You are on page 1of 7

‫مسب اهلل الرحم ان الرحيم‬

‫ديداكتيك التر بية المدنية‬

‫إعداد‪ :‬عبد الله الرفاعي‬

‫تقديم‬

‫تفتقد "التربية المدنية" كمادة دراسية الى مرجعية ديداكتيكية مستقلة تسند وضعها في المنهاج‪ ،‬إلا أن مشروعيتها التربو ية‬
‫تتأسس على استهدافها “تهيئ" واعداد النشء لممارسة اجتماعية مركبة تتخطى الجوانب المعرفية الى تكوين الانسان‪/‬المواطن‪ ،‬لذلك‬
‫فان لم يكن للمادة وضع ابستمولوجي خاص سواء من حيث الموضوع او من حيث المنهج‪ ،‬فوضعها في المنهاج تفرضه الأهداف‬
‫الرامية الى تكوين "مواطن" مسؤول ومشارك في تدبير شؤون البلد‪ ،‬متمكن من معرفة قانونية‪ ،‬حقوقية‪ ،‬مؤسساتية‪ ،‬فالرهان في‬
‫هذه المادة مزدوج بين تنمية الذات وضمان استدامة المجتمع‪ ،‬وهو ذات الرهان الذي على المدرسة بل وعلى "التربية" في عموم‬
‫غاياتها‪ ،‬فاذا كانت باقي المواد الدراسية تجد لها من المحفزات وخلق الاتجاهات الإ يجابية في تعلمها والاقبال عليها الى ما يرتبط‬
‫بالإعداد لممارسة "مهنة " او حرفة في المستقبل‪ ،‬فإن التربية المدنية تتعدى ذلك الى تنمية ذات المتعلم والاسهام في بناء الانسان‬
‫الفاعل والمواطن اليقظ من خلال استهداف ال وعي بالحقوق والمسؤوليات الفردية والجماعية والتدرب على ممارستها من أجل بناء‬
‫شخصية ذات هو ية حضار ية‪ ،‬وقيم ومبادئ دينية وأخلاقية‪ ،‬وقيم مواطنة فاعلة‪ ،‬إذ تنهل "التربية المدنية" مما تراكم مع مادة "التربية‬
‫على المواطنة" من مكتسبات وتواصل رسالة إرساء ثقافة الحقوق والواجبات وتعزيز تقدير الذات سعيا الى تنمية السلوك المدني‬
‫وترسيخه من خلال موضوعها المتميز والذي يتمحور حول محو ين رئيسين هما‪:‬‬
‫• تنمية الفرد‪/‬المتعلم في ذاته وفي علاقته مع الاخرين في افق خلق التوافق والادماج الاجتماعي بما يضمن الاستقرار‬
‫والاستمرار ية والنمو المتوازن لكل أعضاء المجتمع‪.‬‬
‫• تحفيز السلوك المدني المسؤول المبني على التشبث بالثوابت الدستور ية للبلاد‪ ،‬واحترام تام لرموزها وقيمها الحضار ية المنفتحة‪،‬‬
‫والتمسك بالهو ية بشتى روافدها‪ ،‬والاعتزاز بالانتماء للامة‪ ،‬وادراك الواجبات والحقوق‪ ،‬والتحلي بفضيلة الاجتهاد المثمر‬
‫وروح المبادرة‪ ،‬والوعي بالالتزامات الوطنية‪ ،‬وبالمسؤوليات تجاه الذات والاسرة والمجتمع‪ ،‬والتشبع بقيم التسامح والتضامن‬
‫والتعايش ( تعر يف السلوك المدني حسب القانون الاطار لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي المادة ‪.)2‬‬

‫الإطار البيداغوجي والديداكتيكي للتربية المدنية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫تبرز "التربية المدنية"كتربية "وظيفية" و"مادة تعليمية" إستراتيجية تسعى الى تنمية الإحساس بالمصلحة العامة واحترام‬
‫القوانين وحقوق الإنسان‪ ،‬وتروم تكوين المتعلم(ة) تكوينا اجتماعيا وحضار يا‪ ،‬بما يؤهله للعيش كمواطن صالح‪ ،‬يشعر بمسؤوليته‪،‬‬
‫و يكون واعيا بالتزاماته‪ ،‬كعضو كامل الحقوق في المجتمع الذي يساهم في بنائه‪ ،‬فاذا كانت "التربية على المواطنة" ‪-‬في السابق‪ -‬قد‬
‫استهدفت تحفيز القيام بالواجبات الوطنية وتهيئة ظروف المشاركة المواطنة‪ ،‬فان التربية المدنية في المنهاج الجديد تسعى الى ترسيخ‬
‫ثقافة تلائم الجيل الجديد‪ ،‬من خلال تصور أشمل ي سعى الى التشبع بقيم حقوق الانسان وترسيخ قيم المواطنة وإشاعة السلوك المدني‬
‫وبذلك يتضمن برنامج التربية المدنية توسيع لفرص التنشئة الاجتماعية في المدرسة المغربية ووسيلة لتحقيق الهدف الاسمى والمتمثل‬
‫في "الارتقاء بالفرد وتقدم المجتمع" في ظل سياق الإصلاح الذي تعرفه المنظومة التربو ية والرامي حسب القانون الاطار الى "اعتماد‬
‫نموذج بيداغوجي موجه نحو الذكاء‪ ،‬يطور الحس النقدي وينمي الانفتاح والابتكار ويربي على المواطنة والقيم ال كونية"‪ ،‬وبذلك يتشكل‬
‫برنامج مادة التربية المدنية من توليفة من قيم ومعارف وممارسات‪/‬سلوكات تنطل ق من ذات المتعلم وتدور في فلك المفاهيم والقيم‬
‫الأساسية للمجتمع الديمقراطي الحديث وتهدف حفظ الحقوق والحر يات‪ ،‬والمشاركة الفاعلة‪ ،‬واحترام الآخر والإقرار بوجوده‪،‬‬
‫والتعرف إلى أدوار ومسؤوليات المجتمع المدني والسياسي والسعي الى تدبير الاختلاف بالطرق المدنية‪ .‬إنها اهداف طموحة تستحث‬
‫جهود الجميع لمواجهة السلوك اللامدني الذي أصبح متغلغلا في مختلف مجالات الحياة والذي لا يعكس حقيقة التطور الحضاري‬
‫الذي بلغته البلاد والطموح لتحقيق الأفضل‪ .‬و لتحقيق هذه الغاية يتأسس برنامج المادة في المرحلة الابتدائية على كفاية أساسية يتم‬
‫تصر يفها في السنوات الثلاثة من الطور الثاني من التعليم الابتدائي(الرابع‪ ،‬الخامس و السادس) ومضمونها حسب وثيقة منهاج‬
‫الابتدائي (الصيغة النهائية ‪ -‬يوليوز ‪.2021‬ص‪ :)446‬تنمية تقدير الذات‪ ،‬والتدرب على قواعد العيش المشترك‪ ،‬والسلوك المدني‬
‫وهذا ما يحيل الى اعتبار ابعاد ثلاثة لل كفاية يمكن ايجازها كالتالي ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫بعد معرفي‪ :‬أي الموضوع‪ ،‬و يتمثل في تنمية تقدير الذات‪ ،‬والعيش المشترك‪ ،‬والسلوك المدني في سياقات تعلمية ديناميكية؛‬ ‫•‬
‫بعد منهجي‪ :‬تتمثل في استراتيجية الدرس من خلال "دورة للتعلم" تقوم‬ ‫•‬
‫على ثلاث عمليات مندمجة و متكاملة تشمل مرحلة الاكتشاف‪ ،‬مرحلة‬
‫بناء رد الفعل ثم مرحلة الفعل والممارسة؛‬
‫بعد بيداغوجي‪ :‬من خلال محددات تهدف خلق شروط التعلم وتفعيل‬ ‫•‬
‫"دورة التعلم"‪.‬‬
‫وتتأسس ال كفاية الأساس على مجموعة من القدرات‪:‬‬
‫• تنمية قدرات الشخصية لتعزيز الاستقلالية‬
‫• تنمية قدرات مرتبطة بالحياة الاجتماعية‬
‫• تنمية قدرات مرتبطة بالمشاركة المواطنة‬

‫الابعاد المعرفية للتربية المدنية‬ ‫‪-2‬‬


‫‪ 2-1‬تقدير الذات‪ :‬المفهوم والابعاد‬
‫يعتبر مفهوم الذات من المفاهيم الإشكالية حيث تتداخل في تحديده المرجعيات الفلسفية‪ ،‬السيكولوجية‪ ،‬الاجتماعية‪،‬‬
‫والتربو ية‪ ،‬و يقصد به التمثل الذي يكونه الفرد عن نفسه وعن قدراته لمواجهة العالم الخارجي‪ ،‬ومفهوم الذات يعد تمثلا أو صورة‬
‫ونموذجا أو ترسيمة ذهنية ‪ /‬خطاطة يكونها الفرد حول الشخص الذي يؤمن بأن يكونه خلال وضعيات أو فترات معينة‪( .‬المنهل‬
‫التربوي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،)854‬أما مفهوم تقدير الذات فيعني مجموعة من الاحكام الشخصية التي يراها الفرد عن نفسه كمحصلة‬
‫خصائصه الانفعالية والعقلية والجسمية‪ ،‬إنه الأسلوب الذي يدرك به الافراد أنفسهم في علاقتهم مع الاخرين‪ ،‬كما أن لمفهوم تقدير‬
‫الذات جانبان مترابطان‪ :‬فهو يستلزم إحساسًا بال كفاءة الشخصية والشعور بالقيمة الشخصية‪ .‬إنه مجموع متكامل من الثقة بالنفس‬
‫واحترام الذات‪ .‬إنه الاقتناع بأن المرء مؤهل للعيش ويستحق أن يعيش( ‪.)2006 Christopher J. Mruk , Nathaniel Branden‬‬

‫وحسب عالم النفس الأمريكي" أبراهام ماسلو ‪ ”Mslow Abraham‬يطابق تقدير الذات المستوى الرابع من الحاجيات‬
‫و يعنى‪ :‬اكتساب احترام الفرد لنفسه واحترام الاخرين له – و يليه حسب هرم الحاجيات الذي اقترحه المستوى الخامس والمتمثل‬
‫في تحقيق الذات(موسوعة علم الاجتماع‪ ،‬ص‪ ) 391‬وقد عرف عنه قوله ‪" :‬على المرء أن يسعى لأن يصبح ما تؤهله له إمكاناته‬
‫أن يكون‪ ،‬فالإنسان ينبغي ان يكون متسقا مع سجيته"‪.‬‬
‫و يعتبره البيداغوجي السوري "محمد ز ياد حمدان"(علم النفس التربوي) بأنه أحد القيم المؤسسة لقيمة " الاستقلال المشترك" حيث‬
‫يعرف التقدير الذاتي بأنه‪ :‬وعي الأبناء لقيمهم الشخصية ودورهم الهام في الأسرة والمدرسة والحي والمواقف الحياتية الأخرى‪.‬‬
‫وبدون تقدير الذات‪ ،‬لا يقوى الأبناء على عمل ال كثير بما في ذلك الاستقلال الذاتي ومن الاستقلال المشترك‪ .‬ويرتبط تقدير‬
‫الذات بالتصرف بمسؤولية‪ ،‬بواسطة أخلاق مثل‪:‬‬
‫* المحاسبة الذاتية‪ :‬بالتفكير قبل التصرف‪ ،‬واعتبار كافة النتائج المحتملة على‬
‫الجهات المتأثرة بالتصرف‪ ،‬والتخطيط طو يل المدى‪ ،‬والموثوقية بالاعتماد على‬
‫الأبناء والتعو يل عليهم بقول وتصرف المطلوب‪ ،‬وتحمل مسؤولية النتائج‪ ،‬وعدم‬
‫انتحال الأعذار‪ ،‬وعدم لوم الآخرين عند الأخطاء الشخصية‪ ،‬وعدم تجيير‬
‫انجازات الآخرين لصالحهم‪ ،‬ثم بذل الجهد ليكونوا قدوة في تصرفاتهم مع‬
‫الأقران‪.‬‬
‫* السعي الى ال كمال‪ .‬بالاستثمار الأمثل للامكانيات‪ ،‬ومواصلة المحاولة في أداء‬
‫المطلوب وعدم الاستسلام بسهولة‪ ،‬والدقة والحيو ية في التصرف‪.‬‬
‫* الضبط الذاتي للتفكير والميول والتصرفات‪.‬‬
‫عموما يشمل تقدير الذات مجموعة من الابعاد يمكن اجمالها في الخطاطة الموالية‪:‬‬

‫‪ 2-2‬التدرب على قواعد للعيش المشترك‪ :‬و يعني ممارسة المواطنة المدنية من خلال مجموع المواقف والسلوكيات التي تعكس ارتباط‬
‫المواطن(ة) بالفعل‪ ،‬هنا والان‪ ،‬بقيم المشاركة كقناعة‪ ،‬تتبلور إراديا‪ ،‬في حس المسؤولية والالتزام العملي بما تمليه من تشبث بالحقوق‪ ،‬بما في‬
‫ذلك حقوق الغير‪ ،‬وأداء للواجبات تجاه الجماعة والحياة المشتركة‪ ،‬و التربية على المواطنة عملي ة تربو ي ة مقص ودة ته دف إل ى تنمية نم و ش عور‬

‫‪2‬‬
‫الف رد بالانتماـء وال ولاء إل ى مجتمع ه وقيم ه ونظام ه وبيئت ه وثقافت ه‪ ،‬وتروم‬
‫التربية على المواطنة في الوسط المدرسي تنمية كفايات المواطنة التي تدور حول‬
‫مكونات ثلاثة‪ :‬المعارف والقدرات والقيم‪/‬المواقف (معرفة حسن التصرف)‪،‬‬
‫وهذه المكونات الثلاثة متكاملة ومترابطة‪ ،‬و يتم التمييز بينها فقط من أجل‬
‫تفسيرها‪ ،‬وتتعدى المقاربة السياسية الى "خدمة" الوطن والمساهمة في بنائه‪،‬‬
‫ومن قواعد العيش المشترك‪:‬‬
‫• احترام ال كرامة الإنسانية؛‬
‫•احترام التنوع (حقوق الآخرين)؛‬
‫• حر ية التعبير وتقبل الرأي الآخر؛‬
‫• التسامح‪ ،‬التعاون‪ ،‬التضامن؛‬
‫•صيانة المشترك (الطبيعي‪ ،‬المادي‪ ،‬الرمزي‪ /‬الحالي ‪ ،‬العالمي)؛‬
‫• مشاركة الجميع في حياة الجماعة‪.‬‬

‫‪ 2-3‬التدرب على السلوك المدني في سياقات تعلمية ديناميكية‬


‫السلوك المدني يعتمد على حس المواطنة لدينا‪ ،‬وهو يعني على المستوى الفردي‪:‬‬
‫• احترام القوانين والقواعد الجاري بها العمل؛‬
‫• الفعل النشيط المعبر عن الوعي بالواجبات تجاه المجتمع‬
‫و يوضح الجدول الموالي(‪ ) Murray .P, & Dirk. L, 2012‬الأبعاد المهاراتية للتربية على المواطنة في ارتباطها المباشر‬

‫مهارات خاصة(توعية)‬ ‫مهارات عامة (مستعرضة)‬


‫• التفاوض وحل النزاعات بالطرق السلمية(الودية)؛‬ ‫ممارسة التفكير النقدي والتفكير الإبداعي؛‬ ‫•‬
‫• المشاركة الفاعلة في مؤسسات المجتمع المدني؛‬ ‫التمكن من الحكم واتخاذ قرار أو تبني وجهة نظر متوازنة بناء‬ ‫•‬
‫• العيش في بيئة متعددة الثقافات؛‬ ‫على قناعات وفحص نقدي للمعلومات والاستدلال المنطقي؛‬
‫• التعامل مع جميع أنواع الاختلافات بما في ذلك الجنسية‬ ‫الدفاع عن الرأي والموقف؛‬ ‫•‬
‫والاجتماعية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬العرقية‪ ،‬الدينية‪..‬؛‬ ‫حل المشكلات؛‬ ‫•‬
‫• الانخراط النشط والفعال في حماية البيئة؛‬ ‫مهارات الاستفسار؛‬ ‫•‬
‫• الاستهلاك المسؤول والمستدام؛‬ ‫مهارات التواصل ؛‬ ‫•‬
‫• مراقبة القرارات الجماعية والتأثير فيها بما في ذلك معارضتها سلميا‬ ‫مهارات استخدام وسائط بطر يقة نشيطة‬ ‫•‬
‫(المشاركة السياسية)‬
‫بالسلوك المدني‪ ،‬فالنظاـم الترب وي يس عى الى تنمية المهارات وصقلها لتحقيق التوافق الاجتماعي المنشود في افق تأهيل انخراط‬
‫المتعلم في الحياة‪ ،‬والمهارات(القدرات) سواء كان ت حس ية أو حركي ة‪ ،‬هي ناـتجة عملي ة ت دريب يم ر م ن خلالهاـ المتعلم من‬
‫مرحلة اكتساب المعارف إلى مرحل ة اس تخدامها ف ي المواق ف التعليمي ة‪ ،‬والتكيف مــع المواقــف الجديــدة بمهاـر ة عالية‪ ،‬وقيم‬
‫المواطنــة تتطلــب مهاـرات مركبــة مــن التواصل الجيد ومعرفة الحقوق والواجبات‪ ،‬والاستفادة من ذلك في تحلي ل المواق ف‬
‫المختلف ة بشكل عقلاني ومنطقي متقن‪ ،‬سواء في طرح الأفكار أو في تنفيذها‪ .‬او في القدرة العيش في بيئة متنوعة او حل النزاعات‪،‬‬
‫ويمكن ان نميز في المهارات المقصودة بين‪:‬‬

‫‪ -3‬التصر يف الديداكتيكي‪ :‬دورة التعلم في التربية المدنية‬

‫يشكل منهاج "التربية المدنية" خطة عمل بيداغوجية‬


‫متكاملة‪ ،‬تتضمن مدخل ال كفايات والقيم كمرجعية‬
‫بيداغوجية‪ ،‬تنطلق من "ذات المتعلم"‪ ،‬ومن محيطه المباشر‬
‫لتنفتح على باقي المجالات‪ ،‬ومن الناحية الديداكتيكية لا تشكل‬
‫التربية المدنية تجاوز للتربية على المواطنة(السابقة) بقدر ما تمثل‬
‫ترصيد وترسيخ لأهدافها وتوسيع واحتواء لمنهجها وسيرورتها‬
‫التعليمية وبالتالي يندرج درس التربية المدنية في سياق تعلم‬

‫‪3‬‬
‫وظيفي يتغيا تنمية الفعل‪/‬السلوك من خلال ثلاث مراحل مندمجة وذات علاقة تراكمية‪ ،‬تنطلق من الاكتشاف‪/‬المعرفة وتستهدف‬
‫تحفيز الفعل (النشاط‪/‬السلوك) مرورا عبر مرحلة وسيطة تتوخى تكوين الرأي و بناء القناعة الشخصية‪ ،‬بمعنى ثلاث مستويات‬
‫متمايزة ينتقل فيها المتعلم من وضع الاستكشاف وتعرف الموضوع(مفاهيم‪ ،‬أحداث‪ ،‬معطيات‪ ،‬مؤسسات‪ )..‬الى وضع رد الفعل‬
‫ويتجلى من خلال البعد الوجداني في استيعاب الموقف التعليمي والوعي بالأبعاد المتعددة للموضوع (الحقوقية والمدنية‪ )... ،‬في افق‬
‫الالتزام وبناء موقف شخصي‪ ،‬وصولا الى "الفعل" وما يرتبط به من مبادرة الى حل مشكلة او العمل على تنفيذ او تتبع خطة‬
‫للإنجاز‪ ،‬او ابداع تصور‪ ..‬الخ‪ .‬نستخلص ان مسار التدبير الديداكتيكي ينقسم من حيث التطور التربوي (النظري) إلى ثلاث‬
‫خطوات تشكل دورة ديناميكية للتعلم نوضحها في الجدول الموالي‪:‬‬

‫القدرات‬ ‫التجليات‪ /‬العمليات‬ ‫المرحلة‬


‫قدرات معرفية‪ :‬تعرف مفاهيم ‪/‬أحداث‬ ‫هي مرحلة معرفية تنطلق من تمثلات المتعلم في وضعية مسألة تتأسس على ‪:‬‬
‫‪ -‬فهم – ادراك ‪ -‬بحث عن معطيات –‬ ‫• جمع معلومات‪ ،‬والتعرف على مفاهيم ومصطلحات ومعان ووضعها في سياقها؛‬ ‫مرحلة‬
‫تحليل ‪ -‬تركيب – مقارنة‬ ‫الاكتشاف • تحليل أحداث‪ ،‬وتركيب معطيات في اتجاه الوعي والفهم‪ ،‬والتحسيس كمرحلة‬
‫أساس لرد الفعل‪.‬‬
‫• تعميق الوعي‬ ‫• معالجة الموضوع من منظورات‪/‬زوايا مختلفة بما يقود الى طرح تساؤلات نقدية؛‬
‫• بناء إجابات تشكل أرضية لتكوين وبناء رأي معلل يستند الى معرفة بابعاد المشكل‪ • ،‬إعمال الفكر النقدي‬
‫مرحلة تكوين‬
‫القضية‪ ،‬الموقف‪ ،‬المفهوم ‪ ...‬الإنسانية‪ ،‬الاجتماعية‪ ،‬الحقوقية ‪ ...‬كأرضية لبلورة مواقف • بناء اتجاهات ومواقف واعية‬
‫رد الفعل‬
‫وسلوكيات خاصة تقود نحو الالتزام وتشكيل القدرات ال كفيلة بتحقيق العيش المشترك؛‬
‫• اتخاذ‪ /‬تبني القرار الواعي وتأسيس موقف خاص‪.‬‬
‫مرحلة البحث عن مسالك للفعل بشكل ملموس داخل المجتمع‪ ،‬واقتراح حلول للمشكلة‪ • ،‬سلوك مدني مرغوب‪ /‬أعمال مناسبة‬
‫و بحس المسؤولية‬ ‫والعمل على تنفيذها فرديا او جماعيا‪ .‬الفعل‪ ،‬نتاج ومسار‪ ،‬يكسب تجارب جديدة توظف‬
‫• فعل وممارسة والتزام بالحقوق‬ ‫مرحلة الفعل في مشار يع لاحقة‪ .‬الممارسة والالتزام‬
‫والواجبات‪،‬‬
‫• اعمال التفكير الابداعي‬

‫وترتبط بكل مرحلة من المراحل مجموعة من القدرات والمهارات يمكن رصدها كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬مرحلة الاكتشاف‪ :‬باعتبارها مرحلة تحسيسية فهي تنبني على المعرفة‪ ،‬وتشكل المعارف (مفاهيم‪ ،‬نظر يات ‪ )...‬السند الرئيس‬
‫لتنمية مختلف المهارات التي تستجيب وتيسير العيش المشترك‪ ،‬لأ نها المرآة العاكسة لثقافة المجتمع وهويته‪ ،‬وتسهم بالتالي في‬
‫تفعيل قيم المواطنة‪ ،‬وتغذية التماسك الاجتماعي‪ ،‬فالتشبع بالمعرفة التي تنمي ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان‪ ،‬معرفة مركبة‬
‫تنسجم والسعي الى بناء ذات المتعلم (‪ 12 -9‬سنة) في سلك الابتدائي وتحقيق انفتاحها من خلال‪:‬‬
‫• استيعاب مكونات الهو ية المتعددة الروافد وتعرف رموز السيادة المغربية‬
‫• إدراك الذات وتعرف سبل الحفاظ عليها (شروط الصحة والنمو العقلي وادراك الخصوصية ‪)...‬‬
‫• اكتشاف المفاهيم والنظم المرتبطة بالفئة المستهدفة(الطفل)والمرتبطة بالمواطنة وحقوق الانسان والطفل؛‬
‫• استيعاب علاقة الذات(الطفل) بالمحيط حسب المستو يات المتعددة (فضاء المؤسسة‪ ،‬المستوى المحلي‪ ،‬الجهوي‪ ،‬الوطني‬
‫وال كوني) وحسب الأبعاد المتعددة للمواطنة(المواطنة الرقمية‪ -‬المواطنة العالمية– المواطنة الديمقراطية – المواطنة المدنية)؛‬
‫• تقدير الذات في المحيط وإدراك تنوع المجتمع لترسيخ الهو ية (التفتح على اللغة الاماز يغية)؛‬
‫• تقدير الآخر‪ :‬واعتباره رغم اختلافه‪ ،‬والتضامن معه‪ ،‬بما في ذلك تقدير المجموعات ذات الاحتياجات الخاصة؛‬
‫• إدراك الحقوق والواجبات انطلاقا من المحيط القريب في اتجاه الوطن ثم العالم؛‬
‫• تعرف قواعد العيش المشترك وتنظيم الحياة الاجتماعية والاهتمام بالشأن الجماعي وممارسة المواطنة عبر أنشطة منزلية‬
‫ومدرسية بسيطة تشكل مجالا للتطبيق‪ ،‬وتعلم قواعد السلوك المدني وتنميته (داخل القسم وخارجه)‬
‫‪ -2‬رد الفعل‪ /‬الوعي النقدي‪ :‬يتجلى في هذه المرحلة بإعمال الفكر وتأثير المعرفة واشتغال ذات المتعلم بها‪ ،‬وتعكس سعى التربية‬
‫المدنية الى إخراج التصورات للمعارف والقيم والاتجاهات والمهارات ‪ ...‬من اطارها المعرفي والنظري الصرف الى سلوكها‬
‫وممارستها خلال المواقف المعيشة‪ .‬انها مرحلة تجريب تفاعل الذات مع آلاخر في تدرج يستهدف الجانب الوجداني للمتعلم(ة)‪،‬‬
‫وبذلك تنبني التربية على المواطنة على تنمية الذات والجماعة عبر الوعي بالحقوق والمسؤليات واعتماد المعارف في بناء ردود أفعال‬

‫‪4‬‬
‫وسلوكات مبنية ومؤسسة على قناعات‪ .‬كما تتجلى من خلال مجموعة من القدرات التي تبرز استخدام المعارف في اتخاذ قرار أو‬
‫بناء موقف محدد‪ ،‬أو البحث عن زوايا لتناول المشكل المطروح‪ ،‬ومن هذه القدرات كذلك السعي الى بناء أجوبة شخصية عن‬
‫مشكل المطروح‪ ،‬وسيرورات تكوين رأي‪ /‬تبني رأي والاستعداد للحجاج والدفاع عنه‪ ،‬فضلا عن بناء اختيارات مسؤولة‪.‬‬
‫‪ -3‬الفعل‪ /‬الإنجاز ‪ /‬العمل‪ :‬مرحلة تتأسس على مبادرة المتعلم(ة) الى الفعل بشكل ملموس وعملي داخل محيطه(المجتمع) من‬
‫خلال أنشطة‪/‬مشار يع يقوم بالمشاركة في التخطيط لها وتنفيذها وتقويمها(أنشطة الحياة المدرسية‪ .)....‬وليس المقصود بالفعل‬
‫"وضع لائحة توصيات لحل مشكل من طرف آخرين" او مجرد توجيه نصائح (افعل‪/‬لا تفعل – قل‪ /‬لا تقل ‪ )...‬بل جعل‬
‫المتعلمين يبادرون حسب سنهم الى نشاط يعكس استيعابهم و يترجم رد الفعل وتفاعلهم الوجداني مع قضايا التربية المدنية‪،‬‬
‫ويتجلى هذا الفعل من خلال‪:‬‬
‫‪ -‬المشاركة في البحث عن مسالك ملموسة من أجل الفعل بشكل إجرائي؛‬
‫‪ -‬المبادرة الى إ يجاد حلول للمشكلات وتنفيذها فرديا‪ /‬جماعيا؛‬
‫‪ -‬وضع مشار يع وإنجاز أنشطة تخطيطا ‪ /‬تنفيذا‪ /‬تقويما؛‬
‫‪ -‬إبداعات في مجالات متعددة (تحفيز التفكير الإبداعي)‪.‬‬

‫ان هذه المرحلة تمثل حقل الفرص لتحفيز التفكير الإبداعي الذي "يرتبط بحل المشكلات‪ ،‬هذا الارتباط يعني أن الجانب المهاري‬
‫فيهما يقتضي التنظيم و التدريب‪ ،‬وذلك بحكم أن التغكير الإبداعي وحل المشكلات يعدمن متطلبات الحياة المدنية" (مكسي‪ ،2008 ،‬ص‬
‫‪ )59‬ومن خلال " الفعل" يبرز ما يخ تزنه المتعلم من طاقات إبداعية‪ ،‬بما يترجم قدرات المشاركة المواطنة والاستعدادات للتفاعل‬
‫والتأثير في المحيط من خلال سلوك مدني مبني على التشبث بالثوابت الدستور ية للبلاد‪ ،‬واحترام تام لرموزها وقيمها الحضار ية‬
‫المنفتحة‪ ،‬والتمسك بالهو ية بشتى روافدها‪ ،‬والاعتزاز بالانتماء للامة‪ ،‬وادراك الواجبات والحقوق‪ ،‬و التحلي بفضيلة الاجتهاد المثمر‬
‫وروح المبادرة‪ ،‬والوعي بالالتزامات الوطنية‪ ،‬وبالمسؤوليات تجاه الذات والاسرة والمجتمع‪ ،‬والتشبع بقيم التسامح والتضامن‬
‫والتعايش‪(.‬تعر يف السلوك المدني=القانون الاطار لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬المادة ‪)2‬‬

‫التدبير البيداغوجي لمنهاج التر بية المدنية‬ ‫‪-4‬‬

‫يمتاز درس التربية المدنية بمميزات تستدعي اعتباره درسا بمواصفات خاصة وذلك لتداخل وأهدافه المعرفية‪ ،‬الوجدانية‬
‫والسلوكية‪ ،‬إضافة الى المنتظرات منه سواء على المستوى القريب‪ ،‬المتوسط او البعيد(الحياة)‪ ،‬ان التعلم في درس التربية المدنية تعلم‬
‫ينصب على السلوك الاجتماعي والعادات والاتجاهات والقيم‪ ،‬و يتعلق باكتساب أساليب السلوك الذي يتيح للفرد الاندماج‬
‫والتفاعل الاجتماعي‪ ،‬فهو لا يتعلق باكتساب مهارات جسمية وحركية فحسب‪ ،‬بقدر ما يتعلق باكتساب الاتجاهات والقيم‬
‫السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه الفرد و يجعل سلوكه مقبولا (اوزي ‪ ،2015 ،‬ص ‪ ،)28‬فالسلوك المدني المرغوب ينمو ويتطور‬
‫بنمو الذات وتطور المعارف‪ ،‬وديناميته هذه تستدعي استدامته الامر الذي يفرض مراعاة التدبير البيداغوجي الجيد لدرس التربية‬
‫المدنية سواء من حيث تأهيل الفاعل التربوي المعني‪ ،‬وفي المقدمة هناك المدرس(ة) المؤهل والمتسلح بتكوين رصين كفيل بتحقيق‬
‫الأهداف المرجوة‪ ،‬إضافة الى ما يحتاجه تفعيل المنهاج من تدبير جيد للوسائل التعليمية وتأهيل فضاءات التعلم بما يحقق البعد‬
‫الاجرائي العملي لهذا المكون‪ ،‬ويندرج في هذا السياق ضرورة تفعيل التدريس بال كفايات والذي يتجلى من خلال تحقق القدرة‬
‫على الفعل في المواقف المستجدة بتجنيد المتعلم(ة) لمجموع ما اكتسبه وتشربه من مؤهلات وقدرات للتصرف المناسب في مواجهة‬
‫المشكلات‪ ،‬و بتحو يل المعرفة من معرفة خاملة ومخزنة الى معرفة إجرائية فاعلة في الذات وفي المحيط ارتباط بالمحفزات‬
‫الذاتية(الداخلية) و الموضوعية (الخارجية)‪ .‬فالسلوك المدني" من وجهة نظر ديداكتيكية لا يمكن ان يحد هويته الصر يحة أو‬
‫الضمنية إلا من خلال شرطي التربية على القيم و بيداغوجيا ال كفايات‪ ،‬ودعامات هذين الشرطين تبقى رهينة باختيار بيداغوجيا‬
‫التفكير التي تجد في دعامة ال كفايات كل الشروط المساعدة على تمية الفعل السلوكي المدني(مكسي‪ ،2008،‬ص‪ .)53‬فإذا كانت‬
‫"ال كفايات" هي منتظرات من المتعلم خلال مسار تكويني معين‪ ،‬فإن المنتظر من المدرس في سياق سعيه الى بناء كفايات المتعلمين‬
‫هو تهيئ وخلق شروط التعلم والذي لن يتأتى الا بتسليح الممارسة التدريسية بالجوانب النظر ية بما قد يساعد في نجاح أجرأة المنهاج‪.‬‬
‫‪ 4-1‬الاشتغال على "أبعاد التعلم"‪:‬‬
‫يدعو الى استدعاء "أبعاد التعلم" في درس التربية المدنية الطابع الاستراتيجي لهذه المادة واستهدافها تنمية وتعديل سلوك المتعلم‬
‫بشكل مستدام من خلال اكتساب معارف ومواقف ينتظر تصر يفها في محيطه القريب(الاسرة والفصل والمدرسة) والمنفتح على‬
‫الحي والمجتمع (الوطن) بل ويتعدى الى العالم من خلال ترسيخ مواطنة عالمية فاعلة‪ ،‬و يعتبر مفهوم " أبعاد التعلم " من المفاهيم‬
‫‪5‬‬
‫التربو ية الحديثة التي تم تطويرها بهدف تجاوز التلقي السلبي للمعارف وتحفيز تفعيلها وتعزيز انخراط المتعلم في أنشطة التعلم اعدادا‬
‫لاندماجه في المجتمع‪ ،‬ويرجع هذا المفهوم الى البيداغوجي الأمريكي روبرت مارزانو ‪ Robert J. Marzano‬الذي سعى الى مراجعة‬
‫نموذج الأهداف الصنافية وتجاوز مواطن ضعفه‪ ،‬حيث سعى رفقة زميله جون كيندل‪ ,John S. Kendall.‬الى التأسيس "لأبعاد التعلم"‬
‫بما يهدف الى تنمية وتطوير التكامل بين اكتساب المعارف وتعميقها وصقلها بما يطور الاستخدام ذي المعنى لها و يكسب بالتالي‬
‫عادات العقل المنتجة عوض العادات الضعيفة التي تؤدي الى التعلم الضعيف وترسخ العجز عن " التصرف في المواقف المستجدة‬
‫رغم اكتساب المعارف‪ ،‬وتتجلى هذه الأبعاد في‪:‬‬
‫أ‪ -‬الاتجاهات والادراكات الإ يجابية للتعلم‪ :‬وتروم ترسيخ اتجاهات إ يجابية حول موضوع التعلم في افق توليد تفاعل‬
‫إ يجابي من طرف المتعلم (خلق الميول الى موضوع التعلم) حيث ينتظر من المدرس(ة) من خلال الاعتناء بفضاء‬
‫التعلم وتقدير "المهام الصفية" خلق وتطوير مواقف إ يجابية عند المتعلمين(ات) تعزز اقبالهم على التعلم؛‬
‫ب‪ -‬اكتساب وتكامل المعرفة‪ :‬ادراك (المدرس)التكامل بين المعارف وبنائيتها سواء المعارف التقرير ية (‪)Declarative‬‬
‫او الإجرائية (‪ ،)Procedoral‬فالمعارف التقرير ية ناتجة عن فهم مكونات بناء المعرفة (حقائق‪ ،‬مفاهيم‪ ،‬مبادئ‬
‫ونظر يات) وهي ليست جاهزة وانما تبنى كما تبنى المعارف الإجرائية التي تتضمن الاستراتيجيات‪ ،‬المهارات والعمليات‪،‬‬
‫وترتبط بالتجارب والخ برات و يكتسبها المتعلم عند قيامه بعدة عمليات مترابطة في خطوات واضحة؛‬
‫ت‪ -‬تعميق المعرفة وتطويرها‪ :‬و يقصد به الاشتغال بالمعرفة من خلال العمليات العقلية المختلفة من قبيل‪ :‬المقارنة‪ ،‬التصنيف‪،‬‬
‫الاستقراء والاستنباط‪ ،‬تحليل الأخطاء‪ ،‬الحجاج وبناء الدليل المدعم‪ ،‬التجريد‪ ،‬وتحليل وجهة نظر‪ .‬وهي عمليات تروم‬
‫ز يادة المعرفة وصقلها‪.‬‬
‫ث‪ -‬الاستخدام ذي معنى للمعرفة‪ :‬ان اكتساب المتعلم للمعرفة وصقلها ليس هدفا في حد ذاته‪ ،‬بل الهدف هو استخدام‬
‫هذه المعرفة بصورة ذات معنى بالنسبة اليه عند قيامه ببعض المهام المرتبطة بحياته اليومية‪ ،‬أي ان الذي يضفي المعنى‬
‫على المعارف(التعلمات) هو التوظيف عند اتخاذ قرار أو التحقق‪ ،‬او عند ممارسة تقنيات البحث أو حل المشكلات‪،‬‬
‫ويتجلى هذا التوظيف في الابداع و"الاختراع" بتحقيق ما لم يسبق تحقيقه‪.‬‬
‫ج‪ -‬عادات العقل المنتجة‪ :‬يعبر البعد الخامس عن تركيبة (ادماج) كثير من المهارات والمواقف والتجارب الماضية‬
‫والتوجيهات والميول والسعي الى تنمية العادات الإ يجابية للعقل والتي تتجلى من خلال ثلاث عادات رئيسة‪:‬‬
‫• التفكير والتنظيم القائم على تنظيم الذات؛‬
‫• التفكير النقدي؛‬
‫• التعلم الابتكاري‪.‬‬
‫ان استحضار المدرس لهذه الابعاد يعتبر موجها لفعل التدريس اذ تحدد واجهات اشتغال وتؤطر الفعل التدريسي كما تحدد‬
‫ال كفايات المهنية المطلوبة من المدرس فتحقيق البعد الأول المرتبط بالاتجاهات والميول الإ يجابية للتعلم تقتضي من المدرس‬
‫بذل جهده لخلق ظروف التعلم وتهيء شروط ه النفسية وبالتالي تحفيز اقبال المتعلمين ومشاركتهم بتحفيز الحضور الذهني‪،‬‬
‫فالاتجاه حالة ذهنية للاستعداد للفعل‪ ،‬منظمة من خلال الخ برة‪ ،‬تقوم بتأثير توجيهي ودينامي للسلوك‪ ،‬كما أن ادراك تكامل‬
‫المعارف يساعد في تمييز التقريري منها عن الاجرائي و بالتالي يعين في دقة صياغة اهداف التعلم وتخطيط التعلمات وفق ما‬
‫تقتضيه دورة التعلم‪ ،‬بينما يوجه الوعي بالاستخدام الواعي ذي المعنى للمعرفة الى ترسيخ الفعل وتوظيف المعرفة (المفاهيم‪،‬‬
‫القوانيين‪ ،‬الحقوق والواجبات‪ )..‬والسلوكات المرتبطة بها في سياقاتها المناسبة‪ ،‬كما أن من شأن انخراط المتعلم الواعي كفيل‬
‫بتحفيز عادات العقل المنتجة المتسلحة بالتنظيم الذاتي والتفكير النقدي والإبداعي‪.‬‬

‫‪ 4-2‬استهداف التفكير النقدي‪:‬‬


‫فضلا على اعتباره أحد "عادات العقل المنتجة" حسب "مارزانو"‪ ،‬يعتبر التفكير اجمالا والتفكير النقدي‪ ،‬مطلبا تربو يا تلتقي‬
‫عنده كل النماذج البيداغوجية‪ ،‬وتسعى الى ترسيخه نظر يات التعلم على اختلافها‪ ،‬ويقصد بالتفكير النقدي "فن تحليل وتقييم‬
‫ي ذاتي ًا و يقظ يتطلب‬‫ومراقب ذاتيا كذلك‪ ،‬كما أنه تفكير ً تصحيح ً‬
‫ً‬ ‫ومنضبط‬
‫ً‬ ‫عمليات التفكير بهدف تحسينها‪ ،‬إنه تفكير موجه ذاتي ًا‬
‫معايير صارمة للتميز كما أ نه يستلزم التواصل الفعال وقدرات حل المشكلات‪ ،‬بالإضافة إلى الالتزام بالتغلب على الأنانية الأصلية‬
‫والتركيز الاجتماعي‪ .‬إنه يعزز الشخصية والحساسيات الأخلاقية للشخص المتفاني من خلال التنشئة الصر يحة للفضائل الفكر ية"‬
‫(‪ ( RICHARD PAUL and LINDA ELDER, 2020- p 9‬وتنمية التفكير النقدي في درس التربية المدنية وغيرها يقتضي استدراج‬
‫المتعلم ل استخدام المتعلم معرفة الافتراضات‪ ،‬والتفسير‪ ،‬وتقويم الأدلة‪ ،‬والاستنباط والاستنتاج في مواقف معينة‪ .‬وتهييئ الظروف‬
‫‪6‬‬
‫الملائمة التي تمكنه من الوصول إلى استنتاجات وقرارات صحيحة‪ ،‬مبررة ومدعومة بأدلة مقبولة‪ ،‬وتسليحه بما يمكنه من الاختيار‬
‫والحجاج والدفاع على رأيه وموقفه‪.‬‬

‫‪ 4-3‬تنمية واستدامة "التعلم النشط"‪:‬‬

‫تستهدف التربية المدنية تنمية ذات المتعلم والارتقاء بعلاقته مع الاخرين في المجتمع‪ ،‬كما تتغيا الادماج الاجتماعي‬
‫واستدامة توازنه واستقراره‪ ،‬وهي الأهداف التي لن تتحقق بالطرق البيداغوجية التلقينية المتمركزة حول المعارف وحول شخص‬
‫"الملقن"‪ ،‬بل تتطلب ديناميكية تعليمية تستهدف "التعلم النشط" والذي يقصد به "عملية الاحتواء النشط للمتعلم في الموقف‬
‫التعليمي والتي تتطلب منه الحركة والآداء والمشاركة الفعالة تحت توجيه واشراف المدرس" أي ذلك التعلم النشط الذي‬
‫يقوم على الفعل وليس على السمع والملاحظة‪ ،‬فالمتعلمون هم الفاعلون ف ي البيداغوجيا فما يتعلمونه يظهر في جزء كبير من‬
‫النشاط الذي يقومون به بأنفسهم‪ ،‬و تتبلور أطروحة "التعلم النشط" حول مبادئ تقوم على أن الفرد يتعلم أحسن اذا ما‪:‬‬
‫▪ انخرط شخصيا في الفعل بمعنى فكر واكتشف بنفسه وجرب حلولا؛‬
‫شيد معرفته بنفسه وهو يواجه مشكلا أو إذا توفرت له المناسبة ليكتشف بنفسه (طر يقة الاكتشاف)؛‬ ‫َّ‬ ‫▪‬
‫▪ إذا شعر بانه معنيا‪ ،‬مورطا ثم محفزا أو متحديا وليس فقط مهتما فكر يا؛‬
‫▪ إذا كان مشاركا في مجموعة لأننا نتعلم بسهولة مع الجماعة وبشكل خاص أمور الحياة الاجتماعية (المهارات المرنة =‬
‫الذكاء العاطفي)؛ (هاروشي‪ ،‬ص ‪)113‬‬
‫ان هذه الدينامية التعلمية تفرض على الفعل التدريسي تحديات تهيئ "الحالة الذهنية" للمتعلم وال كفيلة بخلق الاتجاهات الإ يجابية‬
‫للتعلم وتنميتها وتحفيز الانخراط والمبادرة‪ ،‬بما يستدعي استعمال جميع التقنيات والأدوات التربو ية التي تشجع المشاركة الإ يجابية‬
‫للمتعلمين‪/‬الأطفال‪ :‬دراسة الحالات‪ ،‬الدراما التعليمية‪ ،‬لغة الصورة‪ ،‬تقنيات البحث عن الأفكار‪ ،‬بيداغوجيا المشروع‪،‬‬
‫بيداغوجية التعاون‪ ،‬إجراءات حل المشاكل‪ ،‬النقاش الديمقراطي‪ ...،‬الخ‪ .‬ويستحب استخدام تقنيتي لعبة الأدوار ومعالجة‬
‫المعضلات الأخلاقية باعتبارهما تقنيتين تسمحان بضمان تعلم أمثل في مجال حقوق الإنسان‪ .‬فضلا عن ذلك‪ ،‬لا ينبغي على‬
‫المدرس(ة) أن ينسى أن" بيداغوجيا اللعب" وما تعكسه من تفاعل جماعي كفيلة بأن تيسر استيعاب الأطفال للتفاعلات‬
‫الاجتماعية المركبة ناهيك عن فرص التعامل المشترك مع الاخر والاعتراف به والتضامن معه‪.‬‬

‫مراجع‪:‬‬
‫القانون الاطار رقم ‪ 51-17‬المتعلق بمنظومة التربية و التكوين و البحث العلمي‪ .‬غشت‪2019‬‬ ‫•‬
‫وزارة التربية الوطنية‪ ،‬الكتاب الأبيض ‪ ،2000‬الجزء ‪ /2‬منهاج سلك الابتدائي‪.‬‬ ‫•‬
‫نورة الزرهوني وآخرون‪ ،‬الكتاب المدرسي الجديد في الاجتماعيات "دليل الأستاذ" ‪ -‬السنة الخامسة ابتدائي‪ ،‬دار نشر المعرفة‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ،‬طبعة ‪2020‬‬ ‫•‬
‫المجلس الأعلى للتعليم ‪"،‬المدرسة المغربية والتربية على القيم في مجتمع قيد التحول" – دفاتر التربية والتكوين – العدد ‪ –5‬شتنبر ‪2011‬‬ ‫•‬
‫تعليم المواطنة وحقوق الانسان‪ -‬دليل لشباب المغرب‪ ،‬سلسلة منشورات اليونسكو‪ -‬الشباب و المشاركة الديموقراطية‪ -‬اليونسكو ‪ – 2015‬مكتب الرباط‬ ‫•‬
‫خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الانسان‪ ،2021-2018‬حكومة الممل كة المغربية ‪ ،‬دجنبر ‪2017‬‬ ‫•‬
‫محمد مكسي " ديداكتيك السلوك المدني" طوب ايديسيون ‪ -‬الدار البيضاء ‪2008‬‬ ‫•‬
‫أحمد أوزي ‪ ،‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪ ،‬الدار البيضاء‪2006 ،‬‬ ‫•‬
‫أحمد اوزي‪ ، 2015 ،‬التعليم والتعلم الفعال ‪ :‬نحو بيداغوجيا فعالة منفتحة على الاكتشافات العلمية الحديثة حول الدماغ‪ ،‬منشورات مجلة علوم التربية‬ ‫•‬
‫(العدد‪ ، )39‬مطبعة النجاح الجديدة ‪ ،‬البيضاء‪.‬‬
‫عبد الرحيم هاروشي‪ ،2004 ،‬بيداغوجيا ال كفايات‪ ،‬ترجمة الحسن اللحية و عبد الاله شر ياط‪ ،‬نشر الفنك ‪ ،‬الدار البيضاء‬ ‫•‬
‫جوردن مارشال( ‪)2000‬موسوعة علم الاجتماع‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد الجوهري وآخرون‪ ،‬المجلس الأعلى للثقافة ‪ -‬المشروع القومي للترجمة ‪ ،‬القاهرة‬ ‫•‬
‫محمد ز ياد حمدان‪ ،‬تربية الأبناء في القرن ‪ 21‬ربية هو ياتهم الخلقية بالمعرفة والقيم والاستقلال المشترك (اطلاع بتاريخ ‪-11 -20‬‬ ‫•‬
‫‪)http://www.hamdaneducation.com/arabic/articles2/67.htm()2021‬‬
‫‪• Murray Print , Dirk Lange ,Schools ,Curriculum and Civic Education for Building Democratic Citizens ,Sense‬‬
‫‪Publishers Rotterdam ,The Netherlands2012‬‬
‫‪• Nathaniel Branden in : Christopher J. Mruk ,2006 Self-Esteem Research, Theory, and Practice: Toward a Positive‬‬
‫‪Psychology of Self-Esteem, 3d edition‬‬
‫‪• RICHARD PAUL and LINDA ELDER, 2020 The Miniature Guide to Critical Thinking Concepts and Tools - ed 8‬‬ ‫‪,‬‬
‫‪ROWMAN & LITTLEFIELD, London‬‬
‫‪• Robert J. Marzano & John S. Kendall -THE NEW TAXONOMY OF EDUCATIONAL OBJECTIVES‬‬
‫‪• Haynes Bruce ,Patriotism and Citizenship Education Wiley-Blackwell, London 2010‬‬

‫‪7‬‬

You might also like