Professional Documents
Culture Documents
1
بسم هللا الرحمان الرحيم
2
الفهرس03.......................................................................................................:
مقدمة05........................................................................................................:
احملاضرة األوىل :مدخل مفاهيمي06..............................................................................
متهيد07...................................................................................................:
Iـ علم االجتماع احلضري ظروف النشأة ،املفهوم واجملاالت واهم املفاهيم املرتبطة به07..................
أوال :علم االجتماع احلضري ظروف النشأة07...............................................................
اثنيا :مفهوم علم االجتماع احلضري وجماالته08..........................................................
اثلثا :أهم املفاهيم النظرية املرتبطة به09..................................................................
رابعا :عالقة علم االجتماع احلضري بعلم االجتماع العام10...............................................
IIـ مفهوم النظرية االجتماعية ،وظائفها ،وأسباب اختالفها10.........................................
أوال :مفهوم النظرية االجتماعية10.....................................................................
اثنيا :وظائف النظرية االجتماعية11....................................................................
اثلثا :أسباب اختالف وتعدد النظرايت12...............................................................
رابعا :تصنيفات النظرية احلضرية12.....................................................................
خالصة13...........................................................................................
احملاضرة الثانية :نظرية الفروق الريفية احلضري أو (الثنائيات)14............................................
متهيد15............................................................................................:
أوال :نظرية الفروق الريفية احلضرية15...................................................................
اثنيا :الثنائيات 16...................................................................................
1ـ اجملتمع احمللي واجملتمع العام عند فرديناند تونييز18....................................................
2ـ اجملتمع احلضري والريفي عند ابن خلدون19.........................................................
3ـ التضامن العضوي واآليل عند إميل دوركامي20........................................................
اثلثا :نظرية احملك الواحد واحملكات املتعددة21..........................................................
رابعا :نظرية املتصل الريفي -احلضري22...............................................................
خامسا :نظرية جوبرج يف دراسة الفروق الريفية احلضرية25...............................................
خالصة26.........................................................................................
احملاضرة الثالثة :النظرية االيكولوجية الكالسيكية27......................................................
متهيد28..........................................................................................:
1ـ نظرية روبرت ابرك28............................................................................
2ـ نظرية الدوائر املركزية لـ ايرنست بريجس30.........................................................
3
3ـ نظرية القطاع هلومر هويت32.....................................................................
4ـ نظرية النوايت املتعددة هلاريس وأملان33............................................................
5ـ النقد املوجه للنظرية االيكولوجية34................................................................
خالصة35..........................................................................................
احملاضرة الرابعة :االجتاهات االيكولوجية احلديثة36......................................................
متهيد37...........................................................................................:
أوال :البدائل االيكولوجية لدراسة النمو احلضري37......................................................
اثنيا :ـ النظرية االيكولوجية احملدثة :كوين ،أموس هاويل ،شنور ودنكان37.................................
اثلثا :ـ النظرية االيكولوجية السوسيو-ثقافية40..........................................................
رابعا :ـ نظرية حتليل املناطق االجتماعية41.............................................................
خامسا :ـ نظرية الثقافة احلضرية لويس ويرث42.........................................................
خالصة45.........................................................................................
احملاضرة اخلامسة :النظرية النفسية االجتماعية46.........................................................
متهيد47...........................................................................................:
1ـ ماكس فيرب ودراسة احلياة احلضرية47..............................................................
2ـ جورج زميل واحلياة العقلية للمرتوبوليس50..........................................................
3ـ أوزفالد شبنجلر والثقافة احلضرية52...............................................................
خالصة54.........................................................................................
احملاضرة السادسة :النظريـة املاركسية احملدثة55........................................................
متهيد56..........................................................................................:
1ـ هنري لوفيبفر والنقد اإلنساين للتحضر58.........................................................
2ـ مانويل كاستلز واملسألة احلضرية59...............................................................
خالصة61........................................................................................
احملاضرة السابعة :تقييم الرتاث النظري الكالسيكي لعلم االجتماع احلضري وتياراته62.....................
متهيد63.................................................................................................
أوال تقييم الرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي63...................................................
اثنيا علم االجتماع احلضري بني التيار احملافظ والتيار الراديكايل64..............................................
اخلامتة66..............................................................................................:
قائمة املراجع67........................................................................................:
4
مقدمة:
علم االجتماع هو احد العلوم االجتماعية ،يهدف إىل الكشف عن تركيب اجملتمع اإلنساين ،والتعرف على الظروف
والقوى اليت تؤثر فيه ،وهلذا فهو يهتم ابجملتمعات أبنواعها سواء كانت ريفية أو حضرية ،ويهتم بسلوك اجلماعات يف
هذه اجملتمعات وعناصر وأمناط ونتائج هذا السلوك ،كما يهتم أيضا ابلنظم االجتماعية اليت تنشأ لتقابل حاجات هذه
اجملتمعات ،وبطبيعة التغريات اليت تطرأ على اجملتمع ونظمه.
ويف هذا اإلطار يرى كثري من الباحثني والعلماء أن القرن املاضي هو عقد التحضر السريع ،وهذا التصور ينطوي
على كثري من الصدق ،فعلى الرغم من أن الدول الصناعية الغربية قد شهدت حتضرا مرتفعا مع مطلع القرن التاسع
عشر إال أن هذا التحضر قد تعاظم خالل القرن العشرين .مث واصل تعاظمه بعد احلرب العاملية الثانية حينما حصلت
معظم الدول النامية على استقالهلا السياسي ،وبدأت تشهد انفجارا حضراي ،وبطبيعة احلال فإن هذا االنفجار احلضري
يستدعيه ابلضرورة كمية من املطالب واالحتياجات الطبيعية واملادية واملتغريات يف كثري من اجملاالت كاإلسكان
والتشييد والطرق واملواصالت واخلدمات املختلفة.
ومير اجملتمع العريب مبرحلة تغري سريعة تزداد اتساعا وعمقا ابنتشار التصنيع ،وتطور التكنولوجيات احلديثة لإلعالم
واالتصال ،ويؤدي هذا إىل التغري السريع بطبيعته إىل ظهور مشكالت اجتماعية كثرية أساسها التفاوت يف درجات
التغيري بني اجلماعات املختلفة أو انعدام التوازن بني التغري االقتصادي واالجتماعي يف اجلماعة الواحدة...اخل.
ويف هذا اإلطار يتفق املختصون يف جمال علم االجتماع ونظرايته حول أمهية النظرية ،على اعتبار أهنا ضرورية والزمة
ابلنسبة لكل العلوم ،حيث أن علمية أي علم تكتسب من وجود نظرايت حوله ،كما أهنا يف علم االجتماع بصفة عامة
وعلم االجتماع احلضري بصفة خاصة تزداد أمهية وتعقيدا وتصعب دراستها وفهمها من طرف اجلميع ،حبيث تبدوا
كلمة نظرية نفسها حماطة هبالة من التعقيد .ورغم ذلك فإن النظرية تبقى ضرورية جدا حيث يعترب وصف الواقع من
الوظائف اهلامة للنظرية ،فهي تعمل على حتفيز العقل أو الفكر العلمي على خلق وإبداع تفسريات جديدة ملشكالت
أو تعقيدات خلقتها املشاهدة والتجربة يف الواقع ،مع إعطاء معىن لنتائج البحث من خالل جعلها ممكنة االستيعاب،
كما تقدم القاعدة املنطقية للتنبؤ االجتماعي.
وهكذا وضمن هذا املنظور ،قسمت هذه املطبوعة إىل مقدمة وسبعة حماضرات وخامتة (حسب حماور مقياس
النظرايت املعاصرة يف علم االجتماع احلضري ،السداسي األول للسنة األوىل ماسرت) تتناول احملاضرة األوىل منها مفهوم
علم االجتماع احلضري وجماالته األساسية ،مث ندخل إىل مفهوم التحضر واحلضرية ابعتبارمها من املفهومات اليت حيدث
فيها خلطا كبريا ،مث نشري إىل عالقته بعلم االجتماع العام .أما احملاضرة الثانية فتعاجل نظرية الفروق الريفية احلضرية .مث
احملاضرة الثالثة اليت تتناول النظرية االيكولوجية الكالسيكية .واحملاضرة الرابعة اليت تتناول النظرية االيكولوجية احملدثة.
وتعقبها احملاضرة اخلامسة متناولة النظرية النفسية االجتماعية .واحملاضرة السادسة تتناول النظريـة املاركسية احملدثة.
وأخريا احملاضرة السابعة اليت تتناول تقييم الرتاث النظري الكالسيكي لعلم االجتماع احلضري وتياراته انطالقا أوال من
5
تقييم الرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي وانتهاء اثنيا ابملوقف الراهن لعلم االجتماع احلضري بني التيار
احملافظ والتيار الراديكايل وأخريا اخلامتة العامة.
متهيد:
Iـ علم االجتماع احلضري ظروف النشأة ،املفهوم واجملاالت واهم املفاهيم املرتبطة به.
أوال :علم االجتماع احلضري ظروف النشأة.
اثنيا :مفهوم علم االجتماع احلضري وجماالته.
اثلثا :أهم املفاهيم النظرية املرتبطة به.
رابعا :عالقة علم االجتماع احلضري بعلم االجتماع العام.
IIـ مفهوم النظرية االجتماعية ،وظائفها ،وأسباب اختالفها.
أوال :النظرية االجتماعية املفهوم والتعريف.
اثنيا :وظائف النظرية االجتماعية.
اثلثا :أسباب اختالف وتعدد النظرايت.
رابعا :تصنيفات النظرية احلضرية.
خالصة.
6
احملاضرة األوىل :مدخل مفاهيمي
متهيد:
هتدف هذه احملاضرة أوال إىل التعريف بعلم االجتماع احلضري )مفهومه وجماالته( واهم املفاهيم املرتبطة به ،ابإلضافة
إىل عالقة علم االجتماع احلضري بعلم االجتماع العام .واثنيا إىل التعريف مبفهوم النظرية االجتماعية ،وظائفها،
وأسباب اختالفها .وانتهاء بتصنيفات النظرية احلضرية.
Iـ علم االجتماع احلضري ظروف النشأة ،املفهوم واجملاالت واهم املفاهيم املرتبطة به.
أوال :علم االجتماع احلضري ظروف النشأة.
ال شك أن نشأة وظهور علم االجتماع قد جاء انعكاسا جملموعة من التطورات البنائية اليت شهدها اجملتمع األورويب
مع هناية القرن الثامن عشر وبداايت القرن التاسع عشر .حيث شهد هذا اجملتمع أحدااث هامة خالل تلك الفرتة ،ليس
فقط على الصعيد االقتصادي (الثورة الصناعية ،وما ترتب عليها من تطور يف منط وقوى وعالقات اإلنتاج) ،ولكن
أيضا على الصعيدين السياسي واأليديولوجي (الثورة الفكرية والفلسفية ،والثورة الفرنسية) تلك األحداث مجيعها أدت
إىل حتول اجملتمع األورويب من جمتمع إقطاعي زراعي تقليدي إىل جمتمع رأمسايل صناعي حديث .هذا التحول افرز العديد
من املشكالت االجتماعية ،ومن مث تطلب األمر ضرورة وجود علم متخصص لدراسة تلك املشكالت وتشخيصها
وفهمها وحتليلها وتفسريها .ولذلك كان ظهور علم االجتماع ميثل استجابة لتلك األوضاع والتحوالت البنائية.
ونظرا الن اجملتمعات احلضرية كانت من أكثر اجملتمعات احمللية أتثرا بتلك التحوالت البنائية وما أفرزته من
مشكالت اجتماعية ،فان نشأة وتطور علم االجتماع احلضري كعلم متخصص وكأحد فروع علم االجتماع العام قد
جاء هو األخر استجابة لتلك التحوالت من انحية ،ولدراسة وفهم وحتليل اجملتمعات احلضرية بكل ما تتضمنه من بىن
اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية وايكولوجية ،وما تعكسه تلك البىن من مشكالت حضرية متباينة من حيث
معدالهتا وظروف نشأهتا وتطورها وأاثرها املختلفة من انحية أخرى.
وان كان هناك اختالف كبري بني الباحثني واملهتمني يف إرجاع األصول األوىل لعلم االجتماع احلضري إىل أورواب أو
أمريكا فمنهم من يرجع ذلك إىل أورواب إذ يقول سعيد انص يف هذا الصدد إىل انه تشري معظم الكتاابت والتحليالت
إىل أن علم االجتماع احلضري يدين يف نشأته األوىل ألعمال عدد من رواد علم االجتماع األوائل يف أورواب بصفة
خاصة ممن استجابوا للتحول احلضري الكبري الذي عايشوه ،وممن وجهوا جهودهم يف حماولة إلجياد فهم دقيق ألشكال
احلياة االجتماعية املتأثرة ابلتصنيع والتحضر 1.ومنهم من يرجع أصوله إىل أمريكا ويف هذا الصدد يشري إمساعيل قرية
1سعيد انصف ،علم االجتماع احلضري ،املفاهيم والقضااي واملشكالت ،ط( ،1مصر :دار الكتب والواثئق القومية ،)2006 ،ص.ص.2.1
7
إال أن مثة إمجاع بني املهتمني ابلتاريخ لعلم االجتماع احلضري على انه كان يف البداية علما أمريكيا ،وظل كذلك
لفرتات طويلة 1.إال انه مهما يكن األمر ومما ال جيادل فيه فإن علم االجتماع احلضري قد أخد من هذا وهذا.
اثنيا :مفهوم علم االجتماع احلضري وجماالته.
1ـ مفهوم علم االجتماع احلضري:
يعرف علم االجتماع احلضري أبنه فرع من فروع علم االجتماع العام يستخدم مناهجه ،وأدواته ومفاهيمه يف دراسة
احلياة االجتماعية داخل اجملتمع احلضري .الذي يتميز ابجلماعات الثانوية وانقسامية األدوار وتزايد معدالت احلراك
االجتماعي ،واجملتمع احلضري الذي يتميز بكرب احلجم ،وكثافة السكان ،والالجتانس هو العامل األساسي الذي نفسر
2
يف ضوئه كافة األشكال االجتماعية اليت تظهر يف املدينة.
وتعرفه الدراسات التقليدية على انه طريقة منظمة لتقصي ودراسة احلقائق املتعلقة اباليكولوجيا البشرية ،اجملتمع
احمللي احلضري ،املشاكل احلضرية ،السياسات والتخطيط والتحضر 3.ويعرف كذلك أبنه علم اجتماع حياة املدينة،
وينظر إىل املدينة وحيللها كظاهرة اجتماعية يف ذاهتا إىل جانب دراسة املشكالت اخلاصة هبا 4.كما يعرف كذلك أبنه
العلم الذي يهتم بتأثري حياة املدينة يف أمناط السلوك والعالقات والنظم ،كما يدرس أمناط املدن ونشأهتا ومشكالهتا.
5
ويدرس الظواهر االجتماعية احلضرية ،ويهتم يف احملل األول بدراسة املدينة.
ويتضح مما سبق أن علم االجتماع احلضري يتناول موضوع واسع .املوضوع الذي يوحد خمتلف اجملاالت ذات
االهتمام املشرتك واملتماسك ضمن علم االجتماع ،ذلك أنه يرتبط عند البعض بطريقة منهجية لنوع معني من الفضاء
االجتماعي ،والساحة احلضرية .والسليم أن موضوع علم االجتماع احلضري يتضمن الظواهر االجتماعية اليت مت
إنشاؤها أو تغيريها من قبل املدن .وقد تشمل اآلاثر احلضرية طبيعة التجربة (الشعور العجز أو احلرية والنفور من
الغرابء ،واحلياة االجتماعية ثرية التنوع والتعرض لثقافات فرعية متعددة ،أو التسامح ألنواع خمتلفة من الناس)،
التأثريات على السلوك (واليت أصبحت جزءا من حركة اجتماعية أو االخنراط يف شكل من االحنراف) ،وظهور أشكال
خمتلفة من التنظيم االجتماعي (جديد األحزاب السياسية أو الثقافات الفرعية) ،أو حتوالت الرتكيز يف أهداف السياسة
االجتماعية (لتحقيق التوازن بني ظروف املعيشة بني املناطق الريفية واحلضرية أو خلفض ووضوح أعداد املشردين الذين
يتجمعون يف أحياء املدن) .ومن مث فعلم االجتماع احلضري يشري إىل دراسة الظواهر االجتماعية يف املدينة .وغريها من
6
األمور اليت حتدث يف املدينة ،متاما كما حتدث يف أماكن أخرى.
2ـ جماالته:
علم االجتماع احلضري ونظرايته( ،قسنطينة :منشورات جامعة منتوري ،)2004 ،ص.03. 1إمساعيل قرية،
2امحد عاطف غيث وآخرون ،قاموس علم االجتماع( ،اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية ،)1995 ،ص ص.497.498.
علم االجتماع احلضري ونظرايته( ،قسنطينة :منشورات جامعة منتوري ،)2004 ،ص.13. 3إمساعيل قرية،
4حممد ايسر اخلواجة ،علم االجتماع احلضري ،بني الرؤية النظرية والتحليل الواقعي( ،مصر العربية للنشر والتوزيع ،)2010 ،ص.16.
5فراس عباس البيايت ،علم االجتماع دراسة حتليلية للنشأة والتطور( ،عمان :دار غيداء للنشر والتوزيع ،)2011 ،ص.25.
6
William G. Flanagan, Urban Sociology, Images and Structure, 5Ed, (Usa:Rowman & littlefield publishers, Inc, 2010),
P.369.
8
فكما هو معروف فإن املواضيع األساسية اليت طرحتها الدراسات التقليدية يف علم االجتماع احلضري هي:
اإليكولوجية البشرية واجملتمع احمللي واملشكالت احلضرية والسياسات والتخطيط والتحضر .من جهة اثنية فقد اجتهد
الكثري من الباحثني يف تصنيف معامل النظرية احلضرية .واختلفت ابلتايل من ابحث إىل آخر تبعا لالختالفات يف موضوع
1
البحث وجمال الدراسة وتنوع البياانت والتوجه احلضري ...اخل.
وميكن حصر أهم جماالت ومواضيع علم االجتماع احلضري يف النقاط التالية:
-دراسة املدن واملراكز احلضرية واملناطق اجملاورة هلا.
-دراسة البىن االجتماعية للحياة احلضرية.
-دراسة املشكالت االجتماعية يف املدينة.
-دراسة املدينة ودورها التارخيي وتطورها وبناؤها.
-دراسة اإليكولوجيا احلضرية والعالقات بني اجملتمع وبيئته الطبيعية.
2
-دراسة التأثريات االجتماعية للحياة احلضرية.
اثلثا :املفاهيم النظرية ذات صلة بعلم االجتماع احلضري:
مثة خلط بني مفهومي التحضر واحلضرية من جانب بعض املتخصصني يف علم االجتماع احلضري ،ويتضح هذا
اخللط عندما يستخدم هؤالء احد هذين املفهومني للداللة على األخر ،أو عندما يكتفون ابستخدام احدمها للداللة به
على كليهما .األمر الذي يؤكد على ضرورة التمييز بني املفهومني.
1ـ مفهوم التحضر :قصد ابلتحضر هنا العملية اليت تتم هبا زايدة سكان املدن عن طريق تغري احلياة يف الريف من حياة
ريفية إىل حياة حضرية أو عن طريق هجرة القرويني للمدن املوجودة ،مبا يف ذلك التغريات اليت حتدث لطبائع وعادات
3
وطرق معيشة سكان الريف حىت يتكيفوا للمعيشة يف املدن.
2ـ مفهوم احلضرية :ونظرا الن مفهوم احلضرية مفهوما واسعا وذلك ألنه يتصل بكل مظاهر أسلوب احلياة احلضرية ،مبا
يشتمل عليه من قضااي سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ،فإن البعض يرى أن احلضرية متثل املنتج النهائي
4
لعمليات التحضر.
3ـ مفهوم املدينة :لقد اتفقت اهليئات الدولية (األمم املتحدة ووكاالهتا املتخصصة) على اعتبار كل جتمع سكاين يزيد
عن 20.000نسمة مدينة .وذلك لتسهيل املقارانت الدولية 5.هذا وقد عرفها ويرث على أهنا موطن لإلقامة كبري
6
نسبيا وكثيف ودائم لألفراد غري متجانسني اجتماعيا.
متهيد:
أوال :نظرية الفروق الريفية احلضرية.
اثنيا :نظرية الثنائيات أو اجملتمع الريفي واجملتمع احلضري.
اثلثا :اجملتمع احمللي واجملتمع العام عند فرديناند تونييز.
رابعا :اجملتمع احلضري والريفي عند ابن خلدون.
خامسا :التضامن العضوي واآليل عند إميل دوركامي.
سادسا :نظرية احملك الواحد واحملكات املتعددة.
سابعا :نظرية املتصل الريفي -احلضري.
اثمنا :نظرية جوبرج يف دراسة الفروق الريفية احلضرية.
خالصة.
متهيد:
مسألة االهتمام ابلظاهرة احلضرية ،شأهنا شأن ابقي الظواهر االجتماعية األخرى ،جندها حاضرة بقوة عند الرواد
األوائل يف علم االجتماع ،ويرجع االهتمام املتزايد ابلظاهرة احلضرية إىل التحوالت والتغريات االجتماعية الكربى اليت
تعرضت هلا املدينة يف الدول الغربية ،وما ترتب عنها من انعكاسات كبرية على البناء العام للمجتمع ،مما اسرتعى
االنتباه السوسيولوجي لعلماء االجتماع الذين حاولوا مقاربة الظاهرة احلضرية ،واملالحظ يف مقاربتهم هذه ،حظور ثنائية
املقارنة بني البادية واملدينة .ألن معظم علماء االجتماع وهم يتحدثون عن املدينة أو الظاهرة احلضرية ،ينطلقون صراحة
أو ضمنا من مقارنتها مع البادية أو الظاهرة القروية .
أوال :نظرية الفروق الريفية احلضرية.
لقد شغلت الفروق الريفية احلضرية كثريا من علماء االجتماع ،إذ تبني صعوبة تناول خصائص ومسات اجملتمع احمللي
الريفي دون أن تقابلها وتربطها خبصائص ومسات اجملتمع احمللي احلضري ،فبجانب عالقة القوة التارخيية اليت تربط بني
هذين اجملتمعني احملليني ،فان املقابلة بينهما دفعت عددا من العلماء إىل تبين فكرة املتصل الريفي – احلضري .حيث
الحظ علماء االجتماع األوائل وجود اختالفات واضحة بني سكان املناطق الريفية وسكان املناطق احلضرية ،خاصة يف
منط احلياة االجتماعية والثقافية واالقتصادية والسياسية ،اليت يتميز هبا كل جمتمع .وقد وجد أن سكان الريف تغلب
عليهم البساطة والتعصب للقرابة ،والتجاور املكاين ،والتعاون بينما يتميز سكان املدينة بغلبة املنفعة الشخصية والعمل
من أجل املصاحل اخلاصة ،كما تطغى عليهم املادايت ،ويوجد يف املدينة كثري من املشاكل مثل االحنراف األخالقي
والسرقات .ومن مث أصبح من املمكن وضع مسات وخصائص أي من اجملتمع الريفي أو احلضري على احد طريف هذا
املتصل ،حبيث يرتجم هذا الطرف أو ذاك السمات والصفات املعينة ألي من هذين اجملتمعني احملليني يف صورته الفرضية
15
البحثة ،وحبيث أيخذ كل جمتمع واقعي مكاان على هذا املتصل قد يقرتب من أي من الطرفني دون أن ينطبق على
1
إحدى هناييت هذا املتصل.
النقد املوجه لنظرية الفروق الريفية احلضرية:
وعلى الرغم من األمهية النظرية اليت تنطوي عليها النماذج املثالية والثنائيات اليت اعتمد عليها هؤالء يف تفسريهم
للفروق الريفية احلضرية ،إال أن االعتماد عليها اآلن يعد مسالة مستحيلة يف ظل عمليات التغري االجتماعي والثقايف
اليت تشهدها اجملتمعات بشكل عام منذ بداايت القرن العشرين وحىت اآلن .تلك التغريات اليت ابت من املستحيل
معها أن جند انفصاال واستقالال واضحا بني ما هو ريفي ،وما هو حضري .كتلك األوضاع اليت كانت سائدة يف أورواب
خالل القرن التاسع عشر .مبعىن أن هذه الثنائيات قدمها العلماء خالل مرحلة معينة ،ومن خالل دراستهم للواقع
2
احلضري والريفي األورويب ،ومن مث فهي تتناسب وخصوصية تلك اجملتمعات خالل تلك املرحلة.
ومع ذلك القضية ال تزال حىت اليوم متثل موضوعا خالفيا مل حيظ بعد بدرجة من جانب العلماء والباحثني .إذ أن
املفاهيم املتصلة هبا حىت اآلن ال زالت غامضة وينقصها الوضوح والتحديد ،أو كما يطلق عليها البعض إهنا – أي
قضية الفروق أو العالقات الريفية احلضرية -مفهوم إسفنجي مرن ،يكتنفه كثري من الغموض واخللط واالضطراب،
فمصطلح ريفي ومصطلح حضري مل تستقر اآلراء بعد حول مدلول كل منهما .ولقد ترتب عن التقدم الصناعي
والتحضر ،وتطور وسائل االتصال مبختلف أشكاهلا ،والتقدم التكنولوجي وخاصة يف ميدان اإلنتاج الزراعي ،وانتشار
التعليم الرمسي...،ترتب على ذلك كله أن اختذت قضية الفروق الريفية – احلضرية وضعا يف الدول الصناعية املتقدمة
3
خيتلف عنه يف دول العامل الثالث.
فالباحثون الغربيون خمتلفون فيما بينهم حول هذه القضية يف جمتمعاهتم الصناعية املتقدمة .ففريق منهم يرى – من
خالل نتائج دراسات حول املوضوع -أن الفروق الريفية احلضرية مل تعد متثل قضية ذات ابل ،ألهنا تتضائل ابستمرار،
وأهنا يف سبيلها إىل االختفاء والزوال .وذل ك يف الوقت الذي يقرر فيه فريق أخر أن هذه الفروق مل تزل موجودة ،وأهنا
سوف تظل ابقية.
وأما عن وضع هذه القضية يف بلدان العامل الثالث ،فانه يتخذ شكال أخر ،فالفروق الريفية احلضرية يف هذه البلدان
واضحة وملموسة ،كما أن العالقات الريفية احلضرية ذات طبيعة خاصة يف كل بلد منها تبعا خلصوصية األوضاع
االجتماعية واالقتصادية والسياسية.
غري أن هناك اجتاها عاما مييز هذه العالقات الريفية – احلضرية يف تلك البلدان ،وهو أن النمو احلضري السريع
الذي تشهده املدن الكربى يف هذه البلدان بفعل التوسع يف التصنيع ،واهلجرة الريفية احلضرية .وفضال عن ذلك ،فإن
1حسني عبد احلميد امحد رشوان ،علم االجتماع الريفي( ،اإلسكندرية :املكتب العريب احلديث ،)2003 ،ص.37.
2سعيد انصف ،علم االجتماع احلضري ،املفاهيم والقضااي واملشكالت ،ط( ،1مصر :دار الكتب والواثئق القومية ،)2006 ،ص.69.
3حممد اجلوهري ،املدخل إىل علم االجتماع( ،القاهرة :دار الكتب ،)2007 ،ص.211.
16
هذه البلدان تشهد تفاعال وأتثريا متبادال بني املدينة والقرية .ويف الوقت الذي حيدث فيه تريف للمدينة ،تشهد القرية
1
على اجلانب األخر عملية حتضر.
اثنيا :نظرية الثنائيات أو (اجملتمع الريفي واجملتمع احلضري):
تعترب الثنائيات االجتماعية من املداخل النظرية اليت مازالت حتظى ابهتمام الدارسني الذين حياولون تقدمي تفسري
مالئم ملكوانت البناء االجتماعي احلضري يف ضوء ثنائيات تقليدية وحديثة .ويف السياق نفسه جند تيارات نظرية تركز
على الثنائية الريفية – احلضرية ،وأخرى تطرح تصورا مغايرا لفهم خصائص املدينة يف ضوء املتصل الريفي –
احلضري 2.فقد شغلت الفروق الريفية احلضرية أذهان الكثري من علماء االجتماع وتوصل بعضهم إىل تطوير عدد من
الثنائيات ،أي املقابلة بني منوذج أو تصور معني للمجتمع احلضري ،ومنوذج أو تصور مقابل له للمجتمع الريفي.
واالهتمام إببراز السمات املميزة لكل منوذج منهما 3.وعلى هذا األساس ختتلف اجملتمعات الريفية عن اجملتمعات
احلضرية يف عدة جوانب مثل طريقة حياة أبناء كل منهما ،وحجم اجملتمع ...ويذهب ستجليس إىل أن هذين النوعني
من اجملتمعات خيتلفان من حيث ثالثة أبعاد أساسية هي :أوال املهنة أو ما يعمله أبناء كل منهما ،واثنيا اجتاهاهتم
االجتماعية وتوجهاهتم القيمية ،واثلثا نوع العالقات االجتماعية اليت تسود داخل كل منهما ،أو نوع التضامن
االجتماعي القائم.
فاجملتمعات الريفية تتسم بصغر احلجم والتجانس يف األعمال واملهن وسيادة االجتاهات احملافظة والقيم الروحية
والدينية ،بعكس احلال ابلنسبة للمجتمعات احلضرية اليت تتسم ابلكرب النسيب والتباين يف األعمال نتيجة لسيادة
التخصص وتقسيم العمل ،إىل جانب انتشار االجتاهات التجديدية والعلمانية 4.وميكن توضيح طبيعة االختالف بني
اجملتمع الريفي واحلضري من حيث طبيعة العالقات االجتماعية ،وانعكاساهتا على نوع التضامن السائد ،يف ضوء
مفاهيم العالقات األولية والثانوية .فالعالقات داخل اجملتمع األول تقوم على أساس أويل بينما تقوم يف اجملتمع الثاين
على أساس اثنوي.
وقد صدر العديد من الدراسات اليت حتاول التمييز بني اجملتمعات الريفية واحلضرية لعدة أهداف علمية وعملية.
ولكن هذه الدراسات مل تتفق حول هذه النقطة ،أو حول حتديد معيار التمييز .وهلذا حيسن أن نذكر أهم االجتاهات يف
هذا الصدد:
أوال :االجتاه اإلحصائي :ويركز أنصار هذا االجتاه على حجم اجملتمع ،أو عدد سكانه ،فاجملتمع الريفي هو ذلك اجملتمع
5
الذي يقل عدد أفراده عن حد معني ،واجملتمع احلضري هو ذلك اجملتمع الذي يزيد عدد سكانه عن حد معني.
1عبد اهلادي حممد وايل ،املدخل إىل علم االجتماع( ،القاهرة :دار املصطفى للنشر والتوزيع ،)2003 ،ص.263.
2وجدي شفيق عبد اللطيف ،علم االجتماع احلضري والصناعي( ،مصر :دار املصطفى للنشر والتوزيع ،)2005 ،ص.48.
3سعيد انصف ،مرجع سابق ،ص.65.
4وجدي شفيق عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص.47.
5وجدي شفيق عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص ص.49.50.
19
قبل البدء نشري إىل أن ابن خلدون قد سبق أبفكاره وآراءه فيما يتصل هبذه القضية من جاؤا بعده بقرون .فقد
تضمنت آراءه اغلب املقوالت اليت وردت حول قضية الفروق الريفية – احلضرية .وبذلك يعترب ابن خلدون
( )1406 -1332أول عامل اجتماع عريب ميز بني اجملتمع الريفي واحلضري ،ودرس الظواهر االجتماعية اليت تنشأ عن
1
كل من اجملتمعني كما الحظ يف عصره.
حيث حبث ابن خلدون يف تطور اجملتمع وأشكاله ،ويرى انه ينقسم إىل شكلني مها البدو واحلضر 2.ومن مث ذهب
إىل تصنيف أشكال االستيطان البشري إىل منوذجني على أساس وجود املعاش والكسب ،وقد أرجع الفروق بني البدو
واحلضر إىل الفروق يف مصادر اإلنتاج ،واملهنة ،وبني أن البدو أصل للمدن واحلضر ،وسابق عليهم ،فيقول اعلم أن
اختالف األجيال يف أحواهلم إمنا هو ابختالف حنلتهم من املعاش ،فإن اجتماعهم إمنا هو للتعاون على حتصيله واالبتداء
مبا هو ضروري منه والبسيط قبل احلاجي والكمايل ،وهؤالء القائمون على الفلح واحليوان تدعوهم الضرورة ،وال بد إىل
البدو ،فكان اختصاص هؤالء البدو أمرا ضروراي هلم ،وكان حينئذ اجتماعهم وتعاوهنم يف حاجتهم ابملقدار الذي حيفظ
احلياة ،وحيصل بلغة العيش من غري مزيد عليه للعجز عما وراء ذلك 3.فاالجتماع اإلنساين حبسب ابن خلدون أمر
طبيعي وضروري ،فاإلنسان مدين ابلطبع إذ ال يستطيع العيش إال يف اجملتمع ،الن شعور الفرد برغبته يف احلياة
االجتماعية شعور فطري يدفعه لالستئناس أبخيه اإلنسان .فالعمران البدوي أصل العمران احلضري ولكل من اجملتمعني
ألوان من العادات والسلوك وأمناط يف احلياة تفرضها طبيعة كل منهما ،وهي يف اجملتمع احلضري أكثر قابلية للتطور
4
الذي يؤدي إىل قمة العمران.
وعليه حدد ابن خلدون أربعة مراحل للتطور :مرحلة البداوة ،امللك ،احلضارة ،اهلرم ،حيث تلعب العصبية وهي
قوة الوحدة الدموية يف القبيلة دورا كبريا يف هذا التطور .ومتثل املرحلة األوىل حياة البداوة عند العرب ،بصفة خاصة،
حيث يعيش الناس يف قبائل ،وتقوم العالقات االجتماعية على أساس العصبية ،وبفضل هذا الرابط يقوى التضامن
داخل القبيلة ،فإذا أتكدت العصبية ،وقويت الرائسة يف قبيلة معينة ،دفعها ذلك للغزو ،والذي يؤدي بدوره إىل إقامة
امللك ،فإذا استقر امللك بدأت العصبية تضعف شيئا فشيئا ،فيبتعد الناس عن حياة البداوة ،ويدخلون يف مرحلة
احلضارة حيث الرتف والبذخ ويفقدون بذلك طبائع البداوة ،من التضامن والتعاون ويدخلون يف مرحلة جديدة حيث
يؤدي ذلك إىل إفساد اجملتمع واحلياة 5.واحنالل العالقات االجتماعية هي األخرى .حيث اخذ ابن خلدون بنظرية
األساس االقتصادي للتفرقة بني اجملتمعات الريفية واحلضرية ،حيث ذكر ابن خلدون أن مصادر اإلنتاج هي اليت ميزت
بني كل من البدو واحلضر 6.حيث يرى أنه كلما كرب حجم السكان كلما ازدادت رفاهية األفراد وجتاوز مستواهم
1فؤاد بن غضبان ،علم االجتماع احلضري ،ط( ،1عمان :دار الرضوان للنشر والتوزيع ،)2014 ،ص.62.
2حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف ،املدخل إىل علم االجتماع( ،القاهرة :دار الكتب ،)2005 ،ص.102.
3عبد الرمحن ابن خلدون ،مقدمة ابن خلدون( ،بريوت :دار الكتب العلمية ،)2014 ،ص. 92.
4علي عبد الرازق جليب ،أسس علم االجتماع( ،اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية ،د.سنة) ،ص.53.
5سناء اخلويل ،األسرة واجملتمع( ،لبنان :دار النهضة العربية ، )1984 ،ص. 33.
6حسني عبد احلميد امحد رشوان ،مرجع سابق ،ص.38.
20
املعيشي ورخائهم ،مستوى مدينة ذات حجم سكاين أقل ،وابلتايل فهو يعترب أن سكان املدن الصغرية تكون يف الغالب
1
يف وضعية تنموية ضعيفة واملالحظة ذاهتا يبديها ابلنسبة لسكان األقاليم الريفية.
نقد نظرية ابن خلدون:
كثري من القوانني اليت جاء هبا ابن خلدون ،خاصة يف تفسري قيام الدول ال تكاد تصدق إال على األمم اليت الحظها
يف مرحلة خاصة من اترخيها .ويؤخذ على ابن خلدون مغاالته يف اثر البيئة اجلغرافية يف شؤون االجتماع ،فإبن خلدون
2
يرى أن هناك ارتباطا وثيقا بني البيئة وكل الظواهر االجتماعية.
خامسا :التضامن العضوي واآليل عند إميل دوركامي:
إنطالقا من دراسته عن تقسيم العمل الذي اعتربه متغريا ،حاول أن يربط أشكاله وصوره املختلفة وأنواعه ابلظواهر
االجتماعية األخرى اليت اعتربها أاثرا أو نتائج هلذا النوع من تقسيم أو ذاك .ويرى أن األفراد يف اجملتمع البدائي
متجانسون الن تقسيم العمل هنا يف حالته البسيطة .ولذلك يرتبط األفراد مبا مساه التضامن اآليل الذي يتميز خبضوع
األفراد ملا ميليه الرأي العام والتقاليد وتكون املسؤولية هنا مجعية ،ويكون املركز االجتماعي مورواث .أما يف اجملتمعات
املتحضرة اليت ينمو فيها تقسيم العمل ويتطور ،فتكون شخصيات األفراد متعددة ومتنوعة يف الوقت ذاته .ويرجع
ذلك االختالف يف اخلربات والوظائف اليت ميرون عليها أو يقومون هبا .ومن مث يرتبط األفراد يف مثل هذه اجملتمعات
3
ابلتضامن العضوي الذي ينجم عن حاجتهم إىل خدمات بعضهم البعض ،ولذلك تكون الفردية هي السمة الغالبة.
وذهب دور كامي إىل أن االختالف الرئيسي بني اجملتمعات التقليدية واجملتمعات احلديثة يرجع إىل النظام االجتماعي،
ففي اجملتمعات التقليدية يعتمد النظام على التقاليد والقيم املشرتكة ،أي أن التماسك االجتماعي يعتمد على التشابه.
وعلى العكس جند الفروق الفردية يف اجملتمعات احلديثة ،ويبىن التضامن االجتماعي على االعتماد املتبادل بني األفراد
أكثر من تشاهبهم ،ويؤدي هذا االعتماد املتبادل وتقسيم العمل إىل اجملتمع املستقر 4.لذلك جنده يؤكد على ضرورة
االهتمام بدراسة النظم االجتماعية والعمليات االجتماعية اليت حتدث داخل اجملتمع اإلنساين 5.كما أكد على أمهية
حتليل العالقات املتبادلة بني النظم واحلقائق االجتماعية أو الظواهر االجتماعية ،فأحد اإلسهامات األساسية لعلم
6
االجتماع يف نظره تتمثل يف الوعي ابالرتباط والتداخل والتساند بني احلقائق االجتماعية.
حيث فرق بني منوذجني أساسيني للمجتمع استنادا إىل مدى تقدم تقسيم العمل .النموذج األول يقوم على ما أطلق
عليه التضامن اآليل ،والثاين يرتكز على التضامن العضوي ...فقد يسود اجملتمعات البدائية واجلماعات األولية نظام
تقسيم عمل بسيط عري معقد قائم على التضامن اال جتماعي امليكانيكي ،حيث شخصية الفرد مذابة يف شخصية
1
Majallat ET-Tarikh du centre national des études historiques, actes du colloque international sur Ibn Khaldoun, Alger 21-
26 juin 1978, SNED, 1982, P: 99-102.
2حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف ،املدخل إىل علم االجتماع( ،القاهرة :دار الكتب ،)2005 ،ص.104.
3حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص.123.
4حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص.124.
5نبيل السمالوطي ،مرجع سابق ،ص.17.
6نبيل السمالوطي ،مرجع سابق ،ص.18.
21
اجملتمع .بينما يسود اجملتمعات الصناعية واحلضرية نظام معقد ومركب ،مما سبب ظهور التضامن االجتماعي العضوي
1
الذي يسمح حبركة كبرية للفرد من حيث التعبري عن حريته وفرديته وابلتايل يصبح اجملتمع أكثر ديناميكية.
يشري التضامن اآليل إىل الروابط االجتماعية اليت تبىن على التشابه وعلى املعتقدات والعادات والطقوس والرموز
املشرتكة .وهذا التضامن إيل نتيجة لتوحد املشاركني فيه – من يعيشون يف وحدات أسرية أو قبائل أو بلدان صغرية-
تقريبا يف اجلوانب األساسية ،ويتوحدون آليا بدون تفكري تقريبا .وعلى النقيض ،يصف التضامن العضوي النظام
االجتماعي املعتمد على الفروق الفردية بني السكان ،ومييز اجملتمعات احلديثة ،خاصة املدن ،ويعتمد على التقسيم
املعقد للعمل ،حيث يتخصص السكان يف مهن كثرية خمتلفة 2.وان األفراد يعتمدون على بعضهم يف مواجهة
3
احتياجاهتم األساسية شاهنم شان الكائن العضوي.
سادسا :نظرية احملك الواحد واحملكات املتعددة.
إزاء فشل الثنائيات سلك علماء االجتماع سبال أخرى شىت يف دراساهتم ملوضوع الفروق الريفية احلضرية ،ويف
حماولتهم التمييز بني الريف واحلضر .فمنهم من تبىن حمكا واحدا حاول أن مييز على أساسه بني اجملتمع الريفي واجملتمع
احلضري .وابرز حمك استخدم يف هذا االجتاه يقوم على أساس احلجم أو عدد السكان .وذهب آخرون إىل اعتبار
املهنة أساسا وحيد ا للتصنيف والتمييز بني الريف واحلضر .واستخدم ويت فوجل القوة أو السلطة كأساس هلذا
التمييز .ومع ذلك فإن حجم اجملتمع (عدد سكانه) هو احملك الوحيد الذي يشيع استخدامه على نطاق واسع يف
4
التمييز بني الريف واحلضر .وينتشر بصفة خاصة بني علماء السكان.
وهناك طائفة اكرب من علماء االجتماع اعتمدت يف هذا التمييز على استخدام عدة حمكات يف وقت واحد ،يتم يف
ضوئها تشخيص مسات كل من اجملتمع الريفي واجملتمع احلضري .فلقد ميز سوروكني وزميرمان بني الريف واحلضر وفقا
للمحكات (أو األسس) التالية :الفروق املهنية ،الفروق البيئية ،حجم اجملتمع ،كثافة السكان ،جتانس السكان أو
تباينهم ،وذلك من حيث اخلصائص النفسية واالجتماعية ،واللغة واملعتقدات ،وأمناط السلوك ،الفروق يف شدة احلراك
5
االجتماعي ،شكل التباين االجتماعي ،انساق التفاعل .
النقد املوجه لنظرايت احملكات:
ميكن تلخيص ابرز تلك االنتقادات فيما يلي:
1ـ يذهب ردفيلد وويرث إىل أن اجملتمع الشعيب مغلق ومكتف ذاتيا ،أما املدينة أو اجملتمع احلضري فهو نظام جزئي أو
هو جزء من كل ،ومن مث فإهنما يقعان يف طريف نقيض .ولكنهما يف حقيقة األمر غري ذلك حيث ال ميكن املقارنة بينهما
على هذا النحو
1ايس خضري البيايت ،النظرية االجتماعية جذورها التارخيية وروادها ،ط( ،1طرابلس :اجلامعة املفتوحة ،)2002 ،ص.95.
2وجدي شفيق عبد اللطيف ،علم االجتماع احلضري والصناعي( ،مصر :دار املصطفى للنشر والتوزيع ،)2005 ،ص.51.
3سعيد انصف ،مرجع سابق ،ص.66.
4حممد اجلوهري ،مرجع سابق ،ص.190.
5حممد اجلوهري ،مرجع سابق ،ص.191.
22
2ـ يفرتض ردفيلد وويرث ويشاركهما يف ذلك – إىل حد ما -سوروكني وزمرمان ،أن اجملتمع الريفي يتميز بدرجة عالية
من التجانس واالستقرار ،بينما يتميز اجملتمع احلضري بدرجة مرتفعة من عدم التجانس وعدم االستقرار .ومع أن هذا
االفرتاض يصف احلالة العامة أو الشائعة – نظراي على األقل -إال أن اجملتمع القروي -واقعيا -قد مير بفرتات من
التوتر الشديد وعدم االستقرار.
3ـ ابلغ ردفيلد وويرث يف تقديرمها لدرجة انقسامية احلياة احلضرية وسيولة نسقها املعياري ،وميكننا أن نرجع ذلك
ابلطبع إىل أن ويرث واىل حد ما ردفيلد كاان أسريين للفرتة الزمنية اليت عاشاها.
4ـ وأخريا من املالحظ أن الكثري من الفروق اليت يفرتض علماء االجتماع وجودها بني جمتمع القرية وجمتمع املدينة
ليست عامة أو عاملية كما يتصورون .فمثال االفرتاض أبن األسرة الكبرية أو املمتدة ظاهرة ريفية أكثر منها حضرية
ولكن احلال ليس كذلك يف جمتمعات مرح لة ما قبل الصناعة .كما يفرتضون أيضا أن املدينة أكثر علمانية من الريف،
وكلها أراء ال تسلم من االنتقادات اجلادة..حيث تفككت األسر الريفية يف كثري من األحيان بسبب حقوق اإلرث إىل
1
مجاعات اصغر فاصغر .وقد حدث هذا يف وقت مل يكن فيه للتصنيع أي اثر بعد.
سابعا :نظرية املتصل الريفي -احلضري.
لقد حاول بعض الباحثني جتنب الصعوابت اليت جنمت عن االستعانة ابلنموذج املثايل يف دراسة الفروق الريفية –
احلضرية ،وتطوير اجتاه مركب السمات – أو استخدام احملكات املتعددة -عن طريق اإلفادة من اخلصائص اليت
كشفت عنها البحوث الواقعية ،فطوروا ما يعرف ابملتصل الريفي – احلضري .حيث يشري إىل وجود نوع من التدرج
القائم بني اجملتمعات يف درجة الرتيف والتحضر ،حبيث يصبح من اليسري بعد ذلك أن يقع أي جمتمع إنساين على نقطة
2
معينة من هذا املتصل.
وعلــى هــذا األســاس وضــع ردفيلــد صــاحب هــذه النظريــة ثنائيــة جمتمعيــة مــن اجملتمــع احلضــري واآلخــر اجملتمــع الريفــي
(الفولــك) .وتعتمــد هــذه النظريــة علــى دراســة مقارنــة أجراهــا علــى أربــع جمتمعــات مبقاطعــة يوكنــان ابملكســيك ،إذ درس
املتغريات اليت نقيس درجة التحضر جمتمع الفولك وكذا احلضرية ومصـاحباهتا .وقـد وضـع رد فيلـد تلـك اجملتمعـات علـى
متصل يعرب عن درجة تعقد األنظمة االجتماعية وخصائص كل منها 3.فمن خالل ،التعـرف علـى مضـمون هـذه النظريـة،
يتبــني وأهنــا وضــعت أنســاقا وأدوات لتحســني التنميــة وتشــخيص الواقــع احلضــري والريفــي ،مــن خــالل تــدرج اجملتمــع عــرب
خصائص معينة من جمتمـع الريـف إىل جمتمـع احلضـر .ولعـل مـا يلفـت االنتبـاه ،هـو أهنـا قـدمت بعـض املتغـريات الـيت تـدل
علـى تقــدم أو ختلـف جمتمــع مـا وعلــى مــدى اقرتابـه أو بعــده عـن التحضــر .وبنــاء علـى اخلصــائص السـابقة حــدد ريدفولــد
ثالثة مقومات أساسية للتحول احلضري ومصاحباته ،فاحلضرية تؤدي إىل:
خالصة:
1أنتوين جيدنز ،علم االجتماع ،مع مدخالت عربية ،ترمجة فايز الصباغ ،ط( ،1بريوت :املنظمة العربية للرتمجة ،)2005 ،ص.599.
2وجدي شفيق عبد اللطيف ،علم االجتماع احلضري والصناعي( ،مصر :دار املصطفى للنشر والتوزيع ،)2005 ،ص.70.
3عبد املنعم شوقي ،جمتمع املدينة ،االجتماع احلضري ،ط( ،7بريوت :دار النهضة العربية ،)1981 ،ص.137.
4إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.11.
5فؤاد بن غضبان ،علم االجتماع احلضري ،ط( ،1عمان :دار الرضوان للنشر والتوزيع ،)2014 ،ص.36.
29
وذهب ابرك متفقا مع تونييز إىل أن هيمنة السوق ستؤدي إىل االهنيار املستمر للطرق التقليدية يف احلياة ،وسيتحول
االهتمام السابق ابلعالقات األسرية والروابط احمللية ...والطبقة واملكانة حتما إىل نظام مثل اجملتمع الذي يعتمد على
التعاون واملصاحل املهنية 1.وأن املدينة احلديثة تتسم ابلبناءات الرمسية عن طريق وجود ما يسمى بسيطرة البريوقراطيات
على نطاق واسع ،وستلعب األجهزة البريوقراطية مثل البوليس واحملاكم واملؤسسات التطوعية اخلريية ومؤسسات
الرفاهية االجتماعية دورا متزايدا يف احلياة احلضرية 2.ففي معرض أتكيده على البعد النفسي للحياة احلضرية ،فقد
أوضح أن احلياة داخل املدينة جتعلها اقل عاطفية وأكثر عقالنية عن احلياة يف مكان أخر .ومن مث يؤكد على اختفاء
الروابط العاطفية التقليدية يف املدينة قد أدى إىل ظهور روابط اجتماعية جديدة تقوم أساسا على املصلحة .وهنا يبدو
أتثره الواضح أبفكار دوركامي عن التضامن اآليل والتضامن العضوي 3.لذلك قرر أبن احلضرية تنتج طرقا جديدة للحياة
4
ومناذج جديدة من األفراد ،وانه على علماء االجتماع أن يكتشفوا هذه األشكال اجلديدة من مدهنم.
ووضع ابرك أفكاره اخلاصة حول السبل اليت ميكن من امليزات املكانية للمنظمة أتثري البيئة واخلربة .هناك نوعان من
املوضوعات املتداخلة يف عمل ابرك ،وبسبب موقعه احملوري كونه مؤسس علم االجتماع احلضري يف الوالايت املتحدة،
فقد كان لكل من هذه املواضيع أتثري هائل على جمال النامية .أوال ،كان ابرك مهتما ابلبنية املتطورة للمدينة نفسها،
والشكل املادي للمدينة وطريقة استعماالت األراضي املختلفة واألحياء أصبحت موجهة حنو بعضها البعض .وضع
هذا االهتمام أسس مدرسة علم االجتماع احلضري اليت جاءت لتكون معروفة ابسم البيئة احلضرية .اثنيا ،وقد فنت
ابرك أبمناط خمتلفة من التكيف البشري يف املدينة ،أي أساليب حياة املتحضرين .أدى هذا الرتكيز إىل دراسة الثقافة
احلضرية ،أو العمران .ورأى أن كل من هذه العناصر والبيئة والعمران ،تتشابك بشكل طبيعي وهي جمتمعة يف عمله.
5
وكان الرتتيب البيئي العامل املهيمن.
فمن خالل املدينة بوصفها مكاان جغرافيا ،وكذلك ابعتبارها نطاقا أخالقيا ،ميكن من خالل التحليل الوظيفي هلا
إبراز إمكاانت احلياة الثقافية واألخالقية فيها 6.فإيكولوجية املدينة ال تعين االقتصار على تتبع التقسيم املكاين
الداخلي للمدينة ،أو وضع خريطة ملختلف األشياء اليت توجد هبا ،وإمنا ما أراده يف احلقيقة اكتشاف أتثري هذه الظواهر
الفيزيقية يف خربة سكان املدينة اإلنسانية والعاطفية ودورها يف تشكيلها .فالظروف النفسية واألخالقية للحياة يف
املدينة سوف تعكس نفسها بصورة طبيعية يف كيفية استغالل املكان ويف أمناط احلركة اإلنسانية واالنتقال ....اخل،
7
وافرتض ابرك مبعىن آخر أن الثقافة تتجلى يف األشياء املصنوعة وأن املدينة هلا طابع عضوي.
متهيد:
االجتاهات االيكولوجية احلديثة:
أوال :البدائل االيكولوجية لدراسة النمو احلضري.
1ـ منوذج الونزو.
2ـ منوذج االتصال.
3ـ منوذج حتليل األنظمة.
4ـ التحليل العاملي.
اثنيا :ـ النظرية االيكولوجية احملدثة :كوين ،اموس هاويل ،شنور ودنكان.
1السيد عبد العاطي السيد ،علم االجتماع احلضري ،مدخل نظري( ،اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية ،)1996 ،ص ص.318.320.
2فؤاد بن غضبان ،مرجع سابق ،ص.41.
36
اثلثا :ـ النظرية االيكولوجية السوسيو-ثقافية.
رابعا :ـ نظرية حتليل املناطق االجتماعية.
خامسا :ـ نظرية الثقافة احلضرية لويس ويرث.
خالصة.
متهيد:
هتدف هذه احملاضرة إىل عرض االجتاهات االيكولوجية احلديثة ،انطالقا أوال من البدائل االيكولوجية لدراسة النمو
احلضري ممثلة يف منوذج الونزو ،منوذج االتصال ،منوذج حتليل األنظمة ،وانتهاءا ابلتحليل العاملي .واثنيا عرض النظرية
االيكولوجية احملدثة من خالل أعمال كل من كوين ،اموس هاويل ،شنور ودنكان .واثلثا عرض النظرية االيكولوجية
السوسيو-ثقافية .ورابعا حتليل املناطق االجتماعية .وخامسا وأخريا عرض نظرية ويرث احلضرية كأسلوب حياة.
أوال :البدائل االيكولوجية لدراسة النمو احلضري.
صاحبت االنتقادات الشديدة اليت مست املبادئ األساسية اليت تقوم عليها النظرية االيكولوجية الكالسيكية،
ظهور حماوالت حبثية ضيقة النطاق وتنظريية تسعى إىل االهتمام ابلبناءات االيكولوجية واالجتماعية منها:
37
1ـ منوذج الونزو :ويتلخص يف نظريته إىل استعماالت األرض على أهنا تتباين حسب أمثاهنا وإجياراهتا طبقا للبعد أو
القرب من مركز املدينة ،ومن املراكز الثانوية األخرى.
2ـ منوذج االتصال :فيقوم على فكرة أساسية مفادها أن السبب الرئيسي لنمو املدن واتساعها يتمثل يف سهولة
االتصال واالنتقال.
3ـ منوذج حتليل األنظمة ينظر أنصار حتليل األنظمة إىل املدينة على أهنا تتألف من جمموعة من األنظمة أو األنساق
الفرعية املتبادلة التأثري والتأثر.
4ـ منوذج التحليل العاملي :حياول أنصار التحليل العاملي حصر العديد من املتغريات املؤثرة يف ايكولوجية املدينة ،مث
1
حتديد األمهية النسبية لكل منها.
الفكرة األساسية هنا هي اجتاه الباحثني اجتاها مغايرا عندما كرسوا جهودهم لتطوير نظرية ايكولوجية تدخل بعني
االعتبار ما جتاهله أسالفهم االيكولوجيني .ومنذ ظهور هذا العمل اجلديد خالل اخلمسينات سيطر توجهان فكراين
أطلق عليهما املدخل االيكولوجي احملدث ،واملدخل السوسيو -ثقايف .والواقع أن اإلسهام احلقيقي الذي قدمه هذين
املدخلني يتمثل يف دراستهم للمجتمع احمللي كوحدة مكانية وكوحدة للتنظيم االجتماعي (من خالل معاجلة اجلوانب
غري املكانية حلياة اجملتمع كالثقافة والقيم واألشكال النظامية للسلوك والفعل والعالقات االجتماعية).
اثنيا :ـ النظرية االيكولوجية احملدثة:
متثل النظرية االيكولوجية احملدثة منوذجا جديدا للنظرية االيكولوجية الكالسيكية ،وتستند إىل فكرة أساسية هي أن
النظرية االيكولوجية كأي نظرية سوسيولوجية أخرى جيب أن تغطي كل سلسلة الظواهر االجتماعية .ولقد ظهرت
األعمال اليت تندرج حتت هذه النظرية يف جمموعتني :أعمال الباحثني الذين اهتموا ابلبعد املكاين ،وأعمال الباحثني
الذين اهتموا ابلظواهر االجتماعية وشبه االجتماعية على حد سواء .وبرغم أن هاتني اجملموعتني طرحت أراء متعددة
إال أهنما يف الواقع تلتقي يف نقطة أساسية وهي إعادة صياغة النظرية االيكولوجية املبكرة.
حيث اعتمد البـاحثون احملـدثون الدارسـتني لعقـل املدينـة يف إطـار النظريـة اإليكولوجيـة .علـى فكـرة أساسـية جديـدة،
وهي أن النظرية اإليكولوجيـة جيـب أن تشـمل كـل الظـواهر االجتماعيـة .ولتبيـان اإلسـهامات اجلديـدة عـرب هـذا النمـوذج
احملــدث ،ســوف نســتعرض إســهامات كــل مــن كــوين ( )Quinوأمـوس هــاويل ( )A.Aauleyوشــنور( )chnoreودنكــان
2
(.)D.Duncan
وحيث أن القضية على هذا القدر من التشابه والتعقيد فإنين اعتقد انه من األسهل واألسلم التعرض للموقف
3
حسب املفكرين.
1إمساعيل قرية ،علم االجتماع احلضري ونظرايته( ،قسنطينة :منشورات جامعة منتوري ،)2004 ،ص.70.
2جريالد بريز ،جمتمع املدينة يف البالد النامية ،دراسة يف علم االجتماع احلضري ،ترمجة حممد اجلوهري( ،اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية،)1989 ،
ص.209-207.
3إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.71.
38
1ـ نظرية كوين:
حيصر كوين موضوع االيكولوجيا يف املشكالت املرتبطة بتقسيم العمل ،وأتثريه على التوزيع املساحي واجلغرايف،
ويرى أن املشكالت املختلفة اليت خيربها اجملتمع ال ميكن إخضاعها كلها – من الناحية العملية -للتحليل االيكولوجي،
1
األمر الذي يدعو إىل االهتمام أكثر ابلعالقات التبادلية بني اجلماعات والبيئة.
وحيصر هذا الباحـث موضـوع اإليكولوجيـة احلضـرية يف إشـكالية تقسـيم العمـل وأتثـريه علـى التوزيـع اجملـايل .مـن جهـة
أخرى يرى كوين أنه ال ميكـن إقامـة حتليـل إيكولـوجي شـامل لكـل املشـكالت احلضـرية ،بـل جيـب يف املقابـل الرتكيـز علـى
العالقــات اجلدليــة بــني اجلماعــات والبيئــة .وهكــذا أتــى هــذا الباحــث مبفــاهيم جديــدة مثــل البيئــة واجملتمــع احمللــي احلضــري
2
ومنطقة املركز احلضري.
2ـ نظرية أموس هاويل:
وإذا انتقلنا إىل أموس هاويل جند انه يقدم نظرية جديدة اعتربت مبثابة اجلسر املوصل بني النظرية االيكولوجية
املبكرة والنظرية االيكولوجية يف صورهتا الراهنة .فمحاوالته تركزت حول دراسة اجملتمع احمللي ،من حيث وصف
خصائصه ،وحتليل بنائه واالجتاهات الكامنة يف هذا البناء ،والكشف عن أتثري التغريات الداخلية واخلارجية على تنظيم
خمتلف التجمعات السكانية 3.ومن هذا املنطلق اعترب اجملتمع احمللي كوحدة للتحليل ،مع أتكيده على البعد املكاين
والزماين عند التحليل ،وتكامل اجلوانب السيكولوجية واألخالقية والقيمية السائدة.
وجيب اإلشارة إىل أن إسهاماته هي يف الواقع حلقة وصل بـني النظريـة اإليكولوجيـة الكالسـيكية واحملدثـة علـى اعتبـار
أهنا تركز على مجلة من املواضيع ذات الصلة وهي:
ـ إن موضوع اإليكولوجية هو الطريقة الوحيدة اليت من خالهلا حيافظ األفراد على أنفسهم داخل بيئة دائمة التغري.
ـ اجملتمع احمللي هو وحدة التحليل.
ـ األفراد أعضاء داخل اجلماعات.
ـ اإلهتمام ابلبعد املكاين.
ـ اإلهتمام ابلبعد الزمين.
ـ التكامل بني العوامل السيكولوجية واألخالقية.
ـ األنشطة ترتبط بنسق القيمة السائد.
ـ عدم الفصل بني الظواهر شبه اجتماعية والثقافية واالجتماعية.
4
ـ اعتبار التكيف الثقايف إحدى املواضيع األساسية يف التحليل اإليكولوجي.
1محيد خروف وآخرون ،اإلشكالية النظرية والواقع ،جمتمع املدينة منوذجا( ،قسنطينة :منشورات جامعة منتوري ،)1999 ،ص.47.
2إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.75.
3إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.75.
4إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.76.
5جريالد بريز ،مرجع سابق ،ص.19.
6فادية عمر اجلوالين ،علم االجتماع احلضري( ،الرايض :دار عامل الكتب للنشر والتوزيع ،)1984 ،ص.69-65.
7إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.77.
41
تطورت فيما بعد البحوث اإليكولوجية ،من خالل االعتماد أكثر فأكثر على تقنية التحليل الكمي يف الدراسات،
وحتليل املناطق اإلجتماعية ،خصوصا عرب استخدام النماذج اليت طورها كل من شيفكاي وابل ()Shevky et Bell
يف األربعينات واخلمسينات من القرن العشرين 1.لدراسة التباين االجتماعي واملسافة االجتماعية ،فقد درسا البناء
االجتماعي احلضري من خالل ثالثة مكوانت هي:
1ـ الرتبة االجتماعية (املهنة ،التعليم ،اإلجيار).
2ـ التحضر (اخلصوبة ،عمالة املرأة ،إقامة األسرة النووية).
2
3ـ العزل العنصري (التمركز الساليل ،أو مجاعات األقلية يف إحدى مناطق املدينة).
وأشــارا إىل أن املدينــة ،مــا هــي إال نتــاج تغــري مســتمر للحيــاة هبــا ،وحــددا مســار هــذا التغــري مــن خــالل :تعقــد البنــاء
املهــين ،وحتــول البنــاء اإلجتمــاعي ،وتغــري الرتكيبي ـة الســكانية .وابســتخدامهما ملقيــاس التحليــل العــاملي ،اشــتقا مؤش ـرات
التغــري وهــي (الرتبــة اإلجتماعيــة ،والتحضــر ،والعــزل العنصــري) .كمــا أهتمــا بدراســة املــدن مــن خــالل املتغـريات التاليــة:
ارتف ــاع مع ــدل النس ــاء الع ــامالت ،وإخنف ــاع مع ــدل ال ــوالدات ،وإخنف ــاع كثاف ــة التمل ــك .وإبس ــتخدامها دائم ــا للتحلي ــل
3
العاملي ،توصال إىل أن أحسن مؤشرين للبحث عن التعمري مها معدل اخلصوبة واألسرة النووية.
النقــد املوجــه لنظريــة حتليــل املنــاطق االجتماعيــة :تعــرض منــوذج حتليــل املنــاطق االجتماعيــة النتقــادات عديــدة اســتنادا إىل
اعتبارات نظرية وواقعية .وأول هذه االنتقـادات أن هـذا النمـوذج يفتقـر إىل الصـدق االمربيقـي ،وعـدم املالئمـة النظريـة،
كمــا أن املؤشـرات الثالثــة الــيت اســتخدمها شــيكفاي وابل لدراســة البنــاء االجتمــاعي احلضــري ليســت إال جتريــدات غــري
4
ضرورية تزيد من تعتيم الفائدة العملية للقياسات اإلحصائية اليت اشتقت منها.
خامسا :نظرية الثقافة احلضرية لويس ويرث ()1897-1952
اهتم لويس ويرث ،بوضع الركائز األساسية هلذه النظرية منطلق من أن املدينة متغريا أساسيا لتفسري بعض األمناط
احلضرية واليت جعلت منها وعاءا ثقافيا إبمكاهنا عرض الثقافة احلضرية ابعتبارها طريقة للحياة .فاحلياة احلضرية على
ذلك عملية تسعى يف النهاية إىل إحداث التنظيم املكاين لعناصر البناء االجتماعي السائد مبنطقة جغرافية حمددة 5.ويف
هذا اإلطار تؤكد اغلب الدراسات احلضرية على عدم وجود طريقة واحدة للعيش يف نطاق املدينة ،فالطرق اليت ينظم
6
هبا األفراد حياهتم ختتلف حسب املوروث الثقايف وموقع الفرد يف إطار نظام اجملتمع احمللي.
وإذا كان البناء االجتماعي يتكون من جمموعة متصلة ومنمطة من العالقات االجتماعية اليت تربز من خالهلا أدوار
األفراد ووظائفهم ،فإن للبناء االجتماعي احلضري أمهية حيوية يف تشكيل الشكل احلضري السائد فهو يتسم خبصائص
1
Bardo, J,W and Hartman, J.J, Urbaban Sociology, )Peacock Publishers, Tennessee, 1982(, P.62-66.
2إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.77.
3إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.78.
4إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.78.
5فؤاد بن غضبان ،علم االجتماع احلضري ،ط( ،1عمان :دار الرضوان للنشر والتوزيع ،)2014 ،ص.49.
6إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.08.
42
معينة لعل أمهها سيادة العالقات غري الشخصية اليت تظهر يف شكل التفاعالت والعالقات املستمرة بني األفراد .كما
أن درجة التجانس الثقايف ابملركز احلضري تؤثر على كيفية ممارسة األفراد ألدوارهم ،وعلى نوعية العالقة االجتماعية
السائدة بني ساكين النمط احلضري والوافدين إليها من املناطق الريفية ،ومن الطبيعي أن ترتبط ظاهرة تركز السكان
ابملركز احلضري وشكل االتساع واالمتداد فيه بطبيعة الرتكيب الطبقي ابلنمط احلضري حبيث يؤثر ذلك على تكوين
الطبقة وحتديد عالقتها بغريها من الطبقات 1.غري أن البناء االجتماعي يف اجملتمع احلضري ال ينشأ من فراغ وال يتحرك
2
إىل غري هدف ،وإمنا يتحدد إطاره ابهليكل الثقايف للمجتمع الكلي أوال واحلضري اثنيا.
وجيمع كثري من منظري النظرية احلضرية على أن مقالة لويس ويرث املوسومة بـ احلضرية كطريقة يف احلياة أول عمل
كالسيكي أرسى فيه الدعوة األوىل هلذا التوجه النظري الذي ظهر لدى .كثري من علماء االجتماع يف حماولتهم اإلجابة
على التساؤل الذي يدور حول األمناط والعمليات اليت تتضمنها عملية حتول طريقة احلياة السابقة على التصنيع
والتحضر إىل نظام صناعي حضري .وقد حاول ويرث صياغة نظرية متكاملة من خالل طرح تعريف وسؤال وإجاابت
متتالية على هذا السؤال .فالتعريف فهو الذي بدأ به ويرث وكان تعريفا للمدينة مؤداه :أهنا موقع دائم يتميز بكرب
احلجم وبكثافة عالية نسبيا وبدرجة ملحوظة من الالجتانس بني سكانه .أما السؤال فيدور حول الصور واألشكال
اجلديدة للحياة االجتماعية ،واليت قد ينجم عن اخلصائص األساسية املميزة للمجتمع احلضري )احلجم والكثافة
3
والالجتانس(.
احلجم :ذهب ويرث إىل أن حجم السكان مبفرده سيخلق تنوعا كبريا يف اخلصائص الثقافية واملهنية يف املدينة ،ويرجع
ذلك جزئيا إىل وعيه هبجرة اجلماعات املختلفة إىل املدينة .وهذا العدد الكبري من السكان سيدعم منو التخصص،
وسيظهر بناء مهين يعتمد عل ى التخصصات املختلفة ،وهذا التخصص سينظم العالقات اإلنسانية على أساس
4
املصلحة اخلاصة.
ويشري ويرث مباشرة إىل مالحظات فيرب وزميل أن العالقات االجتماعية النموذجية جيب أن تكون أكثر ضحالة يف
املدينة بسبب األعداد اهلائلة املعنية .فالعالقات اإلنسانية جمزأة للغاية أو خاصة ،وهكذا تتميز املدينة عن طريق
العالقات الثانوية بدال من االبتدائية .وال يزال الكثري من هذه العالقات وجها لوجه ،لكنها سطحية وغري شخصية،
وعابرة وفقا لويرث ،وعلينا أن ننظر إليهم كمجرد وسيلة لتحقيق الغاايت اخلاصة بنا ،وليس لقيمة العالقة نفسها.
فويرى ويرث أن األفراد يف احلياة احلضرية كسبوا بعض العناصر من التحرر من سيطرة اجملموعة احلميمة ،لكنهم فقدوا
أيضا االطمئنان الذي أييت من احلياة يف جمتمع أكثر تكامال عاطفيا .فجنبا إىل جنب مع احلرية أييت الفراغ االجتماعي
والشعور ابلشذوذ .على الرغم من أن تقسيم العمل ومنو التخصص (حىت بني املدن نفسها) يؤدي إىل التكافل
1
William G. Flanagan, op.cit, P.85.
2وجدي شفيق عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص.79.
3وجدي شفيق عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص.80.
4
William G. Flanagan, op.cit, P.83.
5سعيد انصف ،علم االجتماع احلضري ،املفاهيم والقضااي واملشكالت ،ط( ،1مصر :دار الكتب والواثئق القومية ،)2006 ،ص.83.
6فؤاد بن غضبان ،علم االجتماع احلضري ،ط( ،1عمان :دار الرضوان للنشر والتوزيع ،)2014 ،ص.52.
7سعيد انصف ،مرجع سابق ،ص.84.
8سعيد انصف ،مرجع سابق ،ص.81.
45
4ـ التأكيد على املدينة كمتغري أساسي دون إيضاح للعالقة التأثريية بني املدينة والنسق االجتماعي الثقايف الكلي
والذي تعترب املدينة جزء منه – اعترب املدينة كوحدة للتحليل االجتماعي احلضري -العالقة بني القيم والبناء
االجتماعي .القيم واملشكالت احلضرية.
5ـ يغفل متغري البيئة ،والتكنولوجيا ،وكذا متغري القوة (الصفوة).
خالصة:
الواقع أن اإلسهام احلقيقي األول الذي جاء به أصحاب هذه النظرية يتمثل يف دراستهم للمجتمع احمللي كوحدة
مكانية وكوحدة للتنظيم االجتماعي (من خالل معاجلة اجلوانب غري املكانية حلياة اجملتمع كالثقافة والقيم واألشكال
النظامية للسلوك والفعل والعالقات االجتماعية) .واإلسهام الثاين يتمثل يف اهتمامهم ابلظواهر االجتماعية وشبه
االجتماعية على حد سواء .واإلسهام الثالث يتمثل يف القفزة النوعية للدراسات اإليكولوجية ،واليت كانت تركز على
املكان وتنظر ابلتايل إىل املشاكل احلضرية على أهنا نتاج طبيعة املكان ليس إال ،لتنتقل إىل فكرة نوعية جديدة ،تعترب
من خالهلا هذه املشاكل االجتماعية على أهنا أيضا انمجة عن طبيعة اجلماعة وبناءها وفاعلها مع الوسط االجتماعي.
ومن مث فهذه النظرية جاءت للتأكيد على دور الثقافة يف حتديد السلوك البشري.
ولكن وابلنظر إىل االنتقادات الكثرية الـيت وجهـت إىل أصـحاب هـذا الطـرح النظـري وخاصـة فيمـا يتعلـق ب ـ ابفتقارهـا
إىل الصـدق االمربيقـي ،وعـدم املالئمـة النظريـة ،وغيـاب الرؤيـة التارخييـة املقارنـة .ابإلضـافة إىل املبالغـة إىل حـد كبـري يف
تقدير العلمانية والتفكـك كسـمات مميـزة للمجتمـع احلضـري .فـإن احلاجـة دعـت إىل بلـورت تصـور نظـري يتجـاوز هـذه
العقبات.
1
William G. Flanagan, op.cit, P76.
2إمساعيل قرية ،علم االجتماع احلضري ونظرايته( ،قسنطينة :منشورات جامعة منتوري ،)2004 ،ص.08.
3
Catherine Colliot, la sociologie de Max Weber, )Paris: La découverte, 2006(, p.50.
4عبد هللا إبراهيم ،االجتاهات واملدارس يف علم االجتماع ،ط( ،2بريوت :املركز الثقايف العريب ،)2010 ،ص.96.
5
William G. Flanagan, op.cit, P76.
48
تنظيم االستيطان البشري .ويفرتض مفهوم النموذج املثايل هذا إمكانية إجياد وصف رشيد (عقلي) ألية ظاهرة اجتماعية
مثل ظاهرة املدينة 1.ومن مث فما ندين به لفيرب هي تلك األداة التصورية األساسية ،واملتمثلة يف النمط املثايل ،وهي
عبارة عن منوذج تركييب ،يستخدم كقياس ،ميكن تقييم احلاالت الواقعية بناءا عليه.
ويعرف فيرب النموذج املثايل أبنه تصور عقلي يتشكل من خالل ظهور مسة أو أكثر من صفات وخصائص األشياء
أو الظواهر موضع املالحظة يف احلياة الواقعية ،كذلك فإن النموذج املثايل ليس غرضا ،إمنا هو أداة أو وسيلة لتحليل
األحداث التارخيية امللموسة واملواقف 2.وتتم صياغة النمط املثايل من خالل إبراز متميز عمدا لوجهة نظر معينة أو
أكثر ،والتأليف بني عدد كبري جدا من الظواهر(أي جتسيدات النمط) الفردية الواقعية الشاسعة إىل حد ما – ولكنها
قد تغيب أحياان – ويتم ترتيب هذه الظواهر (أو التجسيدات الواقعية) طبقا لوجهات النظر املختارة عمدا حبيث
يصبح وحدة حتليلية موحدة .ومثل هذا البناء العقلي (أي املفهوم) ليس له أي وجود يف صورته اخلالصة على صعيد
الواقع امللموس يف أي مكان 3.ومن مث فالنماذج املثالية ،ما هي إال تصورات عقلية خالصة ،يطرحها الباحث ،لتكون
مبثابة مرشد له ،وللباحثني اإلجتماعيني عموما ،الذين يسعون لفهم الواقع ،ومعرفة العالقات السببية ،اليت تؤدي إىل
حدوث الظواهر وتكرارها.
لقد وضع فيرب تصنيفا ألمناط الفعل االجتماعي واليت ميكن االستعانة هبا يف بناء النماذج املثالية للسلوك حيث
حدد أربعة أمناط للفعل االجتماعي وفقا ملساره واجتاهاته على النحو التايل :الفعل العقلي ،الفعل القيمي ،الفعل
4
العاطفي ،الفعل التقليدي.
وعرب هذا النموذج املثايل الذي من شأنه أن حيدد العناصر األساسية اليت تشكل املدينة ،بعد النظر يف جمموعة
متنوعة من اخلصائص اليت مت العثور عليها مرتبطة ابملدن اترخييا ،وصل إىل الصيغة التالية :يشكل اجملتمع احلضري
الكامل تسوية جيب أن تعرض الغلبة النسبية لعالقات التبادل التجاري ومع التسوية ككل عرض امليزات التالية:
التحصينات ،السوق ،حمكمة من تلقاء نفسها ،وعلى األقل القانون مستقل جزئيا؛ واألخذ أبحد أشكال تكوين
اجلمعيات؛ مث احلكم الذايت اجلزئي على األقل ،واالستقالل السياسي اجلزئي على األقل ،وأيضا إدارة من قبل سلطات
5
انمجة عن املشاركة يف االنتخاابت.
ولكنه ذهب إىل أن حتقيق ذلك بدون االهتمام الواعي ابملدن الفعلية يف األمناط املختلفة من العامل ،ويف أزمان
خمتلفة سيؤدي إىل نظرية حضرية ذات قيمة حمدودة جدا 6.لذلك جنده يؤكد على ضرورة دراسة املدن يف خمتلف أجزاء
1غريب حممد سيد امحد ،علم االجتماع احلضري( ،االزاريطة :دار املعرفة اجلامعية ،)2006 ،ص.23.
2حممد امحد بيومي ،اتريخ التفكري االجتماعي( ،اإلسكندرية ،)1998 :ص.202.
3حممد اجلوهري وآخرون ،اتريخ التفكري االجتماعي ،الرواد ،ط( ،1األردن :دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة ،)2011 ،ص.195.
4حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف ،املدخل إىل علم االجتماع( ،القاهرة :دار الكتب ،)2005 ،ص.140.
5
William G. Flanagan, op.cit, P77.
6وجدي شفيق عبد اللطيف ،علم االجتماع احلضري والصناعي( ،مصر :دار املصطفى للنشر والتوزيع ،)2005 ،ص.57.
49
العامل ويف مراحل اترخيية متباينة ،ومن مث كانت هذه الدعوة من جانبه متثل أول إسهام نظري ومنهجي ذا قيمة يف علم
1
االجتماع احلضري.
2
عرف فيرب الفعل االجتماعي أبنه سلوك إنساين ظاهر ومستمر مينحه الفرد الفاعل معىن ذاتيا.
فاملدينة هي الشكل االجتماعي الذي يسمح بدرجة عالية من الفردية والتميز يف كل مظهر واقعي من املظاهر
املوجودة يف العامل .ولتحديد معىن املدينة ال ميكن االقتصار على وصف منط حياة منفرد ،ولكن ابعتبار أهنا احد
البناءات االجتماعية اليت تعمل على إجياد أساليب حياة ملموسة ومتعددة ،وهكذا تصبح املدينة جمموعة من البناءات
االجتماعية اليت تعمل على تشجيع الفردية والتجديد ،ومن مث تصبح أداة للتغري التارخيي .حيث افرتض فيرب أن املدن
3
احلديثة ال توضح أو تعرب عن املدينة ابعتبارها ثقافة .فقد نظر إىل املدن يف أايمه على أهنا نظم بدائية ومتخلفة.
4
ويف هذا اإلطار اعتقد فيرب مثل دوركامي إمكانية أن تكون املدن عوامل اجيابية وقوى حتريرية يف احلياة اإلنسانية...
إذ حاول توضيح الظروف االجيابية املؤثرة على احلياة العامة للناس ،وعلى هذا اهتم ابملدينة يف املاضي أكثر من
اهتمامه هبا يف احلاضر 5...كما أنه من انحية أخرى ابتعد متاما عن االجتاه التصوري أو الشكلي الذي تبناه زميله زميل
وحاول جاهدا أن يوضح الظروف اليت جتعل دور املدينة اجيابيا أو ابتكاراي يف احلياة العامة لإلنسان مستعينا يف ذلك
6
بدراسته ملدن املاضي أو املدن القدمية ومعتمدا يف نفس الوقت على تصور خاص يف تعريفه للمدينة.
النقد املوجه لفيرب:
من خالل عرض أفكار ماكس فيرب يتضح لنا التزامه االديولوجي الواضح ابلنظام الرأمسايل ومتجيده ،واعتباره النظام
األمثل للبشرية الذي جيب احلفاع عليه وإدخال التحسينات والتعديالت به 7.وهكذا فرغم أمهية املنظور التارخيي
عند فيرب يف تناول الظاهرة احلضرية من منظور متعدد األبعاد ،فإنه بتعريفه النموذجي املثايل للمدينة يسقط يف النزعة
املركزية عندما اعترب أن مفهوم املدينة ال توجد إال يف أوراب الغربية ،ورغم تركيز فيرب يف دراسته على مدن حقيقية من
منظور ثقايف واترخيي مقارن ،و لك نه لألسف مل يقدم عن املدينة احلديثة إال القليل 8.وعلى هذا اهتم ابملدينة يف املاضي
9
أكثر من اهتمامه هبا يف احلاضر.
2ـ جورج زميل واحلياة العقلية للمرتوبوليس ()1858-1918
1سعيد انصف ،علم االجتماع احلضري ،املفاهيم والقضااي واملشكالت ،ط( ،1مصر :دار الكتب والواثئق القومية ،)2006 ،ص.64.
2عامر مصباح ،علم االجتماع ،الرواد والنظرايت ،ط( ،1اجلزائر :دار األمة ،)2005 ،ص.83.
3غريب حممد سيد امحد ،مرجع سابق ،ص.23.
4وجدي شفيق عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص.60.
5غريب حممد سيد امحد ،مرجع سابق ،ص.22.
6فؤاد بن غضبان ،علم االجتماع احلضري ،ط( ،1عمان :دار الرضوان للنشر والتوزيع ،)2014 ،ص.43.
7حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص.146.
8سعيد انصف ،مرجع سابق ،ص.84.
9غريب حممد سيد امحد ،مرجع سابق ،ص.22.
50
1
لقد تضمنت نظريته فكرتني أساسيتني مها األوىل وتدور حول مميزات املدينة والثانية ترتبط ابستجاابت سكاهنا.
حيث ركز جورج زميل على حتديد خصائص احلياة احلضرية واستجاابت ساكنيها ،وذلك يف ضوء مجلة من املفاهيم
املتعلقة بـ األمناط السلوكية ،التكيف احلضري ،العالقا ت غري الشخصية ،انقسام احلياة االجتماعية إىل جماالت منفصلة
(األسرة ،العمل ،األصدقاء... ،اخل) ،التنظيم العقالين للوقت يف املدينة ،التنظيم العقالين للنشاط (تقسيم العمل)،
الالمباالة ،االنعزال والتحفظ االجتماعي ،وإذا كانت هذه املفاهيم تشكل يف جوهرها خصائص احلياة احلضرية
واستجاابت ساكنيها لضغوط هذه احلياة الصعبة واملعقدة املستندة إىل العقالنية والواقعية 2.فاجملتمع ينشأ من وجهة
وعلى هذا األساس تركز 3
نظر زميل من خالل التفاعل النفسي بني الكائنات اإلنسانية كأفراد ،وكأعضاء يف مجاعات.
نظرية زميل على التمييز بني طبيعة العالقات االجتماعية من انحية الشكل أو الصورة ،وما تنطوي عليه من مضمون
اجتماعي ،الن العالقات اليت تنشأ بني األفراد يف اجملتمع كالصراع ،والتنافس ،واخلضوع وتقسيم العمل ،والتقسيم
4
الطبقي وغريها موجودة يف خمتلف ميادين احلياة االجتماعية.
وهلذا يرى زميل أن أهم ما مييز املدينة احلديثة هو ما أطلق عليه تكثيف اإلاثرة النفسية والعصبية اليت ينبغي على
ساكن املدينة أن يتغلب عليها .وان املدينة هتاجم الفرد ابستمرار أبشكال خمتلفة ،وانه لكي يسيطر الفرد على املوقف،
ف انه يتعلم أو يكتسب القدرة على التمييز الدقيق حبيث يستطيع أن يتمشى مع ما هو هام ،ويبتعد عن كل ما هو غري
5
ذلك .ومن خالل هذه العملية يصبح سكان احلضر ،ومبرور الوقت أكثر تفكريا وعقالنية وواقعية من سكان الريف.
فقد رأى زميل – مثل من عاصروه -يف ظهور العامل احلديث سببا لالهتمام بكيفية قدرة الفرد أو هل ميكن للفرد
إبقاء روح احلرية واإلبداع قلب العوامل االجتماعية الشاملة .وذهب زميل إىل أن الشخصية ستتعلم تكييف نفسها مع
6
املدينة.
أ ـ خصائص املدينة :يعترب تكثيف املؤثرات العصبية هو العنصر الوحيد للمدينة احلديثة الذي عمل على تفعيل
التكيف ،حيث جيب على ساكن املدينة أن يقاومها .فعلى عكس النظم الريفية حيث يكون رمت احلياة والتدفقات
التخيلية الشعورية أكثر بطئا واعتيادا وحدواث ،فإن املدينة متطر الفرد بصورة مستمرة ابلكثري من الرؤى واألصوات
7
والروائح ،ومن اجل مقاومتها جيب أن يتعلم الفرد كيفية التمييز بينهما بدقة.
متهيد:
النظريـة املاركسية احملدثة:
1ـ هنري لوفيبفر النقد اإلنساين للتحضر.
2ـ مانويل كاستلز واملسألة احلضرية.
خالصة.
55
احملاضرة السادسة :النظريـة املاركسية احملدثة
متهيد:
لقد كان لفشل التصورات النظرية السابقة أن ظهرت وجهة نظر ماركسية لتوفري بديل مفيد للبيئة وللنهج احلضري،
خالل 1970وخالل اجلزء األول من العقد التايل ،هذه التصورات النظرية اليت فشلت يف التنبؤ بدراسات الثقافة
واجملتمع أو شرح االضطراابت يف املناطق احلضرية منذ .1960
فمنذ أواخر ،1960كان هناك ميل من ا لنظرية املاركسية الغربية لتوسيع آفاقها التقليدية من أجل مراعاة خمتلف
احلركات الراديكالية اليت وضعت خارج عملية اإلنتاج واليت ال ميكن ببساطة حتليلها من حيث عالقة أجر العمالة برأس
املال (احلركة النسوية ،التطرف الطاليب يف )1960ويف هذا السياق اكتشفت النظرية املاركسية مشكلة املدينة ،وهي
املشكلة اليت طرحت من خالل تطوير احلركات الراديكالية يف املدن ملوجهة القضااي مثل تراجع اخلدمات العامة يف
املناطق احلضرية ،تدنيس البيئية وهلم جرا .حجة ماركس وإجنلز مفادها أن املدينة الرأمسالية ليست يف حد ذاهتا مهمة
من الناحية النظرية ولذلك فقد مت إعادة النظر يف السنوات األخرية .إعادة النظر هذه مشلت خطوتني .األوىل هي نقد
النظرايت القائمة يف املناطق احلضرية (مثل علم البيئة البشرية) واملمارسة احلضرية (على سبيل املثال التخطيط) أبهنا
عقائدية .مصطلح األيديولوجية مع ذلك ،قد يعين أشياء خمتلفة ملختلف الكتاب ،وهذا يعكس متميزتني (على الرغم
ذات الصلة) معاين هذا املفهوم يف العمل ماركس .وهكذا فقد أكد بعض الكتاب مفهوم األيديولوجيا ابعتبارها وسيلة
إلضفاء الشرعية للسيطرة الطبقية .ويطلق على املفاهيم احلالية من التمدن والتفسريات احلالية للمشاكل احلضرية أبهنا
أيديولوجية على أساس أهنا تعكس وختضع ملصاحل الطبقة الربجوازية.
56
بعد أن أنشأ نقد املفاهيم احلالية مثل التحضر على أهنا عقائدية ،واخلطوة الثانية هي تطوير نظرية ال ختضع ملصاحل
الطبقة املسيطرة أو ال جملرد إضفاء الطابع الرمسي على متثيل األيديولوجية القائمة .حيث يرى التصور األول األزمة
احلضرية كمحور للرأمسالية املتقدمة ،والثاين يرى أهنا اثنوية ابلنظر إىل الصراع الطبقي األساسي يف الصناعة .وبينما يركز
السابق بشأن مسألة إنتاج الفضاء (أي على الطريقة اليت يصبح التنظيم الرأمسايل متديد ومطبوع على مجيع جوانب
احلياة اليومية) ،وابلتايل احلاجة لتطوير أشكال جديدة من النضال ضد اهليمنة الرأمسالية على الفضاء ،ويرى هذا األخري
أن مسألة املناطق احلضرية ال متثل كما كبريا إال بقدر األزمة احلضرية وهي امتدادا للصراع التقليدي ضد اهليمنة
1
الرأمسالية الصناعية لإلنتاج.
مييل بعض الدارسني املعاصرين يف فرنسا منذ بداية الستينات إىل تناول قضااي النمو احلضري السريع ومسألة املدن
اجلديدة ،ومسالة األقليات اإلثنية يف املدينة ،مسألة الطبقات االجتماعية ،الثقافة احلضرية والثقافات الفرعية 2.وخالل
سنوات السبعينات والثمانينات فرضت املدينة نفسها كإشكالية وكظاهرة ابثولوجية تتطلب تدخال إلجياد احللول
املناسبة للمشاكل اليت هتدد اجملتمع احلضري أبكمله ،ويسجل هذا التحول يف الدراسات احلضرية منعطفا حامسا يتمثل
يف انتقال تركيز علم االجتماع احلضري من املسألة االجتماعية املتمحورة حول املسألة العمالية إىل االهتمام ابملشاكل
احلضرية 3.إىل جانب اهتمام علماء االجتماع الفرنسيني يف هناية الستينات بدراسة جمتمع املدينة من منظورات متنوعة:
املاركسية ،البنيوية... ،اخل.
النظريـة املاركسية احملدثة:
يطلق مصطلح املاركسية احملدثة على أولئك املفكرين املتمسكني ابملاركسية التقليدية – كما جاءت عند ماركس-
كإطار نظري ومنهجي ،ولكنهم ينتقدوهنا يف بعض اجلوانب 4.حبيث ينطلقون من احلقائق اجلديدة اليت يفرزها الواقع.
وما يهمنا هنا هو أن التصور املاركسي اجلديد يؤكد أوال على ضرورة االهتداء ابملادية التارخيية لقيادة البحوث
السوسيولوجية وتوجيهها موضوعا وتصميما ،واثنيا موضوع الطبقات االجتماعية والتغري ،حيث يتفق املاركسيون اجلدد
ابن ماركس قد أوىل الطبقات االجتماعية عناية فائقة ابعتبارها مقولة حتليلية وتفسريية لكثري من الظواهر االجتماعية،
وهناك أيضا مسألة الدور الثوري للربوليتاراي واليت أصبحت من قبل البعض حباجة إىل إعادة نظر .واثلثا الوعي ابلواقع
5
والوعي ابملمكن.
ومن مث ف النظرية املاركسية احملدثة تستند إىل املفاهيم املاركسية األساسية وتطبيقاهتا على واقع املدينة .وعلى هذا
6
األساس فهي ترتكز على ما يلي:
1
Peter Saunders, op.cit, pp.104.105.
إمساعيل قرية ،علم االجتماع احلضري ونظرايته( ،قسنطينة :منشورات جامعة منتوري ،)2004 ،ص.103. 2
3إمساعيل قرية ،علم االجتماع احلضري ونظرايته( ،قسنطينة :منشورات جامعة منتوري ،)2004 ،ص.103.
علي غريب ،علم االجتماع والثنائيات النظرية ،التقليدية واحملدثة ( ،قسنطينة :جامعة منتوري ،خمرب علم اجتماع االتصال للبحث والرتمجة،)2007 ، 4
ص.146.
5علي غريب ،املرجع السابق ،ص ص.149 ،148.
6
Lojkine, J, Le marxisme, l'état et la question urbaine, )Paris, PUF, 1977(, PP.61.62.
57
-إن مفهومي اجملتمع والثقافة احلضرية تستعمل يف طياهتا توجيهات إيديولوجيا.
-ينبغي االهتمام ابحملتوى االجتماعي للظواهر ،وال ينبغي النظر إليها يف إطارها الفيزيقي وحسب.
-أن املواقع واجملاالت احلضرية هي مظاهر تفرعت عن الصراع الطبقي.
-جيب معاجلة مشكلة اإلسكان يف عالقة مع االستهالك اجلمعي.
-ينبغي إعادة إدماج املسألة احلضرية يف سياقها التارخيي ويف عالقتها بنط التنظيم اإلجتماعي يف عالقته مع النظام
الليربايل.
-ضرورة اإلهتمام ابلطبقة العاملة واجلماعات اإلجتماعية والربجوازية الكبرية واألقليات احلضرية والصراع ...إخل.
وحنن هنا نركز على هنج اثنني من منظري املاركسية هنري لوفري ومانويل كاستلز الذين سعيا إىل إعادة تشكيل جمال
الدراسات احلضرية من خالل نقد النهج القائمة على مفاهيم احلضر .على الرغم من أن كاستلز رفض يف وقت الحق
من ذلك كثري من أعماله السابقة ،وكانت كتاابته خالل هذه الفرتة تؤطر بشكل كبري إرساء األساس ملا أصبح يعرف
ابسم علم االجتماع احلضري اجلديد ،وأنه من الصعب املبالغة يف تقدير أمهية إرثه يف التطور الالحق يف هذا اجملال.
1ـ هنري لوفيبفر ( )lefebvreالنقد اإلنساين للتحضر:
ليس من املعروف على نطاق واسع عمل لوفيبفر عن التحضر يف العامل الناطق ابللغة اإلجنليزية .ويبدو أن ذلك
يعود إىل صعوبة الوصول النسيب إىل عمله ذا الصلة للبعض من غري املوجود يف الرتمجة اإلجنليزية .بل ويرجع ذلك
جزئيا أيضا إىل حقيقة أن كتاابت كاستلز ،يف املسالة احلضرية ،قد متت قراءهتا ومناقشتها على نطاق واسع ،وهذا
يتضمن طمسا لنظرايت لوفري .وبعبارة أخرى ،إذ ال يتم حتديد حد كبري له ابلنظر إىل إطار كاستلز ،ولكن أيضا كان
هناك حافز يذكر لدراسة أفكار لوفيبفر هذه على ما يبدو على أنه هدم وجتاوز لعمل كاستلز .يف السنوات األخرية،
بدأ لوفيبفر يتلقي املزيد من االهتمام من خالل العمل اجلغرايف احلضري املاركسي من أمثال هاريف وسوجا ،ولكن أتثريه
1
على علم االجتماع احلضري ال يزال هامشي إىل حد ما .ورمبا هذا هو نظرا للمضاربة ،ابلوعي الذايت.
ومع هذا فقد ذهبت إسهامات لوفيبفر مع هناية الستينات إىل إعتبار املدينة حق ،من خالل حق التفكري يف املدينة
وحق العيش فيها وحق تعميم الفراغ احلضري واحلق يف الطبيعة ،فاملدينة شأهنا شأن الطبقات اإلجتماعية جيب
دراستها 2.ويف هذا اإلطار يرصد لوفيبفر بعض التحوالت اليت حدثت على التفكري السوسيولوجي يف فرنسا من حيث
تغري النظرة الراديكالية املاركسية الكالسيكية اليت تركز على التصنيع يف حد ذاته إىل الرتكيز على مفهومي التحضر
3
واحلضر الذين ينطواين على معىن التصنيع.
مييل اخليال احلضري بلوفيبفر أكثر حنو التحليل "على مستوى ميتا" ومع ذلك ،مصلحة لوفيرب يف الديناميات
اليومية للعملية احلضرية ،فهو يطمح حنو صياغة أكثر عاملية من اهلياكل والنظم املشرتكة يف احلياة احلضرية بشكل عام.
1
Peter Saunders, op.cit, P.105.
2
Raulin, A, Anthropologie urbane, )Paris: Armand colin, 2002(, PP.52-57.
3إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.103.
58
على هذا النحو لوفيبفر يوفر أهم عالقة بني النظرية الكالسيكية احلضرية والدراسات العمرانية اجلديدة اليت طورت يف
1
العقود األخرية.
وقد حاول املنظرين والباحثني احلضريني الكالسيكيني واملعاصرين وصف التجربة احلضرية ابستخدام اللغة
األخالقية واجلمالية والفلسفية املتاحة هلم يف ذلك الوقت .ولكن عدد قليل ،مع استثناء ملحوع من أمثال بنيامني
ولوفيبفر ،والذي أراد أن جيادل ،يف جتنب اترخيية املدينة ابعتبارها وسيلة للتمييز التجارب احلضرية السابقة من تلك
اليت نراها اليوم .ومثة عقبة كبرية حلساب منتبذ متغاير التوقيت املدينة هي اللجوء على نطاق واسع إىل السياق التارخيي
2
ابعتبارها قضية توضيحية لبعض الظاهرة العامة.
ويقوم نقد لوفيبفر للنظرايت احلضرية القائمة على احلجة القائلة أبن أي نظام نظري يوجه تصرفات البشر ،يف مثل
هذه الطريقة فإنه يساعد على احلفاع على النظام القائم للعالقات االجتماعية الذي ميكن تسميته ابإليديولوجي أي
التمثيل األيديولوجي إذا كان يساهم إما مباشرة أو بتوسط إلعادة إنتاج عالقات اإلنتاج األيديولوجية ولذلك ال ميكن
فصله عن املمارسة .ويذكر مثاال على ت لك األيديولوجية التقليدية يف اجملتمعات الرأمسالية أن النظام يستنسخ نفسه
بشكل طبيعي ،دون تدخالت هادفة من وكالء اإلنسان ،هلذا ال خيدم فقط إال إضفاء الشرعية على النظام (ما هو
طبيعي مقبول) ،لكنه ينفي أيضا إمكانية التدخالت اجلذرية لتغيريه (ما هو طبيعي ال مفر منه) .سابقا ،ابلفعل ،وابلتايل،
فإننا نرى هنا أساس رفض لوفري من احلتمية املاركسية وكذلك نظرايت الربجوازية ،على حد سواء لديها أتثري عملي
تقزمي تطور العمل الثوري (وهذا هو القول ،املاركسية القطعية اليت تنفي الفعالية الواعية ملوضوعات اإلنسان تنفي أيضا
إمكانية اختاذ إجراء جذري ،وابلتايل تؤدي نفس وظيفة النظرايت الربجوازية يف تقويض عملية النضال ضد اهليمنة
3
الرأمسالية).
فالنظرايت االجتماعية العامة اليت هلا أثر عملي للحفاع على هيمنة مصاحل فئة معينة :إنه دور األيديولوجيات
لضمان موافقة املضطهدين واملستغلني .ويتحقق ذلك عن طريق إخفاء املصاحل احلقيقية للطبقات املسيطر عليها،
وابلتايل احلد من النضال السياسي ضد مصدر سيطرهتم .واملاركسية ليست أيديولوجية يف هذا املعىن ألهنا متكن وتسهل
هذه الصراعات ...يف حجته أن املاركسية ليست أيديولوجية ،لوفيبفر ال يسعى ليعين أن ذلك هو العلم مع نظرة
متميزة إىل احلقيقة والواقع .فمشروع لوفيبفر ،ابلتايل ،هو وضع جمموعة من األفكار حول العمران اليت ميكن أن حتفز
إبجراءات جذرية ضد ما يراه طريقة جديدة وشاملة للجميع من اهليمنة الرأمسالية على احلياة اليومية .وهكذا ترتكز
نظرية احلضرية وممارسة التخطيط على إنكار الطابع السياسي املتأصل يف سياسة الفضاء وتصوره ابعتباره عنصرا غري
عقالين أن يتطفل على النظام املكاين من اخلارج بدال من أن تكون عنصرا أساسيا يف الدستور وإدامة األشكال
املكانية .هذه النظرية هي ابلتايل إيديولوجية ،ألنه حيافظ على الوضع الراهن من خالل عدم تسييس مسألة الفضاء
1
Simon Parker, op.cit, p.09.
2
Simon Parker, op.cit, p.175.
3
Peter Saunders, op.cit, P.106.
59
واستخداماته ،وكأيديولوجية أي يتخلل يف مجيع أحناء اجملتمع مع ليفيد نزع فتيل الصراعات السياسية عن استخدام
احليز احلضري.
فمهمة النظرية النقدية هي أن تنفجر هذه األيديولوجية احلضرية من خالل إظهار كيف أن األشكال املكانية
املنظمة هي نتاج وضع معني من اإلنتاج الرأمسايل وكيف أهنا تسهم يف إعادة إنتاج عالقات السيطرة .ويتأكد ذلك ،من
كونه نتاج اجتماعي .إنتاج الفضاء ميكن تشبيهه إبنتاج أي نوع معني من البضائع .وخنلص إىل أن هذا يكشف عن
التمييز احلاسم بني عرض لوفري للماركسية وعرض كاستلز ،فاملاركسية عند لوفيبفر ليست علمية بل نظرية سياسية
1
للممارسة االشرتاكية.
2ـ مانويل كاستلز واملسألة احلضرية:
حاول رواد االجتاه املاركسي احملدث نقل املقوالت والنماذج املاركسية إىل احلقل احلضري لفهم الكثري من القضااي
واملسائل احلضرية ،إىل جانب القيام بدراسات وأحباث امربيقية لتحصيل عمليات التطور والنمو احلضري يف سياق
التحوالت اليت تشهدها اجملتمعات املعاصرة وانتقاهلا اجلماعي حنو ما يسمى ابلليربالية الدميقراطية.
وحتت أتثري االحتجاجات االجتماعية يف فرنسا يف أواخر الستينات منا وتطور االجتاه املاركسي احملدث على يد
مانويل كاستلز صاحب كتاب املسألة احلضرية ،وعدد من الدراسات واألحباث اليت مكنته من نقد النظرية احلضرية
2
وحتليل الواقع الفرنسي.
كاستلز ينطلق يف مقاربته للواقع احلضري من نظرته للمسألة احلضرية ،على أهنا حتليل للبنية احلضرية ،حيث
تتوضح اترخييا (يف أشكال مكانية معينة) ،فقلب التحليل السوسيولوجي للقضية احلضرية هو دراسة السياسة
احلضرية 3،وتربط األعمال احلديثة لكاستلز بني أمناط التحضر واجملتمع الواسع ،وتتجنب اخلوض يف عمليات التحضر
ابعتبارها جمموعات من الظواهر اجلزئية املفردة ،ويرى أن أمناط احلياة اليت يعيشها الناس يف املدن ،شأهنا شأن التنظيم
املادي اهلندسي ملختلف األحياء السكنية ،إمنا تعرب عن املالمح العريضة لنمو الرأمسالية الصناعية 4.وعلى هذا يؤكد
كاستلز أن التحضر أو عملية الزحف احلضري ليست سريورة مستقلة معزولة عن غريها ،بل ينبغي حتليلها يف سياق
5
عالقتها أبمناط التغري األساسية يف اجملالني السياسي واالجتماعي.
ومن جهة أخرى يربط كاستلز عملية التحضر /التحضرن من جهة ،وتنامي احلركات االجتماعية من جهة أخرى.
إن شكل الفضاء اجملتمعي ،كما يقول يرتبط ارتباطا وثيقا ابليات اإلمناء الكلية يف كل جمتمع .وإذا أردان أن نفهم معىن
املدينة فإن علينا أن نتقصى عملية استحداث أشكال املكان وحتوالته .إن إخراج املدن واألحياء ومالحمها املعمارية إمنا
تعرب عن أشكال من الصراع والنزاع بني خمتلف اجلماعات يف اجملتمع وبعبارة أخرى فإن البيئات احلضرية متثل التجليات
1
Peter Saunders, op.cit, Pp.106.107.
2إمساعيل قرية ،مرجع سابق ،ص.104.
3
Manuel Castells, the Urban Question, Translated by Alan Sheridan, first published, (London: Edward Arnold
(Publishers), 1977), P.244.
4أنتوين جيدنز ،علم االجتماع ،مع مدخالت عربية ،ترمجة فايز الصباغ ،ط( ،1بريوت :املنظمة العربية للرتمجة ،)2005 ،ص.623.
5أنتوين جيدنز ،مرجع سابق ،ص.600.
60
الرمزية للتفاعل بني فئات عريضة من القوى االجتماعية .فكاستلز يعتقد أن املدينة ليست جمرد موقع متميز يف منطقة
حضرية ما ،بل هي يف واقع األمر جزء ال يتجزأ من عملية االستهالك اجلماعي وهو من املكوانت اجلوهرية للرأمسالية
الصناعية 1.وعلى هذا األساس ،فإن اهليئة املادية الفيزيقية للمدينة هي احملصلة الطبيعية لقوى السوق وسلطة احلكومة.
وخالصة القول أن كاستلز يؤكد أن املدن هي يف جمملها بيئات مصطنعة أقامها الناس .فحىت املناطق الريفية أخذت
2
ختضع بصورة متزايدة لنفوذ التدخل البشري والتقانة احلديثة ،مما أدى إىل إعادة تشكيل العامل الطبيعي.
ويف هذا اإلطار ينظر كاستلز للظواهر احلضرية على أهنا مرتبطة بسياق اترخيي واجتماعي حمدد .وال ميكن عزهلا عن
أصوهلا االجتماعية واأليديولوجية 3.حيث تناول كاستلز حتليل البناء احلضري وقوانينه املتعلقة ابلتنمية والتحول يف إطار
مقاربته البنيوية ،خاصة حتليل املمارسات والبناء االجتماعي ،عناصر النظام احلضري ،التناقضات املتأصلة يف أسلوب
اإلنتاج الرأمسايل...اخل .واىل جانب ذلك يعرتض على أية إشكالية وظيفية أو بنيوية تعزل اجملال السياسي واالقتصادي
وتغفل االرتباط القائم بني السياسة والصراع الطبقي 4.فاملواقع املكانية اليت يعتربها أنصار علم االجتماع احلضري
متارس أتثريا مستقل عن العمليات االجتماعية هي يف الواقع مظاهر تفرعت عن الصراع الطبقي ،بل إن املكان نفسه
5
يتشكل أو يتحدد داخل السياق االجتماعي واالقتصادي ،وانه خارج هذا السياق ال يوجد للمكان أي معىن يذكر.
ومثل لوفيبفر ،وضع كاستلز نقده لنظرايت التحضر القائمة على العقائدية ،وحجته تعتمد على حتديد وظائف هذه
النظرايت واليت تعمل على احلفاع على العالقات الطبقية الرأمسالية ،ويفسر اجلانب الوظيفي لأليديولوجيات النظرية
ب فشل النظرايت القائمة على جتاوز العالقات األيديولوجية اليت من خالهلا يعيش األفراد عالقتها يف العامل احلقيقي.
وبعبارة أخرى ،النظرايت القائمة هي أيديولوجية أي أهنا جمرد تفصيل بدال من القطيعة مع األشكال األيديولوجية
للمجتمع الرأمسايل ،وابلتايل تفشل يف وضع األساس العلمي لتحليل الواقع يف اجملتمع .وهكذا يرتكز نقد كاستلز
للنظرايت القائمة على األيديولوجية على حجة أن هناك طريقة علمية للتحليل عن طريق الوسائل اليت من املمكن أن
حتدد اخلطاابت األيديولوجية.
وجتدر اإلشارة إىل أنه يف البداية أنه يف سياق تطوير عمله ،عمل كاستلز على تعديل موقفه املعريف األويل إىل حد
كبري جدا ،إال أننا جيب أن هنتم بشكل أساسي أبعماله السابقة ،ألنه هنا تطور نقده لعلم االجتماع احلضري
واأل يديولوجية وضعت التعديالت الالحقة لنظرية املعرفة له نتيجة حملاولته تطبيق هنجه يف البحوث التجريبية ،وتظهر
هذه التجربة أهنا قد أدت به إىل إعادة النظر يف املفاهيم السابقة له للعلم وعالقته ابأليديولوجية .كما سنرى ،هذا
مفاهيميا له أتثري على تقويض أي حماولة للحفاع على مثل هذا التمييز ،وابلتايل تطرح تساؤال حول النقد السابق له
عن النظرايت البديلة ،على الرغم من أن كاستلز نفسه مل يبد أبدا أي صراحة يف إعادة النظر يف اهلجوم األول له على
احملاضرة السابعة :تقييم الرتاث النظري الكالسيكي لعلم االجتماع احلضري وتياراته
متهيد:
أوال تقييم الرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي.
1
Peter Saunders, op.cit, P.112.
62
اثنيا علم االجتماع احلضري بني التيار احملافظ والتيار الراديكايل.
خالصة.
احملاضرة السابعة :تقييم الرتاث النظري الكالسيكي لعلم االجتماع احلضري وتياراته
متهيد:
هتدف هذه احملاضرة أوال إىل تقدمي تقييم إمجايل ملا مت طرحه يف الرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي،
واثنيا عرض موقف علم االجتماع احلضري بني التيار احملافظ والتيار الراديكايل.
أوال :تقييم الرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي.
63
وهكذا يتضح من خالل تقييمنا للرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي ،وعرض أهم النماذج النظرية
السائدة يف علم االجتماع احلضري أن لكل نظرية من هذه النظرايت مواطن من الضعف ،ومواطن أخرى من القوة،
وابلتايل ال ميكن أن تكون أي نظرية منها كافية لتفسري ظواهر احلياة احلضرية ذات األبعاد واجلوانب املتعددة واملتغريات
املتباينة ،كما أن هذه النظرايت اهتمت ابلتفاصيل اجلزئية والبياانت االمربيقية احملدودة على حساب التنظري
السوسيولوجي العام .وابلتايل فقد أغفلت القضااي النظرية احليوية كما افتقدت إىل املقارابت احلضرية عرب اجملتمعات
اإلنسانية املختلفة مما جعل البعض يذهب إىل أن هذه النظرايت كتبت بطريقة انطباعية ،وأهنا تفتقر إىل التحليل العلمي
التفسريي واملعلومات املتعمقة عن احلياة يف املدينة ،ومع هذا فإن هذه النظرايت استطاعت أن متس أهم املشكالت
والقضااي اليت تواجه اإلنسان ساكن املدينة وان تقدم أسسا نظرية للدراسات والبحوث اليت جتري يف علم االجتماع
1
احلضري احملاصر.
1ـ نقد الرتاث األورويب:
يتضح أوال أن األفكار احملورية هلؤالء املنظرين هي نتاج لألزمنة واملدن اليت عاشوا فيها ،فقد كانت طريقة احلياة
األوروبية متغرية بسرعة وكانت املدن حتل حمل القرى والريف كمكان أساسي للحياة .ونتيجة جلميع املؤثرات اليت
تعرضت هلا ،ميكن القول بصعوبة أبن هذه املدن اليت منت بسرعة قد قدمت حياة جديدة لكثري من سكاهنا.
واثنيا اظهر املنظرون بعض االختالفات يف تفسرياهتم فالتناقض بني تونييز ودوركامي هو األكثر وضوحا ،حيث يرى
تونييز اجملتمع (جمتمع املدينة) على انه األكثر إاثرة للمشكالت ،واجملتمع احمللي على انه األكثر إنسانية .فقد قلب
دوركامي هذا التفسري ابستخدام مصطلحي التضامن العضوي والتضامن اآليل فاحلياة يف الريف متخمة ومتخلفة وعلى
2
العكس كانت احلياة يف املدينة حتررية مليئة ابإلمكانيات الكاملة للتنمية.
ويعترب أتكيد املنظرين الكالسيكيني على أن املدينة هي املوضوع املناسب للدراسة السوسيولوجية أكثر إسهاماهتم
أمهية .وابلرغم من أن تونييز ودوركامي مل خيرجا عن نظرايت املدينة هذه ،فإن تصنيفهما حلل بوضوح التناقض بني احلياة
الريفية واحلياة احلضرية ،وتقدم زميل وفيرب خطوة إضافية عن طريق التطوير الفعلي للنظرايت الدائرة حول كيفية عمل
املدن.
فقد أدركت النظرايت األربع وجود شيء ما مييز بني املدينة وطريقة احلياة اليت خلقتها .فقد رأو مجيعا حياة املدينة
على أهنا خيا ر بشري متزايد يركز على العقالنية ،ويتسم ابلتقسيم املعقد للعمل .ابإلضافة إىل أتكيد املنظرين األربعة
على أمهية املدخل املقارن ،وأضاف فيرب إىل هذا االهتمام التأكيد على ضرورة مقارنة التحليل احلضري بني املدن
3
اترخييا وعرب الثقافات ،إذا ما أردان نظرية حضرية كافية بصورة فعلية.
2ـ نقد الرتاث األمريكي:
1حممد ايسر اخلواجة ،علم االجتماع احلضري ،بني الرؤية النظرية والتحليل الواقعي( ،مصر العربية للنشر والتوزيع ،)2010 ،ص ص.64.63.
2وجدي شفيق عبد اللطيف ،علم االجتماع احلضري والصناعي( ،مصر :دار املصطفى للنشر والتوزيع ،)2005 ،ص ص.62.63.
3وجدي شفيق عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص.64.
64
وعلى هذا فمن اجيابيات مدرسة شيكاغو أهنا قدمت حتليل لعناصر املدينة وحياهتا االجتماعية اليت ال تتوفر يف
مواقع أخرى.
وعلى الرغم من اإلسهامات اليت قدمتها مدرسة شيكاغو ،إال أن التحليل املعمق لألعمال املبكرة هلذه املدرسة
الفكرية يؤكد على حقيقة هامة مؤداها أن مؤسسي املدرسة شاهنم يف ذلك شأن األوروبيني قد استجابوا لنوع معني من
املدن وهو املدينة الرأمسالية الغربية واليت قطعت شوطا كبريا يف جمال التقدم الصناعي .األمر الذي جيعلها تتميز بصفات
خاصة سواء على مستوى البحث أو ا لنظرية .فضال عن أن تراث مدرسة شيكاغو املبكر خال متاما من أي حتليالت
1
اترخيية مقارنة .مما يعين قصورا واضحا على املستوى املنهجي.
ف تصميم ابرك الكبري على الدراسات الواقعية مع اهتمامه ابلتفكك واملشكالت احلضرية قاده وزمالءه إىل الرتكيز
على اجلانب املؤمل من حياة املدينة أكثر من اجلوانب األخرى .ومع ذلك جيب أن ال ننسى اإلسهامات العظيمة جلماعة
شيكاغو فإىل ابرك يرجع الفضل األول بصورة مستمرة يف استنتاجه أمهية دراسة املدينة ،حيث ذهب إىل عدم كفاية
النظرايت املكتبية وانه على علماء االجتماع احلضري اخلروج الفعلي واملالحظة املباشرة حلياة املدينة ،وكان اإلسهام
2
الثاين لنظرية ويرث هو الربط بني رؤى الرتاث األورويب والدراسات اليت اعتمدت على املالحظة جلامعة شيكاغو.
ومن مث فهمت االيكولوجيا على أهنا عالقة الكائن احلي ببيئته ،ويدرك االيكولوجيني املدينة – واجملتمع احلضري
بصفة عامة -على أهنا تنظيمات اجتماعية حتتل مواقع جغرافية ،ويفرتضون إىل أن أفضل فهم للحياة احلضرية يكون
عن طريق كوهنا فسيفساء من املناطق حيث تؤدي العوامل الطبيعية إىل توزيع منتظم ،وأيضا متغري ابستمرار للسكان
3
والتسهيالت واألنشطة.
اثنيا :علم االجتماع احلضري بني التيار احملافظ والتيار الراديكايل.
ميكن أن منيز بني اجتاهني نظريني اختلف كل منهما عن األخر يف منطلقاته الفكرية وتوجهاته النظرية واأليديولوجية.
هذان االجتاهان مها االجتاه احملافظ واالجتاه الراديكايل .أما االجتاه احملافظ فقد انطلق من أن املبدأ األساسي للحياة
االجتماعية يتمثل يف االستقرار والنظام والثبات .ومن مث النظر للواقع ابعتباره واقعا اجيابيا مبا حيتوي عليه من نظم
4
اجتماعية تؤدي أدوارا اجيابية اثبتة لإلنسان واجملتمع (كونت ،دور كامي ،فيرب ...وغريهم).
أما االجتاه الراديكايل فينظر إىل الواقع االجتماعي ليس بوصفه واقعا اجيابيا دائما ،بل انه يف مرحلة ما قد يصل إىل
السلبية الكاملة ،ومن مث حيني موعد تغيريه وخلق واقع أفضل منه ،ولذلك فاملستقبل ابلنسبة هلذا االجتاه هو أفضل
دائما من الواقع الراهن .وان احلركة والتغاير أيتيان بفعل التناقض والصراع بني االجيايب والسليب يف احلياة االجتماعية.
1سعيد انصف ،علم االجتماع احلضري ،املفاهيم والقضااي واملشكالت ،ط( ،1مصر :دار الكتب والواثئق القومية ،)2006 ،ص.83.
2وجدي شفيق عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص ص.82.81.
3وجدي شفيق عبد اللطيف ،املرجع السابق ،ص.70.
4سعيد انصف ،مرجع سابق ،ص.57.
65
ومن مث فان هذا االجتاه ال يركز على النظام االجتماعي والتكامل واالستقرار ،وإمنا يركز على التناقض االجتماعي
والصراع والتغري من نظام اجتماعي ومن مرحلة اترخيية إىل نظام اجتماعي ومرحلة اترخيية أخرى.
وعلى الرغم من أوجه التباين والصراع بني هذين االجتاهني اللذين واكبا علم االجتماع منذ نشأته ،وعلى الرغم من
االنتقادات العديدة اليت وجهت لكل منهما ،إال أن هذين االجتاهني مازاال يؤثران على التيارات الفكرية واالجتاهات
النظرية احلديثة ،واليت تعد امتدادا وتط ويرا لكل منهما من جانب ،واستجابة للتغريات والتحوالت اجملتمعية من جانب
1
أخر.
وتشري معظم الكتاابت إىل أن مثة اجتاهني نظريني ينطلق منهما معظم علماء االجتماع الغربيني يف دراسة املدينة مها:
االجتاه االيكولوجي :والذي يسلم أبن جوهر املدينة يتمثل يف تركز عدد كبري من السكان يف منطقة حمددة .ويهتم هذا
االجتاه بدراسة أتثري حجم املدينة وكثافتها على التنظيم االجتماعي .وتتمثل القضية األساسية اليت ينطلق منها هذا
االجتاه يف أن عدد سكان املنطقة يلعب دورا أساسيا يف حتديد طابع التنظيم االجتماعي السائد فيها .ومن بني أساليب
العناصر األساسية اليت يستند إليها التنظيم االجتماعي هي أساليب توزيع القوة وتنفيذ القرارات وأساليب
االتصال...اخل.
أما االجتاه الثاين فيتمثل يف االجتاه التنظيمي :والذي ينطلق من دراسة األمناط السلوكية الصادرة عن السكان
احلضريني .ويسعى هذا االجتاه إىل حتقيق هدف أساسي هو دراسة العمليات اليت من خالهلا تنمو املدن أو تنكمش.
ومثة اجتاه أخر يسعى إىل تفسري التنظيمات االيكولوجية واحلضرية يف ضوء القيم االجتماعية الثقافية وهو االجتاه
القيمي ،حيث يستند إىل التوجهات القيمية كمتغري أساسي .وتندرج أعمال ماكس فيرب حتت هذا االجتاه .حيث اعترب
القيم اليت سيطرت على األنساق االجتماعية والثقافية متغريات مستقلة ،واختذ من البناء االجتماعي متغريا اتبعا .فضال
2
عن اهتمامه بدور القيم الدينية يف تطور املشروعات االقتصادية.
خالصة:
ومن مث يتضح من حتليل أفكار املدرسة الكالسيكية ،أهنا نتاجات للظروف اليت أحاطت ابلزمن واملكان الذي
عاشوا فيه ،لذلك فإنه مع التغريات اإلجتماعية الواسعة النطاق ،ومع تزايد منو املدينة وإرتفاع معدالت اهلجرة الريفية
احلضرية ،وما ترتب عنها من التوترات واملشاكل اإلجتماعية العديدة واملتنوعة ،جند أن ما ميز أفكارهم هو الطابع
التشاؤمي الذي سيطر على التفكري هؤالء الرواد ،ابلنظر للمدينة على أهنا هتديد للقيم اإلنسانية اليت إمتدت لفرتات
زمنية طويلة.
67
قائمة املراجع:
1ـ قائمة املراجع ابللغة العربية:
امحد عاطف غيث وآخرون ،قاموس علم االجتماع( ،اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية.)1995 ، )1
أمحد عاطف غيث ،علم االجتماع احلضري ،مدخل نظري( ،اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية، )2
.)1979
إمساعيل قرية ،علم االجتماع احلضري ونظرايته( ،قسنطينة :منشورات جامعة منتوري.)2004 ، )3
أنتوين جيدنز ،علم االجتماع ،مع مدخالت عربية ،ترمجة فايز الصباغ ،ط( ،1بريوت :املنظمة العربية )4
للرتمجة.)2005 ،
جان ميشال برتيلو ،بناء علم االجتماع ،تعريب جورجيت احلداد ،ط(،1بريوت :عويدات للنشر )5
والطباعة.)1999 ،
جريالد بريز ،جمتمع املدينة يف البالد النامية ،دراسة يف علم االجتماع احلضري ،ترمجة حممد اجلوهري، )6
(اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية.)1989 ،
حسن اخلويل ،الريف واملدينة يف جمتمعات العامل الثالث( ،القاهرة :دار املعارف.)1982 ، )7
حسني عبد احلميد امحد رشوان ،علم االجتماع الريفي( ،اإلسكندرية :املكتب العريب احلديث، )8
.)2003
محيد خروف وآخرون ،اإلشكالية النظرية والواقع ،جمتمع املدينة منوذجا( ،قسنطينة :منشورات جامعة )9
منتوري.)1999 ،
سعيد انصف ،علم االجتماع احلضري ،املفاهيم والقضااي واملشكالت ،ط( ،1مصر :دار الكتب )10
والواثئق القومية.)2006 ،
سناء اخلويل ،األسرة واجملتمع( ،لبنان :دار النهضة العربية.)1984 ، )11
السيد حنفي عوض ،علم االجتماع احلضري( ،شركة األمل للطباعة والنشر.)1986 ، )12
السيد عبد العاطي السيد ،علم االجتماع احلضري ،مدخل نظري( ،اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية، )13
.)1996
عامر مصباح ،علم االجتماع ،الرواد والنظرايت ،ط( ،1اجلزائر :دار األمة.)2005 ، )14
عبد الرمحن ابن خلدون ،مقدمة ابن خلدون( ،بريوت :دار الكتب العلمية.)2014 ، )15
68
عبد هللا إبراهيم ،االجتاهات واملدارس يف علم االجتماع ،ط( ،2بريوت :املركز الثقايف العريب، )16
.)2010
عبد املنعم شوقي ،جمتمع املدينة ،االجتماع احلضري ،ط( ،7بريوت :دار النهضة العربية.)1981 ، )17
عبد اهلادي حممد وايل ،املدخل إىل علم االجتماع( ،القاهرة :دار املصطفى للنشر والتوزيع.)2003 ، )18
علي عبد الرازق جليب ،أسس علم االجتماع( ،اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية ،د.سنة). )19
علي غريب ،علم االجتماع والثنائيات النظرية ،التقليدية واحملدثة( ،قسنطينة :جامعة منتوري ،خمرب علم )20
اجتماع االتصال للبحث والرتمجة.)2007 ،
غريب حممد سيد امحد ،علم االجتماع احلضري( ،االزاريطة :دار املعرفة اجلامعية.)2006 ، )21
فؤاد بن غضبان ،علم االجتماع احلضري ،ط( ،1عمان :دار الرضوان للنشر والتوزيع.)2014 ، )22
فادية عمر اجلوالين ،علم االجتماع احلضري( ،الرايض :دار عامل الكتب للنشر والتوزيع.)1984 ، )23
فراس عباس البيايت ،علم االجتماع دراسة حتليلية للنشأة والتطور( ،عمان :دار غيداء للنشر والتوزيع، )24
.)2011
حممد امحد بيومي ،اتريخ التفكري االجتماعي( ،اإلسكندرية.)1998 : )25
حممد اجلوهري وآخرون ،اتريخ التفكري االجتماعي ،الرواد ،ط( ،1األردن :دار املسرية للنشر )26
والتوزيع والطباعة.)2011 ،
حممد اجلوهري ،املدخل إىل علم االجتماع( ،القاهرة :دار الكتب.)2007 ، )27
حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف ،املدخل إىل علم االجتماع( ،القاهرة :دار الكتب، )28
.)2005
حممد ايسر اخلواجة ،علم االجتماع احلضري ،بني الرؤية النظرية والتحليل الواقعي( ،مصر العربية )29
للنشر والتوزيع.)2010 ،
مراد زعيمي ،علم االجتماع رؤية نقدية( ،قسنطينة :خمرب علم اجتماع االتصال جامعة منتوري، )30
.)2004
نبيل السمالوطي ،البناء النظري لعلم االجتماع ،ج ،1مدخل لدراسة املفاهيم والقضااي األساسية، )31
ط( ،5القاهرة :دار الكتب.)2007 ،
وجدي شفيق عبد اللطيف ،علم االجتماع احلضري والصناعي( ،مصر :دار املصطفى للنشر )32
والتوزيع.)2005 ،
ايس خضري البيايت ،النظرية االجتماعية جذورها التارخيية وروادها ،ط( ،1طرابلس :اجلامعة املفتوحة، )33
.)2002
69
: ـ املراجع ابللغة األجنبية2
1) Alan Harding, talja blokland, Urban Theory, A critical introduction to
power, cities and urbanism in the 21st century, (London: sage, 2014).
2) Bardo, J,W and Hartman, J.J. Urbaban Sociology, )Peacock Publishers,
Tennessee, 1982(.
3) Catherine Colliot, la sociologie de Max Weber, )Paris: La découverte,
2006(.
4) Lojkine, J, Le marxisme, l'état et la question urbaine, PUF, Paris, 1977.
5) Majallat ET-Tarikh du centre national des études historiques, actes du
colloque international sur Ibn Khaldoun, Alger 21-26 juin 1978, SNED, 1982.
6) Manuel Castells, the Urban Question, Translated by Alan Sheridan, first
published, (London: Edward Arnold (Publishers), 1977).
7) Peter Saunders, Social Theory and the Urban Question, 2 Ed, (London:
Taylor & Francis e-Library, 2005).
8) Raulin, A, Anthropologie urbaine, )Paris: Armand colin, 2002(.
9) Simon Parker, Urban theory and the urban experience, encountering the
city, (New York: Routledge, 2004).
10) William G. Flanagan, Urban Sociology, Images and Structure, 5Ed,
(Usa:Rowman & littlefield publishers, Inc, 2010).
11) Yves grafimeyer et isac joseph, l’école de Chicago, 1er édition, (cru : les
éditions du champ urbain, 1990).
70