفى فيه بعد ِم
أن ُ
واألصل فيها ْ ِ
االلتفات إىل املعاين، التعبد َ
دون َ
األصل فيها ّ املالئمة؛ َّ
ألن
-71-
َ
فكذلك ما التعبدات؛
اخرتاع ُّ
ِ ِ
للعقول يف بإذن؛ إذ ال َ
جمال ال ُيقدَ م عليها إال ٍ
يتع َّلق هبا ِمن الرشوط .وما كان ِمن العاديات ُيكتفى فيه بعدم املنافاة؛ َّ
ألن
اإلذن ح َّتى َّ
يدل ُ التعبد ،واألصل فيها
االلتفات إىل املعاين دون ُّ
ُ َ
األصل فيها
الدَّ ُ
ليل عىل خالفه .واهلل أعلم»(.)1
وقال الشاطبي ً
أيضا« :حكمة التعبد العامة االنقياد ألوامر اهلل تعاىل وإفراده
باخلضوع ،والتعظيم جلالله والتوجه إليه»(.)2
وقد كان أبو حامد الغزايل رائدً ا يف مسألة الفرق بني التعبديات والعاديات يف
كتابيه «شفاء العليل» و»املنقذ من الضالل» حيث يقول عن مسألة االلتفات
إىل املعاين إن ذلك يف العاديات لغلبة التعليل وبالعكس من ذلك فإن التحكم
يف التعبديات هو الغالب .وهذه شذرات من «شفاء العليل»ْ :
فإن قيل من
ترصفات الرشع ما مل يعقل معناه ،ومل يطلع عليه ،فيحتمل أن يكون هذا
الترصف من مجلته؛ ويكون املناسب قد اقرتن به وفا ًقا غري مقصود.
-72-
إىل شعر األمة لقال الفقهاء :األمة يف معنى احلرة ،واملعنى املقتىض للتحريم:
خوف الفتنة ،ومها سيان.
وقال بغسل الثوب من بول الصبية ،وبرش املاء عىل بول الغالم ،ولو ذكر
أحدمها ،واقترص عليه ألحلق القائسون اجلانب اآلخر به.
إىل أمثال لذلك رضبوها وهو وارد عىل مجيع القائسني.
ووجه االنفصال؛ َّ
أن ذلك جيرى من ترصفات الرشع جمرى الشاذ النادر.
اتباع املعاين؛ والواقعة النادرة ال تقطع
ُ والغالب من عادته يف الترصفات
الغالب املستفاد من العادة املتكررة(.)1
وقال الغزايل أيضا :قلنا :ما يتعلق من األحكام بمصالح اخللق :املناكحات
واملعامالت واجلنايات والضامنات؛ وما عدا العبادات فالتحكم فيها نادر؛
وأما العبادات واملقدرات ،فالتحكامت فيها غالبة ،واتباع املعنى نادر.
ال جرم رأى الشافعي الكف عن القياس يف العبادات إال إذا ظهر املعنى ظهورا
ال يبقى معه ريب؛ ولذلك مل يقس عىل التكبري والتسيلم والفاحتة والركوع
والسجود غريها؛ بل مل يقس عىل املاء يف الطهارات غريه ،ومل يقس األبدال
والقيم يف الزكوات عىل املنصوصات ،ومل يقس يف مسألة األصناف .ومال يف
مجيع مسائلها إىل الكف عن القياس ورعاية االحتياط ،ألن مبنى العبادات عىل
االحتكامات ونعنى باالحتكام :ما خفي علينا وجه اللطف فيه؛ ألنا نعتقد أن
رسا وفيه نوع لطف
لتقدير الصبح بركعتني ،واملغرب بثالث والعرص بأربع ً
-1الغزايل ،شفاء العليل ،ص ،200حتقيق أمحد الكبيسى ،مطبعة اإلرشاد بغداد.
-73-
وصالح للخلق استأثر اهلل سبحانه وتعاىل بعلمه ،ومل نطلع عليه .فلم نستعمله
واتبعنا فيه املوارد».
قلت :وهذا ال ينايف وجود مقاصد للتعبديات وحكمً يف العباديات .كانت
ري كتب املقاصد ت َّتجه لبياهنا ،ككتاب احلكيم الرتمذي املتوىف سنة 320
بواك ُ
«الصالة ومقاصدها».
َّ
للخطايب ،وحماسن الرشيعة للق َّفال ِ
السنن ات بغريها ،كمعاملِ
وقد متتزج التعبد َّي ُ
الشايش .وقدْ َ
أخذ القايض أبو بكر بن العريب عىل الق َّفال ُّ
تعرضه للمقاصد يف
بالشيخ َّ
املعظم أيب بكر الشايش الق َّفال إىل ِ ُ
احلال انتهت
ْ العبادات قائال :ولقد
ِ
أبواب العبادات ،وصنف يف ذلك كتا ًبا أن ْ
يطرد ذلك مراعاة املقاصد ح َّتى يف ْ
حماسن الرشيعة(.)1
َ ريا أسامه
كب ً
«حجة اهللِ البالغة» برسد أمثلة
َّ الدهلوي كتابه
ُّ افتتح العالمة و ُّيل اهللِ
َ وقد
ِ
كالصالة كثرية من احلكم والغايات األخروية والدنيوية ،ملختلف الطاعات،
ٌ
مشتملة عىل ِ
الطاعات َ
تفاصيل هذه فإن َ
وكذلك َّ واحلج،
ِّ ِ
والزكاة والصو ِم
منثور يف خمتلف أبواب
ٌ ِ
واملقاصد فيض من ِ
احلكم ِ
تضاعيف هذا ٌ ِ
احلكم .ويف
ألن به املعرف َة ،وبروز اليدين
الفقه ،كقوله يف تعليل جواز ظهور وجه املرأةَّ :
ألنه هبام يبطش.
ري مع َّللة»؛ أهنا ليست معلل ًة
ولكن املعنى املرا َد من قوهلم «إن التعبديات غ ُ
ِ
التعبديات دون ُ
يدخل يف العادات َ القياس
َ قياسا يف الغالب ،وأن
تعليلً ُينتج ً
-74-
ِ
معقولة املعنَى ،مع اجلزم بوجود احلكمة. غ ِ
ري
لقد انبنى عىل نفي التعليل يف التعبدي نتيجتان:
النتيجة األوىل :امتناع القياس اجلزئي املستند إىل العلة.
ونحن هنا نستعمل هذا املصطلح يف مقابل االستصالح الذي هو نوع من
القياس الكيل.
وقيد االستناد إىل العلة حيرتز من قياس الشبه لدى من يقول به فهو جيرى يف
التعبديات كقيس الوضوء عىل التيمم يف وجوب النية دون أن يكون احلكم
معللً.
وهذه النتيجة األوىل مل يوافق عليها األحناف الذين قاسوا بتنقيح املناط
من خالل إلغاء الفارق بني األعيان التي نص عليها الشارع يف الكفارات
والزكوات وبني األبدال والقيم فسووا بينها يف اإلجزاء عن املكلف باعتبار َّ
أن
نفع الفقري هبذا القدر من املال هو مقصود الشارع الذي أناط احلكم به وقد نبه
الشاطبي عىل ذلك حيث يقول :وقد يمكن أن تراعى املعاين يف باب العبادات
وقد ظهر منه يشء فيجرى الباقي عليه وهي طريقة احلنفية.»...
أما النتيجة الثانية :فهي َّ
أن العبادات لكوهنا غري قابلة للتعليل فال يزاد فيها
وال ينقص كام أشار إليه الشاطبي يف كالمه املذكور آنفا :إذ ال جمال للعقول يف
وضوحا يف اجلزء الثالث وهو يفرق بني العبادات
ً اخرتاع التعبدات» .وقد زاده
والعاديات بإن األوىل ( فهم من قصده (الشارع) الوقوف عندما حد هنالك ال
الزيادة عليه وال النقصان» (.يراجع يف هذا الكتاب يف كالمه عن اجلهات التي
-75-
تعرف هبا املقاصد-
وقد اعترب الشاطبي َّ
أن كل زيادة بإطالق أو خمالفة يف هيئة أو مقدار يسمى
بدعة قبيحة -يراجع تعليقنا عليه.-
القضية الثالثة :التجاذب بني الكيل واجلزئي:
وهذه استشهادات من الشاطبي إذ يقول :وإذا كان كذلك ،وكانت اجلزئيات
وهي أصول الرشيعة؛ فام حتتها مستمدَّ ة من تلك األصول الكلية ،شأن
اجلزئيات مع كلياهتا يف كل نوع من أنواع املوجودات؛ فمن الواجب اعتبار
تلك اجلزئيات هبذه الكليات عند إجراء األدلة اخلاصة من الكتاب والسنة
واإلمجاع والقياس؛ إذ حمال أن تكون اجلزئيات مستغنية عن كلياهتا ،فمن أخذ
من َ
أخذ باجلزئي معرضا عن كليه فقد أخطأ .وكام َّ
أن ْ ً بنص مثلً يف جزئي
ً
معرضا عن جزئ ِّيه. ُم ً
عرضا عن كليه؛ فهو خمطئ ،كذلك من أخذ بالكيل
وبيان ذلك أن تل ِّق َي العلم الكيل إنام هو من َع ْرض اجلزئيات واستقرائها؛
ُ
وإ َّ
ال فالكيل من حيث هو كيل غري معلوم لنا قبل العلم باجلزئيات ،وألنه ليس
مضم ٌن يف اجلزئيات حسبام تقرر يف املعقوالت؛
َّ بموجود يف اخلارج ،وإنام هو
وقوف مع ٍ
يشء مل يتقرر العلم ٌ فإ ًذا الوقوف مع الكيل مع اإلعراض عن اجلزئي
واجلزئي هو مظهر العلم به.
ُّ به بعد دون العلم باجلزئي،
جزئيا؛ إال لكون الكيل فيه عىل التامم وبه قوامه،
ًّ ً
وأيضا؛ فإن اجلزئي مل يوضع
فاإلعراض عن اجلزئي من حيث هو جزئي إعراض عن الكيل نفسه يف احلقيقة،
وذلك تناقض ،وألن اإلعراض عن اجلزئي مجلة يؤدي إىل الشك يف الكيل
-76-
من جهة أن اإلعراض عنه إنام يكون عند خمالفته للكيل أو توهم املخالفة له،
وإذا خالف الكيل اجلزئي مع أنا إنام نأخذه من اجلزئي؛ َّ
دل عىل َّ
أن ذلك الكيل
مل يتحقق العلم به إلمكان أن يتضمن ذلك اجلزئي جز ًءا من الكيل مل يأخذه
املعترب جز ًءا منه ،وإذا أمكن هذا؛ مل يكن بدُّ من الرجوع إىل اجلزئي يف معرفة
أن الك َّ
يل ال يعترب بإطالقه دون اعتبار اجلزئي ،وهذا كله الكيلَّ ،
ودل ذلك عىل َّ
يؤكد لك أن املطلوب املحافظة عىل قصد الشارع؛ ألن الكيل إنام ترجع حقيقته
معا يف كل مسألة. إىل ذلك ،واجلزئي كذلك ً
أيضا؛ فال بد من اعتبارمها ً
فإذا ثبت باالستقراء قاعدة كلية ،ثم أتى النص عىل جزئي خيالف القاعدة بوجه
من وجوه املخالفة؛ فال بد من اجلمع يف النظر بينهام؛ ألن الشارع مل ينص عىل
ٌ
معلومة رضور ًة بعد ذلك اجلزئي إال مع احلفاظ عىل تلك القواعد؛ إذ ُ
كلية هذا
اإلحاطة بمقاصد الرشيعة؛ فال يمكن واحلالة هذه أن خترم القواعد بإلغاء ما
اعتربه الشارع ،وإذا ثبت هذا؛ مل يمكن أن يعترب الكيل ويلغى اجلزئي»(.)1
قرر هنا أمهي َة اجلزئي فإنه َي ُكر يف مكان آخر عىل هذه
لكن الشاطبي وهو ُي ُ
أمام الك ِّ
يل مُافظ ًة عىل َكم عىل ُ
اجلزئي بالتقهق ِر َ َ
النقض حيث ي ُ ِ
القاعدة بام ُيشبه
زئي؛
وأمر ُج ٌّ
يل ُ أمر ُك ٌّ
النظام قائلً :والقاعدة املقررة يف موضعها أنه إذا تعارض ٌ
زئي يقتيض مصلح ًة جزئية ،والك َّ
يل يقتيض مصلحة كلية، ألن ُ
اجل َّ ُ
فالكيل مقدَّ م َّ
نظام يف العامل بانخرام املصلحة اجلزئية ،بخالف ما إذا قدّ م اعتبار
وال ينخرم ُ
فإن املصلحة الكلية ينخرم نظام ك ِّليتها ،فمسألتنا كذلك؛ إ ْذ
املصلحة اجلزئية؛ َّ
-77-
أمر ٌّ
كيل ثابت عليه ،والرخصة إنام ٍ
مكلف ٌ قد ُعلم َّ
أن العزيمة بالنسبة إىل كل
الكالم فيه ال
َ مرشوعيتها ْ
أن تكون جزئية ،وحيث يتحقق املوجب ،وما فرضنا
كل صورة ُتفرض إال واملعارض ُ
الك ُّ
يل ينازعه؛ فال ُينجى من طلب يتحقق يف ِّ
يل وهو العزيمة(.)1 العهدة إال الرجوع إىل ُ
الك ّ اخلروج عن ُ
ويقول القرايف :ومن جعل خيرج الفروع باملناسبات اجلزئية دون القواعد الكلية
تناقضت عليه الفروع واختلفت وتزلزت خواطره فيها واضطربت وضاقت
نفسه لذلك وقنطت واحتاج إىل حفظ اجلزئيات التي ال تتناهى وانتهى العمر
ومل تقض نفسه من طلب مناها ،ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ
أكثر اجلزئيات الندراجها يف الكليات واحتد عنده ما تناقض عند غريه وتناسب
وأجاب الشاسع البعيد وتقارب(.)2
والقول الفصل يف هذا أنه ال الكيل يقدم بإطالق وال اجلزئي كذلك فقد يلمح
املجتهد يف اجلزئي معنى من املعاين ينخزل به عن كليه ويتقاعد به عن مدى
عمومه فيحكم له بحكم خيتلف عن حكم الكيل كام يف دليل االستحسان
وهو يف حقيقته استثناء جزئي من كيل ،ودليل سد الذرائع وهو يف أساسه
حكم عىل جزئي مراعاة ملئال أصبح بمنزلة الكيل فاجتاله عن كليه وهو أصل
اإلباحة مثال.
وتارة يكون اجلزئي عريا عن تلك املعاين فيتقوى الكيل فيستوعب اجلزئي
-78-
وهييمن عليه كام يف املصالح املرسلة وال ترجيح يف هذا إال ما يراه املجتهد يف
كل قضية وما يسربه يف كل مسألة من خالل األدلة األصولية التي هي أقرب
إىل الضبط وأحكم يف عملية الربط وإن كانت غري صارمة االنضباط مما أتاح
مساحة لالختالف يف األدلة احلاملة هلا.
والشاطبي رمحه اهلل تعاىل يف تقديم الكيل عىل اجلزئي يشري إىل أن تقديم اجلزئي
يؤدي إىل انخرام نظام العامل ،وأحسب أن يف كالمه رمحه اهلل شيئًا من املبالغة
إال إذا محل عيل الكليات العقلية التي يؤدي انخرامها إىل إختالل النظام،
وليس يف الكليات الرشعية الفرعية االجتهادية التي ال تتحد بلوازمها برصامة
وحسم بل قد تنفك عنها أحيانا كام هو معروف يف حمله وقد أشار هو يف مبحث
االستحسان باحلاجة إىل ما يوحي بذلك .واهلل أعلم.
-79-
املشهد الرابع
أصنـاف المقاصـد
ِ
املقاصد هي: شعب منتجة ِمن
ٍ ِ
بثالث َّ
إن األصولينيَ املقاصد ِّيني قد ُّ
اهتموا
الرضوري
ُّ ُ
الرشيعة ،وهي املقصدُ ترجع إليها
ُ ُ
العامة الكربى التي املقاصدُ
ري ٍ
عنوان كب ٍ عن استقرائي ُ
ينبثق ْ ٍّ تقسيم
ٍ حرصا؛ بنا ًء عىل
ً والتحسيني
ُّ واحلاجي
ُّ
املصالح يف األحكام
ِ مالحظة ِ
هذه ِ ِ
العباد» وعند ملصالح
ِ «أن الرشيع َة
هوَّ :
ُ
يتعلق األرجح
ُ املقياس
ُ ِ
ثالثة مقايِيس: ري إلَ َ
امليزان يش ُ أن َ
هذا وجدُ وا َّ
التتامت ،وهو
ُ التحسينيات أ ِو
ُ ثم
احلاجيات َّ
ُ ِ
جحان الر ِ
ويليه فِ ُّ ِ
بالرضورات،
الرشع ،ملحوظة ببصرية العقل.
ِ ِ
استقراء أحكا ِم ترتيب ِمن
ٌ
هذه هي الشعبة األوىل.
ٍ
بباب اخلاص َة
َّ اخلاص ُة و َتعني َ
تلك املقاصدَ َّ أما الشعبة الثانية فهي :املقاصدُ
-81-
منع الغر ِر
بالبيوع فِ ِ
ِ كتلك املتع ِّل ِ
قة َ جمال من جماالتِه، ِ
الفقه أو ٍ ِ
أبواب من
ِ
شئون انتظام
ُ هو
عام َ ٍ
مقصد ٍّ ترجع إىل
ُ ُ
احلقيقة ِ
وهذه فِ ِ
واجلهالة والر َبا،
الترصفات كام أرش َنا ِ
إليه ِ تلك ِ
واإلحسان ال ِّتي تنافِ َ ِ
العدل ِ
بقاعدة ِ
اخللق
ساب ًقا .
ريا
وتراحم ،والتي تناىف كث ً
ٍ ٍ
ومودة بالنكاح ِمن تناسلٍ
ِ ُ
املتعلقة َ
وكذلك املقاصدُ
املرأة عىل خالتها أو عمتها املشا ِر إىل حكمتِه
تزوج ِ ِ
الفاسدة ،كحرمة ُّ ِ
العقود من
ذلك قطع ُتم أرحا َمكم» .إ ْذ ِمن
إن فعل ُتم َ بقولِه ِ
عليه الصال ُة والسالمُ :
«إنكم ْ
النكاح وغ ِ
ريه. ِ وهو مقصدٌ ٌّ
عام فِ صلة األرحا ِم َ ِ
مقاصد النِّكاح ُ
حكم علَ
ٍ الشارع فِ ِّ
كل ِ وهي :مقصدُ ُ
اجلزئية َ أما الشعب ُة الثالث ُة ف ِهي :املقاصدُ
الصالة بأم ِرﱫ ﮛ ﮜ ﱪ [البقرة.]43 :ِ ِ
كقصده لفعلِ ٍ
حدة
أن ِ
هذه املقاصدَ َ
هي مقاصدُ ُ
البالغةَّ - ُ
واحلكمة -والعلم هللِ َّ
جل وعال ُ ويف رأينا
ِ
الطلب. ودرجات
ُ وترتيب األد َّلة
ُ ُ
استنباط األحكا ِم َّب عليها ٍ
ترشيعية يرتت ُ
كام يمكن أن تقسم تقسيمً باعتبار آخر لنقول :إن املقاصد تنقسم إىل كيل وهو
ما موضوعه كيل من حيث الصيغة أو املعنى يستغرق أفراده وآحاده إن كان
نكرة أو أجزاءه إن كان معر ًفا ويقابله اجلزئي ،وهو مقصد الشارع يف كل
حكم عىل حده.
وإىل عام وهو كالكيل إال أنه ال تعنينا فيه صيغة العموم بقدر ما هنتم بانتشاره
يف كل باب كمقصد العدل واالستخالف وغريمها من املقاصد ويقابله اخلاص
الذي قد يعنى خصوصه كونه يف باب واحد أو يف جمال معني أو يف قضية واحدة،
-82-
خاصا بالنسبة ملا
فالعموم واخلصوص نسبيان فقد يكون عا ًما بالنظر إىل ما حتته ً
فوقه حسب االجتاه الذي ينظر إليه ،فهو كالسلم أعاله املقصد وأسفل درجة
منه املقصد اجلزئي وما بينهام أن يكون كل ًيا أو عا ًما بالنسبة ملا حتته وجزئيا
بالنسبة ملا فوقه.
وتقسم من جهة أخرى إىل أصيل وتبعي أو تابع.
ُ
الباعثة هي املقصود ُة باألم ِر ابتدا ًء ،وبالنهي كذلك ،وهي أيضا ُ
العلة ُ
فاألصلية َ
عىل األمر أو النهي.
وسياجا ،كمنع
ً َ
وسائل ،وقد تكون محاي ًة لألصلية ُ
تكون ِ
الغالب قد ُ
والتابعة يف
ِ
لذريعة التشاغلِ عن اجلمعة. ِ
النداء سدً ا وقت
البيع َ
الشارع بِه ،كالتناسلِ الذي
ِ ِ
األول واهتام ِم ِ
املقصد ِ
أمهية تكون تابع ًة باعتبا ِر
ُ وقد
ُ
يلحق به من املودة والسكن والتمتع مع ما
للنكاح َ
ِ ِ
بالنسبة هو املقصدُ األول
بامل الزوجة واالعتزاز بحسبها ،فهذه تابعة.
ِ
اخللق واألم ِر ال تُصَ وال ُتستقصَ ،فمنها: وعال يف
جل َ َ
وهناك مقاصدُ للبا ِري َّ
ِ
اخللق ِ
كخلق الترشيع،
ِ ِ
مقاصد وهي أعلَ ِمن
َ املقاصدُ القدر َّي ُة أ ِو الكونية،
ِ
رسول ِ
أصحاب من
رجل ْ ِ
احلديث :مرض ٌ ني كام جا َء فِ ِ
لتحقيق مقتضَ القبضت ِ
يبكيك َيا أ َبا ِ
عبد اهللِ َ فبكىَ ،
فقيل له :ما فدخل ِ
عليه أصحا ُبه يعودو َنه َ َ ، اهللِ
-83-
املفهوم ِمن قولِه تعاىل:
ُ ني أ َنا»(َ .)1
وهو هلذه وال أبايل ،فال أد ِري فِ ِّ
أي القبضت ِ
ﱫ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫﭬ ﱪ [التغابن.]2 :
الرمحة كام يف ِ
قوله تعالَ :ﱫ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ِ ِ
لالختالف أ ِو وخلقهم
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﱪ [هود. ]119-118 :
فإن قيلَّ :
إن هذا ال َّتقدير ونبه الشاطبي إىل املقصد القدري التكويني بقولهْ :
ّ
مشري ملا ذهب إليه الفالسفة و َم ْن تبعهم ِم ْن َّ
أن الشَّ ليس بمقصود الفعل،
ريه ِّ
برشه؛ فاخلري هو ممتزجا خ ُ
ً وإنام املقصود اخلري ،فإذا خلق اهلل تعاىل خل ًقا
واقعا به؛ َّ
كالطبيب الذي ُخلق اخللق ألجله ،ومل خيلق ألجل ال ِّ
شَّ ،وإن كان ً
البشع املكروه ،فلم َيسقه إ َّياه ألجل ما
َ املر
عندهم إذا سقى املريض الدَّ واء ّ
والراحة ،وكذلك فيه من املرارة واألمر املكروه ،بل ألجل ما فيه من ِّ
الشفاء َّ
اإليالم بالفصد واحلجامة وقطع العضو املتأكل ،إنام قصده بذلك َج ْل ُب
ُ
املسببة
الراحة ودفع املضار؛ فكذلك عندهم مجيع ما يف الوجود من املفاسد َّ
َّ
الشارع -مع قصده الترشيع
َ قلتَّ :
إن عن أسباهبا ،فام تقدَّ م شبيه هبذا من حيث َ
ألجل املصلحة -ال يقصد وجه املفسدة ،مع أنَّا الزمة للمصلحة.
ري مشري إىل مذاهب املعتزلة القائلني َّ
بأن الشُّور واملفاسدَ غ ُ ٌ وهو ً
أيضا
وقوعها إنام هو عىل خالف اإلرادة ،تعاىل اهلل عن ذلك
َ وأن ِ
مقصودة الوقوعَّ ،
ريا.
علوا كب ً
ًّ
اخل ْل ِقي ال َّتكويني ،وليس كالمنا
كالم الفالسفة إنام هو يف القصد َ
أن َ فاجلواب َّ
-84-
ُ
الفرق بينهام يف موضعه من كالمنا يف ال َق ْصد ال َّترشيعي ،وقد تبيَّ
ُ فيه ،وإ َّنام
كتاب األوامر والنواهي.
أن الشَّيع َة وضعت ملصالح اخللق بإطالق حسبام تبيَّ يف موضعه،
ومعلوم َّ
ٍ
مقصود فيه ما ُيناقض ذلك، ٍ
مصلحة أو َد ْفع مفسدة؛ فغ ُ
ري فكل ما ش َُع َ
جل ْلب ُّ
واقعا يف الوجود؛ فبالقدرة القديمة وعن اإلرادة القديمة ،ال يعزب ْ
وإن كان ً
وحكم
ُ عن علم اهلل وقدرتِه وإرادتِه ٌ
يشء من ذلك كله يف األرض وال يف السامء،
واألمر والنهي
ُ وترتيب آخر عىل حسب ما وضعه،
ٌ نظر
أمر آخر ،له ٌ
الترشيع ٌ
ال يستلزمان إرادة الوقوع ،أو عدم الوقوع ،وإنام هذا ُ
قول املعتزلة ،وبطال ُنه
مذكور يف علم الكالم؛ فالقصد ال َّترشيعي يشء ،والقصد َ
اخل ْلقي يشء آخر،
ال مالزمة بينهام(.)1
املوسوم بالتعبد َّي ِ
ات، ُ وهو ِ
املصلحةَ ، ِ
معروفة ري ٌ
ترشيعية لكنها غ ُ ومقاصدُ
ِ
اخللق أرسار
َ أن ِ
اخللقﱫ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﱪ [األعراف ،]54 :فكمَ َّ صنو
فاألمر ُ
ُ
ُ
فالكون ٌ
ومتضامنة ٌ
متداخلة وهي
مجيعا تفصيلً َ َ
تدرك ً ال تُصَ وال ِ
وح َكمه َ
األوجه.
ُ أو ِمن ِ
بعض لإلنسان ِمن ِّ
كل الوجوه ْ ِ ٍ
وأرض ُخلق ٍ
ساموات من
[اجلاثية]13: قال تعالَ:ﱫ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎﱪ
ومستودع لإلنسان.
ٌ مستقر
ٌ ُ
واألرض ِ
احلياة، فالكون ُ
بيئة ُ
ِ
اإلنسان للمحافظة علَ ِ
بقاء ِ ٍ
بوظيفة يقوم
ُ كل عض ٍو ِ
فيه نفسه ُّ ُ
واإلنسان ُ
مسمىﱫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳﱪ
َّ ألجلٍ
-85-
ِ
للعبادة . [النحل ،] 78 :وهو ك ُّله ُخلق
كل ٍ
كائن مستقلٍ ؛ ال ُ
متكن مجلة ِمن اخلاليا ،وفِ ِّ
كل ٍ ٍ
خلية ويف ِّ فاحلكمة فِ ِّ
كل ُ
ُ
اإلحاطة بِا.
املقاصد كام أرشنا ِ
إليه:ﱫ ﯕ ﯖ ﯗ ِ حرص
ُ يمكن
ُ َ
فكذلك فِ عالَ األم ِر ال
ﯘ ﯙ ﯚ ﱪ [يوسف.]76 :
بلور إىل حدٍّ ما مع اجلويني ِ
الثالثة فقد َت َ ِ
للمقاصد ُ
تصنيف األصوليني أما
ُ
الثالثة ،الرضوري واحلاجي رد الشَّيع َة إىل مقاصد كربى هي املقاصدُ ُ
حيث َّ
تقاسيم العلل واألصول ُ
حيث قال: ِ ِ
مبحث والتحسيني يف
جلر ذلك رضور ًة ظاهرة ،فمستند البيع
الناس لو مل يتبادلوا ما بأيدهيم َّ
َ َّ
فإن
إ ًذا ٌ
آيل إىل الرضورة الراجعة إىل النوع واجلملة؛ ثم قد متهد يف الرشيعة أن
األصول إذا ثبتت قواعدها ،فال نظر إىل طلب حتقيق معناها يف آحاد النوع،ُ
-87-
الرواج َو َقدِّ ِم ال َق َّ
وي يف َّ لح ِ
ـاجي َب ْي ُنهمَ َما َي ْنت َِمي لِ َ
ام حو َله
وح َ
الشاطبي َ
ُّ أن املَنحى الذي َ
سلك ُه أن َن َ
ذكر َّ ِ
ناسب ْيكون من ا ُمل
ُ إال أ َّنه قدْ
إح َك َ
ام قبل -كان َم ْنحى َثر ًيا َ
أبرز ْ ُّ
والقرايف -من ُ والعز بن عبد السالم
ُّ الغزا ُّيل
وانضباط منظومتِها وشمولَا وانسجا َمها.
َ ووضوح ِح َك ِمها
َ ِ
الرشيعة أحكا ِم
ِ
والقصد الثانِ. ِ
األول ِ
القصد ٍ
وتابعة وإىل ٍ
أصلية ففرع املقاصدَ إلَ
َّ
وأطال الشاطبي رمحه اهلل تعاىل الن َف َ
س يف تأصيلِ املقاصد الثالثة وبيان َّ
أن
َ
أصول الرشيعة بالنسبة هلذه املقاصد ُتعترب جزئي ًة لقوة هذه املقاصد وشموهلا
واستعالئها وهيمنتها إذ ليس فوقها ُّ
كيل تنتهي إليه لك َّنه َيستدرك يف هناية
معا
عرضه للعالقة بني الكليات احلاكمة واجلزئيات إىل رضورة اعتبار االثنني ً
حيث يقول:
الثالث ِمن
ِ ِ
املراتب ِ
املحافظة عىل ِ
قصد ُ
الرشيعة عىل ِ
انبنت املسألة األوىل :لـمَّ
ِ
أبواب وكانت هذه الوجو ُه مبثوث ًة فِ
ْ ِ
والتحسينات، ِ
واحلاجيات ِ
الرضوريات
ِ
الرشيعة وأدلتها ،غري خمتصة بمحل دون حمل ،وال بباب دون باب ،وال بقاعدة
دون قاعدة؛ كان النظر الرشعي فيها ً
أيضا عا ًما ال خيتص بجزئية دون أخرى؛
إضافيا أم
ًّ جزئيا
ًّ ألهنا كليات تقيض عىل كل جزئي حتتها ،وسواء علينا أكان
حقيقيا؛ إذ ليس فوق هذه الكليات ٌّ
كيل تنتهي إليه ،بل هي أصول الرشيعة، ًّ
يفتقر إىل إثباهتا بقياس أو غريه؛ فهي
َ بعضها ح َّتى وقد َّمتت؛ فال ُّ
يصح أن يفقدَ ُ
ألن َ
اهلل تعاىل قال:ﱫ ﭻ ﭼ وخصوصا؛ َّ
ً الكافية يف مصالح اخللق عمو ًما
ﭽ ﭾ ﱪ [املائدة ،]3 :وقال:ﱫ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱪ [األنعام،]38 :
-88-
اجل َّاد ِة»( .)1وقوله« :ال ْيَ ِل ُك َعىل اهللِ إال َهالِ ُك»(.)2
ويف احلديثَ « :ت َرك ُت ُك ْم َعىل َ
-89-
والقو ِة
َّ ِ
واخلفاء ِ
اجلالء ٌ
متفاوتة يف ِ
املناسب مراتب
َ التنبيه عىل َّ
أن ُ وقدْ سبقَ
ِ
مناسبات األحكا ِم ظاهر ملَن َ
نظر فِ ٌ ِ
وعدمه ،وذلك ِ
القبول ِ
ورسعة ِ
والضعف
ِ
لعللها .واهلل سبحانه وتعاىل أعلم»(.)1
أن حفظ ا ُمل ِ
هجة ويوضح الشاطبي تفاوت مرتب املقاصد بقوله :وبيان ذلك َّ
فح ِّرمت النجاسات ً
حفظا للمروءات، مهم ُّ
كيل وحفظ املروءات مستحسن؛ ُ ُّ
وإجرا ًء ألهلها عىل حماسن العادات ،فإن دعت الضَّورة إىل إحياء املهجة
بتناول النجس؛ كان تناوله أوىل.
وكذلك أصل البيع رضوري ،ومنع َ
الغ َرر واجلهالة مكمل ،فلو اشرتط نفي
ْحسم باب البيع وكذلك اإلجارة رضورية أو حاجية ،واشرتاط
الغرر مجلة ال ن َ
حضور العوضني يف املعاوضات من باب التكميالت ،وملا كان ذلك ممكنًا
الس َلم ،وذلك يف
يف بيع األعيان من غري عرس؛ منع من بيع املعدوم إال يف َّ
باب املعاملة هبا،
اإلجارات ممتنع؛ فاشرتاط وجود املنافع فيها وحضورها يسدُّ َ
واإلجارة حمتاج إليها؛ فجازت(.)2
-90-
المقاصد الكبرى
-91-
أحدمها :أفعال ظاهرة بدنية ،والعلم هبذه هو الذي يسمى الفقه.
والقسم الثاين :أفعال نفسانية ،مثل الشكر والصرب ،وغري ذلك من األخالق
التي دعا إليها الرشع أو هنى عنها .والعلم هبذه هو الذي يسمى الزهد وعلوم
اآلخرة .وإىل هذا نحا أبو حامد يف كتابه.
وملا كان الناس قد ارضبوا عن هذا اجلنس وخاضوا يف اجلنس الثاين ،وكان
هذا اجلنس املك بالتقوى التي هي سبب السعادة ،سمى كتابه «إحياء علوم
الدين»(.)1
يل اهللِ الدهلوي :فاملقصود هو حتصيل صفة اإلحسان ،عىل وجه ال
وقول و ِّ
ُيفىض إىل إمهال االرتفاقات الالزمة ،وال إىل َغ ِ
مط حق من احلقوق.
ِ
التعميق يف الدين. باب
الترشيع أن ُيسدَّ ُ
ِ ِ
اجلليلة يف ِ
املقاصد فمن
وقولهَ :
الشاطبي بقوله :املسألة
ُّ ِ
االستخالف يف األرض الذي رشحه وهناك مقصدُ
الثانية :قصد الشارع من املكلف أن يكون قصدُ ه يف العمل مواف ًقا لقصده يف
من َو ْض ِع الش ِ
َّيعة؛ إذ قد مر أهنا موضوعة الترشيع ،والدليل عىل ذلك ظاهر ْ
واملطلوب من املكلف أن جيري عىل
ُ ملصالح العباد عىل اإلطالق والعموم،
َّ
وألن املكلف ُخلق الشارع،
ُ َ
خالف ما قصد ذلك يف أفعاله ،وأن ال َيقصد
لعبادة اهلل ،وذلك راجع إىل العمل عىل وفق القصد يف وضع الرشيعة -هذا
حمصول العبادة -فينال بذلك اجلزاء يف الدنيا واآلخرة.
ً
وأيضا فقد مر أن قصد الشارع املحافظة عىل الرضوريات وما رجع إليها من
-1ابن رشد ،فصل املقال :ص ،115حتقيق حممد عابد اجلابري ،مركز دراسات الوحدة العربية.
-92-
احلاجيات والتحسينيات ،وهو عني ما كلف به العبد؛ فال ُبد أن يكون مطلو ًبا
بالقصد إىل ذلك ،و إال مل يكن عاملً عىل املحافظة؛ ألن األعامل بالنيات،
وحقيقة ذلك أن يكون خليفة اهلل يف إقامة هذه املصالح بحسب طاقته ومقدار
وسعهُّ ،
وأقل ذلك خالفته عىل نفسه ،ثم عىل أهله ،ثم عىل كل من تعلقت له
ٌ
مسؤول به مصلحة ،ولذلك قال عليه الصالة والسالمُ »:ك ُّلكم را ٍع وك ُّلكم
عن َر ِع َّيته».
ويف القرآن الكريم:ﱫ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙﱪ
[احلديد.]7 :
وإليهيرجعقولهتعاىل:ﱫﭕﭖﭗﭘﭙﭚﱪ [البقرة،]30:وقولهﱫﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﱪ [األعراف ،]129 :ﱫﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ
ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖﱪ [األنعام.]165 :
ُ
والرجل را ٍع ري را ٍع
واخلالفة عامة وخاصة حسبام فرسها احلديث قال« :األم ُ
ٌ
مسؤول فك ّلكم را ٍع وكلكم ِ
وولده؛ ُ راعية عىل ِ
بيت ِ
زوجها ٌ عىل أهلِ ِ
بيته واملرأ ُة
عن ِ
رع َّيته».
وإنام أيت بأمثلة تبني أن احلكم كيل عام غري خمتص؛ فال يتخلف عنه فرد من
أفراد الوالية ،عامة كانت أو خاصة ،فإذا كان كذلك؛ فاملطلوب منه أن يكون
مقام من استخلفه ،يُري أحكامه ومقاصدَ ه جما ِرهيا وهذا ب ِّيـن.
()1
قائمً َ
بعضهم ،وهي ِ
عبارة ِ ُ
ووسائل الوسائلِ علَ حدِّ ِ
املقاصد وهناك مقاصدُ
-93-
ٌ
عبارة مل يفرسها.
أتصو ُره َّ
أن املقصدَ األدنى خيدم املقصد األعىل ويرمى إىل حتقيقه، ُّ والذي
كتحريم املزابنة والغرر ،فهو مقصد يف البيوع يرمى إىل حتقيق مقصد أعىل
هو العدل.
ِ
اجلمعة ،وترك البيع ِ
صالة ٌ
وسيلة حلضو ِر السعي
َ فإن ُ
وسائل الوسائلِ َّ : أما
وسيلة لتحصيل السعي.
حكم
ِ بأكثر ِمن دليلٍ يف
َ قطعية ٍ
ثابتة ٍ نقرر وجو َد مقاصدَ ك َ
ربى فيمكن ْ
أن ِّ ُ وهلذا
كل ٍ
باب تنترش فِ ِّ
ُ ٍ
عامة ِ
كثبوت العللِ ،ومقاصدَ ٍ
ثانوية ثبوتُا التوا ُتر ،ومقاصدَ
ختص با ًبا واحدً ا ،أو طائف ًة من أحكا ِم ٍ
خاصة ُ ِ
الرشيعة ،ومقاصدَ ِ
أبواب ِمن
ِ
أحد األبواب.
ِ
املعامالت مقصود فِ
ٌ أمر ِ
واجلهالة ٌ فمنع الغر ِر
ومقاصد جزئية يف كل أمر وهنيُ ،
ابن
ذكر ُ ِ
منهيات البيع .وقد َ ِ
أحاديث ري ِمن ِ
استقراء كث ٍ البيوع ِمن
ِ وبخاصة يف
منهيا عنها بال َّنص يف كتابه «القبس رشح موطإ مالك يب سبع ًة وثالثنيَ ً
بيعا ًّ العر ِّ
بن أنس»(.)1
ِ
بحديث« :أينقص ِ
عليه ِ
املدلول بيع الثام ِر ِ
املزابنة فِ ِ ملنع
الشارع ِ
ِ أما قصدُ
ِ
املكيالت بطائفة ِمن املسائلِ ،أغل ُبها يف
ٍ خاص
ٌّ الرطب إذا يبس؟»( ،)2فهو
واملوزونات.
-1القبس .792/2
-2سبق خترجيه.
-94-
يتنزل منزل َة ِ
واجلهالة َّ من الغر ِر
قسم َ ِ
بجنسه ،وهو ٌ ِ
احليوان بيع
وقد تكون يف ِ
أن اجلزئي ِمن الكلِّ كذلك ،والنهي عن بيع حبل احلبلة هو مقصد جزئي؛ إ َّ
ال َّ ِّ
ِ
واملعاملة أساس التعاملِ
َ الناسِ ،
الذي يم ِّثل ِ ِ
العدل بنيَ هو ُ
إقامة املقصدَ األعىل َ
احلكم،ﱫ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﱪ
ِ ِ
احلياة ونظا ِم ِ
وللعقود ولنظا ِم ِ
للسلوك
[النحل ،]90 :ﱫ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﱪ [النساء،]58 :
ﱫﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﱪ
[املائدة.]8 :
كل ٍ
جمال ما ِّ
يوضحه ،ففي املعامالت:ﱫ ﮔ ﮕ ﮖ ﱪ ويظهر فِ ِّ
ُ
[الرمحن ،]9 :وهو العدل:ﱫ ﰋ ﰌ ﰍ ﱪ [الشعراء.]182 :
وتسلسلها وترا ُتبها يف س َّلم
ُ ِ
املقاصد وترا ُب ُطها وتضامنُها وهبذا ي ِّتضح توالدُ
َ
وهناك واألخص.
ِّ اخلاص
ِّ العام واألعم وبني
ِّ تتدر ُج بنيَ ِ
واخلصوصَّ ، العمو ِم
ِ
املقاصد ومقاصدُ الوسائل. ً
أيضا مقاصدُ
قد يكون من املناسب أن نضيف هنا قضيتني هلام تأثريمها يف تصنيف املقاصد
الترشيعية املنتجة ومها:
أولً :معيار االنتامء إىل املقصد الرضوري.
ثان ًيا :تذبذب االنتامء لبعض القضايا بينه وبني احلاجي.
أولً :معيار االنتامء املقصد الرضوري ،لقد اضطربت أقوال العلامء يف هذه
املسألة فأحيانا يعللون الكليات اخلمس بأن الشارع وضع هلا احلدود وأحيانا
-95-
يعللوهنا بكوهنا علمت من الدين بالرضورة كام أشار إليه الشوكاين.
وهنا تدخل الواجبات واجلائزات واملنهيات التي علمت من الدين رضورة.
وأحيانا ألهنا رضورة ملصالح العباد وانتظام املجتمع كام أشار إليه الطويف
وغريه.
وهو رضوري لقوة املصلحة املستجلبة كام يشري العز بن عبدالسالم :طلب
الرشع لتحصيل أعىل الطاعات كطلبه لتحصيل أدناها يف احلد واحلقيقة كام أن
طلبه لدفع أعظم املعايص كطلبه لدفع أدناها إذ ال تفاوت بني طلب وطلب،
وإنام التفاوت بني املطلوبات من جلب املصالح ودرء املفاسد»(.)1
وهذا جيعل األمر غري حمصور واملجال غري مغلق أمام ما قد يظهر أنه رضورة
حاقة يضطر الناس إليها مما جعل بعض املقاصديني املعارصين يضيفون احلرية
واملساواة وغريمها.
ثان ًيا :تذبذب االنتامء لبعض القضايا بني الرضوري واحلاجي.
لقد نشأ عن هذا االضطراب يف حرص وحتديد الرضورات ثالثة أمور أوهلا:
اختالفهم يف موقع بعض القضايا هل هي من باب الرضورات أو احلاجات
كالبيع واإلجارة والنكاح وهذه النصوص جتىل ذلك فالسبكي يف «مجع
اجلوامع» يقول إن البيع من احلاجي ،وكذلك الفهري يرى أن البيع حاجي إال
أنه انتهى إىل أن رشعية أصل البيع من الرضوريات فإنه ال يمكن بقاء احلياة
بدون األقوات يف الغالب وال يتوصل إليه إال باملعاوضات واختار األبياري
-96-
أن اإلجارة والبيع من قبيل الرضوريات وقال إمام احلرمني البيع رضوري
بخالف اإلجارة وجعل الفهري النكاح من احلاجيات وظاهر كالم األبياري
أنه من الرضوريات ألنه رشع لتحصني النفوس(.)1
واستشكل العبادي يف «اآليات البـينات» جعل حفظ املال من الرضوري
والبيع من احلاجي مع أن رضورية املال إنام هي لتوقف البنية عليه وحينئذ فأي
فرق بني املال الذي يف يده واملال الذي يراد حتصيله بالبيع ومل كان حفظ األول
رضور ًيا دون الثاين مع التوقف عىل كل منهام».
()2
-97-
فإن أفىض إىل ذلك وجب اإلعراض عن التتمة حتصيال لألمر املهم فوجب
املساحمة يف األغرار التي ال انفكاك عنها مع يسارة ما يفوت ،وبني اليسري
والكثري فروع جتاذب العلامء النظر فيها فمن مائل إىل جانب العفو ومن مائل
إىل جانب املنع(.)1
قلت :ونفي الغرر يدخل فيام سامه اإلمام الطاهر بالوضوح.
األمر الثالث :اعرتاف بعضهم بعدم انحصار الرضوري وتداخل املقاصد قال
يف نرش البنود :قد يكون احلاجي يف األصل رضور ًيا كاإلجارة لرتبية الطفل
وهبذا يعلم عدم انحصار الرضوري يف املذكورات(.)2
ويف النهاية فأنا أرى -واهلل سبحانه وتعاىل أعلم وأحكم -أن الكيل الرضوري
أو احلاجي ال ينبغي حرصمها بالعد اكتفاء بتسويرها باحلد وهو حد ال يضع
حاجزا لقبـ ًيا وإنام يضع عالمات تؤرش إىل وزن املصلحة ووزن الدليل وحالة
ً
املجتمع وظروفه ليكون التواصل بني منظومتي الرضوري واحلاجي منسا ًبا
ليس باملعنى الذي قرره أبو املقاصد األستاذ أبو إسحاق الشاطبي وفطن له
وهو أن الرضوري ال يستغني عن احلاجي ألنه بمنزلة املكمل له فقد خيتل
الرضوري باختالل احلاجي وكذلك احلاجي مع التحسيني(.)3
-1الضياء الالمع ،36/3الطبعة احلجرية.
-2نرش البنود .181/2
-3قال الشاطبي :إذا ثبت أن التحسيني خيدم احلاجي ،وأن احلاجي خيدم الرضوري؛ فإن الضرَّ وري هو املطلوب.
فهذه مطالب مخسة ال بد من بياهنا:
الضوري أصل ملا سواه من احلاجي والتكمييل. أحدها :أن رَّ
والثاين :أن اختالل الرضوري يلزم منه اختالل الباقيني بإطالق.
والثالث :أنه ال يلزم من اختالل الباقيني بإطالق اختالل الرضوري بإطالق.
-98-
فهي عنده كاللبنات املتساندة ولكن بمعنى آخر وهو أن مفردات الكيل احلاجي
ليست مستقرة يف أسفل السلم ولكنها توجد يف الكيل الرضوري متامهية مع
مضمونه ومفاهيمه لكن بعض مضامينها قد يصبح حاج ًيا طب ًقا مليزان املصلحة
ووزن الدليل.
فال غنى ألحدمها عن اآلخر فوضع احلدود عالمة والوعد والوعيد عالمة
وقوة املصلحة املستجلبة واملفسدة املستدفعة عالمة وقوة الدليل وكلها تتضامن
يف تشكيل صورة الرضوري وجتميع جزئياته.
وطب ًقا هلذا املفهوم اجلديد القديم فالبيع مثال هو رضوري حاجي فلو راجعنا
النصوص الرشعية لوجدنا أن البيوع املتعلقة بالطعام قد أحاطها الشارع بقيود
ورشوط من التقابض واإلعالن والرتويج ومنع االحتكار مل حيط به غريها كام
قرص املالكية منع البيع قبل القبض عىل الطعام دون غريه مما جعل خليال يف
التوضيح يقول إهنا تعبدية ،والقرايف يقول لرشف الطعام.
ٍ
بوجه ما. والرابع :أنه قد يلزم من اختالل التحسيني بإطالق أو احلاجي بإطالق اختالل الرضوري
واخلامس :أنه ينبغي املحافظة عىل احلاجي وعىل ال َّتحسيني للرضوري.
مبنية عىل املحافظة عىل األمور اخلمسة املذكورة فيام تقدَّ م ،فإذا اعترب قيام هذا الوجود بيان األول َّ
أن مصالح الدِّ ين َّ
َّ
مبنيا عليها ،حتى إذا انخرمت مل يبق للدُّ نيا وجود -أعني :ما هو خاص باملكلفني وال َّتكليف -وكذلك الدُّ نيوي ًّ
األمور األخروية ال قيام هلا إال بذلك.
ُّب اجلزاء املرتجَ ى ،ولو ُع ِد َم َ
املك َّلف ُلع ِد َم من َيتَدَّ ين ،ولو ُعدم العقل الرتفع التد ُّين ،ولو فلو ُعدم الدِّ ين عدم ترت ُ
ُعدم النَّسل مل يكن يف العادة بقاء ،ولو ُعدم املال مل يبق عيش وأعني باملال ما= =يقع عليه امللك ويستبد به املالك
عن غريه إذا أخذه من وجهه ،ويستوي يف ذلك املطعم والرشاب واللباس عىل اختالفها ،وما يؤدي إليها من مجيع
زاد
وأنا ُاملتموالت؛ فلو ارتفع ذلك مل يكن بقاء ،وهذا كله معلوم ال يرتاب فيه من عرف ترتيب أحوال الدنيا ،هَّ
لآلخرة»() .املوافقات 31/2
قلت :وحتليل الشاطبي غري مسبوق دندن حوله القرايف يف النفائس والغزايل يف الشفاء ومل ينعام لوكه وتطرق إليه
الطويف يف املناسب دون استيفاء).
-99-
فال يمكن واحلال هذه إال أن نقول إنه من باب الرضوري إذا قابلناه ببيع
أدوات التجميل والرتفيه التي تغزو أسواق اجلياع والتي هي يف أحسن
ً
جوازا وهو املقصد الذي يقع فيه منع بيع أحواهلا تقع يف املقصد التحسيني
النجاسات واجليف وغريها من حمرمات األعيان ماعدا اخلمر فإن منع بيعها
ملحق بمقصد العقل وهو رضوري سدًّ ا للذريعة «إن الذي حرم رشهبا حرم
بيعها» كام يف احلديث الصحيح.
وكذلك منع بيع الصنم سدا لذريعة العبادة فهو ملحق بحفظ الدين.
مقصورا عىل جهة احلفظ من االعتداء عليه
ً وبام تقدم ال يكون حفظ املال
مقصورا عىل منع االعتداء عىل البضع
ً بانتزاعه من يد مالكه وال حفظ النسب
ترجيحا ألحد شقي القاعدة
ً الذي هو من الرضوري بل يدخل فيه النكاح
التي ذكرها املقري وغريه ونظمها الزقاق بقوله:
إعـفـاف والـــد عـليـه يفقـه هل النكـاح قوت أو تفكـه
دعـوى وبتـة بعـتـق يفـرض تأمـــل األم وهل تبعــض
قال يف نرش البنود :واختلف أهل مذهبنا هل النكاح من باب احلاجيات بناء
عىل أنه تفكه أو من الرضوري بناء عىل أنه من باب األقوات ووجه كونه من
الرضوري أنه رشع لتحصني النفوس».
احتياجا شديدا
ً فالذي نختاره أن النكاح قد يكون يف مرتبة الرضوري ملحتاجه
وقد يكون يف مرتبة احلاجي للمحتاج الذي ال خياف العنت.
وتصري الوقيعة يف العرض يف مرتبة الرضوري إذا تعلق باألنساب وبعضه
-100-
ً
معرتضا عىل تسوية اآلخر يف مرتبة احلاجي وهو رأي لبعض األصوليني
السبكي للعرض باملال قائال :إن حفظ العرض قد يكون صيانة لألنساب عن
تطرق الشك فيكون أعىل من املال ومنه ما هو دون ذلك.
فتتواصل املنظومتان دون تقيد باأللقاب بل بالنظر لرجحانية املصالح يف ضوء
الدليل والقرائن احلافة.
وقد انتبه األصوليون لذلك يف النفقة حيث قرروا أن الوصف الواحد قد يكون
رضور ًيا حاج ًيا لكن بنسب وإضافات كالنفقة فإهنا عىل النفس رضورية وعىل
الزوجة حاجية كام البن حلولو ،وأضاف الطويف وعىل األقارب تتمة.
خالصة القول :إن العالقة بني منظومات املقاصد الثالثة ال ينبغي أن تكون
تكاملية كام وصل إليه الشاطبي وكام رسمه ابن حلولو يف الضياء الالمع
بقوله :واعلم أن احلاجيات والتحسينيات كالتتمة للرضوريات والتحسينات
كاملكملة للحاجيات فإن الرضوريات هي أصول املصالح وكل تكملة فلها
من حيث هي تكملة رشط وهي أن ال يعود اعتبارها عىل األصل باإلبطال فإنه
متى عادت عليه باالعتبار سقط االعتبار(.)1
بل الذي نقوله هو أن العالقة اندماجية ونتفق مع أستاذ املقاصد الرشيف
أمحد الريسوين يف َّ
أن أصل هذا احلرص اجتهادي وبالتايل فهو مفتوح لإلضافة
مع االعرتاف مع األستاذ أيب إسحاق يف قواعده أن الكليات اخلمس :الدين
-101-
والنفس والعقل والنسل واملال( ،)1هي أصل املصالح وهلذا فستظل العناوين
الرئيسية َّ
ألن كل املقاصد األخرى سواء كانت من مقاصد الشارع أو مقاصد
املكلفني غري منافية هلا ستبقى راجعة إليها إما بالتبع أو األيلولة ،فمجمل
الكبائر وكبريات الفضائل سواء كانت مرجعيتها الفر َد أو موضوعها اجلامع َة
ال بد ْ
أن تالحظ هذه الكليات بشكل من األشكال أو رضب من الرضوب،
وإن كانت كلمة «حفظ» التي أطلقها األولون عنوا ًنا للمقصد تشري إىل نوع
من احلرص فلو أزيلت ليكون املقصد مثال :الدين والنفس واملال ..إىل آخره
لزال االعرتاض وحصل املطلوب.
وعىل كل حال فمن أراد أن يتعرف إىل املقاصد يف كل جزئية فام عليه إال أن
يرجع إىل ميزان النصوص ورضورات الناس وحاجاهتم ليثبت املرتبة.
-1هذا احلرص اعرتض عليه فيلسوف اإلسالم املعارص طه عبدالرمحن بقوله :غري أن هذا احلرص ُيعرتض عليه من
جهتني :من جهة جعل املصالح مخسة أجناس ،ومن جهة اختصاص املصالح الرضورية هبذه األجناس اخلمسة.
ال يمكن التسليم بانحصار الرضوريات يف مخسة أجناس ،ألن ذلك خيل بالرشوط املنطقية واملنهجية املطلوبة يف
التقسيم ،فال يستويف رشط متام احلرص ،إذ ال يمنع من دخول عنارص أخرى فيه ،فقد أدخل بعضهم «العرض»
و»العدل» ،وال يقوم برشط التباين ،فالعنرص الواحد من هذه العنارص ليس مباين ًا ملا عداه من العنارص األخرى،
مثل حفظ النفس وحفظ العقل؛ كام ال يستويف رشط التخصيص ،فليس كل عنرص من هذه العنارص أخص من
األصل املحصور الذي هو الرشيعة ،فالدين الذي اعترب عنرصا هو كذلك مساو للرشيعة(.جتديد املنهج يف تقويم
الرتاث ص)111
-102-
املشهد اخلامس
احلكم َّ
بأن مقصد الشارع من أمر أو هني ِ يتوص ُل هبا إلَ ونعنِي ِ
به الكيفي َة ال ِّتي َّ
أو أي خطاب فيه إخبار أو فعل املعصوم أو تقريره.
الشاطبي منها ألربع جهات ،حيث قال« :يف الضابط الذي به
ُّ تعرض
وقد َّ
يعرف مقصدَ الشارع؛ فنقول ،وباهلل التوفيق :إنه ُيعرف من جهات:
معلوم أ َّنه إ َّنام َ
كان ٌ األمر
َ فإن االبتدائي الترص ِ
حي ِّيَّ ، ِّ والنهي
ِ جمرد األم ِر
إحداهاُ :
مقصود للشارع،
ٌ ِ
وجود األم ِر بِه فوقوع الفعلِ عندَ
ُ َ
الفعل؛ أمرا القتضائِه
ً
وكذلك النهي معلوم أنه مقتض لنفي الفعل أو الكف عنه؛ فعدم وقوعه
ٌ
خمالف مقصود له ،وإيقاعه خمالف ملقصوده ،كام َّ
أن عدم إيقاع املأمور به ٌ
ملقصوده.
-103-
والنهي ِمن غ ِ
ري نظ ٍر إلَ ع َّل ٍة ،وملَن ِ عام ملَن اعت َ
رب جمر َد األم ِر ظاهر ٌّ
ٌ وجه
فهذا ٌ
واملصالح ،وهو األصل الرشعي.
َ َ
العلل رب
اعت َ
حتر ًزا من األمر أو النهي الذي ُقصد به غريه ؛ كقوله
وإنام قيدَّ باالبتدائي ُّ
البيع
ِ عن
النهي ْ
َ تعاىل:ﱫ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﱪ [اجلمعةَّ ،]9:
فإن
ِ
بالقصد ِ
املقصود النهي
ِ بالسعي؛ فهو ِمن
ِ ً
مبتدأ ،بل هو تأكيدٌ لألم ِر ليس هن ًيا
َ
األول ،كام هني عن الربا والزِّ نى مثلً، ِ
بالقصد َّ عنه
منهيا ُ
ليس ًّ
فالبيع َ
ٌ الثانِ،
ِ
قصد هم هذا؛ ِ
ففي َف ِ االشتغال بِه ،و َما شأ ُنه َ
ِ عي عندَ
الس ِ ْ
بل ألجلِ تعطيلِ َّ
ِ
املرتمجة بالصالة ِ
املسألة واختالف ،منشؤُ ه ِمن أصلِ
ٌ نظر الشارع ِمن َّ
جمرده ٌ ِ
يف الدار املغصوبة.
بمرصح بِه؛
َّ ليس حتر ًزا ِمن األم ِر أ ِو ال َّنهي الضمنِي ِ
الذي َ وإنام َّقيد بالترص ِ
حي ِّي ُّ
النهي
ُ تضمنَه
الذي َّ األمر ،واألم ِر ِ
ُ تضمنه
الذي َّ به ِ
أضداد املأمو ِر ِ
ِ عن
كال َّنهي ْ
ِ
بالقصد ِ
بالقصد الثانِ ال فهام إن َ
قيل هبام؛ ُ واألمر ها ُهنا ْ
َ هي
فإن ال َّن َ ِ
اليشءَّ ، ِ
عن
املرص ِح بِه ْ .
فإن َّ النهي
ِ ِ
التأكيد لألم ِر أ ِو األول؛ إ ْذ جمرامها عندَ القائلِ هبمَ َ
جمرى َّ
املأمور إ َّ
ال ُ يتم
األمر بام ال ُّ
ُ َ
وكذلك ِ
القصد . أوضح فِ عد ِم
ُ فاألمر
ُ في؛ ِق َ
يل بال َّن ِ
هي فِ َ
هذا ُ
فداللة األم ِر وال َّن ِ املذكور يف مسألة «ما ال يتم الواجب إال به»؛
ُ ِ
به
األمر
ُ َ
ولذلك ُق ِّيد نحن ِفيه،
متنازع ِفيهَ ،فليس داخلً فيام ُ
ٌ الشارع
ِ ِ
مقصود عىل
والنهي بالترص ِ
حيي. ُ
عن َ
هذا أمر هبذا الفعل؟ وملاذا نَى ْ
والنهي ،وملاذا َ
ِ والثانية :اعتبار عللِ األم ِر
َ
اآلخر؟
-104-
وجدت
ْ ُ
فحيث تكون معلوم ًة أو ال :فإن كانت معلوم ًة اتُّبعت،
َ والع َّلة َّإما ْ
أن
ِ
ملصلحة التناسلِ ، كالنكاح
ِ القصد أو ِ
عدمه؛ ِ والنهي ِمن
ِ وجد مقتىض األم ِر
ِ
ملصلحة االزدجا ِر. ِ
واحلدود باملعقود ِ
عليه، ِ االنتفاع
ِ ِ
ملصلحة والبيع
ِ
لم َّ
أن نت ُع َ
تعي ْ ِ
الفقه ،فإ َذا َّ ِ
أصول ِ
املعلومة يف العلة هنا بمسالِكها
ُ و ُت ُ
عرف
التسبب أو
ُّ أو ِ
عدمه ،ومن العلل ِمن الفعلِ ْ
ُ الشارع ما اقتض ْته َ
تلك ِ مقصو َد
الشارع أ َّنه
ِ القطع علَ
ِ معلومة؛ فال بدَّ ِمن التو ُّقف ِ
عن ٍ ري
كانت غ َ
ْ وإن ِ
عدمهْ ،
من النظ ِر: ِ
وجهان َ َ
التوقف هنَا ُله ال َّ
أن كذا َ
وكذا؛ إ َّ قصدَ َ
ِ
السبب املعيَّ؛ احلكم املعيَّ أو
ِ ذلك املنصوص ِ
عليه فِ َ ُ أحدمهاْ :
أن ال يتعدَّ ى
ٌ
وضالل عىل غ ِ
ري سبيلٍ ،وال حتك ٌم من غ ِ
ري دليل، ِ
بالعلة ُّ َّ
ألن التعدِّ ي مع اجلهلِ
الشارع
َ نعلم َّ
أن ونحن ال ُ
ُ عمرو، احلكم علَ ٍ
زيد بمَ ُوضع حكمً علَ ْ ُ يصح
ُّ
َ
يكون ُحكمً أن َ
ال أمكن ْ
َ نعلم َ
ذلك أو َ
ال؛ أل َّنا إ َذا ْمل ْ زيد ْ احلكم ِ
به علَ ٍ َ قصدَ
الشارع؛ فالتو ُّق ُف هنَا لعد ِم الدَّ ليل.
ِ ِ
خمالفة ُ
فنكون قد أقدمنَا عىل عليه،
رشعا ْ
أن ال ُيتعدَّ ى هبا حمالُّا ح َّتى ِ
املوضوعة ً َ
األصل فَ األحكا ِم والثاينَّ :
أن
عدم نصبِه دليلً عىل التعدِّ ي ٌ
دليل ألن َ َ
لذلك ال َّتعدي؛ َّ الشارع
ِ ُي َ
عرف قصدُ
ووضع
َ ِ
عليه دليلً لنصب
َ متعد ًيا
الشارع ِّ
ِ عىل عد ِم التعدِّ ي؛ إ ْذ لو كان عندَ
فلم توجدْ ُله
حمل احلكم؛ ْ ٌ
معروفة ،وقد ُخبِ هبا ُّ ِ
العلة ُ
ومسالك ً
مسلكا، ُله
ري املنصوص ِ
عليه غ ُ ِ فصح َّ
أن التعدِّ َي لغ ِ
ري َّ مسلك ِمن املسالِك؛
ٌ ٌ
علة يشهدُ هلا
للشارع.
ِ ٍ
مقصود
ف ِمن
األو َل يقتضِ التو َّق َ
أن َّ ِ
املوضع؛ إ َّ
ال َّ مها م َّت ِج ٌه يف ِ
املسلكان كال ُ ِ
فهذان
-105-
مراد؛ فيب َقى َ
إمكان أ َّنه ٌ هذا ري ٍ
مراد ،ويقتضِ َ َ
املفروض غ ُ ري جز ٍم َّ
بأن ال َّتعدِّ َي غ ِ
ويمكن ْ
أن ُ الشارع،
ِ َ
يكون مقصو َد يمكن ْ
أن ُ الناظر باح ًثا ح َّتى جيدَ خم َل ًصا؛ إ ْذ
ُ
مراد؛ فينبنِي ِ
عليه ري ٍ ِ
القضية بأ َّنه غ ُ جزم َ
يكون مقصو ًدا له ،والثاين يقتضِ َ َ
ال
ٍ
مقصود َله ،إ ْذ لو ري وحيكم ِ
به علمً أو ظنًا بأنه غ ُ ُ نفي ال َّتعدِّ ي من غري تو ُّق ٍ
ف، ُ
ٍ
مقصودْ ،
فإن دل علَ أ َّنه غ ُ
ري لنصب ِ
عليه دليلً ،وملّا ْمل نجدْ َ
ذلك َّ َ َ
كان مقصو ًدا
احلكم ،ثم
ِ جيزم القضي َة يف ِ
كاملجتهد ُ رجع ِ
إليه، ِ
املعتقد َ َ
خالف أ َتى ما ِّ
يوضح
ُ
ينسخ جز َمه إىل خالفه. َّ
يطلع بعدُ عىل دليلٍ
واآلخر
َ ف، ألن أحدَ مها يقتضِ التو ُّق َ ِ
مسلكان متعارضان؛ َّ فإن َ
قيل :فهام ْ
تدافعا أحكا َمهام؛ فال يب َقى إ َّ
ال َ اجتمعا
َ سواء ،فإذا
ٌ ِ
يقتضيه ،ومها فِ النظ ِر ال
معا؟
جهان ً َ
فكيف ي َّت َ التو ُّق ُف وحدَ ه؛
ُ
التوقف فيجب
ُ بعض املسائِل؛
ِ ِ
املجتهد فِ ِ
يتعارضان عندَ فاجلواب أنَّام قدْ
ُ
ِ
املجتهد علَ احلكم عندَ
ُ فيتفرع
َّ اآلخر، ني ْمل َّ
يرتجح أحدُ مها علَ َ ألنَّام كدليل ِ
ٍ
واحد ٍ
جمتهد ِ
بحسب جمتهدَ ين ْ
أو ِ
يتعارضان ِ
تعارض الدليلني ،وقدْ ال ِ
مسألة
النفي
ِ ُ
ومسلك ُ
مسلك التو ُّقف فِ مسألة، فيقوى عندَ ه
أو مسألتَني؛ َ فِ وقت ِ
ني ْ
ِ
اإلطالق. َ
تعارض علَ أخرى؛ فال ٍ
مسألة َ فِ
ِ
والعادات ،وأ َّنه ِ
العبادات الشارع التفرق َة بنيَ
ِ ِ
مقصد وأيضا فقدْ علمنَا ِمن
ً
ِ
االلتفات إلَ ُ
جهة ِ
العادات التعبد ،ويف ِ
باب ُّ ُ
جهة ِ
العبادات غلب فِ ِ
باب َ
ني ٌ
قليل. والعكس فِ الباب ِ
ُ املعانِ،
ِ
النظافة جمر ِد ِ
األحداث إلَ َّ ورفع
ِ ِ
األنجاس ِ
إزالة ٌ
مالك يف يلتفت
ْ َ
ولذلك ْمل
-106-
دون ُ
النظافة َ حصلت
ْ وإن ِ
األحداث الني َةْ ، رفع َ
اشرتط املا َء املط َلق ويف ِ ح َّتى
إخراج الق َي ِم
ِ ومنع ِمن
َ والتسليم مقا َمهام،
ِ ري التكب ِ
ري ِ
إقامة غ ِ وامتنع ِمن
َ ذلك.
ذلك ِمن املسائلِ ال ِّتي ِ
العدد يف الك َّفارات .إىل غري َ واقترص عىل جمرد
َ فِ الزكاة،
أو ما ماث َله. املنصوص ِ
عليه ْ ِ االقتصار علَ ع ِ
ني َ تقتضِ
ِ
واالستحسان ِ
املرسلة املصالح
ِ ِ
بقاعدة فقال فيها ِ
العادات املعنَى؛ َ وغ َّلب يف ِ
باب َ
الكالم يف هذا
ُ مر
يتبع ذلك .وقد َّ
العلم» إىل ما ُ
ِ ُ
تسعة أعشا ِر الذي َ
قال فيه« :إ َّن ُه
ُ
والدليل عليه.
ِّ
متمك ٌن ِ
التوقف ُ
ومسلك ِّ
متمكن يف العبادات، ُ
فمسلك النفي ثبت هذا
وإذا َ
يف العادات.
يشء فيج ِري
منه ٌ
ظهر ُ
َ ِ
العبادات ،وقدْ أن ُت َر َاعى املعانِ يف ِ
باب يمكن ْ
ُ وقدْ
ظهر
باب العادات ،وقد َ والتعبدات يف ِ
ُ ُ
طريقة «احلنفية» . وهي ِ
الباقي عليهَ ،
ولكن العمد َة ما تقدم.
َّ ُ
طريقة الظاهرية، وهي الباقي ِ
عليهَ ، يشء فيج ِرى ِ
منه ٌُ
وقاعدة النفي األصيل واالستصحاب راجعة إىل هذه القاعدة.
رشع األحكا ِم العاد َّية والعباد َّية مقاصدَ أصلي ًة
ِ واجله ُة الثالث ُةَّ :
أن للشارع يف
ومقاصدَ تابع ًة.
طلب
ُ ِ
ويليه األول، ِ
القصد َّ مرشوع للتناسل عىل
ٌ فإنه
مثال ذلك النكاح؛ ُ
االستمتاع
ِ ِ
واألخروية؛ من ِ
الدنيوية املصالح
ِ ُ
والتعاون عىل واالزدواج
ُ ِ
السكن،
ِ
املرأة ،أو والتجم ُل ِ
بامل ُّ ِ
حماسن النِّساء، ىل ما خلقَ ُ
اهلل ِمن ِ
باحلالل ،وبالنظ ِر إ َ
الوقوع فِ
ِ والتحفظ ِمن
ُ أو إخوتِه،
نها أو ِمن غريها ْ
أوالده ِم َ
ِ قيامها ِ
عليه وعلَ ُ
-107-
ِّعم ِمن ِ
بمزيد الن ِ واالزدياد ِمن الشك ِر
ُ الفرج ونظ ِر الع ِ
ني، ِ ِ
شهوة املحظو ِر ِمن
اهللِ علِ العبد ،وما أشب َه َ
ذلك.
مشار
ٌ منصوص عليه أو
ٌ فمنه
النكاحُ :
ِ رشع
ِ للشارع ِمن
ِ مقصود
ٌ فجميع َ
هذا ُ
أن َ
وذلك َّ ومسلك اس ُتقرىء ِمن َ
ذلك املنصوص؛ ٍ إليه ،ومنه ما ع ُلم بدليلٍ َ
آخر
ومقو حلكمتِه،
ٍّ لِ، ِ
للمقصد األص ِّ التابع هو مثبِ ٌت
ِ ِ
املقصد عليه من ِ
هذا ص ِ ما ُن َّ
ِ
والتعاطف، الرتاحم والتواصلِ
ِ ومستجلب لتوالِ
ٌ ومستودع لطلبِه وإدامتِه،
ٌ
َ
بذلك علَ َّ
أن التناسل؛ فاستدللنَا
ُ من
الشارع األصلِ َ
ِ ُ
حيصل بِه مقصدُ الذي
أيضا؛ كام ُر ِوي من فعلِ
للشارع ً
ِ مقصود
ٌ ذلك ِ
عليه ممَّا شأ ُنه َ كل َما ْمل َّ
ينص َّ
ِ
لرشف ال َّنسب، ٍ
طالب طل ًبا يل ِ
بن أبِ نكاح ِّأم كلثو ٍم ِ
بنت ع ِّ ِ ِ
اخلطاب يف عمر ِ
بن َ
ِ
املقاصد النكاح ملثلِ ِ
هذه َ أن ِ
البيوتات ،وما أشبه ذلك .فال َّ
شك َّ أرفع ِ
ومواصلة ِ
حسن.
ٌ التسبب ُله
ُّ سائغٌ َّ ،
وأن قصدَ
بإطالقِ ،م ْن
ٍ الشارع
ِ ِ
ملقاصد مضاد ٌة
َّ هذه األمو ِرنواقض ِ
َ ي َّ
أن وعندَ َ
ذلك يتب َُّ
ملن ِ
واملوافقة .كمَ إ َذا َ
نكحها ليح ّلها ْ ِ
والسكن ِ
املواصلة كان مآلُا إلَ ضدِّ حيث َ
ُ
الشارع
ُ ِ
املواصلة التي جعلها ِ
لقصد مضاد
ٌّ ِ
بمنعه ط َّلقها ثال ًثا؛ فإ َّنه عندَ القائلِ
ِ
بالطالق. منه املقاطع َة
املقصود ُ
ُ كان احلياة ِمن غ ِ
ري رشط؛ إ ْذ َ ِ انقطاع
ِ مستدام ًة إلَ
ِ
حمافظة نكاح علَ هذا السبيل ،وهو أشدُّ يف ظهو ِر
ٍ ِ
املتعة ،وكل نكاح
ُ َ
وكذلك
يكن ِ
فيه ذلك»(.)1 حيث َهنى عمَّ ْمل ْ ِ
املواصلةُ ، الشارع عىل دوا ِم
ِ
السكوت
ُ عرف ِ
به مقصدُ الشا ِرع: ُ
الرابعة ممَّا ُي ُ ُ
اجلهة ثم ذكر جه ًة رابع ًة بقولِه:
َّ
-1الشاطبي ،املوافقات .140-134/3
-108-
مع قيا ِم املعنَى املقتضِ َله. ِ
رشعية العملِ َ التسبب ،أو عن
ُّ رشع
عن ِ
احلكم علَ رض َبني:
ِ الشارع ِ
عن ِ سكوت
َ أن وبيان َ
ذلك َّ ُ
ِ
ألجله؛ يقدر
موجب ُ
َ ِ
تقتضيه ،وال يسكت عنه؛ أل َّنه ال داعي َة ُله
َ أحدمهاْ :
أن
سكت
َ ؛ فإنَّا ْمل ْ
تكن موجود ًة َّ
ثم رسول اهللِ
ِ حدثت بعدَ
ْ كالنوازل التِي
ِ
ِ
الرشيعة إلَ النظ ِر فاحتاج ُ
أهل َ حدثت بعدَ َ
ذلك؛ ْ ِ
وجودها ‑ وإنام مع
عنها َ
راجع إلَ
ٌ الصالح
ُ ُ
السلف كلياهتا .وما أحد َثه فيها وإجرائ ِها علَ ما َّ
تقرر فِ َّ
العلم ،وتضم ِ
ني الص َّناع ،وما أشبه ِ ِ
وتدوين املصحف،
َ كجمع
ِ هذا القسم؛
نوازل زمانِه ،وال
ِ تكن ِمن
،ومل ْ رسول اهللِ
ِ ذكر يف ِ
زمن َ
ذلك ممَّا ْمل جي ِر ُله ٌ
فروعه علَ أصولِه
ُ ٌ
جارية القسم
ُ موجب يقتضيها .فهذا
ٌ َ
عرض للعملِ هبا
ِ
املذكورة ِ
اجلهات معروف ِمن
ٌ الرشعي فيها
ُّ رشعا بِال إشكال؛ فالقصدُ ِ
املقررة ً
ُ
قبل.
ِ
نزول حكم عندَ
ٌ وموجبه املقتضِ ُله قائِ ٌم؛ ْ
فلم يق ِرر فيه ُ عنه
يسكت ُ
َ والثاينْ :
أن
كالنص
ِّ الرضب السكوت ِ
فيه ُ ِ
الزمان .فهذا كان يف َ
ذلك ِ
النازلة زائدٌ عىل ما َ
املوج ُب كان َ
هذا املعنَى ِ أن ال يزا َد ِ
فيه وال ين َقص؛ أل َّنه ملَّا َ الشارع ْ
ِ أن قصدَعلَ َّ
كان َ
ذلك رص ًحيا ثم ْمل يرشع احلكم دالل ًة عليه؛ َ
احلكم العملِ موجو ًدا َّ
ِ لرشع
ِ
هم ٌ
وخمالفة ملا قصدَ ه الشارع؛ إ ْذ ُف َ ٌ
بدعة زائد ٌة، كان هنالِك
أن الزائدَ علَ ما َ
يف َّ
ُ
النقصان منه»(.)1 الوقوف عند ما ُحدَّ هنالك ،ال الزياد ُة ِ
عليه وال ُ ِ
قصده ِمن
-109-
بدعة الرتك
قلت :إن هذه املسألة -التي يمكن أن تسمى «ببدعة الرتك» ومعناها فعل أمر
يف حمل ترك من قبل الشارع -من أدق األمور التي وقع فيها االلتباس واختلف
فيها بل اختصم فيها الناس.
فنقول:
أولً :إن مسألة الرتك تشبه أن تكون من املسائل االجتهادية التي ختتلف فيها
أنظار العلامء فريتب بعضهم عليها حكم الكراهة أو التحريم حسب األدلة
التي يسوقها جلانب ترك الفعل ،بينام ال يعتربها البعض اآلخر دليلً إال عىل
ً
معروضا جمرد رفع احلرج وعدم لزوم ذلك الفعل املرتوك ،فيكون املرتوك
عىل عموم األدلة األخرى التي تدل عىل إباحته أو استحبابه أو كراهته وقد
تدل عىل وجوبه عند قيام مصلحة راجحة أو شمول دليل الوجوب له أو عىل
التحريم لنشوء مفسدة واضحة.
وهكذا قسم هذا الفريق البدعة إىل مخسة أقسام وقال هؤالء :إن الرتك وحده
تقريرا
ً ليس دليلً عىل حتريم وال عىل كراهة ألنه ليس قولً وال فعال وال
والشارع يقول« :وما هنيتكم عنه فانتهوا» .ومل يقل :وما تركت.
ونقلوا يف ذلك عن الشافعي رمحه اهلل تعاىل قوله :كل ماله مستند من الرشع
فليس ببدعة ولو مل يعمل به السلف.
ولكن الشافعية أصلوا تلك املقولة وانضم إليهم متأخرو املالكية كالقرايف يف
تقسيمه البدعة إىل مخسة أقسام وذلك يف الفرق الثاين واخلمسني واملائتني « بني
-110-
قاعدة ما حيرم من البدع وينهى عنه وبني قاعدة ما ال ينهى عنه منها»:
وحاصل ما ذهب إليه القرايف من انقسام البدعة إىل قبيحة وحسنة والقبيحة إىل
حرام أو إىل مكروه تنز ًهيا ،واحلسنة إىل واجبة ومندوبة ومباحة.
ووافقه حمشيه ابن الشاط عليه وحممد الزرقاين وجرى عليه عمل أصحاب
مالك املتأخرين كالزقاق وغريه .وإليه ذهب اإلمام النووي واإلمام ابن
عبدالسالم شيخ القرايف وغري واحد من أصحاب الشافعي مبنية عىل ثالثة
أمور أيضا األول :أن البدعة حقيقة فيام مل يفعل يف الصدر األول حسنًا أو
قبيحا كان له أصل من أصول الرشع أم ال .الثاين :أن مجيع ما ورد يف البدع من
ً
:كل بدعة ضاللة ،عام خمصوص .األمر الثالث :التسوية بني نحو قوله
العاديات والعبادات يف حلوق البدع وعىل هذه األسس قسموا البدعة.
فالبدعة تدخل يف العادات كاملكوس التي أحدثها احلكام بعد الصدر األول
واجلور يف احلكم من القضاة فاملذموم ما خالف الرشع سواء كان يف العاديات
أو العبادات واستهول هؤالء أن يكون الوعيد عىل البدعة إال يف منهي عنه
وأصحابه ،إنه إتباع وليس يف مسكوت عنه ثم ما هو األمر الذي كان عليه
يف األقوال واألفعال وليس جمرد أمتناع عن فعل.
وليكون املرء من الفرقة الناجية عليه أن ينظر إىل أوصافهم يف القرآن
الكريمﱫ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
-111-
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﱪ [الفتح.]29 :
ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﱪ [التوبة.]112 :
وهلذا قال النووي إن هذه الفرقة موزعة يف طوائف املجتمع ألن كل من اتصف
فهو من هذه الفرقة فمنهم جتار بصفة من الصفات احلميدة ألصحاب النبي
صادقون منفقون ومنهم علامء ومنهم جماهدون.
ومقتىض ما يفهم من كالم الشاطبي ترص ًحيا وتلو ًحيا أن ترك الشارع لفعل يشء
من القربات أو لكيفية من الكيفيات أو مقدار من املقادير دليل عىل قصده عدم
إبتداعا يف الرشع
ً األتيان بذلك الفعل وإن إقدام املكلف يف حمل الرتك يعترب
وقد كرر ذلك يف املوافقات وزاده بيا ًنا وأعلنه إعال ًنا يف كتابه “االعتصام”
حيث حتدث عن معاناته مع أهل زمانه يف إلزامهم له باخلروج عن اجلامعة
عندما رفض الدعاء عقب الصالة مجاعة وإلتزامه بام يعتقده السنة يف عدم لزوم
الدعاء يف اخلطبة لإلئمة إىل غري ذلك من مسائل الرتك التي بنى عليها مذهبه
يف تعريف البدعة وهو يف هذا خمالف لبعض علامء عرصه الذين ال يرون يف
الرتك دليلً عىل الكراهة والتحريم.
ومن أبرز من اختلف مع الشاطبي شيخه أبوسعيد بن لب الذي ألف كتا ًبا
يف الرد عليه يف مسألة الدعاء مجاعة عقب الصلوات ملا بلغته فتوى الشاطبي
-112-
إنكارا شديدً ا ونسب بذلك لإلمام أنه من القائلني أن الدعاء
ً فأنكر ترك الدعاء
ال ينفع وال يفيد .ومل يأل أن يقيد يف ذلك تألي ًفا سامه “لسان األذكار والدعوات
حججا كثرية عىل صحة ما الناس عليه مجلتها
ً مما رشع أدبار الصلوات” ضمنه
أن غاية ما يستند إليه املنكر أن التزام الدعاء عىل الوجه املعهود إن صح أنه
مل يكن من عمل السلف فالرتك ليس بموجب للحكم يف املرتوك إال جواز
الرتك وانتفاء احلرج فيه خاصة وأما حتريم أو كراهة فال وال سيام فيام له أصل
مجيل كالدعاء فإن صح أن السلف مل يعملوا به فقد عمل السلف بام مل يعمل
به من قبلهم مما هو خري كجمع املصحف ثم نقطه وشكله ثم نقط اآلي ثم
اخلواتم والفواتح وحتزيب القرآن والقراءة يف املصحف يف املسجد وتسميع
املؤذن تكبري اإلمام وحتصري املسجد عوض التحصيب وتعليق الثريات ونقش
الدنانري والدراهم بكتاب اهلل وأسامئه.
وقال عمر بن عبدالعزيز :حتدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
وكذا حيدث هلم ترغيبات بقدر ما أحدثوا من الفتور.
وجاء :آفة العبادة الفرتة ،ويف القرآنﱫ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱﱪ [املائدة.]2 :
قلت :هذا جزء من كالم ابن لب ،ويضاف إيل ذلك حماريب املساجد واملآذن
فقد احدثت واتفق الناس عىل جوازها بعد أن اختلفوا يف ابتدائها.
وكذلك تقليد العامل امليت واشرتاء كتب الفقه وبيعها أمور اختلف فيها ابتداء
وأمجع عىل جوازها انتهاء قال يف املراقي:
بيع طروس الفقه اآلن قد ُنفي واخللف يف تقليد من مات ويف
-113-
وكذلك كتابة األحاديث النبوية وإفرادها بالتأليف فام حدث كان يف هناية
القرن األول وبداية الثاين بأمر عمر بن عبدالعزيز ومل تكن إال صحف يسرية
كصحيفة عبداهلل بن عمرو ،وكذلك جتريد املسائل الفقهية كان من حمدثات
القرن الثاين وأمجع عليه فيام بعد.
وما أشار إليه أبو سعيد ابن لب َّ
بأن السلف عمل بعضهم بام مل يعمل به من
-حمتجا به عىل اجلواز -ذكره شيخ اإلسالم ابن تيمية ،ولكنه اعتربه
ً قبلهم
رضب ًا من البدع ،وكون بعض السلف عمل به ال ينفي عنه صفة البدعة ،وذلك
بقوله :وكثري من جمتهدى السلف واخللف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ومل
يعلموا أنه بدعة؛ إما ألحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة ،وإما آليات فهموا
منها ما مل يرد منها ،وإما لرأي رأوه ،ويف املسألة نصوص مل تبلغهم.
وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل يف قوله :ﱫ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﱪ
[التغابن ، ]16 :ويف الصحيح َّ
أن اللَّ قال« :قد فعلت» وبسط هذا له موضع
آخر(.)1
أما ابن عرفة فأجاب عن مسألة الدعاء مجاعة بقوله :احلمد هلل حاصل السؤال:
ما حكم الدعاء عىل اهليئة املعهودة يف هذه األمصار عقب صالة الفرض ،وقد
كان سألني عنها بعض الواردين علينا من مدينة سال منذ نحو من عرشة أعوام،
واجلواب:
أن إيقاعه إن كان عىل نية أنه من سنن الصالة أو فضائلها فهو غري جائز ،وإن
-114-
كان مع السالمة من ذلك فهو باق عىل حكم أصل الدعاء ،والدعاء عبادة
نصا
رشعية فضلها من الرشيعة معلوم عظمه ،وال أعرف فيها يف املذهب ً
إال أنه وقع يف العتبية يف كتاب الصالة كراهة مالك الدعاء بعد الصالة قائمً،
جالسا.
ً فمفهومه عدم كراهته
ويف العتبية ً
أيضا كراهة مالك الدعاء عقب القرآن.
ولكن األظهر عندي جوازه ،وقد وردت بذلك أحاديث من املصنفات كسنن
صحيحا.
ً النسائي وغريه ال خيلو بعضها من كون سنده
وأما البدع فقد تكلم الناس عليها من متقدم أومتأخر كالقرايف وعز الدين
وقسموها إىل أقسام.
واحلاصل إسنادها إىل ما شهد الرشع بإلغائه أو اعتباره أو ما ليس بواحد منهام:
فاألول :واجب تركه وإنكاره .والثاين :معترب اتفا ًقا .ويف الثالث :خالف
مشهور وجمال النظر يف جزئيات املسائل طويل .واهلل أعلم بالصواب(.)1
وقد وقع خالف يف القرن التاسع بني احلافظ السخاوي واإلمام البقاعي
الشافعي حول النداء الذي كان يفعل يف احلرم الرشيف وامتد إىل مرص قبل
صالة الفجر يادائم املعروف فأنكره األخري ورد عليه األول برسالة عنواهنا
«القول املعروف يف الرد عىل منكر املعروف» ولكل أدلة وقل أن تعرو فرتة من
نزاع حول مسألة من قبيل بدع الرتك.
-1رشج السجلاميس عىل املنهج ويراجع رشج املنجور عىل املنهج وذلك عند قول الزقاق:
وما عليه قد أقر سنـه واملحــدثــات بدعـة لكنـه
جتب إن شملها أدلته كالكتب والضد بدت أمثلته
-115-
موضوعا غري حمسوم خيتلف العلامء يف مغزاه ويف مداه باإلضافة
ً ويبقى الرتك
إىل العمومات التي يدعمون هبا موقفهم حسب االجتاه الذي يتوجه صوبه
واحلنفية عىل كراهية صالة
ّ املالكية
ّ الفقيه فهذا ابن حزم يف املحىل ذكر احتجاج
ركعتني قبل املغرب بقول إبراهيم النخعي أن أبا بكر وعمر وعثامن كانوا ال
يصلوﻬﻧما ورد عليهم بقوله :لوصح ملا كانت فيه حجة،ألنه ليس فيه أﻬﻧم ريض
اهلل عنهم ﻬﻧوا عنهام.
وقال ً
أيضا :وذكروا عن ابن عمر أنّه قال:ما رأيت أحدً ا ّ
يصليهام.ورد عليه
ً
وأيضا فليس يف هذا لو صح هني عنهام،ونحن ال ننكر ترك التطوع ما بقوله:
مل ينه عنه.
املحىل(:)1يف الكالم عىل ركعتني بعد العرص :وأما حديث عيل،فال وقال ً
أيضا يف ّ
حجة فيه أصال ،ألنّه ليس فيه إال إخباره بام علم من أنه مل َير رسول اهلل ّصىل
وسلم ،صالمها ،وليس يف هذا هني عنهام وال كراهة هلام ،فام صام
اهلل عليه وآله ّ
كراهية صوم
ّ شهرا كامال غري رمضان وليس هذا بموجب
السالم قط ً
عليه ّ
تطوعا.
ً شهر كامل
ابيع ،فإ َذا َ
فرغ منها ي َ
األ َس ِ جيمع ب َْ
َ بأس َأ ْن ٌ
فصل :وال َ وهذا ابن قدامة يقول:
عطاء،
ٌ عائشة ،وامل ِ ْس َو ُر بن مَرمة .وبه قال
ُ ركعتيَْ ،
فعل ذلك لك ِّل ُأ ْس ُبو ٍع َركع ُ
ُ
وإسحاق. وطاوس ،وسعيدُ بن ُجب ٍ
ري، ٌ
ْمل بي هري ،ومالك ،وأبو حنيف َة؛ َّ
ألن ال َّن َّ والز ُّ
ابن عمر ،واحلسنُّ ،
وكرهه ُ
ُ
-116-
يُ ُّل با ُمل ِ
واالة بينهام. ِ
طوافهام ِ عن الركعت ِ
يْ ْ ري َّ َّ
وألن تأخ َ يفعله،
ُ
بينهام ،ف ُيص ِّليها مجعها و ُي ِّ
ؤخ ُر ما ُ الص ِ
الة ،ي ُ
َوز ُ واف جيري مَرى َّ أن َّ
الط َ ولناَّ ،
بي وجب كراه ًةَّ ،
فإن ال َّن َّ فعله ال ُي ُْمل َي ُ بي ُ
وكون ال َّن ِّ بعدَ ها ،كذلك ُ
هاهنَا،
مكر ٍ
وه باال ِّت ِ
فاق(.)1 ري ُ ني وال ثالث ًة ،وذلك غ ُ ف ُأس ُبوع ِ
مل َي ُط ْ
وانبنى عىل مسألة الرتك اختالف يف كثري من املسائل تفاوتت أفهام العلامء
ومدارك الفقهاء يف فحوى الرتك فيها فاستحبها البعض وحض عليها وحث
وأنكرها البعض اآلخر وهنى عنها وكف فمنها مسألة الدعاء بعد الصالة
املكتوبة مجاعة ومنها قراءة القرآن مجاعة يف املسجد بصوت واحد كام كان عليه
عمل أهل الشام كام يقول ابن رجب وهو ما عرف بتالوة احلزب يف املغرب
ومنها التثويب والتصبيح ومنها التوسل باألنبياء والصاحلني .ولكل طائفة يف
هذه املسائل أدلتها التي ليس هذا مقام بسطها.
أوجها متعددة
ً ومما أستدل به القائلون أن الرتك ال يستقل دليال بأنه حيتمل
مباحا فال يدل تركه إال عىل رفع
أوهلا :أنه عليه الصالة والسالم قد يرتك شيئًا ً
احلرج من أجل أنه يعافه مثلً كرتكه ألكل الضب فلام سئل عنه قال :إنه مل يكن
بأرض قومي فأجدين اعافه.
وقدم إليه طعام فيه ثوم فلم يأكل منه قال أبو أيوب -وهو الذي بعث به إليه-
يارسول اهلل أحرام هو؟ قال :ال ولكني أكرهه من اجل رحيه» .الرتمذي قائال:
-117-
حسن صحيح.
()1
قلت :ومن املالحظ أنه عليه الصالة والسالم مل يبدأ باإلخبار عن موجب
الرتك حتى سئل.
ثان ًيا :أنه قد يرتك بعض املستحبات أحيا ًنا خو ًفا من أن تفرض عىل الناس
سبحة الضحى قط وإين ألسبحها» .وهو يف فقالت عائشة :وما سبح النبي
الصحيح.
وقد ذكر الشاطبي هذا احلديث وفيه أن عائشة كانت تصىل الضحى ثامن ركعات
وتقول :لو نرش يل أبواي ما تركتها» .وذكر مسألة صالة الرتاويح مجاعة.
لبعض املستحبات وهو اخلوف من ريا آخر لرتك النبي
وزاد الشاطبي تفس ً
أن يظن فيها أحد من أمته بعده إذا داوم عليها الوجوب وهو تأويل متمكن.
حسب عبارة الشاطبي قائال :إن الصحابة عملوا عىل هذا االحتياط يف الدين
ملا فهموا هذا األصل من الرشيعة وكانوا أئمة يقتدى هبم ليبينوا أن تركها غري
قادح وإن كانت مطلوبة».
وذكر مسألة عثامن ريض اهلل عنه يف تركه القرص يف احلج خوف ظن األعراب
أن الصالة أصبحت ثنائية وكذلك ما رواه حذيفة بن َأ ِس ْيد شهدت أبا بكر
وعمر فكانا ال يضحيان خمافة أن يرى الناس أهنا واجبة وكان بالل يقول :ال
أبايل أن أضحى بكبش أو ديك» .إىل آخره(.)2
-118-
ثال ًثا :أن السلف قد يفعلون بعض األفعال التي ليست من قبيل السنن املؤكدة
فال يظهرون أفعاهلم فال يكون تركهم حجة وقد يقولون إهنم ال يريدون إظهار
الة يتوض ُأ َّ
للص ِ َّ خلف َأبِ هريرة وهو
َ كنت
ذلك العمل فعن أيب حازم :قال ُ
الوضوء فقال يا
ُ فقلت له يا أبا هرير َة ما هذا
ُ يمدُّ يدَ ه ح َّتى تب ُلغَ إِ ْب َط ُه
فكان ُ
سمعت
ُ توض ْأ ُت هذا الوضو َء
علمت أ َّنكم ها ُهنَا ما َّ
ُ َبنِى َف ُّر َ
وخ أنتم ها ُهنَا لو
احل ْل َي ُة ِم َن ا ُمل ْؤ ِم ِن َح ْي ُث َي ْب ُلغُ َ
الو ُض ُ
وء»( .صحيح مسلم). يقول « َت ْب ُلغُ ِ
ُ ِ
خليلِ
وهبذا الصدد يذكر ابن القيم يف كتاب «الروح» يف مسألة قراءة القرآن إلهداء
ثوابه لألموات مانصه :والقائل أن أحدً ا من السلف مل يفعل ذلك قائل ماال
علم له به فإن هذه شهادة عىل نفي ما مل يعلمه فام يدريه أن السلف كانوا يفعلون
ذلك وال يشهدون من حرضهم عليه بل يكفي اطالع عالم الغيوب عىل نياهتم
ومقاصدهم ال سيام والتلفظ بنية اإلهداء ال يشرتط كام تقدم».
مضمو ًنا خمتل ًفا لكن ابن القيم يف إعالم املوقعني يعطى لداللة ترك النبي
يتفق مع شيخه شيخ اإلسالم ابن تيمية ومع الشاطبي ،بل جعله من السنة
فهو نوعان وكالمها سنة أحدمها :ترصحيهم بأنه ونصه :وأما نقلهم لرتكه
ترك كذا وكذا ومل يفعله كقوله يف شهداء أحد :ومل يغسلهم ومل يصل عليهم».
وقوله يف صالة العيد «مل يكن أذان وال إقامة وال نداء» .وقوله يف مجعه بني
الصالتني «ومل يسبح بينهام وال عىل أثر واحدة منهام» ونظائره .والثاين :عدم
نقلهم ملا لو فعله لتوفرت مهمهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم عىل
نقله؛ فحيث مل ينقله واحد منهم البتة وال حدَّ ث به يف جممع أبدا علم أنه مل
-119-
يكن ،وهذا كرتكه التلفظ بالنية عند دخوله يف الصالة ،وتركه الدعاء بعد
الصالة مستقبل املأمومني وهم يؤمنون عىل دعائه دائام بعد الصبح والعرص
أو يف مجيع الصلوات ،وتركه رفع يديه كل يوم يف صالة الصبح بعد رفع رأسه
من ركوع الثانية ،وقوله« :اللهم اهدنا فيمن هديت» جيهر هبا ويقول املأمومون
كلهم «آمني» ومن املمتنع أن يفعل ذلك وال ينقله عنه صغري وال كبري وال رجل
يُ ُّل به يو ًما واحدً ا ،وتركه
وال امرأة البتة وهو مواظب عليه هذه املواظبة ال ِ
االغتسال للمبيت بمزدلفة ولرمي اجلامر ولطواف الزيارة ولصالة االستسقاء
والكسوف ،ومن ههنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خالف السنة؛ فإن تركه
سنة كام أن فعله سنة ،فإذا استحببنا َ
فعل ما تركه كان نظري استحبابنا ترك
ما فعله ،وال فرق(.)1
قلت وما ذكره يف النوع األول يشبه أن يكون دليلً؛ لتوفر املوجب ،أما النوع
الثاين فهو حمل خالف كبري ،والعالمة ابن القيم يرد عىل مذهب الشافعي يف
مسألة التلفظ بنية الصالة وقد رواه بعض العراقيني من أصحاب الشافعي
فاوجبوا التلفظ بالنية .ورده إمام احلرمني يف هناية املطلب(.)2
وأما مسألة القنوت يف الركعة الثانية من الصبح الذي اعتمد فيه الشافعية طر ًفا
من حديث أنس وفيه :أما يف الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا»(.)3
-1ابن القيم ،إعالم املوقعني .281/2
-2إمام احلرمني ،هناية املطلب .120/2
-3رواه أمحد والبيهقي والدار قطني وفيه مقال راجع هناية املطلب 186/2مع تعليق عبدالعظيم الديب
وتلخيص احلبري).
-120-
وهذا خالف ما عليه مجهور األصوليني من أن السنة قول وفعل وتقرير وليس
جمرد ترك.
وهلذا قال ابن رشد يف بداية املجتهد إن :الرشيعة تتلقى من ثالث طرق هي
()1
اللفظ والفعل واإلقرار.
وقال الطويف :أما السنة فهي -يف هذا املوطن -أقوال النبي ،وأفعاله،
وتقريراته(.)2
وقال الزركيش يف البحر املحيط يف حديثه عن السنة :وأما يف االصطالح:
ترجيحا ليس معه املنع
ً فتطلق عىل ما ترجح جانب وجوده عىل جانب عدمه
من األقوال من النقيض ،وتطلق وهو املراد هنا :عىل ما صدر من الرسول
األصوليون ،ولكن استعمله
ُّ واألفعال والتقرير ،وا َهل ِّم ،وهذا األخري مل يذكره
الشافعي يف االستدالل(.)3
وهذا قليل من كثري.
وأبعد ابن السمعاين النجعة فقال إن تركه لليشء يدل عىل وجوب تركه مستدلً
بحديث إمساك الصحابة عن الضب» .وذلك يف معرض داللة الفعل ،لو دل
عىل الوجوب لدل عليه الرتك أيضا ،ونكتفي هبذا القدر.
تنبيه :اعلم أن كالم ابن القيم رمحه اهلل يف الرتك جاء يف سياق رد طويل عىل
مقلدى املذاهب دل عىل سعة علمه وحفظه ولكنه غلب عليه احلكم بالتعارض
-121-
يف ورود فعلني عنه عليه الصالة والسالم وقد نقل عن احلافظ ابن عبدالرب ولكن
احلافظ ابن عبدالرب محل ما ورد من اختالف احلديث يف التسليمة والتسلمتني،
وغري ذلك من هذه املسائل عىل التخيري كام يف االستذكار.
وهو أوفق للجمع وأدنى للفهم من دعوى أن الناس يف أيام مالك قد نسوا
الكثري من السنن مع العلم أن ذلك هو عرص تدوين السنن يف مطلع القرن
الثاين فرمحه اهلل تعاىل.
وليس املقام مقام تفصيل يف هذه املسألة التي محلت بعض طلبة العلم الذين
ليس هلم رسوخ ابن القيم عىل أن هيجموا عىل أئمة املذاهب بأخبار آحاد مل
تثبت وإن ثبتت فلها ما يعارضها ومل تنترش لتصبح كاخلرب اليقني عنه عليه
الصالة والسالم أو عن أصحابه .ولنرجع إىل مسألة بدعة الرتك.
رابعا :كانوا يرتكون بعض املباحات خو ًفا من اعتقاد الناس أهنا من القربات،
ً
كام كان مالك ال يغسل يديه قبل الطعام وقال ملا قدم له أمري املدينة عبدامللك
بن صالح املاء ليغسل يديه قبل الطعام :أما أبوعبداهلل «يعني نفسه» ال يغسل
بأسا بذلك كام رصح به يف موطن آخر يديه قبل الطعام» .مع أن ً
مالكا ال يرى ً
ولكن خياف من لزوم الناس لذلك وكأنه واجب كام قال يف املوافقات.
أمرا ألنه خالف األوىل فيفعل األوىل
خامسا :قد يرتك عليه الصالة والسالم ً
ً
ويواظب عليه وربام فعل املرتوك يف أوقات نادرة لبيان اجلواز وعدم الكراهة
فقد صح أنه عليه الصالة والسالم قدمت إليه ميمونة ريض اهلل عنها املنديل
لينشف به أعضاء طهارته فلم يمسه ويف رواية :مل يأخذه ،ويف رواية :فرده.
-122-
فعلق إمام احلرمني يف هناية املطلب عىل ذلك بقوله :ولو نشف «شخص» مل ينته
أمر ذلك إىل الكراهة ولكن يقال ترك األوىل ،وقد روي أنه عليه السالم نشف
أعضاء وضوئه مرة وكان عليه السالم يواظب عىل األوىل ويأيت بام هو جائز يف
األحاديني فيتبني األفضل بمواظبته واجلائز بنوادر أفعاله(.)1
يعملون بعض القربات يف مقام الرتك سادسا :أننا نجد أصحاب رسول اهلل
ً
ليس حائلً دون وهيجمون عىل العمل بدون سؤال مما يدل عىل أن تركه
حاجزا دون مبارشة قول أو فعل وهو عليه الصالة والسالم أحيا ًنا
ً عمل وال
يثنى عىل فعلهم أو يسكت وما المهم وال وبخهم مما يدل عىل سعة األمر فمن
ذلك :من قال :يا من ال تراه العيون وال ختالطه الظنون وال يصفه الواصفون
وال تغريه احلوادث وال خيشى الدوائر يعلم مثاقيل اجلبال ومكاييل البحار
وعدد قطر األمطار وعدد ورق األشجار وعدد ما أظلم عليه الليل وأرشق
عليه النهار ال تواري منه سامء سامء وال أرض أرضا وال بحر ما يف قعره وال
جبل ما يف وعره اجعل خري عمري آخره وخري عميل خوامته وخري أيامي
باألعرايب رجال فقال إذا صىل فائتني به يوم ألقاك فيه فوكل رسول اهلل
ذهب من بعض املعادن فلام فلام صىل أتاه وقد كان أهدي لرسول اهلل
أتاه األعرايب وهب له الذهب وقال ممن أنت يا أعرايب قال من بني عامر بن
صعصعة يا رسول اهلل قال هل تدري مل وهبت لك الذهب قال للرحم بيننا
وبينك يا رسول اهلل فقال إن للرحم حقا ولكن وهبت لك الذهب حلسن
-1اجلويني ،هناية الطلب يف دراية املذهب ،95/1حتقيق عبدالعظيم الديب ،دار املنهاج.
-123-
ثنائك عىل اهلل عز و جل».
وكذلك املواظب عىل سورة اإلخالص يف صالته :كان رجل من األنصار
يؤمهم يف مسجد قباء وكان كلام افتتح سورة يقرأ هبا هلم يف الصالة مما يقرأ
به افتتح ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﱪ [األخالص .]1 :حتى يفرغ منه ؛ ثم يقرأ سورة
أخرى معها وكان يصنع ذلك يف كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا إنك تفتتح
هبذه السورة ثم ال ترى أهنا جتزئك حتى تقرأ بأخرى فأما أن تقرأ هبا وأما أن
تدعها وتقرأ بأخرى فقال ما أنا بتاركها إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن
كرهتم تركتكم وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غريه فلام أتاهم
أخربوه اخلرب فقال :يا فالن ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك النبي
وما حيملك عىل لزوم هذه السورة يف كل ركعة .فقال :إين أحبها .فقال :حبك
إياها أدخلك اجلنة».
وكذلك يف احلج فقد ثبت أن بعضهم كانوا يلبون تلبية فيها زيادة عىل تلبيته
عليهم شيئا منه ولزم «وأهل الناس هبذا الذي هيلون به فلم يرد رسول اهلل
تلبيته». رسول اهلل
قال القايض عياض :فيه إشارة إىل ما روى من زيادة الناس يف التلبية من الثناء
والذكر كتلبية عمر لبيك ذا النعامء والفضل .وزيادة ابن عمر :واخلري بيدك
والرغباء إليك .واستحب االقتصار عىل تلبيته عليه الصالة والسالم.
()1
وكذلك ما ورد يف حديث عبداهلل بن عمر عند مسلم غدونا مع رسول اهلل
-124-
من منى إىل عرفات منا امللبي ومنا املكرب .ويف رواية أخرى «عنده» منا املكرب
ومنا املهلل فال ينكر عليه وكان يكرب املكرب فال ينكر عليه .كام يف صحيح
مسلم من حديث جابر .ويف الرواية األخرى :فمنا املكرب ومنا املهلل وال
يعيب أحدنا عىل صاحبه.
قال أبوطالب املشكاين :قال أمحد :والتعريف عشية عرفة يف األمصار :ال بأس
به إنام هو دعاء وذكر اهلل عز وجل وأول من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث
وفعله إبراهيم.
()1
كل ذلك يدل عىل إفساح املجال لالجتهاد وأن ترك الشارع ال يدل عىل احلظر
وال عىل الكراهة بل إنه يدل عىل أن ما فعله وواظب عليه هو األوىل لكن ال
إنكار يف فعل ما تركه عىل ما وصفنا من اندراجه ضمن السياق العام واألصل
املتبع واملنهج الفسيح وهو يف حالة التلبية تعظيمه سبحانه وتعاىل وتكبريه.
وإن ذلك حمل تقرير من الشارع وثناء أحيانا وتقاس عىل ذلك كل األوراد
الصاحلة الساملة من املخالفات.
سابعا :إن فعل السلف قد يكون نقل عن بعضهم دون بعض فهل يكون ذلك
ً
كاف ًيا لنفي صفة البدعة عنه عند من يرى بدعة الرتك ،أو ال وعليه فإن تتبع
عبداهلل بن عمر آلثار النبي عليه وآله الصالة والسالم للتربك وعدم إنكار
أحد من الصحابة عليه ال خيرج ذلك الفعل عن كونه بدعة عند هؤالء فإن
االستسقاء عند القرب النبوي الرشيف بتوجيه اخلطاب إىل النبي صىل اهلل عليه
-125-
وآله وسلم باستسق لنا» يعترب بدعة فاحشة أوصلها بعضهم إىل الكفر مع ورود
أثر عن فعل شخص له إما صحايب أو تابعي وإبالغ ذلك لعمر بن اخلطاب
ريض اهلل عنه ومل ينكره ،وهذا األثر أخرجه ابن أيب شيبة كالتايل :حدثنا أبو
معاوية عن األعمش عن أيب صالح عن مالك الدار -قال :وكان خازن عمر
الناس قحط يف زمن عمر ،فجاء رجل إىل قرب النبي
َ عىل الطعام -قال أصاب
صىل اهلل عليه و سلم فقال :يا رسول اهلل استسق ألمتك فإهنم قد هلكوا فأيت
الرجل يف املنام فقيل له إئت عمر فأقرئه السالم وأخربه أنكم مسقيون وقل له
عليك الكيس عليك الكيس فأتى عمر فأخربه فبكى عمر ثم قال يا رب ال آلو
إال ما عجزت عنه»(.)1
وأخرجه البيهقي وصححه احلافظان ابن حجر يف الفتح وابن كثري يف البداية
والنهاية ،وقد نازعو بعضهم يف عنعة األعمش بام هو معروف من اخلالف عند
املحدثني يف عنعة املدلس إذا مل يكن ذلك غال ًبا عليه واألعمش ضابط لغلبة
موافقة حديثه للضابطني.
قال يف طلعة األنوار:
وفق فضابط وإال جيتنب بالضابطني اعتربن فإن غلب
وهنا يدق الفرق بني ما هو مستند إىل السلف وما ليس كذلك وبني ما هني عنه
سدا للذريعة وما هنى عليه باألصالة.
وقالوا :إنه لو صح فإن ما فهم من أصول العقيدة ينفيه ،وإن الصحابة ما فعلوه؛
-1ابن أيب شيبة ،املصنف ،64/17حتقيق حممد عوامة ،رشكة دار القبلة.
-126-
وهنا يكون اإلشكال بني املدرستني يف ضبط ترك السلف ويف فهم ما هو عبادة
ال ترصف إال هلل ويف استعامل املجاز يف االسناد كقول عمر للنبي عليه الصالة
والسالم :هال أمتعتنا بعامر» .كام يف صحيح مسلم .وذلك حني ترحم النبي
عىل عامر بن األكوع ففهم عمر من ذلك اإلشارة إىل موت عامر فقال تلك
أن يبقى عامرا ح ًيا وهو أمر ال املقالة ،وهي يف ظاهرها طلب منه للنبي
منكرا.
ً يقدر عليه إال اهلل وما رءا عليه الصالة والسالم يف ذلك
فالنسب واالضافات والنوايا والطويات هي التي جتكم يف كالم الناس.
ولعل االختالف هنا يرجع إىل مسألة الدعاء ومفهومه بني ما يكون عبادة إذا
وجه إىل الباري جل وعال وبني ما يكون نداء إذا وجه إىل غريه ﱫ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﱪ [النور.]63 :
ومفهوم حياته عليه الصالة والسالم يف الربزخ بني حديث« :حيايت خري لكم
حتدثون وحيدث لكم وممايت خري لكم تعرض عيل أعاملكم فام رأيت من خري
محدت اهلل وما رأيت من رش استغفرت اهلل لكم»(.)1
-1رواه البزار ،قال احلافظ العراقي يف كتاب اجلنائز من «طرح التثريب» إسناده جيد ،وقال اهليثمي يف «جممع
الزوائد» رجاله رجال الصحيح ،حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبد املجيد بن عبدالعزيز بن أيب رواد عن سفيان
قال :إن هلل مالئكة سياحني يبلغوين عن عبداهلل بن السائب عن زاذان عن عبداهلل -ابن مسعود -عن النبي
عن أمتي السالم وقال حيايت خري لكم ....وروي عن أنس من طريق خراش ورواه احلارث ابن أيب أسامة يف
مسنده وابن عدي يف الكامل وقال العراقي :ضعيف لضعف خراش ,ورواه احلارث بن أيب أسامة يف مسنده من
مرسل بكر املزين وضعف بأحد رواته ولكن خرجه إسامعيل القايض من طريق صحيح عن بكر الزيب يرفعه وهو
إسناد صحيح اعرتف بصحته احلافظ ابن عبداهلادي وعن احلكيم الرتمذي يف العرض عىل األنبياء واآلباء بإسناد
فيه ضعف .وكذلك القسطالين يف رشح البخاري ،وقال السيوطي يف كتاب «املعجزات واخلصائص» إسناده
صحيح ،وكذلك قال عيل القاري والشهاب اخلفاجي يف رشح الشفاء ،وأوصل بعضهم طرقه إىل عرشين طري ًقا
أصحها طريق البزار.
-127-
وهو يدل عىل استمرار صلته بأمته .وبني حديث احلوض الصحيح :ما تدرى
ما أحدثوا بعدك».
مما يفهم منه أنه عليه الصالة والسالم مل تعد له عالقة بعامل الدنيا ،خالف ًا ملن
محل ذلك عىل املرتدين؛ ألنام يعرض عليه هو أعامل املؤمنني.
إىل غري ذلك من البناء العقدي الذي نشأ عنه -يف القرنني السابع والثامن-
خالف شديد يراجع خاصة يف كتب شيخ اإلسالم ابن تيمية واإلمام السبكي
وغريمها.
وعىل ذلك حيمل كثري من اآلثار التي وردت كقصة األعرايب عند حممد بن
عبداهلل العتبي والتي ال يكاد خيلو كتاب من كتب املناسك منها.
ومستغفرا:
ً وقد جاء إىل القرب الرشيف مستغي ًثا
فطاب من طيبهن القاع واألكـم يا خري من دفنت بالقاع أعظمه
فيه العفاف وفيه واجلود والكرم نفيس الفــداء لقرب أنت ساكنـه
وإن كان ابن عبداهلادي يف «الصارم» حيكم عىل إسنادها بأنه مظلم.
وحكايات أخرى كثرية(.)1
رياَّ ،
فإن مسألة اإلسناد املجازي بني احلقيقة واملجاز من مدارات وأخ ً
-1كحكاية اإلمام أيب بكر املقري احلافظ الثقة عام فعله وكان معه احلافظ الطرباين واحلافظ أبو الشيخ بن حبان
ثالثتهم من أكرب أئمة احلديث يف القرن الرابع اهلجري وكانوا يف املسجد النبوي فذهب املقري إىل القرب الرشيف
ونام هو وأبو الشيخ وبقي الطرباين يقظان فجاءهم علوي ومعه غالم حيمل الطعام وشكا اجلوع لرسول اهلل
ألنه راءه يف النوم وأمره بذلك. وقال ياقوم هل شكوتم إىل النبي
وهي حكاية ذكرها الذهبي يف سري أعالم النبالء والسمهودي يف وفاء الوفاء إىل حكايات كثرية مذكورة يف كتب
القوم وبعضها مسند إىل كتاب «مصباح الظالم يف املستغيث بخري األنام يف اليقضة واملنام» للحافظ حممد بن
موسى املالكي املتوىف سنة 683هـ.
-128-
االختالف ،فاملجيز يرى أن الطلب جمازي ومن معهود العرب إسناد الفعل
وتوسعا يف الكالم ،وقد ورد يف القرآن الكريم من
ً إىل َمن له عالقة به ً
جمازا
ذلك الكثري .فمنه فعل اإلضالل.
فقد ورد مسندً ا إىل الباري جل وعال يف أكثر من آيةﱫ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ﯲ ﯳﯴ ﱪ [النحل .]93:وورد مسندً ا إىل املغوين من البرش:ﱫ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇ ﮈﱪ [األحزاب ،]67:ﱫ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﱪ [الشعراء.]99:
ومسندً ا إىل الشيطان ،قال تعاىل:ﱫﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉ ﮊ ﱪ [احلج .]4:وقال تعاىل حكاية عنه :ﱫ ﮰ ﮱ ﱪ
[النساء.]119:
وكذلك فعل «زين» مسندً ا إىل الباري ،قال تعاىل:ﱫ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞﱪ [األنعام .]108:ومسندً ا للشيطان:ﱫ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸﱪ [األنفال .]48:ومسندً ا إىل الرشكاء:ﱫﮱ ﯓ ﯔ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﱪ [األنعام.]137:
مبنيا ملا مل يسم فاعله :ﱫ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﱪ [فاطر.]8: وجاء ًّ
وكذلك جاءت اهلداية مسندة إىل الباري ج َّلت ُقدرته:ﱫﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱪ
[البقرة.]142:
:ﱫ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﱪ [الشورى.]52: ومسندة إىل نبيه
وأثبت املشيئة ونفاها:ﱫ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ ﯵﱪ [التكوير .]29-28:ونفى الرمي وأثبته :ﱫ ﭗ ﭘ ﭙ
-129-
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﱪ [األنفال.]17:
وذلك كله الختالف االعتبار مما ال خيفى عىل العقالء.
ومعلوم أن العرب تسند إىل ظرف الفعل ،كام يف قوله تعاىل:ﱫ ﭙ ﭚ ﭛ ﱪ
[الفجر .]4:أي يرسي فيه ،وقوهلم :هناره صائم وليله قائم.
لـه ٍّم يا ُأ َم ْي َم َة ِ
ناص ِ
ب» وتسند إىل سببه ،كام يف قول النابغةِ :
«كليني َ
وهذه أحوال املجاز املرسل املعروفة يف كتب البالغة.
وهلذا فإن احلكم بالتناقض كام أصل املناطقة يفتقر إىل االتفاق يف ثامن وحدات
كلها ترجع إىل نسبة واحدة هي احتاد النسبة احلكمية.
وكام يقول أبو حامد فإن اختالف األحوال ينفي التناقض .وأضاف :فإذا
تطرق التعدد واالنفصال إىل يشء من هذه اجلملة انتفى التناقض».
وهلذا فقد نص العلامء عىل أن قائل :مطرنا بنوء كذا كافر؛ إذا جعل التأثري
للنجم دون الباري جلت قدرته ،مؤمن إذا كان يقصد الوقت الذي جرت
العادة فيه بنزول املطر .قال املرتىض :ويف احلديث« :من قال سقينا بالنجم فقد
آمن بالنجم وكفر باهلل».
قال الزجاج :فمن قال مطرنا بنوء كذا وأراد الوقت ومل يقصد إىل فعل النجم
فذلك واهلل أعلم جائز كام جاء عن عمر ريض اهلل عنه أنه استسقى باملصىل
ثم نادى العباس :كم بقي من نوء الثريا ؟ فقال :إن العلامء هبا يزعمون أهنا
تعرتض يف األفق سبعا بعد وقوعها .فواهلل ما مضت تلك السبع حتى غيث
الناس.
-130-
فإنام أراد عمر :كم بقي من الوقت الذي جرت به العادة أنه إذا تم أتى اهلل
باملطر؟ قال ابن األثري :أما من جعل املطر من فعل اهلل تعاىل وأراد بقوله :مطرنا
بنوء كذا ،أي يف وقت كذا وهو هذا النوء الفالين ،فإن ذلك جائز ،أي أن اهلل
تعاىل قد أجرى العادة أن يأيت املطر يف هذه األوقات .ومثل ذلك روي عن أيب
منصور (.تاج العروس عند مادة ناء)
فإذا كان التأويل سائغ ًا مع ورود النص بالتكفري بناء عىل النيات والقصد فألن
ال يكفر بام مل يرد بخصوصه نص أوىل.
فلو منعت سدًّ ا للذريعة ملا كان ذلك بعيدً ا حتى ال يقع العوام الذين خيفى
عليهم ذلك يف ألفاظ مومهة .أما التكفري فهو أمر فيه صعوبة كبرية لقيام هذه
االحتامالت فال يكفر إال َمن اعتقد أن للشخص املستغاث به قدرة مستقلة عن
قدرة اهلل تعاىل وإرادة مستقلة عن قدره.
ويظهر من فقرات لشيخ اإلسالم أن قضية سد الذرائع بالنسبة للعوام حارضة
يف ذهنه دون اخلاصة الذين تأول توسلهم وهذا نص الفقرات :فيحمل قول
القائل :أسألك بنبيك حممد ،عىل أنه أراد :إنى أسألك بإيامنى به وبمحبته،
وأتوسل إليك بإيامنى به وحمبته ،ونحو ذلك ،وقد ذكرتم أن هذا جائز بال
نزاع .قيل :من أراد هذا املعنى فهو مصيب ىف ذلك بال نزاع ،وإذا محل عىل
بعد مماته من السلف كام نقل عن بعض هذا املعنى كالم من توسل بالنبى
الصحابة والتابعني وعن اإلمام أمحد وغريه كان هذا حسنا ،وحينئذ فال يكون
ىف املسألة نزاع .ولكن كثري من العوام يطلقون هذا اللفظ وال يريدون هذا
-131-
املعنى ،فهؤالء الذين أنكر عليهم من أنكر.
وهذا كام أن الصحابة كانوا يريدون بالتوسل به التوسل بدعائه وشفاعته،
وهذا جائز بال نزاع ،ثم إن أكثر الناس ىف زماننا ال يريدون هذا املعنى هبذا
اللفظ(.)1
وفرارا من تكفري الناس ذكر الذهبي ما ييل :رأيت لألشعري كلمة أعجبتني،
ً
وهي ثابتة رواها البيهقي ،سمعت أبا حازم العبدوي ،سمعت زاهر بن أمحد
الرسخيس يقول :ملا قرب حضور أجل أيب احلسن األشعري يف داري ببغداد،
دعاين فأتيته ،فقال :أشهد عىل أين ال ُأ َك ِّفر أحدً ا من أهل القبلة ،ألن الكل
يشريون إىل معبود واحد ،وإنام هذا كله اختالف العبارات.
قلت :وبنحو هذا أدين ،وكذا كان شيخنا ابن تيمية يف أواخر أيامه يقول :أنا
ال ُأ َك ِّفر أحدً ا من األمة .ويقول :قال النبي « :ال حيافظ عىل الوضوء إال
فمن الزم الصلوات بوضوء فهو مسلم(.)2
مؤمن»َ .
ثم إن االجتاه القائل بأن كل بدعة قبيحة وإن احلسن ال يسمى بدعة فإنه ال
يمنع التخصيص وهنا يقع التقاء الطرفني يف نقطة دقيقة تكاد جتعل اخلالف
لفظيا.
بينهام ًّ
فقد قال شيخ اإلسالم ابن تيمية بعد كالم طويل إلثبات عموم «إن كل بدعة
ضاللة».
-132-
فقد تبني أن اجلواب عن كل ما يعارض به من أنه حسن وهو بدعة :إما بأنه
ليس ببدعة وإما بأنه خمصوص فسلمت داللة احلديث ،وهذا اجلواب إنام هو
إذا ثبت حسنه(.)1
وكرر ذلك أكثر من مرة.
وإذا تدبرت يف أساس موقف االجتاه الثاين وجدته يدور حول احلسن ليخصص
به فعندما يقول النووي :إن حديث من أحدث يف أمرنا..احلديث خمصوص
بحديث من سن يف اإلسالم سنة حسنة ».....إنام يريد بذلك إلتامس احلسن
الذي خيصص بنفس الدرجة حديث «وكل بدعة ضاللة».
وهلذا قسم هذا الفريق البدعة إىل قبيحة وحسنة.
خمصوصا ،ومما يؤيد هذا الفهم
ً وقد ال تسميها بدعة وسمها إحدا ًثا حسنًا
التوفيقي أن األمثلة التي اختلفوا فيها كان حمور احتجاجهم يف الغالب ليس
اإلحداث أو احلدوث ولكن حول الدليل اخلاص أو العام الذي يشمل األمر
املحدث.
وهلذا فإن أصحاب تقسيم البدع اعتمدوا عىل الشاهد العام يف مسائل استحبوها
وقد قال الزقاق(:)2
هلـا بغـــري لفظـه ومــا بــدا وهـــل دعا األذين ليال والندا
مستحسنات ال نعم ذا فأعتمد من قولــه أصبـح واهلل محـد
-133-
معترب فطـب بـــذاك نفســا لشــاهـد الشــرع بأن اجلنسا
وهو يشري يف األبيات وما قبلهن لالختالف الواصب بني علامء املالكية يف
تعريف البدعة ويف الفروع الفقهية املرتتبة عىل هذا االختالف والتي ترجح يف
الكثري منها عند املتأخرين جانب احلسن.
وهذا ما أشار إليه بال»« ،نعم» فبال يشري إىل االجتاه املنكر وبنعم إىل اإلجتاه
املقرر وبقوله :ذا فاعتمد ،يشري إىل الرتجيح .وبقوله :لشاهد الرشع بأن
اجلنسا ...يشري إىل التعليل.
وإذا راجعت عرشات املسائل املختلف فيها بني الطرفني وجدهتم يتناقشون
حول الدليل اخلاص وحتى يف بعض القضايا التي احتد فيها النزاع كمسألة
التوسل فإن شيخ اإلسالم حرصه استقرائ ًيا يف ثالثة أمور منصوصة ،وبنفس
الدليل احتج اآلخرون بجواز التوسل ،باعتبار املنصوص شاهدً ا لغري
املنصوص ،باإلضافة إىل حديث األعمى الذي دار اجلدال حول تأويله وقد
صححه شيخ اإلسالم لكنه تأوله بدعائه عليه الصالة والسالم.
وإن كانت مسألة التوسل عند الطرفني تدخل يف تعريف اخلالف الفقهي ألهنا
تدور حول إثبات حكم رشعي من حيث التحريم أو اجلواز.
وحتى يف مسئلة االستغاثة التي تشتمل عىل شحنة عقدية ألن البعض رفعها
عن درجة النهي الدال عىل التحريم املدلول عليه بحديث :ال تستغيثوا يب
إنام يستغاث باهلل» إىل درجة الرشك األكرب أو األصغر .تراهم يف أثناء اإليراد
واإلصدار -عىل الرغم من األصل العام الذي اعتمده املنكر أو املقر حيث
-134-
اعتمد األول عىل اآليات العامة يف نداء األصنام واألنداد ،واعتمد األخر
عىل أصل الشفاعة والتربك بالشعر والريق -تراهم ينزلون إىل األدلة اخلاصة
فيستدل شيخ اإلسالم باحلديث املذكور ولكي يرد االعتضاد بأصل الشفاعة
بقوله إن االستغاثة هلا معنيان عام وخاص فالعام ال مانع منه وإنام اخلاص فهو
ما ال يقدر عليه إال اهلل فهو حمل احلديث ،ويرد اآلخرون بضعف ابن هليعة
وتدليسه -وهو أحد رواة حديث الطرباين املشار إليه -وبأن احلديث ورد عىل
سبب هو أمر املنافق الذي كان يؤذي املسلمني فقال أبو بكر ريض اهلل عنه
خاصا هبذه احلالة للتشديد يف
عىل هذا املنافق فيكون ً نستغيث برسول اهلل
شأنه بأن وكل أمره إىل اهلل تعاىل وتكون حادثة عني ال عموم هلا.
وهنا أيضا فهل يمكن التوفيق بأن النهي يدل عىل التحريم ويكون حمر ًما يف
احلالة التي أشار إليها شيخ اإلسالم وهي ما ال يقدر عليه إال اهلل ألن االستغاثة
باملخلوق واردة يف أحوال كثرية ومنها أحاديث الشفاعة وغريها ،أو يكون
املمنوع هو لفظ االستغاثة .واهلل أعلم.
ونجد الربزيل تلميذ ابن عرفة يطرد نفس الدليل ويعكسه عندما يقول إذا كانت
مسألة الرتاويح مجاعة إنام تركت يف زمنه عليه الصالة والسالم لقيام املانع وهو
خوف أن تفرض فإن الدعاء مجاعة مل يكن يف زمنه خو ًفا من أن يفرض بنفس
وعكسا.
ً العلة طر ًدا
تنبيه :اعلم أن كلام ذكرناه -يف هذه املسئلة التي جرت خال ًفا جتاوز حدود
آداب االختالف بني طوائف من أهل السنة دعواها واحدة ومصادرها واحدة
-135-
هي الكتاب والسنة وفهم سلف األمة ويرتبطون بوشائج املشيخة َّ
فقل أن
جتد منهم من مل يأخذ عن اآلخر – إنام هي مقدمات حتتاج إىل بحث منصف
للوصول إىل حد أدنى من االتفاق .وهذا ما توخيناه وهلل احلمد.
خالصة القول:
أن أصل هذا اخلالف يدور عىل ثالثة أصول:
أولً :هل البدعة صنف واحد أم أهنا أصناف بحسب الدليل الذي يشملها.
ثان ًيا :هل الرتك مع قيام الداعي يف التعبديات له داللة عىل النهي أو ال داللة
له عىل ذلك.
ثال ًثا :الفرق بني املوجب وبني املقتىض.
رابعا :الفرق بني إضافة املرتوك إىل عبادة حمدودة واعتقاده جزءا مكمال هلا فال
ً
يرشع أو عدم إضافته فريد إىل أصل اإلباحة أو االستحباب.
ونحن نرى صحة ما ذهب إليه اإلمام ابن عرفة من التفصيل بني ما أضيف إىل
عبادة بحيث يصبح وكأنه جزء منها فهذا غري مرشوع.
ونضيف إليه ثالثة ضوابط هي:
أولً :أن ال يعطى حكمً رشع ًيا كالوجوب أو الندب إذا مل يكن مشمولً بدليل
كاألدلة املتعلقة بالذكر الدالة عىل استحبابه يف كل األحوال فال جيوز ملن اختار
تلك األذكار أن يقول إهنا واجبة مثلً إال إذا كانت بنذر.
الضابط الثاين :أن ال حيكم هلا بثواب معني فإن من حيدد الثواب ومقاديره هو
الشارع والدليل عىل ذلك أن الصحايب الذي قال :اللهم ربنا ولك احلمد محدً ا
-136-
ً
مباركا فيه« .احلديث» لوال أن الشارع أخرب بعظم ثواهبا ما كان ريا طي ًبا
كث ً
ألحد أن حيدد هلا ثوا ًبا معينًا.
إال أنه يدل من جهة أخرى عىل أنه ال حرج عىل من انشأ حمامد يف إطار ما
علم من صفات اهلل تعاىل وأسامئه وأن األمر ليس فيه توقيف فهو عليه الصالة
والسالم مل يلمه عىل ذلك بل أقره وأثنى عليه.
الضابط الثالث :أن ال يشمل املرتوك دليل هني بالتحريم أو الكراهة.
تلك هي الضوابط التي سبق عن ابن عرفة شيخ املالكية بعضها فمن ترك
استكثارا من اخلري
ً ً
احتياطا فال لوم عليه ،ومن فعل القربات بضوابطها شيئًا
فهو عىل خري وال ينبغي أن ينكر البعض عىل البعض يف مواطن االجتهاد بله
التشنيع والتبديع «وإنام األعامل بالنيات».
ويف املسألة جمال فسيح وميدان واسع ولوال خوف اإلطالة واخلروج عن
الغرض لذكرنا من مسائل الصحابة والسلف ما يدل عىل سعة األمر فعال
ً
وتركا وإعاملً وأمهالً .واهلل سبحانه وتعاىل أعلم.
اجلهات األربع عندَ الشاطبِي ،وقد َت َر َك
ِ ولنرجع إىل ما كنا بصدده من تقرير
ابن عاشو ٍر. ُ
الشيخ ُ ركز ِ
عليه االستقرا َء ِ
الذي َّ
اجلهات التِي
ِ ِ
للجهات أ َّنه إنام َ
ذكر لالستقراء فِ عدِّ ِه
ِ الشاطبي
ِّ َ
إغفال َّ
ولعل
بواسطة ِ
هذه ِ ُ
يكون االستقراء فإ َّنام
ُ ُت ُ
عرف هبا املقاصدُ مبارش ًة وابتداءَّ ،أما
وليس جه ًة مستق َّلة ،وإ َّنام هو أداة للتأكد من املقصدية أو من رتبة
َ ِ
املذكورات،
ِ
املذكورات وإنام هو عينها .فافهم ليس ِقسمً ِمن
فاالستقراء َ
ُ ثبوهتا أو مكانتها،
-137-
ذلك فإنه دقيق واهلل املوفق .إن اإلستقراء إنام هو يف حقيقته سرب للظاهرة يف
اإلطراد من خالل عينات متعددة فهو ينقل الظاهرة من اجلزئي إىل الكيل ومن
الظني إىل القطعي ،لكن لو كان اخلطاب كل ًيا يف داللته أو قطع ًيا يف وروده ال
تكون لإلستقراء حاجة .إن املقصدية مفهومة بداية من كل جزئية؛ وهلذا فإن
ً
مسلكا عندما كان يستنبط الكليات وذلك يف حديثه الشاطبي جعل االستقراء
عن مقصد وضع الرشيعة ابتداء ملصالح العباد.
* طرق التعرف عىل املقاصد عند ابن عاشور:
قال ابن عاشور وهو يرسد طرق التعرف عىل املقاصد:
ِ
الرشيعة يف ترصفاتِا ،وهو عىل نوعني: استقراء
ُ أعظمها،
ُ الطريق األول :وهو
ِ
املثبتة ِ
استقراء َ
تلك العللِ اآلئل إىل ِ
املعروفة عل ُلهاُ ، استقراء األحكا ِم
ُ أعظمهام:
ُ
ِ
الرشيعة ِ
بمقاصد العلم
ِ َ
حصول ِ
باستقراء العللِ فإن ِ
مسالك الع َّلةَّ . ِ
بطرق
حلكمة م ّت ٍ
حدة ٍ ً
ضابطا ٍ
بسهولة ،أل َّننَا إ َذا استقرينَا عللً كثري ًة متامثل ًة فِ كونِا
ستنتج
ُ رشعي ،كام ُي
ٌّ فنجزم بأنَّا مقصدٌ
ُ نستخلص منها حكم ًة واحدة،
َ أمكن ْ
أن َ
قواعد ِ
املنطق. ِ حسب
َ حتصيل مفهو ٍم ك ٍّ
لّ ُ ِ
اجلزئيات ِ
استقراء ِمن
قول ِ
اإليامء فِ ِ ِ
بمسلك ِ
الثابتة ِ
املزابنة النهي ِ
عن ِ مثاله :أ َّننا إذا علمنا ع ّل َة
«أينقص
ُ ِ
بالرطب: الصحيح ملَن سأ َله عن ِ
بيع التم ِر ِ ِ
احلديث يف رسول اهللِ
ِ
يبس؟»َ .
قال :نعم .قال« :فال إذن»(.)1 طب إذا َ
الر ُ
ُّ
-1أخرجه أبو داود يف كتاب البيوع واإلجارات ،باب ما يف بيع التمر بالتمر رقم 3359والرتمذي يف كتاب
البيوع ،باب ما جاء يف النهي عن املحاقلة واملزابنة وقال حديث حسن صحيح رقم 1225ورواه غريمها.
-138-
الرطب أحد ِ
العوضني ،وهو ُّ اجلهل بمقدا ِر ِ
ُ ِ
املزابنة هي حتريم
ِ أن عل َة َ
فحصل لنَا ّ
املبيع باليابس.
منهام ُ
ني جهل ِ
أحد العوض ِ أن ع ّلتَه ُ ِ
اجلزاف باملكيلِ ،وعلمنا َّ بيع
عن ِالنهي ْ
َ وإذا علمنا
أن ع ّلتَه
بالغبن ،وعلمنا َّ
ِ ِ
إباحة القيا ِم عدم
علمنا َ ِ
استنباط الع َّلة .وإذا ْ ِ
بطريق
قول الرسول عليه السالم للرجل الذي قال له: بنص ِ اخلديعة بني ُ
األ َّمة ِّ ِ نفي
ُ
فقل :ال ِخالبة»(.)1
بايعت ُ
َ إين أخدع يف البيع« :إذا
الغر ِر ُ
إبطال َ العلل ك َّلها استخلصنا منها مقصدً ا واحدً ا ،وهو:
َ إذا علمنا ِ
هذه
ِ
املعاوضات. فِ
أو غر ٍر -يف َ
ثمن أو ُم ٍ
ثمن َ
اشتمل عىل خط ٍر ْ ٍ
تعاوض أن َّ
كل ٌ
خالف يف َّ فلم يبقَ
ْ
ٌ
تعاوض باطل. أو أجلٍ -فهو
مسلم آخر،
ٍ ِ
خطبة املسلم عىل
ُ خيطب
َ عن أن
النهي ْ
َ نعلم ٌ
ومثال آخر :وهو أننا ُ
ِ
الوحشة ذلك ِمن
ذلك هو ما يف َ
أن ع ّل َة َ
ونعلم َّ
ُ يسوم عىل ِ
سومه، َ أنعن ْ
والنهي ْ
َ
فنستخلص من ذلك مقصدً ا
ُ احلرمان ِمن ٍ
منفعة مبتغاة، ِ السعي فِ
ِ عن التِي ُ
تنشأ ْ
ِ
بانتفاء ِ
إلثبات اجلز ِم فنستخدم َ
ذلك املقصدَ ُ األخوة بنيَ املسلمنيَ ،
َّ دوام
هوُ :
والسائم
ُ األو ُل
اخلاطب َّ
ُ كان ِ
اخلطبة والسو ِم بعدَ السوم ،إذا َ ِ
اخلطبة بعدَ ِ
حرمة
أعرضا عمَّ رغ َبا ِفيه.
َ األول قدْ
َّ
النوع الثانِ ِمن هذا الطريق :استقراء أدلة أحكام اشرتكت يف ع ّلة ،بحيث حيصل
ُ
مراد للشارع.
ٌ بأن َ
تلك الع ّل َة مقصدٌ لنا اليقنيُ َّ
-139-
رواج الطعا ِم فِ األسواق.
ِ طلب قبل ِ
قبضه ،ع َّل ُته ُ بيع الطعا ِم َ
النهي عن ِ
ُ مثا ُله:
إطالقه عندَ اجلمهورِ ،ع ّل ُته
ِ بيع الطعا ِم بالطعا ِم نسيئ ًة ،إذا حُل عىل
والنهي عن ِ
ُ
رواجه.
ُ فيفوت
ُ الطعام يف ِّ
الذمة ُ أن ال يب َقى
ْ
مرفوعا« :من احتكر
ً مسلم عن معم ٍر
ٍ ِ
حلديث عن االحتكا ِر فِ الطعا ِم
والنهي ِ
ُ
إقالل الطعا ِم ِمن األسواق.
ُ طعا ًما فهو خاطئ»( .)1ع َّل ُته
ري تناولِه مقصدٌ من
رواج الطعا ِم وتيس َ
َ العلم َّ
بأن ُ ُ
حيصل ِ
االستقراء فبهذا
ِ
مقاصد الرشيعة.
الرواج إنام يكون بصو ِر ِمن
َ إن ُ
ونقولَّ : ِ
املقصد فنجعله أصلً فنعمدُ إىل هذا
َ
يرتكون الناس ال
ُ يكون بصو ٍر من املعاوضات؛ إِ ِذ
ُ َ
واإلقالل إنام املعاوضات،
رواج الطعام.
ِ عدم ِ
املعاوضات ال ي َُشى معه ُ التبا ُي َع .فام عدا
قبل ِ
قبضه .ومن هذا واإلقالة يف الطعام َ
ُ ُ
والتولية ُ
الرشكة ولذلك قلناُ :
جتوز
ُ
حصول ِ
الرشيعة ِ
مقاصد الرقاب الذي د َّلنا عىل َّ
أن من ِ القبيلِ كثر ُة األم ِر ِ
بعتق
احلرية.
َ
يكون أن ُ
يضعف احتامل ْ ُ
الواضحة الداللة ،التي الطريق الثاين :أدلة القرآن
بحيث ال َي ُشك يف
ُ ري ما هو ظاهرها بحسب االستعامل العريب،
املراد منها غ َ
ُ
شكا ال يعتدّ به. أن ُي ِ
دخل عىل نفسه َّ املراد منها إ َّ
ال من شا َء ْ
أن َ
اهلل أال ترى أنا نجزم بأن معنى:ﱫ ﭦ ﭧ ﭨ ﱪ [البقرةَّ ]183 :
ِ
الورق مكتوب يف
ٌ الصيام
َ أن ِ
اللفظ َّ ظاهر هذا
َ إن أوجبه .ولو َ
قال أحدٌ َّ :
-140-
ً
خطأ من القول. جلا َء
ِ
عليه إىل ِ
بنسبة ما حيت ِوي ُ
حيصل اليقنيُ قطعي ُه
َّ ِ
اللفظ متواتر
َ فالقرآن لكونِه
ُ
ُ
يضعف ٍ
واضحة ٍ
داللة حيتاج إىل
ُ ِ
الداللة الشارع تعاىل ،ولك َّنه لكونِه َّ
ظني ِ
احتامل معنًى ٍ
ثان إليها. ِ تطر ُق
ُّ
رشعي منه
ٍّ ٍ
مقصد أخذ ِ
الداللة َت َس ّنى لنا ُ املتن قو ُة َظ ِّن
قطعية ِ
ّ انضم إىل
َّ فإذا
ُ
يؤخذ من قوله تعاىل:ﱫﮌ ﮍ ِ
اجلدل يف الفقه ،مثل ما َ
اخلالف عندَ يرفع
ُ
ﮎ ﮏﱪ [البقرة ،]205:وقوله:ﱫ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﱪ [النساء ،]29:وقوله:ﱫ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
ﯣﯤﱪ [فاطر ،]18:وقوله:ﱫ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﱪ [املائدة ،]91:وقوله:ﱫ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﱪ [البقرة ،]185:ﱫ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ
ﯲ ﯳﱪ [احلج.]78:
تنبيه عىل مقصد.
رشعي أو ٌ
ٍّ ٍ
بمقصد ترصيح
ٌ ففي ّ
كل آية من هذه اآليات
الطريق ال يوجدُ له ٌ
مثال إال يف حالني: ُ ُ
السنة املتواتر ُة .وهذا ُ
الثالث: ُ
الطريق
ِ
الصحابة عملً من ِ
مشاهدة عمو ِم ُ
احلاصل من املعنوي
ُّ التواتر
ُ احلال األول:
مجيع املشاهدين.
فيه ُذلك يست ِوي ِ
علم بترشيٍع يف َ ُ
فيحصل هلم ٌّ النبي
ِّ
وقسم العملِ
ُ ِ
بالرضورة، ِ
الدين قسم املعلو ِم من
ُ يرجع
ُ ِ
احلال وإىل هذا
ِ
اجلارية املعبَّ ِ
الصدقة ِ
مرشوعية القريب من املعلو ِم رضور ًة؛ ُ
مثل ِ الرشعي
ِّ
بعضها ُ
باحل ُبس. عن ِ
-141-
ِ
انعقاد ُ
يقول بعد ِم بلغهَّ :
أن رش ًحيا ٌ
مالك حنيَ َ ُ
العمل هو الذي عناه وهذا
فرائض اهلل؛ َ
فقال مالك :رحم اهلل رش ًحيا ِ عن
بس ْ ُ
احلبس ،ويقول :أن ال َح َ
النبي
أزواج ِّ
ِ تك ّلم ببالده ‑ يعني الكوفة‑ ومل َي ِرد املدينة ،فريى آثار األكابر من
طاعن،
ٌ يطعن فيها
ُ حبسوا من أمواهلم ال ِ
وأصحابه والتابعنيَ بعدَ هم وما َّ
أن ال يتك َّلم إ ّ
ال فيمَ ِ
للمرء ْ ِ
وينبغي سبعة حوائِط.
ُ رسول اهللِ
ِ صدقات
ُ وهذه
أحاط ِ
به ُخ ً
ربا. َ
ِ
العيدين بعدَ الصالة. ككون ُخ ِ
طبة ِ ِ
العبادات كثري ٌة، ُ
وأمثلة هذا العملِ يف
ِ
أعامل ِ
مشاهدة الصحابة ِمن ُّ
تكرر ِ ِ
آلحاد ٌّ
عميل ،حيصل تواتر
ٌ احلال الثاين:
ِ
جمموعها مقصدً ا رشع ًيا. ستخلص من
ُ ُ
بحيث َي ِ
رسول اهلل
شاطئ هن ٍر باألهوا ِز،
ِ بن ٍ
قيس قال :ك َّنا عىل ِ
األزرق ِ البخاري عن
ِّ صحيح
ِ ففي
فرسه،
فقام يصلِّ وخلّ َ األسلمي عىل ٍ
فرسَ ، ُّ املاء .فجا َء أ ُبو ْبرز َة
عنه ُ نضب ُ
َ قدْ
ثم جا َء فقضَ َ
فأخذهاَّ ، أدركها الفرسَ .
فرتك صال َته وتبعها ح َّتى َ ُ فانطلقت
ْ
الشيخ َ
ترك صال َته ِ فأقبل يقول :انظروا إىل َ
هذا َ رجل َله ٌ
رأي ٌ صال َته .وفينا
وقال: رسول اهللِ
َ فارقت
ُ فقال :ما ع َّنفنِي أحدٌ ُ
منذ فأقبل َ
َ ِمن أجلِ َ
فرس.
وذكر أ َّنه
َ الفرس ْمل ِ
آت أهلِ إلَ الليلِ . َ وتركت
ُ صليت
ُ مرتاخ ،فلو
ٍ َّ
إن منزلِ
تيسريه». َ
فرأى ِمن ِ رسول اهللِ
َ صحب
َ
ِ
مقاصد أن ِمناستخلص منها َّ
َ رسول اهللِ املتعدد َة
ِ َ
أفعال فمشاهد ُته
العود إىل ثم إدراك ِ
ِ الصالة ِمن أجلِ
ِ ريَ .
فرأى َّ
َ فرسه َّ قطع
أن َ الرشع التيس ُ
ِ
الرجوع إىل
ِ ِ
مشقة استئناف صالتِه أولَ ِمن استمرا ِره عىل صالتِه َمع ُّ
جتشم ِ
-142-
ِ
أهله راجلً.
ِ
بالنسبة ٌ
مظنون ظ ًّنا قري ًبا من القطع ،ولك َّنه ِ
بالنسبة إىل أيب برز َة فهذا املقصدُ
ِ
وجه حمتمل؛ ألنه ُيتل ّقى منه عىل
إىل غريه -الذين َي ْروي إليهم خربه -مقصدٌ َ
الظن به»(.)1 ِ
وحسن ِّ ِ
التقليد
ٍ
تابعة ،وهي مقاصدُ ال حتىص وأخرى
َ ٍ
أصلية الشاطبي إىل مقاصدَ
ُّ ولقد صنفها
ذلك أبواب العبادات. ِ
الفقه بام يف َ ِ
أبواب أكثر
شملت َ
ْ
وأصل
البيوعَّ ،
ِ للرواج يف
ِ فروج ِ
واألنكحة َّ ِ
املعامالت ابن عاشور يف
وتوسع ُ
َّ
َ
وكذلك ِّ
احلق. ِ
بنظرية أوضح إىل حدٍّ ما َما ُي َّ
سمى َ ُ
بحيث ِ
احلقوق أنواع
َ
النكاح باعتبا ِره جذم نظام العائلة ،وغريه من املقاصد اخلاصة
ِ رشح مقاصدَ
َ
بأبواب الفقه.
ُ
فالرشيعة ِ
باألبواب ال تُىص. أن هذه املقاصدَ اجلزئي َة أ ِو املحدود َة
واحلق َّ
ُّ قلت:
ُ
ُ
اإلنسان. يسعى إليها
غايات َ
ٌ ك ُّلها ِح ٌّ
كم ،وكلها عندَ التأملِ
أصل من ِ
مسلك اإليامء ،وهو ٌ ٍ
حامد الغزا ُّيل رمحه اهلل تعاىل يف فاألمر كام قال أبو
ُ
ُ
يدخل ذكر أمثل ًة لإليامء« :هذا وأمثا ُله ممَّا ُ
يكثر وال أن َ ِ
املقاصد بعدَ ْ أصول هذه
ِ
كتاب «شفاء ِ
تفصيلها يف ِ
التنبيه ال تنضبط .وقد أطنبنَا يف حتت احلرص .فوجو ُه
َ
القدر ٍ
كاف ههنا». ُ الغليل» وهذا
سواء
ٌ ٍ
وصف حادث، عقيب
َ َ
حدث حكم
ٍ اجلنس ُّ
كل ِ ُ
يلتحق هبذا وأضاف« :بل
والنكاح والترصفات؛ أو
ِ البيع
ِ امللك ِ
واحل ّل عندَ ِ ِ
كحدوث كان ِمن األقوال،
َ
-143-
كتحريم
ِ ِ
واإلتالف؛ أو من الصفات، كاشتغال ِّ
الذمة عند القتلِ ِ من األفعال،
ِ
احليض، ِ
طريان ِ
الوطء عندَ وحتريم
ِ ري، ِ
طريان الشدّ ة عىل العص ِ ِ
الرشب عندَ
ال َ
هذا، سبب ،ومل يتجدّ د إ َّ
ٍ ال بتجدُّ ِد
احلكم إ َّ
ُ ينقدح ْ
أن يقال« :ال يتجدّ ُد ُ فإ َّنه
وإن ْمل يناسب»(.)1
السبب ْ
ُ فإ ًذا َ
هو
رب خامس ًة يمكن ْ
أن تعت َ ُ ٍ
جهة أخرى أن املقاصدَ ُت ُ
عرف من ويعن يل َّ
ُّ قـلـت:
ُ
ُ
الرتك وليس
َ هي ُ
جهة الرتْك. ُ
اجلهة َ األربعِ ،
وهذه ِ ِ
جلهات الشاطبِ ِّي ِ
بالنسبة
ِ
كرتكه السجو َد يف متعمد من الشارع،
َّ هو ٌ
ترك ُ
فالرتك َ مراد ًفا للسكوت،
الشارع َ
بيان ِ الرتاويح ،الذي ُيعرف منه قصدُ
ِ ِ
وتركه صال َة مواضع السجود،
ِ
َ
تفرض وال يعتقدَ ِ
الوجوب ح َّتى ال مرتبة هذه العبادات ،وأهنا ال تر َقى إىل
فيها الفرض.
أما الرتك الذي مل تقم عليه قرينة القصد فهو موضوع خالف بني العلامء هل
يمكن أن يكون مناط حكم أولً كام أسلفنا يف هذا الكتاب.
مقام األوام ِر ،ومنف ِّيها الذي يعت ُ
رب تعرف من مث َبت األخبا ِر التِي ُ
تقوم َ ُ كام أهنا
تتبعه. ُ
يطول ُّ أمر
وهو ٌ نواهيَ ،
ِ
الصحابة وفتاوهيِم؛ ألنَّم كانوا ي َّتبعون املقاصدَ كام أنَّا ُتعرف من أحكا ِم
واملعاينَ .
واالقتصار يف ِ
درك ُ ّباع املعانِ ِ
الصحابة ات ُ املفهوم من
ُ ِ
اجلملة قال الغزايل :وعىل
َ
مسائل ِ
اليقني؛ فإهنم حكموا يف درك ِ
اشرتاط ِ الغالب َ
دون ِ املعانِ عىل الرأيِ
-144-
احلكم
ُ مجيعها إ َّ
ال جيمع َ
ُ املناهج ،ال
ِ ِ
ومتباينة ِ
الطرق ِ
متفاوتة َ
بمسالك ٍ
خمتلفة
النبي عليه الصالة
قرر ُّ ِ
باالجتهاد الذي َّ املراد
ُ األرجح ،وهو
ِ ِ
األغلب بالرأيِ
والسالم معا ًذا عليه»(.)1
ِ
ألصول جامعا ِّ
موض ًحا ً رشح َّ
املوطا -كال ًما املسوى ِ
هلوي -يف َّ
ُّ قال و ُّيل اهللِ الدِّ
للشارع ُّ
يدل عىل الرضا ِ ٍ
خطاب عرف املقاصدُ من ِّ
كل ِ
املقاصد :و ُت ُ ِ
استنباط
ِ
السخط الذي أو ُّ
يدل عىل ِ
الندبْ ، الوجوب أ ِو
ِ يتفاوت ليمثَّل درج َة
ُ الذي
ِ
الكراهة». التحريم أ ِو
ِ يتفاوت ليمثَّل درج َة
ُ
فيعلم
ُ ُ
والسخط ذلك يف مقدِّ متِه لذلك الرشح بقولهَّ :أما الرضا
عن َ وعبَّ ْ
ِ
والرمحة واللعنة، واحلب والبغض،
ِّ الصيغ الدا َّلة عىل ِّ
الرضا والسخط، ِ من
ِ
واملالئكة وأهلِ اجل َّنة، ِ
املرض ِّيني مثلِ األنبياء ُ
ونسبة الفعلِ إىل ِ
والبعد، ِ
والقرب
واملنع،
ِ ِ
والطلب، أو إىل غ ِ
ري املرض ِّيني مثلِ الشياطني ،واملنافقني ،وأهلِ النار.
العرف مثلِ املِسك ،أو
ِ ٍ
بمحمود يف ِ
والتشبيه ِ
اجلزاء املرتَّب عىل الفعل، ِ
وبيان
مع ِ
بفعله ،أو اجتنابِه عنه َ النبي العرف مثلِ ِ
قيء الكلب ،واهتام ِم ِّ ِ مذمو ٍم فِ
حضو ِر ِ
داعيه.
املسمى
َّ املؤك ِد
ري َّ َ
والرضا غ ِ املؤك ِد ا ُملسمى بالوجوب،
الرضا َّ التمييز ب َ
ني ِّ ُ أ َّما
املسمى
َّ ري َّ
املؤكد ِ
والسخط غ ِ املسمى باحلر َمة،
َّ املؤكد ِ
السخط َّ ِ
وعن بالندب،
مثل قولِه حال ِ
خمالفه ُ يَّ َ
وأرصحه ما ب َ
ُ الرشعية،
َّ بتتبع الدالئلِ ُ
فيحصل ُّ بالكراهة،
َ
«من
شجاعا أقرع» .وقوله ْ :ً ِ
القيامة «من ْمل يؤ ِّد زكا َة مالِه ُم ِّثل َله ما ُله َ
يوم ْ :
-145-
ال فال حرج».
ركن اإلسالم ،أو الكف ِر ،والتشديدُ ِ
اليشء َ ُ
وجعل حيل» مثل ِ
لفظ« :جيب» و«ال ُّ
«ليس ِمن املرو َءة» و«ال ينبغي». ُ
ومثلَ : فعله أو ِ
تركه، البالغُ علَ ِ
ليست
ْ ِ
التالوة عمر« :سجد ُة مثل ِ
قول َ ِ
الصحابة يف َ
ذلك ُ الفقهاء ِمن
ِ حكم
ُ ثم
َّ
ِ
الصامت« :إن الوتر ليس بواجب». عمر وعبادة ِ
بن ِ
وقول ِ
ابن َ بواج َب ٍة»،
هو
أو َ ِ
لذريعة اإلثم؟ ْ ٍ
طاعة؟ أو سدٌّ ُ
تكميل املطلوب ْ
هل هو ِ وبالتأملِ يف ِ
حال
ركن ِمن ٌ
داخل فِ ٍ هو
مؤكد ،أم َري َّ ُ
فيكون غ َ ِ
السمت؟ ِ
وحسن ِمن ِ
باب الوقا ِر
فيكون َّ
مؤكدً ا»(.)1 ُ إثم ِمن الكبائ ِر؟
أو ٌ ِ
أركان اإلسال ِمْ ،
وقد أبان ذلك وزاد عليه يف كتابه «حجة اهلل البالغة» فقال :باب كيفية فهم
املعاين الرشعية من الكتاب والسنة :واعلم أن الصيغة الدالة عىل الرضا
والسخط هي احلب والبغض والرمحة واللعنة والقرب والبعد ونسبة الفعل
إىل املرضيني أو املسخوطني كاملؤمنني واملنافقني واملالئكة والشياطني وأهل
اجلنة والنار والطلب واملنع وبيان اجلزاء املرتتب عىل الفعل والتشبيه بمحمود
بفعله أو اجتنابه عنه مع حضور دواعيه يف العرف أو مذموم واهتامم النبي
وأما التمييز بني درجات الرضا والسخط من الوجوب والندب واحلرمة
والكراهية فأرصحه ما بني حال خمالفه مثل من مل يؤد زكاة ماله مثل له احلديث
ومن ال فال حرج ثم اللفظ مثل جيب وال حيل وجعل اليشء ركن وقوله
اإلسالم أو الكفر والتشديد البالغ عىل فعله أو تركه ومثل -ليس من املروءة
-146-
وال ينبغي -ثم حكم الصحابة والتابعني يف ذلك كقول عمر ريض اهلل عنه إن
سجدة التالوة ليست بواجبة وقول عيل ريض اهلل عنه إن الوتر ليس بواجب
ثم حال املقصد من كونه تكميال لطاعة أو سدا لذريعة إثم أو من باب الوقار
وحسن األدب وأما معرفة العلة والركن والرشط فأرصحها ما يكون بالنص
مثل كل مسكر حرام ال صالة ملن مل يقرأ بأم الكتاب ال تقبل صالة أحدكم
حتى يتوضأ ثم باإلشارة واإليامء مثل قول الرجل واقعت أهيل يف رمضان قال
أعتق رقبة وتسمية الصالة قياما وركوعا وسجودا يفهم أهنا أركاهنا.
:دعهام فإين أدخلتهام طاهرتني»( .)1يفهم اشرتاط الطهارة عند لبس قوله
اخلفني ثم أن يكثر احلكم بوجود اليشء عند وجوده أو عدمه عند عدمه حتى
يتقرر يف الذهن عليه اليشء أو ركنيته أو رشطيته بمنزلة ما يدب يف ذهن
الفاريس من معرفة موضوعات اللغة العربية عند ممارسة العرب واستعامهلم
إياها يف املواضع املقرونة بالقرائن من حيث ال يدري وإنام ميزانه نفس تلك
الرجز وتكرر ذلك
املعرفة فإذا رأينا الشارع كلام صىل ركع وسجد ودفع عنه ّ
جزمنا باملقصود .وإن شئت احلق فهذا هو املعتمد يف معرفة األوصاف النفسية
مطلقا فإذا رأينا الناس جيمعون اخلشب ويصنعون منه شيئا جيلس عليه
ويسمونه الرسير نزعنا من ذلك أوصافه النفسية ثم ختريج ملناط اعتام ًدا عىل
وجدان مناسبة أو عىل السرب واحلذف .وأما معرفة املقاصد التي بني عليها
األحكام فعلم دقيق ال خيوض فيه إال من لطف ذهنه واستقام فهمه وكان فقهاء
-147-
الصحابة تلقت أصول الطاعات واآلثام من املشهورات التي أمجع عليها األمم
املوجودة يومئذ كمرشكي العرب كاليهود والنصارى فلم تكن هلم حاجة إىل
معرفة ملياهتا وال البحث عام يتعلق بذلك أما قوانني الترشيع والتيسري وأحكام
الدين فتلقوها من مشاهدة مواقع األمر والنهي كام أن جلساء الطبيب يعرفون
مقاصد األدوية التي يأمر هبا بطول املخالطة واملامرسة وكانوا يف الدرجة العليا
من معرفتها ومنه قول عمر ريض اهلل عنه ملن أراد أن يصل النافلة بالفريضة
أصاب اهلل بك يا ابن اخلطاب وقول ابن هبذا هلك من قبلكم فقال النبي
عباس ريض اهلل عنهام يف بيان سبب األمر بغسل يوم اجلمعة وقول عمر ريض
اهلل عنه وافقت ريب يف ثالث وقول زيد ريض اهلل عنه يف املنهي عنها إنه كان
يصيب الثامر مراض قشام دمان الخ وقول عائشة ريض اهلل عنها لو أدرك النبي
ما أحدثه النساء ملنعهن من املساجد كام منعت نساء بني إرسائيل وأرصح
طرقها ما بني يف نص الكتاب والسنة مثل(.)1
ألن َ
كل ِ
الستنباط املقاصد؛ َّ ستودعا
ً ُثل ُم ِ
اإليامن ت ُ قلت :ويبدو يل أن ُش َ
عب ُ
ِ
العبادات أم من كانت من ِجنس
ْ ُ
شتمل عىل معنى من املعاين ،سوا ًء ُش ٍ
عبة َت
ِجنس املعامالت.
كانت
ْ سواء
ٌ ال االستقراء، ِ
املقاصد إ َّ ِ
حرص ٌ
دليل عىل فإنه ال يوجدُ ِ
وباجلملة ُ
تابع ًة.
أو َ أو جزئي ًة أصلي ًة ْ
مقاصدَ كلي ًة ْ
التعرف عىل
ُّ ِ
خالل وسائلِ ِ
الرشيعة من ِ
نصوص االستقراء املعتمدُ عىل
ُ وهذا
-1الدهلوي ،حجة اهلل البالغة .288/1
-148-
كانت
ْ احلرص ،التِي ْ
وإن ِ دعوى مسالك الع َّل ِة َّ
‑ أدى إىل َ ِ ِ
املقاصد عىل غرا ِر
والتحسيني،
ِّ واحلاجي
ِّ الرضوري
ِّ ِ
باملقاصد الثال َثة: مقبول ًة فِ تع ُّلق األحكا ِم
فإن َ
ذلك ْمل ِ
الثالث؛ َّ ِ
املراتب يمكن نم ُيها إىل إحدَ ى
ُ ِ
الرشيعة وأن َّ
كل أحكا ِم َّ
ُ
تتعلق هبا للشارع ،وبالتالِ
ِ ُ
تكون مقصود ًة أخرى عام ًة يمنع ِمن ِ
إجياد مقاصدَ َ ْ
تتباين معها ،فمقصدُ
ُ ِ
املقاصد ،وال مع َ
تلك تتقاطع َ
ُ مصلحيا
ًّ األحكام تع ُّل ًقا
ُ
شك من َ
تلك املقاصد. ِ
بدون ٍّ واالستخالفِ ،
هذه ِ ِ
العبادة ِ
العامرة ،ومقصدُ
ِ
العلة، ِ
مسالك ٍ
وبخاصة ِ
األصول ِ
أبواب بتتبع ُ
يكون ُّ ِ
املقاصد والتعرف عىل
ُّ
وهلذا ُ
يقول الشاطبِ ُّي:
الرشع أنَّا علَ رض َبني:
ِ ظهر لنَا ِمن ِ
التكليف َ املصالح فِ
َ الثالثَّ :
أن ُ الوج ُه
والنص،
ِّ كاإلمجاع،
ِ بمسالكه املعرو َف ِة؛
ِ الوصول إىل معرفتِه
ُ يمكن
ُ أحدُ مها :ما
الظاهر ِ
الذي نع ِّل ُل بِه، ُ هو
القسم َ
ُ ريها ،وهذا ِ
واملناسبة ،وغ ِ رب، ِ
واإلشارة ،والس ِ
ِ
ألجله»(.)1 إن رشعي َة األحكا ِم
ونقولَّ :
-149-
املشهد السادس
كيف نجنِى
واستخراجها ِمن مكامنِها َ
ِ ِ
استنباطها نعني هبذا َّ
أن املقاصدَ بعدَ
ثمرهتا؟ وكيف تنجدنا وترفدنا وتسعفنا وتتحفنا بفوائد ترشيعية؟
ليكون جمتهدا موصو ًفا
َ ترشيح املستثم ِر الذي هو املجتهدُ ؛
ُ فأول استثام ٍر هلا َ
هو َّ
ِ
املقاصد. ِ
بمعرفة الوصف ال بدَّ ِمن ا ِّت ِ
صافه ِ هبذا
ِ
املعرفة ،مها: ني ِمن
املجتهدين عىل دعامت ِ
َ الشاطبي اجتها َد
ُّ لقد بنَي
ِ
النصوص. ِ
ومقتضيات ِ
األلفاظ ِ
بدالالت ِ
العربية فيمَ يتع َّلق ِ
اللغة ُ
معرفة أولً:
االجتهاد باملعانِ ِمن
ُ ِ
الرشيعة مجل ًة وتفصيلً إذا تع َّلق ِ
مقاصد ُ
معرفة ثان ًيا:
أشار
َ ِ
االجتهاد ،وقدْ اخلامسة ِمن مسائلِ
ِ ِ
املسألة َ
وذلك فِ ِ
واملفاسد، املصالح
ِ
ِ
االجتهاد ُ
درجة ُ
حتصل قال« :إ َّنام ِ
الثانية عندما َ ِ
املسألة املعنى فِ
َ ذلك إلَ َ
هذا قبل َ
َ
-151-
ِ
الرشيعة علَ كاملِا». ِ
مقاصد فهم َ
اتصف بوص َف ِ
ني :أحدُ مهاُ : ملَن
َ
اشرتط َهذا اجلملة بأ َّنه ْمل َير ِمن األصولينيَ َمن
ِ تعليقه علَ ِ
هذه ِ وذكر ُ
دراز فِ َ
ري الشاطبِ ِّي. َ
الرشط غ َ
ِ
املقاصد «مجل ًة ِ
معرفة ِ
املتمثلة فِ ِ
القوية ِ
العبارات والشاطبي ِ
هبذه ُّ قلت:
ُ
ذلك ً
رشطا رضور ًيا وال غنَى ِ
املقاصد «عىل كامهلا» ‑ باعتبا ِر َ وفهم
ِ وتفصيلً»،
ِ
القواعد ِ
«بمالحظة ُ
البعض عنه
بِّ ُ
عام قد يع ُ
ري إلَ معنًى ٍّ ِ
للمجتهد ‑ يش ُ عنه
ُ
إمام احلرم ِ
ني. أشار ِ
إليه ُ اجلزئية» كام َ
َّ ِ
وتقديمها علَ الكلية
َّ
وأن َ
حييط العلوم ملك ًة ُلهْ ،
ُ َ
تكون أن ِ
املجتهدْ : ِ
رشوط السبكي فِ
ِّ ابن
وأشار ُ
َ
الشارع،
ِ يكتسب قو ًة ُ
يفهم َهبا مقصو َد ُ ُ
بحيث ويامرسها
َ الرشع،
ِ ِ
قواعد بمعظم
ِ
املنهاج.
ِ رشح
ِ ِ
السبك ِّي فِ ِ
الدين تقي ِ
وأبيه ِّ ِ
الدين تاج
وتكررت فِ كال ِم ِ
ْ
فقال: ِ
الرشيعة َ ِ
مقاصد ِ
معرفة ِ
الفقيه إلَ الحتياج
ِ ابن عاشو ٍر
ض ُ وتعر َ
َّ
ٍ
أنحاء: ِ
مخسة يقع علَ ِ
الرشيعة ُ املجتهدين بفق ِههم فِ
َ ترص َف َّ
إن َّ
ِ
االستعامل ِ
بحسب ِ
األقوال، تلك ِ
مدلوالت َ األو ُلُ :
فهم أقوالِا ،واستفاد ُة النحو َّ
ُ
ِ
االستدالل اللفظية التِي َهبا ُ
عمل ِ ِ
بالقواعد الرشعي
ِّ ِ
وبحسب النقلِ لغوي،
ِّ ا ُّل
ِ
الفقه. ِ
أصول علم ِ
بمعظمه ُ الفق ِه ِّي .وقدْ تك َّف َل
َ
استكمل الحت للمجت ِهد ،والتِي
ْ يعارض األد ّل َة التِي
ُ ُ
البحث عمّ النحو الثانِ:
ُ
بطل داللتَها أن َ
تلك األد َّل َة ٌ
ساملة ممَّا ُي ُ ليستيقن َّ
َ ِ
استفادة مدلوالتِا، َ
إعامل نظ ِره فِ
والتنقيح.
ِ ِ
باإللغاء عليها
ويقضِ َ
نظر فِ ً
معارضا َ عارض أعم َله ،وإ َذا أل َفى ُله
ِ الدليل سا ٌمل ِ
عن ا ُمل َ استيقن َّ
أن َ فإ َذا
-152-
رجحان ِ
أحدمها علَ َ
اآلخر. ِ أو
معاْ ،
ني ً ِ
كيفية العملِ بالدليل ِ
ورد الشارع علَ ْ
حك ِم َما َ ِ ِ
أقوال حكمه فِ
ُ قياس ما ْمل ي ِر ْد
ُ ُ
الثالث: النحو
ُ
ِ
مسالك بطريق ِمن ُط ِ
رق ٍ ِ
الثابتة ِ
الترشيعات عرف َ
علل أن َي َ
بعد ْ حكمه ِ
فيهَ ، ُ
العلة ا ُمل َّبي ِ
نة يف أصول الفقه.
حكمه فيمَ
ُ اس ال ُي ُ
عرف َ
حدث لل َّن ِ ث أو ِ
حاد ٍ حكم لفعلٍ ْ
ٍ إعطاء
ُ الرابع:
ُ النحو
ُ
يقاس ِ
عليه. نظري ُ
وال ُله ٌ ِ
الرشيعةَ ، للمجتهدين ِمن أد َّل ِة
َ الح
َ
يعرف ِع َل َل
ْ ِ
الثابتة عندَ ه َت َل ِّق َي َمن ْمل ِ
الرشيعة اخلامس :تل ِّقي ِ
بعض أحكا ِم ُ النحو
ُ
ِ
إدراك نفسه بالقصو ِر َعن
فهو ي ّتهم َ ِ
ترشيعهاَ . ِ
الرشيعة فِ ِ
أحكامها وال حكم َة
فيسمي َ
هذا ِّ ِ
الرشيعة، ب َس َع ِة
علمه فِ َج ْن ِ ُ
ويستضعف َ منها،
الشارع َ
ِ ِ
حكمة
دي.
بالتعب ِّ
ُّ النوع
َ
ِ
األنحاء ك ِّل َها(.)1 الرشيعة فِ ِ
هذه ِ ِ
مقاصد ِ
معرفة ٍ
بحاجة إلَ فالفقيه
ُ
ُ
األئمة أيضا َ
قال املصالح املرس َل ِةِ .
وفيه ً ِ رمحه ُ
اهلل حجي َة أثبت ٌ
مالك ُ وفِ هذا النح ِو َ
والتحسيني ِة»...
()2
ّ احلاجي ِة
ّ ُ
وأحلقوا َهبا ِ
الرشعية الرضور َّية، الكلي ِ
ات َّ ِ
بمراعاة
ِ
األغالط ضخاض ِمن
ٍ ويتوح ُل فِ َخ
َّ ِ
العلامء صِّ ُ
بعض أيضاِ :
«ومن هنا يق ُ َ
وقال ً
ويوج ُه رأ َيه إلَ
ِّ ِ
األلفاظ، ِ
الرشيعة علَ اعتصا ِر ِ
استنباط أحكا ِم يقترص فِ
ُ حنيَ
ُ
وهيمل ما قدمنا ُه يستخرج ُل َّبه.
َ ُ
ويأمل ْ
أن مقتنعا بِه ،فال ُ
يزال يق ِّل ُبه وحي ِّل ُله ً ِ
اللفظ
ِ
والسياق. ِ
واالصطالحات ِ
القرائن حيف بالكال ِم ِمن حا َّف ِ
ات ِ
االستعانة بمَ ُّ ِمن
-1ابن عاشور مقاصد الرشيعة .40/3
-2نفس املرجع .41/3
-153-
الترشيع»(.)1
ِ مقام
عليها ُ ِ
االستعانة َ وأحوجه إىل
َ ِ
الداللة وإن َّ
أدق مقا ٍم فِ َّ
املقاص ِد»:
ِ ُ
مدارك أو أكنس ُة حمائر أو
ُ
ُ
الشيخ ُ
والعالمة الشاطبي
ُّ َ
إسحاق ِ
املقاصد أ ُبو دندن حو َله أ ُبو ِ
ولبيان ما َ قلـت:
ُ
ُ
نقول :املراد باالستنجاد هو إدراك طبيعة بن عاشو ٍر رمحهام اهلل تعاىل
الطاهر ُ
ُ
التعامل مع املقاصد وباملقاصد وأهنا ليست تر ًفا ذهن ًيا وال ثقافة عامة يتعاطاها
موضوعا فلسف ًيا جمر ًدا أو نظر ًيا.
ً الصحفي واالجتامعي وال
إهنا أداة الستنباط األحكام الرشعية اخلمسة وبالتايل لتكون كذلك ال بد أن
تنزل من سامء التنظري إىل أرض العمليات ومن التصور الذهني إىل ميدان
التطبيقات.
أنيمكن ْ
ُ ِ
األصول، منحى ِمن مسائلِ
أكثر ِمن ثالثنيَ ً ِ
باملقاصد فِ َ إ َّنه ُيستنجدُ
ِ
ظباء ومكانس
ُ مكامن لؤل ِؤ ِ
احل َكم، ُ ري َهلا كلم َة املحائ ِر واألكنِ ِ
سة؛ ألنَّا نستع َ
ِ
أجناسها: وأقناس
ُ وجذور أرومتِها،
ُ املقاصد،
ريها ِ
وجوده فِ نظ ِ مع ِ
االجتهاد َ حمل ِ
املسألة ِّ ِ
بخصوص نص حيث َ
ال َّ ُ أولً:
هو الع َّلة.
جامع َ
ٍ ٍ
وصف ِ
لوجود عليها
فتقاس َ
ُ
بعض مشموالتِه ِمن دائرة
ِ إخراج
ِ ُ
احلاجة إىل متس
عموم ُّ
ٌ ُ
حيث يوجدُ ثان ًيا:
ِ
التخصيص النوع ِمن
ُ ٍ
قياس ،وهذا أو ص ِمن ٍّ
نص ْ دون ظهو ٍر ِّ
خمص ٍ العمومَ ،
ِ
االستحسان. ِ
رضوب رب رض ًبا ِمن ِ
باملقاصد يعت ُ
لمت ِمن ٍ
قاعدة ُع ْ يكون خمال ًفا ألصلٍ ْ
أو ُ لكن تطبي َقه قدْ
نص َّ ثال ًثاُ :
حيث يوجدُ ٌّ
-154-
أخرى. ٍ
نصوص َ
القرينة املقصد َّي ِة لبيانِه.
ِ بيان ،في ُ
لجأ إلَ املجمل إلَ ٍ ُ
ُ حيتاج
ُ رابعاُ :
حيث ً
أساس التأويلِ .
َ َ
ليكون املقصدُ ِ
املقصد ِ
بداللة عن الظاه ِر خامساُ :ي ُ
عدل ِ ً
عاما َيرى أ َّنه ِ
املقاصد ليقدَّ م املجتهدُ ًّ ِ
ضوء ِ
النصوص علَ الرتجيح بنيَ
ُ سادسا:
ً
بقياس علَ َما ُ
خيالفه. ٍ أو يعتضدُ ٌّ
نص خاصا ْ .
ويرد ًّ ِ
باملقصد ُّ ُ
ألصق
التوقيفي ِمن غ ِ
ريه. ِّ ِ
املدينة سابعا :فِ متيي ِز عملِ أهلِ
ً
ُمل علَ الرأيِ ِ ،من قولِه ِ
الذي ي ُ
ُمل علَ بِ ِ
الذي ي ُ ثامنًا :لتميي ِز ِ
قول الصحا ِّ
الرفع.
َّ
ِ
املناسب أي فِ انعدا ِم
معينةْ ، نص َ
وال مناسب َة َّ كم ُ
حيث ال َّ ِ
إحداث ُح ٍ تاسعا :فِ
ً
ِ
املرسلة. ِ
باملصلحة تسمى ِ
املقصد هنا َّ ِ
بنوعيه .ومراعا ُة املعت ِ
رب
عن َ
هذا الدليلِ بَّ ْ ِ
واملئاالت ،وقدْ يع ُ والذرائع
ِ ِ
احلامية ِ
للمقاصد فِ ُتاج ً
عارشا :ي ُ
ِ
املئاالت. الذرائع وبالنظ ِر فِ
ِ بسدِّ
املدح أ ِو َّ
الذ ِّم. ِ النهي أ ِو
ِ احلكم ِ
مناط األم ِر أ ِو ِ ونوع
ِ ِ
درجة تقرير
ُ شَ: ِ
احلادي ع َ
تفاوت َما
َ وبالدرجة نعنِى:
ِ مندوب؟
ٌ أو ٌ
كراهة ْ أو
هو حتر ٌيم ْ بالنوعْ :
هل َ ِ فنعنِى
وحرام كذلك .
ٌ ريه، واجب لذاتِه ْ
أو لغ ِ ٌ َ
فهناك الواجبات فِ ِ
نفسها، ِ بنيَ
ِ
عمومه لغ ِ
ريه. أو
والسالمْ ،
ُ احلكم بِه ِ
عليه الصال ُة ِ ُ
خصوصية الثاين عشَ:
مفهوم املخال َف ِة.
ُ ُ
الثالث عشَ:
مفهوم املواف َق ِة.
ُ الرابع عشَ:
ُ
اخلامس عشَ :تقييدُ املط َل ِق.
ُ
-155-
املسببات.
َّ ِ
األسباب وقصدُ وضع
ُ السادس عشَ:
ُ
االستصحاب.
ُ السابع عشَ:
ُ
ُ
االستحسان. الثامن عشَ:
ُ
ِ
امللغاة. ِ
واملصلحة ِ
املعتربة ِ
املصلحة ُ
الفرق بنيَ التاسع عشَ:
ُ
ِ
التعارض. اجلمع بنيَ األد َّل ِة عندَ
ُ العرشونَ :
ِ
التعارض. الرتجيح بنيَ األد َّل ِة عندَ
ُ ِ
احلادي والعرشونَ :
ِ
والنواهي. املنفي ِة منزل َة األوام ِر ُ
تنزيل األخبا ِر املثبتَة أ ِو َّ الثاين والعرشون:
ِ
ومعقولية املعنَى. التعب ِد
الثالث والعرشون :بنيَ ُّ
ُ
احلكم. ِ
املقصد املؤ ِّثر فِ ُ ِ
طبيعة ُ
االختالف فِ الرابع والعرشونَ :
ُ
اخلامس والعرشون :تعدد املقاصد أو االقتصار عىل مقصد واحد مما يؤثر
يف احلكم.
كم.
بح ٍ
بعض ُ الناس َ
دون ٍ ِ اختصاص ِ
بعض ُ السادس والعرشون:
ُ
ليس تفصيلً ألم ٍر. ُ
أفعال املقتدَ ى بِه ممَّا َ السابع والعرشون:
ُ
ُّ
الدال علَ العف ِو. السكوت
ُ الثامن والعرشون:
ُ
املشاه ِد.
ِ التاسع والعرشون :إشار ُة النبِ ِّي
إلفها ِم ُ
ِ
والرشوط. ِ
واإلبطال التصحيح
ِ ِ
العقود فِ ِ
قصود املنحى الثالثونَ :مراعا ُة
َ
عن ُع ِ
قود ِ
عروف ْ ِ
باملقاصد يف ْتَيي ِز ُع ِ
قود املَ املنحى َ
احل ِ
ادي وال َّثالثونُ :يستنجدُ َ
كايسة الص ِ
َّفة وعقود التربعات العطاء العقد حكمً بني حكمني. ِ ا ُمل
املنحى الثاين والثالثون :أن العلة املستنبطة ال يمكن أن تلغي احلكم املعلل هبا
-156-
يف حال ختلف العلة.
املنحى الثالث والثالثون :فهم مقصد الشارع من داللة اللفظ سواء كان
لفظ الشارع أو لفظ راوي احلديث مما يرتب حكمً ختتلف درجته باختالف
الصيغ.
املنحى الرابع والثالثون :قد يؤثر مقصد عام يالحظه املجتهد من خالل نصوص
عدة يف احلد من تأثري مقصد خاص ليخفف من اطراده ومن احلاحه يف كل
املحال.
أو أكنس ًة ُ
نقول: َ
مدارك ْ أو
حمائر ْ
نسميها َ
َ يمكن ْ
أن ُ التي ِ
املناحي ِ ولرشح ِ
هذه ِ
ٍ
منصوص نص ِ
فيه بأصلٍ إلحلاق فر ٍع َ
ال َّ ِ ِ
باملقاصد االستنجاد
ُ األو ُل:
املنحى ُّ
َ
بقياس الع َّل ِة.
ِ يسمى جامع َ
وهذا َما َّ ٍ ٍ
لوصف
ِ
للوصول إليها، عن الع َّلة
الباحث ِ
ُ الطرق التِي يسلكها
ُ هي َ
مسالك الع َّلة َ َّ
إن
ليس بالقص ِ
ري. منذ ٍ
وقت َ األصول ُ
ِ علامء
ٌ ٌ
منضبطة ضبطها وهي ٌ
طرق َ
ٍ
وبخاصة إ َذا استبعد َنا احلكم،
ِ أمارات عىل
ٌ ُ
العلل مقاصدَ ألنَّا ُ
تكون قدْ َ
ال
ِ
وجود املعنَى وإشارات إىل
ٌ عالمات
ٌ باحلكمة التِي َ
هي املقصدُ ؛ ألنَّا ِ َ
التعليل
ِ
النصوص . نص ِمن ِ
املقصدي فِ ٍّ
ِ
املقاصد؛ ِ
مسالك ً
مسلكا من رب يمكن ْ
أن ُتعت َ ُ فإن العل َة املنصوص َة ومع َ
ذلك َّ
ِ
ككلمة :ﱫ ﭑ ﭒ ﱪ املقص ِد العلة ِهي ُ
نفسها الدَّ ُ
الة علَ َ ِ الناص ُة عىل ُ
فاأللفاظ َّ
وﱫ ﯺ ﱪ ،ﱫ ﯖ ﯗﱪ .
أو تلو ًحيا «إيامء»،
ص ترص ًحيا ْ ِ
طريق ال َّن ِّ عن ُ
يتعرف عليها ْ كالعلة التِي
ِ فاملقصدُ
-157-
ً
استنباطا . إمجاعا ،أو
ً أو
ِ
بدون ٍّ
شك عال ُقتها املناسبة ِ
وهذه ُ رق ِه َي: ِ
بثالث ُط ٍ ُ
تكون ُ
املستنبطة ُ
والعلة
احلكم علَ
ِ ِ
املرتبطة بتنزيلِ ِ
املصلحة تقوم علَ
ُ ُ
فاملناسبة ٌ
واضحة؛ ِ
باملقصد
املصالح التِي
ِ مصلحة ِمن ِ
نوع ٍ نشوء
ُ يرتتب علَ َ
هذا التنزيلِ ُ ُ
بحيث الواقع،
ِ
الشارع بجلبِها.
ُ هيتم
ُّ
ِ
يفيدان ولو كانا
وعكسا ْ
ً ِ
والدوران طر ًدا والتقسيم
ِ رب َ
مسلكي الس ِ ال َّ
أن إ َّ
التناسب ِ
الذي رآ ُه ُ
بعض ُ ِ
وجوب ِ
يفيدان املقصد َّي َة إ َّ
ال باعتبا ِر العلي َة فإنَّام َ
ال َّ
األصولي ِ
ني.
ِ
املناسبة ِ
وجود العلي َة َ
دون ِ
األحيان َّ ِ
اإليامء قدْ يفيدُ فِ ِ
بعض َ
مسلك وح َّتى َّ
أن
رب احلكم َة الِتي ينبنِي َ
عليها املقصدُ . التِي ُتعت ُ
مها: بنوع ِ
يه ،و َ ِ
املناط َ تنقيح
ِ ُ
مسلك ِ
بق َي
الصالح للتعليلِ .
ِ ِ
الوصف واإلبقاء علَ
ُ ري املؤ ِّث ِ
رة ِ
األوصاف غ ِ طرد
ُ
منع سف ِر ِ
املناط فِ ِ فتنقيح
ُ جامع؛
ٍ ٍ
وصف وهو زياد ُة ِ
الفارقَ ، إلغاء
والنوع الثانِ ُ
ُ
وهو
أعم َ بوصف ٍَّ احلكم
ِ ِ
وإناطة املحرمية،
َّ ِ
وصف ِ
بإلغاء ري ِذي َ
حمر ٍم مع غ ِ ِ
املرأة َ
نتج
أو نسا ًء ‑ ُي ُ ِ
املأمونة رجالً ْ ِ
الرفقة تسافر فِ
ُ ِ
املرأة عىل ِ
عرضها فِ السف ِر أمن
ُ
ِ
الشبهة ِ
مواطن واملجتمع فِ
ِ ِ
املرأة ُ
صيانة األمن،
ُ أعم ِمن ِذي املحر ِم؛ َ
وهو عل ًة َّ
بامتياز ذلك هو املقصود برشع احلكم.
املقصد؛ إما مبارش ًةْ ،
أو ِ القياس ُّ
تدل علَ ِ باب املسالك التِي َّ
تفص ُل عاد ًة فِ ِ ُ فهذه
كالسف ِر املع َّللِ ِ
العلةَّ ، تكون متواري ًة ورا َء
ُ احلكمة التِي قدْ
ِ ِ
اإليامء إلَ ِ
طريق عن
ْ
-158-
الشارع ْ
أن ُ املشقة التِي يريدُ
ُ أن احلكم َة ِه َي
مع َّ ِ
النضباطه وظهو ِره َ ِ
القرص؛ بِه فِ
خي ِّففها؛ ﱫ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧﱪ [النساء. ]28 :
والنهي
ِ اعتبار عللِ األم ِر
َ الشاطبي َيرى
َّ فإن هو املقصدُ َ .
وهلذا َّ ِ
املشقة َ ُ
فتخفيف
ِ
الرشع ِّي. ِ
املقصد ِ
للتعرف علَ سبيلً
ِ
املناسب ف ِه َي تفيدُ املقصد َّي َة . كانت ِمن ِ
نوع ْ فإن العل َة إ َذا ِ
وباجلملة َّ
احلكمة فيهام فِ ِّ
حمل التعليلِ ، ُ مسلكان َ
ال َت ُ
ربز ِ مسالك الع َّل ِة
ِ ويتخلف ِمن
ُ
ِ
والدوران. رب ُ
املقصدية؛ ومها مسلكا الس ِ تظهر
ُ وبالتالِ َ
ال
والشيخ زكر َّياَّ :
إن ُ ُّ
والزركيش -شارح خمترص ِ
ابن احلاجب- ُ َ
قال األصفهاينُّ
ِ
الدورانْ ،
وإن سلك ِ
والوصف ا ُملدا ِر فِ َم ِ ِ
مسلك الس ِ
رب َ
الوصف املستب َقى فِ
املذكور ِمن
ُ احلكم عليهمَ املعنَى
ِ ِ
ترتيب حيصل عقلً ِمن
ُ ال ِ
للعلية ف َ يصلح
ُ َ
كان
األوصاف ِمن
ِ خلو ِ
هذه يلزم ِمن َ
ذلك ُّ ٍ
مفسدة ،وال ُ دفع
أو ِ ٍ
مصلحة ْ ِ
حصول
ِ
البينات. ِ
اآليات العبادي فِ
ُّ بحث فِ َ
ذلك َ حكم ٍة .وقدْ
َ ِ
االشتامل علَ
األربع ِة؛
َ ِ
أصناف الطعا ِم ِ
لربوية رب عل ًة ُ
وصف الكيلِ مثلً إذا اع ُت َ قلت :مثا ُله:
ُ
ألن ُ
املناسبة؛ َّ تظهر ِ
فيه ُ رب عندَ أبِ حنيف َة َ
ال ُ
الوصف املستب َقى فِ الس ِ أل َّن ُه َ
هو
تضم َن مصلح ًة ْ
أو َد َر َء مفسد ًة. املناسب كام يقول يف التنقيح هو :ما َّ
َ
ِ
مراقي رشحه لقولِه فِ
ِ ِ
البنود فِ ُ
يقول فِ ِ
نرش خاص ٌة كام
َّ ٌ
مالءمة ُ
فاملناسبة
السعود:
اع َتنَى ُّب ُ
احل ْك ِم َع َل ْيه َما ْ َت َرت َ ـب ا ْل ِذي َت َض َّمنَا ُث َّم ا ُملن ِ
َاس ُ
ب ِذي َسدَ ِاد سـدَ ٍة َأ ْو َج ْل ِ
َم ْف َ ـر َع ِم ْ
ـن إِ ْب ِ
عاد بِ ِه ا َّل ِ
ـذي َش َ
-159-
آلل الص ِ
دقة ِ منع َّ
ذلكُ : بمقص ٍدُ ،
مثال َ َ املنحى الثاين :يتمث َُّل فِ عمو ِم ي َُّص ُ
ص
ِ
الفيء َما يسدُّ يكن ُهل ْم ِمن
العموم بمَ إ َذا ْمل ْ
ُ ص هذا
فيخص ُ
َّ النبي
ِّ ِ
بيت
فإن سدَّ َخلتِهم أولَ ِمن سدِّ َخ َّل ِة غ ِ
ريهم ،كام يرا ُه هلم َّ َخ َّلتَهم .فإ َذا لَ ْ
يكن ْ
واحلنفي ُة.
َّ ُ
املالكية
ِ
ملصلحة ٍ
مالك للجنب استحسا ًنا عندَ
ِ ِ
القرآن احلائض ِمن عمو ِم ِ
منع ِ واستثناء
ُ
ِ
وحفظه. الكريم
ِ ِ
القرآن استذكا ِر
خاص ملخالفتِه أصلً ْ
أو قاعد ًة. ٍّ نص
عن مقتضَ ٍّ ُ
العدول ْ ُ
الثالث: املنحى
بيع الطعا ِم
منع ِ ِ
لقاعدة ِ املرص ِاة ملخالفتِه
َّ ِ
بحديث عن العملِ ِ
األحناف ِ ِ
كعدول
أخرى.
ثابت بنصوص َ
أمر ٌ ِ
املزابنة ،وهو ٌ منع ِ
وقاعدة ِ بالطعا ِم نسي َئ ًة،
بمقص ٍد أولَ ْ
أو أعلَ .كامتناع عمر َ ِ
اإلخالل النص إلَ
ِّ ُ
تطبيق لو َّأدى
كمَ ْ
الصحيح؛
ِ ِ
احلديث ذلك فِ ِ
ورود َ تغريب الزانِ البك ِر ،مع
ِ من تطبيق
التحاق ِ
املنف ِّي بالكفا ِر. ِ أل َّن ُه يؤ ِّدي إىل
ِ
دائرة املسلم فِ
ِ الناسَّ ،
وأن اإلبقا َء عىل ِ ِ
هداية الشارع علَ
ِ حرص
ُ وقدْ ُعلم
عنه: يل ريض ُ
اهلل ُ عليه وافتتانِه .وقد َ
قال ع ّ ِ ِ
العقوبة ِ
تطبيق اإلسال ِم أولَ ِمن
بالنفي فتن ًة.
ِ ك َفى
خمصصا لعموم النص فهو يف قوة
ً ومعنى ذلك أن املجتهد اعترب املقصد
االستثناء فكأن الشارع يغرب سنة إال إذا خيف كفره.
يعذب
ُ امليت
إن َ ريض ُ
اهلل عنهامَّ : َ عمر رب ِ
ابن َ ريض ُ
اهلل عنها خ َ َ ُ
عائشة وردت
َّ
وهوﱫ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﱪ [النجم.]38: ٍ
ثابت عامَ ، ببكاء ِ
أهله ،بأصلٍ ِ
-160-
يوص بِه». ٍ
ببكاء ْمل ِ عذ ُب واحلنابلة أيضاَ :
«وال ُي َّ ُ ُ
املالكية ني َ
قال ومجعا بنيَ الدليل ِ
ً
عمر علَ املوىص بِه. رب ِ
ابن َ محلً خل ِ
وهذا الصنيع هو تعامل مقصدي حيرص معنى احلديث يف املوىص به فيكون
خمصصا فيدرأ التعارض ويعضد هذا الفهم أهنم كانوا يف اجلاهلية
ً املقصد
يوصون بالنياحة كام يف قول طرفة:
يب يا اِب َن َة َمع َب ِد لَ َ
اجل َ َو ُش ِّقي َع َّ َفإِن ُم ُّت َفاِنعيني بِام َأنا َأه ُل ُه
وقول لبيد:
بيع َة َأو ُمضَ
َو َهل َأنا إِلّ ِمن َر َ عيش َأبوهُا
َتاي َأن َي َ
ََم ّنى اِبن َ
إىل قوله:
اعتذر
ْ ال ِ
فقد َو َم ْن َي ْب ِك َح ْو ًال كام ً ال ِم ع َل ُ
يكام الس َ
اسم ّ
ثم ُ إىل َ
احل ْو ِل َّ
مالك بن الريب:
الغ ِ
واديا حاب َ
الس َ ِ
سقيت َمس ُأ
الر ِ
َعىل َّ بور َو َس ِّلمي مت َفاِعتادي ُ
الق َ إِذا ُّ
أما عائشة ريض اهلل عنها فقد قدمت عموم اآلية وردت اخلرب مجلة وتفصيلً،
قائلة عن ابن عمر :إنه ما كذب ولعله نيس أو أخطأ.
ِ
للقرء ِ
األحناف بيان املجملِ باملعنى املقصدي ،ومثا ُله تفس ُ
ري املنحى الرابعُ :
َ
هو ُ
واحليض َ لرباءة ِ
الرحم. ِ باحليض َّ
ألن العد َة شُعت ِ جممل- ٌ -وهو ٌ
لفظ
تلك الربا َء ِة.
عالمة َ
ُ
ُ
فيكون املقصدُ ٍ
مقصدية، ٍ
لقرينة النص
ِّ ُ
العدول عن ظاه ِر املنحى اخلامس:
ِ
«املتبايعان باخليا ِر َما ْمل َ
حديث: ِ
واألحناف ِ
املالكية أساس التأويلِ ،كتأويلِ
َ
-161-
يتفرقا» .باملتساومني كام يقول الرشيف التلمساين يف كتابه مفتاح الوصول إيل
َّ
ختريج الفروع عىل األصول.
مرجوح لدليلٍ ،واملقصدُ
ٍ رصف لِ َّل ِ
فظ َعن ظاه ِره إىل معنًى ُ هو َ
التأويل َ َّ
وألن
َ
ضبط .وقد املجلس َ
ال حدَّ ُله وال ِ َّ
وألن البقا َء فِ ِ
املعامالت، ُ
االنضباط فِ هو
َ
أشار مالك رمحه اهلل إىل ذلك يف املوطأ.
ُ
يتمثل يف ِ
املقصد ،الذي قد ِ
ضوء الرتجيح بنيَ ُعمو َم ِ
ني علَ ُ املنحى السادس:
«من بدَّ ل كتقديم اجلمهو ِر خ َ
ربْ : ِ اآلخ ِر، ِ
وفقدها فِ َ علة يف ِ
أحد النصني، وجود ٍ
ِ
عنالنهي ْ
ِ ني ِمن ِ
املرتدة عىل ما ورد يف الصحيح ِ دينَه فاقت ُلوه» الذي يقتيض َ
قتل
ِ
احلربية النهي فَ الثانِ علَ
َ األو َل َّ
تضمن العل َة فحملوا رب َّ
ألن اخل َ ِ
النساء؛ َّ قتلِ
ِ
اخلصوص. َ
واألول علَ خال ًفا أليب حنيف َة فِ محلِ الثانِ علَ العمو ِم
قال يف مراقي السعود يف املرجحات:
ُح ْكمً ِ
وعــــ َّل ًة َك َق ْتلِ َم ْن َر َج ْع ــــــع
ْ بَ الذي جَ واملَدَ ين َ
واخل ُ
وخ ٍ
وف ُي ْع َل ُ
ـم ٍ
يــــد َ وما بِت ِ
َوك ـه لِع َّل ٍ
ـة َتــــــــــــ َقدُّ ُم و َما بِ ِ
َ
ريض حديث عائش َة
َ ِ
الشافعية ِ
كتعضيد الش ِ
به، ِ
قياس َّ نص فِ مقابِل
وتعضيدُ ٍّ
يقوم فيصلِّ» َّ
بأن ثم ُ ِ
بعرق اإلذخ ِر َّ عن ثوبِه َ
«كان يسل ُته ْ ني أ َّن ُه ُ
اهلل عنها يف املَ ِّ
ِ
نجاسة ِ
قاعدة ِ
اإلنسان طهار ُته ،فِ مقابلِ ِ
كرامة ِ
اإلنسان فمقتضَ ُ
أصل املني
َّ
ِ
البول. قياسا علَ
مالك ً ذهب ِ
إليه ٌ ني ،كام َ اخلارج ِمن ِ
أحد السبيل ِ ِ
ُ
فعمل أهلِ َ
القائلون بِه؛ حيتج ِ
به املدينة ِ
الذي ُّ ِ متييز عملِ أهلِ
السابعُ :
ُ املنحى
َ
ِ
التوقيف. ري مع َّلل حُل علَ إن َ
كان غ َ ِ
املدينة ْ
-162-
حج ًة ،فاملقاصدُ هنَا تفيدُ فِ ُ
يكون َّ ال ِ
االجتهاد والرأيِ ف َ ِ
طريق عن
منه ْ وما َ
كان ُ
ونسبه فِ َ
نرش ُ ِ
الفصول. إليه ِ
الباجي فِ أشار ِ
الرتجيح ،كام َ
ِ التميي ِز َ
وال تفيدُ فِ
ِ
البنود لألكث ِر.
ُمل الرفع ِمن قولِه ِ
الذي ي ُ ِ ُمل علَ بِ ِ
الذي ي ُ متييز ِ
قول الصحا ِّ املنحى الثامنُ :
علَ الرأيِ .
القياس.
َ َ
خالف ِ
التوقيف إ َذا ُ
حممول علَ يب ُ
فقول الصحا ِّ
القياس :فقال أبوحنيفة :ال يكون حجة.
َ وإ َذا وافقَ
”أكثر ما يب َقى الولدُ
ُ عنها: ريض ُ
اهلل تعالَ َ َ القياس ُ
قول عائش َة َ َ
خالف فممَّ
ِ
عبارة ِ
حسب ٍ
بقياس. ال يُتدَ ى إِ ِ
ليه هذا التحديدَ َ
فإن َ ِ
سنتان“؛ َّ بطن أ ِّم ِه
فِ ِ
ِ
الوصول. مفتاح
ِ التلمسانِ فِ
سمى
وهو َما ُي َّ ٌ
مناسبة معترب ٌةَ ، حيث َ
ال توجدُ ُ حكم
ٍ ُ
إحداث املنحى التاسع:
السجون ِمن ِقبلِ
ِ ِ
كإحداث ُ
املرسلة؛ املصالح
ُ ترجع ِ
إليه ُ باملناسب املرسلِ ِ
الذي ِ
لردع املجرمنيَ .
ِ عنه ريض ُ
اهلل ُ َ أم ِ
ري املؤمننيَ َ
عمر
ُ
املصلحة هو ِ
املعروف هبا «وتو ُّق ُع اإلقرا ِر َ ِ
بالرسقة املته ِم ِ
برضب َّ ِ
املالكية ِ
وقول
بردع
ِ ِ
األموال ُ
صيانة ال َّ
أن املقصدَ َ
هو ِ
البنود .إ َّ نرش ُ
يقول فِ ِ ُ
املرسلة» كام
املجرمنيَ .
ِ
واملئاالت. والذرائع
ِ ِ
احلامية ِ
للمقاصد فِ حيتاج
ُ ُ
العارش: املنحى
َ
ِ
املئاالت. الذرائع والنظ ِر فِ
ِ عنه بسدِّ
بَّ ُ
وهو املع ُ
َ
ِ
قصد التحايلِ علَ َّ
الربا؛ أل ُهنم ِ
العينة بنا ًء علَ بيع ُ
واحلنابلة َ ُ
املالكية منع
وقدْ َ
-163-
إليها.
يئول َ ِ
الزيادة و َما ُ حتريم
َ الشارع
ِ فهموا قصدَ
ُ
ِ
بالعينة ،وتار ًة باملح ِّلل ،وتار ًة حيل ا ُملرابني« :فتار ًة
يذكر َ
ُ ابن القيم وهو
قال ُ
علم ٍ
اشرتاط .وقدْ َ يطلقون العقدَ ِمن غ ِ
ري َ ثم ِ
عليهَّ ، بالرشط املتقدِّ م املتواطأِ
ِ
وروحه
ُ مقصوده
ُ َ
حرض أ َّنه عقدُ ر َبا، ِ
واملتعاقدان و َمن َ
الكاتبون والكرام
ُ ُ
اهلل
ٌ
حرف ِ
كخروجها ِ
السلعة ُ
ودخول ليس إ َّ
ال. ٍ
بعرشة نقدً ا َ مؤجل ًة بيع مخس َة َ
عرش َّ ُ
ٍ
عجوة ِ
مسألة مدِّ ال فعلوا ههنَا كمَ فع ُلوا (الشافعية) فِ
ريه .فه َّ
جا َء ملعنَى فِ غ ِ
َ
يكون املدُّ بأن ُ
جيعل وسيل ًة إىل ر َبا الفضل ْ ودره ٍم ،وقالوا :قدْ
َ ودرهم بمدٍّ
ٍ
التفاضل .فياهللِ
ُ فيقع
اآلخر ُ ِ
اجلانب َ َ
بعض مدٍّ فِ ني يسا ِوي فِ ِ
أحد اجلانب ِ
ُ
املوصلة إلَ ر َبا الذرائع
ُ وأبيحت َ
تلك ْ ُ
الذريعة رمت َ
تلك العجب! َ
كيف ُح ْ َ
خالصا؟!
ً ِ
النسيئة
ِ
مفسدة ِ
الثمن إلَ بحظها ِمن ِ
الصياغة ِّ ِ
ومقابلة بجنسها
َ ِ
احللية وأين مفسد ُة ِ
بيع َ
حصحص
َ بلية ،وإ َذا وأصل ِّ
كل َّ ُ ٍ
مفسدة أساس ِّ
كل ُ بوية التِي َ
هي الر ِاحليلِ َّ
()1
ُ
التوفيق». اجلاهل َما شا َء ،وباهللِ
ُ احلق فليقلِ
ُّ
يكون ِمن أهلِ العين َِة.
َ للمنع ْ
أن ِ ُ
املالكية َ
واشرتط
هي. احلكم ِ
مناط األم ِر وال َّن ِ ِ ونوع
ِ احلكم
ِْ ِ
مرتبة تقرير
ُ املنحى احلادي عرش:
ِ
كتابة الدين :ﱫ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ أمر
أن َكرتجيح اجلمهو ِر َّ
ِ
ِ
للدائن الدين ٌ
ملك َ واالستحباب ؛ َّ
ألن ِ ِ
للندب ﭚﭛ ﱪ [البقرة]282:
-164-
الرقيق فِ قولِه تعاىل:ﱫ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﱪ
ِ ُ
كتابة َ
وكذلك
بيعه َّ
وأن قضا َيا جيب ِ
عليه ُ للندب؛ أل َّنه َ
ال ُ ِ األمر
َ اجلمهور َّ
أن ُ [النور]33:؛ يرى
النفس واخلاط ِر؛ خال ًفا ملَا ُر َ
وي ِ ِ
وطيب ِ
واالستحباب ِ
الندب ترجع إلَ
ُ ِ
املواساة
الطربي.
ُّ ذهب ِ
إليه عنه ،و َما َ ريض ُ
اهلل ُ َ عمر
عن َْ
والسالم .
ُ احلكم بِه ِ
عليه الصال ُة ِ ُ
خصوصية املنحى الثاين عشَ:
دليل عىل فالعلة هنَا ِ
-وه َي املقصدُ ٌ - ُ ِ
الوجوب؛ َ
خوف الرتاويح مجاع ًة
ِ ِ
كرتك
. ِ
بزمن ال َّنبي ِ
الرتك ِ
اختصاص
ِ
كخامتة ِ
القرآن، ِ
سجدات ِ
بعض ِ
األحيان فِ ِ
بعض ِ
السجود فِ وكذلك ُ
ترك َ
النجم.
سورة ْ
َ
وذلك أحيا ًنا ِ
املخالفة، ِ
بحث مفهو ِم ُ
تدخل املقاصدُ فِ ُ
الثالث عشَ: املنحى
ِ
املخالفة ،وتار ًة ر ًدا وتفنيدً ا . ِ
لداللة مفهو ِم تعضيدً ا
فمن األول:
اع َن ْخلً ِ
حديثَ « :م ْن َب َ ِ
املخالفة فِ اجلمهور ِمن اعتبا ِر مفهو ِم
ُ ذهب ِ
إليه َ ما
قبل بيعت َ
ْ مفهومه أنَّا َإذا
ُ َ
يشرتط ا ُملبتاع»()1؛ مر َها للبائِع؛ إ َّ
ال ْ
أن َقدْ ُأ ِّب ْ
رت ف َث ُ
الشارع مكافأ َة
ِ ِ
بقصد ذلك ِمن ِ
جهة املعنَى رتيَ ،ع َّضدوا َ اإلبا ِر فثمرتُا للمش ِ
هوالبائع َ
َ ري َّ
فإن بيعت بعدَ التأب ِ
ْ صلحت؛ ألنَّا َإذا
ْ ِ
الثمرة ح َّتى قام علَ
َمن َ
وقام
َ عاجلها
َ هو ِ
الذي رتي َ وأما قب َله َّ
فإن املش ِ عليها فاستح َّقهاَّ ،
َ قام
الذي َِ
-165-
عليها فاستح َّقها.
َ
أو بعدَ ه علَ ِ
أصله فِ ن ْف ِي بيعت َ
قبل اإلبا ِر ْ للبائع ْ
ِ َّأما أ ُبو حنيف َة َ
فرأى َّ
أن الثمر َة
مفهو ِم املخال َف ِة.
فمنه: ِ
املقصد ِّيُ ، ِ
باالعتامد علَ املعنَى ِ
املخالفة رد مفهو ِم
وهو ُّ
أ َّما الثاين َ
املخالفة فِ قولِه تعالَ:ﱫ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ِ رد أبِ حنيف َة ملفهو ِم
ُّ
-وهي
َ ري احلاملِ منه َّ
أن غ َ اجلمهور ُ
ُ فهم
ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﱪ [الطالق ،]6:فقدْ َ
ِ
املخالفة؛ نوع ِمن مفهو ِم
وهو ٌ ِ
الرشطَ ، احلائل -ال نفق َة َهلا بنا ًء علَ مفهو ِم
ُ
ُ
النفقة َّ
ألن حمبوسة بعدَّ تِه ،وبالتالِ َ
فلها ٌّ َ
احلائل ذلك أبو حنيف َة قائِلًَّ :
إن فرد َ
َّ
ِ
الزوجة بالعدَّ ة. ِ
حبس عن ٌ
ناشئة ْ ِ
النفقة مرشوعي َة
وهو مرت ِّدد بنيَ ِ
اخلطابَ ، فحوى
ويسمى َ
َّ ِ
املوافقة مفهوم
ُ املنحى الرابع عرش:
اللفظية.
َّ ِ
الداللة ِ
القياس وبنيَ
الرضب لِا
ُ مثا ُله :قو ُله تعالَ :ﱫ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﱪ [اإلرساء ،]23:فإ َّنام ُفهم ُ
منه
جعله مفهو ًما ِمن
ُ ملطلق األ َذى .خال ًفا ملَن
ِ ربمها املنافِ
الشارع ل ِّ
ِ ِ
قصد رف ِمن
ُع َ
ِ
احلاجب. اللغوي ِ
كابن ِّ الوضع
ِ ِ
جهة
ِ
بالنظرية هو َما نعنِيه
إن مالحظ َة املعنَى َ ِ
املطلقَّ : املنحى اخلامس عرش :تقييدُ
ِ
كمالحظة يقيدُ باملق ِّي ِد، أن املطلقَ َ
ال َّ ُ
األحناف َّ ُ
يالحظ املقصد َّية؛ َ
وهلذا فعند َما
ني ِ
كفارة اليم ِ ِ
ورقبة ِ
باإليامن، ِ
كفارة القتلِ َّ
فقيدها التفريق بنيَ ِ
رقبة ِ الشارع
ِ ِ
قصد
حكم
ِ حكم القتلِ وبنيَ
ِ ني بنيَ ِ
الختالف املرتبت ِ ِ
باإليامن؛ والظها ِر ْ
فلم يقيدْ ها
ني والظها ِر؛ فإنام يبنون عىل ما فهموه من قصد الشارع.
اليم ِ
-166-
تشجيع
َ الشارع
ِ ِ
قصد فهموا ِمن
اجلمهور عند َما َّقيدوا املطلقَ فإ َّنام ُ
ُ َ
وكذلك
دون غ ِ
ريها. ِ
املؤمنة َ ِ
الرقاب حتري ِر
ِ
قصد الشا ِرع. فهمو ُه ِمن
مبني علَ َما ُ
ني ٌّ ُ
فاخلالف بنيَ الطرف ِ
املسب ِ
بات؛ َّ ِ
وقصد ِ
األسباب بوضع
ِ الشاطبي
ُّ السادس عشََ :ما سام ُه
َ املنحى
َ
الشارع .
َ بات ،أعنِي
املسب ِ
الواضع إلَ ّ
ِ يستلزم قصدَ
ُ ِ
األسباب فوضع
ُ
ُ
والدليل عىل ذلك أمور ( والكالم للشاطبي):
هي
حيث َألنفسها ِمن ُ
ِ األسباب ْمل ْ
تكن أسبا ًبا َ بأن َ
قاطعون َّ أحدُ هاَّ :
إن العقال َء
لزم ِمن َ
كذلك؛ َ أخ ُر ،وإ َذا َ
كان أمور َ
عنها ٌ حيث ُ
ينشأ َ بل ِمن ُ
فقطْ ، موجودات ْ
ٌ
ُ
وضعها أسبا ًبا القصدُ إىل ما ينشأ عنها ِمن َّ
املسببات. ِ ِ
القصد إلَ
املفاس ِدِ ،
وهي ِ أو ِ
درء املصالح ْ
ِ ِ
جللب األحكام الرشعي َة إنام ش ْ
ُعت َ والثاينَّ :
إن
لزم َمن
املسببات؛ َ
عت ألجل َّ األسباب إنام ِ
شُ ْ َ أن قطعا ،فإذا ك َّنا َن ُ
علم َّ مسبباتُا ً
َّ
ِ
األسباب القصدُ إلَ َّ
املسببات- )1(»...وقد تقدم بقية كالمه.- القصدَ إلَ
ٍ
حكمة ال خت ُلو ِمن
االستصحاب َ
ِ أنواع
َ املنحى السابع عرش :االستصحابَّ :
إن
َ
تكليف َ
فـ»ال حكم العقلِ ِ
املبقي علَ الن ْفي». ِ «استصحاب
ُ ٍ
وبخاصة ٍ
ومقصد
ِ
بحسب ِ
واالنطالق، لإلنسان واحلر َّي ِة
ِ ِ
ملقصد أصلِ االختيا ِر بالنص» يشهدُ
ِّ إلَّ
عنها» كام َ
«وترك أشيا َء ع َفا َ الشارع مساح َة العف ِو
ُ فرتك ما ِ
متليه فطر ُته وعق ُلهَ .
جاء يف احلديث.
للدفع َ
دون ِ يصلح
ُ ِ
االستصحاب قائلنيَ :إ َّنه األحناف َ
دليل ُ ضعف
وعندما َّ
-167-
وضع َ
كان قائمً ٍ ِ
لإلبقاء علَ حكم الن ْف ِي
ِ إثبات
َ َ
حياولون ِ
االستحقاق .كا ُنوا
يورث ولك َّنه َ
ال ُ فاملفقود َ
ال ُ ال إىل الن ْف ِي؛ ٍ
جديد َ
ال يستندُ إ َّ ِ
إحداث أث ٍر َ
دون
ُ
يرث فِ رأيِم.
تنازع مقاصدَ ،وليس َ
نزاع ُ بينهم وبنيَ اجلمهو ِر َ
هو ِ
اخلالف ُ سبب
ُ َ
فكان
ٍ
نصوص.
أو ِ
باملسألة َعن نظائ ِرهاْ ، كان عدولً سواء َ
ٌ ُ
االستحسان: املنحى الثامن عرش:
ِ
احلاالت ِ
بالعرف ،فإ َّنه فِ أكث ِر عام ،أو استثنا ًء ِ
ختصيص ٍّ ِ
للمصلحة فِ مراعا ًة
مع َّ
أن الزكاة ِ
لعبد الفق ِ
ري َ ِ ِ
األحناف إعطا َء ِ
كاستحسان يراعي معنًى ِمن املعانِ؛
ِ
ري؛ باعتبا ِر ف ْق ِر عائِلهَّ ،
وأن حكم َة ِ
املنع عطى ملَن ُ
جتب نفق ُته عىل الغ ِ الزكا َة َ
ال ُت َ
بإغناء العائِل.
ِ هي غنا ُه
َ
بيعها؛ لِ َل ْم ِح ٍ
فرق ومنع ِ
ِ اخلراج
ِ ِ
أرض ِ
اشرتاء َ
جواز ِ
واستحسان اإلما ِم أمحدَ
فمن ِ
احلبيب َ ريق ِ
األحناف بنيَ ِ ِ
كتفريق ِ
واإلدخال، اإلخراج
ِ ِ
احلكمة بنيَ فِ
نظرا إىل
الصائم ً
ُ يفطر ِ
به ُ عاف ،ف َ
ال البغيض ِ
الذي ُي ُ ِ ِ
وريق صومه،
ُ ابتلعه فسدَ
َ
ري مشتَهى. وريق األخ ِ
ري غ ُ ُ ِ
الشهوة. عن ُ
اإلمساك ْ أن احلكم َة ِمن الصو ِم
َّ
الذي ِمن شأنِه
الوضيع ِ
ِ ِ
األسنان ،بنيَ بلع َما بنيَ َ
كذلك فِ الصو ِم فِ ِ ِ
وتفريقهم
نفسه َ
ذلك. تعاف ُ الرفيع ِ
الذي ُ ِ َ
بذلك وبنيَ َّ
يستلذ ْ
أن
الدائن إ َذا َ
كان ِ مقابل ِ
زكاة َ ِ
املدين الدين ِ
عن ِ ِ
إسقاط َ
جواز ِ
املالكية ِ
واستحسان
كان ُمعد ًما. ِ
الزكاة إ َذا َ ِ
إجزاء الدين ،وعد ِم
َ ضِ بِه
أن َيق َ
يمكن ْ
ُ للمدين ٌ
مال ِ
وإن َ
كان ِ
واملصلحة َ
امللغاةْ ، ِ
املعتربة ِ
املصلحة ُ
الفرق بنيَ التاسع عشَ:
ُ املنحى
-168-
ٍ
بمصلحة أو ٍ
بمفسدة ْ ٍ
مصلحة ِ
بمقابلة َ
كذلك ُ
يعرف ِ
اإللغاء فإ َّنه ُيعرف بدليلِ
أعظم املصلحت ِ
ني .قال ِ وترجيح
ِ ِ
الرضرين، ارتكاب ِّ
أخف ِ وهي قاعد ُة
أقوىَ .
َ
يف مراقي السعود:
الفســاد أبعدَ ا
ُ إن ُ
يك وألغ ْ
ِ ............................
للنصـــارى
َ تُفدَ ى بمَ ُ
ينفع كاألسارى
َ اإلصالح
َ رج ِح
أو ِّ
ِ
املقاصد. مبني علَ ِ
واألولويات ،وك ُّله ٌّ ِ
املوازنات اآلن ِ
بفقه ِ
نسميه َ وهذا ما
خري
القوي ٌ
ُّ «املؤمن
ُ رشعي
ٌّ ِ
املؤمن مقصدٌ ِ
األقليات :فقو ُة مسائل يف ِ
فقه ُ منها
ِ
وبعض ِ
الفاسدة البيوع
ِ تعاطي
َ ولكن
َّ ِ
الضعيف»(،)1 ِ
املؤمن وأحب إىل اهللِ ِمن
ٌّ
يمنح اجلامع َة ثرا ًء ومكان ًة إ َّ
ال َّ
أن كان ُولو َ
ني ْ للمقيم فِ ديا ِر غ ِ
ري املسلم ِ ِ ِ
املناكر
ِ
العلامء املعروضة ألنظا ِر
َ وهي ِمن املسائِل َّ
املتوخاةَ . تغلب املصلح َة
ُ مفسد َته
املعارصين.
َ
يستطيع
ُ املسلم
ُ االنتقال ِمن دا ِر الكف ِر إ َذا َ
كان َ ِ
الشافعية ِ
بعض منع َ
وكذلك ُ
ُ
وصف الدَّ ار؛ َ
انتقل تغيَّ دار إسال ٍم ،وإ َذا ِ
بوجوده ُ إقام َة شعائ ِره باعتبا ِر أنَّا
ِ
الطريقة -مقصدً ا رشع ًيا( .يراجع يف إقامة دا ِر اإلسال ِم -ولو ِ
هبذه ِ باعتبا ِر
وفقه األقليات).
الفتوى ُ ُ
صناعة َ ذلك كتا ُبنا:
وجوب ُ
الغسلِ ِ ِ
كحديث ِ
التعارض ِ
األدلة عندَ اجلمع بنيَ
ُ املنحى العرشون:
َ
األو ُل علَ َمن توجدُ
مل َّفيح ُ
ونعمت»()2؛ ُ
ْ فبها
توضأ َ ِ
حديثَ « :من َّ مع ِ
للجمعةَ ،
-1أخرجه مسلم يف الصحيح:كتاب القدر ،باب يف األمر بالقوة وترك العجز واالستعانة رقم 2052وابن ماجه
يف السنن رقم 79وأمحد يف املسند رقم 370وغريهم.
-2أخرجه أبو داود ،باب يف الرخصة يف ترك الغسل يوم اجلمعة.
-169-
ِ
اخلربين َعن جمع بنيَ َ
كذلك .ف ُي ُ ليس ُ
وحيمل الثانِ علَ َمن َ ٌ
موذية، ٌ
رائحة منه
ُ
وردت اإلشار ُة إلَ َ
ذلك فِ ْ الشارع ِمن األم ِر ُ
بالغسل .وقدْ ِ ِ
مقصد ني ِ
طريق تعي ِ
ضِ ُ
اهلل عنها. ِ
حديث عائش َة ر َ
كرتجيح
ِ تعارض األخبا ِر،
ِ ِ
باملقصد يف الرتجيح
ُ املنحى احلادي والعرشون:
مغيث وهو عبد ،علَ خ ِ
رب ٍ حتت
عتقت َْ ري برير َة ،أ َّهنا ٍ
عباس فِ ختي ِ ابن ِ
حديث ِ
رفع رض ِر ِ
بقاء هو ُالشارع َ
ِ حراَّ ،
ألن مقصدَ األسود بن يزيد عن عائشة أ َّنه َ
كان ً
ِ
العبد .وهذا مذهب مالك وأمحد والشافعي واألوزاعي والليث بن حتت
احلرة َ
َّ
سعد خال ًفا أليب حنيفة والثوري الذين اعتمدوا عىل مقصد آخر يف ختيريها
ولو كان حرا ألهنا مل تكن هلا يف أصل النكاح إرادة وال رأي ألن سيدها هو
الذي زوجها فلام عتقت كانت حريتها مالئمة ملراجعة ما عقده سيدها.
ِ
والنواهي، املنفية أو املث َب ِ
تة منزل َة األوام ِر ُ
تنزيل األخبا ِر َّ املنحى الثاين والعرشون:
ِ
اإلثبات قو ُله تعالَ :ﱫ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ُ
مثال َ
ذلك فِ
ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ِ
قصد رب ال ُبدَّ ِمن ِ
فهم ِ
صدق اخل ِ ِ
فلرضورة ﯛ ﯜ ﯝﱪ [آل عمران]97:
أي أ ِّمنوه.
األمر ْ
ُ رب هنا ُيراد بِه الشارع َّ
بأن اخل َ ِ
وكذلك فِ قولِه تعاىل:ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
َ
ﭛ ﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣ ﭤ ﭥﭦﭧ
ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
للكافرين ُ
عليكم سبيلً. َ أي ال جتعلوا
النهي ْ
ُ ستفاد منه
ُ ﭶﱪ [النساءُ ]141:ي
-170-
كام ذكر الشاطبي(.)1
ليس
املنحى َ
هذا َإن َ النصَّ :
ِّ ومعقولي ِة
َّ ِ
التعبد الثالث والعرشون :بنيَ ُ املنحى
ِ
البحث أن اخلطو َة األولَ َ
قبل للقياس؛ إ ْذ َّ
ِ ٌ
سابقة ٌ
مرحلة للقياس؛ إ ْذ أ َّنه
ِ تكرارا
ً
ُ
فيتوقف النهي تعبد ًّيا ال ُي ُ
عقل معنا ُه ُ األمر َأو
ُ تقرير ما إذا َ
كان ُ َعن الع َّلة َ
هي
عن ع َّلتِه. ِ
بمحله ف ُي ُ
بحث ْ خاص
ٍّ ري َ
معقول املعنَى وغ َ هو عندَ حدِّ هْ ،
أو َ
النصوص ،كاألم ِر
ِ ِ
عرشات ِ
العلامء فِ ٍ
اختالف بنيَ قطب إن ِ
هذه اخلطو َة مث ْ
َّلت َ َّ
ِ
ومعقولية املعنَى عندَ ِ
املالكية التعب ِد عندَ
ُّ ِ
الكلب؛ بنيَ ولوغ
ِ اإلناء ِمن
ِ بغسلِ
اجلمهو ِر فيفيدُ النجاس َة.
ِ
ومعقولية املعنَى عندَ ِ
املالكية التعب ِد عندَ قبل ِ
قبضه؛ بنيَ ُّ بيع الطعا ِم َ
والنهي َعن ِ
ِ
عباس« :وأحسب أن كل يشء كالطعام».
البن َّ اجلمهو ِر ً
تبعا ِ
ِ
والشافعية ِ
احلنابلة التعبد عندَ
ُّ ث؛ بنيَاالسترباء ِمن اخل َب ِ
ِ واألم ِر باإليتا ِر فِ
ِّ
املحل. إنقاء
فيكفى ُ املالكية ِ
َّ ِ
ومعقولية املعنَى عندَ
َ
يكون فيجب ْ
أن ُ ِ
األسواق ِ
بحوالة السلم؛ بنيَ التعليلِ
ِ ِ
مسألة تأجيلِ َ
وكذلك
عرش يو ًما عندَ ِ
ابن ِ
األسواق ،كخمس َة َ ِ
حلوالة ليكون مظ َّن ًة
َ ُ
األجل طويلً نسب ًيا
تسليم املس َل ِم ِ
فيه ِ ِ
كاشرتاط آخر غ ِ
ري األجلِ العلة بسبيلٍ َُ ِ
جدت القاسم ،وإذا ُو
ِ
ُ
املكان فينز ُل
السلم َّ
ِ حمل ِ
عقد ختتلف فيه عنها يف ِّ
ُ األسعار
َ ظن َّ
أن مكان ٍ
بعيد ُي ُّ ٍ فِ
ِ
األسواق، ِ
بحوالة الذين ْمل ينظروا إىل التعليلِ
َ ِ
لألحناف ِ
الزمان .خال ًفا منزل َة
املكان ،كام ُيفهم ِمن
ِ ِ
بثالثة أ َّيا ٍم عندَ هم ،وال عرب َة عندهم بتغ ِ
ري وبالتالِ ُيكت َفى
-1املوافقات .156/1
-171-
ِ
املجتهد. ِ
بداية ابن ٍ
رشد فِ كال ِم ِ
ِ
كمسألة احلكم،
ِ ِ
املقصد املؤ ِّث ِر فِ ِ
طبيعة ُ
االختالف فِ املنحى الرابع والعرشون:
ِ
الكلب، ِ
لعاب ِ
نجاسة راجع إلَ
ٌ اجلمهور أ َّنه
ُ ِ
السالفة الذك ِر؛ فريى ِ
الكلب ولوغ
ِ
العدوى.
َ ِ
خوف يرجع إلَ
ُ صحي
ٌّ ابن ٍ
رشد اجلدّ أنَّا مقصدٌ ويرى ُ
َ
ٍ
واحد ممَّا يؤ ِّث ُر ٍ
مقصد واالقتصار علَ
ُ ِ
املقاصد املنحى اخلامس والعرشون :تعدُّ ُد
ذلكَّ ،
ألن جواز َ
َ ُ
املالكية ريى ِ
اآلفاق ،ف َ ِ
كمسألة نقلِ حلو ِم اهلدْ يِ إلَ ِ,
احلكم يف
الشارع إخراج هدي للمساكني يف احلرم.
ِ مقصدَ
النس ِ
ك. أن َ
ذلك أحدُ مقصدَ يِ ُ ني احلر ِم بِه؛ إ ْذ َّ
اختصاص مساك ِ
َ ُ
احلنابلة ويرى
َ
ابن قدا َمة. ِ
عبارة ِ حسب
َ
بحكم.
ٍ بعض الناس َ
دون ٍ ِ اختصاص ِ
بعض ُ املنحى السادس والعرشون:
يصلح ِّ
بكل ُ النظر فيمَ
ُ وهو
آخرَ ، ٍ
بوجه َ ري املنحتِم
وخيتص غ ُ
ُّ الشاطبي:
ُّ َ
قال
وشخص َ
دون ٍ دون ٍ
حال، ٍ
وحال َ دون ٍ
وقت، بحسب ٍ
وقت َ ِ ف فِ ِ
نفسه مك َّل ٍ
ٍ
واحد ،كام أنَّا اخلاص ِة علَ ِو ٍ
زان َّ ِ
األعامل ِ
قبول ليست فِ
ْ النفوس
ُ شخص؛ ِ
إذ ٍ
رضر
ٌ ُ
يدخل بسبِبه علَ رجلٍ صالح
ٍ فرب عملٍ
والصنائع كذلك؛ َّ
ِ فِ العلو ِم
ِ
النفس يكون ُّ
حظ ُ ورب عملٍ
َّ آخ َر، ِ
بالنسبة إلَ َ َ
كذلك ُ
يكون أو فرت ٌة ،وال
ْ
ويكون بريئًا من َ
ذلك ُ منه فِ عملٍ َ
آخر، ِ
بالنسبة إلَ العاملِ َ
أقوى ُ والشيطان ِفيه
ِ
هو الذي ُرزق
اخلاص َ
ِّ ِ
التحقيق فصاحب هذا
ُ دون بعض؛ ِ
األعامل َ يف ِ
بعض
وتفاوت إدراكها ،وقو َة ُّ
حتملها للتكاليف، َ النفوس ومراميها،
َ عرف ِ
به نورا َي ُ
ً
ِ
العاجلة، ِ
احلظوظ ربها علَ محلِ أعبائها ،أو ضعفها ،و َي ُ
عرف التفاتَا إلَ وص َ
-172-
ِ
النصوص ما ُ
يليق َهبا ،بنا ًء نفس ِمن أحكا ِم
كل ٍ حيمل عىل ِّ
ُ فهو
أو عد ِم التفاتِا؛ َ
عموم املك َّلفني
َ خيص ِ
التكاليف؛ فكأ َّنه ُّ الرشعي يف تل ِّقي
ُّ املقصود
ُ أن َ
ذلك علَ َّ
ويقيدُ
العامَّ ،
األول ُّ ِ
التحقيق َّ عمومه فِ
ُ ثبت
لكن ممَّا َ ِ
التحقيق؛ ْ والتكاليف َ
هبذا َ
بعض ِ
األول ُ يضم قيدً ا أو قيو ًدا ملا َ
ثبت ُله فِ ِ
األول ،أو ُّ ثبت إطال ُقه يف
به ما َ
ِ
املناط هنَا. ِ
حتقيق ِ
القيود .هذا معنَى
األصوليون ِ
ببيان َ فإن َما ِسوا ُه قدْ تك َّفل ِ
االجتهاد؛ َّ هذا ِ
صحة َ ُ
الدليل علَ وبقي
َ
ِ
مطلق حتت
مندرجا َ
ً ُ
فيكون ِ
املناط؛ ِ
حتقيق حتت عمو ِم ٌ
داخل َ وهو الداللة ِ
عليهَ ، ِ
الداللة عليه؛ فاألد َّل ُة ِ
عليه ِ ِ
خصوص تشوف أحدٌ إلَ ولكن ْ
إن َّ ْ الداللة ِ
عليه، ِ
بحول اهللِ.
ِ منها ما تيسَّ كثري ٌة ُ
نذكر َ
عن أفضلِ األعامل ،وخ ِ
ري ٍ
خمتلفة ْ ٍ
أوقات َ
سئل فِ النبي
َّ أن فمن َ
ذلك َّ ْ
ٍ
بأجوبة فأجاب
َ األوقات ِمن غ ِ
ري سؤال؛ ِ ِ
بعض َ
بذلك يف وعر َف
األعاملَّ ،
التضاد
َّ مع غ ِ
ريه ِ
عمومه القتضَ َ ِ
إطالقه أو ٍ
واحد منها لو ح َُل علَ خمتل َف ٍةُّ ،
كل
فِ التفضيل .
أفضل؟ َ
قال: ُ ِ
األعامل والسالم سئِلُّ :
أي ُ ِ
عليه الصال ُة ففي «الصحيح» أ َّنه
ثم ما َذا؟ قال: «اجلهاد فِ سبيلِ اهللِ»َ .
قالَّ : ُ ثم ما َذا؟ قال: «إيامن باهللِ»َ .
قالَّ : ٌ
مربور»(.)1
ٌ «حج
ٌّ
ليس تفصيلً ألم ٍر. أفعال املقتدَ ى ِ
به ممَّا َ ُ املنحى السابع والعرشون:
-1أخرجه البخاري ومسلم عن أيب هريرة واللفظ ملسلم وزاد البخاري»:إيامن باهلل ورسوله» 25/5وما
بعدها..
-173-
يقع عىل وجه ِ
ني: ِ
االقتداء ُ ِ
الصادرة من أهلِ ِ
باألفعال االقتداء
ُ الشاطبي:
ُّ َ
قال
ِ
كاالقتداء الدليل عىل عصمتِه،
ُ دل ِ
األفعال ممَّن َّ يكون املقتدَ ى ِ
به يف َ أحدمهاْ :
أن
بالرشع أنَّم ال
ِ ِ
بالعادة أو علم
اإلمجاع ،أو ما ُي ُ
ِ أو ِفعلِ أهلِ
النبي ْ ،
ِّ بفعلِ
ٍ
مالك.... ِ
املدينة علَ رأيِ يتواطؤُ ون علَ اخلطأِ؛ كعملِ أهلِ
أوقعه الوجه ِ
الذي َ ِ إيقاع الفعلِ علَ
َ ِ
املقتدي فالقسم األول :ال خيلو ْ
أن يقصدَ ُ
ال َ
ذلك ،سواء عليه أفهم مغزاه أم ال؟ من غري ِ
عليه املقتدَ ى بِه ،ال يقصدُ بِه إ َّ
زيادة ،أو يزيد عليه ت ْنو َي ُة املقتدَ ى به يف الفعل أحسن املحامل مع احتامله يف
األحكام
َ رتب عليه
األحسن ،وجيعله أصلً ُي ُ
َ املحملِ
َ نفسه؛ فيبني يف اقتدائه عىل
و ُي َف ِر ُع عليه املسائل.
ِ
حسب ما قرر ُه األصوليون، ِ
االقتداء بِه عىل ِ
صحة َ
إشكال يف ُ
األول؛ فال فأما
َّ
وخلع
ِ هبي، اخلاتم َّ
الذ ِّ ِ كنزع
ِ ٍ
كثرية؛ يف أشياء بالنبي
ِّ ُ
الصحابة كام اقتدَ ى
عام احلديبية، ِ
العمرة َ واإلحالل ِمن
ِ ِ
الصالة ،واإلفطا ِر يف السف ِر، النعل ِ
ني يف
الصحابة التِي أمجعوا عليها ،وما أشبه ذلك”(.)1
ِ ُ
أفعال َ
وكذلك
َ
فرائض فرض «إن َ
اهلل َ السكوت ُّ
الدال عىل العف ِو دليلهَّ : ُ الثامن والعرشون:
ُ املنحى
تنتهكوها وحدَّ حدو ًدا فال تعتدوها ،وعفا
َ فال تضيعوها ونَى َعن أشيا َء فال
ال تبح ُثوا عنها»(.)2 ٍ
نسيان ف َ بكم َ
ال َعن َعن أشيا َء رمح ًة ْ
الشاطبي مرتب َة العف ِو باعتبا ِرها قسمً مستقلً.
ُّ حسن ،أخذ منه
ٌ ٌ
حديث وهو
-174-
ألن ترك االستفصال يف طعام الذين أوتوا الكتاب يدل عىل جواز ذبحهم.
عرف بِه ٍ
إشارة ونحوهاُ ،ي ُ الشارع ِمن
ُ املنحى التاسع والعرشون :ما يقصدُ
ِ
معهود اإلفهام يف
ُ الشاطبي :ما ُيقصدُ بِه
ُّ الفتوى .قال ِ
سياق َ الشارع فِ
ِ قصدُ
والسالم»:
ُ ِ
عليه الصال ُة ِ
كقوله املرص ِح بِه
َّ ِ
القول مقام
قائم َ
فهو ٌ ِ
االستعامل؛ َ
()1 َ
وهكذا». الشهر َ
هكذا ُ
ِ
الرأس، بإشارة ِ
اليد أ ِو ِ أجاب الفت َيا
َ البخاري بقولِهُ :
باب َمن ُّ قلت :وع ْن َ
ون ُ
فذكر حديث ِ
ني: َ
بيده َ
قال: َ
فأومأ ِ أرمي ذبحت َ
قبل ْ
أن حجتِه َ
فقال: َ
سئل فِ َّ النبي األولَّ :
َ ُ أن َّ
حرج.
َ بيدهَ :
وال َ
فأومأ ِ أذبح
أن َ حلقت َ
قبل ْ ُ حرجَ ،
وقال: َ َ
ال
ويظهر
ُ العلم
ُ سمعت أبا هرير َة َعن النبِي قال« :يقبض
ُ عن سامل ٍ َ
قال والثاينْ :
هكذا ِ
بيده اهلرج؟ فقال َ
ُ رسول اهللِ و َما
َ اهلرج” .قيل :يا
ُ ويكثر
ُ والفتن
ُ ُ
اجلهل
َ
القتل. فحر َفها ُ
كأنه يريدُ َّ
لكن ِ
هذه ِ
كالضاربَّ ، اليد وحركتِها
حتريف ِ
ِ هم ِمن كأن َ
ذلك ُف َ ابن حج ٍرَّ :
قال ُ
الروايات وكأنَّا ِمن تفس ِ
ري الرا ِوى َعن حنظل َةَّ ،
فإن ِ معظم
ِ الزياد َة ْمل َأرها فَ
عن حنظل َةَ ،
وقال فَ آخ ِره: عاصم ْ
ٍ الدوري َعن أبِ
ِّ ِ
عباس أ َبا عوان َة روا ُه َعن
يرضب عنقَ اإلنسان»(.)2
ُ عاصم كأ َّنه
ٍ وأرا َنا أ ُبو
ِ
والرشوط. ِ
واإلبطال التصحيح
ِ ِ
العقود فِ ِ
قصود املنحى الثالثون :مراعا ُة
-175-
لكل ٍ
عقد قصو ًدا مالئم ًة وقصو ًدا َ
جعل ِّ رمحه ُ
اهلل تعالَ أن ً
مالكا ُ ومعنَى هذا َّ
الرشوط عىل ِ
هذه القصود؛ ِ ري
َّب تأث َ ٍ
منافية ،ورت َ وال ٍ
مالئمة َ منافي ًة وقصو ًدا غ َ
ري
ٍ
مناف بطل العقدَ أل َّنه فهذا ٌ
رشط ُي ُ هيب َ يبيع املش ِ
رتي وال َ ال َ أن َ ِ
برشط ْ باع
فمن َ
ْ
ِ
برشط باع
ومن َ ِ
اململوكْ . الترص ِ
ف فِ ُّ ُ
حرية امللكية التِي َ
منها ِ ِ
بحقوق للتمتع
ِ
ني ملالءمته للتو ُّثق ِمن نتائج العقد، ُ
الرشط والعقدُ صحيح ِ أو محيلٍ َ
كان ٍ
رهن ْ
ِ
العقد. ِ
قصد والوفاء بمقتضياتِه التِي َ
هي ِمن
جيمع ٌ
تفصيل ُ وهو ِ
الرشوط َ وفصل ٌ
مالك فِ ِ
بالرشوطَّ ، َ
فأبطل وأما أ ُبو حنيف َة
َّ
ِ
الباب. ِ
الواردة فِ ِ
األحاديث بنيَ
وابن سعيد وسؤالِه ألبِ حنيف َة ِ
وابن شربم َة ِ ٍ بن ِ
الوارث ِ العلامء قص َة ِ
عبد ُ ذكر
وقدْ َ
ِ
املسألة. ٍ
بحديث روا ُه فِ منهم
كل ُواحتجاج ٍّ
ِ ِ
الرشوط ِ
واختالفهم فِ أبِ ليلَ
عروف عن ُع ِ
قود ِ قود املَ ِ
باملقاصد يف تَيي ِز ُع ِ املنحى احلادي والثالثونُ :يستنجدُ
كايسة الص َِّف ِة إلحداث حكم بني حكمني مما جييز التجاوز عن بعض ِ ا ُمل
أسباب الفساد من غرر وجهالة وشبهة ربا.
املنحى الثاين والثالثون :أن العلة املستنبطة ال يمكن أن تلغي احلكم املعلل هبا
يف حال ختلف العلة ،كالثمنية يف النقدين بأن صار الذهب والفضة أو أحدمها
غري رائج يف الثمنية فإن ذلك ال يؤثر يف أصل ربويتهام ألن الربوية منصوصة
من الشارع متحققة فال تكر عليها علة مستنبطة بالبطالن ومن جهة أخرى
فإن مقصد الربوية يمنع التفاضل يف النوع والنسيئة يف اجلنسني مقصد أصىل
ابتدائي رصيح فال يكر عليه مقصد تابع يف الرتبة مظنون يف اجلملة.
-176-
املنحى الثالث والثالثون :فهم مقصد الشارع من داللة اللفظ سواء كان لفظ
الشارع ،أو لفظ راوي احلديث ،مما يرتب حكمً ختتلف درجته باختالف
الصيغ ،كاستعامل لفظ «هنى» فإهنا تدل عىل أن احلكم املرتتب عىل النهي
ليس بالقوي لقيام االحتامل وبسبب االمجال أو ما سامه الزركيش بالعموم
ألن النهي قد يدل عىل الكراهة أو التحريم فام هو كداللة النهي «بال تفعل»
الدالة عىل التحريم».
وسمى القاىض ابن العريب الصيغة األوىل بالنهي من الدرجة الثانية والصيغة
الثانية «ال تفعل» بالنهي من الدرجة األوىل وذلك يف مسألة النهي عن بيع
الثمرة قبل بدو صالحها فحديث ابن عمر فيه هني وحديث زيد بن ثابت
فيه «ال تبايعوا »..لكنه ورد يف آخر حديث زيد «كاملشورة هلم» فأثرت يف قوة
النهي مما أثار حفيظة ابن العريب قائلً :لكنه عقب عليها بام غري الدليل وأتعب
يف التأويل فقال :كاملشورة هلم فجعل ذلك زيد يف ظاهر احلديث رأ ًيا عرضه
ال هن ًيا حرمه(.)1
املنحى الرابع والثالثون :قد يؤثر مقصد عام يالحظه املجتهد من خالل نصوص
عدة يف احلد من تأثري مقصد خاص ،ليخفف من اطراده ومن احلاحه يف كل
املحال ،ومن هذا القبيل تأثري احلاجة يف ممنوعات ضعيفة نسب ًيا الستثناء الشارع
من عمومها ولقوة املصلحة املعارضة تقدم عىل العلة املانعة يقول ابن العريب:
القاعدة السابعة :اعتبار احلاجة يف جتويز املمنوع كاعتبار الرضورة يف حتليل
-177-
املحرم ومن ذلك استثناء القرض من حتريم بيع الذهب بالذهب إىل أجل وهو
يشء انفرد به مالك مل جيوزه أحد من العلامء سواه لكن الناس كلهم اتفقوا عىل
جواز التأخري فيه من غري رشط بأجل وإذا جاز التفرق قبل التقابض بإمجاع
فرضب األجل أتم للمعروف وأبقى للمودة.
:إن رجلً كان فيمن كا ن قبلكم وعول يف ذلك علامؤنا عىل قول النبي
استسلف من رجل ألف دينار إىل أجل فلام حل األجل طلب مرك ًبا خيرج فيه
قرطاسا وكتب فيه إليه ونقر خشبة فجعل فيها القرطاس
ً إليه فلم جيده فأخذ
واأللف دينار ورمى هبا يف البحر وقال اللهم إنه قد قال يل حني دفعها إيل
أشهد يل قلت كفى باهلل شهيدً ا أو قال أيتني بكفيل قلت كفى باهلل كفيال اللهم
أنت كفيل بإبالغها .فخرج صاحب األلف إىل ساحل البحر حيتطب فدفع
البحر له العود فأخذه فلام فلقه وجد املال والقرطاس ثم إن ذلك الرجل وجد
مرك ًبا فأخذ املال وركب فيه ومحل إليه املال فلام عرضه عليه قال له قد أدى اهلل
أمانتك» .فإن قيل هذا رشع من قبلنا .قلنا :كلام ذكر النبي لنا مما كان عملً ملن
قبلنا يف معرض املدح فإنه رشع لنا وقد مهدنا ذلك يف كتب األصول ومن ذلك
حديث العرايا وبيع التمر املوضوع عىل األرض وفيه من الربا ثالثة أوجه:
بيع الرطب باليابس.
والعمل باحلزر والتخمني يف تقدير املالني الربويني.
وتأخري بالتقابض.
()1
-178-
مرجحا
ً قلت :وليس جمرد احلاجة هو الذي رجح ولكن قصد املعروف كان
كام ذكرنا فإن العرايا والقرض هي من باب املعروف والشارع متشوف إليه
وكذلك نجد التخفيف يف جمال املشاركات فاجاز فيها للحاجة بعض اجلهالة
والغرر وقد خيتلف العلامء يف ذلك.
أما تشوف الشارع للتعاون والتضامن فهو ثابت بالكتاب والسنة أما الكتاب
فقوله تعاىل :ﱫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﱪ [املائدة ،]2:والتعاون يف الكسب
املباح هو من الرب وما حديث األشعريني عن مجع األزواد إال من هذا القبيل
ومن ذلك ما ورد يف الرشكة بخصوصها من احلديث القديس :إن اهلل يقول:
«أنا ثالث الرشيكني ما مل خين أحدمها صاحبه.)1(»...
يف أول وحديث السائب بن أيب السائب املخزومي أنه كان رشيك النبي
اإلسالم فلام كان يوم الفتح قال له عليه الصالة والسالم مرحبا بأخي ورشيكي
ال يداري وال يامري.
()2
إىل غري ذلك من األخبار التي تدل عىل اإلقرار .ويشري إىل معنى الرشكة قوله
تعاىل:ﱫ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﱪ [البقرة ]220:يف أموال اليتامى واستشهد ابن
رشد اجلد رمحه اهلل تعاىل به عىل جواز خلط الذهوب واقتسامها بعد الصياغة
كام يف املعيار ،وهلذا أبيح يف رشكة العنان الوكالة يف جمهول.
وأبيحت اجلهالة يف مشاركات أخرى من املزارعات واملساقاة ستأيت.
-179-
ِ
الطية مرة لو أردنا َ
نرشها -كام ُتن ُ
شّ بعدَ ِ
ألول َّ تسج ُل ِ
املناحي التي َّ ِ
وهذه
أنهو اإلشار ُة إلَ َّ
هذا َمقصودنا ِمن َ
ُ لكن
رياْ ،
لكانت جز ًءا كب ً
ْ تب-1 ُ
الك ُ
ِ
احلميمة للوشائج
ِ ُ
واملدارك ٌ
أمثلة وهذه ِ
املناحي الفقه بعينِهاِ ،
ِ ُ
أصول املقاصدَ ِهي
الفكر ألض ْفنا إليها غريها.
َ النظر وأعملنَا
َ والتداخلِ والتواصلِ ْ ،
ولو أمع َّنا
عنه ريض ُ
اهلل ُ َ البعض إلَ ع ِّ
يل ُ النحو» كام عزا ُه
َ «انح َ
هذا العلم ُ
ِ ِ
لطالب ُ
فأقول
ِ
األسود الدؤلِ. خياطب أ َبا
ُ
* خالصة القول:
وحكمها وغاياتُا ومراميها ومغازهيا.
ُ ِ
الرشيعة روح َّ
إن املقاصدَ ُ
ِ
حلدود مبالغ فِ اعتبا ِرها متجاو ٍز
ٍ املقاصد ِمن
ِ َ
حول آراء الباحثنيَ
تباينت ُ
ْ وقدْ
َ
وجعل شمولَا مطر ًدا ،غافلً أو متجاهلً ما يع ِ
رتى حيث جع َله قطع ًيا ِ
عمومها ُ
فألغوا ِ
معوقات التنصيصَ . للشمول ِمن
ِ ربى ِ
التخصيص ،وما ين ِ العموم ِمن
َ
ٍ
مقصد شاملٍ . بدعوى انضوائِها َ
حتت َ ختصها ٍ
معان ُّ اجلزئيات التِي َهلا
ِ أحكام
َ
غاية تلغي املقاصدَ واملعا َ
ين ِ
اجلزئية إلَ ٍ ِ
بالنصوص ِ
للمقاصد متعل ًقا ٍ
جمانب ِ
وم ْن
ري إلَ ظرفيتِه، ِ
تطبيقه وتش ُ النص اجلزئِ َّي ،وحتدُّ ِمن مدَ ى ُ
تعرتض َّ واحلكم التِي
َ
املصالح.
ِ ِ
بإبطال ِ
املناداة ص ملدَ ى اعتبا ِره إلَ حدِّ واملخص ِ
ِّ كاملقي ِد ُله
َّ فهي
َ
اجلزئي فِ
َّ ويضع
ُ يل نصي َبه، وذاكِ ،
يعطى الك َّ َ هذا ٌ
وسط بنيَ َ الصحيح
ُ واملنهج
ُ
ِ
تغييب حذر ِمن
حيث َّ
ُ رمحه ُ
اهلل تعالَ الشاطبي ُ ِ
املزالق نصابِه .وقد انتب َه ِ
هلذه
ُّ
) 1شطر بيت لذي الرمة أوله :من دمنة نسفت عنها الصبا ُس ُعف ًا
-180-
مع اجلزئِ ِّي. عن الك ِّ
يل فِ التعاملِ َ اإلعراض ِ
ِ مراعاة الكلِِّ ،
ومن ِ اجلزئي عندَ
ِّ
وإذا كان بعض املقاصديني يف هذا العرص قد استشعر إمكانية استقالل املقاصد
ِ
املقاصد َعن ِ
استقالل نكون قدْ رمينَا نظري َة
ُ عن علم أصول الفقه فبام قدَّ منا
ِ
واملعدود الروح فِ اجلسد،
ِ اندماج
َ االندماج بينهام
َ ِ
بالفند ،وأب َّنا ِ
الفقه ِ
أصول
فِ العدد.
َأ ٌخ َأ َ
رض َع ْت ُه ُأ ُّمها بِ ِلبانِا َفإِ ْن ال َي ُك ْنها َأ ْو َت ُك ُنه َفإِ َّن ُه
-181-
نفسية ،فهو من باب احلكمة التي قد نلجأ إليها للتعليل هبا عىل خالف ،وذلك
عند تعذر االنضباط يف الوصف ،قال يف املراقي:
إال فـحـكـــــــمـة هبا يـنـاط ومن رشوط الوصف االنضباط
الضابط الثالث :أن نحدد درجة املقصد يف سلم املقاصد هل هو يف مرتبة
الرضوري أو مرتبة احلاجي ألن التعامل معهام ليس عىل وترية واحدة ،هل
هو مقصد أصيل أو تابع.
الضابط الرابع :النظر يف النصوص اجلزئية املؤسسة للحكم ألنه من خالهلا
يمكن ضبط الترصف يف ضوء تأكيد الشارع عىل احلكم أو عدمه للتعرف عىل
املقصد ومكانته وضبط التعامل معه إلغاء أو أثبا ًتا ملا يعارضه من الرضورات
احلاقة أو احلاجات املاسة.
الضابط اخلامس :هل املقصد املعلل به منصوص أو مستنبط يف احلالة األوىل
يرتفع احلكم بزواله ويف الثانية ال يرتفع لكنه يمكن أن خيصص كالثمنية
بالنسبة للنقدين.
الضابط السادس :أن ال يكون املقصد املعلل فيه مردود ًا بقادح النقص
كاالستعجال واملعاملة بنقيض القصد.
الضابط السابع :أن ال يكون معارض ًا بمقصد آخر أوىل منه باالعتبار فيستصحب
أصل النص أو يرجح بني مقصدين.
الضابط الثامن :أن ال يكون حمل إلغاء بالنص أو اإلمجاع أو القياس السامل من
املعارض.
-182-
ِ
األصول ،وأصولً عام ًة علم ربى َ
فوق ِ ِ
للمقاصد أصولً ك َ ُ
الفصلَّ :
إن ُ
والقول
ال أنَّا فِ خدمتِها مفصل ًة أخص ِمن َ
ذلك إ َّ ُّ وأخرى
َ ِ
األصول، ِ
بمباحث مشتبك ًة
هلا مبين ًة تار ًة ومكمل ًة تار ًة أخرى.
تغيب عنها ِح ٌ
كمة. حكم ،وال ُ
ٌ يعزب عنها
ُ ِ
الرشيعة ال ُ
فمنظومة
ِ
االبتالء ِ
العبادة ومقصدُ وهي مقصدُ
ربىَ ، ِ
للمقاصد الك َ َ
األصوليون وقد َّ
تفطن
ِ
التكليف كام اهتم الشاطبي بمقصد وضع الرشيعة ابتداء ِ
مبحث ِ
واالمتثال يف
ملصالح العباد ومقصد االستخالف وغريمها من نوع املقاصد التي ال تتولد
عنها فروع وقد سامها ابن عاشور بالعالية أحيا ًنا.
يتجدد عطاؤُ ه وبخاصة فِ قضا َيا الفروع
ُّ زاخرا
ً ال ُ
يزال ِ
املقاصد َ بحر
لكن َ
َّ
ني: َ
وذلك فِ اجتاه ِ املتجدِّ دة
فقام فِ َ
هذا إليهاَ : ُ
احلاجة َ تظهر
ْ الزمن املاضِ ،و ْمل
ِ قضا َيا ْمل ْ
يقم موج ُبها فِ
ِ
الصحابة أحكا ًما فِ قضا َيا ْمل ْ
يكن الشاطبي فِ إحداث
ُّ أشار ِ
إليه َ ِ
الزمان كمَ
كجمع
ِ نوازل زمانِه،
ِ يكن ِمن
والسالم و ْمل ْ
ُ مقتضاها قائمً فِ زمنِه ِ
عليه الصال ُة َ
حسب عبارتِه.
َ العلم وتضم ِ
ني الصناع. ِ ِ
وتدوين ِ
املصحف
املصالح أ ِو
ِ ِ
رجحان ِ
مقتضيات لكن
العلامء َّ
ُ فيها َ
فاختلف َ قام موج ُبها
وقضا َيا َ
املرجوح.
ِ ِ
بالقول َ
األخذ ِ
الزمان اقت ََضت هذا ِ
املفاسد يف َ ترج ِح
ُّ
ِ
املذاهب ِ
خمتلف الحب نجدُ ه عندَ العلام َء ِمن
ٌ ٌ
وطريق واضح
ٌ مذهب
ٌ وهذا
ٌ
واحتياط، ٌ
عزيمة ُ
واألخذ ُبه ُ
الدليل أرجح ِمن ُ
حيث ُ هو ٍ
بقول َ َ
يأخذون زما ًنا
ِ
وفوات وعرس االحرتا ِز واملش َّق ِة
ِ البلوى ٍ
الحق لعمو ِم َ ٍ
وقت ثم هيجرو َنه فِ
َّ
-183-
ِ
املفسدة . ِ
ودرء ِ
املصلحة
ِ
األئمة يف بعض املسائل، ِ
بقول ِ
الزمن ردحا ِمن األحناف فِ ِ
أخذهم ً ُ كمَ َ
فعل
ِ
القرآن تعليم
ِ ِ
الزمان ،فأجازوا االستئجا ِر علَ ِ
ملقتضيات عن َ
ذلك وعد ُلوا ْ
ألن َ
أهل مع ِ
زوجها؛ َّ ِ
االرحتال َ املرأة ِمن
ِ امتناع
ِ ِ
الرشعية ،وكإجازتِم والعلو ِم
َ
خالف ِ
اخلالف النوع ،وجعلوا َ
بعض ِ الزمان قدْ فسدُ وا وقضايا كثرية ِمن َ
هذا ِ
ٍ
وبرهان. َ
اختالف دليلٍ ٍ
زمان ال
ٍ
مالك علَ مذهب
َ فراجعوا
ُ ِ
جريان العملِ ِ
لقاعدة أصلوا ُ
املالكية فإن َّْم َّ َّأما
خيتلف ِف ِ
يه َع ْن عملِ ُ عمل فكان ِّ
لكل ُقط ٍر ٌ َ ِ
اإلسالمي، ِ
الغرب ضوئِها فِ ِ
بالد
األقوال وأمه ُلوا
ِ َ
ضعيف فاس وقرطب َة وتو ُنس ،فأعم ُلوا
القط ِر املجاو ِر كعملِ ٍ
والروائح،
ِ ِ
الغوادي ِ
املقاصد رياح
وماسوا َم َع ِ
ُ املصالح
ُ ترج ِ
حت راج َحها إ َذا َّ
ِ
ِ
جلب سبب ِمن
ٍ ِ
لعروض الصحيح
ِ ِ
القول ِ
الضعيف علَ بتقديم
ِ وحكموا
ُ
ٍ
مفسدة . أو ِ
درء ٍ
مصلحة ْ
َّصل سبب ِ
قد ات ْ ٍ به ِمن أجلِ
ِ جرى ْ
عمل َ
الضعيف ْ
إن َ وقدِّ م
ِ
السعود. قال فِ ِ
مراقي كمَ َ
ِ
املعامالت ِ
مئات املسائلِ ،ك ّلها فِ ِ
الرجحان فِ َ
تعديل ِ
القاعدة ورتَّبوا علَ ِ
هذه
إجراء
ُ العبادات التِي ُّ
نصوا فيها عىل أ َّنه ال ُ
جيوز ِ دون ِ
الشخصيةَ ، ِ
واألحوال
ِ
عمل اجلمع فِ املط ِر فِ
ِ هي ُ
ترك ٍ
واحدة َ ٍ
مسألة العملِ َ
فيها مع أهنم أجروه يف
أهلِ فاس ،قال ناظم «عمليات فاس»:
علمهم برتك مجع يا ندس بالقرويني جرى واألندلس
-184-
واملراد بالقرويني واألندلس :عدوتا مدينة فاس.
وأن يتعلق باملفتِي جمرى العملِ ِ :من كونِه أهلً َ
للفتوىْ ، ُ منها َما ً
رشوطا َ ُ
واشرتطوا
ِ
القول الضعيف(.)1 الراجح إلَ
ِ ِ
القول دل ِ
عن الذي ِمن ِ
أجله ُع َ السبب ِ
َ َ
يعرف
جماالت االستنجاد باملقاصد:
فيها واستثام ِرها ِ
باملقاصد َ االستنجاد
ُ املجاالت التِي ُ
جيب ِ وبنا ًء علَ َما تقدَّ م َّ
فإن
ٍ
جماالت: تتمثل فِ ثالثِة
ُ
لتوسيع الدوائر
ِ املقاصد فِ بنيتِها؛
ِ ِ
إعامل ِ
ضوء ِ
الفقه علَ ِ
أصول أولً :فِ تفعيلِ
ِ
االستحسان األربع التي ذكرناها يف املشهد الثاين من هذا الكتاب وهي :دائرة
والذرائع ،حتى ال تكون
ِ ِ
املئاالت ِ
ومراعاة ِ
األقيسة ِ
واستنباط واالستصالح
ِ
آخر َما أرش َنا ِ
إليه؛ األصول عقيمة والفروع يتيمة ...إلَ ِ
ويمكن أن نعرب عن إعامل املقاصد يف هذه الدوائر بأن مراعاة املعنى املقصدي
أما أن تكون بمعنى جزئي وهو إحلاق فرع بأصل خاص يف حمل خمصوص
وهذا هو القياس.
أو إحداث حكم يف حمل بناء عىل كيل حيث ال يوجد أصل خاص وهذا ما
يسمى باالستصالح.
أو استثناء جزئي ملعنى خيصه من كيل ثابت بالدليل وهذا هو االستحسان.
أو تغيري حكم عام يقتضيه الظاهر نظرا إىل املئاالت وهذا ما يسمى سد
الذرائع.
-1تراجع الرشوط اخلمسة إلجراء العمل يف كتابنا «صناعة الفتوى وفقه األقليات».
-185-
هذه االجتاهات األربعة هي بحق وحقيقة جماالت املقاصد وقد قدمنا اإلشارة
إىل بعض أمثلتها وأمهها االستحسان وصدق اإلمام مالك حيث يقول :إنه
ِ
الرشعية وتقييد ِ
النصوص ِ
عمومات ختصيص
ُ يتاح
تسعة أعشار العلم ألن به ُ
دعا فِ العملِ وال بدع َة ِمن النحلِ . وليس َ
ذلك بِ ً َ مطلقاهتا.
ِ
الصياغة ِ
مسألة النوع فِ
ِ مسألة ِمن َ
هذا ٍ عن ِ
إيراد يب ْ أجاب أبو بك ٍر ُ
ابن العر ِّ َ وقدْ
منصوص
ٌ ِ
العلامء :الر َبا مجاعة ِمن
ٌ َ
«وقال ً
عروضا؟ بقوله: ري النقود ْ
هل تص ُ
ِ
قاعدتان: تعارضت
ْ ٌ
مستنبطة ،فقدْ واملصالح
ُ متوعدٌ ِ
فيه ،واملقاصدُ َّ ِ
عليه
املصالح
ِ ُ
والثانية قاعد ُة متفق ِفيها.
عليها ٌ
منصوص َ
ٌ وهي إحداهُا قاعد ُة ِّ
الربا َ
رجح ِ
يتساويان؟ فضلً َعن ْ
أن ُت َّ َ
فكيف فيها ٌ
خمتلف َ ٌ
مستنبطة وهي ِ
واملقاصدَ ،
املصالح واملقاصد؟
ِ قاعد ُة
ٌ
مجاعة. َ
القول هذا َ
واستهول َ
-186-
يرجع
ْ استحسن ْمل
َ القياس ،فإِ َّن َمن
ِ املرسلِ علَ ِ
االستدالل َ تقديم
ِ الرجوع إلَ
ُ
ِ
اجلملة ،يف الشارع فِ
ِ ِ
قصد علم ِمن
رجع إلَ َما َ
َ وتشه ِ
يه ،وإ َّنمَ ِّ جمر ِد ِ
ذوقه إلَ َّ
أمرا؛ إ ّ
ال ّ
أن فيها ً
القياس َ
ُ املفروضة .كاملسائلِ التِي يقتضِ
ِ ِ
األشياء تلك ِ
أمثال َ
ٍ
مفسدة كذلك. ِ
جلب أخرى ،أو املصلحة ِمن ِ
جهة َ ِ ِ
فوات األمر يؤ ِّدي إلَ
َ َ
ذلك
مع التكمي ِّ
لِ؛ واحلاجي َ
ُّ ِ
احلاج ِّي، مع
الرضوري َ
ُّ فق َ
هذا فِ األصلِ ريا ما ي َّت ُ
وكث ً
ِ
بعض ٍ
ومشقة فِ حرج
ٍ الرضوري يؤ ِّدي إلَ
ِّ القياس مطل ًقا فِ
ِ إجراء
ُ ُ
فيكون
الرضوري
ِّ مع التكمي ِّ
يل أو احلاجي َ
ِّ َ
وكذلك فِ احلرج،
ِ موضع
ُ موا ِرده ف ُيستثنَى
ظاهر.
ٌ وهو مع التكمي ِّ
لَِ ، َ
الدرهم
ُ كالقرض مثلً فإ َّنه ِر َبا فِ األصلِ ؛ أل َّن ُه
ِ ٌ
أمثلة كثري ٌة: الرشع
ِ وله فِ
ُ
ِ
والتوسعة علَ املحتاجنيَ ، ِ
الرفق يه ِمن
أبيح لِا ِف ِ
أجلٍ ،ولك َّنه َ بالدرهم إلَ َ
ِ
لكان فِ َ
ذلك ٌ
ضيق علَ املكلفنيَ . املنع َ
بقي علَ أصلِ ِ
لو َ ُ
بحيث ْ
فيه ِمن
أبيح ملَا ِ
لكنه َ ِ
باليابسُ ، ِ
الرطب بيع
فإنه ُ
مترا؛ ُ
بخرصها ً
َ ِ
العرية ومث ُله ُ
بيع
امتنع مطل ًقا لكان وسيل ًة
َ ِ
بالنسبة إلَ املع ِري وا ُمل َعرى ،ولو احلرج
ِ ورفع
ِ ِ
الرفق
الرفق ِمن
ِ ُ
أصل المتنع
َ ِ
القرض امتنع فِ
َ ِ
النسيئة ل ِو ملنع اإلعراء .كمَ َّ
أن ر َبا ِ
ِ
الوجه . َ
هذا
والفطر
ُ وقرص الصالة،
ُ ومجع املسافر،
ُ ِ
والعشاء للمط ِر ِ
املغرب اجلمع بنيَ
ُ ومث ُله
ِ
اخلوف . فِ السف ِر الطويل ،وصال ُة
ُ
الدليل وإن َ
كان ُ
والقرض واملساقا ُةْ ، ِ
العورات فِ التدا ِوي، االطالع علَ
ُ ومث ُله
وأشياء ِمن َ
هذا القبيلِ كثري ٌة. ُ املنع،
العام يقتضِ َ
ُّ
-187-
ترجع إلَ اعتبا ِر ِ
املآل فِ ُ فإن حقي َقتَها صات التِي علَ َ
هذا السبيلِ ؛ َّ ِ ُّ
الرتخ وسائر
ُ
العام يقتضِ ُ
الدليل ُّ حيث َ
كان ِ
اخلصوصُ ، ِ
املفاسد علَ أو ِ
درء املصالح ْ
ِ حتصيلِ
رفع َما اقتضا ُه َ
ذلك ألدى إلَ ِ
العام َّ
ِّ مع أصلِ َ
هذا الدليلِ لو بقينَا َ منع َ
ذلك ،أل َّنا ْ َ
ذلك ِ
املآل إلَ أقصا ُه . رعي َ ِ
الواجب ُ فكان ِمن
َ ِ
املصلحة، الدليل ِمن
ُ
ِ
القاعدة ،وعليها بنَى ٌ
مالك القول ِ
هبذه ِ ِ
صحة األدلة الدا َّل ِة علَ
ِ نمط ِمن
هذا ٌ
وأصحا ُبه.
إيثار ِ
ترك مقتضَ الدليلِ علَ ِ
االستحسان« :بأ َّنه ُ يب فِ تفس ِ
ري ابن العر ِّ وقدْ َ
قال ُ
بعض مقتضياتِه».
ض بِه فِ ِ
يعار ُ ِ
ملعارضة ما َ ِ
والرتخيص، ِ
االستثناء ِ
طريق
وتركه إىل ِ
العرفُ . ِ
األيامن إلَ ِ
للعرف ،كر ِّد فمنه ُ
ترك الدليلِ ثم جعله أقسا ًماُ :
َّ
ِ
كإجياب الغر ِم علَ َمن لإلمجاع،
ِ رت ِك .أو ُ
تركه ري املش َ
ني األج ِ ِ
املصلحة ،كتضم ِ
ُ
وتركه يف اليسري لتفاهته لرفع املشقة وإيثار التوسعة ذنب ِ
بغلة القاضِ. قطع َ
َ
ٍ
ورصف بيع ِ
وإجازة ٍ ِ
الكثرية، ِ
املراطلة ري فِ ِ
كإجازة التفاضلِ اليس ِ عىل اخللق،
فِ اليس ِ
ري.
بأقوى ُ
العمل َ هو ِ
احلنفية َ ُ
االستحسان عند َنا وعندَ َ
وقال فِ أحكا ِم القرآن:
ِ
يريان فإن ً
مالكا وأ َبا حنيف َة والقياس إ َذا َّ
اطر َد؛ َ ُ استمر
َّ فالعموم إ َذا
ُ الدليل ِ
ني،
كان ِمن ظاه ٍر ْ
أو معنَى. بأي دليلٍ َ
ختصيص العمو ِم ِّ
َ
ِ
بقول خيص ويستحسن أبو حنيف َة ْ
أن َّ ُ ِ
باملصلحة، ُص
أن ي َّ ٌ
مالك ْ ويستحسن
ُ
ِ
القياس ختصيص
َ معا ِ
ويريان ً ِ
القياس، ِ
بخالف ِ
الوارد ِ
الصحابة الواحد ِمن
ِ
ختصيصا .وهذا ِ
الذي ً الرشع إ َذا ْ
ثبتت ِ الشافعي لع َّل ِة
ُّ ونقض الع َّلة .وال َيرى
َ
-188-
العام
ِّ مآالت األحكا ِم ِمن غ ِ
ري اقتصا ٍر علَ مقتضَ الدليلِ ِ نظر فِ
هو ٌ َ
قاال َ
العام(.)1 ِ
والقياس ِّ
ِ
ختصيص عمو ٍم، ُ
احلاجة فِ تدخ ُل
الشاطبي فاقول قدْ ُ
ِّ ونتيج ًة ملَا تقدَّ م ِمن كال ِم
يكون عمو ًما ضعي ًفا ،كإجازة مالك تالوة القرآن للحائض
ُ ِ
الغالب وفِ
واحليض جنابة ،وإجازة ابن قدامة للسفتجة مع ما فيها من مفهوم «قرض
نفعا» للمصلحة ،وإجازة الشافعية لبيع أرزاق اجلند قبل قبضها ،وهم ال
جر ً
جييزون البيع قبل القبض.
التخصيص ِمن نواد ِر الصو ِر،
ُ عليها
الوارد َ
ُ ُ
اجلزئية َ
تكون أن ِ
الضعف ْ ومعنَى
العام.
حكم ِِّ ُ
وخيتلف فِ دخولِا فِ
قال فِ ِ
مراقي السعود: َ
أو ال ِخ َ
ال ٌف ُي ْن َق ُل ومط َل ٍق ْ
ُ اد ٌر فِ ِذي ُ
الع ُمو ِم َيدْ ُخ ُل هل َن ِ
ْ
قال ُ
بعضهم: ِ
وقوعه ،ولذا َ ِ
لندرة ببال املتك ِّلم
خيطر غال ًبا ِ
ُ ويعنِي بالناد ِر َما َ
ال
َ
«ال واألصل فِ َ
ذلك قوله: ُ وجوزها ُ
بعضهم. ُ
املسابقة علَ الفيلِ َّ ، ال ُ
جتوز َ
سبقَ إلَّ فِ ٍّ
خف».
ِ
الرشط معنًى، ِ
اإلثبات أ َّنه فِ ح ِّي ِز ٌ
واقعة فِ أنه نكر ٌة ِ
عمومه مع ُ وجه
قال زكر َّياُ :
تعم(.)2 ِ
سياق الشَّط ُّ كان فِ ٍّ
خف» ،والنكر ُة فِ إن َ التقدير «إ ّ
ال ْ ُ ِ
إذ
ص لعام.
خمص ٌ
وهو ِّ للقرآن ،ح َّتى َ
ال َت َ
نسىَ ، ِ ِ
احلائض وأجاز ٌ
مالك تالو َة َ
-189-
ِ
اللفظية- ِ
صات املخص
َّ ليست ِمن
ْ -وهي
َ ُ
احلاجة ص
ختص ُ
كيف ِّ وإ َذا َ
قلتَ :
ِ
بنوعيه كاإلمجاع واملفهو ِم
ِ الكتاب والس ّن ِة وغ ِ
ريها ِ نصوص وظواه ِر
ِ ِمن
ِ
والقياس؟
ِ
احلاجة، التخصيص للمعنى وهو مقصد التيسري املعتمد علَ
ُ قلت :إ َّنام يعزَ ى
ُ
عن الشاطبِ ِّي. ِ
واملالك ِّي كام تقدَّ م ِ احلنفي
ِّ ني ٌ
معروف فِ املذهب ِ أمر َ
وذلك ٌ
ِ
للحاجة؛ أجازها َمن َ
أجازها َ املسائل التِي
َ أن ِ
هذه التنبيه ِ
عليه َّ ُ الذي ِ
ينبغي وإن ِ
َّ
والنهي
ِ ِ
للقرآن، ِ
اجلنب ِ
قراءة عن
النهي ْ
ِ ختصيصا ِمن العمو ِم فِ
ً كانت
وإن ْفإنَّا ْ
ٌ
ضعيف فِ املسائلِ عموم
ٌ ِ
القبض؛ فإ َّنه بيع َ
قبل والنهي َعن ٍ
ِ نفعا،
جير ً عن ٍ
قرض ُّ ْ
وهو ِ
احلائضَ ، ِ
جنابة غ ِ
ري ِ
معرض ِ
اجلنب جا َء فِ َ
حديث ألن ِ
املخصوصة؛ َّ
ِ
بالنسبة لرا ِوي احلديث. ِ
النادرة ِ
الصورة ِ
بمنزلة ُ
احليض َ
فكان يل،حديث ع ٍّ
ُ
تشتمل علَ زيادةِ -من الصو ِر
ُ منفعة َ
ال ٌ -وهي
َ ِ
السفتجة َ
وكذلك َّ
فإن استثنا َء
ِ
باألصالة النفع فإ َّنه يعنِي
ِ ِ
بالنسبة للمتك ِّلم؛ فإ َّنه عند َما يتحدَّ ُث َعن ِّ
جر ِ
النادرة
خفي عند َما
ف ٍّ ابن قدام َة ِمن ْ
طر ٍ الزياد َة أ ِو اهلد َّي َة أو نح ِو َ
ذلك .وعلَ هذا ّنب َه ُ
ِ
بخصوصها. ِ
حتريمها أي نص فِ إنه َ
ال َّ َ
قالُ :
خمتلف فِ دخو َهلا
ٌ نوادر الصو ِر
َ ومعلوم َّ
أن ٌ ِ
األرزاق، ِ
مسألة مثل َ
ذلك فِ و ُق ْل َ
فِ العمو ِم كمَ أسل ْفنا(.)1
فهل يمكن أن يقال إن النهي عن التصوير ال يشمل الصورة الفوتغرافية
ألهنا صورة نادرة غري موجود يف ذلك العرص فال تكون مشمولة بالعموم أو
-190-
اشرتاكها معها من باب االشرتاك اللفظي غري املؤثر كخنزير املاء كام يقول ابن
رشد يف البداية.
ويمنحه احليوي َة الالز َم َة.
ُ ِ
الفقه ،ولك َّن ُه سيجدِّ ُده ِ
أصول يِّ بنا َء
لن يغ َ إن َ
ذلك ْ َّ
اجلديدة ِمن
ِ ِ
مستقلٍ فِ القضا َيا ٍ
اجتهاد تقديم
ُ سيتاح
ُ هذا التفعيلِ ِ
ضوء َ وفِ
ِ
املشكالت استيعاب ِّ
كل ِ ُ
ستكون قادر ًة علَ االجتهاد ،التِي
ِ ِ
آليات ِ
خالل
الواقع ِّ
بكل ِ ِ
دراسة ينطلق ِمن
ُ املناط ِ
الذي ِ ِ
حتقيق ِ
واالجتامعية ،بعدَ ِ
االقتصادية
تعقيداتِه.
كانت
ْ املناسبة التِي حت ِّق ُق املقاصدَ الرشعي َة ،ح َّتى ْ
ولو ِ ِ
األقوال اختيار
ُ ثان ًيا:
ُ
احلاجة. ودعت إليها
ْ عن ٍ
ثقة، دامت نسب ُتها صحيح ًة ،وصادر ًة ْ
ْ مهجور ًة ،ما
ُ
املالكية للعملِ الضعيف. اشرتطها
َ الثالثة التِي
ُ ُ
الرشوط هي َ
تلك َ
قوي بسبب ظهور دليله أو كثرة القائلني به،
قول ٍّ ٍ
ضعيف علَ ٍ ترجيح ٍ
قول ُ
ِ
املقصد قو ِة
الرتجيح كام أسلفنَا يعتمدُ علَ َّ
ُ فريجح عليه القول الضعيف َ
وهذا
ِ
احلارض. ِ
الوقت فِ
ٍ
أبواب. سأرضب أمثل ًة ِمن ِ
عدة ُ ري فألطبقَ ِ
هذه املعاي َ َّ
ٌ
خمالف الزوال وهو ٌ
قول ِ قبل مسألة ِ
الرمي َ ُ احلج مثلً بالعباداتِ :
ففي ِّ ِ َ
ألبدأ
ِ
الصحابة والتابعنيَ العلامء ِمن
ِ ُ
بعض قال ِ
به العلم ،وقدْ َ
ِ ِ
لقول أكث ِر أهلِ
وعن ِ
ابن ْ عباس عندَ ِ
ابن أبِ شيبة، ٍ ابن ٌ
منقول َعن ِ فهو
اآلخرين؛ َ
َ ِ
والفقهاء
ِ
حممد ٍ
وعطاء فِ إحدَ ى الروايتني ،واإلما ِم ُ
وقول طاووس ِ
الفاكهي، الزب ِ
ري عندَ
وهو ُ
قول ِ
ابن عقيلٍ املرجوحة َعن أبِ حنيف َةَ ،
ُ ُ
والرواية ريض ُ
اهلل عنه، َ الباق ِر
-191-
والرافعي من الشافعية.
ِّ ِ
احلنابلة، اجلوزي ِمن
ِّ ِ
وابن
وجها بأن األيام كلها وقت رمي فلو رمى يف أي يوم منها
وخرج إمام احلرمني ً
كان أداء وصح رميه وهو وجه غريب.
ِ
وجوب الرمي يف هذا يدل عىل الشارع ِ
الذي ُّ ِ الراجح فيستندُ إىل فعلِ
ُ ُ
القول أما
ِ
الزوال . أي ِ
بعد الوقت؛ ْ
الواجب ،ومنها الس َّنة ،ومنها
ُ احلج منها
ِّ َ
أفعال ألن ٌ
جممل؛ َّ الشارع
ِ ُ
وفعل
والسالم فِ
ُ بعضهم أفعا َله ِ
عليه الصال ُة َ
خالف ُ ِ
كالتحصيب مثلً ،وقدْ اجلائز،
ُ
حرج.
ْ افعل َ
وال وأقرهم علَ َ
ذلك قائلًْ : ِ
الرتتيبَّ ،
باإلضافة إىل أن الرمي س َّن ٌة عندَ ِ
بعضهم نسبه ابن جرير إىل أم املؤمنني عائشة
ريض اهلل عنها .
ضعيفة ِمن وجه ِ
ني أولً: ٌ ِ
األفعال ِ
وجوب ُ
وداللة «خذوا عني مناسككم» علَ
ُ
والوقف والندب
ُ الوجوب
ُ اخلالف ِ
ففيه اثنا َ
عرش قولً: ِ داللة األم ِر ِمن
ِ ملَا فِ
ُ
والتفصيل ..إلخ. ُ
املشرتك والقدر
ُ
احلج ومستحباتِه. ِ
بسنن ِّ خمصوص
ٌ عام
و«مناسككم» ٌّ
َ
املكان ِ
ضيقت املواصالت ِ
فيه ِ ُ
وسائل ٍ
عرص احلجاج فِ
ِ أما الواقع :فكثر ُة
ُ
املشقة. ِ
وتضاعفت األنفس
ُ هلكت ِ
فيه ْ فأدت لزحا ٍم َ
الزمان َّ ِ
وقاربت
ِ
األنفس إحدى الرضورات ﱫ ﭹ ﭺ ُ
املحافظة علَ الرشعي:
ُّ املقصدُ
ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﱪ [النساء.]29:
اآلية ِمن
ُ ري:ﱫ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﱪ
اآلخر :التيس ُ
ُ الرشعي
ُّ املقصدُ
-192-
ٌ
وأدلة كثري ٌة احلج بدليلِ «افعل وال حرج»، ِ
فريضة ِّ سيام فِ
احلج [ ،]78وال َّ ِ
سورة ِّ
ال حتىص.
النتيج ُة:
الرمي َ
قبل ُ ُ
فيجوز راجحا ومتعينًا
ً الرشعي
ُّ القول املرجوح َجعله املقصدُ
الزوال.
قوي بسبب ظهور دليله أو كثرة القائلني به،
قول ٍّ ٍ
ضعيف علَ ٍ ترجيح ٍ
قول ُ
ِ
املقصد قو ِة
الرتجيح كام أسلفنَا يعتمدُ علَ َّ
ُ فريجح عليه القول الضعيف َ
وهذا
ِ
احلارض . ِ
الوقت فِ
ٌ
مصونة؛ ٌ
حمفوظة ،وحقو ُقه الراجح
ِ ِ
القول أقول لطلبتِي َّ
إن مكان َة ُ َ
وهلذا فإنَّ
التقاعد ،ريثمَ ِ
ختتفي ِ وال حتي ُله إلَ ٍ
إجازةَ ، ِ
بالذهاب فِ حتكم ِ
عليه لكن املقاصدَ ُ
َّ
ُ
الضعيف مكا َنه . ُ
القول تبوأ املصلحة التِي ِمن ِ
أجلها َّ ُ
ُ
القول الذي يستندُ ِ
إليه ميزان يتمث َُّل فِ النظ ِر فِ الدليلِ ِ
ٍ حيتاج إلَ
ُ األمر
َ ولكن
َّ
أو فعلً حمتملً.
قياسا ْ
أو ً ظاهرا ْ
ً يكون إ َّ
ال ُ ال الراجح ِ
الذي قدْ َ ُ
ونحوه.
َ ٍ
آحاد رب ُ
يكون خ َ ِ
الثبوت قدْ وأيضا ِمن ِ
جهة ِ
الداللةً . هذا ِمن ِ
جهة
رفت
الذين ُع ْ
َ العلم
ِ يكون ِمن أهلِ
َ جيب ْ
أن ِ
الضعيف ُ ِ
بالقول َ
القائل ثم َّ
إن َّ
ألن ُيقتدَ ى هبِم. مكان ُتهم ،وأنَّم ٌ
أهل ْ
متاحاْ ،
بل ومتعينًا . باملقصد ً
َ الرتجيح
ُ ُ
يكون َ
وبذلك
سيام يف ِ
الفقه وال َّ ِ
أبواب النوع فِ خمتلف
ِ عرشات املسائلِ ِمن َ
هذا ُ ولدينا
-193-
ِ
الرضورات. املنز ِ
لة منزل َة ِ
الرضورات واحلاجات َّ املعامالت التي تستندُ إىل
ُ
تفعيل النظرية املقاصدية فِ وضع فلسفة إسالمية شاملة جتيب عىل ثال ًثا:
األسئلة التي يطرحها العرص يف خمتلف القضايا الكربى التي تشغل اإلنسان
وشغلته منذ القدم يف الكون والنظم السياسية واالقتصادية واالجتامعية لتفسري
خمتلف الظواهر اإلنسانية ومظاهر العالقات وتقديم قوانني عامة تنطلق من
ثنائية الوحي والعقل.
وهي فلسفة تبدأ بإرساء املنهج وحترير املفردات وعقد املقارنات ووضع
الكليات بعد استقراء اجلزئيات ودراسة التجارب البرشية واملقوالت املتنوعة
بغض النظر عن االتفاق واالختالف معها آخذة يف االعتبار رضورات احلياة
وحاجياهتا يف كل زمان ومكان.
ولعل سلوك املجتمع ومؤسساته وعالقة الفرد هبا ونوع السلوك اإلنساين يف
اجلملة هو اجلانب الذي ال يزال حيوم حوله الباحثون.
واملباحث الفلسفية كثرية ومتنوعة بتنوع قضايا واهتاممات اإلنسان املعرفية
والروحية واملادية يف حماولة إلجياد قانون ما يكون مرتكزا حلكم ما أو مقاربة
ً
سلوكا. من نوع ما توسس لتوجه أو تفرس ظاهرة أو
ِ
املجالس ِ
وانتخاب ِ
والديمقراطية كالشورى
َ النظم؛
ِ ِ
ميدان وجيد ذلك تطبيقه يف
النيابية وأنواع التمثيل املبارش وغري املبارش.
َّ
إن نظام الشورى يصب يف جدول واحد هو «العدالة» يف اإلسالم والتي
أن الديمقراطي َة تبحث عنه من
أن توفر لإلنسان ما نقدر ونظن َّ
بإمكاهنا ْ
-194-
إسعاد ،وما نظن أهنا مل تصل إليه َبعدُ باعتبار الديمقراطية كالشورى وسيلة
وليست غاية ،والديمقراطية حمطة من حمطات اإلبداع اإلنساين وليست هناية
التاريخ ،فالبحث عن إسعاد اإلنسان إذن هو هدف مشرتك للديمقراطية
معا.
والشورى ً
والشورى نظام متعدد األوجه واألشكال قائم عىل دعامتني ،دعامة الرتايض
ودعامة العدل وهو بحث دائم عن األفضل للوصول إىل األمثل ،وليس
ملصلحة األكثرية دون األقلية ،بل ملصلحة اجلميع.
يؤحذ عىل الشورى أهنا مل تتجسد تارخي ًيا يف مؤسسات حمكمة صادة عن
االستبداد مانعة من حيف احلكام ،ونحن ال ننكر احلاجة إىل ذلك ولكنها يف
وقت فاعلية النظام اإلسالم أعطت أفضل ما يمكن يف وقت ما من التاريخ
بحسب الزمان واإلنسان إال أنه جيب أن ينظر إليها كموجه وليس كنظام
رشعا بصياغة ذلك النظام طب ًقا للموجهات الكربى
مفصل ،واإلنسان مكلف ً
التي جيب أن تتظافر ليكون نظام شوري وهي :العدل الذي يستبعد حيف
األكثرية األثنية أو الدينية عىل األقلية من أي نوع .والرتايض الذي ال يفرز
أقلية ساخطة كام هو حال الديموقراطية ،إننا من خالل نظام شوري حقيقي
يمكن أن نداوي ذلك اخللل.
إن مقاصد الرشيعة هي النرباس لتكوين مثل تلك الفلسفة.
ريا وثناء مجيال ومنه :إن الديمقراطية هي النظام
لقد قالوا عن الديموقراطية شيئًا كث ً
الذي يعرتف باألفراد واجلامعات بوصفهم ذوا ًتا ،أي النظام الذي حيميهم.
-195-
والديمقراطية تتحدد عىل نحو أوضح باألعداء الذين تقارعهم أكثر مما تتحدد
باملبادئ التي تدافع عنها.
ينبغي حتديد الديمقراطية ال بوصفها تغ ُّلب اجلامع والشامل عىل اخلصوصيات،
بل بوصفها جممل الضامنات املؤسساتية التي تتيح اجلمع بني وحدة العقل
الوسائيل وبني تنوع الذاكرات ،اجلمع بني التبادل واحلرية .فالديمقراطية هي
سياسة االعرتاف باآلخر(.)1
هذا أفضل ما يقال عنها إال أن بعضهم يقول -الفيلسوف الفرنيس أالن باديو:-
أن الديمقراطية مل تستطع أن خت ّفف حدّ ة العنف داخل املجتمعات
واحلقيقة ّ
الغربية إال بواسطة حتويل هذا العنف إىل اخلارج.
الواليات املتحدة األمريكية هي يف حالة حرب شبه دائمة منذ قرن ونصف،
إذا اعتربنا ،1918 - 1914حروب التحرير ،حرب كوريا ،حرب فيتنام،
العراق ،الرصاع الفلسطيني -اإلرسائييل ..دون أن ننسى احلروب الثانوية
حيث تتدخل الديمقراطيات َك َي ٍد ثانية ،إهنا لكذبة أن نقول انه بفضل
الديمقراطيات نحن نعيش يف عامل بال عنف .الديمقراطية مل تنه العنف بل
صدّ رته إىل اخلارج ألنّه ،إذا كانت ساحة ديمقراطية خاضعة للرأساملية تريد
نسبي.
ّ البقاء ،عليها أن تكون ساحة رخاء
ّ
إن مسارات الديمقراطية كام هي ال تكفي الحتواء الرصاعات والصدامات
يتحول ذلك إىل عنف،
ّ الطبقية النامجة عن الفوارق االجتامعية ،ولكي ال
-1يراجع يف ذلك كتاب أالن تورين «ما هي الديموقراطية» منشورات دار الساقي ط.2
-196-
جيب إجياد نوع من الرخاء يظهر وكأنه ال يوجد يف أماكن أخرى .وجيب محاية
هذا الرخاء ..هكذا يولد مفهوم احلامية ،القوانني ضدّ املهاجرين األجانب،
التدخالت العسكريةّ ...
إن العنف صاحب عملية تراكم الرأسامل البدائي ّ
وظهور الديمقراطيات ،أ ّما االزدهار الرأساميل فقد كان عىل حساب شعوب،
منها التي أفنيت متاما ،،وقد وقعت حروب وجمازر ال حرص هلا .وهذا العنف
مستمرا ،وال يمكن له إال أن ينمو ويتسع يف ظروف كهذه...
ً ما زال
يتم استخدام مبادرات جديدة سياسية وشعبية ،فإننا نسري نحو
صدقني إذا مل ّ
مروعة.
حروب ّ
هل معنى ذلك أن نتخىل عن الديمقراطية؟
فرنيس ،أعرف أنني أمت ّتع بالكثري من االمتيازات ،إذن أطلب فقط أن
ّ كمواطن
نعي ثمنها الباهظ ،والذي يزداد ارتفاعا يوما بعد يوم.
لقد أثرت -منذ قليل -عدد ضحايا الشيوعية ،نستطيع أن نجيب ،إنّه ومنذ
اخلمسينات من القرن املايض ،قتلت الواليات املتحدة وحلفاؤها يف الغرب
من الناس ما مل تفعله أي بالد أخرى .إنني عائد من إرسائيل وفلسطني حيث
رأيت هذا اجلدار الذي يمتدّ عىل طول الض ّفة ..ما الذي مل نفعله جتاه حائط
برلني؟ واآلن نبني جدرانا يف ّ
كل مكان ،فلسطني املكسيك ...وبعدد من
احلديدي (نسبة للعامل الشيوعي
ّ القتىل يضاهي قتىل الشيوعيةّ ..
إن الستار
السابق) كان يمنع الناس من اخلروج ..واجلدران األمنية احلالية متنعهم
تورد العنف للداخل ،والديمقراطية
من الدخول ..األنظمة االشرتاكية ّ
-197-
تصدّ ره...أن تكون جالد شعوب أخرى عوضا عن شعبك بالتحديد ،هل
حمبذ فعلً؟(.)1
هذا أمر ّ
ويقول الفيلسوف األملاين ليو سرتاوس إن الديمقراطية هي «استبداد العدد
األكرب» وفعال فإنك ترى األكثرية ولو كانت بنسبة قليلة من األصوات املعرب
عنها تستأثر باحلكم والثروة واألقلية حمرومة ومضطهدة وقد يدوم ذلك وق ًتا
طويال حيث يستعمل احلزب احلاكم كل الوسائل للبقاء يف احلكم.
أال حيق لنا أن نوجد نظا ًما مستوحى من مبدإ الشورى ومقصد العدالة األعىل؛
إلجياد حل أفضل ،ونعنى بالديمقراطية والشورى حقيقة النظامني ال الصور
املزيفة واملنافقة كتلك االنتخابات التي متثل ديمقراطية الواجهة يف بعض
النظم العربية(.)2
يف املجال االقتصادي:
يمكن اعتبار مقاصد الرشيعة يف املعامالت املالية ممثلة للفلسفة اإلسالمية
للمعامالت يف اإلطار اجلامع الناظم ملختلف فروعها ،بينام تعترب األحكام
الفقهية التفصيلية ملختلف األبواب واملتعلقة بالعقود ورشوطها والتي تنشؤ
عنها الصحة والبطالن بمنزلة الترشيعات.
إن موقف الرشيعة الفريد من املال ينسجم مع احلقيقة التي عليها يقوم بناء هذا
الدين من أن الكون كله ملك هلل جل وعال فليس املال فقط وإنام اإلنسان أيضا
-198-
يف كل تقلباته وترصفاته وسكناته وحركاته:ﱫ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﱪ
[األنعام.]163-162 :
بقدر ما خيضع اإلنسان كيانه هلذه احلقيقة بقدر ما يكون صالحه ومتام النعمة
عليه ورضاه :ﱫ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﱪ [الليل.]21-19 :
وفرعا وليس أصلً يف امللكية وهلذا فإن
ً إن هذا املوقف جيعل اإلنسان مستخل ًفا
حريته يف الترصف مضبوطة بالضوابط التي يضعها املالك األصيل.
ومعنى ذلك عمل ًيا أن املصلحة العامة جيب أن تراعي يف النظام االقتصادي
مما يستلزم إمكانية بل أحيا ًنا رضورة تدخل الدولة التي يفرتض أن تكون
ممثلة للمصالح العامة ،مما قد يتناىف مع الرأساملية املتوحشة املتمثلة يف مذهب
آدم اسميث واتباعه من أمثال فريديريك هايك القائمة عىل النأي بالكلية عن
أي تدخل للدولة انطال ًقا من فكرة «اليد اخلفية للسوق» وتطبي ًقا ملبدأ احلرية
املطلقة للفرد واستبعاد قانون األخالق والقيم عن املنظومة االقتصادية بعكس
النظرة اإلسالمية.
وقد حاولت تطبيق الرؤية املقاصدية يف كتايب «مقاصد املعامالت ومراصد
الواقعات» فرضبت أمثل ًة يف اجتاهني :يف اجتاه مجود املجامع الفقهية يف
موضوعات فيها سعة .ويف اجتاه اجتهادات مقاصدية غري منضبطة لبعض
جلان الفتوى يف املجال االقتصادي.
-199-
موضوعا للدراسة وهي:
ً وقد تناولت جمموعة من القضايا امللحة جعلتها
ومسألة تأجيلِ ِ
العوضني. ُ ُّ
التضخم ،ومسألة بيع دين السلم لغري من هو عليه.
ومسألة عقود اخليارات .وعقود املستقبليات ،والتأمني ،واإلجيار املنتهي
بالتمليك ،فلينظر هناك.
-200-
فقـه األقليــات
-204-
ينطبق ِ
عليه إ َذا ُوجدَ َ ،مع ُ النص اجلزئِ ِّي ِ
الذي ِ
خالل ِّ حكم ِمن
ٍ ُ
البحث َع ْن ثم
َّ
ِ
كقصد الرشعي ُكل ًيا أو عا ًما
ِّ ِ
املقصد ُ
إبراز ثم ِ
حكمهَّ ، ِ
ومرتبة فحص درجتِه
ِ
خالل َ
هذا املعيا ِر ِ ومن
الفرعْ ،
ُ رجع إليه ِ
بالباب الذي َي ُ خاصا
التيسري مثلً ،أو ً
َ
بسيط ًة. وليست
ْ ٌ
مركبة ٌ
صناعة الفتوى التِي َ
هي تصدر َُ ِ
الدقيق
هندس هذه
َ أن ُم ِ
عادلة لك َّن ُه من لوازمها وهو َّ خارج ا ُمل
َ رابع
رشط ٍٍ ِ
باإلضافة إىل
باملصالح
ِ ريا رتاضا يف الش ِ
َّيعة بص ً َ
يكون ُم ً أن قرر النتيج َة ُ
جيب ْ ِ
العملية الذي ُي ُ
نظو َمتِها ،وقد آثرنا ُمصطلح االرتياض عىل
بتوازنات َم ُ
ُ ا ُمل ِ
عتربة فيها ُمتم ِر ًسا
مصطلح االجتهاد لئال نصطدم برشوط االجتهاد الصعبة التحصيل من جهة
ولتسهيل اإلفتاء يف هذه القضايا إذا ضبطت بمعايريها ،وهي كلمة استعملها
املالكية يف مسألة متييز املصالح واالعتامد عىل املقاصد.
ٍ
اجتامعية أو ٍ
اقتصادية ْ ٍ
كارثة ِ
العنارص قدْ يؤ ِّدي إلَ أي ِمن ِ
هذه َ
إمهال ٍّ إ ْذ َّ
أن
ِ
واإلحسان ﱫ ﮔ ِ
العدل ِ
وميزان الرشع
ِ لروح
ِ ٌ
خمالف َ
وذلك ٍ
سياسية، أو
ْ
ﮕ ﮖ ﱪ [الرمحن.]9:
بروح اجلد َّي ِة
ِ دورات مكث َّف ٍة ت َّت ُ
سم ٍ ِ
تكوين فقهاء مقاصد ِّينيَ فِ أدعو إلَ
كمَ ُ
ِ
الرشيعة. ِ
املرتاض فِ معانِ والتواضع لتحصيلِ العالِ
ِ واالنفتاح
ِ
-205-
خالصة القول
لقد خلصنا يف هذا الكتاب الوجيز :احلد ،والتعريف ،ووسائل التعرف عىل
املقاصد ،وتصنيف املقاصد ،وترصيف أوجه الفوائد؛ الذي دعوناه باالستنجاد
لتوليد الفروع ،وختريج األحكام اجلزئية ،اسرتشا ًدا باملقاصد أو اعتام ًدا عليها،
وضبط كيفية التعامل ،وجتنب معوقات العمل هبا.
وإذا استعملنا اللغة األصولية لوصف ما تقدم قلنا :إن وسائل التعرف مسالك،
ويمكننا أن نضيف إليها االستنجاد باعتبار ما قدم فيه إنام هو أمثلة للمسالك
وتفريعا وتفعيال ،ووصفنا علمية ضبط التعامل باملقاصد
ً تأصيلً وتفصيلً
ٌ
تعامل مع القوادح فتكون -التي تشخص معوقات التعامل -بأهنا يف حقيقتها
للمقاصد مسالك وهلا قوادح كام للعلة يف األصول مسالك وقوادح.
-207-
ففي جمال التعريف أكدنا عىل أمهية االنطالق من التعريف اللغوي للمقاصد
الحاطته وشموله وترابط مراتب املقاصد فيه وتساندها وتعاضدها بدءا من
املقصد االبتدائي إىل القصد الثاين ومن القصد اجلزئي إىل الكيل ومن األصيل
إىل التابع ومن اخلصوص إىل العموم وهي معان متداخلة.
ولعل ما نقلناه عن اإلمام الشاطبي يوضح املنحى الذي نحينا إليه وبذلك ننئ
يف بحثنا هذا عام حاول البعض تأس ًيا باألستاذ ابن عاشور من تعريف املقاصد
بأهنا :املعاين ِ
واحل َكم امللحوظة للشارع يف مجيع أحوال الترشيع أو معظمها،
ِ
الرشيعة. خاص ِمن أحكا ِم
ٍّ ِ
بالكون فِ نو ٍع ختتص مالحظ ُتها
ّ بحيث ال
الترشيع
ُ العام ُة واملعانِ ال ِّتي َ
ال خي ُلو َّ ِ
الرشيعة وغاي ُتها ُ
أوصاف فيدخل فِ َ
هذا ُ
َعن مالحظتِها.
أنواع األحكا ِم،
ِ ليست ملحوظ ًة فِ سائ ِر
ْ معان ِمن ِ
احلكم ٍ ويدخل فِ َ
هذا ً
أيضا ُ
()1 ٍ
كثرية منها ٌ
ملحوظة فِ أنوا ٍع ولك َّنها
ألن ذلك حممول عىل املقاصد الكلية وليس تعري ًفا ملقاصد الرشيعة بإطالق
وطب ًقا هلذا التعريف كان التصنيف شاملً ملا أرشنا إليه من جزئي وكيل
وعام وخاص.
إال أن التصنيف كان يلتفت إىل زاوية أخرى هي موضوع املقاصد وحمتواها.
وبالنسبة للتصنيف فاليشء الذي ينبغي أن نالحظه ويعلق باخلاطر هو أولً
أن املقاصد مراتب بحسب وظائفها فمنها ما سامه بعضهم باملقاصد العالية
-1الطاهر ابن عاشور ،مقاصد الرشيعة 165/3 :حتقيق الشيخ احلبيب بلخوجة.
-208-
فروعا ألهنا ال تنتج أحكا ًما جزئية لكنها حتدد موجهات وقوانني
ً التي ال تولد
عامة تؤسس لفلسفة إسالمية ذات تأثري غري مبارش عىل األحكام والفروع
كمقصد االستخالف ،ومقصد أن الرشيعة ملصالح العباد ومقصد عامرة
الكون ،ومقصد العدل ملا تستتبعه من وضع إطار للرؤية الكونية ولسلوكيات
اإلنسان يف شتى املجاالت وبخاصة يف النظام األرسي واملجتمعي ونظام
احلكم واالقتصاد واملجال اإلنساين وهي جماالت تُكم قواعدها املبارشة
املقاصد الكلية املولدة للترشيع التي متثل السقف واملظلة ملجاالت الترشيع
املختلفة ويتعلق األمر هنا باملقاصد الثالثة الكربى التي يرى الشاطبي أهنا
كيل الكليات وأنه ال منتهى وراءها وإن الكليات األخرى إنام هي جزئيات
بالنسبة إليها بام يف ذلك أصول الفقه نفسها وهو يشري بذلك إىل بعد الشمول
والعموم ،ولذلك فإن املقاصد العامة أو اخلاصة األخرى تنتمي إليها بشكل
من األشكال وتنضوى حتت لوائها بصورة من الصور فاملقاصد املالية مثال
كالرواج والوضوح والثبات واحلفظ والعدل ترجع يف متعلقها إىل أحد
املقاصد الثالثة فهي بحسب أكادهتا أو تراخيها إما أن تكون من الرضوري أو
احلاجي أو التحسيني وهنا يربز املوضوع الثاين وهو معيار تصنيف اجلزئيات
يف سلم الرضوري واحلاجي والتحسيني.
معيارا ثنائ ًيا يعتمد عىل وزن
ً وحماولة لضبط كل واحد منها فقد وضعنا
املصلحة من حيث الوجود -للجزئية املستهدفة -واملفسدة من حيث
العدم ،وميزان النصوص الرشعية ذات العالقة يف مجع بني العز بن عبد
-209-
السالم الذي قال إنه ال فرق بني هني وهني وأمر وأمر إال بقدر املصلحة
املستجلبة واملفسدة املدروءة وبني من يقول إن عالمة وضع الشارع للحد
هي املؤرش الذي يشري عىل انتامء الفرع للرضوري ويميز املقصد الرضوري
عن قسيميه ،ويميز بني أنواع الرضوري الذي هو متفاوت يف كلياته مع
االتفاق عىل أهنا كلها من الرضوري وتبقى مكوناهتا لتكون حمل خالف
كالبيع وعالقته بحفظ املال وكالنكاح يف عالقته بحفظ النسل وكالربا يف
عالقته بحفظ املال.
وقد أوضحنا أن أكثر جزئيات املقاصد ال مستقر هلا وال مستودع إال بميزان
النصوص وأوزان املصالح واملفاسد وبالتايل فقد جتول يف سلم املنظومة
املقاصدية بعض اجلزئيات كالبيع طب ًقا ملتعلقه وموضوعه.
وأما االستنجاد باملقاصد فهو الثمرة التي جينيها الفقيه من مقاصد الرشيعة
والتي كانت يف منهجنا هذا ملتقى الفروع باألصول إهنا استنباط للفروع من
خالل املقاصد بأدوات أصولية تضبط تعامل الفقيه وحتفظ عملية إعامل فكره
من اخلطأ وتعصم بيانه من اخلطل وتنظم إيقاع خطاه يف االجتهاد فال يغلو يف
إعامل مقاصد موهومة أو معارضة بام هو آكد الختالف يف الرتبة أو الدرجة
كحاجي مقابل رضوري أو جزئي مقابل كيل.
وعجنا عىل آلية الرتجيح يف الفروع وبخاصة يف نطاق احلاجي العام لرتجيح
مرجوحا لضعف الدليل وليس النعدامه بناء عىل مقصد تأكد أو
ً قول كان
وضع جتدد.
-210-
ريا
وأخ ً
أرشنا إىل االستنجاد باملقاصد يف صياغة فلسفة إسالمية معارصة جتيب عىل
خمتلف األسئلة يف شتى املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتامعية.
لمعا
وم ًوهبذا نختم هذا الكتاب الذي أردناه أن يكون وجيزا حسب اإلمكان ُ
إىل ما وراءه من بيان ألنه كان منص ًبا عىل موضوع العالقة بني أصول الفقه
ومقاصد الرشيعة من زاوية تطبيقية من خالل تفعيل املقاصد عن طريق أبواب
أصول الفقه كام تقدم يف مناحى االستنجاد إال أن املنهجية اقتضت التعريف
والتعرف والتصنيف.
-211-
فهرس الموضوعات
5 مدخل
13 املشهد األول :تعريف املقاصد
13 تعريف املقاصد لغة
15 اصطالحا
ً تعريف املقاصد
26 الضابط الذي به يعرف مقصد الشارع
32 خالصة تعريف مقاصد الرشيعة
35 املشهد الثاين :مسرية العمل والتعامل مع املقاصد وهبا
39 املقاصد عند أئمة املذهب
-213-
46 حدوث العقل
59 املشهد الثالث :املصلحة بني العقل والنقل
67 من فتنة التأويل إىل فتنة املقاصد
69 دوران الرشيعة بني معقولية املعنى والتعبد
76 التجاذب بني الكيل واجلزئي
81 املشهد الرابع :أصناف املقاصد
81 املقاصد العامة التي ترجع إليها الرشيعة
81 املقاصد اخلاصة
82 املقاصد اجلزئية
91 املقاصد الكربى
95 معيار االنتامء املقصد الرضوري
96 تذبذب االنتامء لبعض القضايا بني الرضوري واحلاجي
103 املشهد اخلامس :استنباط املقاصد واستخراجها
110 بدعة الرتك
151 املشهد السادس :االستنجاد باملقاصد واستثامرها
152 ترصف املجتهدين بفقههم يف الرشيعة
154 حمائر أو مدارك أو أكنسة املقاصد
181 الضوابط الثامنية املراعاة يف التعامل مع املقاصد
185 جماالت االستنجاد باملقاصد
-214-
198 املجال االقتصادي
201 فقه األقليات:
207 خالصة القول:
213 فهرس املحتويات
-215-