You are on page 1of 7

‫النظرية البنيوية االجتماعية‬

‫‪www.b-sociology.com‬‬
‫مقدمة متهيدية ‪:‬‬

‫تعد النظرية البنيوية من اهم واقدم النظريات االجتماعية املعروفة ‪ .‬والبنيوية ال يدرسها علماء االجتماع‬
‫فحسب بل يدرسها أيضاً علماء اللغة وعلماء النفس وعلماء البايولوجي (األحياء بل وحتى علماء‬
‫الفلسفة‪).‬‬

‫وكل جمموعة من هؤالء االختصاصيني يعنون بها شيئا معينا يتأتى من اختصاصهم ويف الوقت نفسه‬
‫خيدم االختصاص ويطوره يف ضروب معينة‪ ،‬فالبنيوية عند استخدامها يف علم اللغة تعين اصول تراكيب‬
‫الكلمات واملصطلحات واجلمل والفقرات‪ ،‬اذ ان لكل كلمة أو مصطلح تركيبة البنيوي‪ ،‬أي االجراءات‬
‫االساسية اليت يتكون منها‪ .‬كما أن الكل مجلة يف اللغة تركيبها الذي يتكون من جمموعة الكلمات أو‬
‫املصطلحات‪ .‬اذا تتحلل اجلملة حتليال بنيويا اىل كلمات والكلمة الواحدة تتحلل اىل حروف هي مبثابة‬
‫العناصر األساسية اليت تتكون منها الكلمة‪.‬‬

‫وتستخدم النظرية البنيوية يف علم البايولوجي الذي يدرس جمموعة فصائل احليوانات والنباتات‪ .‬ذلك‬
‫أن احليوان له تركيب أو بناء يتكون من جمموعة األجهزة العضوية‪ ،‬واجلهاز العضوي الواحد يف‬
‫احليوان كاجلهاز العضلي او العظمي او العصيب يتكون من جمموعة اخلاليا ‪ (.‬اما استخدام البنيوية يف‬
‫دراسة اجملتمع فهو استخدام ال خيتلف كثريا عن االستخدام اللغوي أو البايولوجي‪ .‬ذلك أن للمجتمع‬
‫بناء يتكون من جمموعة املؤسسات أو األنظمة االجتماعية الفرعية والنظام الفرعي الواحد يتحلل إىل‬
‫األدوار البنيوية ‪ ،‬والدور الواحد يتحلل اىل الواجبات واحلقوق االجتماعية‪) .‬‬

‫أن هذا املقال يتكون من مقدمة ومخسة مباحث رئيسية هي ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أ ‪ -‬متى تأسست النظرية البنيوية ومن هم أهم روادها ؟‬ ‫‪‬‬

‫ب ‪ -‬ما هي أهم املؤلفات املنشورة حوهلا ؟‬ ‫‪‬‬

‫ج ‪ -‬املبادىء االساسية اليت تنطوي عليها النظرية البنيوية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫د ‪ -‬االضافات اليت قدمها كل من كونت ‪ ،‬وكولدن ويزر وليفي سرتاوس ‪ ،‬ومارسيل ماوس‬ ‫‪‬‬

‫لتطور النظرية البنيوية‪.‬‬


‫ه ‪ -‬تطبيق النظرية البنيوية على االحباث االجتماعية ‪ .‬واآلن علينا دراسة هذه املباحث بشيء‬ ‫‪‬‬

‫من التفصيل والتحليل‪. .‬‬

‫املبحث األول ‪ :‬متى تأسست النظرية البنيوية ومن هم اهم روادها‪.‬‬

‫تأسست النظرية البنيوية يف نهاية القرن التاسع عشر واستمرت بالنمو والتطور حتى منتصف القرن‬
‫العشرين ‪( .‬وقد كان تأسيسها يستند إىل ظهور مفكرين اجتماعيني معروفني‬
‫أمثال اوجست كونت وكولدن ويزر وكلود ليفي سرتاوس ومارسيل ماووس ‪ ،‬ويرجع ايضا اىل نشر‬
‫مؤلفات مهمة " كالسكون االجتماعي " وعلم االجتماع الوضعي " نكونت ‪ ،‬والطوطمية " لكولدن ويزر ‪،‬‬
‫والبين األولية للقرابة " الليفي سرتاوس ‪ ،‬واخريا كتاب " اهلدية " ملارسيل ماووس ‪ .‬علماً بأن رواد‬
‫النظرية البنيوية مجيعهم يركزون على موضوع البين أو األنساق االجتماعية اليت يتكون منها البناء‬
‫االجتماعي كالبناء الديين والبناء األسري والبناء السياسي والبناء العسكري ‪ ،‬والبناء الرتبوي ‪ . . .‬اخل‬
‫‪.‬‬

‫وان هذه البين خمتلفة يف اشكاهلا ومضامينها ولكنها متكاملة ومتضامنة بعضها مع بعض اذ ان كل‬
‫بناء االجتماعي يسند ويعضد البناء أو البين االجتماعية األخرى ‪ ،‬وهذا ما يؤدي إىل ظهور ما يسمى‬
‫بالتكامل االجتماعي ) ‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أن هؤالء املنظرين االجتماعيني ال يعاجلون أجزاء البناء‬
‫وعالقتها بالبين األخرى فحسب بل يدرسون ايضاً حتليل البناء أو النسق الواحد اىل عناصره األولية‬
‫ويتناولون بالبحث والدراسة الرتابط بني اجلراء او اركان النسق مع اشتقاق قوانني تتعلق بطبيعة تغري‬
‫اإلنساق من شكل اللى شكل آخر والرتكيز على األسباب املوضوعية والذاتية الداعية للتحول او التغيري‬
‫الذي يعرتي االنساق أو األجزاء اليت يتكون منها اجملتمع‪" .‬‬

‫ان االضافات اليت قدمها اوجست كونت ( ‪ ) ۸۱۸۱ - ۸۹۷۱‬للنظرية البنيوية كانت يف منتصف‬
‫القرن التاسع عشر‪ ،‬يف حني االضافات اليت قدمها كولدن ويزر ( ‪ ) ۸۱۱۸ - ۸۷۷۸‬للنظرية‬
‫البنيوية كانت يف عقدي الثالثينات واألربعينات من القرن العشرين ‪ .‬أما الفرتة الزمنية اليت قدم فيها‬
‫مارسيل ماووس ( ‪ ) ۸۱۹۱ - ۸۷۹۸‬اضافاته النظرية االجتماعية فقد كانت خالل الثالثينات‬
‫واألربعينات من القرن العشرين ‪ .‬واخريا قدم كلود ليفي سرتاوس ( ‪ ) ۸۷۱۷ - ۸۷۸۱‬اضافات‬
‫للنظرية البنيوية خالل حقبة الستينات والسبعينات من القرن العشرين‪.‬‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬أهم األعمال العلمية املنشورة حول النظرية البنبوية ‪.‬‬

‫هناك اربعة اعمال علمية تتناول بالدراسة والتحليل كل ما يتعلق بالنظرية البنيوية‪ ،‬ولعل من أهم هذه‬
‫األعمال كتاب‬

‫" الفلسفة الوضعية " ألوجست كونت الذي يقع يف جملدين‪.‬‬

‫الكاتب‬ ‫الكتاب‬
‫الفلسفة الوضعية اجست كونت‬

‫والكتاب يتناول كل ما يتعلق بعلم االجتماع الوضعي والوضعية ) ‪ .‬فعلم االجتماع الوضعي هو املوضوع‬
‫الذي يتخصص بدراسة الظواهر الكلية لعقل اإلنسان واألفعال اإلنسانية الناجتة عن هذا العقل ‪.‬‬
‫ويضيف كونت أن علم االجتماع الوضعي ال يدرس العقل يف حد ذاته ولكنه يهتم بالنتائج املرتاكمة و‬
‫املتجمعة عن استعمال العقل وممارسته‪" .‬‬
‫فعلم االجتماع الوضعي يدرس اذا ظواهر اجملتمع دراسة كلية وضعية‪ ،‬أي دراسة أجزاء اجملتمع‬
‫دراسة علمية موضوعية تعتمد على العقل واملنطق واخلرب والتجارب السابقة وتعتمد على املالحظة‬
‫واملقارنة والتبع التارخيي لألحداث حسب تسلسل وقوعها‪.‬‬

‫ويعتقد كونت بان مصطلح الوضعية جيب أن يستعمل يف السياسة واالجتماع والفلسفة‪ .‬علماً بأن أهمية‬
‫استخدام االصطالح أو املصطلح تكمن يف رغبته امللحة يف حتويل العلوم اليت يدرسها من علوم ادبية‬
‫وفلسفية اىل علوم واقعية علمية وموضوعية تهتم بدراسة الظواهر واحلقائق االجتماعية واحلضارية دراسة‬
‫مشتقة من طبيعة احمليط الذي تشتق منه هذه الظواهر واحلقائق‪ ،‬دراسة تبتعد عن اسلوب التكهن‬
‫واحلزر الفلسفي وامليتافيزيقي‪.‬‬
‫ويتناول كتاب الفلسفة الوضعية موضوع السكون او الستاتيك االجتماعي والذي يقصد به كونت دراسة‬
‫اجملتمعات اإلنسانية‪ ،‬دراسة تغور يف تفصيالتها وجزئياتها وعناصرها ونظمها يف حالة استقرارها بقصد‬
‫الوقوف على القوانني اليت حتكم متاسكها وتعمل على تضامنها‪ .‬وحلد كونت يف الكتاب عناصر‬
‫اجملتمع من خالل حتليله السكوني او االستاتيكي إىل ثالثة عناصر هي الفرد والعائلة والدولة ‪ .‬ذلك أن‬
‫الفرد يف ذاته ال يعترب عنصرا اجتماعياً اال اذا تفاعل مع اآلخرين وتضامن معهم بشكل مجاعات‬
‫ومنظمات متماسكة‪.‬‬
‫كما أن اجلماعة او املنظمة االجتماعية ال تظهر وال تكون فاعلة وقوية اال بوجود األفراد وانتماءهم إىل‬
‫اجلماعة ‪ .‬لذا ينتهي كونت من هذا التحليل إىل أن الفردية اخلالصة ال متثل شيئا يف احلياة‬
‫االجتماعية اال بعد امتزاج وتفاعل العقول بعضها مع بعض‪ .‬علماً بأن تفاعل العقول ال يتحقق يف الوسط‬
‫الفردي وامنا يتحقق يف الوسط اجلمعي‪ .‬ولعل األسرة هي الوسط الذي تتحقق فيه كل هذه األمور وكذلك‬
‫اجلماعات االجتماعية األخرى‪.‬‬
‫وهناك كتاب آخر يتعلق بالنظرية البنيوية ذلك هو كتاب " الطوطمية " او عبادة األوثان للعامل‪ :‬كولني‬
‫ويزر‪.‬‬

‫والكتاب يعتمد على االفرتاضات العقالنية اليت طرحها كولدن ريزر يف تفسري الطوطمية او الوثنية‬
‫فالوثنية بالنسبة له هي مرحلة بنيوية يف التطور الشمولي للحضارة ‪ .‬علما بان احلضارة كما يصفها‬
‫العامل هي نتاج األفراد الذين جيدون أنفسهم يف حاالت وظروف خمتلفة ‪ .‬يعتقد كولن ويزر بان‬
‫الطوطمية كما تشري األدلة والبيانات التارخيية واألثرية هي شيء قديم ومنتشر يف مجيع أجزاء العامل‪.‬‬
‫انها أي الطوطمية تتكون من صفات ومزايا معقدة بعضها اجتماعي وبعضها ديين وبعضها االخر‬
‫طقوسي‪.‬‬
‫وشيء معقد كهذا ال ميكن أن يظهر بصورة فجائية او صدفية‪ .‬فعندما توجد الطوطمية يف مئات القبائل‬
‫فينبغي أن تكون هناك صلة بني طبيعة هذه القبائل السيما بني مساتها احلضارية املادية وغري املادية‬
‫والطوطمية‪ .‬أن الطوطمية تظهر وسط الظروف االجتماعية البنيوية للقبيلة ثم ال تلبث أن خترج منها‬
‫وتصل اىل القبائل األخرى اجملاورة أو النائية‪ .‬وهنا تتشابه القبائل يف الظروف املوضوعية والذاتية اليت‬
‫تقود إىل ظهور الوثنية او الطوطمية فيها بصورة منفردة طاملا أن التكون البايولوجي للبشر من الناحية‬
‫اجلسمية والعقلية هو تكوين واحد‪ ،‬وأن هناك شبه بني فرد وآخر‪ ،‬فضال عن وجود نقاط الشبه الكبرية‬
‫بني بيئة وأخرى من مكوناتها املادية وغري املادية‪.‬‬

‫وهنا ميكن القول بأن الطوطمية ليست هي مرحلة يف التطور الشمولي احلضارة وامنا هي صنف من‬
‫االستجابات احلضارية املتشابهة اليت تقوم بها عقول متناغمة لظروف بيئية واحدة‪).‬‬
‫والكتاب اآلخري الذي يهتم بدراسة النظرية البنيوية هو كتاب‪:‬‬
‫"البين األولية القرابة ملؤلفه كالود ليفي سرت اوس"‬
‫فالكتاب يتناول اوال البنيوية كما بينها سرتاوس اذ يدرس األسس احلقيقية اليت تستند عليها ‪ ،‬وهذه‬
‫األسس تكمن يف النظريات النفسية ألواخر القرن التاسع عشر ‪ .‬ذلك أن األتراك والتجربة تعتمد كما‬
‫تقول هذه النظريات النفسية على التجارب األولية واألحاسيس اليت تظهر يف العديد من العمليات‬
‫والظواهر االجتماعية ‪ ( .‬علما بان هذه التجارب األولية تتكون من جمموعة الصفات الفيزيولوجية‬
‫لألشياء وطبيعة تصورات وادرك الناس هلا بضمنها مقاصدهم وعالقاتهم االجتماعية يف البين واملؤسسات‬
‫اليت ينتمون اليها ويتفاعلون معها‪.‬‬
‫ويتناول ليفي سرتاوس يف كتابه موضوع بُين وتراكيب العقل كما تتجسد يف األدلة النفسية ‪ .‬فالفكر‬
‫الذي حيمله الشخص البالغ كما يقول سرتاوس يتمحور حول البين الثابتة للخربات واملعلومات‬
‫والتجارب اليت حصل عليها منذ بداية طفولته األوىل ) ‪ .‬وفهم واستيعاب مثل هذه املعلومات األولية من‬
‫قبل عامل االجتماع امنا متكنه من النفاذ او الدخول إىل طبيعة املؤسسات األجتماعية طاملا أن العنصر‬
‫العام للبناء العقلي واملخطط املؤسسي للبناء يف املوارد األولية اليت يعتمد عليها الناس يف مشاريعهم‬
‫وتوجهاتهم االجتماعية‪ .‬ذلك أن اخلواص التفاعلية النظم القرابة امنا هي املادة األولية خللق او توليد‬
‫النظم املتفاضلة أو املختلفة اليت يتكون منها البناء االجتماعي الذي هو اساس اجملتمع على حد قول‬
‫ليفي سرتاوس‪.‬‬

‫اما الكتاب األخري الذي يتناول دراسة البناء والنظرية البنيوية فهو كتاب اهلدية للعامل مارسيل ماووس‬
‫والذي يقول فيه بان تبادل اهلدايا بأشكاهلا املختلفة يكون تقريبا يف مجيع اجملتمعات البشرية‪.‬‬
‫وبالرغم من كون اهلدايا من الناحية النظرية اختيارية وتلقائية وغري قصدية فانها تتسم بصفات اإللزام‬
‫والواجب والقصد‪.‬‬
‫( فهي تبين منظومة التزامات تتعلق بالعطاء واالستالم ورد الدين والواجب‪ ،‬وهي جزء ال يتجزأ من‬
‫املساعدة املشرتكة املتبادلة والتفاهم والعالقات اإلجيابية املتبادلة‪ .‬وقد عمم ليفي سرتاوس احكام اهلدية‬
‫والتزاماتها وجعلها حجر األساس النظريته حول القرابة ‪ .‬فاحكام الزنا باحملارم مثال تدين االتصال‬
‫اجلنسي بني األب وابنته وبني االخ واخته ‪ .‬ومثل هذا التحريم او االدانة مينح األب أو االبن حق‬
‫االتصال اجلنسي باالباعد من النساء‪ .‬وهنا ينطوي حتريم الزنا باحملارم على تبادل النساء وتكوين‬
‫العالقات املتبادلة بني العوائل‪ ،‬أي قيام العائلة باعطاء امراة العائلة أخرى واستالم امراة منها‪.‬‬
‫يعتقد ليفي سرتاوس بأن مجيع املؤسسات القرابية هي وسائل التحقيق التكامل بني العوائل من خالل‬
‫ظهور ثالث بين قرابية هي البناء القرابي املشرتك والبناء القرابي األبوي و البناء القرابي االمومي ‪.‬‬
‫ومثل هذه البنى الرتابية اليت حتدد احندار النسب تشكل او تكون حلقة او دائرة من التبادل بني هذه‬
‫اجلماعات‪ .‬عندما يكون السكن او الزواج يف خط واحد كخط الذكور او االناث فان التبادل سرعان ما‬
‫يظهر بني هذا اخلط ألسرة معينة وخط آخر ألسرة أو عائلة اخرى‪ .‬وهكذا نالحظ بان تبادل النساء‬
‫يكون بني العوائل نتيجة الختالف احندار النسب‪.‬‬

‫أن املبادىء األساسية للنظرية البنيوية عند ليفي سرتاوس كما حيددها يف اعماله العلمية‬ ‫‪‬‬

‫والتطبيقية هي ما يلي‪:‬‬
‫حتليل العالقات اليت تأخذ مكانها بني الظواهر االجتماعية‬ ‫‪‬‬

‫اختزال الظواهر والعالقات اىل بنى اولية بسيط‬ ‫‪‬‬

‫مفهوم الظواهر االجتماعية كنظم تتجسد يف األفكار‬ ‫‪‬‬

‫االعرتاف بأن هذه االفكار املتجسدة هي اشياء غري واعية وال شعورية‬ ‫‪‬‬

‫املصدر ‪ :‬النظريات االجتماعية املتقدمة‪ ،‬دراسة حتليلية فى النظريات االجتماعية املعاصرة‬


‫‪-‬احسان حنمد احلسن‪.‬‬

‫♡إدعمنا مبشارك املنشور مع املهتمني ‪ .‬شكرا‬

You might also like