You are on page 1of 10

‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫بني مالل‬

‫مداخلة بعنوان‪:‬‬

‫لألستاذ الدكتور‪:‬‬
‫إدريس الزكراوي‬

‫السنة الجامعية‪:‬‬
‫‪2017/2018‬‬

‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم تسليما ً كثيراً إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن علم المقاصد الشرعية من أجل العلوم وأنفعها‪ ،‬إذ به يتضح عدل‬
‫الشريعة وسماحتها وحكمتها في تشريعها العام والخاص‪ ،‬وأنها من عند هللا‬
‫العليم الخبير خالق اإلنسان‪ ،‬وضع فيها من المصالح والفوائد ما يصلح‬
‫أحوال الناس في كل زمان ومكان‪ ،‬مما جعل هذه الشريعة راسخة صامدة‬
‫ثابتة شامخة على مر العصور‪ ,‬بما حوته من الخير والهدى والنور والبيان‪.‬‬
‫ولقد كانت مقاصد الشريعة وال تزال فنا من فنون الشريعة اإلسالمية‪,‬‬
‫وعلما من علومها التي حظيت باهتمام بالغ وعناية فائقة‪ ,‬سواء على‬
‫مستوى التأليف والتدوين والتأصيل‪ ,‬أو على مستوى التطبيق‪ ,‬والسيما في‬
‫العصور الفقهية المتأخرة‪.‬‬
‫وقد نشأت المقاصد الشرعية مع نشأة األحكام الشرعية‪ ,‬أي أن المقاصد‬
‫كانت بدايتها مع بداية نزول الوحي الكريم على رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬فقد كانت مبثوثة في نصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ومن أوضح األدلة على أن المقاصد الشرعية بدأت مع نزول الوحي‬
‫الكريم ما يلي‪:‬‬
‫‪ -)1‬البعثة النبوية نفسها والتي عللت بكونها رحمةً وخيرا وصالحا‬
‫للناس أجمعين‪ ,‬فقد قال هللا تعالى في بعثة الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫(وما أرسلناك إال رحمة للعالمين )‬
‫‪ -)2‬القرآن الكريم ذاته‪ ,‬والذي كان مقصده الشرعي يتمثل في هداية‬
‫‪2‬‬
‫الناس أجمعين‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)‬
‫‪ - )3‬الوحي كله من كتاب وسنة والذي كان مقصده إحياء النفوس في‬
‫الدنيا بأداء واجب االمتثال‪ ,‬وإحياؤها في اآلخرة بالفوز بالجنة‪ ،‬قال‬
‫‪3‬‬
‫تعالى ‪(:‬يا أيها الذين آمنوا استجيبوا هلل وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)‬
‫وفي عهد الصحابة والتابعين كانوا يستعملون القياس والرأي كما قال‬
‫اإلمام أحمد‪" :‬الصحابة كانوا يحتجون في عامة مسائلهم بالنصوص كما هو‬
‫‪ 1‬سورة األنبياء اآلية ‪106‬‬
‫‪ 2‬سورة اإلسراء اآلية ‪9‬‬
‫‪ 3‬سورة األنفال اآلية‪24‬‬

‫‪2‬‬
‫مشهور عنهم‪ ,‬وكانوا يجتهدون رأيهم ويتكلمون بالرأي ويحتجون بالقياس‬
‫"‪ 4‬ويستشهد اإلمام أحمد بجمع القرآن‪ ,‬وبتقسيم الغنائم‪ ,‬والطالق بالثالث‪,‬‬
‫وتضمين الصناع‪ ,‬واالجتماع لصالة التراويح‪ ,‬وعدم إقامة حد السرقة عام‬
‫المجاعة‪ ,‬وقتل الجماعة بالواحد‪ ,‬وتدوين الدواوين‪ ,‬ووضع السجالت‪,‬‬
‫وغير ذلك‪.‬‬
‫وهكذا تتابع االهتمام بفن المقاصد في عهد التابعين وفي كل عصر‬
‫وحين‪ ،‬والغاية هي فهم الدين كما جاء عن رب العالمين‪ ،‬ويوضح لنا‬
‫الطاهر بن عاشور أن أفعال الشارع الذي هو هللا سبحانه وتعالى منزهة‬
‫عن العبث‪ ،‬دل على ذلك صنعه في هذا الكون مستشهدا بقوله عز وجل‪:‬‬
‫ق)‪.5‬‬ ‫ين َما َخلَ ْقنَاهُ َما إِاَّل بِ ْال َح ِّ‬
‫ض َو َما بَ ْينَهُ َما اَل ِعبِ َ‬‫ت َواأْل َرْ َ‬ ‫( َو َما َخلَ ْقنَا ال َّس َم َ‬
‫اوا ِ‬
‫وقوله تعالى‪( :‬أَفَ َح ِس ْبتُ ْم أَنَّ َما َخلَ ْقنَا ُك ْم َعبَثًا وأنكم إلينا ال ترجعون )‪ ،6‬كما بين‬
‫أن الفقيه في حاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة في خمسة أنحاء‪:‬‬
‫‪ -1‬النظر في أقوال الشريعة ونصوصها‪.‬‬
‫‪ - 2‬تبْيين وجوه التعارض الظاهري بين نصوص الشريعة‪.‬‬
‫‪ - 3‬البحث عن علل األحكام‪.‬‬
‫‪ - 4‬إيجاد الحكم غير المنصوص عليه‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ - 5‬التقليل من األحكام التعبّدية ‪.‬‬
‫مقرا في الوقت ذاته أن العلماء متفاوتون في فهم مقاصد الشريعة بقدر‬
‫ازدياد حظهم من العلوم الشرعية‪ ،‬فمن حق الفقيه أن يجتهد في النص إن‬
‫ظهر له وهم عسى أن يظفر بما يزيل ذلك الوهم‪ ،‬ومثل له بـ‪" :‬النهي عن‬
‫غسل الشهيد في الجهاد"‪ ,8‬وقول رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬في‬
‫الشهيد‪" :‬إنه ُيبعث يوم القيامة ودمه يثعب‪ ،9‬اللون لون الدم والريح ريح‬
‫المسك"‪ 10‬فيتوهّم كثير من الناس أن علّة ترك غسله هي بقاء دمه في‬
‫جروحه يبعث بها يوم القيامة‪ .‬وليس كذلك‪ ،‬ألنه لو غسل جهالً أو نسيانا ً‬

‫‪4‬أبحاث في مقاصد الشريعة لنور الدين مختارالخادمي ‪.‬مؤسسة المعارف للطباعة والنشر ص‪21‬‬
‫‪ 5‬سورة الدخان اآلية ‪ 38‬و‪39‬‬
‫‪ 6‬سورة المومنون اآلية‪115‬‬
‫‪ 7‬مقاصد الشريعة للطاهر بن عاشور تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة‪ .‬الناشر وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية قطر سنة ‪ 2004‬م‪ .‬ج‪ 2 :‬ص‪:‬‬
‫‪152‬‬
‫‪ 8‬مقاصد الشريعة ج‪ 3‬ص‪ 173‬وينظرشرح الزرقاني على الموطأ باب العمل في غسل الشهيد مج ‪ 3‬ص‪35‬‬
‫‪ 9‬ثعب الماء والدم ونحوهما يثعبه ثعبا‪ :‬فجره‪ ،‬فانثعب كما ينثعب الدم من األنف‪ .‬قال الليث‪ :‬ومنه اشتق مثعب المطر‪ .‬وفي‬
‫الحديث‪ :‬يجيء الشهيد يوم القيامة‪ ،‬وجرحه يثعب دما أي يجري‪ .‬ومنه حديث عمر‪ ،‬رضي هللا عنه‪ :‬صلى وجرحه يثعب دما لسان العرب ج‪1 :‬ص‪:‬‬
‫‪ 236‬دار صادر – بيروت الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 1414 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ 10‬تحفة األحوذي بشرح جامع الترميذي دار الحديث القاهرة ‪.‬الطبعة األولى سنة ‪ 2001‬مجلد ‪ 5‬ص‪ 44‬رقم الحديث ‪1657‬‬

‫‪3‬‬
‫أو عمداً لما بطلت تلك المزية‪ ،‬ولجعل هللا له في جرحه دما ً يَ ْث َعبُ شهادة له‬
‫بين أهل المحشر‪ .‬ولكن علّة النهي هي أن الناس في شغل عن التفرّغ إلى‬
‫ّ‬
‫الصف‬ ‫غسل موتى الجهاد‪ .‬فل ّما علم هللا ما يحصل من انكسار خواطر أهل‬
‫‪ -‬حين إصابتهم بالجراح من بقاء جراحتهم‪ ،‬ومن دفنهم على تلك الحالة‪،‬‬
‫وعلم انكسار خواطر أهليهم وذويهم ‪ -‬ع ّوضهم هللا تلك المزية الجليلة‪.‬‬
‫فالسبب في الحقيقة معكوس‪ ،‬أي السبب هو المسبّب والمسبّب هو السبب‪.‬‬
‫كما تعرض ابن عاشور ألسباب انحطاط الفقه وتخلفه فعد منها إهمال‬
‫كبير‬
‫ٍ‬ ‫النظر في مقاصد الشريعة‪ ،‬قال‪" :‬كان إهمال المقاصد سببًا في جمو ٍد‬
‫‪11‬‬
‫للفقهاء ومعواًل لنقض أحكام نافعة"‬
‫كما اعتبره ابن القيم رحمه هللا بأنه الفقه الحي الذي يدخل على القلوب‬
‫بغير استئذان‪ ،‬ففي فصل له في كاتبه الماتع‪" :‬إعالم الموقعين عن رب‬
‫صنَّ ِ‬
‫ف‬ ‫العالمين" بعنوان‪ :‬اعتبار النية واأللفاظ في الطالق يقول‪َ " :‬وفِي ُم َ‬
‫ت لِ َز ْو ِجهَا َس ِّمنِي فَ َس َّماهَا‬ ‫ضى ِفي ا ْم َرأَ ٍة قَالَ ْ‬ ‫ب قَ َ‬ ‫يع أَ َّن ُع َم َر ب َْن ْال َخطَّا ِ‬
‫َو ِك ٍ‬
‫ت‪َ :‬س ِّمنِي َخلِيَّةَ طَالِ ٍ‬
‫ق‬ ‫ين أَ ْن أُ َس ِّميَك؟ قَالَ ْ‬ ‫ال لَهَا‪َ :‬ما تُ ِري ِد َ‬ ‫ت‪ :‬اَل ‪ ،‬فَقَ َ‬ ‫الطَّيِّبَةَ‪ ،‬فَقَالَ ْ‬
‫ت‪َّ :‬‬
‫إن َز ْو ِجي‬ ‫ب‪ ،‬فَقَالَ ْ‬ ‫ت ُع َم َر ب َْن ْال َخطَّا ِ‬ ‫ق فَأَتَ ْ‬ ‫ال لَهَا‪ :‬فَأ َ ْن ِ‬
‫ت َخلِيَّةُ طَالِ ٍ‬ ‫فَقَ َ‬
‫ال لِ َز ْو ِجهَا‬ ‫صةَ‪ ،‬فَأ َ ْو َج َع ُع َم ُر َر ْأ َسهَا‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫طَلَّقَنِي‪ ،‬فَ َجا َء َز ْو ُجهَا فَقَصَّ َعلَ ْي ِه ْالقِ َّ‬
‫ب بِ َغي ِْر‬‫ُخ ْذ بِيَ ِدهَا َوأَ ْو ِج ْع َر ْأ َسهَا‪َ ،‬وهَ َذا هُ َو ْالفِ ْقهُ ْال َح ُّي الَّ ِذي يَ ْد ُخ ُل َعلَى ْالقُلُو ِ‬
‫ان"‪.12‬‬ ‫ا ْستِ ْئ َذ ٍ‬
‫ومن هنا فإن إحياء فقه المقاصد هو عمل ضروري لتجديد الفقه وتقوية‬
‫دوره ومكانته‪ ،‬يقول عالل الفاسي‪" :‬وإن في ثلة الفقهاء المجددين على‬
‫قلتهم ضمانًا للسير بالفقه اإلسالمي إلى شاطئ النجاة حتى يصبح مرتبطًا‬
‫‪13‬‬
‫بمقاصد الشريعة وأدلتها‪ ،‬ومتمتعا بالتطبيق في محاكم المسلمين وبلدانهم"‬
‫ولقد استشعر المسلمون منذ وقت مبكر أهمية العلم بمقاصد الشريعة‬
‫فوجهوا إليها عناية علمية فائقة واهتموا بها أيما اهتمام وإننا لنحسب أن‬
‫اهتمامهم بذلك لم يكن له نظير في أي قانون وضعي أو شريعة إسالمية‪،‬‬
‫علما أن الشريعة كما يقول العالمة الشيخ يوسف القرضاوي "إنما جاءت‬

‫‪ 11‬أبحاث في مقاصد الشريعة ص‪190‬‬


‫‪ 12‬إعالم الموقعين عن رب العالمين لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى‪751 :‬هـ) تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم‬
‫إبراهيم‪ ،‬دار الكتب العلمية – ييروت الطبعة‪ :‬األولى‪1411 ،‬هـ ‪1991 -‬م ج‪ 3 :‬ص‪.55 :‬‬
‫‪ 13‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي ألحمد الريسوني الناشر‪ :‬الدار العالمية للكتاب اإلسالمي الطبعة‪ :‬الثانية ‪ 1412 -‬هـ ‪1992 -‬م ص‪6‬‬

‫‪4‬‬
‫برعاية مصالح البشر المادية والمعنوية والفردية واالجتماعية رعاية قائمة‬
‫على العدل والتوازن بال طغيان وال إخسار وهذه الرعاية تشمل المصالح‪.14‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه هللا تعالى‪" :‬إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم‬
‫ومصالح العباد في المعاش والمعاد‪ ،‬وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح‬
‫كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة‬
‫إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من‬
‫الشريعة وإن دخلت بالتأويل"‪.15‬‬
‫وبناء على هذا فإننا بحاجة ماسة إلى طرق باب التجديد في مقاصد‬
‫الشريعة اإلسالمية إليجاد الحلول للمشكالت القائمة في إطار مراعاة‬
‫المصالح العامة لألمة وفي دائرة التقيد بالضوابط الفقهية المعتبرة التي‬
‫تحدد في مجال المصلحة يقول اإلمام الشاطبي في كتابه الموافقات‪َ ":‬وقَ ْد‬
‫ث بِهَا‪،‬‬‫يث َو ِع ْل ًما َما تَ َكلَّ َم فِيهَا َواَل َح َّد َ‬ ‫ك َع ْن نَ ْف ِس ِه أَ َّن ِع ْن َدهُ أَ َحا ِد َ‬ ‫أَ ْخبَ َر َمالِ ٌ‬
‫ْس تَحْ تَهُ َع َملٌ‪َ ،‬وأُ ْخبِ َر َع َّم ْن تَقَ َّد َمهُ أَنَّهُ ْم َكانُوا‬ ‫ان يَ ْك َرهُ ْالكَاَل َم فِي َما لَي َ‬ ‫َو َك َ‬
‫ضابِطُهُ أنك تعرض مسألتك على‬ ‫ك‪ ،‬فَتَنَبَّ ْه لِهَ َذا ْال َم ْعنَى‪َ .‬و َ‬ ‫ون َذلِ َ‬ ‫يَ ْك َرهُ َ‬
‫الشريعة‪ ،‬فإن صحت في ميزانها‪ ،‬فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان‬
‫وأهله‪ ،‬فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة‪ ،‬فاعرضها في ذهنك على العقول‪ ،‬فإن‬
‫قبلتها‪ ،‬فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على‬
‫العموم‪ ،‬وإما على الخصوص إن كانت غير الئقة بالعموم‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫لمسألتك هذا المساغ‪ ،‬فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة‬
‫‪16.‬‬
‫الشرعية والعقلية‬
‫التجديد في الفكر اإلسالمي قديم جديد‬
‫هذا العمل قديم ألنه عمل قام به القدامى من العلماء والمفكرين في‬
‫حياتهم‪ ,‬وجديد ألن أرباب القلم والثقافة قد تصدوا له تحقيقا للمسايرة‬
‫والمواكبة ‪ ,‬وتفعيال ألفكارهم ومناهج ثقافتهم‪.‬‬
‫وبما أن التجديد أمر واقع في مجاالت الحياة المختلفة ‪,‬سواء ما كان‬
‫متصال بالمجاالت العامة لعموم الناس‪, ,‬أو ما كان متصال ببعض المجاالت‬
‫الخاصة التي ال يباشرها إال بعض األفراد أو بعض الفئات ‪.‬‬
‫‪ 14‬االجتهاد في الشريعة اإلسالمية مع نظرات تحليلية في االجتهاد المعاصر للشيخ يوسف القرضاوي ص‪ 43 :‬دار القلم‬
‫الكويت الطبعة الثانية ‪.1989‬‬
‫‪ 15‬إعالم الموقعين عن رب العالمين البن القيم ج‪3 :‬ص‪ 3 :‬مطبعة النهضة الجديدة القاهرة‪.‬‬
‫‪ : 16‬الموافقات‪ :‬للشاطبي تحقيق ‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان الناشر ‪ :‬دار ابن عفان الطبعة ‪ :‬الطبعة األولى ‪1997‬م ج‪ 5‬ص‪.172-171 :‬‬

‫‪5‬‬
‫فإذا كان األمر كذلك فإن التجديد ينبغي أن يكون مدروسا في ضوء‬
‫المقاصد الشرعية‪ ,‬عامة كانت أو خاصة‪ ,‬كلية كانت أو جزئية‪.‬‬
‫وعليه فإن معاني التجديد تتعلق بالتحديث واالجتهاد في األمور العظيمة‬
‫التي ال عهد لإلنسان بها‪.‬‬
‫ويمكن أن نعتبر أن المجدد محظوظ بشرف التصدي إليجاد الحلول‬
‫للنوازل والحوادث‪ ،‬قال تعالى ‪":‬وما يلقاها إال الذين صبروا وما يلقاها إال‬
‫ذو حظ عظيم "‪.17‬‬
‫والمراد بتجديد الدين‪ :‬تقديم الدين اإلسالمي كما أنزله هللا‪ ,‬وإرجاع الفهم‬
‫والتطبيق إلى األصول والمصادر الشرعية المعتبرة‪ .‬وال ينبغي أن نفهم أن‬
‫تجديد الدين استبدال الدين بدين آخر أو تغيير بعض األحكام القطعية الثابتة‪.‬‬
‫فالتجديد أمر علمي وشرعي له مدلوله ومضمونه وضوابطه ومجاالته‬
‫ورجاالته‪ .‬وقد دلت عليه جملة من النصوص منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله صلى هللا عليه وسلم ‪ ":‬إن هللا يبعث لهذه األمة على رأس كل‬
‫مائة سنة من يجدد لها دينها "‪ 18‬وقد توالى العلماء والشراح على‬
‫بيان المراد بتجديد الدين ‪ ,‬قال ابن كثير‪" :‬قد ادعى كل قوم في‬
‫إمامهم أنه المراد بهذا الحديث والظاهر أنه يعم جملة من العلماء‬
‫من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومحدث وفقيه ونحوي‬
‫‪19‬‬
‫ولغوي وغيرهم "‬
‫‪ -2‬قوله صلى هللا عليه وسلم ‪":‬جددوا إيمانكم ‪,‬قيل ‪:‬يا رسول هللا‬
‫‪:‬وكيف نجدد إيماننا ‪:‬قال أكثروا من قول ال إله إال هللا "‪ 20‬قال‬
‫المناوي في فيض القدير ‪ ":‬فإن المداومة عليها تجدد اإليمان في‬
‫القلب وتمأله نورا وتزيده يقينا وتفتح له أسرارا يدركها أهل‬
‫‪21‬‬
‫البصائر وال ينكرها إال كل ملحد جائر"‬

‫‪ 17‬سورة فصلت اآلية ‪34‬‬


‫‪ 18‬سنن أبي داود لأبي داود سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو األزدي ال ِّس ِجسْتاني تحقيق‪ :‬ش َعيب‬
‫األرنؤوط ‪ -‬م َح َّمد كا ِمل قره بللي دار الرسالة العالمية الطبعة‪ :‬األولى‪ 1430 ،‬هـ ‪ 2009 -‬م ج‪ 6 :‬ص‪349 :‬‬
‫‪ 19‬فيض القدير شرح الجامع الصغير لزين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين‬
‫الحدادي ثم المناوي القاهري الناشر‪ :‬المكتبة التجارية الكبرى – مصر الطبعة‪ :‬األولى‪1356 ،‬هـ ج ‪ 2‬ص‪281‬‬
‫‪ 20‬المستدرك على الصحيحين للحاكم تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1990‬م ج‪ 4‬ص‪285‬‬
‫‪ 21‬فيض القدير ج‪ 3‬ص‪345‬‬

‫‪6‬‬
‫لقد كان قول النبي صلى هللا عليه وسلم "يبعث هللا لهذه األمة ‪".....‬‬
‫إيذانا بأن مقصد التجديد في الفكر اإلسالمي حاجة تحتمها طبيعة هذا الدين‬
‫وتفرضها الخصائص التي خص هللا بها هذه الشريعة‪.‬‬
‫فالتجديد يعني إعادة الدين بنصوصه وقواعده ومناهج الفهم‬
‫واالستنباط فيه إلى حالته األولى التي أنزله هللا عليها وإزالة كل ما تراكم‬
‫عليه من سمات ومظاهر طمست جوهره وشوهت حقيقته ‪.‬‬
‫ومن أجل هذا قام علماء اإلسالم بتقعيد القواعد وتأصيل األصول‬
‫ووضع الضوابط التي تعصم المسلمين من الزلل واالنحراف سواء في فهم‬
‫هذا الدين أم في تطبيقه‬
‫إذن فالتجديد في الفكر المقاصدي ليس إلغاء أو تحريفا أو تبديال ألحكام‬
‫الشريعة ‪,‬وإنما هو منهج ونظر منضبط يسعى بموجبه المجتهد لتحريك‬
‫النصوص الشرعية بما يوافق العصور واألمصار‪ ,‬وبما يوافق قصد‬
‫الشارع فيم شرع للداللة على مرونة وصالحية الرسالة الخاتمة لكل زمان‬
‫ومكان ‪.‬‬
‫فإذا عرفنا من أين ينطلق التجديد وأين يقف ال يمكن لمن شاء أن يقول‬
‫ما شاء بدعوى التجديد الذي ال يمكن تناوله بمعزل عن الفكر المقاصدي‬
‫والعلل التي جاءت رسالة اإلسالم بها وألجلها ‪.‬‬
‫وختاما فإننا نعتمد في دعوتنا إلى التجديد في مقاصد الشريعة‬
‫اإلسالمية ‪,‬المنهج الوسطي الذي يجمع بين التمسك بالثوابت واالنفتاح على‬
‫العصر وفهم متغيراته والسعي نحو إيجاد حلول حكيمة ومعالجات رشيدة‬
‫للقضايا والمشاكل التي تعاني منها األمة اإلسالمية دون إفراط أو تفريط‬
‫‪,‬هذه الوسطية تعد كفيلة بتحقيق خلود هذه الشريعة ودوامها‪ ,‬وصالحها لكل‬
‫زمان ومكان‪ ,‬ولكل جيل ورعيل ‪ ,‬قال تعالى ‪ ":‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا‬
‫‪22‬‬
‫لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا "‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر هللا لي ولكم ولسائر المسلمين وآخر دعوانا أن‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪ 22‬سورة البقرة اآلية‪.142 :‬‬

‫‪7‬‬
‫الئحة المصادر والمراجع‬

‫‪ -1‬القرآن الكريم برواية ورش‬

‫‪8‬‬
‫‪ -2‬أبحاث في مقاصد الشريعة لنور الدين مختار الخادمي‪ .‬مؤسسة‬

‫المعارف للطباعة والنشر‬

‫‪ -3‬مقاصد الشريعة للطاهر بن عاشور تحقيق محمد الحبيب بن‬

‫الخوجة‪ .‬الناشر وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية قطر سنة ‪2004‬م‬

‫‪ -4‬لسان العرب‪ :‬دار صادر – بيروت الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 1414 -‬هـ‪.‬‬

‫‪ -5‬تحفة األحوذي بشرح جامع الترمذي دار الحديث القاهرة ‪.‬الطبعة‬

‫األولى سنة ‪2001‬‬

‫‪ -6‬إعالم الموقعين عن رب العالمين لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن‬

‫سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم إبراهيم‪ ،‬دار‬

‫الكتب العلمية – ييروت الطبعة‪ :‬األولى‪1411 ،‬هـ ‪1991 -‬م‬

‫‪ -7‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي ألحمد الريسوني الناشر‪ :‬الدار‬

‫العالمية للكتاب اإلسالمي الطبعة‪ :‬الثانية – ‪ 1412‬هـ ‪ 1992 -‬م‬

‫‪ -8‬االجتهاد في الشريعة اإلسالمية مع نظرات تحليلية في االجتهاد‬

‫المعاصر للشيخ يوسف القرضاوي‪:‬دار القلم الكويت الطبعة الثانية ‪1989‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -9‬الموافقات‪ :‬للشاطبي تحقيق‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان‬

‫الناشر‪ :‬دار ابن عفان‪ :‬الطبعة األولى ‪1997‬م‬

‫‪ 10‬ـ سنن أبي داود لأبي داود سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير بن‬

‫مح َّمد كا ِمل‬


‫شداد بن عمرو األزدي الس ِِّجسْتاني تحقيق‪ :‬ش َعيب األرنؤوط ‪َ -‬‬

‫قره بللي دار الرسالة العالمية الطبعة‪ :‬األولى‪ 1430 ،‬هـ ‪ 2009 -‬م‬

‫‪ -11‬فيض القدير شرح الجامع الصغير لزين الدين محمد المدعو بعبد‬

‫الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي‬

‫القاهري الناشر‪ :‬المكتبة التجارية الكبرى – مصر الطبعة‪ :‬األولى ‪1356‬هـ‬

‫‪-12‬المستدرك على الصحيحين للحاكم تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‬


‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة‪ :‬األولى‪1990 ،‬م‬

‫‪10‬‬

You might also like