Professional Documents
Culture Documents
( )1وذلك أن األصمعي #كان ال ينشد وال يفسر ما كان فيه ذكر األنواء لقول رسول اهلل (ص)
:إذا ذكرت النجوم فأمسكوا؛ وكان ال يفسر وال ينشد شعراً فيه هجاء ،وكان ال يفسر
شعراً يوافق تفسيره شيئاً من القرآن (الكامل . )36 :3
ليس بفحل ،ولو قال مثل قوله " أليلتنا بذي حسم أنيري " خمس قصائد
لكان أفحلهم ( . )1وقال :سالت األصمعي عن عمرو بن كلثوم ،أفحل
هو :فقال :ليس بفحل ،قلت :فأبو زبيد؟ قال :ليس بفحل ،قلت :فعروة
بن الورد؟ قال :شاعر كريم وليس بفحل .قلت :فالحويدرة؟ قال :لو
كان قال خمس قصائد مثل قصيدته -يعني العينية -كان فحالً .قلت:
فحميد بن ثور؟ قال :ليس بفحل .قلت :فابن مقبل :قال :ليس بفحل؟
قلت :فابن أحمر الباهلي :قال :ليس بفحل؟ قلت :فكعب بن جعيل؟
قال :أظنه من الفحول وال أستيقنه .قلت :فحاتم الطائي؟ قال :حاتم إنما
يعد في من يكرم ،ولم يقل إنه فحل في شعره .قلت :فمعقر بن حمار
البارقي حليف بني نمير؟ قال :لو أتم خمساً أو ستاً لكان فحالً؟ قلت:
فكعب بن سعد الغنوي؟ قال :ليس من الفحول إال في المرئية فإنه ليس
مثلها في الدنيا؛ قال :وسألته عن خفاف بن ندبة وعنترة والزبرقان بن
بدر فقال :هؤالء اشعر الفرسان؟ ولم يقل إنهم فحول .قلت :فاألسود
بن يعفر النهشلي :قال :يشبه الفحول؟ قلت :فأوس بن مغراء الهجيمي،
قال :لو كان قال عشرين قصيدة لحق بالفحول ،ولكنه قطع به .قلت:
فكعب بن زهير بن أبي سلمى؟ قال :ليس بفحل ،قلت :فزيد الخيل
الطائي؟ قال :هو من الفرسان؟ الخ (. )2
يتجلى لنا في هذا النص أن الفحولة صفة عزيزة ،تعني التفرد الذي
يتطلب:
غلبة الشعر على كل صفات أخرى في المرء ،فرجل مثل ()1
حاتم قد يقول قصائد ولكنه يعد في االجواد وال يسمى فحالً الن
الشعر ال يغلب عليه؛ وكذلك أشباه زيد الخيل وعنترة p،فإنهم
فرسان يقولون شعراً ،وحسب.
(ب) وأن غلبة صفة الشعر تستدعي عدداً معيناً من القصائد التي تكفل
لصاحبها التفرد ،فالقصيدة الواحدة كما هي مرئية كعب بن سعد
الغموي ال تجعل من صاحبها فحالً .ويتفاوت هذا العدد ،على قاعدة ال
ندريها ،فهو خمس قصائد أو ست أو عشرين.
ونقل ابن رشيق نصاً عن األصمعي يذكر فيه كيف يصبح الشاعر فحالً،
ويبين ذلك النص المجال الثقافي للشاعر ولكنه ال يضيف إليه عنصراً
آخر من موهبة أو غيرها ،قال األصمعي " :ال يصير الشاعر في قريض
الشعر فحالً حتى يروي أشعار العرب ويسمع األخبار ويعرف المعاني
وتدور في مسامعه األلفاظ ،وأول ذلك ان يعلم العروض ليكون ميزاناً له
على قوله ،والنحو ليصلح به لسانه وليقيم إعرابه .والنسب وأيام الناس
ليستعين بذلك على معرفة المناقب والمثالب وذكرها بمدح أو بذم " (
. )1
وليس من شك في أن هذه الفحولة تعني طرازاً رفيعاً في السبك وطاقة
كبيرة في الشاعرية وسيطرة واثقة على المعاني وإن لم يفصح األصمعي
عن ذلك كله .ومن غريب ان هذه الفحولة ال تلتبس بروح الفروسية
لدى األصمعي ،فليست هي وحسب " قوة النفس " على الموت حين
يعبر عنها في الشعر ،غير أنها اتجهت هذا االتجاه في المفهوم عند أبي
عبيدة فقد كان إذا سمع شعر قطري بن الفجاءة قال " :هذا الشعر! ال
ما تعللون به نفوسكم من أشعار المخنثين " ( . )2فالفحولة بهذا المعنى
ضد " التخنث " ،وتلك عودة إلى مقياس خلقي ربما لم يقره األصمعي،
وإن كان هناك شبه ما بين صفتي " التخنث " و " اللين ".
وأياً كانت الفروق القائمة بين تصور األصمعي وأبي عبيدة للفحولة فإن
صفة " القوة " هي المقياس المشترك لديهما ولدى سائر هؤالء العلماء
الرواة؛ غير أن اعتماد مقياس واحد للتمييز بين مختلف ألوان الشعر يعد
خطراً على النقد وعلى التذوق معاً ،والبد من أن يضيق به الدارسون
ذرعاً ،حتى هؤالء الرواة أنفسهم لن يحسنوا الصبر على لون واحد فيما
يرونه .إذ ما أسرع ما يحدث تضييق المقاييس تقلباً في الذوق بين
الحين والحين ،فكيف إذا كان المعتمد مقياساً واحداً؛ وقد ذكر ابن
قتيبة أن األصمعي نفسه كان يروي قول الشاعر (: )1
يا تملك يا تملي ...صليني وذري عذلي
ذريني وسالحي ثم ...شدي الكف بالغزل ويعلل روايته له واختباره "
بخفة رويه " ،فكيف يكون حال غير األصمعي وهو ال يملك مقياساً
يلزمه اإلعجاب بالفحولة وعدم اللين.
وقد صور الجاحظ هذا التقلب في األذواق لدى الرواة أنفسهم فقال:
" وقد أدركت رواة المسجديين والمربديين :ومن لم يرو أشعار
المجانين ولصوص األعراب ونسيب األعراب واألرجاز األعرابية القصار
وأشعار اليهود واألشعار المصنفة ،فإنهم كانوا ال يعدونه من الرواة .ثم
استبردوا ذلك كله ،ووقعوا على قصار األحاديث والقصائد والفقر
والنتف من كل شيء .ولقد شهدتهم وما هم على شيء أحرص منهم
على نسيب العباس بن األحنف ،فما هو إال أن أورد عليهم خلف األحمر
نسيب األعراب فصار زهدهم في نسيب العباس بقدر رغبتهم في نسيب
األعراب ،ثم رأيتهم منذ سنيات وما يروي عندهم نسيب األعراب إال
حدث السن قد ابتدأ في طلب الشعر أو فتياني متغزل " (. )2
( )2البيان والتبين .323 :3