Professional Documents
Culture Documents
-تـابـع -
السداسي الرابع ()2020-2019
السنة الثانية (دراسات لغوية) الأفواج (أ؛ ب؛ ج؛ د)
قسم اللغة العربية وآدابها؛ لكية الآدب والفنون بجامعة وهران 1أحمد بن بلة
نظرية الأدب
1
إعداد :أ .مخزومي محاضرة نظرية الأدب نظرية الأدب (تطبيق)
من هذا املنطلق ،نستطيع القول -وبخاصة في مجال األدب والفن-إن لكل جيل فكرة أو
أفكار تسود فيه ،فمثال فكرة الحرية والتحرر التي سادت في آداب الشعوب التي كانت تقاوم
االستعمار ،وذلك مثل األدب الجزائري الذي كتب أثناء الثورة التحريرية باللغتين العربية
والفرنسية-شعرا و نثرا -لقد كان أدب مقاومة ،وعند االستقالل سادت فكرة
االشتراكية ،فجاءت الحياة السياسية واالجتماعية والثقافية واإلعالمية واألدبية في إطار هذه
الفكرة ،فتمثلها األدب بكل أنواعه..
ولهذا ،نجد النقد األدبي -وتاريخ األدب عبر العصور -يؤرخ لألفكار ،وقد أطلق عليه "تاريخ
األفكار "l’histoire des idéesألن األفكر –كما هو مفهوم -هي صور تعبر عن تحوالت األجيال
والعصور ،وما يسود فيها بحثا عن حياة جديدة ومفاهيم جديدة وقيم جديدة تسود مجاالت
الحياة بكل آفاقها وتوجهاتها -التي سبق ذكرها -ومن هنا ،نقول عن األديب -كما قال 'ديبونالد'
"األديب ابن بيئته" وذلك ألنه ولد فيها وتشبع بكل قيمها.
إذن ،ال توجد نظرية لألدب ،بل توجد نظريات –قديمة ومعاصرة -وذلك ألن كل نظرية
تحمل قيما خاصة تعبر عن رؤية املجموعة أو الجيل الذي تبناها.
السياسية في عقول الشعب ،وذلك لقناعة املاركسيين بأن فن األدب يعد وسيلة قوية للتأثير في
الشعب ،ومعنى ذلك أن هذا األدب هو أدب دعاية« littérature de la propagande » .
من هذا املبدأ جاء ّ
الناقد املاركس ي ليتبنى هذه املفاهيم السياسية للحزب وكان الناقد
يهاجم كل أديب يكتب خارج اإلطار املاركس ي ويعتبره ضد سياسة الحزب والدولة ،وفي هذا
تحديد لحرية األديب .مع العلم أن النقد في كل اتجاه أو مدرسة جاء متبنيا ملفاهيمها التي قامت
عليها.
ولهذا ،إذا أردنا أن نعرف أسس أية نظرية أدبية علينا أن نعود إلى نوع النقد األدبي الذي
ّ
تبناها ونستخلص منه أركان هذه املدرسة األدبية أو النظرية األدبية التي تمثلها ،ألن األدب
مرتبط بالنقد والتاريخ األدبي .واملستنتج من كل ذلك هو أنه ال وجود للنقد -في مجالنا -بدون
وجود أدب ،والنقد انتماءات واتجاهات بل ومدارس .والنقد األدبي في ارتباطه باألدب يمثل قيمه
ويطوره بتوجيهاته الواعية ،ذلك أن الناقد فنان وله رؤية قد تفوق "غالبا" ثقافة األديب .وال
قيمة لألدب بدون نقد ألنه هو الذي يبرز قيمه الفنية والفكرية والثقافية ...وبدون نقد ال يمكن
أن نعرف األعمال الفنية الخالدة .والناقد ليس كما قيل عنه في الغرب في أواخر القرن التاسع
عشر" :أديب فاشل" ،ذلك ألنه كان يبرز عيوب بعض األدباء -املغرورين إن صح التعبير -فهم
يرون أنه بعيد عن اإلنتاج الفني ويقوم بنقدهم ويبرز عيوبهم ،إنهم يريدون أن يعجب الجمهور
يما يكتبون ،ولهذا يغتاظون من الناقد –وقد أثبت الواقع ذلك -ألنه كان يبرز أخطاءهم الفنية
ويعمل على توجيههم ،إنه ليس أديبا فاشال بل هو إنسان مثقف له ثقافة واسعة في الفن واألدب
والفكر والسياسة والثقافة والحياة بعامة .وثقافته هذه هي التي تصل به وتجعله ذا مكانة بارزة
في عالم األدب والفن ،وبدونه ال قيمة لألدب ،بل يموت األدب وينس ى ويضيع في طيات األزمنة
واألمكنة .ولوال النقاد ما كنا لنعرف ال الجاحظ وال أبا العالء املعري وال أبرز األدباء والشعراء
من الجاهلية إلى عصرنا هذا ،وما كنا نعرف بودلير و فيكتور هيجو و رونسار وال إرنست
همنجواي وال سارتر وال...
نحن ال نريد أن نفصل النقد عن األدب فهما في خط واحد تجمعهما كل القيم التي ذكرناها
باختصار شديد.
ومن هذا املنطلق ،نريد أن نجعل طلبتنا بعيدين عن التلقي األعمى الذي يجعلهم آالت
للتسجيل والحفظ وإعادة البضاعة كما هي ،دون أن يعي الواحد منهم ما يكتب أي دون أن يكون
له دور ومشاركة وإحساس بأنه يبحث بجدية وبثقة تدعمهما ثقافة واعية متخصصة وليس
ثقافة تاريخية لألدب والنقد يعيدها كما حفظها ،البد أن يكون للطالب -الجامعي -فكر حي ّبناء
يثري ثقافته وثقافة املجتمع ويصبح له دور فعال في البناء والتأسيس ،ألنه يمثل وعي املجتمع
وحاجته للبحث عن الذات ،وإال فإننا سنبقى تابعين لثقافة الغرب ُيقولبنا في أي شكل أو صورة
يريد .وهنا ،نقول :يكفي أجيالنا الجديدة ثقافة التدجين والتقييد ،نحن نريد ثقافة التجديد
والوعي بالذات -ذات األمة .
كنا ند ّرس نظرية األدب منذ الثمانينيات بالطريقة الجافة ترتكز على أسماء وتيارات
تاريخية دون أن نخرج من إطار التبعية والتقليد ،فكان الطالب يأخذ بضاعة ويردها ويأخذ
عالمة وانتهى األمر ،وتمر األشهر بل السنوات دون أن يمتلك رصيدا معرفيا يرفعه إلى اإلدالء
ّ
برأيه حول الفكر األدبي والنقدي اللذين تبناهما أو باألحرى اللذين تعلمهما ..وهذا يضعنا في
بوتقة ضيقة ال نستطيع بل ال نملك الخروج منها والبحث عن قراءة واقعنا األدبي والنقدي
والعمل على الخروج من التقليد وتأصيل قيم وآراء تناسب عصرنا وطموحات أمتنا-هذه األمة
ّ
العظيمة والكبيرة -ونؤسس أدبا يخدمنا ُويخرجنا من متاهات التشتت والتبعية والضياع ،ذلك
أن كل مدرسة أدبية أو نقدية في الغرب تعبر عن تحوالتهم السياسية واالجتماعية والثقافية
والفلسفية ،وحينما يضيق بهم العصر يعملون على الثورة عليها وتجديد الرؤية الفنية
والجمالية والفكرية وغيرها لتناسب الواقع املعيش وهي رؤية تجديدية ترسم آفاق مستقبل
أفضل من الحاضر .ولو حاولت أن أقدم بعض األمثلة عن هذه الثورات والتحوالت في الفكر
ّ
واألدب والفن وغيرها فإننا نذكر – مثال السريالية le surréalismeالتي نظر لها أندريه
بريتون" ،"André bretonوالتي برزت مع الحرب العاملية األولى ،ذلك ألن األدباء كفروا بكل القيم
السياسية والفكرية واالجتماعية والفنية ألنها – باختصار -لم تستطع أن تحمي اإلنسان من
تدمير نفسه؛ ماليين البشر تحت األنقاض وآالف املدن والقرى مهدمة واملوت ينثر في كل مكان
الجيف ...فجاء فنانون وأدباء ثاروا وهربوا من هذا الواقع املدمر إلى عالم خلقوه ألنفسهم فوق
الواقع أو ما وراء الواقع ،وكذلك الحال بالنسبة لـ -الوجودية l’existentialisme-وجودية
سارتر ،التي يتباهى بها الكثير من األدباء العرب -أقول هذا عن يقين كامل -ولم يعرفوا أنها ثورة
نشأت في الحرب العاملية الثانية ألن سارتر ،كما رأينا عند أندريه بريتون قد كفر بكل القيم التي
لم تستطع أن تحمي اإلنسان من تدمير ذاته ،فالعالم كله خراب في خراب ،فأرس ى مفاهيمه
للوجودية ولكنها وجودية ملحدة ،كافرة ،كفر فيها سارتر بكل القيم وكفر بوجود هللا ألنه لم يحم
العالم من هذا الدمار الذي وقع فيه ،وذلك عكس وجودية هيجل املؤمنة .وهذه املفاهيم تبناها
األدباء والنقاد واملفكرون والفنانون والرسامون...
ونذكر مثاال آخر تمثل في ثورة النقاد التأثريين " "les impressionnistesعلى النقد العلمي
الذي تزعمه فرديناند برونتيير " "Ferdinand Brunetièreالذي عمل على تطبيق املعايير
العلمية على األدب والنقد ،وقام النقاد التأثريون مطالبين بالتحرر من القيود العلمية التي ضاق
بها األدباء ألنها حددت خطواتهم في محيط إبداعي معين وضعته الروح العلمية التي سادت
العصر .وأحدث ذلك ثورة ومعـ ـ ــارك فكرية تزعمها جول لوميتر " " jules Lemaitreو أناتول
فرانس " "Anatole Franceضد برونتيير الداعي إلى تطبيق الروح العلمية ..انتصر فيها التأثريون
مبينين أن ما ينجح في تطبيقه على العلم وفي املخابر ال يمكن أن نطبقه على عواطف في النهاية ّ
اإلنسان وأحساسيسه .
ومـن هنا ،نقول :إن األديب والناقد مؤسسان ومجددان للقيم االجتماعية والثقافية
والسياسية .إنهما يجعالن الفن بكل توجهاته خادما ّ
وموجها بل صانعا ملجتمع جديد؛ ألن الفنان
هو األكثر تأثيرا في املجتمع.
ما أحوجنا أن نجدد مفاهيمنا انطالقا من الجامعة ومن الفكر الجامعي الحي النابض
بالحياة ،الناقد للسلبيات ،وصانع أذواق األجيال ،ونصنع فنا راقيا وإنسانا واعيا ألن تربية الذوق
الفني تسمو بقيم اإلنسان ،إن اإلنسان الذي يتذوق الفن ويحس بالجمال هو الذي يؤثر.
فالطالب أو غيره من املثقفين -في األعم -عندنا ال يقدر على قراءة لوحة زيتية لرسام بارز مثل
بيكاسو أو غيره من الرسامين العرب البارزين ألنه بكل بساطة ال يملك ثقافة فنية ،والثقافة
الفنية هي التي تسمو بالذوق - .فاهلل سبحانه وتعالى -لم يبعث كتابه القرآن الكريم وهو أعظم
رسالة ودستور في الحياة -من بداية الخلق إلى يوم القيامة -في أمة ال تتذوقه .نعم ،لقد كان
العرب آنذاك في جاهلية دينية فقط ،ألنهم لم يأتهم رسول نبي بعد سيدنا إسماعيل عليه السالم
ويعلمهم ويرشدهم إلى طريق هللا األحد ...ولكنهم في املقابل كانوا يملكون ذوقا وكان لهم احتكاك
بالشعوب األخرى وبحضاراتهم ،إنهم أصحاب رحلة الشتاء والصيف ،ونعرف ذوقهم من الشعر
الجاهلي وبناء الصورة الفنية لدى الشعراء فيه .لقد فهموا القرآن ألنهم كانوا أصحاب فصاحة
وبالغة فجاء من أعجزهم ،ولهذا فالقرآن بإعجازه البياني بقي ويبقى إلى يوم القيامة أقوى
وأفصح أسلوب ...إن كل املعجزات قد راحت ،أين سفينة نوح أين ناقة صالح أين عصا موس ى
أين معجزات سيدنا عيس ى( ..عليهم جميعا الصالة والسالم) ،لكن معجزة محمد صلى هللا عليه
وسلم هي الوحيدة التي بقيت وستبقى إلى أن يرث هللا األرض ومن عليها ،وللتوضيح نقول إن
الهدف من معجزات األنبياء هو االنتباه إلى هذا النبي املبعوث وإلى ما سيقول لهم ..
والنتيجة من كل ذلك هي أن الذوق الفني هو أساس الفكر السليم والحضارة
املتطورة ،لهذا فإن الشعوب التي ال ذوق لها -وهذا تعكسه فنونهم عامة والغناء خاصة -ال يرجى
منها خير ألنها متأخرة وستبقى متأخرة .فالفن واإلحساس بالجمال يهذب ذوق
اإلنسان ،واإلنسان الذي يملك ذوقا راقيا هو إنسان له إحساس بالحياة وباإلنسان الذي أمامه
وحوله ،إنه إنسان يحمل قيما سامية ،فهو ال يظلم وال يكون متهورا في تصرفاته ويكون متخلقا
يحس باإلنسان الفقير فيعطف عليه ويحس بإحساس اليتيم واملظلوم واملقهور فيقف معه
ويدافع عنه ..إنه يسمو باألخالق ويهذب النفس.
إن الفن هو رسالة سامية في املجتمع تزيح الفاسد وتصنع الجميل ،فالفن يرقى بذوق
اإلنسان ويسمو به بعيدا عن الدنايا والسقوط ،وباملقابل فإن هذا اإلنسان الفنان يحس بمن
حوله ويحس بشعبه وبأمته فال يعطيها بالظهر ويكون أنانيا ،بل يدافع عنها بفنه -مهما كان نوع
هذا الفن -ذلك مثل كتابنا أثناء الثورة التحريرية فهم على الرغم من ثقافتهم الفرنسية األجنبية
ّ
تتخل عن الدفاع عن الجزائر ،هذا القلم الذي التي فرضها االستعمار عليهم فإن أقالمهم لم
أقسم به هللا تعالى ،في قوله "نون والقلم وما يسطرون" ،لقد كان هذا القلم في دفاعه عن الوطن
مثل رصاص املجاهدين في املعركة لقد فضحوا فرنسا -التي تتغنى بالعدالة الحرية املساواة -أمام
ُ
العالم .ولهذا ،فإن فرنسا لم تد ّرس األدب الجزائري املكتوب باللغة الفرنسية في جامعاتها
وبالعكس تدرس الكثير-حسب علمي -األدب اإلفريقي ملستعمراتها ،ألن أدبنا املكتوب الفرنسية
يعد إدانة تاريخية لها وفضيحة لها على جرائمها التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري منذ
االحتالل ). (1830-1962
وما نريد أن نقوله من وراء كل ذلك هو أن األدب األصيل السامي الذي يؤمن بواقعه وبكل
قضايا مجتمعه ومعاناته أفرادا كانوا أو جماعات هو أدب مؤمن يعبر عن وعي الفنان وتشبعه
بقيم فنية تجعله مستقال بعيدا عن التبعية .ولهذا ،فإن الفن واألدب الذي نريده هو األدب
الذي يكون صادرا من البيئة .ومن هنا ،فإننا نرفض أدب الشذوذ واالنحرافات الجنسية يسمى
أدبهم أدبا فاضحا littérature pornographiqueوأدب إيديولوجيات معاكسة لقيم األمة ...
لقد منح الغرب لهذا النوع من األدباء –الذين يقول عنهم التحليل النفس ي أنهم يحملون
عقدا منذ طفولتهم -أعلى الجوائز العاملية ،وهذا ليس سرا إنما يعلمه الكثير من نقادنا الذين
يمثلون الوعي بالذات والوعي باآلخر ..وهذا بهدف تشجيعهم على إفساد أخالق أبناء األمة
باالنحالل الخلقي .وكل هذا يساعدهم على ضرب الفكر الحي في األمة وينفد مخططاتهم
الهدامة .إن رسالة األدب هي رسالة سامية –بل مقدسة -ألنه يدافع عن األمة ويحارب الفساد
واالنحراف ويسمو باإلنسان ويخلصه من السلبيات التي تشده إلى األرض وتشل حركته الفكرية
وتبث فيه التداعي والتهاون والخمول وتجعله ال يشعر بدوره في الحياة ،كما تبث فيه
الالمباالة ،بما يقع حوله.
بناء على كل ذلك نرى أن نظري ـ ــة األدب املعبرة عن واقع األمة ،الصادقة بفلسفتها تدعم
وعي الفنان بالذات ودوره الذي يجب أن يقوم به ،كما تدعم وعيه باآلخر وما يخططه له ،أي
ألمته .ومن هنا ،تتجلى وظيفة الفن لديه في سياق فكر جديد ينتج إنسانا جديدا يسهم في بناء
وتأسيس مجتمع خير فاضل وإنسان عامل صادق في كل ما يقوم به ويعول عليه املجتمع حاضرا
ومستقبال.
وهن ـ ــا ،يسأل سائل :ملاذا كل هذا االهتمام والرغبة في التجديد بل والتأصيل الفكري والفني
في أدبنا العربي-أقول العربي -املعاصر؟.
إن الدافع إلى هذا االهتمام والرغبة امللحة في التجديد والتأصيل لنظرية أدبية عربية ّ
تعبر
عن واقعنا الجديد وترسم مسارنا الفكري والفني القائم على الوعي بالذات ،من أجل الخروج
من التبعية العمياء للذين رسموا لنا مسارا واتبعناه أجياال وأجياال ..كما أرادوه لنا ،في السياسة
والفكر والثقافة والفن بل حتى في حياتنا العامة بسم الحرية وحرية التعبير والديمقراطية
وحرية الجسد واملوضاة في التعري واللباس الفاضح .أخذنا منهم الشكل وتركنا املضامين.
أقول ،يعود الدافع إلى هذه الرغبة إلى أيام غزو الجيش األمريكي للعراق -،في إطار العوملة
أو النظام العاملي الجديد الذي هيمنت فيه أمريكا على العالم ،الذي أقامته لسحق وتركيع
الشعوب الضعيفة ،وبخاصة شعوب األمة العربية واإلسالمية ،وطبعا كانت الجزائر من بينها.
هذا النظام الذي أربك أوروبا-أخت أمريكا -سياسيا وعقائديا وتاريخيا ،حتى راحوا يجمعون
أشتاتهم –أي اإلخوة األعداء -وشكلوا اتحادا أوروبيا؛ سياسيا وعسكريا واقتصاديا وقد مثله
البرملان األوروبي ،وجعلوا َعلما وعملة ،في ظل هذا االتحاد ،ملواجهة الدوالر اقتصاديا -عملة
األورو -الذي وحدهم اقتصاديا وفتحوا حدودهم على بعضها البعض ..والحديث يطول كثيرا...
وقد فكروا بعد ذلك وقرروا إدخال دول أوروبا الشرقية الفقيرة ضمن اتحادهم ،وذلك خشية
أن تحوزهم أمريكا وتتخذ من أراضيهم قواعد لها داخل أوروبا ،والحديث يطول كثيرا ...ملاذا كل
هذا التوجه الجديد ألوروبا؟ ،باختصار نقول :إن أمريكا في بداية حربها على العراق طلبت منهم
يرسلوا جيوشا من كل الدول ملحاصرة العراق وأرسلوا تنفيذا لألوامر .
أن ِ
في ظل هذه الصدمة القاسية ،توقفت عن تدريس نظرية األدب باملفهوم التاريخي
التقليدي الذي انصب االهتمام فيه على ما قاله الغربيون عن نظرية أو نظريات األدب- ،وكذلك
النقد األدبي -التي هي في األصل مرتبطة ارتباطا وثيقا بتحوالتهم االجتماعية والسياسية
واالقتصادية والفنية -كما سبق الذكر' ،ورحت أبحث مع طلبتي آنذاك -في سنة -2005عن
نظرية أدب تنبع من واقعنا وتعبر عن طموحاتنا وتؤسس ألدب يخدمنا ويخلصنا من رواسب
التبعية وسلبيات الحياة التي نعيش فيها ،وتأسيس جديد يعبر عن واقعنا ويبعث فينا األمل
والثقة بالذات ويحطم اليأس القاتل الذي يسكن أمتنا املشتتة -الحاضرة الغائبة -وهذه هي
غايتنا.
مع العلم فأننا كلفنا كل طالب من طلبة مشروع املاجستير الذين كنت أدرسهم-آنذاك-
بدراسة كتاب نظرية األدب وتقديم عرض شامل له أمام الطلبة ومناقشته من طرفهم-وغالبا ما
كان الكتاب مترجما -وعملنا على دراسة نظرية األدب انطالقا من الواقع الجديد الذي فرضته
العوملة وسياساتها القائمة على الهيمنة والسيطرة على الشعوب الضعيفة ..فأتت دراسة قائمة
على الوعي بالذات والوعي باآلخر ،كثر فيه التحليل واملناقشة من الطلبة وكان موضوع امتحان
نهاية الفصل لطلبة املاجستير [ أجري هذا االمتحان على طلبة قسم اللغة العربية وآدابها
بجامعة ابن خلدون -تيارت ،يوم األربعاء ]2005/11/23وذلك انطالقا من هذه الرغبة في
التحول وإثبات الذات في ظل هذه الهجمة الساحقة للعوملة ،اآلتي :
"لقد أحدثت صدمة العوملة-في عاملنا العربي واإلسالمي خاصة -هزة قوية هزت الفكر
والقيم السائدة في مجتمعاتنا ،وتركتنا نراجع أنفسنا بحثا عن ذاتنا الغائبة أو املغيبة ،حتى
نضمن مناعة فكرية وثقافية تجعلنا قادرين على مواجهة واقعنا الجديد..
نريد من هذا املنطلق ،أن نضع مشروع نظرية أدب تحدد أبعاده وترسم خطوات وظيفته
الجديدة التي تخرجه من امليوعة والتبعية لآلخر ،وذلك حتى يكون قادرا على توجيه األمة ،وبعث
الثقة في النفوس ،والقدرة على الثبات بقوة في مواجهة تيارات العوملة التي تضرب -بجهر -كل
قيمنا الروحية والفكرية والثقافية"..
وبناء على هذا األساس سنقوم –يا أبنائي الطلبة -على العمل سويا -وبصورة عملية
تطبيقية -على استخالص أسس نظرية األدب من محاضرات النقد األدبي أو االتجاهات أو
املدارس النقدية التي درسناها في الفصل السابق ،بحيث نكتفي باستخالص أربعة نماذج
لنظرية األدب وهي:
نظرية األدب في النقد التاريخ ـ ـ ــي -1
نظرية األدب في النقد االجتماعي -2
نظرية األدب في النقد النفس ـ ـ ـ ـ ـ ــي -3
نظرية األدب في النقد الجمالـ ـ ـ ــي -4
وسنقوم عند نموذج تطبيقي واحد نتعرف من خالل دراسته على كيفية استخالص أسس
أو عناصر نظرية األدب لكل اتجاه من االتجاهات أو املدارس النقدية السابقة.
وهدفنا من وراء كل ذلك هو أن يتعلم الطالب بنفسه كيفية فهم هذه العالقة بين النقد
األدبي ونظرية األدب ،ويتعلم كيف يقوم بقراءة النص النقدي واستخالص األسس النظرية
لألدب من خالله ،وقد سبق أن عرضت ذلك شفويا وعلى السبورة ،وبهذا يتعلم الطالب كيف
يستقل بشخصيته ويشكل رأيا خاصا به وقدرة على بناء أفكاره بناء قادرا على الوعي الثقافي
والرصيد املعرفي الذي يعطيه رأيا وثقة وقدرة على التجديد في الفكر والفن والنقد في أمتنا
واكتسابه فكرا نقديا أصيال ،وذلك حتى يكون قادرا على التغيير في املجتمع وإعطاء رأيه من أجل
تأسيس وعي نقدي أصيل ينبع من افكارنا وواقعنا حتى ال نكون تابعين لآلخر .مع العلم أننا يجب
أال نهمل اآلخر -النقد الغربي ومدارسه -بل علينا أن نستفيد منه استفادة علمية معرفية
متكاملة وهذا للتعرف على أسباب ودوافع التجديد لديه وتأصيل أفكاره وكل ذلك يساعدنا
منهجيا على تأصيل فكرنا األدبي والنقدي بعامة.
إن الوعي الكامل بكل ما نقوم به يعبر عن وعينا القوي بالذات ،الذي يكسبنا أصالة فكرية
وخصوصية في كل أفكارنا ،ليس في األدب والنقد فقط ،بل في كل توجهاتنا في الحياة ،ألن الفكر
األدبي والنقدي كما رأينا ،ينطلق من خصوصيته التي يؤسس عليها كل أفكاره وتوجهاته في الفكر
يميز أدب أمة عن أمة أو نظرية عن نظرية هو والفن والحياة .ومن هنا ،نقول :إن ما ّ
"الخصوصية" التي تحمل طابع األصالة الفكرية والثقافية بل والعقيدة ...هذا ما نلمسه في تفكير
أو آراء الكثير من كتاب الغرب ،بحيث نرى أفكارهم تعبر عن انتماءاتهم العقائدية والفكرية
والسياسية .ونذكر في هذا الجانب-جانب الخصوصية -أنه عندما برزت نظرية التلقي في
أملانيا؛ شاعت وانتشرت في أوروبا والعالم -لم يتقبلها الفرنسيون -ألن أي نظرية نقدية أو فنية
أو أدبية ..تظهر في بلدان من بلدانهم وتجد رواجا ،يتبناها كل الغربيين ..والسبب في ذلك هو
العداوة التي يكنها الفرنسيون لألملان ألن األملان احتلوا جانبا من فرنسا في الحرب العاملية
الثانية ،لكنهم تقبلوها بعدما أضفوا عليها الخصوصية الفرنسية.
إن الخصوصية هي الطابع الذي يميز األفكار والفنون بالنسبة للشعوب واألممـ وقد الحظ
بعض النقاد العرب في تطبيقاتهم للمناهج النقدية الغربية على األدب العربي ،عجزهم عن
استيعابها وتطبيقها ألنها بعيدة عن خصوصيتنا وال يتقبلها القارئ العربي ،ألنها بعيدة عنه
بحيث ال تنطبق على معتقداتنا وأفكارنا .وكانت استنتاجات هؤالء النقاد هادفة ألنها تكشف
أننا نقلد وال نبدع.
فنحن –عموما -حينما نتحدث عن األدب ونظريته -أو النقد -فإننا نجد أننا نتحدث عن
نظام حياة نحياها في ظل االنبهار الحضاري والتقليد األعمى لكل ما هو آت من اآلخر حتى ّ
تلبسنا
عقد نقص تجاه الحضارة الغربية ،وأصبحت لنا النموذج األمثل للحياة بكل ما فيها .لقد أضعف
كل هذا شخصيتنا بحيث أصبحنا نستورد أفكارنا كما نستورد غذاءنا ومالبسنا ،..وأصبحنا ال
نسمع لكاتب أو سياس ي رشيد ينقد هذا الواقع املثالي الذي صنعناه ألنفسنا واالنبهار به ،بل
َ
ننظر إليه على أنه ضد تيار الحضارة والحداثة ،وينعت بالرجعية والتأخر ..إنه االنبهار األعمى
ً
الوعي بالذات.. الذي ّ
غيب فيه الوعي باآلخر
وسنعمل بعد هذه النظرة النقدية لواقعنا الفكري واألدبي والنقدي واالنبهار الحضاري
بالغرب في القسم الثاني من هذه املحاضرات عند الحديث عن طبيعة الفن وماهيته والفنان
وقضايا الفن ورسالته في مجتمعنا العربي املعاصر..