Professional Documents
Culture Documents
542
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
For this, we will try in this research paper to address the difference between Alice
Albert's and Malik bin Nabi theory, and drew the consequences and the role of
Malik bin Nabi in his contribution to psychology development.
Key words: Ideas, Irrational Thinking, Rational-emotive therapy
مقدمة:
ميز اهلل اإلنسان بأن جعل لو عقبل يفكر بو ،ويدير بو شؤون حياتو ،وما نراه اليوم من تطور
حضاري ما ىو إال نتاج لعمميات تفكير اإلنسان عبر العصور .والتفكير أعمى مراتب المعرفة وأرقاىا وال
ترجع أىميتو إلى كونو أداة لتقدم اإلنسان فحسب ،بل إعتباره ضرورة وجود وا ستمرار بقاء اإلنسان عمى
األرض ،ألن اإلنسان منذ وجوده لو لم يكن م فك ار لطرق معيشتو المختمفة ،وأساليب دفاعو عن نفسو لما
كتب لو البقاء وما إستطاع أن يحقق ما حققو من تقدم ورقي ،ىذا إلى جانب أن التفكير لو أىمية كبيرة في
1
مساعدة الفرد عمى التكيف مع عالمو الخارجي.
واألفكار الحقيقية لمثقافة األكثر إذا قيست بغيرىا من العناصر الم ادية .ومن أىم مكونات األفكار،
الحقائق العممية ،االداب والمعتقدات الدينية والحكم واألمثال .وغالبا ماتسجل األفكار التي تسود مجتمعا ما،
وتدون وتحفظ ،وخاصة في المجتمعات المتقدمة ،بينما تنمو ىذه األفكار في صورة أساطير وخرافات في
2
المجتمعات البدائية.
وتعد المعرف ة ىي وسيمة اإلنسان لكي يفيم ذاتو والعالم من حولو والتوصل إلى حقائق األشياء بل
ىي أساس نمو العقل اإلنساني وسبيمو لمسيطرة عمى األشياء .وقد أكد ذلك (أوجست كونت) في قولو ":إذا
عرفت استطعت" .ورغم أن المعرفة ،كما أكد(فرويد) ىي جزء ىام في الطريق إلى الشفاء إال أنيا عندما
تضطرب فبل تصبح ىي الشفاء بل تصبح ىي المرض والشقاء .كما ذىب الفيمسوف الروائي(ابكتيوس) إلى
أن إزالة األفكار الخاطئة من العقل أجدى بكثير من إزالة أو ارم 3 .وحذا حذوه في ىذه الوجية من النظر
آخرون من عمماء العصر مثل أرنولد .)0651( Arnoldو بيك ،)0653( Beckو إليس )0651( Ellis
وكيمي ،)0644( Kellyو الزاروس 4 )0656( Lazarusفقد احتل التفكير وعمميات الفكر مرك از في
النظريات المعرفية .فمن الواضح أن األفكار ال تحدث عشوائيا ،فمكل منا أفكاره الثابتة ومعموماتو المختزنة
5
التي ترشد أو تحدد بنية تفكيرنا.
فمن خبلل التفكير يتعرف الفرد إلى ذاتو ويطور لغتو ،ويعبر عن حاجاتو ويقوي قدراتو ،ويساىم
في تنمية المشاركة الوجدانية والتضامن وضبط النفس و إحترام الذات ،ويقوم التفكير عمى التعبير الرمزي
من خبلل تحويل البيئة الطبيعية إلى رموز ،وىذه الرموز ىي األساس الذي من خبللو يتم تحويل األحداث
إلى إضطرابات أو إستقرار ،ويعد التفكير من أرقى العمميات النفسية والعقمية التي من خبلليا يستطيع
اإلنسان الوصول إلى مستويات رمزية أو مجردة لمعاني األشياء واألحداث والعبلقات الموجودة بين ىذه
6
األشياء واألحداث لمتغمب عمى ما يواجو من صعوبات.
وترى النظرية العقبلنية اإلنفعالية أللبرت أليس أن نسق األفكار لدى الفرد عن األحداث التي
يواجييا ىي المتغير في تحديد إستجاباتو السموكية واإلنفعالية ،فإذا كان نسق أفكاره عقبلنيا فإنو سيسمك
542
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
فعال وغير منتج ،ويعاني من
فعال ومنتج ،أما إذا كان نسق أفكاره العقبلنيا فإنو سيسمك بشكل غير ّ
بشكل ّ
7
اإلضطراب وسوء التوافق.
فالجانب الفكري من االضطرابات يشير ببساطة إلى مجموعة األفكار والمعتقدات والحجج ،وربما القيم التي
يتبناىا الشخص نحو ذاتو ونحو بيئتو وىذه األفكار والمعتقدات غير العقبلنية تكاد تكون عامة ،وعندما يتم
8
تقبميا وتدعيميا عن طريق التمقين الذاتي تؤدي إلى االضطراب أو إلى العصاب.
ويرى ىذا اإلتجاه أن اإلضطراب النفسي عندما يحدث ال يشمل جانبا واحدا من الشخصية فحسب
بل يمتد ليشمل أربعة جوانب ىي السموك الظاىر (األفعال الخارجية) ،واإلنفعال (التغيرات الفسيولوجية)،
9
والتفكير (طرق التفكير والقيم) ،والتفاعل اإلجتماعي (العبلقات باآلخرين).
ولقد أولى مالك بن نبي إىتماما كبي ار لمجانب العقمي عند اإلنسان كما يتجمى في عالم األفكار
الذي درسو دراسة مستفيضة وخاصة في عبلقتو بالبناء الحضاري ،10حيث يرى أن المعرفة ىي مجموعة
واألفكار وسيمة إندماج الفرد في المجتمع .12وشبو 11
الخبرات التي يكتسبيا الفرد في الحياة اإلجتماعية
األفكار بالجراثيم التي تنقل العدوى وتسبب األمراض اإلجتماعية ،لقد أدرك األزمة الفكرية ،وىي بنيتيا
المعرفية والمنيجية ،إنو أحد أىم رواد مدرسة "إسبلمية المعرفة" .إىتم مالك بن نبي بالجانب النفسي
اإلجتماعي لتشكل األفكار لدى الفرد وعبلقتيا بالطاقة الحيوية التي تقابل الطاقة الميبيدو لدى فرويد ،وقسم
نمو إندماج الطفل في المجتمع إلى مراحل ،التي تندرج في سياقات نفسية وجسدية .فمن وجية نظرنا طرح
مالك بن نبي ألزمة األفكار تشبو طرح أريكسون ألزمة اليوية.
النظرية العقالنية اإلنفعالية :يعد ألبرت أليس ) (Albert Ellisمن أوائل الباحثين الذين أبرزوا دور األفكار
البلعقبلنية في السموك ،وقد وضع إحدى عشرة فكرة غير منطقية ،وقد بدأت اإلنطبلقة في دراسة األفكار
البلعقبلنية في التراث السيكولوجي منذ عام 0644م حيث قدم أليس تصور كامبل في مجال أساليب التفكير
ترجع إلى عوامل التنشئة اإلجتماعية ،وخاصة المراحل األولى من حياة فحواىا أن األفكار البلعقبلنية
الفرد ،وأن أسباب اإلضطراب النفسي والعقمي يرجع إلى تم ك األفكار والمعتقدات البلعقبلنية الخاطئة التي
تشكل البناء المعرفي لدى الفرد وأقترح العبلج العقبلني اإلنفعالي السموكي والذي ىدفو حماية الفرد من
اإلضطرابات وذلك عن طريق مياجمة األفكار البلعقبلنية التي تؤثر عمى أمن الفرد وادراكو لذاتو ولآلخرين
13
وانجازاتو وابداعاتو.
ويسبب التفكير البلعقبلني إضطرابا نفسيا لمفرد ،يشمل جميع جوانب الشخصية ،ويظير في
سموكو الظاىري و إنفعاالتو ،وتحدث إضطرابات في التفكير والمعتقدات والقيم ،وتكون معتقدات الفرد خاطئة
14
عن نفسو وعن العالم المحيط بو.
وىذا ما فسره ألبرت إليس ) Albert Ellis (1979عمى أن المحتوى المعرفي والمتمثل في األفكار
البلعقبلنية لو دور في حدوث مشكبلت نفسية .ويرى أن التفكير واإلنفعال والسموك جميعيا أشكال متبلحمة
15
وأن جانبا كبير من االنفعاالت ال يزيد عن كونو أنماط فكرية متحيزة.
542
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
والواقع أن األساس الذي يقوم عميو العبلج العق بلني العاطفي ىو أن اإلنسان حيوان عقبلني
والعقبلني بصورة فريد ،وأن اإلضطرابات النفسية والعاطفية ىي نتاج تفكير اإلنسان بصورة العقبلنية،
ويمكن لئلنسان أن يتخمص من إضطراباتو النفسية إذ تعمم كيف ينمي تفكيره العقبلني ،وأن يقمل من تفكيره
البلعقبلني ،وأن التفكير ا لعاطفي حسب رأي أليس ال يشمل وظيفتين مستقمتين ،إذ أن اإلنفعال يصاحب
التفكير ،واإلنفعال ىو في الواقع تفكير متميز ذاتي شخصي وغير عقبلني ،وذلك يرى أليس أن التفكير
البلعقبلني يرجع في نشأتو إلى التعميم المبكر الذي يتمقاه الطفل من والديو ،ومن البيئة التي يعيش فييا،
16
والذي يتضمن جوانب العقبلنية.
وتقوم نظرية أليس في العبلج العقمي العاطفي عمى عدد من اإلفتراضات األساسية المتعمقة
بطبيعة اإلنسان ،وطبيعة اإلضطرابات العاطفية التي يعاني منيا ،وىذه اإلفتراضات ترى بأن الناس يولدون
ولدييم إمكانية في أن يكونوا عقبلنيين والعق بلنيين ،ولدييم نزعة أو ميل لمحفاظ عمى الذات ،كما لدييم
17
أيضا نزعة أو ميل ليدم الذات.
وأكد كري جييد ) (Craig Headعمى أنو الرغم من عدم وجود نموذج واحد في العبلج العقبلني
أو المعرفي ،إال أن جميع النظريات العقبلنية أو المعرفية في العبلج النفسي تتفق عمى اإلفتراض األساسي
القائل إن اإلضطرابات النفسية ىي نتيجة لمعمميات العقمية البلعقبلنية و البلتكيفية ،وأن أفضل أسموب
18
لمتخمص من تمك اإلضطرابات يكمن في تعديل تمك العمميات العقمية أو المعرفية نفسيا.
نقد النظرية:
النظرية العقبلنية اإلنفعالية ألليس ألبرت بصفة خاصة و المدرسة المعرفية بصفة عامة ىذه
األخيرة التي تعتبر من أحدث المدارس في عمم النفس وفي مجال اإلرشاد والعبلج النفسي ،والتي يرتبط
البناء النظري ليذه المدرسة بالتطورات الحادثة في عمم النفس اإلجتماعي ،وعمم النفس المعرفي ونظرية
تشغيل المعمومات التي ينتج عنيا الب حث في األداءات العقمية والكيفية التي يفكر بيا اإلنسان والبنية
المعرفية والنواتج المعرفية...إلخ ،19أىممت جانب ميم وىو الجانب الديني الذي لو دور في بناء وتشكل
األفكار ويعتبر أيضا كمنيج وقائي وعبلجي في التفكير البلعقبلني فيو يعتبر عامل ميم في بناء شخصية
الفرد .حيث يرى مالك بن نبي أن العنصر الديني يغذي الجذور النفسية لمفرد والذي يتدخل مباشرة في
العناصر الشخصية التي تكون "األنا" الواعية في الفرد وتنظيم الطاقة الحيوية التي تضعيا الغرائز في خدمة
20
وىذا ما جعل عمم اإلجتماع يقول في تعريف اإلنسان بأنو( :حيوان ديني) ،وىو بذلك يحدد ىذه األنا
جانبا من األساس النفسي العام في أفراد النوع ،وفي كل فرد يبني شخصيتو الخاصة عمى ىذا األساس .أي
أن الدين يتدخل في عممية البناء ويتدخل مباشرة في عممية التكييف التي ىي عممية ترشيح أو تنحية جانب،
21
وعممية إنتقاء أو بعث لئلحساس من جانب آخر.
فالدين في فكر مالك ىو قانون من قوانين اهلل تعالى التي فطرت عمييا النفس اإلنسانية ،والدين كظاىرة
إجتماعية يدخل في عبلقات تفاعمية بين الوحدات اإلجتماعية األخرى المكونة لممجتمع .وبذلك ال يقتصر
542
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
عمى الدين السماوي ،بل ىو عنده قانون يحكم فكر اإلنسان ويوجو بصره نحو أفق أوسع ويروض الطاقة
22
الحيوية لئلنسان ويجعميا مخصصة لمحضارة.
ىذا وترى النظرية العقبلنية اإلنفعالية أن البشر ،مخموقات بشرية ولدوا ولدييم نزعات لمصراع
الداخمي .وأنيم يتأثرون بالعائمة والثقافة .وأن لدييم إستعداد فطري وميل مكتسب ألن يكونوا عقبلنيين أو
غير عقبلنيين أن البيئة تساعد األفراد في مرحمة طفولتيم لتكوين األفكار غير العقبلنية 23 .ولكن مالك بن
نبي يرى أن الطبيعة تأتي بالفرد في حالة بدائية ،ثم يتولى المجتمع تشكيمو .ويعني بو ذلك الكائن الفطري
لحظة والدتو الذي يستيدف إعداده لئلندماج في الحياة اإلجتماعية والشروع في القيام بالدور الذي ينسجم
مع إستعدادتو الفطرية وميارتو المكتسبة .أى أن اإلنسان يولد (فرد خام) مزود بإستعدادات ومواىب وقدرات
كامنة تؤىمو لمقيام بالوظيفة التي خمق من أجميا ،إذ ما أحسن تكييف ىذه اإلستعدادات والمواىب والطاقات
24
وتعتبر الفكرة الدينية عنده أولى البواعث النفسية التي من جية ،ومن جية أخرى تأىيمو ليذه الوظيفة.
تولد الفاعمية وتحفز اإلنسان عمى النشاط وتشحذ اليمم ،ويتجاوز من خبلليا اإلنسان أسباب الخور
25
يقول مالك بن نبي" :عمينا المجوء إلى لغة التحميل النفسي بغية تتبع إطراد الحضارة بإعتبارىا والعجز،
صورة زمنية لؤلفعال وردود األفعال المتبادلة ،التي تتولد منذ مطمع ىذا اإلطراد بين الفرد والفكرة الدينية التي
تبتعث فيو الحركة و النشاط وحينئذ فعندما نعد الفرد عند نقطة الصفر ...فإننا نجده في الحالة التي يعرفيا
بعض المؤرخين المسممين بالفطرة ،مع جميع غرائزه -كما وىبتو إياىا الطبيعة فالفرد في ىذه الحالة ليس
أساسو إال اإلنسان الطبيعي أو الفطري غير أن الفكرة الدينية سوف تتولى إخضاع غرائزه إلى عممية شرطية
تمثل ما يصطمح عميو عمم النفس الفرويد بالكبت.
وىذه العممية ال شرطية ليس من شأنيا القضاء عمى الغرائز ،ولكنيا تتولى تنظيميا في عبلقة وظيفية مع
مقتضيات الفكرة الدينية :فالحيوية الحيوانية التي تمثميا الغرائز بصورة محسوسة ،لم تمغ ولكنيا إنضبطت
26
بقواعد نظام معين".
واألفكار لدى مالك بن نبي تتجمى في صورتين فيي إما أن تؤثر بوصفيا عوامل نيوض بالفرد
وبالحياة اإلجتماعية ،واما أن تؤثر عمى عكس ذلك بوصفيا عوامل ممرضة ،تجعل النمو اإلجتماعي صعبا
أو مستحيبل .وىي تستطيع ذلك ألنيا تخدع قوة الدفاع الذاتي فيو .األمر الذي يضطرنا تبعا لطبيعة المشكمة
ذاتيا أن نقرر أن ىناك أنواعا من الجراثيم ا لناقمة لؤلمراض اإلجتماعية ،ىذه الجراثيم الخاصة أفكار معدية،
27
أفكار تيدم كيان المجتمعات أو تعوق نموىا.
ويرى كل من مالك بن نبي وأليس ألبرت في أن الثقافة والمجتمع لو دور في تشكل األفكار
العقبلنية وغير العقبلنية ،حيث يقول مالك بن نبي" :وىكذا الفرد يدفع ضريبة عن إندماجو اإلجتماعي إلى
الطبيعة والى المجتمع .وكمما كان المجتمع مختبل في نمو إرتفعت قيمة الضريبة" .28ويقول أيضا ":ونفيم
أىمية الصمة الثقافية ،تمك الصمة التي تمنح األفكار واألشياء قيمتيا الذاتية 29والموضوعية في إطار معين"
إن وظيفة ال ثقافة في جوىرىا ،بنظر مالك بن نبي ،ىي توجيو األفكار ،فالثقافة عنده مجموعة من الصفات
الخمقية والقيم اإلجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ والدتو ،وتصبح العبلقة التي تربط -بشكل الشعوري -سموكو
542
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
بأسموب الحياة في وسطو الذي ولد فيو .فالثقافة ىي المحيط الذي يتحرك فيو الفرد ويغذي إليامو ،وىي
الجو الذي يتنفس فيو اإلنسان ويكتسب األلوان واألنغام والعادات واألشكال والحركات ...إنيا الرابط العضوي
بين اإلنسان ومحيطو .وفي ىذا المحيط تتشكل طباع الفرد وشخصيتو ،إذ يمارس ىذا المحيط تأثيره
وعضويا .فالثقافة ال نتمقاىا في المحيط ،بل نتنفسيا فيو كما نتنفس
ّ نفسيا
ّ ومفعولو عمى اإلنسان
30
األوكسجين.
يرى (أليس) أن النزعة إلى الكمال ورغبة الفرد في أن ينجز األعمال عند أعمى مستوى من
اإلتقان ،تمك النزعة العامة التي تكاد توجد عند الجميع ،يوحي بأن ليذه النزعة أساسا بيولوجيا فطريا .وفي
الوقت الذي يحرص فيو كل الناس في البداية عمى إنجاز األعمال عند المستوى المثالي فإن أغمب الناس
تيجر ىذا المدخل لعدم قدرتيا عمى االلتزام بو ولمعوامل الكثيرة التي تقف حائبل دون ذلك .عمى أن بعض
الناس يظموا في مجاىدة مستمرة لكي يمتزموا بيذا المستوى ،ويدفعون لذلك ثمنا باىظا ،وىم الذين يكونون
أكثر عرضة من غيرىم لئلضطراب بسبب عدم الرضا عن أدائيم وتقييميم السمبي لذواتيم .31
وأما مالك بن نبي فيرى أن يعرف اإلنسان أن دوره في الحياة أن تتجسد الفكرة الدينية في حياتو كسموك
إجتماعي ،وأن يرتقي في سمم الكمال ...وتمك غايتو ودأبو ،واذا ألمت بو ظروف تحد من إرتقائو ،وتفرض
عمية الراجع عن بعض ذرى الكمال التي وصمت إليو ،يجد نفسو يتراجع وفق خطة ومنيج يحفظ لو توازنو
النفسي والفكري والسموكي ،ويبقيو دائما ضمن دائرة المشروعية ميما إستمر تدينو وتراجعو ،مادام قصده
32
سميما و إضط ارره لذلك قائما وارادتو لمكمال متحفزة.
ربط مالك بن نبي األفكار بالطاقة الحيوية ،حيث يقول" :لؤلفكار دور وظيفي يرتبط بالطاقة
الحيوية بإعتبارىا قوة فاعمة في محيط القيم الروحية التي تنظم الطاقة الحيوية وتوجييا .فالطاقة الحيوية
قوة فاعمة واإلستغناء عنيا ىو ىدم لممجتمع وتحريرىا بالكامل تيدم المجتمع كذلك ولذا يجب أن تعمل
33
طوعت الطاقة الحيوية ويقول أيضا":
بالضرورة ضمن ىذين الحدين ".والفكرة اإلسبلمية ىي التي ّ
البييمية -ال تندمج مع الحياة في المجتمع؛ بحيث إن إندماج الفرد
ّ فالطاقة ىذه وىي في طبيعتيا
اإلجتم اعي يجب أن يراعي إحتياجاتو من ناحية ،واحتياجات المجتمع الذي يندمج فيو من ناحية أخرى.
والمجتمع في الواقع يفرض قواعد وضوابط و قوانيين وتقاليد ،وحتى بعض األذواق واألحكام المسبقة ىي
34
بالنسبة إليو ليست بأقل حيوية".
إذن الطاقة الحيوية لدى مالك بن نبي مرتبط بالد وافع الغرائزية وىي الطاقة التي تصدر عنيا جميع
ظواىر الحياة وىي تقابل الميبيدو لدى فرويد ومعنى المبيدو الطاقة النفسية المتعمقة بالغرائز ،أن جميع
الظواىر النفسية سواء كانت شعورية أو الشعورية ،إنما تصدر عن قوى دينامية أساسية تنبعث عن التركيب
الفسيولوجي والك يمائي لمكائن الحي وتسمى ىذه القوى بالغرائز وىي الطاقة التي تصدر عنيا جميع الظواىر
35
وأشار فرويد أن الدين واألخبلق والشعور اإلجتماعي -ىي العناصر األساسية لما ىو أسمى ما الحياتية،
36
في اإلنسان.
522
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
ويرى مالك أن تشكل األفكار يمر عبر مراحل من الوالدة إلى الشيخوخة في دورة كاممة
لمحياة،حيث قسم نمو إندماج الطفل في المجتمع إلى مراحل ،التي تندرج في سياقات نفسية وجسدية .فالطفل
يتدرج في عوالم ثبلثة :األشياء – األشخاص – األفكار .و إطراد إندماج الطفل في المجتمع ىو بيولوجي
37
ومنطقي في أن واحد إنو يشتمل عمى أعمار ثبلثة.
- 0مرحمة األشياء :العمر الذي يكتشف فيو تمقائيا عالم األشياء ،وىو يمعب بأصابعو وبمصاصتو .في
أمو التي ليست أي إدراك لعالم األشخاص ،حيث ال يتعرف عمى وجو ّ ىذه المرحمة ،ليس لديو بعد ّ
بالنسبة إليو سوى الثدي الذي يغ ّذيو ،شيء يمكن لمرضاعة أن تحل محمّو بسيولة؛ إذا ما إفتقد األم
محدد عن
أي إحساس ّ
لحادث سوء .إنو ال يتعرف عمى نفسو ككيان مكتمل؛ ألنو ليس لديو بعد ّ
(أناه).
إن إكتشاف األشياء عند الطفل بإمتبلكيا .والرابطة التي تقوم بينو وبينيا رابطة غذائية ،فيو يحمل
الشيء تمقيا إلى فمو.
- 1مرحمة األشخاص :العمر الذي يكتشف فيو تدريجيا عالم األشخاص ،وىو يتعرف فيو عمى وجو أمو
بادئ األمر ،ووجو أبيو واخوتو وأخواتو ،وىذه الوجوه جميعا تبدأ في أن تشكل من حولو عالم
األشخاص الغريب.
أن إطمئنانو إلى ىذا العالم لم يؤخذ مداه بعد ،حتى حين يكون لو من العمر ثبلث أو أربع سنوات.
بيد ّ
ويكفي أن ندعو وحيدا عم ى الرصيف بالقرب من عتبة منزل العائمة؛ لنرى كيف ترتسم في الحال عمى وجيو
عبلمات كآبة الوحدة التي يشعر بيا أمام المارة الذين ال يعرفيم .إن إكتشافو لعالم األشخاص يتم بمقدار ما
إجتماعية
ّ يرتبط بيا بعالقات عاطفية ثم
يعد يوم دخول المدرسة بالنسبة إليو تجربة قاسية جدا في عالم األشخاص غريب وحتّى في السنة السادسة؛ ّ
عنو .وىو ال يندمج إال تدريجيا ،وشيئا فشيئا ،وتبعا لنقطة تحددىا درجة ألفتو اإلجتماعية ،إذ ىذه الدرجة
تتفاوت بين األطفال ألسباب ال يمكن حصرىا بأجمعيا .ولكن أن نصنفيا ربما وقفا لنظرية (يونغ) في عمم
النفس لنموذ جيا .فالمنفتح يكتشف عالم األشخاص بسرعة أكثر من النموذج المنغمق ،وىذا األخير يكتشف
ربما بسرعة أكبر عالم األفكار ،ولكن دون أن يختصر المراحل.
- 2مرحمة األفكار :العمر الذي يكتشف فيو أخير عالم األفكار ،إذ يبدأ من المحظة التي يتمكن فيو من
لنقدر
إن عمينا أن نرى طفبل يفشل في مسألة صغيرة ّ يديةّ .
تكوين روابط شخصية مع مفاى يم تجر ّ
المجيود المصحوب باليأس أحيانا في إقتحام باب ىذا العالم ،ىذه المأساويات الصغيرة تمر أحيانا عمى
العموم دون أن تفطن ليا األسر والمدارس غير أن الطفل يتذكر أحيانا أنو بعد إصطدام بصعوبة عدة
الحل وحده ،فيذه المحظة بالنسبة إليو
مرات دون يقيرىا يكشف لو يوما تفكيره وعقمو سبيبل لقيرىا فيجد ّ
ىي لحظة (أرخميدس) ،وتكون ىذه المحظة ما بين السابعة والثامنة من العمر؛ حيث يضع قدمو في
38
عالم األفكار دون أن يعتمد عمى أحد.
522
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
فعندما يعبر الطفل عالم األفكار يضع قدمو في محيط ثقافي وأحيانا أنظمة أيدلوجية ،ليا من
خصائصيا ما يفصل بينيا وبين المجتمعات المحايدة أو الخامدة .ىذا التغير في المستوى النفسي يكشف لو
يحول ىذا اإلكتشاف كيانو النفسي؛ فإن كيانو الجسدي يتحول
عن آفاق جديدة وأبعاد ال تخطر لو ببال .واذ ّ
ىو اآلخر 39 .وىذا ما يقابمو لدى إريك إريكسون مرحمة المراىقة وىي تعتبر البحث عن اليوية من خبلل
محاولتو اكتشاف ما يناسبو من مبادئ ومعتقدات وأىداف وأدوار وعبلقات اجتماعية ذات معنى أو قيمة عمى
المستوى الشخصي واالجتماعي ،إن أزمة اليوية داللة عمى حاجة المراىق إلى إنجاز حالة الرشد من خبلل
عبور مضيق بنائي من خمس متطمبات جسدية ،جنسية ،مينية،اجتماعية ،فمسفية وتجسيد اندماج ىذه
40
المتطمبات يمكن رؤيتيا كأىداف عامة لممراىقين في ميمات التطور.
عمى أن بعد ىذه الخطوة فاإلندماج يأخذ مداه بإطراد في سائر مراحل الحياة :النضج ،والشيخوخة ،وما بعد
41
الشيخوخة ،لتتحول شيئا فشيئا إلى اطراد نحو عدم اإلندماج,
ففي الشيخوخة ،يبدو الفرد يعكس خط سيره ،ويعود القيقري في مراحل حياتو النفسية ويترك عمى
التوالي:
- 0عالم األفكار يفقد كل قدرة خبلقة.
- 1عالم األشخاص نتيجة البلمباالة أو النفور
- 2عالم األشياء نتيجة الضعف وعدم اإلقبال
وىكذا يرحل أخي ار عن الحياة في عممية متكاممة.
لكن العوالم الثبلثة ىذه تتعايش طوال حياة اإلنسان جنبا إلى جنب مع تفوق أحدىا تبعا لمفرد ولنموذج
المجتمع الذي يندمج فيو .وان اإلضطراب في الحياة اإلجتماعية مرتبط بالفساد في عبلقات األفكار فيما
42
بي نيا ،أو عبلقاتيا مع عالم األشخاص أو في عالم األشياء.
فالفكر يتشكل عند اإلنسان ،ونوعية التركيب النفسي ،الذي يرسم معالم الشخصية وخصائصيا
الكيفية ،وىذه الشخصية تتبمور معالميا وطبيعة السياق التاريخي ،فبليمكن الفصل بين الفكر والشخصية بل
43
إن الشخصية ىي التحميل النفسي لؤلفكار والمفاىيم واتجاىاتيا اإلجتماعية.
44
والبد إذن من إحترام عبلقات األفكار بالمقاييس الثابتة لممنشاط واال بات ذلك النشاط عابثا أو مستحيبل .
وتقع تمك العبلقات في ثبلث مراتب
- 0المرتبة األخبلقية اإليديولوجية ،السياسية بالنسبة لعالم األشخاص وحتى الفيزيولوجي؛ إذا أخذنا
بعين اإلعتبار تحسين النسل.
- 1المرتبة المنطقية الفمسفية ،العممية ،بالنسبة لعالم األفكار.
- 2الرتبة التقنية ،اإلقتصادية ،اإلجتماعية ،بالنسبة لعالم األشياء.
ووضع مالك بن نبي جياز لئلنسان أو الشخص يتكون من دائرة أفكاره و دائرة حياتو الشخصية ،ودائرة
عبلقاتو اإلجتماعية حيث يقول " إن مبدأ الجياز الجديد ...لو قبل دائرة األفكار – دائرة تشمل حياتو
45
الشخصية ،في عقر بيتو ،ودائرة تضم عبلقاتو اإلجتماعية ،خارج بيتو ميما يكن عددىا.
525
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
ىاتين الدائرتين من وجية تركيبيما ومحتواىما:
أ -أما الدائرة الشخصية :فإنيا تتضمن بحكم الضرورة حياة الفرد الخاصة مع أسرتو أو بمفرده.
ب -الدائرة اإلجتماعية فإنيا تتضمن ،بالضرورة ،الجوار ،والعبلقات المينية والعبلقات الودية والعبلقات
الناشئة عن الضرورة اليومية
فمن وجية نظرنا طرح مالك بن نبي ألزمة األفكار تشبو طرح أريكسون ألزمة اليوية ،حيث يعتبر
مفيوم اليوية من أىم اإلسيامات التي قدمتيا نظرية (إيركسون) في نظريتو عن النمو النفسي
إجتماعي ،فتشكل اليوية عممية تتم في إطار من الثقافة اإلجتماعية لمفرد وىي ذات تأثير نفسي متزامن
عمى كافة مستويات الوظيفة العقمية والتي عن طريقيا يستطيع المرء أن يقيم نفسو في ضوء إدراكو لما
ىو عميو ،وفي ضوء إدراكو لوجية نظر اآلخرين فيو وىي عممية نفسية اجتماعية قابمة لمتغير والنمو.
وقد ركز (إيركسون) عمى البعد األيديولوجي لمفيوم اليوية .أيضا كشف عن تأثير الثقافة والمجتمع
46
والتاريخ عمى الشخصية النامية وتصوير ىذا في دراسات تارخية ونفسية لمعظماء والمشاىير.
ورأى أن الثقافة ىي التي تضيف المظير اإلنساني لمحياة حيث يرى أن اإلنسان يحيي بقوى غريزية
وىنا تقوم الثقافة بدور التأكيد عمى ضرورة إستخدام القوى الغريزية بشكل صحيح فالبيئة الثقافية لكل فرد ىي
التي تختار لو طبيعة تجاربو .47حيث يؤدي اإلطار االجتماعي والثقافي الذي تتواجد فيو ىذه األخيرة دو ار
49
كبي ار في تشكيميا48 .فقد أدرك أن أزمة اليوية تظير في كافة أنماط الحياة.
واليوية لدى إيركسون ىي شعور فريد مضاعف ،يعني "أن يشعر اإلنسان بأنو متحد مع ذاتو -بالشكل
50
الذي ينمو وبتطور فيو -؛ كما يعني ،مع شعور بالجماعة المتصالحة والمنسجمة مع مستقبميا وتاريخيا"
يوسع إيركسون نظرية النمو التحميمية النفسية إلى ما بعد سن الشباب ويطرح نموذجا شامبل لمراحل الحياة،
حيث يواجو الفرد طبقا لذلك في ثمانية أزمات نمائية منذ الوالدة وحتى الموت ،مشكبلت أساسية لموجود
51
وىكذا تنمو اليوية وتتطور عبر تاريخ طويل يبدأ في ذىن الوالدين ،ثم في حديثيم وتصوراتيم اإلنساني.
52
واليوية بشأنو ،ثم من خبلل العناية بو جسميا ونفسيا ،في إطار العبلقات المتشعبة التي تربطو باآلخرين،
تتكون من عنصرين ىما ىوية األنا وىوية الذات ،وترجع ىوي ة األنا إلى تحقيق اإللتزام في بعض النواحي
كالعمل والقيم اإليديولوجية والسياسية والدين وفمسفة الفرد لحياتو ،أما ىوية الذات فترجع إلى اإلدراك
53
الشخصي لؤلدوار اإلجتماعية ويذكر كذلك أن لميوية بعدان ىما :البعد اإليديولوجي والبعد اإلجتماعي.
فاليوية إلى حد ما تش بو الجياز الذي أشار إليو مالك بن نبي ،فيي تتكون من اليوية األيديولوجية وىوية
اإلجتماعية (العبلقات اإلجتماعية) أما الجياز فيو يتكون دائرة الشخصية والع بلقات اإلجتماعية باإلضافة
إلى دائرة األفكار ىذه األخير التي تؤثر في حياة الفرد وعبلقاتو اإلجتماعية وىذا التأثير متبادل إال أن دائرة
األفكار ليا ت أثير خاص حيث يقول مالك بن نبي":إن لؤلفكار سمطة خاصة تفرض رقابة عمى اإليحاءات
التي ترد إلى دائرتين من الدائرة الشخصية ومن الدائرة اإلجتماعية ،وتصحح معناىا إذا وقع فيو إنحراف،
54
مقصود أو غير مقصود".
522
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
ومنو فإن األفكار ىي التي تؤثر في اليوية ،كما أن أزمة اليوية تؤثر في األفكار ،إال أن األفكار
تستطيع إسترجاع اليوية وحمايتيا من التشتت ،والفكرة الدينية ىي التي تجدد وتحافظ وتحمي ىويتنا من
التشتت أو التصدع في نفس الوقت ،ذلك ألن الفكرة الدينية ىي النظرية المتكاممة التي يتحدد ضمنيا
أىداف المجتمع ،وقيمو ومثمو العميا وتطمعاتو المستقبمية ،وتترجم األىداف إلى أنماط سموكية في البشر وىم
بالتالي القوى التي ستقود وتمارس جميع األعمال ،واألدوار ،والعمميات اإلجتماعية في المجتمع.
ربط مالك بن نبي األفكار أيضا باألخبلق والجمال ورأى أنيما مصدر األفكار حيث يقول "ال شك
أن لمجمال أىمية إجتماعية ىامة ،إذا ما اعتبرناه المنبع الذي تنبع منو األفكار ،وتصدر عنو بواسطة تمك
األفكار أعمال الفرد في المجتمع .فبالذوق الجميل الذي ينطبع فيو فكر الفرد ،يجد اإلنسان في نفسو نزوعا
55
باإلضافة أن األخبلق مصدر األفكار فيي تتحكم إلى اإلحسان في العمل ،وتوخيا لمكريم من العادات".
في السموك ويقول ":ويمكن في المبدأ األخبلقي الذي يحدد سموك األفراد كما أنو يحقق إرتباط األفراد
بأسموب حياة المجتمع .وأن الدين ينتج القيم واألخبلق التي تنظم قواعد السموك" 56 ،ويقول أيضا ":إن أي
57
تعفن أخبلق ي يحدث داخل الدائرة الشخصية ،يصل إشعاعو فو ار بصفتو تعفنا إلى دائرة األفكار".
أشار مالك إلى أىمية العمم الذي يعتبر بالنسبة إليو في أبسط معانيو ،البحث عن الحقيقة في كل
ميدان في األخبلق ،في التشريع ،في عمم اإلجتماع ،في الطب في الطبيعة ،فقد قامت كل الحضارات
يكون
السابقة عمى التممي والنظر والتدقيق في األشياء من خبلل تكريس العمم ،فاإلنسان يحاول دوما أن ّ
نفسو ويثقفيا من خبلل العمم والقراءة والتتبع ىو إنسان خارج ال محالة من طور التخمف إلى فضاء التحرر،
فبالعمم بنت المجتمعات األوربية مجتمعاتيا وثم دوليا ونظميا بكل أصنافيا .بينما مازالت العالم الثالث
وتسير ىذه التقنية وتكييفيا ،بينما
ّ ت ستورد الخبرات العممية من الغرب دون تكوين كوادر تستطيع أن تدبر
نرى الغرب من عقود ليست بالقصيرة تعيد تكيف العمم المنتج في الحضارة اإلسبلمية مع خصوصيات
مجتمعاتيم ،ل قد رأينا الفارابي ومدرستو في ميدان العمم والمعرفة ينقمون فمسفة أرسطو المادية إلى الفكر
العممي اإلسبلمي ،ولكن بعد أن طبعوىا بطابع إسبلمي ،وكما رأينا من بعدىم توماس اإلكويني ينزع فمسفة
أرسطو طابعا اإلسبلمي كيما يطبقي ا عمى المجتمع المسيحي الذي كان الذي كان يتييأ بدوره لمنشوء
58
وان العمم إذا لم يتحول إلى ثقافة ،والثقافة إلى فعل وحركة وعمل صالح ،يبقى مجرد ترف ال واإلرتقاء.
59
مكان لو في وطن ما يزال فقي ار من الوسائل واألطر.
524
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
خاتمة:
أىممت المدرسة المعرفية بصفة عامة والنظرية العقبلنية اإلنفعالية بصفة خاصة الجانب الديني الذي يعتبر
بالنسبة لمالك بن نبي لو أىمية في بناء الشخصية ويتدخل في عممية تكيف الفرد الخام أو الفرد الطبيعي
الذي يولد مزود بإستعدادات ومواىب وقدرات وغرائز كامنة تؤىمو لمقيام بالوظيفة التي خمق من أجميا ،وىذا
تتولى الثقافة والمجتمع تشكيل الفرد و إندماجو في الحياة اإلجتماعية وفي ىذه الحالة يطمق عميو الشخص
أو الفرد المكيف ،والدين عنده قانون يحكم فكر اإلنسان ويوجو بصره نحو أفق أوسع ويروض الطاقة
الحيوية وىي لدى مالك بن نبي مرتبط بالدوافع الغرائزية التي تصدر عنيا جميع ظواىر الحياة وىي
تقابل الميبيدو لدى فرويد ومعنى المبيدو الطاقة النفسية المتعمقة أيضا بالغرائز.
إن تحرير الطاقة يؤدي إلى تدمير الفرد والمجتمع ،وتحيد الطاقة يؤدي إلى ىدم الفرد والمجتمع ،ليذا الدين
أو الفكرة الدينية طوعت الطاقة الحيوية لخدمت المجتمع وتولت تنظيم الغرائز بما يخدم الفرد أو المجتمع،
لقد وضع مالك لئل نسان جياز يتكون من ثبلث دوائر:دائرة األفكار ،دائرة الحياة الشخصية ،ودائرة العبلقات
الشخصية وىي ليست منفصمة وتؤثر عمى بعضيا البعض لكن دائرة األفكار ليا تأثير خاص وىذا ألنيا
تفرض رقابة عمى اإليحاءات التي ترد إلى دائرتين ،وتصحح معناىا.
وتتجمى األفكار لدى مالك في صورتين إما أفكار ناجحة تؤثر بشكل إيجابي في الفرد وبالحياة
اإلجتماعية ،أو أفكار مرضية تتنقل عن طريق العدوى اإلجتماعية تعيق نمو الفرد والمجتمع .والثقافة
والمجتمع لو دور في توجيو األفكار وكمما كان المجتمع مختبل كان تفكير الفرد مختبل أيضا.باإلضافة أن
األخبلق والجمال يعتبر منبع لؤلفكار فإذا فسدت األخبلق فسدت األفكار ،والدين مصدر القيم الجمالية
واألخبلقية.
ويرى مالك أن تشكل األفكار يمر عبر مراحل من الوالدة إلى الشيخوخة في دورة كاممة لمحياة ،حيث قسم
نمو إندماج الطفل في المجتمع إلى مراحل ،التي تندرج في سياقات نفسية وجسدية .فالطفل يتدرج في عوالم
ثبلثة :األشياء – األشخاص – األفكار .عندما يعبر الطفل عالم األفكار يضع قدمو في محيط ثقافي وأحيانا
أنظمة أيدلوجية ،تميزىا عن المجتمعات األخرى .ثم تأتي مراحل الحياة :النضج ،والشيخوخة ،وما بعد
الش يخوخة ،لتتحول شيئا فشيئا إلى إطراد نحو عدم اإلندماج،ففي الشيخوخة يبدو الفرد يعكس خط سيره.
واإلضطراب في الحياة اإلجتماعية مرتبط بالفساد في عبلقات األفكار فيما بينيا ،أو عبلقاتيا مع عالم
األشخاص أو مع عالم األشياء.وقد إ ستعمل مالك بن نبي الكثير من المفاىيم ومصطمحات التحميل النفسي
في تحديد العبلقات والتفاعبلت اإلجتماعية كالشعور،والبلشعور،واألنا والمنعكس الشرطي والغريزة والطاقة
الحيوية والنكوص والذىان ،الكبت...الخ
522
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
إن إىمال العنصر الدين الذي يعد ركيزة أساسية في بناء الشخصية وحاجة األفراد إليو يجعل
البعض يستغل ىذا الجانب في تدمير الشباب والمجتمع عن طريف الفيم الخاطئ لمدين .فيو لو دور وقائي
وعبلجي لمتخمص من التفكير البلعقبلني ،والفكرة الدينية ىي التي تجدد وتحافظ وتحمي ىويتنا من التشتت
أو التصدع في نفس الوقت ،ذلك ألن الفكرة الدينية ىي النظرية المتكاممة التي يتحدد ضمنيا أىداف
المجتمع ،وقيمو ومثمو العميا وتطمعاتو المستقبمية ،وتترجم األىداف إلى أنماط سموكية في البشر وىم بالتالي
القوى التي ستقود وتمارس جميع األعمال ،واألدوار ،والعمميات اإلجتماعية في المجتمع.
وتسير واعادة تكيف العمم المنتج في الحضارة الغربية
ّ وفي األخير يدعو مالك بن نبي إلى ضرورة أن تدبر
مع خصوصيات مجتمعاتنا ،تتناسب مع البيئة اإلسبلمية بدل استيرادىا كما ىي من الغرب األوربي.
الهوامش:
1
-حسن بن علً الزاهرانً ( .)2010االفكار الالعقالنٌة وعالقتها بإدارة الوقت ،رسالة دكتوراء ،جامعة ام القرى ،المملكة
العربٌة السعودٌة.ص3
2
-جالل مدبولً( .)1983دراسات فً الثقافة والمجتمع ،المكتب الجامعً الحدٌث ،اإلسكندرٌة.ص24
3
-عصام عبد اللطٌف( .)2001سٌكولوجٌة العدوانٌة وتروٌضها ،دار غرٌب ،القاهرة ،ص16
4
-بٌرنً كورٌن .بٌتر رودل .ستٌفٌن بالمر( .)2008العالج المعرفً السلوكً المختصر ،ترجمة محمود عٌد مصطفى ،دار
إٌتراك للطباعة والنشر والتوزٌع ،القاهرة .ص30
5
-ملٌكة لوٌس كامل( .)1990العالج النفسً وتعدٌل السلوك ،دار القلم ،الكوٌت .ص171
6
-عابد محمد الصباح ،وسهٌر سلٌمان الخمور( .)2007األفكار الالعقالنٌة وعالقتها ببعض المتغٌرات لدى طلبة جامعات
الضفة الغربٌة فً فلسطٌن .مجلة إتحاد الجامعات العربٌة(. 329- 279،)49
7
-محمد صهٌب مزنزق( .) 1999تنمٌة التفكٌر الالعقالنً وأثره على الضغوط النفسٌة لدى المراهقٌن "دراسة تجرٌبٌة" ،رسالة
دكتوراه ،كلٌة اآلداب وللعلوم والتربٌة جامعة عٌن شمس .ص2
8
-عبد الستار إبراهٌم ( :)1978العالج النفسً الحدٌث ،عالم المعرفة ،الكوٌت ،ص65
9
-عادل عبد هللا( .)2000العالج المعرفً ال ّسلوكى"أسس وتطبٌقات .دار الرشاد .ص17
10
-العابد مٌهوب( .)2014مرجع سبق ذكره
11
-العابد مٌهوب( .)2014مرجع سبق ذكره .ص138
12
-مالك بن نبً( .) 2002مشكلة األفكار فً العالم اإلسالمً ترجمة عمر مسقاوي،دار الفكر ،دمشق.ص26
13
-حمزة مالكً ،شباب الرشٌدي( .) 2012عالقة األفكار الالعقالنٌة بالسلوك العدوانً لدى طالب الثانوي ،مجلة كلٌة التربٌة
بالزقازٌق ،العدد ،88ص220
14
-حمزة مالكً ،شباب الرشٌدي( .)2012مرجع سبق ذكره ص221
15
-روبً محمد ( .)2013األفكار الالعقالنٌة عند المراهقٌن ،دار الخلدونٌة ،الجزائر ،ص13
16
-محمد أحمد شاهٌن ،محمد نزٌه حمدي ( :)2008العالقة بٌن التفكٌر الالعقالنً وضغوط ما بعد الصدمة لدى عٌنة من طلبة
الجامعات فً فلسطٌن وفاعلٌة برنامج إرشادي عقالنً إنفعالً فً خفضها ،مجلة جامعة القدس المفتوحة ،العدد ،14القدس،
ص16
17
-بسمة عبد خلٌل الشرٌف( .)2013فاعلٌة برنامج توجٌه جمعً ٌستند إلى نظرٌة الٌس Ellisفً التفكٌر الالعقالنً فً
خفض اإلكتئاب وتحسٌن مستوى التكٌف لدى طالبات الصف األول الثانوي فً مدٌنة عمان .كلٌة االداب .جامعة عمان األهلٌة
.البلقاء للبحوث والدراسات ،المجلد ( ،)16العدد( ، )1عمان .األردن .ص91
18
-سلٌمان الرٌحانً( .)1987األفكار الالعقالنٌة عند األردنٌٌن واألمرٌكٌٌن دراسة غٌر ثقافٌة لنظرٌة ألٌس فً العالج العقلً
العاطفً .مجلة دراسات .المجلد ( .)14العدد ( .)5ص76
522
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
19
-حسن مصطفى عبد المعطى( .)1998علم النفس اإلكلٌنٌكً ،دار قباء للطباعة والنشر ،القاهرة .ص15
20
-العابد مٌهوب( .)2014مرجع سبق ذكره ص106
21
-مالك بن نبً( .)2000مٌالد مجتمع ،ترجمة عبد الصبور شاهٌن .دار الفكر .دمشق .سورٌا.ص109
22
-العابد مٌهوب( .)2014مرجع سبق ذكره.ص 218
23
-سامً محمد ملحم( .)2013علم نفس الشواذ ،ط ،1الرضوان للنشر والتوزٌع ،عمان ،األردن ،ص98
24
-العابد مٌهوب( .)2014مرجع سبق ذكره .ص 100
25
-العابد مٌهوب( .)2014مرجع سبق ذكره .ص 218
26
-مالك بن نبً( .)2012شروط النهضة ترجمة عمر كامل مسقاوي ،عبد الصبور شاهٌن ،دار الكتاب
المصري،القاهرة.ص96
27
-العابد مٌهوب( .)2014مرجع سبق ذكره .ص 3
28
-مالك بن نبً( .)2002مرجع سبق ذكره .ص26
29
-مالك بن نبً( .)2000مشكلة الثقافة ترجمة عبد الصبور شاهٌن ،ط ،4دار الفكر ،دمشق.ص56
30
-مالك بن نبً ( .)2012نفس المرجع السابق ،ص ،52ص53
31
-عالء الدٌن كفافً( .)1999اإلرشاد والعالج النفسً األسري ،دار الفكر العربً ،القاهرة .ص324
32
-العابد مٌهوب( .)2014مرجع سبق ذكره .ص 235
33
-العابد مٌهوب( .)2014مرجع سبق ذكره .ص 235
34
-مالك بن نبً( .)2002مشكلة األفكار فً العالم اإلسالمً ترجمة عمر مسقاوي،دار الفكر ،دمشق.ص ،49ص52
35
-سٌجمند فروٌد ( .)1981األنا والهو ترجمة محمّد عثمان نجاتً ،ط . 4دار الشروق.ص17
36
-سٌجمد فروٌد( .)1981مرجع سبق ذكره.ص61
37
-مالك بن نبً( .) 2002مشكلة األفكار فً العالم اإلسالمً ترجمة عمر مسقاوي،دار الفكر ،دمشق.ص26
38
-مالك بن نبً( .)2002مرجع سبق ذكره.ص،31ص32
39
-مالك بن نبً( .)2002مرجع سبق ذكره ص33
40
-فلاير حمود ( .)2013مستوٌات تشكل الهوٌة وعالقتها بالمجاالت األساسٌة المكونة لها لدى عٌنة من طلبة الصف األول
الثانوي من الجنسٌن (دراسة مٌدانٌة فً مدارس الثانوي العامة فً مدٌنة دمشق) ،مجلة جامعة دمشق ،كلٌة التربٌة ،المجلد ،27
سورٌا .ص441
41
-مالك بن نبً ( .)2012مرجع سبق ذكره.ص28
42
-مالك بن نبً ( .)2012مرجع سبق ذكره.ص ،52ص53
43
-زكً المٌالد( .)1998مالك بن نبً ومشكالت الحضارة ،دار الفكر ،دمشق.ص37
44
-مالك بن نبً( .)2002مرجع سبق ذكره.ص64
45
-مالك بن نبً( :)1981الصراع الفكري فً البالد المستعمرة ترجمة عمر المسقاوي ،دار الفكر ،لبنان .ص ،73ص75
46
-باربرا انجلر( .)1991مدخل إلى نظرٌات الشخصٌة ،ترجمة فهد بن عبد هللا دلٌم ،دار الحارثً للطباعة والنشر .ص183
47
-سهٌر أحمد( .)2003سٌكولوجٌه الشخصٌة .مركز اإلسكندرٌة للكتاب .اإلسكندرٌة .مصر .ص 234
48
-رضوان زقار( .)2009حداد ما بعد الصدمة بٌن السواء والمرض -دراسة إسقاطٌة لمراهقٌن ضحاٌا زلزال – 2003رسالة
الدكتوراه ،قسم علم النفس جامعة الجزائر ص77
49
-رضوان زقار( .)2009حداد ما بعد الصدمة بٌن السواء والمرض -دراسة إسقاطٌة لمراهقٌن ضحاٌا زلزال – 2003رسالة
الدكتوراه ،قسم علم النف س جامعة الجزائر ص77
50
-بٌتر كونسن( .)2010البحث عن الهوٌة "الهوٌة وتشتتها فً حٌاة إٌرك إٌركسون وأعماله" ،ترجمة سامر جمٌل رضوان،
دار الكتاب الجامعً ،اإلمارات العربٌة المتحدة .ص97
51
-بٌتر ك ونسن( .)2010مرجع سبق ذكره ،ص195
52
-رضوان زقار( .)2009مرجع سبق ذكره .ص77
522
أ .دلٌلة بوضٌاف .د محمد بودربالة / نقد النظرٌة المعرفٌة
-محمد السٌّد عبد الرحمن( .)1998دراسات فً الصّحة النّفسٌة "المهارات اإلجتماعٌة -اإلستقالل النّفس ّ
53
ى -الهوٌّة" .الجزء
الثانً .دار قباء للطباعة والنشر والتوزٌع .القاهرة.ص396
54
-مالك بن نبً( .)1981مرجع سبق ذكره .ص 74
55
-مالك بن نبً ( .)2000القضاٌا الكبرى ترجمة عمر المسقاوي ،دار الفكر،دمشق .ص ،91ص101
56
-العابد مٌهوب( .)2014مرجع سبق ذكره .ص ،341ص346
57
-مالك بن نبً( .)1981مرجع سبق ذكره .ص74
58
-العابد مٌهوب( .)2014مرجع سبق ذكره .ص247
59
-مالك بن نبً (.)2012مرجع سبق ذكره .ص29
522