You are on page 1of 86

‫جميل حمداوي‬

‫التربيـــــة والديمقراطيــة والمساواة‬

‫‪1‬‬
‫المؤلف‪ :‬جميل حمداوي‬
‫الكتاب‪ :‬الديمقراطية والتربية والمساواة‬
‫الطبعة األولى ‪2017‬م‬
‫حقوق الطبع محفوظة للمؤلف‬

‫‪2‬‬
‫اإلهــــداء‬

‫أهدي هذا الكتاب إلى الباحث الرصين الدكتور‬


‫أحمد أوزي الذي أثرى الساحة الثقافية‬
‫المغربية بدراسات وأبحاث ومقاالت تربوية‬
‫متميزة وجادة‪.‬‬

‫‪3‬‬
4
‫الفهرس‬
‫اإلهداء‬
‫الفهرس‪5......................................................................‬‬
‫المقدمة‪6.......................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬التربية والديمقراطية‪8......................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مدرسة النجاح ‪47..........................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مدرسة التميز‪64...........................................‬‬
‫الخاتمة‪74.....................................................................‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‪77.................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫المقدمة‬

‫إن عالقة التربية بالديمقراطية عالقة جدلية ووثيقة؛ إذ اليمكن‬


‫الحديث عن التربية والتعليم في غياب الحريات الخاصة والعامة‪،‬‬
‫وانعدام الديمقراطية الحقيقية القائمة على المساواة وتكافؤ الفرص‪،‬‬
‫والمبنية أيضا على العدالة االجتماعية ‪ ،‬و اإليمان باالختالف‬
‫وشرعية التعدد‪.‬‬
‫واليمكن الحديث كذلك عن الديمقراطية في غياب تربية حقيقية‪،‬‬
‫وتعليم بناء وهادف‪ ،‬يتسم بالجودة واإلبداع واالبتكار وتكوين‬
‫الكفاءات المنتجة‪ ،‬ويحترم المواهب المختلفة والمتنوعة‪ ،‬ويقدر‬
‫الفاعلين التربويين والمتعلمين المتفانين في البحث ‪ ،‬واالستكشاف‪،‬‬
‫والتنقيب العلمي والمعرفي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالتربية والديمقراطية‬
‫متالزمتان كالعملة النقدية‪ ،‬فال تربية بال ديمقراطية‪ ،‬وال ديمقراطية‬
‫بال تربية‪.‬‬
‫وما أحوجنا اليوم إلى تربية ديمقراطية من أجل تأهيل ناشئتنا تأهيال‬
‫أخالقيا وديمقراطيا إلدارة دفة البالد إدارة جيدة ومحكمة‪ ،‬وقيادة‬
‫دواليبها في ضوء رؤية إبداعية ديمقراطية قائمة على أسس النظام‪،‬‬
‫والمسؤولية‪ ،‬واالنضباط‪ ،‬والمواطنة الحقة ‪ ،‬والتوق إلى الحرية‬
‫والتغيير‪ ،‬وبناء الدولة واألمة على معايير اإلبداع واإلنتاج‬
‫واالبتكار‪ ،‬بهدف الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة واألمم‬
‫المزدهرة حضاريا وعلميا وتكنولوجيا!‬
‫إذا‪ ،‬ما التربية؟ وما مفهوم الديمقراطية؟ وما عالقة التربية‬
‫بالديمقراطية؟ وما آليات تفعيل الديمقراطية في نظامنا التربوي؟ وما‬
‫الصعوبات التي تواجه تطبيق الديمقراطية وتفعيلها في الواقع‬
‫التربوي؟ وما الحلول المقترحة لتثبيت الديمقراطية التربوية؟‬
‫تلكم هي األسئلة التي سوف نرصدها في كتابنا المتواضع هذا بغية‬
‫تبيان العالقة الموجودة بين التربية والديمقراطية والمساواة‬
‫المجتمعية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬أرجو‪ ،‬من هللا عز وجل‪ ،‬أن يلقى هذا الكتاب‬
‫المتواضع استحسانا لدى المتلقي‪ .‬وأشكر هللا وأحمده على علمه‬
‫ونعمه وفضائله الكثيرة التي ال تعد وال تحصى‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬

‫التربية والديمقراطية‬

‫‪8‬‬
‫اليمكن استجالء العالقة الوثيقة بين التربية والديمقراطية إال بتفكيك‬
‫بعض المفاهيم البارزة‪ ،‬مثل‪ :‬التربية والدمقراطية على النحو التالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم التربيـــة‬


‫التربيةةة فعةةل تربةةوي وتهةةذيبي وأخالقةةي بامتيةةاز‪ ،‬يهةةدف إلةةى تنشةةئة‬
‫المتعلم تنشئة اجتماعية صحيحة وسةليمة‪ .‬و تسةهم التربيةة أيضةا فةي‬
‫الحفةةاظ علةةى قةةيم المجتمةةع وعاداتةةه وتقاليةةده‪ ،‬وتسةةعى جةةادة لتكةةوين‬
‫المةةواطن الصةةالت‪ ،‬وتهةةدف كةةذلك إلةةى تغييةةر المجتمةةع علةةى جمي ةع‬
‫المسةةتويات واألصةةعدة‪ ،‬والةةدفع بةةه نحةةو طريةةق التقةةدم واالزدهةةار‪،‬‬
‫بتحقيق الديمقراطية‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪ ،‬والمساواة المثلى‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فالتربية هي التي تصوغ المجتمع صياغة أخالقية‪،‬‬
‫وترفع من مكانته‪ ،‬وتوصله إلى مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة‪.‬‬
‫وتسةةعى التربيةةة جةةادة إلةةى إدمةةاج الفةةرد فةةي المجتمةةع تكيفةةا وتأقلمةةا‬
‫وتصالحا وتغييرا‪ ،‬كما تسعى إلى" اإلنماء الكامل لشخصية اإلنسةان‬
‫وتعزيةةز حقةةوق اإلنسةةان والحريةةات األساسةةية‪ .‬يعنةةي تكةةوين أفةةراد‬
‫قادرين على االستقالل الفكري واألخالقي ويحترمون هذا االستقالل‬
‫لةةدى ارخةةرين‪ ،‬وذلةةك طبقةةا لقاعةةدة التعامةةل بالمثةةل التةةي تجعةةل هةةذا‬
‫‪1‬‬
‫االستقالل مشروعا بالنسبة إليهم‪".‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فالتربية هي وسيلة لتحقيةق اإلبةداع واالبتكةار‪ .‬و هةي‬
‫طريقة في االستكشاف والتأويل والبحث ودمقرطة المجتمع‪ .‬وترتكز‬
‫على الحريةة والمبةادرة الفرديةة‪ ،‬وتحةتكم إلةى النقةاد الهةادف والنقةد‬
‫البنةةاء والحةةوار السةةليم مةةن أجةةل بنةةاء مجتمةةع متقةةدم واع‪ ،‬يس ةهم فةةي‬
‫الحداثةةة المعاصةةرة‪ ،‬ويثةةري العولمةةة بمةةا لديةةه مةةن طاقةةات منتجةةة‪،‬‬
‫واختراعات متميزة‪ ،‬ومكتشةفات ومسةتجدات نظريةة وتقنيةة وعلميةة‬
‫ومعلوماتية باهرة‪.‬‬

‫‪ - 1‬جان بياجي‪ :‬التوجهات الجديدة للتربية‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد الحبيب بلكود‪ ،‬دار‬
‫توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪1998‬م‪ ،‬ص‪.52:‬‬
‫‪9‬‬
‫ويقةةول الةةدكتور محمةةد لبيةةب النجيحةةي ‪ ":‬ولمةةا كةةان هةةدف التربيةةة‬
‫األساسي هو تنمية التفكير واستغالل الذكاء ‪ ،‬فمعنةى هةذا أن التربيةة‬
‫تعمل مةن أجةل الحريةة اإلنسةانية‪ .‬فالتأكيةد علةى نمةو الطفةل إنمةا هةو‬
‫تأكيةةد علةةى تحريةةر قدراتةةه العقليةةة مةةن قيودهةةا‪ ،‬وإتاحةةة الفرصةةة لهةةا‬
‫لالنطةةالق حتةةى تسةةتطيع أن تسةةتخدم بطريقةةة فعالةةة إمكانيةةات البيئةةة‬
‫التي يعيش فيهةا‪ .‬ويصةبت المجتمةع الحةر هةو المجتمةع الةذي يشةتر‬
‫أفراده أيضا في تطويره وتوجيه التغيير االجتماعي الحادث له‪.‬‬
‫وعنةةدما يتمتةةع أفةةراد المجتمةةع بالحريةةة فةةكن التربيةةة تكةةون بةةذلك قةةد‬
‫أسهمت في بنةاء مجتمةع مفتةوح‪ .‬ونعنةي بةالمجتمع المفتةوح المجتمةع‬
‫الذي يسعى عن قصد وتصميم في سبيل تطوره‪ ،‬وال يعمل فقط على‬
‫المحافظةةة علةةى الوضةةع الةةراهن‪ .‬وهةةذا المجتمةةع هةةو مجتمةةع قةةد نظةةم‬
‫تنظيما يدخل في اعتبةاره حقيقةة التغييةر فةي األمةور اإلنسةانية‪ .‬وهةو‬
‫مجتمع يقبل التغير على أنةه وسةيلة للقضةاء علةى الفسةاد واالنحةالل‪،‬‬
‫وأن الةةذكاء اإلنسةةاني والمجهةةود التعةةاوني مةةن جميةةع أفةةراد المجتمةةع‬
‫‪2‬‬
‫تؤدي جميعا إلى نمو اإلنسانية وتقدمها‪".‬‬
‫عالوة على ذلك ‪ ،‬تحقق التربيةة مجموعةة مةن الوظةائف الجوهريةة‬
‫كةةالتعليم والتثقيةةف والتطهيةةر والتنةةوير‪ ،‬والسةةمو باإلنسةةان نحةةو آفةةاق‬
‫إيجابية ومثالية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم الديمقراطيـــة‬


‫مةةن المعةةروف أن الديمقراطيةةة‪ ،‬فةةي دالالتهةةا االشةةتقاقية‪ ،‬تعنةةي حكةةم‬
‫الشعب نفسه بنفسه‪ ،‬أو قةد تعنةي حكةم األغلبيةة بعةد عمليةة االنتخةاب‬
‫والتصويت والفةرز واالنتقاء‪.‬وتقابةل كلمةة الديمقراطيةة الديكتاتوريةة‬
‫واألوتوقراطية اللتين تحيالن على الحكم الفةردي‪ ،‬وهيمنةة االسةتبداد‬
‫المطلق‪ .‬كما تقترب الديمقراطية مةن كلمةة الشةورى اإلسةالمية‪ ،‬وإن‬
‫كانت الشورى أكثر عدالة واتساعا وانفتاحا من الديمقراطية‪.‬‬

‫‪ - 2‬محمد لبيب النجيحي‪ :‬مقدمة في فلسفة التربية‪ ،‬دار النهضة العربي للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪1992‬م‪ ،‬ص‪.240:‬‬
‫‪10‬‬
‫وترتكز الديمقراطية على القانون والحق والحرية والعدالة والكرامة‬
‫اإلنسةانية‪ ،‬واالحتكةةام إلةةى مبةةادا حقةوق اإلنسةةان‪ ،‬وإرسةةاء المسةةاواة‬
‫الحقيقية بين األجناس في الحقوق والواجبات‪.‬‬
‫ومن أهم أسةس الديمقراطيةة االلتةزام بالمسةؤولية ‪ ،‬واحتةرام النظةام‪،‬‬
‫وترجيت كفة المعرفة على القوة والعنف‪.‬وتتأسس الديمقراطية الفعالة‬
‫والحقيقية"من بةين مةا تتأسةس عليةه احتةرام الحقةوق وأداء الواجبةات‬
‫التةةي يحميهةةا ويضةةبطها القةةانون والمؤسسةةات فةةي إطةةار دولةةة الحةةق‬
‫والقانون‪ .‬ومن المؤكةد أن احتةرام الحقةوق وأداء الواجبةات اليتأتيةان‬
‫إال بنسةةبة إلةةى شةةخا حةةر‪ .‬الديمقراطيةةة لةةم تعةةد أمةةورا شةةكلية أو‬
‫قطاعيةةةة‪ ،‬بةةةل أصةةةبحت ثقافةةةة ومعةةةامالت تتجةةةذر بمفةةةاهيم النسةةةبية‬
‫واالخةةةتالف وقبةةةول الةةةرأي ارخةةةر والمسةةةاواة والعدالةةةة واإلنصةةةاف‬
‫والمشاركة السياسية وتقرير الفرد لمصيره واختياراتةه‪ ،‬ورفةض أي‬
‫نةةزوع سةةلطوي فةةي جميةةع مجةةاالت الحيةةاة‪ .‬ديمقراطيةةة اليةةوم والغةةد‬
‫تتمثةةل أكثةةر فةةأكثر فةةي احتةةرام الشةةخا وقدرتةةه علةةى تكةةوين نفسةةه‬
‫بوصفه إنسانا‪...‬إنها سياسة الشخا ككنسان حر ومبدع‪.‬‬
‫مةةةةن المتعةةةةذر الحةةةةديث عةةةةن الديمقراطيةةةةة والسةةةةلو الةةةةديمقراطي‬
‫باعتبارهمةةةا حالةةةة تكةةةون عليهةةةا المؤسسةةةات أو باعتبارهمةةةا ثوابةةةت‬
‫سياسةةية‪ ،‬بةةل يجةةب أن ينظةةر إليهمةةا كمقتضةةى أخالقةةي تكةةون مبادئةةه‬
‫مشةةةتركة ينبنةةةي البشةةةر ومةةةاهم مختلفةةةون فيةةةه علةةةى أسةةةاس اإلقةةةرار‬
‫باالختالف مما يمكن الشخا من السيطرة على االنفعاالت وتجنب‬
‫‪3‬‬
‫األحكام المسبقة‪".‬‬
‫إذا‪ ،‬فالديمقراطية الحقيقيةة هةي التةي تحقةق سةعادة اإلنسةان‪ ،‬وتةؤمن‬
‫عيشه الكريم ‪ ،‬وتوفر له فرص الشغل‪ ،‬وتشبع رغباته الغريزية مةن‬
‫مأكل وشرب‪ ،‬وتروي غليله المعرفي والفني والثقافي‪ ،‬وتخرجه من‬
‫براثن الفقر والفاقة والتخلف إلةى عةالم أكثةر اسةتقرارا وأمنةا‪ ،‬يسةمت‬
‫بالعيش الكريم والمساهمة في اإلبداع واالبتكار والعطاء‪.‬‬

‫‪ -3‬محمد مصطفى القباج‪ ( :‬التربية على المواطنة والحوار وقبول ارخر في التعليم‬
‫الثانوي‪ :‬تحليالت واتجاهات)‪ ،‬مجلة علوم التربية‪ ،‬المغرب‪ ،‬العدد‪ ،32:‬أكتوبر‬
‫‪2006‬م‪ ،‬ص‪.143-142:‬‬
‫‪11‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬دراسات حول التربية والديمقراطية‬
‫ثمة دراسات عديدة تناولةت عالقةة التربيةة بالديمقراطيةة ‪ ،‬ومةن أهةم‬
‫هةذه الدراسةات كتةاب األمريكةي جةون ديةوي بعنةوان(الديمقراطيةة‬
‫والتربيةةة ‪ ،4‬وقةةد نشةةره سةةنة ‪1916‬م‪ ،‬ويتنةةاول الكتةةاب فةةي مجملةةه‬
‫فلسفة التربية وتطبيقاتها‪.‬‬
‫كمةةا صةةدر كتةةاب آخةةر بعنةةوان(الةةدين والتربيةةة والديمقراطيةةة) سةةنة‬
‫‪1997‬م ‪ ،‬وقةةد أشةةرف عليةةه كةةل مةةن ميشةةلين ميلةةو( ‪Micheline‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ )Milot‬وفرناند ويلي(‪.)Fernand Ouellet‬‬
‫وتوجد كتب ومؤلفات عديدة خصصةت للتربيةة والديمقراطيةة بعةض‬
‫الفصول كالباحث غي آفةانزيني(‪ )Guy Avanzini‬فةي كتابةه الةذي‬
‫نشره سنة ‪1975‬م بعنوان(الجمود والتجديد في التربية المدرسةية)؛‬
‫حيةةةةث أثبةةةةت فةةةةي القسةةةةم الثالةةةةث فصةةةةال سةةةةماه( التربيةةةةة الحديثةةةةة‬
‫والديمقراطية الحرة)‪.‬‬

‫المبحةةةث الرابةةةع‪ :‬وايةةةع الديمقراطيةةةة فةةةي مؤسسةةةات ا‬


‫التربوية‬
‫مةةن يلقةةي نظةةرة بانوراميةةة سةةريعة حةةول حةةال مؤسسةةاتنا التعليميةةة‬
‫والتربوية‪،‬فالبةةد أن يصةةاب بةةدوار كبيةةر وانةةدهاد شةةديد؛ ألن هةةذه‬
‫المؤسسات قد تحولةت إلةى ثكنةات عسةكرية ال تسةاس إال باالنضةباط‬
‫واحترام القانون ونظام المؤسسة‪ ،‬حتى األبواب ‪ -‬اليوم‪ -‬تشبه أبواب‬
‫السجون المخيفة التي تعبر عن عالم المراقبة والمحاسةبة والمحاكمةة‬
‫بمفهةةوم ميشةةيل فوكةةو للمؤسسةةة السةةجنية؛ حيةةث نجةةد عنةةد بةةاب هةةذه‬
‫المؤسسات التربوية حراس األمن يلبسون أزياء رسمية تشبه األزياء‬

‫‪4‬‬
‫‪- John Dewey:Démocratie et éducation, Paris, Armand, Colin,‬‬
‫‪1975.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Micheline Milot et Fernand Ouellet:Religion, éducation et‬‬
‫‪démocratie .Montréal, 1977, 257 pages.‬‬
‫‪12‬‬
‫العسكرية‪ ،‬ويحملون العصي القصةيرة كرجةال المخةزن ليخيفةوا بهةا‬
‫براعم المسةتقبل مةن أجةل أن يفرضةوا النظةام ‪ ،‬ولةو اسةتدعى األمةر‬
‫استعمال القةوة والعنةف ‪ ،‬وفةرل العقوبةات الزجريةة‪ ،‬سةواء أكانةت‬
‫لفظية أم بدنية‪.‬‬
‫وقةةد سةةبب هةةذا الواقةةع التربةةوي البةةذيء فةةي ظهةةور النظةةام التربةةوي‬
‫األوتوقراطي الذي يستند إلى لغة القمع والقهر ‪ ،‬والتخفي مدنيا وراء‬
‫قنةةاع الممارسةةات األمنيةةة والعسةةكرية التةةي التعةةرف غيةةر خطةةاب‬
‫التأديةةةب والزجةةةر‪ ،‬واسةةةتخدام العنةةةف الرمةةةزي ولةةةو ضةةةد األطفةةةال‬
‫األبريةةاء؛ ممةةا يولةةد فةةي نفةةوس الناشةةئة قيمةةا سةةلبية ومشةةاعر الحقةةد‬
‫والكراهيةةةة والخةةةةوف واالنكمةةةاد‪ ،‬وعةةةةدم القةةةدرة علةةةةى المغةةةةامرة‬
‫والتخييل واالبتكةار واإلبةداع النعةدام الحريةة والديمقراطيةة الحقيقيةة‬
‫والمساواة االجتماعية‪.‬‬
‫ومةن نتةائه هةذا الضةغط السياسةةي ظهةور جيةل مةن الشةباب اليةةافعين‬
‫الةةذين تمةةردوا عةةن األسةةرة والمدرسةةة والمجتمةةع‪ ،‬وحملةةوا مشةةةعل‬
‫الثورة والتغريب وتخريب منشآت الدولة مةن أنابيةب المةاء وحنفياتةه‬
‫و مصةةابيت كهربائيةةة‪ ،‬وإتةةالف كةةل ماتملكةةه المؤسسةةات التعليميةةة‪،‬‬
‫وتكسةةير المقاعةةد ‪ ،‬وتشةةويه الجةةدران‪ ،‬والتغيةةب بكثةةرة عةةن المدرسةةة‬
‫التي تحولت إلى سجن قاتل كئيب‪.‬‬
‫وفةةي األخيةةر ‪ ،‬يتةةر المةةتعلم المدرسةةة مبكةةرا ‪ ،‬فينقطةةع عمةةا فيهةةا‬
‫بسةةبب شةةطط اإلدارة‪ ،‬وتعسةةف الطةةاقم التربةةوي‪ .‬ناهيةةك عةةن ضةةآلة‬
‫فرص الشغل‪ ،‬وضبابية المستقبل وقتامته الجنائزية‪.‬‬
‫وبذلك‪ ،‬فقد وصلت المدرسة المغربية إلى آفاقها المسدودة‪ ،‬فصةارت‬
‫فضةةةاء مسةةةةرحيا تراجيةةةةديا يشةةةةخا المأسةةةةاة وصةةةةراع األجيةةةةال‪،‬‬
‫ويعكس‪ ،‬بكل جةالء‪ ،‬التطةاحن االجتمةاعي والتفةاوت الطبقةي‪ ،‬ويعيةد‬
‫لنةةا إنتةةاج الورثةةة كمةةا يقةةول بييةةر بورديةةو وباسةةرو ؛ ألن النظةةام‬
‫التربوي"يتطابق كل التطابق مع المجتمع الطبقي‪ ،‬وبما أنه من صنع‬
‫طبقة متميزة تمسةك بمقاليةد الثقافةة أي بأدواتهةا األساسةية (المعرفةة‪،‬‬
‫المهارة العلمية وبخاصة إجادة التحدث) ‪ ،‬فكن هذا النظام يهدف إلةى‬
‫المحافظة على النفوذ الثقافي لتلك الطبقة‪ .‬والبرهان الذي قدمه هةذان‬
‫المفكران يبرز التناقض بةين هةدف ديمقراطيةة التعلةيم الةذي يطرحةه‬
‫‪13‬‬
‫النظةةام وعمليةةة االصةةطفاء التةةي تقصةةي طبقةةة اجتماعيةةة ثقافيةةة مةةن‬
‫‪6‬‬
‫الشباب‪ ،‬وتعمل لصالت طبقة الوارثين‪".‬‬
‫ويترتب عن هذا أن المدرسة الوطنية هةي مدرسةة غيةر ديمقراطيةة‪.‬‬
‫وبالتةةالي‪ ،‬تخةةدم مصةةالت الطبقةةة الحاكمةةة واألقليةةة المحظوظةةة‪ .‬ومةةا‬
‫التعلةةةيم العمةةةومي والتعلةةةيم الخصوصةةةي والتعلةةةيم الفكةةةري والتعلةةةيم‬
‫المهنةةةي سةةةوى تعبيةةةر عةةةن تكةةةريس التفةةةاوت االجتمةةةاعي‪ ،‬وتحويةةةل‬
‫المؤسسةةة التربويةةة إلةةى فضةةاء للتمييةةز اللغةةوي والعنصةةري‪ ،‬ومكةةان‬
‫للتطاحن االجتماعي والتناحر الطبقي والتمايز اللغوي‪.‬‬
‫وإذا كان إميل دوركايم ينطلق من رؤيةة محافظةة فةي تحليةل النظةام‬
‫التربةةةوي ‪ ،‬فةةةي عالقتةةةه بمةةةا هةةةو اجتمةةةاعي وسياسةةةي‪ ،‬فةةةكن لةةةوي‬
‫ألتوسةةير( ‪ )L.Althusser‬يةةرى بخصةةوص" التقنيةةات والمعةةارف‪،‬‬
‫أنةةةه يجةةةري فةةةي المدرسةةةة تعلةةةم قواعةةةد تحكةةةم الةةةروابط االجتماعيةةةة‬
‫بموجب التقسيم االجتماعي التقني للعمل‪.‬‬
‫كما يقول بأن النظام المدرسي وهو أحةد أجهةزة الدولةة اإليديولوجيةة‬
‫هو الةذي يةؤمن بنجاعةة استنسةاا روابةط اإلنتةاج عةن طريةق وجةود‬
‫مسةةتويات مةةن التأهيةةل الدراسةةي تتجةةاوب مةةع تقسةةيم العمةةل‪ ،‬وعةةن‬
‫طريق ممارسة اإلخضاع لإليديولوجيا السائدة‪.‬إن المسالك الموجودة‬
‫فةةي المدرسةةة هةةي انعكةةاس لتقسةةيم المجتمةةع إلةةى طبقةةات‪ ،‬وغايتهةةا‬
‫‪7‬‬
‫اإلبقاء على الروابط الطبقية‪".‬‬
‫ويرى بودلو( ‪ )C.Baudelot‬وإستابليه(‪ )R.Establet‬أن المدرسة‬
‫إيديولوجيةةة وطبقيةةة وغيةةر ديمقراطيةةة تكةةرس التقسةةيم االجتمةةاعي‬
‫لوجةةود " شةةبكتين النتسةةاب الطةةالب إلةةى المةةدارس يحةةددهما الفصةةل‬
‫بين العمل اليدوي والعمل الفكري‪ ،‬ثم التعةارل بةين طبقةة مسةيطرة‬
‫‪8‬‬
‫وأخرى خاضعة للسيطرة"‪.‬‬
‫وبما أن المدرسة الليبرالية مدرسة طبقية وغير ديمقراطيةة ‪ ،‬فكنهةا ‪،‬‬
‫في الدول المتخلفة والمسةتبدة ‪ ،‬تكةرس سياسةة التخلةف واالسةتعمار‪،‬‬

‫‪ - 6‬مارسيل بوستيك‪ :‬العالية التربوية‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد بشير النحاس‪،‬المنظمة العربية‬


‫للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬تونس‪ ،1986 ،‬صا‪.24-21:‬‬
‫‪ - 7‬مارسيل بوستيك‪ :‬العالية التربوية‪ ،‬صا‪.24-21:‬‬
‫‪ - 8‬مارسيل بوستيك‪ :‬نفسه‪ ،‬صا‪.24-21:‬‬
‫‪14‬‬
‫وتسةةةاهم فةةةي توريةةةث الفقةةةر والبةةةؤس االجتماعي‪.‬لةةةذا‪ ،‬دعةةةا إيفةةةان‬
‫إليةةةتش(‪ )Ivan Ilitch‬إلةةةى إلغةةةاء هةةةذه المدرسةةةة الطبقيةةةة غيةةةر‬
‫الديمقراطية في كتابه(مجتمع بدو مدرسة ‪.‬‬

‫وعلةى أي حةةال‪ ،‬فواقةةع الديمقراطيةةة فةةي مدارسةةنا التربويةةة يرثةةى لةةه‬


‫بشكل كبير بسبب غياب الديمقراطية الحقيقية‪ ،‬وانعدام فلسفة التسيير‬
‫الةةةذاتي والالتوجيهيةةةة‪ ،‬وغيةةةاب منظومةةةة حقةةةوق اإلنسةةةان ممارسةةةة‬
‫وسةةةلوكا لغيةةةاب الديمقراطيةةةة فةةةي المجتمةةةع علةةةى جميةةةع األصةةةعدة‬
‫والمستويات‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬أنواع الديمقراطية التربوية‬


‫يمكةةن الحةةديث عةةن أنةةواع عةةدة مةةن الديمقراطيةةة فةةي مجةةال التربيةةة‬
‫والتعليم‪ ،‬ونحصرها في أنواع ثالثة هي‪:‬‬

‫‪‬ديمقراطية التعلم‪:‬‬

‫يقصد بها أن يكون التعليم منصبا على المتعلم الذي ينبغي أن يسةتفيد‬
‫مةةن جميةةع التعلمةةات علةةى غةةرار أقرانةةه‪ ،‬بشةةكل عةةادل ومتسةةاو‪ ،‬فةةي‬
‫إطار تكافؤ الفرص‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يستوجب األمةر القةانوني والتشةريعي‬
‫على المربين أن يتعاملوا مع المتعلم فةي ضةوء البيةداغوجيا الفارقيةة‬
‫وبيةةةداغوجيا الةةةدعم لكةةةي ينةةةال حقةةةه مةةةن التربيةةةة والتعلةةةيم كبةةةاقي‬
‫المتمدرسةةين ارخةةرين‪ ،‬وخاصةةة األغنيةةاء مةةنهم‪ .‬ويطةةرح فةةي هةةذا‬
‫السةةةياق موضةةةوع الةةةزي المدرسةةةي الةةةذي ينبغةةةي أن يكةةةون رسةةةميا‬
‫وموحدا بين جميع تالميذ المؤسسات التربوية‪.‬أضف إلى ذلك أنه من‬
‫الضةةروري أن تقةةدم البةةرامه والمنةةاهه والمقةةررات الدراسةةية مةةادة‬
‫قانونيةةة موسةةعة ‪ ،‬تؤهةةل التلميةةذ ليتعةةرف إلةةى حقوقةةه وواجباتةةه لكةةي‬
‫يكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع ذاته وأقرانه‪.‬‬
‫❖ديمقراطية التعليم‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫تسةةعى الةةدول المتقدمةةة إلةةى جعةةل التعلةةيم ديمقراطيةةا‪،‬بتعميم البةةرامه‬
‫الدراسية‪ ،‬وتوحيد المناهه والمقررات‪ ،‬على الةرغم مةن تنوعهةا فةي‬
‫األشةةةةكال والمضةةةةامين‪ .‬باإلضةةةةافة إلةةةةى تةةةةأميم التعلةةةةيم وإلزاميتةةةةه‬
‫وإجباريته‪ ،‬والحد من نسبة األمية والفقر والتخلف‪ .‬فالتعليم هو الةذي‬
‫يغير المجتمةع جزئيةا أو كليةا‪ ،‬ويحقةق الديمقراطيةة الحقيقيةة‪ .‬كمةا أن‬
‫المةةتعلم يةةتعلم الديمقراطيةةة داخةةل المةةدارس والمؤسسةةات التربويةةة‪،‬‬
‫ويتربى في أجوائها المفعمة بالحرية‪.‬وعندما نقول أيضةا بديمقراطيةة‬
‫التعليم ‪ ،‬فنعني به جعل التعليم ذا خاصية شةعبية عامةة‪ ،‬يسةتفيد منةه‬
‫الجميةةع بةةدون اسةةتثناء أو إقصةةاء‪ ،‬فتصةةبت المدرسةةة مفتوحةةة للفقةةراء‬
‫واألغنياء بطريقة عادلة ومتساوية تتكافأ فيها الفرص‪.‬‬
‫وينبغةةي أن نعةةرف أن مبةةدأ توحيةةد المنةةاهه الدراسةةية الةةذي أصةةبت‬
‫ميسةةما يعبةةر عةةن تطلعةةات األحةةزاب الشةةعبية ‪ ،‬وشةةعارا براقةةا لكةةل‬
‫القةةرارات السياسةةية والوطنيةةة ينبغةةي أال يلغةةي " مةةايزخر بةةه الواقةةع‬
‫المغربةةي المتعةةدد‪ ،‬ومةةا تفرضةةه شةةروط وآليةةات التحةةول الجديةةدة مةةن‬
‫ضرورة االنفتاح على كل أنماط التعدد واالختالف والتمةايز الطبقةي‬
‫واإلثنةةةي‪ ...‬واحتوائهةةةا وتجاوزهةةةا فةةةي ارن ذاتةةةه‪ ،‬وذلةةةك بتكةةةريس‬
‫االنخةةةراط التشةةةاركي الشةةةمولي فةةةي بنةةةاء دولةةةة ووفةةةاق اجتمةةةاعي‬
‫ديمقراطةةي وتكةةاملي‪ .‬ويتأسةةس هةةذا الطةةرح علةةى كةةون الرهةةان علةةى‬
‫البنةةاء الةةديمقراطي‪ ،‬فةةي مجتمعاتنةةا العربيةةة والثالثيةةة عامةةة‪ ،‬لةةن يبلة‬
‫أهدافه أبدا إال عبر جسور متينة من التربية والتكوين والثقافة وإعداد‬
‫الموارد البشرية‪ ،‬وإال بواسةطة الدمقرطةة الشةاملة ألسةاليب وقنةوات‬
‫توزيع الرأسةمال الرمةزي‪ ،‬المتمثةل فةي التكةوين والمعرفةة والثقافةة‪،‬‬
‫هةةذا فضةةال عةةن دمقرطةةة توزيةةع مختلةةف أشةةكال االسةةتفادة الماديةةة‪،‬‬
‫ومختلةةف المواقةةع واألدوار والمراتةةب االجتماعيةةة بةةين كةةل الفرقةةاء‬
‫‪9‬‬
‫المعنيين في المجتمع"‬
‫وهكذا‪ ،‬تسةعى الةدول كلهةا جةادة وجاهةدة لتثبيةت أجةواء الديمقراطيةة‬
‫في مؤسساتها التربوية ‪ ،‬بكصدار مجموعةة مةن المةذكرات الوزاريةة‬
‫والقرارات الحكوميةة والقةوانين المنظمةة ليتبةوأ التعلةيم مكانةة زاهيةة‬
‫‪ - 9‬مصطفى محسن‪ :‬الخطاب اإلصالحي التربوي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1999‬م‪ ،‬ص‪.31:‬‬
‫‪16‬‬
‫في مجتمع ديمقراطةي‪ ،‬ولكةن أي نةوع مةن هةذا المجتمةع فةي غيةاب‬
‫الحريات‪ ،‬وانتشار التسلطن واالستبداد؟!!‬
‫‪‬تعليم الديمقراطية‪:‬‬
‫اليمكةةن لمجتمةةع مةةا أن يكةةون ديمقراطيةةا يةةؤمن بالحريةةات الخاصةةة‬
‫والعامةةةة وحقةةةوق اإلنسةةةان‪ ،‬ويتشةةةبث بمنطةةةق االخةةةتالف وشةةةرعية‬
‫الحةةوار والتسةةامت‪ ،‬إال إذا تربةةى علةةى الديمقراطيةةة الحقيقيةةة سةةلوكا‬
‫وعمال وتطبيقا‪ ،‬وال يتأتى له ذلك إال فةي المدرسةة التةي تعلةم الةنشء‬
‫مبةةةادا الديمقراطيةةةة السةةةليمة وقةةةوانين اسةةةتعمالها ومعةةةايير تمثلهةةةا‬
‫وتطبيقها‪.‬‬
‫بيد أن مدرسةة الثكنةة والقمةع والقهةر اليمكةن أن تنةته سةوى أسةاليب‬
‫التعسةةف والتفكيةةر اإلقصةةائي والتطةةرف اإلرهةةابي‪ ،‬والجنةةوح نحةةو‬
‫االستبداد والسلو العةدواني الطةائش‪ .‬فبالتربيةة نةتعلم الديمقراطيةة ‪،‬‬
‫ونتمثلها شعارا وعقيدة ومبدأ وسلوكا ‪.‬‬
‫ولم يعد يخفى أيضا على أحد " كون المؤسسةة التعليميةة تلعةب دورا‬
‫رئيسةةيا‪ ،‬انطالقةةا مةةن انفتاحهةةا علةةى الحيةةاة السياسةةية للمجتمةةع فةةي‬
‫ترسةةيم مجموعةةة مةةن المبةةادا والقةةيم الكفيلةةة بةةالنهول بةةالمجتمع‬
‫وبتحديثةةه سياسةةيا؛ فةةدور المدرسةةة‪ ،‬لةةم يعةةد يقتصةةر علةةى محيطهةةا‬
‫الداخلي‪ ،‬بل يتعداه إلى جوانب قد تبدو للشخا العادي بعيةدة عنهةا‪،‬‬
‫لكنها في الواقع هي تربتها األصيلة؛ ألن مبادا الديمقراطية وحقوق‬
‫اإلنسةةةةان والتعدديةةةةة السياسةةةةية‪ ،‬كلهةةةةا قةةةةيم تكتسةةةةب بفعةةةةل التربيةةةةة‬
‫ومناهجهةةةا؛ فتنشةةةئة األفةةةراد علةةةى تلةةةك القةةةيم هةةةو السةةةبيل الصةةةحيت‬
‫للوصةةةول إلةةةى حةةةد المشةةةاركة الفعليةةةة فةةةي تسةةةيير شةةةؤون السياسةةةة‬
‫للمجتمع‪ ،‬بنوع من العقلنة وبعيدا عن االرتجالية‪ .‬وال يفوتنةا فةي هةذا‬
‫الجانب‪ ،‬أن ننوه بالدور الذي لعبته المدرسة في خلةق برلمةان للطفةل‬
‫‪10‬‬
‫في ارونة األخيرة"‬

‫‪ - 10‬العربي سليمان ورشيد الخديمي‪ :‬يضايا تربوية‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪2005‬م‪ ،‬ص‪-243:‬‬
‫‪.244‬‬
‫‪17‬‬
‫إذا‪ ،‬فالتربية هي بمثابة السبيل األوحد لتعليم الديمقراطيةة‪ ،‬وفرضةها‬
‫في أرل الواقع كي يحقق اإلنسةان آدميتةه وكرامتةه البشةرية وأنفتةه‬
‫اإلنسانية‪.‬‬

‫المبحث السةادس‪ :‬لليةات تحقيةل الديمقراطيةة فةي مجةال‬


‫التربية‬
‫اليمكةةةن الحةةةديث عةةةن التربيةةةة الديمقراطيةةةة‪ ،‬أو ديمقراطيةةةة الةةةتعلم‬
‫والتعلةةيم‪ ،‬إال إذا انطلقنةةا فةةي تصةةورنا النظةةري مةةن مجموعةةة مةةن‬
‫ارليةةةات التطبيقيةةةة التةةةي تسةةةعفنا فةةةي تحقيةةةق الديمقراطيةةةة داخةةةل‬
‫مؤسسةةاتنا التربويةةة قصةةد نقلهةةا ‪ -‬بعةةد ذلةةك‪ -‬إلةةى المجتمةةع ‪ ،‬بةةدفع‬
‫المةةتعلم ليكةةون ديمقراطيةةا فةةي تصةةرفاته وسةةلوكياته مةةع كةةل أفةةراد‬
‫أسرته ومجتمعه ووطنه وأمته دون استثناء‪.‬‬
‫ويمكن حصر هذه ارليات اإلجرائية والعملية فةي التقنيةات والمبةادا‬
‫التالية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الفكر التعاوني واالشتغال في فريل جماعي‬

‫يعةةد الفكةةر التعةةاوني مةةن أهةةم ارليةةات لتحقيةةق الديمقراطيةةة التربويةةة‬


‫الحقيقية ؛ ألن االشتغال في فريق تربوي داخل جماعة معينة يسةاعد‬
‫التلميةةذ علةةى التفةةتت والنمةةو ‪ ،‬واكتسةةاب المعةةارف والتجةةارب لةةدى‬
‫الغيةةر‪ .‬كمةةا يبعةةده عةةن كثيةةر مةةن التصةةرفات الشةةائنة‪ ،‬ويجنبةةه أيضةةا‬
‫الصةةفات السةةلبية كاالنكمةةاد‪ ،‬واالنعزاليةةة‪ ،‬واالنطةةواء‪ ،‬واإلحسةةاس‬
‫بالخوف والنقا والدونية‪ ،‬ويساعده على التخلا من األنانية وحب‬
‫الذات ‪.‬‬
‫واليمكن للدول أن تحقق التقدم واالزدهار إال إذا اشةتغلت فةي إطةار‬
‫فريق جماعي كما في الغرب والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فالعلمةاء‬
‫يتربةةون علةةى الفكةةر التعةةاوني‪ ،‬والبحةةث فةةي فريةةق جمةةاعي لتحقيةةق‬
‫األهداف التي انطلقوا منها في مشاريعهم العملية والعلمية والثقافية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ومةةةن هنةةةا‪ ،‬فةةةـبيداغوجيا الفكةةةر التعةةةاوني مةةةن أسةةةس تحقيةةةق التعلةةةيم‬
‫الديمقراطي‪ ،‬وتحديث التعليم‪ ،‬ودمقرطة التربيةة والمجتمةع علةى حةد‬
‫سواء؛ ألنها تزيل الفوارق االجتماعية‪ ،‬وتذيب كل التمايزات اللونيةة‬
‫واللغوية والطبقية‪.‬‬
‫ومةةةن أهةةةم الةةةذين دعةةةوا إلةةةى الفكةةةر التعةةةاوني لدمقرطةةةة المةةةدارس‬
‫البروليتارية المربي الفرنسي سلستان فرينيةه(‪)Célestin Freinet‬‬
‫الذي استعمل مجموعة من الوسائل التنشيطية لزرع الفكةر التعةاوني‬
‫بةةين الناشةةئة التربويةةة‪ .‬وتتمثةةل هةةذه الوسةةائل فةةي اسةةتخدام المطبعةةة‪،‬‬
‫والتراسةةل‪ ،‬والنصةةوص الحةةرة‪ ،‬والتحقيقةةات الخارجيةةة‪ ،‬واالسةةتهداء‬
‫بالعمةةةةل الجمةةةةاعي‪ ،‬وتأسةةةةيس التعاونيةةةةات المدرسةةةةية‪ ،‬واسةةةةتعمال‬
‫الجةةذاذات ‪ ،‬والسةةهر علةةى إنشةةاء جريةةدة األطفةةال‪ ،‬واالعتمةةاد علةةى‬
‫التسةةيير الجمةةاعي‪ ،‬واالعتنةةاء بكتةةاب الحيةةاة‪ ،‬وتنظةةيم خزانةةة العمةةل‪،‬‬
‫وتشغيل ارليات الحديثة كجهاز الفونو واألسطوانات والسينما ‪...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يمكن تحقيق ديمقراطية التعلم وديمقراطية التعلةيم مةن خةالل‬
‫العمةةةل داخةةةل فريةةةق‪ ،‬وأجةةةرأة التربيةةةة الديمقراطيةةةة ميةةةدانيا‪ ،‬بحةةةل‬
‫المشةةكالت التةةي تواجةةه المةةتعلم فةةي عالمةةه الموضةةوعي بسةةهولة ‪،‬‬
‫بكنجاز األعمال المطلوبة منه بشكل فعال‪ ،‬و عالج الكثير من ارفات‬
‫النفسةةية الفرديةةة الشةةعورية والالشةةعورية ‪ ،‬مثةةل‪ :‬األنانيةةة ‪ ،‬والنبةةذ‪،‬‬
‫والكراهيةةةة‪ ،‬والنفةةةور‪ ،‬واسةةةتبدالها بمشةةةاعر أكثةةةر نةةةبال كاالنسةةةجام‪،‬‬
‫والتوافةةةق‪ ،‬والتشةةةار ‪ ،‬والتعةةةاون‪ ،‬واالبتكةةةار الجمةةةاعي‪ ،‬واإلبةةةداع‬
‫الهادف‪.‬‬
‫وإلزالة القيم السلبية والحد من المشاعر الفردية السيئة البد من دفع‬
‫المتعلم إلى االنصهار داخةل الجماعةة الكتسةاب سةلوكيات جماعيةة ‪،‬‬
‫والتعةةود علةةى الفكةةر االشةةتراكي العملةةي ‪،‬بتةةدريب طاقتةةه الجسةةدية‬
‫والعقليةةةة علةةةى تحقيةةةق المردوديةةةة واإلنتاجيةةةة كمةةةا يقةةةول أنطةةةون‬
‫مكارينكو(‪ ،)Makarenko‬وتعويد تالميذ الفصل علةى العمةل الحةر‬
‫داخل جماعةات متجانسةة‪ ،‬مةن حيةث السةن والمسةتوى الدراسةي كمةا‬
‫يقول كوزينيه ‪ ،Cousinet‬وخلةق فةرص للعمةل الجمةاعي مةن أجةل‬
‫بناء مجتمع ديمقراطي مبدع ومزدهر‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬دي اميكية الجماعات‬

‫من ارليات األخرى لتحقيق ديمقراطية التعلم‪ ،‬وخلةق مةواطن صةالت‬


‫نافع ألسرته ووطنه وأمته‪ ،‬وبناء شخصية متوازنة سوية سيكولوجيا‬
‫واجتماعيةةا ‪ ،‬البةةد مةةن الحةةديث عةةن تقنيةةة ديناميكيةةة الجماعةةات‪،‬على‬
‫أسةةاس أنهةةا منهجيةةة مهمةةة فةةي عةةالج الكثيةةر مةةن الظةةواهر النفسةةية‬
‫الشعورية والالشعورية لدى المةتعلم ‪ .‬كمةا أنهةا تقنيةة تنشةيطية هامةة‬
‫يمكةةن االسةةتعانة بهةةا فةةي أثنةةاء العمليةةة التعليميةةة‪ -‬التعلميةةة‪ ،‬وطريقةةة‬
‫فعالةةة فةةي التنشةةيط التربةةوي والفنةةي‪ ،‬وإجةةراء منهجةةي للةةتحكم فةةي‬
‫التنظيم الذاتي للمؤسسة ‪.‬‬
‫وتسةةةتدمه ديناميكيةةةة الجماعةةةة المتعلمةةةين داخةةةل جماعةةةات الفصةةةل‬
‫الدراسي من أجل معالجتهم نفسيا واجتماعيا‪ ،‬بتطهيرهم وترويضةهم‬
‫وتةةربيتهم علةةى الفكةةر الةةةديمقراطي‪ ،‬والتواصةةل الشةةفاف الواضةةةت‪،‬‬
‫والتعامل الصادق ‪ ،‬والمعايشة الحقيقيةة لمشةاكل المدرسةة والمجتمةع‬
‫واألسرة على حد سواء‪.‬‬
‫واليمكن للتلميذ أن يبدع إال داخل جماعةة ديمقراطيةة تةؤمن بةاألخوة‬
‫والتنةةافس الشةةريف‪ ،‬وتتشةةبث بفكةةر االخةةتالف والشةةورى والعدالةةة‪،‬‬
‫وتعتز بقانون الحقوق والواجبات‪.‬‬
‫والبد أن يكةون للجماعةة أيضةا قائةد يةوزع األدوار ‪ ،‬ويشةرف علةى‬
‫تنظيم الجماعة ‪ ،‬ويسهر على تنظيمها ومآلها ‪ ،‬ويتحمةل مسةؤولياتها‬
‫الجسةةةةةةيمة‪ .‬بيةةةةةةد أن القائةةةةةةد البةةةةةةد أن يختةةةةةةار بطريقةةةةةةة انتخابيةةةةةةة‬
‫ديمقراطية‪،‬فيتولى السلطة لفترة معينة ليتوالها قائد ديمقراطي آخر‪.‬‬
‫لكةةن ‪ -‬كمةةا يعلةةم الكةةل‪ -‬أن النسةةق الجمةةاعي يخضةةع ‪ ،‬فةةي عملياتةةه‬
‫التواصةةلية‪ ،‬لةةثالث قيةةادات أو سةةلط ‪ -‬حسةةب كةةورت لةةوين( ‪Kurt‬‬
‫‪: -)Lewin‬‬
‫‪ ‬ييةةةادة ديمقراطيةةةة‪ :‬تسةةةاعد علةةةى اإلبداعيةةةة واالبتكةةةار وتحقيةةةق‬
‫المردوديةةة واإلنتاجيةةة‪ ،‬سةةواء أكةةان ذلةةك فةةي غيةةاب األسةةتاذ أم فةةي‬
‫حضوره ‪ ،‬وتسهم هذه القيادة كذلك في بروز تفةاعالت إيجابيةة بنةاءة‬
‫كالتعاون‪ ،‬والتوافق‪ ،‬واالندماج‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫❖القيادة األوتويراطية‪:‬هي التي ترتكن إلى استعمال العنف والقهر‬
‫والتشديد في أسةاليب التعامةل ؛ فينضةبط الجميةع فةي حضةور القائةد‪،‬‬
‫ولكةةنهم يتمةةردون فةةي حالةةة غيابةةه‪ .‬وفةةي هةةذه الحالةةة ‪ ،‬تقةةل اإلنتاجيةةة‬
‫والمردودية ‪ ،‬وتتحةول المؤسسةة إلةى ثكنةة قمعيةة ‪ ،‬فيصةعب تطبيةق‬
‫مبادا نظرية تفعيةل الحيةاة المدرسةية وتنشةيطها لوجةود قةيم سةلبية‬
‫كالتنافر ‪ ،‬والتنابذ‪ ،‬والتناحر‪،‬والتوتر‪.‬‬
‫‪‬القيادة السائبة‪ :‬هي قيادة قائمة على فلسفة" دعةه يعمةل" ‪ .‬ومةن‬
‫ثم‪ ،‬فهي قيةادة فوضةوية التسةاعد علةى تحقيةق المردوديةة واإلنتاجيةة‬
‫في غياب القائد أو حضوره‪ ،‬وتزرع في نفوس المتعلمين قيم االتكال‬
‫والعبث والالمسؤولية‪.‬‬
‫وبنةةاء علةةى هةةذا‪ ،‬نستشةةف أن الةةنهه الةةديمقراطي يسةةاعد علةةى نمةةو‬
‫الجماعةةة وتطورهةةا بشةةكل إيجةةابي فعةةال‪ .‬لةةذا‪ ،‬علةةى رجةةال اإلدارة‬
‫والمدرسةةين األخةةذ بالقيةةادة الديمقراطيةةة لتحقيةةق النجةةاح الحقيقةةي ‪،‬‬
‫وتحصةةيل الجةةودة البنةةاءة‪ ،‬وإضةةفاء النجاعةةة علةةى أنشةةطة التسةةيير‬
‫والتأطير‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬السيكودراما والسوسيودراما‬

‫تعتبر طريقة لعةب األدوار‪ ،‬أو السةيكودراما‪ ،‬أو المسةرح المدرسةي‪،‬‬


‫من أهم التقنيات في مجال تنشيط الجماعة وتفعيلها ‪ .‬كما تعد من أهم‬
‫الوسةةةائل العالجيةةةة إلدمةةةاج التالميةةةذ المنطةةةوين علةةةى أنفسةةةهم‪ ،‬أو‬
‫المنكمشةةين علةةى ذواتهةةم‪ ،‬أو المعقةةدين نفسةةيا داخةةل جماعةةات‪ ،‬قصةةد‬
‫تحريةةةرهم مةةةن العقةةةد المترسةةةبة فةةةي الشةةةعورهم‪ ،‬وتطهيةةةرهم ذهنيةةةا‬
‫ووجدانيا وحركيا‪ ،‬وإخراجهم من العزلة والوحدة واالغتراب الةذاتي‬
‫والمكاني‪ ،‬بنقلهم إلى عةالم مجتمعةي أرحةب ‪ ،‬يعتمةد علةى المشةاركة‬
‫والتعةةةةةاون واألخةةةةةوة واالنسةةةةةجام‪ ،‬وتفتيةةةةةق المواهةةةةةب‪ ،‬وممارسةةةةةة‬
‫الديمقراطية الفعالة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالسيكودراما طريقة مسرحية يعتمد فيها الفةرد علةى القيةام‬
‫بمجموعةة مةةن األدوار المسةرحية التةةي يبةةرز فيهةا طاقاتةةه ومواهبةةه‪،‬‬
‫ويعبةةةر عةةةن مكبوتاتةةةه وطاقاتةةةه الدفينةةةة بغيةةةة االنتقةةةال مةةةن مرحلةةةة‬
‫‪21‬‬
‫االنكماد إلى المرحلة النفسةية السةوية و التةوازن السةيكواجتماعي ‪.‬‬
‫وهةةةذا كلةةةه مةةةن أجةةةل بنةةةاء ذاتةةةه وأسةةةرته ومجتمعةةةه وأمتةةةه بطريقةةةة‬
‫ديمقراطية قائمة على العطاء‪ ،‬والعمل‪ ،‬واإلنتاجية‪ ،‬والمردودية ‪.‬‬
‫فعةةةن طريةةةق السةةةيكودراما والسوسةةةيودراما‪ ،‬نسةةةاعد المةةةتعلم علةةةى‬
‫الظهور والتفتت والنمو السيكولوجي ليكون قادرا على التعلم الةذاتي‪،‬‬
‫وتقبةةل المعةةارف المختلفةةة والمتنوعةةة‪ ،‬وتلقيهةةا بشةةكل علمةةي سةةليم ؛‬
‫حيث نخرجه من قمقم االنكماد والضياع واالستالب ‪ ،‬ونحرره من‬
‫بوتقة االغتراب الذاتي والمكاني لننقله إلى عالم سعيد قوامةه الحريةة‬
‫والمساواة والديمقراطية االجتماعية؛ حيث يتحقق فيه تكافؤ الفرص‬
‫والعيش الكريم ‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فالسيكودراما هي " تقنية سيكولوجية وضةعها العةالم‬
‫السةةةيكولوجي مورينةةةو(‪ )Morino‬تعتمةةةد علةةةى التلقائيةةةة الدراميةةةة‪،‬‬
‫حيث يطلب من األشخاص أداء أدوار مسةرحية‪ ،‬دون ارتبةاط بكتابةة‬
‫سابقة أو تحديد للنا‪ ،‬قصد تنمية التلقائية لديهم‪ .‬غير أنةه مالبةث أن‬
‫تحولةةت هةةذه التقنيةةة إلةةى أس ةلوب للتكةةوين والعةةالج النفسةةي التحليلةةي‬
‫الفردي والجماعي؛ وتنمية االبتكار لدى األطفال في المجال التربوي‬
‫التعليمي‪...‬‬
‫وتجد طريقة السيكودراما أصولها لدى اليونانيين القةدماء‪ ،‬فقةد أشةار‬
‫أريسةةطوفان فةةي القةةرن الرابةةع قبةةل المةةيالد إلةةى أن الشةةخا يظةةل‬
‫سجين أدواره االجتماعية ويمكن التحةرر منهةا‪ ،‬وفهةم دوافعهةا‪ ،‬عنةد‬
‫التعبير عنها على خشبة المسةرح‪ .‬كمةا أن أرسةطو أشةار بةدوره إلةى‬
‫األهميةةة األساسةةية التةةي يلعبهةةا المسةةرح فةةي التخفيةةف مةةن المعانةةاة‬
‫النفسية‪ ،‬خالل التوحد مع الممثلين في أدوار معينة‪ ،‬مما يساعد علةى‬
‫‪11‬‬
‫التطهير النفسي‪".‬‬
‫ويعني هةذا كلةه أن اإلنسةان اليمكةن أن ينتقةل إلةى عةالم الديمقراطيةة‬
‫حتى يتحةرر نفسةيا وجسةديا وذهنيةا مةن عقةده الموروثةة والمكتسةبة‪،‬‬

‫‪ -11‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.167:‬‬

‫‪22‬‬
‫مثل‪ :‬الخوف‪ ،‬والجزع‪ ،‬والقلق‪ ،‬واالنكمةاد‪ ،‬واالنطةواء‪ ،‬والخجةل‪،‬‬
‫واالنعزال المميت‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تق ية الت شيط التربوي‬

‫من المعلوم أن للتنشيط أهمية كبرى في مجال التربية والتعليم لكونةه‬


‫يرفةةع مةةن المردوديةةة الثقافيةةة والتحصةةيلية لةةدى المتمةةدرس‪ ،‬ويسةهم‬
‫في الحد من السلوكيات العدوانية ‪ ،‬والقضاء على التصرفات الشائنة‬
‫لةةدى المتعلمةةين‪ .‬كمةةا يقلةةل مةةن هيمنةةة بيةةداغوجيا اإللقةةاء والتلقةةين‪،‬‬
‫ويعمل على خلةق روح اإلبةداع‪ ،‬والميةل نحةو المشةاركة الجماعيةة ‪،‬‬
‫واالشتغال في فريق تربوي‪.‬‬
‫ويمكةةن إخةةراج المؤسسةةة التعليميةةة ‪ ،‬عبةةر عمليةةة التنشةةيط الفةةردي‬
‫والجمةةةاعي‪ ،‬مةةةن طابعهةةةا القهةةةري الجامةةةد القةةةائم علةةةى االنضةةةباط‬
‫وااللتزام والتأديةب والعقةاب‪ ،‬إلةى مؤسسةة بيداغوجيةة إيجابيةة فعالةة‬
‫صةةةةالحة ومواطنةةةةة‪ ،‬يحةةةةس فيهةةةةا التالميةةةةذ والمدرسةةةةون بالسةةةةعادة‬
‫والطمأنينةةة والمةةودة والمحبةةة‪ ،‬ويسةهم فيهةةا الكةةل بشةةكل جمةةاعي فةةي‬
‫بنائهةةةا ذهنيةةةا ووجةةةدانيا وحركيةةةا ‪،‬بخلةةةق األنشةةةطة األدبيةةةة والفنيةةةة‬
‫والعلمية والتقنية والرياضية ‪ ،‬يندمه فيها التالميذ واألسةاتذة ورجةال‬
‫اإلدارة وجمعيات ارباء ومجلس التةدبير والمجتمةع المةدني علةى حةد‬
‫سواء‪.‬‬
‫ومن الضروري أن ُتعول طرائق اإللقاء والتلقةين والتوجيةه ‪ ،‬فةي‬
‫فلسةةةفة التنشةةةيط الجديةةةد‪ ،‬وفةةةي تصةةةورات البيةةةداغوجيا اإلبداعيةةةة‪،‬‬
‫بطرائةةةق بيداغوجيةةةة حيويةةةة معاصةةةرة فعالةةةة قائمةةةة علةةةى الفكةةةر‬
‫التعةةةةاوني‪ ،‬وتفعيةةةةل بيةةةةداغوجيا ديناميكيةةةةة الجماعةةةةات ‪ ،‬واعتمةةةةاد‬
‫التواصةةل الفعةةال المنةةته‪ ،‬وتطبيةةق الالتوجيهيةةة‪ ،‬وتمثةةل البيةةداغوجيا‬
‫المؤسساتية من أجل تحرير المتعلمين من شرنقة التموضةع السةلبي‪،‬‬
‫وآفةةات االسةةتالب المةةدمر‪ ،‬وتخليصةةهم مةةن قيةةود بيروقراطيةةة القسةةم‬
‫وأوامر المدرس المستبد‪ ،‬وتعويض ذلك كله بالمشاركة الديمقراطيةة‬
‫القائمة علةى التنشةيط واالبتكةار واإلبةداع ‪،‬بتشةييد الدولةة للمختبةرات‬
‫العلميةةة والمحترفةةات األدبيةةة والورشةةات الفنيةةة والمقةةاوالت التقنيةةة‬
‫‪23‬‬
‫واألنديةةة الرياضةةية داخةةل كةةل مؤسسةةة تعليميةةة علةةى حةةدة‪ .‬ويمكةةن‬
‫للمؤسسة أن تقةوم بةذلك اعتمةادا علةى نفقاتهةا ومواردهةا الذاتيةة‪ ،‬فةي‬
‫حالة تطبيق قانون سيـﯖما الةذي يةنا عليةه الميثةاق الةوطني للتربيةة‬
‫والتكوين في المادة ‪ ، 149‬ضمن المجال الخةامس المتعلةق بالتسةيير‬
‫‪12‬‬
‫والتدبير‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬فلسفة الكفايات والمجزوءات‬

‫من أهم ارليات التطبيقية لتحقيق ديمقراطيةة الةتعلم ‪ ،‬وتفعيةل التربيةة‬


‫الديمقراطية‪ ،‬هو تكوين الكفاءات الوطنية في ظل نظام تربوي سةليم‬
‫يةةةؤمن بةةةالجودة الكميةةةة والكيفيةةةة‪ ،13‬ويسةةةتهدي بمنطةةةق االخةةةتالف‬
‫والتعددية‪ .‬كما يقدر أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية‪ ،‬ويثني علةى‬
‫ذوي القةةدرات المتميةةزة والمهةةارات المتخصصةةة‪ ،‬ويشةةيد بأصةةحاب‬
‫المواهب العلمية والفنية واألدبية والتقنية‪.‬‬
‫وعنةةةد تحديةةةد مةةةدخالت العمليةةةة الديدكتيكيةةةة ‪ ،‬وتسةةةطير خطواتهةةةا‬
‫اإلجرائيةةةة‪ ،‬علينةةةا أن نسةةةتوعب الغايةةةات الكبةةةرى لفلسةةةفة التربيةةةة‪،‬‬
‫ونسةةتهدي بةةالمرامي المرجةةوة ‪ ،‬ونراعةةي المواصةةفات المطلوبةةة مةةن‬
‫منظومتنا التربوية‪ .‬وهنا‪ ،‬ننطلق من فلسفة الكفايات التي تحث عليها‬
‫المةةذكرات الوزاريةةة علةةى أسةةاس أن الكفايةةات بةةديل تربةةوي أساسةةي‬
‫لتأهيل النشء‪ ،‬وإعداد المتعلمين لمجتمع الشغل؛ إذ يتطلةب المجتمةع‬
‫التكنولوجي المعاصةر مةن المدرسةة أن تكةون ديمقراطيةة فةي نسةقها‬
‫اإلداري والتعليمةةي ‪ ،‬وتكةةون مؤسسةةة وظيفيةةة عمليةةة‪ ،‬بتكةةوين أطةةر‬
‫قادرة على تشغيل دواليةب المجتمةع ‪ ،‬والسةيما قيةادة آلياتةه اإلنتاجيةة‬
‫والخدماتيةةة‪.‬ولن يةةتم هةةذا إال بمدرسةةة إبداعيةةة تعتمةةد علةةى االبتكةةار‬
‫وخلةةق القةةدرات المندمجةةة لةةدى التلميةةذ‪ ،‬وتغةةرس فيةةه قةةيم االبتكةةار‬

‫‪ - 12‬انظر‪ :‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬المدونة القانونية للتربيةوالتكوين‪ ،‬إشراف‪:‬‬


‫المهدي بنمير‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪،‬مراكش‪ ،‬الطبعة األولى ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ - 13‬انظر‪ :‬جميل حمداوي وعبد هللا حرد‪ :‬الكفايات والجودةالتربوية‪ ،‬مطبعة‬
‫المقدم‪ ،‬الناظور‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2005‬م‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫واإلبداع واالنفتاح والحوار والتعلم الذاتي‪ .‬أضف إلى ذلك االشتغال‬
‫في فرق تربوية‪ ،‬وعمل جماعي مثمر‪.‬‬
‫وإذا كانت الكفايات منطلقا فلسفيا براجماتيا للعملية الديدكتيكية‪ ،‬فكن‬
‫المحتويات والمجزوءات ينبغي أن تساير كذلك هذا التحةول‪ ،‬وتكةون‬
‫عبةةارة عةةن تعلمةةات فةةي شةةكل وضةةعيات ومشةةاكل وعوائةةق يواجههةةا‬
‫المتعلم في الواقع‪ .‬أي‪ :‬البد مةن إدخةال المجتمةع إلةى قلةب المدرسةة‪،‬‬
‫وتحضةةةير المةةةتعلم ألسةةةئلة الواقةةةع المفاجئةةةة‪ .‬ويعنةةةي هةةةذا أن تكةةةون‬
‫المحتويةةات عبةةارة عةةن مشةةاكل ووضةةعيات صةةعبة ومعقةةدة‪ ،‬تتطلةةب‬
‫الحلةةول المسةةتعجلة بةةأداء فعةةال‪ ،‬وتعكةةس المشةةاكل واألزمةةات نفسةةها‬
‫التي سيتلقاها المتعلم في المجتمع ‪.‬‬
‫والبد أن تتجدد الطرائق البيداغوجية و الوسائل الديدكتيكية لمسايرة‬
‫التطةةةور البيةةةداغوجي‪ ،‬ومراعةةةاة متطلبةةةات سةةةوق الشةةةغل‪ ،‬ومواكبةةةة‬
‫التطةةور العلمةةي والتكنولةةوجي‪ .‬وهنةةا‪ ،‬البةةد مةةن االسةةتفادة مةةن كةةل‬
‫الوسةةةائل اإلعالميةةةة المتاحةةةة راهنةةةا فةةةي السةةةاحة الثقافيةةةة والعلميةةةة‬
‫والتواصةةةلية‪ ،‬وتتبةةةع كةةةل الوسةةةائل الجديةةةدة لتجريبهةةةا قصةةةد تحقيةةةق‬
‫الحداثة‪ ،‬والمساهمة في إثراء المنظومة التربوية المغربية‪.‬‬
‫واليمكةةن كةةذلك لهةةذه العمليةةة أن تةةنجت إال إذا وفرنةةا ل سةةتاذ فضةةاء‬
‫بيةةةداغوجيا مالئمةةةا وصةةةالحا كمدرسةةةة الحيةةةاة‪ ،‬ومجتمةةةع الشةةةراكة‪،‬‬
‫ومؤسسة المشاريع‪ ،‬وإصالح اإلدارة ودمقرطتها‪ ،‬وإصالح المجتمع‬
‫كلةةةةه‪ ،‬وتحسةةةةين الوضةةةةعية االجتماعيةةةةة للمةةةةدرس‪ ،‬وتحفيةةةةزه ماديةةةةا‬
‫ومعنويةةا‪ ،‬والسةةهر علةةى تكوينةةه بطريقةةة مسةةتمرة‪ ،‬وتحسةةين وسةةائل‬
‫التقةةةويم والمراقبةةةة علةةةى أسةةةس بيةةةداغوجيا الكفايةةةات والوضةةةعيات‬
‫والمجزوءات‪ ،‬وتكوين أطر هيئة التفتيش ليقوموا بأدوارهم المنوطةة‬
‫بهةم ؛ تلةك األدوار التةي تتمثةل فةي تةأطير المدرسةين وإرشةادهم إلةةى‬
‫ماهو أحدث وأكفةى وأجةود‪ .‬واليمكةن أن يةنجت المةدرس فةي عمليتةه‬
‫التعليميةةة ‪ -‬التعلميةةة إال إذا سةةن سياسةةة االنفتةةاح والتعةةاون والحةةوار‬
‫والعمةةل فةةي إطةةار فريةةق تربةةوي‪ ،‬واهةةتم بالبحةةث العلمةةي واإلنتةةاج‬

‫‪25‬‬
‫الثقافي إلغناء عدته المعرفية والمنهجية والتواصةلية لصةالت المةتعلم‬
‫‪14‬‬
‫والمدرسة المغربية‪.‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬فلسفة الشراكة‬

‫من المعلوم أن الشراكة نوعان‪ :‬شراكة داخلية وشراكة خارجية‪ .‬وما‬


‫يهمنا في هذا السياق هو ما يسمى بالشراكة الداخلية التةي يسةهم فيهةا‬
‫جميةةةع الفةةةاعلين الةةةذين يشةةةاركون فةةةي تةةةدبير المؤسسةةةة وتسةةةييرها‬
‫وتنشةةيطها واإلشةةراف عليهةةا ‪ ،‬مةةن مدرسةةين‪ ،‬ومتعلمةةين ‪ ،‬ورجةةال‬
‫اإلدارة ‪ ،‬ومشرفين تربويين‪ ،‬وأسر التالميةذ‪ ،‬ومجلةس التةدبير داخةل‬
‫المؤسسة‪.‬‬
‫ولخلق مشاريع تربوية تخدم المؤسسة من قريةب أو مةن بعيةد‪ ،‬البةد‬
‫مةةةن التركيةةةز علةةةى مواضةةةيع الشةةةراكة ذات األولويةةةة والضةةةرورة‬
‫القصوى‪ ،‬كمحاربة الهدر المدرسي بالدعم التربوي ‪ ،‬وتقديم ساعات‬
‫إضافية تطوعية لخدمة التالميذ‪ ،‬ومساعدتهم على مراجعة دروسهم‪،‬‬
‫وإنجاز واجباتهم وفروضهم المنزلية أو الفصةلية‪ ،‬مةع تةدريبهم علةى‬
‫التطبيق المنهجةي والتحليةل التركيبةي والتقةويمي‪ ،‬واألخةذ بيةدهم مةن‬
‫أجل السير بهم نحو ثقافة التعلم الذاتي والتكةوين المسةتمر‪ ،‬وسةد كةل‬
‫ثغةةةرات التعثةةةر والةةةنقا لةةةديهم ‪ ،‬بكرشةةةادهم ومحةةةاورتهم بطريقةةةة‬
‫ديمقراطية قائمة على التوجيه الصحيت‪ ،‬واستعمال الحجاج المنطقةي‬
‫ألجةةل مواصةةلة دراسةةتهم ‪ ،‬والتنسةةيق مةةع أسةةرهم مةةن أجةةل إرجةةاع‬
‫أوالدهم إلى المدرسة ‪ ،‬وإقنةاعهم بأهميةة الةتعلم والتكةوين والتةدريس‬
‫من أجل بناء مواطن صالت‪.‬‬
‫كما يمكن االستعانة بالمدرسين والمشةرفين التربةويين للمشةاركة فةي‬
‫تنميةةةة البحةةةوث التربويةةةة التةةةي ترتكةةةز علةةةى تحسةةةين أداء المةةةتعلم ‪،‬‬
‫واالنطةةةالق مةةةن فلسةةةفة الكفايةةةات المسةةةتهدفة ‪ ،‬و تجديةةةد الطرائةةةق‬
‫البيداغوجيةةة ‪ ،‬والوسةةائل الديدكتيكيةةة ‪ ،‬وأسةةاليب المراقبةةة والتقةةويم‬
‫وأنظمةةةة االمتحانةةةات‪ .‬دون أن ننسةةةى أهميةةةة المشةةةاركة فةةةي تكةةةوين‬
‫‪ - 14‬جميل حمداوي‪ :‬من يضايا التربية والتعليم‪ ،‬سلسلة شرفات رقم‪ ،19:‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪،‬ص‪.138-137:‬‬
‫‪26‬‬
‫المدرسين إداريةا وتربويةا مةن قبةل رجةال اإلشةراف ورجةال اإلدارة‬
‫الذين لهم خبرة في الميدان ‪ ،‬بمناقشة المذكرات وتوضيحها‪ ،‬و شرح‬
‫دواليب التسيير وآلياته بعقد اللقاءات والندوات والمجالس التعليمية ‪.‬‬
‫و تسةةةتهدف الشةةةراكة الداخليةةةة أيضةةةا تطةةةوير اسةةةتعمال تكنولوجيةةةا‬
‫اإلعةةةالم والتواصةةةل الرقمةةةي ‪،‬بكنشةةةاء خليةةةات اإلعةةةالم واالتصةةةال‬
‫الحاسوبي والسباحة اإلعالمية عبر اإلنترنت داخل الشةبكة العالميةة‪.‬‬
‫وال نغفل مدى أهمية عمليةة االرتقةاء بعالقةات التعامةل السةيكولوجي‬
‫واالجتماعي واإلداري بشكل بنيةوي دينةامي وإنسةاني وظيفةي داخةل‬
‫المؤسسةةةة التعليميةةةة ‪،‬بةةةاحترام المتعلمةةةين ورجةةةال التربيةةةة واإلدارة‬
‫والتةةةدبير و رجةةةال اإلشةةةراف واربةةةاء وأمهةةةات التالميةةةذ وأوليةةةائهم‪،‬‬
‫واللجوء إلى سياسة المرونةة والحةوار الةديمقراطي‪ ،‬واحتةرام حقةوق‬
‫اإلنسةةةان‪ ،‬وتطبيةةةق مبةةةدإ الحافزيةةةة والمسةةةاواة‪ ،‬واحتةةةرام الكفةةةاءات‪،‬‬
‫وتحقيق الجودة الكيفية (اإلبداعية) والكمية (المردودية)‪.‬‬
‫كمةةةا ينبغةةةي أن تسةةةتند المشةةةاركة التربويةةةة إلةةةى تشةةةجيع اإلبةةةداعات‬
‫التربوية‪ ،‬واالرتقاء بالرياضة المدرسية‪ ،‬وتنشيط المؤسسة التعليميةة‬
‫فنيا وثقافيا وإعالميا واجتماعيا ‪.‬‬
‫المطلب السابع‪ :‬البيداغوجيا اإلبداعية‬
‫تتكةةةل النظريةةةة اإلبداعيةةةة التربويةةةة علةةةى مجموعةةةة مةةةن األسةةةس‬
‫والمرتكةةزات مةةن أهمهةةا‪ :‬السةةعي الةةدائم وراء التحةةديث والتجديةةد ‪،‬‬
‫وتفادي التكرار واستنساا ماهو موجود سلفا ‪ ،‬وتجنب أوهام الحداثة‬
‫األدونيسية‪ ،‬واعتماد حداثة حقيقية وظيفية بناءة وهادفة تنفع اإلنسان‬
‫في صيرورته التاريخية واالجتماعية‪.‬‬
‫ولةةن تتحقةةق هةةذه الحداثةةة إال بةةالتعلم الةةذاتي‪ ،‬وتطبيةةق البيةةداغوجيا‬
‫الالتوجيهية أو المؤسساتية‪ ،‬ودمقرطة الدولة وكل مؤسساتها التابعةة‬
‫لها‪ .‬ويعني هةذا أن البيةداغوجيا اإلبداعيةة لةن تةنجت فةي الةدول التةي‬
‫تحتكم إلى القةوة والحديةد ‪ ،‬وتسةن نظامةا تعسةفيا مسةتبدا؛ ألن الثقافةة‬
‫اإلبداعية هي ثقافة تغييرية راديكالية ضد أنظمة التسلط والقهر‪.‬‬
‫واليمكةةن الحةةديث أيضةةا عةةن النظريةةة اإلبداعيةةة إال إذا كةةان هنةةا‬
‫تشةةةجيع كبيةةةر لفلسةةةفة التخطةةةيط والبنةةةاء وإعةةةادة البنةةةاء واالختةةةراع‬

‫‪27‬‬
‫واالكتشةةاف‪ ،‬وتطةةوير القةةدرات الذاتيةةة والماديةةة مةةن أجةةل مواجهةةة‬
‫التحديات كلها‪.‬‬
‫ومن الشروط التي تستوجبها النظريةة اإلبداعيةة االحتكةام الةدائم إلةى‬
‫الجودة الحقيقية كما وكيفا؛ تلك الجودة التي اليمكةن الحصةول عليهةا‬
‫إال بتخليق المتعلم والمواطن والمجتمع بصفة عامة‪ .‬ويعد اإلتقان من‬
‫الشةةةروط األساسةةةية لمةةةاهو إبةةةداعي؛ ألن اإلسةةةالم حةةةث علةةةى إتقةةةان‬
‫العمل‪ ،‬وحرم الغش والربت الحرام‪.‬‬
‫والبد من ضبط النفس في أثناء التجريب واالختبار وتنفيذ المشاريع‬
‫العلميةةةة والتقنيةةةة‪ ،‬والتةةةروي فةةةي إبةةةداعاتنا علةةةى جميةةةع األصةةةعدة‬
‫والمسةةتويات والقطاعةةات اإلنتاجيةةة‪ ،‬واالشةةتغال فةةي فريةةق تربةةوي‪،‬‬
‫واالنفتاح على المحيط العالمي قصد االستفادة من تجارب ارخةرين‪،‬‬
‫والمساهمة بدورنا في خدمة اإلنسةان كيفمةا كةان‪ .‬ومةن هنةا‪ ،‬البةد أن‬
‫يكةةون التعلةةيم اإلبةةداعي منفتحةةا علةةى محيطةةه‪ ،‬وفةةي خدمةةة التنميةةة‬
‫المحلية‪ ،‬والجهوية ‪ ،‬والوطنية‪ ،‬والقومية‪ ،‬واإلنسانية‪.‬‬
‫وتةةرفض النظريةةة اإلبداعيةةة التقليةةد األعمةةى‪ ،‬والمحاكةةاة العميةةاء ‪،‬‬
‫واالتكال على ارخةرين‪ ،‬واسةتيراد كةل مةاهو جةاهز‪ ،‬واسةتبدال ذلةك‬
‫كله بالتخطيط المعقلن‪ ،‬وإنتاج األفكار والنظريات عن طريق التفكير‬
‫في الحاضر والمستقبل‪ ،‬وتمثل التوجهات البرجماتية العملية المفيدة‪،‬‬
‫ولكن بشرط تخليقها لمصلحة اإلنسان بصفة عامة‪.‬‬
‫هةةذا‪ ،‬وينبغةةي أن ينصةةب اإلبةةداع علةةى مةةا هةةو أدبةةي وفنةةي وفكةةري‬
‫وعلمةةي وتقنةةي ومهنةةي وصةةناعي‪ ،‬فةةي إطةةار نسةةق منسةةجم ومتنةةاغم‬
‫لتحقيق التنمية الحقيقية والتقدم واالزدهار النافع لوطننا وأمتنا‪.‬‬
‫ولةةم تتقةةدم الةةدول الغربيةةة إال بتشةةجيع الحريةةات الخاصةةة والعامةةة‪،‬‬
‫وإرسةةاء الديمقراطيةةة الحقيقيةةة‪ ،‬وتشةةجيع العمةةل ‪ ،‬وتحفيةةز العةةاملين‬
‫ماديا ومعنويا‪.‬‬
‫ومةةن ثةةم‪ ،‬تعتبةةر النظريةةة اإلبداعيةةة فكةةرة التشةةجيع والتحفيةةز وتقةةديم‬
‫المكافةةآت الماديةةة والرمزيةةة مةةن أهةةم مقومةةات البيةةداغوجيا العمليةةة‬

‫‪28‬‬
‫الحقيقية‪ ،‬ومن أهم أسس التربية المستقبلية القائمةة علةى االستكشةاف‬
‫‪15‬‬
‫واالختراع‪.‬‬

‫المطلب الثامن‪ :‬تفعيل الحياة المدرسية‬

‫تعمل الحياة المدرسية على خلةق مجتمةع ديمقراطةي منفةتت وواع‬


‫ومزدهةةر داخةةل المؤسسةةات التعليميةةة والفضةةاءات التربويةةة ‪ .‬وتقةةوم‬
‫أيضةةا علةةى إذابةةة الصةةراع الشةةعوري والالشةةعوري‪ ،‬والقضةةاء علةةى‬
‫الفوارق الطبقيةة‪ ،‬والحةد مةن أسةباب تةأجيه الصةراع كلهةا ‪ ،‬وتنةامي‬
‫الحقد االجتماعي ‪ ،‬والسيما أن الحياة المدرسية هي مؤسسة تربويةة‬
‫تعليمية نشيطة فاعلةة وفعالةة‪ ،‬تعمةل علةى ربةط المؤسسةة بةالمجتمع‪،‬‬
‫وتوفر حياة مفعمة بالسعادة واألمل والطمأنينةة والسةعادة ‪ .‬وبالتةالي‪،‬‬
‫تحقق األمةان والحريةة الحقيقيةة للجميةع ‪ .‬وتسةعى إلةى تكةريس ثقافةة‬
‫المواطنةةة الصةةالحة‪ ،‬بةاحترام حقةةوق المةةتعلمن اإلنسةةان داخةةل فضةةاء‬
‫المؤسسةةةة‪ ،‬وتطبيةةةق المسةةةاواة الحقيقيةةةة‪ ،‬وإرسةةةاء قةةةانون العدالةةةة‬
‫المؤسسةةاتية ‪ ،‬وفةةتت بةةاب مبةةدإ تكةةافؤ الفةةرص علةةى مصةةراعيه أمةةام‬
‫الجميةةع‪ ،‬دون تمييةةز عرقةةي أو لغةةوي أو طبقةةي أو اجتمةةاعي‪ ،‬فالكةةل‬
‫أمام قةانون المؤسسةة سواسةية كأسةنان المشةط الواحةد‪ .‬ومةن ثةم‪ ،‬فةال‬
‫قيمة للرأسمال المالي أو المادي ‪ ،‬في هذا الفضةاء المؤسسةاتي‪ ،‬أمةام‬
‫قوة الرأسةمال الثقةافي الةذي يعةد معيةار التفةوق والنجةاح والحصةول‬
‫على المستقبل الزاهر ‪.‬‬
‫و يقصد بالحياة المدرسية(‪ ، )la vie scolaire‬في أدبيةات التشةريع‬
‫المغربةةي التربةةوي‪ ،‬تلةةك الفتةةرة الزمنيةةة التةةي يقضةةيها التلميةةذ داخةةل‬
‫فضةةاء المدرسةةة‪ ،‬وهةةي جةةزء مةةن الحيةةاة العامةةة للتلميةةذن اإلنسةةان‪.‬‬
‫وترتبط هذه الحيةاة بكيقةاع تعلمةي وتربةوي وتنشةيطي متمةوج حسةب‬
‫ظةةروف المدرسةةة وتموجاتهةةا العالئقيةةة والمؤسسةةاتية‪ .‬وتعكةةس هةةذه‬
‫الحياة المدرسةية مةايقع فةي الخةارج االجتمةاعي مةن تبةادل للمعةارف‬

‫‪ - 15‬جميل حمداوي‪ :‬من مستجدات التربية الحديثةوالمعاصرة‪ ،‬منشورات الزمن‪،‬‬


‫سلسلة شرفات رقم ‪ ،23:‬الطبعة األولى سنة ‪2008‬م‪ ،‬ص‪243-241:‬؛‬
‫‪29‬‬
‫والقةةةةةيم‪ ،‬ومةةةةةا يتحقةةةةةق مةةةةةن تواصةةةةةل سةةةةةيكواجتماعي وإنسةةةةةاني‪.‬‬
‫وتعتبر"الحياة المدرسية جةزءا مةن الحيةاة العامةة المتميةزة بالسةرعة‬
‫والتدفق‪ ،‬التي تستدعي التجاوب والتفاعل مع المتغيرات االقتصةادية‬
‫والقيم االجتماعيةة والتطةورات المعرفيةة والتكنولوجيةة التةي يعرفهةا‬
‫المجتمةةع‪ ،‬حيةةةث تصةةبت المدرسةةةة مجةةةاال خاصةةا بالتنميةةةة البشةةةرية‪.‬‬
‫والحيةةاة المدرسةةية بهةةذا المعنةةى‪ ،‬تعةةد الفةةرد للتكيةةف مةةع التحةةوالت‬
‫العامة والتعامل بكيجابية‪ ،‬وتعلمه أساليب الحياة االجتماعيةة‪ ،‬وتعمةق‬
‫الوظيفةةة االجتماعيةةة للتربيةةة‪ ،‬ممةةا يعكةةس األهميةةة القصةةوى إلعةةداد‬
‫النشء‪ ،‬أطفاال وشبابا‪ ،‬لممارسة حيةاة قائمةة علةى اكتسةاب مجموعةة‬
‫‪16‬‬
‫من القيم داخل فضاءات عامة مشتركة"‪.‬‬
‫ويتبين لنا أن الديمقراطية اليمكن تجسيدها على أرل الواقةع إال إذا‬
‫تحققت في مدرسة تستهدي بالحياة المدرسية ومقوماتها اإليجابية‪.‬‬

‫المطلب التاسع‪ :‬تطبيل البيداغوجيا الفاريية‬

‫يقصد بالبيداغوجيا الفارقية (‪ )Pédagogie différenciée‬وجود‬


‫مجموعة من التالميذ يختلفون في القدرات العقلية والذكائية‬
‫والمعرفية والذهنية‪ ،‬والميول الوجدانية‪ ،‬والتوجهات الحسية‬
‫الحركية‪ ،‬على الرغم من وجود مدرس واحد‪ ،‬داخل فصل دراسي‬
‫واحد‪ .‬ويعني هذا وجود متعلمين داخل قسم واحد‪ ،‬أمام مدرس‬
‫واحد‪ ،‬مختلفين على مستوى االستيعاب والتمثل والفهم والتفسير‬
‫والتطبيق واالستذكار والتقويم‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬جاءت البيداغوجيا الفارقية لتهتم ‪ -‬أساسا‪ -‬بالطفل‬
‫المتمدرس‪ ،‬بكيجاد حلول إجرائية وتطبيقية وعملية للحد من هذه‬
‫الفوارق المختلفة والمتنوعة كما وكيفا‪ ،‬سواء أكانت هذه الحلول‬
‫نفسية‪ ،‬أم اجتماعية‪ ،‬أم بيداغوجية‪ ،‬أم ديدكتيكية‪ ،‬أم معرفية‪...‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تنطلق البيداغوجيا الفارقية من القناعة القائلة أن" أطفال‬
‫الفصل الواحد يختلفون في صفاتهم الثقافية واالجتماعية والمعرفية‬

‫‪ - 16‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل الحياة المدرسية‪،‬شتنبر ‪2003‬م‪ ،‬ص‪.4:‬‬


‫‪30‬‬
‫والوجدانية‪ ،‬بكيفية تجعلهم غير متكافئي الفرص أمام الدرس الموحد‬
‫الذي يقدمه لهم المعلم‪ .‬ويؤول تجاهل المدرس لهذا المبدإ إلى تفاوت‬
‫األطفال في تحصيلهم المدرسي‪ .‬وتأتي البيداغوجيا الفارقية للتخفيف‬
‫من هذا التفاوت ‪ .‬ويعرف لوي لوگرا (‪)Louis Legrand‬‬
‫البيداغوجيا الفارقية كارتي‪ ":‬هي تمش تربوي‪ ،‬يستعمل مجموعة‬
‫من الوسائل التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬قصد إعانة األطفال المختلفين في‬
‫العمر والقدرات والسلوكيات‪ ،‬والمنتمين إلى فصل واحد‪ ،‬من‬
‫الوصول بطرائق مختلفة إلى األهداف نفسها "‪.17‬‬
‫ويعرفها الباحث التونسي مراد بهلول بقوله‪ " :‬تتمثل البيداغوجيا‬
‫الفارقية في وضعالطرائق واألساليب المالئمةللتفريق بين األفراد‪،‬‬
‫والكفيلة بتمكين كل فرد من تملك الكفايات المشتركة (المستهدفة من‬
‫قبل المنهه)‪ .‬فهي سعي متواصل لتكييف أساليب التدخل‬
‫البيداغوجي تبعا للحاجيات الحقيقية ل فراد المتعلمين‪ .‬هذا هو‬
‫التفريق الوحيد الكفيل بمنت كل فرد أوفر حظوظ التطور واالرتقاء‬
‫المعرفي‪"18.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعرفها عبد الكريم غريب بأنها" إجراءات‬
‫وعمليات تهدف إلى جعل التلميذ متكيفا مع الفوارق الفردية بين‬
‫المتعلمين‪ ،‬قصد جعلهم يتحكمون في األهداف المتوخاة‪"19.‬‬
‫وتقترن البيداغوجيا الفارقية بالتمثالت الذهنية المختلفة لدى‬
‫المتعلمين‪ ،‬سواء أكانوا فقراء أم أغنياء‪ ،‬أو كانوا حضريين أم‬
‫بدويين‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالبيداغوجيا الفارقية هي" بيداغوجيا الكفايات‬
‫والقدرات؛ فهي تقتضي مراعاة الفوارق بين التالميذ؛ إال أن‬
‫الفوارق التي تعنيها هنا‪ ،‬هي في التمثالت الذهنية ‪ ،‬وليست في‬
‫االنتماءات الطبقية‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يمكن التساؤل حول التمثالت‬
‫األكثر داللة وغنى‪ :‬أهي تمثالت التالميذ المنحدرين من أسر فقيرة‬

‫‪ -17‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪،‬ص‪.55-54:‬‬


‫‪18‬‬
‫‪-Mourad Bahloul :La pédagogie de la différence:l'exemple‬‬
‫‪de l'école tunisienne , M. Ali Editions, 2003 – 159 Pages.‬‬
‫‪-19‬عبد الكريم غريب‪ :‬الم هل التربوي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬دار‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.728:‬‬
‫‪31‬‬
‫أم تمثالت المنحدرين من أسر غنية؟ إن األخذ بنظرية الشفرتين‬
‫لبرنشتاين (‪ )Basil Bernstein‬يسقطنا في نوع من التعميم؛ بينما‬
‫يؤدي األخذ بنتائه أبحاث دوكري(‪ )Duccret. B‬إلى قناعات‬
‫‪20‬‬
‫وتأكيدات فجة‪" .‬‬
‫بمعنى أن نظرية برنشتاين تذهب إلى أن الفقراء يوظفون شفرة‬
‫ضيقة ومحدودة على مستوى التواصل اللغوي؛ مما يجعلهم هذا‬
‫الواقع في وضعية صعبة على مستوى األداء واإلنجاز والكتابة؛‬
‫حيث ال يستطيعون التعبير بسهولة وثراء وغنى‪ ،‬كما هي شفرة‬
‫األغنياء التي تتميز باالتساع والثراء على مستوى المعجم والثقافة‬
‫والخبرة؛ مما يؤهلهم ذلك إلى التفوق والنجاح في دروسهم‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالبيداغوجيا الفارقية هي تلك البيداغوجيا التعددية التي‬
‫تعترف بوجود مجموعة من الفوارق الفردية الكمية بين المتعلمين‬
‫داخل الفصل الدراسي الواحد‪ .‬وتفاديا لإلخفاق والهدر المدرسي‬
‫اللذين ينتجان ‪ -‬غالبا‪ -‬عن ظاهرة تعدد الفوارق الفردية في المدرسة‬
‫الواقعية الموحدة‪ ،‬تلتجل هذه البيداغوجيا إلى تسطير أهداف‬
‫وكفايات تتناسب مع فلسفة التنويع واالختالف والتعدد ‪ ،‬بتقديم‬
‫أنشطة ومحتويات تتالءم مع مستويات التالميذ المختلفة والمتعددة‬
‫قوة وضعفا‪ ،‬باتباع طرائق بيداغوجية مناسبة‪ ،‬وتشغيل وسائل‬
‫ديدكتيكية مختلفة تصلت للتقليل من تلك الفوارق المعرفية والمهارية‬
‫والذهنية‪ ،‬وتوظيف أساليب التقويم والدعم والمعالجة المناسبة للحد‬
‫من هذه الظواهر الالفتة لالنتباه‪ .‬ويعني هذا كله أن البيداغوجيا‬
‫الفارقية آلية مهمة لتحقيق ديمقراطية التعلم والتعليم على حد سواء‪.‬‬

‫المطلب العاشر‪ :‬دمقرطة التعليم‬

‫مةةن الحلةةول األخةةرى لتفةةادي مدرسةةة الفةةوارق الطبقيةةة واالخةةتالل‬


‫االجتمةةةاعي اللجةةةوء إلةةةى دمقرطةةةة التعلةةةيم ‪ ،‬ويطلةةةق هةةةذا المفهةةةوم‬
‫على"العمليةةة التةةي يةةتم بموجبهةةا تةةوفير المةةوارد البشةةرية والماديةةة‬

‫‪ -20‬العربي اسليماني ورشيد الخديمي‪ :‬يضايا تربوية‪ ،‬ص‪.72-71:‬‬


‫‪32‬‬
‫والماليةةة الضةةرورية داخةةل الوسةةط المدرسةةي لنقةةل المعةةارف إلةةى‬
‫أكبةةر عةةدد ممكةةن مةةن األشةةخاص‪ .‬يضةةاف إلةةى ذلةةك اقتنةةاع السياسةةة‬
‫‪21‬‬
‫التربوية واعتراف بما يترتب عن هذا التوجيه‪".‬‬
‫ويمكن تحقيق دمقرطةة التعلةيم بتحقيةق مفهةوم تكةافؤ الفةرص الةذي‬
‫صار شعارا جميع الشعوب‪ ،‬سواء أكانت متقدمة أم نامية ‪ ،‬مع تبنةي‬
‫هيئةةةة األمةةةم المتحةةةدة اإلعةةةالن العةةةالمي لحقةةةوق اإلنسةةةان المتضةةةمن‬
‫لمةةادتين أساسةةيتين‪ ":‬لكةةل شةةخا الحةةق فةةي التربيةةة والتعلةةيم اللةةذين‬
‫يجةةب أن يكونةةا مجةةانيين علةةى األقةةل فيمةةا يخةةا المرحلةةة االبتدائيةةة‬
‫والتربيةةة األساس ةية ‪ ،‬و" لكةةل شةةخا الحةةق بالمشةةاركة بحريةةة فةةي‬
‫الحيةةاة الثقافيةةة للمجموعةةة"‪ ،‬فهاتةةان المادتةةان تشةةيران إلةةى الحةةق فةةي‬
‫‪22‬‬
‫التربية والتعليم للجميع‪.".‬‬
‫وعليةةةه‪ ،‬فدمقرطةةةة التعلةةةيم هةةةي خطةةةوة أولةةةى ومرحلةةةة ضةةةرورية‬
‫لدمقرطة األسرة والمجتمع والسياسية على حد سواء من أجل الرفع‬
‫بالوطن واألمة إلى مصاف الدول واألمم المحترمة والمزدهرة علةى‬
‫جميع المستويات واألصعدة‪.‬‬

‫المطلب الحادي عشر‪ :‬دمقرطة المجتمع‬

‫اليمكةةةن أن تتحقةةةق ديمقراطيةةةة التربيةةةة إال إذا تحققةةةت الديمقراطيةةةة‬


‫الحقيقية في المجتمع ‪ ،‬وال ينبغي أن تكةون ديمقراطيةة الدولةة شةكلية‬
‫وسةةةطحية تمةةةس مةةةاهو هامشةةةي وثةةةانوي‪ ،‬وتتةةةر مةةةا هةةةو أساسةةةي‬
‫وجةةوهري‪ .‬أي ‪ :‬إن الديمقراطيةةة الحقيقيةةة هةةي ديمقراطيةةة عمليةةة ‪،‬‬
‫يشةةار فيهةةا الةةرئيس والمةةرؤوس ‪ ،‬ويحتكمةةان معةةا إلةةى لغةةة الحةةوار‬
‫واالختالف وخطاب االنتخابةات النزيهةة الشةفافة ‪ ،‬دون تزويةر‪ ،‬وال‬
‫تزييف‪ ،‬وال تسويف‪ ،‬وال تجويع‪.‬‬
‫وهنةةةا‪ ،‬تتحمةةةل المدرسةةةة كامةةةل المسةةةؤولية لتغييةةةر المجتمةةةع تغييةةةرا‬
‫ديمقراطيةةةا ‪ ،‬بتخليةةةق الناشةةةئة الشةةةبابية ‪ ،‬وتهيئهةةةا للمسةةةتقبل الزاهةةةر‬
‫‪ - 21‬أحمد أوزي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.139:‬‬
‫‪ - 22‬أحمد أوزي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.103:‬‬

‫‪33‬‬
‫حينمةةا تتنةةازل الدولةةة عةةن سةةلطاتها الواسةةعة لتشةةر فيهةةا كفةةاءات‬
‫المجتمةةةع بطريقةةةة ديمقراطيةةةة عادلةةةة ‪ ،‬التفةةةاوت فيهةةةا‪ ،‬وال صةةةراع‬
‫شخصي أو حزبي يؤجه حولها ‪.‬‬
‫ومن هنا يرى جون ديوي أن " االندماج االجتماعي األمثل هو الذي‬
‫يسةةتجيب للنمةةوذج الةةديمقراطي‪ ،‬ذلةةك النمةةوذج الةةذي اليعنةةي ميةةدان‬
‫السياسة وحدها بل سائر الميادين األخرى‪ ،‬والسيما العائلة والكنيسةة‬
‫واألعمال االقتصادية‪.‬‬
‫وهذا النموذج الديمقراطي اليمكن عنده أن يوضع موضةع التنفيةذ إال‬
‫عةن طريةق اسةتعدادات خلقيةة معنويةةة يرجةع إلةى المدرسةة صةةراحة‬
‫أمر تعهدها وغرسها‪ .‬غير أنه مادامت هذه المدرسةة توجههةا مبةادا‬
‫سةةةةةليمة ‪ ،‬ومادامةةةةةت تيسةةةةةر أقصةةةةةى حةةةةةد مةةةةةن تقاسةةةةةيم التجةةةةةارب‬
‫والمسةةةةؤوليات‪ ،‬فكنهةةةةا تسةةةةهم بالضةةةةرورة فةةةةي إعةةةةادة بنةةةةاء النظةةةةام‬
‫االجتمةةةاعي ‪ .‬وإنهةةةا‪ ،‬علةةةى حةةةد تعبيةةةره‪ ،‬الوسةةةيلة األساسةةةية للتقةةةدم‬
‫‪23‬‬
‫واإلصالح االجتماعي"‬
‫وعلةةةى الةةةرغم مةةةن أهميةةةة المدرسةةةة فةةةي تغييةةةر المجتمةةةع وتحديثةةةه‬
‫وعصةةةةرنته ومسةةةةاهمته فةةةةي تحقيةةةةق الديمقراطيةةةةة‪ ،‬وإرسةةةةاء فكةةةةر‬
‫االختالف وشرعية الحوار‪ ،‬إال أن المدرسةة ظلةت فةي غيةاب " عةن‬
‫الحياة السياسية ‪ ،‬ليست بسةبب عةدم انفتاحهةا علةى المحةيط السياسةي‬
‫فحسب‪ ،‬بل ألن هذا األخيةر هةو بةدوره منغلةق علةى ذاتةه؛ أو بعبةارة‬
‫أخرى إن مانلحظه‪ ،‬هةو انعةدام دور األحةزاب السياسةية والجمعيةات‬
‫فةةي الوصةةول إلةةى جةةوهر المؤسسةةة التعليميةةة بةةالمعنى العةةام‪ ،‬حيةةث‬
‫ظلت ترزح تحت غطاء الحزبية الضيقة التي تطغى عليها‪.‬‬
‫فةةةةالبرامه السياسةةةةية مطالبةةةةة بالحضةةةةور الفعلةةةةي داخةةةةل المنظومةةةةة‬
‫التربوية‪ ،‬ليس من باب تشكيل أحزاب وكتل سياسية داخل المدرسة‪،‬‬
‫بل بترسيم ثقافة الحوار الحوار وتقبل ارخةر واكتسةاب مبةادا النقةد‬
‫الذاتي والتشبث بقةيم الوحةدة بجميةع معانيهةا؛ ذلةك أنةه مهمةا اختلفةت‬
‫رؤانةةا ل مةةور‪ ،‬فةةكن الغايةةة تظةةل واحةةدة‪ :‬بنةةاء مجتمةةع حةةديث مسةةاير‬
‫‪24‬‬
‫للركب الحضاري والتطور التكنولوجي والعلمي‪".‬‬
‫‪ - 23‬غي آفانزيني‪ :‬الجمود والتجديد في التربية المدرسية‪ ،‬ص‪.276:‬‬
‫‪ - 24‬العربي سليمان ورشيد الخديمي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.244:‬‬
‫‪34‬‬
‫وهكذا‪ ،‬نصل إلى أن دمقرطة المجتمع وبنائه حضاريا وأخالقيةا مةن‬
‫أهةةةم ارليةةةات اإلجرائيةةةة لتحقيةةةق الديمقراطيةةةة الحقيقيةةةة فةةةي نظامنةةةا‬
‫التربوي والتعليمي‪.‬‬
‫المطلب الثاني عشر‪ :‬توحيد الزي المدرسي‬
‫مةن أهةةم الحلةةول األخةةرى للحةةد مةن ظةةاهرة الصةةراع الطبقةةي ‪ ،‬علةةى‬
‫الرغم من شكليتها ‪ ،‬توحيد الزي المدرسةي‪ ،‬وفرضةه إجباريةا علةى‬
‫جميةةةع التالميةةةذ ‪ ،‬ومسةةةاعدة المتعلمةةةين المعةةةوزين الةةةذين يوجةةةدون‬
‫بالمؤسسةةةة علةةةى التقيةةةد بةةةه‪ .‬وهنةةةا‪ ،‬نسةةةتدعي دور جمعيةةةة األنشةةةطة‬
‫االجتماعي ةة والتربويةةة والثقافيةةة باعتبارهةةا فةةاعال مشةةاركا ؛ ألنهةةا‬
‫تنشةةةط فةةةي مجةةةاالت متعةةةددة‪ ،‬وتسةةةاعد التالميةةةذ الفقةةةراء ‪ ،‬وتلبةةةي‬
‫حاجيةةاتهم الماديةةة‪ ،‬وتقةةدم للتالميةةذ المتعثةةرين دراسةةيا حصصةةا فةةي‬
‫الةةدعم والتقويةةة‪ ،‬وتةةنظم للمجتمةةع المدرسةةي محاضةةرات وعروضةةا‪،‬‬
‫وتمةةنت للتالميةةذ المتفةةوقين جةةوائز تشةةجيعية‪ ،‬وغيرهةةا مةةن األنشةةطة‬
‫االجتماعية والتربوية والثقافية‪.‬‬

‫المطلب الثالث عشر‪ :‬االسترشاد بالطرائل التربوية الفعالة‬

‫البد من تمثل الطرائق البيداغوجية الفعالة لتحقيق تربية إبداعية ذات‬


‫مردودية ناجعة‪،‬وتعويد النشء على الديمقراطية ؛ والسيما أن هذه‬
‫الطرائق الفعالة من مقومات التربية الحديثة والمعاصرة في الغرب‪-‬‬
‫كما يقول السيد بلوا(‪ -)Bloch‬حينما أثبت أن نجاح المدرسة‬
‫الفعالة " الزم من أجل بزوغ مجتمع ديمقراطي‪ ،‬اليمكن أن يكون‬
‫كذلك إال عن طريق منطوق مؤسساته"‪.25‬‬
‫وقد ظهرت هذه الطرائق التربوية الفعالة في أوربا في أواخر القرن‬
‫التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ ،‬مع ماريا مونتيسوري( ‪Maria‬‬
‫‪ ،)Montessori‬وجون ديوي( ‪ ،)Dewey‬وكالباريد(‬
‫‪ ،)Claparide‬وكرشنشتاير( ‪ ،)Kerschensteiner‬وفرينيه(‬
‫‪ ،)Freinet‬وكارل روجرز( ‪ ،)Rogers‬ومكارنكو(‬

‫‪ - 25‬غي آفانزيني‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.280:‬‬


‫‪35‬‬
‫وفيريير(‬ ‫‪،)Reboul‬‬ ‫‪ ،)Makarenko‬وأوليفييه ريبول(‬
‫‪ ،)Ferrière‬وجان بياجيه( ‪...،)J.Piaget‬‬
‫وتعتمد هذه الطرائق الفعالة الحديثة على عدة مبادا أساسية هي‪:‬‬
‫اللعب‪ ،‬والحرية‪ ،‬وتعلم الحياة عن طريق الحياة‪ ،‬والتعلم الذاتي‪،‬‬
‫والمنفعة العملية‪ ،‬وتفتت الشخصية‪ ،‬واالهتمام بالفوارق الفردية ‪،‬‬
‫واالعتماد على السيكولوجيا الحديثة‪ ،‬واالستهداء بالفكر التعاوني‪،‬‬
‫وتمثل طريقة التسيير الذاتي‪ ،‬وتطبيق الالتوجيهية ‪ ،‬ودمقرطة‬
‫التربية والتعليم‪...‬‬

‫المطلب الرابع عشر‪ :‬البيداغوجيا المؤسساتية‬

‫يةةرفض كثيةةر مةةن المةةربين تحويةةل المؤسسةةة التربويةةة إلةةى مؤسسةةة‬


‫الثك ةةة‪ ،‬أو فضةةاء بيروقراطةةي يكةةرس التمييةةز العنصةةري ‪ ،‬ويةةؤجه‬
‫الصةةراع الطبق ةي‪ ،‬أو يةةتم إصةةالحها خارجيةةا ‪ ،‬بةةل ينبغةةي أن يكةةون‬
‫اإلصةةالح داخليةةا‪ ،‬باالعتمةةاد علةةى مبةةادا البيةةداغوجيا المؤسسةةاتية‬
‫(‪ )INSTITUTIONNELLEPIDAGOGIE‬التةةةةةي نظةةةةةر‬
‫لهاكةةةةةةةةةل مةةةةةةةةةن أوري (‪ ، ) OURY‬ولةةةةةةةةةوبرو( ‪،)LOBROT‬‬
‫والپاساد(‪.) LAPASSADE‬‬
‫وقد ظهرت المدرسة المؤسساتية في فرنسا باعتبارها اتجاهةا تربويةا‬
‫حديثا ‪ ،‬وتعتبر أن اإلصالح" يجب أن يمر عبر المؤسسة‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلةةى البنيةةات االقتصةةادية واالجتماعيةةة ‪ ،‬ومةةن ثمةةة يجةةب االهتمةةام‬
‫بمفهةةوم اإلدارة الذاتيةةة والتسةةيير الةةذاتي مةةن أجةةل تحقيةةق االسةةتقالل‬
‫الذاتي للمتربين في إطار مؤسسي مفتوح"‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬تةةرفض هةةذه البيةةداغوجيا الجديةةدة المدرسةةة الثكنةةة التةةي تخنةةق‬
‫التلميذ بنظامها االنضباطي البيروقراطي الذي يحد من حرية التلميذ‪.‬‬
‫ومةةن ثةةم‪ ،‬تتحةةول المدرسةةة إلةةى صةةندوق أسةةود‪ ،‬أو إلةةى ثكنةةة قمعيةةة‬
‫التةةؤمن إال بالنظةةام واالنضةةةباط علةةى حسةةةاب حريةةة التلميةةةذ‪،‬وعلى‬
‫حساب أنشطته الثقافية والفنية والرياضية والعلمية‪.‬‬
‫لهذا‪ ،‬تقترح البيداغوجيا المؤسساتية مدرسة فارقية مرنة ومنفتحة ‪،‬‬
‫تنبع قوانينها من التفاعةل الةداخلي ألفرادهةا قصةد االنتقةال بالمدرسةة‬
‫‪36‬‬
‫من مؤسسة التلقين والتوجيه واالنضباط القاتم نحةو مؤسسةة إبداعيةة‬
‫فاعلة وفعالةة مبدعةة ومبتكةرة‪ ،‬تسةعى إلةى تحقيةق التقةدم واالزدهةار‬
‫والسعادة الفضلى‪.‬‬

‫المطلب الخامس عشر‪ :‬البيداغوجيا الالتوجيهية‬

‫تنبنةةةةي البيةةةةداغوجيا الالتوجيهيةةةةة علةةةةى الةةةةتعلم الةةةةذاتي‪ ،‬والتسةةةةيير‬


‫الشخصةةي‪ ،‬واعتمةةاد المةةتعلم علةةى نفسةةه فةةي إنجةةاز واجباتةةه‪ ،‬وأداء‬
‫أعماله‪ .‬وهنا‪ ،‬يتحول المدرس إلى مشرف مرشةد‪ ،‬وال يتةدخل إال إذا‬
‫طلب منه المتعلم ذلك‪ .‬وتعتمد الالتوجيهية على الحرية ‪ ،‬والعفويةة ‪،‬‬
‫والتلقائية‪ ،‬والتعلم الةذاتي‪ ،‬والمرونةة‪ ،‬والديمقراطيةة‪ ،‬وبنةاء المعرفةة‬
‫عةةن طريةةق التةةدريه المنطقةةي والشخصةةي‪ ،‬واالبتعةةاد عةةن طرائةةق‬
‫التةةدريس التلقينيةةة القائمةةة علةةى اإلكةةراه والتلقةةين والحفة ‪ ،‬أو تةةدخل‬
‫المةةدرس تعسةةفا وحيفةةا ف ةي أعمةةال التلميةةذ إرغامةةا وقسةةرا ‪ ،‬وتوجيةةه‬
‫رغباته كما يشاء دون استشارته في ذلك‪ .‬وتزرع هذه الطريقةة الثقةة‬
‫فةةي المةةتعلم‪ ،‬وتعةةوده علةةى المثةةابرة الشخصةةية والةةتعلم الةةذاتي وحةةب‬
‫المغةةةةامرة‪ ،‬واالسةةةةتعانة بكفاءاتةةةةه وقدراتةةةةه الذاتيةةةةة لحةةةةل المشةةةةاكل‬
‫والوضعيات‪ ،‬وتطويع الصعوبات التي تواجهه في المدرسةة والحيةاة‬
‫على حد سواء‪.‬‬
‫ويعةد جةان جاكروسةو( ‪ ،)Rousseau‬وأوليفييةه ريبةول( ‪Olivier‬‬
‫‪،)Reboul‬وكةةةةةارل روجةةةةةرز( ‪ )C.Rogers‬مةةةةةن أهةةةةةم منظةةةةةري‬
‫البيداغوجيا الالتوجيهية‪.‬‬

‫المطلب السادس عشر‪ :‬تفعيل المجالس التربوية‬

‫تتوفر المؤسسة على عدة مجالس يمكن أن تسهم في إثةراء المؤسسةة‬


‫وتفعيلهةةا علةةى جميةةع المسةةتويات واألصةةعدة ‪ ،‬مةةع لةةم المتعلمةةين فةةي‬
‫بوتقة اجتماعيةة واحةدة كالمجةالس التعليميةة والفةرل التربويةة التةي‬
‫تحتل مكانة بارزة في تنظيم الحياة المدرسية وتنشيطها ودمقرطتهةا‪،‬‬
‫وتتمثل في إبداء المالحظات واالقتراحةات حةول البةرامه والمنةاهه‪،‬‬
‫‪37‬‬
‫وبرمجة مختلف األنشطة الثقافية واالجتماعيةة والرياضةية‪ ،‬وتحيةين‬
‫اإلمكانيةةةات والتةةةدابير الالزمةةةة لتنفيةةةذها وغيةةةر ذلةةةك مةةةن األعمةةةال‬
‫التنظيمية والتربوية ‪ ،‬وإن "اعتماد الفرل التربوية بمختلف األسال‬
‫كآليات تنظيمية وتربوية لمن شأنه أن يقوي فةرص نجةاح التغييةرات‬
‫المرغةةوب فيهةةا‪ ،‬ولضةةمان فعالياتهةةا وانتظةةام أنشةةطتها تحةةدد بشةةكل‬
‫دوري مهةةام هةةذه الفةةرق وطبيعةةة أعمالهةةا ووظيفتهةةا االستشةةارية فةةي‬
‫تنشيط الحياة المدرسية‪.26"....‬‬
‫ولكةةن أهةةم مجلةةس يقةةوم بةةدور كبيةةر وفعةةال مةةن أجةةل خلةةق فضةةاء‬
‫مدرسي متجانس ومتعايش نذكر‪ :‬مجلس التدبير‪.‬‬
‫وتتمثةةل المهةةام المسةةندة لمجلةةس التةةدبير فةةي اقتةةراح النظةةام الةةداخلي‬
‫للمؤسسةةةةة التعليميةةةةة‪ ،‬فةةةةي إطةةةةار احتةةةةرام النصةةةةوص التشةةةةريعية‬
‫والتنظيمية والقانونية المعمول بهةا ‪ ،‬ولةن يكةون هةذا النظةام الةداخلي‬
‫مقبوال وفعاال حتى تةتم المصةادقة عليةه مةن قبةل األكاديميةة الجهويةة‬
‫للتربية والتكوين‪.‬‬
‫ومن االختصاصةات األخةرى للمجلةس دراسةة بةرامه عمةل كةل مةن‬
‫المجلس التربوي والمجالس التعليمية‪ ،‬والمصادقة علةى المقترحةات‬
‫المرفوعة من قبل هذه المجالس الموازيةة‪ ،‬وإدراجهةا ضةمن برنةامه‬
‫عمةل المؤسسةة المقتةرح مةن قبلةه‪ .‬فضةال عةن تسةطير برنةامه عمةةل‬
‫سنوي يخا أنشطة المؤسسة‪ ،‬وتتبةع مراحةل إنجةازه لتفعيةل الحيةاة‬
‫المدرسةةةية وتنشةةةيطها حسةةةب مقتضةةةيات الميثةةةاق الةةةوطني‪ ،‬وحسةةةب‬
‫المةةذكرات الوزاريةةة التةةي تةةنا علةةى تنفيةةذ الحيةةاة المدرسةةية داخةةل‬
‫المؤسسة التعليمية‪ ،‬في عالقة مع الفاعلين الداخليين والخارجيين‪.‬‬
‫ومن االختصاصات األخرى التي يتكفل بها مجلس التةدبير االطةالع‬
‫علةةةى القةةةرارات الصةةةادرة عةةةن المجةةةالس األخةةةرى‪ ،‬وقةةةراءة نتةةةائه‬
‫أعمالهةةا‪ ،‬واسةةتغالل معطياتهةةا للرفةةع مةةن مسةةتوى التةةدبير التربةةوي‬
‫واإلداري والمالي للمؤسسة‪.‬‬
‫ويقةةةوم المجلةةةس أيضةةةا بدراسةةةة التةةةدابير المالئمةةةة لضةةةمان صةةةيانة‬
‫المؤسسة‪ ،‬والمحافظة علةى ممتلكاتهةا‪ ،‬وإبةداء الةرأي بشةأن مشةاريع‬

‫‪ - 26‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل الحياة المدرسية‪ ،‬ص‪.24:‬‬


‫‪38‬‬
‫اتفاقيةةات الشةةراكة التةةي تعتةةزم المؤسسةةة إبرامهةةا‪ ،‬ودراسةةة حاجيةةات‬
‫المؤسسةةة للسةةنة الدراسةةية المواليةةة‪ ،‬والمصةةادقة فةةي األخيةةر علةةى‬
‫التقرير السنوي العام المتعلق بنشاط المؤسسة وسةيرها‪ ،‬و يتعةين أن‬
‫يتضةةةةمن لزومةةةةا المعطيةةةةات المتعلقةةةةة بالتةةةةدبير اإلداري والمةةةةالي‬
‫والمحاسباتي للمؤسسة‪.‬‬
‫و يقوم مجلس التدبير بعدة وظائف أساسةية ومهمةة كتنميةة المؤسسةة‬
‫التربوية داخليا وخارجيا‪ ،‬وخلق موارد ذاتية بشراكة مع المؤسسةات‬
‫المنتخبة والمجتمع المةدني كشةركاء فةاعلين أساسةيين‪ ،‬ودعةم سياسةة‬
‫الالمركزيةةةة والالتمركةةةز ‪ ،‬وإشةةةرا جميةةةع الشةةةركاء فةةةي العمليةةةة‬
‫التربويةةة‪ ،‬وتحسةةين جةةودة التعلةةيم داخةةل المؤسسةةة بالعنايةةة بفضةةائها‬
‫الداخلي ومحيطها الخةارجي‪ ،‬وإعةداد برنةامه عمةل سةنوي ل نشةطة‬
‫المزمع القيام بها في مختلف المجاالت‪.‬‬

‫المطلةةةةب السةةةةابع عشةةةةر‪ :‬التربيةةةةة علةةةةى حقةةةةول اإلنسةةةةا‬


‫والمواط ة‬

‫تعد التربية علةى حقةوق اإلنسةان والمواطنةة مةن أهةم ارليةات لتفعيةل‬
‫الديمقراطيةةةة الحقيقيةةةة‪ ،‬فتعريةةةف المةةةتعلم بحقوقةةةه وواجباتةةةه تجعلةةةه‬
‫يعرف ماله وما عليه‪ ،‬وتدفعه إلى التحلي بةروح المواطنةة والتسةامت‬
‫والتعايش مع ارخرين‪ ،‬مع نبذ اإلرهاب واإلقصاء والتطرف‪.‬‬
‫وقد أرست المجتمعات الليبرالية مجموعة مةن الحقةوق الكونيةة التةي‬
‫اعترفةةت بهةةا هيئةةة األمةةم المتحةةدة‪ ،‬وسةةطرتها فةةي مواثيةةق تشةةريعية‬
‫مدنيةةةة واجتماعيةةةة وثقافيةةةة واقتصةةةادية وإنسةةةانية سةةةيدت اإلنسةةةان‪،‬‬
‫وجعلتةةةه فةةةوق الطبيعةةةة‪ .‬كمةةةا دافعةةةت عةةةن كرامتةةةه وأنفتةةةه وطبيعتةةةه‬
‫البشرية‪ .‬بل اهتمت أيضا بحقةوق الطفةل السةوي والالجةل والمعةاق‪.‬‬
‫في الوقت نفسه الذي اعترفت فيه بحقوق الكبار والمسنين والمةدنيين‬
‫في حالتي السلم والحرب على حد سواء‪.‬‬
‫وهكةةذا‪ ،‬نجةةد وزارة التربيةةة والتعلةةيم بةةالمغرب تعلةةم ناشةةئتها مبةةادا‬
‫حقةةوق اإلنسةةان‪ ،‬وتعرفهةةا بمجمةةل المعاهةةدات والمواثيةةق الحقوقيةةة‬
‫التةةي سةةطرتها هيئةةة األمةةم المتحةةدة بعةةد الحةةرب العالميةةة الثانيةةة إبةةان‬
‫‪39‬‬
‫القرن العشرين‪ ،‬فاعتبرت المدرسة التربوية الفضاء المناسب لتلقةين‬
‫التعلمةةةات والخبةةةرات المتعلقةةةة بحقةةةوق اإلنسةةةان‪ .‬وسةةةارعت الةةةدول‬
‫الغربية والعربية ‪ -‬علةى حةد سةواء‪ -‬إلةى االهتمةام بحقةوق الطفةل؛ إذ‬
‫بةةادر المغةةرب إلةةى إنشةةاء برلمةةان الطفةةل ليعبةةر فيةةه الصةةغار عةةن‬
‫مشاكلهم وانشغاالتهم‪ ،‬ويقدمون فيه اقتراحاتهم وتوصياتهم‪.‬‬
‫وعليةةةه‪ ،‬فاختيةةةار الديمقراطيةةةة" كةةةنهه فةةةي تةةةدبير الشةةةأن السياسةةةي‬
‫وكممارسة وتربية أصبت اختيارا الرجعةة فيةه‪ ،‬بةل وأصةبت معيةارا‬
‫لالندماج في المجتمع الدولي‪ .‬وأي مسةاس بةه أو خةروج عةن مبادئةه‬
‫أو خةرق لسةةلوكاته يكةةون كةل ذلةةك مةةدعاة للتنديةد والعةةزل واإلقصةةاء‬
‫وبةةدهي أن تعةةرل أيةةة دولةةة لةةذلك يعنةةي اسةةتحالة أن تحقةةق تنميتهةةا‬
‫‪27‬‬
‫وارتقاءها واالستفادة مما يتيحه التضامن الدولي‪".‬‬
‫ويعني هذا كله أن تعليم النشء ثقافة حقةوق اإلنسةان مةن أهةم السةبل‬
‫الحقيقية لتفعيل الديمقراطية المجتمعية والتربوية‪.‬‬

‫المبحةةةث السةةةابع‪ :‬المشةةةاكل التةةةي تواجةةة الديمقراطيةةةة‬


‫التربوية‬
‫اليخفى على الجميع أنه من المستحيل تحقيق الديمقراطية في مجتمع‬
‫التخلف والكسل والخمول‪ ،‬أو في مجتمع مازال يحتكم بقوانين القمةع‬
‫والقهةةةر‪ ،‬ويسةةةن سياسةةةة االسةةةتبداد والقمةةةع والقهةةةر ضةةةد المةةةواطنين‬
‫األبرياء‪.‬‬
‫وبالتةالي‪ ،‬ال تتحقةق الديمقراطيةة الحقيقيةة إال فةي مجتمعةات الحريةة‬
‫واإلبةةةداع التةةةي تةةةؤمن بالعمةةةل الجةةةاد‪ ،‬وفكةةةرة التنةةةاوب‪ ،‬وشةةةرعية‬
‫االخةتالف‪ ،‬ومنطةق التغةاير‪ ،‬وتلتجةل إلةى صةناديق االقتةراع لتحديةةد‬
‫الرئيس من المرؤوس‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تترجم الديمقراطية في أفعال هادفة‬

‫‪ - 27‬محمد مصطفى القباج‪ ( :‬التربية على المواطنة والحوار وقبول ارخر في التعليم‬
‫الثانوي‪ :‬تحليالت واتجاهات)‪ ،‬مجلة علوم التربية‪ ،‬المغرب‪ ،‬العدد‪ ،32:‬أكتوبر‬
‫‪2006‬م‪ ،‬ص‪.142:‬‬
‫‪40‬‬
‫ورشةةيدة‪ ،‬وسةةلوكيات مواطنةةة واعيةةة إجرائيةةة عمليةةة ‪ ،‬يسةةتفيد منهةةا‬
‫المواطنون كلهم بعدالة وسواسية ‪ ،‬مع احترام دولة الحق والقانون‪.‬‬
‫ومةةن هنةةا‪ ،‬فمةةن أهةةم العوائةةق التةةي تحةةول دون تطبيةةق الديمقراطيةةة‪:‬‬
‫البيروقراطية ‪ ،‬والجهل‪ ،‬والتخلف‪ ،‬والخمول‪ ،‬والتقاعس‪ ،‬والروتين‪،‬‬
‫ورتابة اإلدارة‪ ،‬وانعدام الخبرة‪ ،‬وغياب الكفاءة التربوية واإلدارية‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فليست الديمقراطية الحقيقية ‪ -‬كما قال جةون ديةوي‪ -‬مجةرد‬
‫شةةةكل للحكومةةةة ‪ ،‬وإنمةةةا هةةةي ‪ ،‬فةةةي أساسةةةها‪ ،‬أسةةةلوب مةةةن الحيةةةاة‬
‫المجتمعية والخبرة المشتركة والمتبادلة‪.‬‬
‫واليمكن تحقيق الديمقراطية‪ ،‬في نظامنا التربوي‪ ،‬إذا كان مبنيا على‬
‫التقليد واالجترار ‪ ،‬وتغليف المناهه والبةرامه والمقةررات بةالتفكير‬
‫األسطوري والماورائي‪ ،‬وتغليفه باألفكار السطحية والقشور الزائفة‪.‬‬
‫كمةةا التتحقةةق الديمقراطيةةة فةةي مجتمةةع يتعشةةش فيةةه الفقةةر والبةةؤس‬
‫والفاقةةة والحرمةةان ‪ ،‬وتنعةةدم فيةةه العدالةةة‪ ،‬ويقةةل فيةةه الخةةوف مةةن هللا‪،‬‬
‫وتبطل فيه شريعة هللا‪.‬‬
‫أي‪ :‬إن الديمقراطية الجوهرية ‪ -‬ال الشكلية‪ -‬سلو عملي ‪ ،‬وتطبيق‬
‫سياسةةي واجتمةةاعي عةةام‪ .‬وهةةي كةةذلك مرتبطةةة أيمةةا ارتبةةاط بالحريةةة‬
‫والمساواة والعدالةة والعقالنيةة والتعةايش والتسةامت‪ ،‬وحةب ارخةر ‪،‬‬
‫والتواصل معه بشكل إيجابي وهادف‪.‬‬

‫المبحث الثامن‪ :‬حلول وايتراحات وتوصيات‬


‫إذا كانةةت المقاربةةة الصةةراعية تةةرى فةةي المدرسةةة فضةةاء للتطاحنةةات‬
‫اإليديولوجية والطبقية ‪ ،‬وترى فيها أيضا فضاء للتفاوت االجتمةاعي‬
‫والثقةةافي واللغةةوي واالقتصةةادي‪ .‬فقةةد ترتةةب عةةن هةةذا كلةةه‪ -‬منطقيةةا‬
‫واستنتاجيا ‪ -‬أن أدى الواقع المنهار بالمدرسةة التربويةة إلةى الفشةل‬
‫واإلفةةةالس الالزمةةةين؛ حيةةةث صةةةارت المدرسةةةة عنةةةد الكثيةةةر مةةةن‬
‫المالحظين مؤسسة الخيبة والمأساة والصةراع الجةدلي والتناقضةات‬
‫الصارخة ‪.‬‬
‫بيد أن هنا مةن يعةارل هةذا الطةرح الصةراعي ‪ ،‬فيعتبةر المقاربةة‬
‫الصراعية ذات أبعاد سياسية وحزبيةة ضةيقة‪ ،‬تنطلةق مةن تصةورات‬
‫‪41‬‬
‫ماركسية أو هيجيلية أو منطلقات ڤيبيرية أو ألتوسيرية‪ .‬ومن ثم تفتقد‬
‫هةةةذه التصةةةورات خاصةةةية الموضةةةوعية والحيةةةاد والتحليةةةل العلمةةةي‬
‫المنطقي ومصداقية التحليل المعقلن‪.‬‬
‫وعليةةه‪ ،‬فلةةيس مةةن الضةةروري أن تكةةون المدرسةةة فضةةاء للصةةراع‬
‫والتطةةاحن العرقةةي واللغةةوي والثقةةافي ‪ ،‬وانعةةدام تكةةافؤ الفةةرص‪ ،‬بةةل‬
‫يمكن أن تكون مدرسة ديمقراطية‪ ،‬وفضاء للحرية واالبتكار‪ ،‬ومكانا‬
‫إلذابة الفوارق االجتماعية‪ ،‬وفضاء لتعايش الطبقات‪ ،‬وكونةا حواريةا‬
‫لتوحيد الرؤى والتطلعات بين المتعلمين ‪.‬‬
‫ومةةن ثةةم‪ ،‬ينبغةةي علةةى المؤسسةةة التربويةةة أن تةةذيب كةةل الخالفةةات‬
‫الموجةةةودة بةةةين التالميةةةذ علةةةى المسةةةتوى االقتصةةةادي واالجتمةةةاعي‬
‫والثقافي واللغوي‪ ،‬وتحرير المتعلمين المنحدرين من الفئة الدنيا من‬
‫عقةةدهم الطبقيةةة الشةةعورية والالشةةعورية ‪ ،‬وتخليصةةهم مةةن مركةةب‬
‫النقا‪ ،‬بتنفيذ المشةاريع المؤسسةاتية‪ ،‬وتقةديم األنشةطة للترفيةه عةن‬
‫التالميةةذ ‪ ،‬وتكةةوينهم تكوينةةا ذاتيةةا يمحةةي كةةل الفةةوارق التةةي يمكةةن أن‬
‫توجد بين المتمدرسين داخل المدرسةة الواحةدة‪ .‬ومةن أهةم الوظةائف‬
‫األساسةةية للمدرسةةة " إيجةةاد حالةةة مةةن التةةوازن بةةين عناصةةر البيئةةة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وذلك بأن تتبع المدرسة لكل فةرد الفرصةة لتحريةره مةن‬
‫قيةةود طبقتةةه االجتماعيةةة التةةي ولةةد فيهةةا ‪ ،‬وأن يكةةون أكثةةر اتصةةاال‬
‫‪28‬‬
‫وتفاعال مع بيئته االجتماعية والمذاهب الدينية‪.".‬‬
‫و البةةد أن تس ةهم المدرسةةة فةةي خلةةق عالقةةات إيجابيةةة مثمةةرة بةةين‬
‫التالميذ فيما بينهم ‪ ،‬وبين المتعلمةين وأطةر التربيةة واإلدارة ‪ ،‬تكةون‬
‫مبنية على التعاون واألخوة والتسامت والتواصل والتآلف والمشاركة‬
‫الوجدانية والتكامل اإلدراكي‪ ،‬ونبذ كةل عالقةة قائمةة علةى الصةراع‬
‫الجةةدلي‪ ،‬والعةةدوان‪ ،‬والكراهيةةة‪ ،‬واإلقصةةاء‪ ،‬والتهمةةيش ‪ ،‬والتنةةافر‪،‬‬
‫والكراهية‪ ،‬والتغريب‪ ،‬والجمود‪ ،‬والتطرف‪ ،‬واإلرهاب‪.‬‬
‫والبةةد للمدرسةةة مةةن االحتكةةام إلةةى منطةةق المسةةاواة ‪ ،‬وتةةوفير العدالةةة‬
‫والعمل على تحقيق تكافؤ الفرص‪ ،‬ودمقرطة التعليم من أجل تكةوين‬
‫مةةواطن صةةالت ينفةةع وطنةةه وأمتةةه‪ ،‬ويحةةاف علةةى ثوابةةت المجتمةةع‪،‬‬
‫‪ - 28‬أمحمد عليلود‪ :‬التربية والتعليم من أجل الت مية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2007‬م‪ ،‬ص‪.123:‬‬
‫‪42‬‬
‫ويعمةةل جاهةةدا مةةن أجةةل تحةةديث البلةةد وتغييةةره إيجابيةةا ‪ ،‬والرفةةع مةةن‬
‫مسةةةتواه التنمةةةوي‪ ،‬والسةةةير بةةةه نحةةةو آفةةةاق أرحةةةب مةةةن االزدهةةةار‬
‫والرفاهية‪.‬‬
‫كما تعمةل المدرسةة علةى تغييةر المسةتوى االجتمةاعي واالقتصةادي‬
‫للمتعلمةةين الةةذين ينحةةدرون مةةن منطقةةة فقيةةرة‪ .‬فعةةن طريةةق الةةةتعلم‬
‫والحصةةول علةةى الشةةهادات والةةدبلومات‪ ،‬يسةةتطيع ابةةن البيئةةة الفقيةةرة‬
‫تغيير مستوى معيشته والمستوى االقتصادي ألسرته كمةا هةو الحةال‬
‫فةةي المغةةرب؛ حيةةث تصةةبت الوظيفةةة العموميةةة التةةي يحصةةل عليهةةا‬
‫الطالةةب النةةاجت مسةةلكا للثةةراء والسةةلطة والترقةةي والتسةةلق الطبقةةي‪،‬‬
‫واكتساب قيم طبقة اجتماعية أخرى‪.‬‬
‫أي‪ :‬تعمةةل المدرسةةة علةةى تحسةةين الظةةروف االقتصةةادية للمةةتعلم‪،‬‬
‫وتغيير طبقته االجتماعيةة‪ ،‬بالتحلةل مةن ثقافةة بيئتةه األصةلية ‪،‬وتمثةل‬
‫ثقافةةة الطبقةةة الجديةةدة‪ .‬ومةةن هنةةا‪ ،‬يجرنةةا هةةذا التصةةور إلةةى رفةةض‬
‫ماتةةذهب إليةةه المقاربةةة الصةةراعية التةةي التةةرى فةةي المدرسةةة سةةوى‬
‫فضةةةةةاء للصةةةةةراع الطبقةةةةةي والتنةةةةةاحر العرقةةةةةي‪ ،‬وحلبةةةةةة للتطويةةةةةع‬
‫اإليةةةةديولوجي‪ ،‬وتبليةةةة قةةةةيم الطبقةةةةة الحاكمةةةةة أو السةةةةائدة‪ .‬وهكةةةةذا‬
‫اليجب"أن يوقعنا هذا الطرح الصراعي في خطةى االعتقةاد بتصةور‬
‫ميكةةةةانيكي وقةةةةدحي لةةةةدور المدرسةةةةة‪ ،‬أي اعتبارهةةةةا دومةةةةا الجهةةةةاز‬
‫اإليديولوجي للدولة البرجوازية أو الطبقة السائدة بمعنى أنها مؤسسة‬
‫طبقية ذات وظيفة إيديولوجية‪ .‬فال بد من تجاوز هذا التصور الضيق‬
‫لوظيفةةة المدرسةةة االجتماعيةةة‪ ،‬نظةةرا لكونهةةا تتمتةةع باسةةتقاللية نسةةبية‬
‫عن قيود وتحديدات المحيط العام الذي تتفاعل معه وفيةه‪ ،‬كمةا تتمتةع‬
‫بنظامها الداخلي الخاص بها‪ ،‬ومنطقها المتميز الذي تشةتغل فيةه وبةه‬
‫‪29‬‬
‫بنيانها"‪.‬‬
‫ومةةا نالحظةةه مةةن تبعيةةة المدرسةةة المغربيةةة للمدرسةةة الفرنسةةية منةةذ‬
‫الحمايةةةةة إال دليةةةةل علةةةةى "االنفصةةةةامية التةةةةي تعيشةةةةها المدرسةةةةة‬
‫المغربية‪،‬ومن المؤشرات الحقيقية كذلك على التناقضات الصةارخة‬
‫التي تبرز داخل المؤسسات التعليمية والتربوية ‪.‬‬

‫‪ - 29‬أمحمد عليلود‪ :‬التربية والتعليم من أجل الت مية‪ ،‬ص‪.120:‬‬


‫‪43‬‬
‫وهكةةذا‪ " ،‬يجةةب مراعةةاة وظيفةةة المدرسةةة فةةي البلةةدان المتخلفةةة مةةن‬
‫حيةةث إنهةةا تتحةةةدد فةةي سةةةياق التبعيةةة‪ ،‬وهةةذا مايترتةةةب عنةةه طبيعةةةة‬
‫األوضاع المزرية التةي يشةهدها التعلةيم فةي هةذه البلةدان‪ ،‬مةن انعةدام‬
‫العقالنية الفي التفسير وال في التوجيةه وال فةي التةأطير‪ .‬وخيةر دليةل‬
‫علةةى هةةذا مةةا يعرفةةه التعلةةيم ببالدنةةا مةةن غي ةاب منظةةور شةةامل وعةةام‬
‫يصةةوغ األهةةداف المعرفيةةة والتربويةةة ويحةةدد الوسةةائل البيداغوجيةةة‪،‬‬
‫وذلةةك ألننةةا ورثنةةا ذلةةك مةةن االسةةتعمار‪ ،‬وبقةةي مسةةتمرا دون إعةةادة‬
‫النظر الشامل في البنية التعليمية ‪ ،‬وكذا فةي جميةع البنيةات األساسةية‬
‫في المجتمع المغربي‪.‬‬
‫هذا عكس ماتم بالغرب حيث تمكنةت المؤسسةة مةن تحقيةق نةوع مةن‬
‫االنسجام والتكامل مع المحيط الثقافي والمجتمعةي الةذي تنةدرج فيةه‪،‬‬
‫أمةةةا بةةةالمغرب فةةةكن " الفصةةةامية" عنةةةدنا مةةةاتزال قائمةةةة بةةةين الثقافةةةة‬
‫المدرسية ككل‪ ،‬وبين اإلطار االجتماعي والثقافي الةذي تنخةرط فيةه‪.‬‬
‫زيادة علةى هةذا‪ ،‬تبقةى المدرسةة‪ -‬حسةب مصةطفى محسةن‪ -‬بمثابةة"‬
‫صةةندوق أسةةود" النمسةةك علميةةا بميكانيزمةةات وظائفهةةا واشةةتغالها‪،‬‬
‫وتحركهةةةةا‪ ،‬وال بةةةةالبرامه والنمةةةةاذج المعرفيةةةةة والسةةةةلوكية السةةةةائدة‬
‫‪30‬‬
‫فيها‪".‬‬
‫وعلةةى الةةرغم مةةن كةةون المدرسةةة فضةةاء للتعةةدد الثقةةافي واللغةةةوي‬
‫والتفاوت االجتماعي والطبقي إال أنهةا تعتبةر" عامةل توحيةد‪ ،‬عامةل‬
‫لم وجمع مختلف الطبقات االجتماعية وصهر أفكارها وبلورتها بقدر‬
‫‪31‬‬
‫اإلمكان عبر خطابها التربوي‪".‬‬
‫ومن أهم االقتراحات التي تسعفنا لتحقيق مجتمةع تربةوي ديمقراطةي‬
‫التركيز على تنفيذ التوصيات التالية‪:‬‬
‫‪‬تشةجيع المبةةادرات الفرديةة التةةي فيهةةا مصةلحة للجماعةةة والةةوطن‬
‫واألمةةةة‪.‬وفي هةةةذا الصةةةدد‪ ،‬يقةةةول كالباريةةةد‪ ":‬علينةةةا فةةةي المجتمةةةع‬
‫الديمقراطي السليم أن نفست أوسةع مجةال ممكةن للمبةادرات الفرديةة‪،‬‬
‫بحيث تبقى وتستمر وحدها‪ ،‬تلك المبادرات التي يثبت بالتجربةة أنهةا‬
‫نافعةةة للجماعةةة‪ .‬إن أي قيةةد نقيةةد بةةه النشةةاط الفةةردي الحةةر يضةةعف‬
‫‪ - 30‬أمحمد عليلود‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.120:‬‬
‫‪ - 31‬أمحمد عليلود‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.116:‬‬
‫‪44‬‬
‫فرص االكتشاف الخصيب‪.‬وهاهنا أيضةا تبةين األفكةار التةي أتةى بهةا‬
‫داروين الترابط بين الفرد وبين المجتمع‪ .‬وقيمة األول )الفةرد) مفيةدة‬
‫‪32‬‬
‫مباشرة لحياة الثاني ( المجتمع) وعافيته"‪.‬‬
‫❖ضرورة االنطالل من تربيةة عقالنيةة‪ ،‬فةال يكفةي" أن نجعةل هةدفا‬
‫لنا تحقيق الديمقراطية الحقيقية في التعليم‪ .‬ففي غياب تربيةة عقالنيةة‬
‫تستخدم كل الوسائل من أجل إبطةال عمةل العوامةل االجتماعيةة التةي‬
‫تؤدي إلى عدم المساواة الثقافية‪ ،‬التسةتطيع اإلرادة السياسةية الهادفةة‬
‫إلةةى تحقيةةق الفةةرص المتكافئةةة أن تقضةةي علةةى ضةةروب الالمسةةاواة‬
‫القائمة في الواقع‪ ،‬و تسةلحت بكةل الوسةائل المؤسسةية واالقتصةادية‪.‬‬
‫وعلى العكس‪ ،‬تستطيع أن تدخل في كيان الواقةع إال إذا تةوافرت مةن‬
‫قبل جميع الشروط الالزمة لتحقيق الديمقراطية في اختيةار المعلمةين‬
‫‪33‬‬
‫والطالب‪ ،‬بدءا من إقامة تربية عقالنية"‪.‬‬
‫‪‬تفعيةةةل ثقافةةةة حقةةةول اإلنسةةةا و المواط ةةةة الصةةةالحة‪،‬بتةةةدريس‬
‫المواثيق ومعاهدات حقوق اإلنسان الدولية واإلسةالمية لمتعلمينةا فةي‬
‫المدارس التربوية؛‬
‫‪‬نشةةةةر ثقافةةةةة التعةةةةايو والتسةةةةاما‪ ،‬ونبةةةةذ التطةةةةر واإلرهةةةةاب‬
‫واإليصاء‪.‬ويعني هذا أنه البةد مةن تعويةد ناشةئتنا علةى تقبةل ارخةر ‪،‬‬
‫وتجنةةةب العةةةدوان والكراهيةةةة والصةةةراع الجةةةدلي‪ ،‬وإقامةةةة عالقةةةات‬
‫تواصلية مع ارخر قوامها المحبة‪ ،‬والتعاون‪ ،‬والتعةايش‪ ،‬والصةداقة‪،‬‬
‫والتكامل اإلدراكي؛‬
‫‪‬دمقرطةةة السياسةةة والمجتمةةع علةةى حةةد سةةواء‪ ،‬باختيةةار شةةرعية‬
‫االخةةةتالف‪ ،‬ومنطةةةق التعدديةةةة الحزبيةةةة‪ ،‬وااللتجةةةاء إلةةةى صةةةناديق‬
‫االقتراع الختيار من يمثل األغلبية بطريقة نزيهة وشفافة وعادلة؛‬
‫‪‬تطبيةةل البيةةداغوجيا اإلبداعيةةة‪ ،‬باتبةةاع ثةةالث مراحةةل أساسةةية فةةي‬
‫مجال التربية والتعليم هي ‪ :‬المحاكاة‪ ،‬والتجريب‪ ،‬واإلبداع مةن أجةل‬
‫بناء مجتمع ديمقراطي مبدع ومنته ومثمر؛‬
‫‪‬تطبيل الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬واألخذ بمبدإ الشةورى ألن اإلسةالم‬
‫هةةةو الةةةدين الوحيةةةد الةةةذي يسةةةهم فةةةي تخليةةةق الديمقراطيةةةة‪ ،‬وتعةةةديل‬
‫‪ -32‬غي آفانزيني‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.287-286:‬‬
‫‪ -33‬غي آفانزيني‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.377:‬‬
‫‪45‬‬
‫سلوكيات البشةر مةن األسةوإ إلةى األحسةن‪ .‬فبةدون الةدين اإلسةالمي ‪،‬‬
‫يصعب تمثل الديمقراطية سلوكا وأخالقا وعمال؛‬
‫‪‬توفير الحريات الخاصةة والعامةة لكةل المةواط ين‪،‬فةال ديمقراطيةة‬
‫دون حريةةةةة‪ ،‬وال حريةةةةة دون ديمقراطيةةةةة‪ ،‬وال تربيةةةةة دون حريةةةةة‬
‫وديمقراطية‪ ،‬وال حرية وال ديمقراطية دون تربية سوية متكاملة؛‬
‫‪‬تشةةةةجيع البحةةةةث العلمةةةةي والكفةةةةاءات القةةةةادرة علةةةةى التطةةةةوير‬
‫واالختراع؛ ألن أساس التقدم واحتالل المكانة المتميةزة بةين مصةاف‬
‫الدول المزدهرة اليكون أبدا إال بالعلم والمعرفة وإنتاج المعلومةات‪.‬‬
‫ولةةيس رأس المةةال الحقيقةةي لكةةل الةةدول‪ ،‬فةةي يومنةةا هةةذا‪ ،‬هةةو المنةةته‬
‫الفالحي ‪ ،‬وال كثرة األموال‪ ،‬وال كثرة البشر‪ ،‬بل هو إنتاج المعارف‬
‫والعلوم والفنون‪ ،‬والتحكم في التكنولوجيا المتطورة‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ :‬يتبين لنا ‪ ،‬مةن هةذا كلةه‪ ،‬أن التربيةة تةرتبط ارتباطةا‬
‫جةةدليا بالديمقراطيةةة‪ .‬فةةال يمكةةن الحةةديث عةةن تربيةةة حقيقيةةة إال فةةي‬
‫مجتمع ديمقراطي‪ ،‬يؤمن بحقوق اإلنسان وحرياته الخاصة والعامة‪،‬‬
‫ويؤمن أيضا بالتعدد اللغوي والطائفي والحزبي والعرقي‪.‬‬
‫وال تتحقق الديمقراطية في المجتمع إال إذا تشةبع بهةا المتعلمةون فةي‬
‫مدارسهم‪ ،‬فةي ضةوء مقاربةات قانونيةة و ثقافيةة واجتماعيةة و أدبيةة‬
‫وعلمية‪....‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬البد أن يتعود الطفل على السلو الديمقراطي فةي أسةرته؛‬
‫منةةذ نعومةةة أظةةافره ليرتمةةي فةةي أحضةةان المدرسةةة‪ ،‬فةةي جةةو مفعةةم‬
‫بالحريةةةة والسةةةعادة واألمةةةل والتفةةةاؤل‪ ،‬ريثمةةةا ينتقةةةل إلةةةى أحضةةةان‬
‫المجتمةةع ليطبةةق مةةا تشةةربه مةةن قةةيم ديمقراطيةةة عادلةةة سةةلوكا وتمةةثال‬
‫وعمال‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫مدرسة التميز في ضوء الحكامة الجيدة‬

‫‪47‬‬
‫اليمكن الحديث عن التدبير البيداغوجي والنجاح المدرسي إال إذا‬
‫استحضرنا مفهومين أساسيين مترابطين هما‪ :‬مدرسة التميز ‪،‬‬
‫والحكامة الجيدة‪ .‬ويعني هذا أن بناء مدرسة النجاح المتميزة‪ ،‬وخلق‬
‫مدرسة المساواة والعدالة واإلنصاف واالرتقاء ال يمكن أن تتحقق‬
‫واقعيا وميدانيا إال بتطبيق إستراتيجية التدبير الناجع‪ ،‬واألخذ بسياسة‬
‫التغيير الكمي والكيفي للنسق التربوي الوطني جزئيا أو كليا‪ ،‬بشكل‬
‫آني ولحظي‪ ،‬أو بشكل مرحلي‪ ،‬أو بشكل متدرج‪ .‬فضال عن‬
‫االسترشاد بالحكامة الجيدة على جميع األصعدة والمستويات التي‬
‫تتعلق بتدبير المنظومة التربوية ديدكتيكيا‪ ،34‬وإداريا ‪ ،‬وماديا‪،‬‬
‫وماليا‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬ما مفهوم الحكامة الجيدة؟ وكيف يمكن إرساؤها في الحقل‬
‫التربوي والديدكتيكي؟ وما المقصود بمدرسة التميز؟ وما شروطها‬
‫ومستلزماتها؟ وكيف يتحقق ذلك؟ هذا ما سوف نتوقف عنده في‬
‫المباحث التالية‪:‬‬
‫المبحــث األول‪ :‬الحكامـــة الجيـــدة‬
‫اليمكن تحقيق مدرسة وطنية متميزة إال إذا أخذنا بمبدإ الحكامة‬
‫الجيدة(‪ .)Gouvernance‬وهو مفهوم غامض ومعقد ومتشعب‬
‫الدالالت بتنوع مجاالته؛ إذ يمكن الحديث عن حكامة سياسية‪،‬‬
‫وحكامة اجتماعية‪ ،‬وحكامة اقتصادية‪ ،‬وحكامة ثقافية‪ ،‬وحكامة‬
‫إدارية‪ ،‬وحكامة أوروبية‪ ،‬وحكامة عالمية‪ ،‬وحكامة مؤسساتية‪،‬‬
‫وحكامة ترابية‪...‬‬
‫وتدل الحكامة على المقاربة التشاركية والتعددية في تسيير اإلدارة‬
‫وتدبيرها‪ ،‬واستحضار مختلف الفاعلين والشركاء في أثناء أخذ‬
‫القرار‪ ،‬أو ممارسة التقويم‪ ،‬أو بناء المشروع‪ .‬وتعني أيضا إرساء‬
‫الدولة على أساس الالمركزية والالتركيز‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تعد الحكامة آلية‬
‫تدبيرية لتجاوز أزمة الدولة البيروقراطية والمركزية‪.‬‬

‫‪ - 34‬تعني كلمة الديدكتيك(‪ )Didactique/Didactic‬العملية التعليمية‪-‬التعلمية‪ ،‬أو‬


‫ما يسمى أيضا بالتربية الخاصة‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫أضف إلى ذلك أن الحكامة عبارة عن مجموعة من القواعد‬
‫والمناهه التي تساعد المدبرين على أخذ القرار الصحيت‪ ،‬وتنظيم‬
‫التفكير اإلداري‪ ،‬و مراقبة مدى تنفيذ القرارات في حضن المجتمع‪.‬‬
‫ويعني هذا أن الحكامة اإلدارية الجيدة هي السبيل الوحيد للقضاء‬
‫على الهشاشة والفقر من جهة‪ ،‬وتحقيق التنمية الشاملة والمستديمة‬
‫من جهة أخرى‪ .‬ويرى الباحث المغربي عماد أبركان " أن الحكامة‬
‫الترابية ‪ ،‬كمفهوم وآلية جديدة ‪ ،‬تعبر عن أحسن ما يمكن بلوغه‪،‬‬
‫وأفضل ما يمكن القيام به في مجال التدبير والحكم‪ ،‬تعتبر هي‬
‫الهدف والمبتغى األفضل الذي يمكن الوصول إليه على المستوى‬
‫الترابي‪.‬أو بعبارة أخرى‪ ،‬هي الوصول ترابيا إلى أحسن تدبير‬
‫محلي ممكن‪ ،‬في أقل وقت ممكن‪ ،‬ومجهود وتكلفة ممكنة‪ ،‬وفي‬
‫أفضل الظروف الممكنة‪ .‬وإذا كانت الحكامة الجيدة كمفهوم لم يلق‬
‫بعد اإلجماع على تحديد معناه‪ ،‬فكن األكيد هو أن مفهوم الحكامة‬
‫الترابية ينبني أساسا على اإلدارة في الدول الموحدة‪.‬وذلك بما‬
‫تنطوي عليه من المبادا الجوهرية واألساسية للديمقراطية‬
‫‪35‬‬
‫والحرية‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالحكامة الجيدة هي تجويد اإلدارة وتحسينها وفق مبادا‬
‫التدبير المعاصر‪ ،‬والحد من روتين البيروقراطية السلبية البطيئة‪،‬‬
‫وتفعيل مبدإ الشراكة المحلية والجهوية وفق القوانين اإلدارية المرنة‬
‫التي تسمت باألداء المثمر ‪ ،‬والتحفيز على اإلنجاز الهادف‪ ،‬وتحقيق‬
‫الفعالية البناءة بغية تحقيق التقدم واالزدهار والرفاهية للمواطنين‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬اليمكن للمؤسسة التربوية أن تسهم في التنمية البشرية‪ ،‬أو‬
‫تحقيق التنمية اإلنسانية المستدامة إال بتمثل سياسة الحكامة الجيدة‪،‬‬
‫واالعتماد على المقاربة التشاركية‪ ،‬واإليمان بالقيادة الديمقراطية‪،‬‬
‫وإعطاء األولوية للمصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة‪ ،‬واحترام‬
‫مبدإ الكفاءة في إسناد الوظائف التدبيرية‪.‬‬

‫‪ - 35‬عماد أبركان‪( :‬الوالة والعمال في النموذج المغربي لإلدارة المحلية وسؤال‬


‫الحكامة الترابية)‪ ،‬مجلة مسالك‪ ،‬المغرب‪ ،‬العدد‪ ،32-31:‬السنة ‪2015 ،11‬م‪،‬‬
‫ص‪.88:‬‬
‫‪49‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد كانت المدرسة العربية‪ ،‬والسيما المغربية منها‪ ،‬بعيدة‬
‫عن منطق الحكامة الناجعة لعقود عدة فيما يتعلق بقضية التدبير‪،‬‬
‫وتسيير المؤسسة‪ ،‬وصرف االعتمادات‪ ،‬وتدبير الصفقات‬
‫والشراكات ومشاريع المؤسسة ‪.‬وبعد اإلصالحات التي عرفها‬
‫المغرب ‪ ،‬مثال‪ ،‬على جميع األصعدة والمستويات‪ ،‬كان من الالزم‬
‫أن تأخذ المنظومة التربوية بسياسة الحكامة الجيدة على مستوى‬
‫التخطيط والتدبير والتقويم إداريا‪ ،‬وماليا‪ ،‬وتربويا‪ ،‬وديدكتيكيا‪.‬‬
‫وتعني الحكامة الجيدة ربط المسؤولية بالمحاسبة والشفافية والتتبع‬
‫والمواكبة والتقويم بغية تحقيق النجاعة والمردودية والفعالية على‬
‫مستوى اإلنجازات‪ .‬وتتحقق الحكامة الجيدة‪ ،‬على صعيد المؤسسة‬
‫التربوية‪ ،‬بكنجاز مشاريع قابلة للتطبيق في ضوء المقاربة التشاركية‬
‫والتكاملية القائمة على التخطيطين‪ :‬التصاعدي والتنازلي‪، 36‬‬
‫والحد من الفوارق الموجودة بين مؤسسات التراب الوطني‪،‬‬
‫بمحاربة الفقر والهشاشة‪ ،‬والحد من الهدر المدرسي‪ ،‬وتوفير البنية‬
‫التحتية والمرفقية‪ ،‬والرفع من القدرة التنافسية لدى المؤسسة‬
‫التربوية على جميع األصعدة والمستويات من أجل تحقيق التميز‬
‫والتفوق والجودة ‪ ،‬مع االعتماد على آليات التخطيط والتدبير‬
‫والتقويم الناجعة والرصينة والشفافة‪ ،‬والسعي الجاد من أجل تكوين‬
‫كفاءات مؤهلة وراقية لخدمة الوطن‪ ،‬والعمل على تحقيق التنمية‬
‫المستدامة‪ ،‬واإلقالع باالقتصاد الوطني‪.‬‬
‫وتستند هذه الحكامة أيضا إلى توزيع جيد للسلط واألدوار والمهام‬
‫والمسؤوليات وفق نظام بيروقراطي إيجابي عادل ومتميز‪ ،‬يؤمن‬
‫بالتسلسل اإلداري‪ ،‬ويسعى لتحقيق إنتاجية ناجعة‪ ،‬في ظروف‬
‫مالئمة للتكوين والتأهيل والتعليم والتعلم‪ ،‬والخضوع لقرارات الدولة‬
‫والعمل على تنفيذها وفق منطق المسؤولية والمحاسبة والتقييم‬
‫والتتبع والمواكبة‪.‬‬
‫كما تنبني هذه الحكامة الجيدة على االستقاللية والتعاقد والمحاسبة‬
‫والمسؤولية والتدبير الرائد والناجع‪ ،‬ومأسسة مشاريع المؤسسة‪،‬‬
‫‪ - 36‬التخطيط التصاعدي هو الذي ينطلق من المؤسسة المحلية نحو الحكومة‬
‫المركزية‪.‬في حين‪ ،‬يتوجه التخطيط التنازلي من المركز نحو ماهو محلي وجهوي‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫وتخليق المنظومة التربوية‪ ،‬واالحتكام إلى الشفافية والمرونة‬
‫والمحاسبة في أثناء عقد الشراكات الداخلية والخارجية‪ ،‬وفي أثناء‬
‫إبرام الصفقات‪ ،‬وإنجاز مشاريع المؤسسة‪ ،‬واحترام مبدإ‬
‫الالمركزية والالتمركز‪ .‬ويعني هذا كله أن الحكامة الجيدة تخضع‪،‬‬
‫على مستوى المؤسسة التربوية‪ ،‬لالستقاللية من جهة‪ ،‬والتبعية من‬
‫جهة ثانية‪ ،‬والمحاسبة من جهة ثالثة‪ ،‬والتعاقد من جهة رابعة‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬البد أن تخضع المؤسسة التعليمية لتدبير جيد قائم على‬
‫حكامة جيدة‪ ،‬بتوزيع المهام واألعمال واألدوار والمسؤوليات حسب‬
‫منطق االستحقاق والكفاءة والمردودية‪ .‬ثم‪ ،‬إخضاع هذه المسؤوليات‬
‫لمنطق المحاسبة والتتبع واالفتحاص والتقييم‪ ،‬وتعميمه على‬
‫المستويات كلها‪ .‬ثم‪ ،‬االحتكام إلى تدبير معلوماتي جيد‪ ،‬يوفر‬
‫المعلومات الواضحة والشفافة حول مداخيل المدرسة ومصاريفها‪،‬‬
‫وما يتعلق بطرائق تدبير مجالسها ومشاريعها وشراكاتها ‪ ،‬وكيفية‬
‫توزيع المهام والسلط واألدوار‪ ،‬وربط المسؤولية بالمحاسبة والتقييم‬
‫المستمرين‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مفهـــوم مدرســة التميــــز‬
‫يقصد بمدرسة التميز تلك المدرسة التي تعنى باإلبداع‪ ،‬واالبتكار‪،‬‬
‫واالختراع ‪ ،‬واإلنتاج‪ ،‬وتحقيق المردودية الكمية والكيفية‪.‬أي‪ :‬تلك‬
‫المدرسة التي تتصف بالجودة ‪ .‬وتعمل على تحقيق الحرية‪،‬‬
‫والمساواة‪ ،‬والعدالة‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬واالرتقاء‪ .‬وتكون ذات جاذبية‬
‫وجدوى ومفعمة بالحياة‪ ،‬يقبل عليها الجميع على حد سواء‪ ،‬ويستفيد‬
‫منها الكل‪ ،‬وتوفر الشغل للمتعلمين‪ ،‬ويرتاح لها المدرسون‪ ،‬ويحس‬
‫فيها جميع التالميذ بالسعادة واألمن والطمأنينة‪ ،‬وترضى عليها‬
‫األسر والعائالت وأمهات وأولياء األمور‪.‬‬
‫وليست مدرسة التميز مدرسة عادية وطبيعية‪ ،‬بل هي مدرسة‬
‫نشيطة ومتميزة ومتفردة في المجتمع بسبب عطاءاتها اإلبداعية‪،‬‬
‫ومتعلميها المتفوقين الناجحين في دراساتهم وحياتهم التعليمية‪-‬‬
‫التعلمية‪ .‬وأكثر من هذا تتوفر مدرسة التميز على تجهيزات حديثة‬
‫ومستجدة وعصرية تؤهل المتعلم للتكيف مع متطلبات الواقع‪،‬‬
‫وتسعفه في التأقلم والتوازن مع سوق الشغل‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫كما تتوفر مدرسة التميز على جميع اإلمكانيات المادية والمالية‬
‫والبشرية والتقنية التي تسمت لهذه المدرسة بالتنافس واإلنتاج‬
‫والتميز عن باقي المدارس التربوية األخرى‪ ،‬سواء أكانت عمومية‬
‫أم خاصة‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬تخضع مدرسة التميز لسياسة تدبيرية رائدة‬
‫وناجعة ومتفوقة‪ ،‬تقوم على تخطيط استشرافي موجه ومعقلن‬
‫وعصري ودقيق‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يتسم تدبيرها باإلجرائية والتنفيذ‬
‫والتطبيق الفوري‪ ،‬وفق آليات وطرائق وأساليب عصرية على‬
‫المستوى اإلداري والتربوي والديدكتيكي‪ .‬كما تستعين هذه المدرسة‬
‫بمجموعة من أساليب التقويم المعاصر‪.‬باإلضافة إلى االسترشاد‬
‫بأحدث طرائق الدوسيمولوجيا المعاصرة للرفع من جودة التعلمات‬
‫والتكوينات والخبرات‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن مدرسة التميز هي مدرسة النجاح والجودة‬
‫واإلنتاج واإلبداع‪ ،‬تساعد المتعلم على التفوق‪ ،‬والوصول إلى‬
‫المراتب األولى من المجد والعال والسمو والتميز وطنيا ودوليا‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أنها مدرسة خاضعة لمنطق األهداف والكفايات‬
‫واإلبداع‪ ،‬تربط النظري بالتطبيقي‪ ،‬وتقوم على التخطيط‪ ،‬والتدبير‬
‫اإلجرائي‪ ،‬وتؤمن بتقسيم األعمال واألدوار‪ ،‬واالشتغال في فرق‬
‫تربوية‪ ،‬والعمل بالنصائت والتوجيهات السليمة ‪ ،‬والخضوع رلية‬
‫اإلشراف والتتبع والمواكبة والتقويم العلمي الرصين‪ .‬ثم تقوم بربط‬
‫النسق التربوي الداخلي بالمحيط الخارجي‪ ،‬بكنجاز مجموعة من‬
‫المشاريع التي تقترحها المؤسسة وفق شراكات داخلية وخارجية‬
‫مثمرة ومتميزة لصالت المؤسسة والمدينة والجهة والوطن‪.‬‬
‫وتستند مدرسة التميز كذلك إلى آليات الدعم والمعالجة والتقويم‪ ،‬إلى‬
‫جانب االستفادة من جودة التكوين والتأطير والتأهيل وفق بيداغوجيا‬
‫الكفايات واإلدماج‪ ،‬مع االستفادة من بيداغوجيا الذكاءات المتعددة‪،‬‬
‫والبيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬وبيداغوجيا الملكات‪...‬بغية الرقي بمستوى‬
‫المتعلمين‪ ،‬ورفع المردودية كما وكيفا ليتبوؤا المكانة الالئقة بهم في‬
‫مجتمعهم‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تكون مدرسة التميز قاطرة للتنمية واإلبداع‬
‫واإلنتاج واإلقالع بالوطن على المستوى الثقافي والعلمي‬
‫‪52‬‬
‫واالقتصادي والمجتمعي‪ .‬ويعني هذا أن تطوير البالد رهين بوجود‬
‫أطر مؤهلة ومنتجة ومتفوقة ومتميزة محليا وجهويا ووطنيا ودوليا‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬يقصد بمدرسة التميز تلك المدرسة التي يتمتع فيها‬
‫المتعلم بحقوقه الخاصة والعامة‪ ،‬ويحس بكرامته وإنسانيته وآدميته‬
‫البشرية؛ حيث تساعده على تفتيق مواهبه‪ ،‬وتدفعه إلى اإلبداع‬
‫والتخييل واالبتكار واإلنتاج والتفوق‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فهي مدرسة تؤمن‬
‫بمنطق الجودة واإلنتاجية والمردودية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تواجه األزمات‬
‫والتعثر ومواطن النقا والضعف والخلل باإلصالح والمعالجة‬
‫والمواكبة التفقدية المستمرة‪.‬‬
‫وتعمل هذه المدرسة كذلك على إتاحة التكوين المستمر للمتعلمين‪،‬‬
‫والتمكن من اللغات األجنبية‪ ،‬ومهننة التعلمات والتكوينات‪ ،‬والتحكم‬
‫في آليات اإلعالميات المعاصرة بغية االندماج في المنظومة الدولية‪،‬‬
‫ومسايرة المستجدات ارلية والتقنية واإلعالمية ‪.‬أي‪ :‬إنها مدرسة‬
‫التنوع‪ ،‬واالنفتاح‪ ،‬واالبتكار‪ ،‬والنجاعة‪ ،‬والجودة‪ ،‬والتميز‪،‬‬
‫واإلنتاجية‪ ،‬والتفوق‪ ،‬والمنافسة‪ ،‬والشغل‪ ،‬والتدبير الجيد‪.‬‬
‫كما تعنى هذه المدرسة بالبحث العلمي والتقني واالبتكار‪ .‬وتتأسس‬
‫على حكامة جيدة وناجعة‪ .‬وترتكز على المواطنة الحقة ‪ .‬وتعمل من‬
‫أجل ترسيم الديمقراطية‪ ،‬وتمثل ثقافة المساواة والعدالة‬
‫واإلنصاف‪.‬وهي كذلك مدرسة االندماج السوسيوثقافي‪ ،‬واالندماج‬
‫في سوق الشغل‪ ،‬واالنفتاح على عالم المهن المعاصرة لمواكبة‬
‫مستجدات السوق العالمية‪ .‬وهي كذلك تلك المدرسة التي تؤمن‬
‫بالمقاربة الحقوقية والقيمية والتشاركية والتدبير الجيد والحكامة‬
‫الجيدة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬إستراتيجية ت ظيم العمل وتقاسم المسؤوليات‬
‫اليمكن الحديث عن تدبير إداري أو تربوي جيد وناجع وفعال‬
‫وهادف إال إذا احتكم إلى سياسة إدارية خاضعة للعقلنة والمشروعية‬
‫والعمل المنته ‪ ،‬بتنظيم العمل‪ ،‬وتقسيم المسؤوليات‪ ،‬وإشرا‬
‫الفاعلين‪ ،‬وتوجيه سياسة التدبير نحو تحقيق األهداف اإليجابية‪،‬‬
‫والسعي من أجل تحقيق اإلنتاجية الكمية والنوعية‪ ،‬مع احترام‬
‫معايير الجودة والتميز والتنافسية‪.‬ويعود هذا كله إلى قيادة ديمقراطية‬
‫‪53‬‬
‫جادة ومدبرة حكيمة‪ ،‬تحسن التخطيط واالستشراف‪ ،‬وتؤمن‬
‫بالتوجيه وتنظيم العمل‪ ،‬وتكثر من المواكبة والتتبع والمحاسبة‬
‫والتقويم‪ ،‬وتستشرف المستقبل األفضل‪.‬‬
‫واليمكن الحديث عن تنظيم للعمل وتقسيمه إال في إطار بيروقراطية‬
‫علمية‪ ،‬وعقالنية مشروعة‪ ،‬وتوزيع للمهام وفق الكفاءة‬
‫واالستحقاق‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا في تصور ماكس فيبر ( ‪Max‬‬
‫‪ )Weber‬الذي يعد من مؤسسي علم اإلدارة الحديثة ‪ .‬وقد تحدث‬
‫كثيرا عن مجموعة من المفاهيم اإلدارية والتنظيمية‪ ،‬مثل‪ :‬السلطة‪،‬‬
‫والشرعية‪ ،‬والبيروقراطية‪ ،‬والهرمية اإلدارية‪ ،‬ومبدإ الكفاءة‪...‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬فقد أدلى بتصورات مهمة حول التنظيم والمنظمات‪ .‬وبذلك‪" ،‬‬
‫قدم فيبر أول تفسير منهجي لنشأة المنظمات الحديثة‪ .‬فهو يعتبرها‬
‫سبيال لتنسيق أنشطة البشر وما ينتجونه من سلع بأسلوب مستقر‬
‫ومستمر عبر الزمان والمكان‪.‬وأكد فيبر أن نمو المنظمات يعتمد‬
‫على السيطرة على المعلومات‪ ،‬وشدد على األهمية المركزية للكتابة‬
‫في هذه العملية‪ :‬فالمنظمة ‪ ،‬في رأيه‪ ،‬تحتاج إلى تدوين القواعد‬
‫والقوانين التي تستهدي بها ألداء عملها‪ ،‬مثلما تحتاج إلى ملفات‬
‫تختزل فيها ذاكرتها‪.‬ورأى فيبر أن المنظمات تتميز بطبيعتها بنظام‬
‫تراتبي ومراتبي في الوقت نفسه مع تركز السلطة في مستوياته‬
‫‪37‬‬
‫العليا‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬البد من التوقف عند مفهوم إداري مهم‪ ،‬بالشرح‬
‫والتوضيت والتحليل‪ ،‬وهو مفهوم البيروقراطية اإلدارية‪ .‬وتعني هذه‬
‫الكلمة المكتب أو الموظفين الجالسين إلى مكاتبهم لتأدية خدمات‬
‫عامة‪ .‬ولقد ظهرت البيروقراطية‪ ،‬في القرن السابع عشر‪ ،‬لتدل على‬
‫المكاتب الحكومية‪ .‬وقد استعمل المصطلت من قبل الكاتب الفرنسي‬
‫ديغورني سنة ‪1745‬م الذي جمع بين مقطعين هما‪ :‬بيرو الذي يعني‬
‫المكتب‪ ،‬وكراتيا الذي يعني الحكم‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬أطلقت البيروقراطية‬
‫على كل مرافق الدولة من مدارس‪ ،‬ومستشفيات‪ ،‬وجامعات‪،‬‬
‫ومؤسسات رسمية‪...‬‬
‫‪ - 37‬أنتوني غدنز‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ترجمة فايز الصياغ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.408:‬‬
‫‪54‬‬
‫كما تدل كلمة البيروقراطية على القوة والسلطة والنفوذ والسيادة‪.‬‬
‫وقد ظهرت البيروقراطية لتنظيم العمل وتسهيله والتحكم فيه برمجة‬
‫وتخطيطا وتدبيرا وتوجيها وقيادة وإشرافا وتقويما‪ .‬والبيروقراطية‬
‫نتاج للرأسمالية والعقالنية والحداثة الغربية‪ ،‬ونتاج لتقسيم العمل‬
‫وتنظيمه إداريا‪.‬‬
‫ويمكن الحديث عن مواقف ثالثة إزاء البيروقراطية‪:‬‬
‫‪ ‬مويف سلبي‪ :‬مفاده أن البيروقراطية تنظيم إداري روتيني‬
‫ومعقد وبطيء في أداء الخدمات العامة؛ مما دفع بلزا إلى القول‬
‫بأن البيروقراطية هي" السلطة الكبرى التي يمارسها األقزام"‪38‬؛‬
‫❖ مويف إيجابي‪ :‬ينظر إلى البيروقراطية نظرة متميزة‪ ،‬على‬
‫أساس أنها طريقة في تنظيم العمل وتدبيره وفق خطة عقالنية هادفة‬
‫‪.‬ومن ثم‪ ،‬فهي نموذج للحرص والدقة والكفاءة والفعالية اإلدارية‪،‬‬
‫مادام هنا احتكام إلى التعليمات واألوامر واإلجراءات التنظيمية‬
‫الصارمة‪39‬؛‬
‫‪ ‬مويف وسط واعتدال‪ :‬ويمثله ماكس فيبر ؛ إذ ذكر للبيروقراطية‬
‫إيجابياتها وسلبياتها في الوقت نفسه‪ .‬ويتخوف أن تحيد البيروقراطية‬
‫عن أهدافها الحقيقية‪ ،‬فتصبت أسلوبا لممارسة القوة والتسلط‬
‫والرقابة‪.‬‬
‫و اليوم‪ ،‬ينظر كثير من الناس إلى البيروقراطية نظرة سلبية؛ ألنها‬
‫تحيل على البطء والروتين والفساد اإلداري ‪ ،‬وتعقيد اإلجراءات‬
‫الشكلية والمساطر اإلدارية ‪ .‬في حين‪ ،‬يعتبرها ماكس فيبر أساس‬
‫العقالنية والتقدم واالزدهار الرأسمالي الحديث‪ .‬ويعني هذا أن ماكس‬
‫فيبر يدافع عن البيروقراطية التي تقوم على الشرعية‪ ،‬والعقالنية‪،‬‬
‫والحداثة‪ ،‬والكفاءة المهنية والحرفية والعلمية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد وضع فيبر نموذجا " يحدد مفهوما مثاليا للبيرقراطية‬
‫يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره‪ ،‬وقد أصبت هذا‬
‫النظام من أكثر األنظمة اإلدارية الشائعة بعد الثورة الصناعية ‪،‬‬
‫فكان البد من وجود نظام إداري يستطيع التعامل مع التوسع الهائل‬
‫‪- 38‬أنتوني غيدنز‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ص‪.409:‬‬
‫‪ - 39‬أنتوني غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.409:‬‬
‫‪55‬‬
‫في اإلنتاج الصناعي‪ ،‬وما نجم عنه من تضخيم في المؤسسات‬
‫االقتصادية والصناعية واالجتماعية‪ ،‬ومارافق ذلك من تعقيد في‬
‫الحياة البشرية ‪ ،‬وتبين أنه من الصعوبة بمكان أن يستطيع شخا‬
‫واحد القيام بأعمال متعددة ومعقدة في آن واحد‪ ،‬وهذا كان من‬
‫المبررات التي دفعت فيبر إلى البحث عن تنظيم إداري قادر على‬
‫ضبط ومراقبة المهمات الصناعية المختلفة‪ ،‬فقام بتحديد المهام‬
‫واألدوار والصالحيات لكل شخا ضمن نظام هرمي‪ ،‬بحيث يكون‬
‫الفرد ضمن هذا التنظيم تابعا لرئيس واحد‪ ،‬ويتبعه في الوقت نفسه‬
‫مجموعة من المرؤوسين ‪ ،‬وحدد فيبر مهام وصالحيات وأدوار‬
‫المرؤوسين بدقة ضمن لوائت وإجراءات وقواعد مكتوبة‪ ،‬وبذلك‬
‫تتحكم في سلو الجماعة البيروقراطية مجموعة ضوابط مقننة‬
‫‪40‬‬
‫جامدة‪".‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تقوم البيروقراطية على العالقات السلطوية‪ ،‬واحترام‬
‫مجموعة من اإلجراءات والقواعد الرسمية والتنظيمية التي تتحكم‬
‫في العمل‪ ،‬ومراعاة السلم اإلداري ‪ ،‬واألخذ بالتراتبية اإلدارية‬
‫الهرمية (الهيرارشية) من الرئيس إلى المرؤوس‪ ،‬أو من القمة إلى‬
‫القاعدة (البنية الطويلة أو السطحية)‪ ،‬أو من المركز إلى غير‬
‫المركز‪ ،‬واالحتكام إلى الخبرة والكفاءة واالستحقاق‪ ،‬دون اللجوء‬
‫إلى العالقات اإلنسانية والشخصية‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك األخذ بالمستويات اإلدارية (العليا‪ ،‬والوسطى‪،‬‬
‫والدنيا)‪ ،‬واحترام التسلسل اإلداري‪ ،‬وهذا كله من أجل خدمة‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬وتجويد المنته‪ ،‬وتحسين األداء وتنظيمه كما‬
‫وكيفا‪ .‬ويعني هذا أن البيروقراطية وجدت من أجل" تسريع العمل‪،‬‬
‫وتقليل األخطاء‪ ،‬والدقة في اإلنجاز‪ ،‬والمحافظة على حقوق‬
‫الموظف والصالت العام ‪ ،‬وليست بالعكس‪ ،‬كما أصبت يحدث في‬
‫أكثر األحيان على أرل الواقع‪ ،‬بحيث إننا نالح إفرازات سلبية‪،‬‬
‫إساءات للبيروقراطية ‪ ،‬واألهم من ذلك أنها أثرت في الناس في‬
‫ضوء التعقيد الذي يلقونه‪ .‬وإن ربط التعقيد بالقطاع الحكومي بشكل‬
‫‪ - 40‬إبراهيم بن عبد العزيز الدعيله‪ :‬اإلدارة حقائل تتجدد‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬المملكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2014‬م‪ ،‬ص‪.84:‬‬
‫‪56‬‬
‫أكبر من القطاع الخاص صحيت‪ ،‬هذا واقع ألن القطاع الخاص‬
‫يحرص فيه صاحب المؤسسة الخاصة على عمله‪ ،‬ألنه يحقق هدفا‬
‫ربحيا وأحيانا سريعا‪ ،‬وهو حارس دائم وقائم على عمله وموظفيه‬
‫بالحوافز وبالحسم إذا احتاج لذلك‪ ،‬ولكن الحارس اإلداري في‬
‫القطاع الحكومي لديه أولويات تختلف بعض الشيء‪ ،‬والرقابة كذلك‬
‫تختلف بسبب اتساع القطاع الحكومي وحجمه ومقياس اإلنتاج‬
‫وربطه بالحوافز‪ ،‬وكما أن التقويم بشكل مخطط وواضت شبه غائب‬
‫‪41‬‬
‫في قطاعنا الحكومي‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد ماكس فيبر رائد األسلوب البيروقراطي الحديث؛ حيث‬
‫ربطه بالسلطة العقالنية الشرعية المنظمة من جهة‪ ،‬و الهيرارشية‬
‫الهرمية من القمة إلى القاعدة من جهة أخرى؛ لما لها من فوائد‬
‫عملية في رفع اإلنتاج والمردودية الكمية والكيفية‪ ،‬وتحقيق الفاعلية‪،‬‬
‫واحترام اللوائت القانونية والتنظيمية غير الخاضعة لمزاج الرئيس‬
‫أو المدبر اإلداري‪ .‬عالوة على وحدة األمر‪ ،‬ونطاق اإلشراف‪،‬‬
‫ومبدأ التدرج الهرمي‪...‬‬
‫واليعني هذا أن البيروقراطية مفهوم حديث العهد‪ ،‬بل عرفته‬
‫الشعوب القديمة كذلك‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول أنتوني‬
‫جيدنز(‪":)A.Giddens‬يعتقد فيبر أن بعض أنواع التنظيم‬
‫البيروقراطي قد نشأت وتطورت في الحضارات التقليدية القديمة‪.‬‬
‫فالمسؤول البيروقراطي في الصين القديمة هو الذي كان يتولى‬
‫مسؤولية إدارة شؤون الحكومة‪ ،‬غير أن البيروقراطية لم تتطور‬
‫وتكتمل إال في العصور الحديثة باعتبارها تشكل المحور الرئيسي‬
‫لترشيد وعقلنة المجتمع‪.‬وقد تر هذا الترشيد وتلك العقلنة آثارهما‬
‫في جميع جوانب الحياة بما فيها العلوم والتربية والحكم‪.‬وبدال من أن‬
‫يعتمد الناس على المعتقدات والعادات التقليدية التي درجوا عليها‪،‬‬
‫فقد بدأ الناس في العصور الحديثة يتخذون قرارات عقالنية تستهدف‬
‫تحقيق أهداف وأغرال واضحة‪ ،‬وراحوا يختارون السبل األكثر‬
‫كفاءة للوصول إلى نتائه محددة ألنشطتهم‪.‬‬

‫‪ - 41‬إبراهيم بن عبد العزيز الدعيله‪ :‬اإلدارة حقائل تتجدد‪،‬ص‪.86:‬‬


‫‪57‬‬
‫لم يكن ثمة مناص‪ ،‬في نظر فيبر‪ ،‬من انتشار البيروقراطية في‬
‫المجتمعات الحديثة‪ ،‬فالسلطة البيروقراطية هي األسلوب الوحيد‬
‫للتعامل مع المتطلبات اإلدارية واألنساق االجتماعية‪.‬ومع تزايد‬
‫التعقد في المهمات والواجبات غدا من الضروري تطوير أنظمة‬
‫الضبط والسيطرة واإلدارة لمعالجتها‪.‬من هنا‪ ،‬فقد نشأت‬
‫البيروقراطية باعتبارها االستجابة األرشد واألكفأ لتلبية هذه‬
‫االحتياجات‪.‬غير أن فيبر نبه إلى كثير من جوانب القصور‬
‫واإلعاقة التي يحملها التنظيم البيروقراطي‪".42‬‬
‫ولتحديد البيروقراطية بشكل دقيق‪ ،‬التجأ ماكس فيبر إلى رسم‬
‫نموذج مثالي مجرد‪ ،‬يحدد مواصفات البيروقراطية األساسية‬
‫والجوهرية‪ ،‬ويستجلي سماتها ومكوناتها الشكلية في النقط التالية‪:‬‬
‫‪ ‬توزيع السلطة في شكل تراتبية هرمية‪ ،‬ومراتب واضحة‪.‬‬
‫ويعني هذا أن اإلدارة عبارة عن شجرة بمجموعة من الفروع‬
‫والمكاتب والرتب‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهنا سلطة عليا تقوم بمهمة إصدار‬
‫القرارات واألوامر من القمة العليا إلى القاعدة الدنيا‪ .‬وتكون تلك‬
‫األوامر عبارة عن مهام وأداءات ينبغي تنفيذها من قبل الذين‬
‫يوجدون في الرتب الدنيا أو المكاتب الفرعية‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬هنا‬
‫سلطة مركزية تصدر األحكام والقرارات واألوامر والنواهي‪،‬‬
‫وتوزع األعمال والمهام على المرؤوسين لتنفيذها بشكل تراتبي‬
‫وهرمي‪.‬‬
‫❖ خضوع اإلدارة البيرويراطية للقوانين المكتوبة والتعليمات‬
‫على جميع المستويات واألصعدة‪ .‬بمعنى أن اإلدارة تلتزم وتتقيد‬
‫بمجموعة من التشريعات والقوانين الداخلية أو الخارجية على‬
‫مستوى التدبير والتسيير والقيادة واإلشراف؛ مما يجعل هذه اإلدارة‬
‫تشتغل برتابة وروتين وبطء ‪ .‬ويستلزم هذا نوعا من المرونة في‬
‫التسيير والقيادة وإصدار القرارات المناسبة‪.‬‬
‫‪ ‬يعمل الموظفو في إطار البيرويراطية بدوام كامل ‪ ،‬مع‬
‫تقاض أجر وتعويضات عن العمل‪ .‬ويعني هذا أن الموظف مرتبط‬

‫‪ - 42‬أنطوني غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.410-409:‬‬


‫‪58‬‬
‫بأوقات عمل محددة قانويا‪.‬ثم‪،‬يحصل على أجر مقابل ذلك العمل‪.‬‬
‫ويتحدد األجر أو التعويضات حسب األقدمية أو الكفاءة‬
‫أواالستحقاق‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل التام بين عمل المسؤول وحيات خارجيا‪ .‬ويعني هذا أن‬
‫المسؤول البيروقراطي يفصل بين العمل وحياته الشخصية‪ ،‬فال‬
‫ينبغي أن يخلط بينهما‪.‬‬
‫‪ ‬إ الموظفين في الت ظيمات البيرويراطية اليملكو الموارد‬
‫المادية والمالية المتاحة‪ ،‬بل يجدونها ع د الدولة أو ع د مالكي‬
‫وسائل اإلنتاج‪ .‬ويعني هذا أن" نمو البيرقراطية‪ ،‬على ما يرى فيبر‪،‬‬
‫تفصل بين العاملين من جهة والسيطرة على وسائل اإلنتاج‪ .‬ففي‬
‫المجتمعات التقليدية‪ ،‬يسيطر المزارعون والصناع‪ ،‬في العادة‪ ،‬على‬
‫عمليات اإلنتاج‪ ،‬ويمتلكون األدوات التي يستخدمونها‪.‬أما في‬
‫التنظيمات البيروقراطية ‪ ،‬فكن المواطنين اليمتلكون المكاتب التي‬
‫‪43‬‬
‫يعملون فيها والمايستخدمونه من معدات وتجهيزات‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالبيروقراطية أساس الحداثة المتقدمة‪ ،‬وأساس الدولة‬
‫المنظمة الراشدة التي تؤمن بالعقالنية ‪ .‬وقد " كان فيبر يعتقد أن‬
‫اقتراب المنظمة من النموذج المثال للبيروقراطية يجعلها أكثر كفاءة‬
‫في مساعيها للوصول إلى األهداف التي قامت من أجلها أساسا‪.‬كما‬
‫أنه كان يرى أن البيروقراطية تتفوق من الوجهة الفنية والتقنية على‬
‫أشكال التنظيم األخرى كافة‪ .‬وكثيرا ما أشار إلى البيروقراطية‬
‫بوصفها بالماكنة المتقدمة؛ فالبيروقراطية هي التي ترتقي بالمهارات‬
‫إلى حدودها القصوى‪ ،‬وتشدد على الدقة والسرعة في إنجاز‬
‫‪44‬‬
‫المهمات المحددة‪".‬‬
‫بيد أن النظرية البيروقراطية قد تحد من الطاقات اإلبداعية الموجودة‬
‫لدى الموظفين‪ ،‬وتجعلهم مثل روبوتات آلية‪ ،‬تتحكم فيهم عالقات‬
‫ميكانيكية من األعلى نحو األسفل‪ .‬كما أن العالقات التي تجمع بين‬
‫أعضاء التنظيم هي عالقات رسمية وإدارية أكثر مما هي عالقات‬
‫إنسانية‪ .‬ويعني هذا أن أسلوب البيروقراطية اليراعي الجوانب‬
‫‪ - 43‬أنتوني غيدنز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.411-410:‬‬
‫‪ - 44‬أنتوني غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.411:‬‬
‫‪59‬‬
‫النفسية واإلنسانية لدى الموظف‪ .‬كما تغيب روح المبادرة في هذا‬
‫التصور اإلداري‪ .‬فمن األفضل تطبيق المقاربة التشاركية ‪ ،‬وتحفيز‬
‫الموظف ماديا ومعنويا‪ ،‬ثم ترقيته على أساس المبادرة والقدرات‬
‫الكفائية ‪ ،‬ومراعاة العالقات اإلنسانية التي تتحكم في العمل اإلداري‪.‬‬
‫ويمكن ‪ ،‬أن ينته عن تعدد المكاتب واللجان اإلدارية تعقيد في‬
‫المساطر اإلدارية‪ ،‬وتباطؤ في تنفيذها‪ .‬في حين‪ ،‬تطالب اإلدارة‬
‫بالمرونة واليسر لمنافسة اإلدارات األخرى‪ ،‬والسيما اإلدارة ذات‬
‫التوجه الخصوصي‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول أنتوني غيدنز‪ ":‬إن‬
‫فيبر ‪ ،‬في تحليله للبيروقراطية‪ ،‬قد أولى اهتمامه الرئيسي للعالقات‬
‫الرسمية التي تحددها القواعد واألنظمة الداخلية في المؤسسة‪ ،‬غير‬
‫أنه لم يتحدث عن الروابط الشخصية والعالقات التي تدور في نطاق‬
‫ضيق بين الجماعات في جميع المنظمات‪.‬وتبين لنا من دراسات‬
‫موسعة األساليب غير الرسمية ألنشطة المنظمات تتيت مجاال واسعا‬
‫للمرونة ‪ ،‬وتفست الفرصة لتحقيق غايات المؤسسة بطرائق أخرى‪.‬‬
‫وفي مقدمة الدراسات المرجعية التي تناولت العالقات غير الرسمية‬
‫تلك التي أجراها بيتر بلو (‪ )Blau1963‬في إحدى الدوائر‬
‫الحكومية المختصة بتقصي المخالفات واالنتهاكات لقوانين ضريبة‬
‫الدخل‪ .‬ففي هذه الدائرة‪ ،‬كان على الموظفين والعاملين أن يناقشوا‬
‫مثل هذه المخالفات أو األمر مع رؤسائهم والمشرفين عليهم‬
‫ويتجنبوا استشارة زمالئهم الذين يماثلونهم في المرتبة الوظيفية‪.‬‬
‫غير أن هؤالء كانوا يتحاشون الرجوع إلى رؤسائهم في مثل هذه‬
‫القضايا خشية أن يفسر ذلك باعتباره دليال على عدم كفاءتهم‪ ،‬ويقلل‬
‫بالتالي من فرص ترقيتهم إلى مرتبة أعلى‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد درجوا‬
‫على التشاور بين بعضهم البعض ومخالفة التعليمات الرسمية بهذا‬
‫الصدد‪ .‬ولم يقتصر تصرفهم هذا على تمكينهم من تقديم حلول عملية‬
‫ملموسة ومباشرة لتلك القضايا‪ ،‬بل إنه خفف من المخاوف التي‬
‫كانت تنتابهم من جراء العمل بصورة منفردة وبمعزل عن‬
‫ارخرين‪.‬وكان من نتائه ذلك أن نشأت وتعززت فيما بينهم منظومة‬
‫متماسكة من الوالءات على المستوى األولي للجماعات البشرية‬
‫العاملة في المرتبة الوظيفية نفسها‪ ،‬وربما كانت األساليب التي‬
‫‪60‬‬
‫انتهجها هؤالء في معالجة القضايا والمشكالت التي واجهوها أكثر‬
‫كفاءة وأسرع إنجازا‪.‬فقد استطاعت المجموعة أن تنمي بين‬
‫أعضائها سلسلة من اإلجراءات غير الرسمية تتفوق على القواعد‬
‫الرسمية للمنظمة في إذكاء روح المبادرة واإلحساس بالمسؤولية بين‬
‫‪45‬‬
‫العاملين‪".‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يرى روبرت ميرتون(‪ )Robert Merton‬أن‬
‫البيروقراطية أسلوب إداري رتيب ومعيق للتطور والمنافسة والتقدم‬
‫في العمل‪ ،‬على أساس أن هذا األسلوب يلحق الضرر بالمؤسسة‬
‫عاجال أو آجال‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول أنتوتي غيدنز‪ ":‬ووضع عالم‬
‫‪46‬‬
‫االجتماع األمريكي روبرت ميرتون (‪)Robert Merton1957‬‬
‫دراسة موسعة عن النموذج المثال الذي طرحه فيبر عن المنظمة‬
‫البيروقراطية‪ .‬وبين هذا الباحث‪ ،‬وهو من كبار الباحثين في‬
‫المدرسة الوظيفية‪ ،‬أن البيروقراطية تنطوي على كثير من جوانب‬
‫القصور والعناصر التي قد تفضي إلى إلحاق الضرر حتى في نشاط‬
‫المؤسسة نفسها‪.‬ومن مآخذ ميرتون على البيروقراطية أن موظفيها‬
‫البيروقراطيين يدربون على االلتزام المتشدد بالقواعد واإلجراءات‬
‫المكتوبة التي التتر لهم مجاال للمرونة في إصدار األحكام واتخاذ‬
‫القرارات‪ ،‬أو السعي إلى حلول وإجابات مبتكرة لمعالجة القضايا‬
‫والمشكالت‪ .‬وقد يؤدي ذلك إلى تصلب ما يسمى الطقوس‬
‫البيروقراطية التي تعلو فيها القواعد والقوانين على كل ماعداها من‬
‫األمور والحلول المحتملة‪ .‬كما أن االلتزام المتزمت بهذه القواعد‬
‫ربما يخفي أو يبدد األهداف الفعلية للمنظمة ويصبت غاية بحد ذاته‪،‬‬
‫ويحجب عن البصر الصورة الكلية ألنشطة المؤسسة‪ .‬وتوقع‬
‫روبرت ميرتون نشوء حالة من التوتر والتناقض بين المؤسسات‬
‫البيروقراطية ‪ ،‬والسيما الحكومية والعامة منها من جهة ‪،‬‬
‫وجماهيرها العريضة من جهة أخرى‪ ،‬ألن انشغال المسؤوليسن‬
‫البيروقراطيين بأداء مهماتهم وفق الروتين اليومي الذي درجوا عليه‬

‫‪ - 45‬أنتوني غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.412-411:‬‬


‫‪Robert Merton :The Sociology of Science ,Glencoe:free - 46‬‬
‫‪Press,1957.‬‬
‫‪61‬‬
‫قد يخلق فجوة بينهم وبين مصالت الناس واهتماماتهم واحتياجاتهم‬
‫‪47‬‬
‫الفعلية‪".‬‬
‫ويرى مشيل فوكو (‪ )Michel Foucault‬أن البيروقراطية تعني‬
‫السيطرة على الزمان والمكان‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فهي أداة لمراقبة األجساد‬
‫والتنصت عليها بمختلف الوسائل واألجهزة‪ .‬واليتعلق هذا بالدول‬
‫المستبدة فحسب‪ ،‬بل يتعدى ذلك إلى الدول الديمقراطية ككندا مثال‪.‬‬
‫ويرى فوكو اإلدارة رمزا للقوة والسلطة والتراتبية االجتماعية ‪".‬‬
‫فالمكاتب والرتب التي وصفها فيبر بصورة مجردة تتخذ هنا أشكاال‬
‫معمارية ‪ ،‬بل إن المباني التي تضم الشركات الكبرى تنظم بصورة‬
‫عامة تنظيما عموديا تكون فيه الطوابق العلوية مخصصة لذوي‬
‫السلطة والقوة األعلى في المنظمة‪ .‬وكلما اقترب مكتب الموظف من‬
‫قمة المبنى ‪ ،‬ازدادت دالئل اقترابه من عملها‪ ،‬والسيما في الحاالت‬
‫التي يعتمد فيها النسق التنظيمي على العالقات غير الرسمية‪ .‬إن‬
‫القرب الفيزيقي ييسر التفاعل والتواصل ين الجماعات األولية‪ .‬بينما‬
‫يؤدي البعد المادي إلى استقطاب المجموعات ‪ ،‬ووضع خطوط‬
‫فاصلة بين " هم" و" نحن"‪ ،‬كما يؤدي إلى التباعد بين دوائر‬
‫المؤسسة وأقسامها‪ .‬التستطيع المنظمات أن تعمل بكفاءة إذا كانت‬
‫أنشطة العاملين فيها متداخلة على نحو عشوائي‪ .‬ففي الشركات‬
‫التجارية‪ ،‬كما أوضت فيبر‪ ،‬تتوقع من الناس أن يعملوا ساعات‬
‫منتظمة‪ ،‬كما ينبغي التنسيق بين األشطة‪ ،‬من الوجهتين الزمانية‬
‫والمكانية‪ ،‬وذلك ما يتحقق إلى حد بعيد عن طريق التقسيم المادي‬
‫ألماكن العمل من جهة‪ ،‬وتنظيم الجداول الزمنية ألداء المهمات‪.‬‬
‫ومن شأن ذلك‪ ،‬كما يرى فوكو‪ ،‬توزيع األجسام؛ أي الناس بطريقة‬
‫تجتمع فيها الكفاءة والفعالية‪ ،‬وبغير هذه الترتيبات تدخل األنشطة‬
‫اإلنسانية حالة من الفوضى المطبقة‪ .‬إن ترتيبات الغرف والقاعات‬
‫والفضاءات المفتوحة في المبنى الذي تشغله المنظمة تعطينا‬
‫مؤشرات أساسية عن األسلوب الذي يعمل به نظام السلطة‬
‫والقوة‪"48.‬‬
‫‪ - 47‬أنتوني غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.414-413:‬‬
‫‪ - 48‬أنتوني غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.416:‬‬
‫‪62‬‬
‫وإذا كان األسلوب البيروقراطي يتسم باالستخدام السيل لمعيار‬
‫التخصا‪ ،‬واالستخدام السيل لإلجراءات الروتينية‪ ،‬واالستخدام‬
‫الخاطل للتسلسل الرئاسي‪ ،‬واالستخدام الحرفي ل نظمة‪ ،‬وااللتزام‬
‫الجامد باللوائت والتعليمات‪ ،‬فكن البيروقراطية الفيبيرية تتميز‬
‫بمجموعة من المواصفات والمقومات األساسية ‪ ،‬مثل‪ :‬العقالنية‪،‬‬
‫والعمل الهادف‪ ،‬والتخصا‪ ،‬والتراتبية‪ ،‬والتسلسل اإلداري‪،‬‬
‫والمراقبة‪ ،‬والكفاءة‪ ،‬والتحفيز‪ ،‬وتنظيم العمل‪ ،‬واتباع الرسميات‪،‬‬
‫والـتأثير القانوني‪ ،‬ووحدة السلطة والقرار (وحدة األمر)‪ ،‬والسلطة‬
‫‪49‬‬
‫المركزية‪ ،‬ونطاق اإلشراف‪ ،‬ومبدأ التدرج الهرمي‪..‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد ماكس فيبر من أهم ممثلي المدرسة الكالسيكية في مجال‬
‫التدبير ‪ ،‬وخاصة ذلك االتجاه الذي ركز على السلطة في مجال‬
‫اإلدارة واالقتصاد‪ ،‬وتبيان أشكال تنظيمها‪ ،‬إلى جانب ميشيل‬
‫كروزيي)‪ .(Michel Crozier‬بيد أن ماكس فيبر قد تميز بتقسيم‬
‫السلطة إلى أنواع ثالثة‪:‬‬
‫‪‬السلطة الكاريزمية التي تعود إلى شخصية المسؤول ارسرة التي‬
‫تجعل ارخرين يلتزمون بأوامرها اقتناعا وإعجابا؛‬
‫❖السلطة التقليدية القائمة على األعراف والتقاليد والوراثة؛‬
‫‪‬السلطة الوظيفية الرسمية (البيروقراطية)‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬تتصف مدرسة التميز بالجودة والفعالية والنجاعة ‪،‬‬
‫والقدرة على التنافسية‪ ،‬والعمل على تكوين متعلمين متفوقين‬
‫ومتميزين ومبدعين وقادرين على اإلنتاج واالبتكار‪ .‬وتتسم هذه‬
‫المدرسة أيضا بالجودة كما وكيفا ‪ ،‬والخضوع لمستلزمات الحكامة‬
‫الجيدة على مستوى التخطيط والتدبير والتقويم وتسيير المؤسسة‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن مدرسة التميز هي التي تربط المسؤولية‬
‫بالمحاسبة والمواكبة واالفتحاص والتقييم‪ .‬وتسعى جادة لخدمة‬
‫الوطن واألمة ‪ ،‬بكرساء ثقافة حقوق اإلنسان‪ ،‬واالحتكام إلى الضمير‬
‫األخالقي‪ ،‬واألخذ بسياسة التشار والشفافية والديمقراطية في إسناد‬
‫األدوار وتوزيع المهام والمسؤوليات‪.‬‬

‫‪ - 49‬إبراهيم بن عبد العزيز الدعيله‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.91-88:‬‬


‫‪63‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫والجودة واالرتقاء‬ ‫مدرسة اإلنصا‬

‫‪64‬‬
‫والجودة واالرتقاء‪.‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مدرسة اإلنصا‬
‫قدم المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رؤية‬
‫إستراتيجية لإلصالح التربوي ما بين‪2015‬و‪2030‬م‪ .‬والهدف منه‬
‫هو تأسيس مدرسة اإلنصا والجودة واالرتقاء‪ .‬وإن كان هذا‬
‫التقرير‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬تطويرا وامتدادا وتمطيطا للميثاق الوطني‬
‫للتربية والتكوين ؛ ذلك الميثاق الذي كان يدعو إلى تأسيس مدرسة‬
‫النجاح الوطنية‪ ،‬بانتهاج بيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪.‬‬
‫ويستند هذا التقرير إلى تحقيق أربعة أهداف إستراتيجية كبرى هي‪:‬‬

‫وتكافؤ الفرص‬ ‫األول‪ :‬خلل مدرسة اإلنصا‬ ‫الهد‬


‫يعني هذا الهدف أن تكون المدرسة المغربية مدرسة مساواة وعدالة‬
‫وإنصاف بالمفهوم الحقوقي‪ ،‬بسن سياسة اإللزام‪ ،‬والسهر على‬
‫تعميم التمدرس وإجباره على األطفال المغاربة حتى السن السادس‬
‫عشرة‪ .‬واالهتمام أيضا بالتعليم في المناطق القروية وشبه الحضرية‬
‫والمناطق ذات الخصاص‪ ،‬واالعتناء بذوي الحاجيات الخاصة ‪،‬‬
‫والسيما المعوقين منهم الذين لهم الحق الكامل في التعلم والتكوين ‪،‬‬
‫واالستفادة كذلك من بعض امتيازات الدولة الخاصة في مجال‬
‫التربية والتعليم‪.‬‬
‫وتسهر الدولة كذلك على دعم المؤسسات التعليمية وتجهزيها‬
‫وتوفير األطر الالزمة للقيام بمهمتها في الظروف الحسنة‪ ،‬مع‬
‫تجهيز تلك المؤسسات بالمستلزمات المادية والمالية والبشرية‬
‫والتقنية الكافية‪.‬والهدف من ذلك كله هو خلق مدرسة ذات جدوى‬
‫وجاذبية وجودة‪.‬وتقوم المدرسة الخصوصية بدور هام في تحقيق‬
‫ذلك اإلنصاف الوطني‪ ،‬مع المساهمة‪ ،‬إلى جانب مؤسسات الدولة‪،‬‬
‫في التكوين والتأطير والتعليم وفق قانون العدالة والمساواة‬
‫واإلنصاف‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الثاني‪ :‬العمل من أجل بلوغ مدرسة الجودة‬ ‫الهد‬
‫للجميع‬
‫يتحقق هذا الهدف األسمى بتحقيق الجودة الكمية والكيفية‪ ،‬وتجديد‬
‫المحتويات الدراسية آنيا وظرفيا‪ ،‬بتحديث طرائقها البيداغوجية‬
‫والديدكتيكية‪ ،‬وعصرنة وسائلها التعليمية‪ ،‬وتجديد مهن التدريس‬
‫والتدبير والتكوين‪ ،‬وخلق هيكلة جديدة لمؤسسات التكوين والتعليم‬
‫والتدبير والتأطير‪ ،‬وخلق الجسور الممكنة بين مختلف األسال‬
‫التعليمية‪ ،‬والبحث عن نموذج بيداغوجي قوامه االنفتاح‪ ،‬والتنوع‪،‬‬
‫واالبتكار‪ ،‬والنجاعة‪ ،‬واإلبداع‪ .‬فضال عن ضرورة التمكن من‬
‫اللغات العالمية‪ ،‬وتجويد تدريسها‪ ،‬والنهول بالبحث العلمي والتقني‬
‫واالبتكار‪ ،‬وتطبيق الحكامة الجيدة في مجال التربية والتعليم‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬ب اء مدرسة االرتقاء بالفرد والمجتمع‬ ‫الهد‬


‫يتحقق هذا الهدف بتكييف التعليم مع سوق الشغل‪ ،‬ومالءمة‬
‫التعلمات والتكوينات مع حاجيات البالد‪ ،‬ومهن المستقبل‪ ،‬وتحقيق‬
‫االندماج المهني‪ .‬فضال عن ترسيم ثقافة المواطنة والديمقراطية‬
‫والمساواة‪ ،‬والسعي الجاد نحو بناء مجتمع ديمقراطي يتفاعل فيه‬
‫الجميع بحرية‪ ،‬ويتفانى لخدمة الوطن‪ .‬عالوة على تقوية االندماج‬
‫السوسيوثقافي‪ ،‬وتأمين التعلم مدى الحياة‪ ،‬واالهتمام بالتكوين‬
‫المستمر والمتواصل‪ ،‬واالنخراط في االقتصاد الوطني والدولي‬
‫ومجتمع المعرفة والمعلومات‪ ،‬والسعي الجاد من أجل أن يكون‬
‫المغرب من الدول النامية والصاعدة ‪.‬‬

‫الهد الرابع‪ :‬تحقيل الريادة ال اجعة عبر التدبير‬


‫الجديد للتغيير‬
‫يتجسد هذا الهدف بتعبئة مجتمعية مستدامة على جميع المستويات‬
‫واألصعدة‪ ،‬مع تدبير المدرسة والمؤسسات التعليمية وفق طرائق‬
‫جديدة لسياسة التدبير‪ ،‬والتنفيذ‪ ،‬والقيادة‪ ،‬واإلشراف‪ ،‬والتتبع‪،‬‬
‫‪66‬‬
‫والمواكبة‪ ،‬وتوزيع العمل‪ ،‬وتقويم المنته التربوي واإلداري بغية‬
‫تحقيق الريادة الناجعة في مجال التربية والتعليم وطنيا ودوليا‪.‬‬
‫وما يالح على هذه المبادا التي طرحها التقرير أنها مبادا مثلى‬
‫وجيدة ونيرة على المستوى النظري‪ ،‬وإن كان الميثاق الوطني‬
‫للتربية والتكوين قد طرح البعض منها في العشرية األولى من‬
‫األلفية الثالثة‪ ،‬ولم يطبق منها سوى بعض البنود الشكلية ليس فقط‪.‬‬
‫بمعنى أن التقرير اإلستراتيجي الجديد في واد‪ ،‬وواقع المدرسة‬
‫المغربية في واد آخر‪.‬أي‪ :‬إن مبادا التقرير عبارة عن ديباجة مثالية‬
‫ليس لها أي مستند واقعي أو ميداني‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد عرفت المدرسة المغربية ترديا كبيرا على جميع‬
‫الجوانب‪ ،‬ويحتاج إصالحها إلى نية صادقة في التطبيق والتنزيل‬
‫لماهو مدبه في التقرير النظري‪ .‬وأكثر من هذا تبقى هذه المبادا‬
‫مجرد أهداف عامة بعيدة المنال‪ ،‬وغايات مستعصية عن التحقيق‬
‫لقلة اإلمكانات المالية والمادية والبشرية والتقنية‪ ،‬وغياب أدنى‬
‫اهتمام بالمنظومة التربوية‪ ،‬بل ازدادت األوضاع التربوية سوءا‬
‫وترديا وانحطاطا‪.‬‬
‫والمستغرب في التقرير ذلك الهدف المتعلق بخلق مدرسة المساواة‬
‫والعدالة واإلنصاف وتكافؤ الفرص‪ .‬فهذا الهدف مجرد وهم ضبابي‬
‫من الصعب تحقيقه‪.‬في حين‪ ،‬يقبل المغاربة بكثرة على المدارس‬
‫الخصوصية‪ ،‬والسيما األغنياء منهم؛ ألن هذه المدرسة تحقق‬
‫الجودة الكمية والكيفية‪ .‬في حين‪ ،‬تتميز المدرسة الوطنية العمومية‬
‫بالرداءة والتراجع واإلفالس‪ .‬فكيف نحقق‪-‬إذا ً‪ -‬مدرسة اإلنصاف‬
‫والعدالة والمساواة واالرتقاء في البوادي والمناطق المهمشة وشبه‬
‫الحضرية في غياب اقتصاد ناجع‪ ،‬وغياب شبه كلي لتنمية مستديمة‪،‬‬
‫وافتقاد لديمقراطية مجتمعية حقيقية‪ ،‬وانتشار الفقر والفاقة والحاجة‬
‫بكثرة‪ ،‬وغياب شبه كلي لمرافق الحياة‪،‬وانعدام البنية التحتية‪،‬‬
‫وانتشار البطالة والجريمة والمخدرات؟ !!!‬

‫‪67‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬سيظل تقرير المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث‬
‫العلمي تقريرا مثاليا وطوباويا وبعيد المنال والتحصيل والتحقق‪،‬‬
‫يندرج في باب الوهم واإلمكان واالحتمال واالستحالة واإليديولوجيا‬
‫والديماغوجيا‪.‬في حين‪ ،‬تغرق المدرسة المغربية‪ ،‬من سنة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬في أوحال الرداءة‪ ،‬والتسيب‪ ،‬والتخلف‪ ،‬واالنحطاط‪،‬‬
‫واإلفالس‪.‬وبالتالي‪ ،‬ستبقى المدرسة المغربية مدرسة التمييز‬
‫بيير‬ ‫بمفاهيم‬ ‫والورثة‬ ‫واالصطفاء‬ ‫واالنتقاء‬
‫بورديو(‪ ،)P.Bourdieu‬وليست مدرسة المساواة والعدالة‬
‫واإلنصاف واالرتقاء‪ ،‬بل ستزداد هذه المدرسة‪ ،‬مستقبال‪ ،‬سوءا عن‬
‫سوء‪ ،‬وانهيارا عن انهيار‪ ،‬ورداءة بعد رداءة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬موت المدرسة المغربية‬


‫يقةةةر كثيةةةر مةةةن الدارسةةةين والبةةةاحثين واربةةةاء والمةةةواطنين بمةةةوت‬
‫المدرسة العمومية المغربية ونهايتها‪ ،‬على غرار ما ذهب إليه إيفان‬
‫إليةةتش فةةي كتابةةةه (نهايةةة المدرسةةةة ‪ ،‬حينمةةا تحةةةدث عةةن المدرسةةةة‬
‫الليبرالية بأمريكا الالتينية‪ .‬وبما أن المدرسة الليبرالية مدرسة طبقية‬
‫وغير ديمقراطية ‪ ،‬فكنها في الدول المتخلفة والمستبدة تكرس سياسةة‬
‫التخلف واالستعمار‪ ،‬وتسهم في توريةث الفقةر والبةؤس االجتمةاعي ‪.‬‬
‫هةذا مةةا دفةةع إيفةةان إليةةتش ( ‪ )Ivan Ilitch‬إلةةى إلغةةاء هةةذه المدرسةةة‬
‫الطبقية غير الديمقراطية في كتابه(مجتمع بدو مدرسة ‪.‬‬
‫فنظرية موت المدرسة ‪ -‬حسب كوي أفانزي ي‪ -‬هي في الحقيقة‬
‫نظرية "تأثرت تأثرا كبيرا بالعوامل الجغرافية التي أحاطت بها‪،‬‬
‫والتي قد تجعل منها نظرية صالحة لبلدان أمريكا الالتينية‪ ،‬غريبة‬
‫كل الغرابة عن المنطق التربوي للغرب‪ .‬السيما أننا نجد فيها بعض‬
‫التساؤالت التي تؤيد مثل هذا التفسير الذي يقصرها على بلدان‬
‫بعينها‪ ،‬ذلك أن السيد إيليش ينزع أحيانا إلى القول بأن المدرسة‬
‫مالئمة للعصر الصناعي‪ ،‬وأنها من إرث هو مخلفاته‪ ،‬وينبغي أن‬
‫تشجب فقط في البلدان المتخلفة حيث التستطيع أن توفر االنطالقة‬
‫الالزمة لها‪ ،‬وحيث يكون حذفها شرطا الزما لحذف االستعمار‬

‫‪68‬‬
‫والقضاء عليه‪ ،‬على أنه في أحيان أخرى يطلق أحكاما تنادي‬
‫‪50‬‬
‫بالقضاء عليها قضاء جذريا‪ ،‬ويرى فيها مؤسسة بالية أنى كانت"‪.‬‬
‫والدليل على موت المدرسة العمومية بالمغرب تراجع جودة‬
‫المنظومة التربوية كما وكيفا ووظيفة‪ ،‬وتراجع مكانة النظام التربوي‬
‫المغربي على الصعيد العالمي بصفة عامة‪ ،‬وعلى صعيد الوطن‬
‫العربي بصفة خاصة حسب التقارير الدولية‪ .‬على الرغم من‬
‫اإلصالحات التربوية العديدة التي قام بها المغرب منذ االستقالل إلى‬
‫يومنا هذا‪ .‬ونشير أيضا إلى تراجع المدرسة العمومية على مستوى‬
‫التحصيل والنجاح والجودة مقارنة بالمدرسة الخصوصية التي‬
‫أصبحت هدفا لكل األسر المغربية إلنقاذ أوالدهم من شبت البطالة‬
‫والفشل الدراسي‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد وصفت المدرسة العمومية المغربية بأنها مدرسة "‬
‫مريضة مشوهة تعكس غلبة من يدبر في مواجهة من اليملك حيلة"‪،‬‬
‫وهو وصف بال الداللة بالنسبة لمدرسة أضحى أداؤها المختل‬
‫يجسد كل األعطاب المجتمعية‪ ،‬ويعكس موازين قوى تعمل انطالقا‬
‫من تعميق الفوارق الصارخة بين مدرسة تفتقر إلى البنيات األساسية‬
‫والتجهيزات الضرورية‪ ،‬وذات مردود هزيل‪ ،‬ونتائه متردية‬
‫التستحق حتى التعليق‪ ،‬بل ومقبولة ما دامت الخدمة التي تقدمها هذه‬
‫المدرسة مجانية‪ ،‬وتعليم خاص يحرص على تسويق نفسه كتجسيد‬
‫للجودة والمردودية المرتفعة والمضمونة‪ ،‬مادام قابال للمحاسبة من‬
‫قبل الذين يدفعون سعرا مقابل الخدمة المقدمة ألبنائهم‪ .‬وعلى‬
‫الصعيد األخالقي‪ ،‬تشهد المدرسة العمومية انتكاسا واضحا لقيم‬
‫التطوع والمثابرة والمسؤولية‪ ،‬واستسالما للهيئة التربوية في‬
‫مواجهة إغراءات المال‪ ،‬مع الزحف والتوسع المرعب لسوق‬
‫الدروس الخصوصية؛ مما يعد سببا آخرا لبداية نهاية المدرسة‬
‫العمومية بالصورة التي تشكلت فيها في الوجدان الشعبي كفضاء‬
‫للعطاء وكسب العلم والمعرفة‪ ،‬فيما يتنامى الشعور لدى أبناء‬

‫‪ - 50‬غي أفانزيني‪ :‬الجمود والتجديد في التربية المدرسية‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عبد هللا عبد‬
‫الدائم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1981‬م‪ ،‬صا‪-456:‬‬
‫‪457‬؛‬
‫‪69‬‬
‫الطبقات الكادحة بالعجز والفوات‪ ،‬مع تركز التفوق المعرفي في‬
‫صفوف " الميسورين"‪ ،‬الذي يعزز احتكارهم للثروة والسلطة على‬
‫نحو غير مسبوق في تاريم المغرب؛ إذ حتى عهد قريب كان التفوق‬
‫الدراسي‪ ،‬والدافع إلى االجتهاد والتحصيل العلمي‪ ،‬يكاد يكون‬
‫‪51‬‬
‫ينحصر في صفوف أبناء الطبقات الشعبية‪".‬‬
‫ومن األدلة األخرى على موت المدرسة العمومية تراجع مكانة‬
‫المدرس اجتماعيا لتدني أجرته ‪ ،‬وتضعضع وضعيته االقتصادية‬
‫على جميع المستويات‪ .‬وقد نته عن ذلك أن أصبت مثار سخرية‬
‫واحتقار وتنكيت‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول الباحث المغربي عبد‬
‫المجيد السخيري‪ ":‬كثيرة هي المؤشرات الدالة على نهاية المدرسة‬
‫العمومية في عصرنا‪ ،‬في المغرب كما في بلدان كثيرة تسير على‬
‫نهه الرأسمالية المنتصرة ‪ ،‬وتخضع كليا لسياسات السوق الممالة‬
‫من قبل األذرع القوية للرأسمال العالمي‪ ،‬وكثيرة هي أيضا العالمات‬
‫الدالة على انتهاء الدور التقليدي للمدرس(ة) ‪ ،‬وتحطم صورته‬
‫المبجلة ‪ ،‬وتراجع إشعاعه االجتماعي‪ ،‬وتقزيم وظيفته في العملية‬
‫التعليمية بما يتناسب مع تهميشه‪ ،‬وتحجيم حضوره ودوره في الحياة‬
‫العامة‪ .‬وال ينبغي أن ينظر على هذا على أنه مجرد تتويه‬
‫لمراجعات نظرية في األدب التربوي تستهدف الحد من السلطة‬
‫الفعلية للمدرس(ة) التقليدي(ة) داخل الفصل الدراسي‪ ،‬ونقد‬
‫ممارسات تربوية تجعل منه محور العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪،‬‬
‫وتحرير العالقات التربوية من الهيمنة األحادية للمدرس(ة)‪ ،‬وما‬
‫يرتبط بها من أشكال التسلط والعنف الرمزي واحتكار المعرفة‬
‫وامتال الحقيقة ومعايير الصواب والخطأ وغيرها من صور‬
‫التمركز الذاتي واالستبداد المقنع‪.‬كما أن تراجع السلطة األخالقية‬
‫للمدرسين (ات) في المناا السائد اليوم ليس مجرد تحصيل لهذا‬
‫النقد‪ ،‬بل هي أيضا نتيجة لهجوم مركب يستهدف تحييد هؤالء من‬
‫الصراع‪ ،‬وتشطيب دورهم السياسي بما يفست المجال أمام المقاول‬

‫‪ - 51‬عبد المجيد السخيري‪( :‬المدرسة العمومية والمدرس(ة) في العصر اإلمبريالي‬


‫المعولم والتسليع المعمم)‪ ،‬مجلة نوافذ‪ ،‬المغرب‪ ،‬العدد‪ 54-53:‬يناير‪2013‬م‪-32 ،‬‬
‫‪.33‬‬
‫‪70‬‬
‫ليحل مكانهم في تدبير المدرسة‪ ،‬وكسب النتائه السياسية المترتبة‬
‫عن هذا الحلول من خالل استثمار المنافع المعنوية المرتبطة بالموقع‬
‫‪52‬‬
‫الرمزي (التاريخي) للمدرس(ة)‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬فهنا الكثير من المغاربة الذين يؤكدون‪ ،‬بكل صراحة‪،‬‬
‫موت المدرسة المغربية على كل المستويات واألصعدة‪ ،‬مفضلين‬
‫المدرسة الخصوصية التي فرضت نفسها في الساحة التربوية؛ بما‬
‫حققته من جودة عالية ‪ ،‬و مردودية معتبرة‪.‬‬
‫و خالصة القول‪ ،‬فلقد قطعت المدرسة المغربية عدة أشواط‬
‫تاريخية‪ ،‬وعرفت عدة أنماط مؤسساتية في مسارها البيداغوجي‬
‫والديدكتيكي‪ ،‬ويمكن حصرها في المسارات التالية‪:‬‬
‫‪ ‬المدرسة العتيقة التي كانت نموذجا تربويا تابعا للمدرسة‬
‫المشرقية‪ .‬وكانت تتبنى عدة نماذج في التدريس‪ ،‬مثل‪ :‬الطريقة‬
‫العراقية‪ ،‬والطريقة القيروانية‪ ،‬والطريقة المغربية‪ ،‬والطريقة‬
‫الفاسية‪ ،‬والطريقة األندلسية‪ ،‬وغيرها من الطرائق األخرى‪ .‬وقد‬
‫اهتمت هذه المدرسة بتدريس العلوم الشرعية بصفة عامة‪ ،‬وعلوم‬
‫ارلة بصفة خاصة‪.‬‬
‫❖المدرسة االستعمارية التي ظهرت إبان الحماية من ‪1912‬م إلى‬
‫‪1956‬م ‪ ،‬وكانت تهدف إلى القضاء على الكتاتيب الدينية والجوامع‬
‫القرآنية‪ ،‬ومحو ثوابت األمة المغربية‪ ،‬والتشديد على الفصل بين‬
‫البرابرة وإخوانهم العرب مع صدور الظهير البربري سنة ‪1930‬م‪،‬‬
‫ومحاربة كل النزعات الثورية التحررية التي تسعى من أجل‬
‫استقالل المغرب‪ .‬وكانت هذه المدرسة تعمل أيضا على ضرب‬
‫الوحدة الوطنية‪ ،‬والطعن في اللغة العربية‪ ،‬والتشكيك في الدين‬
‫والقيم اإلسالمية والهوية المغربية عبر محاوالت التنصير وفرنسة‬
‫المؤسسات التعليمية المعاصرة‪.‬‬
‫‪‬مرحلة التأسيس وب اء المدرسة الوط ية التي ظهرت بعد‬
‫االستقالل مباشرة ‪ ،‬بتطبيق المبادا األربعة‪ :‬التعميم ‪ ،‬والتوحيد‪،‬‬
‫والتعريب‪ ،‬والمغربة‪.‬‬

‫‪ - 52‬عبد المجيد السخيري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.34-33:‬‬


‫‪71‬‬
‫‪‬مرحلة االستواء والعطاء واإلنتاج إبان مرحلة السبعينيات من‬
‫القرن العشرين ؛ إذ ساهمت المدرسة المغربية في تكوين جيل من‬
‫األطر المتميزة والمتفتحة التي عرفت باإلبداع والمساهمة الكبيرة‬
‫في تحريك االقتصاد المغربي‪ ،‬وإغناء الثقافة العربية ‪ ،‬وإثراء الفكر‬
‫اإلنساني‪.‬‬
‫‪‬مرحلة ال كوص والتراجع التي بدأت مع سياسة التقويم الهيكلي‬
‫في منتصف ثمانينيات القرن العشرين؛ إذ تراجعت المدرسة‬
‫المغربية عن جودتها الكمية والكيفية بسبب األزمات التي كان يتخبط‬
‫فيها المغرب سياسيا‪ ،‬واقتصاديا‪ ،‬وعسكريا‪ ،‬واجتماعيا‪ ،‬وثقافيا‪،‬‬
‫وخاصة مع حرب الصحراء‪ .‬ناهيك عن الضغوط الدولية الخارجية‬
‫التي تتجلى‪ ،‬بكل وضوح‪ ،‬في قرارات المؤسسات المالية كمؤسسة‬
‫البنك العالمي ومؤسسة صندوق النقد الدولي‪.‬‬
‫‪‬مرحلة اإلصالح التربوي التي بدأت في أواخر التسعينيات من‬
‫القرن الماضي وبداية األلفية الثالثة‪ .‬وقد استهدفت الدولة ‪ ،‬ضمن‬
‫هذه المرحلة‪ ،‬إنقاذ الوضع التربوي المغربي المتردي الذي أصبت ال‬
‫ينسجم مع شروط ومعايير المدرسة الدولية بسبب تراجع مستوى‬
‫التالميذ والطلبة‪ ،‬وانعدام مصداقية الشهادات المغربية‪ ،‬والسيما‬
‫شهادة البكالوريا التي تراجع مستواها العلمي الحقيقي؛ و هذا ما‬
‫جعل المسؤولين يفكرون في إصالح التعليم ‪ ،‬بكيجاد (الميثال‬
‫الوط ي للتربية والتكوين)‪ ،‬و االستفادة من بيداغوجيا المجزوءات‬
‫وبيداغوجيا الكفايات‪ ،‬ورفع شعار الجودة التربوية‪.‬‬
‫و على الرغم من جدية وأهمية مبادا( الميثال الوط ي للتربية‬
‫والتكوين)‪ ،‬فلم تتحقق الجودة التي كانت تنادي إليها وزارة التربية‬
‫الوطنية والتعليم العالي وتكوين األطر؛ إذ كانت الوزارة منشغلة‬
‫بالكم على حساب الكيف‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬أفرزت الوزارة مؤسسات‬
‫تعليمية متعثرة ماديا وماليا ومعنويا‪ ،‬تفتقد الجودة العلمية‬
‫والمشروعية البيداغوجية والمصداقية األخالقية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬انعدمت‬
‫الثقة لدى المربين واألسر واإلداريين في المدرسة المغربية التي‬
‫أصبحت مدرسة لتفريم العاطلين واليائسين والمتذمرين‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫اختار الطلبة المتخرجون الهجرة السرية إلى الضفة األخرى حال‬
‫‪72‬‬
‫لمشاكلهم ومالذا لوضع نهاية لحياتهم المأساوية داخل وطنهم الذي‬
‫يعه بالمفارقات والتناقضات على جميع األصعدة والمستويات‪.‬‬
‫وتستلزم هذه المراحل التي تؤرا لتطور السياسة التعليمية والفلسفة‬
‫التربوية إعادة النظر في النظام البيداغوجي المغربي ‪ ،‬والتفكير في‬
‫فلسفات تربوية أخرى جديرة بكنقاذ المدرسة الوطنية من أزماتها‬
‫ومشاكلها التي تتخبط فيها ‪ .‬والهدف من ذلك كله هو تحصيل جودة‬
‫حقيقية‪ ،‬وتحقيق حداثة تقدمية تؤهل المغرب للحاق بمصاف الدول‬
‫النامية والمتقدمة على حد سواء‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫الخاتـــمـــة‬
‫يتبةةين لنةةا‪ ،‬ممةةا سةةبق ذكةةره‪ ،‬أن ثمةةة أنواعةةا ثالثةةة مةةن الديمقراطيةةة‬
‫التربوية‪ :‬ديمقراطية التعلم‪ ،‬وديمقراطية التعليم‪ ،‬وتعليم الديمقراطية‪.‬‬
‫وقد أبرزنا أيضا أن هنا مجموعة من ارليات لتطبيةق الديمقراطيةة‬
‫الحقيقية في نظامنةا التربةوي والتعليمةي ‪ ،‬فقةد حصةرناها إجمةاال فةي‬
‫التفكيةةر التعةةاوني‪ ،‬والعمةةل الجمةةاعي‪ ،‬واسةةتعمال تقنيةةات التنشةةيط‪،‬‬
‫وتمثل البيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬واألخذ بالشراكة والجودة‪.‬‬
‫فضال عن تطبيق الطرائق التربوية الفعالة ‪ ،‬واإليمان بمبادا حقةوق‬
‫اإلنسةةةان‪ ،‬وزرع المواطنةةةة الحقيقيةةةة فةةةي نفةةةوس المتعلمةةةين وناشةةةئة‬
‫المستقبل‪ ،‬دون أن ننسى دمقرطة المدرسة والمجتمع على حد سواء‪.‬‬
‫بيةةد أن تطبيةةق الديمقراطيةةة‪ ،‬فةةي نظامنةةا التربةةوي والتعليمةةي‪ ،‬يواجةةه‬
‫صةةعوبات جمةةة ‪ ،‬مثةةل‪ :‬الجهةةل‪ ،‬والتخلةةف‪ ،‬والبيروقراطيةةة‪ ،‬وغيةةاب‬
‫حقةةةوق اإلنسةةةان‪ ،‬وغيةةةاب المواطنةةةة الحقيقيةةةة‪ ،‬وإقصةةةاء الكفةةةاءات‬
‫العاملةةةة‪ .‬ناهيةةةك عةةةن التعامةةةل بةةةالغش مةةةن أجةةةل تحقيةةةق المصةةةالت‬
‫الشخصةةةية والمةةةآرب النفعيةةةة‪ ،‬والتفةةةريط فةةةي مقوماتنةةةا الحضةةةارية‬
‫ومبادئنةةا الدينيةةة ‪ ،‬وتبديةةد ثرواتنةةا سةةفها وتبةةذيرا ‪ ،‬وتهجيةةر طاقاتنةةا‬
‫العلمية واألدمغة المتنورة إلى الخارج أو الةتخلا منهةا ‪ ،‬بتعطيلهةا‪،‬‬
‫أو تفقيرهةةا‪ ،‬أو تجويعهةةا‪ ،‬أو إزهةةاق أرواحهةةا إذا كانةةت مناوئةةة أو‬
‫معارضة للسلطة الحاكمة‪....‬‬
‫أمةةةا الحلةةةول لتحقيةةةق الديمقراطيةةةة الناجعةةةة فةةةي نظامنةةةا التربةةةوي‬
‫والتعليمةةي‪ ،‬فيكةةون بالقضةةاء علةةى الصةةعوبات والمشةةاكل والعراقيةةل‬
‫التي ذكرناها سالفا‪ ،‬مةع التسةلت باإليمةان والتقةوى والصةبر والتجلةد‪،‬‬
‫والتحلي بةروح العمةل والمواطنةة الصةالحة‪ ،‬والتعةايش مةع ارخةرين‬
‫انفتاحا وتعاونا وتعايشا وتسامحا‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تعد مدرسة النجاح والجودة والتميز من أهم‬
‫ارليات اإليجابية لالرتقاء بالمدرسة المغربية‪ ،‬وإنقاذها من الركود‬
‫والكساد واإلفالس‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فهذه المدرسة بمثابة مشروع مجتمعي‬
‫هائل‪ .‬فكذا تم تطبيق مبادا هذه المدرسة كلها بشكل جيد ومتقن‪،‬‬
‫فستتحقق ‪ -‬فعال‪ -‬هذه المدرسة الوطنية الناجحة ‪ ،‬والسيما إذا أوكلت‬
‫مهمة تفعيل اإلصالح إلى أصحاب النوايا الحسنة الصادقة ‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫و ال يمكن أن تتحقق مدرسة النجاح ‪ -‬فعليا ‪ -‬في المغرب إال إذا‬
‫أرسينا مجتمعا ديمقراطيا يحتكم إلى مؤسسات قانونية عادلة‪ ،‬وفعلنا‬
‫منظومة حقوق اإلنسان‪ ،‬وأعطينا األولوية لإلبداع واالبتكار‬
‫والتجديد والتقويم الذاتي‪ ،‬واحترمنا الكفاءات الوطنية المتميزة‪،‬‬
‫وأشركناها في إصدار القرار ‪.‬‬
‫ويبقى‪ ،‬في األخير ‪ ،‬أن أهم سبب للنجاح الحقيقي لمدرسة النجاح هو‬
‫االهتمام برجل التعليم ‪ ،‬بالرفع من أجره مرات ومرات حسب‬
‫ارتفاع أسعار المعيشة في الوطن‪ ،‬وتحفيزه ماديا ‪ ،‬وتشجيعه‬
‫معنويا؛ ألن رجل التعليم هو القاطرة الفعلية للتنمية والتطور‬
‫واالزدهار والتقدم‪ .‬وإذا لم يتم الرفع من مستوى هذا اإلنسان "‬
‫البروميثيوسي" المناضل ‪ ،‬فلن تكون هنا أبدا مدرسة النجاح إال‬
‫في األحالم واألوراق والمذكرات الوزارية ‪.‬‬
‫في حين‪ ،‬تتصف مدرسة التميز بالجودة والفعالية والنجاعة ‪،‬‬
‫والقدرة على التنافسية‪ ،‬والعمل على تكوين متعلمين متفوقين‬
‫ومتميزين ومبدعين وقادرين على اإلنتاج واالبتكار‪ .‬وتتسم هذه‬
‫المدرسة أيضا بالجودة كما وكيفا ‪ ،‬والخضوع لمستلزمات الحكامة‬
‫الجيدة على مستوى التخطيط والتدبير والتقويم وتسيير المؤسسة‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن مدرسة التميز هي التي تربط المسؤولية‬
‫بالمحاسبة والمواكبة واالفتحاص والتقييم‪ .‬وتسعى جادة لخدمة‬
‫الوطن واألمة ‪ ،‬بكرساء ثقافة حقوق اإلنسان‪ ،‬واالحتكام إلى الضمير‬
‫األخالقي‪ ،‬واألخذ بسياسة التشار والشفافية والديمقراطية في إسناد‬
‫األدوار وتوزيع المهام والمسؤوليات‪.‬‬
‫أما مدرسة المساواة واإلنصاف واالرتقاء التي تحدث عنها المجلس‬
‫األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في ضوء الرؤية‬
‫اإلستراتيجية لإلصالح التربوي ما بين‪2015‬و‪2030‬م‪ ،‬فهي مجرد‬
‫مدرسة خيالية وطوباوية ال تحتكم إلى الواقع المغربي المحبط‬
‫والمنحط على جميع األصعدة والمجاالت والمستويات‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫فهذه المدرسة بمثابة مدرسة مجردة غير موجودة أصال في الواقع‪،‬‬
‫واليمكن أن تتحقق المساواة إال بتطبيق الديمقراطية الحقة‪ ،‬وإرساء‬
‫العدالة المجتمعية ‪ ،‬وهذا اليمكن أن يتحقق في مجتمعنا المغربي في‬
‫‪75‬‬
‫حديث وإجماع عن موت‬ ‫وقتنا الراهن‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬هنا‬
‫المدرسة المغربية‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬

‫المعاجم والقواميس‪:‬‬

‫‪-1‬ابن منظور‪ :‬لسا اللسا ‪ ،‬تهذيب لسا العرب‪ ،‬دار الكتب‬


‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة األولى‪.1993 ،‬‬

‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫‪ -2‬إبراهيم بن عبد العزيز الدعيله‪ :‬اإلدارة حقائل تتجدد‪ ،‬مكة‬
‫المكرمة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2014‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬أحمد زكي بدوي‪ :‬معجم مصطلحات الرعاية والت مية‬
‫االجتماعية‪ ،‬دار الكتاب المصري‪ ،‬القاهرة؛ دار الكتاب اللبناني ‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬أمحمد عليلود‪ :‬التربية والتعليم من أجل الت مية‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬أنتوني غدنز‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ترجمة فايز الصياغ‪ ،‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬جان بياجي‪ :‬التوجهات الجديدة للتربية‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد الحبيب‬
‫بلكود‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة‪1998‬م‪.‬‬
‫‪-8‬جميل حمداوي‪ :‬من يضايا التربية والتعليم‪ ،‬سلسلة شرفات‬
‫رقم‪ ،19:‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ -9‬جميل حمداوي‪ :‬من مستجدات التربية الحديثة والمعاصرة‪،‬‬
‫سلسلة شرفات‪ ،‬رقم ‪ ،24‬منشورات الزمن‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -10‬جون سكوت‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬المفاهيم األساسية‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫محمد عثمان‪ ،‬الشبكة العربية ل بحاث والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪2013‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬خليل ميخائيل معول‪ :‬علم ال فس االجتماعي‪ ،‬دار نشر‬
‫المغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ -12‬عبد الكريم غريب‪ :‬الم هل التربوي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬منشورات‬
‫عالم التربية‪ ،‬دار النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -13‬العربي سليمان ورشيد الخديمي‪ :‬يضايا تربوية‪ ،‬منشورات‬
‫عالم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬غي أفانزيني‪ :‬الجمود والتجديد في التربية المدرسية‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫عبد هللا عبد الدائم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪1981‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬مارسيل بوستيك‪ :‬العالية التربوية ‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد البشير‬
‫النحاس‪ ،‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬تونس‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬مبار ربيع‪ :‬مخاو األطفال‪ ،‬الهالل العربية للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬طبعة ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬محمد الدريه‪ :‬مشروع المؤسسة والتجديد التربوي في‬
‫المدرسة المغربية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬منشورات رمسيس‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -18‬محمد لبيب النجيحي‪ :‬مقدمة في فلسفة التربية‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربي للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -19‬محمد ياسر الخواجة وحسين الدريني‪ :‬المعجم الموجز في علم‬
‫االجتماع‪ ،‬مصر العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2011‬م‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ المركز الثقافي‬،‫ الخطاب اإلصالحي التربوي‬:‫ مصطفى محسن‬-20
.‫م‬1999 ‫ الطبعة األولى سنة‬،‫ المغرب‬،‫ الدار البيضاء‬،‫العربي‬
،26:‫ سلسلة شرفات رقم‬،‫ مدرسة المستقبل‬:‫ مصطفى محسن‬-21
.‫م‬2009 ‫ الطبعة األولى سنة‬،‫ المغرب‬،‫ الرباط‬،‫منشورات الزمن‬
،‫ تونس‬،‫ معجم علم ال فس التربوي‬:‫ وزارة الثقافة والتربية‬-22
.‫م‬1990
‫ جدلية االنفصال‬،‫ اإليدولوجيا وعلم االجتماع‬:‫ وسيلة خزار‬-23
‫ الطبعة األولى سنة‬،‫ لبنان‬،‫ بيروت‬،‫ منتدى المعارف‬،‫واالتصال‬
.‫م‬2013

:‫المراجع األج بية‬


24-Celam,Journal d’un éducateur, 1982.
25-Condorcet, Cinq mémoires sur l'instruction
publique (1792), Garnier-Flammarion, 1994.
26-Élisabeth et Robert Badinter, Condorcet. Un
intellectuel en politique. 1743-1794, Fayard, 1989.
27-G. Mannoni, Éducation impossible, Paris:
Seuil, 1973.
28-Ivan Illich, Une société sans école, 1971, trad.,
Seuil, 1972.
29- John Dewey:Démocratie et éducation, Paris,
Armand, Colin, 1975.
30-Jules Ferry, "Circulaire adressée par M. Le
Ministre de l'Instruction publique aux instituteurs,
concernant l'enseignement moral et civique", 17
novembre 1883.
31-Kant, Traité de pédagogie (1776-1787),
Hachette, 1981.

79
32-Louis Althusser,) Les appareils idéologiques
d’État (, revue La Pensée, juin 1970.
33-Michel Foucault, Surveiller, Gallimard, Paris,
1975.
34- Micheline Milot et Fernand Ouellet:Religion,
éducation et démocratie .Montréal, 1977.
35-Mourad Bahloul :La pédagogie de la
différence:l'exemple de l'école tunisienne , M.
Ali Editions, 2003 .
36– Petit Robert, Paris, éd, 1992, "Qualité" .
37-Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron,La
reproduction. Éléments pour une théorie du
système d'enseignement, Minuit, 1970.
38-R. Boujedra,La répudiation, Paris: Seuil, 1969
39-Robert Merton: The Sociology of Science,
Glencoe: free Press, 1957.
40-R. Scherer,Émile perverti ou Des rapports
entre l’éducation et la sexualité, Paris, Laffont,
1974. Réédition Désordres-Laurence Viallet, 2006.

:‫المقاالت‬

‫ السنة‬،‫ المغرب‬،‫ جريدة الصباح‬،)......‫(قالوا‬:‫ حبيب المالكي‬-41


.‫م‬2004‫ن‬12‫ن‬31 ‫ الجمعة‬،1474‫ العدد‬،‫الخامسة‬
‫ (المدرسة العمومية والمدرس(ة) في‬:‫ عبد المجيد السخيري‬-42
،‫ المغرب‬،‫ مجلة نوافذ‬،)‫العصر اإلمبريالي المعولم والتسليع المعمم‬
.‫م‬2013‫ يناير‬54-53:‫العدد‬

80
‫‪ -43‬عماد أبركان‪( :‬الوالة والعمال في النموذج المغربي لإلدارة‬
‫المحلية وسؤال الحكامة الترابية)‪ ،‬مجلة مسالك‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫العدد‪ ،32-31:‬السنة ‪2015 ،11‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬المختار عنقا اإلدريسي‪ (:‬المسرح والتنشيط)‪ ،‬مجلة لفال‬
‫تربوية‪ ،‬المغرب‪ ،‬العدد‪1996 ،11‬م‪.‬‬
‫‪ -45‬محمد مصطفى القباج‪ ( :‬التربية على المواطنة والحوار وقبول‬
‫ارخر في التعليم الثانوي‪ :‬تحليالت واتجاهات)‪ ،‬مجلة علوم‬
‫التربية‪ ،‬المغرب‪ ،‬العدد‪ ،32:‬أكتوبر ‪2006‬م‪.‬‬

‫الدالئل والتقارير‪:‬‬

‫‪( -46‬إعالن دمشق حول مدرسة المستقبل في الوطن العربي)‪ ،‬نقال‬


‫عن مصطفى محسن‪ :‬مدرسة المستقبل‪ ،‬سلسلة شرفات رقم‪،26:‬‬
‫منشورات الزمن‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -47‬البنك الدولي‪( :‬الطريق غير المسلو ‪ :‬إصالح التعليم في‬
‫منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا)‪ ،‬ملخا تنفيذي ‪ ،‬تقرير‬
‫الت مية في م طقة الشرل األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬البنك الدولي‪،‬‬
‫واشنطن ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪ -48‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬المدونة القانونية للتربيةوالتكوين‪،‬‬
‫إشراف‪ :‬المهدي بنمير‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪،‬مراكش‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ -49‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬الميثال الوط ي للتربية والتكوين‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2001‬م‪.‬‬
‫وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل الحياة المدرسية‪،‬شتنبر ‪2003‬م‬
‫‪ -50‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل الحياة المدرسية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬غشت ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -51‬وزارة التربية الوطنية‪( :‬إحداث جمعية دعم مدرسة النجاح‬
‫بمؤسسات التربية والتعليم العمومي)‪ ،‬المذكرة الوزارية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬رقم‪ 73 :‬بتاريم ‪20‬ماي ‪2009‬م‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫الروابط اإللكترونية‪:‬‬
‫‪ -52‬جميل حمداوي‪ :‬نحو نظرية تربوية جديدة (البيداغوجيا‬
‫اإلبداعية ‪ ،‬مكتبة األلوكة‪ ،‬السعودية‪ ،‬بتاريم‪.14/07/2016 :‬‬
‫‪http://www.alukah.net/library/0/105455‬‬

‫‪ -53‬المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪( :‬من جل‬


‫مدرسة اإلنصاف والجودة واالرتقاء‪ ،‬رؤية إستراتيجية‬
‫لإلصالح‪2030-2015‬م)‪،‬‬
‫‪http://www.csefrs.ma/pdf/Vision_VF_Ar.pdf‬‬

‫ذ‬

‫‪82‬‬
‫السيـــرة العلـــمية‪:‬‬

‫‪ -‬جميل حمداوي من مواليد مدينة الناظور (المغرب)‪.‬‬


‫‪ -‬حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على دكتوراه الدولة سنة ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على إجازتين‪:‬األولى في األدب العربي‪ ،‬والثانية في‬
‫الشريعة والقانون‪ .‬ويعد إجازتين في الفلسفة وعلم االجتماع‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين‬
‫بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ مناهه النقد األدبي واألدب الرقمي بماستر الكتابة النسائية‬
‫بكلية ارداب بتطوان‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ األدب العربي‪ ،‬ومناهه البحث التربوي‪ ،‬واإلحصاء‬
‫التربوي‪ ،‬وعلوم التربية‪ ،‬والتربية الفنية‪ ،‬والحضارة األمازيغية‪،‬‬
‫وديدكتيك التعليم األولي‪ ،‬والحياة المدرسية والتشريع التربوي‪...‬‬
‫‪-‬أديب ومبدع وناقد وباحث‪ ،‬يشتغل ضمن رؤية أكاديمية موسوعية‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جائزة مؤسسة المثقف العربي (سيدنينأستراليا) لعام‬
‫‪2011‬م في النقد والدراسات األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة‪2014‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عضو االتحاد العالمي للجامعات والكليات بهولندا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس المهرجان العربي للقصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر المسرح األمازيغي‪.‬‬
‫‪ -‬عضو الجمعية العربية لنقاد المسرح‪.‬‬
‫‪-‬عضو رابطة األدب اإلسالمي العالمية‪.‬‬
‫‪ -‬عضو اتحاد كتاب العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب اإلنترنت العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬من منظري فن القصة القصيرة جدا وفن الكتابة الشذرية‪.‬‬
‫‪ -‬مهتم بالبيداغوجيا والثقافة األمازيغية‪.‬‬
‫‪ -‬ترجمت مقاالته إلى اللغة الفرنسية و اللغة الكردية‪.‬‬
‫‪ -‬شار في مهرجانات عربية عدة في كل من‪ :‬الجزائر‪ ،‬وتونس‪،‬‬
‫وليبيا‪ ،‬ومصر‪ ،‬واألردن‪ ،‬والسعودية‪ ،‬والبحرين‪ ،‬والعراق‪،‬‬
‫واإلمارات العربية المتحدة‪،‬وسلطنة عمان‪...‬‬
‫‪ -‬مستشار في مجموعة من الصحف والمجالت والجرائد‬
‫والدوريات الوطنية والعربية‪.‬‬
‫‪ -‬نشر أكثر من ألف وثالثين مقال علمي محكم وغير محكم‪ ،‬وعددا‬
‫كثيرا من المقاالت اإللكترونية‪ .‬وله أكثر من (‪ )154‬كتاب ورقي‪،‬‬
‫وأكثر من مائة وثالثين (‪ )227‬كتاب إلكتروني منشور في موقعي‬
‫(المثقف) وموقع (األلوكة)‪ ،‬وموقع (أدب فن)‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أهم كتبه‪ :‬فقه النوازل‪ ،‬ومفهوم الحقيقة في الفكر اإلسالمي‪،‬‬
‫ومحطات العمل الديدكتيكي‪ ،‬وتدبير الحياة المدرسية‪ ،‬وبيداغوجيا‬
‫األخطاء‪ ،‬ونحو تقويم تربوي جديد‪ ،‬والشذرات بين النظرية‬
‫والتطبيق‪ ،‬والقصة القصيرة جدا بين التنظير والتطبيق‪ ،‬والرواية‬
‫التاريخية‪ ،‬تصورات تربوية جديدة‪ ،‬واإلسالم بين الحداثة وما بعد‬
‫الحداثة‪ ،‬ومجزءات التكوين‪ ،‬ومن سيميوطيقا الذات إلى سيميوطيقا‬
‫التوتر‪ ،‬والتربية الفنية‪ ،‬ومدخل إلى األدب السعودي‪ ،‬واإلحصاء‬
‫التربوي‪ ،‬ونظريات النقد األدبي في مرحلة مابعد الحداثة‪ ،‬ومقومات‬
‫القصة القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري‪ ،‬وأنواع الممثل في‬
‫التيارات المسرحية الغربية والعربية‪ ،‬وفي نظرية الرواية‪ :‬مقاربات‬
‫‪84‬‬
‫جديدة‪ ،‬وأنطولوجيا القصة القصيرة جدا بالمغرب‪ ،‬والقصيدة‬
‫الكونكريتية‪ ،‬ومن أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا ‪،‬‬
‫والسيميولوجيا بين النظرية والتطبيق‪ ،‬واإلخراج المسرحي‪ ،‬ومدخل‬
‫إلى السينوغرافيا المسرحية‪ ،‬والمسرح األمازيغي‪ ،‬ومسرح الشباب‬
‫بالمغرب‪ ،‬والمدخل إلى اإلخراج المسرحي‪ ،‬ومسرح الطفل بين‬
‫التأليف واإلخراج‪ ،‬ومسرح األطفال بالمغرب‪ ،‬ونصوص مسرحية‪،‬‬
‫ومدخل إلى السينما المغربية‪ ،‬ومناهه النقد العربي‪ ،‬والجديد في‬
‫التربية والتعليم‪ ،‬وببليوغرافيا أدب األطفال بالمغرب‪ ،‬ومدخل إلى‬
‫الشعر اإلسالمي‪ ،‬والمدارس العتيقة بالمغرب‪ ،‬وأدب األطفال‬
‫بالمغرب‪ ،‬والقصة القصيرة جدا بالمغرب‪،‬والقصة القصيرة جدا عند‬
‫السعودي علي حسن البطران‪ ،‬وأعالم الثقافة األمازيغية‪...‬‬
‫‪ -‬عنوان الباحث‪ :‬جميل حمداوي‪ ،‬صندوق البريد‪،1799‬‬
‫الناظور‪ ،62000‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬جميل حمداوي‪ ،‬صندوق البريد‪ ،10372‬البريد المركزي تطوان‬
‫‪ ،93000‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬الهاتف النقال‪0672354338:‬‬
‫‪ -‬الهاتف المنزلي‪0536333488:‬‬
‫‪ -‬اإليميل‪Hamdaouidocteur@gmail.com:‬‬
‫‪Jamilhamdaoui@yahoo.‬‬

‫‪85‬‬
‫الخارجي‬ ‫الغال‬
‫يهتم الكتاب بالعالقة الموجودة بين التربية والديمقراطية إيجابا‬
‫وسلبا‪ .‬كما يعرف القراء بأسس مدرسة النجاح‪ ،‬ورصد سبل تحقيق‬
‫الجودة المدرسية‪ ،‬وتقديم مختلف ارليات التي تسهم في تحقيق‬
‫مدرسة النجاح المجتمعية الحقيقية‪.‬‬
‫كما يتناول الكتاب مفهوم مدرسة التميز ‪ ،‬ومفهوم الحكامة الجيدة في‬
‫تدبير شؤون المنظومة التربوية‪ ،‬والمهام التي يقوم بها المدرس أو‬
‫مدبر الفصل الدراسي‪.‬‬

‫‪86‬‬

You might also like