You are on page 1of 13

‫نظرية الأدب (محاضرة)‬

‫‪ -‬تـابـع ‪-‬‬
‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬
‫السنة الثانية (دراسات لغوية) الأفواج (أ؛ ب؛ ج؛ د)‬
‫قسم اللغة العربية وآدابها؛ لكية الآدب والفنون بجامعة وهران ‪ 1‬أحمد بن بلة‬

‫أستاذ المادة‪ :‬أ‪ .‬عز الدين المخزومي‬


‫محاضرة‬

‫نظرية الأدب‬

‫‪1‬‬
‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬مخزومي‬ ‫محاضرة نظرية الأدب‬ ‫نظرية الأدب (تطبيق)‬

‫إن الحديث عن نظرية األدب يعني الحديث عن الرؤية التي ترسم ّ‬


‫توجه األدب بكل أبعاده‬
‫الفكرية والثقافية والفنية والحضارية واالجتماعية واالقتصادية واإليديولوجية‪ ...‬وذلك حسب‬
‫رؤية أو فلسفة كل اتجاه من االتجاهات التي سادت أو تسود في كل جيل أو كل عصر‪ ،‬وهي ّ‬
‫تعبر‬
‫عن حاجة اإلنسان في هذا الجيل أو العصر‪ ،‬فهي متجددة ّ‬
‫تجدد الحياة ّ‬
‫وتطور رؤاه فيها‪ .‬ولهذا‬
‫فإن نظرية األدب تحمل كل القضايا التي تشغله في حياته‪ ،‬وذلك ألن األدب هو الذي يعبر عن‬
‫مشاغل وقضايا اإلنسان والصراع الذي يعيشه في بحثه عن ذاته والعمل على فرضها في الواقع‪.‬‬
‫ولهذا فإننا نجد األدب هو الذي رسم خطوط ومسارات هذ البحث عن الذات بأسلوب فني‬
‫جمالي يميزه عن كل الكتابات التي تتناول قضايا اإلنسان في عصره‪ ..‬فاألدب هو الوسيلة‬
‫التعبيرية التي ترسم بالكلمات أحاسيس اإلنسان وأشواقه عبر األزمنة واألمكنة؛ إنه يعبر عن كل‬
‫حاالته وتقلباته النفسية وصراعاته االجتماعية بكل أبعادها‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬نجد ان كل عصر أو جيل يتميز برؤاه الخاصة للحياة والفن‪ ،‬فأدب جيل من‬
‫األجيال أو عصر من العصور ينطلق من انشغاالته‪ ،‬ولهذا فإن األدب صورة حية للعصر الذي‬
‫ينشأ فيه ويسود‪ ،‬فهو يعكس حركة اإلنسان في الزمان واملكان الذي ساد فيه‪ ،‬وقد ّبين ذلك‬
‫غوستاف النسون في باب حديثه عن 'التاريخ العام وتاريخ األدب'‪ ،‬فهو يرى أن "األدب الفرنس ي‬
‫صورة نابضة لحياة الفرنسيين ألننا نجد في سجله الطويل الفني كل تيارات األفكار واملشاعر‬
‫التي امتدت إلى األحداث السياسية واالجتماعية أو تركزت في النظم‪ ،‬بل ونجد كل هذه الحياة‬
‫النفسية الدفينة التي لم تستطع –بما فيها من أحالم‪ -‬أن تحقق عمال‪".‬‬
‫ويؤكد كل ذلك طبيعة العالقة الوطيدة بين األدب والواقع ومسارات اإلنسان فيه‪ ،‬وإذا‬
‫وقفنا لنتأمل تحوالت صورة األدب في كل عصر من العصور فإننا نقول‪ :‬إن لكل عصر نظريته‬
‫الخاصة لألدب التي تحمل التواصل بل التجدد للبحث عن الرؤى واملفاهيم الجديدة للحياة‬
‫والفن‪ ،‬ألن هذا الجيل أو العصر ضاق باملفاهيم القديمة التي أصبحت ال تناسبه وراح يبحث‬
‫عن فضاء أرحب وأشمل يعبر عن مشاعره وتحوالته وطموحاته‪ ،‬ولهذا فإننا نجد أن لكل جيل‬
‫رؤيته للحياة والفن‪ ،‬فهذه الثورات أو التحوالت في البحث عن الذات‪ ،‬ليست في الفن واألدب‬
‫فقط بل في كل مجاالت الحياة‪ ،‬من فلسفة وفكر وثقافة‪ ،‬وحتى في األذواق واملوضوعات‪ ،‬فلكل‬
‫جيل ذوقه الخاص ومكوناته الخاصة‪ ،‬إنها سنة الحياة‪.‬‬

‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬ ‫‪2‬‬ ‫لطلبة السنة الثانية دراسات لغوية‬


‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬مخزومي‬ ‫محاضرة نظرية الأدب‬ ‫نظرية الأدب (تطبيق)‬

‫من هذا املنطلق‪ ،‬نستطيع القول‪ -‬وبخاصة في مجال األدب والفن‪-‬إن لكل جيل فكرة أو‬
‫أفكار تسود فيه‪ ،‬فمثال فكرة الحرية والتحرر التي سادت في آداب الشعوب التي كانت تقاوم‬
‫االستعمار‪ ،‬وذلك مثل األدب الجزائري الذي كتب أثناء الثورة التحريرية باللغتين العربية‬
‫والفرنسية‪-‬شعرا و نثرا‪ -‬لقد كان أدب مقاومة‪ ،‬وعند االستقالل سادت فكرة‬
‫االشتراكية‪ ،‬فجاءت الحياة السياسية واالجتماعية والثقافية واإلعالمية واألدبية في إطار هذه‬
‫الفكرة‪ ،‬فتمثلها األدب بكل أنواعه‪..‬‬
‫ولهذا‪ ،‬نجد النقد األدبي‪ -‬وتاريخ األدب عبر العصور‪ -‬يؤرخ لألفكار‪ ،‬وقد أطلق عليه "تاريخ‬
‫األفكار ‪ "l’histoire des idées‬ألن األفكر –كما هو مفهوم‪ -‬هي صور تعبر عن تحوالت األجيال‬
‫والعصور‪ ،‬وما يسود فيها بحثا عن حياة جديدة ومفاهيم جديدة وقيم جديدة تسود مجاالت‬
‫الحياة بكل آفاقها وتوجهاتها‪ -‬التي سبق ذكرها‪ -‬ومن هنا‪ ،‬نقول عن األديب‪ -‬كما قال 'ديبونالد'‬
‫"األديب ابن بيئته" وذلك ألنه ولد فيها وتشبع بكل قيمها‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬ال توجد نظرية لألدب‪ ،‬بل توجد نظريات –قديمة ومعاصرة‪ -‬وذلك ألن كل نظرية‬
‫تحمل قيما خاصة تعبر عن رؤية املجموعة أو الجيل الذي تبناها‪.‬‬

‫النقد ونظرية األدب‬


‫جاء النقد األدبي‪ -‬حسب ّ‬
‫تعدد انتماءاته التجاه أو مدرسة من املدارس األدبية‪ -‬متبنيا‬
‫ومدافعا عن قيم هذا االتجاه أو املدرسة؛ ألنه –أي النقد‪ -‬جاء في هذا اإلطار ليسند ويبرز هذا‬
‫االتجاه أو ذاك‪ ،‬وهنا نستدل‪-‬مثال‪ -‬بالنقد االجتماعي الذي جاء مدافعا عن النظرية االجتماعية‬
‫لألدب التي شعارها "األدب للمجتمع" أو "األدب للشعب"‪ ،‬وهو يرفض كل املفاهيم‬
‫والقيم‪ ،‬األدب املائع الذي ال يخدم املجتمع وال يثبت مكانة اإلنسان‪ -‬مهما كان‪ -‬فيه‪ .‬لقد جاء‬
‫محاربا لألدب البورجوازي الذي أهمل املجتمع وجاء خادما أمينا للبورجوازية‪ ،‬متبنيا نظرية‬
‫"الفن للفن"‪ ،‬مهمال أو مقصيا عامة أفراد املجتمع‪ ،‬لقد جاء هذا األدب ليرفه عن الطبقة‬
‫البورجوازية الحاكمة‪ -‬التي استولت على البالد والعباد فكان يسليها‪ ،‬وكذلك جاءت نظرية األدب‬
‫املاركس ي في دائرة األدب للمجتمع‪ ،‬لتدافع عن القيم الحزبية السياسية املاركسية‪ ،‬متخذة من‬
‫األدب وسيلة سياسية في إطار دعاية للحزب املاركس ي‪ ،‬وترسيخ مفاهيمه ومقرراته الحزبية‬

‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬ ‫‪3‬‬ ‫لطلبة السنة الثانية دراسات لغوية‬


‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬مخزومي‬ ‫محاضرة نظرية الأدب‬ ‫نظرية الأدب (تطبيق)‬

‫السياسية في عقول الشعب‪ ،‬وذلك لقناعة املاركسيين بأن فن األدب يعد وسيلة قوية للتأثير في‬
‫الشعب‪ ،‬ومعنى ذلك أن هذا األدب هو أدب دعاية‪« littérature de la propagande » .‬‬
‫من هذا املبدأ جاء ّ‬
‫الناقد املاركس ي ليتبنى هذه املفاهيم السياسية للحزب وكان الناقد‬
‫يهاجم كل أديب يكتب خارج اإلطار املاركس ي ويعتبره ضد سياسة الحزب والدولة‪ ،‬وفي هذا‬
‫تحديد لحرية األديب‪ .‬مع العلم أن النقد في كل اتجاه أو مدرسة جاء متبنيا ملفاهيمها التي قامت‬
‫عليها‪.‬‬
‫ولهذا‪ ،‬إذا أردنا أن نعرف أسس أية نظرية أدبية علينا أن نعود إلى نوع النقد األدبي الذي‬
‫ّ‬
‫تبناها ونستخلص منه أركان هذه املدرسة األدبية أو النظرية األدبية التي تمثلها‪ ،‬ألن األدب‬
‫مرتبط بالنقد والتاريخ األدبي‪ .‬واملستنتج من كل ذلك هو أنه ال وجود للنقد‪ -‬في مجالنا‪ -‬بدون‬
‫وجود أدب‪ ،‬والنقد انتماءات واتجاهات بل ومدارس‪ .‬والنقد األدبي في ارتباطه باألدب يمثل قيمه‬
‫ويطوره بتوجيهاته الواعية‪ ،‬ذلك أن الناقد فنان وله رؤية قد تفوق "غالبا" ثقافة األديب‪ .‬وال‬
‫قيمة لألدب بدون نقد ألنه هو الذي يبرز قيمه الفنية والفكرية والثقافية‪ ...‬وبدون نقد ال يمكن‬
‫أن نعرف األعمال الفنية الخالدة‪ .‬والناقد ليس كما قيل عنه في الغرب في أواخر القرن التاسع‬
‫عشر‪" :‬أديب فاشل"‪ ،‬ذلك ألنه كان يبرز عيوب بعض األدباء‪ -‬املغرورين إن صح التعبير‪ -‬فهم‬
‫يرون أنه بعيد عن اإلنتاج الفني ويقوم بنقدهم ويبرز عيوبهم‪ ،‬إنهم يريدون أن يعجب الجمهور‬
‫يما يكتبون‪ ،‬ولهذا يغتاظون من الناقد –وقد أثبت الواقع ذلك‪ -‬ألنه كان يبرز أخطاءهم الفنية‬
‫ويعمل على توجيههم‪ ،‬إنه ليس أديبا فاشال بل هو إنسان مثقف له ثقافة واسعة في الفن واألدب‬
‫والفكر والسياسة والثقافة والحياة بعامة‪ .‬وثقافته هذه هي التي تصل به وتجعله ذا مكانة بارزة‬
‫في عالم األدب والفن‪ ،‬وبدونه ال قيمة لألدب‪ ،‬بل يموت األدب وينس ى ويضيع في طيات األزمنة‬
‫واألمكنة‪ .‬ولوال النقاد ما كنا لنعرف ال الجاحظ وال أبا العالء املعري وال أبرز األدباء والشعراء‬
‫من الجاهلية إلى عصرنا هذا‪ ،‬وما كنا نعرف بودلير و فيكتور هيجو و رونسار وال إرنست‬
‫همنجواي وال سارتر وال‪...‬‬
‫نحن ال نريد أن نفصل النقد عن األدب فهما في خط واحد تجمعهما كل القيم التي ذكرناها‬
‫باختصار شديد‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬نريد أن نجعل طلبتنا بعيدين عن التلقي األعمى الذي يجعلهم آالت‬

‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬ ‫‪4‬‬ ‫لطلبة السنة الثانية دراسات لغوية‬


‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬مخزومي‬ ‫محاضرة نظرية الأدب‬ ‫نظرية الأدب (تطبيق)‬

‫للتسجيل والحفظ وإعادة البضاعة كما هي‪ ،‬دون أن يعي الواحد منهم ما يكتب أي دون أن يكون‬
‫له دور ومشاركة وإحساس بأنه يبحث بجدية وبثقة تدعمهما ثقافة واعية متخصصة وليس‬
‫ثقافة تاريخية لألدب والنقد يعيدها كما حفظها‪ ،‬البد أن يكون للطالب‪ -‬الجامعي‪ -‬فكر حي ّبناء‬
‫يثري ثقافته وثقافة املجتمع ويصبح له دور فعال في البناء والتأسيس‪ ،‬ألنه يمثل وعي املجتمع‬
‫وحاجته للبحث عن الذات‪ ،‬وإال فإننا سنبقى تابعين لثقافة الغرب ُيقولبنا في أي شكل أو صورة‬
‫يريد‪ .‬وهنا‪ ،‬نقول‪ :‬يكفي أجيالنا الجديدة ثقافة التدجين والتقييد‪ ،‬نحن نريد ثقافة التجديد‬
‫والوعي بالذات‪ -‬ذات األمة ‪.‬‬
‫كنا ند ّرس نظرية األدب منذ الثمانينيات بالطريقة الجافة ترتكز على أسماء وتيارات‬
‫تاريخية دون أن نخرج من إطار التبعية والتقليد‪ ،‬فكان الطالب يأخذ بضاعة ويردها ويأخذ‬
‫عالمة وانتهى األمر‪ ،‬وتمر األشهر بل السنوات دون أن يمتلك رصيدا معرفيا يرفعه إلى اإلدالء‬
‫ّ‬
‫برأيه حول الفكر األدبي والنقدي اللذين تبناهما أو باألحرى اللذين تعلمهما‪ ..‬وهذا يضعنا في‬
‫بوتقة ضيقة ال نستطيع بل ال نملك الخروج منها والبحث عن قراءة واقعنا األدبي والنقدي‬
‫والعمل على الخروج من التقليد وتأصيل قيم وآراء تناسب عصرنا وطموحات أمتنا‪-‬هذه األمة‬
‫ّ‬
‫العظيمة والكبيرة‪ -‬ونؤسس أدبا يخدمنا ُويخرجنا من متاهات التشتت والتبعية والضياع‪ ،‬ذلك‬
‫أن كل مدرسة أدبية أو نقدية في الغرب تعبر عن تحوالتهم السياسية واالجتماعية والثقافية‬
‫والفلسفية‪ ،‬وحينما يضيق بهم العصر يعملون على الثورة عليها وتجديد الرؤية الفنية‬
‫والجمالية والفكرية وغيرها لتناسب الواقع املعيش وهي رؤية تجديدية ترسم آفاق مستقبل‬
‫أفضل من الحاضر‪ .‬ولو حاولت أن أقدم بعض األمثلة عن هذه الثورات والتحوالت في الفكر‬
‫ّ‬
‫واألدب والفن وغيرها فإننا نذكر – مثال السريالية‪ le surréalisme‬التي نظر لها أندريه‬
‫بريتون"‪ ،"André breton‬والتي برزت مع الحرب العاملية األولى‪ ،‬ذلك ألن األدباء كفروا بكل القيم‬
‫السياسية والفكرية واالجتماعية والفنية ألنها – باختصار‪ -‬لم تستطع أن تحمي اإلنسان من‬
‫تدمير نفسه؛ ماليين البشر تحت األنقاض وآالف املدن والقرى مهدمة واملوت ينثر في كل مكان‬
‫الجيف‪ ...‬فجاء فنانون وأدباء ثاروا وهربوا من هذا الواقع املدمر إلى عالم خلقوه ألنفسهم فوق‬
‫الواقع أو ما وراء الواقع‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لـ‪ -‬الوجودية‪ l’existentialisme-‬وجودية‬
‫سارتر‪ ،‬التي يتباهى بها الكثير من األدباء العرب‪ -‬أقول هذا عن يقين كامل‪ -‬ولم يعرفوا أنها ثورة‬

‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬ ‫‪5‬‬ ‫لطلبة السنة الثانية دراسات لغوية‬


‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬مخزومي‬ ‫محاضرة نظرية الأدب‬ ‫نظرية الأدب (تطبيق)‬

‫نشأت في الحرب العاملية الثانية ألن سارتر‪ ،‬كما رأينا عند أندريه بريتون قد كفر بكل القيم التي‬
‫لم تستطع أن تحمي اإلنسان من تدمير ذاته‪ ،‬فالعالم كله خراب في خراب‪ ،‬فأرس ى مفاهيمه‬
‫للوجودية ولكنها وجودية ملحدة‪ ،‬كافرة‪ ،‬كفر فيها سارتر بكل القيم وكفر بوجود هللا ألنه لم يحم‬
‫العالم من هذا الدمار الذي وقع فيه‪ ،‬وذلك عكس وجودية هيجل املؤمنة‪ .‬وهذه املفاهيم تبناها‬
‫األدباء والنقاد واملفكرون والفنانون والرسامون‪...‬‬
‫ونذكر مثاال آخر تمثل في ثورة النقاد التأثريين "‪ "les impressionnistes‬على النقد العلمي‬
‫الذي تزعمه فرديناند برونتيير " ‪ "Ferdinand Brunetière‬الذي عمل على تطبيق املعايير‬
‫العلمية على األدب والنقد‪ ،‬وقام النقاد التأثريون مطالبين بالتحرر من القيود العلمية التي ضاق‬
‫بها األدباء ألنها حددت خطواتهم في محيط إبداعي معين وضعته الروح العلمية التي سادت‬
‫العصر‪ .‬وأحدث ذلك ثورة ومعـ ـ ــارك فكرية تزعمها جول لوميتر " ‪ " jules Lemaitre‬و أناتول‬
‫فرانس "‪ "Anatole France‬ضد برونتيير الداعي إلى تطبيق الروح العلمية‪ ..‬انتصر فيها التأثريون‬
‫مبينين أن ما ينجح في تطبيقه على العلم وفي املخابر ال يمكن أن نطبقه على عواطف‬ ‫في النهاية ّ‬
‫اإلنسان وأحساسيسه ‪.‬‬
‫ومـن هنا‪ ،‬نقول‪ :‬إن األديب والناقد مؤسسان ومجددان للقيم االجتماعية والثقافية‬
‫والسياسية‪ .‬إنهما يجعالن الفن بكل توجهاته خادما ّ‬
‫وموجها بل صانعا ملجتمع جديد؛ ألن الفنان‬
‫هو األكثر تأثيرا في املجتمع‪.‬‬
‫ما أحوجنا أن نجدد مفاهيمنا انطالقا من الجامعة ومن الفكر الجامعي الحي النابض‬
‫بالحياة‪ ،‬الناقد للسلبيات‪ ،‬وصانع أذواق األجيال‪ ،‬ونصنع فنا راقيا وإنسانا واعيا ألن تربية الذوق‬
‫الفني تسمو بقيم اإلنسان‪ ،‬إن اإلنسان الذي يتذوق الفن ويحس بالجمال هو الذي يؤثر‪.‬‬
‫فالطالب أو غيره من املثقفين ‪ -‬في األعم‪ -‬عندنا ال يقدر على قراءة لوحة زيتية لرسام بارز مثل‬
‫بيكاسو أو غيره من الرسامين العرب البارزين ألنه بكل بساطة ال يملك ثقافة فنية‪ ،‬والثقافة‬
‫الفنية هي التي تسمو بالذوق‪ - .‬فاهلل سبحانه وتعالى‪ -‬لم يبعث كتابه القرآن الكريم وهو أعظم‬
‫رسالة ودستور في الحياة ‪-‬من بداية الخلق إلى يوم القيامة‪ -‬في أمة ال تتذوقه‪ .‬نعم‪ ،‬لقد كان‬
‫العرب آنذاك في جاهلية دينية فقط‪ ،‬ألنهم لم يأتهم رسول نبي بعد سيدنا إسماعيل عليه السالم‬
‫ويعلمهم ويرشدهم إلى طريق هللا األحد‪ ...‬ولكنهم في املقابل كانوا يملكون ذوقا وكان لهم احتكاك‬

‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬ ‫‪6‬‬ ‫لطلبة السنة الثانية دراسات لغوية‬


‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬مخزومي‬ ‫محاضرة نظرية الأدب‬ ‫نظرية الأدب (تطبيق)‬

‫بالشعوب األخرى وبحضاراتهم‪ ،‬إنهم أصحاب رحلة الشتاء والصيف‪ ،‬ونعرف ذوقهم من الشعر‬
‫الجاهلي وبناء الصورة الفنية لدى الشعراء فيه‪ .‬لقد فهموا القرآن ألنهم كانوا أصحاب فصاحة‬
‫وبالغة فجاء من أعجزهم‪ ،‬ولهذا فالقرآن بإعجازه البياني بقي ويبقى إلى يوم القيامة أقوى‬
‫وأفصح أسلوب‪ ...‬إن كل املعجزات قد راحت‪ ،‬أين سفينة نوح أين ناقة صالح أين عصا موس ى‬
‫أين معجزات سيدنا عيس ى‪( ..‬عليهم جميعا الصالة والسالم)‪ ،‬لكن معجزة محمد صلى هللا عليه‬
‫وسلم هي الوحيدة التي بقيت وستبقى إلى أن يرث هللا األرض ومن عليها‪ ،‬وللتوضيح نقول إن‬
‫الهدف من معجزات األنبياء هو االنتباه إلى هذا النبي املبعوث وإلى ما سيقول لهم ‪..‬‬
‫والنتيجة من كل ذلك هي أن الذوق الفني هو أساس الفكر السليم والحضارة‬
‫املتطورة‪ ،‬لهذا فإن الشعوب التي ال ذوق لها‪ -‬وهذا تعكسه فنونهم عامة والغناء خاصة‪ -‬ال يرجى‬
‫منها خير ألنها متأخرة وستبقى متأخرة‪ .‬فالفن واإلحساس بالجمال يهذب ذوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬واإلنسان الذي يملك ذوقا راقيا هو إنسان له إحساس بالحياة وباإلنسان الذي أمامه‬
‫وحوله‪ ،‬إنه إنسان يحمل قيما سامية‪ ،‬فهو ال يظلم وال يكون متهورا في تصرفاته ويكون متخلقا‬
‫يحس باإلنسان الفقير فيعطف عليه ويحس بإحساس اليتيم واملظلوم واملقهور فيقف معه‬
‫ويدافع عنه‪ ..‬إنه يسمو باألخالق ويهذب النفس‪.‬‬
‫إن الفن هو رسالة سامية في املجتمع تزيح الفاسد وتصنع الجميل‪ ،‬فالفن يرقى بذوق‬
‫اإلنسان ويسمو به بعيدا عن الدنايا والسقوط‪ ،‬وباملقابل فإن هذا اإلنسان الفنان يحس بمن‬
‫حوله ويحس بشعبه وبأمته فال يعطيها بالظهر ويكون أنانيا‪ ،‬بل يدافع عنها بفنه ‪-‬مهما كان نوع‬
‫هذا الفن‪ -‬ذلك مثل كتابنا أثناء الثورة التحريرية فهم على الرغم من ثقافتهم الفرنسية األجنبية‬
‫ّ‬
‫تتخل عن الدفاع عن الجزائر‪ ،‬هذا القلم الذي‬ ‫التي فرضها االستعمار عليهم فإن أقالمهم لم‬
‫أقسم به هللا تعالى‪ ،‬في قوله "نون والقلم وما يسطرون"‪ ،‬لقد كان هذا القلم في دفاعه عن الوطن‬
‫مثل رصاص املجاهدين في املعركة لقد فضحوا فرنسا ‪-‬التي تتغنى بالعدالة الحرية املساواة‪ -‬أمام‬
‫ُ‬
‫العالم‪ .‬ولهذا‪ ،‬فإن فرنسا لم تد ّرس األدب الجزائري املكتوب باللغة الفرنسية في جامعاتها‬
‫وبالعكس تدرس الكثير‪-‬حسب علمي‪ -‬األدب اإلفريقي ملستعمراتها‪ ،‬ألن أدبنا املكتوب الفرنسية‬
‫يعد إدانة تاريخية لها وفضيحة لها على جرائمها التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري منذ‬
‫االحتالل )‪. (1830-1962‬‬

‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬ ‫‪7‬‬ ‫لطلبة السنة الثانية دراسات لغوية‬


‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬مخزومي‬ ‫محاضرة نظرية الأدب‬ ‫نظرية الأدب (تطبيق)‬

‫وما نريد أن نقوله من وراء كل ذلك هو أن األدب األصيل السامي الذي يؤمن بواقعه وبكل‬
‫قضايا مجتمعه ومعاناته أفرادا كانوا أو جماعات هو أدب مؤمن يعبر عن وعي الفنان وتشبعه‬
‫بقيم فنية تجعله مستقال بعيدا عن التبعية‪ .‬ولهذا‪ ،‬فإن الفن واألدب الذي نريده هو األدب‬
‫الذي يكون صادرا من البيئة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فإننا نرفض أدب الشذوذ واالنحرافات الجنسية يسمى‬
‫أدبهم أدبا فاضحا ‪ littérature pornographique‬وأدب إيديولوجيات معاكسة لقيم األمة ‪...‬‬
‫لقد منح الغرب لهذا النوع من األدباء –الذين يقول عنهم التحليل النفس ي أنهم يحملون‬
‫عقدا منذ طفولتهم‪ -‬أعلى الجوائز العاملية‪ ،‬وهذا ليس سرا إنما يعلمه الكثير من نقادنا الذين‬
‫يمثلون الوعي بالذات والوعي باآلخر‪ ..‬وهذا بهدف تشجيعهم على إفساد أخالق أبناء األمة‬
‫باالنحالل الخلقي‪ .‬وكل هذا يساعدهم على ضرب الفكر الحي في األمة وينفد مخططاتهم‬
‫الهدامة‪ .‬إن رسالة األدب هي رسالة سامية –بل مقدسة‪ -‬ألنه يدافع عن األمة ويحارب الفساد‬
‫واالنحراف ويسمو باإلنسان ويخلصه من السلبيات التي تشده إلى األرض وتشل حركته الفكرية‬
‫وتبث فيه التداعي والتهاون والخمول وتجعله ال يشعر بدوره في الحياة‪ ،‬كما تبث فيه‬
‫الالمباالة‪ ،‬بما يقع حوله‪.‬‬
‫بناء على كل ذلك نرى أن نظري ـ ــة األدب املعبرة عن واقع األمة‪ ،‬الصادقة بفلسفتها تدعم‬
‫وعي الفنان بالذات ودوره الذي يجب أن يقوم به‪ ،‬كما تدعم وعيه باآلخر وما يخططه له‪ ،‬أي‬
‫ألمته‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تتجلى وظيفة الفن لديه في سياق فكر جديد ينتج إنسانا جديدا يسهم في بناء‬
‫وتأسيس مجتمع خير فاضل وإنسان عامل صادق في كل ما يقوم به ويعول عليه املجتمع حاضرا‬
‫ومستقبال‪.‬‬
‫وهن ـ ــا‪ ،‬يسأل سائل‪ :‬ملاذا كل هذا االهتمام والرغبة في التجديد بل والتأصيل الفكري والفني‬
‫في أدبنا العربي‪-‬أقول العربي‪ -‬املعاصر؟‪.‬‬
‫إن الدافع إلى هذا االهتمام والرغبة امللحة في التجديد والتأصيل لنظرية أدبية عربية ّ‬
‫تعبر‬
‫عن واقعنا الجديد وترسم مسارنا الفكري والفني القائم على الوعي بالذات‪ ،‬من أجل الخروج‬
‫من التبعية العمياء للذين رسموا لنا مسارا واتبعناه أجياال وأجياال‪ ..‬كما أرادوه لنا‪ ،‬في السياسة‬
‫والفكر والثقافة والفن بل حتى في حياتنا العامة بسم الحرية وحرية التعبير والديمقراطية‬
‫وحرية الجسد واملوضاة في التعري واللباس الفاضح‪ .‬أخذنا منهم الشكل وتركنا املضامين‪.‬‬

‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬ ‫‪8‬‬ ‫لطلبة السنة الثانية دراسات لغوية‬


‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬مخزومي‬ ‫محاضرة نظرية الأدب‬ ‫نظرية الأدب (تطبيق)‬

‫أقول‪ ،‬يعود الدافع إلى هذه الرغبة إلى أيام غزو الجيش األمريكي للعراق‪ -،‬في إطار العوملة‬
‫أو النظام العاملي الجديد الذي هيمنت فيه أمريكا على العالم‪ ،‬الذي أقامته لسحق وتركيع‬
‫الشعوب الضعيفة‪ ،‬وبخاصة شعوب األمة العربية واإلسالمية‪ ،‬وطبعا كانت الجزائر من بينها‪.‬‬
‫هذا النظام الذي أربك أوروبا‪-‬أخت أمريكا‪ -‬سياسيا وعقائديا وتاريخيا‪ ،‬حتى راحوا يجمعون‬
‫أشتاتهم –أي اإلخوة األعداء‪ -‬وشكلوا اتحادا أوروبيا؛ سياسيا وعسكريا واقتصاديا وقد مثله‬
‫البرملان األوروبي‪ ،‬وجعلوا َعلما وعملة‪ ،‬في ظل هذا االتحاد‪ ،‬ملواجهة الدوالر اقتصاديا‪ -‬عملة‬
‫األورو‪ -‬الذي وحدهم اقتصاديا وفتحوا حدودهم على بعضها البعض‪ ..‬والحديث يطول كثيرا‪...‬‬
‫وقد فكروا بعد ذلك وقرروا إدخال دول أوروبا الشرقية الفقيرة ضمن اتحادهم‪ ،‬وذلك خشية‬
‫أن تحوزهم أمريكا وتتخذ من أراضيهم قواعد لها داخل أوروبا‪ ،‬والحديث يطول كثيرا‪ ...‬ملاذا كل‬
‫هذا التوجه الجديد ألوروبا؟‪ ،‬باختصار نقول‪ :‬إن أمريكا في بداية حربها على العراق طلبت منهم‬
‫يرسلوا جيوشا من كل الدول ملحاصرة العراق وأرسلوا تنفيذا لألوامر ‪.‬‬
‫أن ِ‬
‫في ظل هذه الصدمة القاسية‪ ،‬توقفت عن تدريس نظرية األدب باملفهوم التاريخي‬
‫التقليدي الذي انصب االهتمام فيه على ما قاله الغربيون عن نظرية أو نظريات األدب‪- ،‬وكذلك‬
‫النقد األدبي‪ -‬التي هي في األصل مرتبطة ارتباطا وثيقا بتحوالتهم االجتماعية والسياسية‬
‫واالقتصادية والفنية‪ -‬كما سبق الذكر'‪ ،‬ورحت أبحث مع طلبتي آنذاك ‪-‬في سنة ‪ -2005‬عن‬
‫نظرية أدب تنبع من واقعنا وتعبر عن طموحاتنا وتؤسس ألدب يخدمنا ويخلصنا من رواسب‬
‫التبعية وسلبيات الحياة التي نعيش فيها‪ ،‬وتأسيس جديد يعبر عن واقعنا ويبعث فينا األمل‬
‫والثقة بالذات ويحطم اليأس القاتل الذي يسكن أمتنا املشتتة ‪ -‬الحاضرة الغائبة‪ -‬وهذه هي‬
‫غايتنا‪.‬‬
‫مع العلم فأننا كلفنا كل طالب من طلبة مشروع املاجستير الذين كنت أدرسهم‪-‬آنذاك‪-‬‬
‫بدراسة كتاب نظرية األدب وتقديم عرض شامل له أمام الطلبة ومناقشته من طرفهم‪-‬وغالبا ما‬
‫كان الكتاب مترجما‪ -‬وعملنا على دراسة نظرية األدب انطالقا من الواقع الجديد الذي فرضته‬
‫العوملة وسياساتها القائمة على الهيمنة والسيطرة على الشعوب الضعيفة‪ ..‬فأتت دراسة قائمة‬
‫على الوعي بالذات والوعي باآلخر‪ ،‬كثر فيه التحليل واملناقشة من الطلبة وكان موضوع امتحان‬
‫نهاية الفصل لطلبة املاجستير [ أجري هذا االمتحان على طلبة قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬ ‫‪9‬‬ ‫لطلبة السنة الثانية دراسات لغوية‬


‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬مخزومي‬ ‫محاضرة نظرية الأدب‬ ‫نظرية الأدب (تطبيق)‬

‫بجامعة ابن خلدون‪ -‬تيارت‪ ،‬يوم األربعاء ‪ ]2005/11/23‬وذلك انطالقا من هذه الرغبة في‬
‫التحول وإثبات الذات في ظل هذه الهجمة الساحقة للعوملة‪ ،‬اآلتي ‪:‬‬
‫"لقد أحدثت صدمة العوملة‪-‬في عاملنا العربي واإلسالمي خاصة‪ -‬هزة قوية هزت الفكر‬
‫والقيم السائدة في مجتمعاتنا‪ ،‬وتركتنا نراجع أنفسنا بحثا عن ذاتنا الغائبة أو املغيبة‪ ،‬حتى‬
‫نضمن مناعة فكرية وثقافية تجعلنا قادرين على مواجهة واقعنا الجديد‪..‬‬
‫نريد من هذا املنطلق‪ ،‬أن نضع مشروع نظرية أدب تحدد أبعاده وترسم خطوات وظيفته‬
‫الجديدة التي تخرجه من امليوعة والتبعية لآلخر‪ ،‬وذلك حتى يكون قادرا على توجيه األمة‪ ،‬وبعث‬
‫الثقة في النفوس‪ ،‬والقدرة على الثبات بقوة في مواجهة تيارات العوملة التي تضرب ‪ -‬بجهر‪ -‬كل‬
‫قيمنا الروحية والفكرية والثقافية"‪..‬‬
‫وبناء على هذا األساس سنقوم –يا أبنائي الطلبة‪ -‬على العمل سويا ‪-‬وبصورة عملية‬
‫تطبيقية‪ -‬على استخالص أسس نظرية األدب من محاضرات النقد األدبي أو االتجاهات أو‬
‫املدارس النقدية التي درسناها في الفصل السابق‪ ،‬بحيث نكتفي باستخالص أربعة نماذج‬
‫لنظرية األدب وهي‪:‬‬
‫نظرية األدب في النقد التاريخ ـ ـ ــي‬ ‫‪-1‬‬
‫نظرية األدب في النقد االجتماعي‬ ‫‪-2‬‬
‫نظرية األدب في النقد النفس ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫‪-3‬‬
‫نظرية األدب في النقد الجمالـ ـ ـ ــي‬ ‫‪-4‬‬
‫وسنقوم عند نموذج تطبيقي واحد نتعرف من خالل دراسته على كيفية استخالص أسس‬
‫أو عناصر نظرية األدب لكل اتجاه من االتجاهات أو املدارس النقدية السابقة‪.‬‬
‫وهدفنا من وراء كل ذلك هو أن يتعلم الطالب بنفسه كيفية فهم هذه العالقة بين النقد‬
‫األدبي ونظرية األدب‪ ،‬ويتعلم كيف يقوم بقراءة النص النقدي واستخالص األسس النظرية‬
‫لألدب من خالله‪ ،‬وقد سبق أن عرضت ذلك شفويا وعلى السبورة‪ ،‬وبهذا يتعلم الطالب كيف‬
‫يستقل بشخصيته ويشكل رأيا خاصا به وقدرة على بناء أفكاره بناء قادرا على الوعي الثقافي‬
‫والرصيد املعرفي الذي يعطيه رأيا وثقة وقدرة على التجديد في الفكر والفن والنقد في أمتنا‬
‫واكتسابه فكرا نقديا أصيال‪ ،‬وذلك حتى يكون قادرا على التغيير في املجتمع وإعطاء رأيه من أجل‬

‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬ ‫‪10‬‬ ‫لطلبة السنة الثانية دراسات لغوية‬


‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬مخزومي‬ ‫محاضرة نظرية الأدب‬ ‫نظرية الأدب (تطبيق)‬

‫تأسيس وعي نقدي أصيل ينبع من افكارنا وواقعنا حتى ال نكون تابعين لآلخر‪ .‬مع العلم أننا يجب‬
‫أال نهمل اآلخر‪ -‬النقد الغربي ومدارسه‪ -‬بل علينا أن نستفيد منه استفادة علمية معرفية‬
‫متكاملة وهذا للتعرف على أسباب ودوافع التجديد لديه وتأصيل أفكاره وكل ذلك يساعدنا‬
‫منهجيا على تأصيل فكرنا األدبي والنقدي بعامة‪.‬‬
‫إن الوعي الكامل بكل ما نقوم به يعبر عن وعينا القوي بالذات‪ ،‬الذي يكسبنا أصالة فكرية‬
‫وخصوصية في كل أفكارنا‪ ،‬ليس في األدب والنقد فقط ‪ ،‬بل في كل توجهاتنا في الحياة‪ ،‬ألن الفكر‬
‫األدبي والنقدي كما رأينا‪ ،‬ينطلق من خصوصيته التي يؤسس عليها كل أفكاره وتوجهاته في الفكر‬
‫يميز أدب أمة عن أمة أو نظرية عن نظرية هو‬ ‫والفن والحياة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬نقول‪ :‬إن ما ّ‬
‫"الخصوصية" التي تحمل طابع األصالة الفكرية والثقافية بل والعقيدة‪ ...‬هذا ما نلمسه في تفكير‬
‫أو آراء الكثير من كتاب الغرب‪ ،‬بحيث نرى أفكارهم تعبر عن انتماءاتهم العقائدية والفكرية‬
‫والسياسية‪ .‬ونذكر في هذا الجانب‪-‬جانب الخصوصية‪ -‬أنه عندما برزت نظرية التلقي في‬
‫أملانيا؛ شاعت وانتشرت في أوروبا والعالم ‪-‬لم يتقبلها الفرنسيون‪ -‬ألن أي نظرية نقدية أو فنية‬
‫أو أدبية‪ ..‬تظهر في بلدان من بلدانهم وتجد رواجا‪ ،‬يتبناها كل الغربيين‪ ..‬والسبب في ذلك هو‬
‫العداوة التي يكنها الفرنسيون لألملان ألن األملان احتلوا جانبا من فرنسا في الحرب العاملية‬
‫الثانية‪ ،‬لكنهم تقبلوها بعدما أضفوا عليها الخصوصية الفرنسية‪.‬‬
‫إن الخصوصية هي الطابع الذي يميز األفكار والفنون بالنسبة للشعوب واألممـ وقد الحظ‬
‫بعض النقاد العرب في تطبيقاتهم للمناهج النقدية الغربية على األدب العربي‪ ،‬عجزهم عن‬
‫استيعابها وتطبيقها ألنها بعيدة عن خصوصيتنا وال يتقبلها القارئ العربي‪ ،‬ألنها بعيدة عنه‬
‫بحيث ال تنطبق على معتقداتنا وأفكارنا‪ .‬وكانت استنتاجات هؤالء النقاد هادفة ألنها تكشف‬
‫أننا نقلد وال نبدع‪.‬‬
‫فنحن –عموما‪ -‬حينما نتحدث عن األدب ونظريته‪ -‬أو النقد‪ -‬فإننا نجد أننا نتحدث عن‬
‫نظام حياة نحياها في ظل االنبهار الحضاري والتقليد األعمى لكل ما هو آت من اآلخر حتى ّ‬
‫تلبسنا‬
‫عقد نقص تجاه الحضارة الغربية‪ ،‬وأصبحت لنا النموذج األمثل للحياة بكل ما فيها‪ .‬لقد أضعف‬
‫كل هذا شخصيتنا بحيث أصبحنا نستورد أفكارنا كما نستورد غذاءنا ومالبسنا‪ ،..‬وأصبحنا ال‬
‫نسمع لكاتب أو سياس ي رشيد ينقد هذا الواقع املثالي الذي صنعناه ألنفسنا واالنبهار به‪ ،‬بل‬

‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬ ‫‪11‬‬ ‫لطلبة السنة الثانية دراسات لغوية‬


‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬مخزومي‬ ‫محاضرة نظرية الأدب‬ ‫نظرية الأدب (تطبيق)‬

‫َ‬
‫ننظر إليه على أنه ضد تيار الحضارة والحداثة‪ ،‬وينعت بالرجعية والتأخر‪ ..‬إنه االنبهار األعمى‬
‫ً‬
‫الوعي بالذات‪..‬‬ ‫الذي ّ‬
‫غيب فيه الوعي باآلخر‬
‫وسنعمل بعد هذه النظرة النقدية لواقعنا الفكري واألدبي والنقدي واالنبهار الحضاري‬
‫بالغرب في القسم الثاني من هذه املحاضرات عند الحديث عن طبيعة الفن وماهيته والفنان‬
‫وقضايا الفن ورسالته في مجتمعنا العربي املعاصر‪..‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬عزالدين املخزومي‪.‬‬

‫السداسي الرابع (‪)2020-2019‬‬ ‫‪12‬‬ ‫لطلبة السنة الثانية دراسات لغوية‬

You might also like