You are on page 1of 114

‫الممنوع من الصرف‬

‫في نظر اإلمام السهيلي‬

‫تأليف‬
‫الدكتور‪ :‬إدريس الزكراوي‬

‫‪1‬‬
‫إهداء‬
‫إلى أمي وأبي تغمدهما هللا برحمته‬
‫اللذين تعبا من أجل راحتي‬
‫وحزنا من أجل سعادتي‬
‫إليهما أهدي هذا العمل المتواضع‬

‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا‬
‫وآله وصحبه وسلم تسليما‪.‬‬
‫وبعد ‪:‬من أهم علوم اللغة العربية وأعظمها‬
‫فائدة علم النحو‪,‬الذي يحفظ اللسان من اللحن‬
‫‪,‬بعد أن دخل في العرب من ليس منهم‪,‬وقد‬
‫تعددت في هذه الصناعة أقالم العلماء‬
‫وتنوعت ‪,‬فاشتهر الخليل بن أحمد الفراهيدي به‬
‫كما أخذها عنه سيبويه ووضع فيها كتابه‬
‫المشهور ‪,‬ثم طال الكالم في هذه الصناعة‬
‫‪3‬‬
‫وحدث الخالف بين أهلها ‪,‬بين البصريين‬
‫والكوفيين والبغداديين واألندلسيين ‪.‬‬
‫وبالجمة فالتآ ليف في هذا الفن أكثر من أن‬
‫تحصى أو يحاط بها ‪,‬وطرق التعليم فيها مختلفة‬
‫تبعا الختالف المدارس النحوية السالفة الذكر ‪.‬‬
‫وقد أحببت أن أتناول الممنوع من الصرف‬
‫كقضية من القضايا النحوية التي اهتم بها النحاة‬
‫من سيبويه مرورا بنحاة األندلس‪ ,‬حيث أدلى كل‬
‫بدلوه ‪,‬واإلمام السهيلي أحد الذين أثارت‬
‫حفيظتهم تعليالت النحاة للممنوع من الصرف‬
‫فتناولهم باالنتقاد والرد عليهم في كتابه‬

‫‪4‬‬
‫األمالي ‪,‬رغم أن اسم إ مامنا مقرون أبدا‬
‫بذخيرته "الروض األنف " في السيرة النبوية ‪.‬‬
‫وأمالي السهيلي طافحة بالمعارف النحوية‬
‫‪,‬بل يمكن القول أن الهم النحوي عند السهيلي‬
‫كان حاضرا حتى في "الروض األنف "الذي‬
‫يمكن اعتباره كتاب سيرة ‪,‬ونحو‪ ,‬وفقة‪ ,‬ولغة‪,‬‬
‫في آن واحد ‪.‬‬
‫وقد قسمت هذا البحث إلى محورين‪:‬‬
‫المحور األول اإلمام السهيلي وكتابه األمالي‬
‫وفيه ثالثة مطالب ‪:‬‬
‫المطلب األول ‪:‬ترجمة اإلمام السهيلي‬
‫المطلب الثاني ‪:‬اإلمام السهيلي نحويا‬

‫‪5‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬اإلمام السهيلي وكتابه‬
‫األمالي‬

‫الثاني ‪:‬الممنوع من الصرف‬ ‫المحور‬


‫عرض ومناقشة ‪,‬وفيه ثالثة مطالب ‪:‬‬
‫المطلب األول ‪:‬موقف اإلمام السهيلي من‬
‫العلة ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪:‬نقض السهيلي لعلل النحاة‬
‫في الممنوع من الصرف ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪:‬العلل التي اقترحها السهيلي‬
‫بديال ‪.‬‬
‫خاتمة عامة لما تكون له الخواتم‬

‫‪6‬‬
‫أما منهجيتي في المناقشة فسأقتصر على‬
‫فقرة في معنى واحد ثم أناقشه بما تيسر‪ ,‬مركزا‬
‫على مواطن الخالف بينه وبين النحاة ‪.‬‬
‫وحسبي أنني بذلت الجهد واستفرغت الوسع‬
‫‪,‬وشفيعي أن ميدان البحث رحب فسيح ‪,‬فما كان‬
‫صوابا فمن هللا ‪,‬وما كان خطأ فمني ومن‬
‫الشيطان والحمد هلل أوال وآخرا ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫تمهيد‬
‫قال السهيلي‪َ :‬وقَ ْد أ َْملَْينَا ُج ْز ًءا فِي أسرار ما‬

‫ف َش َر ْحنَا فِ ِيه فَائِ َد َة ال َْع ْد ِل َع ْن‬


‫ص ِر ُ‬
‫ينصرف َو َما اَل َي ْن َ‬

‫ود بِ ِه َولِ َم لَ ْم‬


‫ص ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فَاع ٍل إلَى ُف َعل َو َما َحقي َقةُ ال َْع ْد ِل َوال َْم ْق ُ‬
‫الص َف ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫يع َد ْل عن أَسم ِاء اأْل َجن ِ ِ‬
‫اس َول َم لَ ْم يَ ُك ْن إاّل في ّ‬‫َْ‬ ‫ُْ َ ْ ْ َ‬
‫ات إاّل فِي ِمثْ ِل َع ِام ٍر َو َزافِ ٍر‬
‫الص َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َول َم لَ ْم يَ ُك ْن م ْن ّ‬
‫ِ ِ‬ ‫كو ِ‬ ‫ِ ٍِ‬ ‫ِ‬
‫صال ٍح َو َسال ٍم َول َم ُخ ّ‬
‫ص‬ ‫َوقَاث ٍم َولَ ْم يَ ُك ْن في َمال َ َ‬

‫‪8‬‬
‫ُف َع ُل َه َذا الْبِنَاءُ بِال َْع ْد ِل إلَْي ِه َو َه ْل عُ ِد َل إلَى بِنَ ٍاء غَْي ِر ِه أ َْم‬

‫الت ْن ِو ُ‬
‫ين إذَا َكا َن َم ْع ُدواًل إلَى َه َذا‬ ‫اَل ولم ُمنِ َع الْ َخ ْف ُ‬
‫ض َو ّ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫الْبِنَاء فَ َم ْن ا ْشتَا َق إلَى َم ْع ِرفَة َهذه اأْل ْ‬
‫َس َرا ِر َفلَْي ْنظُْر َها‬

‫ُهنَالِ َ‬
‫ك‬

‫صائِ ِ‬
‫ص َعلَى‬ ‫ام فِي كِتَ ِ‬
‫اب الْ َخ َ‬
‫ِ‬
‫فَِإ ّن ابْ َن جنّ ّي قَ ْد َح َ‬

‫ْصأَ فَ َما َف ّق َح‪.‬‬ ‫ِ‬


‫صأ َ‬
‫َب ْعض َها‪ ،‬فَ َما َو َر َد َو َ‬

‫الروض األنف ج‪ 4‬ص‪157‬‬

‫‪9‬‬
‫المحور األول‪ :‬اإلمام السهيلي وكتابه‬
‫األمالي‬
‫وفيه ثالثة مطالب‬
‫لمطلب األول ‪:‬ترجمة اإلمام السهيلي‬
‫‪10‬‬
‫لمطلب الثاني ‪:‬اإلمام السهيلي نحويا‬

‫المحور األول‪ :‬اإلمام السهيلي وكتابه األمالي‬


‫المطلب األول ‪:‬ترجمة اإلمام السهيلي‬
‫مولده ونسبه ‪:‬ولد السهيلي سنة ثمان‬
‫وخمسمائة للهجرة (‪)508‬ه كما جاء على لسان‬
‫ابن د حية قائال ‪":‬سألته عن مولده فأخبرني أنه‬
‫‪1‬‬
‫ولد سنة ثمان وخمسمائة "ه‬
‫واشتهرت نسبة السهيلي إلى سهيل غير أن‬
‫البلدانيين لم تتفق كلمتهم على المراد بها ‪:‬‬
‫‪ 1‬المطرب من أشعار أهل المغرب ألبي الخطاب عمربن دحية الكلبي ص‪197‬‬
‫‪11‬‬
‫فياقوت الحموي يعتبرها واديا حيث قال‬
‫"ووادي سهيل باألندلس من كورة مالقة ‪,‬فيه‬
‫قرى ‪,‬من إحدى هذه القرى عبد الرحمن‬
‫السهيلي مصنف "شرح السيرة المسمى‬
‫‪1‬‬
‫بالروض األنف "‬
‫في حين ذهب ابن الخطيب إلى اعتبارها‬
‫حصنا ‪,‬فقال واصفا إياها "حصن حصين‬
‫‪2‬‬
‫‪,‬يضيق عن مثله هند وصين "‬
‫كناه‪:‬عرفت لإلمام ثالث كنى ‪:‬ذكر منها ابن‬
‫دحية اثنتين ‪:‬أبا القاسم وأبا زيد ‪,‬وزاد ابن األبار‬

‫‪ 1‬معجم البلدان لياقوت الحموي‪ :‬دار صادر‪ ،‬بيروت الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1995 ،‬م ج‬
‫‪3‬ص‪291‬‬
‫‪ 2‬معيار االختيار في ذكر المعاهد والديار لابن الخطيب‪ :‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‬
‫عام النشر‪ 1423 :‬هـ ص ‪85‬‬
‫‪12‬‬
‫في التكملة ‪3‬كنية ثالثة أبا الحسن إال أن أشهرها‬
‫أبو القاسم لترددها عند المترجمين له ‪.‬‬
‫رحالته العلمية ‪:‬قضى السهيلي العقدين‬
‫األولين من حياته في مالقة ‪,‬ولم يغادرها إال بعد‬
‫موت جل شيوخه ‪,‬ومنهم ابن الطراوة فلم يطب‬
‫له فيها عيش ‪,‬فذهب إلى إشبيلية كما ذكرت‬
‫بعض المصادر‪,‬و دخل غرناطة أيضا كما أفاد‬
‫ابن الخطيب ‪.‬‬
‫غير أن خيبة السهيلي لم تدم طويال فقد‬
‫حظي بلقاء القاضي أبي بكر بن العربي الذي‬
‫وجد فيه ضالته ‪,‬فالزمه وأخذ عنه علما‬

‫‪ 3‬التكملة لكتاب الصلة البن األبار‪ :،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم الهراس‪ :‬دار الفكر للطباعة‬
‫لبنان سنة‪1995 :‬م ج‪ 3‬ص‪32‬‬

‫‪13‬‬
‫غزيرا ‪,‬وفي فنون شتى يظهر هذا من خالل‬
‫كتب السهيلي وأماليه التي تزخر بفوائد لقنها عن‬
‫شيخه ‪.‬‬
‫وقد رجح محمد إبراهيم البنا أن السهيلي‬
‫أنهى رحلته العلمية وهو في الرابعة والثالثين‬
‫من عمره ثم عاد بعدها إلى مالقة ليقضي فيها‬
‫بقية عمره ‪.‬‬
‫شيوخه ‪:‬من أشهر شيوخ السهيلي‬
‫‪ - 1‬أبو الحسين سليمان بن محمد بن عبد‬
‫هللا الليثي الشهير بابن الطراوة (ت ‪ 528‬ه )‬
‫الذي يعتبر من أعظم شيوخ السهيلي أثرا في‬

‫‪14‬‬
‫اتجاهه النحوي واللغوي ‪,‬فقد كان نحويا‬
‫ماهرا ‪ ,‬وله آراء في النحوانفرد بها ‪.‬‬
‫وقد كان السهيلي شديد اإلعجاب به ‪,‬حيث‬
‫‪.‬‬ ‫أثنى عليه في أكثر من موضع في تآليفه‬
‫‪ - 2‬أبو بكر محمد بن عبد هللا بن العربي‬
‫المعافري اإلشبيلي‪ K‬المفسر صاحب " أحكام‬
‫القرآن " ذكر ابن دحية أن السهيلي الزمه فأخذ‬
‫عنه كثيرا من الحديث وألصول والتفسيرحيث‬
‫قال" ثم رحل إلى إشبيلية‪ ،‬فلزم القاضي اإلمام‬
‫أبا بكر بن العربي فأخذ عنه كثيرا من الحديث‬
‫واألصول والتفسير"‪1‬فنتج عن ذلك آثارا طيبة‬

‫‪ 1‬المطرب من أشعار أهل المغرب البن دحية الكلبي تحقيق‪ :‬األستاذ إبراهيم‬
‫األبياري‪ ،‬راجعه‪ :‬الدكتور طه حسين دار العلم للجميع للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بيروت – لبنان عام النشر‪ 1374 :‬هـ ‪ 1955 -‬م ص‪232‬‬
‫‪15‬‬
‫عكستها مؤلفات السهيلي فهو كثير اإلحالة على‬
‫ابن العربي حتى صار لقب"شيخنا" إذا أطلق ال‬
‫ينصرف إال إليه‬
‫‪ - 3‬أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن‬
‫الرماك ‪.‬قال ابن دحية " ولزم األستاذ الماهر‬
‫النحوي أبا القاسم بن الرماك فلقن عنه فوائد في‬
‫‪1‬‬
‫النحو"‬
‫تالمذته‪:‬‬

‫يقال إذا عم الغيث كثر انتفاع الناس به ‪,‬فلقد‬


‫وهب اإلمام السهيلي من بر به ورفع شأنه بعد‬
‫موته من تالمذته من أشهرهم ‪:‬‬

‫‪ 1‬المطرب من أشعار أهل المغرب ‪232‬‬


‫‪16‬‬
‫‪ - 1‬أبو حفص عمر بن عبد المجيد األزدي‬
‫الرندي (ت‪616:‬هـ)‪.‬درس على أعالم مالقة‪،‬‬
‫وصفه ابن الجزري بأنه‪" :‬كان إماما في‬
‫القراءات والعربية‪ ،‬ذا صالح وتأله"(‪ .)1‬وأفاد‬
‫بأنه قرأ بالروايات على أبي القاسم السهيلي‪،‬‬
‫وأحكم عنه العربية‪.‬‬
‫وفي"اإلحاطة"‪" :‬روى عن أبي زيد‬
‫السهيلي‪ ،‬وعنه أخذ العربية واألدب وبه تفقه‪،‬‬
‫وإياه اعتمد"(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬ذو النسبيين أبو الخطاب بن دحية‬
‫الكلبي (ت‪ 633 :‬هـ)‪ .‬من تالمذة السهيلي‬
‫المعجبين به‪ ،‬يبدو ذلك من خالل طبيعة عالقته‬
‫‪ - 1‬غاية النهاية‪ .‬الترجمة‪ .2414 :‬ج‪ .1 :‬ص‪ .594 :‬وقد ذكر وفاته سنة‪.616 :‬‬
‫‪ - 2‬اإلحاطة‪ .‬ج‪ .4 :‬ص‪.84 :‬‬
‫‪17‬‬
‫باإلمام‪ ،‬ومن خالل الترجمة الوافية التي خصه‬
‫بها في‪" :‬المطرب من أشعار أهل المغرب"(‪.)1‬‬
‫نتلمس انبهار ابن دحية بأستاذه‪ ،‬وقد كشف عددا‬
‫من الجوانب اإلنسانية‪ ،‬والعلمية‪ ،‬واإلبداعية‪،‬‬
‫في حياة اإلمام‪ ،‬فأضحت هذه الترجمة مصدرا‬
‫أساسيا للمهتمين بفكره‪ ،‬وأدبه‪ ،‬قدماء ومحدثين‪،‬‬
‫حتى إن بعضهم لينقل عبارات ابن دحية‬
‫بألفاظها‪ ،‬وقد نثر عليه من عبارات الثناء‬
‫‪:‬‬ ‫والتقريظ ما يكشف عن تعلق وإعجاب كبيرين‬
‫"كان السهيلي فردا في زمانه" و "بزغت في البالغة شمسه‪،‬‬
‫ونزعت به إلى مطامح الهمم نفسه ‪ ...‬كان رحمه هللا أقام‬
‫للتصريف وعلل النحو برهانا‪ ،‬وتيم ألبابا وأذهانا‪ ،‬فترشف‬
‫من ماء العربية أتي مزنه‪ ،‬وتوطأ من أكنافها كل سهله‪،‬‬
‫‪ - 1‬المطرب‪ .‬صفحات‪.204-203-202-201-200-199-198-197-196-195 :‬‬
‫‪18‬‬
‫وحزنه‪ ،‬وأفاض على الطلبة من سجله‪ ،‬وجلب على النحاة‬
‫بخيله ورجله‪ ،‬وتلقى الراية باليمين وحوى الغاية بالهزيل‬
‫والسمين"(‪.)1‬‬

‫‪ - 3‬أبو عبد هللا محمد بن عبد الرحمن‬


‫الكاتب (ت‪607 :‬هـ)‪ .‬من غرناطة‪ ،‬أصله من‬
‫وادي آش‪ .‬وصفه ابن عبد الملك بأنه‪" :‬كان‬
‫أديبا‪ ،‬كاتبا بارعا‪ ،‬شاعرا مجيدا‪ ،‬متقدما في‬
‫الحساب والمساحة"( )‪ ،‬ونقل صاحب اإلحاطة‬
‫‪2‬‬

‫عن الغافقي‪" :‬قرأ بمالقة على األستاذ أبي زيد‬


‫السهيلي رحمه هللا"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫آثاره وكتبه ‪ :‬من الناس من يموتون وال‬


‫يبقى لهم أثر بعد موتهم‪ ،‬ومنهم من إذا مات‬
‫‪ - 1‬المطرب ص‪.197 -195 :‬‬
‫‪ - 2‬الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج‪ 4‬ص‪ 403‬ص‪.369 :‬‬
‫‪ - 3‬اإلحاطة‪ :‬ج‪ .3 :‬ص‪.161:‬‬
‫‪19‬‬
‫خلف آثاراً وبصمات واضحة في الحياة‪ ،‬فكل‬
‫من ذكره قال عنه‪ :‬يرحمه هللا‪.‬‬
‫من هؤالء الذين تركوا أثراً واضحا ً في‬
‫الحياة اإلمام السهيلي‪ ،‬فقد خلف علما ً يدرسه‬
‫الناس على مر العصور‪ ،‬ويتداوله طالب العلم‬
‫على مضي األزمنة‪,‬ومن هذه اآلثار‪:‬‬
‫"الروض األنف والمشرع الروى‬ ‫‪-1‬‬
‫في تفسير ما اشتمل عليه حديث سيرة رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم واحتوى "والروضة األنف‬
‫هي التي لم يرع منها شيء ‪,‬والمشرع مورد‬
‫الشاربة ‪,‬والروى ‪ -‬بكسر الراء وفتح الواو‪-‬‬
‫‪1‬‬
‫غير الكدر ‪,‬كما يقول السهيلي نفسه في مقدمته‪.‬‬
‫‪ 1‬الروض األنف ج‪ 2‬ص‪120‬‬
‫‪20‬‬
‫والروض أعظم مصنفات السهيلي‬
‫‪,‬وأوسعها شهرة بين أهل العلم ‪.‬‬
‫"نتائج الفكر" حققه الدكتور محمد‬ ‫‪-2‬‬
‫إبراهيم البنا مرتين وهو مطبوع متداول ‪,‬أشار‬
‫فيه إلى جوانب خمسة وهي‪:‬الداللة ‪,‬والعلة‬
‫‪,‬والعامل ‪,‬ونظم القرآن ‪,‬ونقد المصطلحات‬
‫والتعريفات ‪.‬‬
‫"كتاب الفرائض وشرح آيات‬ ‫‪-3‬‬
‫الوصية " حققه الدكتور محمد إبراهيم البنا سنة‬
‫‪ 1980‬بليبيا اعتنى فيه بذكر مصادر المواريث‬
‫في كتب السنة وأقوال الصحابة‬

‫‪21‬‬
‫"التعريف واإلعالم بما أبهم في‬ ‫‪-4‬‬
‫القرآن من األسماء واألعالم "وهو مطبوع‬
‫متداول‬
‫"أمالي السهيلي" في النحو واللغة‬ ‫‪-5‬‬
‫والحديث والفقه تحقيق الدكتور محمد إبراهيم‬
‫البنا وهو مطبوع متداول ‪.‬‬
‫"نتائج الفكر في النحو" حققه‬ ‫‪-6‬‬
‫وعلق عليه عادل أحمد عبد الموجود –علي‬
‫محمد معوض ‪ .‬وبالجملة فالسهيلي معروف من‬
‫خالل مؤلفاته بفكره الثاقب وغوصه في المعاني‬
‫‪,‬وقد أنصفه ابن كثير حين نعته بقوله ‪ُ ":‬ولِ َد‬
‫ان َو َخ ْم ِس ِمائَ ٍة‪َ ،‬وقَ َرأَ ْالقِ َرا َءا ِ‬
‫ت‬ ‫ال ُّسهَ ْيلِ ُّي َسنَةَ ثَ َم ٍ‬

‫‪22‬‬
‫َوا ْشتَ َغ َل َو َحص ََّل َحتَّى بَ َر َع َو َسا َد أَ ْه َل َز َمانِ ِه بقوة‬
‫القريحة وجودة الذهن وحسن التصنيف‪ ،‬وذلك‬
‫من فضل هللا تعالى ورحمته‪ ،‬وكان ضريرا مع‬
‫ض اأْل ُنُ ِ‬
‫ف يَ ْذ ُك ُر فِي ِه نُ َكتًا َح َسنَةً‬ ‫ذلك‪ ،‬له الر َّْو ِ‬
‫َعلَى السيرة لم يسبق إلى شيء منها أو إلى‬
‫أكثرها‪َ ،‬ولَهُ ِكتَابُ اإْل ِ عْاَل ِم ِفي َما أُ ْب ِه َم فِي ْالقُرْ ِ‬
‫آن‬
‫‪1‬‬
‫ج ْالفِ ْك ِر"‬
‫ِم َن اأْل َ ْس َما ِء اأْل َعْاَل ِم‪َ ،‬و ِكتَابُ نَتَائِ ِ‬

‫وفاة السهيلي‪:‬‬

‫‪ 1‬البداية والنهاية ألبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ‪ .‬دار الفكر‪ 1407 .‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1986‬م ج ‪ 12‬ص ‪318‬‬
‫‪23‬‬
‫قضى السهيلي كل حياته يكابد شظف العيش‬
‫وقلة ذات اليد إال السنوات الثالث األخيرة التي‬
‫حظي فيها بعطف الخالفة الموحدية ورعايتها‪,‬‬
‫وذلك بعد أن أطلعهم ابن دحية على كتابه‬
‫"الروض األنف "فأمروا بوصوله إلى حضرتهم‬
‫بمراكش ‪,‬حيث استقبل بالجاه الجسيم والوجه‬
‫الوسيم ‪.‬‬
‫وتوفي السهيلي ‪ -‬رحمه هللا – بمراكش على‬
‫‪1‬‬
‫المشهور سنة ‪ 581‬ه وقبره بها معروف ‪.‬‬
‫‪ 1‬تنبيه‪:‬جاءفي كتاب تاج العروس مادة (سهل ) قول الزبيدي ‪:‬‬
‫( وسهيل كزبير ‪ :‬حصن باألندلس إليه نسب اإلمام أبو القاسم عبد‬
‫الرحمن بن عبد هللا بن أبي الحسن الخثعمي السهيلي مؤلف الروض‬
‫األنف وغيره وقال ابن األبا ر ‪ :‬بالقرب من مالقة سمي بالكوكب ألنه‬
‫ال يرى في جميع األندلس إال منه ‪,‬مات بمراكش سنة ‪ )481‬مج ‪15‬ج‬
‫‪ 29‬ص‪136‬وهو خطأ ظاهر ‪,‬إذ محال أن يكون االختالف في سنة‬
‫الوفاة بمائة سنة بدليل أن كتب التراجم المشهورة أرخت لوفاته ب‪581‬‬
‫ه وبذلك صرح تلميذه ابن دحية ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫توطئة عن المدرسة النحوية‬
‫األندلسية‬
‫يعتبر اإلمام السهيلي رمزا حيا من رموز‬
‫المدرسة النحوية‪1‬األندلسية حيث تبلورت هذه‬
‫المدرسة فأبدعت مذهبا ال يقل شأنا عن المذاهب‬
‫النحوية التاريخية المعروفة ‪ ,‬خاصة إذا اعتبرنا‬
‫أن المنظور النحوي في األندلس ظل تعليميا‬
‫يدين بالوالء للنظريات المشرقية كما يقول‬
‫الزبيدي ‪, 2‬فأدخل على يد محمد بن يحيى‬

‫‪ 1‬ممن أيدوا وجود مذهب نحوي أندلسي ‪:‬محمد الطنطاوي في كتابه "نشأة‬
‫النحو"‪,‬وممن عارض ذلك د مهدي المخزومي في كتابه ‪:‬‬
‫" الدرس النحوي في بغد‬
‫‪ 2‬طبقات النحويين واللغويين محمد بن الحسن بن عبيد هللا بن مذحج الزبيدي‬
‫األندلسي تحقيق ‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم الطبعة‪ :‬الثانية‪ :‬دار المعارف‪ ,‬مصر‪.‬‬
‫ص‪311‬‬
‫‪25‬‬
‫المهلب الرباحي الجياني واكتمل بمساهمات‬
‫رموز أخرى متألقة نذكر منها ‪:‬‬
‫‪ -‬أبو علي القالي البغدادي مؤلف األمالي ‪.‬‬
‫‪ -‬محمد بن الحسن الزبيدي ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ -‬ابن سيدة الغرناطي الضرير‬
‫وإذا كنا نسجل تأثير النحو البصري ‪,‬‬
‫والكوفي في هؤالء وتالمذتهم‪ ,‬فإن األعلم‬
‫الشنتمري استشرف آفاق المدرسة البغدادية‬
‫‪,‬وانفتح على آراء أعالمها أمثال أبي علي‬
‫الفارسي ‪,‬وابن جني ‪ ,‬ونحا بالنظرة األندلسية‬
‫نحو طلب العلل الثواني‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫يقول ابن مضاء " وكان األعلم ‪ -‬رحمه هللا‬
‫‪ -‬على بصره بالنحو مولعا بهذه العلل الثواني‪،‬‬
‫ويرى أنه إذا استنبط منها شيئا ً فقد ظفر بطائل‪.‬‬
‫وكذلك كان صاحبنا الفقيه أبو القاسم ال ُّسهَيْلي‬
‫على شاكلته ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬يولع بها‪ ،‬ويخترعها‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وبصراً بها"‪.‬‬
‫َ‬ ‫ويعتقد ذلك كماالً في الصنعة‬
‫وال ريب أن تجذر هذه االنتفاضة اللغوية‬
‫النحوية بدءا من األعلم الشنتمري إلى تلميذه ابن‬
‫الطراوة ‪,‬ثم السهيلي مما ضمن لها التواصل‬
‫واالمتداد واإلخصاب‬
‫ولعل هذا ما حفز المقري إلى القول ‪":‬‬
‫والنحو عندهم في نهاية من علو الطبقة ‪,‬حتى‬
‫‪1‬‬
‫الرّ د عَلى النّحاة البن َم َ‬
‫ضاء‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬الدكتور محمد إبراهيم البنا ‪ .‬دار‬
‫االعتصام ‪.‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1979 ،‬م ص ‪133‬‬
‫‪27‬‬
‫إنهم في هذا العصر فيه كأصحاب عصر الخليل‬
‫وسيبويه ال يزداد مع هرم الزمان إال جدة وهم‬
‫كثيرو البحث فيه وحفظ مذاهبه كمذاهب الفقه‬
‫وكل عالم في أي علم ال يكون متمكنا من علم‬
‫النحو بحيث ال تخفى عليه الدقائق فليس عندهم‬
‫‪1‬‬
‫بمستحق للتمييز وال سالم من االزدراء"‬
‫وتطبيقا على ذلك نورد مقتطفا من رسالة‬
‫ابن سعيد تذييال على رسالة ابن حزم في "فضل‬
‫األندلس "حيث قال ‪ ":‬وأما النحو فألهل‬
‫األندلس من الشروح على " الجمل " ما يطول‬
‫ذكره ‪,‬فمنها شرح ابن خروف ‪,‬ومنها شرح‬
‫الرندي‪ ,‬ومنها شرح شيخنا أبي الحسن بن‬
‫‪ 1‬نفخ الطيب من غصن األندلس الرطيب أحمد بن محمد المقري التلمساني تحقيق د‪.‬‬
‫إحسان عباس دار صادر‪ .‬سنة النشر ‪1388‬هـ ج‪ 1‬ص‪221‬‬
‫‪28‬‬
‫عصفور اإلشبيلي وإليه انتهت علوم النحو‬
‫وعليه اإلحالة اآلن من المشرق والمغرب وقد‬
‫أتيت له من إفريقية بكتاب المقرب في النحو‬
‫فتلقي باليمين من كل جهة ‪,‬وطار بجناح‬
‫االغتباط ‪,‬ولشيخنا أبي علي الشلوبين كتاب‬
‫التوطئة على الجزولية وهو مشهور‪ ,‬و البن‬
‫السيد و ابن الطراوة و السهيلي من التقييدات في‬
‫النحو ما هو مشهور عند أصحاب هذا الشأن‬
‫معتمد عليه و ألبي الحسن بن خروف شرح‬
‫‪1‬‬
‫مشهور على كتاب سيبويه "‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه ج‪ 3‬ص‪.184‬‬


‫‪29‬‬
‫المطلب الثاني ‪:‬اإلمام السهيلي‬
‫نحويا‬
‫ظل القطر األندلسي يتميز بالنبوغ في علم النحو‬
‫فازدهر االشتغال به وصارت المكانة للمهتمين به ‪ ,‬حتى‬
‫قال المقري ‪ ":‬والنحو عندهم في نهاية من علو الطبقة‪ ،‬حتى‬
‫إنهم في هذا العصر فيه كأصحاب عصر الخليل وسيبويه‪،‬‬
‫ال يزداد مع هرم الزمان إال ج ّدةً‪ ،‬وهم كثيرو البحث فيه ‪,‬‬
‫‪30‬‬
‫مذاهبه كمذاهب الفقه‪ ،‬وكل عالم في أ ّ‬
‫ي علم ال‬ ‫وحفظ‬
‫يكون متمكنا ً من علم النحو ‪ -‬بحيث ال تخفى عليه الدقائق ‪-‬‬
‫‪1‬‬
‫"‬ ‫فليس عندهم بمستحق للتمييز‪ ،‬وال سالم من االزدراء‬
‫واإلمام السهيلي وافق هذا الخصب ‪,‬فتشبع بمعين اللغة‬
‫العربية ‪,‬وولع بالنحو وشغف به ‪ ,‬وبدا ذلك ظاهرا من خالل‬
‫معالم عديدة يمكن تصنيفها إلى النقط التالية ‪:‬‬
‫‪– 1‬مؤلفاته ‪:‬فجل مؤلفاته تغلب عليها النزعة النحوية‬
‫مناقشة أو إشارة فمن أمثلة ذلك قوله" وزعم ابن سيده في‬
‫كتاب المحكم له أن العرب تنسب إلى البحر‪ :‬بحراني على‬
‫غير قياس‪ ،‬وأنه من شواذ النسب‪ ،‬ونسب هذا القول إلى‬
‫سيبويه والخليل‪ ،‬ولم يقله سيبويه قط‪ ،‬وإنما قال في شواذ‬
‫النسب‪ :‬تقول في بهراء‪ :‬بهراني‪ ،‬وفي صنعاء‪ :‬صنعاني‪،‬‬
‫كما تقول‪ :‬بحراني في النسب إلى البحرين التي هي مدينة‪،‬‬
‫وعلى هذا تلقاه جميع النحاة‪ ،‬وتأولوه من كالم سيبويه‪ ،‬وإنما‬

‫‪ 1‬نفح الطيب من غصن األندلس أحمد بن محمد المقري الرطيب لشهاب الدين‬
‫تحقيق ‪:‬إحسان عباس ‪,‬دار صادر بيروت لبنان ج ‪1‬ص‪221‬‬
‫‪31‬‬
‫شبه على ابن سيده لقول الخليل في هذه المسألة‪ ،‬أعني مسألة‬
‫النسب إلى البحرين‪ ،‬كأنهم بنوا البحر على بحران‪ ،‬وإنما‬
‫‪1‬‬
‫"‬ ‫أراد لفظ البحرين‬
‫‪ - 2‬بعض شيوخه الذين تلقى عنهم علم النحو نذكر من‬
‫بينهم‪:‬‬
‫‪ -1‬ابن الطراوة‪:‬أبو الحسين سليمان بن محمد قال فيه‬
‫‪2‬‬
‫السيوطي "كان مبرزا في علوم اللسان نحوا ولغة وأدبا "‬
‫‪ -2‬ابن الرماك أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد قال‬
‫‪3‬‬
‫فيه السهيلي" وكان إماما في صنعة العربية"‬
‫‪ -3‬أبو القاسم خلف بن يوسف الشنتريني الشهير بابن‬
‫األبرش شهد فيه الضبي بقوله "كان وحيد عصره في علم‬
‫‪4‬‬
‫اللسان‪ ,‬ذا سبق فيه وإحسان "‬

‫‪ 1‬الروض األنف ج‪ 3‬ص‪356‬‬


‫‪ 2‬بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجالل الدين عبد الرحمن السيوطي تحقيق‬
‫محمد أبو الفضل إبراهيم الناشر المكتبة العصرية مكان النشر لبنان ‪ /‬صيدا ج‪ 1‬ص‬
‫‪602‬‬
‫‪ 3‬الروض األنف للسهيلي ج‪ 2‬ص‪206‬‬
‫‪ 4‬بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل األندلس ألحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة‪،‬‬
‫أبو جعفر الضبي ‪ -‬دار الكاتب العربي – القاهرة‪-‬عام النشر‪ 1967 :‬م ج‪ 1‬ص‪289‬‬
‫‪32‬‬
‫‪ - 3‬اعتناء علماء النحو بمذهبه‪:‬فقد تعرضت كتب‬
‫النحاة إلى آراء السهيلي بل نجد الكثير منهم ينقل عنه ‪,‬ومنهم‬
‫‪:‬‬
‫‪ -1‬ابن هشام األنصاري الذي ذكره في كتابه "مغني‬
‫اللبيب" مرات متعددة ‪,‬ذكره عند قوله َوزعم السُّهيْلي أَن‬
‫َر إِنَّ َما هُ َو أَن الناصبة ْللفِعْل أِل َنَّهَا أبدا َم َع‬
‫الَّ ِذي يؤول بِ ْال َمصْ د ِ‬
‫‪1‬‬
‫َصرف "‬ ‫ْالفِعْل ْال ُمت َ‬
‫وذكره عند قوله " َوزعم السُّهيْلي أَنَّهَا تَأتي حرفا‬
‫بِ َدلِيل قَول ُزهَيْر‬
‫َومهما تكن ِع ْند ا ْم ِرئ من خَ لِيقَة‬
‫‪2‬‬
‫َوإِن خالها تخفى على النَّاس تعلم‬

‫‪ 1‬مغني اللبيب عن كتب األعا ريب لعبد هللا بن يوسف بن أحمد بن عبد هللا بن‬
‫يوسف‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬جمال الدين‪ ،‬ابن هشام تحقيق‪ :‬د‪ .‬مازن المبارك ‪ /‬محمد علي‬
‫حمد هللا دار الفكر – دمشق الطبعة‪ :‬السادسة‪1985 ،‬ج‪ 1‬ص‪60‬‬
‫‪ 2‬مغني اللبيب ج‪ 1‬ص‪435‬‬
‫‪33‬‬
‫وذكره عند قوله " َوأَنه يُقَال قَ َرأت بالسورة على هَ َذا‬
‫ْال َمعْنى َواَل يُقَال قَ َرأت بكتابك لفَ َوات معنى التَّبَرُّ ك فِي ِه قَالَه‬
‫‪3‬‬
‫السُّهيْلي َوقيل ال ُم َراد اَل تلقوا "‬
‫‪ -2‬محمد عبد العزيز النجارالذي ذكره في كتابه ضياء‬
‫السالك إلى أوضح المسالك حيث قال "نص عليه السهيلي‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وهو حق"‬
‫‪ - 3‬األشموني في شرحه على ألفية ابن مالك ‪:‬حيث‬
‫قال" أي‪ :‬مذ كان ‪-‬أو مذ مضى‪ -‬يومان‪ ،‬وإليه ذهب أكثر‬
‫‪3‬‬
‫الكوفيين‪ ،‬واختاره السهيلي والناظم في التسهيل‬
‫‪ - 4‬اشتهاره بالنحو عند من ترجموا له ‪:‬فقد ترجم له‬
‫السيوطي فقال " َكانَ عَالما بِ ْال َع َربِيَّ ِة واللغة والقراءات‪،‬‬
‫بارعا فِي َذلِك‪َ ،‬جامعا بَين ال ِّر َوايَة والدراية‪ ،‬نحويا ُمتَقَدما‪،‬‬
‫أديبا‪ ،‬عَالما بالتفسير وصناعة ال َح ِديث‪َ ،‬حافِظًا لل ِّر َجال‬
‫‪ 3‬نفس المرجع ج‪ 1‬ص ‪147‬‬
‫‪ 2‬ضياء السالك إلى أوضح المسالك لمحمد عبد العزيز النجار‬
‫مؤسسة الرسالة‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى ‪2001‬م ج‪ 3‬ص‪214‬‬
‫‪ 3‬شرح األشموني على ألفية ابن مالك لعلي بن محمد بن عيسى‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬نور‬
‫الدين األُ ْش ُموني دار الكتب العلمية بيروت‪ -‬لبنان الطبعة‪ :‬األولى ‪1998‬مـ ج‪ 2‬ص‬
‫‪101‬‬
‫‪34‬‬
‫َارفًا بِعلم ْالكَاَل م َواأْل ُصُول‪َ ،‬حافِظًا للتاريخ‪،‬‬
‫واألنساب‪ ،‬ع ِ‬
‫صاحب اختراعات‬ ‫َواسع ْالمعرفَة‪ ،‬غزير ْالعلم‪ ،‬نبيها ذكيا‪َ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫واستنباطات"‬
‫وترجم له القفطي فقال " فاضل كبير القدر في علم‬
‫‪2‬‬
‫العربية‪ ،‬كثير االطالع على هذا الشأن"‬
‫كما ترجم له ابن الخطيب فقال " كان مقرئا مج ّودا‪،‬‬
‫متحققا بمعرفة التفسير‪ ،‬غواصا على المعاني البديعة‪،‬‬
‫ظريف التّه ّدي إلى المقاصد الغريبة‪ ،‬مح ّدثا‪ ،‬واسع الرّواية‪،‬‬
‫ضابطا لما يح ّدث به‪ ،‬حافظا متقدما‪ ،‬ذاكرا لألدب والتواريخ‬
‫واألشعار واألنساب‪ ،‬مبرّزا في الفهم‪ ،‬ذكيّا‪ ،‬أديبا‪ ،‬كاتبا‬
‫بليغا‪ ،‬شاعرا مجيدا‪ ،‬نحويا‪ ،‬عارفا‪ ،‬بارعا‪ ،‬يقظا‪ ،‬يغلب عليه‬
‫‪3‬‬
‫علم العربية واألدب"‬
‫‪ 1‬بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لعبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين‬
‫السيوطي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم المكتبة العصرية ‪ -‬لبنان ‪ /‬صيدا‪.‬ج‪ 2‬ص‬
‫‪81‬‬
‫‪ 2‬إنباه الرواة على أنباه النحاة لجمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي تحقيق‬
‫محمد أبو الفضل إبراهيم دار الفكر العربي ‪ -‬القاهرة‪ ،‬ومؤسسة الكتب الثقافية‬
‫بيروت الطبعة‪ :‬األولى‪1982:‬م‪.‬‬
‫‪ 3‬اإلحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1424 ،‬هـ‬
‫‪35‬‬
‫وأكتفي بما ذكرت من اإلشارة إلى قيمة اإلمام السهيلي‬
‫نحويا محيال من أراد مزيد المعرفة على مذهبه النحوي‬
‫الرجوع إلى ما كتبه إبراهم البنا عنه ‪":‬أبو القاسم السهيلي‬
‫ومذهبه النحوي"‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪:‬كتاب األمالي‬


‫اعتمدت في الممنوع من الصرف عند‬
‫السهيلي على ما أماله في كتابه األمالي الذي‬
‫حققه الدكتور محمد إبراهيم البنا ‪.‬‬
‫في هذا الكتاب نجد السهيلي صاحب الحس‬
‫المرهف واألسلوب العلمي المشرق‪,‬يخالف‬
‫النحاة في كثير من المسائل ‪ ,‬خاصة مسألة‬
‫الممنوع من الصرف فقد حمل فيها عليهم حملة‬

‫‪36‬‬
‫واضحة وعلى زعيمهم أبي بشرسيبويه ‪,‬وهي‬
‫نتيجة طبيعية تنتظر ممن بلغ مبلغه في العلم‬
‫باللغة والبصر بها‪.‬‬
‫وقد كفانا اإلمام السهيلي مؤونة التعريف‬
‫بمسائله التي تناولها في موضوع الممنوع من‬
‫الصرف وذلك حين قال ‪:‬‬
‫" َوقَ ْد أ َْملَْينَا ُج ْز ًءا فِي أسرار ماينصرف َو َما اَل‬
‫ف َشرحنا فِ ِيه فَائِ َدةَ الْع ْد ِل عن فَ ِ‬
‫اع ٍل إلَى ُف َع َل‬ ‫َ َْ‬ ‫ص ِر ُ َ ْ َ‬
‫َي ْن َ‬

‫ود بِ ِه َولِ َم لَ ْم ُي ْع َد ْل َع ْن‬


‫ص ُ‬ ‫ِ‬
‫َو َما َحقي َقةُ ال َْع ْد ِل َوال َْم ْق ُ‬

‫ات َولِ َم لَ ْم‬


‫الص َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَسم ِاء اأْل َجن ِ ِ‬
‫اس َول َم لَ ْم يَ ُك ْن إاّل في ّ‬‫َْ‬ ‫َْ‬
‫ات إاّل فِي ِمثْ ِل َع ِام ٍر َو َزافِ ٍر َوقَاثِ ٍم َولَ ْم‬
‫الص َف ِ‬ ‫ِ‬
‫يَ ُك ْن م ْن ّ‬
‫‪37‬‬
‫ِ ِ‬ ‫كو ِ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫صال ٍح َو َسال ٍم َول َم ُخ ّ‬
‫ص ُف َع ُل َه َذا‬ ‫يَ ُك ْن في َمال َ َ‬

‫الْبِنَاءُ بِال َْع ْد ِل إلَْي ِه َو َه ْل عُ ِد َل إلَى بِنَ ٍاء غَْي ِر ِه أ َْم اَل َولم‬

‫ين إ َذا َكا َن َم ْع ُدواًل إلَى َه َذا الْبِنَ ِاء‬


‫الت ْن ِو ُ‬ ‫ُمنِ َع الْ َخ ْف ُ‬
‫ض َو ّ‬

‫َس َرا ِر َفلَْي ْنظُْر َها ُهنَالِ َ‬


‫ك‬ ‫ِ ِِ‬
‫فَ َم ْن ا ْشتَا َق إلَى َم ْع ِرفَة َهذه اأْل ْ‬
‫صائِ ِ‬
‫ص َعلَى‬ ‫ام فِي كِتَ ِ‬
‫اب الْ َخ َ‬
‫ِ‬
‫فَِإ ّن ابْ َن جنّ ّي قَ ْد َح َ‬
‫‪1‬‬
‫ْصأَ فَ َما َف ّق َح"‬ ‫ِ‬
‫صأ َ‬
‫َب ْعض َها‪ ،‬فَ َما َو َر َد َو َ‬
‫وقد بالغ السهيلي في الدعاية لمؤلفه هذا‬
‫حيث يذكره من حين آلخرفقد ذكره مرة أخرى‬

‫حين قال ‪ ":‬ولكنه نون ما نون منه للسر الذي بيناه‬

‫‪ 1‬الروض األنف ج‪ 4‬ص‪157‬‬


‫‪38‬‬
‫في أسرار ما ال ينصرف من األسماء‪ ،‬وقد أملينا في‬

‫ذلك جزءا"‪ 1‬كما يقول في موضع آخر‪ ":‬فمن‬

‫اشتاق إلى معرفة هذه األسرار فلينظرها هنالك‪ ،‬فإن‬

‫ابن جني قد حام في كتاب الخصائص على بعضها‪،‬‬


‫‪3 2‬‬
‫فما ورد‪ ،‬وصأصأ فما فقح "‪.‬‬

‫نلمس من كالم السهيلي سلفا إعجابه بنفسه‬


‫وافتخاره بفكره وقد صرح به في موضع آخر‬
‫فقال ‪ ":‬وقد كشفنا سر التنوين وامتناع التنوين‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه ج‪ 3‬ص‪377‬‬


‫‪ 2‬صأصأ الجرو إذا حرك عينيه قبل التفتيح كذا في النسخ وفي لسان العرب وغيره‬
‫من أمهات اللغة قبل التفقيح من فقح بالفاء والقاف إذا فتح عينيه قاله أبو عبيد أو‬
‫صأصأ كاد أن يفتحهما ولم يفتحهما‪.‬تاج العروس للزبيدي ج‪ 1‬ص‪304‬‬
‫‪ 3‬الروض األنف ج‪ 4‬ص‪157‬‬
‫‪39‬‬
‫والخفض مما ال ينصرف فى مسألة أفردناها في‬
‫‪4‬‬
‫هذا الباب‪ ،‬وأتينا فيها بالعجب العجاب‪".‬‬

‫المحور الثاني‬
‫الممنوع من الصرف عند السهيلي‬
‫وتحته ثالثة مطالب‬
‫المطلب األول‪ :‬العلة عند اإلمام‬
‫السهيلي‬
‫المطلب الثاني ‪:‬نقض اإلمام السهيلي‬
‫لعلل النحاة‬
‫‪ 4‬الروض األنف ج‪ 5‬ص ‪73‬‬

‫‪40‬‬
‫المطلب الثالث ‪:‬العلل التي اقترحها‬
‫اإلمام السهيلي‬

‫المطلب األول‪:‬العلة عند اإلمام السهيلي‬


‫ال ننكر أن العلل النحوية التي وضعها النحاة‬
‫للظواهر اللغوية وضعت خارج نطاق‬
‫االستعمال العربي األصيل‪,‬كما أن المنهج‬
‫النحوي ابتدأعند النحاةالعرب وصفيا تقريريا‬
‫على العموم ثم لم يبق كذلك ‪,‬إذ سرعان ما افتتن‬
‫النحاة بالمنطق األرسطي‪,‬حتى صار عندهم‬
‫عنوان المعرفة وأمارة الثقافة ‪,‬وأكثر ما كان‬
‫‪41‬‬
‫افتتانهم بمقولة (العامل) و(العلة ) وعلى هذا‬
‫األساس وضع النحاة أحكاما وقوانين لضبط‬
‫اللغة‪ ,‬مستمدين إياها من استقرائهم لكالم العرب‬
‫‪,‬يقول الزجاجي‪ ":‬إن علل النحو ليست موجبة‬
‫وإنما هي مستنبطة أوضاعا ومقاييس ‪...‬ألنا لم‬
‫نسمع نحن وال غيرنا كل كالم العرب لفظا وإنما‬
‫سمعنا بعضا فقسنا عليه نظيره‪ ,‬مثال ذلك أننا‬
‫لما سمعنا قام زيد فهو قائم ‪,‬وركب عمرو‪ ,‬فهو‬
‫راكب ‪,‬فعرفنا اسم الفاعل قلنا ذهب فهو ذاهب ‪,‬‬
‫وأكل فهو آكل ‪ 1"...‬وهذا وشبهه ما سماه‬
‫الزجاجي بالعلل التعليمية وبها ضبط كالم‬
‫العرب ‪.‬‬
‫‪ 1‬اإليضاح في علل النحو ألبي القاسم عبد الرحمن الزجاجي تحقيق د مازن المبارك‬
‫دار النفائس بيروت ط ‪ 3‬سنة ‪1979‬م ص‪64‬‬
‫‪42‬‬
‫وفي القرن الرابع الهجري أصبحت العلة‬
‫النحوية موضوعا قيما يكتب فيه ‪,‬كما أصبحت‬
‫غاية الباحث النحوي ليست بلورة العالقات‬
‫المختلفة التي تصوغ الظواهر في قواعد تحدد‬
‫أبعادها ‪,‬وإنما هدفه األساسي هو اكتشاف العلة‬
‫المؤثرة في الظواهر ‪,‬‬
‫كما أن النحاة لم يختلفوا في أن جملة (جاء‬
‫الرجل)المكونة من فعل (جاء )الذي هو فعل‬
‫ماض مبني على الفتح ‪,‬وفاعل الذي هو( الرجل‬
‫) مرفوع بالضمة ‪,‬لكنهم اختلفوا في اإلجابة عن‬
‫السؤالين التاليين ‪:‬لماذا بني الفعل ؟‪ ,‬ولماذا رفع‬
‫الفاعل ؟‬

‫‪43‬‬
‫ومن هنا جاء اختالفهم في التعليل‬
‫‪,‬وتضاربهم في السر المؤثر للتأثير ‪,‬فال تكاد‬
‫تجد رأيا إال وتجد رأيا آخر يناقضه ويخالفه‪,‬‬
‫ويظهر من خالل هذا أن علل النحويين‬
‫تعرضت منذ القديم للتهجم واالنتقاد ‪,‬يشهد لهذا‬
‫النقول التي نقلت عنهم في استفهام بعضهم عن‬
‫أصالة هذه التعليالت عند العرب ‪,‬فهذا الخليل‬
‫بن أحمد رحمه هللا سئل عن العلل التي يعتل بها‬
‫في النحو فقيل له‪ :‬عن العرب أخذتها أم‬
‫اخترعتها من نفسك‪.‬؟‬
‫فقال‪ :‬إن العرب نطقت على سجيتها‬
‫وطباعها وعرفت مواقع كالمها وقام في عقولها‬

‫‪44‬‬
‫علله وإن لم ينقل ذلك عنها واعتللت أنا بما‬
‫عندي أنه علة لما عللته منه فإن أكن أصبت‬
‫العلة فهو الذي التمست وإن تكن هناك علة غير‬
‫ما ذكرت فالذي ذكرته محتمل أن يكون علة له‬
‫ومثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دار محكمة‬
‫البناء عجيبة النظم واألقسام وقد صحت عنده‬
‫حكمه بانيها بالخبر الصادق أو بالبراهين‬
‫الواضحة والحجج الالئحة فكلما وقف هذا‬
‫الرجل في الدار على شيء منها قال‪ :‬إنما فعل‬
‫هذا هكذا لعلة كذا وكذا ولسبب كذا وكذا لعلة‬
‫سنحت له وخطرت بباله محتملة أن تكون علة‬
‫لتلك فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل‬

‫‪45‬‬
‫ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار‬
‫وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة إال أن ما‬
‫‪1‬‬
‫ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك "‬
‫فكالم الخليل يشعر أن الناس لم يستسيغوا‬
‫شيئا لم يوضع عن العرب ‪,‬فسألوا عنه المهتمين‬
‫بكالم العرب وفي هذا الصدد نجد ابن جني من‬
‫المدافعين عن التعليل في كتابه الخصائص في‬
‫أكثر من موضع فنجده ‪ -‬رحمه هللا تعالى‪ -‬يُبين‬
‫حكمة العرب في لغتهم‪ ،‬وأن يرد على من‬
‫ضرب بعلل النحويين المثل في الضعف‪ ،‬ولذلك‬
‫عقد في الكتاب بابًا خا ًّ‬
‫صا عنوانه‪ :‬باب في الرد‬

‫‪ 1‬االقتراح في أصول النحولعبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي ضبطه‬
‫وعلق عليه‪ :‬عبد الحكيم عطية‪ .‬راجعه وقدم له‪ :‬عالء الدين عطية ‪.‬الناشر‪ :‬دار‬
‫البيروتي‪ ،‬دمشق الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1427 ،‬هـ ‪ 2006 -‬م ص‪112‬‬
‫‪46‬‬
‫على من اعتقد فساد علل النحويين؛ لضعفه هو‬
‫في نفسه عن إحكام العلة‪ ،‬وذكر فيه أن سبب‬
‫هذا االعتقاد أنه ال يعرف أغراض القوم‪ ،‬فيرى‬
‫لذلك أن ما أوردوه من العلة ضعيف وا ٍه ساقط‬
‫غير متعال"‪ ،1‬وهو يدافع عن العلة النحوية التي‬
‫توصل إليها حُذاق النحويين‪ ،‬ويبين فائدتها‪،‬‬
‫فيخصص بابًا عنوانه‪ :‬باب في أن العرب قد‬
‫أرادت من العلل واألغراض ما نسبناه إليها‪،‬‬
‫وحملناه عليها‪ ،‬ويقول فيه‪" :‬اعلم أن هذا موضع‬
‫في تثبيته وتمكينه منفعة ظاهرة‪ ،‬وللنفس به‬
‫مسكة وعصمة؛ ألن فيه تصحيح ما ن َّدعيه على‬
‫‪ 1‬الخصائص البن جني تحقيق‪:‬محمد علي النجار‪ .‬الناشر عالم الكتب ‪ -‬بيروت ج‪1‬‬
‫ص‪184‬‬

‫‪47‬‬
‫العرب من أنها أرادت كذا لكذا‪ ،‬وفعلت كذا‬
‫لكذا‪ ،‬وهو أحزم لها‪ ،‬وأجمل بها‪ ،‬وأدلُّ على‬
‫الحكمة المنسوبة إليها من أن تكون تكلفت ما‬
‫تكلفته من استمرارها على وتيرة واحدة‪،‬‬
‫وتقريها منهجًا واح ًدا‪ ،‬تراعيه وتالحظه‪،‬‬
‫وتتحمل لذلك مشاقه‪ ،‬و ُكلفه‪ ،‬وتعتذر من تقصير‬
‫إن جرى وقتًا منها في شيء منه"‪.1‬‬
‫وفي العصر الحديث نجد ثلة من الباحثين‬
‫يحملون هذه الدعوة وينادون بإلغاء العلل‬
‫ويرون أنها السر في صعوبة اللغة العربية‬
‫وتأخرها‪,‬‬

‫‪ 1‬الخصائص البن جني ج‪ 1‬ص‪237‬‬


‫‪48‬‬
‫ومن هؤالء إميل بديع يعقوب الذي عقد‬
‫فصال في كتابه"الممنوع من الصرف " بعنوان‬
‫" الدعوة إلى إلغاء القول بالتعليل النحوي عامة‬
‫"‪ 1‬ويقول في بداية كتابه ‪":‬لقد آن األوان لرفض‬
‫كل علل الممنوع من الصرف ‪ .........‬بما‬
‫اخترعه النحاة من علل زائفة ‪,‬وفلسفة سمجة‬
‫‪,‬وقياسات واهية ‪,‬ومنطق تبرأ اللغة منه كل‬
‫‪2‬‬
‫البراء ة "‬
‫وأمام هذه الدعوات إلى إلغاء العلل وعدم‬
‫العمل بها أمر غير عملي ‪,‬وإلغاؤها سيؤدي إلى‬
‫ضياع اللغة ‪,‬ألن ذلك وسيلة إلى تعليمها وقد‬

‫‪ 1‬الممنوع من الصرف إلميل بديع يعقوب دار الجيل بيروت لبنان ط‪ - 1992. 1‬ص‬
‫‪254‬‬
‫‪ 2‬الممنوع من الصرف إلميل بديع ص‪254‬‬
‫‪49‬‬
‫نسي هؤالء أو تناسوا أنهم تعلموا النحو عن‬
‫طريق التعليل ‪.‬‬
‫وما دامت العلل شيئا اجتهاديا للباحث فيه‬
‫واسع النظر ‪,‬فقد مضى فيه السهيلي مفرغا‬
‫طاقاته العقلية في التوجيه والعلل مستدركا على‬
‫من سبقه ومبتكرا علال جديدة ‪,‬ذكر بعضها في"‬
‫الروض األنف "صرح فيها أنه شغوف بالبحث‬
‫في األسرار والعلل ‪,‬وأنه افتض أبكارعدد من‬
‫المسائل لم تفترعها أيدي النحاة ‪,‬ولعل السهيلي‬
‫تأثر بشيخه ابن الطراوة الذي ال يجد حرجا في‬
‫هذا الموضوع قائال ‪":‬والتثريب علينا فيما نلم‬
‫به من الخالف على سيبويه ‪,‬رحمه هللا ‪,‬في‬

‫‪50‬‬
‫اليسيرمن نظره‪,‬ال في شيء من نقله ‪,‬ألن تقليد‬
‫الصادق في نقلله واجب ‪,‬واالعتراض عليه في‬
‫‪1‬‬
‫نظره جائز‪"..‬‬
‫وقد عرف اإلمام السهيلي بالبحث في العلل‬
‫وهو ما نجده عند صاحبه ابن مضاء القرطبي‬
‫في الرد على النحاة حيث قال " وكان األعلم ‪-‬‬
‫رحمه هللا ‪ -‬على بصره بالنحو مولعا بهذه العلل‬
‫الثواني‪ ،‬ويرى أنه إذا استنبط منها شيئا ً فقد ظفر‬
‫بطائل‪ .‬وكذلك كان صاحبنا الفقيه أبو القاسم‬
‫ال ُّسهَيْلي على شاكلته ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬يولع بها‪،‬‬

‫‪ 1‬أبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي ص‪284‬‬


‫‪51‬‬
‫ويخترعها‪ ،‬ويعتقد ذلك كماالً في الصنعة‬
‫‪1‬‬
‫وبصراً بها‪".‬‬
‫َ‬
‫وهاهو السهيلي يعتقد ذلك كماال في الصنعة‬
‫يظهر ذلك من كلمته في ابن جني حيث قال ‪":‬‬
‫ولم يكن في مالك وصالح وسالم‪ ،‬ولم خص فعل‬
‫هذا البناء بالعدل إليه‪ ،‬وهل عدل إلى بناء غيره‪،‬‬
‫أم ال ولم منع الخفض والتنوين إذا كان معدوال‬
‫إلى هذا البناء‪ ،‬فمن اشتاق إلى معرفة هذه‬
‫األسرار فلينظرها هنالك‪ ،‬فإن ابن جني قد حام‬
‫في كتاب الخصائص على بعضها‪ ،‬فما ورد‪،‬‬
‫وصأصأ فما فقح"‪2‬ذلك أن ابن جني طرح‬

‫‪1‬‬
‫الرّ د عَلى النّحاة البن َم َ‬
‫ضاء دراسة وتحقيق‪ :‬الدكتور محمد إبراهيم البنا الناشر‪:‬‬
‫دار االعتصام الطبعة‪ :‬األولى‪ 1399 ،‬هـ ‪ 1979 -‬م ص‪133‬‬
‫‪ 2‬الروض األنف ج‪ 4‬ص‪157‬‬
‫‪52‬‬
‫افتراضات في االسم المعدول عن غير ولم‬
‫يستقصها ‪,‬وصدرها بقوله ‪ ":‬فإن قلت فقد نجد‬
‫في اللغة أشياء كثيرة غير محصاة وال محصّلة‬
‫ال نعرف لها سببا وال نجد إلى اإلحاطة بعللها‬
‫مذهبا ً‪ .....‬ومنه أن عدلوا فُ َعال عن فاعل في‬
‫أحرف محفوظة "‪ 1‬يتبين من كالم السهيلي أن‬
‫ما قيل هو مالمسة للموضوع ‪,‬وحوما عليه دون‬
‫وروده ‪,‬مما جعله يذكره في أماليه كما‬
‫سنرى ‪.‬حيث ركب خصائص العلة عنده‬
‫‪ 1‬الخصائص البن جني تحقيق محمد علي النجار ‪.‬عالم الكتب –بيروت ج‪ 1‬ص‪52‬‬

‫‪53‬‬
‫ليضرب علل النحاة ‪,‬ثم علل لنفسه علته التي‬
‫بنى عليها سبب المنع من الصرف ‪,‬ومبناها على‬
‫أشياء ‪:‬‬
‫أوال ‪:‬االستغناء ‪,‬ويقصد به أن االسم‬
‫الممنوعة من الصرف إنما استغني عن اإلضافة‬
‫لذلك لم ين ّون ومنع من الصرف ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬مراعاة األصل ‪,‬وذلك حينما رد بعض‬
‫األعالم التي لم تمنع من الصرف إلى أنها‬
‫منقولة من أصل منون كأسد ونمر‪.‬‬
‫ثاثا ‪ :‬االنتقال من أصل لغرض ‪ ,‬وذلك أنهم‬
‫عدلوا عن عامر وزافر وهما صفتان إلى عمر‬
‫وزفر من أجل االنتقال إلى العلمية ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫رابعا ‪:‬رفع الوهم ‪,‬وذلك حين يعلل بمنع‬
‫منتهى الجموع‪,‬والعلم المركب بأنه ال تتوهم فيه‬
‫‪1‬‬
‫اإلضافة‬

‫المطلب الثاني نقض اإلمام‬


‫السهيلي علل النحاة‬
‫تناول السهيلي موضوع الممنوع من‬
‫الصرف بأسلوب جدلي حيث نراه يقرر ثم‬

‫‪ 1‬ينظر السهيلي ومذهبه النحوي ‪ 248‬و‪249‬‬


‫‪55‬‬
‫يجعل ذلك مقدمة للنتيجة التي يروم الوصول‬
‫إليها فيقول‪ ":‬وإذا ثبت ما قدمناه "ومرة أخرى‬
‫يقول ‪":‬وإذا صحت هذه المقدمة " وأحيانا‬
‫يستعمل أسلوب الفنقلة فنجده مرارا يقول ‪":‬‬
‫فإن قيل ‪..‬قلنا "مما يدل على أن السهيلي متسلح‬
‫بآليات المناظرة والرد ‪ ,‬وأنه واع كل الوعي‬
‫بقوة وكثرة خصومه ‪,‬أال وهم جمهور النحاة ‪.‬‬
‫قال السهيلي ‪:‬‬
‫" زعموا أن االسم الذي ال ينصرف امتنع‬
‫من الخفض والتنوين لمضارعته الفعل ‪,‬إذ الفعل‬
‫فرع لالسم وثان له‪ ,‬والذي ال ينصرف من‬
‫األسماء فيه علتان فرعيتان ‪,‬كالتعريف فإنه فرع‬

‫‪56‬‬
‫للتنكير ‪,‬وكالتأنيث فإنه فرع للتذكير ‪,‬وكالجمع‬
‫فإنه ثان لإلفراد ‪,‬إلى سائر العلل التسع المذكورة‬
‫في كتبهم ‪ ,‬وهذا الباب لو قصروه على السماع‬
‫ولم يعللوه بأكثر من النقل عن العرب النتفع‬
‫بنقلهم ‪,‬ولم يكثر الحشو في كالمهم ‪,‬ولما‬
‫تضاحك أهل العلوم من فساد تعليلهم ‪,‬حتى‬
‫ضربوا المثل بهم ‪,‬فقالوا ‪:‬أضعف من حجة‬
‫نحوي "‪.1‬‬
‫نستفيد من النص‬
‫‪ - 1‬أنه خال من تمهيد للموضوع إذ ولج‬
‫السهيلي إلى الخالف مباشرة ‪,‬وحكى كالم‬

‫‪ 1‬أمالي السهيلي تحقيق محمد إبراهيم البنا ط ‪ 2002‬م ص‪. 19‬‬


‫‪57‬‬
‫خصومه كما أنه لم يحدد معارضيه الذين‬
‫سيكونون معه على طاولة المناظرة ‪.‬‬
‫‪ - 2‬لم يضع السهيلي أي نقط مشتركة يمكن‬
‫البناء على أساسها كلبنات لهذا الحوار ‪,‬كما‬
‫يالحظ عدم تحديد تعريف للممنوع من الصرف‬
‫الذي اختلف في تعريفه ‪.‬‬
‫وقد اختلف النحاة في تحديد تعريفه يقول ابن‬
‫الحاجب " غير المنصرف ما فيه علتان من تسع‬
‫‪1‬‬
‫أو واحدة منها تقوم مقامها ‪":‬‬
‫وعرفه بعضهم بالممنوع من التنوين كما‬
‫قال ابن مالك‪:‬‬

‫‪ 1‬الكافية في علم النحو البن الحاجب تحقيق‪ :‬الدكتور صالح عبد العظيم ‪.‬الناشر‪:‬‬
‫مكتبة اآلداب القاهرة ‪.‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 2010 ،‬م‬
‫ص‪12‬‬
‫‪58‬‬
‫الصرف تنوين أتى مبينا‬
‫معنى به يكون االسم أمكنا‬
‫قال المكودي ‪":‬الصرف هو التنوين الذي به‬
‫يتبين أن االسم الذي يتصل به يسمى أمكن ‪,‬وما‬
‫صرح به من أن الصرف هو التنوين هو مذهب‬
‫‪1‬‬
‫المحققين "‬
‫واإلمام السهيلي لم يصرح في مقالته هاته‬
‫بشيء ‪,‬مما يفهم أن الصرف عنده هو التنوين‬
‫‪,‬وأن الخفض تابع له وذلك حين قال في كتابه‬
‫"الروض" عند توجيهه علما منصرفا جاء‬
‫محذوف التنوين في بيت شعري ‪ ...":‬ولو أنه‬

‫‪ 1‬شرح المكودي على ألفية ابن مالك تحقيق‪ :‬الدكتور عبد الحميد هنداوي الناشر‪:‬‬
‫المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت لبنان عام النشر‪ 1425 :‬ه ص‪267‬‬

‫‪59‬‬
‫حين حذف التنوين نصب‪ ،‬وجعله كاالسم الذي‬
‫ال ينصرف‪ ،‬وهو في موضع الخفض مفتوح‪،‬‬
‫لكان وجها وقياسا صحيحا‪ ،‬ألن الخفض تابع‬
‫للتنوين‪ ،‬فإذا زال التنوين‪ ،‬زال الخفض‪ ،‬لئال‬
‫يلتبس بالمضاف إلى ضمير المتكلم‪ ،‬ألن ضمير‬
‫المتكلم‪ ،‬وإن كان ياء فقد يحذف‪ ،‬ويكتفي‬
‫بالكسرة منه‪ ،‬وزوال التنوين في أكثر ما ال‬
‫ينصرف إنما هو الستغناء االسم عنه‪ ،‬إذ هو‬
‫عالمة االنفصال عن اإلضافة فكل اسم ال يتوهم‬
‫فيه اإلضافة ال يحتاج إلى التنوين‪ ،‬لكنه إذا لم‬
‫ينون لم يخفض‪ ،‬لما ذكرناه من التباسه‬
‫‪1‬‬
‫بالمضاف إلى المتكلم"‬
‫‪ 1‬الروض األنف ج‪ 6‬ص‪200‬‬
‫‪60‬‬
‫‪ - 3‬حكى السهيلي عن النحاة أن سر منع‬
‫االسم من الصرف شبهه الفعل ‪ ,‬وعللوا لهذا‬
‫الشبه بالعلل التسع التي سموها فرعية إذ ليست‬
‫أصوال وقد جمعها بعضهم فقال ‪:‬‬
‫موانع الصرف تسع إن أردت بها ‪..‬‬
‫عونا لتبلغ في إعرابك األمال‬
‫اجمع وزن عادال أنث بمعرفة ‪.‬‬
‫ركب وزد عجمة فالوصف قد كمال‬
‫‪ – 4‬رد السهيلي على هذا الكالم واستحب‬
‫أن لو نقلوا كالم العرب دون تعليله ‪,‬معتبرا ما‬
‫قالوه في التعليل حشوا ‪ ,‬غير أن كالم السهيلي‬
‫ال ينبغي أخذه على عواهنه ‪ ,‬فكالمه هذا قد‬

‫‪61‬‬
‫يصدق على نوع من العلل ‪,‬أما التي يتوصل بها‬
‫إلى تعليم كالم العرب فهي تعليمية ‪,‬أضف إلى‬
‫ذلك أن السهيلي نفسه سيقترح علال من اجتهاده‬
‫سياتي ذكرها ‪.‬‬
‫قال السهيلي ‪:‬‬
‫" وتعليلهم لهذا الباب يشتمل على ضروب‬
‫من التحكم وأنواع من التناقض ‪,‬وفساد من العلل‬
‫‪,‬ألن العلة الصحيحة هي المطردة المنعكسة التي‬
‫يوجد الحكم بوجودها ‪,‬ويفقد بفقدانها ‪,‬كما‬
‫تقول ‪:‬اإلسكار في الخمر علة التحريم ‪,‬فهذا‬
‫تعليل صحيح ألن الحكم وهو التحريم يوجد‬
‫بوجود السكر ‪,‬ويعدم بعدمه ‪,‬وكذلك سائر العلل‬

‫‪62‬‬
‫الفقهية الصحيحة ‪,‬والعلل العقلية في مذاهب‬
‫القائلين بها ‪,‬نحو العلم فإنه علة موجبة إيجابا‬
‫عقليا للحكم ‪,‬وهو كون العالم عالما ‪ ,‬وال‬
‫يتصور في العقل وجود العلة إال موجبة‬
‫لمعلولها ‪,‬وعدمه واجب عند عدمها‪.‬‬
‫ومن علل النحو ما يطرد وينعكس فيتبين‬
‫صحتها‪,‬كاإلضافة فإنها علة للخفض ‪,‬يوجد‬
‫بوجودها ويعدم بعدمها ‪,‬وكالتضمن لمعنى‬
‫الحرف في األسماء فإنه موجب للبناء مطردا‬
‫ومنعكسا ‪,‬أي إن عدم التضمن للحرف يعدم معه‬
‫البناء في االسم ‪,‬وهذا اإليجاب ليس بإيجاب‬

‫‪63‬‬
‫عقلي ‪,‬وال إيجاب شرعي ‪ ,‬ولكنه إيجاب‬
‫‪1‬‬
‫لغوي ‪,‬اقتضته اللغة ‪,‬فصار أصال يبنى عليه"‬
‫نستفيد من النص أن السهيلي قاس علل‬
‫الممنوع من الصرف بالعلل الفقهية ‪,‬والعلل‬
‫العقلية ‪,‬وعلى هذا فالعلة النحوية عنده موجبة‬
‫‪:‬يوجد الحكم بوجودها ‪,‬ويفتقد بفقدانها ‪,‬وهو‬
‫معنى الطرد واالنعكاس‪ ,‬متذرعا بهذه القاعدة‬
‫ليكسر كل القواعد النحوية التي ال تطرد علتها‬
‫وال تنعكس ‪,‬غير ملتفت إلى القواعد الشاذة حتى‬
‫في العلل الفقهية التي قاس عليها اإلمام‬
‫السهيلي ‪,‬يقول الرضى ‪ " :‬قول النحاة‪ :‬ان الشئ‬
‫الفالني علة لكذا‪ ،‬ال يريدون به أنه موجب له‪،‬‬
‫‪1‬أمالي السهيلي ص‪20‬‬
‫‪64‬‬
‫بل المعنى أنه شيء إذا حصل ذلك الشيء ينبغي‬
‫أن يختار المتكلم ذلك الحكم‪ ،‬لمناسبة بين ذلك‬
‫‪1‬‬
‫الشئ وذلك الحكم "‬
‫كما قسم ابن جني العلل إلى ضربين‪ ,‬ذاكرا‬
‫أن أكثر علل النحاة موجبة ‪,‬كنصب الفضلة‬
‫ورفع المبتدأ والخبر والفاعل وغير ذلك ‪,‬وعلى‬
‫هذا مفاد كالم العرب ‪ .‬وضرب آخر يسمى علة‬
‫وإنما هو في الحقيقة سبب يجوز وال يوجب‬
‫ومن ذلك األسباب الداعية إلى اإلمالة ‪ .‬يقول في‬
‫هذا الصدد في باب ‪ :‬ذكر الفرق بين العلَّة‬
‫المجوزة‬
‫ِّ‬ ‫الموجبة وبين العلَّة‬
‫ِ‬

‫‪ 1‬شرح الرضى على كافية ابن الحاجب ج‪ 1‬ص‪35‬‬


‫‪65‬‬
‫العلَل عندنا مبناها على‬
‫" أعلم أن أكثر ِ‬
‫ب الفَضْ لة أو ما شابه في اللفظ‬
‫اإليجاب بها كنص ِ‬
‫الفضلة ورفع المبتدأ والخبر والفاعل وج ّر‬
‫المضاف إليه وغير ذلك ‪ ........‬وعلى هذا َمفا ُد‬
‫كالم العرب‪.‬‬
‫وضرب آخر يس َّمى علّة وإِنما هو في‬
‫يوجب‬
‫يجوز وال ِ‬
‫الحقيق ِة سبب ِّ‬
‫من ذلك األسباب الستَّة الداعية إلى اإلمالة‬
‫هي علّة الجواز ال علّة الوجو ِ‬
‫ب أال ترى أنه‬
‫يوجب اإلمالة ال ب ّد منها وأن‬
‫ليس في الدنيا أمر ِ‬
‫ال لعلّ ٍة من تلك األسباب الستّ ِة لك أن‬
‫ك ّل ُم َم ٍ‬
‫تترك إمالته مع وجو ِدها فيه فهذه إذاً علّة الجواز‬

‫‪66‬‬
‫ب ‪ .‬ومن ذلك أن يقال لك ما علّة‬
‫ال علة الوجو ِ‬
‫قلب واو أقِّتت همزة فتقول ِعلّة ذلك أن الواو‬
‫انض ّمت ض ّما الزما وأنت مع هذا تجيز‬
‫ظهورها واوا غير مب َدلة فتقول ُوقّتت فهذه ِعلّة‬
‫‪1‬‬
‫الجواز إِذاً ال علّة الوجو ِ‬
‫ب"‬ ‫ِ‬
‫قدم السهيلي بهذه المقدمة المتفق عليها بين‬
‫فطاحل النحاة ‪,‬واعتبرها قنطرة لهدم عللهم‬
‫‪,‬وليبين مناقضتها لهذا األصل المتفق عليه‪ ,‬فهي‬
‫بمثابة إلزام لهم ‪.‬‬
‫قال السهيلي‪:‬‬

‫‪ 1‬الخصائص البن جني تحقيق ‪ :‬محمد علي النجار‬


‫الناشر ‪ :‬عالم الكتب ‪ -‬بيروت ج‪ 1‬ص‪164‬‬

‫‪67‬‬
‫"وأما علة امتناع االسم من الصرف ففيها ما‬
‫ذكرناه من الفساد والمناقضة ‪,‬أما الفساد في‬
‫العلة فعدم االطراد فيها واالنعكاس‪,‬أما عدم‬
‫االطراد فإنا قد نجد االسم مضارعا للفعل لفظا‬
‫ومعنى وعمال ورتبة‪,‬وهو مع ذلك يدخله‬
‫الخفض والتنوين‪,‬كضارب ونحوه‪,‬فإن فيه لفظ‬
‫الفعل ومعناه‪ ,‬ويعمل عمله‪ ,‬وهو تال لالسم‬
‫ووصف له‪ ,‬ثم لم يمنعوه الخفض والتنوين‪ ,‬ومن‬
‫ذلك مسلمة‪,‬فإنه قد اجتمع فيه الوصف والتأنيث‬
‫وهو مع ذلك منصرف‪ ,‬ومن ذلك السفسير‬
‫والبندار‪,‬قد اجتمع فيه العجمة والزيادة ثم هو‬
‫‪1‬‬
‫منصرف‪,‬فهذا كسر العلة "‬
‫‪1‬‬
‫أمالي السهيلي ص‪20‬‬

‫‪68‬‬
‫طرح اإلمام السهيلي في هذا النص ثالثة‬
‫أمثلة لنقض قاعدة االطراد واالنعكاس في علل‬
‫الممنوع من الصرف‬
‫األولى ‪:‬أدلى السهيلي بمثال اسم الفاعل لينبه‬
‫على أنه غير ممنوع من الصرف مع مشابهته‬
‫للفعل ‪,‬وهو طرح مردود‪,‬ألن قاعدة النحاة في‬
‫الممنوع من الصرف غير مخرومة ‪,‬ذلك أن‬
‫اسم الفاعل وباقي األسماء المشتقة من الفعل ‪,‬ال‬
‫تشتمل على العلتين اللتين علل بهما النحاة‬
‫الممنوع من الصرف ‪.‬‬
‫الثانية ‪:‬أدلى السهيلي ب( مسلمة ) وما‬
‫يشبهها لما فيها من الوصف والتأنيث ‪,‬ولم ينتبه‬

‫‪69‬‬
‫حين جاء بهذا المثال أن التأنيث بالتاء في‬
‫الوصفية عير عارض ال يعتد به ‪,‬يقول عبد هللا‬
‫بن أحمد الفاكهي ‪ ":‬ليس كل ما فيه علتان‬
‫فرعيتان يمتنع صرفه‪.‬أال ترى‪ :‬أن نحو (قائمة)‬
‫فيه الصفة والتأنيث‪ ,‬وهما فرعيتان على‪.‬‬
‫الجمود والتذكير‪ .‬ألن الواضع لم يعتبر التأنيث‬
‫الذي بغيراأللف إال مع العلمية‪ ,‬ألنه ال يكون‬
‫‪1‬‬
‫الزما إال معها‪".‬‬

‫‪ 1‬شرح كتاب الحدود في النحولعبد هللا بن أحمد الفاكهي تحقيق‪ :‬د‪ .‬المتولي رمضان‬
‫أحمد الدميري‪ ،‬مكتبة وهبة – القاهرة الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1414 ،‬هـ ‪ 1993 -‬م ص‪125‬‬
‫‪70‬‬
‫الثالثة‪:‬مثال السفسير والبندار اعتبرهما‬
‫‪1‬‬

‫السهيلي أعجميين زائدين لما مثل بهما ‪,‬‬


‫أما الزيادة فال نسلم لإلمام بها إذ أطلقها ‪,‬في‬
‫حين قيدها النحاة بزيادة األلف والنون‬
‫أما األعجمية فضابطها أن تكون في اسم‬
‫وضع للواحد ال للجنس ‪,‬وأما التي هي أسماء‬
‫األجناس مثل ‪:‬ديباج‬
‫‪,‬وياسمين‪,‬وجاموس‪,‬وغيرها فهي مصروفة في‬
‫بابها ‪.‬قال ابن جني " فلو سميت رجال بديباج‬
‫أو فرند لصرفته؛ ألن العجمة فيه غير معتد بها‪,‬‬
‫ْر ‪ :‬ال ِّس ْم َسا ُر ) ‪ ،‬قال األَزهريّ ‪ُ :‬م َعرّب ‪ ،‬وهي كلمة ( ِ‬
‫‪1‬‬
‫فار ِسيّة )‬ ‫( ال ِّس ْف ِسي ُر ‪ ،‬بال َكس ِ‬
‫ب والصّ حاح ‪ ،‬وعزا ابنُ ِسيده هاذا البَيْتَ‬ ‫ار ‪ ،‬كذا في التّ ْه ِذي ِ‬ ‫‪ِ ،‬س ْف ِسي ٌر يَ ْع ِني ال ِّس ْم َس َ‬
‫وس بن َح َجر‪.‬وقيل‪ :‬ال ِّس ْف ِسي ُر‪:‬الخَ ا ِد ُم‪.‬‬ ‫ِإلى أَ ِ‬
‫وقيل ‪ :‬ال ِّس ْف ِسي ُر‪ :‬التّا ِب ُع ونحوه ‪ .‬وقيل ‪ :‬القَيِّ ُم باألَ ْم ِر ال ُمصْ لِ ُح له ‪ ,‬قاله األَزهريّ ‪.‬تاج‬
‫العروس مادة ( سفسر) والبندار‪:‬تجار يلزمون المعادن‪ ,‬دخيل ‪ .‬أو هم الذين يخزنون‬
‫البضائع للغالء ‪ .‬جمع بندار بالضم تاج العروس لل َّزبيدي تحقيق مجموعة من‬
‫المحققين الناشر دار الهداية مادة (بندر)‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫فجرت لذلك مجرى زيد وعمرو وبكر في أنها‬
‫منقولة من أسماءاألجناس"‪ 1‬والسفسير والبندار‬
‫ليسا علمين وإن جاوزبناؤهما ثالثة أحرف ‪,‬كما‬
‫هو شرط الممنوع من الصرف من األعالم‬
‫األعجمية ‪,‬على أن هذين االسمين يمكن‬
‫صرفهما أيضا من جهة أنهما تمكنا في العربية ‪,‬‬
‫قال السهيلي ‪:‬وأما نقضها فإن الجمع ثان‬
‫لإلفراد ‪,‬وقد يجتمع مع الوصف فال يمنع‬
‫الصرف ‪,‬كقولك‪ :‬كرام‪ ,‬وغيب‪,2‬وأمجاد‪ ,3‬ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪ 1‬المنصف البن جني‪ ،‬شرح كتاب التصريف ألبي عثمان المازني الناشر‪ :‬دار إحياء‬
‫التراث القديم الطبعة‪ :‬األولى ‪1373‬هـ ‪1954 -‬م ص‪. 132‬‬
‫‪ 2‬جمع غائب‬
‫َ‬
‫اجد‪ ،‬كَأ ْشهَا ٍد‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫في النهاية البن األثير " أ ْم َجاد‪ :‬أيْ أ ْشرافٌ ِكرام‪َ ،‬ج ْم ُع َم ِجيد‪ ،‬أوْ َم ِ‬
‫‪3‬‬

‫َ‬
‫فِي َش ِهي ٍد أوْ شَا ِه ٍد‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫ثم قد تعدم هذه العلل من االسم ‪,‬وهو مع ذلك‬
‫ممنوع من الصرف نحو "أبي قابوس "‪ 1‬فليس‬
‫فيه إال التعريف ‪,‬وقد منع الصرف ‪,‬ألنه عربي‬
‫مشتق من القبس ‪,‬والقابوس هو الحسن‬
‫الوجه‪,‬فقد وجد الحكم مع عدم العلة ‪,‬وعدم مع‬
‫‪2‬‬
‫وجودها ‪,‬فدل على فسادها "‬
‫نستفيد من النص أمرين اثنين ‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن السهيلي يرى أن من نقض علة‬
‫الممنوع من الصرف في الجمع إيراد هذه‬
‫الجموع ‪:‬كرام وغيب وأمجاد وغيرها ‪,‬والنحاة‬
‫إنما قصدوا فرعية الجمع المتناهي الذي ال جمع‬
‫‪ 1‬كنية النعمان بن المنذر ملك العرب ‪,‬وفي تاج العروس ‪":‬وقابوس ممنوع للعجمة‬
‫والمعرفة‪,‬قال النابغة‬
‫نبئت أن أبا قابوس أوعدني ‪ ...‬وال قرار على زأر من األسد‬
‫‪ 2‬أمالي السهيلي ص‪21‬‬
‫‪73‬‬
‫بعده‪,‬ال مطلق الجمع‪ ,‬كما أنهم عللوا لما سمع‬
‫وأفعال‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عال وفُع ٍَّل‬
‫منعه‪ ,‬ولم يسمع قط منع فِ ٍ‬
‫يقول األُ ْش ُموني" واستضعف تعليل أبي‬
‫علي بأن أفعاال وأفعال نحو أفراس وأفلس‬
‫جمعان وال نظير لهما في اآلحاد وهما‬
‫مصروفان‪.‬‬
‫والجواب عن ذلك من ثالثة أوجه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن أفعاال وأفعال يجمعان نحو أكالب‬
‫وأناعم في أكلب وأنعام‪ ،‬وأما مفاعل ومافعيل‬
‫فال يجمعان‪ ،‬فقد جرى أفعال وأفعل مجرى‬
‫اآلحاد في جواز الجمع‪ ،‬وقد نص الزمخشري‬
‫على أنه مقيس فيهما‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫الثاني‪ :‬أنهما يصغران على لفظهما كاآلحاد‬
‫نحو أكيلب وأنيعام‪ ،‬وأما مفاعل ومفاعيل فإنهما‬
‫إذا صغرا ردا إلى الواحد أو إلى جمع القلة ثم‬
‫بعد ذلك يصغران‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن كال من أفعال وأفعل له نظير من‬
‫اآلحاد يوازنه في الهيئة وعدة الحروف‪ ،‬فأفعال‬
‫نظيره في فتح أوله وزيادة األلف رابعة تفعال‬
‫نحو‪" :‬تجوال وتطواف"‪ ،‬وفاعال نحو‪ :‬ساباط‬
‫وخاتام‪ ،‬وفعالل نحو‪ :‬صلصال وخزعال‪،‬‬
‫وأفعل نظيره في فتح أوله وضم ثالثه تفعل نحو‪:‬‬
‫تثفل وتنضب‪ ،‬ومفعل نحو‪ :‬مكرم ومهلك‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫على أن ابن الحاجب لو سئل عن مالئكة لما‬
‫أمكنه أن يعلل صرفه إال بأن له في اآلحاد‬
‫‪1‬‬
‫نظيرًا نحو طواعية وكراهية‪".‬‬
‫الثانية زعم السهيلي أن أبى قابوس علم‬
‫عربي ومع ذلك منع من الصرف‪ ,‬وهذا يدل‬
‫على تناقض النحاة ‪ ,‬وفساد علتهم منع‬
‫األععجمي العلم من الصرف‪,‬وقد ورد عن‬
‫العرب منصرفا ‪.‬‬
‫والحق مع النحويين ‪,‬ألن أبى قابوس كلمة‬
‫أعجمية ‪,‬يقول ابن منظور‪":‬وقابوس ال ينصرف‬
‫‪2‬‬
‫للعجمة والتعريف "‬
‫‪ 1‬شرح األشموني على ألفية ابن مالك لنورالدين األُ ْش ُموني دار الكتب العلمية‬
‫بيروت‪ -‬لبنان الطبعة‪ :‬األولى ‪1998‬مـ ج‪ 3‬ص‪147‬‬
‫‪ 2‬لسان العرب البن منظور الناشر‪ :‬دار صادر – بيروت الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 1414 -‬هـ‬
‫ج‪ 6‬ص‪168‬‬
‫‪76‬‬
‫قال السهيلي ‪:‬‬
‫"ومن التحكم قصرهم التعليل على علتين‬
‫فصاعدا ‪,‬فهال كان أقل العلل ثالثا أو واحدة‪,‬فلم‬
‫يكشفوا في ذلك عن نية ‪,‬وال نبهوا فيه على‬
‫"‪1‬‬
‫حكمة‬
‫إن النحاة لم يهملوا الكشف عن النية ولم‬
‫يغفلوا التنبيه عن الحكمة ‪,‬كما يقول السهيلي‬
‫وتوضيح ذلك أن االسم إنما منع من الصرف‬
‫لشبهه بالفعل ‪,‬والفعل فيه علتان فرعيتان ‪,‬فيلزم‬
‫االسم الممنوع من الصرف إن تكون فيه‬
‫علتان ‪,‬يقول ابن الوراق " أِل َن ال ّشبَه من َوجه‬
‫ك أَن َش ْيئَي ِْن متشابهين‬
‫ْس بِقَوي‪َ ،‬و َذلِ َ‬
‫احد لَي َ‬
‫َو ِ‬
‫‪ 1‬أمالي السهيلي ص‪23‬‬
‫‪77‬‬
‫اعدا‪ ،‬فَلَ َّما َك َ‬
‫ان‬ ‫ص ِ‬‫احد فَ َ‬
‫يتشابهان من َوجه َو ِ‬
‫احد اَل تَأْثِير لَهُ‪ ،‬لم يثقل ااِل سْم‬
‫ال ّشبَه من َوجه َو ِ‬
‫‪1‬‬
‫بِهَ َذا ال ّشبَه‪ ،‬فيزول َعن أَصله‪َ ،‬وهُ َو الصّرْ ف "‬
‫وها هو ابن الخباز يجيب السهيلي قائال" لم لم‬

‫تكن العلة الواحدة مانعة من الصرف؟ فنقول‪:‬‬

‫الجواب عن ذلك من ثالثة أوجه‪:‬‬


‫األول‪ :‬أن األصل في األسماء أن تكون‬
‫منصرفة فليس للعلة الواحدة من القوة ما تجذبه‬
‫عن األصل‪ ,‬وشبهوه ببراءة الذمة‪ ,‬فإنها لما‬
‫كانت هي األصل لم تصر مشتغلة إال بشهادة‬

‫‪ 1‬علل النحو لابن الوراق تحقيق‪ :‬محمود جاسم محمد الدرويش مكتبة الرشد ‪-‬‬
‫الرياض ‪/‬السعودية الطبعة‪ :‬األولى‪1999 ،‬م ص‪457‬‬
‫‪78‬‬
‫عدلين‪ ,‬وذلك ألن األصول تراعى ويحافظ‬
‫عليها‪.‬‬
‫الثاني أن األسماء التي تشبه األفعال من‬
‫وجه واحد كثيرة‪ ,‬فلو راعينا الوجه الواحد‪,‬‬
‫وجعلنا له أثرًا كان أكثر األسماء غير منصرف‪,‬‬
‫فكثرت مخالفة األصل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن الفعل فرع على األسماء في‬
‫اإلعراب فال ينبغي أن يجذب األصل إلى خير‬
‫‪1‬‬
‫الفرع إال بسبب قوي"‬
‫كما أن استشكال السهيلي طرح علينا أسئلة‬
‫تصدى لها ابن جني قائال " فإن قيل فإذا كان‬
‫‪ 1‬توجيه اللمع ألحمد بن الحسين بن الخباز دراسة وتحقيق‪ :‬فايز زكي محمد دياب‪،‬‬
‫دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ‪ -‬جمهورية مصر العربية الطبعة‪:‬‬
‫الثانية‪ 2007 ،‬م‪.‬ص ‪405‬‬

‫‪79‬‬
‫في االسم َشبَه واحد من أشبا ِه الفعل ألَهُ فيه تأثير‬
‫أم ال ؟فإن كان له فيه تأثير فماذا التأثير؟ وهل‬
‫ب ؟ وإن لم‬
‫ب وكع ٍ‬
‫كصرف كل ِ‬
‫ِ‬ ‫صرْ ف زي ٍد إال‬
‫َ‬
‫ب الواحد إذا ح ّل االسم تأثير فيه فما‬
‫يكن للسب ِ‬
‫بالُه إذا انض َّم إليه سبب آخر أثرَّا فيه فمعناه‬
‫الصرف ؟‪...‬‬
‫فالجواب أن السبب الواحد وإن لم يَ ْق َو حكمه‬
‫إلى أن يَمنع الصرف فإنه ال ب ّد في ِ‬
‫حال انفراده‬
‫ِمن تأثير فيما حله وذلك التأثير الذي نومئ إليه‬
‫ون ّدعى حصوله هو تصويره االسم الذي حله‬
‫على صورة ما إذا انض َّم إليه سبب آخر اعتَ َونا‬
‫‪1‬‬
‫الصرف "‬
‫ِ‬ ‫معا ً على منع‬
‫‪ 1‬الخصائص البن جني ج ‪ 1‬ص‪178‬‬
‫‪80‬‬
‫لكن سرعان ما تولد سؤال من بطن سؤال‬
‫فإن قلت ما تقول في اسم أعجم ّي َعلَم في‬
‫متجاوز للثالث ِة نحو يوسف وإبراهيم‬
‫ٍ‬ ‫باب ِه مذ َّك ِر‬
‫ونحن نعلم أنه اآلن غير مصروف الجتماِع‬
‫التعريِف والعُجْ م ِة عليه فلو س َّميت بِه من بع ُد‬
‫مؤنّثا ألست قد جمعت فيه بعد ما كان عليه من‬
‫َ‬
‫التأنيث فليت شعري‬ ‫التعريِف والعجمة‬
‫أبِاألسباب الثالثِة منعته الصرف أم باثنين منها؟‬
‫ُ‬
‫التأنيث‬ ‫فإن كان بالثالثة كلها فما الذي زاد فيه‬
‫يزد فيه شيئا ً فقد‬
‫الطارئ عليه ؟فإن كان لم ِ‬
‫رأيت أحد أشباه الفعل غير مؤثِّر وليس هذا من‬

‫‪81‬‬
‫ُ‬
‫التأنيث الطارئ عليه‬ ‫قولك وإن كان أثَّر فيه‬
‫شيئا ً فعرِّفنا ما ذلك المعنى‬
‫فالجواب هو أنه َج َعله على صورة ما إ ِذا‬
‫حُذف منه سبب من أسباب الفعل بقي بعد ذلك‬
‫غير مصروف أيضا ً أال تراك لو حذفت من‬
‫َ‬
‫التأنيث فأع ْدتَه إلى التذكير‬ ‫يوسف اس َم امرأ ٍة‬
‫ألقررتَه أيضا ً على ما كان عليه من ترك‬
‫ومالك‬
‫ٍ‬ ‫بجعفر‬
‫ٍ‬ ‫الصرف وليس كذلك امرأة س َّميتَها‬
‫أال تراك لو َ‬
‫نزعت عن االسم تأنيثه لصرفته‬
‫ق فيه بع ُد إالَّ َشبَها واحدا من أشباِه‬
‫ألنك لم تُبَ ِّ‬
‫الفعل فقد صار إ ًذا المعنى الثالث مؤثِّرا أثرا َّما‬

‫‪82‬‬
‫كما كان السبب الواحد مؤثِّرا أثرا َّما على ما‬
‫‪1‬‬
‫ق َّدمنا ذكره فاعرف ذلك "‬
‫وقبل أن ينتقل اإلمام السهيلي إلى تقديم‬
‫البديل ‪,‬شنع على النحاة التفافهم حول عللهم ‪,‬ولم‬
‫يأت بجديد غير أنه بدل العبارة ‪,‬وأعاد استنكار‬
‫تشبيه الممنوع من الصرف بالفعل’ومثل له‬
‫بإبراهيم ‪ ,‬وعلماؤنا النحاة يمنعونه لعلميته‬
‫‪,‬وهي فرع عن التنكير ‪,‬وعجمته ‪,‬وهي فرع عن‬
‫العربية فشابه الفعل الذي هو فرع عن االسم‬
‫‪,‬وكذلك األمر بالنسبة لعمر وقثم ممنوعة ألجل‬

‫‪ 1‬الخصائص البن جني تحقيق‪:‬محمد علي النجارعالم الكتب بيروت ج‪ 1‬ص‪178‬‬

‫‪83‬‬
‫العلمية والعدل ‪.‬وثالث ورباع منعت ألجل‬
‫الوصفية والعدل ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪:‬العلل المقترحة‬


‫من اإلمام السهيلي‬
‫قال السهيلي ‪":‬وإذا ثبت ما قدمناه ‪,‬فالمانع‬
‫من صرف األسماء استغناؤها عن التوين الذي‬
‫هو عالمة لالنفصال ‪ ,‬وإشعار بأن االسم غير‬
‫مضاف إلى ما بعده ‪,‬وال متصل به ‪,‬وليس‬
‫دخول التنوين في األسماء عالمة للتمكن كما‬
‫ظنه قوم ‪,‬فإن العرب التريد أن تشعر المخاطب‬
‫‪84‬‬
‫بتمكن اسم وال أيضا التمكن معنى تحتاج إلى‬
‫بيانه ‪,‬وإعالم المخاطب به ‪,‬وال أيضا ِقرطَعبة‬
‫وهدبد ودرداقس ‪,‬وهي كلها منصرفة بأكثر‬
‫تمكنا في الكالم من أحمر وأشقر ‪,‬وبيضاء‬
‫وحسناء ‪,‬بل هو أكثر تمكنا في الكالم ‪,‬وهم له‬
‫‪1‬‬
‫أكثر استعماال "‬
‫يفهم من كالم السهيلي ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬اقتراحه لتعليل منع االسم من الصرف‬
‫استغناؤه عن التوين‬
‫‪ -2‬جعل السهيلي علة المنع استغناء االسم‬
‫عن التنوين مع أن التنوين قد يستغنى عنه في‬
‫حاالت أخر ‪,‬فيحذف لزوما لدخول (ال)‬
‫‪ 1‬أمالي السهيلي تحقيق محمد إبراهيم البنا المكتبة االزهرية للتراث ط‪ 2002‬م ص‬
‫‪25‬‬
‫‪85‬‬
‫ولإلضافة مثل ال مال لزيد وكذا لالتصال‬
‫بالضمير نحو (ضاربك )‬
‫‪ -3‬اقترح كون اإلشعاربعدم إضافة الممنوع‬
‫من الصرف علة لمنعه‪,‬ويعترض عليه بباقي‬
‫األسماء األعالم التي ال مانع لها ‪,‬مثل زيد‬
‫ومحمد وعلي وغيرها ‪,‬فما الفرق بينهما ‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن األسماء التي مثل بها السهيلي ك‬
‫"قرطعبة "غير ممنوعة من الصرف ألجل عدم‬
‫المانع في حين منعوا أحمر وأشقر وغيرهما‬
‫للمانع القائم ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫قال السهيلي ‪(:‬ومما يدل على أن التنوين‬
‫ليس هو عالمة للتمكن ‪,‬وإنما هو عالمة‬
‫لالنفصال‪ ,‬قولهم ‪":‬حينئذ"‪ " ,‬ويومئذ"‪,‬‬
‫فنونوا لما أرادوا فصل "إذ"عن الجملة‬
‫‪,‬وتركوا التنوين حين قالوا ‪:‬إذ زيد قائم ‪,‬لما‬
‫أضافوا الظرف إلى الجملة ‪,‬وليس في الدنيا‬
‫اسم أقل تمكنا من إذ ‪,‬وال أشبه منها بالحرف ‪.‬‬
‫نعم وقد تكون حرفا محضا ‪,‬بمعنى "أن"في‬
‫نحو قوله تعالى ‪":‬ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم‬
‫"‪1‬جعلها سيبويه هاهنا حرفا ولم يجعلها ظرفا‬
‫‪,‬كما فعل غيره ‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة الزخرف اآلية‬


‫‪87‬‬
‫ومما يدلك على أنها عالمة فصل سقوطها‬
‫في الوقف ‪,‬إذ السكوت مغن عنها ‪,‬وأقوى في‬
‫الداللة على فصل االسم منها ‪,‬ودخولها في‬
‫القوافي إذا وصلت بيتا ببيت ‪,‬نحو إنشادهم ‪:‬‬
‫يا صاح ما هاج الدموع الدرفن‬
‫نبهوا بالتنوين في حال الدرج على انفصال‬
‫البيت من البيت‪,‬أال ترى كيف ال ينونون مضمرا‬
‫وال مبهما وال ما فيه األلف والالم ألنه ال يتوهم‬
‫إضافة شيء من ذلك ‪,‬فال حاجة إلى التنوين‬
‫‪,‬ومن ثم لم ينونوا الفعل ال تصاله بالفاعل ‪,‬وأنه‬
‫كالجزء منه وال تنون الحروف وال مضارعها‬
‫من األسماء ألن العامل منها متصل بمعموله‬

‫‪88‬‬
‫‪,‬وغير العامل منها ال يتوهم إضافته فيحتاج إلى‬
‫‪1‬‬
‫فصل )‬
‫نستفيد من النص ما يلي‪:‬‬
‫األولى‪ :‬ما استدل به من نحو قولهم (حينئذ‬
‫ويومئذ) يجاب عنه بأن "إذ" من خصائصها أن‬
‫تضاف إلى الجملة مثل قوله تعالى (وذكروا إذ‬
‫أنتم قليل ) ‪2‬فإن وجد ما يدل على هذه الجملة‬
‫حذفت الجملة المضافة إليها (إذ)وعوض عنها‬
‫‪3‬‬
‫التنوين مثل قوله تعالى (وأنتم حينئذ تنظرون )‬
‫فالتنوين هنا تنوين عوض الفتقار االسم إلى ما‬

‫‪ 1‬أمالي السهيلي ص‪ 25‬و‪26‬‬


‫‪ 2‬سورة األنفال اآلية‬
‫‪ 3‬سورة الواقعة اآلية‬
‫‪89‬‬
‫بعده افتقارا متأصال ‪ ,‬وليس تنوين التمكن ‪,‬فال‬
‫يسمى (إذ)منصرفا ‪.‬‬
‫الثانية ‪:‬استدالله بسقوط التنوين في الوقف‬
‫مردود بأن التنوين إنما يلحق االسم عالمة‬
‫لتمكن االسم من أحوال اإلعراب الثالثة ‪,‬واالسم‬
‫عند الوقف ال تظهر عليه عالمة إعراب ‪,‬إذ ال‬
‫يوقف عليه متحركا ‪,‬فليس هناك ما يدعو ‪ ,‬إلى‬
‫التنوين إذ الحركة الدالة على اإلعراب قد تحذف‬
‫في الوقف ‪,‬فال فرق بين المنصرف وغير‬
‫المنصرف في الوقف ‪,‬بل ال فرق بين المبني‬
‫والمعرب في الوقف ‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫الثالثة ‪:‬استدالله بدخولها في القوافي إذا‬
‫وصل بيت ببيت مردود بأمور‪:‬‬
‫بيت الشعر ال يوصل بغيره في‬ ‫‪-‬‬
‫اللفظ إذ كل بيت قائم بنفسه ‪.‬‬
‫احتمال اإلضافة هنا بعيد ‪,‬ألن‬ ‫‪-‬‬
‫االسم فيه "أل"وهي ال تجامع اإلضافة كما ذكر‬
‫هو نفسه ‪.‬‬
‫هذه النون ليست دالة على التنوين‬ ‫‪-‬‬
‫المعتبر‪,‬إذ التنوين نون ساكنة تلحق آخر االسم‬
‫‪1‬‬
‫لفظا وتفارقه خطا ‪.‬‬
‫وعموما نستنتج ما يلي ‪:‬‬
‫‪ 1‬شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك لبدر الدين محمد ابن اإلمام جمال الدين محمد‬
‫بن مالك تحقيق‪ :‬محمد باسل عيون السود دار الكتب العلمية الطبعة‪ :‬األولى‪2000 ،‬‬
‫م ص‪8‬‬

‫‪91‬‬
‫‪ -1‬في محاولة من اإلمام السهيلي التعليل لما‬
‫بقي في ذمته من أعالم تطلب علتها في المنع‬
‫من الصرف ‪,‬قسم األعالم إلى قسمين ‪:‬منقولة‬
‫وغير منقولة ‪.‬‬
‫فغير المنقولة ثالثة أضرب ‪:‬‬
‫‪)1‬المرتجل أي سمي به دون سابق معنى‬
‫‪,‬مثل تأبط شرا ‪.‬‬
‫‪)2‬األعجمي‬
‫‪)3‬المعدول كعمر عدل به عن عامر ‪.‬‬
‫فهذه كلها مصروفة‪.‬‬
‫والمنقولة مما ال ينصرف مثل زيد ويشكر‬
‫وأحمر وثالث وغيرها إذا سميت بها ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫‪2-‬عقد اإلمام السهيلي فصال في أسرار‬
‫العدل لإلجابة عن أسئلة افترضها‪ ،‬ملخصها‬
‫سؤاالن‪:‬‬
‫األول‪:‬لم عدل عن فاعل إلى فُعل ولم يعدل‬
‫به إلى فعيل وفعْل وغيرهما ؟‬
‫فالسهيلي قد راغ بنا نحو علة العدل في‬
‫عمر‪ ,‬زفر‪,‬متجاوزا نقطة الخالف بينه وبين‬
‫النحاة التي هي علة منعه من الصرف ‪,‬مكتفيا‬
‫بقوله ‪":‬منع من الصرف ألنه علم غير منقول‬
‫‪1‬‬
‫من أصل منون "‬
‫قال الصبان‪ ":‬العدل إخراج الكلمة عن‬
‫صيغتها األصلية لغير قلب أو تخفيف أو إلحاق‬
‫‪ 1‬األمالي ص‪34‬‬
‫‪93‬‬
‫أو معنى زائد فخرج نحو أيس مقلوب يئس‬
‫وفخذ بإسكان الخاء مخفف وفخِذ بكسرها وكوثر‬
‫ْ‬
‫بزيادة الواو إلحاقا ً له بجعفر ورجيل بالتصغير‬
‫لزيادة معنى التحقير وفائدته تخفيف اللفظ‬
‫وتمحضه للعلمية في نحو عمر وزفر الحتماله‬
‫‪1‬‬
‫قبل العدل للوصفية "‬
‫الثاني ‪:‬لم خص بالعدل عمر وزفر عن‬
‫عامر وزافر دون مالك وصالح وسالم‬
‫وغيرها ؟ بعدما قرر أن صيغة عمر وزفر وقثم‬
‫وغيرها إنما عدلوا به عن لفظ الصفة عامر‬

‫‪ 1‬حاشية الصبان على شرح األشمونى أللفية ابن مالك دار الكتب العلمية بيروت‪-‬‬
‫لبنان الطبعة‪ :‬األولى ‪1997‬م ج ‪ 3‬هامش ص‪349‬‬

‫‪94‬‬
‫وقاثم وزافر ‪,‬للخروج بها عن الصفة إلى العلمية‬
‫بصيغة ليست في الصفات إال نادرا ‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف النحاة في سبب العدل فرأى‬
‫العكبري في اللباب أنهم أرادوا‪ :‬توكيد ْال َمعْنى‬
‫ق ِم ْنهُ فِي المس َّمى كالعمارة وال َّزفر‪.‬‬
‫المشت ّ‬
‫وأماابن جني فقد حاول ولوج هذا الباب قائال‬
‫‪ ":‬وأما السؤال عن علة عدل عامر وجاشم‬
‫وثاعل وتلك األسماء المحفوظة إلى فُ َعل عمر‬
‫وجشم وثعل و ُز َحل و ُغ َدر دون أن يكون هذا‬
‫العدل في مالك وحاتم وخالد ونحو ذلك فقد تق ّدم‬
‫الجواب عنه فيما فرط أنهم لم ي ُخصّوا ما هذه‬
‫سبيله بالحكم دون غيره إال العتراضهم طرفا ً‬

‫‪95‬‬
‫مما أَطَ ّ‬
‫ف لهم من جملة لغتهم كما ّ‬
‫عن وعلى ما‬
‫اتّجه ال ألمر َخصّ هذا دون غيره مما هذه‬
‫سبيله وعلى هذه الطريقة ينبغي أن يكون العمل‬
‫فيما يَ ِرد عليك من السؤال عما هذه حاله ولكن‬
‫ال ينبغي أن تُخلِد إليها إال بعد السبر والتأ ّمل‬
‫واإلنعام والتصفّح فإن وجدت عذراً مقطوعا ً به‬
‫صرت إليه واعتمدته وإن تعذر ذلك جنحت إلى‬
‫طريق االستخفاف واالستثقال فإنك ال تع َدم هناك‬
‫‪1‬‬
‫مذهبا ً تسلكه و َمأ َّما تتورّده "‬
‫رفض اإلمام السهيلي أن يمنع نحو سكران‬
‫وغضبان بالوصفية وزيادة األلف والنون ألن‬
‫مؤنثه سكرى وغضبى ‪,‬يقول المبرد " أما َما‬
‫‪ 1‬الخصائص البن جني تحقيق ‪ :‬محمد علي النجار‬
‫عالم الكتب ‪ -‬بيروت ج‪ 1‬ص‪77‬‬
‫‪96‬‬
‫ان من َذلِك على (فعالن) الذى لَهُ (فعلى) فقد‬
‫َك َ‬
‫تقدم قَ ْولنَا فِي ِه أَنه غير َمصْ رُوف فى معرفَة َواَل‬
‫نكرة َوإِنَّ َما ا ْمتنع من َذلِك؛ أِل َن النُّون الالحقة بعد‬
‫َ‬
‫اأْل لف بِ َم ْن ِزلَة اأْل لف الالحقة بعد اأْل لف للتأنيث‬
‫فى قَ ْولك‪َ :‬ح ْم َراء وصفراء َوال َّدلِيل على َذلِك أَن‬
‫احد فى ال ّس ُكون‪َ ،‬و ْال َح َر َكة‪َ ،‬وعدد‬
‫ْال َو ْزن َو ِ‬
‫الزيَا َدة َوأَن النُّون‪َ ،‬واأْل لف تبدل كل‬
‫ْال ُحرُوف‪َ ،‬و ِّ‬
‫‪1‬‬
‫اح َدة ِم ْنهُ َما من صاحبتها "‬
‫َو ِ‬
‫بعد هذه الجولة عاد السهيلي رحمه هللا إلى‬
‫إعادة القاعدة التي دندن حولها طوال بحثه‬
‫‪,‬وهي أن الممنوع من الصرف إنما منع‬

‫‪ 1‬المقتضب للمبرد تحقيق‪ :‬محمد عبد الخالق عظيمة‪.‬‬


‫الناشر‪ :‬عالم الكتب‪ – .‬بيروت ج‪ 3‬ص‪335‬‬

‫‪97‬‬
‫الستغنائه عن التنوين ‪.‬وقد تقدم في البداية‬
‫الجواب عن هذا االعتراض‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫خاتمة‬
‫من خالل مصاحبتي للسهيلي في كتابه‬
‫األمالي تبين لي ما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن اإلمام السهيلي انطلق من منظور‬
‫شمولي مطلق ليلزم النحاة بإلتزاماته من أجل‬
‫نقض قواعدهم‪,‬فكان يخرج غالبا إلى فرعيات‬
‫في الممنوع من الصرف لم يلتزمها النحاة ‪,‬ومن‬
‫أمثلة ذلك أنه ألزمهم أن يمنعوا كراما وأمجادا‬
‫لفرعية الجمع ‪,‬علما أن النحاة قصروا الحكم‬
‫على الجمع المتناهي ‪.‬‬
‫‪ - 2‬اتبع السهيلي طريقة المناطقة في بناء‬
‫النتائج على المقدمات‬
‫‪99‬‬
‫‪ - 3‬بدا تعليل السهيلي قويا في مواضع ‪,‬كما‬
‫خفت في أكثر المواضع ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وقفت حائرا أمام طروحات السهيلي‬
‫وعلله ‪,‬فاستعملت أحيانا فوفقت واستسلمت مرة‬
‫أخرى لضعفي وقلة مناعتي العلمية‪.‬‬
‫‪ - 5‬ال أدعي أنني استوفيت الموضوع‬
‫حقه ‪,‬فال تزال فيه زوايا تحتاج إلى إضاءة‬
‫‪,‬وخبايا تحتاج إلى توضيح‪.‬‬
‫والحمد هلل أوال وآخرا‬

‫‪100‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪1‬‬ ‫إهداء‬
‫‪4‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪7‬‬ ‫مقدمة‬
‫المحور األول‪ :‬السهيلي وكتابه‬
‫‪12‬‬
‫األمالي‬
‫المطلب األول ‪:‬ترجمة اإلمام‬
‫‪13‬‬
‫السهيلي‬
‫‪13‬‬ ‫مولده ونسبه‬
‫‪14‬‬ ‫كناه‬
‫‪15‬‬ ‫رحالته العلمية‬

‫‪101‬‬
‫‪16‬‬ ‫شيوخه‬
‫‪18‬‬ ‫تالمذته‬
‫‪22‬‬ ‫آثاره وكتبه‬
‫‪27‬‬ ‫وفاته‬
‫توطئة عن المدرسة النحوية‬
‫‪29‬‬
‫األندلسية‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬اإلمام السهيلي‬
‫‪35‬‬
‫نحويا‬
‫المطلب الثالث ‪:‬كتاب األمالي ‪42‬‬
‫المحور الثاني ‪:‬الممنوع من‬
‫‪47‬‬
‫الصرف عند اإلمام السهيلي‬
‫المطلب األول‪ :‬العلة عند اإلمام ‪48‬‬

‫‪102‬‬
‫السهيلي‬
‫المطلب الثاني ‪:‬نقض اإلمام‬
‫‪64‬‬
‫السهيلي لعلل النحاة‬
‫المطلب الثالث ‪:‬العلل التي‬
‫‪95‬‬
‫اقترحها اإلمام السهيلي‬
‫‪110‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪112‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬
‫‪115‬‬
‫الئحة المصادر والمراجع‬

‫‪103‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪ - 1‬القرآن الكريم برواية ورش‬
‫‪ - 2‬الروض األنف للسهيلي تحقيق وتعليق عبد‬
‫الرحمن الوكيل‬
‫‪ - 3‬المطرب من أشعار أهل المغرب ألبي‬
‫الخطاب عمربن دحية الكلبي ضبطه وشرحه ‪:‬صالح‬
‫الدين الهواري‪.‬المكتبة العصرية – صيدا بيروت ‪.‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 208‬م ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫‪ - 4‬معجم البلدان لياقوت الحموي‪ -‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت الطبعة‪ :‬الثانية‪1995 ،‬‬
‫‪ - 5‬معيار االختيار في ذكر المعاهد والديارلابن‬
‫الخطيب ‪ -‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرةعام النشر‪:‬‬
‫‪ 1423‬هـ‬
‫‪ - 6‬التكملة لكتاب الصلة البن األبار‪ :،‬تحقيق‪:‬‬
‫عبد السالم الهراس الناشر‪ :‬دار الفكر للطباعة –‬
‫لبنان سنة‪1995 :‬م‬
‫‪ - 7‬غاية النهاية البن الجزري‪ -‬مكتبة ابن تيمية‬
‫الطبعة األولى ‪ 1351‬ه‬
‫‪ -8‬الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ألبي‬
‫عبد هللا محمد بن محمد بن عبد الملك األنصاري‬
‫حققه وعلق عليه‪ :‬الدكتور إحسان عباس‪ ،‬الدكتور‬
‫محمد بن شريفة‪ ،‬الدكتور بشار عواد معروف‬
‫‪105‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬تون الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪ 2012‬م‬
‫‪ -9‬البداية والنهاية ألبي الفداء إسماعيل بن عمر‬
‫بن كثير ‪ .‬دار الفكر‪ 1407 .‬هـ ‪ 1986 -‬م‬
‫‪ - 10‬طبقات النحويين واللغويين محمد بن‬
‫الحسن بن عبيد هللا بن مذحج الزبيدي األندلسي‬
‫تحقيق ‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم الطبعة‪ :‬الثانية‬
‫الناشر‪ :‬دار المعارف‪ ,‬مصر‪.‬‬
‫‪ - 11‬الرّد َعلى النّحاة البن َم َ‬
‫ضاء‪ ،‬دراسة‬
‫وتحقيق‪ :‬الدكتور محمد إبراهيم البنا ‪ .‬دار‬
‫االعتصام ‪.‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1399 ،‬هـ ‪ 1979 -‬م‬
‫‪ - 12‬نفخ الطيب من غصن األندلس الرطيب‬
‫أحمد بن محمد المقري التلمساني تحقيق د‪ .‬إحسان‬
‫عباس الناشر دار صادر‪ .‬سنة النشر ‪1388‬هـ‬
‫‪106‬‬
‫‪ -13‬مغني اللبيب عن كتب األعاريب لعبد هللا‬
‫بن يوسف بن أحمد بن عبد هللا بن يوسف‪ ،‬أبو محمد‪،‬‬
‫جمال الدين‪ ،‬ابن هشام تحقيق‪ :‬د‪ .‬مازن المبارك ‪/‬‬
‫محمد علي حمد هللا دار الفكر – دمشق الطبعة‪:‬‬
‫السادسة‪1985 ،‬‬
‫‪ -14‬ضياء السالك إلى أوضح المسالك لمحمد‬
‫عبد العزيز النجار‬
‫مؤسسة الرسالة‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى ‪2001‬م‬
‫‪ -15‬اإليضاح في علل النحو ألبي القاسم عبد‬
‫الرحمن الزجاجي تحقيق مازن المبارك دار النفائس‬
‫بيروت ط ‪ 3‬سنة ‪1979‬م‬
‫‪ -16‬شرح األشموني على ألفية ابن مالك لعلي‬
‫بن محمد بن عيسى‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬نور الدين األُ ْش ُموني‬

‫‪107‬‬
‫دار الكتب العلمية بيروت‪ -‬لبنان الطبعة‪ :‬األولى‬
‫‪1998‬مـ‬
‫‪ -17‬بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة‬
‫لعبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي‬
‫تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم المكتبة العصرية ‪-‬‬
‫لبنان ‪ /‬صيدا‪.‬‬
‫‪ -18‬إنباه الرواة على أنباه النحاة لجمال الدين أبو‬
‫الحسن علي بن يوسف القفطي تحقيق محمد أبو‬
‫الفضل إبراهيم‬
‫دار الفكر العربي ‪ -‬القاهرة‪ ،‬ومؤسسة الكتب‬

‫الثقافية بيروت الطبعة‪ :‬األولى‪1982:‬م‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫‪ -19‬اإلحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪ 1424‬هـ‬

‫اإليضاح في علل النحو ألبي القاسم عبد الرحمن‬


‫الزجاجي تحقيق د مازن المبارك دار النفائس بيروت‬
‫ط ‪ 3‬سنة ‪1979‬م‬
‫‪ -20‬االقتراح في أصول النحولعبد الرحمن بن‬
‫أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي ضبطه وعلق عليه‪:‬‬
‫عبد الحكيم عطية‪ .‬راجعه وقدم له‪ :‬عالء الدين‬
‫عطية ‪.‬الناشر‪ :‬دار البيروتي‪ ،‬دمشق الطبعة‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪ 1427‬هـ ‪ 2006 -‬م‬
‫‪ -21‬الخصائص البن جني تحقيق‪:‬محمد علي‬
‫النجار‪ .‬الناشر عالم الكتب ‪ -‬بيروت‬
‫‪109‬‬
‫‪ -22‬الممنوع من الصرف إلميل بديع يعقوب‬
‫دار الجيل بيروت لبنان ط‪1992. 1‬‬
‫‪ -23‬أبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي لمحمد‬
‫إبراهيم البنا‪-‬دار البيا نالعربي والنشر والتوزيع‪-‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1985‬م‬
‫‪ -24‬أمالي السهيلي تحقيق محمد إبراهيم البنا ط‬
‫‪ 2002‬م ‪.‬‬
‫‪ -25‬الكافية في علم النحو البن الحاجب تحقيق‪:‬‬
‫الدكتور صالح عبد العظيم ‪.‬الناشر‪ :‬مكتبة اآلداب‬
‫القاهرة ‪.‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 2010 ،‬م‬
‫‪ -26‬شرح المكودي على ألفية ابن مالك تحقيق‪:‬‬
‫الدكتور عبد الحميد هنداوي الناشر‪ :‬المكتبة‬
‫العصرية‪ ،‬بيروت لبنان عام النشر‪ 1425 :‬ه‬
‫‪ -27‬شرح الرضى على كافية ابن الحاجب‬
‫‪110‬‬
‫‪ -28‬شرح كتاب الحدود في النحولعبد هللا بن‬
‫أحمد الفاكهي تحقيق‪ :‬د‪ .‬المتولي رمضان أحمد‬
‫الدميري‪ ،‬مكتبة وهبة – القاهرة الطبعة‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪ 1414‬هـ ‪ 1993 -‬م‬
‫‪ -29‬المنصف البن جني‪ ،‬شرح كتاب التصريف‬
‫ألبي عثمان المازني الناشر‪ :‬دار إحياء التراث القديم‬
‫الطبعة‪ :‬األولى ‪1373‬هـ ‪1954 -‬م ص‪. 132‬‬
‫‪ -30‬لسان العرب البن منظور الناشر‪ :‬دار‬
‫صادر – بيروت الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 1414 -‬هـ ج‪6‬‬
‫‪ -31‬علل النحولابن الوراق تحقيق‪ :‬محمود جاسم‬
‫محمد الدرويش مكتبة الرشد ‪ -‬الرياض ‪/‬السعودية‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1999 ،‬م‬
‫‪ -32‬توجيه اللمع ألحمد بن الحسين بن الخباز‬
‫دراسة وتحقيق‪ :‬فايز زكي محمد دياب‪ ،‬دار السالم‬
‫‪111‬‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ‪ -‬جمهورية‬
‫مصر العربية الطبعة‪ :‬الثانية‪ 2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬حاشية الصبان على شرح األشمونى أللفية‬
‫ابن مالك دار الكتب العلمية بيروت‪-‬لبنان الطبعة‪:‬‬
‫األولى ‪1997‬م‬
‫‪ -34‬شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك لبدر‬
‫الدين محمد ابن اإلمام جمال الدين محمد بن مالك‬
‫تحقيق‪ :‬محمد باسل عيون السود دار الكتب العلمية‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 2000 ،‬م‬
‫‪ -35‬المقتضب للمبرد تحقيق‪ :‬محمد عبد الخالق‬
‫عظيمة‪ .‬الناشر‪ :‬عالم الكتب‪ – .‬بيروت‬
‫‪ - 36‬تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي‪-‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‬

‫‪112‬‬
113

You might also like