You are on page 1of 94

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬

‫جامعة محمد لمين دباغين – سطيف ‪– 2‬‬

‫كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية‬

‫قسم علم النفس و علوم التربية و االرطوفونيا‬

‫محاضرات مقياس مذاهب ونظريات تربوية معاصرة‬

‫موجهة لطلبة سنة ثانية علوم التربية ( السداسي الثالث ) مسار علوم التربية‬

‫من إعداد الدكتورة‪:‬‬

‫بن عمارة سعيدة‬

‫السنة الجامعية ‪2027 -2026‬‬


‫مقياس مذاهب ونظريات تربوية معاصرة ( السداسي الثالث )‬

‫‪ -1‬مدخل عام إلى النظرية التربوية‬

‫‪ -2‬النظرية اإلنسانية أو الشخصانية )‪(La Théorie personnaliste‬‬

‫‪ -3‬النظرية االجتماعية )‪(La Théorie sociale‬‬

‫‪ -4‬النظرية النفس معرفية )‪(La Théorie psycho-cognitive‬‬

‫‪ -5‬النظرية التكنولوجية )‪(La Théorie Technologique‬‬

‫‪ -6‬النظرية االجتماعية المعرفية( ‪(La Théorie Sociocognitive‬‬

‫‪ -7‬النظرية التربوية اإلسالمية‪(Théorie de l'éducation islamique).‬‬


‫فهرس المحتويات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫المحاضرة األلول ‪ :‬مدخل إل النظرية التربوية‬


‫‪1‬‬ ‫متهيد‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪ -1‬تعريف النظرية الرتبوية‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪ -2‬مكونات النظرية الرتبوية‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪ -1-2‬القسم النظري‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫أ‪ -‬أصول النظرية الرتبوية‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫ب ‪ -‬فلسفة الرتبية‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫ج ‪ -‬أهداف الرتبية‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪ – 2-2‬القسم التطبيقي( تطبيقات النظرية الرتبوية )‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫أ – املنهاج‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫ب – املؤسسات‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫ج ‪ -‬األساليب والوسائل‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫د‪ -‬إنسان الرتبية‪.‬‬

‫المحاضرة الثانية‪ :‬النظرية اإلنسانية ألو الشخصانية‬


‫)‪(La Théorie personnaliste‬‬

‫‪12‬‬ ‫متهيد‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -1‬اجتاهات الرتبية الشخصانية‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -1-1‬منوذج البيداغوجيات "الشخصانية" املتمحورة حول تطور الوجدانيات‬
‫بواسطة اسرتاتيجيات ال توجيهية‪.‬‬

‫‪I‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -1-1-1‬الرتبية الالتوجيهية الروجرسية‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪ -2-1-1‬نظريات اإلنسانية احملدثة‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫تطور القدرة اإلبداعية بواسطة‬
‫‪ -2 -1‬منوذج البيداغوجيات املتمحورة حول ّ‬
‫اسرتاتيجيات أكثر تَ َـد ُّخـلـيّة‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫لتطور الشخص‪.‬‬
‫‪ -1-2-1‬النظريات التفاعلية ّ‬
‫المحاضرة الثالثة النظرية االجتماعية‬
‫)‪(La Théorie sociale‬‬
‫‪21‬‬ ‫متهيد‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪ -1‬اجتاهات النظرية االجتماعية‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪ -1 -1‬البيداغوجيات املؤسساتية‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫‪ -2-1‬بيداغوجيا التوعية‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫‪ -1-2-1‬الفكر الرتبوي عند ‪ Paulo Freire‬و املتأثرين به يف البيداغوجيا‬
‫التحريرية‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫أ‪ -‬الفكر الرتبوي عند ‪.Paulo Freire‬‬
‫‪25‬‬ ‫ب‪ -‬بيداغوجيات التحرر‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪ -2-2-1‬البيداغوجيا النقدية‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪ -3-1‬النظريات البيئية االجتماعية للرتبية‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪ -1-3-1‬البيداغوجيا االجتماعية للنمو الذايت‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫‪ -2-3-1‬تربية نسقية يف جمتمع إيكولوجي اقتصادي‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫‪ -3-3-1‬تربية خرباتية‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫‪ -4-3-1‬مناهج املستقبل‪.‬‬

‫‪II‬‬
‫المحاضرة الرابعة النظرية النفس معرفية‪:‬‬
‫)‪(La Théorie psycho-cognitive‬‬
‫‪31‬‬ ‫متهيد‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪ -1‬اجتاهات النظرية النفسية املعرفية‪.‬‬
‫‪38‬‬ ‫‪ -1-1‬الديداكتيكيات البنائية‪.‬‬
‫‪38‬‬ ‫‪ -1-1-1‬نظرية ‪ Piaget‬للنمو العقلي‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ -2-1-1‬فلسفة النفي لـ ـ ـ ـ ـ ‪.Gaston Bachelard‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ -3-1-1‬نظرية الصراع املعريف‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪ -2-1‬النظريات اليت تعاجل املالمح البيداغوجية للمتعلم‪.‬‬

‫المحاضرة الخامسة النظريات التكنولوجية في التربية‪(La Théorie :‬‬


‫)‪Technologique‬‬
‫‪44‬‬ ‫متهيد‪.‬‬
‫‪48‬‬ ‫‪ -1‬اجتاهات النظرية التكنولوجية يف الرتبية‪.‬‬
‫‪48‬‬ ‫‪ -1-1‬االجتاه النسقي‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪ -2-1‬اجتاه الوسائط املتع ّددة‪.‬‬

‫المحاضرة السادسة النظريات االجتماعية المعرفية‪:‬‬

‫‪(La Théorie Sociocognitive‬‬


‫‪54‬‬ ‫متهيد‪.‬‬
‫‪54‬‬ ‫‪ -1‬النظريات االجتماعية املعرفية للتعلم االجتماعي‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫‪ -2‬النظرية االجتماعية التارخيية‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ -3‬نظريات التعلم السياقي‪.‬‬

‫‪III‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪ -4‬النظريات التعاونية للتعليم والتعلّم‪.‬‬

‫المحاضرة السابعة‪ :‬النظرية التربوية اإلسالمية‬


‫‪41‬‬ ‫متهيد‪.‬‬

‫‪48‬‬ ‫‪ -1‬مفهوم النظرية الرتبوية اإلسالمية‪.‬‬


‫‪49‬‬ ‫‪ -2‬مصادر النظرية الرتبوية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪ -3‬أهداف الرتبية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪ -4‬خصائص الرتبية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫‪ -5‬التطبيقات الرتبوية للنظرية الرتبوية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫‪ -1-5‬املناهج يف الرتبية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪ -2-5‬طرائق التدريس يف الرتبية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪ -3-5‬املعلم يف الرتبية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪82‬‬ ‫‪ -4-5‬املتعلم يف الرتبية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪84‬‬ ‫المراجع‪.‬‬

‫‪IV‬‬
‫المحاضرة األولى‪ :‬مدخل إلى النظرية التربوية‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫حيظى الفكر الرتبوي باهتمام متميز‪ ،‬كونه املنطلق األساسي لتكريس قيم األصالة يف اجملتمع و املرتكز األهم يف‬
‫بناء مستقبل حيقق استثمارا أمثل ملعطيات احلاضر‪ ،‬جمسداً من خالل ذلك تطلعات الفرد و اجملتمع على حد‬
‫سواء‪ ،‬يف إطار مشروع حضاري متكامل‪ ،‬و إذا كان اهلدف األساسي للفكر الرتبوي هو ذلك املشروع‬
‫احلضاري‪ ،‬فإنه يستند بالضرورة إىل عملية التواصل بني املاضي و احلاضر و املستقبل من جهة‪ ،‬و التفاعل مع‬
‫معطيات اجملتمعات البشرية على اختالف مناذجها زمنياً و مكانياً من جهة أخرى (حسان‪،)net ،9002 ،‬‬
‫و متثل النظرية الرتبوية عنصرا هاما جدا يف تركيبة اجملتمع‪ ،‬فهي تشمل شبكة العالقات االجتماعية اليت يرغب‬
‫هبا اجملتمع لتنظيم سلوك البالغني‪ ،‬و املؤسسات اليت يعملون هبا‪ ،‬حبيث يؤدي هذا التنظيم إىل تأهيلهم و تنسيق‬
‫جهودهم من أجل تلبية احلاجات و مواجهة التحديات‪ ،‬لذلك خيتلف مفهوم النظرية الرتبوية من جمتمع إىل‬
‫آخر‪.‬‬

‫‪ -1‬تعريف النظرية التربوية‪:‬‬

‫تقصي معناه و حقيقته‪ ،‬و يف القرآن الكرمي‪﴿ :‬قُ ِل‬


‫النظرية مشتقة من الفعل (نظر)‪ ،‬و معناه‪ :‬حاول فهمه و ِّ‬
‫َر ِ‬
‫ض﴾ (يونس‪ ،‬اآلية ‪)101‬‬ ‫انظُروا ماذَا فِي السَّم ِ‬
‫اوات َو األ ْ‬
‫ََ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫أما اصطالحا [ " فالنظرية أنساق من القضايا املعلنة اليت ينبغي أن تستجيب ملعايري الصالحية ( االتساق‬
‫الداخلي للنسق ) و ملعايري احلقيقة ( مالءمة بني النسق و احلوادث )"] (غريب‪ 9002 ،‬ب‪ ،‬ص ‪.) 259‬‬
‫و هي " نسق فكري استنباطي متسق حول ظاهرة أو جمموعة من الظواهر املتجانسة‪،‬حيوي‪-‬أي النسق‪ -‬إطارا‬
‫تصوريا و مفاهيم وقضايا نظرية توضح العالقات بني الواقع و تنظمها بطريقة دالة وذات معىن‪،‬كما أهنا ذات‬
‫بعد إمربيقي مبعىن اعتمادها على الواقع ومعطياته‪،‬وذات توجيه تنبئي يساعد على تفهم مستقبل الظاهرة ولو‬
‫من خالل تعميمات احتمالية" (حسان‪.)net ،9002 ،‬‬

‫‪1‬‬
‫" و ميكن القول أن النظرية جمموعة من القضايا اليت تتوافر فيها الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ ‬ينبغي أن تكون املفاهيم اليت تعرب عن القضايا حمددة بدقة‪.‬‬
‫‪ ‬جيب أن تتسق القضايا الواحدة مع األخرى‪.‬‬
‫‪ ‬أن توضع القضايا يف شكل جيعل من املمكن اشتقاق التعميمات القائمة تعميمات استنباطية‪.‬‬
‫‪ ‬أن تكون القضايا خصبة و مثمرة تستكشف الطريق ملالحظات أبعد مدى و تعميمات تنمي جمال‬
‫املعرفة‪( ".‬جونز‪ ،9010 ،‬ص ‪)11‬‬
‫التربية من الفعل ربا ( رىب) تعين النمو و الزيادة‪ ،‬و يف القرآن الكرمي ﴿ و ترى األرض هامدة ف إذا أنزلنا‬
‫عليها الماء اهتزت و ربت و أنبتت من كل زوج بهيج ﴾ ( احلج‪ ،‬اآلية ‪)05‬‬
‫أما اصطالحا [" فالرتبية سريورة تستهدف حتقيق النمو و االكتمال التدرجييني لوظيفة أو جمموعة من الوظائف‬
‫عن طريق املمارسة‪ ،‬و تنتج هذه السريورة إما عن الفعل املمارس من الطرف اآلخر ( و هذا هو املعىن األصلي‬
‫و األكثر عمومية )‪ ،‬و إما عن الفعل الذي ميارسه الشخص على ذاته"] ( غريب‪ 9002 ،‬أ‪ ،‬ص ‪.) 903‬‬
‫و هي عملية تنمية متكاملة و دينامية تستهدف جمموع إمكانات الفرد البشري ( عقليا و جسديا و نفسيا و‬
‫اجتماعيا و وجدانيا)‪ ،‬تتحقق الرتبية على أكمل وجه إذا مشلت كل النواحي السابقة و عملت على تكاملها‪.‬‬

‫أما النظرية التربوية فقد اتسع مفهومها لتعين[" نسق من املفاهيم و املعارف و النماذج يتصف بالصالحية‪،‬‬
‫موضوعه هو من جهة املسامهة يف تطوير الرتبية‪ ،‬و من جهة أخرى املساعدة على تفسري الظواهر الرتبوية و‬
‫التنبؤ هبا"] ( غريب‪ 9002 ،‬ب‪ ،‬ص ‪.) 957‬‬
‫إذا فالنظرية الرتبوية تعرب عن التخطيط املسبق الشامل ملا يراد أن يكون عليه إنسان العصر من معلومات‪ ،‬وما‬
‫يتقنه من مهارات‪ ،‬وما يتصف به من قِيَم وعادات واجتاهات‪ ،‬وملا يراد أن تكون عليه شبكة العالقات املنظمة‬
‫لعمل املؤسسات وسلوك اجلماعات املختلفة‪ ،‬مع مراعاة األسس النفسية وقوانني التعلُّم‪ " ،‬و مراعاة الفاعلية‬
‫اليت تنتج أكرب كمية من (امل ْخَرجات) مقابل أقل كمية من (املدخالت)‪ ( ".‬الكيالين‪ 9005 ،‬ب‪ ،‬ص ‪.)91‬‬

‫‪2‬‬
‫" و إذا كانت النظرية العلمية وصفية وتفسريية يف األساس‪ ،‬فإن وظيفة النظرية الرتبوية‪ ،‬كما يقول بول هريست‪،‬‬
‫هي التشخيص والعالج‪ .‬كما أنه إذا كانت النظرية العلمية حتاول وصف وتفسري ما هو قائم‪ ،‬فإن النظرية‬
‫الرتبوية تصف وتقرر ما ينبغي عمله مع الناشئة‪ ،‬وتوجه وترشد املمارسات الرتبوية‪ ( ".‬حسان‪)net ،9002 ،‬‬
‫" و تستمد النظرية الرتبوية مفهومها يف أي جمتمع من العقيدة أو الفلسفة السائدة فيه‪ ،‬سواء أكانت عقيدة‬
‫دينية أو فلسفة مثالية أو مادية أو طبيعية‪ ،‬و يتأثر هذا املفهوم بعوامل عديدة منها احلضارة السائدة‪ ،‬و طبيعة‬
‫العصر‪ ،‬و األهداف السياسية و االجتماعية و النظام االجتماعي و املستوى االقتصادي‪( ".‬الكيالين‪،‬‬
‫‪ ،1235‬ص ‪)12‬‬
‫‪ -2‬مكونات النظرية التربوية‪َّ :‬‬
‫تتكون النظرية الرتبوية من قسمني‪ :‬قسم نظري‪ ،‬وقسم عملي تطبيقي‪.‬‬
‫‪ -1-2‬القسم النظري‪ ( :‬الكيالين‪)net ،9002 ،‬‬
‫أ‪ -‬أصول النظرية التربوية‪ :‬تتكون أصول أية نظرية تربوية من ثالثة عناصر هي‪ :‬احلاجات احلاضرة‪،‬‬
‫والتحديات املستقبلية‪ ،‬واخلربات املاضية‪.‬‬
‫وتتعدد األصول الرتبوية بتعدُّد مظاهر احلاجات والتحديات واخلربات‪ ،‬فهناك‪:‬‬

‫‪ ‬األصول الفلسفية‪ ،‬وحمورها‪ :‬بلورة (الغايات) اليت حييا وينشأ اإلنسان املتعلم من أجلها‪.‬‬
‫‪ ‬األصول النفسية‪ ،‬وحمورها‪ :‬مساعدة املتعلم على اكتشاف ذاته وسنن حياته‪ ،‬وبلورة هويته‪ ،‬والسعي‬
‫ألن يكون ما بوسعه أن يكون‪.‬‬
‫‪ ‬األصول االجتماعية و الثقافية‪ ،‬وحمورها‪ :‬الوعي بقوانني صحة األمم ومرضها وموهتا‪.‬‬
‫‪ ‬األصول السياسية و االقتصادية‪ ،‬وحمورها‪ :‬تفجري طاقات العمل وتنمية مهاراته بالقدر الذي يتطلبه‬
‫اإلنتاج واالستهالك يف العصر القائم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬فلسفة التربية‪:‬‬
‫فلسفة الرتبية تعين " حتديد املكونات الرئيسة لشخصية اإلنسان الذي تتطلَّع الرتبية إىل إخراجه‪ ،‬واجملتمع الذي‬
‫تعمل على تنميته يف ضوء عالقات كل منهما باملنشأ والكون واحلياة واإلنسان واملصري‪ ،‬ولتجسيد هذه‬

‫‪3‬‬
‫العالقات يف واقع تربوي ملموس تركز فلسفة الرتبية على أربعة ميادين رئيسة هي‪ :‬الوجود‪ ،‬و املعرفة‪ ،‬و ِ‬
‫القيَم‪،‬‬
‫تصورا‬
‫وطبيعة اإلنسان‪ ،‬ويفرتض يف كل نظام تربوي أن تتكامل براجمه ونظمه ومؤسساته إلخراج متعلم حيمل ً‬
‫شامالً مفصالً عن هذه القضايا األربع‪ ،‬مث تكون لديه القدرة على ترمجة هذا التصور يف سلوكه وشبكة عالقاته‬
‫مع الكون واإلنسان و احلياة‪ .‬و حتتل فلسفة الرتبية ‪ -‬أية فلسفة للرتبية ‪ -‬املركز يف العملية الرتبوية‪ ،‬ومن هذه‬
‫الفلسفة ( اليت جتسدها الغايات )تنبثق أهداف الرتبية العامة وأهدافها اخلاصة العملية‪ ،‬ومؤسساهتا‪ ،‬ومناهجها‪،‬‬
‫وطرقها ووسائلها يف التعليم والتقومي‪ ،‬ومن هذه الفلسفة تنبثق كذلك أمناط السلوك يف واقع اإلنسان املختلفة‪،‬‬
‫ويف مجيع النشاطات واملمارسات‪ ( ".‬الكيالين‪)net ،9002 ،‬‬
‫فإذا كانت فلسفة الرتبية مثالً دميقراطية‪ ،‬فإهنا تفرز السياسي الدميقراطي‪ ،‬واالقتصادي الدميقراطي‪ ،‬والعامل‬
‫املدرس الدميقراطي‪ ،‬والزوج الدميقراطي‪ ،‬والزوجة الدميقراطية‪...‬اخل‪.‬‬
‫الدميقراطي‪ ،‬و ِّ‬
‫ج ‪ -‬أهداف التربية‪:‬‬
‫األهداف هي العنصر الثالث من عناصر النظرية الرتبوية‪ " ،‬و هي تتولد بشكل مباشر من الفلسفة الرتبوية‪ ،‬و‬
‫تقدم تفصيالت أدق وأكثر واقعية ملا ي ِرد يف هذه الفلسفة من أفكار وتصورات‪ ،‬ويف العادة تقسم األهداف من‬
‫حيث مكوناهتا إىل‪ :‬معلومات‪ ،‬ومهارات (عقلية وعملية)‪ ،‬واجتاهات‪ ،‬وعادات‪ ،‬وقِيَم‪ ،‬وشبكة عالقات‬
‫اجتماعية‪ ( ".‬الكيالين‪)net ،9002 ،‬‬
‫" فاألهداف الرتبوية هي تلك التغيريات اليت يراد حصوهلا يف سلوك اإلنسان الفرد‪ ،‬و يف ممارسات و اجتاهات‬
‫اجملتمع احمللي أو اجملتمعات اإلنسانية‪ ،‬فهي تصف الصفات العقلية و النفسية و الشخصية اليت يتمتع هبا الفرد‬
‫املثقف تثقيفا عاليا‪ ،‬و هي تصف أيضا االجتاهات و اخلصائص االجتماعية اليت يتصف هبا اجملتمع الراقي‬
‫املتحضر‪ ،‬و هذه األهداف هي الثمرات النهائية للعملية الرتبوية‪ ( ".‬الكيالين‪ 9005 ،‬أ‪ ،‬ص ‪)13‬‬

‫" و تنقسم األهداف إىل قسمني رئيسني‪ :‬األهداف األغراض أو املقاصد العليا اليت تعمل الرتبية لتحقيقها‬
‫واألهداف الوسائل‪ ،‬أي‪ :‬اليت تشتمل على الوسائل واألدوات الفعالة لتحقيق األهداف األغراض‪ ،‬ولذلك‬
‫يسميها البعض (املعادالت العلمية) أي األعمال املعادلة لألفكار‪ ( ".‬الكيالين‪ 9005 ،‬أ‪ ،‬ص ‪)15‬‬

‫‪4‬‬
‫" تتسم النظريات الرتبوية جبملة من األهداف جتعل هلا أمهية مرموقة يف دراسة الظاهرة الرتبية‪ ،‬و لعل من بني‬
‫أهم هذه األهداف ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬دراسة الظواهر الرتبوية من حيث طبيعتها وما تتسم به من خصائص ومسات‪ ،‬واليت بفض هذه األخرية‬
‫جتعل منها موضوعا متميزاً لعلم االجتماع الرتبوي‪.‬‬
‫‪ ‬التعرف على الوقائع الثقافية واالجتماعية والشخصية املرتبطة بالظاهرة الرتبوية يف نشأهتا وتطورها‪.‬‬
‫‪ ‬فهم طبيعة العالقات اليت تربط الظواهر الرتبوية بعضها ببعض‪ ،‬واليت تربطها بغريها من الظواهر‬
‫االجتماعية يف اجملتمع‪.‬‬
‫‪ ‬الكشف عن أبعاد أو الوظائف االجتماعية‪،‬اليت تؤديها الظواهر والنظم الرتبوية بالنسبة للجوانب‬
‫االجتماعية والثقافية يف اجملتمع‪.‬‬
‫‪ ‬حتديد املضمون األيديولوجي للرتبية وآثاره على العمليات الرتبوية‪.‬‬
‫‪ ‬حتديد القوانني االجتماعية العامة اليت حتكم الظواهر الرتبوية وما يرتبط هبا من وقائع اجتماعية وثقافية‬
‫وشخصية‪.‬‬
‫‪ ‬حتليل الرتبية كوسيلة للتقدم االجتماعي‪( ".‬حسان‪)net ،9002 ،‬‬

‫‪ – 2-2‬القسم التطبيقي( تطبيقات النظرية التربوية )‪:‬‬

‫تشكل هذه التطبيقات القسم الثاين العملي من النظرية الرتبوية‪ ،‬وهي تتكون من العناصر التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المنهاج‪:‬‬
‫حساساً يف العملية التعليمية عندما يُنظَُر إىل التخطيط الرتبوي من منظور‬
‫حيتل املنهج الرتبوي موقعاً اسرتاتيجياً ّ‬
‫اجلودة و النوعية‪ ،‬ألنّه الرتمجة العملية ألهداف الرتبية و خططها و اجتاهاهتا يف كل جمتمع‪ ،‬فأفضل مدخل وخري‬
‫وسيلة إلصالح التعليم و جتديده‪ ،‬هو حتسني املناهج و جتديدها و تطويرها مبفهومها الشامل‪ ،‬و من هنا‬
‫أصبحت دراسة املناهج و ختطيطها و تطويرها عملية جوهرية تتم يف ضوء قيم فلسفية و اجتماعية و سياسية‬
‫وحضارية مستمدة من اجملتمع الذي ختدمه املؤسسة املدرسية‪ ،‬و من تطلعات و حاجات البيئة و متطلبات‬

‫‪5‬‬
‫تنميتها‪ ،‬ومن عالقة اجملتمع باجملتمعات األخرى و العامل الذي أصبح قرية صغرية ( العبد هلل‪،9002 ،‬‬
‫ص‪.)95‬‬
‫و عليه فإ ّن املنهاج هو املرتكز األساسي يف بناء الرتبية و التعليم و يُعترب وضع املنهاج من أدق املسائل الرتبوية‬
‫و أعظمها خطراً‪ ،‬بل لعل املشكلة الرئيسية يف الرتبية و وضع منهاج دراسي معناه تعيني نوع الثقافة و حتديد‬
‫األمة ( وزارة الرتبية الوطنية‪ ،9002 ،‬ص‪.)192‬‬
‫مداها ألبناء ّ‬
‫و املنهج مصطلح يُشري إىل جمموعة مشروعة و صادقة من املعتقدات‪ ،‬و القيم و املعارف و املهارات و ألوان‬
‫التذوق و االجتاهات‪ ،‬من شأهنا أن تدفع من يكتسبوها بطريقة مباشرة أو غري مباشرة‪ ،‬واعية أو غري واعية إىل‬
‫ّ‬
‫عه ُد هبا إىل مؤسسة ثقافية إيكولوجية (املدرسة)‪ ،‬و يضطلع‬
‫القيام بأمناط معينة يف التفكري و يف السلوك‪ ،‬يُ َ‬
‫املدرسون‪ ،‬واملوجهون ‪ -‬إىل درجة‬
‫بتقدميها جملموعات خمتلفة من املتعلمني‪ ،‬مهنيون ملتزمون (إدارة املدرسة‪ ،‬و ّ‬
‫ما‪ )-‬و ينجحون يف تقدميها بدرجات خمتلفة‪ ،‬و تستخدم يف تقدميها تنظيمات و طُُرق و أساليب و مواد‬
‫تأمل جاد‪ ،‬و تُتخذ بشأهنا قرارات يُسهم فيها ممثلون ملن هلم خربة يف تعليم جمموعات‬ ‫تعليمية‪ُ ،‬ختتار بعد ّ‬
‫معيـ ـ ـنة من املتعلميـ ـن يـ ـ ـ ـعرفون خصائصها الثقافيـ ـة و الفعلي ـ ـة و االجتماعية و الوجدانية ( غريب‪ 9002 ،‬أ‪،‬‬
‫ص‪.)995‬‬
‫كما ُميكن تعريفه بأنّه جمموعة أنشطة مندجمة يتم تصميمها عن دراية علمية و مبهارة فائقة بغرض بلوغ مرام و‬
‫أهداف حمددة سلفا ( بن بوزيد‪ ،9002 ،‬ص ‪.) 25‬‬
‫و يُعرب مصطلح منهاج عن ترمج ـ ـ ـة للمصطلح األجنيب ‪ Curriculum‬حيث يُعب ـ ــّر هذا املصطلح يف‬
‫استعماله الفرنسي اجلاري عن النوايا أو عن اإلجراءات احملددة سلفا ألجل حتضري أعمال بيداغوجية‬
‫مستقبليـ ـ ـ ـة‪ ،‬فهو إذن خطة مستقب ـ ـ ـليـ ـ ـ ـة تـ ـ ـتـ ـ ـضمن الغ ـ ـ ـايـ ـ ـ ـات و املقاصـ ـ ـ ـد و األه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـداف املقصـ ـ ـودة و‬
‫املضامي ـ ـ ـن و األنشطة التعليمية و كذا األدوات الديداكتيكية‪ُ ،‬مثّ طرق التعليم و أساليب التقييم‪ ،‬فهو مصاغ‬
‫أيضاً باعتباره خطة عمل أوسع من برنامج تعليمي‪ ،‬و يتضمن أكثر من برنامج يف نفس الوقت‪ ،...‬على‬
‫عكس األدبيات الرتبوية الفرنسية‪ ،‬متيل األدبيات اإلجنليزية إىل تعريف مفهوم املنهاج ‪ Curriculum‬ليس‬
‫أوالً كشيء ُمسبق عن العمل البيداغوجي‪ ،‬بل خاصة كشيء يُعاش فعالً و واقعاً من طرف املدرس و تالميذه‬

‫‪6‬‬
‫يف القسم‪ ،‬من وجهة النظر هذه يـُ َع ُّد املنهاج متاثلياً للسرية الذاتية للقسم ‪( Curriculum- vital‬غريب‪،‬‬
‫‪ 9002‬أ‪ ،‬ص‪.) 992‬‬
‫و عليه فاملنهاج مبعناه البسيط هو‪ :‬جمموع اخلربات املربية اليت هتيئ املؤسسات الرتبوية إلنساهنا التفاعل معها‪،‬‬
‫لتحقيق املقاصد واألغراض اليت حتددها الفلسفات واألهداف الرتبوية اليت سبق استعراضها‪.‬‬
‫و يُعد لفظ منهاج من املصطلحات اليت اقتبست من ‪ Dewey‬و هو مصطلح خيتلف بشكل كبري عن‬
‫مصطلح الربنامج‪ ،‬على اعتبار أ ّن هذا األخري يُشكل وصفاً لالئحة من احملتويات الدراسية املستعملة عادةً‬
‫داخل البيداغوجيا التقليدية (غريب‪ 9002 ،‬أ‪ ،‬ص‪.)992‬‬
‫و يف هذا الصدد‪ُ ،‬مييّز بريينو ‪ Perrenoud‬بني ثالثة أمناط من املناهج هي‪:‬‬
‫موجه‪ :‬و هو الذي يكون ُحمدَّد الصياغة‪.‬‬
‫‪ ‬منهاج صريح و ّ‬
‫‪ ‬منهاج واقعي‪ :‬و يُش ّكل املرجعية أو الصياغة املبينة لتجارب و خربات التالميذ‪.‬‬
‫متنحي‪ :‬و يشكل جمموعة التجارب و اخلربات املسامهة يف التكوين إالّ أ ّهنا تكون مع‬
‫‪ ‬منهاج ضمني أو ّ‬
‫ذلك غري قابلة للمالحظة ( غريب‪ 9002 ،‬أ‪ ،‬ص ‪.) 992‬‬
‫ويف العقدين األخريين تركز االهتمام باملنهاج املسترت عند فريق من الباحثني الرتبويني‪ ،‬الذين ركزوا حبوثهم على‬
‫فحص املعارف والعالقات اجلارية يف املدارس واجلامعات‪ ،‬وبرز نتيجة لذلك ما يعرف باسم (اجتماعيات‬
‫الرتبية)‪ ،‬ولقد لفتت هذه االجتماعيات الرتبوية األنظار إىل أمهية ما أمسته بـ ـ ـ (املنهاج املسترت)‪ ،‬الذي يشري إىل‬
‫ظاهرة تعلُّم الطلبة من أجواء املدرسة‪ ،‬ومن األنشطة والعالقات اإلدارية فيها‪ ،‬أكثر مما يتعلمونه من حمتويات‬
‫املنهاج الرمسي الظاهر‪.‬‬
‫يعرف املنهاج اخلفي أو املسترت بأنه " نتائج أو تأثريات – غري أكادميية – ذات أمهية تربوية بالغة‪ ،‬حيدثها‬
‫التعليم املدرسي بطريقة منتظمة‪ ،‬و لكنها ال تكون صرحية أو معلنة يف أي من مستوياهتا‪ ،‬بصورة تيسر لعامة‬
‫الناس فهمها و معرفة مسوغاهتا‪...‬إن املصطلح يشري بوجه عام إىل وظيفة الضبط االجتماعي الذي متارسه‬
‫مؤسسات التعليم" ( غريب‪ 9002 ،‬أ‪ ،‬ص ‪.) 993‬‬

‫‪7‬‬
‫يتم التشديد مثال يف املدرسة أو اجلامعة على طاعة القوانني واللوائح دون نقاش‪ ،‬فإن ذلك يوحي‬
‫فحني ُّ‬
‫خضوعا أعمى‪ .‬و يظهر تأثري املنهاج املسترت يف ترويض الطلبة على مفاهيم‬
‫ً‬ ‫للطالب باخلضوع للسلطة املطلقة‬
‫وأمناط سلوك يراد أن حييوها يف املستقبل‪ ،‬وأن يتقبلوا املواقع االجتماعية واألدوار املقررة لكل منهم‪ ،‬واملنهاج‬
‫يكرس اخلنوع والظلم‬
‫ضارا ِّ‬
‫نافعا ينبه الطلبة ويدرهبم حلياة اجتماعية أفضل‪ ،‬وقد يكون ًّ‬
‫هبذا الشكل قد يكون ً‬
‫وعدم املساواة‪.‬‬
‫"إن احلديث عن املنهاج املسترت يؤدي إىل توضيح مكمن إدماج كل برنامج تعليمي ملقصدية تربوية أوسع‪ ،‬و‬
‫من دون اإلحياء بان بعض العناصر يتم حجبها لغرض مقصود‪ ،‬و باملقابل فان أهم ما يف حتاليل املنهاج‪ ،‬يعانق‬
‫نظريات التناسب‪ ،‬و ذلك يف املنحى الذي يفيد بان املواقف امللقنة من قبل املدرسة يفرتض فيها أن توافق‬
‫حاجيات اجملتمع" ( غريب‪ ،9002 ،‬ص ‪.) 992‬‬
‫ب ‪ -‬المؤسسات‪:‬‬
‫" تتعدد املؤسسات الرتبوية بتعدُّد حلقات السلوك يف الفرد‪ ،‬و كذا تعدُّد احلاجات والتحديات اليت يواجهها‬
‫تطور مستمر‬
‫اجملتمع خالل مسرية التغري اإلنساين‪ ،‬ولذلك يبقى عدد هذه املؤسسات وأنواعها ومسؤولياهتا يف ُّ‬
‫طب ًقا حلاجات كل عصر وحتدياته‪ ،‬ولكن ميكن تصنيف هذه املؤسسات بشكل عام إىل مخس مؤسسات هي‪:‬‬
‫‪ ‬مؤسسات التنشئة‪ ،‬وحمورها األسرة‪.‬‬
‫‪ ‬مؤسسات التعليم‪ ،‬ويبدأ حمورها من املدرسة وينتهي باجلامعة‪.‬‬
‫‪ ‬مؤسسات اإلرشاد‪ ،‬وحمورها دور العبادة ومؤسسات الثقافة‪.‬‬
‫‪ ‬مؤسسات التوجيه‪ ،‬وحمورها مؤسسات اإلعالم‪.‬‬
‫‪ ‬مؤسسات البيئة العامة‪ ،‬وحمورها مؤسسات اإلدارة واألمن‪ ( ".‬الكيالين‪.)net ،9002 ،‬‬

‫" و كما ال ميكن الفصل بني حلقات السلوك؛ أي‪ :‬حلقات اخلاطرة‪ ،‬والفكرة‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والتعبري‪ ،‬واملمارسة‪،‬‬
‫كذلك ال ميكن الفصل بني عمل املؤسسات املذكورة‪ ،‬إال ما يستدعي التنظيم‪ ،‬مع احملافظة على التكامل‬
‫والتفاعل‪ ،‬طب ًقا لتخطيط علمي حيدد األدوار وينظم قنوات التواصل‪ ،‬أما يف اجملتمعات العربية‪ ،‬فإن خطورة عدم‬
‫التكامل بني املؤسسات الرتبوية َّأدى إىل متزيق شخصية اإلنسان العريب وتقلبها‪ ،‬ألن كل مؤسسة تتعامل مع‬

‫‪8‬‬
‫هذا اإلنسان بشكل خيتلف عن املؤسسات األخرى‪ ،‬ابتداء من طفولته حىت شيخوخته‪ ( ".‬الكيالين‪،9002 ،‬‬
‫‪.)net‬‬
‫ج ‪ -‬األساليب و الوسائل‪:‬‬
‫" تتحدد قيمة األساليب والوسائل وفاعليتها مبقدار إسهامها يف بَـ ْل َورة هوية اإلنسان املتعلم‪ ،‬واستخراج قدراته‬
‫وفضائله‪ ،‬ومتكينه من تسخري بيئته احمليطة‪ ،‬وإمداده بالوعي بتقسيمات الزمن الثالثة‪ :‬املاضي‪ ،‬واحلاضر‪،‬‬
‫واملستقبل؛ لتكون حمصلة ذلك كله تقلده املركز احملرتم يف اجملتمع‪ .‬و لكن يؤخذ على أساليب الرتبية احلديثة أهنا‬
‫كبريا يف تقدُّم العلم والتكنولوجيا‪ ،‬فإهنا انتقصت إنسانية اإلنسان ورَّكزت‬
‫إسهاما ً‬
‫ً‬ ‫يف الوقت الذي أسهمت‬
‫عملها على ترويضه وتأهيله ملكان العمل واإلنتاج‪ ( ".‬الكيالين‪.)net ،9002 ،‬‬
‫" و تستخدم األساليب الرتبوي واو الطرائق الرتبوية البيداغوجية يف معىن عام للداللة على جمموعة من املبادئ و‬
‫التوجيهات الرتبوية اليت متيز وضعية تربوية حمددة مبا تتضمنه من بعد عالئقي و تنظيمي و إخباري‪...‬كما‬
‫تستخدم لتشري إىل أشكال حمددة يف العمل الديداكتيكي‪ ،‬تعكس توزيعا معينا للعمل و النشاط الرتبوي بني‬
‫املدرس و املتعلم‪ ( ".‬غريب‪ 9002 ،‬ب‪ ،‬ص ‪.) 212‬‬
‫أما الوسائل فهي " املواد اليت ال تعتمد أساسا على القراءة و استخدام األلفاظ و الرموز لنقل معانيها و فهمها‪،‬‬
‫و هي مواد ميكن بواسطتها زيادة جناعة التدريس و تزويد التالميذ خبربات تعلمية باقية األثر" ( غريب‪9002 ،‬‬
‫ب‪ ،‬ص ‪.) 539‬‬
‫" مثة أنواع كثرية للوسائل املساعدة‪ ،‬منها ما هو مستعمل و ما هو مألوف يف التعليم‪ ،‬و منها ما يستعمل حاليا‬
‫فيما يتعلق بالتكنولوجيا الرتبوية‪:‬‬
‫‪ ‬أنواع مستعملة و هي‪ :‬السبورة‪ ،‬الوثائق‪ ،‬األشرطة‪ ،‬التسجيالت‪ ،‬اخلرائط‪ ،‬العينات من بعض األشياء‪،‬‬
‫الكتب‪ ،‬الرسوم البيانية‪...،‬اخل‬
‫‪ ‬أنواع مقرتحة و هي‪ :‬الفيديو‪ ،‬املسلط العاكس‪ ،‬التلفزة‪ ،‬احلاسوب‪...‬اخل ( غريب‪ 9002 ،‬ب‪ ،‬ص‬
‫‪.) 259‬‬
‫و تتصف الوسائل بثالث صفات أساسية هي‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ ‬الوسيلة السائدة‪ :‬و هي اليت تسيطر على الدرس من بدايته إىل آخره‪.‬‬
‫‪ ‬الوسيلة املعززة‪ :‬و هي اليت تؤكد املعلومات و تعززها‪.‬‬
‫‪ ‬الوسيلة املكررة‪ :‬و هي اليت تأيت لتوضيح مكتسبات سابقة‪ ( .‬غريب‪ 9002 ،‬ب‪ ،‬ص ‪.) 259‬‬
‫د‪ -‬إنسان التربية‪:‬‬
‫" اإلنسان الذي تتطلَّع نظريات الرتبية إىل إخراجه هو الذي يقوم بالعمل الصاحل كامالً‪ ،‬والسؤال الذي يطرح‬
‫نفسه‪ :‬كيف تعمل الرتبية على إخراج اإلنسان الصاحل الذي يقوم بالعمل املشار إليه؟‬
‫لإلجابة عن هذا السؤال ال بُ َّد من أمرين‪ :‬األول تعريف العمل‪ ،‬و الثاين كيف يتولد العمل؟‬
‫والعمل حركة بقصد‪ ،‬وال نسمي احلركة بغري قصد عمالً ( ج‪ .‬سعيد‪ ،9019 ،‬ص ‪ ،) 92‬و هو مثرة عدد‬
‫نسق معني ميكن أن نوجزه يف املعادالت التالية‪:‬‬
‫معني من العمليات الرتبوية اليت تتكامل حسب َ‬
‫" العمل الصاحل = القدرة التسخريية ‪ +‬اإلرادة العازمة‪.‬‬
‫القدرة التسخريية = القدرات العقلية ‪ +‬اخلربات املربية‪.‬‬
‫اإلرادة العازمة = القدرات العقلية ‪ +‬املثل األعلى‪( ".‬ج‪ .‬سعيد‪ ،9019 ،‬ص ‪)101 ،100‬‬
‫وفيما يلي تعريف موجز لكل من هذه املكونات للعمل‪:‬‬
‫‪ ‬القدرة التسخريية‪ :‬هي مثرة تزاوج القدرات العقلية مع اخلربات املربية؛ أي‪ :‬إن القدرة التسخريية تتولد من‬
‫خالل النظر العقلي السليم يف تاريخ األفكار واألشخاص واألشياء؛ بغية اكتشاف قوانينها‪ ،‬مث االستفادة من‬
‫هذه القوانني لتسخريها واالنتفاع هبا‪.‬‬
‫التوجه حنو اهلدف املراد‪ ،‬وهي مثرة تزاوج القدرات العقلية مع املثَل‬
‫‪ ‬اإلرادة العازمة‪ :‬تعرف اإلرادة بأهنا قوة ُّ‬
‫تتضمن مناذج احلاجات‬
‫األعلى‪ ،‬أي‪ :‬إن اإلرادة تتولد من خالل النظر السليم يف مستويات املثَل األعلى‪ ،‬اليت َّ‬
‫اليت جتلب لإلنسان النفع أو تدفع عنه الضرر‪.‬‬
‫التعرف على‬
‫‪ ‬القدرات العقلية‪ :‬لدى اإلنسان قدرات عقلية كامنة يستطيع من خالهلا تدبري أمور معاشه‪ ،‬و ُّ‬
‫الكون احمليط مبكوناته والبيئة احمليطة بأحداثها‪ ،‬وتتفاوت القدرات العقلية قوة وضع ًفا طب ًقا ألنظمة الرتبية‬
‫ومتغريات البيئة‪ ،‬فقد تقوى حىت خترتق الكون الكبري‪ ،‬فتتعرف على مكوناته وعلى أسرار قوانينه‪ ،‬مث تسخر هذه‬

‫‪10‬‬
‫املكونات والقوانني حسب األهداف واحلاجات اليت يتوجه إليها صاحب هذه القدرات‪ ،‬وقد تضعف هذه‬
‫القدرات العقلية حىت يعجز اإلنسان عن فهم ما جيري يف بيئته البيتية واإلقليمية احملدودة‪ ،‬فيسخره الكون‬
‫وتتقاذفه األحداث واألهواء‪ ،‬وقد تنطفئ هذه القدرات حىت ال يعود اإلنسان يعرف من أمره شيئًا‪ ( .‬الكيالين‪،‬‬
‫‪.)net ،9002‬‬
‫‪ ‬املثل األعلى‪ :‬يعرف بأنه منوذج احلياة املعنوية واملادية اليت يراد لإلنسان املتعلم أن حيياها‪ ،‬ولألمة أن تعيش‬
‫طب ًقا هلا‪ ،‬يف ضوء عالقات كل منهما باملنشأ والكون واإلنسان واحلياة واملصري‪.‬‬
‫واملثل األعلى ُّ‬
‫ميد اإلنسان املتعلم باألهداف اليت يعيش من أجلها‪ ،‬ومينح األمة مربرات وجودها‪ ،‬وينقسم املثَل‬
‫األعلى إىل ثالثة مستويات هي‪:‬‬
‫املستوى األعلى‪ :‬وهدفه االرتقاء بالنوع اإلنساين‪.‬‬
‫واملستوى املتوسط‪ :‬وهدفه بقاء النوع اإلنساين‪.‬‬
‫واملستوى األدىن‪ :‬وهدفه تلبية حاجات اجلسد البشري‪ ( .‬الكيالين‪.)net ،9002 ،‬‬

‫‪ ‬اخلربات املربية‪ :‬اخلربة هي عمل وأثر‪ ،‬وال بُ َّد من تكامل االثنني وحصوهلما‪ ،‬فإذا حصل العمل ومل يرتك ً‬
‫أثرا‬
‫يف نفس اإلنسان وحياته ال يسمى خربة‪ ،‬واألثر له مستويان‪ :‬مستوى مادي‪ ،‬وهو ما حيدث يف حياة اإلنسان‬
‫وعي‬
‫يتكون لدى اإلنسان من ْ‬
‫من تقدُّم حضاري يف أدوات احلياة مثل خربة نيوتن‪ ،‬ومستوى معنوي وهو ما َّ‬
‫مبقاصد احلياة وغاياهتا‪ ،‬مثل خربات األنبياء واملصلحني‪ ( .‬الكيالين‪.)net ،9002 ،‬‬

‫‪11‬‬
‫المحاضرة الثانية‪ :‬النظرية اإلنسانية أو الشخصانية )‪(La Théorie personnaliste‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫" الشخصانية ليست جمرد موقف أو نظام معني‪ ،‬إمنا هي فلسفة متكاملة" ( ‪،) Mounier, 2007, p8‬‬
‫" و قد جاءت هذه الفلسفة الرتبوية املتمركزة حول الشخص كرد فعل ضد تيّار التكوين املتمحور حول تعليم‬
‫فَـ ْوِجي يُقدِّم حمتوياته وفق طرق تبليغية غالبا ما تأخذ شكل حماضرات‪ ،‬وهي معارضة رّكزت يف تناوالهتا بشكل‬
‫خاص على مشكلة املكانة الضيقة اليت حتتلّها الذاتية واحلرية يف العملية الرتبوية‪ ...‬ومن َمثَّ ح ّدد أصحاب هذا‬
‫االجتاه ألنفسهم هدف جعل الدينامية الذاتية للطّفل والطالب حتتل مركز انشغاالهتم الرتبوية‪ ،‬وتُلخص عبارة‬
‫"بناء شخص حر" املبحث العام جملموع النظريات الرتبوية الشخصانية‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)22‬‬
‫"و ُميكن أن منيّز بني ثالثة منابع اعتمدتها النظريات الشخصانية في التربية كمصادر استلهمت منها‬
‫سماة ‪ ، Summer hill‬و علم النفس الشخصاين الذي يدعو اىل تطوير‬‫تطورها‪ .‬و هي ظهور املدرسة امل َّ‬
‫الفرد حبرية‪ ،‬و نظريات العمل اجلماعي اليت تؤكد على الدعم بني أعضاء اجملموعة" ( ‪Théories‬‬
‫)‪personnalistes,2010 , net‬‬
‫سماة ‪ Summer hill‬اليت ّأدت إىل نشأة حركية‬ ‫" ففي البداية أرسى ‪ Neill‬يف إجنلرتا معامل املدرسة امل َّ‬
‫حرة‪ ،‬بل إنّه‬
‫كبرية‪ ،‬وقد كان ظهور كتابه ‪ Summer hill‬سنة ‪ 1220‬مبثابة حافز يدعو إىل فتح مدارس ّ‬
‫الكتاب الذي مارس تأثرياً كبرياً على املهتمني بشؤون الرتبية والتعليم لدرجة جعلتهم يطلبون من ‪ Neill‬تأليف‬
‫كتاب آخر يشرح فيه حدود احلرية اليت ميكن منحها للطفل‪ ،‬وذلك ما قام به بالفعل سنة ‪ 1222‬حني نشر‬
‫كتابه ‪( " freedom, not license‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)50‬‬
‫" و جتد النظريات الشخصانية مصدر إهلامها الثاين يف علم النفس الشخصاين الذي ظهر كرد فعل ضد علم‬
‫النفس احلتمي الذي يرى أ ّن الالشعور والبيئة يتحكمان يف أفعال الفرد‪ ،‬وميارسان رقابة عليها‪ ،‬وجاءت حبوث‬
‫العديد من املفكرين أمثال )‪ (Adler, Maslow, Vroom, May, Rogers‬كمحاوالت حبثية‬
‫متكنهم من إجياد سبيل ثالث ُجينّبهم الوقوع يف ثنائية حتمية الالشعور والبيئة معا‪ ،‬لقد أراد أصحاب النظريات‬
‫تصور جديد للعالقة البَ ْـيـنـتفاعلية للفرد‪ ،‬ممّا ّأدى هبم إىل إنشاء ما يُصطلح‬
‫الشخصانية يف علم النفس‪ ،‬تقدمي ّ‬

‫‪12‬‬
‫القوة الثالثة " (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪ ،)59 ،51‬و اليت تعين امتالك اإلنسان حلب فطري‪ ،‬ويف‬ ‫عليه اسم ّ‬
‫قدرته أيضا على حتقيق ذاته‪ ،‬من خالل املسامهة فيما حيقق اخلري للمجتمع‪.‬‬
‫ّأما املصدر الثالث للنظريات الشخصانية‪ ،‬فيوجد يف نظريات العمل اجلماعي‪ ،‬ونلمس ذلك يف أعمل ‪K.‬‬
‫‪" )1295( Lewin‬و الذي كان لنظريته يف دينامية الشخصية أثر كبري يف الو‪.‬م‪.‬أ ويف أوربا‪ ،‬وصاغ هذا‬
‫العامل املبدأ التايل‪" :‬يقوم النمو على أساس حاجة داخلية تتجسد يف هدف ومسعى وفكرة‪ ،‬ويتح ّدد هذا النمو‬
‫كامتداد للفضاء احليوي للطفل املرتبط ببعض األهداف" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪ ،)59‬ويعين وجود موقف‬
‫التصرف حبرية انطالقا من حاجاته‬
‫كلي مسبق تتوفّر فيه للطفل إمكانية حتديد أهدافه الشخصية بنفسه و ّ‬
‫يكون لنفسه نظرة للواقع انطالقا من شرطني مها‪ :‬مقاومة‬ ‫اخلاصة ومن تقييمه اخلاص‪ ،‬حيث يرى أ ّن الطفل ّ‬
‫يؤدي به إىل أن حيي‬
‫األشياء إلرادته اخلاصة‪ ،‬واختبار الصعوبات امللموسة اليت حتول بينه وبني حتقيق أهدافه ممّا ّ‬
‫جتربة أكيدة‪ ،‬جتربة مالمسة للـواقع كشيء مستقل عن رغباته‪.‬‬
‫‪ -1‬اتجاهات التربية الشخصانية‪:‬‬
‫" ّأدت التأثريات السابقة املتنوعة إىل ظهور تيارات شخصانية خمتلفة أمهها اثنان ‪:‬‬
‫‪ .1‬منوذج البيداغوجيات "الشخصانية" املتمحورة حول تطور الوجدانيات بواسطة اسرتاتيجيات ال‬
‫توجيهية‪ ،‬و اليت ُمتثّلها البيداغوجيا الروجرسية‪ ،‬و بيداغوجيات اإلنسانية احملدثة‪.‬‬
‫تطور القدرة اإلبداعية بواسطة اسرتاتيجيات أكثر تَ َـد ُّخـلـيّة‪".‬‬
‫‪ .9‬منوذج البيداغوجيات املتمحورة حول ّ‬
‫(برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)59‬‬
‫‪ -1-1‬نموذج البيداغوجيات "الشخصانية" المتمحورة حول تطور الوجدانيات بواسطة استراتيجيات ال‬
‫توجيهية‪:‬‬
‫‪ -1-1-1‬التربية الالتوجيهية الروجرسية‪:‬‬
‫الـواقع أنه من الصعب البحث عن األهداف الرتبوية يف ظل النظريات الشخصانية دون اعتماد عامل النفس‬
‫األمريكي ‪ ،Rogers‬والـذي حاول خالل سنوات أن يشرح املظاهر املختلفة ملبدأ أساسي مفاده أ ّن جلميع‬
‫يسميه‬
‫األفراد توجها إجيابيا حنو التعلّم‪ ،‬و يُعترب روجرس كمرجع أساسي للكشف عن هذه األهداف وعن ما ّ‬

‫‪13‬‬
‫بالتعلّم الخبراتي‪ ،‬فبالنسبة هلذا النوع من التعلم يق ّدم ‪ Rogers‬يف كتابه الذي نشره سنة ‪ 1222‬بعنوان‬
‫» ‪ « Liberté pour apprendre‬املميّزات الرئيسية هلذا التعلم و حي ّددها كما يلي‪( :‬برتراند‪،9002 ،‬‬
‫ص ‪)53 ،52‬‬
‫‪ ‬يُعترب التعلّم اخلربايت بالدرجة األوىل إلتزاماً شخصياً تنغمس فيه الشخصية بكاملها‪.‬‬
‫‪ ‬يقوم هذا التعلم على مبادرات الطالب‪.‬‬
‫غري شخصيته و سلوكاته و اجتاهاته‪.‬‬
‫‪ ‬يتجه هذا التعلم حنو أعماق الطالب‪ ،‬ويُ ّ‬
‫‪ ‬توجد يف الكائن اإلنساين قدرة طبيعية على التعلّم‪ ،‬ولديه رغبة يف تطوير ذاته بشكل كبري ومل ّدة تكون‬
‫أطول‪ ،‬ما مل تقم جتارب النظام املدرسي بتدمري هذه الرغبة‪.‬‬
‫حيدث التعلم الصحيح عندما يدرك املتعلّم وجود تالءم بني املعارف اليت جيب اكتساهبا وموضوع‬
‫‪ُ ‬‬
‫التعلّم‪.‬‬
‫ث شعوراً بالتهديد ومن مثّة متيل إىل‬ ‫ِ‬
‫تغري يف منظومة الذات أو يف إدراك األنا ُحيد ُ‬
‫يؤدي إىل ّ‬
‫‪ ‬كل تعلّم ّ‬
‫مقاومته‪.‬‬
‫ستوعب موضوع التعلّم كلّما تقلّصت درجة التهديدات اخلارجية إىل أقصى احلدود‪.‬‬
‫درُك ويُ ً‬
‫‪ ‬يُ َ‬
‫‪ ‬عندما يكون هتديد األنا ضعيفا‪ ،‬يُصبح من املمكن إدراك التجربة املعاشة من زاوية أخرى وهو ما‬
‫يسمح حبدوث التعلّم‪.‬‬
‫سهل التعلم الذي له داللة ومعىن‪ ،‬فنحن غالبا ما نفهم األشياء وحنتفظ هبا من خالل‬ ‫‪ ‬إ ّن النشاط يُ ّ‬
‫ممارستها‪ ،‬ونبقى متأثرين هبذا التعلّم‪.‬‬
‫‪ ‬كلّما كان املتعلّم ميتلك جزءا من املسؤولية عن التعلم كلما صار التعلم أكثر سهولة‪ ،‬فالتعلم يبلغ‬
‫أقصى مداه عندما يقوم املتعلم بتحديد مشكالته اخلاصة‪ ،‬وباختيار موارد حلوهلا بنفسه‪ ،‬وكلما حت ّكم‬
‫هذا املتعلّم يف اخلطوات اليت جيب إتباعها وتقبّل نتائج اختياراته‪.‬‬
‫‪ ‬إ ّن التعليم الذي يُقرر فيه الشخص مصريه بنفسه والذي يشمل الشخص من كل جوانبه الوجدانية‬
‫واملعرفية‪ ،‬هو تعليم ميكن االحتفاظ به ملدة طويلة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ ‬يكتسب الطالب اكرب قدر من االستقاللية يف الفكر ويف اإلبداع ويف الثقة بالنفس‪ ،‬إذا ما أصبح يُؤمن‬
‫بأ ّن النقد والتقومي أمران أساسيان‪ ،‬ويؤمن أيضا بأ ّن تقوميات اآلخرين ليست سوى أمور ثانوية‪.‬‬
‫‪ ‬يـُ َع ُّد تعلُّم آليات التعلّم املوجودة يف العامل املعاصر من األنواع األكثر فائدة من الناحية االجتماعية‪،‬‬
‫وينبغي أن نتعلّم كيف نبقى متفتحني على اخلربة الذاتية‪ ،‬وكيف نستبطن عملية التغيري‪.‬‬

‫أ‪ -‬االستراتيجيات التربوية‪ :‬يتم التكوين اخلربايت من خالل إسرتاتيجيتني مها‪( :‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪-53‬‬
‫‪)21‬‬

‫سر‪ :‬أي يُ ّ‬
‫بسط عملية التعلم و يساعد طلبته فردياً‪ ،‬كما يساعد‬ ‫المبلّغ إلى أستاذ ُميَ ّ‬
‫‪ ‬تحويل األستاذ ُ‬
‫اجلماعة كلّها بنفس املقدار يف اختيار و توضيح أهدافهم و نواياهم‪.‬‬
‫‪ ‬توظيف استراتيجيات تفاعلية بين األشخاص‪ :‬جيب أن نستدرج الطالب انطالقا من واقعه (الـوجداين‬
‫و املعريف)‪ُ ،‬مثّ من ّكنه من التعبري عن هذا الـواقع بأساليب خمتلفة (الكلمة ‪ ،‬النص‪ ،‬املسرح‪ ،‬الـرسم‪)...،‬‬
‫ولتحقيق ذلك جيب توفري عدد من التمارين املالئمة اليت تسمح بتحقيق االتصال بني الفرد و ذاته‪ ،‬و‬
‫تصوراته و أحاسيسه و أفكاره و حاجاته النفسية و رغباته‪،‬‬
‫هو ما يساعده يف الـوصول إىل انطباعاته و ّ‬
‫فاألمر يتعلّق هنا بقدرة الـولوج إىل الذات‪ ،‬مث جيسد عامله الداخلي بأساليب خمتلفة (كالكتابة‬
‫والرسم‪ ،)...‬مث يتبادل األشخاص فيما بينهم اكتشافاهتم املختلفة‪ ،‬ويف األخري ُختتتم العملية بالرجوع‬
‫إىل الذات هبدف القيام حبوصلة ملا تّ تعلمه‪.‬‬
‫‪ -2-1-1‬نظريات اإلنسانية المحدثة‪:‬‬
‫ال تستلهم العديد من النظريات الشخصانية اليت ال تستلهم افكارها مباشرة من ‪ ،Rogers‬و قد كان لعامل‬
‫النفس ‪ Adler‬بالغ األثر يف تطور علم النفس الشخصاين يف أوروبا‪ ،‬و بشكل خاص يف أمريكا من خالل‬
‫امللتقيات اليت كان يديرها يف نيويورك حيث أين متكن من االلتقاء و التأثري يف العديد من العلماء‪ " ،‬حيث‬
‫يطرح ‪ Adler‬علم نفس فردي ينطلق من فكرة مفادها أن الغرائز و اجملتمع ال يتحكمان يف الفرد‪ ،‬ألن هذا‬
‫األخري يعترب قوة مبدعة جيب عليها أن تستند إىل وراثتها و إىل تأثريات حميطها‪...‬و بعد وفاة ‪ Adler‬سنة‬

‫‪15‬‬
‫‪ 1292‬كونت مجاعة من علماء النفس ( ‪ ) Maslow, Dreikurs, Fromm‬مجعية هامة يف‬
‫شيكاغو حتت رعاية ‪ ،Rudolf Dreikurs‬و كان هلؤالء العلماء أثر عميق يف الفكر الرتبوي خاصة‬
‫خالل اخلمسينات و الستينات‪ ،‬و هم يعتربون ممن وجهوا هذا الفكر حنو بيداغوجيات هتتم بتطور الشخصية "‬
‫(برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)29 ،21‬‬
‫أ‪ -‬المبادئ‪:‬‬
‫" بىن ‪ Fotinas‬نظرية من نظريات اإلنسانية احملدثة يف الرتبية حاول فيها التوفيق بني مقاربة نسقية و بني‬
‫فلسفة إنسانية تستلهم أفكارها من علم النفس اآلدلري و من مدرسة شيكاغو بشكل خاص‪...‬حيث‬
‫يستهدف الدرس عنده تكوين أفراد قادرين على التدخل بفعالية يف الوسط الرتبوي‪ ،‬فهم من ينتج و يساهم يف‬
‫خلق وضعيات التعلم املتمركز حول الشخص بدل التمركز حول حمتويات الربامج و طرائق تنفيذها‪ ،‬و تظل‬
‫أهداف مثل هذه الوضعيات مفتوحة على اعتبار ان املنهجية الديداكتيكية ترتك للتالميذ حرية حتديد أهدافهم‬
‫و معايري تقومي أنفسهم " (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)29 ،29‬‬
‫ب‪ -‬االستراتيجيات‪:‬‬
‫‪ ‬ترتابط حلقات هذه املنهجية يف بنية بيداغوجية حمددة و منظمة مسبقا‪ ،‬إال أن املتعلم هو من حيدد‬
‫مسارها انطالقا من حاجاته‪ ،‬و تتضمن بيداغوجيا اإلنسانية احملدثة عند ‪ Fotinas‬ستة مراحل هي‪:‬‬
‫‪ ‬مرحلة املمارسة الطبيعية ( الفعل التفكريي االستكشايف ) و تتضمن توضيح القيم و الدوافع و‬
‫احلاجات الشخصية و خطوة بناء املوقف التعليمي انطالقا من طرح مشكالت‪.‬‬
‫‪ ‬مرحلة التوعية باملمارسة الطبيعية ( الدراسة و التحليل ) و تتضمن إيضاح املوقف املشكاليت و‬
‫خطوة اختيار إشكالية ذات داللة‪.‬‬
‫‪ ‬مرحلة التبادل الشامل ( عرض املرحلتني األوىل و الثانية )‪.‬‬
‫‪ ‬مرحلة املمارسة الواعية ( ممارسة الفكر العملي املنظم ) و هي حتتوي على خطوة البحث عن‬
‫املعلومات بواسطة القيام مبطالعات الكتب و استشارهتا‪ ،‬و بواسطة طرح تصورات خاصة‪ ،‬و‬
‫كذلك على خطوة توضيح أهداف التعلم باستعمال عبارات تشري إىل املهارات اليت ينبغي‬

‫‪16‬‬
‫اكتساهبا‪ ،‬و حتتوي هذه املرحلة على خطوة أخرية تتعلق مبشاهدة أفالم حبثية أو التعرف على‬
‫البحوث النظرية‪...‬اخل‪.‬‬
‫‪ ‬مرحلة تقومي املمارسة الواعية ( دراسة و حتليل منتظمان ) إهنا املرحلة املرتبطة بتقومي التعلم‪ ،‬أي‬
‫تقومي املهارات اليت اكتسبها و تقومي القيم املعاشة و املواقف املبتكرة‪.‬‬
‫‪ ‬مرحلة تبادل جيري يف مجعية عامة ( عرض املرحلتني الرابعة و اخلامسة )‪( .‬برتراند‪،9002 ،‬‬
‫‪.)22 ،29‬‬
‫‪ ‬املدرس كميسر للتعلم‪ :‬يلعب املدرس يف التعليم دور امليسر‪ ،‬فهو يقود املتعلم ألن حييا جتارب حقيقية‬
‫تساعده يف الولوج إىل جتربته املعيشية و اخرتاق أعماقه بقوة‪ ،‬و للقيام هبذا العمل الذي يطلق عليه‬
‫‪ Fotinas‬بالفحص الباطين أو استقصاء األعماق الالحمدودة لإلنسان‪ ،‬توجد تقنيات بيداغوجية‬
‫عديدة منها أن املدرس امليسر الذي يريد تطوير الوعي النوعي اجلسدي لدى الطالب أن يستعمل أنواع‬
‫خمتلفة من اإلرختاءات السلبية و االجيابية‪ ،‬الرتكيزات‪ ،‬التأمل الذايت‪ ،‬أحالم اليقظة‪ ،‬التعابري اجلسدية‬
‫احلرة (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)25‬‬
‫تطور القدرة اإلبداعية بواسطة استراتيجيات أكثر‬
‫‪ -2 -1‬نموذج البيداغوجيات المتمحورة حول ّ‬
‫تَـ َدخُّـلـيّة‬
‫لتطور الشخص‪:‬‬
‫‪ -1-2-1‬النظريات التفاعلية ّ‬
‫" لقد ّأدت املمارسات يف البيداغوجيات الالتوجيهية إىل ظهور بيداغوجيات تفاعلية‪ ،‬ومن األكيد أ ّن‬
‫املدرسني يشعرون مبكراً بأ ّن‬
‫اللجوء إىل الالتوجيهية يف العمل الرتبوي سيجد صعوبات ميدانية‪ ،‬ممّا سيجعل ّ‬
‫هناك حاجة إىل تأطري األطفال واملراهقني أثناء مراحل تعليمهم‪ ،‬مع احرتام اخلصوصيات الفردية لكل واحد‬
‫منهم‪ ،‬حيث أ ّن املسألة مل تعد مرتبطة برتك التلميذ ينمو دون وجود أي إطار‪ ...‬بل أضحت مرتبطة يف هذه‬
‫البيداغوجيات باالنطالق العملي من عمليات واسرتاتيجيات العمل اجلماعي بغية تيسري النمو الفردي ‪ ،‬إ ّن‬
‫املدرسني والتالميذ الذي تدعو إليه البيداغوجيا الالتوجيهية هو الذي ّأدى إىل ظهور فكرة‬
‫اقتسام السلطة بني ّ‬

‫‪17‬‬
‫البيداغوجيا التفاعلية‪ ،‬فاألمر إذاً أصبح يتعلق بالعمل املشرتك‪ ،‬ولكن مع احلفاظ دائما على اهلدف التايل‪:‬‬
‫تطوير الطفل" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)22‬‬
‫" و تُ َش ّكل النظرية العضوانية للرتبية مثاال حيّا عن ديناميكية الشخص واجلماعة‪ ،‬وهي النظرية اليت تّ نشرها يف‬
‫الكيبيك خالل السبعينيات‪ ،‬انطالقا من البيان الـذي نشره اجمللس األعلى للرتبية واملعنون‪L’activité :‬‬
‫)‪ ، éducative (1971‬يقدم هذا التقرير الرتبية كنشاط يصدر عن احلياة الباطنة للشخص‪ ،‬حيث تُع ّد‬
‫تطور وتفتّح الشخصية اليت تقوم‬
‫الرتبية كثمرة ملسار فردي يوجد مركزها و ديناميتها يف الطالب نفسه‪ ،‬أي أ ّن ّ‬
‫برتبية ذاهتا بذاهتا‪ ،‬جيب على الرتبية أن تؤسس على املوارد العميقة للكائن بدل أن تقوم على حتصيل معرفة‬
‫ثقافية وتقنية‪ ،‬انطالقا من أ ّن الشخصية تعد أهم بكثري من حتصيل أي حمتوى‪ ،‬وبالتايل جيب على التعليم أن‬
‫يرّكز على تنمية القدرة اإلبداعية لدى الطالب وعلى تنمية خياله وعفويته يف التعبري واستقالليته اخلاصة وقدرته‬
‫تصورا عضوانيا للنشاط‬
‫على القيام باحلكم وبالتقومي الباطين‪ ،‬يف نفس الفرتة الزمنية َتَّ تقدمي تقرير يتضمن ّ‬
‫تطور‬
‫التصور حتت لواء النظام الذي يسعى إىل تكثيف الشروط املساعدة يف حتقيق ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرتبوي‪ ،‬ينضوي هذا‬
‫الشخص و اإلكثار من الوسائل املساعدة يف الرتبية الذاتية‪...‬أي توفري املوارد الالحمدودة‪ ،‬و مساعدة‬
‫غري باستمرار تلك‬
‫األشخاص على حتديد كيفيات استعماهلا بأنفسهم‪ ،‬وتوفريها أيضا لكل من يريد أن يبدع ويُ ّ‬
‫البنيات اليت تساهم يف ظهور ومواجهة احلوادث الطارئة" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)23 ،22‬‬
‫أ‪ -‬الـمبـادئ‪( :‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)20 -23‬‬
‫‪ ‬الشخص كائن عالئقي‪ :‬إ ّن الفرد الذي يعيش خربة معيّنة‪ ،‬يساهم يف نفس الوقت يف خلق خربة‬
‫لآلخرين‪ ،‬ويُعتََرب مفهوم "العصامي" من املفاهيم الناجتة عن هذه النظرية‪ ،‬فالرتبية تُـ َع ُّد ذلك الشيء‬
‫الـذي حيدث يف باطن الفرد‪ ،‬إهنا خربة تبدأ من ذات الـفـرد العصامي‪ ،‬وجتري فيها وتنتهي عندها‪ ،‬إ ّن‬
‫الشخص كلما قام باستحداث ذاته‪ ،‬كلّما صار كائناً اجتماعياً وواقعياً وإجيابياً وقادراً على التكيّف مع‬
‫ما حييط به‪ ،‬وعلى اإلبداع يف تغيري هذا احمليط‪.‬‬

‫‪ ‬البيئة التربوية‪ :‬لقد مسحت املمارسة الرتبوية ل ـ ‪ Angers‬باإلطّالع على بعد البيئة املدرسية‪ّ ،‬‬
‫وتبني لـه‬
‫يتم حدوث النمو‪ّ ،‬أما هدف البيئة فهو إحداث‬
‫حىت ّ‬
‫حيدث تزاوج بني العصامي والبيئة ّ‬
‫أنّه ينبغي أن ُ‬

‫‪18‬‬
‫طفرة للموارد ال ّداخلية وللنشاط املستقل لدى العصامي الذي ينبغي اعتباره شخصاً كامل احلقوق‬
‫ضمن اجملال الذي حيدث فيه التفاعل‪ ،‬إذ له احلق يف ممارسة كامل إمكاناته‪ ،‬وقدراته للحصول على‬
‫املعرفة كما أ ّن باستطاعته تعبئة إرادته يف النمو املستقل و اإلبداع حىت يصبح قادراً على التك ّفل‬
‫بتكوينه الـذايت وبتطوير شخصيته‪ ،‬وبعبارة أخرى يقوم العصامي بتغيري وجوده وببناء ذاته بكل حرية‪.‬‬
‫‪ ‬المعرفة كمشروع خاص‪ :‬يُلِح ‪ )1222 ( Angers‬على ضرورة جعل احلصول على املعرفة مشروعاً‬
‫وتتعمق من خالل التفاعل بني العصامي واملوضوع‪ ،‬أي أ ّهنا تنشأ من عملية بناء‬
‫خاصاً‪ ،‬وهي تُكتسب ّ‬
‫يكونه العصامي بنفسه‪ّ ،‬أما دور األستاذ فيكمن يف تيسري التعلّم‪ ،‬فهو يلعب دوراً هاماً‬
‫منوذج داخلي ّ‬
‫يؤدي وظائف‬
‫ضمن اجملال الذي يتم فيه تفاعل العصامي مع موضوع ال ّدراسة‪ ،‬كما جيب عليه أن ّ‬
‫حم ّددة منها هتيئة البيئة‪ ،‬فعليه أن جيعلها مثرية حلب االطّالع الطبيعي و لتساءالت الطلبة‪ ،‬أيضا على‬
‫حياول أن يرقى به‪.‬‬
‫املدرس مالحظة وحتليل سري عملية التفاعل بني العصامي والبيئة وأن َ‬
‫خالصة القول أننا نعثر يف البيداغوجيات الشخصانية على مبدأ غريب يدعو إىل إعطاء الطالب مبادئ التنظيم‬
‫يؤدي يف غالب األحيان إىل الوقوع يف بعض املفارقات‪ ،‬منها الدعوة إىل تنظيم البيئة الرتبوية‪ ،‬يف‬
‫الذايت‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫حني أ ّن الطالب هو املدعو يف هذه البيداغوجيا إىل أن يكون منظمها الرئيسي‪ ،‬إ ّهنا مفارقة غريبة أل ّن هذه‬
‫البيداغوجيا تسعى ألن تكون توجيهية وال توجيهية يف آن واحد‪.‬‬
‫نوجه حرية الفرد يف‬
‫نوجه وال ّ‬
‫كيف ميكن أن ننظم بيئة تربوية تكون يف آن واحد توجيهية وال توجيهية؟ وكيف ّ‬
‫آن واحد؟‬

‫‪19‬‬
‫المحاضرة الثالثة النظرية االجتماعية )‪.(La Théorie sociale‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫" تستند بعض النظريات الرتبوية إىل نظرة اجتماعية للتغريات املمكن إحداثها يف ميدان الرتبية‪ ،‬الذي يعترب من‬
‫امليادين اليت تفيد يف تغيري اجملتمع‪...‬إذ ينبغي أن تكون الرتبية وسيلة للحصول على أدوات وجدانية و معرفية و‬
‫نفس حركية و تصورية و غريها متكن التالميذ من التدخل يف الوضعية اليت تساعدهم يف تغيري الواقع اليومي‪ ،‬و‬
‫إمجاال ينبغي أن تساهم الرتبية بال قيد و ال شرط يف تطوير الواقع" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)135‬‬
‫‪ -1‬اتجاهات النظرية االجتماعية‪:‬‬
‫" ّأدت التأثريات السابقة املتنوعة إىل ظهور تيارات اجتماعية خمتلفة أمهها‪:‬‬
‫‪ ‬البيداغوجيات املؤسساتية املسرية ذاتيا‪ ،‬و اليت مارست تأثريا على الفكر الرتبوي خالل الستينات و‬
‫السبعينات‪.‬‬
‫‪ ‬بيداغوجيات التوعية االجتماعية كما حددها ‪.Shor Giroux , & Freire‬‬
‫‪ ‬النظريات البيئية االجتماعية‪ ،‬و هي النظريات اليت تتناول العالقة الشاملة بني الرتبية و مسرية كوكبنا‬
‫األرضي‪...‬حيث تسعى إىل تأسيس جمتمعات جديدة تطور محلها ملسؤولية ثقافية و اجتماعية و بيئية"‬
‫(برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)132 ،135‬‬
‫‪ -1 -1‬البيداغوجيات المؤسساتية‪:‬‬
‫تعد البيداغوجيا املؤسساتية من احلركات اليت جاءت من أجل تغيري ميدان الرتبية ‪ ،‬و قد عرفت خالل‬
‫الستينات و السبعينات يف فرنسا و يف الكبيك‪ ،‬و تعترب أهداف هذا التيار اجتماعية يف جوهرها‪ ،‬و تتلخص يف‬
‫إعادة النظر يف اجملتمع الرأمسايل و مهامجة تقسيم اجملتمع إىل طبقات‪ ،‬و التخلي عن املؤسسات البريوقراطية‪ ،‬و‬
‫إعادة بناء اجملتمع‪.‬‬
‫" تسعى البيداغوجيات املؤسساتية إىل حتقيق الغايات التالية‪:‬‬
‫‪ ‬طرح تصور جديد للمؤسسات يدعو إىل بداية التسوية من القاعدة و إىل نقد مستمر للمعايري القائمة‬
‫و إىل تطوير قوى تأسيسية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ ‬كشف القناع عن املؤسسات اليت تستعمل الضغوطات املادية ( اقتصادية و جسدية ) حىت تفرض‬
‫رؤية خاطئة عن عالقات اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ ‬إثبات أن الدولة و االقتصاد و صراع الطبقات هي ما حيدد املؤسسات‪.‬‬
‫‪ ‬فضح تظليالت مفهومي اجلماعة و املنظمات اليت أنشأها علم نفس اجلماعات و علم اجتماع‬
‫املنظمات‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)132 ،132‬‬
‫" ترجع أصول البيداغوجيا املؤسساتية إىل مصدريـ ـ ـن مها علم االجتماع املاركسي و علم النفس االجتماعي‬
‫)‪ ) Labrot, Lapassade, Lourau‬من جهة‪ ،‬و العالج النفسي املؤسسايت ( ‪(Oury, Vasquez‬‬
‫الذي يهاجم املؤسسات القائمة‪...‬حيث تستمد البيداغوجيا املؤسساتية مصادرها من البيداغوجيا الفوضوية‬
‫األملانية اليت عرفت أوجها يف الثالثينات بواسطة إسهامات نتائج جتارب ‪ Neill‬يف اجنلرتا‪ ،‬و بواسطة التجارب‬
‫النقدية اليت أجراها حمللون نفسانيون يف هناية اخلمسينات و بداية الستينات يف فرنسا‪ ،‬و يؤكد ‪ Hess‬يف‬
‫كتاباته أن مرحلة ( ‪ )1221 -1220‬تعد مرحلة غنية باألحداث التنظيمية هلذا التيار‪( ".‬برتراند‪،9002 ،‬‬
‫ص ‪.)132‬‬
‫" إن مشكلة التنظيم املدرسي ال تقف عند هذا التنظيم وحده‪ ،‬فالتنظيم املدرسي ليس سوى مكانا تتفجر فيه‬
‫األزمة العامة اليت يعيشها اجملتمع‪ .‬و هكذا‪ ،‬جاءت النظرية املؤسساتية لتؤدي وظيفة حتقيق التسيري الذايت‬
‫االجتماعي‪...‬فهذه النظرية تسعى إىل إشراك أقصى عدد ممكن من األفراد يف عملية اإلنتاج‪ ،‬و كذلك إىل‬
‫حتريرهم‪ ،‬و ميكن القول أن التسيري الذايت االجتماعي يعد مبثابة اهلدف الرئيسي للتسيري الذايت البيداغوجي‪،‬‬
‫مادام أنه يسمح بإرضاء احلاجات اإلنسانية األساسية أي تلك اليت هتدف إىل حتقيق اإلبداع و االبتكار و‬
‫املبادرة و البحث و التواصل اإلنساين‪...‬و يؤكد ‪ Labrot‬أنه بدون تسيري ذايت يف املدرسة‪ ،‬و بدون تكفل‬
‫الطلبة بأنفسهم و بدون استئصال و لو جزئي للبريوقراطية البيداغوجية‪ ،‬لن يكون هناك أي تكوين حقيقي و‬
‫لن حيدث أي تغيري على مستوى ذهنيات األفراد‪ ،‬مما قد ينجم عنه اجنرار اجملتمع حنو مشاكل ال حل هلا‪".‬‬
‫(برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)120 ،132‬‬

‫‪21‬‬
‫إضافة إىل تأثر البيداغوجيا املؤسساتية باملاركسية‪ ،‬فقد تأثرت أيضا بنموذج العالج النفسي املؤسسايت الذي‬
‫يؤكد أنه جاء لنقد املؤسسات‪ ،‬و الذي نعثر عليه عند ‪ ، Jean Oury‬حيث يؤكد " أن املرض العقلي يعد‬
‫بالدرجة األوىل مرضا اجتماعيا‪ ،‬و يعترب علماء النفس املمارسني يف املؤسسات سجناء لنظام و قوانني و ألمناط‬
‫التنظيم اليت تتحكم بشكل عام يف عمل الطبيب و حىت يف رأيه‪ ،‬و لذلك يرى ‪ Jean Oury‬أن ما ينبغي‬
‫عالجه أوال هو حميط املريض‪ .‬و قياسا على ذلك‪ ،‬جيد املدرس نفسه يف نفس الوضعية‪ ،‬أي سجينا لذلك‬
‫النظام‪ ،‬حيث تعو مثل هذه النظرة إىل الرتكيز على إعادة تنظيم العالقات داخل القسم الدراسي و داخل‬
‫املؤسسة كما أهنا تدعو إىل االعرتاف الصريح بدور الالشعور يف العملية الرتبوية‪ (".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص‬
‫‪.)120‬‬
‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن البيداغوجيا املؤسساتية تستعمل تقنيات التدخل اجلماعي اليت تستخدمها البيداغوجيا‬
‫الروجرسية‪ ،‬إال أنه ال ينبغي اخللط بينهما‪ ،‬إذ أن أهداف كل واحدة منهما ختتلف عن أهداف األخرى‪ " ،‬و‬
‫حيدد ‪ Lapassade‬العالقة بني التحليل املؤسسايت و الطرائق النشطة كما يلي{ يعين التسيري الذايت الكشف‬
‫عن العنف املؤسسايت‪ ،‬يف حني متيل الالتوجيهية إىل حتسني اجلو أو تسهيل العالقات}‪ ،‬إن هذه املالحظة اليت‬
‫قدمها ‪ Lapassade‬ذات أمهية‪ ،‬ألهنا تعرب عن وجود اختالف جوهري بني النموذج اإلنساين للرتبية و منوذج‬
‫البيداغوجيا املؤسساتية‪...‬و يعترب مبدأ الطلب حمور البيداغوجيا الالتوجيهية حيث أن الفرد ميتلك القدرة على‬
‫املبادرة و على االختيار يف هذه البيداغوجيا‪ ،‬إال أن ما حيدد اختياره بالرغم من كل شيء هو اهليئات السياسية‬
‫و األيديولوجية و االقتصادية‪...‬كما انتقد ‪ Guiraud‬البيداغوجيا الروجرسية‪ ،‬مؤكدا أن الالتوجيهية الفردية‬
‫أو االجتماعية ال تطرح التوجيهية البنيوية موضوع للمناقشة ما دام أن التكوين الذايت الالتوجيهي ال يقوم على‬
‫التسيري الذايت‪ ،‬و يشكل هذا التوجه أحد التناقضات املركزية يف املوقف الروجرسي‪ ،‬إذ أن الالتوجيهية احلقيقية‬
‫تفرتض أن نرقى من مستوى اجلماعات إىل مستوى املؤسسات‪( " .‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)120‬‬
‫إن تأثري علم االجتماع املتزايد على البيداغوجيا املؤسساتية خاصة فيما يتعلق مبفهوم سلطة العنف الرمزي‪ ،‬و‬
‫اليت تدل على " العملية اليت يتم بواسطتها تكريس فرض معان على اآلخرين و اعتبارها مشروعة و صادقة‪ ،‬يف‬
‫الوقت الذي ختفي فيه هذه املعاين وراءها عالقات القوة اليت يقوم على أساسها هذا الفرض " (برتراند‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ ،9002‬ص ‪ ،)129‬جعلها تقع يف مفارقة غريبة‪ ،‬ذلك ألن أي عمل تربوي إمنا يعرب عن عنف رمزي‪،‬‬
‫فسريورة العملية الرتبوية تتطلب وجود شروط و هي‪:‬‬
‫‪ " ‬وجود مرسل (هيئة بيداغوجية) تتوفر على استقاللية نسبية‪.‬‬
‫‪ ‬وجود مستقبل (متلق) تربطه باملستقبل عالقة تواصل بيداغوجي إلزامية‪.‬‬
‫‪ ‬وجود فعل بيداغوجي يكون هو بدوره قائما على احلق املشروع يف الفرض (سلطة بيداغوجية) و هو‬
‫احلق الذي يسمح ببمارسة عمل بيداغوجي تقاس مردوديته مبقياس الدميومة و االنتقالية و الشمولية‪.‬‬
‫‪ ‬وجود مبدأ منتج خلطاطات التفكري و اإلدراك و التقومي و املمارسة‪ ،‬و ينبغي أن يكون هذا املبدأ‬
‫َّفق على‬
‫نتاجا للبنيات اهليكلية للمجتمع و منتجا ملمارسات مقبولة و معيدا إلنتاج بنيات يـُت ُ‬
‫موضوعيتها‪ ،‬إنه املبدأ الذي يسمى اليوم مببدأ الثقافة النظامية" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪-129‬‬
‫‪.)129‬‬
‫و بناء على ما سبق‪ ،‬فإن " كل فعل سواء كان مؤسساتيا أم ال يعترب عنفا رمزيا‪ ،‬ألنه يقوم على جعل املرسل‬
‫يفرض على املتلقي طريقة من طرائق التفكري أو شكال من أشكال معاجلة املعلومات‪ ،‬بعبارة أخرى‪ ،‬تدافع‬
‫البيداغوجيا املؤسساتية عما حتاربه" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)129‬‬
‫‪ -2-1‬بيداغوجيا التوعية‪:‬‬
‫حتتوي هذه البيداغوجيا على مجاعتني من املفكرين ‪ ،‬حيث تنتمي اجلماعة األوىل للتوجهات اليت كان ‪Paulo‬‬
‫‪ Freire‬أول من حدد معاملها‪ ،‬أما اجلماعة الثانية فيمثلها مفكروا البيداغوجيا النقدية‪.‬‬
‫‪ -1-2-1‬الفكر التربوي عند ‪ Paulo Freire‬و المتأثرين به في البيداغوجيا التحريرية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الفكر التربوي عند ‪:Paulo Freire‬‬
‫" كان ‪ Freire‬يف بداية حياته مدرسا‪ ،‬و قد استطاع بعد مخس عشرة ( ‪ ) 15‬سنة من اخلربة يف جمال التعليم‬
‫أن يبين مفهوم بيداغوجيا التوعية ( حيث الحظ أثناء ممارساته لعمله أن الفئة العامة من الناس تتعرض للسيطرة‬
‫و للحرمان من طرف الطبقات احلاكمة )‪ ،‬كما أن ‪ Freire‬وضع يف طليعة اهتماماته تصورا حمددا‬
‫للثقافة‪...‬فهو يفضل االنطالق من تكوين الفرد على أساس ثقافة نقدية‪...‬و قد توصل بعد دراسته للمجتمع‬

‫‪23‬‬
‫الربازيلي إىل وصفه باجملتمع املنغلق الذي يعيش فيه الناس مستلبني ملزمني بالصمت و غري قادرين على اختاذ‬
‫قرارات و فاقدين لكل حس نقدي‪ ،‬و ملا حان وقت التغيري‪ ،‬وقت انفتاح اجملتمع و تأسيس الدميقراطية ت‬
‫استبعاد مسامهة الشعب باسم احلفاظ على احلرية املهددة‪ ،‬و باسم الدميقراطية‪ .‬إن املشكلة اليت يسعى‬
‫‪ Freire‬إىل حلها هي مساعدة الشعب على االضطالع بنفسه بعملية االنتقال إىل الدميقراطية حيث يقول‬
‫{إننا يف حاجة لرتبية جتعلنا قادرين على اختاذ القرار و على حتمل املسؤولية االجتماعية و السياسية}‪ ،‬و حلل‬
‫مشكلة االنتقال إىل الدميقراطية يطرح ‪ Freire‬الرتبية كممارسة دميقراطية للحرية تقوم على استعمال طريقة‬
‫نشطة و تأسس على احلوار و على النقد و على تكوين أفراد قادرين على إبداء الرأي" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص‬
‫‪.)125‬‬
‫استراتيجيات الفكر التربوي التوعوي عند ‪( :Paulo Freire‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪-122‬‬
‫‪.)122‬‬
‫السلَّمية املوجودة بني األفراد‪،‬‬
‫‪ ‬الحوار‪ :‬و هو أول عنصر هلذا األسلوب‪ ،‬و يقصد به تلك العالقة غري ُ‬
‫ينمي شعوره باملسامهة يف احلياة العامة‬
‫و هو يسهل التواصل‪ ...‬يقول ‪ { Freire‬يستطيع اإلنسان أن ّ‬
‫كلما وجد نفسه يف جو حواري‪ ،‬الن السلوك احلواري يتطلب الشعور باملسؤولية االجتماعية و‬
‫السياسية‪ ،}...‬و يف ميدان الرتبية يلتزم املريب ببناء املعرفة مع الطلبة من خالل احلوار املستدمي‪ ،‬ألنه ال‬
‫يستطيع نقل املعرفة انطالقا من عالقة السيطرة اليت تربط بينه و بني الطلبة‪ ،‬إن الرتبية التحريرية تتعارض‬
‫متاما مع البيداغوجيا اليت تقوم على السيطرة‪.‬‬
‫‪ ‬االرتباط بالواقع‪ :‬يشكل االرتباط بالواقع اخلاصية الثانية لبيداغوجيا التوعية‪ ،‬لكوهنا تنطلق من جتارب‬
‫الطلبة احلياتية بغض النظر عن مستوياهتم الدراسية‪ ،‬إهنا بيداغوجيا تتموقع ضمن كل ما هو حمسوس و‬
‫ضمن احلس املشرتك و ضمن احلياة اليومية للتالميذ‪.‬‬
‫‪ ‬بناء الثقافة‪ :‬يشكل تعليم الطالب اخلاصية الثالثة هلذه البيداغوجيا‪ ،‬و يتعلق األمر هنا بتعليم‬
‫اجتماعي للطالب‪ ،‬ليس باملعىن العام ملفهوم التعليم ‪ ،‬و لكن مبعىن التثقيف‪ ،‬أي توعية األفراد بثقافتهم‬
‫و بضرورة مشاركة كل واحد منهم يف عملية البناء اجلماعي و الدميقراطي للثقافة و للتاريخ‪ ،‬و يكمن‬

‫‪24‬‬
‫هذا التثقيف يف حتصيل لغة هلا معىن بالنسبة للفرد‪...‬أي أنه ال ينبغي أن نعلم الطالب ترديد مجل ال‬
‫معىن هلا بالنسبة للواقع االجتماعي و الثقايف‪...‬و عليه فإن دور املريب يتجسد يف إثارة مناقشة حول‬
‫موضوع مستمد من وضعيات ملموسة‪ ،‬و أيضا يف اقرتاح أدوات تساعد الفرد يف اكتساب القدرة على‬
‫التحدث عن حياته اخلاصة‪ ،‬و تساعده كذلك يف تكوين نفسه بنفسه‪.‬‬
‫‪ ‬تكوين الفكر النقدي‪ :‬إن إشكالية التوعية جيب أن تكون ذات بعد نقدي و ينبغي أن متس جتارب‬
‫الطالب الشخصية‪ ،‬أي أن الطالب يصبح بواسطتها واعيا مبشاكل اجملتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬فاألمر يف‬
‫هناية املطاف يهدف إىل متكني الطالب من التحكم يف ثقافته و يف تارخيه‪ ،‬و إىل متكينه من الشعور‬
‫الواعي بالقيم اليت استنبطها‪ ،‬و التحرر من قيم الطبقة احلاكمة‪ ،‬و اكتساب نظرة اعتزاز بثقافته‪.‬‬
‫‪ ‬التكوين الكتساب القدرة على التدخل االجتماعي‪ :‬و يتعلق األمر هنا بتكوين الفرد بشكل جيعل‬
‫منه فردا فاعال اجتماعيا‪ ،‬تكمن وظيفته يف التحرر و يف حترير اآلخرين من قبضة الطبقات املسيطرة‪،‬‬
‫ألن احلرية كما يراها ‪ Freire‬تعترب يف جوهرها اجتماعية‪ ،‬و ال ميكنها أن تتحدد يف الوعي الفردي‬
‫فقط‪.‬‬
‫ب‪ -‬بيداغوجيات التحرر‪:‬‬
‫" محل ‪ Shor‬فكر ‪ Freire‬إىل الواليات املتحدة خالل الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين‪ ،‬و هو‬
‫من أنشأ بيداغوجي جد واقعية عن التوعية االجتماعية للفرد‪...‬حيث انطلق هذا الباحث من إشكالية‬
‫اجتماعية للرتبية و طرح التساؤالت التالية‪ :‬هل تستطيع الرتبية أن جتعل الطلبة مفكرين و نقادا و عماال مهرة و‬
‫مواطنني نشطني؟ هل بإمكاننا أن ترقى بالدميقراطية و تساعد بإنصاف كل الطلبة؟ لإلجابة عن هذه‬
‫التساؤالت يطرح ‪ Shor‬بيداغوجيا حتررية تدعو إىل منح الطلبة كل السلطات اليت متكنهم من تغيري اجملتمع"‬
‫(برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)122‬‬
‫خصائص بيداغوجيات التحرر عند ‪( :Shor‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)909 -900‬‬
‫‪ ‬المساهمة‪ :‬من خالل استناده إىل أفكار ‪ Dewey‬و ‪ Freire‬يؤكد ‪ Shor‬أن املسامهة ال حتدث‬
‫فقط يف األقسام الدراسية‪ ،‬بل يف كل مكان من اجملتمع‪ ،‬فالفرد ال ميكنه أن يعيش يف فراغ‪ ،‬و الفردانية‬

‫‪25‬‬
‫تعترب حتما اجتماعية‪ ،‬و من مثة ينبغي أن يكون الطالب نشيطا و مشاركا يف خنتلف النشاطات‬
‫نشأ وضعيات تسمح للطالب بأن يكون نشيطا و‬ ‫املدرسية و شبه املدرسية‪ ،‬كما ينبغي للمدرس أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫ليس سلبيا‪ ،‬كما ينبغي أن تكون هذه املسامهة مستدمية و ذات "نشاط بيين" على أساس أن الفرد و‬
‫اجملتمع يغري كل واحد منهما اآلخر بشكل تباديل‪.‬‬
‫‪ ‬تعلم وجداني و معرفي‪ :‬إن التعليم التقليدي يشجع على التنافس بني الطلبة‪ ،‬و ينشر املشاعر السلبية‬
‫بني أغلب األفراد‪ ،‬و األكيد أن التعلم ال ميكنه أن يتأسس على مثل هذه املشاعر اإلحباطية‪ ،‬ألهنا‬
‫تنمي الشعور باالستسالم و التقهقر‪ ،‬بل بالعكس‪ ،‬ينبغي أن يكون التعليم حمررا و مركزا على املسامهة‬
‫اليت تساعد يف ظهور املشاعر االجيابية لدى كل الطلبة‪.‬‬
‫‪ ‬تساؤالت الطلبة‪ :‬تراهن هذه البيداغوجيا على األسئلة اليت يطرحها الطلبة كمحرك لعملية " اهلدم‬
‫النقدي" للمعلومات اليت تصلنا عن طريق وسائل اإلعالم و املؤسسات املدرسية‪ ،‬فالبيداغوجيا اليت‬
‫تنطلق من مثل هذه األسئلة تتحول تدرجييا إىل نشاط حبثي يبين الطالب بواسطته معارفه‪ ،‬و يتوصل‬
‫من خالله إىل اكتساب نظرة أكثر نقدا للمجتمع‪.‬‬
‫‪ ‬الحوار‪ :‬يؤكد ‪ Shor‬معتمدا على ‪ Freire‬أنه جيب على البيداغوجيا أن تأخذ شكل حواري‬
‫نقدي‪ ،‬و ذلك عل نقيض الطريقة اإللقائية التقليدية‪ ،‬فدور املدرس ال يكمن يف تبليغ املعلومات للطلبة‬
‫و لكن يف التحاور معهم يف مواضيع هتمهم‪ ،‬ألهنم يتعلمون بواسطة احلوار كيف يطورون نظرة نقدية‬
‫لقدراهتم و لظروفهم و للغتهم و ملعارفهم و جملتمعهم‪.‬‬
‫‪ ‬إعادة النظر في التنشئة االجتماعية‪ :‬جيب على املدرسني أن يتقامسوا السلطة مع الطلبة هبدف إعادة‬
‫النظر يف تنشئتهم االجتماعية‪ ،‬فكلما تقاسم املدرسون هذه السلطة‪ ،‬دفع ذلك بالطلبة إىل املسامهة‪،‬‬
‫بل أدى ذلك إىل جعلهم يعيدون النظر يف اخلربات و السلوكات االجتماعية‪ ،‬اليت هتيكل حياهتم‬
‫املدرسية‪ ،‬و منها على سبيل املثال السلوكات العنصرية‪ ،‬ال يعين ذلك أن املدرسني سيدرسون الثقافة‬
‫املضادة‪ ،‬بل يعين أن املدرسني سيشاركون الطلبة يف إعادة النظر يف املمارسة الثقافية و االجتماعية‬
‫السائدة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ ‬تعليم ديمقراطي‪ :‬إن التعليم الدميقراطي تعليم يسمح جلميع الطلبة بالتعبري حبرية و بالتعريف بنواياهم‪،‬‬
‫و باالستجابة وفق ذلك لعاملهم‪ ،‬فطرائق ‪ Freire‬اليت كيفها بعض الباحثني تعرب عن اسرتاتيجيات‬
‫ممتازة يف التعليم التعاوين‪ ،‬و هي االسرتاتيجيات اليت جاءت لتحدي النماذج البيداغوجية الشائعة اليت‬
‫تعترب أقل دميقراطية‪ ،‬و خيتلف التعليم التعاوين الذي دعا إليه أصحاب النظريات التعاونية للتعليم‬
‫عن التعليم التعاوين عند الذي دعا إليه ‪ ،Freire‬فبالنسبة للمنظرين يف النظريات‬ ‫والتعلّم‬
‫التعاونية للتعليم والتعلّم فهم يعتربون التعلم التعاوين كأحسن وسيلة لتغيري املدرسة‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫لديهم نظرة بيداغوجية أو ديداكتيكية للرتبية‪ ،‬يف حني أن هذا التعليم من وجهة نظر املنظرين يف‬
‫البيداغوجيات التحررية يعترب أحسن وسيلة لتكوين طلبة يكونون قادرين على تغيري اجملتمع‪.‬‬
‫‪ ‬جماعة من الباحثين‪ :‬جيب أن يقوم الطلبة ببحوث جدية و عميقة‪ ،‬فهم ال يتوافدون على املدارس‬
‫للحصول على املعارف فقط‪ ،‬فينبغي عليهم أن يتحولوا إىل مجاعة من الباحثني يكمن دورها يف‬
‫االشتغال بالتغيري االجتماعي‪.‬‬
‫‪ ‬تداخل المواد‪ :‬يعد تقسيم املواد عائقا هاما جيب جتاوزه بواسطة التعليم املتعدد املواد‪ ،‬و ما جيب فعله‬
‫هو جتنب عزل تعلم اللغة كمادة وحدها‪ ،‬بل جيب على الطالب أن يكون قادرا على تعلم اللغة‬
‫املكتوبة و املنطوقة من خالل مجيع املواد‪.‬‬
‫‪ ‬الممارسة االجتماعية‪ :‬يرى ‪ Shor‬أنه ال ينبغي حصر البيداغوجيا يف القسم فقط‪ ،‬بل جيب أن‬
‫تنطلق حنو املمارسات االجتماعية‪ ،‬و هو يف ذلك يعود إىل ‪ Freire‬و إىل مفهومه حول " العمل‬
‫الثقايف من أجل احلرية" أي املشاركة يف جمموعة من املطالب و تنظيم املظاهرات ضد الالمساواة‬
‫االجتماعية و املشاركة يف االنتخابات و يف املسريات من أجل بلوغ حقوق األقليات و النضال من‬
‫أجل الدفاع عن البيئة‪.‬‬
‫‪ -2-2-1‬البيداغوجيا النقدية‪( :‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)902 -905‬‬
‫تتميز البيداغوجيا النقدية عن البيداغوجيات التحريرية ببحثها األكثر تطورا يف جمال أسس الرتبية االجتماعية‪ ،‬و‬
‫تتموقع هذه البيداغوجيا و تتضح يف نقطة تتقاطع فيها ثالثة اجتاهات أساسية هي‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫أ‪ -‬املاركسية األرطودكسية ( أين ت االبتعاد عن املوقف املاركسي التقليدي الذي يهتم خاصة باملشكالت‬
‫االقتصادية و بالطبقة العاملة‪ ،‬فلقد كانت املاركسية أول من استعمل لغة تسهل النقد االجتماعي لوظائف‬
‫املدرسة يف جمتمعنا‪ ،‬و هي اللغة اليت تدعو إىل فكرة أساسية تكمن يف استنساخ النظام االجتماعي و‬
‫االقتصادي السائد‪ ،‬و تعترب املدرسة حسب هذه اللغة آلية لالستنساخ و لالنتقاء‪ ،‬أي أن املدارس ال تعدو أ ن‬
‫تكون سوى منظمات اجتماعية تقوم بوظيفة االستنساخ االجتماعي و االقتصادي و الثقايف )‪.‬‬
‫ب‪ -‬علم االجتماع الرتبوي اجلديد ( و الذي يطرح نقدا جذريا للرتبية اليت متنحها األنظمة املدرسية‪ ،‬كما يرى‬
‫أن جتزئة املواد الدراسية‪ ،‬و ترتيب املعارف ضمن نظام سلمي‪ ،‬و رفض املعارف غري املدرسية عبارة عن أدوات‬
‫تساعد يف انتقاء الطلبة حسب انتمائهم الطبقي‪ ،‬و بعبارة أخرى ينظر للربجمة الدراسية كوسيلة فعالة يستعملها‬
‫اجملتمع لالنتقاء اإليديولوجي )‪.‬‬
‫ج‪ -‬الدراسات الثقافية ( و اليت نعثر عليها يف مصادر خمتلفة كاألنرتوبولوجيا‪ ،‬و الدراسات النسوية و‬
‫الفينومينولوجيا‪ ،‬و مدرسة فرانكفورت‪ ،‬و البنيوية‪ ،‬و النصوص اليت تناولت موضوع ما بعد العصرنة‪ ،‬كما يوضح‬
‫‪ Giroux‬بأن احلكومات ال تكون حمايدة ألهنا هي من ُمي ِّول الرتبية‪ ،‬و بالتايل فإن املدارس ليست حمايدة يف‬
‫ممارستها البيداغوجية‪ ،‬فهي تثبِّت من هم أكثر ثراء يف امتيازاهتم‪ ،‬و تقصي و هتمش ثقافة األقليات‪ ،‬أي خرباهتا‬
‫و تارخيها و أحالمها )‪.‬‬
‫إن مشكلة املدرسة هي مشكلة عالقتها باجملتمع‪ ،‬فاملدرسة أداة ثقافية لالنتقاء و لالستنساخ و تُستغل لصاحل‬
‫الطبقات السائدة‪ ،‬وملا كانت وظيفة املدرسة ترتبط بعملية التنشئة االجتماعية فإن املشكلة كما يعتقد‬
‫‪ Giroux‬تتعلق مبمارسة جمموعة معينة من األفراد للسلطة على جمموعات أخرى عرب املؤسسات املدرسية‪ ،‬و‬
‫هنا تكمن مشكلة كبرية متس مجيع املؤسسات الثقافية للمجتمع‪ ،‬فالنخبة هي اليت تراقب تطور اجملتمع بواسطة‬
‫مؤسساته الثقافية‪ ،‬فهو يرى أن اجملتمع ال يشجع األفراد و مينعهم من القيام بتحليل معمق للمشاكل‬
‫االجتماعية اليت جنمت عن التصنيع املفرط‪ ،‬كما يالحظ أن البنيات الثقافية كالتلفزيون و املدارس و املذياع‬
‫تستخدم كأدوات لتحويل أذهان الناس عن املشاكل احلقيقية‪ ،‬و توجيههم حنو االهتمام مبشكالت زائفة‪ ،‬فهذه‬
‫املؤسسات تشغل األذهان خالل احلياة بكاملها‪ ،‬أمال يف أن حتافظ اجلماعات املوجودة يف السلطة على‬

‫‪28‬‬
‫سلطتها أكرب قدر ممكن من الزمن‪ ،‬أما اجملتمع فيطرح علينا ثقافة مجاهريية متيزها الرداءة و النفعية‪ ،‬هلذه‬
‫األسباب يكون من الصعب يف مثل هذا الوضع تكوين مواطنني يكونون يف املستقبل قادرين على النقد و على‬
‫املعارضة و على تغيري اجملتمع‪ ،‬و عليه فإن حتليل املشكلة االجتماعية للرتبية أصبح بالنسبة لبعض الباحثني‬
‫حتليال لصناعة ثقافية‪ ،‬و يف نفس الوقت والدة للغة نقدية‪.‬‬
‫أ‪ -‬مبادئ البيداغوجيا النقدية‪( :‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)912 -912‬‬
‫‪ ‬االهتمام بالقيم االجتماعية‪ :‬يلح ‪ Giroux‬على الكرامة اإلنسانية اليت تتجسد يف احلرية و املساواة‬
‫و العدالة االجتماعية‪ ،‬و يصر أيضا أن هدف البيداغوجيا النقدية يكمن يف خلق تصور سياسي ميكن‬
‫من إنشاء ميادين جديدة مؤسسة على مبادئ املساواة و احلرية و العدالة‪ ،‬كما ينبغي للبيداغوجيا‬
‫النقدية أن تطور الشعور باملسؤولية االجتماعية لدى األشخاص‪ ،‬و جيب على الطلبة أن يتعلموا كيفية‬
‫الدفاع عن حقوق اإلنسان و مقاومة الالمساواة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ ‬بناء لغة نقدية‪ :‬يعد بناء و استعمال لغة نقدية املبدأ الثاين للبيداغوجيا النقدية اليت تسعى إىل‬
‫االنضواء حتت لواء "منوذج راديكايل"‪ ،‬فالفرد ال يكتسب القدرة على نقد التنظيم االجتماعي إال إذا‬
‫تلقى تربية يف هذا االجتاه‪ ،‬كما أن الدميقراطية تقوم على احلس النقدي املتنامي لدى الفرد‪.‬‬
‫‪ ‬الطابع االجتماعي للمعرفة‪ :‬املعرفة ليست شيئا موضوعيا يف حد ذاته‪ ،‬بل إهنا مرتبطة ارتباطا قويا‬
‫باملمارسات االجتماعية و الثقافية للمجتمع‪ ،‬و يرى ‪ Giroux‬أهنا جمموعة من النصوص الشفوية و‬
‫املكتوبة و النظرية اليت متكن األفراد من تعلم كيف يسامهون‪ ،‬و كيف حيللون عالقاهتم بالغري و احمليط‪،‬‬
‫لذلك ينبغي على الفرد احرتام الفروق الفردية بني األفراد و بني اجلماعات‪ ،‬و أن يكتسب نظرة‬
‫متعددة الثقافات و نظرة بيئية و غري عنصرية و ال أبوية جتاه اجلماعة الدميقراطية‪ ،‬كما ينبغي اعتبار‬
‫املربني " عماال تثقيفيني" ما دام املنهاج هو منتوج سياسة ثقافية‪.‬‬
‫ب‪ -‬االستراتيجيات التربوية للبيداغوجيا النقدية‪( :‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)912 ،912‬‬
‫مل يقدم علماء البيداغوجيا النقدية الكثري حول اسرتاتيجياهتم البيداغوجية‪ ،‬فهذه البيداغوجيا تعد بالنسبة هلم‬
‫أداة حتليل قبل أن تكون إسرتاتيجية تعليمية‪ ،‬هتتم بتنظيم احملتويات اليت تسعى إىل تبليغها‪ ،‬و من خصائص‬

‫‪29‬‬
‫البيداغوجيا النقدية أهنا تنتقد األسس اليت تقوم عليها كل املواد ‪ ،‬أما مهمتها العمومية فتكمن يف جعل اجملتمع‬
‫أكثر دميقراطية‪ ،‬و ينبغي أن تنطلق املمارسة النقدية من احلياة اليومية االجتماعية – الثقافية للطالب‪ ،‬أي من‬
‫تارخيه‪ ،‬و هي تتناول كثريا مواضيع التنظيم و تأسيس التصورات النصية و الشفهية و البصرية‪ ،‬و لذلك هتتم‬
‫هذه البيداغوجيا بدراسة النصوص املكتوبة و املعاين اليت ختفيها الربامج السمعية البصرية و األفالم و الفنون‪.‬‬
‫‪ -3-1‬النظريات البيئية االجتماعية للتربية‪:‬‬
‫" تركز النظريات البيئية االجتماعية للرتبية اهتمامها على املشكالت الكربى املتولدة عن البنيات االجتماعية و‬
‫االقتصادية و السياسية و الثقافية‪ ،‬مير اجملتمع مبرحلة انتقالية ال شك أهنا سترتك بصماهتا يف هناية هذا الطور من‬
‫أطوار تاريخ كوكبنا األرضي‪ ،‬إنه طور التصنيع اجلنوين للمجتمعات‪ ،‬و إذا ما أردنا ضمان تطور صحي‬
‫للمجتمع و للفرد و للطبيعة‪ ،‬فإنه من الضروري إحداث تغريات كربى‪ ،‬ألن املشكالت البيئية اخلطرية اليت‬
‫نواجهها يف بداية هذا القرن الواحد و العشرين (‪ ،)91‬تبني إىل أي حد أصبح من الضروري االهتمام بالفكر‬
‫اإليكولوجي‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بإحداث تنظيم يشمل احلياة على األرض‪ ،‬إن الطبيعة تفرض علينا حدودا‬
‫لتفادي االحنراف عن صفات اجلنس البشري‪ ،‬مث إن حل هذه املشكالت ال يكمن فقط يف قلقنا الكبري على‬
‫البيئة‪ ،‬أو يف حتسني فعالية املدرسة‪ ،‬أو يف القضاء على الطبقات االجتماعية‪ ،‬أو يف خلق تكنولوجيا إعالمية‬
‫بيداغوجية أكثر فعالية‪ ،‬بل يكمن أيضا يف خلق نظرة جديدة للعامل‪ ،‬أما دور املؤسسات املدرسية فيتمثل يف‬
‫مسامهتها يف تكوين مجاعي هلذه النظرة " (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)913 ،912‬‬
‫‪ -1-3-1‬البيداغوجيا االجتماعية للنمو الذاتي‪:‬‬
‫" يعترب ‪ Jacques Grand’Maison‬من املؤلفني الكيبيكني الذي كتبوا يف مواضيع اجتماعية عديدة‪ ،‬و‬
‫لقد عرب عن فكره الرتبوي يف كتب عديدة‪ ...‬و تعترب بيداغوجيته اجتماعية و قريبة من فكر ‪"Freire‬‬
‫(برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪،)912‬حيث تعد جتسيدا للعديد من النظريات النقدية احلديثة‪.‬‬
‫‪ -1-1-3-1‬أهم عناصر نظرية ‪:Jacques Grand’Maison‬‬
‫أ‪ -‬نمذجة المدارس‪ ":‬بدأ ‪ Grand’Maison‬مبحاولة التغلب على مشكلة عدم التالؤم االجتماعي‬
‫للمدرسة‪ ،‬فهو يرى أن البنيات احلالية للنظام املدرسي ما زالت إقطاعية ضمن مدنية هتزها تيارات اجتماعية و‬

‫‪30‬‬
‫ثقافية و اقتصادية و سياسية و إيديولوجية و تيارات مضادة هلا من نفس النوع " (برتراند‪ ،9002 ،‬ص‬
‫‪،)912‬و ذلك جبعل باملدرسة حيزا أكثر إنسانية للوصول إىل حتقيق الرتبية اإلنسانية‪ ،‬فبيداغوجيا النمو الذايت‬
‫للطالب ال تقوم إال على قاعدة اجتماعية منسجمة و ملتحمة بالثقافة االقتصادية و السياسية‪ " ،‬إذ ال تنجح‬
‫البيداغوجيا إال إذا حتولت إىل ممارسة اجتماعية للنمو الذات‪ ،‬و ختلت عن منطقها األدوايت ليحل حمله منطق‬
‫حتقيق النمو للجميع"( برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)912‬‬
‫االستراتيجيات البيداغوجية‪ :‬تتميز " االسرتاتيجيات البيداغوجية هلذه النظرية الرتبوية بثالث خصائص‬
‫رئيسية‪ :‬إهنا أوال بيداغوجيا مشرتكة (بني فئات العناصر الفاعلة‪ ،‬و التنظيمات اإلدارية‪ ،‬و الثقافية‪ ،‬و التقنية‪ ،‬و‬
‫االجتماعية)‪ ،‬ثانيا هي بيداغوجيا لصيقة بالتجربة املعيشة و بالواقع االجتماعي‪ ،‬و هي ثالثا تتوفر على تآزر بني‬
‫األحداث األساسية للحياة" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)999‬‬
‫و تأخذ هذه االسرتاتيجيات البيداغوجية " شكل شبكة تدعم التعلمات القاعدية‪ ،‬و هي الشبكة اليت يطلق‬
‫عليها ‪ Grand’Maison‬اسم الشبكة البيداغوجية لألفعال األساسية الرتبوية‪ ،‬إهنا شبكة ترتبط مباشرة‬
‫باحلياة اليومية" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)995‬‬
‫و هي كما يلي‪( :‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)992 -995‬‬
‫‪ ‬مهارة الفعل‪ :‬جيب اللجوء إىل امليدان لتعليم مهارة الفعل و لتحقيق التعلمات التقنية (ألهنا تساعد‬
‫على االرتباط بالواقع)‪ ،‬كما جيب إلغاء االنفصام بني العمل اليدوي و العمل الفكري‪.‬‬
‫‪ ‬مهارة التفكير‪ :‬تعاجل املدرسة معارف و تقنيات‪ ،‬و لكن هل تُعلم األفراد كيف يفكرون بدقة و‬
‫بصرامة و حبكمة؟ لذلك جند ‪ Grand’Maison‬يؤكد على أن تكون املدرسة مكانا مفضال‬
‫لتنمية امليل إىل ممارسة تفكري جدي و مستقبلي صارم‪ ،‬لتُمكن األفراد من القدرة على إصدار‬
‫األحكام و إثباهتا‪ ،‬و متييز ما يبث يف وسائل اإلعالم من أخبار‪.‬‬
‫‪ ‬مهارة العيش‪ :‬إن اآلفات االجتماعية املنتشرة يف اجملتمعات باتت تؤثر بشكل كبري على التنشئة‬
‫االجتماعية لألفراد‪ ،‬لذلك جيب تربية األفراد على حتمل املسؤولية يف احلياة‪ ،‬و حماولة املوازنة بني‬
‫احلريات الفردية و الضرورات اليت حيتاج إليها اجملتمع‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ ‬مهارة المشاركة‪ :‬يعترب تطور و جودة العالقات االجتماعية و الروابط اإلنسانية من وظائف املدرسة‪،‬‬
‫لذلك وجب عليما أن تقوم برتبية األفراد على كيفية جتاوز املصاحل الفردية من أجل حتقيق مصاحل‬
‫اجلماعة‪.‬‬
‫‪ ‬مهارة الحديث‪ :‬جيب على املدرسة أن تستخدم ثقافة قريبة من األفراد لتس ّهل عليهم التعبري عن‬
‫واقعهم باستخدام مهارة احلديث‪ ،‬و إال ستكون املدرسة بعيدة كل البعد عن احلياة‪.‬‬
‫ب‪ -‬التنظيم البيداغوجي‪ :‬يرى ‪ Grand’Maison‬أن البيداغوجيا جيب أن تكون " ذات طبيعة إنسانية‬
‫قريبة جدا من اجملتمع‪ ،‬و هي من خالل ذلك ستساعد يف اكتساب اخلربة املوقفية و يف اكتساب العيش يف‬
‫الواقع‪...‬كما جيب أن تكون قادرة على حتقيق التغريات الثقافية و االجتماعية و االقتصادية و السياسية‬
‫للمجتمع و جلميع أوساط احلياة‪...‬كما يرى أنه جيب العمل انطالقا من شبكات العالقات اليومية لفرد مع‬
‫وسطه‪ ،‬و تتبني هذه العالقات يف ثالث مستويات‪:‬‬
‫‪ ‬مستوى اخلربات العفوية و شبكات األشخاص الذين تربط بينهم عالقات و شبكات مكانية و زمنية‬
‫و شبكات النشاطات و مراكز االهتمام‪.‬‬
‫‪ ‬مستوى اخلربات املنظمة و شبكات االنتماء (منظمات و مؤسسات) و شبكات السلطة و الزعامة و‬
‫شبكات التقنيات املستعملة‪.‬‬
‫‪ ‬مستوى اخلربات املعرب عنها (رموز‪ ،‬غايات‪ ،‬إيديولوجيات) و شبكات الكلمات و العبارات األساسية‪،‬‬
‫و شبكات الرموز اليومية و شبكات االجتاهات (قيم و إديولوجيات و سياسات)" (برتراند‪،9002 ،‬‬
‫ص ‪.)993 ،992‬‬
‫و بناء على ما سبق‪ ،‬تعد الرتبية أسلوبا منسجما و شامال يف معاجلة اخلربة اليومية " و ما جيب إعادة إنشائه‬
‫هو القاعدة االجتماعية انطالقا من بيداغوجيا اجتماعية للنمو الذايت‪...‬من خالل حيز مكاين للممارسة و‬
‫التفكري و التضامن‪ ،‬يكون منظما يف حيز اجتماعي و مؤسسايت معني "( برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪ ،)993‬إذا‬
‫فالبيداغوجيا هي مسؤولية مجيع املؤسسات‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ -2-3-1‬تربية نسقية في مجتمع إيكولوجي اقتصادي‪:‬‬
‫" إن ما مييز اجملتمع اإليكولوجي هو ظهور توازن اقتصادي جديد يسعى إىل االستجابة للحاجات اإلنسانية‪ ،‬و‬
‫إىل تأمني البقاء و تطور النظام االجتماعي‪ ،‬إضافة إىل سعي هذا التوازن االقتصادي اجلديد ملواصلة تعاون‬
‫حقيقي مع الطبيعة" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪ ،)992‬و يعرض ‪ De Rosnay‬القيم اليت يتأسس عليها‬
‫مشروع اجملتمع اإليكولوجي االقتصادي‪ ،‬و منها " املشاركة و الالمركزية و التعاون و العمل اإلبداعي و املنطق‬
‫الشامل و الفكر االبتكاري و احرتام اآلخرين و التعايش "‪ ،‬و هذا ما سيساعد اإلنسان على الرؤية الشاملة‬
‫للمشكالت و األنظمة‪ ،‬و الرتكيز على التفاعالت بني خمتلف العناصر‪ ،‬و وضع تصورات مستقبلية‪.‬‬
‫أ‪ -‬مبادئ التربية النسقية‪:‬‬
‫" تقوم الرتبية النسقية من الناحية العلمية على مخسة مبادئ أساسية هي‪:‬‬
‫‪ ‬مبدأ المقاربة اللولبية‪ :‬تعد املقاربة التقليدية ذات اجتاه خطي و تعاقيب‪ ،‬حيث أهنا تقوم على عملية‬
‫انتقال من نقطة إىل أخرى‪ ،‬و جيب تعويضها مبسار يأخذ شكال لولبيا يسمح بالقيام بارتدادات و‬
‫اسرتدادات‪ ،‬و ميكن تطبيقها يف مستويات تربوية عليا‪.‬‬
‫‪ ‬مبدأ التعدد السياقي‪ :‬جيب أن تقوم دراسة مفهوم معني على أساس يأخذ بعني االعتبار تعدد‬
‫السياقات اليت ميكن اغرتافه منها‪ ،‬بدل االعتماد على حصره يف سياق واحد أو تعريف واحد و‬
‫ثابت‪.‬‬
‫‪ ‬مبدأ تشابك األنظمة‪ :‬يسمح استعمال مواد مثل البيولوجيا و االقتصاد باستثمار و تشابك و دينامية‬
‫األنظمة‪.‬‬
‫‪ ‬مبدأ المواضيع العمودية‪ :‬تساعد املواضيع العمودية مثل موضوع "أصل احلياة" يف إدماج جمموعات‬
‫عديدة من املعارف ذات مستويات خمتلفة‪.‬‬
‫‪ ‬مبدأ الربط‪ :‬يفرتض فهم ظاهرة يف حد ذاهتا‪ ،‬إقامة روابط بينها و بني ظواهر أخرى‪( ".‬برتراند‪،‬‬
‫‪ ،9002‬ص ‪)991 -990‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ -3-3-1‬تربية خبراتية‪:‬‬
‫" تعد نظرية ‪ Jantsch‬من النظريات الرتبوية املعقدة‪ ،‬و يعترب ‪ Design for Evolution‬من أهم‬
‫مؤلفاته‪ ،‬فهو يتناول فيه موضوع اكتساب و استعمال املعرفة ألغراض إنسانية‪...‬و يعتقد على غرار ‪De‬‬
‫‪ Rosnay‬و ‪ Toffler‬أنه من الضروري تغيري طريقتنا يف النظر إىل األشياء‪ ،‬و من الضروري أن نلجأ إىل‬
‫النظرية العامة لألنساق‪...‬حيث يؤكد أن األنساق املعرفية تتطور بنفس الطريقة اليت تتطور هبا األنساق‬
‫اإلنسانية‪ ،‬أي بطريقة التغذية ال ُـمرجعة"( برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)999‬‬
‫" يستعمل ‪ Jantsch‬مفهوم نظام اخلربات املتبادلة و هو مفهوم "حيتوي على القدرة اإلبداعية و على‬
‫التصورات العلمية‪ ،‬و من مثة فإن احلدس يلعب دورا هاما يف اخلربة اإلنسانية‪ ،‬أما أهداف الرتبية فستسعى إىل‬
‫إثراء و إىل تفعيل خربة املتعلم‪ ،‬أي أن أهداف الرتبية تكمن يف منو العقل و يف حتسني قدرة املتعلم على تنظيم‬
‫خربته العامة و توجيهها حنو هدف معني من خالل استعماله ألساليب االستفادة من اخلربات البحثية األخرى‪،‬‬
‫و يؤدي إىل ذلك إىل حدوث موقف ديناميكي مييل إىل االجتاه حنو اهلدف ما دام أن األمر يتعلق بإعداد الطلبة‬
‫للتكيف اجليد مع مواقف يصعب علينا توقعها أثناء عملية التعليم"( برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)999‬‬
‫أ‪ -‬محاور التربية عند ‪( :Jantsch‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)992 ،999‬‬
‫‪ ‬مفهوم العالقات اإلنسانية‪ :‬أي تصور التجربة يف عالقتها بالعامل احمليط‪ ،‬و خيتص هذا اجلزء من الرتبية‬
‫بعالقات اإلنسان مع الواقع الفيزيائي و االجتماعي و الروحي‪ ،‬و يف هذا اجملال يتم التعرض ملعاجلة‬
‫التواصل و اإلبداع و املناهج العلمية اليت تتناول املظاهر الديناميكية لعالقات اإلنسان بالعامل‪ ،‬و من‬
‫املمكن أن حيتوي على مواضيع البيولوجيا و علم النفس و التحليل النفسي و نظرية اإلبداع و مبادئ‬
‫االتصال و السيربنيتيك و كذلك كل أشكال االتصال مثل ( التواصل الروحاين و غريه)‪.‬‬
‫‪ ‬مفهوم الوسائل‪ :‬أي تنظيم احمليط ( األوساط الطبيعية و الفيزيائية و االجتماعية ) و تعد إقامة نظام‬
‫بني األفراد و تكنولوجياهتم و أنظمة اتصاهلم و طموحاهتم و توقعاهتم و أهدافهم‪ ،‬املوضوع املركزي هلذا‬
‫النظام‪ ،‬أما الرتبية فيمكن أن تتضمن املواضيع التالية‪ :‬عمليات التجديد و التخطيط االبتكاري و‬

‫‪34‬‬
‫العلوم السياسية و املقاربة النسقية للتخطيط و نظريات اختاذ القرار و الدراسات املستقبلية و املؤشرات‬
‫االجتماعية حلدوث التغيري‪.‬‬
‫‪ ‬مفهوم الحدس‪ :‬أي التنظيم الثقايف لألنظمة االجتماعية و يتمركز التعلم يف هذا املستوى على الفهم‬
‫اجليد لتطور القيم‪ ،‬أما املفهوم األساسي هنا فهو‪ :‬منهجيات البحث يف قيم األخالق و الدين و علم‬
‫اجلمال‪ ،‬أي البحث النسقي طبيعة قيم خمتلف املؤسسات اليت تتضمن سلوكات خمتلفة‪.‬‬
‫‪ -4-3-1‬مناهج المستقبل‪:‬‬
‫اعترب برتراند (‪ ،9002‬ص ‪ )995 ،992‬أن ‪ Toffler‬ق ّدم لنا فكرة جد هامة حول العالقات بني الرتبية و‬
‫ثقافة املستقبل و اجملتمع الصناعي احلديث‪ ،‬فمن ناحية جند هذه الفكرة ترفض بوضوح بعض البنيات الرتبوية‬
‫املعاصرة‪ ،‬و من ناحية ثانية جندها تعارض أولئك الذين يدافعون عن املاضي و عن التقاليد لتتجه حنو القيام‬
‫بعملية دمج عميقة للمستقبل كمحور أساسي للرتبية‪ ،‬إذن‪ ،‬إن املستقبل جيب أن يعاجل كإمكانية للتغيري يف‬
‫نطاق ما تسمح به املؤسسات االجتماعية اليت مل تعد متوافقة مع حاجات عصرنا‪ ،‬ذلك أن املستقبل مل يعد‬
‫فقط نقطة انطالق تغيري الفرد فحسب‪ ،‬بل أصبح حافزه الداخلي حلدوث ذلك التغيري‪ ،‬و لقد صار املستقبل‬
‫يشكل نظرة الفرد للغد‪ ،‬هذا الفرد الذي يوجه حتليالته حنو التغريات اليت جيب إدخاهلا على املؤسسات‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫" كتب ‪ Toffler‬أن إدراج املستقبل يف التعلم يرتبط بالضرورة بالتوجهات العميقة حنو تغيري العامل‬
‫املعاصر‪...‬حيث تعترب دراسة املستقبل أساس التعلم‪ ،‬فإذا كنا غري قادرين على بناء تصورات توقعية فإننا ال‬
‫سقط كل واحد منا صورة حية عن املستقبل عن واجهة شعوره‪ ،‬و لكل واحد منا‬ ‫نستطيع أن نتعلم بالفعل‪ ،‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫يف طيات نفسه توقعات قصرية و متوسطة و طويلة املدى‪ ،‬و احلقيقة أن هذه البنية اخلفية املتكونة من تصوراتنا‬
‫األولية حول املستقبل‪ ،‬هي األساس الذي يسمح للكائن اإلنساين بالعيش يف بيئة تتغري بدون انقطاع‪ ،‬بل إهنا‬
‫قاعدة تكيفه‪ ،‬و عليه فإن دور الرتبية يكمن يف تدعيم مهارة التكيف مع التغريات‪ ،‬و يكمن اجلزء األكرب من‬
‫الرتبية يف العمليات اليت تستطيع توسيع و حتسني و إثراء صورة الفرد عن املستقبل" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص‬
‫‪.)992‬‬

‫‪35‬‬
‫و يطرح ‪ Toffler‬إسرتاتيجية تربوية مهمة لتحقيق تعليم املستقبل و هي { التعلم بالعمل }‪ " ،‬ففي هذه‬
‫اإلسرتاتيجية يقوم الطلبة بتنظيم أنفسهم و بتكوين فرق تتكون من أفراد ذوي أعمار خمتلفة لكسر احلواجز بني‬
‫األجيال‪ ،‬مث تتفق هذه الفرق حول هدف واضح حيدد التغيري الذي يريدون إحداثه يف اجملتمع‪ ،‬و هذا سينمي‬
‫لديهم شعورا باالنتماء لدى الفرقة الواحدة مما يؤدي إىل أُفول املشكالت املتعلقة بالشعور بالوحدة و بالعزلة‬
‫الذي غالبا ما يغذيه التعلم املفردن" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)993‬‬
‫و التعلم بالعمل جيب أن يتحول إىل حمور أساسي للرتبية‪ ،‬أين تكون الدروس عبارة عن وسيط ثانوي يساهم يف‬
‫إعادة العالقات بني املدرسة و اجملتمع إىل وضعها الطبيعي‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫المحاضرة الرابعة النظرية النفس معرفية‪(La Théorie psycho-cognitive) :‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫ما زالت الدراسات النفسية اليت تناولت عمليات التعلم و املعاجلة املعرفية للمعلومات و خصائص املتعلم تؤثر‬
‫بشكل كيب يف البحوث الرتبوية‪ ،‬و يتعلق األمر بالنظريات اليت ترى أن التعلم هو عملية بناء املعرفة‪ ،‬و ما‬
‫يسمى بالنظريات البنائية‪.‬‬
‫" و اشتقت النظرية البنائية من ثالث جماالت هي‪:‬‬
‫‪ ‬علم النفس النمو لبياجيه ‪ Development psychology‬الذي ركز على عملية التكيف و‬
‫عدم االتزان‪.‬‬
‫‪ ‬ما ترتب على رؤية بياجيه من علم نفس معريف ‪ Cognitive psychology‬الذي ركز على‬
‫األفكار املسبقة للطالب من خرباهتم احلياتية و حماولة تغيريها و تعديلها لعدم مالءمتها لنظام خمططات‬
‫البنية الذهنية‪ ،‬وتظهر هذه األفكار عند حدوث عدم اتزان معريف‪.‬‬
‫‪ ‬البنائية االجتماعية لفيجوتسكي ‪ Social constructivism‬اليت نقلت بؤرة االهتمام إىل اخلربة‬
‫االجتماعية للمتعلم‪ ،‬و أمهية اللغة لنقل اخلربة االجتماعية إىل األفراد‪ ،‬و دورها يف تنمية املنطقة املركزية"‬
‫( الدواهيدي‪ ،9002 ،‬ص ‪.) 15‬‬
‫‪ -1‬اتجاهات النظرية النفسية المعرفية‪:‬‬
‫ّأدت التأثريات السابقة املتنوعة إىل ظهور تيارات بنائية خمتلفة أمهها اثنان‪:‬‬
‫‪ ‬تيار النظريات اليت تتناول املدركات القبلية للمتعلم‪ ،‬و هي النظريات اليت نصفها بالديداكتيكيات‬
‫البنائية‪.‬‬
‫‪ ‬تيار النظريات اليت تعاجل املالمح البيداغوجية للمتعلم‪( .‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)22‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ -1-1‬الديداكتيكيات البنائية‪:‬‬
‫" لقد ظهرت النظرية البنائية كنظرية بارزة للتعلم يف العقد املاضي نتيجة ألعمال ‪ Dewey‬و ‪ Piaget‬و‬
‫‪ Bruner‬و ‪ ،Vygotsky‬الذين قدموا سوابق تارخيية للنظرية البنائية و اليت متثل منوذج لالنتقال من الرتبية‬
‫اليت تستند على النظرية السلوكية إىل الرتبية اليت تستند على النظرية املعرفية‪ (".‬صادق‪ ،9009 ،‬ص ‪)155‬‬
‫" و تعترب الفلسفة البنائية من الفلسفات احلديثة اليت يشتق منها عدة طرق تدريسية متنوعة‪ ،‬و تقوم عليها عدة‬
‫مناذج تعليمية متنوعة‪ ،‬و هتتم الفلسفة البنائية بنمط بناء املعرفة و خطوات اكتساهبا‪ ( ".‬سعودي‪ .1223 ،‬ص‬
‫‪)222‬‬
‫‪ -1-1-1‬نظرية ‪ Piaget‬للنمو العقلي‪:‬‬
‫" لقد توصل ‪ Piaget‬يف هناية حياته إىل استنتاج أنه ال وجود ملعارف نامجة عن جمرد القيام مبالحظات و دون‬
‫تنظيم‪ ،‬يساهم يف حدوثه الفرد من خالل نشاطاته‪ ،‬بل ال وجود (لدى اإلنسان) لبنيات معرفية مسبقة أو‬
‫فطرية‪ ،‬إن كل ما يورث هو نشاط الذكاء‪ ،‬و هو النشاط الذي ُحي ِدث بنيات من خالل تنظيم سلوكات متتالية‬
‫يؤثر هبا الفرد على األشياء‪...‬لقد مسحت أعمال ‪ Piaget‬بإعداد نظريات تربوية بنائية ‪ ،‬األمر الذي جعل‬
‫اهتمام الباحثني يف بلدان خمتلفة ينصب على مظهرين أساسيني يف النظرية البياجيسية‪ :‬يرتبط املظهر األول‬
‫مبجاالت التفاعل اليت يبين فيها الفرد معرفته و ينمو ضمن سريورة شاملة من التعديل الذايت و التكيف مع‬
‫حميطه‪ ،‬و يتعلق املظهر الثاين مبراحل منو الطفل"( برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)30 ،22‬‬
‫" و قد جعل ‪ Piaget‬التفاعل بني الذات و احمليط حمور منوذجه النظري‪ ،‬فالطفل يؤثر يف احمليط و يتأثر‬
‫مبثرياته‪ ،‬و منو الذات معرفيا هو عبارة عن سريورة تتألف من طفرات متعاقبة تتحقق من خالل املالءمة و‬
‫االستيعاب (دمج املثريات اجلديدة يف اخلطاطات املوجودة)‪ ،‬و مبا أن التعلم سريورة تتم بالتفاعل‪ ،‬فإن‬
‫للعمليات اليت تقوم هبا الذات دورا حموريا يف بنية تفكريها‪ ،‬و هذه العمليات ترتكز طبعا على استعمال املعارف‬
‫السابقة يف استيعاب معرفة جديدة‪ ( ".‬بوتكالي‪ ،9010 ،‬ص ‪)202‬‬
‫" حيث ركز ‪ Piaget‬يف نظريته على تفاعل الطفل مع بيئته‪ ،‬و اعترب البيئة شرطا أساسيا لكي يتمكن الطفل‬
‫من االستمرار يف منوه‪ ،‬و ذلك من خالل إدماج املثريات اجلديدة مع ما هو موجود عنده من خمططات معرفية‬

‫‪38‬‬
‫سابقة‪ ،‬لتتحول هي األخرى إىل مكونات جديدة يف املخططات املعرفية و هكذا‪ ،‬و لكن البنائية ال تعين‬
‫إمكانية تدخل العوامل البيئية يف تسريع النمو العقلي إال يف إطار حمدود‪ ،‬حبيث يرى ‪ Piaget‬بأن النمو‬
‫العقلي هو الذي يتحكم يف التعليم و ليس العكس‪ ،‬و من هنا فإن التعليم ال ينبغي أن يكون قائما على تبليغ‬
‫املعلومات‪ ،‬و إمنا على تسهيل بناء املعلومات لكل طفل مبفرده‪ ،‬و هذا بواسطة األدوات التعليمية و االحتكاك‬
‫مع احمليط‪ ،‬و هبذا يصبح التعليم قائما على االختيار بني األدوات و وضع املتعلمني يف بيئة تعليمية تناسب‬
‫مستوى منوهم العقلي‪ .‬إن النظرة البنائية جعلت من املتعلم و ما حيمله من مستوى النمو العقلي العنصر‬
‫الرئيسي يف العملية التعليمية‪ (".‬لكحل‪ ،9011 ،‬ص ‪.) 29‬‬
‫أ‪ -‬مسار بناء المعرفة عند ‪:Piaget‬‬
‫" يوضح ‪ Piaget‬مسارات بناء املعرفة عند الفرد و تتم على النحو التايل‪:‬‬
‫‪ ‬تمثيل المعرفة عقليا ‪ :Assimilation‬حيث يقوم الفرد بتمثيل املعرفة املكتسبة و اخلربات‬
‫املرتبطة هبا متثيال عقليا داخليا‪ ،‬فيكون هلا صورة عقلية‪ ،‬مما يسمح له بإعادة تنظيمها مرة أخرى‬
‫لتجسد أبعادا و خططا و لبنات جديدة يف الرصيد املعريف الذي يكونه و ينميه باستمرار‪.‬‬
‫‪ ‬مالءمة المعرفة و القدرة للوضعية المستجدة ‪ :Accommodation‬و هي املرحلة اليت‬
‫حيدد فيها الفرد املالئم من املعارف اليت ميتلكها للوضعية املستجدة‪ " ،‬و يؤكد ‪ Giordan‬قائال بأن‬
‫االستيعاب حيتوي على عملية تغيري صورة البنيات املعرفية‪ ،‬و من مثة البد من إنشاء عملية تعيد تنظيم‬
‫املعارف‪ ،‬كما جند ‪ Piaget‬يستخدم عبارات التكيف مث التجريد االرتداد بقوله إن التلميذ يدخل يف‬
‫نظامه املعريف اخلاص به معطيات العامل اخلارجي‪ ،‬حيث تتم عملية معاجلة املعلومات اجلديدة تبعا‬
‫للمكتسبات السابقة‪ ،‬لكن هذه املعلومات تقوم بتغيري خطاطاته الفكرية " (برتراند‪،9002 ،‬‬
‫ص‪.)32‬‬
‫‪ ‬مرحلة التكييف ‪ :Adaptation‬و هي الوضعية الديناميكية اليت جتمع بني االستجابة (السلوك)‬
‫و الوضعية اليت أدت إىل ظهور هذه االستجابة‪ ،‬مبا خيدم خربة و معارف هذا املتعلم‪ ،‬حيث ستدخل‬
‫حصيلة هذا السلوك‪ ،‬و تصنف مستقبال كمعارف و قدرات قبلية‪ ( ".‬نعمون‪ ،9012 ،‬ص ‪)902‬‬

‫‪39‬‬
‫ب‪ -‬مراحل النمو العقلي عند ‪:Piaget‬‬
‫" بذل ‪ Piaget‬جهدا كبريا يف حتديد مراحل النمو العقلي‪ ،‬و توضيح خصائصها‪ ،‬فقد حدد أربعة مراحل‪،‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬تتمثل يف مرحلة النشاط احلسي احلركي‪ ،‬و اليت تبدأ يف السنتني األوليتني من حياة الطفل‪،‬‬
‫حيث يتعلم خالهلا الكثري من املهارات العقلية و احلركية عن طريق احلديث و املشي و اللعب و اخلربة املباشرة‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬فتسمى مبرحلة ما قبل العمليات‪ ،‬و تبدأ من السنة الثالثة و حىت السابعة من عمر الطفل‪ ،‬و‬
‫متتاز هذه املرحلة بالنمو اللغوي لدى الطفل‪ ،‬و اعتماده على اإلدراك احلسي املباشر‪ ،‬مع تكوين صور عقلية‬
‫لكثري من األشياء مع بداية تكوين مفاهيم الوقت و الفراغ‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬و تتمثل يف مرحلة العمليات املادية و اليت تبدأ من سن السابعة و حىت احلادية عشرة‪ ،‬و فيها‬
‫يكتسب الطفل القدرة على التصنيف و الرتتيب‪ ،‬و إجراء املقارنات و تصور النتائج املتوقعة‪ ،‬و توقع نتائج‬
‫عكسية‪ ،‬و منو مفهوم العدد‪ ،‬و القيام بالعمليات املنطقية و الرياضية كاجلمع و الطرح و الضرب و القسمة و‬
‫الرتتيب و التعويض‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬و تتمثل يف مرحلة العمليات اجملردة و هي آخر مراحل النمو العقلي اليت حددها ‪ Piaget‬و‬
‫اليت تبدأ من سن احلادية عشر و حىت اخلامسة عشر‪ ،‬و هنا ينتقل الطفل من عمليات تفكريه من املستوى‬
‫احلسي إىل مستوى التفكري اجملرد‪ ،‬و استخدام الرموز يف العمليات الفكرية‪ ،‬مع القدرة على إدراك العالقات بني‬
‫شيئني أو أكثر‪ ،‬و وضع أكثر من احتمال للقضايا و األمور اليت تواجهها‪ ،‬و عمل مقارنات و الوصول إىل‬
‫االستنتاجات و تكوين الفروض و إدراك املفاهيم اجملردة‪ ،‬و التفكري املنطقي و ضبط املتغريات يف التجارب و‬
‫القدرة على تقومي األفكار و نقدها‪( ".‬س‪ .‬سعيد‪ .9003 ،‬ص ‪)992‬‬
‫‪ -2-1-1‬فلسفة النفي لـ ـ ـ ـ ـ ‪: Gaston Bachlard‬‬
‫تفرد ‪ Bachlard‬بإسهاماته املتميزة يف تفصيل و حتليل كيفية بناء املعرفة عند املتعلم‪ ،‬ضمن منوذج بنائي‬
‫متفرد‪ ،‬ترك فيه أثرا كبريا و مهما يف منهجية البحوث الرتبوية اليت أعدت الحقا‪ ،‬فهو صاحب فلسفة النفي و‬
‫مفهوم القطيعة اإلبستيمولوجية‪ ،‬حيث يرى أن املعرفة العلمية الصحيحة تتشكل على أنقاض املعرفة العلمية‬
‫اخلاطئة‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫" لقد طرح ‪ Bachlard‬فلسفة بنائية تعتمد على مبدأ النفي‪ ،‬معتقدا أهنا ليست سلبية التوجه‪ ،‬بل على‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬فهي تقوم على تغيري مبادئ املعرفة ذاهتا‪...‬فالفرد يبين معرفته من خالل إجراء فحص نقدي‬
‫ملعارفه و جتاربه الراهنة‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)31‬‬
‫" لقد كان ألفكار ‪ Bachlard‬املتعلقة بوصول التلميذ إىل دراسة الفيزياء و هو مزود مبعارف جتريبية سبق‬
‫تكوينها لديه من الناحية العملية‪ ،‬كما كان ألفكاره املرتبطة بضرورة االهتمام هبذه املعارف اليت قد تشكل‬
‫معوقات للتعلم‪ ،‬تأثري على العديد من البحوث اليت جرت يف بلدان عديدة‪ ،‬و هو ما أدى إىل ظهور تطبيقات‬
‫ديداكتيكية خمتلفة حوهلا‪...‬و تقوم أغلب هذه الديداكتيكيات على مفهوم فكرة املدركات القبلية‪( ".‬برتراند‪،‬‬
‫‪ ،9002‬ص ‪)39‬‬
‫" و يعرف ‪ Larochelle & Désautel‬املدرك العفوي أو القبلي بأنه نظام استقبال مرجعي تتم انطالقا‬
‫منه عملية تغيري و تكامل و اكتساب عناصر إخبارية و تصورية جديدة أو خمتلفة‪ ،‬حيث تأيت املدركات العفوية‬
‫على املستوى املفاهيمي‪ ،‬كنتيجة جملموع تفاعالت الفرد مع حميطه‪ ،‬و تتجلى كتعابري تفسريية يستعملها الفرد‬
‫ليصف هبا تفاعالته مع احمليط‪...‬و عليه فاملدركات القبلية ليست نقاط انطالق و ال نتائج لبناء املعرفة‪ ،‬إهنا‬
‫أدوات هلذا النشاط‪ ،‬و هي تعدل باستمرار إلدماج كل معرفة جديدة يف البنيات القائمة اليت يتوفر عليها‬
‫الطالب‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)32 ،39‬‬
‫‪ -3-1-1‬نظرية الصراع المعرفي‪:‬‬
‫بعد نظرييت كل من ‪ Piaget‬و ‪ " ، Bachlard‬ظهر ما يعرف بالبنائية اجلديدة‪ ،‬و تقوم على فكرة أساسية‬
‫مفادها أن الصراع املعريف يكون أكرب إذا صاحبه صراع اجتماعي‪ ،‬و يأخذ الصراع هنا معىن التحديات اليت‬
‫يواجهها املتعلم‪ ،‬و هي حتديات خارجية تثري قدراته التعليمية على التعلم‪ ،‬فهذه التحديات متنح فرصا أكثر‬
‫ملسار مواءمة البىن املعرفية املوجودة سلفا‪ ،‬و هو ما حيقق التوافق الذي يفرضه االحتكاك مع البيئة خاصة ما‬
‫تعلق منها باجلانب التعليمي" ( لكحل‪ ،9011 ،‬ص ‪.)29‬‬

‫‪41‬‬
‫" لقد تطرق كل من ‪ Larochelle & Désautel‬ملفهوم التنافر املعريف‪ ،‬لوصف استعماالته الرتبوية‪ ،‬و‬
‫لإلشارة إىل املشكالت اليت تطرحها هذه االستعماالت‪...‬حيث يلخصان اإلسرتاتيجية الرتبوية للتنافر املعريف‬
‫باألسلوب التايل‪:‬‬
‫‪ ‬تقديم ظاهرة يراد دراستها‪ :‬يستدعي الطلبة مناقشة تصوراهتم عن الظاهرة املدروسة‪ ،‬و كذلك تنبؤاهتم‬
‫يف كيفية سريها‪ ،‬ميكن أن تكون هذه املرحلة متقنة على املستوى الرتبوي‪ ،‬و خاصة من خالل تنظيم‬
‫حوار مع األفكار‪ ،‬و من خالل حتديد املستلزمات الفكرية املرتبطة بتطور احلجج و الرباهني‪.‬‬
‫‪ ‬إعداد حادث اضطرابي‪ :‬ميكن جعل الطلبة يواجهون ظاهرة تبدو صعبة التفسري يف إطار تصوراهتم‪،‬‬
‫أو يعارض حدوثها تنبؤاهتم‪ ،‬و من مثة ينبغي أن نسلم بأن هذه الظواهر املعارضة تؤدي إىل حدوث‬
‫اضطراب معريف لدى التالميذ‪ ،‬اضطراب ينجم عن الفارق بني توقعاهتم و معطيات املالحظة‪.‬‬
‫‪ ‬إعادة تنظيم األفكار‪ :‬تتميز هذه املرحلة بالقيام بعدة نشاطات متنوعة ( مناقشات‪ ،‬عروض‪ ،‬أعمال‬
‫تطبيقية‪ )...‬و هتدف هذه النشاطات إىل مساعدة التالميذ يف حل املشكلة أو املشكالت املرتبطة‬
‫باحلادث االضطرايب‪ ،‬و هتدف بالتايل إىل إعادة التوازن املعريف‪ ،‬و ينبغي أن نسلم بأن هذا احلل‬
‫سيؤدي بالتالميذ إىل تغيري مدركاهتم‪ ،‬و استعماهلا يف جمال مادة من املواد العلمية‪.‬‬
‫و تكمن هذه اإلسرتاتيجية بالدرجة األوىل يف تشجيع التفكري النقدي للمسلمات‪ ،‬و الغايات اليت توجه كل‬
‫عملية تستهدف إنتاج املعرفة مبا فيها املعرفة العلمية‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)25 ،22‬‬
‫إن النظرة البنائية اجلديدة أظهرت أمهية االحتكاك بالبيئة مبا جيعل الطفل يف موقع الصراع و التحدي املعريف‪،‬‬
‫وهو ما جيعله يستخدم تَعلُ َماتِه و مكتسباته السابقة لفهمه و حل الصراع و املشكل الذي أثاره‪ ،‬األمر الذي‬
‫يكسبه تَعلُ َمات جديدة‪.‬‬
‫‪ -2-1‬النظريات التي تعالج المالمح البيداغوجية للمتعلم‪:‬‬
‫ساهم ‪ Antoline de la Garaudiene‬خالل عدة سنوات و يف العديد من املؤلفات يف نشر‬
‫البحوث املتعلقة باخلصائص املعرفية و بطرق عمل التلميذ‪ ،‬حيث يرى أن التجربة أثبتت أن للتلميذ استعدادات‬

‫‪42‬‬
‫تعلُ ِمية‪ ،‬و أسلوب يف العمل‪ ،‬و طريقة يف معاجلة املعلومة‪ ،‬و قد استعار هذا العامل مفهوم امللمح‬
‫اإلبستيمولوجي عن ‪ Bachlard‬ألنه يعتقد أن عقل التلميذ مليء باملعارف‪.‬‬
‫" يعتقد ‪ De la Garaudiene‬أن للتلميذ عادات معرفية سلوكية بإمكاهنا أن تتحول إىل معوقات‬
‫إبستيمولوجية حتول دون حدوث أي تغري ذهين نسعى إىل فرضه عليه‪...‬حيث قام بدراسة العادات الذهنية عن‬
‫قرب يف أقسام الدراسة عند مجاعات األساتذة و التالميذ النجباء‪ ،‬ليتأكد من أن التالميذ يستعملون تصورات‬
‫ذهنية أو متثالت تتحول إىل أساليب عامة تنطبق على مجيع جماالت املعرفة‪ ،‬و القانون البيداغوجي األساسي‬
‫يدل على أن حدوث التعلم و الفهم حيتاج إىل وجود مثل تلك التصورات‪...‬لقد تأكد ‪De la‬‬
‫‪ Garaudiene‬من أن تعدد األساليب الذهنية و العادات اإلسرتجاعية ميكن إرجاعها إىل منوذجني كبريين‬
‫من النماذج البيداغوجية‪ ،‬و مها النماذج املرئية و النماذج السمعية‪ ،‬و يعود التمييز بني ما هو مسعي و ما هو‬
‫مرئي إىل طبيب األمراض النفسية العصبية الفرنسي ‪ ،Carnot‬فهو من قدم أثناء دروسه حول احلبسة اللغوية‬
‫يف هناية القرن ‪ 12‬براهني تثبت وجود تلك النماذج‪ ،‬فالبصارون ( و هي صيغة ت استعماهلا لإلشارة للتالميذ‬
‫الذين يتعلمون عن طريق البصر أكثر من تعلمهم عن طريق السمع ) يتمثلون الواقع اخلارجي من خالل صور‬
‫ذهنية بصرية لألشياء أو األشكال‪ ،‬أما السماعون ( و هي صيغة ت استعماهلا لإلشارة للتالميذ الذين يتعلمون‬
‫عن طريق السمع أكثر من تعلمهم عن طريق البصر ) فيعربون عن الواقع بواسطة استعماهلم للغة داخلية‪ ،‬أي‬
‫أهنم يتصرفون بواسطة صور ذهنية شفوية أو مسعية‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)23 ،22‬‬
‫كما تناولت حبوث أخرى موضوع املالمح البيداغوجية و عالقتها بتعليم الرياضيات (على وجه اخلصوص)‪،‬‬
‫فالتالميذ يقومون حبركات ذهنية غري مرئية حتدد جناحهم أو فشلهم‪ " ،‬و لكن ما هي هذه احلركات الذهنية يف‬
‫الرياضيات؟ كيف حنددها؟ ما هي العالقة املوجودة بني طبيعة احلركات الذهنية و أسلوب حل مشكلة ما؟ ما‬
‫هي العمليات اليت يقرهنا التالميذ بالعمليات الرياضية‪ ،‬و ما هي تأثريات هذه العملية على احللول اليت‬
‫يقدموهنا؟ و كيف جنعل التالميذ ميارسون احلركات الذهنية اليت تناسبهم؟ لقد حاول ‪ Taurisson‬اإلجابة‬
‫عن هذه املشكالت من خالل حبوثه حول تعليم الرياضيات يف املستوى االبتدائي‪ ،‬حيث تعترب حركات التفوق‬
‫يف الرياضيات حركات ذهنية دقيقة‪ ،‬و ميكن حتديدها و اكتساهبا‪ ،‬غري أن اكتساهبا يتطلب تعليم التلميذ كيف‬

‫‪43‬‬
‫يتعرف عليها‪ ،‬فكل شيء ينطلق من التمييز الذي وضعه ‪ De la Garaudiene‬يف كتابه ‪Les profils‬‬
‫‪ pédagogiques‬بني اإلدراك و االسرتجاع و بني الروابط املوجودة بني العادات اإلسرتجاعية و التفوق‬
‫الدراسي‪ ،‬فبما أن الفهم يقوم يف آن واحد على القدرة اإلدراكية و على القدرة اإلسرتجاعية اليت تعترب عودة إىل‬
‫ما ت إدراكه‪ ،‬لِتُستَخلَص منه صورة بصرية أو مسعية‪ ،‬فإن عملية االسرتجاع حتدد التمثُالت اليت يضفيها التالميذ‬
‫على لغة الرياضيات‪ ،‬و هي تتحقق بواسطة العودة إىل ما كان مدركا من قبل" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪،22‬‬
‫‪ " ،)100‬لقد مسحت البحوث اليت أجراها ‪ Taurisson‬على األطفال بالتأكيد على نقطة نادرة االستعمال‬
‫مفادها أن عملية االسرتجاع ال تتوقف على املوضوع املراد اسرتجاعه و لكن على املسرتجع نفسه‪...‬ذلك أن‬
‫نقطة البداية يف حل املشكالت هي البحث عن متثُل للمشكلة يتطابق و طريقة اسرتجاع الفرد الذي حيل‬
‫املشكلة‪ ،‬فالبصار حيتاج لتصور مكاين للمشكلة‪ ،‬يتضمن عناصر الصياغة لديه‪ ،‬غري أنه ال ينبغي أن حيدث‬
‫ضياع للمعلومات بني صياغة املشكلة و متثلها الذي يتطلب جمهودات عملية متارس أثناء عملية البحث عن‬
‫احلل‪ ،‬أما السماع فيكون يف حاجة إىل تصور للمشكلة يستدعي إجراء عمليات متتالية حلدوث هذا التصور‪،‬‬
‫ألن السماع يهتم بعناصر املشكلة أكثر مما يهتم بالوضعيات‪ ...‬فال يكفي عندما نتوجه إىل البصارين و‬
‫ص َوِرية‪ ،‬بل إن ما ينبغي فعله‬
‫السماعني املتواجدين يف نفس القسم‪ ،‬أن نطرح عليهم ترمجات لغوية أو ترمجات ُ‬
‫خاصة‪ ،‬هو أن نوفر هلم إمكانيات ممارسة االسرتجاع اليت تناسبهم‪ ،‬فبالنسبة للبصارين يعترب الصمت الذي‬
‫يصاحب تقدمي ُخطاطة معينة و تعليمتها املرتبطة هبا‪ ،‬أهم من اخلطاطة يف حد ذاهتا‪ ،‬ألن البصارين يتوفرون‬
‫على املادة األولية اليت حتتاجها احلركات الذهنية (الصور)‪ ،‬و لديهم كذلك نية تدبري عملهم الذهين (ربط –‬
‫تفسري) و بإمكاهنم أن يصلوا يف هناية عملية االسرتجاع الذهين اليت متثل املشكلة كمتتالية من احلاالت املتتابعة‪،‬‬
‫أما بالنسبة للسماعني فتعد عملية تفكيك املشكلة إىل متتالية من احلركات نقطة بداية نشاطهم الذهين‪ ،‬كما‬
‫تعترب تعليمات القيام بالتعبري الكتايب أو الشفوي جد هامة بالنسبة لتوجيههم حنو القيام باخلطوات املؤدية إىل‬
‫احلل‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)109 ،100‬‬
‫* و عليه ميكن القول أنه من أجل حدوث التعلم و بناء املعرفة على املعلمني األخذ بعني االعتبار سريورة التعلم‬
‫و معارف املتعلم‪ ،‬إذ جيب أن يتم الكشف خاصة عن املعارف اليت ميتلكها املتعلم‪ ،‬و عن مناذجه و متثالته و‬

‫‪44‬‬
‫أساليبه يف معاجلة املعلومات و عن مدركاته العفوية‪ ،‬كما جيب إعداده ملواجهة التنافرات املعرفية املمكن حدوثها‬
‫بني املعارف القبلية و املعارف العلمية‪ ،‬و أيضا جيب مساعدة املتعلم على االنتقال من مرحلة معرفية إىل مرحلة‬
‫أخرى أكثر تعقيد و علمية‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫المحاضرة الخامسة النظريات التكنولوجية في التربية‪(La Théorie Technologique):‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫التطور التكنولوجي الذي عرفه القرن ‪ 90‬املؤسسات املدرسية بنفس الدرجة اليت طبع هبا املؤسسات‬ ‫"طبع ّ‬
‫االجتماعية األخرى‪ ،‬وُميكن التعرف على تأثري التكنولوجيا يف مستويني‪ ،‬مستوى اإلجناز التكنولوجي‪ ،‬ومستوى‬
‫ما خلّفه هذا االجناز من عالمات ترتبط بالتغريات املمكن القيام هبا‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)102‬‬
‫حيمل مفهوم التكنولوجيا معىن واسعاً‪"[ ،‬فهي أدوات فكرية و لغوية و رياضية و حتليلية‪ ،‬باختصار اهنا تنظيم‬
‫للمعرفة العلمية من أجل أغراض عملية"] (غريب‪ 9002 ،‬ب‪ ،‬ص ‪ ،) 933‬أي أهنا " جمموعة من الوسائط‬
‫املساعدة يف الفعل الرتبوي‪ ،‬ومن املمكن أن يعين أيضاً خمتلف املوارد واألدوات واألجهزة واآلالت والعمليات‬
‫والطرائق العادية أو املربجمة اليت ميكن االستعانة هبا يف املمارسة املنظمة للمعارف العلمية هبدف حل مشكالت‬
‫عملية‪ ،‬وتكمن أية نظرية تكنولوجية للرتبية يف التنظيم املنطقي للوسائل امللموسة‪ ،‬سعياً وراء تنظيم التعليم‬
‫بغض النظر عن طبيعة حمتواه‪ ،‬فالنظريات التكنولوجية للرتبية تضع االهتمام بالشروط العلمية للتعليم‪ ،‬من بني‬
‫انشغاالهتا األوىل وحتاول حل مشكالت التعليم اليومية‪ ،‬إضافة إىل ذلك تسعى النظرية التكنولوجية للرتبية إىل‬
‫ومنَظِّمة للتواصل البيداغوجي لدرجة أ ّن البعض أصبح يتح ّدث فيها عن تكنولوجيا التعليم‬
‫أن تكون نفعية ُ‬
‫وتكنولوجيا الرتبية‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)102‬‬

‫حيث يرى ‪ Stolovitch et la Roque‬أن تكنولوجيا التعليم تطرح " دراسة كيفية تنظيم البيئة‬
‫البيداغوجية‪ ،‬وكيفية هتيئة الوسائل والطرائق الرتبوية والتعليمية وكيفية تركيب املعارف‪ .‬وباختصار تطرح تكنولوجيا‬
‫التعليم حتديد النموذج الذي يـُ َع ّد ملمارسة التعليم وفق ما يق ّدمه هذا النموذج من اسرتاتيجيات حىت يتمكن‬
‫املتعلّم من استيعاب املعارف اجلديدة بأكرب قدر ممكن من الفعالية‪ ،‬ويُعترب مفهوم النموذج النموذج النفسي‬
‫للتعليم حمور تكنولوجيا الرتبية "‪( .‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)110‬‬
‫وتعرب تكنولوجيا التعليم عن " جمموع املوارد السمعية البصرية املستعملة يف التعليم‪ ،‬مثل الصور و األفالم و‬
‫أدوات التسجيل و الراديو و التلفزة‪ ،...‬كما أهنا تشري كذلك إىل منهجية التعليم مثل التعليم املربمج‪ ،‬و هي‬

‫‪46‬‬
‫اجتاه فكري و عملي تطور وفق تيارين مها‪ :‬تطبيق نظريات التعلم يف املمارسة البيداغوجية ‪ ،‬و إدماج مقاربات‬
‫لتنظيم املعرفة و حتديد األهداف‪( ".‬غريب‪ 9002 ،‬ب‪ ،‬ص ‪)295‬‬
‫أما تكنولوجيا الرتبية فيكتسب هذا اللفظ معنيني يف األدبيات البيداغوجية‪ ،‬فهو يفيد بالنسبة لبعض الباحثني‬
‫عقلنة نشاط التكوين بواسطة حتديد األهداف‪ ،‬و صياغة اسرتاتيجيات مالئمة للجمهور و لنمط التعلم‬
‫املنشود‪ ،‬و استعمال أدوات التقييم بغرض قياس مستوى حتقق األهداف‪ ،‬و بالنسبة لباحثني آخرين فإهنم‬
‫يستعملون هذا اللفظ يف معىن توظيف آالت ميكن أن تساعد املدرسني ( عاكس‪ ،‬فيديو‪ ،‬آلة تسجيل‪")...‬‬
‫(غريب‪ 9002 ،‬ب‪ ،‬ص ‪) 933‬‬
‫و تتميز النظرية التكنولوجية يف الرتبية مبجموعة من اخلصائص نذكر منها‪:‬‬
‫‪ ‬استعماهلا للمصطلحات التالية‪ :‬سريورة‪ ،‬هندسة تربوية‪ ،‬تواصل‪ ،‬تكوين‪ ،‬تكنولوجيا‪ ،‬وسائل تقنيات‪،‬‬
‫خمرب متفاعل‪ ،‬بيئات معلمنة‪ ،‬وسائط متع ّددة‪ ،‬برجمة نظام‪ ،‬تعليم مفردن‪.‬‬
‫‪ ‬انشغاهلا بالتعليم والتكوين أكثر من انشغاهلا بالرتبية‪.‬‬
‫‪ ‬اهتمامها الكبري بالتخطيط وبتنظيم سريورة التكوين‪.‬‬
‫‪ ‬تأكيدها على عناصر التواصل والتغذية الراجعة يف عملية تبليغ املعرفة ‪.‬‬
‫‪ ‬استعماهلا لتكنولوجيات التواصل‪ :‬أجهزة مسعية‪ ،‬بصرية‪ ،‬فيديو‪ ،‬أسطوانات‪ ،‬أقراص‪ ،‬كمبيوتر‪.‬‬
‫‪ ‬تأكيدها على ضرورة التحديد املستقبلي للسلوكات املالحظة لدى الطالب‪.‬‬
‫‪ ‬إرادهتا يف تنظيم املراحل املختلفة للتكوين بأقصى ما ميكن من التنظيم (حتديد األهداف واملهام‬
‫والتقومي‪...‬إخل) ويكون ذلك من منظور شامل للعلوم التطبيقية أو اهلندسة الرتبوية‪.‬‬
‫‪ ‬جلوءها إىل وصف وتقنني عمليات التكوين‪ ،‬و إرادهتا يف استعمال أعمال منظمة‪.‬‬
‫‪ ‬اعتمادها على النقد السليب للنظرة اإلنسانية للرتبية اليت ال هتتم كثرياً بالتخطيط والتنظيم‪( .‬برتراند‪،‬‬
‫‪ ،9002‬ص ‪)111‬‬
‫كما أشار "‪ Eisner‬يف كتابه ‪ Educational imagination‬إىل أ ّن هم تكنولوجيا التعليم ليس هو‬
‫طبيعة الغايات الرتبوية‪ ،‬بل تنظيم الوسائل وحتديدها لبلوغ هذه الغايات‪ ...‬ويؤّكد أنصار تكنولوجيا الرتبية أ ّهنا‬

‫‪47‬‬
‫عاماً وواحداً‬
‫قادرة بصفة عامة على حل مشكلة التطبيق يف اجملال التعليمي‪ ،‬بل إ ّهنم يرون أ ّن هناك طريقاً ّ‬
‫لتحسني التعليم‪ ،‬هو "التكنولوجيا" ‪ ،‬وأ ّن اخلالص من ال عقالنية املمارسات التعليمية يكمن يف حتديد‬
‫األهداف الرتبوية‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)111‬‬
‫‪ -1‬اتجاهات النظرية التكنولوجية في التربية‪:‬‬
‫األول هو االجتاه النسقي والثاين هو اجتاه‬
‫نتطرق إىل اجتاهني كبريين يف احلركة التكنولوجية للرتبية‪ّ ،‬‬
‫سنحاول أن ّ‬
‫الوسائط املتعددة‪.‬‬
‫‪ -1-1‬االتجاه النسقي‪:‬‬
‫العامة لألنساق وإرادهتا يف تنظيم كل‬
‫"يتّفق الباحثون على أ ّن املصدر الغزير للنظريات التكنولوجية هو النظرية ّ‬
‫العمليات دون إمهال أي شيء‪ ،‬وترجع البدايات األوىل لتطبيق نظرية األنساق يف ميدان الرتبية إىل األمريكيني‪،‬‬
‫فهم ّأول من حاول جتسيدها خالل اخلمسينات‪ ،‬وواصلوا حماوالهتم هذه من خالل كتاباهتم اليت تناولت‬
‫موضوع تطبيق النظرية النسقية يف الرتبية" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪" ،)119‬و يرى كينيث أن تطوير التعليم‬
‫يعتمد بدرجة أساسية على نظرية النظم اليت تنظر للتعليم على أنه نظام ينطوي على عدد من العالئق السلوكية‬
‫اليت ميكن إخضاعها ملنهج حتليل النظم‪ ،‬كما ينطوي على منظومة من املكونات املتعددة و املتداخلة كاإلدارة و‬
‫التلميذ و املنهج و املعلم و املواد و غريها من املكونات اليت تعمل لتحقيق أهداف معينة‪ ،‬هذه املكونات هي‬
‫اليت تنظر إليها نظرية النظم على أهنا يف حاجة إىل تنسيق و تنظيم لعملية التفاعل بينها هبدف حتسني أساليب‬
‫التعليم و تعزيز التنمية الفردية و اجلماعية" ( الفرجاين‪ ،9009 ،‬ص ‪.)23‬‬
‫و عليه‪ ،‬فهذا االجتاه يكمن "يف فحص العالقات بني العناصر حسب الغايات املنشودة‪ ،‬ويوصي أنصار هذا‬
‫مكونات العملية الرتبوية‪ ،‬كما يوصون بوضع تعاريف كاملة وتامة هلذه‬
‫مكون من ّ‬ ‫االجتاه بعدم إمهال أي ّ‬
‫املكونات انطالقا من ثالث أمور أساسية‪ :‬الغايات‪ ،‬السريورات‪ ،‬العناصر‪ ،‬و يدعون أيضا إىل االنطالق يف‬
‫العمل الرتبوي‪ ،‬باستعمال أسلوب نسقي و اتّباع سريورة حم ّددة ومعيّنة‪ ،‬وهي السريورة اليت تنطلق من حتليل‬
‫تصور لنظام تعليمي‪ -‬تعلّمي‪ ،‬وكذلك عرب القيام بتجريب النظام وتقوميه‬ ‫الغايات و مميزات الطالب‪ ،‬ومتُر عرب ّ‬
‫لتنتهي إىل إدراج التعديالت الضرورية‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)119‬‬

‫‪48‬‬
‫و يعترب ‪ Ludvig Von Bertalanffy‬الداعية األول هلذه املقاربة الشاملة‪ ،‬حيث أنه كان يرفض النظرة‬
‫اآللية للمعرفة‪ ،‬و يرى أن اخلاصية األساسية لكل كائن حي هي نظامه الكلي‪ ،‬و بالتايل فإن حتليل أشكال‬
‫احلياة من حيث أجزائها أو حتليل عمليات معينة معزولة الواحدة عن األخرى‪ ،‬ال ميكنه أن يقدم لنا تفسريا‬
‫شامال لظواهر احلياة‪.‬‬
‫" و النظرية العامة للنظم ( األنساق) هي النظرية اليت تبحث يف تفسري املفاهيم و القوانني املشرتكة بني العلوم‬
‫انطالقا من مبادئ عامة‪ ،‬ترفض النظرة التجزيئية يف إدراك الظواهر الطبيعية و اإلنسانية‪ ،‬و تنظر إليها باعتبارها‬
‫كليات منظمة و متفاعلة تفاعال ديناميا‪ ،‬و مربر هذا املوقف أن تعقد التكنولوجيا و ظواهر اجملتمعات املعاصرة‬
‫أدى إىل عجز يف كفاية تفسري الظواهر و حل مشكالت اإلنسان املعاصر‪ ،‬مثل اختالالت النظم اإليكولوجية‬
‫و تطور املؤسسات الرتبوية و مشاكل العالقات الدولية‪،...‬مما يدعو إىل النظر إىل كل هذه املشكالت باعتبارها‬
‫كليات ‪ ،Totalités‬و افرتاض وجود مبادئ عامة مشرتكة بينها‪ ،‬مثل الكلية و التنظيم و التفاعل‬
‫الديناميكي‪ ،‬متكن من تفسريها تفسريا شامال يتجاوز النزعة التخصصية اليت كانت سائدة يف بعض جماالت‬
‫املعرفة اإلنسانية" ( غريب‪ 9002 ،‬ب‪ ،‬ص ‪.)958‬‬
‫وخاصة ما يتعلّق منه‬
‫ّ‬ ‫وقد ق ّدمت النظرية العامة لألنساق مليدان الرتبية " قواعد تصميم التعلّم بشكل جيّد‬
‫بعناصر العملية التعليمية و سريورهتا و وظائفها و الغاية منها‪ ،‬ومراميها وأهدافها‪ .‬وهكذا يُعترب النموذج النسقي‬
‫مكونات و سريورات ونتائج التعليم‪ ،‬كما أنّه يساعد يف‬
‫إطاراً جاهزاً للتنظيم يأخذ بعني االعتبار مدخالت و ّ‬
‫االهتمام بالتفاعالت املختلفة ويف مراقبة أهداف التكوين‪ ،‬ويف حتقيق أقصى درجات الفعالية يف العملية‬
‫التعليمية‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)115‬‬
‫‪ -1-1-1‬الـمـبـادئ‪:‬‬

‫هندسة التعليم‪ :‬يعترب ختطيط التعليم تطبيقاً ّ‬


‫مفصال هلذا االجتاه‪ ،‬والذي يتح ّقق وفق عملية تنظيمية وختطيطية‪،‬‬
‫" فالتصميم التعليمي عبارة عن " خطوات منطقية وعلمية تتبع لتصميم التعلم و إنتاجه وتنفيذه وتقوميه‪ ،‬آخذة‬
‫باالعتبار حاجات املتعلم و األهداف وتطوير األنظمة الناقلة ملواجهة هذه احلاجات واالهتمام بتطوير‬
‫الفعاليات التعليمية وجتريبها وإعادة فحصها‪ ،‬أو هو هندسة العملية التعليمية اليت تتوخى التطوير املنهجي‬

‫‪49‬‬
‫إلجراءات علمية ودافعية‪ ،‬هتدف إىل حتقيق الفعل التعليمي يف فضاء مكاين وزماين حمددين‪ ،‬وهو يعترب جسرا‬
‫يصل بني العلوم النظرية ( العلوم السلوكية واملعرفية)‪ ،‬والعلوم التطبيقية ( استخدام التكنولوجيا والتقنية يف‬
‫عمليات التعليم والتعلم)‪ ،‬من هنا نستطيع القول إن التصميم التعليمي ضمان لتاليف وجتنب أي تضارب بني‬
‫املنهج الذي نعلمه‪ ،‬وطرق التدريس اليت نستخدمها‪ ،‬وبيئة التعلم اليت خنتارها‪ ،‬وإجراءات التقييم اليت نعتمدها"‬
‫( عبد الغفور‪ ،9019 ،‬ص ‪.)22‬‬
‫" يقوم منطق ختطيط التعليم على مخسة مبادئ تُعترب جد بسيطة وهي‪:‬‬
‫‪ ‬فردنة التعليم‪.‬‬
‫‪ ‬التخطيط على املدى القصري واملدى الطويل‪.‬‬
‫‪ ‬ضرورة التخطيط والتنظيم‬
‫‪ ‬أخذ شروط التعلّم بعني االعتبار‪.‬‬
‫التعرف على النظرية النسقية واالنطالق منها‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)112‬‬
‫‪ّ ‬‬
‫إذا فتخطيط التعليم هو جمموعة من األمور و الوقائع اليت تسعى لتيسري عمليات التعلم الداخلية للفرد‪ " ،‬كما‬
‫جيب أن حيرتم تنظيم التعليم املنطق التايل‪:‬‬
‫‪ ‬جلب انتباه الطالب‬
‫‪ ‬إخبار التلميذ باألهداف وحتديد مستوى التوقّعات‬
‫‪‬مراجعة احملتويات اليت سبق تعلّمها‬
‫‪ ‬تقدمي األدوات والـوسائل بكل وضوح‬
‫‪ ‬قيادة التعلّم‬
‫‪‬طلب تقدمي أدلة على حدوث التعلّم‬
‫‪ ‬القيام بتغذية راجعة‬
‫‪‬تقييم األداء‬
‫‪ ‬تيسري حتويل املعارف إىل ميادين أخرى تطبيقية"‪( .‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)113‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ -2-1‬اتجاه الوسائط المتع ّددة‪:‬‬
‫تُعطي البحوث و التجارب الرتبوية اليوم مكانة هامة لتفاعل املعرفة ولتقنيات تقدميها عرب الوسائط املتعددة وهو‬
‫اجتاه جديد يتغ ّذى من نتائج البحوث اليت تتناول مواضيع تدور حول شروط النشاط احلواري املفتوح بني‬
‫اإلنسان واملعلومة‪ ،‬و " تعود مصادر نظريات الوسائط اإلعالمية املتعددة إىل بداية استعمال الوسائل السمعية‬
‫ـسـبِ ْـرنِـيتِـ َقا‪ ،‬وإىل نظريات املعرفة والنظريات السلوكية اليت ساعدت يف إثارة‬
‫البصرية يف التعليم‪ ،‬وكذلك إىل ال ِّ‬
‫سمى‬
‫االهتمام باالتصال وبفهم كيفية عمل املخ‪ ،‬وهو ما ّأدى إىل تسهيل والدة التكنولوجيا الرتبوية أو ما يُ ّ‬
‫باهلندسة الرتبوية‪( ".‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)190‬‬
‫" تشكل نظريات االتصال المصدر األول الذي استلهمت منه نظريات الوسائط املتعددة أفكارها‪ ،‬ذلك أ ّن‬
‫االتصال البيداغوجي أصبح يُدرك كنشاط جيب تنظيمه وتفعيله‪ ،‬ولتحقيق هذا الغرض جيب االنطالق من‬
‫املعارف اليت لدينا حول املستقبل (أي الطالب)‪ ،‬وحول الرسالة (املادة)‪ ،‬وحول الوسيط (وسائل االتصال)‪،‬‬
‫وأخرياً حول التنظيم الشامل (النسق)‪ ،‬أما المصدر الثاني فتمثل في السيبرنيتيقا‪...‬و قد انطلقت السيربنيتيقا‬
‫الرتبوية يف بداية األمر من ال ّدراسة العلمية للعالقات بني سريورة التعليم وأثرها على مستوى التعلّم‪ ،‬وهي‬
‫العالقات اليت من املمكن حتويلها إىل عالقات رياضية‪ ،‬فالرتبية من وجهة نظر سيربنيتيقية جيب أن تُ ْد َرَك‬
‫كتكنولوجيا حقيقية هتدف إىل جعل اآللة حتل حمل اإلنسان يف إجراءات التعليم‪...‬و يوجد المصدر الثالث‬
‫لهذا التيار في النظريات المعرفية والنظريات السلوكية‪ ...‬فقد استطاع ‪ Skiner‬أن يشرح من خالل‬
‫نظريته يف اإلشراط اإلجرائي مبدأ جد بسيط مفاده أن التحكم اجليد يف البيئة التعليمية يساعد بكفاية يف حتقيق‬
‫املهتمني الذين وجدوا فيها‬
‫ّ‬ ‫تعلم جيد‪...‬ولقد نالت مزاوجة السلوكية بتكنولوجيا التعليم إعجاب العديد من‬
‫حالّ لعدة مشكالت‪ ،‬ممّا ّأدى إىل ظهور اعتقاد مفاده أنّه باإلمكان مستقبال تعويض (أستاذ رديء) بآلة مربجمة‬
‫بشكل جيّد‪ .‬وإنّنا ال نستطيع اليوم إحصاء أعداد الدروس املربجمة يف احلواسيب‪ ،‬فهي تسيطر اليوم على‬
‫الساحة التعليمية‪ ،‬و هو ما يعين أ ّن الطالب يستطيع الوصول إىل املعرفة عن طريق احلاسوب‪ ،‬ممّا ميكنه من‬
‫التحكم يف سريورته التعليمية‪ ،‬ومن هنا جاء تداول كلمة البيئات املتعددة الوسائط و نظم التعليم الذكية"‪(.‬‬
‫برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)192 -190‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ -1-2-1‬مبادئ تنظيم البيئات المتع ّددة الوسائط‪( :‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)190 -192‬‬

‫تنوع التفاعالت‪ :‬يُع ّد ّ‬


‫تنوع التفاعالت البيداغوجية خاصية أساسية ألية بيئة متع ّددة الوسائط‪ ،‬ويتعلّق‬ ‫‪ّ ‬‬
‫األمر هنا بعملية التواصل بني الطالب واحلاسوب‪ّ ،‬أما الربجمة املستعملة هنا فتسعى لإلفادة من تبادل‬
‫التأثري بني الطّالب ونظام التعليم‪ ،‬وميكن هلذه الربجمة أن تتضمن خصائص أخرى خمتلفة‪ ،‬نذكر منها‬
‫على سبيل املثال‪ :‬أن يقوم احلاسوب بتوليد املشكالت بطريقة آلية يكون الغرض منها تكويين أو‬
‫تقوميي‪ ،‬فاحلاسوب يقوم هنا بتحليل أخطاء الطالب‪ ،‬يق ّدم حلوالً‪ ،‬ينقل حمتويات‪ ،‬يقوم بتغذية راجعة‪،‬‬
‫يسأل الطالب ويتكيّف مع خصائصه‪.‬‬
‫‪ ‬النمذجة المفتوحة‪ :‬تنطلق البيئة املتعددة الوسائط يف عملها من الطالب وليس من املادة‪ ،‬وهي تقوم‬
‫أساساً على منذجة مفتوحة‪ ،‬وتعمل انطالقا من حاجات ورغبات الطالب‪ ،‬وميكن هلذه النمذجة أن‬
‫حتتوى على معطيات مستمدة من الطالب مثل مميزاته‪ ،‬وتارخيه‪...،‬إخل‬
‫‪ ‬االستقاللية تجاه المحتويات‪ :‬يؤكد العديد من مهندسي الربامج التعليمية كثريا على بناء برامج‬
‫متعددة الوسائط‪ ،‬تتميز باستقاللية عن احملتويات‪ ،‬و اليت تسمح ببلوغ أهداف مشرتكة بني العديد من‬
‫املواد التعليمية‪.‬‬
‫‪ ‬التعليم التعاوني‪ :‬يزداد كل يوم عدد مهندسي األنظمة الذين حياولون إدراج التعاون يف التعليم‪ ،‬و‬
‫املدرس والطلبة حول ما جيري أثناء الدرس‪،‬‬
‫األول هلذا التعاون يف تبادل املعلومات بني ّ‬
‫يكمن الشكل ّ‬
‫ّأما الشكل الثاين فيكمن يف التفاعالت بني عدد الطلبة يف آن واحد‪ ،‬حيث ميكنهم من خالل هذه‬
‫التفاعالت أن حيصلوا على فوائد اجتماعية ونفسية‪.‬‬
‫‪ ‬نشر المعلومات عبر الوسائط المتعددة‪ :‬حتتوي مشاريع التكوين املتعدد الوسائط بشكل عام على‬
‫متحرك أو ثابت‪ ،‬و منها‬
‫جمموعة من املعلومات ذات أشكال متنوعة منها ما هو بصري ومنها ما هو ّ‬
‫ما هو صويت و مكتوب‪ ،‬و تكون هذه املعلومات جمزئة يف ذاكرات ( أقراص مضغوطة‪ ،‬أقراص لينة‪،‬‬
‫أسطوانات الفيديو‪ ،)..‬و قوية بشكل كاف جيعلها قادرة على احتواء ما هو ضروري لدرس من‬
‫الدروس‪ ،‬حىت أ ّن الطالب يستطيع أن يطلب مىت شاء تفسريات ُمتنح له حسب رغبته‪ :‬شفوياً‪ ،‬كتابياً‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫تنوع مصادرها فحسب‪ ،‬بل أيضا يف‬
‫اهلامة هلذه التغريات فال تكمن يف ّ‬
‫بالفيديو‪...،‬اخل‪ّ ،‬أما اخلصائص ّ‬
‫تنوع األشكال اليت تتفاعل هبا‪.‬‬
‫ّ‬
‫* إذا‪ ،‬يف ظل النظريات التكنولوجية و اليت طاملا تأثرت باملوقف النسقي و بالسيربنيتيقا‪ ،‬وجد املعلم نفسه أمام‬
‫مشكلة كبرية و هي اهنيار سلطته و فقدان سيطرته على الفعل الرتبوي‪ ،‬و اليت أصبحت بيد ذوي االختصاص‬
‫من تكنولوجيي التعليم‪ ،‬و خرباء نظرية األنساق‪ ،‬و أصحاب النظريات املعرفية و البنائية‪...‬اخل‪ ،‬مما يستدعي‬
‫املعلم إىل اإلملام بكل جديد خيص ميدان عمله من نظريات و وسائل تكنولوجية‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫المحاضرة السادسة النظريات االجتماعية المعرفية‪(La Théorie Sociocognitive ( :‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫توجد اليوم جمموعة من النظريات الرتبوية اليت تُرّكز اهتمامها على األبعاد االجتماعية و الثقافية للتعلّم‪ ،‬حيث‬
‫املدرسني‬
‫تؤّكد على املكانة اهلامة اليت حيتلّها التفاعل االجتماعي و الثقايف يف آليات التعلم‪ ،‬و يش ّكل وعي ّ‬
‫بضرورة إعطاء أمهية للشروط االجتماعية و الثقافية للتّعلّم نقطة انطالق النظريات االجتماعية املعرفية‪ ،‬فالكثري‬
‫توصلت إىل استنتاج مفاده‪:‬‬
‫من التحاليل واملالحظات اليت قام هبا علماء الرتبية‪ّ ،‬‬
‫إ ّن الرغبة يف حتقيق تعلّم مستدمي تعتمد على ما نُولّيه من اهتمام بالشروط االجتماعية والثقافية‪ ،‬وأيضا يأيت‬
‫اهتمام هذه النظريات الكبري بتأثريات الوسط (الوسط املدرسي‪ ،‬الطبقة االجتماعية‪ ،‬الثقافة اإلقليمية‪ ،‬الثقافة‬
‫الشعبية) على التعلّم‪.‬‬
‫‪ -1‬النظريات االجتماعية المعرفية للتعلم االجتماعي‪:‬‬
‫" يعترب باندورا ‪ Bandura‬أحد املف ّكرين األوائل يف التعلّم االجتماعي‪ ،‬و الذي يهتم باخلصائص الشخصية‬
‫للمتعلم‪ ،‬و أمناط السلوك‪ ،‬و البيئة" )‪(M. Braungart, G. Braungart, 2007, p 67‬‬
‫" فمنذ ‪ 1229‬بدأ يهتم باألصول االجتماعية للفكر‪ ،‬وشرع يف إجراء حبوث حول التعلّم بواسطة التقليد‬
‫حيث اتّضح له أننا نتعلّم كثرياً باختاذنا أشخاصاً آخرين كنماذج‪ ،‬و أن للوسائل السمعية و البصرية تأثريا كبريا‬
‫جدا على سلوكاتنا‪...‬وكان هذا الباحث يرفض النظريات اإلنسانية اليت تُِقيم كل شيء على الشخص‪...‬ويف‬
‫وبني ما‬
‫سنة ‪ 1232‬ق ّدم نظرية التفاعل االجتماعي املعريف اليت تشرح العالقات بني البيئة والفكر والعمل‪ّ ،‬‬
‫يعنيه مبفهوم » االجتماعي املعريف « بالعبارات التالية‪" :‬نستعمل كلمة اجتماعي أل ّن الفكر واملمارسة يُعتربان‬
‫ظاهرتان اجتماعيتان من حيث اجلوهر‪ ،‬ونستعمل كلمة معريف أل ّن سريورات الفكر تُؤثّر على الدافعية وعلى‬
‫االنفعاالت وعلى احلركة " (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)122‬‬
‫أ‪ -‬الـمـبادئ‪:‬‬
‫‪ ‬التأثير المتبادل‪ " :‬تقوم النظرية االجتماعية املعرفية على مفهوم التأثري املتبادل بني العوامل االجتماعية‬
‫والثقافية والعوامل الذاتية‪ ،‬والعوامل السلوكية يف التعلّم ويف املمارسة‪...‬و بتعبري ّأدق يتأسس التعلّم على‬

‫‪54‬‬
‫تتطور املعرفة والسلوك من خالل‬
‫تفاعل هذه العوامل الثالثة " (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪ ،)122‬أي ّ‬
‫تبادل التأثري بني تلك العوامل الثالثة‪ :‬الوقائع اليت حتدث يف البيئة‪ ،‬خصائص الفرد‪ ،‬و السلوكات‪.‬‬
‫‪ ‬التعلّم غير المباشر‪ :‬و تفيد هذه اخلاصية أ ّن تعلّم األشياء ال َْحي ُد ُ‬
‫ث بقيام الفرد هبا بالضرورة‪ ،‬بل‬
‫ميكن للفرد أن يتعلّم مبالحظته ألشخاص آخرين يقومون يف مكانه بعمل هذه األشياء‪ ،‬أل ّن كل فرد‬
‫ميتلك القدرة على اجناز تعلّم اجتماعي بطريقة غري مباشرة (مثال‪ :‬ميكن للفرد أن يُصاب خبوف مرضي‬
‫من الثعابني جملرد رؤيته أن فردا آخر يهلع منها)‪.‬‬
‫‪ ‬التمثيل الرمزي‪ :‬تكمن اخلاصية الثالثة للتعلّم االجتماعي املعريف يف التمثيل الرمزي‪ ،‬فأفكارنا وأفعالنا‬
‫نكوهنا حول كل ما جيري يف احمليط‪ ،‬ويرى ‪ Bandura‬أ ّن الكائن‬
‫تنتظم بواسطة التمثّالت اليت ّ‬
‫يكونه‪ ،‬وعلى ما يفعله‪ ،‬وعلى ما يريد فعله‪ ،‬وعلى ما‬
‫اإلنساين ميتلك قابلية للتّشكل تتوقّف على من ّ‬
‫يرى اآلخرين أ ّن باستطاعته أن يفعله بالفعل‪ .‬إنّه ميتلك قدرات خمتلفة جتعل منه كائناً إنسانياً‪ ،‬فهو‬
‫يتصرف انطالقا منها‪ ،‬وباستطاعته أن يُ َك ِّون لنفسه صورة عن املستقبل‬
‫ميتلك أفكاراً ويبلغها‪ ،‬كما أنّه ّ‬
‫سيتصرف فعال انطالقاً من متثّلــه ملا ُميكن أن حيدث يف املستقبل‬
‫ّ‬ ‫خاصة به‪ ،‬فالفرد‬
‫وحي ّدد أهدافا ّ‬
‫(برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪ " ،)123‬و هذا التمثيل الرمزي أو املعرفة يتضمن النظم اللغوية والصور‬
‫الذهنية والرموز املوسيقية والعددية‪ ،‬و تتوقف قيمة هذا التمثيل يف سلوك اإلنسان على ا ملطابقة الوثيقة‬
‫بني النظام الرمزي و األحداث اخلارجية الذي يشري إليها " (اجمللس الوطين للثقافة و الفنون و اآلداب‪،‬‬
‫‪ ،1232‬ص ‪.)125‬‬
‫التفوق‬ ‫‪ ‬إدراك الفرد لفعاليته‪ " :‬تكمن هذه اخلاصيّة يف نوع اإلدراك الــذي يُ ّ‬
‫كونه الفرد عن قدرته على ّ‬
‫وعن فعالية معاجلته وتدخالته‪...‬وجتدر اإلشارة إىل أ ّن فكرة التوقف عن الشعور باخلوف وأ ّن فكرة‬
‫التفوق موجودتان منذ زمن بعيد‪ ،‬إالّ أن ‪ Bandura‬كان من األوائل الذين بَـنَـ ْوا‬
‫اإلميان بالقدرة على ّ‬
‫تصرفاته‪ .‬يتوقّف‬
‫نظرية يف التعلّم تأخذ بعني االعتبار الدور اهلام الذي يلعبه نوع إدراكات الفرد لفعالية ّ‬
‫يكونه الفرد‬
‫التصور الذي ّ‬
‫التّعلّم والسلوك على نوع احلكم الذي يُصدره الفرد على قدراته‪ ،‬ومن مثّة فإ ّن ّ‬
‫عن قدرته على إجناز مهمة معينة‪ ،‬يؤثّر بالتأكيد على نتائج سلوكاته املستقبلية‪ ،‬وهكذا تكون حظوظه‬

‫‪55‬‬
‫التفوق‪ ،‬إ ّن حتقيق النجاح يف أي إجناز‬
‫يف حتقيق النّجاح كبرية كلّما كان هذا الفرد يؤمن بقدرته على ّ‬
‫التفوق"( برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪ ،)123‬و‬
‫يؤدي إال تعديل على مستوى إدراك الفرد لقدرته على ّ‬
‫ّ‬
‫العكس‪.‬‬
‫‪ ‬الضبط الذاتي‪ " :‬إ ّن الفرد ميلك القدرة على ضبط ذاته فهو ليس حتت رمحة بيئته‪ ،‬وال حتت رمحة‬
‫غري أفعاله حسب النتائج اليت حيققها‪ ،‬وبإمكانه‬
‫يتحرك انطالقا من حاجاته‪ ،‬ويُ ّ‬
‫غرائزه‪ ،‬إذ بإمكانه أن ّ‬
‫ويغري إدراكه‬
‫أيضا أن يُف ّكر فيما جيري وأن يقوم بتحليل ذايت‪ ،‬بل بإمكانه أن حيلل طريقة تفكريه ّ‬
‫وتصرفاته "( برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)150 ،122‬‬
‫الشخصي ّ‬
‫‪ ‬النمذجة‪ :‬أي يتعلّم الفرد بواسطة تقليد اآلخرين‪ " ،‬ففي بعض األحيان خيتار الفرد شخصاً آخر‬
‫كنموذج ويقلّده يف العديد من سلوكاته" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪ " ،)150‬و يتأثر التعبري اخلالق‬
‫عندما يتعرض الشخص املالحظ لنماذج خمتلفة‪ ،‬و يف أغلب األحيان ال يقتصر السلوك املتأثر‬
‫بالنماذج على ما حدثت مالحظته‪ ،‬و عوضا عن ذلك فإن هذا السلوك يكون نتيجة ترابط جمموعة‬
‫من ا ملالمح بنماذج خمتلفة تؤدي إىل استجابات ختتلف عن أي من املصادر األصلية‪ ،‬و كلما زاد‬
‫االختالف بني النماذج و زاد عددها كلما زاد االحتمال بأن تكون االستجابة الناجتة مستحدثة"‬
‫(اجمللس الوطين للثقافة و الفنون و اآلداب‪ ،1232 ،‬ص ‪.)152‬‬

‫ّأما الفرق بني التعلّم غري املباشر والتعلّم بالنمذجة فيكمن فيما يلي‪ :‬ففي احلالة األوىل يتم التعلم من خالل‬
‫مالحظة سلوكيات فرد آخر‪ ،‬بينما يتم التعلّم وفق احلالة الثانية انطالقا من نتائج سلوكيات الفرد ذاته‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلستراتيجيات التربوية‪( :‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)159 -151‬‬
‫تبين سلوكات بعض األشخاص الذين‬ ‫‪ ‬عرض نماذج من السلوك على الطلبة‪ :‬مييل املتعلّمون إىل ّ‬
‫املدرسني إجياد مناذج من السلوك لتعليمها و تقدميها للطلبة‪ ،‬فإذا‬
‫يعتربوهنم كنماذج‪ ،‬و عليه جيب على ّ‬
‫ما أردنا مثال أن نق ّدم درسا يف املسؤولية فسيكون من األفضل‪ ،‬إضافة إىل الشروحات اليت تقدَّم‪،‬‬

‫‪56‬‬
‫استضافة شخص يف القسم يعتربه اجملتمع مسؤوال (طبيب مثال)‪ ،‬و إثارة تفاعالت بينه و بني الطلبة‬
‫للتأثري فيهم‪.‬‬
‫‪ ‬تقويم وتبرير قيمة السلوكات‪ :‬يؤّكد ‪ Bandura‬أ ّن التعلّم يتوقّف على القيمة اليت نعطيها للنتيجة‪،‬‬
‫نبني للطلبة منفعة كل تعلّم‪ ،‬فالطلبة يتعلّمون أحسن إذا تبيّنت هلم فائدة هذا التعلّم‬
‫ولذلك ينبغي أن ّ‬
‫معني بالنسبة لتعلّم‬
‫أو ذاك بالنسبة للحياة‪ ،‬أو إذا اتضحت هلم الفائدة اليت سيكسبوهنا من تعلّم ّ‬
‫الحق‪.‬‬
‫‪ ‬تعزيز سلوكات التلميذ‪ :‬من املهم جداً القيام بتغذية راجعة إجيابية لكل طالب حي ّقق تق ّدماً يف تعلّمه‪،‬‬
‫أل ّهنا تسمح له بتكوين صورة إجيابية عن ذاته بإدراكها كذات قادرة على القيام باملهام املطلوبة‪ ،‬غري أنّه‬
‫من املمكن اللجوء إىل العقاب للتقليل من القيام ببعض السلوكات‪.‬‬
‫‪ ‬الممارسة‪:‬يوصي ‪ Bandura‬باجلمع بني النظرية والتطبيق‪ ،‬فمثال من الصعب ج ّدا أن نتعلّم الكتابة‬
‫دون ممارستها‪ .‬ولتوضيح عالقة املمارسة بالنظرية يف جمال الرتبية‪ ،‬نُق ّدم إسرتاتيجية تربوية ق ّدمها‬
‫وتتكون هذه اإلسرتاتيجية من أربع مراحل كربى وهي‪:‬‬
‫‪ Gudler‬أثناء حتليله ألفكار ‪ّ Bandura‬‬
‫‪‬المرحلة األولى تحليل السلوكات المراد تحقيقها‪:‬‬
‫‪ ‬حتديد طبيعة السلوك‪ :‬معريف‪ ،‬أو وجداين‪ ،‬أو حركي‪.‬‬
‫‪ ‬حتديد مقطع أطوار السلوك‬
‫‪ ‬حتديد النقاط احلرجة يف املقطع‪ :‬مثل صعوبات مالحظة السلوك مع حتديد املقاطع اليت يكون‬
‫فيها احتمال ظهور األخطاء كبرياً‪.‬‬
‫‪‬المرحلة الثانية‪ :‬وصف مردودية السلوك وانتقاء نموذج من نماذج السلوك المراد تعليمه‬
‫‪ ‬تعريف الطالب مبردودية السلوك‪ ،‬أو بالنجاح الذي سيح ّققه إذا ما قام بتنفيذ السلوك املراد‬
‫تعلّمه‪ ،‬مثال من املهم أن نطلب من التلميذ أن يكتب خبط جيّد إذا كانت الوظيفة اليت سيقوم هبا يف‬
‫املستقبل تتطلّب حترير تقارير كثرية‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪ ‬البحث عن منوذج من مناذج السلوك اليت تساعد على حتقيق النّجاح‪ ،‬وغالبا ما تكون هذه‬
‫املتفوق‪.‬‬
‫النماذج ممثلة يف األقران أو يف األستاذ أو يف بعض مناذج السلوك االجتماعي ّ‬
‫‪ ‬حتديد ما إذا كان ينبغي أن يكون النموذج رمزياً أو حقيقياً‪ ،‬مثال‪ :‬استدعاء كاتب أو طبيب‬
‫ملقابلة التالميذ‪.‬‬
‫وضمها للنموذج‪.‬‬
‫‪ ‬حتديد أنواع التعزيزات الضرورية للسلوك املنشود ّ‬
‫الحصة التعليمية‬
‫ّ‬ ‫‪‬المرحلة الثالثة ‪ :‬إعداد‬
‫‪ ‬حتديد األساليب اللغوية ( التعاليق‪ ،‬التعليمات‪ ،‬املؤشرات‪ ،‬الشروحات اليت تصف ما ينبغي فعله‬
‫وما ال ينبغي فعله)‪.‬‬
‫‪ ‬إعادة املراحل املقطعية اليت تتطلّب وقتا أطول لتفسريها‪ ،‬مع إجياد الشروحات اليت جيب إضافتها‬
‫لتسهيل التّعلّم‪.‬‬
‫‪‬المرحلة الرابعة تنفيذ الحصة التعليمية‪:‬‬
‫‪ ‬فعندما يتعلق األمر بتعلّم التلميذ القيام مبهارات حركية‪:‬‬
‫أ‪ .‬جيب عرضها (عليه) من طرف خبري‪ ،‬أي تقدميها من طرف منوذج يُقتدى به‪.‬‬
‫ب‪ .‬منح فرصة املمارسة للتالميذ‬
‫ت‪ .‬استعمال تغذية راجعة تكون مرئية ومسموعة‪.‬‬
‫‪ ‬وعندما يتعلّق األمر بسلوك معريف فيجب‪:‬‬
‫مدعماً بعبارات شفوية‬
‫أ‪ .‬تقدمي النموذج ّ‬
‫ب‪ .‬منح فرصة للتالميذ لتقدمي تعابري موجزة عن السلوك النموذجي‪.‬‬
‫‪ ‬وعندما يتعلّق األمر بتعلّم مفهوم ما أو قاعدة‪:‬‬
‫معني‪.‬‬
‫خاصة ملّا يتعلّق األمر حبل مشكلة أو بتطبيق ّ‬
‫أ‪ .‬توفري فرص التعبري للتالميذ‪ّ ،‬‬
‫ب‪ .‬توفري فرص تعميم السلوك الذي تّ تعلّمه وحتويله إىل وضعيات أخرى‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ -2‬النظرية االجتماعية التاريخية‪:‬‬
‫" ظهرت نظرية الثقافة االجتماعية على يد ‪ ،Vygotsky‬حيث كان من السباقني إىل التأكيد على أمهية‬
‫التفاعل بني الطفل و بيئته‪ " ،‬و أملح إىل أمهية تدخل الراشد كوسيط يف بناء تعلمات األطفال‪ ،‬و حىت يف‬
‫حتديد اجتاه منوهم‪ ،‬و طبيعة سلوكياهتم‪ ،‬كما يؤكد على األمهية اليت حيدثها التفاعل احلاصل بني األطفال و‬
‫أقراهنم و اآلباء و املعلمني يف ذلك‪ ،‬فاملعلمون خاصة إذا ما كانوا قادرين على احرتام اإليقاع اخلاص باملتعلم‪ ،‬و‬
‫خاصة اجلوانب النمائية و الثقافية منها‪ ،‬و كانوا قادرين على رصد و حتديد اللحظة اليت تكون فيها أية قدرة من‬
‫قدرات املتعلم قد اكتملت ليقوموا بتقدمي أنشطة جديدة متكن هذا املتعلم من تنمية قدرة جديدة‪ ،‬هذه اللحظة‬
‫اليت أطلق عليها ‪ Vygotsky‬حبيز النمو املوايل ‪La Zone du Développement Prochain‬‬
‫‪ ،‬و هي اللحظة اليت يكون فيها املتعلم قادرا حني تـُ َق َدم له املساعدة ( مساعدة الراشد ) على حل مشكل‬
‫حيايت أو معريف ما "( نعمون‪ ،9012 ،‬ص ‪.) 902‬‬
‫" كما جند أن املؤلف األمريكي ‪ Bruner‬يرجع إىل نظرية ‪ Vygotsky‬ليؤكد على أن األنا يتشكل‬
‫بواسطة العامل الذي يعيش فيه‪ ،‬فيقول حنن ممثلون ثقافيون و اجتماعيون ألننا نلعب دورا يف الدراما االجتماعية‬
‫و يف الدراما الثقافية‪ ،‬و يضيف قائال بأن األنا ال يكون أبدا مستقال عن وجوده االجتماعي و الثقايف‪ ،‬و أن‬
‫بناءه يتم بواسطة جمموعة واسعة من األدوات اليت تتشكل منها ثقافته‪ ،‬فاألنا يفسر العامل من خالل التعامل مع‬
‫اآلخرين" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)152‬‬
‫" يف هذا السياق‪ ،‬ينظر ‪ Vygotsky‬إىل الثقافة باعتبارها السلوكيات املقبولة اجتماعيا واملواقف واملعتقدات‪،‬‬
‫وهي اليت نتجت من خالل منتجات اإلنسان اجملتمعية مثل املؤسسات والنظم الرمزية واألدوات مثل اللغة‪ ،‬و‬
‫الثقافة يف هذا املعىن هي نتيجة ديناميكية لألحداث و التطورات التارخيية‪ ،‬و منتجات التنمية البشرية‪ .‬لكن‪،‬‬
‫وكما أكد ‪ ، Vygotsky‬يف أي وقت تارخيي معني‪ ،‬و الثقافة نفسها تؤثر على األداء العقلي والسلوكي‬
‫لإلنسان‪ ،‬وبالتايل تكامل العالقة املعقدة بني البيئة و الثقافية و تنمية الشخصية‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فاألفراد ال‬
‫ينتجون فقط الثقافة‪ ،‬بل هم أيضا نتاج الثقافة نفسها‪)Zhou & Brown , 2014, net( ".‬‬

‫‪59‬‬
‫" إذا فالتفاعل االجتماعي يلعب دور أساسي يف تطوير اإلدراك‪ ،‬و يظهر مدى تطور الطفل الثقايف مرتني‬
‫األوىل على املستوى االجتماعي والحقاً على املستوى الفردي‪ ،‬فبداية يظهر بني الناس وبعد ذلك داخل الطفل‬
‫و هذا ينطبق على حد سواء‪ ،‬على االنتباه الطوعي و الذاكرة املنطقية وتشكيل املفاهيم‪ ،‬وكل الوظائف العليا‬
‫اليت تنشأ كعالقات فردية‪ ،‬و السمة الثانية لنظرية ‪ Vygotsky‬هي أن التطوير اإلدراكي يعتمد على منطقة‬
‫النمو القريبة املركزية )‪ (ZPD‬فمستوى التطوير يتقدم عندما ينخرط األطفال يف السلوك االجتماعي‪،‬‬
‫فالتطوير يلزمه تفاعل اجتماعي كامل‪ ،‬ومدى املهارة اليت تُنجز بتوجيه بالغ أو تعاون أقران تتجاوز ما ميكن أن‬
‫ينجزه الفرد لوحده‪ .‬فالوعي ال يوجد يف الدماغ بل يف املمارسة اليومية‪ ،‬هذه الفرضية هي اليت شكلت قاعدة‬
‫عمل ‪ ( " Vygotsky‬الدواهيدي‪ ،9002 ،‬ص ‪.)95‬‬
‫أ‪ -‬المبادئ‪:‬‬
‫‪ ‬منطقة النمو المحتمل‪ :‬يطرح ‪ Vygotsky‬يف كتابه ‪ Mind in society‬مفهوم منطقة النمو‬
‫احملتمل ليصف الوظائف اليت تكون يف حالة حتول عند الطفل‪ ،‬فهو يعرفها بالفارق بني مستويني‪،‬‬
‫مستوى النمو املشاهد و هو ما يقاس مبدى قدرة الطفل على حل املشكالت مبفرده‪ ،‬و مستوى النمو‬
‫املتوقع الذي يقاس مبدى قدرة الطفل على حل املشكالت عندما يساعده شخص آخر (برتراند‪،‬‬
‫‪ ،9002‬ص ‪ .)120‬فإذا افرتضنا أننا نريد تعليم شخصني يف نفس السن لعبة معينة ال يتقنها‬
‫كالمها‪ ،‬فسنفرتض أهنما سيصالن إىل نفس النتيجة‪ ،‬أي أن النمو لديهما سيكون متساو‪ " ،‬غري أننا‬
‫إذا ما أخذنا بعني االعتبار – أثناء تعليمهما اللعبة – قابليتهما املختلفتني ملمارسة اللعبة و جمهوداهتما‬
‫يف التعلم ‪ ،‬فإننا سنحكم على منومها بعدم التساوي‪ ،‬لذلك ميكن القول أن منطقة النمو احملتمل تقوم‬
‫على مسلمتني مها‪ :‬مسلمة وجود إمكانية للنمو‪ ،‬و مسلمة ضرورة الوساطة االجتماعية الثقافية‪ .‬و‬
‫املقصود بكل مسلمة كما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬العالقة بين النمو و التعلم (مسلمة وجود امكانية للنمو)‪ :‬يصر ‪ Vygotsky‬على أن‬
‫الطفل ميلك نوعا من السيطرة على منوه‪ ،‬حيث يعترب أن النمو يكون تابعا للتعلم‪ ،‬و مل يدخر‬
‫جهدا يف التعبري عن معارضته لـ ـ ـ ‪ Piaget‬و أمثاله الذين يرون أن النمو يسبق التعلم‪ ،‬و‬

‫‪60‬‬
‫يعتقدون مثال أن الطفل ال يكون قادرا على تعلم املنطق الصوري مثال إال إذا بلغ مرحلة عمرية‬
‫معينة (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪" .)121‬حيث يرى ‪ Vygotsky‬انه لفهم طبيعة النمو والتعلم‬
‫ال يكون إال بفكرته عن منطقة النمو األدىن احملتمل ( ‪The zone of proximal‬‬
‫‪ ،) development‬فبالرغم من أن التعلم يبدأ قبل املدرسة فكل تعلم حيدث يف املدرسة له‬
‫تاريخ سابق‪ ،‬إن التعلم املدرسي يف املقابل يقدم شيئا جديدا لنمو الطفل وهنا يطرح فكرته عن‬
‫منطقة النمو احملتمل‪ ،‬واليت تؤكد بان اإلنسان غري حمدد بدرجة كبرية بدرجة النمو املفروضة‬
‫علينا‪ ،‬و لكشف العالقة احلقيقية بني عملية النمو وإمكانيات التعلم‪ ،‬فانه ال بد من حتديد‬
‫مستويني من النمو مها‪:‬‬
‫‪ ‬مرحلة النمو الواقعية ‪ :‬وهذه ترجع إىل مستوى منو العمليات العقلية واليت تنتج عن‬
‫االنتهاء من مرحلة منو معينة أو مبعىن آخر إىل درجة حمددة من النضج‪.‬‬
‫‪ ‬مستوى النمو املتوقع ‪ :‬وترجع إىل املدى الذي ميكن أن حيققه الطفل فوق ما تسمح به‬
‫مرحلة منوه الواقعية (درجة نضجه ) وهذا ما حيدده‪ Vygotsky‬كمنطقة للنمو‬
‫احملتمل‪ ( ".‬ح‪.‬الغامدي‪.) net ،9010 ،‬‬
‫‪ ‬الوساطة االجتماعية الثقافية‪ :‬تتميز منطقة النمو احملتملة بأهنا اجتماعية و ثقافية‪ ،‬فالشخص‬
‫يقلد يف تعلمه معلمه الذي ميارس أمامه موضوع التعلم‪ ،‬فالتلميذ مثال يتعلم الكتابة كما يكتب‬
‫معلمه‪ ،‬أي أنه يتأثر بثقافة املعلم‪ ،‬و هذا ما جيعل من التعلم عملية اجتماعية و ثقافية‪.‬‬
‫‪ -3‬نظريات التعلم السياقي‪:‬‬
‫يرى برتراند (‪ ،9002‬ص ‪ )122‬أنه قد تزايد االهتمام بتأثري التفاعالت االجتماعية يف تطوير الذكاء و التعلم‬
‫بشكل عام‪ ،‬فنجد ‪ Lave‬يهتم فيما يسميه بأثر احلياة اليومية على التعلم‪ ،‬كما تؤكد مجاعة من الباحثني‬
‫املنتمني إىل ''معهد البحوث يف التعلم'' أنه من غري املمكن عزل حتصيل املعرفة عن سياقها البيداغوجي و الثقايف‬
‫و االجتماعي‪...‬كما أن جتاهل سياق التعلم يتناقض مع مهمة الرتبية األساسية و اليت تكمن يف تزويد التلميذ‬
‫باملعارف اليت تنفعه يف احلياة اليومية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أ‪ -‬المبادئ‪( :‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)122 ،125‬‬
‫‪ ‬المعرفة كأداة تابعة اساسا للممارسة و للثقافة‪ :‬تقوم نظريات التعلم السياقي على مبدأ أساسي هو‬
‫أن املعرفة تعترب يف أساسها أداة تابعة للنشاط و للثقافة‪ ،‬و حيلل ‪ Lave‬هذا املبدأ قائال‪ :‬لقد قمنا‬
‫خالل السنوات القليلة املاضية بتحليل الفرد‪ ،‬و العملية املعرفية الداخلية‪ ،‬و التمثالت و الذاكرة و حل‬
‫املشكالت‪ ،‬غري أنه كان ينبغي لنظريتنا أن تشمل أشياء أخرى أيضا‪ ،‬ألن األفراد يعاجلون و يتمثلون و‬
‫يتذكرون معارفهم من خالل عالقات بعضهم ببعض‪ ،‬و وفق ما يستدعيه الوسط االجتماعي الذي‬
‫يتواجدون به‪ ،‬و النتيجة هي أنه ينبغي أن نوسع جمال نظرتنا الضمن‪ -‬فردية إىل النشاطات و‬
‫التفاعالت االجتماعية اليومية‪.‬‬
‫‪ ‬اكتساب المعارف ينتج عن المشاركة‪ :‬يؤكد ‪ Lave‬أن اكتساب املعارف يعد خاصية تنشأ من‬
‫مشاركة الشخص املقبولة إمجاال يف نشاط مجاعة تتقاسم نفس املمارسات‪ ،‬و يضيف ‪Lave‬‬
‫و ‪ Wenger‬أن املشاركة يف املمارسات االجتماعية تعد القالب األساسي للتعلم‪.‬‬
‫‪ ‬السياق الثقافي يحدد وسط استعمال المعرفة‪ :‬يدل لفظ السياق على جمموع خصائص الوسط‬
‫الذي ستستعمل فيه املعرفة‪ ،‬و إذا كانت الثقافة املدرسية حتتوي دائما على مشكلة حمددة جيدا‪ ،‬فإن‬
‫الثقافة اليومية تطرح مشاكل حمددة بشكل غري واضح أو حمددة جزئيا فقط‪.‬‬
‫ب‪ -‬االستراتيجيات التربوية‪( :‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)123 ،122‬‬
‫‪ ‬يتعلم الفرد في مواقف واقعية شبيهة بمواقف الحياة اليومية‪ :‬فكلما كان من املمكن استدراج‬
‫املعارف ضمن سياق واقعي‪ ،‬كلما كان من املمكن احلديث عن حتصيل املفاهيم‪.‬‬
‫‪ ‬يتعلم الشخص مع اآلخرين و يتقاسم معهم معارفه و مشاكله و اكتشافاته في سياق اجتماعي‪:‬‬
‫يتعلم الفرد داخل اجلماعة من خالل التعليم املتبادل و احلوار و الذي يعتمد على حضور أولياء‬
‫األمور و شركاء اجتماعيني آخرين هبدف خلق مواقف يتقاسم فيها أفراد اجلماعة املعرفة‪ ،‬و هذا ما‬
‫يعلم التالميذ كيف ينتقلون من عامل مصغر خاص بكل واحد منهم‪ ،‬إىل عامل أكثر تعقيدا و أكثر‬
‫اتساعا‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ ‬يتعلم الشخص كيف يتجاوز المعوقات‪ :‬تراهن هذه اإلسرتاتيجية الرتبوية على التأثريات اليت تتناول‬
‫اإلسرتاتيجيات غري الفاعلة‪ ،‬و على األخطاء و التصورات الرديئة‪...‬اخل‪ ،‬إذ أن مثل هذه املراهنة متكن‬
‫من الكشف بسهولة عن املفاهيم القبلية للتالميذ‪ ،‬كما أهنا متكن من جتاوز ما متثله هذه املفاهيم من‬
‫صعوبات‪ ،‬و تساعد أخريا يف تعويد التالميذ على معايشة اخلطأ يف الوقت الضائع و يف املواقف‬
‫املتميزة بغموضها‪...‬اخل‪.‬‬
‫‪ -4‬النظريات التعاونية للتعليم والتعلّم‪:‬‬
‫املدرسني الذين يهتمون هبا يزداد يوما‬
‫" تتمتع النظريات التعاونية للتعليم والتعلّم اليوم بانتشارها ال ـواسع‪ ،‬فعدد ّ‬
‫بعد يوم‪ ،‬وميكن مالحظة هذا االهتمام من خالل الرجوع هلذه النظريات يف فرنسا ويف أمريكا‪ ،‬ومن خالل ما‬
‫نشرته جملّة ‪ Le nouvel éducateur‬الف ـرنسية‪ ،‬وجملة ‪ Cooperative learning‬األمريكية من‬
‫ومهمة تدور حول الواقع اليومي للتعاون‪ ،‬لقد كانت النظريات التعاونية موجودة منذ‬
‫مقاالت عديدة توضيحية ّ‬
‫وقت بعيد‪ ،‬فالبيداغوجيا التعاونية الفرنسية تُ ْستَ َم ُّد من ‪ Freinet‬الذي أدخل ممارساهتا ونظرياهتا الرتبوية إىل‬
‫فرنسا سنة ‪ ،1222‬وميكن تلخيص األهداف الرتبوية التعاونية املستم ّدة من بيداغوجيا ‪ Freinet‬يف ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬تقوم بيداغوجيا ‪ Freinet‬على أربعة أهداف متثّل قوهتا وهي‪:‬‬
‫‪ ‬احلق يف التعبري والتواصل‪.‬‬
‫‪ ‬التحليل النقدي ملا هو واقعي‪.‬‬
‫‪ ‬التك ّفل ال ّذايت‬
‫‪ ‬التك ّفل باجلماعة‪.‬‬
‫‪ ‬إ ّهنا سريورة مستمرة‪:‬‬
‫الراشدين املختلفة‪.‬‬
‫‪ ‬بني الفرد واجلماعة على مستوى التالميذ والتعليم ومجاعات ّ‬
‫‪ ‬بني النّظرية والتطبيق مع استعمال الوسائل املادية (األدوات البيداغوجية) والنّظامية (التعاونية‬
‫ووسائل االتصال)‪.‬‬
‫‪ ‬بني القسم ال ّدراسي والوسط احمليط" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)122‬‬

‫‪63‬‬
‫" تقوم إشكالية الرتبية التعاونية على بعض املالحظات‪ ،‬نذكر منها السلبية اليت يوفّرها التعليم التقليدي‪ ،‬غياب‬
‫التنوع االقتصادي و‬
‫االتصال املباشر بني التالميذ‪ ،‬الضعف البيداغوجي لبعض الطرائق النشطة‪ ،‬ضعف تقبّل ّ‬
‫االجتماعي والعرقي" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪.)122‬‬
‫توجههم حنو نظريات‬
‫" فلذلك جند ّرواد هذه النظريّات حياولون العثور على حلول لتلك املشكالت من خالل ّ‬
‫يؤسسون لتدخالت تربوية خاصيتها‬
‫العمل اجلماعي الذي يعطي أمهية كبرية لنشاطات التلميذ‪ ،‬و من مثّة راحوا ّ‬
‫األساسية هي‪ :‬إدماج األشخاص بغض النظر عن أصوهلم العرقية و االقتصادية و االجتماعية وغريها من جهة‪،‬‬
‫واالهتمام باملشاركة النشطة للتالميذ من جهة ثانية" (برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪. )121‬‬
‫أ‪ -‬المبادئ‪:‬‬
‫املرات يف كتبهم نذكر منها‪:‬‬
‫تعرض هلا العديد من املؤلفني يف الكثري من ّ‬
‫هامة ّ‬
‫يقوم التعليم التعاوين على مبادئ ّ‬
‫(برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)129 -121‬‬
‫‪ ‬مبدأ الشراكة‪ :‬يعترب مبدأ الشراكة يف التعلّم التّعاوين مبدأً بسيطا ج ّداً‪ ،‬فتعلّم الطلبة يكون أحسن كلّما‬
‫توفّرت هلم فرصة العمل اجلماعي لتحقيق مشروع مشرتك بينهم‪.‬‬
‫‪ ‬مبدأ المرونة‪ :‬نظراً لتميّز هذه النظرية مبرونة كربى‪ ،‬فإ ّهنا تتوفّر على عدد هائل من أساليب العمل يف‬
‫التعليم التعاوين‪ ،‬فهي ترى أنّه ال يوجد لنموذج فريد صاحل لكل زمان ومكان‪ ،‬وما ينبغي القيام به‬
‫التكيّف مع ما تتميّز به مجاعات الطلبة ومع الثقافات ومع املناطق اجلغرافية‪...‬إخل‪.‬‬
‫‪ ‬مبدأ التعاون المتبادل‪ :‬يقوم التعلّم التعاوين على مبدأ مسامهة الكل وتعاونه مع اآلخرين‪ ،‬فكل واحد‬
‫يشارك يف العمل اجلماعي وعلى التالميذ املوهوبني أن يساعد والتالميذ األقل موهبة‪.‬‬
‫‪ ‬مبدأ التعقيد المعرفي‪ :‬بالرغم من أ ّن املواقف التعليمية تتأسس يف هذا النوع من التعليم على جتميع‬
‫الطلبة‪ ،‬فإ ّن التلميذ الواحد جيد نفسه بالضرورة يف موقف معريف ونفس اجتماعي يستخدم فيه عدداً‬
‫يطور ذاته" يف سياق أكثر إثارة‪.‬‬
‫من املتغريات وبالتايل فهو يتعلّم كيف " ّ‬

‫‪64‬‬
‫‪ ‬مبدأ تشكيلة من المواقف االجتماعية‪ :‬يراهن التعليم التعاوين على حتصيل السلوكات االجتماعية‬
‫األكثر أمهية مثل‪ :‬تقبّل اآلخر‪ ،‬إذ ميكن أن نالحظ يف مثل هذا التعليم تناقصاً للسلوكات العنصرية‬
‫والتنافسية‪.‬‬
‫ب‪ -‬االستراتيجيات التربوية‪( :‬برتراند‪ ،9002 ،‬ص ‪)122 -122‬‬
‫‪ ‬جعل كل فرد مسؤوال‪ :‬جيب أن يشعر التلميذ بأنّه مسؤول عن سري اجلماعة‪ ،‬فالطلبة يشاركون أكثر‬
‫إذا ما عرفوا أ ّهنم سيكافؤون على اجملهودات الفردية اليت يبذلوهنا يف التّعلّم‪ .‬ومن هنا ينبغي‪:‬‬
‫‪ ‬تقدمي املكافئة‪:‬انطالقا من نتائج أداءات اجلماعة وإعطاء عالمات إضافية للتالميذ (مثال عندما‬
‫حتصل اجلماعة على ‪ %20‬من النجاح يف نشاطها)‪.‬‬
‫‪ ‬جتنّب املبالغة يف الكفاءات املادية (النقود أو اهلدايا‪...‬إخل)‪.‬‬
‫‪ ‬القيام بتقديرات حمكية بدل القيام بتقديرات معيارية لكل طالب‪.‬‬
‫‪ ‬التأكيد على املسؤوليات الفردية كلما كانت اجلماعة تتجاوز ثالثة أفراد‪.‬‬
‫‪ ‬تكوين جماعات صغيرة غير متجانسة‪ :‬تؤكد العديد من البحوث على تكوين مجاعات صغرية‪ ،‬و‬
‫من األفضل أن تكون غري متجانسة يف تكوينها و جيب‪:‬‬
‫‪ ‬تكوين مجاعات ال تتع ّدى أربعة أو مخسة أشخاص‪ ،‬على اعتبار أن كرب حجم اجلماعة ال يسمح‬
‫للتالميذ بالقيام مبا يكفي من املمارسات‪ ،‬و أ ّن اجلماعات ذات األحجام الصغرية ج ّداً تكون ناقصة‬
‫التنوع فيها‪.‬‬
‫التفاعالت بسبب نقص ّ‬
‫‪ ‬تكوين مجاعات غري متجانسة أل ّن ذلك يسمح بالرفع من درجات الفوائد االجتماعية‪ ،‬لذلك جيب‬
‫تكوين مجاعات بشكل جيعلها حتتوى على أشخاص خمتلفني دراسيا‪ ،‬واجتماعيا‪ ،‬وعرقيا‪ ،‬وثقافياً‪.‬‬
‫وصى‬
‫‪ ‬العمل على تشجيع بقاء اجلماعة أطول م ّدة ممكنة (مل ّدة سداسي واحد على األقل) و يُ َ‬
‫بالعمل مع كل فرقة من ‪ 2‬إىل ‪ 12‬مرة‪.‬‬
‫‪ ‬جتنّب تواجد الطلبة الضعاف أو صغار السن ضمن مجاعات متجانسة‪.‬‬
‫تبني أ ّن بعضها يعاين كثرياً من الصعوبات أثناء عملها‪.‬‬
‫‪ ‬إعادة تكوين اجلماعات إذا ما ّ‬

‫‪65‬‬
‫‪ ‬برمجة النشاطات‪ :‬جيب جتنيب التالميذ كل الوضعيات اليت جتعل منهم أفراداً مستقبالً للمعلومات‬
‫املدرس أن‪:‬‬ ‫ِ‬
‫فقط‪ ،‬وينبغي أن يكون التلميذ نشيطاً وفامها لما يُنتظر منه‪ ،‬وبالتايل جيب على ّ‬
‫‪ ‬ينظم نشاطات كل ال ّدروس‪.‬‬
‫‪ ‬حي ّدد بدقة األهداف و السريورات اليت جيب إتباعها‪.‬‬
‫املدرس‪.‬‬
‫‪ ‬يتجنّب النشاطات الغامضة‪ ،‬أل ّهنا تدفع بالتالميذ إىل تأويل نوايا ّ‬
‫‪ ‬يبدأ بالنشاطات البسيطة ُمثّ ينتقل إىل النشاطات األكثر تعقيداً مىت تعلّم التالميذ كيفية العمل‬
‫بفعالية مع زمالئهم‪.‬‬
‫‪ ‬تطوير المهارات االجتماعية‪ :‬يـُ َع ُّد حتصيل املهارات االجتماعية أحد األهداف الرئيسية‪ ،‬وجيب أن‬
‫للمدرس أن‪:‬‬
‫يتعلّم الطلبة كيف يسامهون يف مهام مشرتكة‪ ،‬وهلذا ينبغي ّ‬
‫‪ ‬يـُ َع ِّود التالميذ على التفاعل فيما بينهم بكل فعالية قبل بداية التعلّم التعاوين‪.‬‬
‫‪ ‬حي ّدد مؤ ّشرات لتسهيل التدخالت‪.‬‬
‫‪‬ينظّم املمارسات التعاونية‪ ،‬أل ّن التعاون سلوك ميكن تعلّمه‪.‬‬
‫‪ ‬يدفع التالميذ إىل التفكري يف فعالية نشاطاهتم التعاونية‪.‬‬
‫املدرس ُم َس ِّهالً‪ ،‬أي ال يُبلّغ املعلومات فحسب‪ ،‬بل يقوم بتنفيذ العديد من‬
‫‪ ‬جيب أن يكون ّ‬
‫الوظائف لتسهيل العمل الفردي والعمل اجلماعي‪ ،‬وبالتايل جيب عليه أن‪:‬‬
‫التفوق أو الفشل يف التعلّم‪.‬‬
‫الراجعة لتفسري ّ‬
‫يلجأ إىل استعمال التغذية ّ‬ ‫‪‬‬
‫للتفوق فقط‪.‬‬
‫موجهة ّ‬
‫يتجنّب كل تغذية راجعة ّ‬ ‫‪‬‬
‫ال يتخلّى عن اجلماعات اليت تعاين من صعوبات يف سري عملها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫* و عليه فللنظريات االجتماعية املعرفية فضل بارز يف تأكيدها على البعد االجتماعي للتعلم‪ ،‬حيث أظهرت‬
‫أمهية االحتكاك بالبيئة مبا جيعل الطفل يف موقع الصراع و التحدي املعريف‪ ،‬وهو ما جيعله يستخدم تَعلُ َماتِه و‬
‫مكتسباته السابقة لفهمه و حل الصراع و املشكل الذي أثاره‪ ،‬األمر الذي يكسبه تَعلُ َمات جديدة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫المحاضرة السابعة‪ :‬النظرية التربوية اإلسالمية‪Théorie de l'éducation islamique:‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫" البحث يف نظرية املعرفة يف الرتبية اإلسالمية أمر هام‪ ،‬و حاجة ملحة يف احملتوى املعريف و تطبيقاته‪ ،‬و على‬
‫املستوى اإلسالمي و اإلنساين‪ ،‬و تتجلى هذه األمهية خاصة يف انتهاء عصر احلضارات احمللٌيَّة املوقوتة املتتابعة‪،‬‬
‫ستمرة‪...‬فمن األمور اليت تشري إىل دخول اإلنسان عصر حضارة عاملية‬
‫و بدء عصر احلضارة العاملية الواحدة امل َّ‬
‫مستمرة‪ ،‬هو هذا االضطراب و الفوضى يف جمتمعات األرض قاطبة‪ ،‬و هو تعبي ـ ـ ـ ـر عن اإلحساس كالتمزق بني‬
‫طور انتهت فاعليته و طور بدت معامله ‪ ،‬و تشت ٌد فيه احلاجة إىل جتديد انتماء النَّاس و جتديد اهلوية لألفراد و‬
‫العالقات بني الشعوب و األمم ‪ ،‬و هذا يعين أن العبور إىل نعيم احلضارة اإلنسانيَّة اجلديدة هو للذين حيسنون‬
‫بلورة نظريَّة تربويَّة هلا فلسفتها و نظريَّتها يف املعرفة و يف التَّطبيق‪ ،‬و يف إ خراج إنسان جديد حييط بالتَّفاعالت‬
‫اجلارية و يسخرها لبناء جمتمع عاملي جديد املؤسسات‪ ،‬رفيع التطبيقات‪ ،‬رباين العالقات‪ ،‬جيسد الكمال‬
‫اإلنساين حتت شعار ‪ ﴿{ :‬إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم ف اعبدون﴾ (األنبياء‪ ،‬اآلية ‪"} )29‬‬
‫(الكيالين‪ ،9002 ،‬ص ‪.)9‬‬
‫" و من األصوات القويَّة اليت ندَّدت مبنهاج املعرفة املعاصرة ‪ Abraham Maslow‬رئيس مجعيات علماء‬
‫تخصصة بأنَّه َّ‬
‫حل‬ ‫النَّفس يف الواليات املتَّحدة يف السبعينات من القرن العشرين‪ ،‬و الذي وصفته اجملالت امل ٌ‬
‫حمل ‪ -‬داروين‪ ،‬و فرويد‪ ،‬و سكينر ‪ -‬يف التأثري على العقل الغريب عا َّمة‪ ،‬و من أقواله يف هذا اجملال { ال َّ‬
‫بد‬
‫بد من معىن أوسع للعلم ؛ إن ملحد القرف التاسع عشر قد أحرق البيت‬ ‫من طريقة جديدة للمعرفة ‪ ،‬و ال َّ‬
‫مقررات‬
‫بدل أن يعيد ترميمه‪ ،‬فلقد رمى جبميع األسئلة اليت يطرحها ال ٌدين و بإجاباهتا معا‪ ،‬و أدار ظهره لكل َّ‬
‫الدين‪ ،‬ألن القائمني على ال ٌدين قد طلعوا عليه بإجابات ال يستطيع قبوهلا‪ ،‬و ال تقوم على شواهد و براهني‬
‫ميكن أن يبلعها العامل الذي حيرتم نفسه‪ ،‬و من املسلَّم به اآلن أن علماء النفس الطبيعيني و اإلنسانيني سوف‬
‫يعتربون كل شخص ال يهتم بالدين و موضوعاته و قضاياه إمنا هو إنسان شاذ و مريض" (الكيالين‪،9002 ،‬‬
‫ص ‪.)3‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ -1‬مفهوم النظرية التربوية اإلسالمية‪:‬‬
‫" هي جمموعة من املبادئ و احلقائق املرتابطة‪ ،‬و املستمدة من آيات اهلل يف القرآن الكرمي و سنة نبيه صلى اهلل‬
‫عليه و سلم‪ ،‬و املبثوثة يف النفس اإلنسانية أو الكون‪ ،‬و الشاملة مليادين العملية الرتبوية كافة‪ ،‬و اهلادفة إىل‬
‫توجيه السلوك اإلنساين مث تفسريه يف ضوء قيم اإلسالم و مبادئه اخلالدة"‪(.‬املزيين‪ ،9015 ،‬ص ‪)10‬‬
‫كما عرفت بأهنا " منهج كامل للحياة‪ ،‬و نظام متكامل لرتبية و رعاية النشء‪ ،‬فهي تشتمل على أهداف و‬
‫فلسفة و مناهج التعليم و طرائق التدريس‪ ،‬و هي حترص على الفرد و اجملتمع‪ ،‬و حترص أيضاً على القيم املادية‬
‫و الروحية و األخالق‪ ،‬و توازن بني احلياة الدنيا و احلياة اآلخرة " (القامسي‪ ،1223 ،‬ص ‪.)52‬‬
‫و أيضا ت تعريفها بأهنا " جمموع املفهومات اليت يرتبط بعضها ببعض يف إطار فكري واحد يستند إىل املبادئ‬
‫والقيم اليت جاء هبا اإلسالم واليت ترسم عدداً من اإلجراءات والطرائق العملية اليت يؤدي تنفيذها إىل أن يسلك‬
‫املرء سلوكا يتفق وعقيدة اإلسالم" ( علي‪ ،9000 ،‬ص ‪)11‬‬
‫و هي أيضا " جمموعة متناسقة مرتابطة من املفهومات والقيم الفاعلة يف نفس املؤمن‪ ،‬وروحه حىت إذا كان على‬
‫غري وعي كامل هبا أو على غري قدرة على صياغتها وترتيبها وعرضها " ) جاسم‪ ،‬و فنن‪ ،9000 ،‬ص ‪.)2‬‬
‫و هي " جمموعة من املبادئ و املفاهيم و التصورات الرتبوية املستمدة من القرآن و السنة املوجهة لسلوك األفراد‬
‫يف املواقف التعليمية‪ ،‬و لتقومي نشاط املتعلم و املعلم معا هبدف ترشيدمها و تطوير قدراهتما‪ ،‬كما تنطوي النظرية‬
‫على األهداف و الوسائل املستخدمة يف العمليات التعليمية" (مدن‪ ،9002 ،‬ص ‪.)99‬‬
‫" وهبذا تقدم الرتبية اإلسالمية املنظومة املتكاملة من املعتقدات عن طبيعة املعرفة ووسائلها‪ ،‬والسبل املوصلة‬
‫إليها‪ ،‬مث اهلدف العام فيها‪ ،‬والنسق القيمي واألخالقي الذي حيكم حياة الفرد واجملتمع واألمة‪ ،‬وهذا األساس‬
‫الفلسفي لألمة عموما‪ ،‬وملناهج الرتبية والتعليم اإلسالمية على حنو خاص‪ ،‬ينبثق من نظرة اإلسالم إىل الكون و‬
‫احلياة و اإلنسان‪ ،‬و من هذا األساس الفلسفي تشتق األهداف العامة للرتبية و التعليم مث األهداف اخلاصة‬
‫بكل مرحلة تعليمية‪ ،‬و يشتمل حمتوى منهج الرتبية اإلسالمية على مواد كسب املهارة وتعلم الصناعات‬
‫املختلفة و اإلعداد للحياة العملية‪ ،‬و العمل اجلاد الذي يعني اإلنسان على عمارة األرض مبقتضى منهج اهلل‬
‫فضالً عن مواد ترقية الوجدان و إبراز عظمة اهلل يف خلقه" (السعدون‪ ،9019 ،‬ص ‪.)1111‬‬

‫‪68‬‬
‫‪ -2‬مصادر النظرية التربوية اإلسالمية‪:‬‬
‫ميكن إجياز مصادر النظرية الرتبوية اإلسالمية يف مصدرين أساسيني مها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬القرآن الكرمي‪ .‬ثانيا‪ :‬السنة النبوية الشريفة‪.‬‬
‫‪ -1-2‬القرآن الكريم‪:‬‬
‫و هو "كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬أوحى به إىل نبيه حممد صلى اهلل عليه وسلم لينقذ الناس به و ليعلمهم التوحيد‪ّ ،‬بني‬
‫اهلل فيه من األحكام ما ّبني‪ ،‬و ّبني فيه من الفضائل ما هبا صالح األمة‪ ،‬به سعادة اإلنسان يف احلياة الدنيا و‬
‫احلياة اآلخرة‪ ،‬و هو أفضل الكتب السماوية اليت أنزلت على الرسل‪ ،‬و أمجعها للخري‪ ،‬و أوفاها حلاجة البشر‪،‬‬
‫و أبقاها على الدهر‪ ،‬مصدقاً ملا قبله من الكتب السماوية األخرى‪ ،‬و مهيمناً عليها‪ ،‬و هو دعوة احلق لسائر‬
‫اخللق إىل يوم الدين‪ ،‬ال إميان إال به‪ ،‬وال جناة من اآلخرة إال يف إتباعه‪ ،‬قال تعاىل ﴿ و من يبتغ غير اإلسالم‬
‫دينا ف لن يقبل منه و هو في اآلخرة من الخاسرين ﴾ ( آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ،)35‬و هو املعجزة الكربى‬
‫الدالة على صدق الرسالة و الدعوة العظمى منه تعاىل إىل التوحيد و اإلسالم‪ ،‬الباقية و القائمة ما بقي‬
‫الدهر‪...‬حث النيب صلى اهلل عليه و سلم أصحابه خاصة‪ ،‬و املسلمني عامة‪ ،‬يف كل العصور على أن يتخذوه‬
‫إماماً هلم‪ ،‬يقتدون به‪ ،‬و خيضعون حلكمه‪ ،‬و جيتهدون يف تعلمه و تفهم أسراره و تدبر معانيه‪ ،‬أكرم اهلل به نبيه‬
‫صلى اهلل عليه و سلم‪ ،‬و جعله املعجزة الكربى املستمرة على تعاقب األزمان‪ ،‬حتدى به اإلنس واجلان‪ ،‬و أفحم‬
‫به مجيع أهل الزيغ و الطغيان‪ ،‬و جعله ربيعاً لقلوب أهل البصائر و العرفان‪ ،‬تكفل حبفظه و أودعه يف صدور‬
‫املؤمنني األطهار‪ ،‬و من نعيم فضله على عباده أن ّبني فيه من اآليات ما يدل على فضائل القرآن قال تعاىل ﴿‬
‫إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم و يُبشِّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا‬
‫كبيرا ﴾ ( اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪( ")2‬السعدون‪ ،9019 ،‬ص ‪)1112‬‬
‫" و كان للقرآن الكرمي وقع عظيم و أثر تربوي بالغ يف نفوس املسلمني‪ ،‬إذ بدأ نزوله بآيات تربوية فيها إشارة‬
‫إىل أن أهم أهدافه تربية اإلنسان بأسلوب حضاري فكري‪ ،‬عن طريق اإلطالع و القراءة و التعلم قال تعاىل‬
‫الذي علم بالق لم‬ ‫إقرأ و ربك األكرم‬ ‫خلق اإلنسان من علق‬ ‫﴿إقرأ باسم ربك الذي خلق ‪1‬‬
‫ط‬
‫اآليات ‪( ")5 -1‬السعدون‪ ،9019 ،‬ص ‪)1113‬‬ ‫علم اإلنسان ما لم يعلم ﴾ ( ‪1‬العلق‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ -2-2‬السنة النبوية الشريفة‪:‬‬
‫" متثل السنة النبوية الشريفة لدى املسلمني املصدر الثاين للتشريع يف كل جماالت احلياة و ليس يف اجلانب‬
‫التعليمي فحسب‪...‬فالسنة النبوية الشريفة هي وعاء النظرية التعليمية اإلسالمية بعد القرآن‪ ،‬و قد حفظ‬
‫الصحابة رضوان اهلل عليهم هذه النظرية من خالل حفظ نصوصها و شرحها و بيان معانيها للناس "‬
‫(الكيالين‪ ،1235 ،‬ص ‪ )92 ،99‬عمال بقول اهلل تعاىل ﴿ ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه‬
‫ف انتهوا ﴾ ( احلشر‪ ،‬اآلية ‪ ،)2‬و كذا قوله عز و جل ﴿ لقد كان لكم في رسول اهلل أسوة حسنة لمن‬
‫كان يرجو اهلل و اليوم اآلخر و ذكر اهلل كثيرا ﴾ ( األحزاب‪ ،‬األية ‪)91‬‬
‫و هي كل " ما صدر عن النيب صلى اهلل عليه و سلم‪ ،‬غري القرآن‪ ،‬من قول أو فعل أو تقرير‪ ،‬فهي هبذا‬
‫االعتبار دليل من أدلة األحكام و مصدر من مصادر التشريع‪ ،‬و مكانة السنة النبوية يف التشريع اإلسالمي‬
‫حقيقة يقررها القرآن الكرمي يف آيات عديدة منها قوله سبحانه وتعاىل ﴿ من يطع الرسول فقد أطاع اهلل و‬
‫من تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ﴾ ( النساء‪ ،‬اآلية ‪( ")30‬السعدون‪ ،9019 ،‬ص ‪.)1112‬‬
‫" و السنة جاءت يف األصل لتحقيق هدفني‪:‬‬
‫‪ ‬إيضاح ما جاء يف القرآن و إىل هذا املعىن أشار القرآن الكرمي يف قوله تعاىل ﴿ و أنزلنا إليك الذكر‬
‫لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ﴾ (النحل‪ ،‬اآلية ‪.) 22‬‬
‫‪ ‬بيان تشريعات و آداب أخرى كما ورد يف قوله تعاىل ﴿ و يعلمهم الكتاب و الحكمة ﴾ ( اجلمعة‪،‬‬
‫اآلية ‪ ،)9‬أي السنة كما فسرها اإلمام الشافعي رمحه اهلل الطريقة العلمية اليت هبا تتحقق تعاليم القرآن‪،‬‬
‫و ورد عن الرسول صلى اهلل عليه و سلم أنه قال { لقد أوتيت القرآن ومثله معه }‪.‬‬
‫للسنّة يف اجملال الرتبوي فائدتان عظيمتان‪:‬‬
‫و ُ‬
‫‪ ‬إيضاح املنهج الرتبوي اإلسالمي املتكامل الوارد يف القرآن الكرمي‪ ،‬وبيان التفاصيل اليت مل ترد يف القرآن‬
‫الكرمي‬
‫‪ ‬استنباط أسلوب تربوي من حياة الرسول حممد صلى اهلل عليه وسلم مع أصحابه و معاملته األوالد‬
‫وغرسه اإلميان يف النفوس‪( ".‬السعدون‪ ،9019 ،‬ص ‪)1113‬‬

‫‪70‬‬
‫" و قد يستنري املنظرون للرتبية اإلسالمية ببعض املصادر غري امللزمة و تسمى مصادر ثانوية مثل‪:‬‬
‫‪ ‬الدراسات التارخيية و الدراسات الرتبوية آلراء العلماء املسلمني‪.‬‬
‫‪ ‬دراسة الشخصيات اإلسالمية الالمعة يف جمال الرتبية كابن خلدون‪ ،‬و الغزايل‪ ،‬و ابن تيمية‪ ،‬و ابن‬
‫القيم‪ ،‬و ابن مجاعة و غريهم‪.‬‬
‫‪ ‬معطيات البحوث العلمية الصحيحة اليت تلقي الضوء على طبيعة اإلنسان‪ ،‬وطريقة تعلمه‪.‬‬
‫‪ ‬كل خربات البشر اليت ال تتعارض مع العقيدة اإلسالمية‪( ".‬م‪ .‬الغامدي‪ ،9019 ،‬ص ‪)92‬‬
‫‪ -3‬أهداف التربية اإلسالمية‪:‬‬
‫" تتصف األهداف العامة للرتبية اإلسالمية بأمرين‪ ،‬األول أهنا تبدأ بالفرد و تنتهي باجملتمع اإلنساين عامة‪ ،‬و‬
‫الثاين‪ ،‬أهنا تبدأ بالدنيا و تنتهي باآلخرة بأسلوب متكامل متناسق" ( الكيالين‪ ،1235 ،‬ص ‪)92‬‬
‫" و تدور األهداف الرتبوية اإلسالمية حول أربعة مستويات هي‪:‬‬
‫‪ ‬أوال‪ :‬األهداف اليت تدور على مستوى العبودية هلل سبحانه و تعاىل‪ ،‬يقول اهلل عز و جل ﴿ و ما‬
‫خلقت الجن و اإلنس إال ليعبدون ﴾ ( األنبياء‪ ،‬اآلية ‪ ،)95‬و يقول جل يف عاله ﴿ و ما أرسلنا‬
‫من قبلك من رسول إال نوحي إليه أنه ال إله إال أنا ف اعبدون ﴾ ( الذاريات‪ ،‬اآلية ‪.)52‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬األهداف اليت تدور على مستوى الفرد‪ ،‬إلنشاء شخصية إسالمية ذات مثل أعلى يتصل باهلل‬
‫و ذكر اسم ربه فصلى‬ ‫تزكى ‪1‬‬ ‫تعاىل‪ ،‬يقول اهلل عز و جل يف كتابه احلكيم ﴿ قد أف لح من‬
‫‪1‬‬
‫بل تؤثرون الحياة الدنيا و اآلخرة خير و أبقى ﴾ ( األعلى‪ ،‬اآليات ‪.)12 -12‬‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬
‫ط‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬
‫يف‪1‬‬ ‫املؤمنة‪ ،‬يقول اهلل عز و جل‬
‫حول بناء اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬أو بناء األمة ‪1‬‬
‫‪ ‬ثالثا‪ :‬األهداف اليت تدور ‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫ط‬ ‫ط‬
‫كتابه احلكيم ﴿ يا أيها ‪1‬الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى ‪1‬و جعلناكم شعوبا و قبائل‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬
‫لتعارفوا إن أكرمكم عند اهلل أتق اكم ﴾ ( احلجرات‪ ،‬اآلية ‪)19‬‬
‫‪ ‬رابعا‪ :‬األهداف اليت تدور حول حتقيق املنافع الدينية و الدنيوية‪ ،‬يقول اهلل عز و جل يف حمكم التنزيل‬
‫﴿و ابتغ فيما آتاك اهلل الدار اآلخرة و ال تنس نصيبك من الدنيا و أحسن كما أحسن اهلل‬
‫إليك ﴾ ( القصص‪ ،‬اآلية ‪ ( " )22‬جابر‪.)net ،9002 ،‬‬

‫‪71‬‬
‫" و عليه ميكن حتديد أهداف الرتبية اإلسالمية على النحو األيت‪:‬‬
‫‪ ‬تنشئة اإلنسان الذي يعبد اهلل و خيشاه‪ ،‬فالرتبية اإلسالمية جاءت لتحقيق هدف اإلسالم يف‬
‫تنشئة أبنائه على عقيدته و مبادئه‪ ،‬و قيمه و مثله‪ ،‬و يف التسامي بفطرهم إىل الغاية اليت رمسها‬
‫هلم‬
‫‪ ‬تربية اإلنسان لبلوغ الفضيلة وكمال النفس عن طريق العلم باهلل عز وجل‪.‬‬
‫‪ ‬حتقيق سعادة اإلنسان يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ ‬تعليم الناشئة مبادئ الدين اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ ‬تربية املتعلم الصاحل املتفاعل مع بيئته االجتماعية الذي يقدر املسؤولية‪.‬‬
‫‪ ‬تربية املتعلم من جوانبه مجيعاً جسمياً و عقلياً و روحياً و انفعالياً و اجتماعياً‪.‬‬
‫‪ ‬هتذيب أخالق املتعلم بضبط سلوكه مبا يتفق و الدين اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ ‬تنمية قدرة املتعلم على تعمري األرض و تسخري ما فيها لصاحله‪.‬‬
‫‪ ‬غرس القيم اإلنسانية البناءة اليت يربيها اإلسالم يف نفوس أبنائه باحرتام إنسانيتهم‪ ،‬و التعامل‬
‫معهم بغض النظر عن لوهنم‪ ،‬أو جنسهم‪ ،‬أو دينهم‪( ".‬السعدون‪ ،9019 ،‬ص ‪)1112‬‬
‫و عليه "فالرتبية اإلسالمية مجعت بني تأديب النفس و تصفية الروح و تثقيف العقل و تقوية اجلسم‪ ،‬فهي تُعىن‬
‫بالرتبية الدينية و اخللقية و العلمية و اجلسمية دون تضحية بأي نوع منها على حساب اآلخر‪ (".‬عبد الرمحن‪،‬‬
‫‪.) net ،9012‬‬
‫‪ -4‬خصائص التربية اإلسالمية‪:‬‬
‫تتميز النظرية الرتبوية اإلسالمية جبملة من اخلصائص اليت متيزها عن غريها‪ ،‬و هي‪( :‬السعدون‪ ،9019 ،‬ص‬
‫‪)1112 -1112‬‬
‫‪ ‬الطبيعة اإللهية‪ :‬فالعقائد اإلسالمية و العبادات و املعامالت و السرية و األخالق و بقية جوانب‬
‫التعلم يف الرتبية اإلسالمية كلها تعتمد على القرآن الكرمي اإلهلي املصدر‪ ،‬و تعتمد على ُسنّة رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه و سلم اإلهلية املصدر أيضاً عن طريق اإلهلام أو الوحي‪ ،‬و يرتتب على هذه‬

‫‪72‬‬
‫الطبيعة اإلهلية أن أساسيات هذا الدين ثابتة و ينبغي أن تقدم إىل الناشئة على أهنا حقائق أو مبادئ‬
‫ال تقبل اجلدل أو املناقشة كما ينبغي أن تقدم على أهنا تتناسب مع نظرة اإلنسان ألهنا من لدن‬
‫حكيم عليم و على أهنا ال ترتبط مبكان أو زمان معينني‪.‬‬
‫‪ ‬التكامل‪ :‬و تعين هذه اخلاصية أن جوانب الدين اإلسالمي متكاملة تتبادل التأثري‪ ،‬و يتصل بعضها‬
‫ببعض‪ ،‬و التكامل له معان عدة منها ‪ :‬أن اجلوانب العملية يف اإلسالم ال تصبح ذات معىن أو ذات‬
‫قيمة إال إذا سبقها اعتقاد أو نية طيبة‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وآله وسلم{ إنما األعمال بالنيات و‬
‫إنما لكل امرئ ما نوى }‪ ،‬و هذا يعين ضرورة االنسجام بني العلم و العمل أو بني العقيدة و‬
‫الشريعة و ضرورة االتفاق بني اجلوانب املختلفة للشخصية‪ ،‬كما يعىن التكامل أيضاً أن اإلسالم‬
‫جبوانبه املختلفة يتناول الفرد من جوانبه مجيعها الفكرية و النفسية و اجلسمية حبيث يؤدي هذا إىل‬
‫تكوين الفرد املسلم املتوازن‪ ،‬كما يعين التكامل أيضا عدم التناقض بني جوانب العملية الرتبوية‬
‫اإلسالمية أي يوجد تكامل و اتساق بني األهداف و احملتوى و املصادر و الوسائل‪.‬‬
‫‪ ‬الشمول‪ :‬إن للرتبية اإلسالمية نظرة شاملة للكون و اإلنسان و احلياة و تعىن باإلنسان من نواحي‬
‫تكوينه مجيعها‪ ،‬جسميا‪ ،‬و عقلياً‪ ،‬و روحيا‪ ،‬و ذلك أن نظرة القرآن الكرمي إىل اإلنسان هي نظرة‬
‫شاملة متزنة معتدلة‪ ،‬فاإلنسان ليس بالكيان املادي فحسب‪ ،‬كما أنه ليس بالروح اجملردة عن املادة‬
‫بل هو كائن حيتاج إىل منو اجلسم و العقل و الروح و اخللق بتوازن و اعتدال‪.‬‬
‫‪ ‬التوازن‪ :‬تتميز الرتبية اإلسالمية بالتوازن‪ ،‬فالنظام اإلسالمي هو نظام متوازن‪ ،‬و يبدو ذلك يف التوازن‬
‫بني العقل والوجدان‪ ،‬و بني اجلسد و الروح و بني الدنيا و اآلخرة‪ ،‬قال تعاىل ﴿و ابتغ فيما آتاك‬
‫اهلل الدار اآلخرة و ال تنس نصيبك من الدنيا و أحسن كما أحسن اهلل إليك ﴾ ( القصص‪،‬‬
‫اآلية ‪.)22‬‬
‫‪ ‬العالمية‪ :‬تتسم الرتبية اإلسالمية بأهنا تربية عاملية‪ ،‬صاحلة لكل زمان و مكان مهما اختلفت‬
‫األجناس و األلسن‪ ،‬و هي يف ذلك تستمد عامليتها من عاملية اإلسالم‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫‪ ‬الواقعية‪ :‬و تعين هذه اخلاصية أن اإلسالم يتعامل مع احلقائق املوضوعية ذات الوجود احلقيقي المع‬
‫تصورات عقلية‪ ،‬و ال مع مثاليات ال مقابل هلا يف الواقع‪ ،‬فهو منهج قابل للتحقيق يف احلياة‬
‫اإلنسانية‪ ...‬و يرتتب على هذا أن تكون مناهج الرتبية اإلسالمية موافقة للطبيعة اإلنسانية يعمل‬
‫على تزكيتها‪ ،‬و حفظها من االحنراف‪ ،‬و سالمتها‪ ،‬و أن تنمي القدرة على املوازنة بني اخلري و الشر‪،‬‬
‫و احلق و الباطل‪ ،‬و ينبغي على املنهج أن يكون واقعياً ممكن التطبيق‪.‬‬
‫‪ ‬الثبات والمرونة‪ :‬تتميز الرتبية اإلسالمية بأهنا جتمع بني الثبات الذي يعين قطعية األحكام و‬
‫صالحيتها لكل زمان و مكان‪ ،‬و املرونة اليت تعين اتساعها لتشمل حاجات العصر وتغريات احلياة‬
‫املتجددة‪ ،‬و الرتبية اإلسالمية ينبغي أن تعكس تلك اخلاصية للدين اإلسالمي حبيث تصبح من أبرز‬
‫خصائصها و مساهتا‪ ،‬فالغايات و األهداف العليا للرتبية اإلسالمية ثابتة مستقرة‪ ،‬بينما األهداف‬
‫الوسطية و القريبة مرنة و قابلة للتغيري‪ ،‬و األصول و املصادر األساسية للرتبية اإلسالمية ثابتة‪ ،‬بينما‬
‫األساليب و الوسائل مرنة قابلة للتطور و التغيري‪ ،‬و كل ذلك وفقاً ملا تتطلبه حركة احلياة من تطور‪،‬‬
‫فالرتبية اإلسالمية هتيئ الفرد املسلم ملواجهة تلك التطورات لكن يف وجود قيم ثابتة‪.‬‬
‫‪ ‬اإللزامية‪ :‬الرتبية اإلسالمية فريضة إسالمية‪ ،‬فال حتقيق لشريعة اإلسالم إال برتبية أفراده على اإلميان‬
‫باهلل عز وجل ومراقبته و اخلضوع له‪ ،‬فهي فريضة يف أعناق اآلباء و املدرسني‪ ،‬و أمانة حيملها اجليل‬
‫إىل اجليل الذي بعده‪ ،‬و هذا يتطلب إعداد اإلنسان و هتذيبه حىت يصبح قادرا على محل األمانة‬
‫وتأدية الرسالة‪.‬‬
‫‪ -5‬التطبيقات التربوية للنظرية التربوية اإلسالمية‪:‬‬
‫‪ -1-5‬المناهج في التربية اإلسالمية‪:‬‬
‫" إن حمتوى املنهج اإلسالمي يتضمن مواد و مقررات قد تكون علمية و نظرية تنمي مهارات حمددة‪ ،‬لكن هذا‬
‫احملتوى بتميزه بالنظرية اإلسالمية سوف يكون له عدد من اخلصائص اليت قد تشرتك مع خصائص أي منهج‬
‫وفق نظريات أخرى لكنها تلتزم باملبادئ اإلسالمية‪ ،‬منها الصدق‪ ،‬و مالءمة ميول املتعلمني‪ ،‬و الثبات" (م‪.‬‬
‫الغامدي‪ ،9019 ،‬ص ‪.)25‬‬

‫‪74‬‬
‫أسلَمة املناهج هامة فهي تعطي املناهج البعد و الصيغة اإلسالمية‪ ،‬بربط املواد الدراسية‬
‫إن " عملية تأصيل و ْ‬
‫مببادئ اإلسالم‪ ،‬مثل القيم اخللقية و الدينية و ربط هذا كله حبياة الطالب يف جمتمعه‪ ،‬و عملية التأصيل هذه‬
‫تتطلب إعادة صياغة املناهج الدراسية احلالية على ضوء اإلسالم من حيث املعلومات و تنسيقها و ربط بعضها‬
‫ببعض ربطاً منطقياً‪ ،‬هذا كله يتطلب صياغة األهداف بطريقة جتعل فروع املعرفة املختلفة تثرى التصور‬
‫اإلسالمي لرتبية الطالب ليكون عامالً و مشاركاً يف بناء جمتمعه بصورة جادة و نشطه و يتمكن من أداء دوره‬
‫بإجيابية و فعالية" ( عبد الرمحن‪.) net ،9012 ،‬‬
‫" و من اجملاالت اليت ينبغي أن يتضمنها حمتوى املنهج يف ضوء النظرية الرتبوية اإلسالمية‪:‬‬
‫‪ ‬املعرفة اخلاصة بالدين اإلسالمي احلنيف‪.‬‬
‫‪ ‬معرفة النفس البشرية وجسم اإلنسان من كافة اجلوانب‪.‬‬
‫‪ ‬املعرفة اخلاصة بالكيمياء والفيزياء‪ ،‬فهذان العلمان خيتصان باجلمادات اليت خلقها اهلل يف هذا الكون‬
‫الفسيح‪.‬‬
‫‪ ‬املعرفة اخلاصة بالنباتات و احليوانات‪.‬‬
‫‪ ‬املعرفة اخلاصة بالكون و الظواهر الكونية‪.‬‬
‫‪ ‬املعرفة اخلاصة بالبيئة سواء البيئة الطبيعية أو البشرية‪.‬‬
‫‪ ‬املعرفة اخلاصة بالعامل اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ ‬املعرفة اخلاصة بعلوم اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ ‬املعرفة اخلاصة باللغات األجنبية‪.‬‬
‫‪ ‬املعرفة اخلاصة مبكونات اجملتمع و وحداته‪.‬‬
‫‪ ‬احرتام دور العلماء يف احلضارة اإلنسانية عرب العصور املختلفة" (م‪ .‬الغامدي‪ ،9019 ،‬ص ‪.)25‬‬
‫" و مبا أن التوجه احلضاري العام يف الدول اإلسالمية هو حنو بناء اإلنسان املسلم احلق‪ ،‬فيجب أن تبىن املناهج‬
‫على تأصيل كل اخلربات و املعلومات اليت تعطى للطالب‪ ،‬فعملية التأصيل هذه أصبحت من القضايا اهلامة يف‬
‫الدول اإلسالمية نسبة لتوجههم اإلسالمي‪ ،‬إذ جيب الرجوع إىل القيم اليت يف اجلذور اإلسالمية لنستمد منها ما‬
‫نضمن أنه يبين اإلنسان الكامل املتكامل من مجيع جوانبه اخللقية و العقلية و اجلسدية و االجتماعية على‬

‫‪75‬‬
‫أساس إسالمي حقيقي‪ ،‬و جيب أن توضع كل املناهج من منظور إسالمي متجدد حسب التطور و االنفجار‬
‫املعريف و التكنولوجي الذي حدث يف عامل اليوم‪ ،‬مع التمسك القوي باألصالة يف النشأة و الوجود مع‬
‫االستمرارية‪ ،‬حىت ال يتهم املنهج الدراسي بأنه جامد يف قوالب ال تتغري بظروف الزمان و املكان و لكن جيب‬
‫أن يظل األصل ثابتاً مهما تغريت األمناط و األشكال‪ ،‬و اليت تكون نتاجا طبيعيا لتوجه جمتمع معني و جهده‪،‬‬
‫فكلما تغريت حياته بتغري الظروف تغري الشكل دون املضمون‪ ،‬وهو األصل‪ ،‬ألنه يظل مرتبطاً بتصورات اجملتمع‬
‫العامة يف احلياة و املعتقدات و التقاليد و املثل اليت يتمسك هبا اجملتمع و هو التوجه احلضاري‪ .‬وهبذا يكون‬
‫للمجتمع اإلسالمي صبغة خاصة ال تتغري وال تتبدل على الرغم من اختالف ظروف الزمان و املكان‪ ،‬و هذه‬
‫الصبغة اخلاصة هي نتاج لوحدة التصور النابع من وحدة العقيدة اإلسالمية‪...‬و مبا أن املؤسسات التعليمية‬
‫كلها مبا فيها اجلامعات هي املؤسسات اليت هتتم ببناء الفرد املسلم من مجيع جوانبه االجتماعية و النفسية و‬
‫العقلية و اخللقية و اجلسدية و تعدل من سلوكه و اجتاهاته‪ ،‬كان ال بد من مراعاة عوامل التغيري و البناء و‬
‫ربطها باملؤثرات و املتغريات الثقافية و احلضارية‪ ،‬و ربط هذا بواقع التلميذ وعقيدته" ( عبد الرمحن‪،9012 ،‬‬
‫‪.) net‬‬
‫إذا‪ " ،‬متثل الرتبية اإلسالمية النشاط االجتماعي الذي ينبع من فلسفة األمة و يدور حول اإلنسان يف كل دور‬
‫من أدوار حياته‪ ،‬حىت يتكيف مع نفسه و مع اجلماعة اليت يتعامل معها‪ ،‬فاكتساب املفاهيم الدينية يعلم الطلبة‬
‫أصول الدين و جينبهم الوقوع بالزلل و اخلطأ‪ ،‬و يكون لديهم املعيار السلوكي لكي يتصرفوا يف ضوئه‪ ،‬ألن هذه‬
‫املفاهيم تفقد قيمتها إذا مل تنعكس آثارها على حياهتم و تصرفاهتم و تصبح سلوكا عمليا حممودا‪ ،‬تتجلى يف‬
‫يقظة ضمريهم‪ ،‬و مسو وجداهنم‪ ،‬و متسكهم بالفضائل‪ ،‬و تساميهم عن الرذائل و هنوضهم بالواجبات الدينية‬
‫يف محاسة و إميان‪ ،‬و هنا البد من اإلشارة إىل ضرورة ارتباط منهج الرتبية اإلسالمية باستعدادات الطلبة و‬
‫ميوهلم و قدراهتم و حاجاهتم و الفروق الفردية بينهم‪ ،‬و البد أن تنسجم حمتويات هذا املنهج مع البيئة الثقافية‬
‫و االجتماعية‪ ،‬و القضايا املتجددة يف املنطقة اليت يعمل على تطبيق و تنفيذ املنهج فيها‪ ،‬فال فائدة من منهج‬
‫دراسي يوضع مبعزل عن استعدادات الطلبة و قدراهتم‪ ،‬و عن طبيعة املرحلة اليت ميرون هبا‪ ،‬و ما تتصف به كل‬

‫‪76‬‬
‫مرحلة من خصائص و مظاهر يف جوانب شخصية الفرد مجيعها" (السعدون‪ ،9019 ،‬ص ‪،1111‬‬
‫‪.)1119‬‬
‫‪ -2-5‬طرائق التدريس في التربية اإلسالمية‪:‬‬
‫إن " الطريقة أو األسلوب الذي يستعمله املدرس يف إيصال املعلومات إىل الطالب تسمى طريقة التدريس‪ ،‬و‬
‫كلما كانت هذه الطريقة جيدة و مناسبة للطالب و املادة العلمية كانت أكثر فاعلية يف حتقيق األهداف‬
‫الرتبوية‪ ،‬من هنا كانت لطريقة التدريس أمهية بالغة يف العملية الرتبوية و عليها يتوقف إىل حد كبري فشل‬
‫التعليم أو جناحه "(السعدون‪ ،9019 ،‬ص ‪.)1119‬‬
‫" يف هذا العنصر ميكن اإلشارة إىل معنيني‪ :‬املعىن األول ‪:‬الكيفية اليت يعرض هبا احملتوى على املتعلمني‪ ،‬و‬
‫الثاين ‪:‬الكيفية اليت يتعامل هبا املعلمون واملتعلمون مع احملتوى‪.‬‬
‫و بناء على التنظيم الذي يتم اعتماده كمدخل أساسي لعرض احملتوى كالتنظيم اهلرمي أو التتابعي‪ ،‬فإن هذه‬
‫الطرق و األساليب البد و أن تتناسب مع ما حدد للمنهج الرتبوي من مصفوفة املدى و التتابع‪ ،‬و الطرق و‬
‫األساليب املستخدمة يف املنهج اإلسالمي البد أن تتماشى مع طبيعة الركائز و املنطلقات اليت يصدر عنها من‬
‫جانب‪ ،‬و مع طبيعة األهداف اليت يرمى إىل حتقيقها من جانب آخر‪ ،‬مع األخذ يف احلسبان أن تلك الطرق و‬
‫األساليب تسهم يف إعداد اإلنسان الصاحل للدنيا و اآلخرة معا ‪ ،‬على غري املناهج التابعة لنظريات أخرى‬
‫تستهدف إعداد املواطن الصاحل جملتمعه فقط مبقاييس دنيوية‪ ،‬تارة هتتم باجلانب النفسي كحاجات‪ ،‬و تارة‬
‫تقدم اجلانب االجتماعي كنفعية و إنتاج‪ ،‬و لذلك جند األسلوب يف املنهج اإلسالمي يقدم للمتعلم بشكل‬
‫متوازن مع حاجاته كفرد و ما يلزمه جتاه اجملتمع‪...‬فالطرق التدريسية يف املنهج اإلسالمي مل تـُغَال يف احلرية‬
‫املطلقة للمتعلم الكتساب القيم بعيدا عن الضبط يف املوقف التعليمي‪ ،‬و مل تالزم اجلمود يف الطرق التقليدية‪،‬‬
‫فطرقه تنطلق من االهتمام باملتعلم و جعله حمور العملية التعليمية‪ ،‬كما يهتم بالطرق التطبيقية العملية كالقدوة‬
‫و التمثيل بضوابطه الشرعية‪ ،‬فيحرم الوسائل اليت تؤثر على األخالق أو تلحق الضرر باملتعلمني‪ ،‬وهبذا فقد‬
‫ضمنت الطرق التدريسية يف املنهج اإلسالمي املوازنة بني واجبات املعلم كقدوة و املتعلم كمحور للعملية‬
‫التعليمية‪ ،‬و هذا تفتقده املناهج يف ضوء النظريات األخرى‪ ،‬فتارة تغفل جانب املتعلم كالنظريات املستمدة من‬

‫‪77‬‬
‫الفلسفة املثالية‪ ،‬و تارة تغفل جانب املعلم كالنظرية الربمجاتية والفنون املتعددة ( سعادة و إبراهيم‪،9001 ،‬‬
‫ص‪.) 177‬‬
‫و ميكن إمجال الطرق واألساليب يف املنهج اإلسالمي فيما يلي‪( :‬م‪ .‬الغامدي‪ ،9019 ،‬ص ‪.)23 ،22‬‬
‫‪ ‬أسلوب القدوة الصاحلة‪ ،‬قال تعاىل﴿ لقد كان لكم في رسول اهلل أسوة حسنة لمن كان يرجو‬
‫اهلل و اليوم اآلخر و ذكر اهلل كثيرا ﴾ )األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.)90‬‬
‫‪ ‬أسلوب القصة‪ ،‬ويعد هذا األسلوب من أهم األساليب وأنفعها‪ ،‬و هذا راجع إىل تأثري القصة على‬
‫السامع‪ ،‬وقد ذكر القرآن الكرمي قصص األنبياء‪ ،‬كما ذكر قصص املكذبني بالرساالت وما أصاهبم من‬
‫عذاب نتيجة تكذيبهم الرسل‪.‬‬
‫و ذكر عل‬ ‫‪ ‬أسلوب التوجيه واملوعظة احلسنة‪ ،‬قال تعاىل ﴿ فتول عنهم فما أنت بملوم‬
‫الذكرى تنفع المؤمنين﴾ (الذاريات‪ ،‬اآليات ‪ ،)55 ،52‬وقال أيضا ﴿ ادع ‪1‬إلى سبيل ربك‬
‫‪1‬‬

‫ط‬
‫‪1‬‬ ‫بالحكمة و الموعظة الحسنة ﴾ ) النحل‪ ،‬اآلية ‪)195‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ ‬أسلوب الرتغيب والرتهيب‪ ،‬وقد استعمل القرآن الكرمي هذا األسلوب ‪ ،‬إذ يذكر حياة املؤمنني يف‬
‫اآلخرة‪ ،‬و يف املقابل يذكر حياة الكافرين فيها و ما يناهلم من عذاب‪ ،‬حيث يقول عز وجل ﴿ ثم‬
‫اصطَفَ ْينَا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم ُمقتصد و منهم‬
‫أورثنا الكتاب الذين ْ‬
‫ون فيها من‬
‫سابق بالخيرات بإذن اهلل ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها يُ َحلّ َ‬
‫الح َزن‬
‫أساور من ذهب و لؤلؤا و لباسهم فيها حرير و‪1‬ق الوا الحمد هلل الذي اذهب عنا َ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 1‬ط‬
‫صب و ال يََمسنا‬
‫ََ‬‫ن‬ ‫فيها‬ ‫نا‬ ‫س‬‫م‬ ‫ي‬
‫ََ‬ ‫ال‬ ‫فضله‬ ‫من‬
‫امة ‪1‬‬
‫المق ‪1‬‬
‫إن ربنا لغفور شكور الذي أحلّنا دار ُ‬
‫‪1‬‬ ‫ط‬
‫ضى عليهم فيموتوا و ال يُخفف عنهم من‬
‫فيها لَغوب و الذين‪1‬كفروا لهم نار جهنم ال ‪1‬يُقْ َ‬
‫‪1‬‬

‫‪1‬‬ ‫ط‬
‫كذلك نجزي‪1‬كل كفور ﴾ (فاطر‪ ،‬اآليات ‪.)92 -99‬‬ ‫عذابها‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫ط‬
‫ار‪ ،‬و قد استخدم القرآن الكرمي أسلوب احلوار يف مواضع عديدة‪ ،‬منها حوار إبراهيم عليه‬
‫‪ ‬أسلوب احلو ‪1‬‬

‫السالم مع أبيه‪ ،‬قال تعاىل ﴿ إذ ق ال ألبيه يا أَب ِ‬


‫‪1‬‬
‫ت لم تعبد ما ال يسمع و ال يبصر و ال يغني‬ ‫َ‬

‫‪78‬‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬
‫ط‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬
‫عنك شيئا يا أبت إنِّي قد جاءني من العلم ما لم يَأْتِ َ‬
‫ك ف اتَّبعني أَهدك صراطا سويا يا‬
‫تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عَ ِصيَّا‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬
‫ك‬
‫يا أبت إني أخاف أن يََم‪1‬سَّ َ‬ ‫‪1‬‬ ‫أبت ال‬
‫ط‬ ‫‪1‬‬ ‫ط‬
‫لئن لم‬
‫أنت عن آلهتي ي ا إبراهيم ‪1‬‬
‫عذاب من‪ 1‬الرحمن فتكون للشيطان وليا ق ال أراغب ‪1‬‬
‫‪1‬‬
‫ك و اهجرني مليا ق ال سالم‪ 1‬عليك سأستغفر‪ 1‬لك ربي إنه كان بي َحفِيَّا ﴾‬
‫‪1‬‬ ‫ط‬ ‫‪1‬‬
‫تنته ألَ ْر ُج َمنَّ َ‬
‫‪1‬‬ ‫ط‬ ‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫(مرمي‪ ،‬اآليات ‪)22 -29‬‬
‫‪1‬‬ ‫ط‬
‫عندما ال ُجتدي األساليب السابقة‪ ،‬و هو ما عرب عنه الشرع‬ ‫األسلوب‬
‫‪1‬‬ ‫‪ ‬أسلوب العقاب‪ ،‬ويستعمل هذا‬
‫‪1‬‬
‫بإقامة احلدود و التعزير‪.‬‬
‫‪ ‬أسلوب ضرب األمثال‪ ،‬و هو لون من ألوان التصوير الفين يف القرآن‪ ،‬و منه كل التشبيهات اليت جيء‬
‫هبا إلحالة املعاين واحلاالت صور ا و هيئات‪ ،‬و من هذا النوع قال تعاىل ﴿ ألم تر كيف ضرب اهلل‬
‫تؤتي أكلها كل حين‬ ‫مثال كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء‬
‫‪1‬‬
‫كلمة خبيثة كشجرة خبيثة‬
‫بإذن ربها و يضرب اهلل األمثال للناس لعلهم يتذكرون و مثل ‪1‬‬
‫ط‬
‫الذين آمنوا ‪1‬بالقول الثابت في الحياة‬ ‫اجتثت من فوق األرض ما لها من قرار يثبت اهلل‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫ط‬
‫يشاء ﴾ ( إبراهيم‪ ،‬اآليات ‪.)92 -92‬‬
‫الدنيا و في اآلخرة و يضل اهلل الظالمين‪1‬و يفعل اهلل ما ‪1‬‬
‫‪1‬‬

‫‪1‬‬ ‫ط‬
‫‪1‬‬ ‫و يضيف نشوان الطرق التالية‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ ‬طريقة حل املشكالت‪.‬‬
‫‪ ‬طريقة حتقيق الذات‪.‬‬
‫‪ ‬التعليم املربمج‪.‬‬
‫‪ ‬التدريس بالفريق‪.‬‬
‫‪ ‬التعليم املصغر‪( .‬نشوان‪ ،1223 ،‬ص ‪.)922‬‬
‫ريب من حتقيق أهداف املنهج الرتبوي‬
‫هذا و يؤّكد الباحث علي أمحد مذكور أ ّن مجيع الطرائق اليت مت ّكن امل ِّ‬
‫ُ‬
‫فضل طريقة‬
‫اإلسالمي هي طرائق سليمة‪ ،‬سواء ما كان موجودا منها اآلن‪ ،‬أو ما سيوجد فيما بعد‪ ،‬فهو ال يُ ّ‬

‫‪79‬‬
‫على أخرى‪ ،‬بل ُميكن املزج بينها حسب متطلبات املوقف التعليمي‪ " ،‬ففعالية الطريقة وتأثريها خيتلف‬
‫املادة أو احملتوى الذي تتناوله‪،‬‬
‫املدرس إىل حتقيقها‪ ،‬وباختالف طبيعة ّ‬
‫باختالف مستويات األهداف اليت يسعى ّ‬
‫ومبدى كفاءة املعلم يف استخدام الطريقة‪ ،‬وباختالف نوعيات وأعداد التالميذ ومبدى توافر البيئة املدرسية‬
‫املناسبة والتجهيزات املالئمة" ( مدكور‪ ،9002 ،‬ص ‪.)923‬‬
‫‪ -3-5‬المعلم في التربية اإلسالمية‪:‬‬
‫" املعلم يف ظل املنهج اإلسالمي مسؤول أمام اهلل مث أمام اجلهة اليت يعمل فيها‪ ،‬انطالقا من حديث املصطفى‬
‫تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع‪ ،‬عن شبابه فيما أباله‪ ،‬و‬
‫عليه الصالة و السالم {ال ُ‬
‫عن عمره فيما أفناه‪ ،‬و عن ماله من أين اكتسبه و فيما أنفقه‪ ،‬و عن علمه ما فعل به}‪ ،‬وقوله يف حتذيره‬
‫من كتم العلم {من ُسئل عن علم فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار }‪.‬‬
‫" و قد بلغ من شرف التعليم أن جعلها اهلل من مجلة املهمات اليت كلف هبا رسوله صلى اهلل عليه و سلم‪،‬‬
‫يقول اهلل عز و جل ﴿ ربنا و ابعث فيهم رسوال منهم يتلوا عليهم آياتك و يعلمهم الكتاب و الحكمة‬
‫و يزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ﴾ ( البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ( ")192‬س‪ .‬سعيد‪ ،9003 ،‬ص ‪.)992‬‬
‫" و يتميز املعلم بالتخصص يف جماله و النشاط و الفعالية‪ ،‬و ال يدعي اإلملام بكل اجلوانب املادية و املعنوية‬
‫كلِّ ذي علم عليم ﴾ ( يوسف‪ ،‬اآلية ‪ ،)22‬لذلك جيب أن‬
‫للمتعلم‪ ،‬يقول اهلل عز و جل ﴿ و فوق ُ‬
‫يتصف املعلم بصفات أمهها‪ :‬كما يراها س‪ .‬سعيد( ‪ ،9003‬ص ‪)990 -992‬‬
‫‪ ‬أن يكون هدفه و سلوكه و تفكريه ربانيا قال تعاىل ﴿ و لكن كونوا ربانيين ﴾ ( آل عمران‪،‬‬
‫اآلية ‪ ،)22‬أي ينتسبون إىل الرب جل جالله بطاعتهم هلل تعاىل و عبوديتهم له و اتباعهم لشرعه و‬
‫معرفتهم لصفاته‪ ،‬من أجل نقلها إىل طالهبم‪ ،‬و بدون هذه الصفة ال ميكن للمعلم أن حيقق هدف‬
‫الرتبية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون خملصا عمله هلل تعاىل‪ ،‬و هذا من متام صفة الربانية و كماهلا‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ ‬أن يكون صبورا على معاناة التعليم و تقريب املعلومات إىل أذهان املتعلمني‪ ،‬فذلك يتطلب تنويعا‬
‫لألساليب و مكارهة النفس على حتمل املشقة‪ ،‬كما أن الطالب ليسوا سواء يف القدرة على التعلم‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون صادقا فيما يدعو إليه‪ ،‬و عالمة الصدق ان يطبقه على نفسه‪ ،‬فإذا طابق علمه عمله اتبعه‬
‫املتعلم و اقتدى به يف كل أقواله و أفعاله‪ ،‬أما إذا خالف عمله ملا يدعو إليه‪ ،‬فإن املتعلم يشعر بعدم‬
‫جدية أقوال معلمه و عدم عزمه على حتقيق ما يقول‪ ،‬و قد عاتب اهلل املؤمنني على عدم صدقهم‬
‫كبر مقتا عند‬ ‫فيما يقولون بقوله تعاىل ﴿ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ال تفعلون‬
‫أتأم ُرون‬
‫اهلل أن تقولوا ما ال تفعلون ﴾ ( الصف‪ ،‬اآليات ‪ ،)9 ،9‬و يقول عز و‪ 1‬جل ﴿ ُ‬
‫‪1‬‬

‫ط‬
‫ون ﴾ (البقرة‪ ،‬اآلية‬
‫كم و أنتُم تتلُون الكتاب أ ف ال تعق لُ ‪1‬‬
‫بالبر و تنسون أنفس ُ‬
‫الناس ِّ‬
‫‪1‬‬
‫‪.)22‬‬
‫‪ ‬أن يكون دائم التزود بالعلم و املدارسة له‪ ،‬ألن تعليم العلم و تبسيطه للناشئني ال يأيت إال بعد‬
‫هضمه و التعمق يف فهمه‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون قادرا على تنويع أساليب التعليم و متقنا هلا‪ ،‬عارفا باألسلوب الذي يصلح لكل موقف من‬
‫مواقف التدريس و مواده‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون قادرا على الضبط و السيطرة على الطلبة‪ ،‬حازما يضع األمور يف مواضعها‪ ،‬و يلبس لكل‬
‫حالة لبوسها فال يتشدد حيث ينبغي التساهل‪ ،‬و ال يتساهل حيث جتب الشدة‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون دارسا لنفسية املتعلم يف املرحلة اليت يتعلم هبا‪ ،‬إي يكون على معرفة مبراحل منو الطفل و‬
‫متطلبات كل مرحلة‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون واعيا للمؤثرات و االجتاهات العاملية و ترتكه يف نفوس اجليل من أثر على املعتقدات و‬
‫أساليب التفكري‪ ،‬مدركا ملشكالت احلياة املعاصرة‪ ،‬و عالج اإلسالم هلا‪َ ،‬م ِرنًا َكيِّ ًسا‪ ،‬يستمع لكل‬
‫آراء الطلبة و استفساراهتم و شكوكهم فيتتبع أسباهبا و يعاجلها حبكمة و روية‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون عادال بني من يعلمهم‪ ،‬ال مييل إىل فئة منهم‪ ،‬و ال يفضل أحد على أحد إال باحلق‪ ،‬و مبا‬
‫يستحق كل متعلم حسب عمله و مواهبه‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫" و من هنا جيب على املريب املسلم أن يتمثل احلراك يف هنجه الرتبوي‪ ،‬و الديناميكية يف السلوك‪ ،‬و التطبيق‬
‫العملي السلوكي‪ ،‬و ينأى جبعل الرتبية اإلسالمية يف أطر جامدة نظرية ساكنة‪ ،‬ال متت للحياة املعاصرة بصلة‪ ،‬و‬
‫ال متت للتأسي بالعصور اإلسالمية الذهبية يف االلتزام يف عهد السرية النبوية و عهد خريوية القرون الثالث‬
‫األوىل‪ ،‬حيث كانت الرتبية اإلسالمية حراك و عمل‪ ،‬قبل أن تكون تنظريا و كلمات‪ ،‬و هنا املشكل يف واقع‬
‫الرتبية اإلسالمية اليت اصطبغت باجلمود و السكون و التنظري‪ ،‬و من الديناميكية مبكان‪ ،‬متابعة االجتاهات‬
‫العاملية احلديثة يف النظريات الرتبوية يف أطر األصالة و املعاصرة‪ ،‬و استثمار ما ال يتعارض منها مع ثوابت‬
‫الشريعة اإلسالمية يف تطوير املناهج الرتبوية املستندة إىل الرتبية اإلسالمية‪ ،‬و تفعيلها يف الطرائق و األساليب و‬
‫االسرتاتيجيات التعليمية التَـ َعلُّ ِميَة‪ ،‬ألن احلكمة ضالة املؤمن أىن وجدها أخذها يف أطر واعية ناضجة‪ ،‬تستند‬
‫إىل الفكر ال ِرسايل يف اإلسالم" ( س‪ .‬سعيد‪ ،9003 ،‬ص ‪.)992‬‬
‫‪ -4-5‬المتعلم في التربية اإلسالمية‪:‬‬
‫" املتعلم يف املنهج اإلسالمي بصفته الطالب املنتظم يف مرحلة من مراحل العلم هو ذلك العنصر الذي تسعى‬
‫الرتبية من أجل إعداده يف كافة اجلوانب العلمية و اإلنسانية و الشخصية‪ ،‬و يوجب عليه القيام بأدواره و‬
‫كل‬
‫تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد ُ‬
‫واجباته جتاه ربه و علمه‪ ،‬قال تعاىل ﴿ وال ُ‬
‫أُولئك كان عنهُ مسئُوال ﴾ ( اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪ ،)92‬و انطالقا من اعتبار طلبه للعلم عبادة مىت ما كانت‬
‫نيته خالصة هلل أوال ‪ ،‬و ترسيخ مبدأ العلم و العمل به يف حياته‪ ،‬مع تأكيد حريته و قدراته على اإلبداع و‬
‫التجديد و عمارة الكون مبا ينفع الناس مع تكرميه حيا فال جيوز إدانته أو القصاص منه إال باحلق" ( م‪.‬‬
‫الغامدي‪ ،9019 ،‬ص ‪.)50‬‬

‫لقد اشتمل القرآن على كثري من اآليات اليت حتث على العلم و تأمر به‪ ،‬و ترغِّ ُ‬
‫ب اإلنسان يف النظر يف الكون‬
‫و احلياة‪ ،‬لسرب أغوارها‪ ،‬و معرفة كيفية االستفادة منها‪ ،‬فيقول اهلل تعاىل ﴿ هو الذي جعل الشمس ضياءً و‬
‫القمر نورا و قدَّره منازل لتعلموا عدد السنين و الحساب ما خلق اهلل ذلك إال بالحق يفصل اآليات‬
‫لقوم يعلمون﴾ ( يونس‪ ،‬اآلية ‪ ،)5‬و قوله أيضا ﴿ و هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في‬

‫‪82‬‬
‫ظلمات البر و البحر قد فصلنا اآليات لقوم يعلمون ﴾ ( األنعام‪ ،‬اآلية ‪ ،)22‬و قوله أيضا ﴿ يرفع اهلل‬
‫الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات و اهلل بما تعملون خبير ﴾ ( اجملادلة‪ ،‬اآلية ‪ ،)11‬كما‬
‫أشارت النصوص القرآنية إىل أن طلب العلم يقوم عل مبدأ االستمرارية و االستزادة فيقول عز و جل ﴿ و ق ل‬
‫رب زدني علما ﴾ ( طه‪ ،‬اآلية ‪.)112‬‬
‫ِّ‬
‫و اهتمت السنة النبوية الشريفة بطلب العلم و حضت عليه‪ " ،‬حيث يروى عن الرسول صلى اهلل عليه و سلم‬
‫قوله { من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل اهلل له طريقا إلى الجنة‪ ،‬و إن المالئكة لتضع أجنحتها‬
‫رضاء لطالب العلم و إن العالم ليستغفر له من في السموات و من في األرض حتى الحيتان في الماء‪ ،‬و‬
‫فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب‪ ،‬إن العلماء ورثة األنبياء‪ ،‬و إن األنبياء لم‬
‫يورثوا دينارا و ال درهما‪ ،‬إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ }" ( س‪ .‬سعيد‪ ،9003 ،‬ص ‪.)125‬‬
‫"و سامهت الرحلة يف طلب العلم يف إثراء احلركة العلمية‪ ،‬و توسعة نطاقها‪ ،‬حيث كان العلماء يرحتلون من قطر‬
‫إىل قطر‪ ،‬و من مدينة إىل مدينة‪ ،‬متحملني مشاق السفر و العذابات يف سبيل حتقيق أهدافهم السامية يف‬
‫طلب العلم‪ ،‬و إثراء الذات بالعلوم النافعة املعمقة" ( س‪ .‬سعيد‪ ،9003 ،‬ص ‪.)125‬‬
‫" إن البشرية على مدار تارخيها مل تعرف نظاما شامال واسعا حميطا بكل األمور كاإلسالم‪ ،‬أما الفلسفة‬
‫اإلسالمية فتنبع من القرآن الكرمي و احلديث الشريف‪ ،‬و قد قامت على أساسهما‪ ،‬و تأثرت الفلسفة اإلسالمية‬
‫أيضا مبا قبلها و ما حوهلا من الفلسفات‪...‬و هذا التأثر ال يعين أهنا طبعت بطابع تلك الفلسفات‪ ،‬و لكن‬
‫هذا يعين أهنا كانت تأخذ ما يناسبها و يتمشى مع مبادئ اإلسالم احلنيف‪ ،‬فالغاية القصوى من الفلسفة‬
‫اإلسالمية هي احلكمة و اليت تعين معرفة اهلل سبحانه و تعاىل‪ ،‬و ال تقف الفلسفة اإلسالمية عند ذلك بل‬
‫تتعداه إىل املالحظة و التجريب و ما هو واقعي و ملموس يف هذا الكون الواسع الفسيح‪ ،‬و الغرض من ذلك‬
‫الوصول إىل احلقيقة و املعرفة لقوله تعاىل ﴿ سنريهم آياتنا في اآلف اق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه‬
‫الحق ﴾ (فصلت‪ ،‬اآلية ‪ ( ")59‬ناصر‪ ،‬و بن طريف‪ ،‬و الزبون‪ ،9010 ،‬ص ‪)115‬‬

‫‪83‬‬
‫المصادر‪:‬‬
‫‪ -1‬القرآن الكرمي‪.‬‬
‫المراجع‪:‬‬
‫القواميس‪:‬‬

‫‪ -9‬غريب‪ ،‬عبد الكرمي‪ 9002( .‬أ)‪ .‬املنهل الرتبوي – معجم موسوعي يف املصطلحات و املفاهيم‬
‫البيداغوجية و الديداكتيكية و السيكولوجية – اجلزء األول‪ .‬ط‪ .1‬ال ّدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ :‬منشورات عامل‬
‫الرتبية‪.‬‬
‫‪ -9‬غريب‪ ،‬عبد الكرمي‪ 9002( .‬ب)‪ .‬املنهل الرتبوي – معجم موسوعي يف املصطلحات و املفاهيم‬
‫البيداغوجية و الديداكتيكية و السيكولوجية – اجلزء الثاين‪ .‬ط‪ .1‬ال ّدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ :‬منشورات عامل الرتبية‪.‬‬
‫الكتب‪:‬‬
‫‪ -2‬برتراند‪ ،‬ي (‪ .)9002( .)Y. Bertrand‬النظريات الرتبوية املعاصرة‪ .‬ط‪ ( .1‬ترمجة بوعالق حممد)‪.‬‬
‫الرباط‪ ،‬املغرب‪ :‬مكتبة دار األمان‪.‬‬
‫‪ -5‬بن بوزيد‪ ،‬بو بكر‪ .)9002( .‬إصالح الرتبية يف اجلزائر ‪ -‬رهانات و إجنازات ‪ .-‬اجلزائر‪ :‬دار القصبة‬
‫للنشر‪.‬‬
‫‪ -2‬جونز‪ ،‬فيليب‪ .)9010( .‬النظريات االجتماعية و املمارسة البحثية‪ .‬ط ‪( .1‬ترمجة حممد ياسر اخلواجة)‪.‬‬
‫مصر‪ :‬مصر العربية للنشر و التوزيع‪.‬‬
‫‪ -2‬سعادة‪ ،‬جودت و إبراهيم‪ ،‬عبد اهلل‪ .)9001( .‬تنظيمات املناهج و ختطيطها و تطويرها‪ .‬ط‪ .9‬عمان‪،‬‬
‫األردن‪ :‬دار الشروق للنشر و التوزيع‪.‬‬
‫‪ -3‬سعيد‪ ،‬جودت‪ .)9019( .‬العمل قدرة و إرادة ‪ -‬أحباث يف سنن تغيري النفس و اجملتمع‪ .-‬دار الفكر‬
‫املعاصر‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ -2‬سعيد‪ ،‬سعاد جرب‪ .)9003( .‬علم النفس الرتبوي‪ .‬ط ‪ .1‬إربد‪ ،‬األردن‪ :‬عامل الكتب احلديث للنشر و‬
‫التوزيع‪.‬‬

‫‪ -10‬العبد هلل‪ ،‬إبراهيم يوسف‪ .)9002( .‬اإلصالحات الرتبوية ملواجهة متطلبات العصر و حتديات‬
‫املستقبل‪ .‬ط‪ .1‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ :‬شركة املطبوعات للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -11‬علي‪ ،‬سعيد إمساعيل‪ .)9000( .‬القرآن الكرمي رؤية تربوية‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬مصر‪:‬دار الفكر العريب‪.‬‬
‫‪ -19‬غريب‪ ،‬عبد الكرمي‪ .)9002( .‬سوسيولوجيا املدرسة‪ .‬ط‪ .1‬ال ّدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ :‬مطبعة النجاح‬
‫اجلديدة‪.‬‬
‫‪ -19‬الفرجاين‪،‬عبد العظيم عبد السالم‪ .)9009( .‬التكنولوجيا و تطوير التعليم‪ .‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ :‬دار غريب‬
‫للطباعة و النشر و التوزيع‪.‬‬
‫‪ -12‬القامسي‪ ،‬علي حممد‪ .)1223( .‬مفهوم الرتبية اإلسالمية و طرائق التدريس‪ .‬اإلمارات العربية‪ :‬دار املنار‬
‫للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -15‬الكيالين‪ ،‬ماجد عرسان‪ .)1235( .‬تطور مفهوم النظرية الرتبوية اإلسالمية – دراسة منهجية يف‬
‫األصول التارخيية للرتبية اإلسالمية ‪ .-‬ط ‪ .9‬بريوت‪ :‬دار ابن كثري و املدينة املنورة‪ :‬مكتبة دار الرتاث‪.‬‬
‫‪ -12‬الكيالين‪ ،‬ماجد عرسان‪ 9005( .‬أ)‪ .‬أهداف الرتبية اإلسالمية‪ .‬ديب‪ :‬دار القلم‪.‬‬
‫‪ -12‬الكيالين‪ ،‬ماجد عرسان‪ 9005(.‬ب)‪ .‬الرتبية و التجديد و تنمية الفاعلية عند العريب املعاصر‪ .‬ديب‪:‬‬
‫دار القلم‪.‬‬
‫‪ -13‬مدكور‪ ،‬علي أمحد‪ .)9002(.‬نظريات املناهج الرتبوية ‪ -‬سلسلة املراجع يف الرتبية و علم النفس‪.-‬‬
‫الكتاب ‪ .95‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ :‬دار الفكر العريب‪.‬‬
‫‪ -12‬مدن‪ ،‬يوسف‪ .)9002( .‬التعلم و التعليم يف النظرية الرتبوية اإلسالمية‪ .‬ط ‪ .1‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ :‬دار‬
‫اهلادي للطباعة و النشر و التوزيع‪.‬‬
‫‪ -90‬ناصر‪ ،‬ابراهيم عبد اهلل و بن طريف‪ ،‬عاطف عمر و الزبون‪ ،‬حممد سليم‪ .)9010( .‬مدخل إىل الرتبية‪.‬‬
‫ط‪ . 9‬عمان‪ ،‬األردن‪ :‬دار الفكر ناشرون و موزعون‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪ -91‬نشوان‪ ،‬يعقوب حسني‪ . (1223 ) .‬املنهج الرتبوي من منظور إسالمي‪ .‬عمان‪ ،‬األردن‪ :‬دار الفرقان‪.‬‬

‫‪ -99‬نظريات التعليم‪ :‬دراسة مقارنة‪( .‬ديسمرب ‪ .)1232‬اجلزء الثاين‪( .‬ترمجة علي حسني حجاج‪ ،‬و مراجعة‬
‫عطية حممود هنا)‪ .‬الكويت‪ :‬عامل املعرفة‪ -‬سلسلة كتب ثقافية شهرية تصدر اجمللس الوطين للثقافة و الفنون و‬
‫اآلداب‪.-‬‬
‫المجالت و الدوريات‪:‬‬

‫‪ -99‬بوتكالي‪ ،‬حلسن‪ ،)9010( .‬الوضعية املشكلة و اإلصالح البيداغوجي‪ -‬الربنامج اإلستعجايل أو‬
‫إصالح اإلصالح يف منظومة الرتبية و التكوين‪ .-‬جملة عامل الرتبية‪( ،‬العدد ‪ .)12‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪:‬‬
‫منشورات عامل الرتبية‪.‬‬
‫‪ -92‬السعدون‪ ،‬عادلة علي ناجي‪ .)9019( .‬مباحث يف طرائق تدريس الرتبية اإلسالمية وأساليب تقوميها‪.‬‬
‫األستاذ‪ (،‬العدد ‪ .)909‬كلية الرتبية‪ ،‬جامعة بغداد‪.‬‬
‫‪ -95‬صادق‪ ،‬منري موسى‪ .)9009( .‬فعالية منوذج سفن آيز البنائي يف تدريس العلوم يف تنمية التحصيل و‬
‫بعض مهارات عمليات العلم لدى تالميذ الصف الثاين إعدادي بسلطنة عمان‪ .‬جملة الرتبية العلمية‪ ،‬جملد ‪( 2‬‬
‫العدد ‪ .)9‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.9009 :‬‬
‫‪ -92‬عبد الغفور‪ ،‬نضال‪( .‬جانفي ‪ .)9019‬األطر الرتبوية لتصميم التعلم االلكرتوين‪ .‬جملة جامعة األقصى‪.‬‬
‫سلسلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬اجمللد‪( 12‬العدد ‪.)1‬‬
‫‪ -92‬لكحل‪ ،‬خلضر‪ ،)9011( .‬املقاربة بالكفاءات‪ :‬اجلذور و التطبيق‪ .‬جملة العلوم اإلنسانية و االجتماعية‪.‬‬
‫عدد خاص ملتقى التكوين بالكفايات يف الرتبية‪ ( ،‬العدد ‪ .)2‬ورقلة‪ :‬جامعة قاصدي مرباح‪.‬‬
‫‪ -93‬مبدر‪ ،‬جاسم شاكر و فنن ‪،‬بصري‪ .)9000( .‬مواصفات معلم الرتبية اإلسالمية من وجهة نظر‬
‫األشراف الرتبوي و اإلدارات املدرسية وطلبة املرحلة الثانوية‪ .‬وزارة الرتبية‪ .‬بغداد‪ :‬مركز البحوث والدراسات‬
‫الرتبوية‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫المؤتمرات‪:‬‬
‫‪ -92‬سعودي‪ ،‬مىن عبد اهلادي‪ ،1223( ،‬أوت)‪ .‬فعالية استخدام منوذج التعلم البنائي يف تدريس العلوم‬
‫على تنمية التفكري االبتكاري لدى تالميذ الصف اخلامس االبتدائي‪ .‬املؤمتر العلمي الثاين‪ .‬إعداد معلم العلوم‬
‫للقرن احلادي و العشرين‪ ،‬اجمللد الثاين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -90‬الكيالين‪ ،‬ماجد عرسان‪ ،9002( .‬نوفمرب)‪ .‬نظرية املعرفة يف الرتبية اإلسالمية‪ .‬حبث مقدم إىل املؤمتر‬
‫الرابع للبحث العلمي يف اجلمعية األردنية للبحث العلمي‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫َّ‬
‫الرسائل الجامعية‪:‬‬

‫‪ -91‬الدواهيدي‪ ،‬عزمي عطية أمحد‪ .)9002( .‬فعالية التدريس وفقا لنظرية فيجوتسكي يف اكتساب بعض‬
‫املفاهيم البيئية لدى طالبات جامعة األقصى بغزة‪ .‬رسالة ماجستري قسم املناهج و التدريس‪ .‬كلية الرتبية‪.‬‬
‫اجلامعة اإلسالمية‪ .‬غزة‪ ،‬فلسطني‪.‬‬
‫‪ -99‬املزيين‪ ،‬فاضل بن سلطان بن حممد‪ .)9015( .‬النظرية الرتبوية اإلسالمية و أثرها على تنمية املوارد‬
‫البشرية يف السنة النبوية‪ .‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه يف العلوم اإلسالمية‪ .‬املعهد العايل ألصول الدين‪ .‬جامعة‬
‫الزيتونة‪ ،‬تونس‪.‬‬
‫‪ -99‬نعمون‪ ،‬عبد السالم‪ .)9012( .‬حنو منظومة تربوية تنمي إبداع املتعلم يف بيداغوجية املقاربة‬
‫بالكفاءات‪ .‬مذكرة دكتوراه‪ .‬قسم علم النفس و علوم الرتبية و االرطوفونيا‪ .‬كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية‪.‬‬
‫جامعة حممد ملني دباغني سطيف ‪ ،9‬اجلزائر‪.‬‬
‫المواقع االلكترونية‪:‬‬
‫‪ -92‬جابر‪ ،‬حممد بن سامل بن علي‪ .)9002( .‬أهداف الرتبية اإلسالمية ومقاصدها‪ .‬تاريخ االطالع‪/2 :‬‬
‫‪/http://www.alukah.net/social/0/151‬‬ ‫‪ .9012 /19‬مقتبس من‬

‫‪ -95‬عبد الرمحن‪ ،‬حسن‪ .‬املناهج الرتبوية من منظور إسالمي‪ .‬تاريخ االطالع‪ . 9012 /9 /5 :‬مقتبس من‬
‫‪http://www.tourathtripoli.org/phocadownload/3ilm_ijtima3_altarbia/‬‬
‫‪almanahege%20altarbouia.pdf‬‬

‫‪87‬‬
( ‫ نظرية النشاط‬:‫ نظرية فيجوتسكي االجتماعية الثقافية يف النمو املعريف‬.‫ حسني عبد الفتاح‬،‫ الغامدي‬-92
‫ مقتبس من‬. 9010 /19 /90 :‫ تاريخ االطالع‬.) ‫ملخصات من كتاب التفكري و اللغة‬
www.pdffactory.com
.‫ قراءة لنظرية املنهج الرتبوي يف ضوء النظرية اإلسالمية‬.)9019( .‫ ماجد بن سامل محيد‬،‫ الغامدي‬-92
www.alukah.net ‫ مقتبس من‬. 9012 /9 /5 :‫تاريخ االطالع‬
‫ مقتبس‬. 9012/10/90:‫ تاريخ االطالع‬.‫ النظرية الرتبوية معناها و مكوناهتا‬.‫ ماجد عرسان‬،‫ الكيالين‬-93
/http://www.alukah.net/social/0/8854 ‫من‬

‫ مقتبس من‬. 9012/11/2 :‫ تاريخ االطالع‬.‫ النظريات الرتبوية املعاصرة‬.)9002( .‫حسان‬،‫ هشام‬-92
http://ashahed.blogspot.com/2011/05/blog-post_5131

: ‫الوثائق و المناشير‬
‫ النظام‬-‫ املهد الوطين لتكوين مستخدمي الرتبية و حتسني مستواهم‬.)9002( .‫ وزارة الرتبية الوطنية‬-20
.‫سند تكويين لفائدة مديري املدارس االبتدائية‬. -‫الرتبوي واملناهج التعليمية‬
:‫المراجع باللغة األجنبية‬

21- Emmanuel MOUNIER, 2004, LE PERSONNALISME .(1949) . Édition


électronique réalisée avec le traitement de textes Microsoft Word 2004 pour
Macintosh. Paris: Les Presses universitaires de France.

29- Margaret M. Braungart, Richard G. Braungart, Applying Learning


Theories to Healthcare Practice, 46436_CH03_051_090.qxd, 2007,p 67
29- La Théories personnalistes, Philosophie de l'éducation, Récupérée de
http://olgaarmelle.blogspot.com/2010/05/the ories- personnalistes.html
22- Molly Zhou , David Brown , Educational Learning Theories, December,
2014, Retrieved from http://creativecommons.org/licenses/by/4.0/.

88

You might also like