Professional Documents
Culture Documents
تقديم
تفتقد "التربية المدنية" كمادة دراسية الى مرجعية ديداكتيكية مستقلة تسند وضعها في المنهاج ،إلا أن مشروعيتها التربو ية
تتأسس على استهدافها “تهيئ" واعداد النشء لممارسة اجتماعية مركبة تتخطى الجوانب المعرفية الى تكوين الانسان/المواطن ،لذلك
فان لم يكن للمادة وضع ابستمولوجي خاص سواء من حيث الموضوع او من حيث المنهج ،فوضعها في المنهاج تفرضه الأهداف
الرامية الى تكوين "مواطن" مسؤول ومشارك في تدبير شؤون البلد ،متمكن من معرفة قانونية ،حقوقية ،مؤسساتية ،فالرهان في
هذه المادة مزدوج بين تنمية الذات وضمان استدامة المجتمع ،وهو ذات الرهان الذي على المدرسة بل وعلى "التربية" في عموم
غاياتها ،فاذا كانت باقي المواد الدراسية تجد لها من المحفزات وخلق الاتجاهات الإ يجابية في تعلمها والاقبال عليها الى ما يرتبط
بالإعداد لممارسة "مهنة " او حرفة في المستقبل ،فإن التربية المدنية تتعدى ذلك الى تنمية ذات المتعلم والاسهام في بناء الانسان
الفاعل والمواطن اليقظ من خلال استهداف ال وعي بالحقوق والمسؤوليات الفردية والجماعية والتدرب على ممارستها من أجل بناء
شخصية ذات هو ية حضار ية ،وقيم ومبادئ دينية وأخلاقية ،وقيم مواطنة فاعلة ،إذ تنهل "التربية المدنية" مما تراكم مع مادة "التربية
على المواطنة" من مكتسبات وتواصل رسالة إرساء ثقافة الحقوق والواجبات وتعزيز تقدير الذات سعيا الى تنمية السلوك المدني
وترسيخه من خلال موضوعها المتميز والذي يتمحور حول محو ين رئيسين هما:
• تنمية الفرد/المتعلم في ذاته وفي علاقته مع الاخرين في افق خلق التوافق والادماج الاجتماعي بما يضمن الاستقرار
والاستمرار ية والنمو المتوازن لكل أعضاء المجتمع.
• تحفيز السلوك المدني المسؤول المبني على التشبث بالثوابت الدستور ية للبلاد ،واحترام تام لرموزها وقيمها الحضار ية المنفتحة،
والتمسك بالهو ية بشتى روافدها ،والاعتزاز بالانتماء للامة ،وادراك الواجبات والحقوق ،والتحلي بفضيلة الاجتهاد المثمر
وروح المبادرة ،والوعي بالالتزامات الوطنية ،وبالمسؤوليات تجاه الذات والاسرة والمجتمع ،والتشبع بقيم التسامح والتضامن
والتعايش ( تعر يف السلوك المدني حسب القانون الاطار لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي المادة .)2
تبرز "التربية المدنية"كتربية "وظيفية" و"مادة تعليمية" إستراتيجية تسعى الى تنمية الإحساس بالمصلحة العامة واحترام
القوانين وحقوق الإنسان ،وتروم تكوين المتعلم(ة) تكوينا اجتماعيا وحضار يا ،بما يؤهله للعيش كمواطن صالح ،يشعر بمسؤوليته،
و يكون واعيا بالتزاماته ،كعضو كامل الحقوق في المجتمع الذي يساهم في بنائه ،فاذا كانت "التربية على المواطنة" -في السابق -قد
استهدفت تحفيز القيام بالواجبات الوطنية وتهيئة ظروف المشاركة المواطنة ،فان التربية المدنية في المنهاج الجديد تسعى الى ترسيخ
ثقافة تلائم الجيل الجديد ،من خلال تصور أشمل ي سعى الى التشبع بقيم حقوق الانسان وترسيخ قيم المواطنة وإشاعة السلوك المدني
وبذلك يتضمن برنامج التربية المدنية توسيع لفرص التنشئة الاجتماعية في المدرسة المغربية ووسيلة لتحقيق الهدف الاسمى والمتمثل
في "الارتقاء بالفرد وتقدم المجتمع" في ظل سياق الإصلاح الذي تعرفه المنظومة التربو ية والرامي حسب القانون الاطار الى "اعتماد
نموذج بيداغوجي موجه نحو الذكاء ،يطور الحس النقدي وينمي الانفتاح والابتكار ويربي على المواطنة والقيم ال كونية" ،وبذلك يتشكل
برنامج مادة التربية المدنية من توليفة من قيم ومعارف وممارسات/سلوكات تنطل ق من ذات المتعلم وتدور في فلك المفاهيم والقيم
الأساسية للمجتمع الديمقراطي الحديث وتهدف حفظ الحقوق والحر يات ،والمشاركة الفاعلة ،واحترام الآخر والإقرار بوجوده،
والتعرف إلى أدوار ومسؤوليات المجتمع المدني والسياسي والسعي الى تدبير الاختلاف بالطرق المدنية .إنها اهداف طموحة تستحث
جهود الجميع لمواجهة السلوك اللامدني الذي أصبح متغلغلا في مختلف مجالات الحياة والذي لا يعكس حقيقة التطور الحضاري
الذي بلغته البلاد والطموح لتحقيق الأفضل .و لتحقيق هذه الغاية يتأسس برنامج المادة في المرحلة الابتدائية على كفاية أساسية يتم
تصر يفها في السنوات الثلاثة من الطور الثاني من التعليم الابتدائي(الرابع ،الخامس و السادس) ومضمونها حسب وثيقة منهاج
الابتدائي (الصيغة النهائية -يوليوز .2021ص :)446تنمية تقدير الذات ،والتدرب على قواعد العيش المشترك ،والسلوك المدني
وهذا ما يحيل الى اعتبار ابعاد ثلاثة لل كفاية يمكن ايجازها كالتالي :
1
بعد معرفي :أي الموضوع ،و يتمثل في تنمية تقدير الذات ،والعيش المشترك ،والسلوك المدني في سياقات تعلمية ديناميكية؛ •
بعد منهجي :تتمثل في استراتيجية الدرس من خلال "دورة للتعلم" تقوم •
على ثلاث عمليات مندمجة و متكاملة تشمل مرحلة الاكتشاف ،مرحلة
بناء رد الفعل ثم مرحلة الفعل والممارسة؛
بعد بيداغوجي :من خلال محددات تهدف خلق شروط التعلم وتفعيل •
"دورة التعلم".
وتتأسس ال كفاية الأساس على مجموعة من القدرات:
• تنمية قدرات الشخصية لتعزيز الاستقلالية
• تنمية قدرات مرتبطة بالحياة الاجتماعية
• تنمية قدرات مرتبطة بالمشاركة المواطنة
وحسب عالم النفس الأمريكي" أبراهام ماسلو ”Mslow Abrahamيطابق تقدير الذات المستوى الرابع من الحاجيات
و يعنى :اكتساب احترام الفرد لنفسه واحترام الاخرين له – و يليه حسب هرم الحاجيات الذي اقترحه المستوى الخامس والمتمثل
في تحقيق الذات(موسوعة علم الاجتماع ،ص ) 391وقد عرف عنه قوله " :على المرء أن يسعى لأن يصبح ما تؤهله له إمكاناته
أن يكون ،فالإنسان ينبغي ان يكون متسقا مع سجيته".
و يعتبره البيداغوجي السوري "محمد ز ياد حمدان"(علم النفس التربوي) بأنه أحد القيم المؤسسة لقيمة " الاستقلال المشترك" حيث
يعرف التقدير الذاتي بأنه :وعي الأبناء لقيمهم الشخصية ودورهم الهام في الأسرة والمدرسة والحي والمواقف الحياتية الأخرى.
وبدون تقدير الذات ،لا يقوى الأبناء على عمل ال كثير بما في ذلك الاستقلال الذاتي ومن الاستقلال المشترك .ويرتبط تقدير
الذات بالتصرف بمسؤولية ،بواسطة أخلاق مثل:
* المحاسبة الذاتية :بالتفكير قبل التصرف ،واعتبار كافة النتائج المحتملة على
الجهات المتأثرة بالتصرف ،والتخطيط طو يل المدى ،والموثوقية بالاعتماد على
الأبناء والتعو يل عليهم بقول وتصرف المطلوب ،وتحمل مسؤولية النتائج ،وعدم
انتحال الأعذار ،وعدم لوم الآخرين عند الأخطاء الشخصية ،وعدم تجيير
انجازات الآخرين لصالحهم ،ثم بذل الجهد ليكونوا قدوة في تصرفاتهم مع
الأقران.
* السعي الى ال كمال .بالاستثمار الأمثل للامكانيات ،ومواصلة المحاولة في أداء
المطلوب وعدم الاستسلام بسهولة ،والدقة والحيو ية في التصرف.
* الضبط الذاتي للتفكير والميول والتصرفات.
عموما يشمل تقدير الذات مجموعة من الابعاد يمكن اجمالها في الخطاطة الموالية:
2-2التدرب على قواعد للعيش المشترك :و يعني ممارسة المواطنة المدنية من خلال مجموع المواقف والسلوكيات التي تعكس ارتباط
المواطن(ة) بالفعل ،هنا والان ،بقيم المشاركة كقناعة ،تتبلور إراديا ،في حس المسؤولية والالتزام العملي بما تمليه من تشبث بالحقوق ،بما في
ذلك حقوق الغير ،وأداء للواجبات تجاه الجماعة والحياة المشتركة ،و التربية على المواطنة عملي ة تربو ي ة مقص ودة ته دف إل ى تنمية نم و ش عور
2
الف رد بالانتماـء وال ولاء إل ى مجتمع ه وقيم ه ونظام ه وبيئت ه وثقافت ه ،وتروم
التربية على المواطنة في الوسط المدرسي تنمية كفايات المواطنة التي تدور حول
مكونات ثلاثة :المعارف والقدرات والقيم/المواقف (معرفة حسن التصرف)،
وهذه المكونات الثلاثة متكاملة ومترابطة ،و يتم التمييز بينها فقط من أجل
تفسيرها ،وتتعدى المقاربة السياسية الى "خدمة" الوطن والمساهمة في بنائه،
ومن قواعد العيش المشترك:
• احترام ال كرامة الإنسانية؛
•احترام التنوع (حقوق الآخرين)؛
• حر ية التعبير وتقبل الرأي الآخر؛
• التسامح ،التعاون ،التضامن؛
•صيانة المشترك (الطبيعي ،المادي ،الرمزي /الحالي ،العالمي)؛
• مشاركة الجميع في حياة الجماعة.
3
وظيفي يتغيا تنمية الفعل/السلوك من خلال ثلاث مراحل مندمجة وذات علاقة تراكمية ،تنطلق من الاكتشاف/المعرفة وتستهدف
تحفيز الفعل (النشاط/السلوك) مرورا عبر مرحلة وسيطة تتوخى تكوين الرأي و بناء القناعة الشخصية ،بمعنى ثلاث مستويات
متمايزة ينتقل فيها المتعلم من وضع الاستكشاف وتعرف الموضوع(مفاهيم ،أحداث ،معطيات ،مؤسسات )..الى وضع رد الفعل
ويتجلى من خلال البعد الوجداني في استيعاب الموقف التعليمي والوعي بالأبعاد المتعددة للموضوع (الحقوقية والمدنية )... ،في افق
الالتزام وبناء موقف شخصي ،وصولا الى "الفعل" وما يرتبط به من مبادرة الى حل مشكلة او العمل على تنفيذ او تتبع خطة
للإنجاز ،او ابداع تصور ..الخ .نستخلص ان مسار التدبير الديداكتيكي ينقسم من حيث التطور التربوي (النظري) إلى ثلاث
خطوات تشكل دورة ديناميكية للتعلم نوضحها في الجدول الموالي:
وترتبط بكل مرحلة من المراحل مجموعة من القدرات والمهارات يمكن رصدها كالتالي:
-1مرحلة الاكتشاف :باعتبارها مرحلة تحسيسية فهي تنبني على المعرفة ،وتشكل المعارف (مفاهيم ،نظر يات )...السند الرئيس
لتنمية مختلف المهارات التي تستجيب وتيسير العيش المشترك ،لأ نها المرآة العاكسة لثقافة المجتمع وهويته ،وتسهم بالتالي في
تفعيل قيم المواطنة ،وتغذية التماسك الاجتماعي ،فالتشبع بالمعرفة التي تنمي ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان ،معرفة مركبة
تنسجم والسعي الى بناء ذات المتعلم ( 12 -9سنة) في سلك الابتدائي وتحقيق انفتاحها من خلال:
• استيعاب مكونات الهو ية المتعددة الروافد وتعرف رموز السيادة المغربية
• إدراك الذات وتعرف سبل الحفاظ عليها (شروط الصحة والنمو العقلي وادراك الخصوصية )...
• اكتشاف المفاهيم والنظم المرتبطة بالفئة المستهدفة(الطفل)والمرتبطة بالمواطنة وحقوق الانسان والطفل؛
• استيعاب علاقة الذات(الطفل) بالمحيط حسب المستو يات المتعددة (فضاء المؤسسة ،المستوى المحلي ،الجهوي ،الوطني
وال كوني) وحسب الأبعاد المتعددة للمواطنة(المواطنة الرقمية -المواطنة العالمية– المواطنة الديمقراطية – المواطنة المدنية)؛
• تقدير الذات في المحيط وإدراك تنوع المجتمع لترسيخ الهو ية (التفتح على اللغة الاماز يغية)؛
• تقدير الآخر :واعتباره رغم اختلافه ،والتضامن معه ،بما في ذلك تقدير المجموعات ذات الاحتياجات الخاصة؛
• إدراك الحقوق والواجبات انطلاقا من المحيط القريب في اتجاه الوطن ثم العالم؛
• تعرف قواعد العيش المشترك وتنظيم الحياة الاجتماعية والاهتمام بالشأن الجماعي وممارسة المواطنة عبر أنشطة منزلية
ومدرسية بسيطة تشكل مجالا للتطبيق ،وتعلم قواعد السلوك المدني وتنميته (داخل القسم وخارجه)
-2رد الفعل /الوعي النقدي :يتجلى في هذه المرحلة بإعمال الفكر وتأثير المعرفة واشتغال ذات المتعلم بها ،وتعكس سعى التربية
المدنية الى إخراج التصورات للمعارف والقيم والاتجاهات والمهارات ...من اطارها المعرفي والنظري الصرف الى سلوكها
وممارستها خلال المواقف المعيشة .انها مرحلة تجريب تفاعل الذات مع آلاخر في تدرج يستهدف الجانب الوجداني للمتعلم(ة)،
وبذلك تنبني التربية على المواطنة على تنمية الذات والجماعة عبر الوعي بالحقوق والمسؤليات واعتماد المعارف في بناء ردود أفعال
4
وسلوكات مبنية ومؤسسة على قناعات .كما تتجلى من خلال مجموعة من القدرات التي تبرز استخدام المعارف في اتخاذ قرار أو
بناء موقف محدد ،أو البحث عن زوايا لتناول المشكل المطروح ،ومن هذه القدرات كذلك السعي الى بناء أجوبة شخصية عن
مشكل المطروح ،وسيرورات تكوين رأي /تبني رأي والاستعداد للحجاج والدفاع عنه ،فضلا عن بناء اختيارات مسؤولة.
-3الفعل /الإنجاز /العمل :مرحلة تتأسس على مبادرة المتعلم(ة) الى الفعل بشكل ملموس وعملي داخل محيطه(المجتمع) من
خلال أنشطة/مشار يع يقوم بالمشاركة في التخطيط لها وتنفيذها وتقويمها(أنشطة الحياة المدرسية .)....وليس المقصود بالفعل
"وضع لائحة توصيات لحل مشكل من طرف آخرين" او مجرد توجيه نصائح (افعل/لا تفعل – قل /لا تقل )...بل جعل
المتعلمين يبادرون حسب سنهم الى نشاط يعكس استيعابهم و يترجم رد الفعل وتفاعلهم الوجداني مع قضايا التربية المدنية،
ويتجلى هذا الفعل من خلال:
-المشاركة في البحث عن مسالك ملموسة من أجل الفعل بشكل إجرائي؛
-المبادرة الى إ يجاد حلول للمشكلات وتنفيذها فرديا /جماعيا؛
-وضع مشار يع وإنجاز أنشطة تخطيطا /تنفيذا /تقويما؛
-إبداعات في مجالات متعددة (تحفيز التفكير الإبداعي).
ان هذه المرحلة تمثل حقل الفرص لتحفيز التفكير الإبداعي الذي "يرتبط بحل المشكلات ،هذا الارتباط يعني أن الجانب المهاري
فيهما يقتضي التنظيم و التدريب ،وذلك بحكم أن التغكير الإبداعي وحل المشكلات يعدمن متطلبات الحياة المدنية" (مكسي ،2008 ،ص
)59ومن خلال " الفعل" يبرز ما يخ تزنه المتعلم من طاقات إبداعية ،بما يترجم قدرات المشاركة المواطنة والاستعدادات للتفاعل
والتأثير في المحيط من خلال سلوك مدني مبني على التشبث بالثوابت الدستور ية للبلاد ،واحترام تام لرموزها وقيمها الحضار ية
المنفتحة ،والتمسك بالهو ية بشتى روافدها ،والاعتزاز بالانتماء للامة ،وادراك الواجبات والحقوق ،و التحلي بفضيلة الاجتهاد المثمر
وروح المبادرة ،والوعي بالالتزامات الوطنية ،وبالمسؤوليات تجاه الذات والاسرة والمجتمع ،والتشبع بقيم التسامح والتضامن
والتعايش(.تعر يف السلوك المدني=القانون الاطار لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ،المادة )2
يمتاز درس التربية المدنية بمميزات تستدعي اعتباره درسا بمواصفات خاصة وذلك لتداخل وأهدافه المعرفية ،الوجدانية
والسلوكية ،إضافة الى المنتظرات منه سواء على المستوى القريب ،المتوسط او البعيد(الحياة) ،ان التعلم في درس التربية المدنية تعلم
ينصب على السلوك الاجتماعي والعادات والاتجاهات والقيم ،و يتعلق باكتساب أساليب السلوك الذي يتيح للفرد الاندماج
والتفاعل الاجتماعي ،فهو لا يتعلق باكتساب مهارات جسمية وحركية فحسب ،بقدر ما يتعلق باكتساب الاتجاهات والقيم
السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه الفرد و يجعل سلوكه مقبولا (اوزي ،2015 ،ص ،)28فالسلوك المدني المرغوب ينمو ويتطور
بنمو الذات وتطور المعارف ،وديناميته هذه تستدعي استدامته الامر الذي يفرض مراعاة التدبير البيداغوجي الجيد لدرس التربية
المدنية سواء من حيث تأهيل الفاعل التربوي المعني ،وفي المقدمة هناك المدرس(ة) المؤهل والمتسلح بتكوين رصين كفيل بتحقيق
الأهداف المرجوة ،إضافة الى ما يحتاجه تفعيل المنهاج من تدبير جيد للوسائل التعليمية وتأهيل فضاءات التعلم بما يحقق البعد
الاجرائي العملي لهذا المكون ،ويندرج في هذا السياق ضرورة تفعيل التدريس بال كفايات والذي يتجلى من خلال تحقق القدرة
على الفعل في المواقف المستجدة بتجنيد المتعلم(ة) لمجموع ما اكتسبه وتشربه من مؤهلات وقدرات للتصرف المناسب في مواجهة
المشكلات ،و بتحو يل المعرفة من معرفة خاملة ومخزنة الى معرفة إجرائية فاعلة في الذات وفي المحيط ارتباط بالمحفزات
الذاتية(الداخلية) و الموضوعية (الخارجية) .فالسلوك المدني" من وجهة نظر ديداكتيكية لا يمكن ان يحد هويته الصر يحة أو
الضمنية إلا من خلال شرطي التربية على القيم و بيداغوجيا ال كفايات ،ودعامات هذين الشرطين تبقى رهينة باختيار بيداغوجيا
التفكير التي تجد في دعامة ال كفايات كل الشروط المساعدة على تمية الفعل السلوكي المدني(مكسي ،2008،ص .)53فإذا كانت
"ال كفايات" هي منتظرات من المتعلم خلال مسار تكويني معين ،فإن المنتظر من المدرس في سياق سعيه الى بناء كفايات المتعلمين
هو تهيئ وخلق شروط التعلم والذي لن يتأتى الا بتسليح الممارسة التدريسية بالجوانب النظر ية بما قد يساعد في نجاح أجرأة المنهاج.
4-1الاشتغال على "أبعاد التعلم":
يدعو الى استدعاء "أبعاد التعلم" في درس التربية المدنية الطابع الاستراتيجي لهذه المادة واستهدافها تنمية وتعديل سلوك المتعلم
بشكل مستدام من خلال اكتساب معارف ومواقف ينتظر تصر يفها في محيطه القريب(الاسرة والفصل والمدرسة) والمنفتح على
الحي والمجتمع (الوطن) بل ويتعدى الى العالم من خلال ترسيخ مواطنة عالمية فاعلة ،و يعتبر مفهوم " أبعاد التعلم " من المفاهيم
5
التربو ية الحديثة التي تم تطويرها بهدف تجاوز التلقي السلبي للمعارف وتحفيز تفعيلها وتعزيز انخراط المتعلم في أنشطة التعلم اعدادا
لاندماجه في المجتمع ،ويرجع هذا المفهوم الى البيداغوجي الأمريكي روبرت مارزانو Robert J. Marzanoالذي سعى الى مراجعة
نموذج الأهداف الصنافية وتجاوز مواطن ضعفه ،حيث سعى رفقة زميله جون كيندل ,John S. Kendall.الى التأسيس "لأبعاد التعلم"
بما يهدف الى تنمية وتطوير التكامل بين اكتساب المعارف وتعميقها وصقلها بما يطور الاستخدام ذي المعنى لها و يكسب بالتالي
عادات العقل المنتجة عوض العادات الضعيفة التي تؤدي الى التعلم الضعيف وترسخ العجز عن " التصرف في المواقف المستجدة
رغم اكتساب المعارف ،وتتجلى هذه الأبعاد في:
أ -الاتجاهات والادراكات الإ يجابية للتعلم :وتروم ترسيخ اتجاهات إ يجابية حول موضوع التعلم في افق توليد تفاعل
إ يجابي من طرف المتعلم (خلق الميول الى موضوع التعلم) حيث ينتظر من المدرس(ة) من خلال الاعتناء بفضاء
التعلم وتقدير "المهام الصفية" خلق وتطوير مواقف إ يجابية عند المتعلمين(ات) تعزز اقبالهم على التعلم؛
ب -اكتساب وتكامل المعرفة :ادراك (المدرس)التكامل بين المعارف وبنائيتها سواء المعارف التقرير ية ()Declarative
او الإجرائية ( ،)Procedoralفالمعارف التقرير ية ناتجة عن فهم مكونات بناء المعرفة (حقائق ،مفاهيم ،مبادئ
ونظر يات) وهي ليست جاهزة وانما تبنى كما تبنى المعارف الإجرائية التي تتضمن الاستراتيجيات ،المهارات والعمليات،
وترتبط بالتجارب والخ برات و يكتسبها المتعلم عند قيامه بعدة عمليات مترابطة في خطوات واضحة؛
ت -تعميق المعرفة وتطويرها :و يقصد به الاشتغال بالمعرفة من خلال العمليات العقلية المختلفة من قبيل :المقارنة ،التصنيف،
الاستقراء والاستنباط ،تحليل الأخطاء ،الحجاج وبناء الدليل المدعم ،التجريد ،وتحليل وجهة نظر .وهي عمليات تروم
ز يادة المعرفة وصقلها.
ث -الاستخدام ذي معنى للمعرفة :ان اكتساب المتعلم للمعرفة وصقلها ليس هدفا في حد ذاته ،بل الهدف هو استخدام
هذه المعرفة بصورة ذات معنى بالنسبة اليه عند قيامه ببعض المهام المرتبطة بحياته اليومية ،أي ان الذي يضفي المعنى
على المعارف(التعلمات) هو التوظيف عند اتخاذ قرار أو التحقق ،او عند ممارسة تقنيات البحث أو حل المشكلات،
ويتجلى هذا التوظيف في الابداع و"الاختراع" بتحقيق ما لم يسبق تحقيقه.
ج -عادات العقل المنتجة :يعبر البعد الخامس عن تركيبة (ادماج) كثير من المهارات والمواقف والتجارب الماضية
والتوجيهات والميول والسعي الى تنمية العادات الإ يجابية للعقل والتي تتجلى من خلال ثلاث عادات رئيسة:
• التفكير والتنظيم القائم على تنظيم الذات؛
• التفكير النقدي؛
• التعلم الابتكاري.
ان استحضار المدرس لهذه الابعاد يعتبر موجها لفعل التدريس اذ تحدد واجهات اشتغال وتؤطر الفعل التدريسي كما تحدد
ال كفايات المهنية المطلوبة من المدرس فتحقيق البعد الأول المرتبط بالاتجاهات والميول الإ يجابية للتعلم تقتضي من المدرس
بذل جهده لخلق ظروف التعلم وتهيء شروط ه النفسية وبالتالي تحفيز اقبال المتعلمين ومشاركتهم بتحفيز الحضور الذهني،
فالاتجاه حالة ذهنية للاستعداد للفعل ،منظمة من خلال الخ برة ،تقوم بتأثير توجيهي ودينامي للسلوك ،كما أن ادراك تكامل
المعارف يساعد في تمييز التقريري منها عن الاجرائي و بالتالي يعين في دقة صياغة اهداف التعلم وتخطيط التعلمات وفق ما
تقتضيه دورة التعلم ،بينما يوجه الوعي بالاستخدام الواعي ذي المعنى للمعرفة الى ترسيخ الفعل وتوظيف المعرفة (المفاهيم،
القوانيين ،الحقوق والواجبات )..والسلوكات المرتبطة بها في سياقاتها المناسبة ،كما أن من شأن انخراط المتعلم الواعي كفيل
بتحفيز عادات العقل المنتجة المتسلحة بالتنظيم الذاتي والتفكير النقدي والإبداعي.
تستهدف التربية المدنية تنمية ذات المتعلم والارتقاء بعلاقته مع الاخرين في المجتمع ،كما تتغيا الادماج الاجتماعي
واستدامة توازنه واستقراره ،وهي الأهداف التي لن تتحقق بالطرق البيداغوجية التلقينية المتمركزة حول المعارف وحول شخص
"الملقن" ،بل تتطلب ديناميكية تعليمية تستهدف "التعلم النشط" والذي يقصد به "عملية الاحتواء النشط للمتعلم في الموقف
التعليمي والتي تتطلب منه الحركة والآداء والمشاركة الفعالة تحت توجيه واشراف المدرس" أي ذلك التعلم النشط الذي
يقوم على الفعل وليس على السمع والملاحظة ،فالمتعلمون هم الفاعلون ف ي البيداغوجيا فما يتعلمونه يظهر في جزء كبير من
النشاط الذي يقومون به بأنفسهم ،و تتبلور أطروحة "التعلم النشط" حول مبادئ تقوم على أن الفرد يتعلم أحسن اذا ما:
▪ انخرط شخصيا في الفعل بمعنى فكر واكتشف بنفسه وجرب حلولا؛
شيد معرفته بنفسه وهو يواجه مشكلا أو إذا توفرت له المناسبة ليكتشف بنفسه (طر يقة الاكتشاف)؛ َّ ▪
▪ إذا شعر بانه معنيا ،مورطا ثم محفزا أو متحديا وليس فقط مهتما فكر يا؛
▪ إذا كان مشاركا في مجموعة لأننا نتعلم بسهولة مع الجماعة وبشكل خاص أمور الحياة الاجتماعية (المهارات المرنة =
الذكاء العاطفي)؛ (هاروشي ،ص )113
ان هذه الدينامية التعلمية تفرض على الفعل التدريسي تحديات تهيئ "الحالة الذهنية" للمتعلم وال كفيلة بخلق الاتجاهات الإ يجابية
للتعلم وتنميتها وتحفيز الانخراط والمبادرة ،بما يستدعي استعمال جميع التقنيات والأدوات التربو ية التي تشجع المشاركة الإ يجابية
للمتعلمين/الأطفال :دراسة الحالات ،الدراما التعليمية ،لغة الصورة ،تقنيات البحث عن الأفكار ،بيداغوجيا المشروع،
بيداغوجية التعاون ،إجراءات حل المشاكل ،النقاش الديمقراطي ...،الخ .ويستحب استخدام تقنيتي لعبة الأدوار ومعالجة
المعضلات الأخلاقية باعتبارهما تقنيتين تسمحان بضمان تعلم أمثل في مجال حقوق الإنسان .فضلا عن ذلك ،لا ينبغي على
المدرس(ة) أن ينسى أن" بيداغوجيا اللعب" وما تعكسه من تفاعل جماعي كفيلة بأن تيسر استيعاب الأطفال للتفاعلات
الاجتماعية المركبة ناهيك عن فرص التعامل المشترك مع الاخر والاعتراف به والتضامن معه.
مراجع:
القانون الاطار رقم 51-17المتعلق بمنظومة التربية و التكوين و البحث العلمي .غشت2019 •
وزارة التربية الوطنية ،الكتاب الأبيض ،2000الجزء /2منهاج سلك الابتدائي. •
نورة الزرهوني وآخرون ،الكتاب المدرسي الجديد في الاجتماعيات "دليل الأستاذ" -السنة الخامسة ابتدائي ،دار نشر المعرفة ،الدار البيضاء ،طبعة 2020 •
المجلس الأعلى للتعليم "،المدرسة المغربية والتربية على القيم في مجتمع قيد التحول" – دفاتر التربية والتكوين – العدد –5شتنبر 2011 •
تعليم المواطنة وحقوق الانسان -دليل لشباب المغرب ،سلسلة منشورات اليونسكو -الشباب و المشاركة الديموقراطية -اليونسكو – 2015مكتب الرباط •
خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الانسان ،2021-2018حكومة الممل كة المغربية ،دجنبر 2017 •
محمد مكسي " ديداكتيك السلوك المدني" طوب ايديسيون -الدار البيضاء 2008 •
أحمد أوزي ،المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء2006 ، •
أحمد اوزي ، 2015 ،التعليم والتعلم الفعال :نحو بيداغوجيا فعالة منفتحة على الاكتشافات العلمية الحديثة حول الدماغ ،منشورات مجلة علوم التربية •
(العدد ، )39مطبعة النجاح الجديدة ،البيضاء.
عبد الرحيم هاروشي ،2004 ،بيداغوجيا ال كفايات ،ترجمة الحسن اللحية و عبد الاله شر ياط ،نشر الفنك ،الدار البيضاء •
جوردن مارشال( )2000موسوعة علم الاجتماع ،ترجمة :محمد الجوهري وآخرون ،المجلس الأعلى للثقافة -المشروع القومي للترجمة ،القاهرة •
محمد ز ياد حمدان ،تربية الأبناء في القرن 21ربية هو ياتهم الخلقية بالمعرفة والقيم والاستقلال المشترك (اطلاع بتاريخ -11 -20 •
)http://www.hamdaneducation.com/arabic/articles2/67.htm()2021
• Murray Print , Dirk Lange ,Schools ,Curriculum and Civic Education for Building Democratic Citizens ,Sense
Publishers Rotterdam ,The Netherlands2012
• Nathaniel Branden in : Christopher J. Mruk ,2006 Self-Esteem Research, Theory, and Practice: Toward a Positive
Psychology of Self-Esteem, 3d edition
• RICHARD PAUL and LINDA ELDER, 2020 The Miniature Guide to Critical Thinking Concepts and Tools - ed 8 ,
ROWMAN & LITTLEFIELD, London
• Robert J. Marzano & John S. Kendall -THE NEW TAXONOMY OF EDUCATIONAL OBJECTIVES
• Haynes Bruce ,Patriotism and Citizenship Education Wiley-Blackwell, London 2010
7