You are on page 1of 17

‫المحاضرة األولى‪ :‬مفهوم الفن وتاريخه‬

‫‪:‬متهيد‬

‫من تقاليد و أعراف علم االجتماع البحثية و االستقصائية االهتمام بتطور اجملتمع اإلنساين و ثقافته و مشكالته‬
‫االجتماعية كاجلرمية و اجلنوح و االحنراف و الطالق و التشرد و احلروب و الكوارث و الطبقات االجتماعية و‬
‫سواها‪ .‬بيد انه مل يول أمهية تذكر اىل العطاء و اإلنتاج الفين و اجلمايل لشرحية املثقفني بل أمهلها و يرى عملها‬
‫‪.‬ما هو ترفا يعكس الرفاهية و اللهو يف أوقات الفراغ‬

‫إمنا مع تطور اجملتمعات من املرحلة الريفية و حتوهلا اىل املرحلة احلضرية و الصناعية و بروز طراز بارز جبانب‬
‫طراز احلياة احلضرية ميثل جادة يف طريق عيش أهل احلضر و هي مجالية التأنق و النزوق و الرتكيز على‬
‫املظاهر اخلارجية يف امللبس و اهليئة املرئية لإلنسان و يف أثاث املنزل و طراز بنائه و منوذجه و استخدام هذه‬
‫املظاهر األنيقة و الزاهية لعكس املستوى االقتصادي و املكانة الطبقية و االجتماعية يف اجملتمع احمللي و العام و‬
‫بسبب طغيان اجملهول بني أبناء احلضر و عدم معرفة كل منهم خللفية اآلخر االجتماعية و االقتصادية و إزاء‬
‫‪.‬هذه الضبابية االجتماعية فان املظهر اخلارجي للحضري يشري اىل دالالت ثقافية و ذوقية و طبقية‬

‫هذه احلالة مل تكن سائدة يف اجملتمع الريفي بسبب احلضور املعلومي بني الناس إذ الكل يعرف الكل عن خلفياته‬
‫االجتماعية و االقتصادية و الدينية و العرقية و الن الناس يف الريف تكون حياهتم بعيدة عن التكلف و التظاهر‬
‫و التأنق الفائق ألنه يتعامل مع اآلخرين من خالل خلفيته االجتماعية فضال عن ذلك أن املواقع احلضرية يف‬
‫التنظيمات الديوانية –البريوقراطية – تتطلب اجلاذبية اخلارجية يف امللبس و التجميل و التأنق لكسب ود و ثقة‬
‫املراجعني و املقابلني له بل تتطلب التأنق يف اختيار العبارات و الكلمات الرقيقة و الشفافة و اجلميلة و اللطيفة‪.‬‬
‫عالوة على التنوع و التبدل املتطلب من احلياة احلضرية إذ يستلزم تبديل رونق و تصميم و تزويق أثاث املنزل و‬
‫مالبس الناس ديكورات احملالت بشكل دوري و مستمر كأحد متطلبات احلياة احلضرية لكي حتيا و تنتعش من‬
‫‪.‬اجل استمرار بقائها يف املدينة و جماراة نشاطاهتا املتنوعة و املختلفة‬

‫باإلضافة إىل العمل املرهق و الرتيب يف احلياة اليومية احلضرية الذي يقتضي الراحة و استخدام وسائل تروحيية و‬
‫مسلية و إلرخاء أعصاب اإلنسان احلضري لذا فان احلياة العصرية احلضرية حتتاج إىل حتديد األوقات بشكل‬
‫أسبوعي و شهري و فصلي و سنوي للرتويح النفسي و اجلسدي كالرحالت و الذهاب إىل دور السينما أو‬
‫مشاهدة عروض األزياء أو زيارة املسرح أو صالت املوسيقى أو الرواق الفنية أو مساع موسيقى من أشرطة أو‬
‫الذهاب إىل األسواق املركزية للتسوق ملا هو مطروح من موضات جديدة يف املالبس أو املاكياج و باقي‬
‫‪.‬وسائل األناقة الشخصية و املنزلية‬

‫‪:‬مقدمة‬

‫كما أن التطورات الفنية سبقت تغري و تقدم السلوكية االجتماعية و اجملامالت االجتماعية و اآلداب العامة‬
‫علما بان الفن يعد نتاجا فكريا و حسيا معنويا إال انه سبق التقدم يف تركيبة الثقافة االجتماعية و هذا خيالف‬
‫ما طرحه عامل االجتماع األمريكي احلديث وليم أوكبرن يف نظرية التخلف الثقايف اليت مفادها أن اجلانب‬
‫‪.‬املادي للثقافة يتغري بشكل أسرع من تغري اجلانب أو اجلزء املعنوي هلا‬

‫بيد إننا نرى أن الفن ميثل اجلانب املعنوي لكن مع ذلك فانه يتغري أسرع من اجلانب ملادي للثقافة و يساعده‬
‫على تطوير االبتكارات املادية – التكنولوجية لتصنيع الثقافة الفنية –سينما فيديو مسلسالت و تقنيات تصويرية‬
‫‪.‬و إنارة و أشعة ليزر و حاسوب مجيعها دخلت يف خدمة الفن لكي حيقق أهدافه الفنية‬

‫كما أن األفكار الفنية املبدعة سامهت يف تطوير وسائل الفن التصويرية و الصوتية التمثيلية و هذا يعين إن‬
‫اجلانب املعنوي أسرع من اجلانب املادي أي نقيض ما طرحه وليم اوكبرن يف موضوع التخلف الثقايف بتعبري‬
‫آخر يبقى التخلف الثقايف قائما إمنا معادلته ختتلف أي أن اجلانب املعنوي يتغري أسرع من اجلانب املادي فيتولد‬
‫‪.‬التخلف الثقايف و هذه وجهة نظر‬

‫و القيم االجتماعية العربية اليت تؤكد على احلياء و الكرم قد أثرت على الطراز األزياء يف امللبس و صور البناء‬
‫تصميم املنازل و هندستها فالغرف جيب أن تكون واسعة املساحة و ان تكون هناك غرف خاصة باستقبال‬
‫الضيوف و أخرى لنومهم فضال عن مفاضلة العريب للمالبس احملتشمة و هذا يشري اىل ان املعتقدات‬
‫االجتماعية تؤثر على طرز األبنية و التنظيمات االجتماعية و أصناف اجملالت و الكتب اهنا يف احلقيقة متثل‬
‫أجزاء يف األوجه املادية للثقافة و بالوقت ذاته فان األفكار األخالقية و اجلمالية تتحول اىل مبادئ اجتماعية يف‬
‫‪.‬أشكال البناء و املوسيقى و الفن و األدب‬
‫و مجيع ذلك ميثل األوجه املادية للجوهر املعنوي يف الثقافة هذا ما أوضحه عامل االجتماع الروسي األصل‬
‫األمريكي اإلقامة بيترم سروكن و يف نظر سروكن أيضا أن كل ثقافة هلا قيما غائية متثل أهداف الثقافة و‬
‫‪.‬قيما تساعد الثقافة على الوصول إىل القيم الغائية‬

‫فقيم الفن الغائية تتمثل يف مجاليته و متثل قيم الفن الوسيلة يف الفرشاة و األلوان و اللوحات اخلشبية و األدوات‬
‫املوسيقية‪.‬لذا فان جماالت البحث و االستقصاء يف عطاء و انتاجات الشرحية الفنية من املثقفني مازال بكرا و‬
‫خصبا و بالذات يف اجملتمع العريب ألنه غين هبذا اإلنتاج بيد انه مهمل من قبل الباحثني االجتماعيني و حتليله‬
‫تارخييا أو تراثيا و جغرافيا مكانيا و ثقافيا و نفسيا و جيليا و حقليا يف حقل علم االجتماع مثل علم االجتماع‬
‫وقت الفراغ و علم االجتماع االتصاالت و علم اجتماع احلرف و الرتباطه باحلركات الفكرية مثل الواقعية و‬
‫‪.‬الرمزية و الطبيعية ‪...‬اخل‬

‫كما أن الفن و األدب موضوع صاحل للفكر اإلنساين الذي أراد لعامل االجتماع أن يكون مثال ‪-‬اإلنسان‬
‫املستقيم ألنه يف حد ذاته موضوع يعطي قيمة و حيظى سلفا باهتمام القانعني بالقيم املستقرة و هذا ماجيعل‬
‫منهما موضوعا غري صاحل يف نظر عامل االجتماع الذي يسعى قبل كل شيء ال إىل –الكالم عن الفن‪ -‬بل اىل‬
‫إنتاج سوسيولوجيا علمية صحيحة ال تتهاون مع شروطها اخلاصة حول املواصفات اليت جيب توفرها يف‬
‫موضوع دراستها فهذا املوضوع اذ يبدي أحيانا ما يكفي لتسويغ أمهية دراسة ما فانه أفضى إىل دراسات كثرية‬
‫‪ .‬مل يكن هناك مربر خللودها سوى أمهيتها الوثائقية لتاريخ العلوم االجتماعية‬

‫‪:‬تاريخ سوسيولوجيا الفن‪1‬‬

‫مل يول مؤسسو سوسيولوجيا سوى حيزا هامشيا للمسالة اجلمالية فلم يتناول اميل دوركامي ‪1912‬مثال مسألة‬
‫الفن إال انه يشكل يف نظره نقلة للعالقة بالدين و يرجع ماكس فيرب يف نص كتبه حول املوسيقى و نشر بعد‬
‫وفاته اختالف األساليب و الفروق بينهما إىل تاريخ صريورة العقلنة و املصادر التقنية مرسيا بذلك أسس‬
‫‪.‬سوسيولوجيا التقنيات املوسيقية‬

‫وحده جورج سيمل يف العصر نفسه دفع حدود البحث قليال إىل األمام فقد يعي يف كتاباته عن رمبرانت و‬
‫مايكل انجلو و رودان إىل تبيان التكييف للفن و خباصة يف عالقاته مع املسيحية و إظهار اثر النظرة إىل العامل‬
‫رؤية العامل على األعمال الفنية و قد ابرز على حنو خاص االنسجام بني امليل الفين إىل األشكال املتناظرة و‬
‫املتناسقة و أشكال احلكم االستبدادية و اجملتمعات االشرتاكية يف حني انه ربط بني الفردية و األشكال الليربالية‬
‫للدولة و األشكال الفنية املتنافرة‪ .‬و من بني علماء االجتماع األكثر انصرافا لدراسة الفن هو أقرهبم ما ميكن‬
‫‪ .‬تسميته بالتاريخ الثقايف‬

‫و كان التاريخ الثقايف ماثال إذا يف أساس نشوء سوسيولوجيا الفن ظهر هذا التيار منذ القرن التاسع عشر و‬
‫كان جاكوب بوركهارت يرى أن يف ذلك من املنحى السياسي و الثقايف ما يساوي أو يفوق مافيه من فن‬
‫‪.‬بكل معىن الكلمة و يرى يف كتابه حضارة النهضة يف إيطاليا‬

‫أما مؤرخو الفن االجنليز أمثال جون روسكن و خباصة وليام موريس فقد اهتموا بالوظائف االجتماعية للفن و‬
‫بالفنون التطبيقية و يف فرنسا سعى غوستاف النسون ‪ 1904‬القريب من دوركهايم اىل إعطاء التاريخ األديب‬
‫‪.‬وجهة سوسيولوجية مدافعا عن مقاربة جتريبية انطالقا من وقائع بدال من التوليفات النظرية اجملردة و الواسعة‬

‫أما يف القرن العشرين فقد عرف التاريخ الثقايف للفن تطورات مذهلة خباصة يف املانيا و النمسا يف فرتة ما بني‬
‫‪.‬احلربني العامليتني‬

‫فىي عام ‪ 1926‬صدر كتاب بعنوان ‪à la renaissance le Génie Histoire d’une notion‬‬
‫‪de l’antiquité‬‬

‫للمؤرخ الناشئ ادغار زيلسل يصور فيه على مدى قرون من الزمن حركة انتقال فكرة العبقرية بني ميادين‬
‫اإلبداع و االكتشاف املختلفة –شعراء و مصورون و حناتون و علماء و خمرتعون و مكتشفون و رحالة و يبني‬
‫كيف أن القيمة املمنوحة أساسا للعمل الفين تتجه الن تنسب إىل شخص الفنان املبدع و كيف أن الرغبة‬
‫‪ .‬بإحراز الشهرة و اجملد‬

‫لذا مل يكن جيرى البحث عن الذين يعلنون أو يقرون بأهنم يعملون يف سوسيولوجيا الفن يف ميدان‬
‫السوسيولوجيا نفسه و ال يف ميدان تاريخ الثقافة فسوسيولوجيا الفن ولدت على يد خمتصني باجلماليات و‬
‫تاريخ الفن و كانوا منهمكني بالسعي إىل إجراء قطيعة واضحة مع الرتكيز التقليدي على ثنائية فنانني‪/‬أعمال‬
‫فنية بإدخاهلم مصطلحا ثالثا يف دراسات الفن هو اجملتمع و قد ظهرت نتيجة هذا اجلهد آفاق جديدة انبثق عنها‬
‫‪ .‬اختصاص علمي جديد غري أن هناك أساليب كثرية الختبار االحتماالت املستجدة‬

‫إن االهتمام بالفن و اجملتمع شكل حلظة البداية لتأسيس سوسيولوجيا الفن بالقياس إىل اجلماليات التقليدية أما‬
‫بالقياس إىل التطورات اليت حققها هذا االختصاص فانه يبدو لنا اليوم عائدا الجتاه تقادم يستحسن أن نطلق‬
‫عليه تسمية –اجلماليات السوسيولوجية و هذا االهتمام الشديد بالصلة بني الفن و اجملتمع برز يف علم اجلمال‬
‫و يف الفلسفة يف آن واحد خالل النصف األول من القرن املاضي يف الفكر املاركسي و يف فكر مؤرخي الفن‬
‫‪.‬غري التقليديني قبيل احلرب العاملية الثانية و بعدها‬

‫‪:‬مفهوم الفن‪2-‬‬

‫ورد الفن يف معجم الفلسفة على انه يطلق على ما يساوي الصنعة أو انه تعبري خارجي عما حيدث يف النفس‬
‫‪.‬من بواعث و تأثرات بواسطة اخلطوط أو األلوان أو احلركات أو األصوات أو األلفاظ‬

‫تعىن كلمة الفن جممل الوسائل و املبادئ اليت يقوم اإلنسان بواسطتها بإجناز عمل يعرب عن مشاعره و أفكاره‬
‫‪.‬فالعمل الفين جتسيد لفكرة ما بأحد األشكال التعبريية‬

‫أما يف املوسوعة الربيطانية فيعرف الفن على انه استخدام التصور و املهارة خللق نتاجات مجالية أو صياغة‬
‫‪.‬جتارب شعورية أو هتيئة مناخات تتميز حبس مجايل‬

‫و تعرفه موسوعة اينكارتا بأنه نتاج النشاط البشري اإلبداعي الذي يستخدم الوسائل املادية و غري املادية‬
‫‪.‬للتعبري عن األفكار و العواطف و املشاعر اإلنسانية‬

‫و يوضح األديب الروسي تولستوى املبادئ األولية لفلسفة مجالية اجتماعية كانت و ال تزال إحدى الركائز‬
‫األساسية لتفسري مفهوم الفن فقد ركز تولستوى على جمادلة معظم النظريات الفلسفية اجلمالية اليت كانت‬
‫سائدة لذلك و اليت تعود تاريخ نشأهتا إىل ما بني القرنيني الثامن عشر و التاسع عشر و اليت يتشكل قوامها يف‬
‫‪.‬صياغة فحوى الفن على مبادئ غارقة يف املثالية و مفاهيم شديدة النسبية مثل احلقيقة و اجلودة و احلسن‬
‫أما الفن من المنظور اإلسالمي ليس بالضرورة أن يكون ذلك الفن الذي يدور حول اإلسالم بل هو الذي‬
‫يرسم صورة الوجود من زاوية التصور اإلسالمي هلذا الوجود و الفن اإلسالمي هو الفن الذي يعرب عن العقيدة‬
‫‪.‬و من األمور املسلم هبا‬

‫إن اإلسالم يركز على ارتباط الفن باألخالق احلميدة و هو بذلك يسمو باإلنسان مشاعر و سلوكا إذن فالفن‬
‫يف كل األحوال نتاج لكل إبداع إنساين و أحد ألوان الثقافة اليت مت اكتشافها أو االستدالل عليها قبل التاريخ‬
‫و ميثل عمال إبداعيا يعتمد على مهارة املبدع و قد يكون حمصلة لفكرة فردية أو من خالل فكرة مجاعية و هو‬
‫هبذا التصور عبارة عن حماوالت تقوم على التعبري عن مكونات املبدع لتجسيد املشاعر اإلنسانية ذلك أن‬
‫‪.‬رسالة الفن تكمن يف منحه اإلنسان إحساسه املباشر بطبيعته االجتماعية‬

‫المفهوم االجتماعي للفن‪. 3-‬‬

‫الفالسفة سبقوا علماء االجتماع يف حتديدهم ملفهوم الفن بسبب حداثة األخري علم االجتماع على الساحة‬
‫املعرفية فمثال ذكر الفيلسوف اليوناين أرسطو أن اإلبداع الفين ينبعث من الدوافع الذاتية املتمثلة يف التوق‬
‫‪..‬الشديد و الرغبة امللحة للتعبري العاطفي‬

‫يف الواقع هذا حتديد أوىل الن كل فرد ميتلك دوافع تتطلب التعبري عنها خترج بصورة معاناة على شكل غناء‬
‫‪.‬أو رسم أو شعر أو موسيقى أو كتابة قصة أو مقالة أو متثيل مسرحي أو سينمائي و سواها‬

‫هذا على صعيد الفنان كفرد أما على صعيد إبداعه كفنان يقول أرسطو أن أساس شكل كل فن يبدأ من‬
‫التقليد أو احملاكاة للواقع الذي حيمل مرآة الطبيعة البشرية فضال عن ميل اإلنسان حنو التمتع و التلذذ و‬
‫االنبساط يف التقليد آو االقتداء الذي هو مفقود عند احليوانات الدنيا الن اإلنسان يستطيع عرض أو إظهار‬
‫‪.‬دوافعه التعبريية املقلدة للطبيعة أو للظاهرة االجتماعية‬

‫و منه الن اخلربة الداخلية الذاتية تكون أساسا حمركا لإلبداع أكثر من اخلربة اخلارجية يف نظر أرسطو و نفهم‬
‫أيضا أن هدف الفنان ال يذهب إىل تزويق مايراه أو يسمعه أو يريده للحدث أو للظاهرة بل التعبري عنه وجدانيا‬
‫‪.‬أوال و ربطها مبحيطها لتبدو على شكل صورة متوحدة و ليست متجزئة أو مشوشة‬
‫و قد أضاف أرسطو إىل ما تقدم أن وظيفة الفن يف هذا الضرب ما هي إال وسيلة تطهريية للعواطف و املشاعر‬
‫اليت يتم بواسطتها التخلص من عقدة نفسية حيصل من خالهلا إفساح اجملال للتعبري عن طبيعتها تعبريا كامال‪.‬‬
‫فضال عن تنقية الذات و عدم السماح لرتاكم العواطف املكبوتة اليت تراكمت حتت تأثري ضغوط و قيود‬
‫‪.‬اجتماعية عندئذ تظهر هذه العواطف على شكل إبداع بناء و ليس مقوض أو هدام‬

‫بتعبري آخر يكون الفن أحد األساليب املقبولة اجتماعيا و ثقافيا للتعبري الذايت املنبعث من اإلثارة الواقعية ال‬
‫الزائفة‬

‫أما الفيلسوف كانت فقد حدد الفن على أنه ميثل اخلربة احلسية املتكونة من تعاون األحاسيس املستخدمة على‬
‫شكل إدراك للزمان و املكان مبلورة معرفة فائقة و دقيقة باملوضوع احملسوس اليت تقوم بدور اإلحاطة باحلوافز‬
‫و املنبهات تثري أذاننا و تذوق لساننا و حتسسنا بدرجة احلرارة من خالل بشرتنا و برؤية الضوء بأعيننا و‬
‫اإلحساس باألشياء اجلميلة بواسطة مشاعرنا‬

‫و ينطلق كانت يف حتديده للفن من اخلربة احلسية و ليس من الدوافع الذاتية املعربة عن التعبري العاطفي و هذا‬
‫أول فرق قائم بني حتديد كل من كانت و أرسطو و قد أوضح ميال إلنسان لتقليد و حماكاة املوضوع احملسوس‬
‫و هذه فقرة مل يتطرق إليها كانت فضال عن عدم تناوله موضوع ميل اإلنسان يف إظهار دوافعه املقلدة يف‬
‫تعبريها يف هذه امليزة اختلف كانت عن أرسطو بشكل واضح لكنه مل يقم بعقد مقارنة بني أحاسيس احليوان‬
‫الراقي و اإلنسان ‪.‬بينما انطلق الفيلسوف شوبنهاور يف حتديده للفن من خالل مقارنته مع العلم حيث قال إن‬
‫–الفن أمشل من العلم على الرغم من تقدمه و تراكم جهوده و تقصياته احلذرة و احملرتسة و الدقيقة و مع ذلك‬
‫فان الفن مبقدوره أن يصل إىل هدفه مباشرة بواسطة احلدس عن رموز األشياء و هذا يتطلب من الفنان أن‬
‫‪.‬يكون عبقريا و نابغا بينما يتطلب من العامل أن يكون ذكيا فقط‬
‫‪:‬المحاضرة الثانية ‪ :‬مفهوم الفن عند علماء االجتماع‬

‫على الصعيد االجتماعي رأى علماء االجتماع مجالية احلياة اليومية من خالل تآكل ادعاء الفصل بني الفن و‪-‬‬
‫احلياة االجتماعية اليومية يف الوقت الراهن الن الفن مستخرج و مستوحى من صلب احلياة االجتماعية اليومية‬
‫‪.‬و إيقاعاهتا الرتيبة‬

‫‪ :‬عالوة على متييز علماء االجتماع بني نوعني من األحاسيس عند اإلنسان و هي‬

‫األوىل‪ :‬يعرب عنها الفنان من واقعه االجتماعي اليومي و حتويلها –األحاسيس‪ -‬اىل فن يومي‬

‫و الثانية‪ :‬أحاسيس تعرب عن مشاعر الناس الذين جعلوا من حياهتم اليومية منبعا يصب يف مشاريع مجالية‬
‫بواسطة أو من خالل هدف مرتجم على شكل طراز أو أناقة أو تصميم موجود يف أو على مظهرهم امللبسي‬
‫‪.‬كاألناقة أو على شكل أثاث املنزل ألن الناس يشاهدوا أذواقهم و ما حييط هبم على شكل صور فنية‬

‫و الشيء البارز يف هذا التحديد هو أن علماء االجتماع مل يروا أي حاجز و انفصال بني الفن و إيقاعات احلياة‬
‫االجتماعية اليومية بل هو جزء منها إمنا األكثر بروزا هو عندما تقارن حتديدهم مع حتديد الفالسفة ملفهوم الفن‬
‫و على الرغم من عدم اختالفها حول استناد الفن على قاعدة األحاسيس إال أن علماء االجتماع ميزوا بني‬
‫‪:‬نوعني منها‬

‫أي فصلوا يف ترمجة الفنان للواقع يعكس األول ترمجة الفنان احلسية لواقعه االجتماعي اليومي فيما يرى أو‬
‫‪ .‬يسمع أو يلمس أو يتعايش مع ظواهر أو مشكالت اجتماعية‬

‫و النوع الثاين‪ :‬تقييما حسيا يروى و يقص و يعرب عن أذواق الناس يف امللبس و التزيني و التأنق يف تعاملهم مع‬
‫مظاهر احلياة االجتماعية‪-‬الطبقية و املهنية و الثقافية‪ -‬بالذات عندما يريد إبراز إمكانياهتم االقتصادية و موقعهم‬
‫االجتماعية أمام اآلخرين و ما هو حكمهم على ميول و اجتاهات تأنقهم و تذوقهم للمظاهر االستهالكية‬
‫‪.‬املرتفة و ال يدخل أو يضع تقييمه احلسي مع مشاعر الناس الذين يريدون تصوير حياهتم اليومية‬
‫‪:‬الفن نتاج اجتماعي ‪2-‬‬

‫يعتمد العمل أو اإلنتاج الفين على عدة متغريات متنوعة تعيش يف رحم اجملتمع يتم حتديدها من قبل طبيعة و‬
‫ثقافة و جغرافية و عرق و جيل و نفسية و طبقية أفراد اجملتمع إذ ال يوجد متغري واحد له تأثريا منفردا يقوم‬
‫ببلورة اإلنتاج الفين للفنان ألن كل متغري ببحث عن معىن خاص طبقا للمحيط الذي يربز فيه و ال ميكن أن‬
‫تكون باقي املتغريات اليت برزت يف حميطات أخرى هلا نفس التأثري بل تتباين بتباين نوعها و حجمها و فاعليتها‬
‫‪ .‬هناك مثاال على ذلك ‪ :‬عدم تشابه األجناس البشرية فيما بينها ألهنا خمتلفة يف تدرجها االجتماعي‬

‫و كذا احلال مع اإليديولوجي العقيدة الفكرية إذ أهنا تكتسب صفات خمتلفة استنادا الستعداد و مزاج و ميل و‬
‫رغب األفراد الذين حيملوها و يدافعون عنها فالفن الرتكي خيتلف عن الفن العريب و األخري ال يشبه الفن‬
‫األملاين و فنون اجملتمعات الرأمسالية تتباين مع فنون جمتمعات كانت متثل املعسكر االشرتاكي فالعمل الفين‬
‫يعكس درجة تأثري املتغريات الدائرة يف احمليط الذي يعيش فيه الفنان و اليت عادة ال تكن واحدة يف تأثريها بل‬
‫يكون هناك تدرجا متباينا يف تأثريها إذ قد بكون متغري الطبيعة أقوى من املتغري الثقايف او العرقي وسواها و هي‬
‫‪ .‬اليت تبلور نوع اإلنتاج الفين على الصعيد املوضوعي و الذايت‬

‫أي أن عطاء الفنان ينتج عن تفاعل املتغريات املذكورة سابقا على أحاسيس و ادراكات الفنان اليت هي‬
‫باألساس سريعة التأثري هبا فاملتغري الطبيعي اجلغرايف على سبيل املثال يكون املناخ مؤثرا بشكل مباشر على‬
‫اإلطار الفكري للفنان و على مزاجه و عواطفه علما بان ليس كل أفراد اجملتمع يستجيبون لدرجة حرارة اجلو‬
‫بنفس املزاج و العاطفة بل خيتلفون و االختالفات الطقسية ‪-‬املناخية بني مناطق الشمال و اجلنوب يؤثر على‬
‫مزاج الناس يف تلك املنطقتني على رؤيتهم لطبيعة و على أذواقهم و نزعاهتم حنو األشكال التذكارية و النصب‬
‫التارخيية و الرواقات الفنية فالفن املطروح عن الصعيد املصري مثال غري الفن الذي يعرض يف مدن القاهرة و‬
‫‪.‬اإلسكندرية و الفن السائد يف جنوب العراق ليس ذاته املنتشر و املمارس يف مشاله أو وسطه‬

‫و حيصل مجيع ذلك بسبب تأثري الطقس املناخي الذي يؤثر على أسلوب الفن و إنتاجه الثقايف و احلالية مشاهبو‬
‫مع املتغري العرقي القومي الذي يقوم باحملافظة على اهلوية بشكل أقل مما تعمله الظروف و املتغريات البيئية يف‬
‫الواقع تفرز املؤثرات العرقية أساسا ثابتا يتضارب مع املتغريات التارخيية لكن مع ذلك فهو أكثر مرونة و قوة‬
‫من املتغري اجلغرايف ألنه يتأثر بالتنمية و التطور أكثر من الظروف الطبيعية اليت تظهر على األرض و الفضاءات‬
‫‪.‬أو يف اجلو أن شكل األعراق يتوحد فقط يف املرحلة البدائية للتطور‬

‫مث يأيت متغري األجيال الذي ميثل متغريا سكانيا دميوغرافيا يعتمد على تاريخ ميالد الفرد و مدة بقائه على قيد‬
‫احلياة فتاريخ الوالدة ال ميكن تغريه حيث لكل جيل صفاته اخلاصة يف املزاج و الذوق و أسلوب احلياة و عالقته‬
‫‪.‬باألجيال السالفة من عمره‬

‫إذ أن كل فرتة تارخيية متثل خربة أفراد خاصة بأعمارهم تقدم تفسريا جديدا مضافا اىل خربات فرتات تارخيية‬
‫‪.‬سالفة‬

‫ثم يأتي المتغير الثقافي الذي ينمو خارج إطار املعلومات الطبيعية و احلاجات االجتماعية ألنه‪2-1‬‬
‫يربط العامل املوضوعي باخلربة الطبيعية و باملستلزمات اجلاهزة و بالعامل الطبيعي‪ .‬إذ أن إبداع الفرد يعود إىل‬
‫نفسيته و ذوقه و مهاراته و إبداعه بذات الوقت فانه اإلبداع ال يعود إىل املبدع ذاته بل يقدم لآلخرين لكي‬
‫‪.‬يستمتعوا ب هاو يطربوا عليه‬

‫و بخصوص المتغير المادي التاريخي‪ :‬إذ توضح املادية التارخيية القاعدة املادية للفن على‪2-2‬‬
‫الرغم من متتعه ببنية فوقية روحية الن العمل الفين يتبلور من خالل دوافع الظروف الطبقية و إنتاجها أي أن‬
‫اإلنتاج الطبقي يصبغ العمل الفين بنوعية إنتاجها املادي و رؤيتها للحياة و هذا يشري إىل أن اإلبداعات الفنية ال‬
‫تعكس االنطباعات الشخصية للفنان بل قيم احلياة العليا أو أفكار سابقة عن التصور حبيث ال ميكن تفسريها‬
‫‪.‬على أهنا نتيجة العمليات املتأصلة يف احمليط اجملايل‬
‫المحاضرة الثالثة ‪ :‬تفاعل الفن مع المجتمع‪:‬‬

‫عند احلديث عن علم اجتماع الفن يتبادر إىل أذهاننا تأثري الفن على اجملتمع و تأثري األخري على األول إذ جند‬
‫العديد من األحداث االجتماعية قد انطبعت على الفن أو عرب الفن بوسائله اجلمالية مصورا دقائقها احلسية و‬
‫القيمية و املعيارية و يف بعض أشكاله آثارها و تبعاهتا اليت بدورها تساهم يف تطور تقنياته على الرغم من عدم‬
‫ترابط الفن باجملتمع بشكل مرتاص أو تناغم كلي الن كل منهما مستقال بذاته و معتمدا على اآلخر يف نفس‬
‫الوقت‪ .‬و يقوم اجملتمع بتحفيز و حتريك آليات الفن ليأخذ شكله و لونه ليبث أو لريسل رسالته الفنية إىل‬
‫اجلمهور من اجل مشاهدة صورته االنطباعية و التأويلية‪.‬‬

‫أي أن الفن مل يتبلور من الفراغ بل من وسط األحداث االجتماعية القائمة و طاملا األخرية يف حالة تبدل و‬
‫تغري فان اجتاهات الفن و طبيعته تتغري تباعا حامال صفاهتا و خواصها و هذه األحداث تقوم بتحريك و حتفيز‬
‫الطاقات اإلبداعية عند األفراد الذين حيملون خامات إبداعية خالقة اليت تنمو و تتطور عند تفاعلها مع‬
‫األحداث و طرحها على اجلمهور املتلقي الذي يستجيب إليها فيقوم بصقلها أو إنضاجها من خالل تذوقه هلا‬
‫جزئيا أو كليا بذات الوقت‪.‬‬

‫و هذا يوضح الوظيفة املتبادلة بني الفن و اجملتمع الن كل عالقة بينهما تولد تأثريا بينهما حبيث يبلور منطا‬
‫جديدا يف الفن أي خيلق التفاعل املشرتك بينهما فنا جديدا يعكس نوع و طبيعة العالقة بينهما و استجابة الفن‬
‫لألحداث االجتماعية يؤدي إىل تغري يف بعض أحداث اجملتمع الثقافية موضحا تأثري الفن على سلوكية أفراد‬
‫اجملتمع و ذوقهم و طراز معيشتهم و رؤيتهم للحياة و تقلباهتا و تطورها و تغريها حيث تولد التغريات‬
‫االجتماعية على صعيد السلوك و الفكر و الذوق و منط العيش داخل اجملتمع ‪.‬‬

‫و من هذه الزاوية تكون العالقة بني الفن و اجملتمع ممثلة سلسلة تأثريات مرتابطة ال ميكن كسرها أو فصلها أو‬
‫عزهلا إذ أن اجملتمع يتبدل بواسطة الفن الذي هو نتاجه و الفن يواجه و يتحدى البناء االجتماعي الذي يعكس‬
‫عددا من صفاته لكنه يشرتك يف أو يساهم يف تغري الطرف اآلخر و يساهم يف تغري النسق الذي يتأصل فيه‬
‫التغري و هبذه العملية تظهر حاالت متزايدة من كثافة احلوافز بشكل دائم و شديد التنافس بني القوى الفنية و‬
‫االجتماعية بأسلوب جديل ‪.‬‬
‫و العالقة بني الفن و اجملتمع تشبه عالقة اجلسد بالروح و ذلك بسبب اختالف مصاحل اجملتمع لكن يف هناية‬
‫األمر تلتقي هذه املصاحل مع مصاحل اجملتمع ‪.‬‬

‫و مثال ذلك اجملتمع العريب –الريفي الذي يطرح فنا حياكي تقاليد ه االجتماعية و أزيائه احملافظة و تغنيه‬
‫بالطبيعة البيئية و االعتزاز برتاثه الشفوي الذي يتم تناقله من جيل إىل آخر يستخدمه يف املناسبات االجتماعية‬
‫السعيدة و يتباهى به أمام أبناء اجملتمع احمللي و أحيانا يستخدمه كأحد ألوان الفن الوطين‪ -‬القومي يف املناسبات‬
‫الوطنية و احلالة ذاهتا يف اجملتمع الصحراوي فلم جند إنكار اجملتمع العريب البدوي أو الريفي للفنون الريفية أو‬
‫البدوية بل يعتز هبا و عند حتضر اجملتمع الريفي جند اجملتمع يتبىن األساليب الفنية احلضرية املدينية للتعبري عن منط‬
‫عيشه اجلديد املتحضر أي أن التغري الذي أصاب أو يصيب الريف العريب اثر على أساليب فئة و تطورها و ال‬
‫يلغيها أو يتنصل منها أو ينكرها‪.‬‬
‫المحاضرة الرابعة ‪ :‬الفن عند رواد علم االجتماع‬

‫أوال ‪ :‬نظرية ابن خلدون (‪1406-1332‬م)‬

‫يرى ابن خلدون اإلبداع الفين صفة مكتسبة وليست موروثة عند الفنان إذ يقال يف هذا اخلصوص وامللكة صفة‬
‫راسخة حتصل عن استعمال ذلك الفعل ونكرره مرة بعد أخرى حىت ترسخ صورته على نسبة األصل ‪،‬تكون‬
‫امللكة ونقل معاينة وأمت من نقل اخلرب والعلم ‪.‬‬

‫مث وضع ابن خلدون شروطا هتيئ للفنان وضعا نفسيا وجسديا تؤهله لتقدمي انطباعه الفين وهي ما يلي ‪:‬‬

‫قناعته مبوضوع عمله الفين ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫تعلقه النفسي مبوضوع عمله الفين‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫أن تكون قرحيته منطشة بلذة سارة ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫بعد هنوضه من نوم مريح ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫مجال مكان عمله ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫فراغ معدته من الطعام ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫اخللوة ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬

‫حيث ذكر ما يلي ‪ :‬البد من اخللوة واستعادة املكان املنظور فيه من املياه واألزهار وكذا املسموع الستنارة‬
‫القرحية باستجماعها وتنشيطها مبالذ السرور مث مع هذا كله شرط أن يكون على محام ونشاط فذلك امجع له‬
‫وأنشط للقرحية ‪.‬وخري األوقات لذلك أوقات البكر عند اهلبوب من النوم ‪،‬وفراغ املعدة ونشاط الفكر ويف‬
‫هؤالء اجلمام ‪ ،‬رمبا قالوا أن من بواعثه العشق واالنتشاء ‪ .‬وامللفت لالنتباه أن ابن خلدون يرى أن النسق الفين‬
‫ال يستطيع أن يستقبل بذاته داخل البناء االجتماعي عن باقي األنساق األخرى إال إذا استغىن صاحب الدولة‬
‫عن النسق العسكري كنسق معزز ومدعم للنسق السياسي وهذا ال حيصل إال بعد أن يثبت احلاكم إقدامه يف‬
‫انساق البناء االجتماعي ‪ ،‬او يف حالة ضعفه يف سلطته أي يف هناية حكمه‪،‬عندئذ يعتمد اعتمادا كامال على‬
‫النسق العسكري وجيعل من النسق الفين خادما له ومنفذا ألهدافه السياسية والعسكرية وليس الفنية ‪.‬‬

‫لكن يف املرحلة املتوسطة واليت يسميها –ابن خلدون – وسط الدولة ‪،‬عندئذ يقوم احلاكم باالستغناء –نسبيا‪-‬‬
‫عن النسق العسكري بعد ان قام – هذا النسق – بتمهيد أمره وتثبيت أركانه يف البناء االجتماعي ‪،‬عنئذ ‪،‬تصب‬
‫ح حاجة احلاكم إىل املباهاة أمام الدول األخرى بثمرات ملكه وتكون مراتب الفنانني عالية ومتميزة على‬
‫السلم (التدرج ) االجتماعي ويكونوا من أصحاب الثروة والنعمة ومقربني من رجال السلطة وجمالسهم ألهنم‬
‫(الفنانني) اليت يستظهر على حتصيل مثرات ملكة واملباهاة بأحواله وتثقيف أطرافه ‪.‬‬

‫وفيما بني هاتني املرحلتني أو ما امساه ابن خلدون وسط الدولة يستغين عن السيف ليحل مكانه القلم مكانه‬
‫حيث يكون االستقرار قد حل حمل القالقل واالضطرابات ولتنتقل الدولة هنا إىل مرحلة جديدة حيث قال وإما‬
‫يف وسط الدولة فيستغين صاحبها بعض الشيء عن السيف ألنه قد متهد أمره ومل يبق مهه إال يف حتصيل مثرات‬
‫امللك من اجلباية والضبط ومباهاة الدول وتنفيذ األحكام ‪.‬‬

‫والقلم هو املعني له يف ذلك ‪،‬فتعظم احلاجة إىل تصريفه وتكون السيوف مهملة يف مضاجع إغمادها ‪،‬إال إذا‬
‫أنابت نائبة أو دعيت إىل سد فرجه وما سوى ذلك فال حاجة إليها ‪،‬فتكون أرباب القلم يف هذه احلاجة أوسع‬
‫جاها وأعلى رتبة وأعظم نعمة وثروة واقرب من السلطان جملسا وأكثر إليه ترددا ويف خلواته جنيا ‪ .‬ألنه حينئذ‬
‫اليت هبا يستظهر على حتصيل مثرات ملكه ‪،‬والنظر اىل أعطافه ‪،‬و تثقيف أطرافه واملباهاة بأحواله ‪.‬‬

‫إن سياق احلديث عن نظرية –ابن خلدون –يف الفن يلزمين ان ال اغفل هبذا الصدد عن ما متيزه بني نوعني‬
‫رئيسني من الفنون ‪،‬األوىل مساها بالفنون الكمالية والثانية بالفنون الضرورية ‪.‬‬

‫ثانيا ‪- :‬نظرية فيكو – عالم اجتماع ومؤرخ إيطالي (‪) 1744-1668‬‬

‫تعترب نظرية فيكو –الفن ظاهرة اجتماعية ينطبق عليه ما ينطبق على اجملتمع بشكل عام لذلك فالفن خيضع‬
‫‪:‬لنفس القوانني اليت خيضع هلا اجملتمع كله ففي نظره أن اجملتمع البشري و كذلك الفن مروا بثالث مراحل‬

‫املرحلة األوىل‪ :‬يسميها مرحلة اآلهلة حيث ساد الرعب و اخلوف مما دفع الناس إىل تصور األرواح اخلفية و‬
‫‪ .‬لذلك تشعبت عقلية اإلنسان و كذلك الفن بروح اخلرافة و أصبح فنا الهوتيا أسطوريا يف نزعته‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬يسميها مبرحلة األبطال حيث كان الفن هو الوسيلة لتمجيد األبطال و أعمال السادة األحرار و‬
‫‪.‬هذا ما جنده يف الفن اليوناين هومريوس و الفن الروماين‬

‫املرحلة الثالثة‪ :‬يسميها مبرحلة احلرية تسود احلقوق املدنية و السياسية اليت تتقدم الفنون يف هذا العهد و يصبح‬
‫‪.‬الفن هو وسيلة التعبري عن احلياة اليومية‬

‫ثالثا ‪- :‬نظرية أوغست كونت – فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي ( ‪1857-1798‬م )‬

‫صاحب نظرية مراحل تطور الفكر اإلنساين الالهويت امليتافيزيقي و الوضعي ففي حديثه عن طور التقديس‬
‫األعمى بوصفه أول طور الهويت يذكر كونت أثره يف الفنون اجلميلة و مل يكن هذا االثر جافا حيث ال بد ان‬
‫تروق للخيال عقيدة وهبت احلياة للكون كله و قد نشأت كل الفنون اجلميلة يف تلك احلقبة و كان الشرك و‬
‫هو الطور الثاين للمرحلة الالهوتية مواتيا كذلك للفنون و قد دفع الشرك اخليال و العاطفة فوق العقل و‬
‫استخدام الفنون ليرتجم فلسفته الدينية جلمهور الناس بشكل حسي و كلما ادخل معبود جديد أضفت عليه‬
‫الفنون بزة و هيئة و تارخيا فتال مع وظيفة قاعدة الشرك بتوفريه الظروف املواتية لتقدم الفن على السمو به إىل‬
‫‪ .‬مكانة عالية‬

‫‪-‬رابعا ‪- :‬نظرية كارل ماكس‪)1883 - 1818( :‬‬

‫تؤكد نظرية كارل ماكس على دور البيئة –و خباصة االجتماعية االقتصادية يف حتديد اخلصائص األساسية يف‬
‫الفن فالتغريات يف البيئة كما هو شأن الثورة اليت تعيد توزيع الثروة و السلطة جتنح إىل تبديل أشكال التعبري‬
‫‪ .‬الثقايف مجيعها‬

‫إن طراز الفن و نوعيته يف أي زمن ال ترجعان اىل أي اهلام خارق للطبيعة أو مسو عنصري فطري بل إن‬
‫األحوال االجتماعية تستطيع أن هتيئ للفن موضوعاته و اجتاهاته العامة إال أن مثة دوما جماال فسيحا للتنوع‬
‫الفردي فان األحوال االجتماعية ال حتدد التفاصيل النوعية أو األساليب الفردية يف كل حقبة و ليس يف مقدور‬
‫العوامل االجتماعية االقتصادية البحتة أن تتنبأ بالطرق املضبوطة اليت تعاجل أو تفسر هبا العبقرية املوضوعات‬
‫العامة و لكن األحوال االجتماعية قد تطلق العنان لقوة اخللق و اإلبداع و تلهمها و العكس أي أهنا تطلقها أو‬
‫‪.‬تقضي عليها‬
‫خامسا ‪ :‬نظرية هربرت سبنسر –فيلسوف بريطاني (‪1903-1820‬م )‬

‫رأى سبنسر أن تطور الفنون كان و البد أن يظل جزءا مكمال لتطور الكون مبا يف ذلك العقل و اجملتمع و‬
‫احلضارة و استشهد بأمثلة من تاريخ كثري من خمتلف الفنون اجلميلة و التطبيقية البدائية و احلديثة ليظهر أن‬
‫‪ .‬نفس النزعات التطورية حدثت فيها‬

‫كما حدثت يف ارتقاء احليوان و النبات و األشكال االجتماعية و كان الفن يسري إىل أن يكون أكثر تعقيدا و‬
‫يف عمليته هذه كان على وجه اإلمجال يتحسن من حيث نوعيته و كان يتطور و يتقدم جنبا اىل جنب مع‬
‫‪ .‬العلم و التكنولوجيا‬

‫سادسا نظرية اميل دوركهايم – فيلسوف و عالم اجتماع فرنسي( ‪) 1917 -1858‬‬

‫قال أن الفن ظاهرة اجتماعية و انه إنتاج نسيب خيضع لظروف الزمان و املكان و هو عمل له أصول خاصة به‬
‫و له مدارسه و ال يبىن على خماطر العبقرية الفردية و هو اجتماعي أيضا من ناحية انه يتطلب مجهورا يعجب به‬
‫و يقدره و على هذا فالفنان يف نظر دوركهايم ال يعرب عن األنا بل عن –النحن‪ -‬أي عن اجملتمع بأسره و ال‬
‫يتم ذلك عن طريق التأمل الشعوري بل عن طريق االختمار الالشعوري و هو ما يشبه احلمل الفين يصدر عن‬
‫اإلهلام أو الوحي ما داموا ال ميلكون بأيديهم خيوط التأثري االجتماعي اليت تكون يف الواقع بعيدة الغور متشابكة‬
‫متاما و معقدة و متداخلة و على الرغم من ان اجملتمع هو مصدر األعمال الفنية إال أن األصالة الفنية عند‬
‫االجتماعيني هي ان يدخل الفنان على الرتاث الفين للمجتمع تعديالت و تطورات او تاليفات مل تكن مدركة‬
‫من قبل و لكنها مع ذلك موجودة يف اجملتمع و مشتقة من كيانه و ذهب دوركهايم إىل أن الدين كنظام‬
‫‪ .‬اجتماعي هو األصل يف نشأة الفنون مجيعا‬

‫سابعا ‪ :‬نظرية ارنست فيشر‪ -‬صحفي وكاتب نمساوي ( ‪)1972 - 1899‬‬


‫إن اإلنسان يطمع إىل أن يكون أكثر من كيانه الفردي يريد أن يكون أكثر اكتماال فهو ال يكتفي بان يكون‬
‫فردا منعزال بل يسعى إىل اخلروج من جزئية حياته الفردية اىل كلية يرجوها و يتطلبها إىل كلية تقف فرديته‬
‫‪ .‬بكل ضيقها حائال دوهنا‬

‫انه يسعى إىل عامل أكثر عدال و اقرب اىل العقل و املنطق و هو يثور على اضطراره إىل إفناء عمره داخل حدود‬
‫حياته وحدها داخل احلدود العابرة العارضة لشخصيته وحدها انه يريد أن يتحدث عن شيء أكثر من جمرد أنا‬
‫عن شيء خارجي و هو مع ذلك جوهري بالنسبة إليه انه يريد أن حيوي العامل احمليط به و جيعله ملك يده عن‬
‫طريق العلم و التكنولوجيا ميد هذه األنا املتطلعة املتشوقة الحتواء العامل إىل ابعد حدود جمرات السماء و إىل‬
‫عمق أسرار الذرة كما يربط عن طريق الفن هذه األنا الضيقة بالكيان املشرتك للناس و بذلك جيعل فرديته‬
‫‪.‬اجتماعية‬

You might also like