You are on page 1of 11

‫المقياس‪ :‬سوسيولوجيا الفن‬

‫األستاذ‪ :‬الدكتورة باحفيظ‬


‫سنوسية‬
‫المستوى‪ :‬السنة أولى جذع‬
‫مشترك‬
‫القسم‪ :‬قسم الفنون‬
‫الكلية‪ :‬كلية األدب العربي‬
‫والفنون‬
‫السنة الجامعية‪2022-2021 :‬‬

‫‪1‬‬
‫المحاضرة‪01 :‬‬

‫ّ‬
‫الفن واألدب ظاهرتان‬ ‫يعتبر النقاد االجتماعيون ّ‬
‫أن‬
‫أن الفنّان‬
‫اجتماعيتان‪ ،‬بحيث يعبّر الكاتب بلغة مجتمعه‪ ،‬كما ّ‬
‫الفن وأنواعه إنّما يعتبر فنّه إعالء لغايات‬
‫في مختلف أشكال ّ‬
‫وأهداف اجتماعية‪.‬‬

‫يحس ويحلم ويعبّر كطرف‬


‫ّ‬ ‫والفنّان فرد في مجتمع انساني‬
‫ّ‬
‫الفن واألدب عبر تاريخ‬ ‫في داخل هذا المجتمع‪ ،‬ولقد كان‬
‫البشرية تعبيرا عن عالقته بمجتمعه‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق ف ّكر الباحثون المهتمون بهذا الحقل‬


‫المعرفي في تأسيس نظرية علمية‪ ،‬هدفها تفسير العالقة بين‬
‫األدب وا ّ‬
‫لفن والمجتمع س ّميت ب"النظرية السوسيولوجية"‪.‬‬

‫لقد أ ّكدت مدام دو ستايل في كتابها المعنون "األدب في‬


‫عالقته بالمؤسسات االجتماعية" (‪1800‬م)‪ ،‬ارتباط األدب‬
‫الوثيق بمجتمعه‪ ،‬حيث اعتبر ذلك الكتاب ّأول محاولة لمجمع‬
‫األدب والمجتمع في دراسة واحدة منهجية‪.‬‬

‫ولقد دأبت "مدام دو ستايل" على دراسة مدى تأثير الدين‬


‫والعادات والتقاليد في األدب متأثرة في ذلك بأستاذها‬

‫‪2‬‬
‫"مونتيسكيو" وكتابه "تاريخ الحقوق"‪ ،‬حيث تكلّم عن روح‬
‫األدب وفيه بدأت كلمة "عصري" و"وطني" تنحيان منحى‬
‫جديدا؛ فأصبح األدب يعلّل تنوعه عبر الزمان والمكان‬
‫بمجتمعاته البشرية وخصائصها المميزة‪.1‬‬

‫وفي هذا العصر برز مفهوم "روح العصر" و"الروح‬


‫الوطنية"‪ ،‬وذلك في منتدى "مدام دو ستايل" وأصدقائها‬
‫األلمان‪ ،‬وقد كان "تين" ‪ Taine‬من أه ّمهم‪ ،‬وقد عرف "تين"‬
‫بمقاربته العلمية لألدب والفن ودراستهما من زوايا (العرق‪،‬‬
‫البيئة‪ ،‬والزمن) وتفاعل هذه العوامل الثالث هو ما يحدّد هذه‬
‫الظاهرة‪.‬‬

‫ّ‬
‫الفن‬ ‫ويعارض "النسون" ما ذهب إليه "تين" بحجّة ّ‬
‫أن‬
‫واألدب تتحكم فيهما عملية اإلبداع المتصلة بالخيال والعاطفة‪،‬‬
‫ولذلك فال يمكن لعلم االجتماع األدبي أن يحقّق نفس نتائج العلم‬
‫من حيث الدّقة‪.‬‬

‫لقد أخضع كارل ماركس ّ‬


‫الفن واألدب لنفس الدّراسة في علم‬
‫االقتصاد‪ ،‬وإن لم تكن دراسته صريحة في مجالي الفن‬
‫واألدب؛ ّ‬
‫فإن هناك من الباحثين في حقل "علم الجمال" من‬
‫حولوا نظرية ماركس االقتصادية إلى نظرية تحلّل عالقة ّ‬
‫الفن‬ ‫ّ‬

‫روبيرت سكاربيت‪ :‬سوسيولوجيا األدب‪ ،‬دار منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1983‬م‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪3‬‬
‫واألدب بالمجتمع‪ ،‬مركزين على الجانب البراغماتي (المنفعي)‬
‫في هذه العالقة‪.‬‬

‫فإن مه ّمة النّقد االجتماعي هي مه ّمة رصد‬


‫واختصارا‪ّ ،‬‬
‫العالقة الوثيقة التي ال يمكن إالّ أن تكون بين الفن واألدب‬
‫والمجتمع ‪.2‬‬

‫انظر‪ :‬نفس المرجع صص ‪.34-26‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬‬
‫المحاضرة‪02 :‬‬

‫تاريخ المنهج السوسيولوجي‬


‫(مرحلة التّش ّكل)‬

‫يعود المنهج السوسيولوجي إلى السنوات األخيرة من القرن‬


‫‪18‬م؛ فاألدب ينشأ تباعا لمتطلبات الذات التي ال تعدو أن تكون‬
‫ّ‬
‫والفن‬ ‫تسجيال للوعي الجماعي في مرحلة ثانية لإلبداع الفني‪،‬‬
‫كما األدب يعتبر عالمة دالة على فئة المثقفين‪ ،‬حيث أن فولتير‬
‫قد رفض كلمة "جمهور" المرادفة لكلمة شعب انطالقا من‬
‫أرستقراطية الثقافة آنذاك‪.‬‬

‫وبقدر ما يكون هذا الحدث اجتماعيا؛ ّ‬


‫فإن مشكلة العالقات‬
‫والفن والمجتمع ال تطرح بشكل واع على ّ‬
‫أن تطوره‬ ‫ّ‬ ‫بين األدب‬
‫منذ القرن السادس عشر (ق‪16‬م) (عصر النهضة)‪ ،‬أخذ‬
‫يتسارع منذ القرن ‪18‬م؛ فقد تفرعت المعارف إلى ميادين‬
‫االختصاص فمالت األعمال العلمية والتقنية إلى االبتعاد‬
‫تدريجيا عن األدب البحت الذي كانت دائرته ضيقة‪ ،‬حيث مال‬
‫– أي األدب ‪ -‬إلى غاية الترفيه واالمتاع‪ ،‬وفي االتجاه الجديد‬
‫ّ‬
‫والفن يبحث في ذلك الحين عن إقامة‬ ‫الالتكسبي أخذ األدب‬
‫عالقات عضوية جديدة بينه وبين الجماعة (االهتمام بمضمون‬

‫‪5‬‬
‫الفن) و(رسالته)‪ ،‬وهذا ما يسمى ب(األدب الملتزم) أو (الفن‬
‫الملتزم)‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى أخذ التقدم الثقافي والتقني يؤكد على مفهوم‬
‫ي في الجماعة المستهلكة الحاجة إليه‪،‬‬
‫التكسبية األدب قو ّ‬
‫وضاعف من طرق التبادل فيه‪ ،‬وبفضل ّ‬
‫فن الطباعة وتطور‬
‫صناعة الكتب وتراجع األمية‪ ،‬ثم من بعد بفضل تطبيق الوسائل‬
‫السمعية – البصرية (السينما)؛ ّ‬
‫فإن ما كان امتيازا أرستقراطيا‬
‫لطبقة المثقفين في عصر اإلقطاع أصبح ه ّما ثقافيا عند النخبة‬
‫البرجوازية (الرأسمالية الجديدة) المنفتحة نسبيا‪ ،‬ثم في العهد‬
‫الحديث ‪(-‬النزعة الرومانسية ضد الكالسيكية في القرن التاسع‬
‫عشر)‪ -‬غدا وسيلة تنمية ثقافية للجماهير والذي تنامى خاصة‬
‫مع مجيئ تيار ثورة نابليون بونابرت الجمهورية في فرنسا‬
‫وفي أوربا‪.‬‬

‫فهذا االختصاص من جهة وهذا االنتشار من جهة ثانية بلغا‬


‫حدا حرجا حوالي سنة ‪1800‬م‪ ،‬وإذ ذاك بدأ األدب يعي بعده‬
‫االجتماعي‪ ،‬ويعتبر كتاب مدام دوستال المنشور في هذا‬
‫التاريخ بعنوان "األدب في عالقاته بالمؤسسات االجتماعية"‪،‬‬
‫ّأول محاولة في فرنسا لجمع مفهومي األدب والمجتمع في‬
‫دراسة واحدة منهجية‪ ،‬والتي كانت سببا في فهم تنامي تيار‬
‫الوعي الفني الذي ش ّكل حالة الوعي االجتماعي‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫ولقد توضح موقف مدام دوستال من خالل قولها‪" :‬لقد عزمت‬
‫على أن أنظر في مدى تأثير الدين والعادات والقوانين في‬
‫األدب ومدى تأثير األدب في الدين والعادات والقوانين"‪ .3‬وهي‬
‫بذلك تتفق وتتالقى مع "مونتيسكيو" من حيث تطبيق نفس‬
‫األساليب التي اعتمدها هذا األخير على األدب من حيث إدخال‬
‫مفهومي "عصري" و"وطني" اللذان بدآ يطفوان وينتشران في‬
‫ذلك الزمن الذي تنامت فيه نزعة ما يعرف ب(روح العصر)‬
‫‪ Zeitgeist‬ونزعة (الروح الوطنية) ‪ ،Voltsgeist‬إذ كان‬
‫تنوعه زمانيا ومكانيا بحسب‬
‫ضروريا تعليل األدب من زاوية ّ‬
‫تنوع المجتمعات البشرية واختالف مميزاتها وخصائصها‪.‬‬

‫وهي نفسها المفاهيم التي وردت في مذهب "تين" والمعروفة‬


‫ب‪( :‬العرق‪ ،‬البيئة‪ ،‬والزمن) الذي كان متأثرا بمعطيات ونتائج‬
‫العلوم الطبيعية وبنظرية داروين التطورية‪ ،‬إال أنّه كان بحاجة‬
‫الستيعاب مفهوم "العلم اإلنساني"‪ ،‬وهذا ما كان سبب اعتراض‬
‫جورج النسون ‪ George Lanson‬عليه بعد نصف قرن‬
‫بقوله‪" :‬ليس ما يجمع بين تحليل العبقرية الشعرية وتحليل‬
‫السكر سوى االسم"‪ .4‬وذلك بسبب قصور في مخطط "تين"‬
‫حول العرق والبيئة والزمن‪ ،‬إذ ال يستطيع أن يشمل كافة‬

‫‪3‬‬ ‫‪Mme De Staël : De la littérature, Discours préliminaire.‬‬


‫‪4‬‬ ‫‪G. Lanson : Méthodes de l’histoire littéraire, Etudes Françaises, 1er Cahier, Janvier 1925, p. 23.‬‬

‫‪7‬‬
‫مظاهر الحقيقة التي هي في غاية التعقيد‪ ،‬وذلك ألن مناهجه –‬
‫أي تين‪ -‬ال تطابق خاصية الواقع األدبي والفني‪.‬‬

‫ويرى جورج النسون أن ما كان يقدمه تين من طرائف بصفة‬


‫عشوائية من طرائق العلوم الطبيعية ال تعدو أن تكون إال‬
‫وسائل تقليدية من التاريخ والنقد األدبي يوظفها لتحليل المادة‬
‫األدبية أو الفنية التي يدرسها‪ ،‬وهو ما أطلق عليه النسون‬
‫"التحليل السيري وشرح المتون"‪ .‬إال ّ‬
‫أن وجاهة نظرية تين ما‬
‫أن النّقد ال يستطيع االستغناء عن السياقات‬
‫تزال قائمة بسبب ّ‬
‫الخارجية (التاريخية‪ ،‬الجتماعية‪...‬الخ) في تفسير الظاهرة‬
‫األدبية وتحليل العمل الفنّي اللذان هما مرهونان بمعطيات‬
‫المجتمع والتاريخ والجغرافيا‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫المحاضرة‪03 :‬‬

‫النظرية الماركسية ودورها في انبثاق‬


‫النظريات الجمالية‬

‫في سوسيولوجيا الفن‬

‫ظهرت في القرن التاسع عشر ( ق ‪19‬م) نظرية كارل‬


‫ماركس في علم االقتصاد كعلم إنساني أكثر فعالية من نظرية‬
‫"تين"‪ ،‬حيث فسّر تاريخ المجتمع بواسطة النظرية المادية‬
‫ّ‬
‫والفن محاوالن‬ ‫وأصدر كتابا مع صديقه أنجلز حول األدب‬
‫تفسير العملية اإلبداعية وتأثيرها على المجتمع تفسيرا ماديا‬
‫وفق تفسير علم االقتصاد‪ ،‬غير ّ‬
‫أن الكتاب قد خيب آمال‬
‫معاصريه في إمكانية األخذ به لتفسير الكثير من القضايا األدبية‬
‫والفنية‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فقد ظل هذا الكتاب مرجعا‬
‫أساسيا لمن عملوا بعده على تطوير هذه النظرية في القرن‬
‫العشرين‪.‬‬

‫ّ‬
‫والفن‬ ‫حيث بدأت تتكون نظرية ماركسية حقيقية حول األدب‬
‫مع بليخانوف‪ ،‬هذا األخير الذي اعتبر ّ‬
‫الفن واألدب اجتماعيان‬

‫‪9‬‬
‫في األساس‪ ،‬وهكذا أصبح االهتمام يركز على الفعالية السياسية‬
‫ّ‬
‫والفن‬ ‫التي تأتي بها األعمال األدبية‪ ،‬وذلك بإبراز دور األدب‬
‫في تشكيل الوعي الطبقي لدى الفئات الشعبية في صراعها مع‬
‫الطبقة البورجوازية‪.‬‬

‫وهذا هو الحيز الذي اشتغل عليه ايدانوف عام ‪ ،1956‬حيث‬


‫أظهر وجوب النظر إلى األدب والفن في عالقتهما مع حياة‬
‫المجتمع وذلك في إطار خلفية العناصر التاريخية واالجتماعية‬
‫التي تؤثر في الفنّان أو المبدع‪ ،‬وهو يرتكز في ذلك على المنهج‬
‫الماركسي اللينيني في إدراك الحقيقة وتحليلها ويستبعد وجهة‬
‫النظر الذاتية واالعتباطية التي تعتبر اإلبداع الفني مستقال‬
‫ومنعزال ‪(-‬نظرية كانط)‪-‬؛ فاألدب ظاهرة اجتماعية والفن‬
‫كذلك؛ فهو يعرف الفن على أنّه اإلدراك الحس ّ‬
‫ي للحقيقة عبر‬
‫الصورة الخالّقة‪ ،‬وخالصة هذا المنهج والموقف منه هو ّ‬
‫أن‬
‫مبدأ المنهج التاريخي هو أساس البحث األدبي عند السوفيات‬
‫الذي يعتمد كمعيار أولي ألي عمل فنّي درجة إخالصه في‬
‫عرض الحقيقة بمختلف عقدها‪.‬‬

‫وجاء الهنغاري جورج لوكاتش وتلميذه الفرنسي لوسيان‬


‫غولدمان معتمدان على النهج الماركسي بطريقة متأثرة‬
‫بالماركسية وناقدة لها في نفس الوقت؛ فهي طريقة مش ّكلة‬
‫للوعي الجمالي بدرجة كبيرة؛ فمن بين المآخذ التي سجلها كل‬
‫‪10‬‬
‫من لوكاتش وغولدمان على المنهج السّوسيولوجي السّوفياتي‬
‫انتقاده للمدرسة الشكلية‪ ،‬هذه المدرسة القوية لكونها تطبق علم‬
‫الجمال على أشكال الفنون واآلداب وأساليبها وهي في الحقيقة‬
‫ليست سوى وجها لحركة واسعة تنطلق جذورها من ألمانيا‬
‫وفيها تتحدّد مؤثرات الفلسفة الهيغلية الجديدة "النيو هيغلية"‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن علم األدب هذا كان منذ نهاية القرن التاسع عشر (ق ‪19‬م)‬
‫أولى العقبات التي تعترض ظهور سوسيولوجية أدبية حقيقية؛‬
‫فاالتجاهات السوسيولوجية توضحت خالل نصف القرن ‪19‬م‬
‫على شكل أفكار رئيسية بدال من مجموعة مناهج مترابطة‪،‬‬
‫وقد التقت أحيانا واالتجاهات الشكلية كسوسيولوجيا الذوق مع‬
‫تشوكينغ‪ ،‬ودراسة اللغة باعتبارها عنصرا اجتماعيا في األدب‬
‫مع ويلك‪ ،‬ومما ال شك فيه ّ‬
‫أن األدب المقارن آخر وليد العلوم‬
‫األدبية هو الذي ابتعث العدد األكبر من المبادرات المهمة في‬
‫هذا المجال‪.‬‬

‫‪11‬‬

You might also like