You are on page 1of 42

‫جامعة المستنصرية‬

‫كلية التربية األساسية‬

‫أصول التربية‬

‫المرحلة األولى‬

‫المدرس زينب خنجر مزيد‬

‫‪1‬‬
‫الفصل األول‬
‫التربية – مفهومها ‪ -‬دالالتها ‪ -‬وظائفها‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫منذ أن وجد اإلنسان على األرض عرف التربية ‪ ,‬ورغم اختالف أساليب معرفته‬
‫وتنوع طرائقها على مر العصور وعبر األجيال ‪ ,‬فقد عرفها بأبسط صورها وهو يعيش‬
‫في األدغال والكهوف والوديان وكان دائم التفاعل مع الكون بما فيه حتى يتمكن من‬
‫الحياة واالستمرار فيها ‪ .‬وكانت تربية اإلنسان حينذاك تربية مباشرة يمارسها الفتى عن‬
‫طريق محاكاة والدة ‪ ,‬والفتاة عن طريق تقليد والدتها في إدارة أمور المنزل وأداء‬
‫األعمال اليومية ‪ ,‬وكانت العالقات االجتماعية بسيطة أسلوبها التعامل المباشر ‪ ,‬ولما‬
‫توالت األيام وكثر الناس وتعددت احتياجاتهم شرعوا إلى بناء المنازل وأقاموا المدن وبنو‬
‫الحضارات بما اهتدوا إلية من علم وفكر وفن ‪ ,‬يعلمونه ألبنائهم وهؤالء بدورهم‬
‫يضيفون إليه بما ابتكروه ومع األيام تطورت الحياة وتباينت نظمها واختلفت طرقها في‬
‫تشكيل شخصية الفرد وتكوين اتجاهاته وقيمه ‪.‬‬

‫ولما كان اإلنسان هو الكائن الذكي والواعي والمفكر والمتطور والمتجدد وهو بالتالي‬
‫دائم التغيير هدفه أن يعيش حياة أفضل ‪ .‬وهذه هي حركة التربية في مجتمعات البشر‬
‫منذ القدم ‪.‬‬

‫مفهوم التربية ‪:‬‬

‫عرفها عالم النفس هنري جولي ‪ ( :‬مجموع‪F‬ة الجه‪F‬ود ال‪F‬تي ته‪F‬دف إلى أن تيس‪F‬ر للف‪F‬رد‬ ‫‪-1‬‬
‫االمتالك الكامل لمختلف ملكاته وحسن استخدامها ) ‪.‬‬
‫عرفه ‪FF‬ا ع ‪FF‬الم االجتم ‪FF‬اع دركه ‪FF‬ايم ‪ ( :‬بأنه ‪FF‬ا العم ‪FF‬ل ال ‪FF‬ذي ُتحدث ‪FF‬ه األجي ‪FF‬ال الراش ‪FF‬دة في‬ ‫‪-2‬‬
‫األجيال الناشئة من اجل الحياة االجتماعية ‪ ،‬وته‪F‬دف إلى تأس‪F‬يس وتنمي‪F‬ة ع‪F‬دد من الع‪F‬ادات‬

‫‪2‬‬
‫الجسدية والعقلية واألخالقي‪F‬ة ال‪F‬تي يط‪F‬الب به‪F‬ا المجتم‪F‬ع السياس‪F‬ي والوس‪F‬ط االجتم‪F‬اعي ال‪F‬ذي‬
‫يعدله ) ‪.‬‬
‫وأم‪FF‬ا في التص‪FF‬ور اإلس‪FF‬المي فهي ‪ ( :‬مجموع‪FF‬ة من القيم والمف‪FF‬اهيم ال‪FF‬تي تتراب‪FF‬ط فيم‪FF‬ا‬ ‫‪-3‬‬
‫بينها ضمن إطار فكري يستند إلى التصورات المطروح‪FF‬ة في الكت‪FF‬اب والس‪FF‬نة ح‪FF‬ول الك‪FF‬ون‬
‫واإلنسان ) ‪.‬‬
‫من كل ما جاء أنفـا يمكن أن نخلص تعريفا للتربية على أنها ( عملية تشكيل وإ عداد‬
‫أفراد إنسانيين في مجتمع معين الن التربية تعد الوسيلة األساسية التي بها ينتقل الفرد‬
‫من مجرد فرد بيولوجي إلى إنسان يشعر باالنتماء والوالء لمجتمع له قيم وعادات‬
‫واتجاهات وأمال وأالم ‪ ,‬فمن خاللها تتم عملية توجيه طاقات الفرد ونموه بمختلف‬
‫الوسائل والطرائق المحددة األهداف والمخططة اإلجراءات ‪ ,‬والتي تتم في األسرة‬
‫والمدرسة والمؤسسات التربوية األخرى ) ‪.‬‬

‫* وظائف التربية ‪ :‬توجد للتربية وظائف كثيرة لكننا سوف نذكر أهمها وكما يلي ‪:‬‬

‫التربية هي عملية إعداد العقل السليم ‪ :‬وظيفتها تنمية العقل السليم وأن سلوك‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلنسان إنما يتأتى من خالل معرفته ‪.‬‬
‫التربية عملية حفظ التراث ونقله عبر األجيال ‪ :‬ووظيفتها هنا تكمن في نقل‬ ‫‪-2‬‬
‫المعارف والمهارات من جيل الكبار إلى جيل الصغار‪.‬‬
‫التربية عملية استغالل للذكاء اإلنساني ‪ :‬ووظيفتها هنا تكمن في اكتشاف أدوات‬ ‫‪-3‬‬
‫المعرفة والذكاء هو ابرز تلك األدوات بال شك ‪.‬‬
‫التربية عملية استثمار اقتصادي ‪ :‬فهي حسب هذا المفهوم عملية اقتصادية لها عائد‬ ‫‪-4‬‬
‫ومردود مثلها مثل األموال التي تستثمر في مشروع اقتصادي لها مردود هو الربح ‪.‬‬
‫التربية عملية اكتساب خبرة ‪ ,‬ومحور هذا المفهوم للتربية يرتكز على مبدأ التعلم‬ ‫‪-5‬‬
‫بالعمل والممارسة والتعلم الذاتي ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫التربية عملية تهدف إلى تكيف الفرد مع المجتمع ‪ :‬ووظيفتها العمل على تكيف الفرد‬ ‫‪-6‬‬
‫وفق القيم والتقاليد والعادات السائدة في ذلك المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد ويتفاعل‬
‫معه ‪.‬‬
‫‪:‬‬

‫* أهداف التربية ‪:‬‬

‫بالرغم من محاولة كثير من المربين قديمًا وح‪F‬ديثًا تعري‪F‬ف التربي‪F‬ة بتعري‪F‬ف ج‪F‬امع إال‬
‫أنهم اختلف ‪FF‬وا في ذل ‪FF‬ك اختالف‪ًFF‬ا كب ‪FF‬يرًا ‪ ،‬نظ ‪FF‬رًا الختالفهم في تحدي ‪FF‬د اله ‪FF‬دف من التربي ‪FF‬ة من‬
‫جه‪FF‬ة والختالفهم في تحدي‪FF‬د أه‪FF‬داف المجتم‪FF‬ع من جه‪FF‬ة أخ‪FF‬رى ‪ ،‬ولكن على ال‪FF‬رغم من ذل‪FF‬ك‬
‫نجد أن هناك مجموعة من األه‪FF‬داف تك‪FF‬اد تك‪FF‬ون مش‪FF‬تركة بين اغلب تعريف‪FF‬اتهم ‪ ،‬ومن تلك‬
‫األهداف ‪:‬‬

‫‪ -1‬تك ‪CC‬وين الم ‪CC‬واطن الص ‪CC‬الح ‪ :‬أي تك‪FF F‬وين الش‪FF F‬خص ال‪FF F‬ذي يمتث‪FF F‬ل لألوام‪FF F‬ر والن‪FF F‬واهي‬
‫والقوانين في المجتمع من محض إرادته ‪0‬‬

‫‪ -2‬النمو الكامل للفرد ‪ :‬فالتربية ُتعد الفرد إع‪F‬دادًا يؤهل‪F‬ه كي يك‪F‬ون متك‪F‬امًال من الن‪F‬واحي‬
‫الجسدية والعقلية واالنفعالية والخلقية والحركية ‪ 000‬الخ ‪0‬‬

‫‪ -3‬بناء شخصية الف‪C‬رد ‪ :‬حيث تعم‪FF‬ل التربي‪FF‬ة على تك‪FF‬وين الس‪FF‬لوك وتوجيه‪FF‬ه لبن‪FF‬اء الف‪FF‬رد‬
‫في المجتمع من جميع النواحي ‪0‬‬

‫‪ -4‬تحقي‪CC‬ق الكفاي‪CC‬ة اإلنتاجي‪CC‬ة ‪ :‬حيث يتم الوص‪FF‬ول للكفاي‪FF‬ة اإلنتاجي‪FF‬ة عن طري‪FF‬ق الخط‪FF‬ط‬
‫الموض‪FF‬وعة لزي‪FF‬ادة إنت‪FF‬اج المص‪FF‬انع وال‪FF‬ثروة الحيواني‪FF‬ة والص‪FF‬ناعية والطبيعي‪FF‬ة وذل‪FF‬ك بإنش‪FF‬اء‬
‫المدارس المتخصصة إلعداد أشخاص مؤهلين لذلك ‪0‬‬

‫‪ -5‬مس‪CC‬اعدة الف‪CC‬رد على التكي‪CC‬ف ‪ :‬وذل‪FF‬ك بإكس‪FF‬ابه االتجاه‪FF‬ات ال‪FF‬تي تفي‪FF‬ده في التكي‪FF‬ف م‪FF‬ع‬
‫بيئته الطبيعية واالجتماعية ‪0‬‬
‫‪4‬‬
‫المفهوم الحديث للتربية ‪ :‬وينقسم إلى قسمين هما ‪-:‬‬

‫ثانيا ‪ /‬التربية المتوازنة ‪.‬‬ ‫أوال ‪ /‬التربية المتكاملة ‪.‬‬

‫أوال ‪ /‬مفهوم التربية المتكاملة ‪ :‬وتعني التربية التي تعمل على تنمية شخصية الفرد‬
‫بشكل متكامل ومن كافة الجوانب واألبعاد ‪ ,‬والمفهوم الحديث للتربية يأخذ في اعتباره‬
‫النظرة المتكاملة لشخصية اإلنسان من خالل االهتمام بأبعاد شخصيته في تكامل‬
‫وتوازن ‪ ,‬فاإلنسان عقل وجسد وعاطفة ‪ ,‬له قيم ويتذوق الجمال ويعيش في مجتمع له‬
‫طموحات ومصالح وهذا المجتمع ينمو ويستمر من خالل نمو شخصيات أفراده ‪ ,‬وللتأكيد‬
‫على اهتمام التربية الحديثة بنمو الشخصية المتكاملة للفرد نورد أبعاد تلك الشخصية‬
‫بشيء من االختصار‪- :‬‬

‫البعد الجسمي ‪ -2 .‬البعد العقلي ‪ -3 .‬البعد االنفعالي ‪ -4 .‬البعد األخالقي ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ -5‬البعد االجتماعي ‪ -6 .‬البعد الديني ‪ -7 .‬البعد الجمالي ‪.‬‬
‫* أهداف التربية المتكاملة ‪ /‬للتربية المتكاملة مجموعة أهداف منها ما يلي ‪-:‬‬

‫تحقيق التكامل بين الفرد والمجتمع ‪ ,‬فال تغالي في تربية الفرد على حساب‬ ‫‪-1‬‬
‫المجتمع ‪ ,‬أو العكس ‪.‬‬
‫تحقيق التكامل بين أبعاد شخصية الفرد فال تهتم في جانب على حساب الجانب‬ ‫‪-2‬‬
‫األخر‪.‬‬
‫توفير مناخ مدرسي يرتكز على أساس ديمقراطي يشجع الفرد المتعلم على تفجير‬ ‫‪-3‬‬
‫طاقاته ‪ ,‬ويفسح المجال له للتعاون مع أقرانه ‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫*األصول التاريخية للتربية ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫لقد مر الفك‪F‬ر ال‪F‬تربوي بمراح‪F‬ل وأزمن‪F‬ة وعص‪F‬ور عدي‪F‬دة تط‪F‬ور من خالله‪F‬ا واكتس‪F‬ب‬
‫المعنى األصلي ل‪FF‬ه ه‪F‬و وغ‪FF‬يره من العل‪FF‬وم والمع‪FF‬ارف األخ‪F‬رى ال‪FF‬تي ب‪FF‬دورها تنم‪FF‬و وتتط‪FF‬ور‬
‫وتكتس‪F‬ب الحق‪FF‬ائق والدق‪F‬ة وتبتع‪FF‬د عن األخط‪FF‬اء والغم‪FF‬وض ‪ ,‬فكلم‪FF‬ا ج‪F‬اء جي‪FF‬ل ع‪FF‬الج المفه‪FF‬وم‬
‫الذي كان عليه الجيل السابق مع االجتهاد في تحسينه وتطويره ‪.‬‬

‫إن دراسة تاريخ التربي‪F‬ة يعت‪F‬بر مهم‪ًF‬ا للتربي‪F‬ة المعاص‪F‬رة ‪ ،‬ألنه‪F‬ا تظه‪F‬ر حرك‪F‬ة المجتم‪F‬ع‬
‫وتفاعالت‪FF‬ه وت‪FF‬أثيره على التربي‪FF‬ة ‪ ,‬ف‪FF‬الكثير من المش‪FF‬كالت المعاص‪FF‬رة ال يمكن فهمه‪FF‬ا إال في‬
‫ضوء دراسة العوامل والقوى التي أثرت فيها في الماضي ‪.‬‬

‫بما أن العملية التربوية بدأت م‪FF‬ع ب‪FF‬دء الحي‪FF‬اة اإلنس‪F‬انية ‪ ,‬فمعرف‪F‬ة ت‪FF‬اريخ التربي‪FF‬ة ال ينحص‪FF‬ر‬
‫بم‪FF F‬ا دون‪FF F‬ه المؤرخ‪FF F‬ون الن تط‪FF F‬ور التربي‪FF F‬ة وتاريخه‪FF F‬ا الطوي‪FF F‬ل النهاي‪FF F‬ة ل‪FF F‬ه ويتع‪FF F‬دى الكتب‬
‫والمجلدات بل انه كان قبل ظهور الكتابة ‪.‬‬

‫* أهمية دراسة األصول التاريخية للتربية ‪:‬‬

‫إن دراسة البعد التاريخي أو األصول التاريخية يساعد العملية التربوية في معرفة ‪:‬‬

‫‪ -1‬ما ورثته األمة من الماضي وما أعدته للحاضر وكيف تخطط للمستقبل ‪.‬‬

‫‪ -2‬مواجهة المشكالت التربوية المختلفة في ضوء معالجة المشكالت القديمة المماثلة ‪.‬‬

‫‪ -3‬دراس‪F‬ة المف‪FF‬اهيم التربوي‪FF‬ة ال‪FF‬تي ك‪FF‬انت متبع‪FF‬ة ق‪F‬ديمًا والنظ‪FF‬ر في نتائجه‪FF‬ا واالس‪F‬تفادة منه‪FF‬ا‬
‫والعمل على تطويرها في الوقت الحاضر ‪.‬‬

‫* مقدمة في تطور التربية ‪:‬‬

‫البد لكل من يعمل في الحقل التربوي أن يكون لديه قدر من المعرفة بتطور مفهوم‬
‫التربية عبر العصور التاريخية الطويلة الن فهم معنى التربية ومتابعة مراحل التطور‬
‫التي مرت به منذ أقدم العصور حتى الوقت الحاضر يساعد على تكوين إطار نظري‬
‫‪6‬‬
‫لدى المربين يستند إلى األسس التاريخية للنظريات التربوية المختلفة ‪ ,‬وهنا سوف نقوم‬
‫بعرض مبسط حول تطور مفهوم التربية عبر العصور المختلفة ‪-:‬‬

‫* التربية في المجتمعات البدائية ‪:‬‬

‫امتازت التربية في المجتمعات البدائية ببساطتها ‪ ,‬حيث كانت تتم بصورة غير‬
‫مقصودة ( عفوية ) وكانت وسائلها بدائية ومطالبها قليلة ال تعدو سوى إشباع حاجات‬
‫الجسم من طعام وشراب وكساء ومأوى ‪ ,‬وكانت التربية آنذاك تعتمد على المحاكاة‬
‫والتقليد وكان الناشئ يقلد عادات مجتمعه وطراز حياته تقليدًا عفويًا خالصًا ‪ ,‬ونظرًا الن‬
‫المتطلبات الحياتية لم تكن معقدة وكثيرة فلم تكن هناك مؤسسة أو مدرسة تقوم بنقل‬
‫التراث حيث كان يقوم بالعملية التربوية أو التعليمية وعملية تكيف األفراد مع البيئة‬
‫الوالدان أو العائلة أو احد األقارب ‪ ,‬وفي أواخر المرحلة البدائية كان يقوم بها الكاهن أو‬
‫رئيس القبيلة ‪ ,‬ومن هنا نجد أن التربية البدائية تنقسم إلى قسمين هما ‪-:‬‬

‫‪ -1‬التربية العملية ( المرئية ) أي التي تنسب إلى عالم المرئيات ‪ /‬وهي تقوم على‬
‫تربية قدرة اإلنسان الجسدية لسد الحاجات األساسية من مأكل وملبس ومأوى وكان يقوم‬
‫بها الوالدان واألسرة ‪.‬‬

‫‪ -2‬التربية النظرية ( غير المرئية )أي التي تنسب إلى عالم الغيبيات ‪ /‬وهي التي يقوم‬
‫بها الكاهن أو شيخ القبيلة من خالل إقامة الحفالت والطقوس المالئمة لعقيدة الجماعة‬
‫المحلية وأنشطة العبادة والنواحي الروحية التي كانت تعطي اإلنسان البدائي األمن‬
‫والطمأنينة ‪.‬‬

‫* أهم خصائص أو سمات التربية في المجتمعات البدائية ‪-:‬‬

‫‪ -1‬إنها تمثل يقظة العقل البشري وإ حساسه المبكر بضرورة نقل الخبرة من جيل ألخر‬
‫يحتاج إليها ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -2‬يغلبها الطابع العملي حيث كانت تقوم على تنمية قدرات اإلنسان الجسدية للحصول‬
‫على ضروريات الحياة ‪.‬‬

‫‪ -3‬لقد كانت بسيطة في محتواها وكانت تجري بصورة عفوية وغير مقصودة فقد كان‬
‫األطفال يتعلمون ما تعلم أبائهم وأهليهم أو أفراد القبيلة بالتلقين أو المشاهدة أو التقليد ‪.‬‬

‫‪ -4‬كانت العملية التربوية تتميز بالتوزيع ‪ ,‬أي أن المجتمع ككل كان يقوم بعملية التربية‬
‫وذلك لعدم وجود مؤسسات تربوية مسؤولة عن التربية وكان يتولى تلك العملية األبوان‬
‫أو األسرة أو رئيس القبيلة ‪.‬‬

‫‪ - 5‬أهدافها واضحة للجميع فهي ال تتعدى تدريب الفرد للحصول على ضروريات الحياة‬
‫وتحقيق االنسجام بين الفرد وبيئته المادية والروحية ‪.‬‬

‫‪ -6‬كانت متدرجة ومرحلية فكان الطفل يتدرب على شيء معين يزداد ذلك الشيء في‬
‫األهمية مع تقدم عمر الطفل حتى يبلغ مرحلة الشيخوخة ‪.‬‬

‫* التربية في بعض الحضارات القديمة ‪:‬‬

‫نتيجًة لتطور الحياة وتعقدها أصبح من الصعب على الوالدين أو العائلة القيام بعملية‬
‫التربية ‪ ,‬ومن هنا نشأت مهنة جديدة هي مهنة المربين أو اإلطار الذي يرضى عنه‬
‫المجتمع ‪ ,‬وكانت العملية التربوية تتم في الساحات العامة أو أماكن العبادة إلى أن‬
‫تطورت األمور ونشأت المدارس النظامية ‪ ,‬ومع هذا التحول والتطور ظهرت الكتابة‬
‫وبدأت الحضارات تسجل نظمها وقوانينها وشرائعها ومن هنا وصلت إلينا بعض‬
‫المعلومات عن تلك الحضارات القديمة وأساليبها التربوية وطرقها في نقل التراث‬
‫وتطبيع األفراد بطابع الجماعة ‪ .‬وسوف نتطرق إلى بعض الحضارات القديمة ومنها ما‬
‫يلي ‪-:‬‬

‫‪8‬‬
‫أوًال ‪ /‬التربية في حضارة وادي الرافدين ‪:‬‬

‫تمت ‪FF‬د ج ‪FF‬ذور المعرف ‪FF‬ة والتعليم في حض ‪FF‬ارة وادي الراف ‪FF‬دين إلى فج ‪FF‬ر الت ‪FF‬اريخ ‪ ,‬إذ ب ‪FF‬دء‬
‫الت‪FF F‬دوين ألول م‪FF F‬رة في ت‪FF F‬اريخ البش‪FF F‬رية في منتص‪FF F‬ف األل‪FF F‬ف الراب‪FF F‬ع قب‪FF F‬ل الميالد ‪ ,‬ولعب‬
‫الع ‪FF‬راق دورًا ب ‪FF‬ارزًا في نق ‪FF‬ل مش ‪FF‬عل الحض ‪FF‬ارة إلى خ ‪FF‬ارج رقعت ‪FF‬ه الجغرافي ‪FF‬ة ع ‪FF‬برالمراكز‬
‫الحضارية في س‪F‬ومر وأك‪F‬د ال‪F‬تي ظلت ثقافته‪F‬ا مزده‪F‬رة على م‪F‬دى م‪F‬ا يق‪F‬ارب من (‪)3000‬‬
‫س‪FF‬نة ‪ ,‬وق‪FF‬د دل مس‪FF‬ح النص‪FF‬وص ال‪FF‬تي يمكن إرجاعه‪FF‬ا لألل‪FF‬ف الث‪FF‬الث قب‪FF‬ل الميالد إلى وج‪FF‬ود‬
‫م‪FF‬دارس رس‪FF‬مية في وادي الراف‪FF‬دين في ف‪FF‬ترة تس‪FF‬بق ظه‪FF‬ور األزمن‪FF‬ة البابلي‪FF‬ة القديم‪FF‬ة ‪ ,‬كم‪FF‬ا‬
‫ظه‪FF F‬رت في عص‪FF F‬ر حم‪FF F‬و رابي م‪FF F‬دارس لنس‪FF F‬خ الكتب وتعليم الناش‪FF F‬ئة ‪ ,‬ولق‪FF F‬د أسس‪FF F‬ت أول‬
‫مدرس ‪FF‬ة في الع ‪FF‬الم في بالد م ‪FF‬ا بين النه ‪FF‬رين وغ ‪FF‬دا التعليم نظامي‪ًF F‬ا في بالد س ‪FF‬ومر بع ‪FF‬د أن‬
‫ازدادت المدارس زيادة ملحوظة‬

‫وفي أوائل القرن العشرين تم اكتشاف عدد من األلواح المدرسية كانت مادتها تتحدث عن‬
‫اإلدارة واالقتصاد ‪ ,‬كما تظهر األلواح أن الذين مارسوا فن الكتابة كانوا باآلالف ‪ ,‬وق‪FF‬د‬

‫م‪FF‬دتنا االكتش‪FF‬افات األثري‪FF‬ة بم‪FF‬ا يتعل‪FF‬ق بالمدرس‪FF‬ة في باب‪FF‬ل القديم‪FF‬ة ‪ ,‬إذ بينت أن فيه‪FF‬ا غرف ‪ًF‬ا‬
‫واس‪F‬عة تحت‪F‬ل وس‪F‬طها مص‪F‬طبات واطئ‪F‬ة من الحج‪F‬ر تس‪F‬ع الواح‪F‬دة منه‪F‬ا الث‪F‬نين أو ثالث‪F‬ة أو‬
‫أربعة طالب ‪ ,‬وكانت تنشر مجموعة من األلواح لممارسة الكتابة ‪.‬‬

‫وقد عرف العراقيون القدماء علوم عديدة منها ( علم الجغرافية ‪ ,‬الرياضيات ‪,‬‬
‫الحيوان ‪ ,‬الالهوت ‪ ,‬النبات ‪ ,‬التعدين ‪ ,‬وعلم اللغة فضًال عن اآلداب ) ‪.‬‬

‫وكانت رواتب المدرسين تدفع من احور الطالب ‪ ,‬وان التعليم كان مقتصرًا على‬
‫األغنياء وعدد قليل من الفقراء ‪ ,‬وقد كان للمرأة نصيب من التعليم إذ دلت االكتشافات‬
‫أن الكثير من النساء في العصور البابلية كن متعلمات ‪ ,‬أما نظام التعليم فقد كان صعبًا إذ‬
‫كان على الطالب أن يواظب على دروسه يوميًا من الشروق وحتى المغيب وسنين‬

‫‪9‬‬
‫الدراسة كانت طويلة وكان على الطالب أن يالزم المدرسة منُذ صباه إلى أن يصبح شابًا‬
‫وكان مدير المدرسة يدعى( أب المدرسة ) وكان يلقب باألستاذ احترامًا له وكان ينظر‬
‫إليه بعين اإلجالل والوقار ‪ ,‬أما المعلم فكان يتمتع بمركز اجتماعي مرموق فهو أعلى‬
‫من الكاهن والضابط والوالي ويلقب بالعالمة أو األستاذ ‪ ,‬أما التالميذ فكانوا يسمون‬
‫أنفسهم (أبناء المدرسة ) وكانوا يتمتعون أيضًا بمكانة محترمة في المجتمع ‪ ,‬أما في ما‬
‫يخص المكتبات فقد كانت منتشرة في كل المدن اإلقليمية تقريبًا وعلى مسافة منتظمة لكل‬
‫مكتبة وكانت توجد مدرسة للنسخ ملحقةُ بها وقد تم العثور على اكبر مجموعة من‬
‫األلواح والتي كانت تتمثل بالمكتبة الخاصة بأشور بانيبال في نينوى إذ عثر على (‬
‫‪ )2500‬لوحة سليمة ومحكمة في مجموعته ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ /‬التربية في وادي النيل ‪:‬‬

‫اهتم المصريون القدماء اهتمامًا كبيرًا بالتربية اذ كانوا يرون ان المعرفة وسيلة لبلوغ‬
‫الثروة والمجد ‪ .‬ونظرًا لتعقد المجتمع والحياة المصرية القديمة كان البد البن وادي النيل‬
‫أن يتقدم خطوات ابعد من اإلجراءات التربوية البسيطة التي كانت موجودة في مجتمعات‬
‫اقل في المستوى الحضاري وبسب ذلك التعقد ايضًا لم يكن في المستطاع أن يكتسب‬
‫الفرد الخبرات الالزمة لخلقه عنصرًا في المجتمع من مجرد عمليات تقليد الكبار ولهذا‬
‫كان البد من وجود نظامًا مدرسيًا وتعليمًا أرقى ‪ ,‬حيث فتحت المدارس والمعاهد العلمية‬
‫التي طرق أبوابها التالميذ ليكتسبوا الخبرات الثقافية والتكنولوجيا الالزمة لمجتمع ضرب‬
‫سهمًا وافرًا في التقدم الحضاري وخاصة في ميدان الصناعة ‪ ,‬وان غرض المدارس‬
‫بصورتها النظامية كان أكثر اهتمامًا باألمور المتعلقة بتعلم اللغة واألدب وقد اخضع‬
‫الكهنة لنفوذهم الفنون والحرف ومختلف األنشطة األخرى في الدولة ولم تكن هذه الفنون‬
‫والحرف والتعلم في المدارس متاحة لكل من يريد تعلمها ‪ ,‬وقد كان النظام التربوي‬
‫آنذاك يقسم إلى ما يلي ‪-:‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -1‬مرحلة تعليم أولية لألطفال في مدارس ملحقة بالمعابد ‪.‬‬

‫‪ -2‬مرحلة متقدمة وهي عبارة عن مدارس نظامية يقوم بالتعليم فيها معلمون مختصون‬
‫إال إنها كانت تقتصر على أبناء الفراعنة والطبقة األولى والخاصة ‪.‬‬

‫‪ -3‬مرحلة التعليم المهني ‪.‬‬

‫‪ -4‬مرحلة التعليم العالي حيث كان لديهم جامعات تدرس علوم الرياضيات والفلك‬
‫والطب والهندسة ‪.‬‬

‫كما يمكن تحديد اهتمامات التعليم المصري القديم بثالثة أبعاد هي ‪-:‬‬

‫* التدريب المهني ‪ :‬الذي كان يهدف إلى إكساب الفرد مهارات من فروع الحياة‬
‫العملية ‪.‬‬

‫* تعليم الكتابة ‪ :‬وذلك لما للكتابة من أهمية وللكاتب من قيمة في ذلك العصر ‪.‬‬

‫* التوجيه األخالقي ‪ :‬فالمجتمع المصري القديم يهتم جدًا بالجانب ألقيمي واألخالقي إذ‬
‫كانت كتاباتهم مليئة باألخالق والحكم ‪.‬‬

‫أما أهم أهداف التربية المصرية القديمة فيمكن إجمالها بما يلي ‪-:‬‬

‫‪ -1‬تعليم أبناء المجتمع مبادئ االحترام الصحيح لآللهة ‪.‬‬

‫‪ -2‬تعليم أبناء المجتمع السلوكيات الالزمة لخدمة الحياة الدينية ‪.‬‬

‫‪ -3‬تعليم أبناء الطبقات الراقية مختلف أنواع العلوم النافعة ‪.‬‬

‫‪ -4‬نقل ثقافة المجتمع للناشئين ‪.‬‬

‫‪ -5‬تعليم أبناء الكهنة العلوم السرية ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وبهذا نجد أن من أهم خصائص التربية المصرية القديمة أنها تربية نظامية صارمة ‪,‬‬
‫متنوعة ‪ ,‬واقعية ‪ ,‬قاصرة على القلة القادرة وخاضعة لسيطرة الدولة وطبقة الكهنة ‪.‬‬

‫التربية الصينية ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫الحضارة الصينية حضارة قديمة وعريقة يتميز جانبها التربوي بما يلي ‪-:‬‬

‫‪ - 1‬تربية محافظه هدفت إلى الحفاظ على العادات والتقاليد الماضية دون المساس بها أو‬
‫محاولة تغيرها ‪.‬‬

‫‪ -2‬التعليم فيها أهلي لقاء اجر ويعتمد التلقين اآللي والقوة أساس لالنضباط ‪.‬‬

‫‪ -3‬طرق التدريس كانت تعنى بتمرين الذاكرة ‪.‬‬

‫‪ -4‬لم يكن للبنت نصيب في التعليم ‪.‬‬

‫‪ -5‬الخضوع للتقاليد والعادات القديمة خضوعًا تامًا ‪.‬‬

‫تعتبر الصين من الدول المتشددة في المحافظة على القيم والتقاليد لذلك لم تتغير‬
‫اغلب مفاهيمهم ‪ ,‬فالتراث لديهم مقدس وال يتغير كما أن الشعب الصيني امتاز بخضوعه‬
‫التام للتقاليد وجزئياتها وبتقديسه لها وبصورة كلية واستمر هذا الشعب ولفترة زمنية‬
‫طويلة على الخضوع للماضي ‪ ,‬فقد خضعت التربية بنظمها ومادتها وأساليبها وأهدافها‬
‫خضوعًا كليًا للتقاليد القديمة واتصفت نتيجة ذلك بروح المحافظة ومقاومة التجدد ‪ ,‬وظل‬
‫األمر كذلك إلى أن جاء (كونفوشيوس) الذي ظهر كمصلح عظيم عام (‪ 478 -551‬ق ‪.‬‬
‫م) والذي عرف عنه انه عقل راجح ‪ ,‬حيث اوجد مفهومًا جديدًا للتربية يهتم بدراسة‬
‫الفضيلة وخدمة األقارب وأشياء كثيرة في شؤون الفلسفة الروحية وكان ذلك يتم عن‬
‫طريق المدارس التي كانت تهتم بنظام االمتحانات التي يدخلها التلميذ ‪ .‬وقد حددت‬
‫تعاليمه السياسية واالجتماعية واألخالقية ويطلق عليها( العالقات الخمس) وهي ‪-:‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -1‬عالقة الحاكم بالمحكوم ‪ -2 .‬عالقة األب بابنه ‪ -3 .‬عالقة الزوج بزوجته‪.‬‬

‫‪ -5‬عالقة الصديق بصديقه ‪.‬‬ ‫‪ -4‬عالقة األخ بأخته ‪.‬‬

‫كما أكد على الفضائل الخمس وهي ( اإلحسان ‪ ,‬العدالة ‪ ,‬النظام ‪ ,‬الحزم ‪,‬‬
‫اإلخالص ) ومن آراءه أن اإلنسان خير بطبعه وليس بشرير وان هدف التربية االحتفاظ‬
‫بطبيعة اإلنسان ‪ ,‬كما يعتقد أن اإلنسان يميل إلى الفضيلة كما يميل الماء إلى االنسياب‬
‫إلى األسفل ‪ ,‬لقد دعا إلى تنظيم األسرة وفق أسس أخالقية سليمة ‪.‬‬

‫والكونفوشية ليست نظامًا دينيًا وال هي نظام عبادة وإ نما هي نظام فلسفي يجمع بين‬
‫اآلداب السياسية واالجتماعية وبين األخالق الخاصة ‪ ,‬واستمدت الكونفوشية قوتها من‬
‫الديانتين البوذية والتاوية في تعاليمهما هذه حيث أوجبت على الطفل تعلم التعاليم‬
‫األخالقية والواجبات االجتماعية باعتبارها جزءًا أساسيًا من المبادئ الرئيسية للسلوك ‪.‬‬

‫لم يكن للصين نظام تعليمي حكومي ‪ ,‬فقد انتشرت مدارس القرى وهي عبارة عن‬
‫معاهد ساذجة ال تزيد عن حجرة واحدة في كوخ صغير كان ُيدرس فيها معلم واحد يتلقى‬
‫أجره من أباء التالميذ ‪ ,‬أما التعليم فكان يقتصر على أبناء األغنياء ‪ ,‬أما أبناء الفقراء فلم‬
‫تتح لهم فرص التعليم ‪ ،‬وغالبًا ما كانت المدارس تأخذ مكانها في معبد من المعابد إن لم‬
‫تجد كوخًا مناسبًا أو سقيفة أو ركنًا يأوي التالميذ ‪ ,‬ولم تكن هنالك مدارس للبنات ‪ ,‬أما‬
‫الدراسة فقد خضعت لنظام صارم فكان األطفال يدرسون من الصباح الباكر إلى قرب‬
‫المغيب ‪ ,‬وكانوا يتعلمون القراءة والكتابة ومبادئ الحساب وشيئًا من كتابات كونفوشيوس‬
‫وبعض الشعر ‪ ,‬وكان على التلميذ أن ُيتم دراسته في مدة تتراوح بين (‪ ) 5-3‬سنوات ‪,‬‬
‫وتلي هذه المرحلة التعليم الثانوي ثم التعليم العالي وفيها يتعلم الطلبة التاريخ الصيني‬
‫والقانون والشؤون الحربية والزراعية باإلضافة إلى الكتابات الفلسفية والدينية السابقة‬
‫ولكن بزيادة أكثر وشرح أعمق ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫* أهداف التربية الصينية ‪ /‬يمكن إجمال أهداف التربية الصينية بما يلي ‪-:‬‬

‫‪ -1‬تدعيم القيم األخالقية ‪.‬‬

‫‪ -2‬تربية أبناء المجتمع ونقل ثقافته ‪.‬‬

‫‪ -3‬إعداد القادة لتولي شؤون الحكم ‪.‬‬

‫‪ -4‬الوصول بأبناء المجتمع إلى طريق الواجب من خالل التربية والتعليم ‪.‬‬

‫* نظام المدارس في التربية الصينية ‪:‬‬

‫أتسم هذا النظام بطابعه الخاص والمتميز الذي يهدف إلى سيادة اللغة الصينية‬
‫واألدب المقدس وبث القدرة على كتابة المقاالت وقد اشتمل على مراحل ثالث خصصت‬
‫المرحلة األولى الستذكار أشكال الرموز المختلفة وذلك بحفظ بعض النصوص التي‬
‫اختيرت للتالميذ وحفظ الكتب الدينية ‪ ,‬أما المرحلة الثانية فهي مخصصة للترجمة أي‬
‫حل الرموز التي سبق أن تعلمها الطالب في المرحلة األولى ‪ ,‬أما المرحلة الثالثة‬
‫فخصصت لكتابة المقاالت والموضوعات اإلنسانية إلى أن يحصل التالميذ على مهارة‬
‫وقدرة كافية في هذا الفن تمكنهم وتؤهلهم لدخول االمتحانات والنجاح فيها ‪.‬‬

‫التربية اليونانية ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫من أهم العوامل التي ساعدت على تقدم المجتمع اليوناني ورقيه في المجاالت‬
‫الحياتي كافة والمجال التربوي بشكل خاص هو ما امتازت به بالد اليونان من جو لطيف‬
‫قليل التغير يبعث النشاط في اإلنسان ويساعده على التفكير واإلبداع والتصور ‪ ,‬فقد‬
‫حضت اليونان بنظام تربوي متميز اتخذت فيه شكًال منظمًا كان أساسًا لما سارت عليه‬
‫التربية في العصور الالحقة وامتازت هذه التربية بكونها تربية ارستقراطية محصورة‬
‫بفئة قليلة من المجتمع ‪ ,‬وفي ضوء هذا العدد المتميز من القلة المفضلة اتسمت التربية‬

‫‪14‬‬
‫بروح التجدد واالبتكار وفسح المجال لنمو الشخصية الفردية في الجوانب العلمية‬
‫والسياسية والخلقية والفنية وكانت غاية التربية عندهم وصول اإلنسان إلى الحياة السعيدة‬
‫والجميلة وذلك عن طريق وصوله إلى الكمال الجسمي والعقلي معًا ‪.‬‬

‫والمتصفح لتاريخ اليونان القديم يجد ثالث نظم للتربية تكونت نتيجة التطور الحاصل في‬
‫المراحل التاريخية المتعاقبة ‪ ,‬وكانت كل مرحلة تمتاز بخصائصها الواضحة والمتميزة‬
‫عن غيرها من المراحل وهذه المراحل هي ‪-:‬‬

‫‪ -1‬مرحلة التربية الهومرية ( أو التربية في بالد اليونان قبل كتابة تاريخها والتي امتدت‬
‫إلى حوالي عام ‪776‬ق‪.‬م ) ‪.‬‬

‫‪ -2‬مرحلة التربية اليونانية القديمة ويتميز فيها نظامان تربويان هما التربية اإلسبارطية‬
‫والتربية األثينية المبكرة ‪.‬‬

‫‪ -3‬مرحلة التربية اليونانية الحديثة التي بدأت بعصر بركليز الذي يعتبر مرحلة انتقال‬
‫بين القديم والحديث في نواحي الحياة اليونانية القديمة كالتربية والدين والقيم األخالقية‬
‫وغيرها ‪ ,‬ثم تأتي بعد عصر بركليز الفترة الممتدة من استيالء المقدونيين على أثينا في‬
‫أواخر القرن الرابع ق‪ .‬م حتى خضوع اليونان لإلمبراطورية الرومانية ‪ ,‬ولما كانت كل‬
‫من إسبارطة وأثينا من الدول البارزة بين دول اليونان القديمة وامتازت كل منها بنظام‬
‫تربوي له خصائصه وأهدافه ووسائله المتميزة بسب اختالف العوامل الثقافية والسياسية‬
‫التي تقف وراء ذلك فان ذلك يقتضي أن نقوم بتوضيح طبيعة النظام التربوي في كلتا‬
‫الدولتين ‪.‬‬

‫أوًال ‪ /‬نظام التربية في إسبارطة ‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫تمثل التربية اإلسبارطية التربية اليونانية القديمة في أوضح صورها ومظاهرها ‪ ,‬إذ لم‬
‫يطرأ على هذه التربية أي تغيير أو تعديل من الناحيتين العلمية والتطبيقية إال في حاالت‬
‫استثنائية نادرة حدثت عند انهيار دولة إسبارطة ‪.‬‬

‫من العوامل التي كان لها تأثير كبير في طبيعة تكوين النظام التربوي في إسبارطة‬
‫هي ‪-:‬‬

‫‪ -1‬الموقع الجغرافي ‪ :‬تقع إسبارطة في منطقة جبلية وعرة ‪ ,‬والمعيشة في مثل هذه‬
‫البيئة تتطلب قوة الجسم والقدرة على االحتمال ‪.‬‬

‫‪ -2‬النظام االجتماعي اإلسبارطي ‪ :‬كان المجتمع اإلسبارطي يتألف من ثالث طبقات‬


‫هي (طبقة السادة ‪ ,‬الطبقة الوسطى ‪ ,‬وطبقة العبيد ) وقد حكم السادة اإلسبارطيون‬
‫وسخروا أفراد كل من الطبقتين ( الوسطى والعبيد ) في خدمتهم والقيام بجميع األعمال‬
‫اليدوية والشاقة في الدولة ‪ ,‬مما أدى إلى سخط هاتيتن الطبقتين وإ يجاد حاله من عدم‬
‫االستقرار داخل البالد ‪.‬‬

‫‪ -3‬العالقات السياسية الخارجية للمجتمع اإلسبارطي ‪ :‬لقد فرضت إسبارطة هيمنتها‬


‫على العشائر القريبة منها وفرضت عليها الضرائب مما أدى إلى كثرة االضطرابات‬
‫والثورات الداخلية والخارجية التي كان على السادة ا إخمادها والسيطرة عليها ‪.‬‬

‫لقد هدفت التربية اإلسبارطية إلى إعداد المواطن المحارب الشجاع المدافع عن‬
‫وطنه والمتحلي بعادات الطاعة العمياء للقانون وتحقيق المثل العليا للحياة الحربية ‪.‬‬

‫تبدأ التربية اإلسبارطية منذ الوالدة ‪ ,‬والدولة هي المسيطرة على التعليم بمراحله المختلفة‬
‫‪ ,‬حيث كان المولود يعرض على شيوخ الدولة الختبار صالحيته للحياة من خالل إجراء‬
‫بعض التجارب والفحوص الختبار قوة احتماله ‪ ,‬فان ثبت ضعفه كان يلقى على قمة جبل‬
‫عاريًا حتى يموت أو ينقذه احد العبيد ليربيه ويدربه على إحدى الحرف ليكون عبدًا مثلهم‬
‫‪16‬‬
‫‪ ,‬ومن يثبت صالحيته يعاد إلى أمه إلرضاعه وتربيته حتى السابعة من العمر وفق نظام‬
‫محدد من قبل الدولة ‪.‬‬

‫وعندما يبلغ الطفل السابعة من العمر كان اآلباء يقومون بإرسال أبنائهم إلى المعسكر‬
‫العام حيث يوضعون تحت إشراف ورعاية مشرفين أكفاء ‪ ,‬وكانوا يلحقون بالمدارس‬
‫الداخلية الشبيهة بالثكنات العسكرية حيث يقسم األطفال إلى مجموعات كل مجموعة‬
‫تتألف من (‪ )64‬طفًال يدير شؤونها رئيس يتم اختياره من بين األوالد المتقدمين في السن‬
‫‪ ,‬وبعد سن الثانية عشر ينقل األوالد إلى نوع من التدريب العسكري العنيف الذي يستمر‬
‫لمدة عامين تحت إشراف الجيش اإلسبارطي ‪.‬‬

‫لم يعتني االسبارطين بالقراءة والكتابة والحساب حيث كان البعض منهم يتعلمونها‬
‫عن طريق مدرسين خصوصيين ‪ .‬وفي سن الثامنة عشرة يلتحق الشاب اإلسبارطي‬
‫بفرقة االفبي أو ما تعرف بالطالب الحربي ليتلقى تدريبات عسكرية متقدمة ودراسة‬
‫عميقة في مختلف األسلحة والخطط العسكرية واستخدام السالح ‪ ,‬وكانت تختبر قوة‬
‫تحملهم كل أسبوعين تقريبًا وكان االختبار ال يخلو من القسوة ‪.‬‬

‫وحينما يبلغ المواطنون سن العشرين يلحقون بالجيش ويتدربون على تحمل الصعاب‬
‫ويؤدون يمين الوالء للدولة ثم يرسلون إلى وحدات الجيش على الحدود حتى يقضون‬
‫عشر سنوات كجنود نظاميين يقومون بمهامهم العسكري عند اندالع الحروب‪.‬‬

‫إن المواطن اإلسبارطي عندما يبلغ سن الثالثين من عمره يتمتع بجميع الحقوق‬
‫واالمتيازات المدنية ويصبح عضو من أعضاء الجمعية العامة ‪ ,‬ويجبر على الزواج‬
‫لصالح الدولة ويستمر في سكن الثكنات العسكرية ويكون على أهبة االستعداد لالشتراك‬
‫في كل الحروب الدفاعية والهجومية التي تتعرض لها البالد ‪.‬‬

‫* أسباب فشل النظام التربوي في إسبارطة ‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -1‬عدم االعتماد على النفس وتوجيهها وهذا ما عرف عن المجتمع اإلسبارطي ‪.‬‬

‫‪ -2‬قدرتهم على التفكير والتخيل كانت محدودة وإ نهم لم يتعودوا على مواجهة المشكالت‬
‫أو حلها بتعقل ‪ ,‬والسبب في ذلك أن الدولة عودتهم على االنصياع لألوامر والطاعة‬
‫العمياء ورسمت لهم طريق الحياة ‪.‬‬

‫‪ -3‬االنحالل الخلقي واالجتماعي الذي تفشى في المجتمع اإلسبارطي بعد الهزيمة في‬
‫الحروب ‪.‬‬

‫‪ -4‬االقتصار على جانب واحد من التربية وهو إعداد أفراد امتازوا بالطاعة والوالء‬
‫للدولة دون االهتمام بالجوانب األخرى للتربية ‪.‬‬

‫أما تربية البنات فهي تشبه تربية األوالد إال إنهن ال يقمن في معسكرات أو ثكنات‬
‫عسكرية بل ُك ن يعشن في بيوتهن مع أمهاتهن ويتلقين تدريبًا على األلعاب المختلفة‬
‫ال سيما التي تتسم بالقوة والسرعة والسباحة ورمي القرص إضافًة لذلك تعليمهن أنواع‬
‫من الرقصات الدينية ‪ ,‬وقد تمتعت المرأة اإلسبارطية بقسط من الحرية إذ ُس مح لها‬
‫مشاركة الرجال في بعض األلعاب والسباقات الرياضية واالختالط معهم ومشاهدتهم عند‬
‫تأديتهم للتمارين الرياضية المتنوعة ‪ ,‬وكان الغرض من تقوية أجسام الفتيات هو أن الفتاة‬
‫القوية الجسم تنجب أطفال أقوياء ليصبحوا جنودًا أقوياء شجعان يدافعوا عن إسبارطة‬
‫ويحمونها من هجمات األعداء ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ /‬نظام التربية في أثينا ‪:‬‬

‫من سمات التربية األثينية هي تقديرها العلم والبحث في عالم اإلنسان وعالم ما وراء‬
‫الطبيعة والبحث عن حقائق األشياء وتحكم العقل في مظاهر الحياة وتوجيه العناية إلى‬
‫الجسد والروح وتذوق الكالم وإ عطاء الخطابة والرياضة والموسيقى والنحو والشعر‬
‫أهمية خاصة والمحافظة على نظام األسرة ‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫لقد هدفت التربية األثينية إلى إعداد المواطن األثيني من النواحي الجسمية والعقلية‬
‫والخلقية بحيث يتمكن من الدفاع عن وطنه والذود عنه ويسهم بشكل فعال في إسهام ثقافة‬
‫وطنه ‪.‬‬

‫لقد برزت في التربية األثينية اتجاهات ثالثة ميزتها عن غيرها من المجتمعات هي‪:‬‬

‫‪ -1‬جعل مصلحة الدولة فوق كل شيء ‪.‬‬

‫‪ -2‬التربية المتناسقة التي تشمل على تربية المواطن من كافة النواحي ‪.‬‬

‫‪ -3‬التأكيد على الفصل التام للتربية الحرة عن التربية المهنية ‪.‬‬

‫تبدأ التربية األثينية من األسرة حيث يعهد إليها بتربية الطفل حتى يبلغ السابعة من‬
‫عمره فيتم إرساله إلى المدرسة ويبقى فيها حتى الخامسة عشر أو السادسة عشر من‬
‫عمره وكان يرافق التلميذ خادم يدعى ( بيداجوج ) في ذهابه إلى المدرسة وإ يابه لمراقبته‬
‫واإلشراف على تربيته الخلقية والجسمية وعاداته في الحديث ومعاملة اآلخرين والمشي‬
‫في الطريق ‪ ,‬كما أوكلت إليه مهمة تقويم أخالقه ومعاقبته عند إخالله بآداب اللياقة ‪,‬‬
‫وعندما يبلغ الشاب األثيني سن الخامسة أو السادسة عشر يكون قد تم دراسته االبتدائية‬
‫التي تستمر لثمان سنوات أو تسع وفي هذه المرحلة تنتهي دراسته لألدب والموسيقى‬
‫ويبدأ بالتدريب على األلعاب الرياضة ويكون تدريبه تحت إشراف موظف من الحكومة‬
‫مكلف بهذه المهمة ‪ ,‬تكون دراسة الشاب األثيني حتى يبلغ الثامنة عشر بعد ذلك ينخرط‬

‫في سلك الجندية حيث يتدرب على فنون الحرب والحياة العسكرية لكي يعد جنديًا مؤهًال‬
‫للدفاع عن أثينا إذا اقتضت الضرورة ذلك ويستمر في الخدمة لمدة سنتين ‪.‬‬

‫عندما ينهي المواطن األثيني سنتي الخدمة في الجيش يتقدم إلى الجمعية العامة ويتسلم‬
‫من الدولة رمحًا ودرعًا ويصبح مواطنًا حرًا بعد أن يقسم يمين الوالء ألثينا ‪ .‬أما بالنسبة‬
‫لتربية البات فقد كان نصيب الفتاة األثينية من التربية معدومًا واقتصر تعليمها على القيام‬
‫‪19‬‬
‫بالواجبات االعتيادية التي ينبغي أن تقوم بها كل ربة بيت كأعمال الغزل والحياكة‬
‫واالهتمام بالمظهر والجمال ولم يكن يسمح لها الخروج من بيتها اال في بعض المناسبات‬
‫الدينية ‪.‬‬

‫لقد اهتمت أثينا بتربية األفراد تربية اتسمت بالموازنة والتناسق فإلى جانب عنايتها‬
‫بالجانب الجسمي اهتمت بالنواحي العقلية والخلقية لذلك اعتبرها المهتمون بالشؤون‬
‫التربوية منبعًا للعلم والمعرفة اللذين كانا سببًا في حدوث النهضة الغربية الحديثة ‪.‬‬

‫التربية في العصور الوسطى ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫تميزت هذه الفترة بظهور الدين المسيحي الذي احدث تغيرًا واضحًا في الحياة‬
‫االجتماعية في أوربا وقد تبع هذا التغيير تغير في النظرة التربوية وأهدافها ‪ ,‬حيث‬
‫تميزت التربية المسيحية في البدء بنظام رهباني صارم يشتمل على قدر من العلم والعمل‬
‫اليدوي وكانت تتبع كل دير تقريبًا مدرسة تقبل األطفال في سن العاشرة وتستمر الدراسة‬
‫فيها ثمان سنوات ‪ ,‬يتعلم التالميذ أثناءها القراءة والكتابة وبعض المبادئ في النحو‬
‫والمنطق والبالغة والحساب والهندسة والفلك والموسيقى ‪.‬‬

‫وما لبثت التربية المسيحية أن واجهت خطوتين تطويريتين ( األولى ) في حركة‬


‫إحياء العلوم األولى شارلمان وملوك آخرين جاءوا من بعده واعتبرت هذه الحركة أن‬
‫التعليم هو الوسيلة الوحيدة لتوحيد الشعب وتحسين أحواله ومن اجل ذلك عقدت صلة‬
‫قوية بين المعرفة الدينية الروحية والتعليم الحر ‪.‬‬

‫أما الخطوة ( الثانية ) فهي الحركة الكالمية المدرسية التي أعلت من شأن المنطق‬
‫األرسطي واعترفت بإمكانية التوفيق بين الدين والعلم وان جرى خالف في تقدم إحداهما‬
‫على األخر ‪.‬‬

‫* أهداف التربية المسيحية ‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫يمكن إجمال أهداف التربية المسيحية في العصور الوسطى بما يلي ‪-:‬‬

‫‪ -2‬تدعيم المثل اإلنسانية ‪.‬‬ ‫‪ -1‬إعداد الفرد المسيحي لمعرفة الرب ‪.‬‬

‫‪ -4‬إصالح المجتمع من فساد الثقافة اليونانية‬ ‫‪ -3‬تطهير الروح وتهذيب األخالق ‪.‬‬
‫‪ -5‬تحقيق النموذج اإلنساني للفرد المسيحي ‪.‬‬ ‫والرومانية ‪.‬‬

‫*التربية قبل اإلسالم ‪:‬‬

‫امتازت التربية في هذه المرحلة ببساطتها وكان هدفها األساس والمنشود ( إعداد‬
‫جيل قادر مؤهل للحصول على ضرورات الحياة وحفظها ) وبحكم البيئة الصحراوية‬
‫لشبه الجزيرة العربية ساد ذلك النوع من التربية القائم على التقليد والمحاكاة والتدرب‬
‫على القيام بأعمال الكبار بغية تمكين الفرد من كسب العيش والمحافظة على حياته‬
‫بالدفاع عن نفسه وعائلته وقبيلته ضد أعدائه من بني جنسه وضد الوحوش الضارية‪.‬‬

‫احتلت األسرة البدوية دورًا كبيرًا في عملية التربية واعتبرت من أهم الوسائل في‬
‫ذلك العصر إضافة إلى دور العشيرة الواضح في هذه المهمة والتي يمكن اعتبارها‬
‫صورة مكبرة لألسرة ‪ ,‬وتقوم العشيرة واألسرة بتدريب أطفالها منذ نعومة أظفارهم على‬
‫بعض الفنون والصناعات الضرورية لهم كرمي الرماح والسهام وإ عداد أدوات الحرب‬
‫ولم يكن لدى عرب البادية معاهد مؤسسات مخصصة للتعليم بل كانت المؤسسات العامة‬
‫والمجالس واألسواق والبيوت هي األماكن التي يحصل بها الناس على بعض العلوم‬
‫والمعارف كالتنجيم والفلك والطب ‪.‬‬

‫أما التربية عند الحضر فقد امتازت بكونها منظمة تنظيمًا يتفق والمستوى العمري‬
‫للطلبة حيث يدرس األطفال في المرحلة األولى بعض المواد الدراسية المحددة كالهجاء‬
‫والمطالعة والحساب واللغة العربية وهي أشبه بمرحلة التعليم االبتدائي وفي المرحلة‬

‫‪21‬‬
‫الثانية التي تشبه التعليم العالي حاليًا كان الطلبة يدرسون علومًا تتناسب ومستوى قدراتهم‬
‫العقلية واستعداداتهم وقابليتهم كالهندسة العملية وعلم الفلك والطب وفن العمارة ‪.‬‬

‫أما طريقة التدريس فقد اتخذت طابع التدريس الفردي حيث كان المعلم يخصص‬
‫جزءًا من وقته لكل تلميذ ‪.‬‬

‫*التربية اإلسالمية ‪:‬‬

‫بعد أن كانت التربية قبل اإلسالم مقتصرة على نوع من التعليم المحدود نوعًا ما جاء‬
‫اإلسالم بتربية جديدة فحرص على العلم والتعلم فأول أية نزلت على نبينا محمد (صلى‬
‫اهلل عليه واله وسلم ) تضمنت امرأ بالقراءة في قوله تعالى ( اقرأ باسم ربك الذي خلق )‬
‫وتضمنت أية أخرى حديثًا عن القلم أداة الكتابة والعلم والتعلم كما في قوله ( الذي علم‬
‫بالقلم ) وأية أخرى تحث المؤمنين على طلب العلم كما في قوله تعالى ( هل يستوي‬
‫الذين يعلمون والذين ال يعلمون ) وقال تعالى ( وقل ربي زدني علمًا ) وقال رسول اهلل‬
‫(ص) واله وسلم ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) وهذا يعني أن على‬
‫المسلمين االهتمام بهذا األمر والعمل على نشره في أرجاء المعمورة ‪.‬‬

‫وكان للتربية اإلسالمية خلفية جسدية تهتم بأخالق الفرد وتنمية قواه الجسدية وخلق‬
‫المحارب وبث روح الفضيلة وغرس الصفات النبيلة عنده كاإلخالص والوفاء وكرم‬
‫الضيافة‪.‬‬

‫إن جوهر التربية اإلسالمية نابع من الفلسفة الدينية اإلسالمية وهي أن اإلسالم ليس‬
‫مجرد شريعة ودين وإ نما هو فلسفة كاملة وطريقة حياة شاملة تدعو العقول للعلم والتفكير‬
‫‪ ,‬أما بالنسبة للمدارس في العصر اإلسالمي فأنها لم تكن موجودة بالمفهوم الحديث فقد‬
‫كان التعليم يتم في المساجد والكتاتيب وحوانيت الوراقين ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫إن اتهام التربية اإلسالمية المتوازن بالدنيا واآلخرة انعكس على اهتمامها بتربية‬
‫اإلنسان ‪ ,‬حيث اهتمت بجوانب الشخصية المختلفة اهتمامًا متوازنًا فجمعت بين تهذيب‬
‫النفس وتصفية الروح وتثقيف العقل وتقوية الجسم ومن ثم اهتمت بتدريس جميع أنواع‬
‫العلوم وهدفها في ذلك تعميق اإليمان باهلل تعالى في نفوس المسلمين من خالل فهمهم‬
‫لقوانين الكون ونظامه المحكم الذي يدل على عظمة الخالق عز وجل وقدرته ‪ ,‬وهكذا‬
‫كان للتربية اإلسالمية مكانة واضحة وملحوظة في هذا اإلطار الحضاري وكان لها‬
‫أصولها التي جاءت من العصور الجاهلية القديمة وتبلورت باإلسالم الذي رفعها إلى‬
‫التقدم واالنتشار ‪.‬‬

‫* أهداف التربية اإلسالمية ‪:‬‬

‫للتربية اإلسالمية مجموعة من األهداف التي تعتبر من ابرز سمات التربية اإلسالمية‬
‫وهي كاألتي ‪-:‬‬

‫‪ -1‬أهداف دينية ‪ /‬تتمثل في إعداد اإلنسان المؤمن باهلل العابد له العامل بأوامره‬
‫ونواهيه‪.‬‬

‫‪ -2‬أهداف روحية ‪ /‬تتمثل في تدعيم القيم الروحية في اإلنسان والمجتمع ‪.‬‬

‫‪ - 3‬أهداف أخالقية ‪ /‬تتمثل في إعداد اإلنسان على خلق عظيم وتدعيم القيم األخالقية ‪.‬‬

‫‪ -4‬أهداف معرفية ‪ /‬تتمثل في تنمية وترقية القوى العقلية مثل التفكير والتذكر ‪.‬‬

‫‪ -5‬أهداف اجتماعية ‪ /‬تتمثل في بناء المجتمع المسلم على أساس التعاون والتكافل‬
‫االجتماعي وتدعيم القيم االجتماعية ‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪ -6‬أهداف جهادية ‪ /‬تتمثل في الدفاع عن العقيدة اإلسالمية وإ عداد اإلنسان جسميًا‬
‫وعسكريًا ‪.‬‬

‫‪ -7‬أهداف جسمية ‪ /‬تتمثل في النظافة والطهارة الجسدية ‪.‬‬

‫*أطوار التربية اإلسالمية ‪ :‬لقد مرت التربية اإلسالمية بأربعة أطوار هي كاألتي ‪-:‬‬

‫‪ ‬الطور األول ‪ :‬يتمثل في نمو اإلسالم في عهد الرسول األكرم محمد (صلى اهلل عليه‬
‫واله وسلم ) ‪.‬‬
‫‪ ‬الطور الثاني ‪ :‬يتمثل في عصر الفتوحات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ ‬الطور الثالث ‪ :‬يتمثل في تكوين الحضارة العربية وامتزاج الثقافات مع امتداد الدولة‬
‫اإلسالمية في العهد العباسي حتى ظهور السالجقة في القرن الحادي عشر الميالدي ‪.‬‬
‫‪ ‬الطور الرابع ‪ :‬بدأ مع األتراك السالجقة وحتى سقوط بغداد على يد المغول في القرن‬
‫الثالث عشر الميالدي ‪.‬‬
‫* وسائط التربية اإلسالمية ‪:‬‬

‫تعددت وسائط التربية اإلسالمية وأماكن التعليم في اإلسالم ويمكن اعتبار األسرة من أهم‬
‫هذه الوسائط كما لعب المسجد في التأريخ اإلسالمي دورًا هامًا في التربية والتعليم حيث‬
‫انطلقت منه حلقات العلم سواء لتعليم القراءة أو الكتابة أو المخصصة للعلوم الشرعية‬
‫باإلضافة إلى الكتاتيب وحوانيت الوراقين حتى ظهور المدارس ‪ ,‬وعلى العموم يمكن‬
‫إجمال أهم المؤسسات والمعاهد التربوية في التربية اإلسالمية بما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬المسجد ‪ :‬نشر تعاليم الدين أو لتعلم القراءة والكتابة ‪.‬‬

‫‪ -2‬الكتاتيب ‪ :‬ظهرت قبل اإلسالم واستمرت معه لتعلم القراءة والكتابة ‪.‬‬

‫‪ -3‬حوانيت الوراقين ‪ :‬ظهرت عند العباسيين لغرض تجاري ثم أصبحت ملتقى للعلماء‬
‫والطالب ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ -4‬منازل العلماء ‪ :‬مثل دار األرقم ابن أبي األرقم التي تعتبر أول مؤسسة تربوية‬
‫اتخذها الرسول األكرم (محمد صلى اهلل عليه واله وسلم ) مركزًا لتعليم الصحابة الذين‬
‫امنوا بالدين الجديد ‪.‬‬

‫‪ -5‬البادية ‪ :‬التي تعتبر مواطن اللغة ‪.‬‬

‫‪ -6‬القصور ‪ :‬لتعليم أبناء الملوك والوزراء ‪.‬‬

‫‪ -7‬الصالون األدبي ‪ :‬ظهرت في العصر األموي واستمرت في العصر العباسي للنقاش‬


‫والحوار في مختلف العلوم والفنون واآلداب ‪.‬‬

‫‪ -8‬المكتبات ‪ :‬التي كان من أهدافها تلقي العلم ‪.‬‬

‫‪ -9‬المدارس ‪ :‬مثل المدرسة البيهقية والمدرسة النظامية ‪.‬‬

‫مما تقدم نجد أن للتربية اإلسالمية خصائص تتمثل في كونها تربية ( شاملة ‪,‬‬
‫متنوعة ‪ ,‬سلوكية ‪ ,‬مستمرة ‪ ,‬واقعية ‪ ,‬نفعية ‪ ,‬عالمية ‪ ,‬ضميرية ) ‪.‬‬

‫وهنا البد من اإلشارة إلى أن التربية اإلسالمية الحقيقية هي التي أرسى جميع أسسها‬
‫الرسول األكرم محمد ( صلى اهلل عليه واله وسلم ) الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه حيث‬
‫قال فيه ( وانك لعلى خلق عظيم ) ومن بعده أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين قال‬
‫سبحانه وتعالى فيهم ( إنما يريد اهلل ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )‬
‫وكذلك صحبهم المنتجبين الذين نهلوا من علومهم ‪ ,‬وأخالقهم تمثل أسمى أهداف وغايات‬
‫التربية اإلنسانية الربانية الجامعة لكل ما يصب في خدمة ومصلحة اإلنسان ورقيه مذ‬
‫خلق اهلل الخليقة وحتى انتهائها إليه ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫*أعالم الفكر التربوي اإلسالمي‬

‫أوًال ‪ /‬ابن خلدون ‪:‬‬

‫اسمه عبد الرحمن وكنيته أبو زيد ولقبه ولي الدين وشهرته ابن خلدون عاش في‬
‫( ‪ ) 1405 – 1332‬م حيث ولد في تونس من أسرة عربية األصل ‪ ,‬تعلم‬ ‫الفترة‬
‫العربية من والده ووعي كثيرًا من أصول اللغة واألدب والثقافة ‪ ,‬حفظ القرآن الكريم‬
‫وقرأه وهو ابن سبه سنين ‪ ,‬اتصل بأساتذة تونس واخذ عنهم ما شاء من العلوم‬
‫والمعارف ‪ ,‬ودرس الدراسات العقلية والفلسفية على يد بعض علماء الغرب ‪ ,‬وأجاد‬
‫األصول والفقه على يد مالك ثم قرأ التفسير والحديث وتعمق في الفلسفة والمنطق ونبغ‬
‫وهو لم يبلغ العشرين من عمره في كل ما تعلمه وقرأه واقر له أساتذة بالعبقرية‬
‫والنبوغ ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫توفي ابن خلدون تاركًا للبشرية بعده مجموعة من الدراسات والمؤلفات التي ما زال‬
‫العالم يستفيد منها إلى يومنا هذا ومن أروعها ( لباب المحصل في أصول الدين ) وهو‬
‫في علم الكالم و( التعريف ) وهو سيرة ذاتية و( شفاء السائل ) وهو في التصريف و‬
‫( المقدمة ) الذي يعد أروع واهم وابرز ما كتب ابن خلدون ‪ .‬والبن خلدون أراء في‬
‫التربية يمكن اعتبارها أساس مدارس فكرية تربوية كثيرة فأفكاره قريبة جدًا إلى عصرنا‬
‫الحديث مما جعله مقرونًا بكل ما له عالقة باألفكار التربوية وعلم االجتماع ‪.‬‬

‫*أهم أرائه التربوية‬

‫‪ -1‬أن القرآن الكريم هو أصل التعلم ‪.‬‬

‫‪ -2‬عدم استخدام الشدة والعقاب مع المتعلمين ‪.‬‬

‫‪ -3‬التأكيد على أهمية الرحالت في طلب العلم ‪.‬‬

‫‪ -4‬عدم اإلطالة في الفواصل الزمنية بين الدروس ‪.‬‬

‫‪ -5‬عدم خلط علمين في وقت واحد أثناء تعليم الصغار ‪.‬‬

‫‪ -6‬ضرورة استخدام األمثلة والخبرة المباشرة في التعليم ‪.‬‬

‫‪ -7‬ضرورة تعليم اللغة العربية وان تكون دراستها أساسًا لكل علم بغية تمكين التلميذ‬
‫من إجادة التعبير عما يجول في ذهنه من أفكار وتصورات وكذلك إتقان عملية الكتابة ‪.‬‬

‫‪ -8‬التدرج في التعليم من السهل إلى الصعب ومن المحسوس إلى المجرد ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ /‬ابن سينا ‪:‬‬

‫ه‪F‬و أب‪F‬و علي الحس‪F‬ين بن عب‪F‬د اهلل بن الحس‪F‬ن بن علي بن س‪F‬ينا ‪ ،‬ول‪F‬د في ص‪F‬فر س‪F‬نة‬
‫( ‪ 370‬هـ) من أس‪FF‬رة فارس‪FF‬ية األص‪FF‬ل في قري‪FF‬ة ( افش‪FF‬نة ) من ض‪FF‬ياع بخ‪FF‬ارى في رب‪FF‬وع‬

‫‪27‬‬
‫الدول‪FF‬ة الس‪FF‬امانية ‪ ،‬اهتمت أس‪FF‬رته بتعليم‪FF‬ه ولم يكن الص‪FF‬بي بحاج‪FF‬ة إلى جه‪FF‬د ووقت للتعليم‬
‫حيث اظهر ذكاءًا خارقا فقد استظهر الق‪FF‬رآن الك‪FF‬ريم وألم بعلم النح‪FF‬و وه‪FF‬و في العاش‪FF‬رة من‬
‫عم ‪FF‬ره ثم خ ‪FF‬اض غم ‪FF‬ار الرياض ‪FF‬يات والطبيعي ‪FF‬ات والفلس ‪FF‬فة وبع ‪FF‬د ذل ‪FF‬ك انكب على دراس ‪FF‬ة‬
‫الطب ‪ ،‬ولم يبل‪FF F‬غ الس‪FF F‬ابعة عش‪FF F‬رة من العم‪FF F‬ر ح‪FF F‬تى طبقت ش‪FF F‬هرته الخ‪FF F‬افقين وب‪FF F‬دأ يتعه‪FF F‬د‬
‫بتطبيب المرضى ومعالجتهم ‪0‬‬

‫ع‪FF‬رف ابن س‪F‬ينا بألق‪FF‬اب كث‪FF‬يرة منه‪FF‬ا ‪ :‬حج‪F‬ة الح‪F‬ق ‪ ،‬ش‪F‬رف المل‪FF‬ك ‪ ،‬الحكيم ‪ ،‬ال‪FF‬وزير ‪،‬‬
‫المعلم الثالث ‪ ،‬إال أن أش‪F‬هر ألقاب‪F‬ه ه‪F‬و الش‪F‬يخ ال‪F‬رئيس ‪ 0‬وللش‪F‬يخ ال‪F‬رئيس آراء تربوي‪F‬ة في‬
‫العدي ‪FF‬د من كتب ‪FF‬ه ال ‪FF‬تي كتبه ‪FF‬ا بالعربي ‪FF‬ة أو الفارس ‪FF‬ية وال ‪FF‬تي منه ‪FF‬ا كت ‪FF‬اب ( النج‪CC‬اة ) وكت‪CC‬اب‬
‫(اإلشارات والتنبيهات ) وكتاب ( الحكمة المشرقية ) غير أن أكثر آراءه التربوية نج‪FF‬دها‬
‫في رسالته المسماة بـ ( كتاب السياسة ) ‪0‬‬

‫* أهم اآلراء التربوية البن سينا ‪:‬‬

‫‪ -1‬ضرورة االهتمام بالتربية العقلية ‪0‬‬

‫‪ -2‬استخدام مبدأ الثواب والعقاب في التربية ‪0‬‬

‫‪ -3‬االهتمام بتربية الطفل منذ الطفولة المبكرة ‪0‬‬

‫‪ -4‬االهتمام بالتربية المهنية وإ عداد اإلنسان للحياة ‪0‬‬

‫‪ -5‬إن مصادر المعرفة هي الحواس الخمس واإللهام ‪0‬‬

‫‪ -6‬البدء بتعليم القرآن الكريم بمجرد تهيؤ الطفل جسميا وعقليا ‪0‬‬

‫‪ -7‬ضرورة االهتمام بالتربية النفسية وأهمية معرفة النفس البشرية ‪0‬‬

‫ضرورة تعليم اللغة والشعر خصوصا ما يتعلق منه باألخالق والصفات الحسنة‬ ‫‪-7‬‬

‫‪28‬‬
‫ثالثًا ‪ /‬الغزالي ‪:‬‬

‫هو أبو حامد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي ‪ ،‬ولد في طوس عام (‪450‬هـ) من‬
‫عائل‪FF‬ة فق‪FF‬يرة تعم‪FF‬ل في غ‪FF‬زل الص‪FF‬وف ‪ ،‬درس وتعلم في بلدت‪FF‬ه مب‪FF‬ادئ العل‪FF‬وم ثم س‪FF‬افر إلى‬
‫نيس‪FF‬ابور وتلقى فيه‪FF‬ا العلم على إم‪FF‬ام الح‪FF‬رمين أبي المع‪FF‬الي الجوي‪FF‬ني إم‪FF‬ام الش‪FF‬افعية ‪ ،‬وق‪FF‬د‬
‫لم‪FF‬ع نجم الغ‪FF‬زالي وأص‪FF‬بح من علم‪FF‬اء الش‪FF‬افعية كم‪FF‬ا اش‪FF‬تهر بس‪FF‬عة االطالع وال‪FF‬ذكاء والق‪FF‬درة‬
‫على المناظرة ‪ ،‬انتقل الغزالي إلى التدريس في المدرسة النظامي‪FF‬ة ببغ‪FF‬داد وال‪FF‬تي ك‪FF‬انت من‬
‫المعاه‪FF F‬د العلي‪FF F‬ا ال‪FF F‬تي يلتح‪FF F‬ق بالدراس‪FF F‬ة فيه‪FF F‬ا نخب‪FF F‬ة الدارس‪FF F‬ين في مختل‪FF F‬ف العل‪FF F‬وم واآلداب‬
‫والبحث والمعرفة ‪ ،‬وبع‪F‬د أن س‪F‬افر إلى مك‪F‬ة ودمش‪F‬ق واإلس‪F‬كندرية ع‪F‬اد إلى وطن‪F‬ه وقض‪F‬ى‬
‫بقية عمره في التدريس والوعظ ‪0‬‬

‫ت‪FF‬رك الغ‪FF‬زالي ث‪FF‬روة علمي‪FF‬ة روحي‪FF‬ة ديني‪FF‬ة تتج‪FF‬اوز الس‪FF‬بعين كتاب‪FF‬ا في الفق‪FF‬ه والمن‪FF‬اظرة‬
‫والدفاع عن اإلسالم منها ‪ :‬المنقذ من الظالل ‪ ،‬ميزان العمل ‪ ،‬فاتحة العلوم ‪ 0‬كم‪FF‬ا يعت‪FF‬بر‬
‫كتاب‪FF‬ه إحي‪FF‬اء عل‪FF‬وم ال‪FF‬دين مرجع‪FF‬ا لك‪FF‬ل ب‪FF‬احث في ال‪FF‬تراث والثقاف‪FF‬ة على م‪FF‬ر العص‪FF‬ور * أهم‬
‫اآلراء التربوية للغزالي ‪:‬‬

‫‪ -1‬قابلية األخالق للتعديل ‪0‬‬

‫‪ -2‬عدم التصريح بالعقاب للمتعلم ‪0‬‬

‫‪ -3‬التدرج في التعليم أثناء تعليم الطفل ‪0‬‬

‫‪ -4‬مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين ‪0‬‬

‫‪ -5‬عدم اقتصار التربية والتعليم على الذكور فقط ‪0‬‬

‫‪ -6‬ضرورة الترويح عن النفس واللعب أثناء التعليم ‪0‬‬

‫‪ -7‬أهمية التعلم في الصغر وأهمية مرحلة رياض األطفال ‪0‬‬


‫‪29‬‬
‫‪ -8‬ضرورة االهتمام بالتربية الروحية (التصوف) واألخالق ‪0‬‬

‫*أشهر المربين في العصور الحديثة ( أعالم الفكر التربوي الغربي ) ‪:‬‬

‫أوًال ‪ /‬جان جوك روسو ‪:‬‬

‫ولد في جنيف عام ( ‪1712‬م ) ثم أصبح واحد من ابرز مفكري القرن الثامن‬
‫عشر في فرنسا إلسهاماته الكبرى في التنوير والتمهيد للثورة الفرنسية التي أثرت‬
‫بدورها في أوربا أوًال ثم في القارات كلها ‪ ,‬كان روسو عالمًا موسوعيًا له عطاء كبير‬
‫في أكثر من ميدان ‪ ,‬فقد كان مفكرًا سياسيًا وعالم أخالق وعارف بالفنون واآلداب‬
‫ومضطلعًا في علم النبات‪ ,‬وتركزت شهرته في الفكر السياسي والتربية ‪ ,‬مات سنة (‬
‫‪1778‬م ) تاركًا مجموعة من المؤلفات أهمها ( االعترافات ) و( تأمالت المتجول‬
‫المنفرد ) ( وايميل ) الذي تضمن قواعد تربوية جديدة وغير معهودة في بيئة ذلك‬
‫الزمان والذي اعتبره الكثيرون ثورة في التربية ‪ ،‬ومثل كل العظماء فقد تباينت أراء‬
‫الناس في روسو إلى حد التناقض الصارخ فبعضهم اعتبره قديسًا وحكم عليه آخرون‬
‫بأنه مجنون وجزم غيرهم بأنه نبي بينما قال عنه البعض األخر بأنه مرشد خطير ‪.‬‬

‫* أهم اآلراء التربوية لروسو ‪:‬‬

‫‪ -1‬أكد على أهمية دور األم في تربية أطفالها وأكد على تسليمهم إلى مرضعات‬
‫مرتزقات‪.‬‬

‫‪ -2‬أن تكون التربية األولى سلبية أي ال تتضمن بث الفضيلة بل صيانة من الرذيلة‬


‫وحفظ العقل من الخطأ ‪.‬‬

‫‪ -3‬عدم استخدام العقوبة البدنية مع األطفال ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ -4‬عدم إكثار المعلم من استخدام الطريقة اإلخبارية بل ينبغي أن يكون الطفل معلم‬
‫نفسه‪.‬‬

‫‪ -5‬عدم تعليم الطفل لغات أخرى حتى سن الثانية عشرة وذلك لعجزه عن الحكم والفهم‬
‫وعدم تمكنه من المقارنة بين لغته األم واللغات األخرى ‪.‬‬

‫‪ -6‬البدء بتدريس األشياء المحسوسة قبل المجردة وان ُتقدم المادة التعليمية بشكل مشوق‬
‫‪.‬‬

‫‪ -7‬ترك الطفل للطبيعة يتعلم منها ويدرس ما فيها من نبات وحيوان وجماد حتى يقدر‬
‫عظمة الخالق وقدرته وان ال يعتمد على الكتب وحدها في التعلم ‪.‬‬

‫‪ -8‬عدم اإلكثار من اإلرشاد وعدم اإلفراط في األوامر والنواهي الن اإلكثار منها ُيمت‬
‫شعور الطفل وقوة التفكير لديه ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ /‬جون ديوي ‪:‬‬

‫يعتبر جون ديوي من أشهر أعالم التربية الحديثة على المستوى العالمي ‪ ,‬ارتبط‬
‫اسمه بفلسفة التربية ألنه خاض في تحديد الغرض من التعليم وأفاض في الحديث عن‬
‫ربط النظريات بالواقع من غير الخضوع للنظام الواقع والتقاليد الموروثة مهما كانت‬
‫عريقة ‪ ,‬ولد في أمريكا ( ‪ )1859‬م ‪ ,‬وقد كان لوالدته الدور البارز في حثه على‬
‫المثابرة وطلب العلم وكانت شديدة التعلق به وحريصة على تعليمه ‪ ,‬كان ديوي منذ‬
‫صغره محبًا للقراءة واالطالع إذ كان يقضي معظم أوقات فراغه في المكتبات ‪ ,‬تلقى‬
‫تعليمه في جامعة فير مونت ثم انتقل إلى جامعة جون هوبكنز فحصل على شهادة‬
‫الدكتوراه في الفلسفة وعمل في التدريس ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫كانت كتابات ديوي تحمل في طياتها نقدًا الذعًا للتربية التقليدية السائدة في عصره‬
‫وعلى مر العصور ‪ ,‬ذلك ألنها تعتمد على حفظ المعلومات عن ظهر قلب وتعمل على‬
‫إعداد المتعلم للمستقبل مع تجاهل الحاضر وتهميش المرحلة التي يعيشها المتعلم ‪.‬‬

‫قام ديوي بتأليف عدة كتب عن التربية واألخالق والفلسفة وعلم النفس ومن أهم كتبه‬
‫( المدرسة والمجتمع ) ‪ ( ,‬الخبرة والتربية ) ‪ ( ,‬كيف تفكر ) ‪ ( ,‬الحرية والثقافة ) ‪.‬‬

‫* أهم أرائه التربوية‬

‫‪ -1‬اعتبر أن المدرسة يجب أن تكون وسيلة لتغير المجتمع ‪.‬‬

‫‪ -2‬أن تكون التربية عملية تجديد لبناء خبرة الفرد والمجتمع ‪.‬‬

‫‪ -3‬التأكيد على ضرورة أن يكون لكل درس طريقة خاصة به ‪.‬‬

‫‪ -4‬التأكيد على أهمية الخبرة المباشرة في التعليم ( التعليم بالعمل ) ‪.‬‬

‫‪ -5‬التأكيد على أهمية الرحالت ( المزارع ‪ ,‬المصانع ‪ ...‬الخ ) وليس التحدث فقط‬

‫‪ -6‬يرى أن التربية ظاهرة طبيعية في الجنس البشري اذ من خاللها يصبح الفرد وريثًا‬
‫لما كسبته اإلنسانية من حضارة ‪.‬‬

‫ج – أعالم الفكر التربوي اإلغريقي ‪:‬‬

‫أوًال ‪ /‬سقراط ‪:‬‬

‫فيلس‪FF‬وف ومعلم يون‪FF‬اني جعلت من‪FF‬ه حيات‪FF‬ه وآراؤه وطريق‪FF‬ة موت‪FF‬ه الش‪FF‬جاعة اح‪FF‬د أش‪FF‬هر‬
‫الشخص ‪FF‬يات ال ‪FF‬تي ن ‪FF‬الت اإلعج ‪FF‬اب في الت ‪FF‬اريخ ‪ ،‬ص ‪FF‬رف س ‪FF‬قراط حيات ‪FF‬ه تمام ‪FF‬ا للبحث عن‬
‫الحقيق ‪FF‬ة والخ ‪FF‬ير ولم يع ‪FF‬رف ل ‪FF‬ه أي ‪FF‬ة مؤلف ‪FF‬ات ‪ ،‬وق ‪FF‬د ع ‪FF‬رفت معظم المعلوم ‪FF‬ات عن حيات ‪FF‬ه‬
‫وتعاليم ‪FF‬ه من تلمي ‪FF‬ذه الم ‪FF‬ؤرخ زينف ‪FF‬ون والفيلس ‪FF‬وف أفالط ‪FF‬ون باإلض ‪FF‬افة إلى م ‪FF‬ا كتب ‪FF‬ه عن ‪FF‬ه‬

‫‪32‬‬
‫أرس ‪FF‬طو ‪ ،‬ول ‪FF‬د س ‪FF‬قراط س ‪FF‬نة ( ‪ ) 469‬ق‪ 0‬م في أثين ‪FF‬ا ألب نح ‪FF‬ات وام قابل ‪FF‬ة ‪ ،‬وتعلم في‬
‫بداي‪FF‬ة حيات‪FF‬ه الموس‪FF‬يقى واألدب والرياض‪FF‬ة ‪ ،‬ك‪FF‬ان ملبس‪FF‬ه بس‪FF‬يطا وع‪FF‬رف عن‪FF‬ه تواض‪FF‬عه في‬
‫المأكل والملبس‬

‫أهم اآلراء التربوية لـ (سقراط) ‪:‬‬

‫‪ -1‬ضرورة تعليم المتعلمين كيف يفكرون ‪0‬‬

‫‪ -2‬تنمية العقل بوصفه أهم جزء في اإلنسان ‪0‬‬

‫‪ -3‬ضرورة ان تتلقى المرأة برامج التربية كالرجل ‪0‬‬

‫‪ -4‬ضرورة اعتماد طريقة المناقشة وسيلة لتبادل المعلومات بين المتعلمين ‪0‬‬

‫‪ -5‬أك‪FF‬د على أهمي‪FF‬ة حف‪FF‬ظ المتعلمين لل‪FF‬تراث بم‪FF‬ا يتض‪FF‬من من مع‪FF‬ارف وحق‪FF‬ائق وفن‪FF‬ون من‬
‫جيل إلى جيل ‪0‬‬

‫ثانيًا ‪ /‬أفالطون ‪:‬‬

‫ولد في أثينا سنة ( ‪ ) 427‬ق‪0‬م لعائلة ارستقراطية سمي بهذا االسم لعرض كتفيه ‪،‬‬
‫تثقف كأحسن ما يثقف به أبناء الطبقة الراقي‪F‬ة واظه‪F‬ر ميال نح‪F‬و الرياض‪F‬يات واخ‪F‬ذ الحكم‪F‬ة‬
‫عن فيث ‪FF‬اغورس ‪ ،‬ت ‪FF‬أثر أفالط ‪FF‬ون بفك ‪FF‬ر أس ‪FF‬تاذه س ‪FF‬قراط وفلس ‪FF‬فته إلى درج ‪FF‬ة يص ‪FF‬عب معه ‪FF‬ا‬
‫الفص‪FF‬ل بين أفك‪FF‬اره وأفك‪FF‬ار أس‪FF‬تاذه وك‪FF‬ان إلع‪FF‬دام أس‪FF‬تاذه س‪FF‬قراط بالس‪FF‬م وق‪FF‬ع كب‪FF‬ير في نفس‪FF‬ه‬
‫حيث ظه ‪FF‬ر ذل ‪FF‬ك جلي ‪FF‬ا في كتابات ‪FF‬ه األولى ال ‪FF‬تي بينت س ‪FF‬خطه على الحكوم ‪FF‬ة هن ‪FF‬اك ‪ ،‬جع ‪FF‬ل‬
‫سقراط معرفة الذات نقطة البداية في كل بحث فلسفي إال انه ارجع للفلسفة طابعها العام ‪،‬‬
‫اذ جعلها تستوعب موضوعات الطبيعة وما وراءها والنفس واألخالق والتربية وغيره‪FF‬ا ‪،‬‬

‫‪33‬‬
‫وهو ي‪F‬رى إن اإلنس‪F‬ان ع‪F‬الم ص‪F‬غير وج‪F‬د على مث‪F‬ال الع‪F‬الم الكب‪F‬ير ال‪F‬ذي يتك‪F‬ون من ع‪F‬المين‬
‫هما عالم الثبات وعالم التغيير ‪0‬‬

‫أهم اآلراء التربوية لـ (أفالطون) ‪:‬‬

‫‪ -1‬أكد على مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية ‪0‬‬

‫‪ -2‬نادى بإلزامية التعليم للبنين والبنات من سن السادسة ‪0‬‬

‫‪ -3‬شدد على ضرورة الفـصل بـيـن الجـنسين أثناء التعـليـم ‪0‬‬

‫‪ -4‬إن هدف التربية هو تزويد العقل بكمية كبيرة من المعلومات لكي يقوى ويتدرب‪.‬‬

‫أك ‪FF‬د على ض ‪FF‬رورة ان تك ‪FF‬ون التربي ‪FF‬ة والتعليم لألطف ‪FF‬ال عن طري ‪FF‬ق األلع ‪FF‬اب واألش ‪FF‬ياء‬ ‫‪-3‬‬
‫المحببة لنفوسهم ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ /‬أرسطو ‪:‬‬

‫فيلسوف يوناني قديم كان احد تالميذ أفالطون ‪ ،‬ول‪F‬د ع‪F‬ام ( ‪ ) 384‬ق‪0‬م في مدين‪F‬ة‬
‫س‪FF‬تا غ‪FF‬يرا في ش‪FF‬مال اليون‪FF‬ان ‪ ،‬ك‪FF‬ان وال‪FF‬ده طبيب‪FF‬ا مقرب‪FF‬ا من البالط المق‪FF‬دوني ‪ ،‬ش‪FF‬غل ع‪FF‬دة‬
‫مناص‪FF‬ب ك‪FF‬ان أهمه‪FF‬ا قيام‪FF‬ه بتعليم االس‪FF‬كندر المق‪FF‬دوني وق‪FF‬د ك‪FF‬ان لوال‪FF‬ده ت‪FF‬أثيرا كب‪FF‬يرا علي‪FF‬ه‬
‫ل ‪FF‬دخول مج ‪FF‬ال التش ‪FF‬ريح ودراس ‪FF‬ة الكائن ‪FF‬ات الحي ‪FF‬ة ال ‪FF‬تي منحت ‪FF‬ه الق ‪FF‬درة عل ‪FF‬ة دق ‪FF‬ة المالحظ ‪FF‬ة‬
‫والتحليل ‪ ،‬رحل أرس‪F‬طو إلى أثين‪F‬ا لاللتح‪F‬اق بمعه‪F‬د أفالط‪F‬ون كط‪F‬الب في البداي‪F‬ة وكم‪F‬درس‬
‫فيم ‪FF‬ا بع ‪FF‬د ومن ثم افتتح مدرس ‪FF‬ة خاص ‪FF‬ة ب ‪FF‬ه في أثين ‪FF‬ا ‪ ،‬كتب أرس ‪FF‬طو في مواض ‪FF‬يع متع ‪FF‬ددة‬
‫تش‪FF‬مل الفيزي‪FF‬اء والش‪FF‬عر والمنط‪FF‬ق ‪ ،‬وه‪FF‬و مبت‪FF‬دع علم األخالق ال‪FF‬ذي الزال من المواض‪FF‬يع‬
‫التي لم يكف البشر عن مناقشتها مهما تقدمت العصور ‪0‬‬

‫أهم اآلراء التربوية لـ (أرسطو) ‪:‬‬

‫‪ -1‬أكد على أهمية الطريقة االستقرائية في التدريس ‪0‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -2‬تدريب المتعلم على التحليل وإ عطاء األسباب والمبررات ‪0‬‬

‫‪ -3‬وجوب مراعاة ميول األطفال وتعدد األفكار وبالتالي تعدد برنامج التعليم ‪0‬‬

‫‪ -4‬ضرورة دعم المناهج والكتب المدرسية بالتجارب والوسائل التعليمية والرحالت ‪0‬‬

‫‪ -5‬اختيار المواد الدراسية التي تسمح للمتعلم بالوقوف على البنيان المادي والثقافي‬
‫األساسي للعلم الذي يعيشه ‪0‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫فلسفة التربية‬

‫تحديد معنى فلسفة التربية‬

‫‪35‬‬
‫الفلسفة مصطلح يوناني مكون من كلمتين ( ‪ ) philo‬وتعني الحب و ( ‪) sophy‬‬
‫وتعني الحكمة ‪ .‬فالفلسفة إذن هي حب الحكمة ‪ ,‬بالرغم من روعة هذا المعنى لكن وقع‬
‫اختالف كبير في المراد منه ‪ ،‬وقد تدعي الصعوبة في تحديد معنى واحد وواضح للفلسفة‬
‫‪ ،‬لما مرت به هذه الكلمة من معاني متعددة عل مر العصور ‪ ،‬وعلى اختالف وجهات‬
‫النظر واالتجاهات التي منها الواضع للتعريف ‪.‬‬

‫لذا عرفت الفلسفة تعريفات كثيرة وكما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬عر فها الفيلسوف اإلغريقي فيثاغورس بأنها ( البحث عن طبائع األشياء ) وُنسب‬
‫إليه القول بأن " من الناس من يستعبدهم التماس المجد ‪ ،‬ومنهم من يستذله طلب المال ‪،‬‬
‫ومنهم قلة تستخف بكل شيء وتقبل على البحث في طبيعة األشياء وأولئك هم الذين‬
‫يسمون أنفسهم محبي الحكمة أي الفالسفة " ‪.‬‬

‫عرفها هيرودوتس بأنها ( التأمل والنظر ) ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬


‫عرفها طاليس ( بالبحث في طبيعة الكون ) ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أما أرسطو فقد ذهب إلى أنها ( البحث عن الوجود بما هو موجود ) ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أما الفارابي فقد عرفها بأنها ( العلم بالموجودات بما هي موجودة ) ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫وعرفها ابن سينا بأنها ( استكمال النفس البشرية بمعرفة حقائق الموجودات على ما‬ ‫‪-6‬‬
‫هي عليه على قدر الطاقة البشرية ) ‪.‬‬
‫ونتيجة لما تقدم نجد أن الفلسفة ( مجموعة األفكار والمفاهيم والمتقدات التي‬
‫يستطيع اإلنسان أن يتعرف بها على حقيقة نفسه كفرد بعناصره المختلفة من الروح‬
‫والجسد والعقل والعاطفة ‪ ،‬وعلى حقيقة ما في الكون ‪ ،‬وعلى إدراك حقيقة الروابط‬
‫التي تربطه بالجماعة البشرية ‪ ،‬بحيث يؤثر فيها وتؤثر فيه وفق ضوابط مدروسة ‪.‬‬

‫* فلسفة التربية ‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫ال يوجد منهج في الحياة يسير وفق سياقات محددة إال وقد انبثق من نظرية سابقة عليه ‪،‬‬
‫وال توجد نظرية مقننة وواضحة إال وقد انطلقت من رحم فلسفة معينة ‪ ،‬وال يشذ المنهج‬
‫التربوي عن هذا السير ‪.‬‬

‫فكل فلسفة تحتوي على عدة نظريات ‪ ،‬وكل نظرية تحتوي على عدة مناهج ويمكن‬
‫تمثيل العالقة بين الفلسفة والمناهج التربوية التابعة لها بالبناء المكون من عدة طوابق ‪:‬‬

‫‪ ‬الطابق األول ‪ /‬وفيه تتم الممارسات العملية لألنشطة المختلفة كالتدريس والتعليم وكل‬
‫ما يربط المدرس بالتلميذ ‪.‬‬
‫‪ ‬الطابق الثاني ‪ /‬يحتوي على النظرية التربوية التي توجه الممارسات واألنشطة في‬
‫الطابق األول ‪.‬‬
‫‪ ‬الطابق الثالث ‪ /‬تسيطر الفلسفة التي تعطي أوامرها الى كال الطابقين ‪ ،‬فهي تحلل‬
‫المفاهيم وتحدد المعاني التي توجه النظرية في الطابق الثاني ‪ ،‬وترشد وتوجه األنشطة‬
‫والممارسات في الطابق األول ‪.‬‬
‫فالفلسفة التربوية ( هي عبارة عن المبادئ والمعتقدات والمفاهيم والفروض‬
‫والمسلمات التي حددت في شكل مترابط متناسق لتكون بمثابة المرشد والموجه للجهد‬
‫التربوي والعملية التربوية بجميع جوانبها ‪.‬‬

‫والفلسفة في مجال التربية (هي المرشد والموجه لكل العمليات التربوية المنبثقة من‬
‫رحمها ‪ ،‬الهادفة إلى خلق جيل يحمل سلوكياتها ‪ ،‬ولهذا اختلفت المناهج التربوية‬
‫باختالف الفلسفات المنبثقة منها ‪ ،‬فالوجودية والواقعية والبراجماتية والمثالية واالشتراكية‬
‫وغيرها من الفلسفات التي أنجبت مناهج تربوية مختلفة بالمنطلقات والوسائل واألهداف ‪،‬‬
‫وهذا سوف يتضح عند دراستنا لتلك الفلسفات ‪.‬‬

‫*وظائف فلسفة التربية ‪:‬‬

‫* وظائف فلسفة التربية ‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫لفلسفة التربية جملة من الوظائف منها ما يلي ‪-:‬‬

‫‪ -1‬تساعد على فهم العملية التربوية وتعديلها ‪.‬‬

‫‪ -2‬تساعد على اقتراح خطوط جديدة للنمو التربوي ‪.‬‬

‫‪ -3‬إنها فلسفة تجريبية تنظم الفكر التربوي ‪.‬‬

‫‪ -4‬تساعد على فهم العملية التربوية بطريقة أفضل وأعمق ‪.‬‬

‫‪ -5‬تعمل على توضيح المفاهيم والفروض التي تقوم عليها النظريات التربوية ‪.‬‬

‫‪ -6‬تساعد على رؤية العلم التربوي في كليته وفي عالقته مع مظاهر الحياة األخرى ‪.‬‬

‫‪ -7‬تمد اإلنسان بوسائل للتعرف على الصراعات والتناقضات بين النظرية وتطبيقها‪.‬‬

‫تنمي قدرة اإلنسان على إثارة األسئلة مما يساعد على تحقيق الحيوية التربوية ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫*أنواع فلسفة التربية ‪:‬‬

‫أوًال ‪ /‬الفلسفة المثالية ‪:‬‬

‫ينسب هذا النوع من الفلسفة إلى الفيلسوف اإلغريقي أفالطون الذي حاول إيجاد‬
‫المجتمع المثالي ( المدينة الفاضلة ) والتي انطلقت من حقائق ثابتة غير متغيرة ‪ ،‬وأفكار‬
‫عامة أوجدها عقل عام أو قوة خارقة ‪ ،‬وما على اإلنسان إال أن يدرك بعقله تلك القيم‬
‫واألفكار الحقة الثابتة في الواقع ‪ ،‬فوظيفة العقل عند المثالية هي البحث عن المعرفة ‪،‬‬
‫والحقيقة المطلقة التي ينطوي عليها الكون ‪ ،‬حيث يمكن التعرف عليها عن طريق إدراك‬
‫األشياء بطريق الحواس اإلنسانية ‪ ،‬على اعتبار أن العقل هو األداة القادرة على الحكم‬
‫على مدى مطابقة األشياء ألصولها األزلية ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وأمنت المثالية بأن هنالك عالمين ( عالم الروح ‪ ،‬وعالم المادة ) وما عالم المادة إال‬
‫أشباح ‪ ،‬أما عالم الروح فهو العالم الحقيقي الذي يجب أن يعتني به ‪ ،‬فال بد من ترويض‬
‫كل شيء مادي لمصلحة العالم المعنوي والروحي ‪ ،‬فاإلنسان مركب من روح وجسم أو‬
‫عقل ومادة ‪ ،‬قادر بروحة أو بعقله أن يتصل بالقيم الثابتة وعندها سيرتقي على الجسم‬
‫ويتفوق عليه ‪.‬‬

‫وتؤمن المثالية أيضًا بأن اإلنسان خير بطبيعته أو أن الشر ال يدخل في تركيبته ‪ ،‬وإ نما‬
‫هو ُيدفع إليه من خالل المجتمع وتنظيماته ‪.‬‬

‫* مقارنتها مع التربية اإلسالمية ‪:‬‬

‫ال تختلف المثالية في منطلقها عن الفلسفات األخرى المتقدمة من كونها أحادية‬


‫النظرة ‪ ،‬أي تهتم بجانب على حساب جانب أخر ‪ ،‬فهي تعطي للروح صفة أسمى وتهمل‬
‫الجسد ‪ ،‬أما التربية اإلسالمية فهي تنظر إلى اإلنسان ككل من جسد وروح ‪ ،‬عقل ومادة‬
‫ال تركز على جانب وتهمل الجانب األخر ‪ ،‬أي ال تركز على الروح وتهمل الجسد بل‬
‫هي تربية متكاملة تهتم بجميع شخصية اإلنسان ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ /‬الفلسفة الواقعية ‪:‬‬

‫اعتمدت هذه الفلسفة على أمور محددة وهي كاألتي ‪:‬‬

‫‪ -1‬األيمان بالوجود الواقعي للعالم الذي لم يكن لإلنسان دور في صنعه أو إيجاده ‪.‬‬

‫‪ -2‬يستطيع اإلنسان أن يتعرف على هذا العالم بواسطة ما زود به من عقل ‪ ،‬أي‬
‫يستطيع أن يستخدم تفكيره للتعرف على حقائق هذا العالم ‪.‬‬

‫‪ - 3‬بعد معرفة اإلنسان لهذا العالم لم يكن له دور أال أن يكيف نفسه لهذا الواقع والتعامل‬
‫على أساس ما عرفه ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫فوضعت الفلسفة الواقعية نظريتها التربوية على أساس اإليمان بالحقائق الخالدة الثابتة‬
‫التي ال تقبل التغيير أو التبديل مهما اختلفت الظروف ‪ ،‬فيكون هدف التربية هو التكيف‬
‫مع البيئة فقط ‪ ،‬ألن التربية ليس لها هدف أال مساعدة اإلنسان على التكيف مع البيئة‬
‫التي يعيش فيها ‪ ،‬والمعلم والمدرس في هذه التربية يجب أن يكون متضلعًا في المادة‬
‫التي يعطيها ألنه من المفروض انه قد أدرك الواقع بشكل جيد ويريد إيصاله إلى‬
‫اآلخرين ‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى عدم إيمان هذه التربية بتعدد المراكز التربوية غير‬
‫النظامية ‪ ،‬بل تحتوي على مركز نظامي واحد هو المدرسة ‪.‬‬

‫*مقارنتها بالتربية اإلسالمية ‪:‬‬

‫‪ -1‬أمنت الواقعية بقدرة اإلنسان عن طريق فكره وعقله على الوصول إلى الحقائق كلها‬
‫‪ ،‬وهذا ما سيوقعها في خسارة التجربة والتكرار بشكل مستمر ‪ ،‬لعلمنا بالوجدان أن هناك‬
‫أمور ال يستطيع اإلنسان بمفرده إدراكها ‪ ،‬بل ال بد من الوحي في معرفتها ‪ ،‬األمر الذي‬
‫تميزت به الفلسفة السالمية عن الفلسفة الواقعية ‪.‬‬

‫‪ -2‬تؤمن الواقعية بالتكيف مع الواقع المدرك ‪ ،‬بينما تؤمن المدرسة السالمية بتغير‬
‫الواقع وتطويره ‪.‬‬

‫‪ -3‬كل إنسان قادر على العطاء فهو معلم في المدرسة اإلسالمية سواء في البيت أو‬
‫المدرسة أو المجتمع أو الشارع أو أي مكان ‪ ،‬عل خالف الواقعية فالمعلم فيها فقط من‬
‫أدرك الواقعيات وأراد تعليمها ‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ /‬الفلسفة البراجماتية ‪:‬‬

‫وسميت بالمذهب النفعي الذي ال يقف كثيرًا عند المبادئ والمنطلقات بقدر وقوفه‬
‫على اآلثار والنتائج ‪ ،‬فهو يؤمن بتحويل النظر بعيدًا عن األشياء األولية والمبادئ‬
‫والقوانين والحتميات المسلم بها ‪ ،‬وتوجيه النظر نحو األشياء األخيرة ( الثمرات ‪ ،‬النتائج‬
‫‪40‬‬
‫‪ ،‬اآلثار ) وبناءًا على ذلك يكون المقياس عند هذا المذهب هو التجربة " فاإلنسان هو‬
‫الذي يصنع مثله بنفسه ‪ ،‬ويبني الحقيقة لنفسه ‪ ،‬ألنه هو الذي يبحث ويجرب ‪ ،‬ومن ثنايا‬
‫التجربة و البحث تظهر المثل والقيم والحقائق التي تنفعه في حياته " ‪.‬‬

‫فال توجد في هذه الفلسفة قيم ثابتة وُم ثل ُع ليا قبل وجود اإلنسان وقيامه بالتجارب‬
‫ومن ثم ال تؤمن بوجود عالم ثابت بل هو متغير خاضع للبحث ‪.‬‬

‫فالمذهب النفعي أنكر القيم الثابتة وأقر باستحالة وصول اإلنسان إلى حقيقة ثابتة ال‬
‫تتغير فالعالم كله حسب هذا المنطلق في توسع واتساع ال يمكن الوصول إلى شيء فيه‬
‫إال بالتجربة ‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فأن هذه الفلسفة تؤمن بالمشاركة في الخبرة التي أطلقت عليها‬
‫بالديمقراطية والتي تعني قبل كل شيء نظامًا وأسلوبًا من الحياة المشتركة ومن الخبرة‬
‫المشتركة باالتحاد واالشتراك والتفاهم المشترك ‪.‬‬

‫وأمنت أيضًا بالمجتمع االنفتاحي الذي يتخذ من الحاجة الماسة والضرورة القصوى‬
‫إلعداد الشباب لفهم الثقافة التي يولدون فيها نقطة لبداية أبحاثها ‪.‬والمستقبل عند أصحاب‬
‫هذه النظرية غيب ال يمن التنبؤ به أو التعرف عليه وعلى هذا األساس فأن التربية عندها‬
‫هي سبيل الحياة فقط وليس أعداد لحياة مقبلة‬

‫ومن مميزات المنهج التربوي في هذه النظرية عدم وجود شيء يطلب لذاته بل ألن‬
‫وراءه نفعًا ‪ ،‬فتنمية الجوانب المختلفة لإلنسان من عقلية أو خلقية أو جمالية ال يطلب‬
‫لذاتها بل ألن وراءها نفعًا ‪.‬‬

‫كذلك ينبع النظام فيها من الطالب والمتعلم ‪ ،‬ومن خالل اهتمامه بالمسؤولية الملقاة‬
‫على عاتقه عن طريق مشاركته مع زمالئه وتوعيتهم على أهمية النظام ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫*مقارنتها بالفلسفة اإلسالمية ‪:‬‬

‫‪ -1‬تختلف النظرية التربوية في اإلسالم عن المذهب النفعي في المنطلق ‪ ،‬الن النظرية‬


‫اإلسالمية تنطلق من وجود قيم وحقائق يسعى اإلنسان إلى ترويض نفسه عليها من خالل‬
‫ممارساته وتجاربه ومشاركاته ‪ ،‬فهناك أساس أخالقي في القرآن يقوم علال أساس‬
‫اإليمان باهلل كمصدر ‪ ،‬بخالف النفعي فهو ال يؤمن باهلل إال ألنه ينفع ‪ ،‬فالعالقة نفعية فقط‬
‫‪.‬‬

‫‪ -2‬النظرية اإلسالمية تركز على اإلنسان بماضيه وحاضره ومستقبله ‪ ،‬فال تهمل‬
‫مستقبله بحجة انه غيب ال يمكن التكهن به ‪.‬‬

‫‪ -3‬األهداف والمبادئ في الفلسفة البراجماتية نابعة من العمل وفقًا لرغبات المتعلمين‬


‫وظروف المجتمع المحيطة بهم ‪ ،‬فال توجد أهداف مطلقة عند النفعيين ‪ ،‬أما النظرية‬
‫اإلسالمية تنطلق من وجود أهدف عامة وأخرى مرحلية ‪ ،‬وبهذا تعطي اإلنسان راحة‬
‫من غيب المستقبل بوضع الحلول له ‪.‬‬

‫‪42‬‬

You might also like