Professional Documents
Culture Documents
:متهيد
من تقاليد و أعراف علم االجتماع البحثية و االستقصائية االهتمام بتطور اجملتمع اإلنساين و ثقافته و مشكالته
االجتماعية كاجلرمية و اجلنوح و االحنراف و الطالق و التشرد و احلروب و الكوارث و الطبقات االجتماعية و
سواها .بيد انه مل يول أمهية تذكر اىل العطاء و اإلنتاج الفين و اجلمايل لشرحية املثقفني بل أمهلها و يرى عملها
.ما هو ترفا يعكس الرفاهية و اللهو يف أوقات الفراغ
إمنا مع تطور اجملتمعات من املرحلة الريفية و حتوهلا اىل املرحلة احلضرية و الصناعية و بروز طراز بارز جبانب
طراز احلياة احلضرية ميثل جادة يف طريق عيش أهل احلضر و هي مجالية التأنق و النزوق و الرتكيز على
املظاهر اخلارجية يف امللبس و اهليئة املرئية لإلنسان و يف أثاث املنزل و طراز بنائه و منوذجه و استخدام هذه
املظاهر األنيقة و الزاهية لعكس املستوى االقتصادي و املكانة الطبقية و االجتماعية يف اجملتمع احمللي و العام و
بسبب طغيان اجملهول بني أبناء احلضر و عدم معرفة كل منهم خللفية اآلخر االجتماعية و االقتصادية و إزاء
.هذه الضبابية االجتماعية فان املظهر اخلارجي للحضري يشري اىل دالالت ثقافية و ذوقية و طبقية
هذه احلالة مل تكن سائدة يف اجملتمع الريفي بسبب احلضور املعلومي بني الناس إذ الكل يعرف الكل عن خلفياته
االجتماعية و االقتصادية و الدينية و العرقية و الن الناس يف الريف تكون حياهتم بعيدة عن التكلف و التظاهر
و التأنق الفائق ألنه يتعامل مع اآلخرين من خالل خلفيته االجتماعية فضال عن ذلك أن املواقع احلضرية يف
التنظيمات الديوانية –البريوقراطية – تتطلب اجلاذبية اخلارجية يف امللبس و التجميل و التأنق لكسب ود و ثقة
املراجعني و املقابلني له بل تتطلب التأنق يف اختيار العبارات و الكلمات الرقيقة و الشفافة و اجلميلة و اللطيفة.
عالوة على التنوع و التبدل املتطلب من احلياة احلضرية إذ يستلزم تبديل رونق و تصميم و تزويق أثاث املنزل و
مالبس الناس ديكورات احملالت بشكل دوري و مستمر كأحد متطلبات احلياة احلضرية لكي حتيا و تنتعش من
.اجل استمرار بقائها يف املدينة و جماراة نشاطاهتا املتنوعة و املختلفة
باإلضافة إىل العمل املرهق و الرتيب يف احلياة اليومية احلضرية الذي يقتضي الراحة و استخدام وسائل تروحيية و
مسلية و إلرخاء أعصاب اإلنسان احلضري لذا فان احلياة العصرية احلضرية حتتاج إىل حتديد األوقات بشكل
أسبوعي و شهري و فصلي و سنوي للرتويح النفسي و اجلسدي كالرحالت و الذهاب إىل دور السينما أو
مشاهدة عروض األزياء أو زيارة املسرح أو صالت املوسيقى أو الرواق الفنية أو مساع موسيقى من أشرطة أو
الذهاب إىل األسواق املركزية للتسوق ملا هو مطروح من موضات جديدة يف املالبس أو املاكياج و باقي
.وسائل األناقة الشخصية و املنزلية
:مقدمة
كما أن التطورات الفنية سبقت تغري و تقدم السلوكية االجتماعية و اجملامالت االجتماعية و اآلداب العامة
علما بان الفن يعد نتاجا فكريا و حسيا معنويا إال انه سبق التقدم يف تركيبة الثقافة االجتماعية و هذا خيالف
ما طرحه عامل االجتماع األمريكي احلديث وليم أوكبرن يف نظرية التخلف الثقايف اليت مفادها أن اجلانب
.املادي للثقافة يتغري بشكل أسرع من تغري اجلانب أو اجلزء املعنوي هلا
بيد إننا نرى أن الفن ميثل اجلانب املعنوي لكن مع ذلك فانه يتغري أسرع من اجلانب ملادي للثقافة و يساعده
على تطوير االبتكارات املادية – التكنولوجية لتصنيع الثقافة الفنية –سينما فيديو مسلسالت و تقنيات تصويرية
.و إنارة و أشعة ليزر و حاسوب مجيعها دخلت يف خدمة الفن لكي حيقق أهدافه الفنية
كما أن األفكار الفنية املبدعة سامهت يف تطوير وسائل الفن التصويرية و الصوتية التمثيلية و هذا يعين إن
اجلانب املعنوي أسرع من اجلانب املادي أي نقيض ما طرحه وليم اوكبرن يف موضوع التخلف الثقايف بتعبري
آخر يبقى التخلف الثقايف قائما إمنا معادلته ختتلف أي أن اجلانب املعنوي يتغري أسرع من اجلانب املادي فيتولد
.التخلف الثقايف و هذه وجهة نظر
و القيم االجتماعية العربية اليت تؤكد على احلياء و الكرم قد أثرت على الطراز األزياء يف امللبس و صور البناء
تصميم املنازل و هندستها فالغرف جيب أن تكون واسعة املساحة و ان تكون هناك غرف خاصة باستقبال
الضيوف و أخرى لنومهم فضال عن مفاضلة العريب للمالبس احملتشمة و هذا يشري اىل ان املعتقدات
االجتماعية تؤثر على طرز األبنية و التنظيمات االجتماعية و أصناف اجملالت و الكتب اهنا يف احلقيقة متثل
أجزاء يف األوجه املادية للثقافة و بالوقت ذاته فان األفكار األخالقية و اجلمالية تتحول اىل مبادئ اجتماعية يف
.أشكال البناء و املوسيقى و الفن و األدب
و مجيع ذلك ميثل األوجه املادية للجوهر املعنوي يف الثقافة هذا ما أوضحه عامل االجتماع الروسي األصل
األمريكي اإلقامة بيترم سروكن و يف نظر سروكن أيضا أن كل ثقافة هلا قيما غائية متثل أهداف الثقافة و
.قيما تساعد الثقافة على الوصول إىل القيم الغائية
فقيم الفن الغائية تتمثل يف مجاليته و متثل قيم الفن الوسيلة يف الفرشاة و األلوان و اللوحات اخلشبية و األدوات
املوسيقية.لذا فان جماالت البحث و االستقصاء يف عطاء و انتاجات الشرحية الفنية من املثقفني مازال بكرا و
خصبا و بالذات يف اجملتمع العريب ألنه غين هبذا اإلنتاج بيد انه مهمل من قبل الباحثني االجتماعيني و حتليله
تارخييا أو تراثيا و جغرافيا مكانيا و ثقافيا و نفسيا و جيليا و حقليا يف حقل علم االجتماع مثل علم االجتماع
وقت الفراغ و علم االجتماع االتصاالت و علم اجتماع احلرف و الرتباطه باحلركات الفكرية مثل الواقعية و
.الرمزية و الطبيعية ...اخل
كما أن الفن و األدب موضوع صاحل للفكر اإلنساين الذي أراد لعامل االجتماع أن يكون مثال -اإلنسان
املستقيم ألنه يف حد ذاته موضوع يعطي قيمة و حيظى سلفا باهتمام القانعني بالقيم املستقرة و هذا ماجيعل
منهما موضوعا غري صاحل يف نظر عامل االجتماع الذي يسعى قبل كل شيء ال إىل –الكالم عن الفن -بل اىل
إنتاج سوسيولوجيا علمية صحيحة ال تتهاون مع شروطها اخلاصة حول املواصفات اليت جيب توفرها يف
موضوع دراستها فهذا املوضوع اذ يبدي أحيانا ما يكفي لتسويغ أمهية دراسة ما فانه أفضى إىل دراسات كثرية
.مل يكن هناك مربر خللودها سوى أمهيتها الوثائقية لتاريخ العلوم االجتماعية
مل يول مؤسسو سوسيولوجيا سوى حيزا هامشيا للمسالة اجلمالية فلم يتناول اميل دوركامي 1912مثال مسألة
الفن إال انه يشكل يف نظره نقلة للعالقة بالدين و يرجع ماكس فيرب يف نص كتبه حول املوسيقى و نشر بعد
وفاته اختالف األساليب و الفروق بينهما إىل تاريخ صريورة العقلنة و املصادر التقنية مرسيا بذلك أسس
.سوسيولوجيا التقنيات املوسيقية
وحده جورج سيمل يف العصر نفسه دفع حدود البحث قليال إىل األمام فقد يعي يف كتاباته عن رمبرانت و
مايكل انجلو و رودان إىل تبيان التكييف للفن و خباصة يف عالقاته مع املسيحية و إظهار اثر النظرة إىل العامل
رؤية العامل على األعمال الفنية و قد ابرز على حنو خاص االنسجام بني امليل الفين إىل األشكال املتناظرة و
املتناسقة و أشكال احلكم االستبدادية و اجملتمعات االشرتاكية يف حني انه ربط بني الفردية و األشكال الليربالية
للدولة و األشكال الفنية املتنافرة .و من بني علماء االجتماع األكثر انصرافا لدراسة الفن هو أقرهبم ما ميكن
.تسميته بالتاريخ الثقايف
و كان التاريخ الثقايف ماثال إذا يف أساس نشوء سوسيولوجيا الفن ظهر هذا التيار منذ القرن التاسع عشر و
كان جاكوب بوركهارت يرى أن يف ذلك من املنحى السياسي و الثقايف ما يساوي أو يفوق مافيه من فن
.بكل معىن الكلمة و يرى يف كتابه حضارة النهضة يف إيطاليا
أما مؤرخو الفن االجنليز أمثال جون روسكن و خباصة وليام موريس فقد اهتموا بالوظائف االجتماعية للفن و
بالفنون التطبيقية و يف فرنسا سعى غوستاف النسون 1904القريب من دوركهايم اىل إعطاء التاريخ األديب
.وجهة سوسيولوجية مدافعا عن مقاربة جتريبية انطالقا من وقائع بدال من التوليفات النظرية اجملردة و الواسعة
أما يف القرن العشرين فقد عرف التاريخ الثقايف للفن تطورات مذهلة خباصة يف املانيا و النمسا يف فرتة ما بني
.احلربني العامليتني
فىي عام 1926صدر كتاب بعنوان à la renaissance le Génie Histoire d’une notion
de l’antiquité
للمؤرخ الناشئ ادغار زيلسل يصور فيه على مدى قرون من الزمن حركة انتقال فكرة العبقرية بني ميادين
اإلبداع و االكتشاف املختلفة –شعراء و مصورون و حناتون و علماء و خمرتعون و مكتشفون و رحالة و يبني
كيف أن القيمة املمنوحة أساسا للعمل الفين تتجه الن تنسب إىل شخص الفنان املبدع و كيف أن الرغبة
.بإحراز الشهرة و اجملد
لذا مل يكن جيرى البحث عن الذين يعلنون أو يقرون بأهنم يعملون يف سوسيولوجيا الفن يف ميدان
السوسيولوجيا نفسه و ال يف ميدان تاريخ الثقافة فسوسيولوجيا الفن ولدت على يد خمتصني باجلماليات و
تاريخ الفن و كانوا منهمكني بالسعي إىل إجراء قطيعة واضحة مع الرتكيز التقليدي على ثنائية فنانني/أعمال
فنية بإدخاهلم مصطلحا ثالثا يف دراسات الفن هو اجملتمع و قد ظهرت نتيجة هذا اجلهد آفاق جديدة انبثق عنها
.اختصاص علمي جديد غري أن هناك أساليب كثرية الختبار االحتماالت املستجدة
إن االهتمام بالفن و اجملتمع شكل حلظة البداية لتأسيس سوسيولوجيا الفن بالقياس إىل اجلماليات التقليدية أما
بالقياس إىل التطورات اليت حققها هذا االختصاص فانه يبدو لنا اليوم عائدا الجتاه تقادم يستحسن أن نطلق
عليه تسمية –اجلماليات السوسيولوجية و هذا االهتمام الشديد بالصلة بني الفن و اجملتمع برز يف علم اجلمال
و يف الفلسفة يف آن واحد خالل النصف األول من القرن املاضي يف الفكر املاركسي و يف فكر مؤرخي الفن
.غري التقليديني قبيل احلرب العاملية الثانية و بعدها
:مفهوم الفن2-
ورد الفن يف معجم الفلسفة على انه يطلق على ما يساوي الصنعة أو انه تعبري خارجي عما حيدث يف النفس
.من بواعث و تأثرات بواسطة اخلطوط أو األلوان أو احلركات أو األصوات أو األلفاظ
تعىن كلمة الفن جممل الوسائل و املبادئ اليت يقوم اإلنسان بواسطتها بإجناز عمل يعرب عن مشاعره و أفكاره
.فالعمل الفين جتسيد لفكرة ما بأحد األشكال التعبريية
أما يف املوسوعة الربيطانية فيعرف الفن على انه استخدام التصور و املهارة خللق نتاجات مجالية أو صياغة
.جتارب شعورية أو هتيئة مناخات تتميز حبس مجايل
و تعرفه موسوعة اينكارتا بأنه نتاج النشاط البشري اإلبداعي الذي يستخدم الوسائل املادية و غري املادية
.للتعبري عن األفكار و العواطف و املشاعر اإلنسانية
و يوضح األديب الروسي تولستوى املبادئ األولية لفلسفة مجالية اجتماعية كانت و ال تزال إحدى الركائز
األساسية لتفسري مفهوم الفن فقد ركز تولستوى على جمادلة معظم النظريات الفلسفية اجلمالية اليت كانت
سائدة لذلك و اليت تعود تاريخ نشأهتا إىل ما بني القرنيني الثامن عشر و التاسع عشر و اليت يتشكل قوامها يف
.صياغة فحوى الفن على مبادئ غارقة يف املثالية و مفاهيم شديدة النسبية مثل احلقيقة و اجلودة و احلسن
أما الفن من المنظور اإلسالمي ليس بالضرورة أن يكون ذلك الفن الذي يدور حول اإلسالم بل هو الذي
يرسم صورة الوجود من زاوية التصور اإلسالمي هلذا الوجود و الفن اإلسالمي هو الفن الذي يعرب عن العقيدة
.و من األمور املسلم هبا
إن اإلسالم يركز على ارتباط الفن باألخالق احلميدة و هو بذلك يسمو باإلنسان مشاعر و سلوكا إذن فالفن
يف كل األحوال نتاج لكل إبداع إنساين و أحد ألوان الثقافة اليت مت اكتشافها أو االستدالل عليها قبل التاريخ
و ميثل عمال إبداعيا يعتمد على مهارة املبدع و قد يكون حمصلة لفكرة فردية أو من خالل فكرة مجاعية و هو
هبذا التصور عبارة عن حماوالت تقوم على التعبري عن مكونات املبدع لتجسيد املشاعر اإلنسانية ذلك أن
.رسالة الفن تكمن يف منحه اإلنسان إحساسه املباشر بطبيعته االجتماعية
الفالسفة سبقوا علماء االجتماع يف حتديدهم ملفهوم الفن بسبب حداثة األخري علم االجتماع على الساحة
املعرفية فمثال ذكر الفيلسوف اليوناين أرسطو أن اإلبداع الفين ينبعث من الدوافع الذاتية املتمثلة يف التوق
..الشديد و الرغبة امللحة للتعبري العاطفي
يف الواقع هذا حتديد أوىل الن كل فرد ميتلك دوافع تتطلب التعبري عنها خترج بصورة معاناة على شكل غناء
.أو رسم أو شعر أو موسيقى أو كتابة قصة أو مقالة أو متثيل مسرحي أو سينمائي و سواها
هذا على صعيد الفنان كفرد أما على صعيد إبداعه كفنان يقول أرسطو أن أساس شكل كل فن يبدأ من
التقليد أو احملاكاة للواقع الذي حيمل مرآة الطبيعة البشرية فضال عن ميل اإلنسان حنو التمتع و التلذذ و
االنبساط يف التقليد آو االقتداء الذي هو مفقود عند احليوانات الدنيا الن اإلنسان يستطيع عرض أو إظهار
.دوافعه التعبريية املقلدة للطبيعة أو للظاهرة االجتماعية
و منه الن اخلربة الداخلية الذاتية تكون أساسا حمركا لإلبداع أكثر من اخلربة اخلارجية يف نظر أرسطو و نفهم
أيضا أن هدف الفنان ال يذهب إىل تزويق مايراه أو يسمعه أو يريده للحدث أو للظاهرة بل التعبري عنه وجدانيا
.أوال و ربطها مبحيطها لتبدو على شكل صورة متوحدة و ليست متجزئة أو مشوشة
و قد أضاف أرسطو إىل ما تقدم أن وظيفة الفن يف هذا الضرب ما هي إال وسيلة تطهريية للعواطف و املشاعر
اليت يتم بواسطتها التخلص من عقدة نفسية حيصل من خالهلا إفساح اجملال للتعبري عن طبيعتها تعبريا كامال.
فضال عن تنقية الذات و عدم السماح لرتاكم العواطف املكبوتة اليت تراكمت حتت تأثري ضغوط و قيود
.اجتماعية عندئذ تظهر هذه العواطف على شكل إبداع بناء و ليس مقوض أو هدام
بتعبري آخر يكون الفن أحد األساليب املقبولة اجتماعيا و ثقافيا للتعبري الذايت املنبعث من اإلثارة الواقعية ال
الزائفة
أما الفيلسوف كانت فقد حدد الفن على أنه ميثل اخلربة احلسية املتكونة من تعاون األحاسيس املستخدمة على
شكل إدراك للزمان و املكان مبلورة معرفة فائقة و دقيقة باملوضوع احملسوس اليت تقوم بدور اإلحاطة باحلوافز
و املنبهات تثري أذاننا و تذوق لساننا و حتسسنا بدرجة احلرارة من خالل بشرتنا و برؤية الضوء بأعيننا و
اإلحساس باألشياء اجلميلة بواسطة مشاعرنا
و ينطلق كانت يف حتديده للفن من اخلربة احلسية و ليس من الدوافع الذاتية املعربة عن التعبري العاطفي و هذا
أول فرق قائم بني حتديد كل من كانت و أرسطو و قد أوضح ميال إلنسان لتقليد و حماكاة املوضوع احملسوس
و هذه فقرة مل يتطرق إليها كانت فضال عن عدم تناوله موضوع ميل اإلنسان يف إظهار دوافعه املقلدة يف
تعبريها يف هذه امليزة اختلف كانت عن أرسطو بشكل واضح لكنه مل يقم بعقد مقارنة بني أحاسيس احليوان
الراقي و اإلنسان .بينما انطلق الفيلسوف شوبنهاور يف حتديده للفن من خالل مقارنته مع العلم حيث قال إن
–الفن أمشل من العلم على الرغم من تقدمه و تراكم جهوده و تقصياته احلذرة و احملرتسة و الدقيقة و مع ذلك
فان الفن مبقدوره أن يصل إىل هدفه مباشرة بواسطة احلدس عن رموز األشياء و هذا يتطلب من الفنان أن
.يكون عبقريا و نابغا بينما يتطلب من العامل أن يكون ذكيا فقط
:المحاضرة الثانية :مفهوم الفن عند علماء االجتماع
على الصعيد االجتماعي رأى علماء االجتماع مجالية احلياة اليومية من خالل تآكل ادعاء الفصل بني الفن و-
احلياة االجتماعية اليومية يف الوقت الراهن الن الفن مستخرج و مستوحى من صلب احلياة االجتماعية اليومية
.و إيقاعاهتا الرتيبة
:عالوة على متييز علماء االجتماع بني نوعني من األحاسيس عند اإلنسان و هي
األوىل :يعرب عنها الفنان من واقعه االجتماعي اليومي و حتويلها –األحاسيس -اىل فن يومي
و الثانية :أحاسيس تعرب عن مشاعر الناس الذين جعلوا من حياهتم اليومية منبعا يصب يف مشاريع مجالية
بواسطة أو من خالل هدف مرتجم على شكل طراز أو أناقة أو تصميم موجود يف أو على مظهرهم امللبسي
.كاألناقة أو على شكل أثاث املنزل ألن الناس يشاهدوا أذواقهم و ما حييط هبم على شكل صور فنية
و الشيء البارز يف هذا التحديد هو أن علماء االجتماع مل يروا أي حاجز و انفصال بني الفن و إيقاعات احلياة
االجتماعية اليومية بل هو جزء منها إمنا األكثر بروزا هو عندما تقارن حتديدهم مع حتديد الفالسفة ملفهوم الفن
و على الرغم من عدم اختالفها حول استناد الفن على قاعدة األحاسيس إال أن علماء االجتماع ميزوا بني
:نوعني منها
أي فصلوا يف ترمجة الفنان للواقع يعكس األول ترمجة الفنان احلسية لواقعه االجتماعي اليومي فيما يرى أو
.يسمع أو يلمس أو يتعايش مع ظواهر أو مشكالت اجتماعية
و النوع الثاين :تقييما حسيا يروى و يقص و يعرب عن أذواق الناس يف امللبس و التزيني و التأنق يف تعاملهم مع
مظاهر احلياة االجتماعية-الطبقية و املهنية و الثقافية -بالذات عندما يريد إبراز إمكانياهتم االقتصادية و موقعهم
االجتماعية أمام اآلخرين و ما هو حكمهم على ميول و اجتاهات تأنقهم و تذوقهم للمظاهر االستهالكية
.املرتفة و ال يدخل أو يضع تقييمه احلسي مع مشاعر الناس الذين يريدون تصوير حياهتم اليومية
:الفن نتاج اجتماعي 2-
يعتمد العمل أو اإلنتاج الفين على عدة متغريات متنوعة تعيش يف رحم اجملتمع يتم حتديدها من قبل طبيعة و
ثقافة و جغرافية و عرق و جيل و نفسية و طبقية أفراد اجملتمع إذ ال يوجد متغري واحد له تأثريا منفردا يقوم
ببلورة اإلنتاج الفين للفنان ألن كل متغري ببحث عن معىن خاص طبقا للمحيط الذي يربز فيه و ال ميكن أن
تكون باقي املتغريات اليت برزت يف حميطات أخرى هلا نفس التأثري بل تتباين بتباين نوعها و حجمها و فاعليتها
.هناك مثاال على ذلك :عدم تشابه األجناس البشرية فيما بينها ألهنا خمتلفة يف تدرجها االجتماعي
و كذا احلال مع اإليديولوجي العقيدة الفكرية إذ أهنا تكتسب صفات خمتلفة استنادا الستعداد و مزاج و ميل و
رغب األفراد الذين حيملوها و يدافعون عنها فالفن الرتكي خيتلف عن الفن العريب و األخري ال يشبه الفن
األملاين و فنون اجملتمعات الرأمسالية تتباين مع فنون جمتمعات كانت متثل املعسكر االشرتاكي فالعمل الفين
يعكس درجة تأثري املتغريات الدائرة يف احمليط الذي يعيش فيه الفنان و اليت عادة ال تكن واحدة يف تأثريها بل
يكون هناك تدرجا متباينا يف تأثريها إذ قد بكون متغري الطبيعة أقوى من املتغري الثقايف او العرقي وسواها و هي
.اليت تبلور نوع اإلنتاج الفين على الصعيد املوضوعي و الذايت
أي أن عطاء الفنان ينتج عن تفاعل املتغريات املذكورة سابقا على أحاسيس و ادراكات الفنان اليت هي
باألساس سريعة التأثري هبا فاملتغري الطبيعي اجلغرايف على سبيل املثال يكون املناخ مؤثرا بشكل مباشر على
اإلطار الفكري للفنان و على مزاجه و عواطفه علما بان ليس كل أفراد اجملتمع يستجيبون لدرجة حرارة اجلو
بنفس املزاج و العاطفة بل خيتلفون و االختالفات الطقسية -املناخية بني مناطق الشمال و اجلنوب يؤثر على
مزاج الناس يف تلك املنطقتني على رؤيتهم لطبيعة و على أذواقهم و نزعاهتم حنو األشكال التذكارية و النصب
التارخيية و الرواقات الفنية فالفن املطروح عن الصعيد املصري مثال غري الفن الذي يعرض يف مدن القاهرة و
.اإلسكندرية و الفن السائد يف جنوب العراق ليس ذاته املنتشر و املمارس يف مشاله أو وسطه
و حيصل مجيع ذلك بسبب تأثري الطقس املناخي الذي يؤثر على أسلوب الفن و إنتاجه الثقايف و احلالية مشاهبو
مع املتغري العرقي القومي الذي يقوم باحملافظة على اهلوية بشكل أقل مما تعمله الظروف و املتغريات البيئية يف
الواقع تفرز املؤثرات العرقية أساسا ثابتا يتضارب مع املتغريات التارخيية لكن مع ذلك فهو أكثر مرونة و قوة
من املتغري اجلغرايف ألنه يتأثر بالتنمية و التطور أكثر من الظروف الطبيعية اليت تظهر على األرض و الفضاءات
.أو يف اجلو أن شكل األعراق يتوحد فقط يف املرحلة البدائية للتطور
مث يأيت متغري األجيال الذي ميثل متغريا سكانيا دميوغرافيا يعتمد على تاريخ ميالد الفرد و مدة بقائه على قيد
احلياة فتاريخ الوالدة ال ميكن تغريه حيث لكل جيل صفاته اخلاصة يف املزاج و الذوق و أسلوب احلياة و عالقته
.باألجيال السالفة من عمره
إذ أن كل فرتة تارخيية متثل خربة أفراد خاصة بأعمارهم تقدم تفسريا جديدا مضافا اىل خربات فرتات تارخيية
.سالفة
ثم يأتي المتغير الثقافي الذي ينمو خارج إطار املعلومات الطبيعية و احلاجات االجتماعية ألنه2-1
يربط العامل املوضوعي باخلربة الطبيعية و باملستلزمات اجلاهزة و بالعامل الطبيعي .إذ أن إبداع الفرد يعود إىل
نفسيته و ذوقه و مهاراته و إبداعه بذات الوقت فانه اإلبداع ال يعود إىل املبدع ذاته بل يقدم لآلخرين لكي
.يستمتعوا ب هاو يطربوا عليه
و بخصوص المتغير المادي التاريخي :إذ توضح املادية التارخيية القاعدة املادية للفن على2-2
الرغم من متتعه ببنية فوقية روحية الن العمل الفين يتبلور من خالل دوافع الظروف الطبقية و إنتاجها أي أن
اإلنتاج الطبقي يصبغ العمل الفين بنوعية إنتاجها املادي و رؤيتها للحياة و هذا يشري إىل أن اإلبداعات الفنية ال
تعكس االنطباعات الشخصية للفنان بل قيم احلياة العليا أو أفكار سابقة عن التصور حبيث ال ميكن تفسريها
.على أهنا نتيجة العمليات املتأصلة يف احمليط اجملايل
المحاضرة الثالثة :تفاعل الفن مع المجتمع:
عند احلديث عن علم اجتماع الفن يتبادر إىل أذهاننا تأثري الفن على اجملتمع و تأثري األخري على األول إذ جند
العديد من األحداث االجتماعية قد انطبعت على الفن أو عرب الفن بوسائله اجلمالية مصورا دقائقها احلسية و
القيمية و املعيارية و يف بعض أشكاله آثارها و تبعاهتا اليت بدورها تساهم يف تطور تقنياته على الرغم من عدم
ترابط الفن باجملتمع بشكل مرتاص أو تناغم كلي الن كل منهما مستقال بذاته و معتمدا على اآلخر يف نفس
الوقت .و يقوم اجملتمع بتحفيز و حتريك آليات الفن ليأخذ شكله و لونه ليبث أو لريسل رسالته الفنية إىل
اجلمهور من اجل مشاهدة صورته االنطباعية و التأويلية.
أي أن الفن مل يتبلور من الفراغ بل من وسط األحداث االجتماعية القائمة و طاملا األخرية يف حالة تبدل و
تغري فان اجتاهات الفن و طبيعته تتغري تباعا حامال صفاهتا و خواصها و هذه األحداث تقوم بتحريك و حتفيز
الطاقات اإلبداعية عند األفراد الذين حيملون خامات إبداعية خالقة اليت تنمو و تتطور عند تفاعلها مع
األحداث و طرحها على اجلمهور املتلقي الذي يستجيب إليها فيقوم بصقلها أو إنضاجها من خالل تذوقه هلا
جزئيا أو كليا بذات الوقت.
و هذا يوضح الوظيفة املتبادلة بني الفن و اجملتمع الن كل عالقة بينهما تولد تأثريا بينهما حبيث يبلور منطا
جديدا يف الفن أي خيلق التفاعل املشرتك بينهما فنا جديدا يعكس نوع و طبيعة العالقة بينهما و استجابة الفن
لألحداث االجتماعية يؤدي إىل تغري يف بعض أحداث اجملتمع الثقافية موضحا تأثري الفن على سلوكية أفراد
اجملتمع و ذوقهم و طراز معيشتهم و رؤيتهم للحياة و تقلباهتا و تطورها و تغريها حيث تولد التغريات
االجتماعية على صعيد السلوك و الفكر و الذوق و منط العيش داخل اجملتمع .
و من هذه الزاوية تكون العالقة بني الفن و اجملتمع ممثلة سلسلة تأثريات مرتابطة ال ميكن كسرها أو فصلها أو
عزهلا إذ أن اجملتمع يتبدل بواسطة الفن الذي هو نتاجه و الفن يواجه و يتحدى البناء االجتماعي الذي يعكس
عددا من صفاته لكنه يشرتك يف أو يساهم يف تغري الطرف اآلخر و يساهم يف تغري النسق الذي يتأصل فيه
التغري و هبذه العملية تظهر حاالت متزايدة من كثافة احلوافز بشكل دائم و شديد التنافس بني القوى الفنية و
االجتماعية بأسلوب جديل .
و العالقة بني الفن و اجملتمع تشبه عالقة اجلسد بالروح و ذلك بسبب اختالف مصاحل اجملتمع لكن يف هناية
األمر تلتقي هذه املصاحل مع مصاحل اجملتمع .
و مثال ذلك اجملتمع العريب –الريفي الذي يطرح فنا حياكي تقاليد ه االجتماعية و أزيائه احملافظة و تغنيه
بالطبيعة البيئية و االعتزاز برتاثه الشفوي الذي يتم تناقله من جيل إىل آخر يستخدمه يف املناسبات االجتماعية
السعيدة و يتباهى به أمام أبناء اجملتمع احمللي و أحيانا يستخدمه كأحد ألوان الفن الوطين -القومي يف املناسبات
الوطنية و احلالة ذاهتا يف اجملتمع الصحراوي فلم جند إنكار اجملتمع العريب البدوي أو الريفي للفنون الريفية أو
البدوية بل يعتز هبا و عند حتضر اجملتمع الريفي جند اجملتمع يتبىن األساليب الفنية احلضرية املدينية للتعبري عن منط
عيشه اجلديد املتحضر أي أن التغري الذي أصاب أو يصيب الريف العريب اثر على أساليب فئة و تطورها و ال
يلغيها أو يتنصل منها أو ينكرها.
المحاضرة الرابعة :الفن عند رواد علم االجتماع
يرى ابن خلدون اإلبداع الفين صفة مكتسبة وليست موروثة عند الفنان إذ يقال يف هذا اخلصوص وامللكة صفة
راسخة حتصل عن استعمال ذلك الفعل ونكرره مرة بعد أخرى حىت ترسخ صورته على نسبة األصل ،تكون
امللكة ونقل معاينة وأمت من نقل اخلرب والعلم .
مث وضع ابن خلدون شروطا هتيئ للفنان وضعا نفسيا وجسديا تؤهله لتقدمي انطباعه الفين وهي ما يلي :
حيث ذكر ما يلي :البد من اخللوة واستعادة املكان املنظور فيه من املياه واألزهار وكذا املسموع الستنارة
القرحية باستجماعها وتنشيطها مبالذ السرور مث مع هذا كله شرط أن يكون على محام ونشاط فذلك امجع له
وأنشط للقرحية .وخري األوقات لذلك أوقات البكر عند اهلبوب من النوم ،وفراغ املعدة ونشاط الفكر ويف
هؤالء اجلمام ،رمبا قالوا أن من بواعثه العشق واالنتشاء .وامللفت لالنتباه أن ابن خلدون يرى أن النسق الفين
ال يستطيع أن يستقبل بذاته داخل البناء االجتماعي عن باقي األنساق األخرى إال إذا استغىن صاحب الدولة
عن النسق العسكري كنسق معزز ومدعم للنسق السياسي وهذا ال حيصل إال بعد أن يثبت احلاكم إقدامه يف
انساق البناء االجتماعي ،او يف حالة ضعفه يف سلطته أي يف هناية حكمه،عندئذ يعتمد اعتمادا كامال على
النسق العسكري وجيعل من النسق الفين خادما له ومنفذا ألهدافه السياسية والعسكرية وليس الفنية .
لكن يف املرحلة املتوسطة واليت يسميها –ابن خلدون – وسط الدولة ،عندئذ يقوم احلاكم باالستغناء –نسبيا-
عن النسق العسكري بعد ان قام – هذا النسق – بتمهيد أمره وتثبيت أركانه يف البناء االجتماعي ،عنئذ ،تصب
ح حاجة احلاكم إىل املباهاة أمام الدول األخرى بثمرات ملكه وتكون مراتب الفنانني عالية ومتميزة على
السلم (التدرج ) االجتماعي ويكونوا من أصحاب الثروة والنعمة ومقربني من رجال السلطة وجمالسهم ألهنم
(الفنانني) اليت يستظهر على حتصيل مثرات ملكة واملباهاة بأحواله وتثقيف أطرافه .
وفيما بني هاتني املرحلتني أو ما امساه ابن خلدون وسط الدولة يستغين عن السيف ليحل مكانه القلم مكانه
حيث يكون االستقرار قد حل حمل القالقل واالضطرابات ولتنتقل الدولة هنا إىل مرحلة جديدة حيث قال وإما
يف وسط الدولة فيستغين صاحبها بعض الشيء عن السيف ألنه قد متهد أمره ومل يبق مهه إال يف حتصيل مثرات
امللك من اجلباية والضبط ومباهاة الدول وتنفيذ األحكام .
والقلم هو املعني له يف ذلك ،فتعظم احلاجة إىل تصريفه وتكون السيوف مهملة يف مضاجع إغمادها ،إال إذا
أنابت نائبة أو دعيت إىل سد فرجه وما سوى ذلك فال حاجة إليها ،فتكون أرباب القلم يف هذه احلاجة أوسع
جاها وأعلى رتبة وأعظم نعمة وثروة واقرب من السلطان جملسا وأكثر إليه ترددا ويف خلواته جنيا .ألنه حينئذ
اليت هبا يستظهر على حتصيل مثرات ملكه ،والنظر اىل أعطافه ،و تثقيف أطرافه واملباهاة بأحواله .
إن سياق احلديث عن نظرية –ابن خلدون –يف الفن يلزمين ان ال اغفل هبذا الصدد عن ما متيزه بني نوعني
رئيسني من الفنون ،األوىل مساها بالفنون الكمالية والثانية بالفنون الضرورية .
تعترب نظرية فيكو –الفن ظاهرة اجتماعية ينطبق عليه ما ينطبق على اجملتمع بشكل عام لذلك فالفن خيضع
:لنفس القوانني اليت خيضع هلا اجملتمع كله ففي نظره أن اجملتمع البشري و كذلك الفن مروا بثالث مراحل
املرحلة األوىل :يسميها مرحلة اآلهلة حيث ساد الرعب و اخلوف مما دفع الناس إىل تصور األرواح اخلفية و
.لذلك تشعبت عقلية اإلنسان و كذلك الفن بروح اخلرافة و أصبح فنا الهوتيا أسطوريا يف نزعته
املرحلة الثانية :يسميها مبرحلة األبطال حيث كان الفن هو الوسيلة لتمجيد األبطال و أعمال السادة األحرار و
.هذا ما جنده يف الفن اليوناين هومريوس و الفن الروماين
املرحلة الثالثة :يسميها مبرحلة احلرية تسود احلقوق املدنية و السياسية اليت تتقدم الفنون يف هذا العهد و يصبح
.الفن هو وسيلة التعبري عن احلياة اليومية
صاحب نظرية مراحل تطور الفكر اإلنساين الالهويت امليتافيزيقي و الوضعي ففي حديثه عن طور التقديس
األعمى بوصفه أول طور الهويت يذكر كونت أثره يف الفنون اجلميلة و مل يكن هذا االثر جافا حيث ال بد ان
تروق للخيال عقيدة وهبت احلياة للكون كله و قد نشأت كل الفنون اجلميلة يف تلك احلقبة و كان الشرك و
هو الطور الثاين للمرحلة الالهوتية مواتيا كذلك للفنون و قد دفع الشرك اخليال و العاطفة فوق العقل و
استخدام الفنون ليرتجم فلسفته الدينية جلمهور الناس بشكل حسي و كلما ادخل معبود جديد أضفت عليه
الفنون بزة و هيئة و تارخيا فتال مع وظيفة قاعدة الشرك بتوفريه الظروف املواتية لتقدم الفن على السمو به إىل
.مكانة عالية
تؤكد نظرية كارل ماكس على دور البيئة –و خباصة االجتماعية االقتصادية يف حتديد اخلصائص األساسية يف
الفن فالتغريات يف البيئة كما هو شأن الثورة اليت تعيد توزيع الثروة و السلطة جتنح إىل تبديل أشكال التعبري
.الثقايف مجيعها
إن طراز الفن و نوعيته يف أي زمن ال ترجعان اىل أي اهلام خارق للطبيعة أو مسو عنصري فطري بل إن
األحوال االجتماعية تستطيع أن هتيئ للفن موضوعاته و اجتاهاته العامة إال أن مثة دوما جماال فسيحا للتنوع
الفردي فان األحوال االجتماعية ال حتدد التفاصيل النوعية أو األساليب الفردية يف كل حقبة و ليس يف مقدور
العوامل االجتماعية االقتصادية البحتة أن تتنبأ بالطرق املضبوطة اليت تعاجل أو تفسر هبا العبقرية املوضوعات
العامة و لكن األحوال االجتماعية قد تطلق العنان لقوة اخللق و اإلبداع و تلهمها و العكس أي أهنا تطلقها أو
.تقضي عليها
خامسا :نظرية هربرت سبنسر –فيلسوف بريطاني (1903-1820م )
رأى سبنسر أن تطور الفنون كان و البد أن يظل جزءا مكمال لتطور الكون مبا يف ذلك العقل و اجملتمع و
احلضارة و استشهد بأمثلة من تاريخ كثري من خمتلف الفنون اجلميلة و التطبيقية البدائية و احلديثة ليظهر أن
.نفس النزعات التطورية حدثت فيها
كما حدثت يف ارتقاء احليوان و النبات و األشكال االجتماعية و كان الفن يسري إىل أن يكون أكثر تعقيدا و
يف عمليته هذه كان على وجه اإلمجال يتحسن من حيث نوعيته و كان يتطور و يتقدم جنبا اىل جنب مع
.العلم و التكنولوجيا
سادسا نظرية اميل دوركهايم – فيلسوف و عالم اجتماع فرنسي( ) 1917 -1858
قال أن الفن ظاهرة اجتماعية و انه إنتاج نسيب خيضع لظروف الزمان و املكان و هو عمل له أصول خاصة به
و له مدارسه و ال يبىن على خماطر العبقرية الفردية و هو اجتماعي أيضا من ناحية انه يتطلب مجهورا يعجب به
و يقدره و على هذا فالفنان يف نظر دوركهايم ال يعرب عن األنا بل عن –النحن -أي عن اجملتمع بأسره و ال
يتم ذلك عن طريق التأمل الشعوري بل عن طريق االختمار الالشعوري و هو ما يشبه احلمل الفين يصدر عن
اإلهلام أو الوحي ما داموا ال ميلكون بأيديهم خيوط التأثري االجتماعي اليت تكون يف الواقع بعيدة الغور متشابكة
متاما و معقدة و متداخلة و على الرغم من ان اجملتمع هو مصدر األعمال الفنية إال أن األصالة الفنية عند
االجتماعيني هي ان يدخل الفنان على الرتاث الفين للمجتمع تعديالت و تطورات او تاليفات مل تكن مدركة
من قبل و لكنها مع ذلك موجودة يف اجملتمع و مشتقة من كيانه و ذهب دوركهايم إىل أن الدين كنظام
.اجتماعي هو األصل يف نشأة الفنون مجيعا
انه يسعى إىل عامل أكثر عدال و اقرب اىل العقل و املنطق و هو يثور على اضطراره إىل إفناء عمره داخل حدود
حياته وحدها داخل احلدود العابرة العارضة لشخصيته وحدها انه يريد أن يتحدث عن شيء أكثر من جمرد أنا
عن شيء خارجي و هو مع ذلك جوهري بالنسبة إليه انه يريد أن حيوي العامل احمليط به و جيعله ملك يده عن
طريق العلم و التكنولوجيا ميد هذه األنا املتطلعة املتشوقة الحتواء العامل إىل ابعد حدود جمرات السماء و إىل
عمق أسرار الذرة كما يربط عن طريق الفن هذه األنا الضيقة بالكيان املشرتك للناس و بذلك جيعل فرديته
.اجتماعية