You are on page 1of 70

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة محمد لمين دباغين ـ سطيف‪ 2‬ـ‬
‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫قسم علم االجتماع‬

‫مطبوعة يف النظرايت املعاصرة‬


‫يف علم االجتماع احلضري‬
‫موجهة للسنة األوىل ماسرت السداسي األول‬

‫الدكتور‪:‬‬ ‫من إعداد‬


‫السعيد رشيدي‬

‫السنة الجامعية‪2016 – 2015 :‬‬

‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمان الرحيم‬

‫‪2‬‬
‫الفهرس‪03.......................................................................................................:‬‬
‫مقدمة‪05........................................................................................................:‬‬
‫احملاضرة األوىل‪ :‬مدخل مفاهيمي‪06..............................................................................‬‬
‫متهيد‪07...................................................................................................:‬‬
‫‪ I‬ـ علم االجتماع احلضري ظروف النشأة‪ ،‬املفهوم واجملاالت واهم املفاهيم املرتبطة به‪07..................‬‬
‫أوال‪ :‬علم االجتماع احلضري ظروف النشأة‪07...............................................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬مفهوم علم االجتماع احلضري وجماالته‪08..........................................................‬‬
‫اثلثا‪ :‬أهم املفاهيم النظرية املرتبطة به‪09..................................................................‬‬
‫رابعا‪ :‬عالقة علم االجتماع احلضري بعلم االجتماع العام‪10...............................................‬‬
‫‪ II‬ـ مفهوم النظرية االجتماعية‪ ،‬وظائفها‪ ،‬وأسباب اختالفها‪10.........................................‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم النظرية االجتماعية‪10.....................................................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬وظائف النظرية االجتماعية‪11....................................................................‬‬
‫اثلثا‪ :‬أسباب اختالف وتعدد النظرايت‪12...............................................................‬‬
‫رابعا‪ :‬تصنيفات النظرية احلضرية‪12.....................................................................‬‬
‫خالصة‪13...........................................................................................‬‬
‫احملاضرة الثانية‪ :‬نظرية الفروق الريفية احلضري أو (الثنائيات)‪14............................................‬‬
‫متهيد‪15............................................................................................:‬‬
‫أوال‪ :‬نظرية الفروق الريفية احلضرية‪15...................................................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬الثنائيات ‪16...................................................................................‬‬
‫‪ 1‬ـ اجملتمع احمللي واجملتمع العام عند فرديناند تونييز‪18....................................................‬‬
‫‪ 2‬ـ اجملتمع احلضري والريفي عند ابن خلدون‪19.........................................................‬‬
‫‪ 3‬ـ التضامن العضوي واآليل عند إميل دوركامي‪20........................................................‬‬
‫اثلثا‪ :‬نظرية احملك الواحد واحملكات املتعددة‪21..........................................................‬‬
‫رابعا‪ :‬نظرية املتصل الريفي‪ -‬احلضري‪22...............................................................‬‬
‫خامسا‪ :‬نظرية جوبرج يف دراسة الفروق الريفية احلضرية‪25...............................................‬‬
‫خالصة‪26.........................................................................................‬‬
‫احملاضرة الثالثة‪ :‬النظرية االيكولوجية الكالسيكية‪27......................................................‬‬
‫متهيد‪28..........................................................................................:‬‬
‫‪ 1‬ـ نظرية روبرت ابرك‪28............................................................................‬‬
‫‪ 2‬ـ نظرية الدوائر املركزية لـ ايرنست بريجس‪30.........................................................‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ 3‬ـ نظرية القطاع هلومر هويت‪32.....................................................................‬‬
‫‪ 4‬ـ نظرية النوايت املتعددة هلاريس وأملان‪33............................................................‬‬
‫‪ 5‬ـ النقد املوجه للنظرية االيكولوجية‪34................................................................‬‬
‫خالصة‪35..........................................................................................‬‬
‫احملاضرة الرابعة‪ :‬االجتاهات االيكولوجية احلديثة‪36......................................................‬‬
‫متهيد‪37...........................................................................................:‬‬
‫أوال‪ :‬البدائل االيكولوجية لدراسة النمو احلضري‪37......................................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬ـ النظرية االيكولوجية احملدثة‪ :‬كوين‪ ،‬أموس هاويل‪ ،‬شنور ودنكان‪37.................................‬‬
‫اثلثا‪ :‬ـ النظرية االيكولوجية السوسيو‪-‬ثقافية‪40..........................................................‬‬
‫رابعا‪ :‬ـ نظرية حتليل املناطق االجتماعية‪41.............................................................‬‬
‫خامسا‪ :‬ـ نظرية الثقافة احلضرية لويس ويرث‪42.........................................................‬‬
‫خالصة‪45.........................................................................................‬‬
‫احملاضرة اخلامسة‪ :‬النظرية النفسية االجتماعية‪46.........................................................‬‬
‫متهيد‪47...........................................................................................:‬‬
‫‪ 1‬ـ ماكس فيرب ودراسة احلياة احلضرية‪47..............................................................‬‬
‫‪ 2‬ـ جورج زميل واحلياة العقلية للمرتوبوليس‪50..........................................................‬‬
‫‪ 3‬ـ أوزفالد شبنجلر والثقافة احلضرية‪52...............................................................‬‬
‫خالصة‪54.........................................................................................‬‬
‫احملاضرة السادسة‪ :‬النظريـة املاركسية احملدثة‪55........................................................‬‬
‫متهيد‪56..........................................................................................:‬‬
‫‪ 1‬ـ هنري لوفيبفر والنقد اإلنساين للتحضر‪58.........................................................‬‬
‫‪ 2‬ـ مانويل كاستلز واملسألة احلضرية‪59...............................................................‬‬
‫خالصة‪61........................................................................................‬‬
‫احملاضرة السابعة‪ :‬تقييم الرتاث النظري الكالسيكي لعلم االجتماع احلضري وتياراته‪62.....................‬‬
‫متهيد‪63.................................................................................................‬‬
‫أوال تقييم الرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي‪63...................................................‬‬
‫اثنيا علم االجتماع احلضري بني التيار احملافظ والتيار الراديكايل‪64..............................................‬‬
‫اخلامتة‪66..............................................................................................:‬‬
‫قائمة املراجع‪67........................................................................................:‬‬

‫‪4‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫علم االجتماع هو احد العلوم االجتماعية‪ ،‬يهدف إىل الكشف عن تركيب اجملتمع اإلنساين‪ ،‬والتعرف على الظروف‬
‫والقوى اليت تؤثر فيه‪ ،‬وهلذا فهو يهتم ابجملتمعات أبنواعها سواء كانت ريفية أو حضرية‪ ،‬ويهتم بسلوك اجلماعات يف‬
‫هذه اجملتمعات وعناصر وأمناط ونتائج هذا السلوك‪ ،‬كما يهتم أيضا ابلنظم االجتماعية اليت تنشأ لتقابل حاجات هذه‬
‫اجملتمعات‪ ،‬وبطبيعة التغريات اليت تطرأ على اجملتمع ونظمه‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار يرى كثري من الباحثني والعلماء أن القرن املاضي هو عقد التحضر السريع‪ ،‬وهذا التصور ينطوي‬
‫على كثري من الصدق‪ ،‬فعلى الرغم من أن الدول الصناعية الغربية قد شهدت حتضرا مرتفعا مع مطلع القرن التاسع‬
‫عشر إال أن هذا التحضر قد تعاظم خالل القرن العشرين‪ .‬مث واصل تعاظمه بعد احلرب العاملية الثانية حينما حصلت‬
‫معظم الدول النامية على استقالهلا السياسي‪ ،‬وبدأت تشهد انفجارا حضراي‪ ،‬وبطبيعة احلال فإن هذا االنفجار احلضري‬
‫يستدعيه ابلضرورة كمية من املطالب واالحتياجات الطبيعية واملادية واملتغريات يف كثري من اجملاالت كاإلسكان‬
‫والتشييد والطرق واملواصالت واخلدمات املختلفة‪.‬‬
‫ومير اجملتمع العريب مبرحلة تغري سريعة تزداد اتساعا وعمقا ابنتشار التصنيع‪ ،‬وتطور التكنولوجيات احلديثة لإلعالم‬
‫واالتصال‪ ،‬ويؤدي هذا إىل التغري السريع بطبيعته إىل ظهور مشكالت اجتماعية كثرية أساسها التفاوت يف درجات‬
‫التغيري بني اجلماعات املختلفة أو انعدام التوازن بني التغري االقتصادي واالجتماعي يف اجلماعة الواحدة‪...‬اخل‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار يتفق املختصون يف جمال علم االجتماع ونظرايته حول أمهية النظرية‪ ،‬على اعتبار أهنا ضرورية والزمة‬
‫ابلنسبة لكل العلوم‪ ،‬حيث أن علمية أي علم تكتسب من وجود نظرايت حوله‪ ،‬كما أهنا يف علم االجتماع بصفة عامة‬
‫وعلم االجتماع احلضري بصفة خاصة تزداد أمهية وتعقيدا وتصعب دراستها وفهمها من طرف اجلميع‪ ،‬حبيث تبدوا‬
‫كلمة نظرية نفسها حماطة هبالة من التعقيد‪ .‬ورغم ذلك فإن النظرية تبقى ضرورية جدا حيث يعترب وصف الواقع من‬
‫الوظائف اهلامة للنظرية‪ ،‬فهي تعمل على حتفيز العقل أو الفكر العلمي على خلق وإبداع تفسريات جديدة ملشكالت‬
‫أو تعقيدات خلقتها املشاهدة والتجربة يف الواقع‪ ،‬مع إعطاء معىن لنتائج البحث من خالل جعلها ممكنة االستيعاب‪،‬‬
‫كما تقدم القاعدة املنطقية للتنبؤ االجتماعي‪.‬‬
‫وهكذا وضمن هذا املنظور‪ ،‬قسمت هذه املطبوعة إىل مقدمة وسبعة حماضرات وخامتة (حسب حماور مقياس‬
‫النظرايت املعاصرة يف علم االجتماع احلضري‪ ،‬السداسي األول للسنة األوىل ماسرت) تتناول احملاضرة األوىل منها مفهوم‬
‫علم االجتماع احلضري وجماالته األساسية‪ ،‬مث ندخل إىل مفهوم التحضر واحلضرية ابعتبارمها من املفهومات اليت حيدث‬
‫فيها خلطا كبريا‪ ،‬مث نشري إىل عالقته بعلم االجتماع العام‪ .‬أما احملاضرة الثانية فتعاجل نظرية الفروق الريفية احلضرية‪ .‬مث‬
‫احملاضرة الثالثة اليت تتناول النظرية االيكولوجية الكالسيكية‪ .‬واحملاضرة الرابعة اليت تتناول النظرية االيكولوجية احملدثة‪.‬‬
‫وتعقبها احملاضرة اخلامسة متناولة النظرية النفسية االجتماعية‪ .‬واحملاضرة السادسة تتناول النظريـة املاركسية احملدثة‪.‬‬
‫وأخريا احملاضرة السابعة اليت تتناول تقييم الرتاث النظري الكالسيكي لعلم االجتماع احلضري وتياراته انطالقا أوال من‬

‫‪5‬‬
‫تقييم الرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي وانتهاء اثنيا ابملوقف الراهن لعلم االجتماع احلضري بني التيار‬
‫احملافظ والتيار الراديكايل وأخريا اخلامتة العامة‪.‬‬

‫احملاضرة األوىل‪ :‬مدخل مفاهيمي‬

‫متهيد‪:‬‬
‫‪ I‬ـ علم االجتماع احلضري ظروف النشأة‪ ،‬املفهوم واجملاالت واهم املفاهيم املرتبطة به‪.‬‬
‫أوال‪ :‬علم االجتماع احلضري ظروف النشأة‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬مفهوم علم االجتماع احلضري وجماالته‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أهم املفاهيم النظرية املرتبطة به‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬عالقة علم االجتماع احلضري بعلم االجتماع العام‪.‬‬
‫‪ II‬ـ مفهوم النظرية االجتماعية‪ ،‬وظائفها‪ ،‬وأسباب اختالفها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬النظرية االجتماعية املفهوم والتعريف‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬وظائف النظرية االجتماعية‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أسباب اختالف وتعدد النظرايت‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تصنيفات النظرية احلضرية‪.‬‬
‫خالصة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫احملاضرة األوىل‪ :‬مدخل مفاهيمي‬

‫متهيد‪:‬‬
‫هتدف هذه احملاضرة أوال إىل التعريف بعلم االجتماع احلضري )مفهومه وجماالته( واهم املفاهيم املرتبطة به‪ ،‬ابإلضافة‬
‫إىل عالقة علم االجتماع احلضري بعلم االجتماع العام‪ .‬واثنيا إىل التعريف مبفهوم النظرية االجتماعية‪ ،‬وظائفها‪،‬‬
‫وأسباب اختالفها‪ .‬وانتهاء بتصنيفات النظرية احلضرية‪.‬‬
‫‪ I‬ـ علم االجتماع احلضري ظروف النشأة‪ ،‬املفهوم واجملاالت واهم املفاهيم املرتبطة به‪.‬‬
‫أوال‪ :‬علم االجتماع احلضري ظروف النشأة‪.‬‬
‫ال شك أن نشأة وظهور علم االجتماع قد جاء انعكاسا جملموعة من التطورات البنائية اليت شهدها اجملتمع األورويب‬
‫مع هناية القرن الثامن عشر وبداايت القرن التاسع عشر‪ .‬حيث شهد هذا اجملتمع أحدااث هامة خالل تلك الفرتة‪ ،‬ليس‬
‫فقط على الصعيد االقتصادي (الثورة الصناعية‪ ،‬وما ترتب عليها من تطور يف منط وقوى وعالقات اإلنتاج)‪ ،‬ولكن‬
‫أيضا على الصعيدين السياسي واأليديولوجي (الثورة الفكرية والفلسفية‪ ،‬والثورة الفرنسية) تلك األحداث مجيعها أدت‬
‫إىل حتول اجملتمع األورويب من جمتمع إقطاعي زراعي تقليدي إىل جمتمع رأمسايل صناعي حديث‪ .‬هذا التحول افرز العديد‬
‫من املشكالت االجتماعية‪ ،‬ومن مث تطلب األمر ضرورة وجود علم متخصص لدراسة تلك املشكالت وتشخيصها‬
‫وفهمها وحتليلها وتفسريها‪ .‬ولذلك كان ظهور علم االجتماع ميثل استجابة لتلك األوضاع والتحوالت البنائية‪.‬‬
‫ونظرا الن اجملتمعات احلضرية كانت من أكثر اجملتمعات احمللية أتثرا بتلك التحوالت البنائية وما أفرزته من‬
‫مشكالت اجتماعية‪ ،‬فان نشأة وتطور علم االجتماع احلضري كعلم متخصص وكأحد فروع علم االجتماع العام قد‬
‫جاء هو األخر استجابة لتلك التحوالت من انحية‪ ،‬ولدراسة وفهم وحتليل اجملتمعات احلضرية بكل ما تتضمنه من بىن‬
‫اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية وايكولوجية‪ ،‬وما تعكسه تلك البىن من مشكالت حضرية متباينة من حيث‬
‫معدالهتا وظروف نشأهتا وتطورها وأاثرها املختلفة من انحية أخرى‪.‬‬
‫وان كان هناك اختالف كبري بني الباحثني واملهتمني يف إرجاع األصول األوىل لعلم االجتماع احلضري إىل أورواب أو‬
‫أمريكا فمنهم من يرجع ذلك إىل أورواب إذ يقول سعيد انص يف هذا الصدد إىل انه تشري معظم الكتاابت والتحليالت‬
‫إىل أن علم االجتماع احلضري يدين يف نشأته األوىل ألعمال عدد من رواد علم االجتماع األوائل يف أورواب بصفة‬
‫خاصة ممن استجابوا للتحول احلضري الكبري الذي عايشوه‪ ،‬وممن وجهوا جهودهم يف حماولة إلجياد فهم دقيق ألشكال‬
‫احلياة االجتماعية املتأثرة ابلتصنيع والتحضر‪ 1.‬ومنهم من يرجع أصوله إىل أمريكا ويف هذا الصدد يشري إمساعيل قرية‬

‫‪ 1‬سعيد انصف‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬املفاهيم والقضااي واملشكالت‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬دار الكتب والواثئق القومية‪ ،)2006 ،‬ص‪.‬ص‪.2.1‬‬
‫‪7‬‬
‫إال أن مثة إمجاع بني املهتمني ابلتاريخ لعلم االجتماع احلضري على انه كان يف البداية علما أمريكيا‪ ،‬وظل كذلك‬
‫لفرتات طويلة‪ 1.‬إال انه مهما يكن األمر ومما ال جيادل فيه فإن علم االجتماع احلضري قد أخد من هذا وهذا‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬مفهوم علم االجتماع احلضري وجماالته‪.‬‬
‫‪1‬ـ مفهوم علم االجتماع احلضري‪:‬‬
‫يعرف علم االجتماع احلضري أبنه فرع من فروع علم االجتماع العام يستخدم مناهجه‪ ،‬وأدواته ومفاهيمه يف دراسة‬
‫احلياة االجتماعية داخل اجملتمع احلضري‪ .‬الذي يتميز ابجلماعات الثانوية وانقسامية األدوار وتزايد معدالت احلراك‬
‫االجتماعي‪ ،‬واجملتمع احلضري الذي يتميز بكرب احلجم‪ ،‬وكثافة السكان‪ ،‬والالجتانس هو العامل األساسي الذي نفسر‬
‫‪2‬‬
‫يف ضوئه كافة األشكال االجتماعية اليت تظهر يف املدينة‪.‬‬
‫وتعرفه الدراسات التقليدية على انه طريقة منظمة لتقصي ودراسة احلقائق املتعلقة اباليكولوجيا البشرية‪ ،‬اجملتمع‬
‫احمللي احلضري‪ ،‬املشاكل احلضرية‪ ،‬السياسات والتخطيط والتحضر‪ 3.‬ويعرف كذلك أبنه علم اجتماع حياة املدينة‪،‬‬
‫وينظر إىل املدينة وحيللها كظاهرة اجتماعية يف ذاهتا إىل جانب دراسة املشكالت اخلاصة هبا‪ 4.‬كما يعرف كذلك أبنه‬
‫العلم الذي يهتم بتأثري حياة املدينة يف أمناط السلوك والعالقات والنظم‪ ،‬كما يدرس أمناط املدن ونشأهتا ومشكالهتا‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ويدرس الظواهر االجتماعية احلضرية‪ ،‬ويهتم يف احملل األول بدراسة املدينة‪.‬‬
‫ويتضح مما سبق أن علم االجتماع احلضري يتناول موضوع واسع‪ .‬املوضوع الذي يوحد خمتلف اجملاالت ذات‬
‫االهتمام املشرتك واملتماسك ضمن علم االجتماع‪ ،‬ذلك أنه يرتبط عند البعض بطريقة منهجية لنوع معني من الفضاء‬
‫االجتماعي‪ ،‬والساحة احلضرية‪ .‬والسليم أن موضوع علم االجتماع احلضري يتضمن الظواهر االجتماعية اليت مت‬
‫إنشاؤها أو تغيريها من قبل املدن‪ .‬وقد تشمل اآلاثر احلضرية طبيعة التجربة (الشعور العجز أو احلرية والنفور من‬
‫الغرابء‪ ،‬واحلياة االجتماعية ثرية التنوع والتعرض لثقافات فرعية متعددة‪ ،‬أو التسامح ألنواع خمتلفة من الناس)‪،‬‬
‫التأثريات على السلوك (واليت أصبحت جزءا من حركة اجتماعية أو االخنراط يف شكل من االحنراف)‪ ،‬وظهور أشكال‬
‫خمتلفة من التنظيم االجتماعي (جديد األحزاب السياسية أو الثقافات الفرعية)‪ ،‬أو حتوالت الرتكيز يف أهداف السياسة‬
‫االجتماعية (لتحقيق التوازن بني ظروف املعيشة بني املناطق الريفية واحلضرية أو خلفض ووضوح أعداد املشردين الذين‬
‫يتجمعون يف أحياء املدن)‪ .‬ومن مث فعلم االجتماع احلضري يشري إىل دراسة الظواهر االجتماعية يف املدينة‪ .‬وغريها من‬
‫‪6‬‬
‫األمور اليت حتدث يف املدينة‪ ،‬متاما كما حتدث يف أماكن أخرى‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ جماالته‪:‬‬

‫علم االجتماع احلضري ونظرايته‪( ،‬قسنطينة‪ :‬منشورات جامعة منتوري‪ ،)2004 ،‬ص‪.03.‬‬ ‫‪ 1‬إمساعيل قرية‪،‬‬
‫‪ 2‬امحد عاطف غيث وآخرون‪ ،‬قاموس علم االجتماع‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،)1995 ،‬ص ص‪.497.498.‬‬
‫علم االجتماع احلضري ونظرايته‪( ،‬قسنطينة‪ :‬منشورات جامعة منتوري‪ ،)2004 ،‬ص‪.13.‬‬ ‫‪ 3‬إمساعيل قرية‪،‬‬
‫‪ 4‬حممد ايسر اخلواجة‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬بني الرؤية النظرية والتحليل الواقعي‪( ،‬مصر العربية للنشر والتوزيع‪ ،)2010 ،‬ص‪.16.‬‬
‫‪ 5‬فراس عباس البيايت‪ ،‬علم االجتماع دراسة حتليلية للنشأة والتطور‪( ،‬عمان‪ :‬دار غيداء للنشر والتوزيع‪ ،)2011 ،‬ص‪.25.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪William G. Flanagan, Urban Sociology, Images and Structure, 5Ed, (Usa:Rowman & littlefield publishers, Inc, 2010),‬‬
‫‪P.369.‬‬
‫‪8‬‬
‫فكما هو معروف فإن املواضيع األساسية اليت طرحتها الدراسات التقليدية يف علم االجتماع احلضري هي‪:‬‬
‫اإليكولوجية البشرية واجملتمع احمللي واملشكالت احلضرية والسياسات والتخطيط والتحضر‪ .‬من جهة اثنية فقد اجتهد‬
‫الكثري من الباحثني يف تصنيف معامل النظرية احلضرية‪ .‬واختلفت ابلتايل من ابحث إىل آخر تبعا لالختالفات يف موضوع‬
‫‪1‬‬
‫البحث وجمال الدراسة وتنوع البياانت والتوجه احلضري‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫وميكن حصر أهم جماالت ومواضيع علم االجتماع احلضري يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬دراسة املدن واملراكز احلضرية واملناطق اجملاورة هلا‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة البىن االجتماعية للحياة احلضرية‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة املشكالت االجتماعية يف املدينة‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة املدينة ودورها التارخيي وتطورها وبناؤها‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة اإليكولوجيا احلضرية والعالقات بني اجملتمع وبيئته الطبيعية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دراسة التأثريات االجتماعية للحياة احلضرية‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬املفاهيم النظرية ذات صلة بعلم االجتماع احلضري‪:‬‬
‫مثة خلط بني مفهومي التحضر واحلضرية من جانب بعض املتخصصني يف علم االجتماع احلضري‪ ،‬ويتضح هذا‬
‫اخللط عندما يستخدم هؤالء احد هذين املفهومني للداللة على األخر‪ ،‬أو عندما يكتفون ابستخدام احدمها للداللة به‬
‫على كليهما‪ .‬األمر الذي يؤكد على ضرورة التمييز بني املفهومني‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ مفهوم التحضر‪ :‬قصد ابلتحضر هنا العملية اليت تتم هبا زايدة سكان املدن عن طريق تغري احلياة يف الريف من حياة‬
‫ريفية إىل حياة حضرية أو عن طريق هجرة القرويني للمدن املوجودة‪ ،‬مبا يف ذلك التغريات اليت حتدث لطبائع وعادات‬
‫‪3‬‬
‫وطرق معيشة سكان الريف حىت يتكيفوا للمعيشة يف املدن‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مفهوم احلضرية‪ :‬ونظرا الن مفهوم احلضرية مفهوما واسعا وذلك ألنه يتصل بكل مظاهر أسلوب احلياة احلضرية‪ ،‬مبا‬
‫يشتمل عليه من قضااي سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية‪ ،‬فإن البعض يرى أن احلضرية متثل املنتج النهائي‬
‫‪4‬‬
‫لعمليات التحضر‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ مفهوم املدينة‪ :‬لقد اتفقت اهليئات الدولية (األمم املتحدة ووكاالهتا املتخصصة) على اعتبار كل جتمع سكاين يزيد‬
‫عن ‪ 20.000‬نسمة مدينة‪ .‬وذلك لتسهيل املقارانت الدولية‪ 5.‬هذا وقد عرفها ويرث على أهنا موطن لإلقامة كبري‬
‫‪6‬‬
‫نسبيا وكثيف ودائم لألفراد غري متجانسني اجتماعيا‪.‬‬

‫‪ 1‬امساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25.‬‬


‫‪ 2‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬ط‪( ،1‬عمان‪ :‬دار الرضوان للنشر والتوزيع‪ ،)2014 ،‬ص‪.35.‬‬
‫‪ 3‬عبد املنعم شوقي‪ ،‬جمتمع املدينة‪ ،‬االجتماع احلضري‪( ،‬بريوت‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،)1981 ،‬ص‪.23.‬‬
‫‪ 4‬سعيد انصف‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬املفاهيم والقضااي واملشكالت‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬دار الكتب والواثئق القومية‪ ،)2006 ،‬ص‪.15.‬‬
‫‪ 5‬عبد املنعم شوقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Yves grafimeyer et isac joseph, l’école de Chicago, 1er édition, (cru : les éditions du champ urbain, 1990), p.257.‬‬
‫‪9‬‬
‫رابعا‪ :‬عالقة علم االجتماع احلضري بعلم االجتماع العام‬
‫يعترب علم االجتماع احلضري ميداان معرفيا وتطبيقيا لعلم االجتماع العام‪ ،‬ألنه يستخدم نظرايته ومناهجه يف دراسة‬
‫املدينة اليت تتجاذهبا عدد من العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ 1.‬وانطالقا من ذلك تتجسد هذه العالقة بني علم االجتماع‬
‫احلضري وعلم االجتماع العام على مستوايت ثالثة هي‪ :‬املوضوع والنظرية واملنهج‪.‬‬
‫فقد أشار سيجوبرج إىل أن علم االجتماع احلضري يف سياقه العام مبثابة الدراسة السوسيولوجية للمدينة وحلياة‬
‫املدينة احلضرية‪ ،‬وبذلك فهو امتداد للدراسة السوسيولوجية لعلم االجتماع والذي يهتم بشؤون اجملتمع البشري بوجه‬
‫عام‪ .‬وإذا كانت العالقة بني علم االجتماع احلضري وعلم االجتماع قوية من حيث موضوعات الدراسة‪ ،‬فمما ال شك‬
‫فيه أن الذي يصيغ دراسته ابلطابع السوسيولوجي هو اتساقه من حيث األطر النظرية‪ ،‬واألسس املنهجية مع النظرايت‬
‫‪2‬‬
‫السوسيولوجية لعلم االجتماع‪ ،‬وكذلك مع املناهج وطرق وأساليب البحث اليت يقوم عليها هذا العلم‪.‬‬
‫‪ II‬ـ مفهوم النظرية االجتماعية‪ ،‬وظائفها‪ ،‬وأسباب اختالفها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم النظرية االجتماعية‪:‬‬
‫انطبعت بداايت القرن التاسع عشر بوطأة الثورتني اللتني انتهى هبما القرن السابق‪ ،‬الثورة الصناعية والثورة‬
‫الفرنسية‪ .‬إهنا أحداث من طبيعة ومستوى خمتلفني قامسهما املشرتك قد يكون الشعور ابلقطع الذي ولداه‪ ،‬فتكوين‬
‫مناطق صناعية جديدة وتطور اآلالت احلديثة وانقالب العالقات بني املدن واألرايف وبروز بروليتاراي تتكدس يف‬
‫ضواحي املدن كل ذلك خلق مشاكل جديدة‪ 3.‬فكان هذا منعطفا فكراي كبريا يف ظهور النظرايت االجتماعية امللبية‬
‫ملتطلبات الواقع اجلديد‪ 4.‬كما كانت هذه النظرايت يف أورواب مبثابة رد فعل لالزمات االجتماعية‪ ،‬وعامل أتثري على‬
‫اهتمام مفكري أورواب االجتماعيني ابلسياسة واالقتصاد والرأي العام‪ .‬فالقواميس حتدد عموما النظرية كهيئة أو نظام من‬
‫‪5‬‬
‫األفكار اليت تشرح واحد أو أكثر من جوانب الواقع‪.‬‬
‫وميكن ابلتايل‪ ،‬اعتبار ال نظرية احلضرية‪ ،‬جمموعة فرعية من النظرية االجتماعية‪ ،‬متتلك مفردات مفاهيمية مشرتكة مع‬
‫النظرية االجتماعية‪ ،‬غري أن النظرية احلضرية تتميز عن هذه األخرية إبقتناعها أبن احلياة االجتماعية والثقافية‬
‫واالقتصادية والسياسية خمتلفة يف املدينة مقارنة مع أنواع أخرى من اجملتمعات‪ ،‬وهي غري مستقرة ومعرضة للخطر من‬

‫‪ 1‬امساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.02.‬‬


‫‪ 2‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.40.39.‬‬
‫‪ 3‬جان ميشال برتيلو‪ ،‬بناء علم االجتماع‪ ،‬تعريب جورجيت احلداد‪ ،‬ط‪(،1‬بريوت‪ :‬عويدات للنشر والطباعة‪ ،)1999 ،‬ص‪.09.‬‬
‫‪ 4‬ايس خضري البيايت‪ ،‬النظرية االجتماعية جذورها التارخيية وروادها‪ ،‬ط‪( ،1‬طرابلس‪ :‬اجلامعة املفتوحة‪ ،)2002 ،‬ص‪.43.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Alan Harding, talja blokland, Urban Theory, A critical introduction to power, cities and urbanism in the 21st century,‬‬
‫‪(London: sage, 2014), p.13.‬‬
‫‪10‬‬
‫قبل العامل غري احلضري‪ .‬لذلك التمييز األول الذي جيب علينا أن نالحظه هو أن احلياة احلضرية ليست عاملية وال يف‬
‫كل مكان‪ ،‬وأنه نتيجة لذلك‪ ،‬فإنه يشكل جمموعة معينة من املشاكل النظرية ابلنسبة ألولئك الذين يرغبون يف فهم‬
‫جممل األنشطة لوظائف أفضل‪.‬‬
‫ومن مث فالنظرية احلضرية‪ ،‬تتناول جانبا أو أكثر من التجربة احلضرية ‪ -‬ثقافة االستهالك والصراع واجملتمع – واليت‬
‫تفسر أبوسع معانيها‪ .‬ابعتبار أن الثقافة تشمل نظم االعتقاد‪ ،‬جنبا إىل جنب مع البيئة املادية املبنية (املباين واجلسور‬
‫والشوارع واحلدائق)‪ ،‬وحمتوايت وسائل االتصال (الصحف والكتب والتلفزيون واإلذاعة‪ ،‬واإلنرتنت‪ ،‬وغريها)‪ ،‬وكذلك‬
‫اإلنتاج الثقايف التقليدي (الفن واملسرح واألدب‪ ،‬اوركسرتا املوسيقى) والثقافة الشعبية (أفالم‪ ،‬واألزايء‪ ،‬والكتب‬
‫‪1‬‬
‫املصورة‪ ،‬واملوسيقى الشعبية)‪.‬‬
‫ومن مث ميكن القول أبن النظرية ليست اثبتة‪ ،‬فقد تكتشف من خالل األحباث العلمية‪ ،‬وميكن تعديلها أو صياغة‬
‫تفسريات جديدة للظاهرة وذلك لسببني‪ :‬األول هو أن النظرية صورة مصغرة للواقع مفسرة ألجزائه وشخوصه ومؤثراته‬
‫وارتباطاته‪ .‬والثاين هو أن الواقع متغري دائما‪ ،‬وهذا يعين أن أي تغيري يف احلقائق يؤدي إىل تغيري يف نصوص وتقييمات‬
‫النظرية‪ .‬لذلك فإن نصوص النظرية ينبغي أن تكون مرنة وقابلة للتعديل والتطوير والتنقيح حىت تظل النظرية موجهة‬
‫للبحث االمربيقي‪ .‬إن النظرية االجتماعية ينبغي أن تستقرئ وتتنبأ أبحداث املستقبل وظواهره االجتماعية مثلما تقوم‬
‫‪2‬‬
‫بتشخيص وتفسري أسباب األحداث املاضية للظواهر االجتماعية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ووظائف النظرية االجتماعية‪:‬‬
‫هناك عدة وظائف ميكن للنظرية العلمية حتقيقها أمهها ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الوظيفة التنظيمية‪ ،‬فالواقع االجتماعي يتضمن أالف الظواهر املادية واالجتماعية والنفسية واالقتصادية والسياسية‬
‫املتداخلة‪ ،‬وهذا ال ميكن ألي عقل أن يستوعبها ويفهمها بشكل منتظم إال من خالل نسق أو بناء علمي قادر على‬
‫‪3‬‬
‫أن خيتصرها وينظمها ويقدمها أمام العقل يف صياغات خمتصرة واضحة مفيدة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الوظيفة التفسريية‪ ،‬فالنظرايت السوسيولوجية حتاول تفسري الواقع االجتماعي بظواهره وعملياته وحتوالته‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الوظيفة التنبؤية‪ ،‬فالعلم التجرييب أو الواقعي يستهدف فهم وتفسري الظواهر املدروسة من خالل الوقوف على‬
‫القانون الذي حيكمها‪ ،‬وهذا الفهم العلمي للظواهر املدروسة هو الذي يسمح ابلتنبؤ هبا متهيدا للتحكم فيها‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الوظيفة التطبيقية أو العملية أو النفعية‪ .‬فلم يعد العلم يدرس لذاته‪ ،‬فاهلدف النهائي هو االستفادة منها يف صاحل‬
‫اجملتمعات البشرية‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وظيفة اخلصوبة وإنتاج املزيد من التصورات واألحباث العلمية‪ ،‬فالنظرية العلمية تؤدي إىل طرح أفكار وفرضيات‬
‫‪4‬‬
‫وتساؤالت ومشكالت حتتاج إىل حبوث‪ .‬وهذا ما يؤدي إىل الرتاكم املعريف الذي هو أساس البناء العلمي الصحيح‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Simon Parker, Urban theory and the urban experience, encountering the city, (New York: Routledge, 2004), p.04.‬‬
‫‪ 2‬ايس خضري البيايت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22.‬‬
‫‪ 3‬نبيل السمالوطي‪ ،‬نظرايت علم االجتماع‪ ،‬دراسة لواقع علم االجتماع يف العامل العريب‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب‪ ،)2007 ،‬ص‪.108.‬‬
‫‪ 4‬نبيل السمالوطي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.110.‬‬
‫‪11‬‬
‫اثلثا‪ :‬أسباب اختالف وتعدد النظرايت‬
‫ارتبطت النشأة األوىل للنظرية االجتماعية بعاملني مها‪ :‬اترخيية النظرية وارتباطها ابألحداث والوقائع‪ ،‬أي البحث‬
‫عن التفاعالت الواقعية وعالقتها ببناء النظرية وأتثري األحداث عليها‪ .‬أما العامل الثاين فهو مرتبط ابألصول الفكرية‬
‫‪1‬‬
‫للنظرية ومدى قدرهتا يف التعبري عن انتماءاهتا االجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫ف قد ابت من املؤكد أن تباين االجتاهات يف علم االجتماع‪ ،‬وتعدد النظرايت ال يعود إىل حداثة هذا العلم وجدته‬
‫كما يزعم البعض‪ ،‬فقد مضى على ظهوره فرتة من الزمن تكفي – على األقل‪ -‬ملشاهدة وقياس االجتاه الذي يسري‬
‫فيه‪ ،‬هل هو حنو التوحد على منهج واحد‪ ،‬ونظرية واحدة أم انه سيظل على تفرقة؟ والظاهر أن هذا العلم يندرج يف‬
‫العلوم الثقافية‪ ،‬والثقافة على خالف احلضارة ال أتخذ اجتاها واحدا وال طريقا واحدا‪ ،‬وهلذا فتباين هذه االجتاهات يعود‬
‫إىل طبيعة املوضوع الذي يعاجله كما يرتبط ابجتاهات الباحثني وعقائدهم ومذهبياهتم‪ 2.‬ولذلك مل يكن نشوء النظرية‬
‫‪3‬‬
‫مبعزل عن الواقع االجتماعي والسياسي‪.‬‬
‫ومن مث فإن النظرية االجتماعية تتباين وتتعدد تبعا لعدد من األبعاد‪ :‬مستوى الشكل‪ ،‬التفسري‪ ،‬االيدولوجيا‪،‬‬
‫املوضوعية‪ ،‬ونوع التفسري (تفسري على مستوى الوحدة الكبرية أو على مستوى الوحدة الصغرية)‪ ،‬وحمور االهتمام‬
‫(البناء االجتماعي أو العملية)‪ ،‬والعوامل املستخدمة يف التفسري (العوامل الطبيعية‪ ،‬البيولوجية أو العوامل‬
‫‪4‬‬
‫االجتماعية)‪.‬‬
‫وميكن لنا تفسري هذا التعدد يف النماذج السوسيولوجية يف ضوء ما يطلق عليه هوايتهيد فرتات االنتصار فقد أشار‬
‫هذا الباحث يف كتابه العامل احلديث إىل أن لكل نظرية من النظرايت املتنافسة فرتة انتصار معينة‪ .‬ويشري ابنهيمر عامل‬
‫الطبيعيات املشهور إىل أن هناك مكاان متسعا للعديد من املداخل واآلراء لفهم النظام الذري‪ ،‬ويذهب إىل ضرورة‬
‫استخدام أكثر من طريق يف العلم من اجل التوصل إىل االكتشافات املنشودة‪ .‬وجيب أن يسود نفس املوقف الذي‬
‫أشار إليه ابنهيمر يف جمال العلوم النووية‪ ،‬داخل العلوم االجتماعية‪ .‬وهذا يعين انه من الالزم أن نعتاد على تنوع اآلراء‬
‫‪5‬‬
‫والنظرايت والنماذج اليت تقدم لتفسري اجملتمع والواقع االجتماعي‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تصنيفات النظرية احلضرية‬
‫احملاوالت املبذولة لتحديد معامل النظرية احلضرية اختلفت تصنيفاهتا من ابحث إىل آخر تبعا للمحك الذي‬
‫يستخدمه (التعاقب‪ ،‬نوع املشكالت أو القضااي املثارة‪ ،‬نوع البياانت اليت استخدمت يف معاجلة املتغري‪ ،‬املوضوع‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫املناطق اجلغرافية‪ ،‬التوجيه النظري‪...‬اخل)‪.‬‬

‫‪ 1‬ايس خضري البيايت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.43.‬‬


‫‪ 2‬مراد زعيمي‪ ،‬علم االجتماع رؤية نقدية‪( ،‬قسنطينة‪ :‬خمرب علم اجتماع االتصال جامعة منتوري‪ ،)2004 ،‬ص‪.9.‬‬
‫‪ 3‬ايس خضري البيايت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20.‬‬
‫‪ 4‬ايس خضري البيايت‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.37.‬‬
‫‪ 5‬نبيل السمالوطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.72.‬‬
‫‪ 6‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25.‬‬
‫‪12‬‬
‫وت شري معظم الكتاابت إىل أن مثة اجتاهني نظريني ينطلق منهما معظم علماء االجتماع الغربيني يف دراسة املدينة‬
‫‪1‬‬
‫مها‪:‬‬
‫االجتاه االيكولوجي‪ :‬والذي يسلم أبن جوهر املدينة يتمثل يف تركز عدد كبري من السكان يف منطقة حمددة‪ .‬ويهتم هذا‬
‫االجتاه بدراسة أتثري حجم املدينة وكثافتها على التنظيم االجتماعي‪ .‬وتتمثل القضية األساسية اليت ينطلق منها هذا‬
‫االجتاه يف أن عدد سكان املنطقة يلعب دورا أساسيا يف حتديد طابع التنظيم االجتماعي السائد فيها‪ .‬ومن بني أساليب‬
‫العناصر األساسية اليت يستند إليها التنظيم االجتماعي هي أساليب توزيع القوة وتنفيذ القرارات وأساليب‬
‫االتصال‪...‬اخل‪.‬‬
‫أما االجتاه الثاين فيتمثل يف االجتاه التنظيمي‪ :‬والذي ينطلق من دراسة األمناط السلوكية الصادرة عن السكان‬
‫احلضريني‪ .‬ويسعى هذا االجتاه إىل حتقيق هدف أساسي هو دراسة العمليات اليت من خالهلا تنمو املدن أو تنكمش‪.‬‬
‫ومثة اجتاه أخر يسعى إىل تفسري التنظيمات االيكولوجية واحلضرية يف ضوء القيم االجتماعية الثقافية وهو االجتاه‬
‫القيمي‪ ،‬حيث يستند إىل التوجهات القيمية كمتغري أساسي‪ .‬وتندرج أعمال ماكس فيرب حتت هذا االجتاه‪ .‬حيث اعترب‬
‫القيم اليت سيطرت على األنساق االجتماعية والثقافية متغريات مستقلة‪ ،‬واختذ من البناء االجتماعي متغريا اتبعا‪ .‬فضال‬
‫‪2‬‬
‫عن اهتمامه بدور القيم الدينية يف تطور املشروعات االقتصادية‪.‬‬
‫ومن بني هذه التصنيفات جند تصنيف عبد العاطي السيد الذي يذهب إىل تقسيمها كما يلي‪:‬‬
‫أ ـ النظرية االيكولوجية‪.‬‬
‫ب ـ النظرية النفسية االجتماعية‪.‬‬
‫ج ـ نظرية الثقافة احلضرية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫د ـ االجتاهات احلتمية‪ :‬االجتاه االقتصادي‪ ،‬االجتاه التكنولوجي‪ ،‬االجتاه القيمي‪ ،‬واجتاه القوة‪.‬‬
‫أما عن احملاوالت التصنيفية احلديثة فإهنا تركز على ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ املداخل املكانية (املدخل االيكولوجي‪ ،‬املداخل البيئية‪ ،‬نظرية املكان املركزي‪ ،‬نظرية املوقع‪ ،‬نظرية أقطاب النمو‪،‬‬
‫نظرية وسائل االتصال‪ ،‬نظرية احلجم األمثل للمكان احلضري‪...‬اخل)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ املداخل السوسيوثقافية (طريقة احلياة‪ ،‬أمناط السلوك‪ ،‬خصائص احلضرية‪ ،‬أشكال التنظيم االجتماعي‪ ،‬العالقات‬
‫االجتماعية‪...‬اخل)‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ املدخل التنظيمي (حتليل العمليات االجتماعية احلضرية‪ ،‬اجلوانب النظامية‪ ،‬اجملاورات‪ ،‬التنظيمات الطوعية‪...‬اخل)‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ مدخل االقتصاد السياسي (االهتمام إبنتاج املدن‪...‬اخل) وينقسم إىل اجتاهني ظهرا خالل الستينات والسبعينات‬
‫‪1‬‬
‫من القرن العشرين ومها االجتاه الفيربي احملدث واالجتاه املاركسي احملدث‪.‬‬

‫‪ 1‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.67.‬‬


‫‪ 2‬سعيد انصف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.67.68.‬‬
‫‪ 3‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.26.‬‬
‫‪13‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫مما ال شك فيه أبن ألي علم موضوع ومنهج يستند إليه هذا العلم ونظرية يفسر من خالهلا هذا الطرح أو ذاك‪.‬‬
‫وعلم االجتماع احلضري موضوعه هو بشكل عام احلياة يف املدينة‪ ،‬وله مناهجه ونظرايته ومداخله كما رأينا سابقا‪.‬‬

‫احملاضرة الثانية‪ :‬نظرية الفروق الريفية احلضرية‬

‫متهيد‪:‬‬
‫أوال‪ :‬نظرية الفروق الريفية احلضرية‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬نظرية الثنائيات أو اجملتمع الريفي واجملتمع احلضري‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬اجملتمع احمللي واجملتمع العام عند فرديناند تونييز‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬اجملتمع احلضري والريفي عند ابن خلدون‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬التضامن العضوي واآليل عند إميل دوركامي‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬نظرية احملك الواحد واحملكات املتعددة‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬نظرية املتصل الريفي‪ -‬احلضري‪.‬‬
‫اثمنا‪ :‬نظرية جوبرج يف دراسة الفروق الريفية احلضرية‪.‬‬
‫خالصة‪.‬‬

‫‪ 1‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.27.‬‬


‫‪14‬‬
‫احملاضرة الثانية‪ :‬الثنائيات الريفية احلضرية‬

‫متهيد‪:‬‬
‫مسألة االهتمام ابلظاهرة احلضرية‪ ،‬شأهنا شأن ابقي الظواهر االجتماعية األخرى‪ ،‬جندها حاضرة بقوة عند الرواد‬
‫األوائل يف علم االجتماع‪ ،‬ويرجع االهتمام املتزايد ابلظاهرة احلضرية إىل التحوالت والتغريات االجتماعية الكربى اليت‬
‫تعرضت هلا املدينة يف الدول الغربية‪ ،‬وما ترتب عنها من انعكاسات كبرية على البناء العام للمجتمع‪ ،‬مما اسرتعى‬
‫االنتباه السوسيولوجي لعلماء االجتماع الذين حاولوا مقاربة الظاهرة احلضرية‪ ،‬واملالحظ يف مقاربتهم هذه‪ ،‬حظور ثنائية‬
‫املقارنة بني البادية واملدينة‪ .‬ألن معظم علماء االجتماع وهم يتحدثون عن املدينة أو الظاهرة احلضرية‪ ،‬ينطلقون صراحة‬
‫أو ضمنا من مقارنتها مع البادية أو الظاهرة القروية ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬نظرية الفروق الريفية احلضرية‪.‬‬
‫لقد شغلت الفروق الريفية احلضرية كثريا من علماء االجتماع‪ ،‬إذ تبني صعوبة تناول خصائص ومسات اجملتمع احمللي‬
‫الريفي دون أن تقابلها وتربطها خبصائص ومسات اجملتمع احمللي احلضري‪ ،‬فبجانب عالقة القوة التارخيية اليت تربط بني‬
‫هذين اجملتمعني احملليني‪ ،‬فان املقابلة بينهما دفعت عددا من العلماء إىل تبين فكرة املتصل الريفي – احلضري‪ .‬حيث‬
‫الحظ علماء االجتماع األوائل وجود اختالفات واضحة بني سكان املناطق الريفية وسكان املناطق احلضرية‪ ،‬خاصة يف‬
‫منط احلياة االجتماعية والثقافية واالقتصادية والسياسية‪ ،‬اليت يتميز هبا كل جمتمع‪ .‬وقد وجد أن سكان الريف تغلب‬
‫عليهم البساطة والتعصب للقرابة‪ ،‬والتجاور املكاين‪ ،‬والتعاون بينما يتميز سكان املدينة بغلبة املنفعة الشخصية والعمل‬
‫من أجل املصاحل اخلاصة‪ ،‬كما تطغى عليهم املادايت‪ ،‬ويوجد يف املدينة كثري من املشاكل مثل االحنراف األخالقي‬
‫والسرقات‪ .‬ومن مث أصبح من املمكن وضع مسات وخصائص أي من اجملتمع الريفي أو احلضري على احد طريف هذا‬
‫املتصل‪ ،‬حبيث يرتجم هذا الطرف أو ذاك السمات والصفات املعينة ألي من هذين اجملتمعني احملليني يف صورته الفرضية‬

‫‪15‬‬
‫البحثة‪ ،‬وحبيث أيخذ كل جمتمع واقعي مكاان على هذا املتصل قد يقرتب من أي من الطرفني دون أن ينطبق على‬
‫‪1‬‬
‫إحدى هناييت هذا املتصل‪.‬‬
‫النقد املوجه لنظرية الفروق الريفية احلضرية‪:‬‬
‫وعلى الرغم من األمهية النظرية اليت تنطوي عليها النماذج املثالية والثنائيات اليت اعتمد عليها هؤالء يف تفسريهم‬
‫للفروق الريفية احلضرية‪ ،‬إال أن االعتماد عليها اآلن يعد مسالة مستحيلة يف ظل عمليات التغري االجتماعي والثقايف‬
‫اليت تشهدها اجملتمعات بشكل عام منذ بداايت القرن العشرين وحىت اآلن‪ .‬تلك التغريات اليت ابت من املستحيل‬
‫معها أن جند انفصاال واستقالال واضحا بني ما هو ريفي‪ ،‬وما هو حضري‪ .‬كتلك األوضاع اليت كانت سائدة يف أورواب‬
‫خالل القرن التاسع عشر‪ .‬مبعىن أن هذه الثنائيات قدمها العلماء خالل مرحلة معينة‪ ،‬ومن خالل دراستهم للواقع‬
‫‪2‬‬
‫احلضري والريفي األورويب‪ ،‬ومن مث فهي تتناسب وخصوصية تلك اجملتمعات خالل تلك املرحلة‪.‬‬
‫ومع ذلك القضية ال تزال حىت اليوم متثل موضوعا خالفيا مل حيظ بعد بدرجة من جانب العلماء والباحثني‪ .‬إذ أن‬
‫املفاهيم املتصلة هبا حىت اآلن ال زالت غامضة وينقصها الوضوح والتحديد‪ ،‬أو كما يطلق عليها البعض إهنا – أي‬
‫قضية الفروق أو العالقات الريفية احلضرية‪ -‬مفهوم إسفنجي مرن‪ ،‬يكتنفه كثري من الغموض واخللط واالضطراب‪،‬‬
‫فمصطلح ريفي ومصطلح حضري مل تستقر اآلراء بعد حول مدلول كل منهما‪ .‬ولقد ترتب عن التقدم الصناعي‬
‫والتحضر‪ ،‬وتطور وسائل االتصال مبختلف أشكاهلا‪ ،‬والتقدم التكنولوجي وخاصة يف ميدان اإلنتاج الزراعي‪ ،‬وانتشار‬
‫التعليم الرمسي‪...،‬ترتب على ذلك كله أن اختذت قضية الفروق الريفية – احلضرية وضعا يف الدول الصناعية املتقدمة‬
‫‪3‬‬
‫خيتلف عنه يف دول العامل الثالث‪.‬‬
‫فالباحثون الغربيون خمتلفون فيما بينهم حول هذه القضية يف جمتمعاهتم الصناعية املتقدمة‪ .‬ففريق منهم يرى – من‬
‫خالل نتائج دراسات حول املوضوع‪ -‬أن الفروق الريفية احلضرية مل تعد متثل قضية ذات ابل‪ ،‬ألهنا تتضائل ابستمرار‪،‬‬
‫وأهنا يف سبيلها إىل االختفاء والزوال‪ .‬وذل ك يف الوقت الذي يقرر فيه فريق أخر أن هذه الفروق مل تزل موجودة‪ ،‬وأهنا‬
‫سوف تظل ابقية‪.‬‬
‫وأما عن وضع هذه القضية يف بلدان العامل الثالث‪ ،‬فانه يتخذ شكال أخر‪ ،‬فالفروق الريفية احلضرية يف هذه البلدان‬
‫واضحة وملموسة‪ ،‬كما أن العالقات الريفية احلضرية ذات طبيعة خاصة يف كل بلد منها تبعا خلصوصية األوضاع‬
‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية‪.‬‬
‫غري أن هناك اجتاها عاما مييز هذه العالقات الريفية – احلضرية يف تلك البلدان‪ ،‬وهو أن النمو احلضري السريع‬
‫الذي تشهده املدن الكربى يف هذه البلدان بفعل التوسع يف التصنيع‪ ،‬واهلجرة الريفية احلضرية‪ .‬وفضال عن ذلك‪ ،‬فإن‬

‫‪ 1‬حسني عبد احلميد امحد رشوان‪ ،‬علم االجتماع الريفي‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬املكتب العريب احلديث‪ ،)2003 ،‬ص‪.37.‬‬
‫‪ 2‬سعيد انصف‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬املفاهيم والقضااي واملشكالت‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬دار الكتب والواثئق القومية‪ ،)2006 ،‬ص‪.69.‬‬
‫‪ 3‬حممد اجلوهري‪ ،‬املدخل إىل علم االجتماع‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب‪ ،)2007 ،‬ص‪.211.‬‬
‫‪16‬‬
‫هذه البلدان تشهد تفاعال وأتثريا متبادال بني املدينة والقرية‪ .‬ويف الوقت الذي حيدث فيه تريف للمدينة‪ ،‬تشهد القرية‬
‫‪1‬‬
‫على اجلانب األخر عملية حتضر‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬نظرية الثنائيات أو (اجملتمع الريفي واجملتمع احلضري)‪:‬‬
‫تعترب الثنائيات االجتماعية من املداخل النظرية اليت مازالت حتظى ابهتمام الدارسني الذين حياولون تقدمي تفسري‬
‫مالئم ملكوانت البناء االجتماعي احلضري يف ضوء ثنائيات تقليدية وحديثة‪ .‬ويف السياق نفسه جند تيارات نظرية تركز‬
‫على الثنائية الريفية – احلضرية‪ ،‬وأخرى تطرح تصورا مغايرا لفهم خصائص املدينة يف ضوء املتصل الريفي –‬
‫احلضري‪ 2.‬فقد شغلت الفروق الريفية احلضرية أذهان الكثري من علماء االجتماع وتوصل بعضهم إىل تطوير عدد من‬
‫الثنائيات‪ ،‬أي املقابلة بني منوذج أو تصور معني للمجتمع احلضري‪ ،‬ومنوذج أو تصور مقابل له للمجتمع الريفي‪.‬‬
‫واالهتمام إببراز السمات املميزة لكل منوذج منهما‪ 3.‬وعلى هذا األساس ختتلف اجملتمعات الريفية عن اجملتمعات‬
‫احلضرية يف عدة جوانب مثل طريقة حياة أبناء كل منهما‪ ،‬وحجم اجملتمع‪ ...‬ويذهب ستجليس إىل أن هذين النوعني‬
‫من اجملتمعات خيتلفان من حيث ثالثة أبعاد أساسية هي‪ :‬أوال املهنة أو ما يعمله أبناء كل منهما‪ ،‬واثنيا اجتاهاهتم‬
‫االجتماعية وتوجهاهتم القيمية‪ ،‬واثلثا نوع العالقات االجتماعية اليت تسود داخل كل منهما‪ ،‬أو نوع التضامن‬
‫االجتماعي القائم‪.‬‬
‫فاجملتمعات الريفية تتسم بصغر احلجم والتجانس يف األعمال واملهن وسيادة االجتاهات احملافظة والقيم الروحية‬
‫والدينية‪ ،‬بعكس احلال ابلنسبة للمجتمعات احلضرية اليت تتسم ابلكرب النسيب والتباين يف األعمال نتيجة لسيادة‬
‫التخصص وتقسيم العمل‪ ،‬إىل جانب انتشار االجتاهات التجديدية والعلمانية‪ 4.‬وميكن توضيح طبيعة االختالف بني‬
‫اجملتمع الريفي واحلضري من حيث طبيعة العالقات االجتماعية‪ ،‬وانعكاساهتا على نوع التضامن السائد‪ ،‬يف ضوء‬
‫مفاهيم العالقات األولية والثانوية‪ .‬فالعالقات داخل اجملتمع األول تقوم على أساس أويل بينما تقوم يف اجملتمع الثاين‬
‫على أساس اثنوي‪.‬‬
‫وقد صدر العديد من الدراسات اليت حتاول التمييز بني اجملتمعات الريفية واحلضرية لعدة أهداف علمية وعملية‪.‬‬
‫ولكن هذه الدراسات مل تتفق حول هذه النقطة‪ ،‬أو حول حتديد معيار التمييز‪ .‬وهلذا حيسن أن نذكر أهم االجتاهات يف‬
‫هذا الصدد‪:‬‬
‫أوال‪ :‬االجتاه اإلحصائي‪ :‬ويركز أنصار هذا االجتاه على حجم اجملتمع‪ ،‬أو عدد سكانه‪ ،‬فاجملتمع الريفي هو ذلك اجملتمع‬
‫‪5‬‬
‫الذي يقل عدد أفراده عن حد معني‪ ،‬واجملتمع احلضري هو ذلك اجملتمع الذي يزيد عدد سكانه عن حد معني‪.‬‬

‫‪ 1‬حممد اجلوهري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.212.‬‬


‫‪ 2‬إمساعيل قرية‪ ،‬علم االجتماع احلضري ونظرايته‪( ،‬قسنطينة‪ :‬منشورات جامعة منتوري‪ ،)2004 ،‬ص‪.28.‬‬
‫‪ 3‬حممد اجلوهري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.189.‬‬
‫‪ 4‬نبيل السمالوطي‪ ،‬البناء النظري لعلم االجتماع‪ ،‬ج‪ ،1‬مدخل لدراسة املفاهيم والقضااي األساسية‪ ،‬ط‪( ،5‬القاهرة‪ :‬دار الكتب‪ ،)2007 ،‬ص‪.159.‬‬
‫‪ 5‬نبيل السمالوطي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.160.‬‬
‫‪17‬‬
‫االجتاه املهين‪ :‬ويقوم هذا التصنيف طبقا للمهنة اليت ميتهنها اغلب أعضاء اجملتمع‪ ،‬ويفرتض أنصار هذا االجتاه أن‬
‫االختالف املهين يستتبع االختالف يف العديد من اخلصائص االجتماعية األخرى‪.‬‬
‫االجتاه اإلداري‪ :‬وهنا يقوم التصنيف إىل ريف وحضر على أساس الوحدات االدارية داخل الدولة‪ .‬فالتقسيم االداري‬
‫للدولة هو الذي حيدد املناطق الريفية واحلضرية‪.‬‬
‫االجتاه االجتماعي‪ :‬يرفض أنصار هذا االجتاه كافة االجتاهات السابقة يف التفرقة بني الريف واحلضر‪ ،‬على أساس أن‬
‫الفوارق األساسية ال تكن يف العدد واحلجم أو التحديد اإلداري‪ ،‬بقدر ما تكن يف نسق القيم السائدة وطبيعة‬
‫العالقات والتفاعالت القائمة‪ ،‬ومناذج اجلماعات املنتشرة‪ ،‬ونوعية املعايري اليت تنظم سلوك الناس‪ ،‬وأمناط الضبط‬
‫‪1‬‬
‫السائدة داخل اجملتمع‪...‬اخل‪.‬‬
‫نقد نظرية التقسيمات الثنائية‪:‬‬
‫على الرغم من األمهية النظرية اليت قد تنطوي عليها فكرة الثنائيات‪ ،‬إال أن كثريا من علماء االجتماع يعتقدون أهنا‬
‫ال متثل سوى وسيلة مبدئية يصعب االعتماد عليها يف التمييز بني اجملتمعني الريفي واحلضري‪ .‬وهذا ما يفسره كثرة‬
‫التحفظات اليت أثريت حول فكرة الثنائيات اليت يقررها بعض علماء االجتماع‪.‬‬
‫ويالحظ البعض أنه ليس مثة خط فاصل ميكن أن مييز بني اجملتمعني الريفي واحلضري‪ ،‬حيث إن كثريا من اجملتمعات‬
‫كانت يف فرتة سابقة جمتمعات قروية‪ ،‬مث تطورت بشكل تدرجيي وليس بشكل مفاجئ‪ .‬وهذا ما نشاهده يف كثري من‬
‫الدول النامية‪.‬‬
‫حيث يرى البعض أن أول نقد ميكن أن يوجه إىل فكرة الثنائيات هو عدم استيعاهبا جلميع أشكال اجملتمعات اليت‬
‫مرت هبا البشرية عرب اترخيها الطويل‪.‬‬
‫واملالحظ على هذه الثنائيات كذلك قصورها عن استيعاب خمتلف أمناط اجملتمعات اإلنسانية اليت توجد ابلفعل‪ ،‬أو‬
‫اليت وجدت من قبل يف مراحل اترخيية معينة‪ .‬وإذا أمعنا النظر يف هذه الثنائيات الحظنا وجود شبه بينها‪ .‬فهؤالء‬
‫العلماء يقابلون بني منط معني من اجملتمعات تسيطر فيه اجلماعة على الفرد وترسم له موقفا اثبتا ال يتغري أبدا بنمط‬
‫أخر من اجملتمعات يعرب فيه الفرد عن نفسه ويتمتع فيه ابستقالل ميكنه من إجراء حساابت عقلية‪ ،‬والدخول يف‬
‫عالقات تعاقدية مع األفراد اآلخرين‪ .‬ومع ذلك فهناك اختالفات هامة بني هؤالء العلماء فيما يتعلق بكثري من‬
‫‪2‬‬
‫التفاصيل‪.‬‬
‫وإذا ما نظران إىل هذه الثنائيات فإننا نالحظ بعض التشابه الواضح فيما بينها‪ ،‬حيث أن بعض علماء االجتماع‬
‫األوائل يقابلون بني منط معني من اجملتمعات تسيطر فيه اجلماعة على الفرد‪ ،‬وترسم له موقفا اثبتا ال يتغري بنمط آخر‬
‫من اجملتمعات يعرب فيه الفرد عن نفسه ويتمتع فيه ابستقالل‪ ،‬ميكنه من إجراء حساابت عقلية ويدخل يف عالقات‬
‫تعاقدية مع األفراد اآلخرين‪.‬‬

‫‪ 1‬نبيل السمالوطي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.161.‬‬


‫‪ 2‬حممد اجلوهري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.190.‬‬
‫‪18‬‬
‫وإذا رجعنا إىل هذه الثنائيات‪ ،‬فإننا جند على سبيل املثال أن التفرقة اليت أقامها فرديناند تونييز بني اجملتمعني‬
‫احلضري واحمللي ما هي إال تفرقة بني اجملتمعات الرأمسالية احلديثة القائمة على التعاقد‪ ،‬واجملتمعات التقليدية القائمة‬
‫على العرف والتقاليد‪ ،‬كما أن التقسيم الذي اختذه هربرت سبنسر الذي ميز فيه بني أربعة أشكال من اجملتمعات هي‬
‫اجملتمعات البسيطة واجملتمعات املعقدة واجملتمعات األكثر تعقيدا واجملتمعات ابلغة التعقيد‪ .‬يبدو أيضا تقسيما انقصا‪،‬‬
‫خاصة أن األشكال الثالثة األوىل من هذه اجملتمعات ال تشمل إال اجملتمعات املتحضرة‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬اجملتمع احمللي واجملتمع العام عند فرديناند تونييز‪:‬‬
‫ميثل مبدأ العالقات اإلنسانية‪ ،‬أو احلقائق االجتماعية اجملردة األساس لنظرية تونيز‪ ،‬ويقوم املبدأ على التمييز بني‬
‫مفهومني أساسيني مها اجملتمع احمللي واجملتمع العام‪ .‬ويعترب كل منهما صورة من جانب واحد لواقع احلياة االجتماعية‪.‬‬
‫ولقد قصد تونيز هبذين املفهومني اإلشارة إىل التباين الشكلي أو التصوري الواضح بني منطني أساسيني من أمناط احلياة‬
‫‪1‬‬
‫االجتماعية ومها منطان متعارضان لصور اجتماعية واقعية ملموسة‪.‬‬
‫فقد قدم وصفا منوذجيا لنوعني متباينني من احلياة االجتماعية والعالقات االجتماعية‪ ،‬النموذج األول أطلق عليه‬
‫اسم اجملتمع احمللي واستخدمه ليصف احلياة الريفية‪ ،‬واملنطقة احمليطة حيث يعمل سكاهنا بطريقة مجعية‪ ،‬وتتسم احلياة‬
‫االجتماعية ابحلميمية واملعيشة املشرتكة‪ ،‬ويرتبط أعضاؤها ابللغة املشرتكة والتقاليد املشرتكة‪ .‬وابلتايل فهو يضم كل‬
‫العالقات اليت تنتج عن العاطفة والعادات واملعتقدات العامة والثقافة املشرتكة‪ ،‬ويتميز هذا النمط ابلثبات ووضوح‬
‫األدوار وسيادة قيم الشعور ابجلمعية‪ ،‬ويرتبط هبذا الشكل التجمعات القرابية‪ ،‬ومناطق اجلوار والقرى والتنظيمات‬
‫الدينية‪ .‬بينما يشري النموذج الثاين إىل ما طلق عليه تونيز اسم الرابطة أو اجملتمع‪ .‬حيث رأى تونييز داخل اجملتمع –‬
‫مثل مسات املدينة احلديثة – منطا خمتلفا متاما من احلياة‪ ،‬حيث يتحول الوجود من اجلماعة إىل الفرد‪ ،‬ويكون اجملتمع‬
‫أكثر ترشيدا وعقالنية‪ ،‬واهتم الناس مبصاحلهم اخلاصة‪ 2.‬وابلتايل فهو منط خمتلف للعالقات االجتماعية اليت تتميز‬
‫ابلصفة التعاقدية والروابط غري الشخصية وعالقات املصلحة والنفعية والعقالنية‪ 3.‬وأثرت رؤية اجملتمع احمللي واجملتمع‬
‫‪4‬‬
‫أتثريا كبريا علة علم االجتماع احلضري ألهنا كانت من الرؤى األوىل يف فهم املستوطنات البشرية ابستخدام املتصل‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس ذهب تونييز إىل أن دراسة التاريخ األورويب تظهر اإلحالل التدرجيي واملستمر بصورة عامة‬
‫للمجتمع حمل اجملتمع احمللي‪ .‬فقد نظر إىل الظهور السريع للمدن يف أورواب يف القرن التاسع عشر على انه ظهور حتمي‬
‫للمجتمع كنمط مهيمن للحياة احلضرية‪ .‬وابلرغم من اعتقاد تونييز حبتمية هذا التحول فانه مل يره مجيعا جيدا‪ ،‬فقد‬
‫‪5‬‬
‫فقدت الوحدة واالهتمام اإلنساين املميزين للمجتمع احمللي يف اجملتمع بصورة تدرجيية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬اجملتمع احلضري والريفي عند ابن خلدون‪:‬‬

‫‪ 1‬عبد اهلادي حممد وايل‪ ،‬املدخل إىل علم االجتماع‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار املصطفى للنشر والتوزيع‪ ،)2003 ،‬ص‪.263.‬‬
‫‪ 2‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬علم االجتماع احلضري والصناعي‪( ،‬مصر‪ :‬دار املصطفى للنشر والتوزيع‪ ،)2005 ،‬ص‪.48.‬‬
‫‪ 3‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.65.‬‬
‫‪ 4‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.47.‬‬
‫‪ 5‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.49.50.‬‬
‫‪19‬‬
‫قبل البدء نشري إىل أن ابن خلدون قد سبق أبفكاره وآراءه فيما يتصل هبذه القضية من جاؤا بعده بقرون‪ .‬فقد‬
‫تضمنت آراءه اغلب املقوالت اليت وردت حول قضية الفروق الريفية – احلضرية‪ .‬وبذلك يعترب ابن خلدون‬
‫(‪ )1406 -1332‬أول عامل اجتماع عريب ميز بني اجملتمع الريفي واحلضري‪ ،‬ودرس الظواهر االجتماعية اليت تنشأ عن‬
‫‪1‬‬
‫كل من اجملتمعني كما الحظ يف عصره‪.‬‬
‫حيث حبث ابن خلدون يف تطور اجملتمع وأشكاله‪ ،‬ويرى انه ينقسم إىل شكلني مها البدو واحلضر‪ 2.‬ومن مث ذهب‬
‫إىل تصنيف أشكال االستيطان البشري إىل منوذجني على أساس وجود املعاش والكسب‪ ،‬وقد أرجع الفروق بني البدو‬
‫واحلضر إىل الفروق يف مصادر اإلنتاج‪ ،‬واملهنة‪ ،‬وبني أن البدو أصل للمدن واحلضر‪ ،‬وسابق عليهم‪ ،‬فيقول اعلم أن‬
‫اختالف األجيال يف أحواهلم إمنا هو ابختالف حنلتهم من املعاش‪ ،‬فإن اجتماعهم إمنا هو للتعاون على حتصيله واالبتداء‬
‫مبا هو ضروري منه والبسيط قبل احلاجي والكمايل‪ ،‬وهؤالء القائمون على الفلح واحليوان تدعوهم الضرورة‪ ،‬وال بد إىل‬
‫البدو‪ ،‬فكان اختصاص هؤالء البدو أمرا ضروراي هلم‪ ،‬وكان حينئذ اجتماعهم وتعاوهنم يف حاجتهم ابملقدار الذي حيفظ‬
‫احلياة‪ ،‬وحيصل بلغة العيش من غري مزيد عليه للعجز عما وراء ذلك‪ 3.‬فاالجتماع اإلنساين حبسب ابن خلدون أمر‬
‫طبيعي وضروري‪ ،‬فاإلنسان مدين ابلطبع إذ ال يستطيع العيش إال يف اجملتمع‪ ،‬الن شعور الفرد برغبته يف احلياة‬
‫االجتماعية شعور فطري يدفعه لالستئناس أبخيه اإلنسان‪ .‬فالعمران البدوي أصل العمران احلضري ولكل من اجملتمعني‬
‫ألوان من العادات والسلوك وأمناط يف احلياة تفرضها طبيعة كل منهما‪ ،‬وهي يف اجملتمع احلضري أكثر قابلية للتطور‬
‫‪4‬‬
‫الذي يؤدي إىل قمة العمران‪.‬‬
‫وعليه حدد ابن خلدون أربعة مراحل للتطور‪ :‬مرحلة البداوة‪ ،‬امللك‪ ،‬احلضارة‪ ،‬اهلرم‪ ،‬حيث تلعب العصبية وهي‬
‫قوة الوحدة الدموية يف القبيلة دورا كبريا يف هذا التطور‪ .‬ومتثل املرحلة األوىل حياة البداوة عند العرب‪ ،‬بصفة خاصة‪،‬‬
‫حيث يعيش الناس يف قبائل‪ ،‬وتقوم العالقات االجتماعية على أساس العصبية‪ ،‬وبفضل هذا الرابط يقوى التضامن‬
‫داخل القبيلة‪ ،‬فإذا أتكدت العصبية‪ ،‬وقويت الرائسة يف قبيلة معينة‪ ،‬دفعها ذلك للغزو‪ ،‬والذي يؤدي بدوره إىل إقامة‬
‫امللك‪ ،‬فإذا استقر امللك بدأت العصبية تضعف شيئا فشيئا‪ ،‬فيبتعد الناس عن حياة البداوة‪ ،‬ويدخلون يف مرحلة‬
‫احلضارة حيث الرتف والبذخ ويفقدون بذلك طبائع البداوة‪ ،‬من التضامن والتعاون ويدخلون يف مرحلة جديدة حيث‬
‫يؤدي ذلك إىل إفساد اجملتمع واحلياة‪ 5.‬واحنالل العالقات االجتماعية هي األخرى‪ .‬حيث اخذ ابن خلدون بنظرية‬
‫األساس االقتصادي للتفرقة بني اجملتمعات الريفية واحلضرية‪ ،‬حيث ذكر ابن خلدون أن مصادر اإلنتاج هي اليت ميزت‬
‫بني كل من البدو واحلضر‪ 6.‬حيث يرى أنه كلما كرب حجم السكان كلما ازدادت رفاهية األفراد وجتاوز مستواهم‬

‫‪ 1‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬ط‪( ،1‬عمان‪ :‬دار الرضوان للنشر والتوزيع‪ ،)2014 ،‬ص‪.62.‬‬
‫‪ 2‬حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬املدخل إىل علم االجتماع‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب‪ ،)2005 ،‬ص‪.102.‬‬
‫‪ 3‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،)2014 ،‬ص‪. 92.‬‬
‫‪ 4‬علي عبد الرازق جليب‪ ،‬أسس علم االجتماع‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬د‪.‬سنة)‪ ،‬ص‪.53.‬‬
‫‪ 5‬سناء اخلويل‪ ،‬األسرة واجملتمع‪( ،‬لبنان ‪ :‬دار النهضة العربية‪ ، )1984 ،‬ص‪. 33.‬‬
‫‪ 6‬حسني عبد احلميد امحد رشوان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.38.‬‬
‫‪20‬‬
‫املعيشي ورخائهم‪ ،‬مستوى مدينة ذات حجم سكاين أقل‪ ،‬وابلتايل فهو يعترب أن سكان املدن الصغرية تكون يف الغالب‬
‫‪1‬‬
‫يف وضعية تنموية ضعيفة واملالحظة ذاهتا يبديها ابلنسبة لسكان األقاليم الريفية‪.‬‬
‫نقد نظرية ابن خلدون‪:‬‬
‫كثري من القوانني اليت جاء هبا ابن خلدون‪ ،‬خاصة يف تفسري قيام الدول ال تكاد تصدق إال على األمم اليت الحظها‬
‫يف مرحلة خاصة من اترخيها‪ .‬ويؤخذ على ابن خلدون مغاالته يف اثر البيئة اجلغرافية يف شؤون االجتماع‪ ،‬فإبن خلدون‬
‫‪2‬‬
‫يرى أن هناك ارتباطا وثيقا بني البيئة وكل الظواهر االجتماعية‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬التضامن العضوي واآليل عند إميل دوركامي‪:‬‬
‫إنطالقا من دراسته عن تقسيم العمل الذي اعتربه متغريا‪ ،‬حاول أن يربط أشكاله وصوره املختلفة وأنواعه ابلظواهر‬
‫االجتماعية األخرى اليت اعتربها أاثرا أو نتائج هلذا النوع من تقسيم أو ذاك‪ .‬ويرى أن األفراد يف اجملتمع البدائي‬
‫متجانسون الن تقسيم العمل هنا يف حالته البسيطة‪ .‬ولذلك يرتبط األفراد مبا مساه التضامن اآليل الذي يتميز خبضوع‬
‫األفراد ملا ميليه الرأي العام والتقاليد وتكون املسؤولية هنا مجعية‪ ،‬ويكون املركز االجتماعي مورواث‪ .‬أما يف اجملتمعات‬
‫املتحضرة اليت ينمو فيها تقسيم العمل ويتطور‪ ،‬فتكون شخصيات األفراد متعددة ومتنوعة يف الوقت ذاته‪ .‬ويرجع‬
‫ذلك االختالف يف اخلربات والوظائف اليت ميرون عليها أو يقومون هبا‪ .‬ومن مث يرتبط األفراد يف مثل هذه اجملتمعات‬
‫‪3‬‬
‫ابلتضامن العضوي الذي ينجم عن حاجتهم إىل خدمات بعضهم البعض‪ ،‬ولذلك تكون الفردية هي السمة الغالبة‪.‬‬
‫وذهب دور كامي إىل أن االختالف الرئيسي بني اجملتمعات التقليدية واجملتمعات احلديثة يرجع إىل النظام االجتماعي‪،‬‬
‫ففي اجملتمعات التقليدية يعتمد النظام على التقاليد والقيم املشرتكة‪ ،‬أي أن التماسك االجتماعي يعتمد على التشابه‪.‬‬
‫وعلى العكس جند الفروق الفردية يف اجملتمعات احلديثة‪ ،‬ويبىن التضامن االجتماعي على االعتماد املتبادل بني األفراد‬
‫أكثر من تشاهبهم‪ ،‬ويؤدي هذا االعتماد املتبادل وتقسيم العمل إىل اجملتمع املستقر‪ 4.‬لذلك جنده يؤكد على ضرورة‬
‫االهتمام بدراسة النظم االجتماعية والعمليات االجتماعية اليت حتدث داخل اجملتمع اإلنساين‪ 5.‬كما أكد على أمهية‬
‫حتليل العالقات املتبادلة بني النظم واحلقائق االجتماعية أو الظواهر االجتماعية‪ ،‬فأحد اإلسهامات األساسية لعلم‬
‫‪6‬‬
‫االجتماع يف نظره تتمثل يف الوعي ابالرتباط والتداخل والتساند بني احلقائق االجتماعية‪.‬‬
‫حيث فرق بني منوذجني أساسيني للمجتمع استنادا إىل مدى تقدم تقسيم العمل‪ .‬النموذج األول يقوم على ما أطلق‬
‫عليه التضامن اآليل‪ ،‬والثاين يرتكز على التضامن العضوي‪ ...‬فقد يسود اجملتمعات البدائية واجلماعات األولية نظام‬
‫تقسيم عمل بسيط عري معقد قائم على التضامن اال جتماعي امليكانيكي‪ ،‬حيث شخصية الفرد مذابة يف شخصية‬

‫‪1‬‬
‫‪Majallat ET-Tarikh du centre national des études historiques, actes du colloque international sur Ibn Khaldoun, Alger 21-‬‬
‫‪26 juin 1978, SNED, 1982, P: 99-102.‬‬
‫‪ 2‬حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬املدخل إىل علم االجتماع‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب‪ ،)2005 ،‬ص‪.104.‬‬
‫‪ 3‬حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.123.‬‬
‫‪ 4‬حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.124.‬‬
‫‪ 5‬نبيل السمالوطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.17.‬‬
‫‪ 6‬نبيل السمالوطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18.‬‬
‫‪21‬‬
‫اجملتمع‪ .‬بينما يسود اجملتمعات الصناعية واحلضرية نظام معقد ومركب‪ ،‬مما سبب ظهور التضامن االجتماعي العضوي‬
‫‪1‬‬
‫الذي يسمح حبركة كبرية للفرد من حيث التعبري عن حريته وفرديته وابلتايل يصبح اجملتمع أكثر ديناميكية‪.‬‬
‫يشري التضامن اآليل إىل الروابط االجتماعية اليت تبىن على التشابه وعلى املعتقدات والعادات والطقوس والرموز‬
‫املشرتكة‪ .‬وهذا التضامن إيل نتيجة لتوحد املشاركني فيه – من يعيشون يف وحدات أسرية أو قبائل أو بلدان صغرية‪-‬‬
‫تقريبا يف اجلوانب األساسية‪ ،‬ويتوحدون آليا بدون تفكري تقريبا‪ .‬وعلى النقيض‪ ،‬يصف التضامن العضوي النظام‬
‫االجتماعي املعتمد على الفروق الفردية بني السكان‪ ،‬ومييز اجملتمعات احلديثة‪ ،‬خاصة املدن‪ ،‬ويعتمد على التقسيم‬
‫املعقد للعمل‪ ،‬حيث يتخصص السكان يف مهن كثرية خمتلفة‪ 2.‬وان األفراد يعتمدون على بعضهم يف مواجهة‬
‫‪3‬‬
‫احتياجاهتم األساسية شاهنم شان الكائن العضوي‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬نظرية احملك الواحد واحملكات املتعددة‪.‬‬
‫إزاء فشل الثنائيات سلك علماء االجتماع سبال أخرى شىت يف دراساهتم ملوضوع الفروق الريفية احلضرية‪ ،‬ويف‬
‫حماولتهم التمييز بني الريف واحلضر‪ .‬فمنهم من تبىن حمكا واحدا حاول أن مييز على أساسه بني اجملتمع الريفي واجملتمع‬
‫احلضري‪ .‬وابرز حمك استخدم يف هذا االجتاه يقوم على أساس احلجم أو عدد السكان‪ .‬وذهب آخرون إىل اعتبار‬
‫املهنة أساسا وحيد ا للتصنيف والتمييز بني الريف واحلضر‪ .‬واستخدم ويت فوجل القوة أو السلطة كأساس هلذا‬
‫التمييز‪ .‬ومع ذلك فإن حجم اجملتمع (عدد سكانه) هو احملك الوحيد الذي يشيع استخدامه على نطاق واسع يف‬
‫‪4‬‬
‫التمييز بني الريف واحلضر‪ .‬وينتشر بصفة خاصة بني علماء السكان‪.‬‬
‫وهناك طائفة اكرب من علماء االجتماع اعتمدت يف هذا التمييز على استخدام عدة حمكات يف وقت واحد‪ ،‬يتم يف‬
‫ضوئها تشخيص مسات كل من اجملتمع الريفي واجملتمع احلضري‪ .‬فلقد ميز سوروكني وزميرمان بني الريف واحلضر وفقا‬
‫للمحكات (أو األسس) التالية‪ :‬الفروق املهنية‪ ،‬الفروق البيئية‪ ،‬حجم اجملتمع‪ ،‬كثافة السكان‪ ،‬جتانس السكان أو‬
‫تباينهم‪ ،‬وذلك من حيث اخلصائص النفسية واالجتماعية‪ ،‬واللغة واملعتقدات‪ ،‬وأمناط السلوك‪ ،‬الفروق يف شدة احلراك‬
‫‪5‬‬
‫االجتماعي‪ ،‬شكل التباين االجتماعي‪ ،‬انساق التفاعل ‪.‬‬
‫النقد املوجه لنظرايت احملكات‪:‬‬
‫ميكن تلخيص ابرز تلك االنتقادات فيما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يذهب ردفيلد وويرث إىل أن اجملتمع الشعيب مغلق ومكتف ذاتيا‪ ،‬أما املدينة أو اجملتمع احلضري فهو نظام جزئي أو‬
‫هو جزء من كل‪ ،‬ومن مث فإهنما يقعان يف طريف نقيض‪ .‬ولكنهما يف حقيقة األمر غري ذلك حيث ال ميكن املقارنة بينهما‬
‫على هذا النحو‬

‫‪ 1‬ايس خضري البيايت‪ ،‬النظرية االجتماعية جذورها التارخيية وروادها‪ ،‬ط‪( ،1‬طرابلس‪ :‬اجلامعة املفتوحة‪ ،)2002 ،‬ص‪.95.‬‬
‫‪ 2‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬علم االجتماع احلضري والصناعي‪( ،‬مصر‪ :‬دار املصطفى للنشر والتوزيع‪ ،)2005 ،‬ص‪.51.‬‬
‫‪ 3‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.66.‬‬
‫‪ 4‬حممد اجلوهري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.190.‬‬
‫‪ 5‬حممد اجلوهري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.191.‬‬
‫‪22‬‬
‫‪ 2‬ـ يفرتض ردفيلد وويرث ويشاركهما يف ذلك – إىل حد ما‪ -‬سوروكني وزمرمان‪ ،‬أن اجملتمع الريفي يتميز بدرجة عالية‬
‫من التجانس واالستقرار‪ ،‬بينما يتميز اجملتمع احلضري بدرجة مرتفعة من عدم التجانس وعدم االستقرار‪ .‬ومع أن هذا‬
‫االفرتاض يصف احلالة العامة أو الشائعة – نظراي على األقل‪ -‬إال أن اجملتمع القروي ‪ -‬واقعيا‪ -‬قد مير بفرتات من‬
‫التوتر الشديد وعدم االستقرار‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ابلغ ردفيلد وويرث يف تقديرمها لدرجة انقسامية احلياة احلضرية وسيولة نسقها املعياري‪ ،‬وميكننا أن نرجع ذلك‬
‫ابلطبع إىل أن ويرث واىل حد ما ردفيلد كاان أسريين للفرتة الزمنية اليت عاشاها‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وأخريا من املالحظ أن الكثري من الفروق اليت يفرتض علماء االجتماع وجودها بني جمتمع القرية وجمتمع املدينة‬
‫ليست عامة أو عاملية كما يتصورون‪ .‬فمثال االفرتاض أبن األسرة الكبرية أو املمتدة ظاهرة ريفية أكثر منها حضرية‬
‫ولكن احلال ليس كذلك يف جمتمعات مرح لة ما قبل الصناعة‪ .‬كما يفرتضون أيضا أن املدينة أكثر علمانية من الريف‪،‬‬
‫وكلها أراء ال تسلم من االنتقادات اجلادة‪..‬حيث تفككت األسر الريفية يف كثري من األحيان بسبب حقوق اإلرث إىل‬
‫‪1‬‬
‫مجاعات اصغر فاصغر‪ .‬وقد حدث هذا يف وقت مل يكن فيه للتصنيع أي اثر بعد‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬نظرية املتصل الريفي‪ -‬احلضري‪.‬‬
‫لقد حاول بعض الباحثني جتنب الصعوابت اليت جنمت عن االستعانة ابلنموذج املثايل يف دراسة الفروق الريفية –‬
‫احلضرية‪ ،‬وتطوير اجتاه مركب السمات – أو استخدام احملكات املتعددة‪ -‬عن طريق اإلفادة من اخلصائص اليت‬
‫كشفت عنها البحوث الواقعية‪ ،‬فطوروا ما يعرف ابملتصل الريفي – احلضري‪ .‬حيث يشري إىل وجود نوع من التدرج‬
‫القائم بني اجملتمعات يف درجة الرتيف والتحضر‪ ،‬حبيث يصبح من اليسري بعد ذلك أن يقع أي جمتمع إنساين على نقطة‬
‫‪2‬‬
‫معينة من هذا املتصل‪.‬‬
‫وعلــى هــذا األســاس وضــع ردفيلــد صــاحب هــذه النظريــة ثنائيــة جمتمعيــة مــن اجملتمــع احلضــري واآلخــر اجملتمــع الريفــي‬
‫(الفولــك)‪ .‬وتعتمــد هــذه النظريــة علــى دراســة مقارنــة أجراهــا علــى أربــع جمتمعــات مبقاطعــة يوكنــان ابملكســيك‪ ،‬إذ درس‬
‫املتغريات اليت نقيس درجة التحضر جمتمع الفولك وكذا احلضرية ومصـاحباهتا‪ .‬وقـد وضـع رد فيلـد تلـك اجملتمعـات علـى‬
‫متصل يعرب عن درجة تعقد األنظمة االجتماعية وخصائص كل منها‪ 3.‬فمن خالل‪ ،‬التعـرف علـى مضـمون هـذه النظريـة‪،‬‬
‫يتبــني وأهنــا وضــعت أنســاقا وأدوات لتحســني التنميــة وتشــخيص الواقــع احلضــري والريفــي‪ ،‬مــن خــالل تــدرج اجملتمــع عــرب‬
‫خصائص معينة من جمتمـع الريـف إىل جمتمـع احلضـر‪ .‬ولعـل مـا يلفـت االنتبـاه‪ ،‬هـو أهنـا قـدمت بعـض املتغـريات الـيت تـدل‬
‫علـى تقــدم أو ختلـف جمتمــع مـا وعلــى مــدى اقرتابـه أو بعــده عـن التحضــر‪ .‬وبنــاء علـى اخلصــائص السـابقة حــدد ريدفولــد‬
‫ثالثة مقومات أساسية للتحول احلضري ومصاحباته‪ ،‬فاحلضرية تؤدي إىل‪:‬‬

‫‪ 1‬حممد اجلوهري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.191.192.‬‬


‫‪ 2‬حممد اجلوهري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.193‬‬
‫‪ 3‬حسن اخلويل‪ ،‬الريف واملدينة يف جمتمعات العامل الثالث‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،1982 ،‬ص‪.39-20 :‬‬
‫‪23‬‬
‫‪ -1‬زايدة التفكك الثقايف‪ :‬حيث تفقد الثقافة وحدهتا التقليدية‪ ،‬ويتسع نطاق البدائل الثقافية املتاحة‪ ،‬ويفقد ابلتايل‬
‫التكامل واالرتباط بني مقومات الثقافة ويزداد الصراع وعدم االتساق‪.‬‬
‫‪ -2‬زايدة االجتاه حنو العلمانية‪ :‬حيث يتحرر األفراد من الضوابط التقليدية وختضع األنشطة اليت يقوم هبا إىل العقالنية‬
‫يف التسيري حيث أن القرار يصنع يف ضوء ضوابط علمانية‪.‬‬
‫‪ -3‬زايدة االجتاه حنو الفردية‪ :‬حيث ختتفي الوظائف اجلمعية‪ ،‬وتزداد مسؤولية الفرد‪ ،‬وحتل األسرة النووية حمل األسرة‬
‫‪1‬‬
‫املمتدة‪ ،‬ويتحرر األفراد من الروابط التقليدية‪ ،‬فتضعف سلطة الدين والعادات والتقاليد‪.‬‬
‫ويف حماولته حتليل التغريات اليت مير هبا اجملتمع حال انتقاله من منوذج الفولك إىل النموذج احلضري كهدف رئيسي‬
‫لدراسته وحدد ردفيلد هذه املتغريات أو اخلصائص العشرة يف ثالث مقوالت أساسية للتغري أو التحول احلضري هي‪:‬‬
‫زايدة التفكك الثقايف‪ ،‬وتزايد العلمانية‪ ،‬وزاي دة انتشار الفردية‪ .‬ولذلك كانت هذه اخلصائص أهم ما يتسم به اجملتمع‬
‫‪2‬‬
‫احلضري يف نظره‪.‬‬
‫وتستند فكرة املتصل الريفي احلضري من الناحية النظرية على افرتاض األول هو أن اجملتمعات احمللية تتدرج بشكل‬
‫مستمر ومنتظم من الريفية إىل احلضرية وفقا لعدد من اخلصائص والثاين أن هذا التدرج يصاحبه ابلضرورة اختالفات أو‬
‫فروق متسقة يف أمناط السلوك‪ 3.‬فاجملتمعات تتحول حسب وجهة نظره عرب متصل ميثل احد طرفيه جمتمع الفولك‬
‫وميثل الطرف األخر للمتصل اجملتمع احلضري‪ ،‬يف حني متثل بقية اجملتمعات األخرى اليت درسها نقطة متميزة على طول‬
‫هذا املتصل‪ ...‬فوضع هذه اجملتمعات يعرب عن درجة تعقيد البناء االجتماعي‪ ،‬ويبني خصائص كل واحد منها‪ ،‬األمر‬
‫‪4‬‬
‫الذي يتيح لنا فرصة املقارنة بينها‪ ،‬سواء من حيث التنوع واالختالف أو التدرج املتصل ملراحل التطور احلضري‪.‬‬

‫النقد املوجه لردفيلد ونظرية املتصل الريفي‪ -‬احلضري‪:‬‬


‫لعل ابرز إسهام قدمه ردفيلد أتكيد أمهية متصل الفولك حضري كأداة تصورية لتحليل اجملتمع احمللي احلضري‪،‬‬
‫وتوضيح التغريات املرتبطة بعملية التحضر توضيحا امربيقيا‪ .‬بيد أن فحص إسهاماته يف هذا اجملال تكشف عن ثغرات‬
‫‪5‬‬
‫عديدة‪.‬‬
‫أ ـ تتضمن فكرة املتصل كما عرضها رادفيلد نظرية للتغيري مفادها أن احلضرية تطيح ابلضرورة مبجتمع الفولك‪ .‬غري انه‬
‫من اخلطأ يف نظر اوسكار لويس أن نرجع كل التغريات اليت تطرأ على جمتمعات الفولك إىل عامل واحد بعينه وهو‬

‫‪ 1‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.39 :‬‬


‫‪ 2‬حسني عبد احلميد امحد رشوان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.43.‬‬
‫‪ 3‬امحد اجلوهري وعلياء شكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.369.‬‬
‫‪ 4‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37.‬‬
‫‪ 5‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40.‬‬
‫‪24‬‬
‫التحضر‪ ،‬فالثورة الزراعية يف املكسيك ليست على حد تعبريه حركة حضرية ولكنها مع ذلك أحدثت تغريات واسعة‬
‫املدى يف احلياة القروية املكسيكية‪.‬‬
‫ب ـ أن الثقافات دائما يف حالة من التغري املستمر‪ ،‬ومع ذلك ليس شرطا أن تكون هذه التغريات ذات طابع أو اجتاه‬
‫‪1‬‬
‫ثوري لالنتقال من جمتمع الفولك إىل جمتمع حضري‪.‬‬
‫ج ـ إن النموذج الذي حدده ردفيلد مل يربز على حد تعبري اوسكار لويس االختالفات والتمايزات الواسعة املدى بني‬
‫‪2‬‬
‫جمتمعات الفولك ذاهتا‪.‬‬
‫ويؤخذ على هذا االجتاه حنو تقسيم اجملتمعات إىل ريف وحضر إن االختالفات بني كل من الريف واحلضر بدأت يف‬
‫الزوال خاصة يف الدول املتقدمة وان كانت بدأت ختف حدة هذه االختالفات والفروق أيضا يف الدول النامية‪ ،‬ويرجع‬
‫ذلك إىل انعدام عزلة الريف اجلغرافية واالجتماعية وزايدة االتصال بني القرية واملدينة حيث أخذت املدينة تؤثر أتثريا‬
‫ملموسا يف القرية اليت أصبحت أتخذ شيئا فشيئا ابألمناط احلضرية اخلاصة ابحلياة والقيم وغريها من العناصر الثقافية‬
‫‪3‬‬
‫واحلضارية‪ ،‬وحيث ارتبطت القرية ابملدينة ابلطرق السهلة املمهدة ووسائل االنتقال السريعة‪.‬‬
‫كذلك فإن أتكيد روبرت ردفيلد للتفكك االجتماعي كنتيجة مصاحبة ابلضرورة للتحول احلضري كان من أهم‬
‫نقاط الضعف اليت أبرزهتا تلك الدراسات اليت حاولت اختيار هذه النظرية من واقع جمتمعات أخرى‪ ،‬فلقد توصل‬
‫أوسكار لويس إىل أن التحضر يف مدينة املكسيك مل يصاحب ابلضرورة بتدهور النظام االجتماعي أو األخالقي‪ .‬وهذا‬
‫ما أكدته أيضا الدراسات اليت أجريت على املدن األفريقية مثل دراسة مارس عن األسرة والتغري االجتماعي يف املدينة‬
‫األفريقية فلقد أوضحت أنه برغم ما شهدته العديد من البيئات احلضرية من عملية سريعة للنقد والتحول احلضري إال‬
‫أن األمناط التقليدية ال تزال تعيش جنبا إىل جنب مع األشكال التنظيمية اجلديدة دون أن يرتتب على ذلك أي نوع‬
‫‪4‬‬
‫من التفكك االجتماعي‪.‬‬
‫اثمنا‪ :‬نظرية جوبرج يف دراسة الفروق الريفية احلضرية‪.‬‬
‫قدم جوبرج إسهاما نظراي واضحا يف تناول قضية الفروق الريفية احلضرية‪ ،‬فقد انقش يف مقال شهري له األسس‬
‫النظرية القائمة حول هذه القضية هبدف وضع صياغة جديدة هلذه األسس تكون أكثر كفاية يف جمال عملية التفسري‬
‫واملقارنة بني األمناط الريفية واحلضرية يف إطار الظروف االجتماعية العاملية الراهنة‪ .‬وترتكز هذه الصياغة اجلديدة على‬
‫معاجلة البناء السكاين للمجتمعات الريفية واحلضرية عرب الزمان واملكان‪ ،‬اعتقادا منه أبن هذه املعاجلة ختدم مناقشة‬
‫‪5‬‬
‫األمناط الريفية احلضرية يف ثالث مناذج من اجملتماعات البشرية تتمثل يف‪:‬‬

‫‪ 1‬حسني عبد احلميد امحد رشوان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.43.‬‬


‫‪ 2‬حسني عبد احلميد امحد رشوان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.44.‬‬
‫‪ 3‬حسني عبد احلميد امحد رشوان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.45.‬‬
‫‪ 4‬السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬مدخل نظري‪ ،‬ج‪( ،1‬اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،)1996 ،‬ص‪.341.‬‬
‫‪ 5‬حممد اجلوهري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.194.‬‬
‫‪25‬‬
‫‪ 1‬ـ اجملتمعات اليت متر مبرحلة ما قبل الصناعة‪ .‬حيث تضم املدينة فئات وشرائح وطبقات متنوعة‪ ،‬حتتكر الصفوة‬
‫احلضرية منها الرتبية والتعليم‪ ،‬وترتبط بذلك املدينة ابلقرية بشبكة من العالقات االجتماعية‪ ،‬تتميز بتسلط املدينة على‬
‫القرية يف عالقة غري متكافئة‪ ،‬تؤدي إىل استغالل جهد القرويني‪ ،‬وتتدهور أحوال الري)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اجملتمعات االنتقالية أو الناميـة‪ .‬حيـث قـاد التوسـع الصـناعي واالنفجـار السـكاين‪ ،‬وتركـز قطـاع التعلـيم يف املدينـة إىل‬
‫تزايــد معــدالت اهلجــرة‪ ،‬وتزايــد الضــغوط االقتصــادية الشــديدة‪ ،‬يف ظــل تضــمن البنــاء االجتمــاعي األعــداد كبــرية مــن‬
‫املزارعني‪ ،‬مع تزايد الصراعات بني الريف واملدينة يف ظل بقاء االعتمـاد املتبـادل بينهمـا‪ ،‬مـن خـالل إدراك القـروي للعـامل‬
‫‪1‬‬
‫يف ضوء ارتباطه بوسائل اإلعالم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ اجملتمعات املتقدمة صناعيا وتكنولوجيا‪ .‬حيث أنه يف ضوء عيش أغلب الناس داخل املدن‪ ،‬وبفضل تطور وتقدم‬
‫هذه اجملتم عات‪ ،‬وحتقيق الكفاية اإلنتاجية يف جمال الزراعة بفضل الطرق العلمية املتطورة‪ ،‬متيل الفروق الريفية احلضرية‬
‫إىل االختفاء‪ ،‬وتضيق الفجوة بني الريف واحلضر ابستمرار‪ ،‬لكن يرتبط ابلتحضر الصناعي العديد من املشكالت‬
‫كعدم املساواة مثال‪.‬‬
‫وذلك على اعتبار أن البعد الريفي – احلضري خيتلف اختالفا جوهراي بني كل منوذج اجتماعي وأخر‪.‬‬
‫ومن املمكن – وفقا هلذا التصنيف‪ -‬حتليل بعض العالقات الريفية احلضرية وبعض أوجه الشبه واالختالف بني‬
‫‪2‬‬
‫الريف واحلضر من اجملتمعات املشار إليها‪.‬‬
‫ويف ظل هذه النظرية مييز جوبرج بني الفروق احلضرية والريفية من خالل املتغريات التالية‪:‬‬
‫أوال املســتوى التكنولــوجي (التصــنيع)‪ ،‬واثنيــا منــو إطــار مــن املعرفــة التنظيميــة املعقــدة‪ ،‬واثلثــا أتثــري املدينــة نفســها‪ ،‬واخـريا‬
‫‪3‬‬
‫شكل النظام االجتماعي السائد‪.‬‬
‫ويــذهب جــوبرج إىل أن الصـراعات بــني القطاعــات الريفيــة واحلضـرية يف اجملتمعــات االنتقاليــة أو الناميــة ســوف تــزداد‬
‫حــدة‪ ،‬إن مل أتخــذ الــدول الناميــة علــى عاتقهــا مهمــة حتقيــق درجــة معقولــة مــن التــوازن بــني مشــروعات التنميــة احلض ـرية‪،‬‬
‫ومشــروعات التنميــة الريفيــة‪ ،‬علــى أن يكــون هــذا التــوازن يف حتقيــق التنميــة عمليــة مســتمرة‪ ،‬كمــا ميكــن التنبــؤ أيضــا أبن‬
‫الفجــوة بــني الريــف واحلضــر يف اجملتمعــات الصــناعية املتقدمــة ســوف تضــيق ابســتمرار‪ ،‬إال أن بعــض الفــروق ســوف تظــل‬
‫‪4‬‬
‫تقاوم بدون شك لفرتة طويلة‪.‬‬

‫خالصة‪:‬‬

‫‪ 1‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.100 :‬‬


‫‪ 2‬حممد اجلوهري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.195.‬‬
‫‪ 3‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.100.‬‬
‫‪ 4‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.100.‬‬
‫‪26‬‬
‫لقد أدى تعدد وتبلور اإلسهامات النظرية للعديد من الباحثني إىل حتقيق فهم أفضل للفروق الريفية احلضرية‪ ،‬يف‬
‫ضوء املقابلة بني منوذج أو تصور معني للمجتمع احلضري‪ ،‬ومنوذج أو تصور مقابل له للمجتمع الريفي‪ .‬من خالل‬
‫تناول خصائص ومسات اجملتمع احمللي الريفي وربطها خبصائص ومسات اجملتمع احمللي احلضري‪ ،‬ابستخدام عدة حمكات‬
‫يف وقت واحد‪ ،‬يتم يف ضوئها تشخيص مسات كل من اجملتمع الريفي واجملتمع احلضري‪ ،‬مع مراعاة التدرج القائم بني‬
‫اجملتمعات يف درجة الرتيف والتحضر‪ ،‬ومعاجلة البناء السكاين للمجتمعات الريفية واحلضرية عرب الزمان واملكان‪.‬‬
‫وابلنظر إىل التحوالت اليت أصبحت تعيشها املدينة املعاصرة‪ ،‬فإن الكثري من املنظرين والباحثني أصبحوا يركزون‬
‫أكثر على اجملتمع احلضري بشقيه العصري والتقليدي‪ ،‬وذلك اعتمادا على مجلة من اخلصائص احملددة قبليا‪.‬‬

‫احملاضرة الثالثة‪ :‬النظرية االيكولوجية الكالسيكية‬


‫‪27‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫النظرية االيكولوجية الكالسيكية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نظرية روبرت ابرك‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نظرية الدوائر املركزية لـ ايرنست بريجس‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ نظرية القطاع هلومر هويت‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ نظرية النوايت املتعددة هلاريس وأملان‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ النقد املوجه للنظرية االيكولوجية‪.‬‬
‫خالصة‪.‬‬

‫احملاضرة الثالثة‪ :‬النظرية االيكولوجية الكالسيكية‬


‫‪28‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫تعرف هذه النظرية يف علم االجتماع احلضري أحياان ابلنظرية االيكولوجية أو نظرية املدرسة األمريكية أو نظرية‬
‫مدرسة شيكاغو كعبارات مرتادفة املعىن‪ ،‬ويف نفس الوقت تثري أي من العبارات الثالثة يف أذهان املشتغلني بعلم‬
‫االجتماع احلضري اإلشارة إىل أعمال ثالثة من رواد علم االجتماع يف أمريكا وهم روبرت ابرك‪ ،‬وارنست بريجس‪،‬‬
‫هومر هويت وهاريس واملان‪ ،‬وهذه األعمال وضعت منذ البداية اإلطار النظري العام الذي انطلقت من خالله العديد‬
‫من الدراسات الالحقة اليت كانت هلا مكانتها يف اتريخ العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪.‬‬
‫النظرية االيكولوجية الكالسيكية‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫اشتق مصطلح االيكولوجية من العلوم الطبيعية‪ ،‬ويشري إىل دراسة تكيف النبااتت واحليواانت العضوية مع البيئة‪.‬‬
‫وفهمت االيكولوجيا على أهنا عالقة الكائن احلي ببيئته‪ ،‬ويدرك االيكولوجيني املدينة – واجملتمع احلضري بصفة عامة‪-‬‬
‫على أهنا تنظيمات اجتماعية حتتل مواقع جغرافية‪ ،‬ويفرتضون إىل أن أفضل فهم للحياة احلضرية يكون عن طريق كوهنا‬
‫فسيفساء من املناطق حيث تؤدي العوامل الطبيعية إىل توزيع منتظم‪ ،‬وأيضا متغري ابستمرار للسكان والتسهيالت‬
‫‪2‬‬
‫واألنشطة‪.‬‬
‫ومن مث قام عدد من علماء االجتماع املهتمني ابيكولوجية املدن بوضع عدد من النظرايت عن التوزيع املساحي‬
‫واجلغرايف للناس واخلدمات يف املدن‪ ،‬وذلك بعد أن قاموا بدراسة عدد من املدن يتفاوت من ابحث وأخر‪ ،‬وفيما يلي‬
‫يلخص املؤلف تلك النظرايت‪ 3.‬وميكن عرض تلك النظرايت على النحو التايل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نظرية روبرت ابرك‪:‬‬
‫ومن هذا املنطلق فقد صاغ ابرك ما أصبح يعرف ابسم النظرية االيكولوجية‪ ،‬واستند يف حتليله للظواهر إىل أطروحتني‬
‫شكلتا منحاه البحثي‪ .‬ترتبط األوىل ابلتأثري الذي متارسه ظروف العيش يف جمتمع املدينة على سلوك ساكنيها‪ ،‬أما الثانية‬
‫فرتت بط بنمو املدينة وامتدادها وتباينها اجتماعيا وفيزيقيا‪ .‬وهذا هو السبب الذي دفع ابرك إىل القول أبن للمدينة‬
‫تنظيما أخالقيا وأخر فيزيقيا‪ .‬ومع مرور الوقت طور ابرك مدخله االيكولوجي ليتمحور حول اجملتمع احلضري احمللي‬
‫ببعديه الثقايف واحليوي‪ 4.‬حيث ذهب إىل اعتبار املدينة مكاان طبيعيا إلقامة اإلنسان املتحضر‪ ،‬حيث كان ابرك مفتوان‬
‫‪5‬‬
‫بكثري من خصائص احلياة االجتماعية يف شيكاغو ولذا فقد الحظ بعض التصورات اهلامة عن املدينة من أمهها‪:-‬‬
‫أبن املدينة احلديثة بناءا جتاراي‪ ،‬يدين يف وجوده إىل السوق الذي تتوسع املدينة حوله‪ ،‬وذهب ابرك مثل علماء‬
‫االجتماع األوروبيني إىل متيز حياة املدينة احلديثة ابلتقسيم املعقد للعمل الذي يندفع بسرعة نتيجة للمنافسة الصناعية‪،‬‬

‫‪ 1‬أنتوين جيدنز‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬مع مدخالت عربية‪ ،‬ترمجة فايز الصباغ‪ ،‬ط‪( ،1‬بريوت‪ :‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،)2005 ،‬ص‪.599.‬‬
‫‪ 2‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬علم االجتماع احلضري والصناعي‪( ،‬مصر‪ :‬دار املصطفى للنشر والتوزيع‪ ،)2005 ،‬ص‪.70.‬‬
‫‪ 3‬عبد املنعم شوقي‪ ،‬جمتمع املدينة‪ ،‬االجتماع احلضري‪ ،‬ط‪( ،7‬بريوت‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،)1981 ،‬ص‪.137.‬‬
‫‪ 4‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ 5‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬ط‪( ،1‬عمان‪ :‬دار الرضوان للنشر والتوزيع‪ ،)2014 ،‬ص‪.36.‬‬
‫‪29‬‬
‫وذهب ابرك متفقا مع تونييز إىل أن هيمنة السوق ستؤدي إىل االهنيار املستمر للطرق التقليدية يف احلياة‪ ،‬وسيتحول‬
‫االهتمام السابق ابلعالقات األسرية والروابط احمللية ‪ ...‬والطبقة واملكانة حتما إىل نظام مثل اجملتمع الذي يعتمد على‬
‫التعاون واملصاحل املهنية‪ 1.‬وأن املدينة احلديثة تتسم ابلبناءات الرمسية عن طريق وجود ما يسمى بسيطرة البريوقراطيات‬
‫على نطاق واسع‪ ،‬وستلعب األجهزة البريوقراطية مثل البوليس واحملاكم واملؤسسات التطوعية اخلريية ومؤسسات‬
‫الرفاهية االجتماعية دورا متزايدا يف احلياة احلضرية‪ 2.‬ففي معرض أتكيده على البعد النفسي للحياة احلضرية‪ ،‬فقد‬
‫أوضح أن احلياة داخل املدينة جتعلها اقل عاطفية وأكثر عقالنية عن احلياة يف مكان أخر‪ .‬ومن مث يؤكد على اختفاء‬
‫الروابط العاطفية التقليدية يف املدينة قد أدى إىل ظهور روابط اجتماعية جديدة تقوم أساسا على املصلحة‪ .‬وهنا يبدو‬
‫أتثره الواضح أبفكار دوركامي عن التضامن اآليل والتضامن العضوي‪ 3.‬لذلك قرر أبن احلضرية تنتج طرقا جديدة للحياة‬
‫‪4‬‬
‫ومناذج جديدة من األفراد‪ ،‬وانه على علماء االجتماع أن يكتشفوا هذه األشكال اجلديدة من مدهنم‪.‬‬
‫ووضع ابرك أفكاره اخلاصة حول السبل اليت ميكن من امليزات املكانية للمنظمة أتثري البيئة واخلربة‪ .‬هناك نوعان من‬
‫املوضوعات املتداخلة يف عمل ابرك‪ ،‬وبسبب موقعه احملوري كونه مؤسس علم االجتماع احلضري يف الوالايت املتحدة‪،‬‬
‫فقد كان لكل من هذه املواضيع أتثري هائل على جمال النامية‪ .‬أوال‪ ،‬كان ابرك مهتما ابلبنية املتطورة للمدينة نفسها‪،‬‬
‫والشكل املادي للمدينة وطريقة استعماالت األراضي املختلفة واألحياء أصبحت موجهة حنو بعضها البعض‪ .‬وضع‬
‫هذا االهتمام أسس مدرسة علم االجتماع احلضري اليت جاءت لتكون معروفة ابسم البيئة احلضرية‪ .‬اثنيا‪ ،‬وقد فنت‬
‫ابرك أبمناط خمتلفة من التكيف البشري يف املدينة‪ ،‬أي أساليب حياة املتحضرين‪ .‬أدى هذا الرتكيز إىل دراسة الثقافة‬
‫احلضرية‪ ،‬أو العمران‪ .‬ورأى أن كل من هذه العناصر والبيئة والعمران‪ ،‬تتشابك بشكل طبيعي وهي جمتمعة يف عمله‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وكان الرتتيب البيئي العامل املهيمن‪.‬‬
‫فمن خالل املدينة بوصفها مكاان جغرافيا‪ ،‬وكذلك ابعتبارها نطاقا أخالقيا‪ ،‬ميكن من خالل التحليل الوظيفي هلا‬
‫إبراز إمكاانت احلياة الثقافية واألخالقية فيها‪ 6.‬فإيكولوجية املدينة ال تعين االقتصار على تتبع التقسيم املكاين‬
‫الداخلي للمدينة‪ ،‬أو وضع خريطة ملختلف األشياء اليت توجد هبا‪ ،‬وإمنا ما أراده يف احلقيقة اكتشاف أتثري هذه الظواهر‬
‫الفيزيقية يف خربة سكان املدينة اإلنسانية والعاطفية ودورها يف تشكيلها‪ .‬فالظروف النفسية واألخالقية للحياة يف‬
‫املدينة سوف تعكس نفسها بصورة طبيعية يف كيفية استغالل املكان ويف أمناط احلركة اإلنسانية واالنتقال ‪....‬اخل‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫وافرتض ابرك مبعىن آخر أن الثقافة تتجلى يف األشياء املصنوعة وأن املدينة هلا طابع عضوي‪.‬‬

‫‪ 1‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.71.‬‬


‫‪ 2‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬ط‪( ،1‬عمان‪ :‬دار الرضوان للنشر والتوزيع‪ ،)2014 ،‬ص‪.36.‬‬
‫‪ 3‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.76.‬‬
‫‪ 4‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.73.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪William G. Flanagan, op.cit, P.81.‬‬
‫‪ 6‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37.‬‬
‫‪ 7‬أمحد عاطف غيث‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬مدخل نظري‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،)1979 ،‬ص‪.36‬‬
‫‪30‬‬
‫‪ 2‬ـ نظرية الدوائر متحدة املركز (الدوائر املركزية) لـ ايرنست بريجس (‪:)1886-1966‬‬
‫تعترب نظرية بريجس اليت قدمها عام ‪ 1925‬عن الدوائر املتحدة املركز وقد يطلق عليها اسم نظرية املناطق املتمركزة‬
‫أو نظرية الفرض احللقي من أوىل احملاوالت وأهم النظرايت اليت بذلت يف التحليل االيكولوجي للمدن‪ ،‬ويفرتض‬
‫(بريجس) يف هذه النظرية أن منو املدينة أيخذ شكل سلسلة من الدوائر املتتالية‪ ،‬وختتلف كل دائرة أو منطقة يف طريقة‬
‫استخدام األرض‪ .‬حبيث أن البناء الداخلي للمدن ميكن أن يتبلور حول دوائر تتحدد يف مركزها‪ ،‬حيث تضم كل دائرة‬
‫لوان من النشاط‪ ،‬وان احملور الرئيسي ترتكز حوله النشاطات املختلفة‪ ،‬أي أن توزيع السكان واخلدمات يف املدينة يتم يف‬
‫‪1‬‬
‫شكل حلقات حول مركزها الرئيسي‪.‬‬
‫ومن مث فقد حتقق اكرب اجناز للنظرية االيكولوجية يف صورهتا األوىل على يد أرنست بريجس وخباصة فيما قدم من‬
‫تصور نظري خاص للنمط االيكولوجي للمدينة‪ ،‬حيث عاجل بريجس منو املدينة يف ضوء امتدادها الفيزيقي ومتايزها يف‬
‫املكان‪ ،‬وإن هذه احللقات اخلمس تتمثل يف نظره مناطق متتابعة من االمتداد احلضري‪ ،‬وهو يف أتكيده هلذا الوصف‬
‫الفيزيقي ذهب إىل أن ظاهرة النمو احلضري هي نتيجة الزمة لعمليات التنظيم والتفكك يف نفس الوقت‪ ،‬تشبه متاما‬
‫عمليات اهلدم والبناء يف الكائن العضوي‪ 2.‬وال تقتصر الدراسة االيكولوجية من وجهة نظره على جمرد وصف النمو‬
‫الفيزيقي للمدينة‪ ،‬بل متتد إىل لتشمل دراسة نتائج هذا النمو وأاثره على التنظيم االجتماعي والشخصية‪ ...‬وهدف من‬
‫خالل منوذجه املثايل الذي قدمه أن يكشف عن القوى الدينامية الكامنة واليت حتكم منو املدينة‪ ،‬وما يرتتب عليها من‬
‫تغري يف بنائها االيكولوجي‪ .‬وخلص إىل انه مع االنتقال من مركز املدينة إىل أطرافها اخلارجية متيل معدالت االحنراف‬
‫واملعدالت النوعية للرتكيب السكاين ونسبة األجانب واألقليات العنصرية إىل التناقص التدرجيي‪ ،‬على عكس ملكية‬
‫املسكن اليت أتخذ يف االرتفاع املطرد ابالبتعاد عن مركز املدينة‪ 3.‬وانطالقا من ذلك فإن املدينة تنمو على شكل‬
‫‪4‬‬
‫حلقات ودوائر متناقصة ومتعددة املراكز وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬منطقـة األعمـال املركزيـة‪ :‬وتسـمى منطقـة األعمـال املركزيـة‪ ،‬وتقـع هـذه املنطقـة يف مركـز املدينـة وهـذا املركـز هـو بـؤرة‬
‫احليــاة التجاريــة للمدينــة الــيت يوجــد فيهــا النشــاط التجــاري حيــث توجــد يف وســط املدينــة وتوجــد فيهــا احملــالت التجاريــة‬
‫الكـربى‪ .‬وهـي منطقـة يسـهل الوصـول إليهـا مـن أي نقطـة داخـل املدينـة‪ ،‬وفيهـا ترتفـع أسـعار األراضـي‪ ،‬وترتكـز فيهـا‬
‫األنشطة اليت حتتـاج إىل موقـع مركـزي وتتحمـل أسـعار األرض املرتفعـة وحتتـل هـذه املنطقـة انطحـات السـحاب‪ ،‬احملـالت‬
‫التجارية‪ ،‬والفنادق واملطاعم‪ ،‬واملسارح‪ ،‬واملتاجر املتخصصة‪ ،‬وتنتشر فيها سياحة التسوق‪.‬‬

‫‪ 1‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77.‬‬


‫‪ 2‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.38.‬‬
‫‪ 3‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78.‬‬
‫‪ 4‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.57.‬‬
‫‪31‬‬
‫ب‪ -‬املنطقـة االنتقاليـة أو التحـول‪ :‬وهـي حتـيط مبنطقـة األعمـال املركزيـة ويطلـق عليهـا اسـم منطقـة التحـول أو املنطقـة‬
‫االنتقاليـة وتسـكنها مجاعـات ذات مسـتوى اجتمـاعي اقتصـادي مـنخفض‪ ،‬ابإلضـافة إىل املهـاجرين الـريفيني‪ .‬وتتميـز‬
‫ابلتغــري املســتمر والكثافــة الســكانية العاليــة وضــعف املســتوى املعيشــي وانتشــار األم ـراض االجتماعيــة وتــدهور املســاكن‬
‫وانتشار املخازن واملالهي‪ ...‬اخل‪ .‬مبعـىن آخـر هـي منطقـة الوافـدين اجلـدد إىل املدينـة والـيت تعتـرب مـن األقليـات العنصـرية‬
‫واإلثنيـة‪ .‬وهـذه املنطقـة حسـب بـرجس هـي معرضـة ابســتمرار لعمليـيت الغـزو واالحـتالل متارسـها منطقـة األعمـال املركزيــة‬
‫الدائمة النمو والتوسع‪.‬‬
‫جـ ـ‪ -‬منطقــة ســكن العمــال‪ :‬وكمــا يــدل عليــه املصــطلح ذاتــه‪ ،‬فهــي منطقــة العمــال وأصــحاب املهــن الكتابيــة وأطفــال‬
‫املهاجرين‪ ،‬وما مييز هذه الفئة هـو تطلعهـم الـدائم إىل حتـني مسـتوى معيشـة أطفـاهلم ودفعهـم إىل مسـتوى أعلـى يف السـلم‬
‫االجتماعي‪ .‬ولذلك فهي منطقة انتقال لعمال الصناعة اهلاربون من املنطقة الثانية الـذين يرغبـون يف السـكن ابلقـرب مـن‬
‫أمــاكن عملهــم‪ .‬وتعتــرب اإلقامــة فيهــا أفضــل مــن املنطقــة الثانيــة‪ .‬أضــف إىل ذلــك‪ ،‬يوجــد هبــا اجليــل الثــاين مــن املهــاجرين‬
‫الشــباب الطمــوحني‪ ،‬كمــا توجــد هبــا منــازل أفضــل تتكــون مــن أربعــة أو رســة أدوار‪ .‬ولكنهــا تعتــرب منــاطق مزدمحــة حيــث‬
‫يقيم سكان الطبقة الدنيا من السكان‪.‬‬
‫حـ ـ‪ -‬منطقــة ســكانية أفضــل‪ :‬وتتكــون مــن مســاكن تقطنهــا أســر وحيــدة‪ ،‬إىل جانــب الشــقق والعمــارات اجلميلــة وبعــض‬
‫فنـادق اإلقامـة‪ .‬كمـا تعتـرب هـذه املنطقـة ملجـأ الفئـة ذات الـدخل املتوسـط‪ .‬حيـث تتكـون أساسـا مـن الفـيالت وأحيـاء‬
‫األعمال احمللية‪.‬‬
‫خ ـ‪ -‬منطقـة السـفر اليـومي أو الضـواحي‪ :‬وتسـمى منطقـة الضـواحي‪ ،‬أو منطقـة السـفر اليـومي وتقـع يف حـدود املدينـة‪،‬‬
‫وعلى امتداد خطوط املواصالت املمتدة من قلـب املدينـة بشـكل نصـف قطـري‪ ،‬حيـث يسـكنها ذووا الـدخل املرتفـع يف‬
‫حني أن معظم سكاهنا يعيشون تنقل يومي يف اجتاه أماكن العمل‪ .‬هذا وقد الحـظ بـريجس مـن دراسـته أن نسـبة السـكان‬
‫الــذين ميلكــون البيــوت الــيت يســكنوهنا تتزايــد كلمــا بعــدان عــن مركــز املدينــة‪ ،‬كمــا الحــظ أيضــا أن نســبة تشــرد األحــداث‬
‫‪1‬‬
‫والبغاء ونسبة األجانب أيضا تتزايد يف وسط املدينة وتقل كلما ابتعدان عن املركز‪.‬‬
‫النقد املوجه لنظرية بريجس حول الدوائر املركزية‪:‬‬
‫أوال حمدودية منوذجه املثايل‪ ،‬حيث يفتقر إىل احلدود الواقعية‪ ،‬فحدود املناطق مت وضعها بطريقة تعسفية‪ ،‬كما أن‬
‫البحوث املختلفة كشفت عن تنوع كبري يف املهن يف حدود املنطقة الواحدة‪(.‬وكذلك اإلسكان املختلف)‪ ،‬أضف إىل‬
‫ذلك أن هذا النموذج ال ينطبق على الكثري من مدن العامل كما بينته الكثري من الدراسات اليت أجريت يف إفريقيا واسيا‬
‫وأمريكا الالتينية‪ ،‬ومن مث فبساطة منوذج بريجس يعود إلغفال األسباب االجتماعية للتوزيع االيكولوجي حبسب‬
‫‪2‬‬
‫البعض‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ نظرية القطاع هلومر هويت‪:‬‬

‫‪ 1‬عبد املنعم شوقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.139.‬‬


‫‪ 2‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.60.‬‬
‫‪32‬‬
‫ظهــرت هــذه النظريــة يف هنايــة الثالثينــات عــام ‪ 1939‬كــرد فعــل علــى االنتقــادات الــيت تعرضــت هلــا نظريــة بــريجس‬
‫(الــدوائر املركزيــة)‪ 1.‬ويف إطــار هــذه النظريــة الــيت اندى هبــا هــومر هويــت بعــد دراســة ‪ 142‬مدينــة مــن انحيــة إجيــارات‬
‫املساكن ومميزاهتا‪ 2،‬حيث يرى (هويت) أن املدينة الكبرية مكونة من عديد من القطاعات أكثر من كوهنا دوائر متحـدة‬
‫املركـز كمـا ذهبـت نظريـة الـدوائر متحـدة املركـز‪ .‬وترتكـز هـذه النظريـة علـى مفهـوم جديـد أتـى بـه هـومر هويـت كبـديل‬
‫ملفهــوم الــدوائر‪ ،‬حيــث ربــط مفهــوم القطــاع مبتغــري الــدخل‪ ،‬ليتضــح لــه يف هنايــة األمــر أن انتشــار املنــاطق الســكنية خيضــع‬
‫لدخل األفراد ومستواهم املعيشي‪ .‬فإىل جانب مناطق النشاطات التجارية مبركز املدينـة مييـز هومرهويـت ثـالث قطاعـات‬
‫أساسية هي‪ :‬قطاع اإلجيارات املنخفضة‪ ،‬وقطاع اإلجيارات املتوسطة‪ ،‬وقطاع اإلجيارات املرتفعة‪.‬‬
‫وتتلخص هذه النظرية يف أن املدينة تنقسم إىل قطاعات حمورية ال حلقات دائرية‪ .‬كما الحظ يف أثناء دراسته لعينة‬
‫من املدن األمريكية يف تلك الفرتة أن السكان يتجهون يف انتقاهلم يف حماور حمدودة كلما منت املدينة‪ .‬وبذلك فإن‬
‫منطقة سكن األغنياء ال تغطي حلقة أبكملها داخل املدينة‪ ،‬وإمنا تغطي فقط جزءا من هذه احللقة‪ .‬كما حيدث الشيء‬
‫نفسه يف القطاعات األخرى من املدينة‪ .‬وابنتقال السكان من مركز املدينة إىل اخلارج تنتقل معهم أيضا بعض اخلدمات‬
‫وخاصة اخلدمات التجارية كمحالت بيع اخلضار واللحم والفاكهة والصيدليات والكوانني ودور السينما‪.‬‬
‫ويالحظ أن سكان القطاع ينتقلون إىل خارج املدينة كلما كربت وتطورت‪ ،‬كما قسم (هوايت) املدينة إىل عدة‬
‫قطاعات‪ .‬فالقطاع األول يشمل املنطقة التجارية ورجال األعمال وهي توجد يف مركز املدينة‪ .‬ويف املنطقة الثانية يوجد‬
‫جتار اجلملة والصناعات البسيطة‪ .‬أما املنطقة الس كنية فقسمها إىل ثالثة قطاعات حسب نوع الطبقة االجتماعية يف‬
‫اجملتمع‪.‬‬
‫ووقفا هلذه النظرية فإن مناطق اإلجيار املرتفع تتجه لألطراف اخلارجية لقطاع أو أكثر من املدينة‪ .‬ويف القطاعات‬
‫األخرى متتد مناطق اإلجيار املنخفض من وسط املدينة إىل ضواحيها‪ .‬فتتجه مناطق اإلجيار املرتفع مصاحبة لنمو‬
‫السكان حنو قطاع واحد‪ .‬وتصبح املناطق اليت هتجرها مجاعات الدخل املرتفع جماال لسكن الطبقات ذات املكانة‬
‫االقتصادية املنخفضة‪ .‬وعلى هذا فإن مناطق اإلجيار املرتفع تتواجد عادة على احلافة اخلارجية لقطاع أو أكثر من‬
‫حدود املدينة‪ .‬كما تتواجد املناطق الصناعية على امتداد أودية األهنار وامتداد املياه‪ .‬وليست كما ذهبت نظرية‬
‫الدوائر متحدة املركز حيث أهنا أتخذ منطقة دائرية حول املنطقة الرئيسية‪.‬‬
‫النقد املوجه لنظرية هومر هويت حول نظرية القطاع‪:‬‬
‫أوال حمدوديتها وضيق نطاق تطبيقها‪ ،‬بسبب انطالقها من منط ايكولوجي حمدد يعكس واقع ايكولوجية بعض املدن‬
‫يف فرتة اترخيية معينة‪ .‬واثنيا أهنا تغفل البعد التارخيي الذي يؤثر بشكل عميق يف البناء االيكولوجي‪ .‬واثلثا وكنتيجة‬

‫‪ 1‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.63.‬‬


‫‪ 2‬عبد املنعم شوقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.139.‬‬
‫‪33‬‬
‫لذلك ينحصر تطبيق نظرية القطاع على بعض املدن األوروبية ‪ ،‬األمر الذي جيعل من الصعب تعميمها على بقية مدن‬
‫‪1‬‬
‫العامل‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ نظرية النوايت املتعددة هلاريس وأملان‪:‬‬
‫اندى هبذه النظرية هاريس واملان‪ ،‬وتتلخص يف أن هناك عدد من املراكز يف كل مدينة ال مركز واحد‪ ،‬وان كل مدينة‬
‫ختتلف عن األخرى يف نوع وعدد مراكزها‪ 2،‬ويف منتصف األربعينات من القرن العشرين صاغ كل من هاريس و أوملان‬
‫منوذج النواايت املتعددة الذي يذهب إىل أن منو املدينة ال يعتمد على نواة واحدة وإمنا على أنوية متعددة‪ ،‬فهناك النواة‬
‫الرئيسية يف مركز املدينة وهي منطقة األنشطة التجارية واخلدمات الرئيسية وهناك نواة جتارة اجلملة والصناعات اخلفيفة‬
‫ابلقرب من النواة الرئيسية‪ ،‬كذلك توجد نواة الصناعات على أطراف املدينة‪ ،‬وحول هذه االنوية تتوزع مناطق سكنية‬
‫‪3‬‬
‫متنوعة بعضها لذوي الدخل احملدود وبعض آخر لذوي الدخل املتوسط وبعض اثلث لذوي الدخل املرتفع‪.‬‬
‫ظهرت هذه النظرية يف منتصف األربعينيات من القرن العشرين وقد اندى هبا العاملان (هاريس و أوملان) وذلك بعد‬
‫أن ظهرت املدينة الصناعية إىل حيز الوجود وخاصة يف أورواب وأمريكا الشمالية‪ .‬وبعدما برزت انتقادات عديدة لكل‬
‫من نظرية الدوائر املرتاكزة ونظرية القطاع‪ .‬وقد تبني هلاريس وأملان أن منو املدينة ال يعتمد على نواة واحدة بل نوايت‬
‫متعددة‪ ،‬وان املدينة تتميز بوجود عدة نوايت منفصل بعضها عن بعض‪ ،‬وميكن أن تظهر حول كل منها أنشطة خمتلفة‪.‬‬
‫كما الحظا أن كل مدينة قد ختتلف عن غريها يف أنواع مراكزها وعددها‪.‬‬
‫فنم ــو املدين ــة يتش ــكل ع ــرب أمن ــاط عدي ــدة وب ــذلك ميك ــن أن توج ــد يف املدين ــة الواح ــدة ن ــواة لتج ــارة اجلمل ــة ون ــواة‬
‫للصناعات اخلفيفة ونواة للصناعات الثقيلة تكون غالبا يف أطراف املدينة‪ .‬كما يالحـظ أن املنـاطق السـكنية تتـوزع حـول‬
‫هذه النوايت وكل طبقة اجتماعية سواء كانت فقرية أم غنية تتوزع حول احلي الذي يعمل فيه السكان حسـب مسـتواهم‬
‫‪4‬‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬
‫وحيث أن كل مدينة ختتلف عن األخرى يف أنواع مراكزها وعددها فإن ذلك يرجع لألسباب التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬حتتاج بعض نواحي النشاط االقتصادي يف املدينة إىل تسهيالت خاصة حيث أن املنطقة التجارية تنشأ عادة يف‬
‫املراكز اليت تؤمن أكرب عدد من الناس‪ ،‬مثل امليناء الذي ينشأ جبوار البحر‪ ،‬واحلي الصناعي الذي ينشأ جبوار النهر‪،‬‬
‫وعند نقط التقاء الطرق أو السكك احلديدية‪ .‬وهكذا ابلنسبة لبقية أحياء املدينة‪.‬‬
‫ب‪ -‬تستفيد بعض نواحي النشاط االقتصادي من وجودها يف مكان واحد‪ ،‬حيث أن جتمع جتار التجزئة مثال يف حي‬
‫واحد يفيدهم مجيعا ألنه يسهل على العمالء عملية الشراء والبيع واملعامالت التجارية‪ .‬وحيث يبتعدون عن وسط‬
‫املدينة ألهنم حيتاجون ملساحات كبرية لتخزين بضائعهم‪.‬‬

‫‪ 1‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.64.‬‬


‫‪ 2‬عبد املنعم شوقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.142.‬‬
‫‪ 3‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40.‬‬
‫‪ 4‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.63.64.‬‬
‫‪34‬‬
‫ج‪ -‬تنفر بعض الطبقات االجتماعية من اإلقامة جبوار بعض األنشطة االقتصادية يف املدينة‪ .‬فالطبقة الغنية مثال تنفر‬
‫من اإلقامة جبوار املنطقة الصناعية وتفضل االبتعاد عنها‪ .‬كما تنفر بعض نواحي النشاط من بعضها‪ ،‬فالطبقة الفنية‬
‫مثال تنفر من منطقة الصناعة وتسكن يف أبعد مكان عنها‪.‬‬
‫د‪ -‬ال تتحمل بعض نواحي النشاط يف املدينة من حتمل عبء األرض ذات القيمة املرتفعة وسط املدينة‪ .‬فتجار اجلملة‬
‫‪1‬‬
‫مثال يبتعدون عن وسط املدينة ألهنم حيتاجون إىل مساحات كبرية لتخزين بضائعهم‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ النقد املوجه للنظرية االيكولوجية‪:‬‬
‫ورغم كل هذا فإن النظرية االيكولوجية مل تسلم من االنتقادات اليت وجهت هلا‪ ،‬وقد ركزت هذه االنتقادات على‬
‫ثالث نقط أساسية‪:‬‬
‫بداية من النموذج االيكولوجي الذي اعترب بعيدا عن مقاربة الظاهرة احلضرية والسلوك االجتماعي للفرد‪ ،‬فبالرغم‬
‫من أمهية إسهامات النظرية االيكولوجية يف تفسري البناءات االيكولوجية احلضرية إال أهنا تعرضت لنقد شديد‪ ،‬ولقد‬
‫كان من أهم ما وصفت به النظرية االيكولوجية املبكرة أهنا بدأت حتليلها من طريق خاطئ وذلك عندما وجهت كل‬
‫اهتمامها إىل اجلوانب اجليوفيزيقية للمدينة دون أن هتتم حبياهتا االجتماعية‪ .‬فاحلياة االجتماعية – على حد تعبري‬
‫مارتندال ‪ -‬هي بناء التفاعل وليست بناء احلجر والصلب واألمسنت واألسفلت‪ ،‬وليس أدل على أن النظرية‬
‫االيكولوجية قد ضلت طريقها إىل التحليل السوسيولوجي من االهتمام الكثري من الدراسات االيكولوجية ابكتشاف‬
‫خصائص املناطق املختلفة دون اهتمام بنوع احلياة الذي أدى إىل ظهور هذه اخلصائص كمن يهتم بدراسة اجلرمية‬
‫ومسرحها دون اهتمام ابجملرم نفسه‪.‬‬
‫مث انتقادات أخرى ركزت على اجلانب املنهجي‪ ،‬من خالل اعتبار التقنيات االمربيقية اليت استعملها رواد املدرسة‪،‬‬
‫انقصة وابلتايل ال ميكن أن تؤدي إىل التوصل إىل نتائج علمية دقيقة‪ .‬بقدر ما تؤدي إىل استنتاجات وتعميمات امربيقية‬
‫متناقضة وعقيمة‪ .‬ومثال ذلك أن النظرية االيكولوجية وجهت هلا انتقادات أخرى تتعلق ببدائية مفاهيمها وعدم أمهيتها‬
‫‪2‬‬
‫يف التحليل السوسيولوجي للموضوعات اليت طرحتها‪ ،‬كمفهوم املنافسة والعزل والغزو‪...‬‬
‫من املتصور يف نظر البعض مثل مارتندال أنه ابإلمكان أن تعاجل بعض املسائل املرتبطة ابحلياة االجتماعية احلضرية يف‬
‫ضوء هذه املفاهيم ولكن ليس ابإلمكان أن تتحدد من خالهلا ألهنا تنطبق على احلياة الريفية كما تنطبق على احلياة‬
‫احلضرية‪.‬‬
‫بل ال يقتصر استخدامها على احلياة اإلنسانية فحسب فقد متتد ملعاجلة بعض األمور املرتبطة ابحلياة النباتية‬
‫واحليوانية أيضا‪....‬‬

‫‪ 1‬عبد املنعم شوقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.142.‬‬


‫‪ 2‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41.‬‬
‫‪35‬‬
‫إن النظرية االيكولوجية هبذا املعىن قامت على تصورات غري كافية لصياغة نظرية حمددة املعامل عن املدينة ميكن أن‬
‫‪1‬‬
‫تتميز عن نظرية أخرى تعاجل موضوعا آخر يف إطار النظرية السوسيولوجية‪.‬‬
‫والنوع الثالث من االنتقادات جنده يركز على مسألة العالقة بني الثقافة واجملال اليت تعترب مسألة إيديولوجية ‪ ...‬كل‬
‫هذه االنتقادات جندها ابألساس موجهة إىل ويرت من طرف مانويل كاستيلز الذي خصص فصل من كتابه املسألة‬
‫احلضرية أمساه أسطورة الثقافة احلضرية‪ ،‬لتفنيد مفهوم الثقافة احلضرية ومفهوم التحضر عند ويرت‪ ،‬انطالقا من نتائج‬
‫أحباث ميدانية تفند كلها – حسب كاستلز ‪-‬العديد من نتائج واستنتاجات ومفاهيم ويرث وغريه من رواد مدرسة‬
‫شيكاغو‪.‬‬
‫ومع ذلك يبقى للنظرية االيكولوجية وزهنا وأمهيتها وخباصة يف القدر اهلائل من البياانت واملعطيات األمربيقية اليت‬
‫‪2‬‬
‫قدمتها عن املدينة يف اتريخ علم االجتماع احلضري‪.‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫تتفق ال نظرايت الثالث اليت أشران إليها يف أن كل مدينة تنقسم إىل مناطق وأن لكل منطقة منها مميزات خاصة‪،‬‬
‫وتتمثل هذه املناطق فيما يلي‪ :‬منطقة رجال األعمال املركزية‪ ،‬منطقة جتارة اجلملة والصناعات البسيطة‪ ،‬منطقة سكن‬
‫الطبقات الفقرية‪ ،‬منطقة سكن الطبقات املتوسطة‪ ،‬منطقة السفر اليومي أو الضواحي‪.‬‬
‫ومن خالل عرض النظرية اإليكولوجية الكالسيكية يتبني وأن التصور اإليكولوجي يستند إىل جمموعة مـن املقـوالت‬
‫والقضــااي النظري ــة واإلمربيقي ــة‪ ...‬اخل‪ .‬يف ه ــذا اإلط ــار تق ــدم النظريــة اإليكولوجي ــة الكالس ــيكية تص ــورا يف كيفي ــة دراس ــة‬
‫وتطوير اجملتمع احلضري الذي خيضع لتأثريات النمو واهلجرة الريفية وتزايد احلاجيات االجتماعية بكل مستوايهتا‪.‬‬
‫احملاضرة الرابعة‪ :‬االجتاهات االيكولوجية احلديثة‬

‫متهيد‪:‬‬
‫االجتاهات االيكولوجية احلديثة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬البدائل االيكولوجية لدراسة النمو احلضري‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ منوذج الونزو‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ منوذج االتصال‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ منوذج حتليل األنظمة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ التحليل العاملي‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬ـ النظرية االيكولوجية احملدثة‪ :‬كوين‪ ،‬اموس هاويل‪ ،‬شنور ودنكان‪.‬‬

‫‪ 1‬السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬مدخل نظري‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،)1996 ،‬ص ص‪.318.320.‬‬
‫‪ 2‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41.‬‬
‫‪36‬‬
‫اثلثا‪ :‬ـ النظرية االيكولوجية السوسيو‪-‬ثقافية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ـ نظرية حتليل املناطق االجتماعية‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬ـ نظرية الثقافة احلضرية لويس ويرث‪.‬‬
‫خالصة‪.‬‬

‫احملاضرة الرابعة‪ :‬االجتاهات االيكولوجية احلديثة‬

‫متهيد‪:‬‬
‫هتدف هذه احملاضرة إىل عرض االجتاهات االيكولوجية احلديثة‪ ،‬انطالقا أوال من البدائل االيكولوجية لدراسة النمو‬
‫احلضري ممثلة يف منوذج الونزو‪ ،‬منوذج االتصال‪ ،‬منوذج حتليل األنظمة‪ ،‬وانتهاءا ابلتحليل العاملي‪ .‬واثنيا عرض النظرية‬
‫االيكولوجية احملدثة من خالل أعمال كل من كوين‪ ،‬اموس هاويل‪ ،‬شنور ودنكان‪ .‬واثلثا عرض النظرية االيكولوجية‬
‫السوسيو‪-‬ثقافية‪ .‬ورابعا حتليل املناطق االجتماعية‪ .‬وخامسا وأخريا عرض نظرية ويرث احلضرية كأسلوب حياة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬البدائل االيكولوجية لدراسة النمو احلضري‪.‬‬
‫صاحبت االنتقادات الشديدة اليت مست املبادئ األساسية اليت تقوم عليها النظرية االيكولوجية الكالسيكية‪،‬‬
‫ظهور حماوالت حبثية ضيقة النطاق وتنظريية تسعى إىل االهتمام ابلبناءات االيكولوجية واالجتماعية منها‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ 1‬ـ منوذج الونزو‪ :‬ويتلخص يف نظريته إىل استعماالت األرض على أهنا تتباين حسب أمثاهنا وإجياراهتا طبقا للبعد أو‬
‫القرب من مركز املدينة‪ ،‬ومن املراكز الثانوية األخرى‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ منوذج االتصال‪ :‬فيقوم على فكرة أساسية مفادها أن السبب الرئيسي لنمو املدن واتساعها يتمثل يف سهولة‬
‫االتصال واالنتقال‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ منوذج حتليل األنظمة ينظر أنصار حتليل األنظمة إىل املدينة على أهنا تتألف من جمموعة من األنظمة أو األنساق‬
‫الفرعية املتبادلة التأثري والتأثر‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ منوذج التحليل العاملي‪ :‬حياول أنصار التحليل العاملي حصر العديد من املتغريات املؤثرة يف ايكولوجية املدينة‪ ،‬مث‬
‫‪1‬‬
‫حتديد األمهية النسبية لكل منها‪.‬‬
‫الفكرة األساسية هنا هي اجتاه الباحثني اجتاها مغايرا عندما كرسوا جهودهم لتطوير نظرية ايكولوجية تدخل بعني‬
‫االعتبار ما جتاهله أسالفهم االيكولوجيني‪ .‬ومنذ ظهور هذا العمل اجلديد خالل اخلمسينات سيطر توجهان فكراين‬
‫أطلق عليهما املدخل االيكولوجي احملدث‪ ،‬واملدخل السوسيو‪ -‬ثقايف‪ .‬والواقع أن اإلسهام احلقيقي الذي قدمه هذين‬
‫املدخلني يتمثل يف دراستهم للمجتمع احمللي كوحدة مكانية وكوحدة للتنظيم االجتماعي (من خالل معاجلة اجلوانب‬
‫غري املكانية حلياة اجملتمع كالثقافة والقيم واألشكال النظامية للسلوك والفعل والعالقات االجتماعية)‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬ـ النظرية االيكولوجية احملدثة‪:‬‬
‫متثل النظرية االيكولوجية احملدثة منوذجا جديدا للنظرية االيكولوجية الكالسيكية‪ ،‬وتستند إىل فكرة أساسية هي أن‬
‫النظرية االيكولوجية كأي نظرية سوسيولوجية أخرى جيب أن تغطي كل سلسلة الظواهر االجتماعية‪ .‬ولقد ظهرت‬
‫األعمال اليت تندرج حتت هذه النظرية يف جمموعتني‪ :‬أعمال الباحثني الذين اهتموا ابلبعد املكاين‪ ،‬وأعمال الباحثني‬
‫الذين اهتموا ابلظواهر االجتماعية وشبه االجتماعية على حد سواء‪ .‬وبرغم أن هاتني اجملموعتني طرحت أراء متعددة‬
‫إال أهنما يف الواقع تلتقي يف نقطة أساسية وهي إعادة صياغة النظرية االيكولوجية املبكرة‪.‬‬
‫حيث اعتمد البـاحثون احملـدثون الدارسـتني لعقـل املدينـة يف إطـار النظريـة اإليكولوجيـة‪ .‬علـى فكـرة أساسـية جديـدة‪،‬‬
‫وهي أن النظرية اإليكولوجيـة جيـب أن تشـمل كـل الظـواهر االجتماعيـة‪ .‬ولتبيـان اإلسـهامات اجلديـدة عـرب هـذا النمـوذج‬
‫احملــدث‪ ،‬ســوف نســتعرض إســهامات كــل مــن كــوين (‪ )Quin‬وأمـوس هــاويل (‪ )A.Aauley‬وشــنور(‪ )chnore‬ودنكــان‬
‫‪2‬‬
‫(‪.)D.Duncan‬‬
‫وحيث أن القضية على هذا القدر من التشابه والتعقيد فإنين اعتقد انه من األسهل واألسلم التعرض للموقف‬
‫‪3‬‬
‫حسب املفكرين‪.‬‬

‫‪ 1‬إمساعيل قرية‪ ،‬علم االجتماع احلضري ونظرايته‪( ،‬قسنطينة‪ :‬منشورات جامعة منتوري‪ ،)2004 ،‬ص‪.70.‬‬
‫‪ 2‬جريالد بريز‪ ،‬جمتمع املدينة يف البالد النامية‪ ،‬دراسة يف علم االجتماع احلضري‪ ،‬ترمجة حممد اجلوهري‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪،)1989 ،‬‬
‫ص‪.209-207.‬‬
‫‪ 3‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.71.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪ 1‬ـ نظرية كوين‪:‬‬
‫حيصر كوين موضوع االيكولوجيا يف املشكالت املرتبطة بتقسيم العمل‪ ،‬وأتثريه على التوزيع املساحي واجلغرايف‪،‬‬
‫ويرى أن املشكالت املختلفة اليت خيربها اجملتمع ال ميكن إخضاعها كلها – من الناحية العملية‪ -‬للتحليل االيكولوجي‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫األمر الذي يدعو إىل االهتمام أكثر ابلعالقات التبادلية بني اجلماعات والبيئة‪.‬‬
‫وحيصر هذا الباحـث موضـوع اإليكولوجيـة احلضـرية يف إشـكالية تقسـيم العمـل وأتثـريه علـى التوزيـع اجملـايل‪ .‬مـن جهـة‬
‫أخرى يرى كوين أنه ال ميكـن إقامـة حتليـل إيكولـوجي شـامل لكـل املشـكالت احلضـرية‪ ،‬بـل جيـب يف املقابـل الرتكيـز علـى‬
‫العالقــات اجلدليــة بــني اجلماعــات والبيئــة‪ .‬وهكــذا أتــى هــذا الباحــث مبفــاهيم جديــدة مثــل البيئــة واجملتمــع احمللــي احلضــري‬
‫‪2‬‬
‫ومنطقة املركز احلضري‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نظرية أموس هاويل‪:‬‬
‫وإذا انتقلنا إىل أموس هاويل جند انه يقدم نظرية جديدة اعتربت مبثابة اجلسر املوصل بني النظرية االيكولوجية‬
‫املبكرة والنظرية االيكولوجية يف صورهتا الراهنة‪ .‬فمحاوالته تركزت حول دراسة اجملتمع احمللي‪ ،‬من حيث وصف‬
‫خصائصه‪ ،‬وحتليل بنائه واالجتاهات الكامنة يف هذا البناء‪ ،‬والكشف عن أتثري التغريات الداخلية واخلارجية على تنظيم‬
‫خمتلف التجمعات السكانية‪ 3.‬ومن هذا املنطلق اعترب اجملتمع احمللي كوحدة للتحليل‪ ،‬مع أتكيده على البعد املكاين‬
‫والزماين عند التحليل‪ ،‬وتكامل اجلوانب السيكولوجية واألخالقية والقيمية السائدة‪.‬‬
‫وجيب اإلشارة إىل أن إسهاماته هي يف الواقع حلقة وصل بـني النظريـة اإليكولوجيـة الكالسـيكية واحملدثـة علـى اعتبـار‬
‫أهنا تركز على مجلة من املواضيع ذات الصلة وهي‪:‬‬
‫ـ إن موضوع اإليكولوجية هو الطريقة الوحيدة اليت من خالهلا حيافظ األفراد على أنفسهم داخل بيئة دائمة التغري‪.‬‬
‫ـ اجملتمع احمللي هو وحدة التحليل‪.‬‬
‫ـ األفراد أعضاء داخل اجلماعات‪.‬‬
‫ـ اإلهتمام ابلبعد املكاين‪.‬‬
‫ـ اإلهتمام ابلبعد الزمين‪.‬‬
‫ـ التكامل بني العوامل السيكولوجية واألخالقية‪.‬‬
‫ـ األنشطة ترتبط بنسق القيمة السائد‪.‬‬
‫ـ عدم الفصل بني الظواهر شبه اجتماعية والثقافية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ اعتبار التكيف الثقايف إحدى املواضيع األساسية يف التحليل اإليكولوجي‪.‬‬

‫‪ 1‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.71.‬‬


‫‪ 2‬جريالد بريز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.209-207.‬‬
‫‪ 3‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬ص‪.71.72‬‬
‫‪ 4‬جريالد بريز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.209-207.‬‬
‫‪39‬‬
‫‪ 3‬ـ نظرية شنور ودنكان النسق االيكولوجي‪:‬‬
‫قدما إطارا تصوراي يهدف إىل حتليل التنظيم االجتماعي كفكرة حمورية من خالل العالقة بني املتغريات االجتماعية‬
‫وشبه االجتماعية‪ ،‬ابعتبار أن النسق االيكولوجي يشري إىل جمموعة من العالقات املتبادلة بني ما هو اجتماعي وما هو‬
‫حيوي (شبه اجتماعي)‪ .‬وأوضح أن النسق االيكولوجي عبارة عن وسيلة مفاهيمية لتنظيم ووصف العالقات بني‬
‫املتغريات االيكولوجية‪ ،‬وميكن االستعانة به يف أسباب ونتائج التغري يف اجملتمع‪ .‬ويتكون هذا اإلطار التصوري من‬
‫جمموعة من املتغريات املرتابطة فيما بينها على حنو وظيفي متبادل أطلق عليه اسم املركب االيكولوجي‪( :‬السكان‪،‬‬
‫التنظيم‪ ،‬البيئة‪ ،‬التكنولوجيا)‪ .‬حيث حاول توضيح العالقة بني املتغريات األربع املشكلة للمركب االيكولوجي‪ ،‬والفكرة‬
‫‪1‬‬
‫األساسية مفادها أن التغري يف واحد من هذه املتغريات يؤدي إىل تغريات متس بقية املتغريات األخرى‪.‬‬
‫كما قام كل من دنكان وب‪ .‬دنكان بدراسة حول توزيع املنطق السكنية والوضع املهـين حمـاولني التأكـد مـن الفرضـية‬
‫التاليــة‪ :‬هنــاك عالقــة ارتبــاط بــني املســافة الفيزيقيــة بــني اجلماعــات وتــوزيعهم يف اجملــال واملســافة االجتماعيــة فيمــا بيــنهم‬
‫(فرضية ابرك)‪ ،‬ولقد توصال إىل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إن التحليل اإليكولوجي يساعدان على تفسري االرتباط بني املسافة املكانية واملسافة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬يقاس هذا االرتباط من خالل مؤشرات الوضع السوسيولوجي واإلقتصادي واالختالف يف املهنة‪.‬‬
‫‪ -‬إن تركز مقرات اإلقامة يرتبط ابلوضع السوسيولوجي واالقتصادي‪.‬‬
‫ومــن مث توصــلت هــذه الدراســة إىل الربهنــة علــى عالقــة اإلرتبــاط والصــلة بــني البحــث اإليكولــوجي مــن جهــة ونظريــة‬
‫الرتاتب اإلجتماعي من جهة اثنية‪ .‬إذن‪ ،‬لقد ظهرت النظرية اإليكولوجية احملدثة يف فرتة الحقة‪ ،‬بعد النقد الكبري املوجـه‬
‫إىل النظريــة الكالســيكية‪ ،‬مطــورة بــذلك هــذه األخــرية يف دراســتها وحتليلهــا للمجــال احلضــري مــن خــالل إدخــال أنســاق‬
‫ومقــوالت معرفيــة جديــدة‪ ،‬مــن أمههــا النســق اإليكولــوجي واملركــب اإليكولــوجي‪ .‬فالنســق اإليكولــوجي أســتعمل كــأداة‬
‫لدراســة العالقــات القائمــة بــني املتغـريات أو الظــواهر احليويــة ( املنافســة‪ ،‬التكافــل‪ ،‬الغــزو‪ ،‬اإلحــتالل‪.......‬إخل) ودراســة‬
‫هـذه األخــرية تـرتبط جـوهراي ابلظــواهر االجتماعيــة‪ 2.‬ولقــد تطـورت ابلتــايل النظريــة اإليكولوجيـة‪ ،‬وأصــبحت أكثــر تكيفــا‬
‫مــع املتغ ـريات احلضـرية‪ .‬إذ أصــبحت تنظــر إىل الفــرد كعضــو يف التشــكيلة االجتماعيــة تتــأثر بعالقاهتــا وهــي الــيت تشــكله‬
‫وهتيؤه‪ ،‬فهو ابلتايل ليس فردا منعزال‪ .‬وهذه قفزة نوعية يف الدراسات اإليكولوجية‪ ،‬واليت كانت تركز علـى املكـان وتنظـر‬
‫ابلتايل إىل املشاكل احلضرية على أهنا نتاج طبيعة املكان ليس إال‪ ،‬لتنتقل إىل فكرة نوعيـة جديـدة‪ ،‬تعتـرب مـن خالهلـا هـذه‬
‫املشاكل االجتماعية على أهنا أيضا انمجة عن طبيعة اجلماعة وبناءها وفاعلها مع الوسـط االجتمـاعي‪ ،‬ومنهـا تظهـر أمهيـة‬
‫‪3‬‬
‫املشاركة اجلماعية‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬ـ النظرية االيكولوجية السوسيو – ثقافية‪:‬‬

‫‪ 1‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.73.74.‬‬


‫‪ 2‬السيد حنفي عوض‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪( ،‬شركة األمل للطباعة والنشر‪ ،)1986 ،‬ص‪.31.‬‬
‫‪ 3‬جريالد بريز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.209-207.‬‬
‫‪40‬‬
‫وتعرف الثقافة حسب النظرية السوسيوثقافية على أهنا السلوك املتعلم الذي قد يربط أوال ابالستخدام االقتصادي‬
‫العقالين لألرض واملوارد النادرة وتضم الثقافة القيم واملعتقدات واملعايري اليت حتكم الفكر والتفاعل‪ 1.‬وجاءت هذه‬
‫النظرية للتأكيد على دور الثقافة يف حتديد السلوك البشري‪ ،‬وتعرف الثقافة وفق هذا التصور على أهنا السلوك املتعلم‬
‫‪2‬‬
‫الذي قد يرتبط أو ال يرتبط ابالستخدام العقالين لألرض واملوارد النادرة‪.‬‬
‫وتنطلق من كون األفراد يف تفاعلهم مع اآلخرين ومع بيئتهم خيلقون ويعدلون الثقافة اليت تضم القيم‪ ،‬املعتقدات‪،‬‬
‫واملعايري اليت حتكم الفكر والتفاعل‪ 3.‬وهي تستند يف تفسريها للواقع احلضري بكل أبعاده وتعرجاته وتضاريسه إىل‬
‫‪4‬‬
‫املتغريات الثقافية‪.‬‬
‫حاولت هذه النظرية من جهتها التأكيد على أمهية العامل الثقايف (املشاعر والرموز) يف حتديد وتوجيـه السـلوك‪ .‬ومـن‬
‫أهـم الدراســات الــيت اهتمــت ابلعوامــل الثقافيــة‪ ،‬جنــد دراســة فــريي (‪ )Firey‬عــن اســتخدام األرض وبوســطن (‪)Boston‬‬
‫وجوانســن (‪ )Jonassan‬يف دراســة اجملتمــع احمللــي النروجيــي يف نيويــورك‪ .‬ولقــد اســتندت هــذه الدراســات إىل املتغ ـريات‬
‫‪5‬‬
‫الثقافية يف تفسري الواقع احلضري‪.‬‬
‫كما جند الدراسـة الـيت قـام هبـا كـل مـن كيـرب (‪ )L.Kuper‬وواط (‪ )H.Watt‬ور‪.‬ديفـد (‪ )R.Davies‬حـول العـزل‬
‫والتنميط اإليكولوجي مبدينة دورابن (‪ )Durban‬يف جنـوب إفريقيـا‪ .‬حيـث أوضـحوا أن التميـز العنصـري جبنـوب إفريقيـا‬
‫(يف اإلطــار الــزمين للدراســة) يقــوم بعــزل واضــح ملســاكن الزنــوج عــن املســاكن البــيض‪ ،‬إضــافة إىل أن املنــاطق الســكنية‬
‫ابلنســبة للســود هــي يف الغالــب منــاطق هامشــية وبعيــدة عــن احملــاور األساســية للنقــل واملواصــالت‪ ،‬وفــق ذلــك فمنــاطق‬
‫الســود معرضــة ابســتمرار إىل عمليــيت الغــزو واالحــتالل‪ 6.‬ولقــد توصــلت هــذه الدراســة يف األخــري إىل إب ـراز أمهيــة القــيم‬
‫الثقافية السائدة يف حتديد منط استخدام األرض‪.‬‬
‫وإذا أمعنــا النظــر يف النظ ـريتني الســابقتني اللتــني قــدمهما هــاويل شــنور‪ ،‬ودنك ـان‪ ،‬وفــريي‪ ،‬وجونســن اتضــح لنــا أهنمــا‬
‫تشرتكان يف نقطـة هامـة هـي حماولتهمـا لـدمج الظـواهر االجتماعيـة للحيـاة احلضـرية يف تصـور نظـامي واحـد‪ .‬ففـي النظريـة‬
‫األوىل (النظرية االيكولوجية احملدثة) قـدم عـدد مـن علمـاء االجتمـاع إسـهامات تؤكـد علـى اخلصـوص دور املتغـريات شـبه‬
‫االجتماعية يف حتديد أمناط استخدام األرض‪ ،‬أما أصحاب النظرية االيكولوجية السوسيوثقافية فقـد أعـاروا اهتمامـا كبـريا‬
‫‪7‬‬
‫للعوامل الثقافية غري االقتصادية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ـ نظرية حتليل املناطق االجتماعية‪:‬‬

‫‪ 1‬محيد خروف وآخرون‪ ،‬اإلشكالية النظرية والواقع‪ ،‬جمتمع املدينة منوذجا‪( ،‬قسنطينة‪ :‬منشورات جامعة منتوري‪ ،)1999 ،‬ص‪.47.‬‬
‫‪ 2‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.75.‬‬
‫‪ 3‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.75.‬‬
‫‪ 4‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.76.‬‬
‫‪ 5‬جريالد بريز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19.‬‬
‫‪ 6‬فادية عمر اجلوالين‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪( ،‬الرايض‪ :‬دار عامل الكتب للنشر والتوزيع‪ ،)1984 ،‬ص‪.69-65.‬‬
‫‪ 7‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77.‬‬
‫‪41‬‬
‫تطورت فيما بعد البحوث اإليكولوجية‪ ،‬من خالل االعتماد أكثر فأكثر على تقنية التحليل الكمي يف الدراسات‪،‬‬
‫وحتليل املناطق اإلجتماعية‪ ،‬خصوصا عرب استخدام النماذج اليت طورها كل من شيفكاي وابل (‪)Shevky et Bell‬‬
‫يف األربعينات واخلمسينات من القرن العشرين‪ 1.‬لدراسة التباين االجتماعي واملسافة االجتماعية‪ ،‬فقد درسا البناء‬
‫االجتماعي احلضري من خالل ثالثة مكوانت هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الرتبة االجتماعية (املهنة‪ ،‬التعليم‪ ،‬اإلجيار)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التحضر (اخلصوبة‪ ،‬عمالة املرأة‪ ،‬إقامة األسرة النووية)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ 3‬ـ العزل العنصري (التمركز الساليل‪ ،‬أو مجاعات األقلية يف إحدى مناطق املدينة)‪.‬‬
‫وأشــارا إىل أن املدينــة‪ ،‬مــا هــي إال نتــاج تغــري مســتمر للحيــاة هبــا‪ ،‬وحــددا مســار هــذا التغــري مــن خــالل‪ :‬تعقــد البنــاء‬
‫املهــين‪ ،‬وحتــول البنــاء اإلجتمــاعي‪ ،‬وتغــري الرتكيبي ـة الســكانية‪ .‬وابســتخدامهما ملقيــاس التحليــل العــاملي‪ ،‬اشــتقا مؤش ـرات‬
‫التغــري وهــي (الرتبــة اإلجتماعيــة‪ ،‬والتحضــر‪ ،‬والعــزل العنصــري)‪ .‬كمــا أهتمــا بدراســة املــدن مــن خــالل املتغـريات التاليــة‪:‬‬
‫ارتف ــاع مع ــدل النس ــاء الع ــامالت‪ ،‬وإخنف ــاع مع ــدل ال ــوالدات‪ ،‬وإخنف ــاع كثاف ــة التمل ــك‪ .‬وإبس ــتخدامها دائم ــا للتحلي ــل‬
‫‪3‬‬
‫العاملي‪ ،‬توصال إىل أن أحسن مؤشرين للبحث عن التعمري مها معدل اخلصوبة واألسرة النووية‪.‬‬
‫النقــد املوجــه لنظريــة حتليــل املنــاطق االجتماعيــة‪ :‬تعــرض منــوذج حتليــل املنــاطق االجتماعيــة النتقــادات عديــدة اســتنادا إىل‬
‫اعتبارات نظرية وواقعية ‪ .‬وأول هذه االنتقـادات أن هـذا النمـوذج يفتقـر إىل الصـدق االمربيقـي‪ ،‬وعـدم املالئمـة النظريـة‪،‬‬
‫كمــا أن املؤشـرات الثالثــة الــيت اســتخدمها شــيكفاي وابل لدراســة البنــاء االجتمــاعي احلضــري ليســت إال جتريــدات غــري‬
‫‪4‬‬
‫ضرورية تزيد من تعتيم الفائدة العملية للقياسات اإلحصائية اليت اشتقت منها‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬نظرية الثقافة احلضرية لويس ويرث (‪)1897-1952‬‬
‫اهتم لويس ويرث‪ ،‬بوضع الركائز األساسية هلذه النظرية منطلق من أن املدينة متغريا أساسيا لتفسري بعض األمناط‬
‫احلضرية واليت جعلت منها وعاءا ثقافيا إبمكاهنا عرض الثقافة احلضرية ابعتبارها طريقة للحياة‪ .‬فاحلياة احلضرية على‬
‫ذلك عملية تسعى يف النهاية إىل إحداث التنظيم املكاين لعناصر البناء االجتماعي السائد مبنطقة جغرافية حمددة‪ 5.‬ويف‬
‫هذا اإلطار تؤكد اغلب الدراسات احلضرية على عدم وجود طريقة واحدة للعيش يف نطاق املدينة‪ ،‬فالطرق اليت ينظم‬
‫‪6‬‬
‫هبا األفراد حياهتم ختتلف حسب املوروث الثقايف وموقع الفرد يف إطار نظام اجملتمع احمللي‪.‬‬
‫وإذا كان البناء االجتماعي يتكون من جمموعة متصلة ومنمطة من العالقات االجتماعية اليت تربز من خالهلا أدوار‬
‫األفراد ووظائفهم‪ ،‬فإن للبناء االجتماعي احلضري أمهية حيوية يف تشكيل الشكل احلضري السائد فهو يتسم خبصائص‬

‫‪1‬‬
‫‪Bardo, J,W and Hartman, J.J, Urbaban Sociology, )Peacock Publishers, Tennessee, 1982(, P.62-66.‬‬
‫‪ 2‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77.‬‬
‫‪ 3‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78.‬‬
‫‪ 4‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78.‬‬
‫‪ 5‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬ط‪( ،1‬عمان‪ :‬دار الرضوان للنشر والتوزيع‪ ،)2014 ،‬ص‪.49.‬‬
‫‪ 6‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.08.‬‬
‫‪42‬‬
‫معينة لعل أمهها سيادة العالقات غري الشخصية اليت تظهر يف شكل التفاعالت والعالقات املستمرة بني األفراد‪ .‬كما‬
‫أن درجة التجانس الثقايف ابملركز احلضري تؤثر على كيفية ممارسة األفراد ألدوارهم‪ ،‬وعلى نوعية العالقة االجتماعية‬
‫السائدة بني ساكين النمط احلضري والوافدين إليها من املناطق الريفية‪ ،‬ومن الطبيعي أن ترتبط ظاهرة تركز السكان‬
‫ابملركز احلضري وشكل االتساع واالمتداد فيه بطبيعة الرتكيب الطبقي ابلنمط احلضري حبيث يؤثر ذلك على تكوين‬
‫الطبقة وحتديد عالقتها بغريها من الطبقات‪ 1.‬غري أن البناء االجتماعي يف اجملتمع احلضري ال ينشأ من فراغ وال يتحرك‬
‫‪2‬‬
‫إىل غري هدف‪ ،‬وإمنا يتحدد إطاره ابهليكل الثقايف للمجتمع الكلي أوال واحلضري اثنيا‪.‬‬
‫وجيمع كثري من منظري النظرية احلضرية على أن مقالة لويس ويرث املوسومة بـ احلضرية كطريقة يف احلياة أول عمل‬
‫كالسيكي أرسى فيه الدعوة األوىل هلذا التوجه النظري الذي ظهر لدى‪ .‬كثري من علماء االجتماع يف حماولتهم اإلجابة‬
‫على التساؤل الذي يدور حول األمناط والعمليات اليت تتضمنها عملية حتول طريقة احلياة السابقة على التصنيع‬
‫والتحضر إىل نظام صناعي حضري‪ .‬وقد حاول ويرث صياغة نظرية متكاملة من خالل طرح تعريف وسؤال وإجاابت‬
‫متتالية على هذا السؤال‪ .‬فالتعريف فهو الذي بدأ به ويرث وكان تعريفا للمدينة مؤداه‪ :‬أهنا موقع دائم يتميز بكرب‬
‫احلجم وبكثافة عالية نسبيا وبدرجة ملحوظة من الالجتانس بني سكانه‪ .‬أما السؤال فيدور حول الصور واألشكال‬
‫اجلديدة للحياة االجتماعية‪ ،‬واليت قد ينجم عن اخلصائص األساسية املميزة للمجتمع احلضري )احلجم والكثافة‬
‫‪3‬‬
‫والالجتانس(‪.‬‬
‫احلجم‪ :‬ذهب ويرث إىل أن حجم السكان مبفرده سيخلق تنوعا كبريا يف اخلصائص الثقافية واملهنية يف املدينة‪ ،‬ويرجع‬
‫ذلك جزئيا إىل وعيه هبجرة اجلماعات املختلفة إىل املدينة‪ .‬وهذا العدد الكبري من السكان سيدعم منو التخصص‪،‬‬
‫وسيظهر بناء مهين يعتمد عل ى التخصصات املختلفة‪ ،‬وهذا التخصص سينظم العالقات اإلنسانية على أساس‬
‫‪4‬‬
‫املصلحة اخلاصة‪.‬‬
‫ويشري ويرث مباشرة إىل مالحظات فيرب وزميل أن العالقات االجتماعية النموذجية جيب أن تكون أكثر ضحالة يف‬
‫املدينة بسبب األعداد اهلائلة املعنية‪ .‬فالعالقات اإلنسانية جمزأة للغاية أو خاصة‪ ،‬وهكذا تتميز املدينة عن طريق‬
‫العالقات الثانوية بدال من االبتدائية‪ .‬وال يزال الكثري من هذه العالقات وجها لوجه‪ ،‬لكنها سطحية وغري شخصية‪،‬‬
‫وعابرة وفقا لويرث‪ ،‬وعلينا أن ننظر إليهم كمجرد وسيلة لتحقيق الغاايت اخلاصة بنا‪ ،‬وليس لقيمة العالقة نفسها‪.‬‬
‫فويرى ويرث أن األفراد يف احلياة احلضرية كسبوا بعض العناصر من التحرر من سيطرة اجملموعة احلميمة‪ ،‬لكنهم فقدوا‬
‫أيضا االطمئنان الذي أييت من احلياة يف جمتمع أكثر تكامال عاطفيا‪ .‬فجنبا إىل جنب مع احلرية أييت الفراغ االجتماعي‬
‫والشعور ابلشذوذ‪ .‬على الرغم من أن تقسيم العمل ومنو التخصص (حىت بني املدن نفسها) يؤدي إىل التكافل‬

‫‪ 1‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.49.‬‬


‫‪ 2‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50.‬‬
‫‪ 3‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50.‬‬
‫‪ 4‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬علم االجتماع احلضري والصناعي‪( ،‬مصر‪ :‬دار املصطفى للنشر والتوزيع‪ ،)2005 ،‬ص‪.76.‬‬
‫‪43‬‬
‫االجتماعي من خالل االعتماد املتبادل‪ ،‬ودوافع السوق والروابط املالية اليت جتمع‪ ،‬حبيث تؤدي إىل العالقات ذات‬
‫‪1‬‬
‫الطابع التنافسي يف الغالب‪ .‬وأخريا‪ ،‬مع أعداد كبرية يف املدينة‪ ،‬فالفرد له أمهية من الناحية السياسية‪.‬‬
‫كثافة السكان‪ :‬عاجل ويرث متغري الثقافة كخاصية أساسية ومميزة للمجتمع احلضري‪ ،‬يرتتب عليها خصائص أخرى‪،‬‬
‫لقد تصور ويرث أن الكثافة تؤكد اآلاثر االجتماعية والنفسية النامجة عن احلجم فهي تزيد من درجات التقارب‬
‫الفيزيقي بني األفراد يف مقابل التباعد االجتماعي‪ ،‬كما أهنا أخريا تزيد العزل املكاين مبعين انفصال اجلماعات السكنية‬
‫عن بعضها البعض يف شكل جماورات أو أحياء متجانسة نسبيا‪ 2.‬وإحالل الضبط الرمسي حمل الروابط غري الرمسية‬
‫‪.‬كما تؤدى إىل زايدة احلاجة للتخصص والتمايز‪.‬‬
‫وتؤثر الكثافة السكانية أيضا على املستوى النفسي‪ -‬االجتماعي‪ ،‬فنتيجة لتعرض ساكن املدينة للتناقضات‬
‫الواضحة‪...‬الروعة والقذارة‪...‬الغىن والفقر فإنه يشكل تصورا عقليا للمدينة ومناطقها وسكاهنا‪ .‬وتساعد هذه الرؤية ‪-‬‬
‫امتدادا لزميل‪ -‬على فهم نزعة احلضري إىل التفكري النمطي والقاطع واالعتماد على فهم املدينة من خالل الرموز‬
‫واألشكال املرئية (كاملالبس والسيارات وأمساء الشوارع املتغرية)‪ ،‬وتتضح داللة ذلك حيث تشجع كثافة السكان على‬
‫فقدان احلساسية للكثري من اجلوانب الشخصية لآلخرين‪ .‬وتفسر السبب يف كون سكان املدينة غالبا ما يبدون ال‬
‫مبالني وفاقدي العواطف‪ ...‬ومعىن هذا أن التقارب املكاين يؤدي إىل زايدة املسافة االجتماعية بني سكان احلضر‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ويتسم احلضريون نتيجة للتقارب املكاين ابالنغالق عمن حوهلم أو يبتعدون عنهم‪.‬‬
‫الالجتانس‪ :‬أما متغري الالجتانس فقد كان يف ذاته نتيجة ترتبت على متغريي احلجم والكثافة فهو استجابة مباشرة‬
‫لضرورة اقتصادية (تقسيم العمل( وأخرى اجتماعية متثل االختالفات والفروق املتوقع وجودها يف مجاعات كثيفة من‬
‫السكان ولكن الالجتانس )التغاير( يؤدى بدوره إىل سلسلة من املصاحبات االجتماعية أمهها تطوير نسق أكثر تعقيدا‬
‫للتدرج الطبقي وزايدة معدالت احلراك أبشكاله الفيزيقية واالجتماعية وتطوير شخصية كوزموبوليتية (عاملية)‪ 4.‬وتتفاعل‬
‫هذه األبعاد الثالثة )احلجم والكثافة والالجتانس) يف نظرية ويرث مع بعضها لتؤدي إىل طريقة فريدة يف احلياة أطلق‬
‫عليها احلضرية‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار فإن أمهية عدم التجانس يف املناطق احلضرية اليت هتم ويرث تظهر من خالل احلشد البشري يف‬
‫اجملتمع‪ .‬بدال من إثراء حياة الفرد اجتماعيا أو ثقافيا‪ ،‬فالعضوية املتعددة تصبح عابرة وغري مهمة نسبيا‪ .‬وليس تثبيت‬
‫األفراد يف حياة اجتماعية مستقرة‪ ،‬وهذه العضوية املتعددة واملتغرية سحبت منهم يف اجتاهات متضاربة ومتغرية‪ .‬وإذا‬
‫كان الفرد سيشارك يف كل شيء يف احلياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية للمدينة‪ ،‬فإنه جيب إخضاع بعض من‬
‫فرديته ملطالب اجملتمع األكرب‪ ،‬وهذا التدبري ينغمس يف احلركات اجلماهريية‪ .‬يف هناية املطاف‪ ،‬فإن صورة احلالة املدنية‬
‫عند ويرث هي نفور األفراد لوحدها‪ ،‬وعلى غري هدى يف حبر من املعايري والقيم املتنافسة‪ .‬ومن مث فزايدة احلجم‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪William G. Flanagan, op.cit, P.83.84.‬‬
‫‪ 2‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.51.‬‬
‫‪ 3‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78.‬‬
‫‪ 4‬السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.85-83.‬‬
‫‪44‬‬
‫والكثافة‪ ،‬وعدم التجانس ترك الناس جمتثني اجتماعيا وعاجزة سياسيا‪ ،‬والظروف اليت يتم التخفيف فقط إىل احلد الذي‬
‫‪1‬‬
‫احلضر على استعداد لتغرق هويتهم يف احلركات اجلماهريية‪.‬‬
‫وعلى ذلك ويؤكد ويرث على انه نتيجة لالختالف والتباين االجتماعي يوجد ميل لزايدة احلراك االجتماعي يف‬
‫املدينة نتيجة لضعف العوامل الثابتة مثل املكانة االجتماعية األسرية يف مواجهة االجنازات الشخصية الكبرية‪ .‬ورمبا‬
‫يصاحب هذا احلراك االجتماعي ابنتقال مكاين‪ 2،‬وتتفاعل هذه األبعاد الثالثة يف نظرية ويرث – حجم وكثافة وتباين‬
‫السكان‪ -‬مع بعضها لتؤدي إىل طريقة فريدة يف احلياة أطلق عليها احلضرية‪ .‬وهلذا فويرث متفائال بشدة بشأن احلضرية‬
‫كطريقة يف احلياة‪ ،‬فقد نظر إىل املدينة ابعتبارها محض يذيب مع الوقت القيم التقليدية‪ ،‬ويقوض تكوين مؤسسات‬
‫وعالقات ذات معىن‪ .‬ورأى ويرث مثل ابرك إمكانيات احلرايت الكبرية يف املدينة‪ ،‬ولكنه قلقا أيضا من أن تتساوى‬
‫هذه اجلوانب االجيابية حتما مع التفكك الذي الحظه يف مدينة شيكاغو املضطربة‪ .‬ورأى ويرث إمكانية خلق البيئات‬
‫‪3‬‬
‫احلضرية اإلنسانية فقط من خالل احملاوالت اجلادة للسيطرة على املدينة‪.‬‬
‫النقد املوجه لنظرية ويرث‪:‬‬
‫وعلى الرغم من أن مقالة ويرث قد رمسها نصيبها من االنتقادات‪ ،‬فإنه يبقى من املهم اليوم بسبب مالحظاته اليت‬
‫متثل تتوجيا للتقليد احلضري الكالسيكية‪ ،‬وقد حدد ويرث ثالثة معايري رئيسية هي اليت حتدد بشكل مباشر درجة‬
‫‪4‬‬
‫التحضر يف جمتمع معني‪ :‬احلجم‪ ،‬والكثافة‪ ،‬وعدم جتانس السكان‪.‬‬
‫وابلرغم من ما قدمت نظرية ويرت يف حتليل لعناصر املدينة وحياهتا االجتماعية اليت ال تتوفر يف مواقع أخرى‪ 5.‬غري‬
‫أن الدراسات الواقعية اليت أجراها كثري من الباحثني األمريكيني مثل ويليام جوردن وهويت وجانز قد أوضحت أن‬
‫ويرث كان مبالغا إىل حد كبري يف تقدير العلمانية والتفكك كسمات مميزة للمجتمع احلضري حىت يف الوالايت‬
‫املتحدة األمريكية‪ 6.‬كما يعاب على ويرث غياب الرؤية التارخيية املقارنة‪ 7.‬واىل جانب ذلك جند‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ جتاهل ويرت الظروف التارخيية اليت مرت هبا املدينة يف خمتلف اجملتمعات‪ ،‬وحصر كل إهتمامه وبىن كل استنتاجاته‬
‫على منط املدينة األمريكية‪ ،‬ومن مث فالتعميمات اليت تضمنتها نظريته ال تنطبق على كل املدن املعاصرة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أتكيده على أن العالقات االجتماعية يف القرية أتخذ طابعا أوليا بينما تتخذ العالقات االجتماعية يف املدينة طابعا‬
‫اثنواي‪ .‬هذه النتيجة يصعب تعميمها على كل املدن ويف كل الظروف‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ 3‬ـ إغفاله العالقات املتبادلة بني املدينة كنسق فرعي والنسق االجتماعي الثقايف الشامل والذي تعد جزا منه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪William G. Flanagan, op.cit, P.85.‬‬
‫‪ 2‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.79.‬‬
‫‪ 3‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.80.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪William G. Flanagan, op.cit, P.83.‬‬
‫‪ 5‬سعيد انصف‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬املفاهيم والقضااي واملشكالت‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬دار الكتب والواثئق القومية‪ ،)2006 ،‬ص‪.83.‬‬
‫‪ 6‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬ط‪( ،1‬عمان‪ :‬دار الرضوان للنشر والتوزيع‪ ،)2014 ،‬ص‪.52.‬‬
‫‪ 7‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84.‬‬
‫‪ 8‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.81.‬‬
‫‪45‬‬
‫‪ 4‬ـ التأكيد على املدينة كمتغري أساسي دون إيضاح للعالقة التأثريية بني املدينة والنسق االجتماعي الثقايف الكلي‬
‫والذي تعترب املدينة جزء منه – اعترب املدينة كوحدة للتحليل االجتماعي احلضري ‪ -‬العالقة بني القيم والبناء‬
‫االجتماعي‪ .‬القيم واملشكالت احلضرية‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ يغفل متغري البيئة‪ ،‬والتكنولوجيا‪ ،‬وكذا متغري القوة (الصفوة)‪.‬‬
‫خالصة‪:‬‬
‫الواقع أن اإلسهام احلقيقي األول الذي جاء به أصحاب هذه النظرية يتمثل يف دراستهم للمجتمع احمللي كوحدة‬
‫مكانية وكوحدة للتنظيم االجتماعي (من خالل معاجلة اجلوانب غري املكانية حلياة اجملتمع كالثقافة والقيم واألشكال‬
‫النظامية للسلوك والفعل والعالقات االجتماعية)‪ .‬واإلسهام الثاين يتمثل يف اهتمامهم ابلظواهر االجتماعية وشبه‬
‫االجتماعية على حد سواء‪ .‬واإلسهام الثالث يتمثل يف القفزة النوعية للدراسات اإليكولوجية‪ ،‬واليت كانت تركز على‬
‫املكان وتنظر ابلتايل إىل املشاكل احلضرية على أهنا نتاج طبيعة املكان ليس إال‪ ،‬لتنتقل إىل فكرة نوعية جديدة‪ ،‬تعترب‬
‫من خالهلا هذه املشاكل االجتماعية على أهنا أيضا انمجة عن طبيعة اجلماعة وبناءها وفاعلها مع الوسط االجتماعي‪.‬‬
‫ومن مث فهذه النظرية جاءت للتأكيد على دور الثقافة يف حتديد السلوك البشري‪.‬‬
‫ولكن وابلنظر إىل االنتقادات الكثرية الـيت وجهـت إىل أصـحاب هـذا الطـرح النظـري وخاصـة فيمـا يتعلـق ب ـ ابفتقارهـا‬
‫إىل الصـدق االمربيقـي‪ ،‬وعـدم املالئمـة النظريـة‪ ،‬وغيـاب الرؤيـة التارخييـة املقارنـة‪ .‬ابإلضـافة إىل املبالغـة إىل حـد كبـري يف‬
‫تقدير العلمانية والتفكـك كسـمات مميـزة للمجتمـع احلضـري‪ .‬فـإن احلاجـة دعـت إىل بلـورت تصـور نظـري يتجـاوز هـذه‬
‫العقبات‪.‬‬

‫احملاضرة اخلامسة‪ :‬النظرية النفسية االجتماعية‬


‫‪46‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫النظرية النفسية االجتماعية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ماكس فيرب ودراسة احلياة احلضرية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ جورج زميل واحلياة العقلية للمرتوبوليس‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أوزفالد شبنجلر والثقافة احلضرية‪.‬‬
‫خالصة‪.‬‬

‫احملاضرة اخلامسة‪ :‬النظرية النفسية االجتماعية‬


‫‪47‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫هتدف هذه احملاضرة إىل عرض النظرية النفسية االجتماعية من خالل أعمال ثالثة من روادها األوائل الذين ميثلون‬
‫يف نفس الوقت املدرسة األملانية‪ ،‬وهم على التوايل‪ :‬أوال ماكس فيرب ودراسة احلياة احلضرية‪ ،‬واثنيا جورج زميل واحلياة‬
‫العقلية للمرتوبوليس‪ ،‬واثلثا أوزفالد شبنجلر والثقافة احلضرية‪.‬‬
‫النظرية النفسية االجتماعية‪:‬‬
‫تشري هذه النظرية يف علم االجتماع احلضري إىل أعمال رواد مدرسة فكرية متميزة ظلت تسيطر على علم االجتماع‬
‫األملاين لفرتة طويلة حىت وقتنا هذا‪ ،‬كما متثلها أعمال ثالثة من روادها األوائل وهم ماكس فيرب ودراسة احلياة احلضرية‬
‫وجورج زميل واألسس النفسية للحياة احلضرية واوزفالد شبنجلر عن ثقافة املدينة‪ .‬ويف األخري كارل ماركس وتناقضات‬
‫اجملتمع الرأمسايل‪ .‬فالنظرية االجتماعية احلضرية أتثرت بشكل كبري ببعض الكتاب األملانيني اليت تلو تونييز وبنو على‬
‫املواضيع الرئيسية لعمله‪ 1.‬ففيرب‪ ،‬زميل‪ ،‬وشبينغلر طرحوا فكرة حمورية يف تراث الدراسات احلضرية‪ ،‬وهي أن أشكال‬
‫التنظيم احلضري تنتج خمتلف أساليب احلياة‪ ،‬اليت ختتلف عن األشكال الريفية‪ 2.‬وفيما يلي نشري إىل أهم إسهامات‬
‫كل منهم على النحو التايل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ماكس فيرب ودراسة احلياة احلضرية (‪:)1864-1920‬‬
‫هدف السوسيولوجيا عند ماكس فيرب هو فهم الفعل االجتماعي وأتويله‪ ،‬مع تفسري هذا الفعل املرصود سببيا‬
‫بربطه ابآلاثر والنتائج‪ 3.‬ومن مث‪ ،‬يتخذ هذا الفعل ‪ -‬أثناء التواصل والتفاعل ‪ -‬معىن ذاتيا لدى اآلخر أو اآلخرين‪،‬‬
‫ف الفعل اإلنساين عند فيرب هو السلوك الذي حيمل داللة ومعىن وهدفا‪ .‬وأما الفعل اجملتمعي‪ ،‬فهو السلوك الذي يسلك‬
‫‪4‬‬
‫جتاه اآلخرين من خالل ما يراه‪ ،‬يف سلوك اآلخرين‪ ،‬من داللة ومعىن وهدف‪.‬‬
‫حلل كل من تونييز ودوركامي وزميل املدينة بصورة جمردة‪ ،‬حيث طوروا نظرايهتم عن طريق القراءة العامة ملا شاهدوه‬
‫مثل االجتاهات األساسية للتاريخ احلضري األورويب‪ ،‬والعناصر األساسية للحياة يف املدن اليت يعرفوهنا‪ .‬وقد أكد عامل‬
‫االجتماع األملاين ماكس فيرب على عدم كفاية هذه النظرايت‪ .‬وكان فيرب مثل املنظرين اآلخرين مهتما بتطوير منوذج عام‬
‫للمدينة‪ ،‬منوذج شامل وموجز‪ .‬ومن أبرز هؤالء املنظرين هو ماكس فيرب الذي يتضمن حماولة لتعريف رمسيا املدينة‬
‫‪5‬‬
‫أعمال أوسع نطاق‪ .‬وكان هدفه وضع منوذج شامل وموجز‪.‬‬
‫فقد تطورت أفكار فيرب من خالل تعريفه للمدينة فيما ميكن إن نطلق عليه اآلن تعريفا حلياة املدينة‪ ،‬أطلق عليه‬
‫فيرب مصطلح النموذج املثايل للمدينة‪ ،‬ويعين به حالة معينة للحياة احلضرية اليت تفي ابملتطلبات االجتماعية املتوارثة يف‬

‫‪1‬‬
‫‪William G. Flanagan, op.cit, P76.‬‬
‫‪ 2‬إمساعيل قرية‪ ،‬علم االجتماع احلضري ونظرايته‪( ،‬قسنطينة‪ :‬منشورات جامعة منتوري‪ ،)2004 ،‬ص‪.08.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Catherine Colliot, la sociologie de Max Weber, )Paris: La découverte, 2006(, p.50.‬‬
‫‪ 4‬عبد هللا إبراهيم‪ ،‬االجتاهات واملدارس يف علم االجتماع‪ ،‬ط‪( ،2‬بريوت‪ :‬املركز الثقايف العريب‪ ،)2010 ،‬ص‪.96.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪William G. Flanagan, op.cit, P76.‬‬
‫‪48‬‬
‫تنظيم االستيطان البشري‪ .‬ويفرتض مفهوم النموذج املثايل هذا إمكانية إجياد وصف رشيد (عقلي) ألية ظاهرة اجتماعية‬
‫مثل ظاهرة املدينة‪ 1.‬ومن مث فما ندين به لفيرب هي تلك األداة التصورية األساسية‪ ،‬واملتمثلة يف النمط املثايل‪ ،‬وهي‬
‫عبارة عن منوذج تركييب‪ ،‬يستخدم كقياس‪ ،‬ميكن تقييم احلاالت الواقعية بناءا عليه‪.‬‬
‫ويعرف فيرب النموذج املثايل أبنه تصور عقلي يتشكل من خالل ظهور مسة أو أكثر من صفات وخصائص األشياء‬
‫أو الظواهر موضع املالحظة يف احلياة الواقعية‪ ،‬كذلك فإن النموذج املثايل ليس غرضا‪ ،‬إمنا هو أداة أو وسيلة لتحليل‬
‫األحداث التارخيية امللموسة واملواقف‪ 2.‬وتتم صياغة النمط املثايل من خالل إبراز متميز عمدا لوجهة نظر معينة أو‬
‫أكثر‪ ،‬والتأليف بني عدد كبري جدا من الظواهر(أي جتسيدات النمط) الفردية الواقعية الشاسعة إىل حد ما – ولكنها‬
‫قد تغيب أحياان – ويتم ترتيب هذه الظواهر (أو التجسيدات الواقعية) طبقا لوجهات النظر املختارة عمدا حبيث‬
‫يصبح وحدة حتليلية موحدة‪ .‬ومثل هذا البناء العقلي (أي املفهوم) ليس له أي وجود يف صورته اخلالصة على صعيد‬
‫الواقع امللموس يف أي مكان‪ 3.‬ومن مث فالنماذج املثالية‪ ،‬ما هي إال تصورات عقلية خالصة‪ ،‬يطرحها الباحث‪ ،‬لتكون‬
‫مبثابة مرشد له‪ ،‬وللباحثني اإلجتماعيني عموما‪ ،‬الذين يسعون لفهم الواقع‪ ،‬ومعرفة العالقات السببية‪ ،‬اليت تؤدي إىل‬
‫حدوث الظواهر وتكرارها‪.‬‬
‫لقد وضع فيرب تصنيفا ألمناط الفعل االجتماعي واليت ميكن االستعانة هبا يف بناء النماذج املثالية للسلوك حيث‬
‫حدد أربعة أمناط للفعل االجتماعي وفقا ملساره واجتاهاته على النحو التايل‪ :‬الفعل العقلي‪ ،‬الفعل القيمي‪ ،‬الفعل‬
‫‪4‬‬
‫العاطفي‪ ،‬الفعل التقليدي‪.‬‬
‫وعرب هذا النموذج املثايل الذي من شأنه أن حيدد العناصر األساسية اليت تشكل املدينة‪ ،‬بعد النظر يف جمموعة‬
‫متنوعة من اخلصائص اليت مت العثور عليها مرتبطة ابملدن اترخييا‪ ،‬وصل إىل الصيغة التالية‪ :‬يشكل اجملتمع احلضري‬
‫الكامل تسوية جيب أن تعرض الغلبة النسبية لعالقات التبادل التجاري ومع التسوية ككل عرض امليزات التالية‪:‬‬
‫التحصينات‪ ،‬السوق‪ ،‬حمكمة من تلقاء نفسها‪ ،‬وعلى األقل القانون مستقل جزئيا؛ واألخذ أبحد أشكال تكوين‬
‫اجلمعيات؛ مث احلكم الذايت اجلزئي على األقل‪ ،‬واالستقالل السياسي اجلزئي على األقل‪ ،‬وأيضا إدارة من قبل سلطات‬
‫‪5‬‬
‫انمجة عن املشاركة يف االنتخاابت‪.‬‬
‫ولكنه ذهب إىل أن حتقيق ذلك بدون االهتمام الواعي ابملدن الفعلية يف األمناط املختلفة من العامل‪ ،‬ويف أزمان‬
‫خمتلفة سيؤدي إىل نظرية حضرية ذات قيمة حمدودة جدا‪ 6.‬لذلك جنده يؤكد على ضرورة دراسة املدن يف خمتلف أجزاء‬

‫‪ 1‬غريب حممد سيد امحد‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪( ،‬االزاريطة‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،)2006 ،‬ص‪.23.‬‬
‫‪ 2‬حممد امحد بيومي‪ ،‬اتريخ التفكري االجتماعي‪( ،‬اإلسكندرية‪ ،)1998 :‬ص‪.202.‬‬
‫‪ 3‬حممد اجلوهري وآخرون‪ ،‬اتريخ التفكري االجتماعي‪ ،‬الرواد‪ ،‬ط‪( ،1‬األردن‪ :‬دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،)2011 ،‬ص‪.195.‬‬
‫‪ 4‬حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬املدخل إىل علم االجتماع‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب‪ ،)2005 ،‬ص‪.140.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪William G. Flanagan, op.cit, P77.‬‬
‫‪ 6‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬علم االجتماع احلضري والصناعي‪( ،‬مصر‪ :‬دار املصطفى للنشر والتوزيع‪ ،)2005 ،‬ص‪.57.‬‬
‫‪49‬‬
‫العامل ويف مراحل اترخيية متباينة ‪ ،‬ومن مث كانت هذه الدعوة من جانبه متثل أول إسهام نظري ومنهجي ذا قيمة يف علم‬
‫‪1‬‬
‫االجتماع احلضري‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫عرف فيرب الفعل االجتماعي أبنه سلوك إنساين ظاهر ومستمر مينحه الفرد الفاعل معىن ذاتيا‪.‬‬
‫فاملدينة هي الشكل االجتماعي الذي يسمح بدرجة عالية من الفردية والتميز يف كل مظهر واقعي من املظاهر‬
‫املوجودة يف العامل‪ .‬ولتحديد معىن املدينة ال ميكن االقتصار على وصف منط حياة منفرد‪ ،‬ولكن ابعتبار أهنا احد‬
‫البناءات االجتماعية اليت تعمل على إجياد أساليب حياة ملموسة ومتعددة‪ ،‬وهكذا تصبح املدينة جمموعة من البناءات‬
‫االجتماعية اليت تعمل على تشجيع الفردية والتجديد‪ ،‬ومن مث تصبح أداة للتغري التارخيي‪ .‬حيث افرتض فيرب أن املدن‬
‫‪3‬‬
‫احلديثة ال توضح أو تعرب عن املدينة ابعتبارها ثقافة‪ .‬فقد نظر إىل املدن يف أايمه على أهنا نظم بدائية ومتخلفة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ويف هذا اإلطار اعتقد فيرب مثل دوركامي إمكانية أن تكون املدن عوامل اجيابية وقوى حتريرية يف احلياة اإلنسانية‪...‬‬
‫إذ حاول توضيح الظروف االجيابية املؤثرة على احلياة العامة للناس‪ ،‬وعلى هذا اهتم ابملدينة يف املاضي أكثر من‬
‫اهتمامه هبا يف احلاضر‪ 5...‬كما أنه من انحية أخرى ابتعد متاما عن االجتاه التصوري أو الشكلي الذي تبناه زميله زميل‬
‫وحاول جاهدا أن يوضح الظروف اليت جتعل دور املدينة اجيابيا أو ابتكاراي يف احلياة العامة لإلنسان مستعينا يف ذلك‬
‫‪6‬‬
‫بدراسته ملدن املاضي أو املدن القدمية ومعتمدا يف نفس الوقت على تصور خاص يف تعريفه للمدينة‪.‬‬
‫النقد املوجه لفيرب‪:‬‬
‫من خالل عرض أفكار ماكس فيرب يتضح لنا التزامه االديولوجي الواضح ابلنظام الرأمسايل ومتجيده‪ ،‬واعتباره النظام‬
‫األمثل للبشرية الذي جيب احلفاع عليه وإدخال التحسينات والتعديالت به‪ 7.‬وهكذا فرغم أمهية املنظور التارخيي‬
‫عند فيرب يف تناول الظاهرة احلضرية من منظور متعدد األبعاد‪ ،‬فإنه بتعريفه النموذجي املثايل للمدينة يسقط يف النزعة‬
‫املركزية عندما اعترب أن مفهوم املدينة ال توجد إال يف أوراب الغربية‪ ،‬ورغم تركيز فيرب يف دراسته على مدن حقيقية من‬
‫منظور ثقايف واترخيي مقارن‪ ،‬و لك نه لألسف مل يقدم عن املدينة احلديثة إال القليل‪ 8.‬وعلى هذا اهتم ابملدينة يف املاضي‬
‫‪9‬‬
‫أكثر من اهتمامه هبا يف احلاضر‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ جورج زميل واحلياة العقلية للمرتوبوليس (‪)1858-1918‬‬

‫‪ 1‬سعيد انصف‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬املفاهيم والقضااي واملشكالت‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬دار الكتب والواثئق القومية‪ ،)2006 ،‬ص‪.64.‬‬
‫‪ 2‬عامر مصباح‪ ،‬علم االجتماع ‪ ،‬الرواد والنظرايت‪ ،‬ط‪( ،1‬اجلزائر‪ :‬دار األمة‪ ،)2005 ،‬ص‪.83.‬‬
‫‪ 3‬غريب حممد سيد امحد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.23.‬‬
‫‪ 4‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.60.‬‬
‫‪ 5‬غريب حممد سيد امحد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22.‬‬
‫‪ 6‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬ط‪( ،1‬عمان‪ :‬دار الرضوان للنشر والتوزيع‪ ،)2014 ،‬ص‪.43.‬‬
‫‪ 7‬حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.146.‬‬
‫‪ 8‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84.‬‬
‫‪ 9‬غريب حممد سيد امحد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22.‬‬
‫‪50‬‬
‫‪1‬‬
‫لقد تضمنت نظريته فكرتني أساسيتني مها األوىل وتدور حول مميزات املدينة والثانية ترتبط ابستجاابت سكاهنا‪.‬‬
‫حيث ركز جورج زميل على حتديد خصائص احلياة احلضرية واستجاابت ساكنيها‪ ،‬وذلك يف ضوء مجلة من املفاهيم‬
‫املتعلقة بـ األمناط السلوكية‪ ،‬التكيف احلضري‪ ،‬العالقا ت غري الشخصية‪ ،‬انقسام احلياة االجتماعية إىل جماالت منفصلة‬
‫(األسرة‪ ،‬العمل‪ ،‬األصدقاء‪... ،‬اخل)‪ ،‬التنظيم العقالين للوقت يف املدينة‪ ،‬التنظيم العقالين للنشاط (تقسيم العمل)‪،‬‬
‫الالمباالة‪ ،‬االنعزال والتحفظ االجتماعي‪ ،‬وإذا كانت هذه املفاهيم تشكل يف جوهرها خصائص احلياة احلضرية‬
‫واستجاابت ساكنيها لضغوط هذه احلياة الصعبة واملعقدة املستندة إىل العقالنية والواقعية‪ 2.‬فاجملتمع ينشأ من وجهة‬
‫وعلى هذا األساس تركز‬ ‫‪3‬‬
‫نظر زميل من خالل التفاعل النفسي بني الكائنات اإلنسانية كأفراد‪ ،‬وكأعضاء يف مجاعات‪.‬‬
‫نظرية زميل على التمييز بني طبيعة العالقات االجتماعية من انحية الشكل أو الصورة‪ ،‬وما تنطوي عليه من مضمون‬
‫اجتماعي‪ ،‬الن العالقات اليت تنشأ بني األفراد يف اجملتمع كالصراع‪ ،‬والتنافس‪ ،‬واخلضوع وتقسيم العمل‪ ،‬والتقسيم‬
‫‪4‬‬
‫الطبقي وغريها موجودة يف خمتلف ميادين احلياة االجتماعية‪.‬‬
‫وهلذا يرى زميل أن أهم ما مييز املدينة احلديثة هو ما أطلق عليه تكثيف اإلاثرة النفسية والعصبية اليت ينبغي على‬
‫ساكن املدينة أن يتغلب عليها‪ .‬وان املدينة هتاجم الفرد ابستمرار أبشكال خمتلفة‪ ،‬وانه لكي يسيطر الفرد على املوقف‪،‬‬
‫ف انه يتعلم أو يكتسب القدرة على التمييز الدقيق حبيث يستطيع أن يتمشى مع ما هو هام‪ ،‬ويبتعد عن كل ما هو غري‬
‫‪5‬‬
‫ذلك‪ .‬ومن خالل هذه العملية يصبح سكان احلضر‪ ،‬ومبرور الوقت أكثر تفكريا وعقالنية وواقعية من سكان الريف‪.‬‬
‫فقد رأى زميل – مثل من عاصروه‪ -‬يف ظهور العامل احلديث سببا لالهتمام بكيفية قدرة الفرد أو هل ميكن للفرد‬
‫إبقاء روح احلرية واإلبداع قلب العوامل االجتماعية الشاملة‪ .‬وذهب زميل إىل أن الشخصية ستتعلم تكييف نفسها مع‬
‫‪6‬‬
‫املدينة‪.‬‬
‫أ ـ خصائص املدينة‪ :‬يعترب تكثيف املؤثرات العصبية هو العنصر الوحيد للمدينة احلديثة الذي عمل على تفعيل‬
‫التكيف‪ ،‬حيث جيب على ساكن املدينة أن يقاومها‪ .‬فعلى عكس النظم الريفية حيث يكون رمت احلياة والتدفقات‬
‫التخيلية الشعورية أكثر بطئا واعتيادا وحدواث‪ ،‬فإن املدينة متطر الفرد بصورة مستمرة ابلكثري من الرؤى واألصوات‬
‫‪7‬‬
‫والروائح‪ ،‬ومن اجل مقاومتها جيب أن يتعلم الفرد كيفية التمييز بينهما بدقة‪.‬‬

‫‪ 1‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.65.‬‬


‫‪ 2‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.05 :‬‬
‫‪ 3‬عبد اهلادي حممد وايل‪ ،‬املدخل إىل علم االجتماع‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار املصطفى للنشر والتوزيع‪ ،)2003 ،‬ص‪.271.‬‬
‫‪ 4‬عبد اهلادي حممد وايل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.271.‬‬
‫‪ 5‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.66.‬‬
‫‪ 6‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.54.‬‬
‫‪ 7‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.54.‬‬
‫‪51‬‬
‫ب ـ استجابة الفرد‪ :‬تساءل زميل عن كيفية السلوك احلضري إزاء هذه املؤثرات الشاملة‪ 1،‬والطلب املتزايد لالستجابة‬
‫الرشيدة‪ .‬فهل تستطيع التوقف عن مساعدة أي شخص تشاهده يف الشارع؟ ال يعتقد زميل ذلك‪ .‬ونتيجة لذلك فقد‬
‫ذهب إىل تكيف ا إلنسان احلضري مع حياة املدينة عن طريق تطوير ما أمساه االجتاه "املتعجرف" – البديل‬
‫االجتماعي‪ -‬وهو االنفصال‪ .‬فاحلال يف املدينة هو أننا نستجيب بعقولنا وليس بقلوبنا ونتعلم أن أنخذ االجتاه الواقعي‬
‫‪2‬‬
‫حنو العامل حولنا‪ ،‬فنحن ببساطة ال هنتم وال نريد أن نندمج‪.‬‬
‫ويرى زميل أن اإلفراط يف احلافز النفسي يقود الناس إىل حماولة الدفاع عن أنفسهم بطرق سلبية رد الفعل العاطفي ابلنسبة‬
‫ملن حييطون هبم يف املدينة‪ ،‬وكدفاع ضد تعقيد احلياة احلضرية‪ ،‬حياول الناس أن يعيشوا يف عالقة غري عاطفية وعقلية‪ ،‬ووظيفية‬
‫مع اآلخرين‪ ،‬وهذا الدفاع جيعل احلياة منفصلة‪ ،‬وإذا حاول الناس أن يعيشوا حياهتم يف األسرة ويف العمل ويف الصداقة‪ ،‬فإهنم‬
‫‪3‬‬
‫يتحطمون عن طريق التعقيدات الكامنة يف كل من هذه الوقائع اليت يعيشوهنا يف الوسط احلضري‪.‬‬
‫حيث سعى زميل‪ ،‬يف مقال له بعنوان "املرتوبوليس واحلياة العقلية" لفهم ما فعلته اخلربة يف املناطق احلضرية على‬
‫طريقة تفكري الناس وتصرفهم‪ .‬وأعرب عن اعتقاده أبن هناك اثنني من امليزات اهلامة يف احلياة احلضرية واملتمثلة يف‬
‫كيف يعتقد سكان املدن ويتصرفون؟ من شدة املؤثرات العصبية أو الضجة الكبرية يف املدينة‪ ،‬وانتشار أتثري السوق‬
‫على العالقات احلضرية‪ .‬حيث الحظ سيمل أن سكان املدن ليس لديها خيار سوى أن تصبح حساسة لألحداث‬
‫والناس من حوهلم‪ .‬وهذه هي احلاالت النفسية اليت ختلق العاصمة‪ .‬فمع تعدد وترية احلياة االقتصادية واملهنية‪،‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬املدينة تصبح يف تناقض عميق مع بلدة صغرية واحلياة الريفية مع اإلشارة إىل األسس احلسية من احلياة‬
‫النفسية‪ .‬جيب على سكان املدن احلقيقية تطوير قدرات خاصة لتجنب التورط العاطفي يف كل ما حيدث من حوهلم‪.‬‬
‫تكمن هذه القدرة يف الفكر وزراعته متأنية وتطوير ويعرض نفسه يف موقف يبدي موقفا ال مباليا‪ ،‬لذلك دون قيد أو‬
‫شرط حمفوظة للمدينة‪ .‬وعلى النقيض من أولئك الذين يقيمون يف املدن الصغرية والقرى‪ ،‬الذين لديهم القدرة على‬
‫احتضان بعضهم البعض يف عالقات تشعر بعمق أكثر وعاطفية‪ ،‬جيب على السكان يف العاصمة تعقد أنفسهم بعيدا‪.‬‬
‫من بلدة "نوع العاصمة من الرجل‪ ،‬وقال سيمل كما يتفاعل مع رأسه بدال من قلبه‪ .‬وامليل حنو االحتياط الناجم عن‬
‫شدة اخلربة‪ ،‬وتعزيز األساس االقتصادي للحياة يف املدينة‪ .‬حيث الحظ ويرب املدينة كسوق‪ ،‬وسؤال زميل هو ما ستفعل‬
‫احلياة يف السوق للعالقات االجتماعية‪ .‬وكان جوابه أن لفت إىل أن الناس تدخل يف عالقات تتسم ابلتوتر والعمليات‬
‫احلسابية‪ .‬فإقتصاد املال وهيمنة الفكر مها متصل جوهري‪ .‬أي أهنا يشرتكا مجيعها يف مسألة املوقف احلقيقية يف التعامل‬
‫مع الناس واألشياء‪ .‬وأتسست مجيع العالقات العاطفية احلميمة بني األشخاص يف هذه الفردية‪ ،‬يف حني أن العالقات‬
‫‪4‬‬
‫العقالنية وطنت الرجل مثل العدد‪ ،‬مثل العنصر الذي هو يف حد ذاته غري مبال‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أوزفالد شبنجلر والثقافة احلضرية‪:‬‬

‫‪ 1‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.55.‬‬


‫‪ 2‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.56.‬‬
‫‪ 3‬غريب حممد سيد امحد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪William G. Flanagan, op.cit, Pp.78.79.‬‬
‫‪52‬‬
‫ميثل أوزفالد شبنجلر أيضا النظرية النفسية االجتماعية‪ ،‬والذي مل يكن صديقا شخصيا ألي من فيرب أو زميل إال أن‬
‫كتاابته عن املدينة تعكس بعض أفكارمها وهي اليت كان هلا أتثري واضح على مدرسة شيكاغو أبمريكا‪ .‬ويعتقد شبنجلر‬
‫أن مراحل تطور املدينة تشري إىل احلياة احلضرية ككل يف الثقافات الغربية هبذا التصور متيز متاما عن تصورات فيرب‬
‫وزميل الذين اهتما بتتبع اخلصائص املميزة للمدينة كبناء اجتماعي‪ ،‬كذلك ذهب شبنجلر إىل أن مراحل منو املدينة‬
‫تتخذ شكل الدورة ألن نشأة املدينة الثقافية وتدهورها يتخذ منطا واضحا يكشف عن مراحل النمو والتدهور يف‬
‫اجملتمع‪ 1.‬فلقد اعتقد شبنجلر أن املدن الكبرية يف عصره تعمل على إفساد نشاط وحيوية وطاقة من يقيم هبا حيث‬
‫تتميز ابلطابع الروتيين وتصبح احلياة فيها قاسية‪،‬وكان يتوقع أن الثقافات املرتوبوليتانية سوف تواجه مصري وقدر روما‪،‬‬
‫حبيث تتدهور املدن ويعود اجملتمع إىل نوع من احلياة الزراعية وغري املتمدنة‪ ،‬وهكذا تعمل دورة النمو احلضري على‬
‫‪2‬‬
‫إعادة تنظيم ذاهتا‪.‬‬
‫وهلذا يعتقد شبنجلر أن مراحل تطور املدينة تشري إىل مراحل احلياة احلضرية ككل يف الثقافات الغربية‪ 3.‬ويرى انه‬
‫مبرور الوقت تنفصل املدن عن الطبيعة وتركز أكثر على الثروة‪ ،‬القوة‪ ،‬واملنطق‪ ،‬وكنتيجة لذلك تفقد املدينة طبيعتها‬
‫القائمة على الروح وتنهار‪ ،‬ويف األخري متوت‪ 4...‬ويف هذا تبدوا احملاولة اليت بدأها زميل بتوجيه األنظار إىل أمهية املدينة‬
‫كوسيلة للتغيري االجتماعي والنفسي‪ ،‬ويف هذا الصدد يعتقد زميل أن احلياة احلضرية تسبب االحنراف‪ ،‬والسلوك‬
‫اإلجرامي‪ ،‬لكنها تعطي األفراد فرصة تطوير قدراهتم والتمتع ابحلرية‪ .‬غري انه يعود فيؤكد على صعوابت استيعاب وفهم‬
‫‪5‬‬
‫مكوانت وعناصر املدينة الكبرية‪ ،‬زايدة الضغوط العصبية‪ ،‬تعرض الفرد لتأثريات احلياة احلضرية‪...‬اخل‪.‬‬
‫حيث ركز شبنجلر على الصور النفسية االجتماعية للحياة احلضرية من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬الثقافة احلضرية‪.‬‬
‫‪ -‬عدم التوازن بني الريف واملدينة‪.‬‬
‫‪ -‬متيز املدينة ابحلرية واإلنفصال من القيود والروابط العقائدية‪.‬‬
‫‪ -‬إرتباط احلياة احلضرية ابملال والفكر والذكاء‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬التأكيد على العقلية احلضرية‪.‬‬
‫ويعتقد شبنجلر أن الثقافة الغربية قد أخذت يف التدهور والتفسخ منذ بداايت القرن العشرين‪ ،‬كما أن دورة احلياة‬
‫تنطبق على إفساد سكاهنا عن طريق اختفاء الطابع النظامي على عمليات العالقات البشرية املتبادلة‪ ،‬وعن طريق جعل‬
‫هذه العمليات روتينية وغري عاطفية‪ ،‬ولقد أدرك زميل هذا من خالل تطور املدن األكرب حجما‪ .‬غري أن فكرة شبنجلر‬

‫‪ 1‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.47.‬‬


‫‪ 2‬غريب حممد سيد امحد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28.‬‬
‫‪ 3‬غريب حممد سيد امحد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.27.‬‬
‫‪ 4‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.07.‬‬
‫‪ 5‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.08.‬‬
‫‪ 6‬السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬مدخل نظري‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،)1984 ،‬ص ص‪.427-422.‬‬
‫‪53‬‬
‫كانت تنص على أن كل ثقافة غربية أو غري غربية هلا روح شعبية تظهر يف املراحل األوىل من تطورها‪ ،‬وهذه الروح متنح‬
‫الثقافة هويتها وحينما تنمو املدن تدرجييا فإن ذلك يؤدى إىل تغيري هذا الطابع الثقايف نتيجة تشجيع الفردية‬
‫واالنفصالية بني أعضاء املدينة‪ ،‬وهكذا تتشابه مجيع املدن الكربى طاملا أهنا نشأت يف األصل عن ثقافة واحدة‪ ،‬هذا‬
‫‪1‬‬
‫التشابه هو عالمة املرض والتغري واألفول الداخلي‪.‬‬
‫واملدينة يف تصور شبنجلر هي امليجابوليس وهي الفكر املتحرر‪ ،‬فلقد تولد الذكاء أصال يف خضم مقاومة القوى‬
‫اإلقطاعية بتقاليدها من البورجوازية كطبقة مفكرة أصبحت أكثر وعيا بوجودها‪ ،‬عندما منا هذا الذكاء أعاد املفكر‬
‫احلضري تشكيل عقيدة العصر الذهيب ليحل الدين اجلديد لطبقة العوام والعلم الليربايل املتحرر‪ ،‬حمل الدين القدمي‬
‫لطبقة النبالء والقساوسة‪ .‬وبنفس القوة والوضوح أطلعت املدينة مبهمة السيطرة على األرض مستقبلة لتلك القيم‬
‫التقليدية اليت ارتبطت هبا بفكرة النقود أو املال كفكرة متميزة عن السلع أو املنتجات‪ ،‬وكذلك تضمنت حياة املدينة‬
‫التأكيد على املال كفكرة متميزة عن السلع واملنتجات‪ ،‬وكذلك تضمنت حياة املدينة التأكيد على املال جنبا إىل‬
‫جنب مع الفكر والذكاء‪ ،‬إذا مل يقتصر دور املال على جمرد فهم املعامالت االقتصادية فحسب بل امتد أيضا ليخضع‬
‫تبادل السلع واملنتجات الجتاهات منوه‪ ،‬وكلما منت املدينة وزاد توسعها كلما تطور سوق املال‪ ،‬ألن املال أصبح هو‬
‫القوة املسيطرة‪ ،‬ولقد أصبح املال ابلنسبة لإلنسان شكال من أشكال النشاط الذي يوقظ ابستمرار شعوره ابلوجود‬
‫‪2‬‬
‫والبقاء حىت أصبحت املدينة متثل ديكتاتورية املال غري احملدود‪.‬‬
‫ف أوزوالد شبنغلر يعتقد أن التاريخ كشف أن املدينة كانت العبا رئيسيا يف قصة كل حضارة عظيمة‪ .‬وتتوقف‬
‫أطروحته على مالحظة أن مجيع الثقافات العظيمة كانت الثقافات احلضرية واليت كانت املدينة احملرك لـ "احلضارة" (وهو‬
‫تعبري يستخدم على نطاق واسع مع اإلشارة إىل الغرب الصناعي)؛ حبيث نفت العمارة احلضرية أي عالقة لألشكال‬
‫العضوية أو الطبيعية؛ والفن احلضري‪ .‬ومرددا خماوف زميل على مدى آاثر التسوية من االنشغال ابملال وصعود الفكر‬
‫‪3‬‬
‫على نوعية العالقات اإلنسانية‪ ،‬املتوقع شبنغلر توجد مثل هذه العواقب التعويضية نتيجة ارتفاع احلرايت الفردية‪.‬‬
‫وتتمثل القضية األساسية يف كتاابت شبنجلر يف حتديد خصائص املدينة كإفرتاضات جوهرية لوجود املدينة‪ .‬وهكذا‬
‫اهتمت املدرسة األملانية وعلى رأسها فيرب وزميل هلذه االفرتاضات اخلاصة بثقافة املدينة‪ ،‬كما إهتم املفكرون الثالثة‬
‫بتعريف ثقافة املدينة على أهنا ظاهرة متكاملة وذلك عند مقابلتها بغريها من الوحدات االجتماعية‪ 4.‬وهكذا يتبني لنا أن‬
‫هناك اتفاقا واضحا جيمع ما بني تصور فيرب وزميل وشبنجلر مؤداه التأكيد على الذهنية احلضرية رغم اختالف كل منهما يف‬
‫‪5‬‬
‫تفسري هذه الذهنية‪ ،‬كما كشف هذا التأكيد عن تصورهم النفسي االجتماعي يف حتليل ظروف احلياة يف املدينة احلديثة‪.‬‬
‫خالصة‪:‬‬

‫‪ 1‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.48.‬‬


‫‪ 2‬السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.336.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪William G. Flanagan, op.cit, P.80.‬‬
‫‪ 4‬غريب حممد سيد امحد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29.‬‬
‫‪ 5‬فؤاد بن غضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.49.‬‬
‫‪54‬‬
‫ابلرغم من ما على النظرية النفسية االجتماعية من مآخذ‪ ،‬من مثل االلتزام االديولوجي الواضح ألصحاهبا الثالثة‬
‫فيرب‪ ،‬زميل وشبنجلر ابلنظام الرأمسايل ومتجيده‪ ،‬واعتباره النظام األمثل للبشرية الذي جيب احلفاع عليه وإدخال‬
‫التحسينات والتعديالت به‪.‬‬
‫إال أهنا ال تزال حتتل أمهية كربى يف علم االجتماع احلضري‪ ،‬ابعتبار إهتمام املفكرون الثالثة بتعريف ثقافة املدينة‬
‫على أهنا ظاهرة متكاملة وذلك عند مقابلتها بغريها من الوحدات االجتماعية‪ .‬وكذا أتكيدهم على الذهنية احلضرية رغم‬
‫اختالف كل منهما يف تفسري هذه الذهنية‪ ،‬كما كشف هذا التأكيد عن تصورهم النفسي االجتماعي يف حتليل ظروف احلياة‬
‫يف املدينة احلديثة‪.‬‬

‫احملاضرة السادسة‪ :‬النظريـة املاركسية احملدثة‬

‫متهيد‪:‬‬
‫النظريـة املاركسية احملدثة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ هنري لوفيبفر النقد اإلنساين للتحضر‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مانويل كاستلز واملسألة احلضرية‪.‬‬
‫خالصة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫احملاضرة السادسة‪ :‬النظريـة املاركسية احملدثة‬

‫متهيد‪:‬‬
‫لقد كان لفشل التصورات النظرية السابقة أن ظهرت وجهة نظر ماركسية لتوفري بديل مفيد للبيئة وللنهج احلضري‪،‬‬
‫خالل ‪ 1970‬وخالل اجلزء األول من العقد التايل‪ ،‬هذه التصورات النظرية اليت فشلت يف التنبؤ بدراسات الثقافة‬
‫واجملتمع أو شرح االضطراابت يف املناطق احلضرية منذ ‪.1960‬‬
‫فمنذ أواخر ‪ ،1960‬كان هناك ميل من ا لنظرية املاركسية الغربية لتوسيع آفاقها التقليدية من أجل مراعاة خمتلف‬
‫احلركات الراديكالية اليت وضعت خارج عملية اإلنتاج واليت ال ميكن ببساطة حتليلها من حيث عالقة أجر العمالة برأس‬
‫املال (احلركة النسوية‪ ،‬التطرف الطاليب يف ‪ )1960‬ويف هذا السياق اكتشفت النظرية املاركسية مشكلة املدينة‪ ،‬وهي‬
‫املشكلة اليت طرحت من خالل تطوير احلركات الراديكالية يف املدن ملوجهة القضااي مثل تراجع اخلدمات العامة يف‬
‫املناطق احلضرية‪ ،‬تدنيس البيئية وهلم جرا‪ .‬حجة ماركس وإجنلز مفادها أن املدينة الرأمسالية ليست يف حد ذاهتا مهمة‬
‫من الناحية النظرية ولذلك فقد مت إعادة النظر يف السنوات األخرية‪ .‬إعادة النظر هذه مشلت خطوتني‪ .‬األوىل هي نقد‬
‫النظرايت القائمة يف املناطق احلضرية (مثل علم البيئة البشرية) واملمارسة احلضرية (على سبيل املثال التخطيط) أبهنا‬
‫عقائدية‪ .‬مصطلح األيديولوجية مع ذلك‪ ،‬قد يعين أشياء خمتلفة ملختلف الكتاب‪ ،‬وهذا يعكس متميزتني (على الرغم‬
‫ذات الصلة) معاين هذا املفهوم يف العمل ماركس‪ .‬وهكذا فقد أكد بعض الكتاب مفهوم األيديولوجيا ابعتبارها وسيلة‬
‫إلضفاء الشرعية للسيطرة الطبقية‪ .‬ويطلق على املفاهيم احلالية من التمدن والتفسريات احلالية للمشاكل احلضرية أبهنا‬
‫أيديولوجية على أساس أهنا تعكس وختضع ملصاحل الطبقة الربجوازية‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫بعد أن أنشأ نقد املفاهيم احلالية مثل التحضر على أهنا عقائدية‪ ،‬واخلطوة الثانية هي تطوير نظرية ال ختضع ملصاحل‬
‫الطبقة املسيطرة أو ال جملرد إضفاء الطابع الرمسي على متثيل األيديولوجية القائمة‪ .‬حيث يرى التصور األول األزمة‬
‫احلضرية كمحور للرأمسالية املتقدمة‪ ،‬والثاين يرى أهنا اثنوية ابلنظر إىل الصراع الطبقي األساسي يف الصناعة‪ .‬وبينما يركز‬
‫السابق بشأن مسألة إنتاج الفضاء (أي على الطريقة اليت يصبح التنظيم الرأمسايل متديد ومطبوع على مجيع جوانب‬
‫احلياة اليومية)‪ ،‬وابلتايل احلاجة لتطوير أشكال جديدة من النضال ضد اهليمنة الرأمسالية على الفضاء‪ ،‬ويرى هذا األخري‬
‫أن مسألة املناطق احلضرية ال متثل كما كبريا إال بقدر األزمة احلضرية وهي امتدادا للصراع التقليدي ضد اهليمنة‬
‫‪1‬‬
‫الرأمسالية الصناعية لإلنتاج‪.‬‬
‫مييل بعض الدارسني املعاصرين يف فرنسا منذ بداية الستينات إىل تناول قضااي النمو احلضري السريع ومسألة املدن‬
‫اجلديدة‪ ،‬ومسالة األقليات اإلثنية يف املدينة‪ ،‬مسألة الطبقات االجتماعية‪ ،‬الثقافة احلضرية والثقافات الفرعية‪ 2.‬وخالل‬
‫سنوات السبعينات والثمانينات فرضت املدينة نفسها كإشكالية وكظاهرة ابثولوجية تتطلب تدخال إلجياد احللول‬
‫املناسبة للمشاكل اليت هتدد اجملتمع احلضري أبكمله‪ ،‬ويسجل هذا التحول يف الدراسات احلضرية منعطفا حامسا يتمثل‬
‫يف انتقال تركيز علم االجتماع احلضري من املسألة االجتماعية املتمحورة حول املسألة العمالية إىل االهتمام ابملشاكل‬
‫احلضرية‪ 3.‬إىل جانب اهتمام علماء االجتماع الفرنسيني يف هناية الستينات بدراسة جمتمع املدينة من منظورات متنوعة‪:‬‬
‫املاركسية‪ ،‬البنيوية‪... ،‬اخل‪.‬‬
‫النظريـة املاركسية احملدثة‪:‬‬
‫يطلق مصطلح املاركسية احملدثة على أولئك املفكرين املتمسكني ابملاركسية التقليدية – كما جاءت عند ماركس‪-‬‬
‫كإطار نظري ومنهجي‪ ،‬ولكنهم ينتقدوهنا يف بعض اجلوانب‪ 4.‬حبيث ينطلقون من احلقائق اجلديدة اليت يفرزها الواقع‪.‬‬
‫وما يهمنا هنا هو أن التصور املاركسي اجلديد يؤكد أوال على ضرورة االهتداء ابملادية التارخيية لقيادة البحوث‬
‫السوسيولوجية وتوجيهها موضوعا وتصميما‪ ،‬واثنيا موضوع الطبقات االجتماعية والتغري‪ ،‬حيث يتفق املاركسيون اجلدد‬
‫ابن ماركس قد أوىل الطبقات االجتماعية عناية فائقة ابعتبارها مقولة حتليلية وتفسريية لكثري من الظواهر االجتماعية‪،‬‬
‫وهناك أيضا مسألة الدور الثوري للربوليتاراي واليت أصبحت من قبل البعض حباجة إىل إعادة نظر‪ .‬واثلثا الوعي ابلواقع‬
‫‪5‬‬
‫والوعي ابملمكن‪.‬‬
‫ومن مث ف النظرية املاركسية احملدثة تستند إىل املفاهيم املاركسية األساسية وتطبيقاهتا على واقع املدينة‪ .‬وعلى هذا‬
‫‪6‬‬
‫األساس فهي ترتكز على ما يلي‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Peter Saunders, op.cit, pp.104.105.‬‬
‫إمساعيل قرية‪ ،‬علم االجتماع احلضري ونظرايته‪( ،‬قسنطينة‪ :‬منشورات جامعة منتوري‪ ،)2004 ،‬ص‪.103.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬إمساعيل قرية‪ ،‬علم االجتماع احلضري ونظرايته‪( ،‬قسنطينة‪ :‬منشورات جامعة منتوري‪ ،)2004 ،‬ص‪.103.‬‬
‫علي غريب‪ ،‬علم االجتماع والثنائيات النظرية‪ ،‬التقليدية واحملدثة ‪( ،‬قسنطينة‪ :‬جامعة منتوري‪ ،‬خمرب علم اجتماع االتصال للبحث والرتمجة‪،)2007 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ص‪.146.‬‬
‫‪ 5‬علي غريب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.149 ،148.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Lojkine, J, Le marxisme, l'état et la question urbaine, )Paris, PUF, 1977(, PP.61.62.‬‬
‫‪57‬‬
‫‪ -‬إن مفهومي اجملتمع والثقافة احلضرية تستعمل يف طياهتا توجيهات إيديولوجيا‪.‬‬
‫‪ -‬ينبغي االهتمام ابحملتوى االجتماعي للظواهر‪ ،‬وال ينبغي النظر إليها يف إطارها الفيزيقي وحسب‪.‬‬
‫‪ -‬أن املواقع واجملاالت احلضرية هي مظاهر تفرعت عن الصراع الطبقي‪.‬‬
‫‪ -‬جيب معاجلة مشكلة اإلسكان يف عالقة مع االستهالك اجلمعي‪.‬‬
‫‪ -‬ينبغي إعادة إدماج املسألة احلضرية يف سياقها التارخيي ويف عالقتها بنط التنظيم اإلجتماعي يف عالقته مع النظام‬
‫الليربايل‪.‬‬
‫‪ -‬ضرورة اإلهتمام ابلطبقة العاملة واجلماعات اإلجتماعية والربجوازية الكبرية واألقليات احلضرية والصراع ‪...‬إخل‪.‬‬
‫وحنن هنا نركز على هنج اثنني من منظري املاركسية هنري لوفري ومانويل كاستلز الذين سعيا إىل إعادة تشكيل جمال‬
‫الدراسات احلضرية من خالل نقد النهج القائمة على مفاهيم احلضر‪ .‬على الرغم من أن كاستلز رفض يف وقت الحق‬
‫من ذلك كثري من أعماله السابقة‪ ،‬وكانت كتاابته خالل هذه الفرتة تؤطر بشكل كبري إرساء األساس ملا أصبح يعرف‬
‫ابسم علم االجتماع احلضري اجلديد‪ ،‬وأنه من الصعب املبالغة يف تقدير أمهية إرثه يف التطور الالحق يف هذا اجملال‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ هنري لوفيبفر (‪ )lefebvre‬النقد اإلنساين للتحضر‪:‬‬
‫ليس من املعروف على نطاق واسع عمل لوفيبفر عن التحضر يف العامل الناطق ابللغة اإلجنليزية‪ .‬ويبدو أن ذلك‬
‫يعود إىل صعوبة الوصول النسيب إىل عمله ذا الصلة للبعض من غري املوجود يف الرتمجة اإلجنليزية‪ .‬بل ويرجع ذلك‬
‫جزئيا أيضا إىل حقيقة أن كتاابت كاستلز‪ ،‬يف املسالة احلضرية‪ ،‬قد متت قراءهتا ومناقشتها على نطاق واسع‪ ،‬وهذا‬
‫يتضمن طمسا لنظرايت لوفري‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬إذ ال يتم حتديد حد كبري له ابلنظر إىل إطار كاستلز‪ ،‬ولكن أيضا كان‬
‫هناك حافز يذكر لدراسة أفكار لوفيبفر هذه على ما يبدو على أنه هدم وجتاوز لعمل كاستلز‪ .‬يف السنوات األخرية‪،‬‬
‫بدأ لوفيبفر يتلقي املزيد من االهتمام من خالل العمل اجلغرايف احلضري املاركسي من أمثال هاريف وسوجا‪ ،‬ولكن أتثريه‬
‫‪1‬‬
‫على علم االجتماع احلضري ال يزال هامشي إىل حد ما‪ .‬ورمبا هذا هو نظرا للمضاربة‪ ،‬ابلوعي الذايت‪.‬‬
‫ومع هذا فقد ذهبت إسهامات لوفيبفر مع هناية الستينات إىل إعتبار املدينة حق‪ ،‬من خالل حق التفكري يف املدينة‬
‫وحق العيش فيها وحق تعميم الفراغ احلضري واحلق يف الطبيعة‪ ،‬فاملدينة شأهنا شأن الطبقات اإلجتماعية جيب‬
‫دراستها‪ 2.‬ويف هذا اإلطار يرصد لوفيبفر بعض التحوالت اليت حدثت على التفكري السوسيولوجي يف فرنسا من حيث‬
‫تغري النظرة الراديكالية املاركسية الكالسيكية اليت تركز على التصنيع يف حد ذاته إىل الرتكيز على مفهومي التحضر‬
‫‪3‬‬
‫واحلضر الذين ينطواين على معىن التصنيع‪.‬‬
‫مييل اخليال احلضري بلوفيبفر أكثر حنو التحليل "على مستوى ميتا" ومع ذلك‪ ،‬مصلحة لوفيرب يف الديناميات‬
‫اليومية للعملية احلضرية‪ ،‬فهو يطمح حنو صياغة أكثر عاملية من اهلياكل والنظم املشرتكة يف احلياة احلضرية بشكل عام‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Peter Saunders, op.cit, P.105.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Raulin, A, Anthropologie urbane, )Paris: Armand colin, 2002(, PP.52-57.‬‬
‫‪ 3‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.103.‬‬
‫‪58‬‬
‫على هذا النحو لوفيبفر يوفر أهم عالقة بني النظرية الكالسيكية احلضرية والدراسات العمرانية اجلديدة اليت طورت يف‬
‫‪1‬‬
‫العقود األخرية‪.‬‬
‫وقد حاول املنظرين والباحثني احلضريني الكالسيكيني واملعاصرين وصف التجربة احلضرية ابستخدام اللغة‬
‫األخالقية واجلمالية والفلسفية املتاحة هلم يف ذلك الوقت‪ .‬ولكن عدد قليل‪ ،‬مع استثناء ملحوع من أمثال بنيامني‬
‫ولوفيبفر‪ ،‬والذي أراد أن جيادل‪ ،‬يف جتنب اترخيية املدينة ابعتبارها وسيلة للتمييز التجارب احلضرية السابقة من تلك‬
‫اليت نراها اليوم‪ .‬ومثة عقبة كبرية حلساب منتبذ متغاير التوقيت املدينة هي اللجوء على نطاق واسع إىل السياق التارخيي‬
‫‪2‬‬
‫ابعتبارها قضية توضيحية لبعض الظاهرة العامة‪.‬‬
‫ويقوم نقد لوفيبفر للنظرايت احلضرية القائمة على احلجة القائلة أبن أي نظام نظري يوجه تصرفات البشر‪ ،‬يف مثل‬
‫هذه الطريقة فإنه يساعد على احلفاع على النظام القائم للعالقات االجتماعية الذي ميكن تسميته ابإليديولوجي أي‬
‫التمثيل األيديولوجي إذا كان يساهم إما مباشرة أو بتوسط إلعادة إنتاج عالقات اإلنتاج األيديولوجية ولذلك ال ميكن‬
‫فصله عن املمارسة‪ .‬ويذكر مثاال على ت لك األيديولوجية التقليدية يف اجملتمعات الرأمسالية أن النظام يستنسخ نفسه‬
‫بشكل طبيعي‪ ،‬دون تدخالت هادفة من وكالء اإلنسان‪ ،‬هلذا ال خيدم فقط إال إضفاء الشرعية على النظام (ما هو‬
‫طبيعي مقبول)‪ ،‬لكنه ينفي أيضا إمكانية التدخالت اجلذرية لتغيريه (ما هو طبيعي ال مفر منه)‪ .‬سابقا‪ ،‬ابلفعل‪ ،‬وابلتايل‪،‬‬
‫فإننا نرى هنا أساس رفض لوفري من احلتمية املاركسية وكذلك نظرايت الربجوازية‪ ،‬على حد سواء لديها أتثري عملي‬
‫تقزمي تطور العمل الثوري (وهذا هو القول‪ ،‬املاركسية القطعية اليت تنفي الفعالية الواعية ملوضوعات اإلنسان تنفي أيضا‬
‫إمكانية اختاذ إجراء جذري‪ ،‬وابلتايل تؤدي نفس وظيفة النظرايت الربجوازية يف تقويض عملية النضال ضد اهليمنة‬
‫‪3‬‬
‫الرأمسالية)‪.‬‬
‫فالنظرايت االجتماعية العامة اليت هلا أثر عملي للحفاع على هيمنة مصاحل فئة معينة‪ :‬إنه دور األيديولوجيات‬
‫لضمان موافقة املضطهدين واملستغلني‪ .‬ويتحقق ذلك عن طريق إخفاء املصاحل احلقيقية للطبقات املسيطر عليها‪،‬‬
‫وابلتايل احلد من النضال السياسي ضد مصدر سيطرهتم‪ .‬واملاركسية ليست أيديولوجية يف هذا املعىن ألهنا متكن وتسهل‬
‫هذه الصراعات‪ ...‬يف حجته أن املاركسية ليست أيديولوجية‪ ،‬لوفيبفر ال يسعى ليعين أن ذلك هو العلم مع نظرة‬
‫متميزة إىل احلقيقة والواقع‪ .‬فمشروع لوفيبفر ‪ ،‬ابلتايل‪ ،‬هو وضع جمموعة من األفكار حول العمران اليت ميكن أن حتفز‬
‫إبجراءات جذرية ضد ما يراه طريقة جديدة وشاملة للجميع من اهليمنة الرأمسالية على احلياة اليومية‪ .‬وهكذا ترتكز‬
‫نظرية احلضرية وممارسة التخطيط على إنكار الطابع السياسي املتأصل يف سياسة الفضاء وتصوره ابعتباره عنصرا غري‬
‫عقالين أن يتطفل على النظام املكاين من اخلارج بدال من أن تكون عنصرا أساسيا يف الدستور وإدامة األشكال‬
‫املكانية‪ .‬هذه النظرية هي ابلتايل إيديولوجية‪ ،‬ألنه حيافظ على الوضع الراهن من خالل عدم تسييس مسألة الفضاء‬

‫‪1‬‬
‫‪Simon Parker, op.cit, p.09.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Simon Parker, op.cit, p.175.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Peter Saunders, op.cit, P.106.‬‬
‫‪59‬‬
‫واستخداماته‪ ،‬وكأيديولوجية أي يتخلل يف مجيع أحناء اجملتمع مع ليفيد نزع فتيل الصراعات السياسية عن استخدام‬
‫احليز احلضري‪.‬‬
‫فمهمة النظرية النقدية هي أن تنفجر هذه األيديولوجية احلضرية من خالل إظهار كيف أن األشكال املكانية‬
‫املنظمة هي نتاج وضع معني من اإلنتاج الرأمسايل وكيف أهنا تسهم يف إعادة إنتاج عالقات السيطرة‪ .‬ويتأكد ذلك‪ ،‬من‬
‫كونه نتاج اجتماعي‪ .‬إنتاج الفضاء ميكن تشبيهه إبنتاج أي نوع معني من البضائع‪ .‬وخنلص إىل أن هذا يكشف عن‬
‫التمييز احلاسم بني عرض لوفري للماركسية وعرض كاستلز‪ ،‬فاملاركسية عند لوفيبفر ليست علمية بل نظرية سياسية‬
‫‪1‬‬
‫للممارسة االشرتاكية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مانويل كاستلز واملسألة احلضرية‪:‬‬
‫حاول رواد االجتاه املاركسي احملدث نقل املقوالت والنماذج املاركسية إىل احلقل احلضري لفهم الكثري من القضااي‬
‫واملسائل احلضرية‪ ،‬إىل جانب القيام بدراسات وأحباث امربيقية لتحصيل عمليات التطور والنمو احلضري يف سياق‬
‫التحوالت اليت تشهدها اجملتمعات املعاصرة وانتقاهلا اجلماعي حنو ما يسمى ابلليربالية الدميقراطية‪.‬‬
‫وحتت أتثري االحتجاجات االجتماعية يف فرنسا يف أواخر الستينات منا وتطور االجتاه املاركسي احملدث على يد‬
‫مانويل كاستلز صاحب كتاب املسألة احلضرية‪ ،‬وعدد من الدراسات واألحباث اليت مكنته من نقد النظرية احلضرية‬
‫‪2‬‬
‫وحتليل الواقع الفرنسي‪.‬‬
‫كاستلز ينطلق يف مقاربته للواقع احلضري من نظرته للمسألة احلضرية‪ ،‬على أهنا حتليل للبنية احلضرية‪ ،‬حيث‬
‫تتوضح اترخييا (يف أشكال مكانية معينة)‪ ،‬فقلب التحليل السوسيولوجي للقضية احلضرية هو دراسة السياسة‬
‫احلضرية‪ 3،‬وتربط األعمال احلديثة لكاستلز بني أمناط التحضر واجملتمع الواسع‪ ،‬وتتجنب اخلوض يف عمليات التحضر‬
‫ابعتبارها جمموعات من الظواهر اجلزئية املفردة‪ ،‬ويرى أن أمناط احلياة اليت يعيشها الناس يف املدن‪ ،‬شأهنا شأن التنظيم‬
‫املادي اهلندسي ملختلف األحياء السكنية‪ ،‬إمنا تعرب عن املالمح العريضة لنمو الرأمسالية الصناعية‪ 4.‬وعلى هذا يؤكد‬
‫كاستلز أن التحضر أو عملية الزحف احلضري ليست سريورة مستقلة معزولة عن غريها‪ ،‬بل ينبغي حتليلها يف سياق‬
‫‪5‬‬
‫عالقتها أبمناط التغري األساسية يف اجملالني السياسي واالجتماعي‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى يربط كاستلز عملية التحضر‪ /‬التحضرن من جهة‪ ،‬وتنامي احلركات االجتماعية من جهة أخرى‪.‬‬
‫إن شكل الفضاء اجملتمعي‪ ،‬كما يقول يرتبط ارتباطا وثيقا ابليات اإلمناء الكلية يف كل جمتمع‪ .‬وإذا أردان أن نفهم معىن‬
‫املدينة فإن علينا أن نتقصى عملية استحداث أشكال املكان وحتوالته‪ .‬إن إخراج املدن واألحياء ومالحمها املعمارية إمنا‬
‫تعرب عن أشكال من الصراع والنزاع بني خمتلف اجلماعات يف اجملتمع وبعبارة أخرى فإن البيئات احلضرية متثل التجليات‬

‫‪1‬‬
‫‪Peter Saunders, op.cit, Pp.106.107.‬‬
‫‪ 2‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.104.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Manuel Castells, the Urban Question, Translated by Alan Sheridan, first published, (London: Edward Arnold‬‬
‫‪(Publishers), 1977), P.244.‬‬
‫‪ 4‬أنتوين جيدنز‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬مع مدخالت عربية‪ ،‬ترمجة فايز الصباغ‪ ،‬ط‪( ،1‬بريوت‪ :‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،)2005 ،‬ص‪.623.‬‬
‫‪ 5‬أنتوين جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.600.‬‬
‫‪60‬‬
‫الرمزية للتفاعل بني فئات عريضة من القوى االجتماعية‪ .‬فكاستلز يعتقد أن املدينة ليست جمرد موقع متميز يف منطقة‬
‫حضرية ما‪ ،‬بل هي يف واقع األمر جزء ال يتجزأ من عملية االستهالك اجلماعي وهو من املكوانت اجلوهرية للرأمسالية‬
‫الصناعية‪ 1.‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن اهليئة املادية الفيزيقية للمدينة هي احملصلة الطبيعية لقوى السوق وسلطة احلكومة‪.‬‬
‫وخالصة القول أن كاستلز يؤكد أن املدن هي يف جمملها بيئات مصطنعة أقامها الناس‪ .‬فحىت املناطق الريفية أخذت‬
‫‪2‬‬
‫ختضع بصورة متزايدة لنفوذ التدخل البشري والتقانة احلديثة‪ ،‬مما أدى إىل إعادة تشكيل العامل الطبيعي‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار ينظر كاستلز للظواهر احلضرية على أهنا مرتبطة بسياق اترخيي واجتماعي حمدد‪ .‬وال ميكن عزهلا عن‬
‫أصوهلا االجتماعية واأليديولوجية‪ 3.‬حيث تناول كاستلز حتليل البناء احلضري وقوانينه املتعلقة ابلتنمية والتحول يف إطار‬
‫مقاربته البنيوية‪ ،‬خاصة حتليل املمارسات والبناء االجتماعي‪ ،‬عناصر النظام احلضري‪ ،‬التناقضات املتأصلة يف أسلوب‬
‫اإلنتاج الرأمسايل‪...‬اخل‪ .‬واىل جانب ذلك يعرتض على أية إشكالية وظيفية أو بنيوية تعزل اجملال السياسي واالقتصادي‬
‫وتغفل االرتباط القائم بني السياسة والصراع الطبقي‪ 4.‬فاملواقع املكانية اليت يعتربها أنصار علم االجتماع احلضري‬
‫متارس أتثريا مستقل عن العمليات االجتماعية هي يف الواقع مظاهر تفرعت عن الصراع الطبقي‪ ،‬بل إن املكان نفسه‬
‫‪5‬‬
‫يتشكل أو يتحدد داخل السياق االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬وانه خارج هذا السياق ال يوجد للمكان أي معىن يذكر‪.‬‬
‫ومثل لوفيبفر‪ ،‬وضع كاستلز نقده لنظرايت التحضر القائمة على العقائدية‪ ،‬وحجته تعتمد على حتديد وظائف هذه‬
‫النظرايت واليت تعمل على احلفاع على العالقات الطبقية الرأمسالية‪ ،‬ويفسر اجلانب الوظيفي لأليديولوجيات النظرية‬
‫ب فشل النظرايت القائمة على جتاوز العالقات األيديولوجية اليت من خالهلا يعيش األفراد عالقتها يف العامل احلقيقي‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬النظرايت القائمة هي أيديولوجية أي أهنا جمرد تفصيل بدال من القطيعة مع األشكال األيديولوجية‬
‫للمجتمع الرأمسايل‪ ،‬وابلتايل تفشل يف وضع األساس العلمي لتحليل الواقع يف اجملتمع‪ .‬وهكذا يرتكز نقد كاستلز‬
‫للنظرايت القائمة على األيديولوجية على حجة أن هناك طريقة علمية للتحليل عن طريق الوسائل اليت من املمكن أن‬
‫حتدد اخلطاابت األيديولوجية‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أنه يف البداية أنه يف سياق تطوير عمله‪ ،‬عمل كاستلز على تعديل موقفه املعريف األويل إىل حد‬
‫كبري جدا‪ ،‬إال أننا جيب أن هنتم بشكل أساسي أبعماله السابقة‪ ،‬ألنه هنا تطور نقده لعلم االجتماع احلضري‬
‫واأل يديولوجية وضعت التعديالت الالحقة لنظرية املعرفة له نتيجة حملاولته تطبيق هنجه يف البحوث التجريبية‪ ،‬وتظهر‬
‫هذه التجربة أهنا قد أدت به إىل إعادة النظر يف املفاهيم السابقة له للعلم وعالقته ابأليديولوجية‪ .‬كما سنرى‪ ،‬هذا‬
‫مفاهيميا له أتثري على تقويض أي حماولة للحفاع على مثل هذا التمييز‪ ،‬وابلتايل تطرح تساؤال حول النقد السابق له‬
‫عن النظرايت البديلة‪ ،‬على الرغم من أن كاستلز نفسه مل يبد أبدا أي صراحة يف إعادة النظر يف اهلجوم األول له على‬

‫‪ 1‬أنتوين جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.601.‬‬


‫‪ 2‬أنتوين جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.602.‬‬
‫‪ 3‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.105.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Lojkine, j, op.cit, pp.60-72.‬‬
‫‪ 5‬إمساعيل قرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.105.‬‬
‫‪61‬‬
‫هذه النظرايت البديلة يف ضوء موقف معريف تتغري حياته‪ .‬وقد أسس نقده األصلي من النظرايت االجتماعية احلضرية‬
‫‪1‬‬
‫يف التطبيق دون متحيص نسبيا من الفلسفة املاركسية ملسألة املناطق احلضرية‪.‬‬
‫خالصة‪:‬‬
‫على الرغم من أن الفكر املاركسي ال يزال جزءا من املزيج الذي حيتويه علم االجتماع احلضري احلايل‪ ،‬كما هو‬
‫احلال فيما يتعلق بعلم االجتماع بشكل عام‪ ،‬فقد فقد بعض من نفوذه وبعض من أتباعه‪ .‬فقبل منتصف ‪،1980‬‬
‫فالعديد من الكتاب النقديني توقفوا عن اإلشارة إىل ما فعلوه ابسم املاركسية‪ ،‬وعلى ذلك فإن هنج االقتصاد السياسي‬
‫أصبح فئة جامعة جملموعة متنوعة من األعمال اليت أكدت على أن فكرة االجتماعية استندت أساسا إىل ترتيبات‬
‫الصراع بني فئات خمتلفة من الفاعلني االجتماعيني وعلى مستوايت خمتلفة من أجل الوصول إىل السلطة‪ ،‬من قبل بعض‬
‫الذين اعتربوا عملهم يدخل ضمن افرتاضات االقتصاد السياسي املاركسي‪ ،‬يف حني أن عمل اآلخرين محل القليل من‬
‫العالقة ابملاركسية‪ .‬ومن هنا فقد ترك للقراء من تلقاء نفسها إىل حد ما‪ ،‬ودون أعباء ثقيلة من التسميات‪ ،‬فك واختاذ‬
‫ما جيدون مفيد من األدب‪.‬‬

‫احملاضرة السابعة‪ :‬تقييم الرتاث النظري الكالسيكي لعلم االجتماع احلضري وتياراته‬

‫متهيد‪:‬‬
‫أوال تقييم الرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Peter Saunders, op.cit, P.112.‬‬
‫‪62‬‬
‫اثنيا علم االجتماع احلضري بني التيار احملافظ والتيار الراديكايل‪.‬‬
‫خالصة‪.‬‬

‫احملاضرة السابعة‪ :‬تقييم الرتاث النظري الكالسيكي لعلم االجتماع احلضري وتياراته‬

‫متهيد‪:‬‬
‫هتدف هذه احملاضرة أوال إىل تقدمي تقييم إمجايل ملا مت طرحه يف الرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي‪،‬‬
‫واثنيا عرض موقف علم االجتماع احلضري بني التيار احملافظ والتيار الراديكايل‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تقييم الرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫وهكذا يتضح من خالل تقييمنا للرتاث النظري األورويب واألمريكي الكالسيكي‪ ،‬وعرض أهم النماذج النظرية‬
‫السائدة يف علم االجتماع احلضري أن لكل نظرية من هذه النظرايت مواطن من الضعف‪ ،‬ومواطن أخرى من القوة‪،‬‬
‫وابلتايل ال ميكن أن تكون أي نظرية منها كافية لتفسري ظواهر احلياة احلضرية ذات األبعاد واجلوانب املتعددة واملتغريات‬
‫املتباينة‪ ،‬كما أن هذه النظرايت اهتمت ابلتفاصيل اجلزئية والبياانت االمربيقية احملدودة على حساب التنظري‬
‫السوسيولوجي العام‪ .‬وابلتايل فقد أغفلت القضااي النظرية احليوية كما افتقدت إىل املقارابت احلضرية عرب اجملتمعات‬
‫اإلنسانية املختلفة مما جعل البعض يذهب إىل أن هذه النظرايت كتبت بطريقة انطباعية‪ ،‬وأهنا تفتقر إىل التحليل العلمي‬
‫التفسريي واملعلومات املتعمقة عن احلياة يف املدينة‪ ،‬ومع هذا فإن هذه النظرايت استطاعت أن متس أهم املشكالت‬
‫والقضااي اليت تواجه اإلنسان ساكن املدينة وان تقدم أسسا نظرية للدراسات والبحوث اليت جتري يف علم االجتماع‬
‫‪1‬‬
‫احلضري احملاصر‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ نقد الرتاث األورويب‪:‬‬
‫يتضح أوال أن األفكار احملورية هلؤالء املنظرين هي نتاج لألزمنة واملدن اليت عاشوا فيها‪ ،‬فقد كانت طريقة احلياة‬
‫األوروبية متغرية بسرعة وكانت املدن حتل حمل القرى والريف كمكان أساسي للحياة‪ .‬ونتيجة جلميع املؤثرات اليت‬
‫تعرضت هلا‪ ،‬ميكن القول بصعوبة أبن هذه املدن اليت منت بسرعة قد قدمت حياة جديدة لكثري من سكاهنا‪.‬‬
‫واثنيا اظهر املنظرون بعض االختالفات يف تفسرياهتم فالتناقض بني تونييز ودوركامي هو األكثر وضوحا‪ ،‬حيث يرى‬
‫تونييز اجملتمع (جمتمع املدينة) على انه األكثر إاثرة للمشكالت‪ ،‬واجملتمع احمللي على انه األكثر إنسانية‪ .‬فقد قلب‬
‫دوركامي هذا التفسري ابستخدام مصطلحي التضامن العضوي والتضامن اآليل فاحلياة يف الريف متخمة ومتخلفة وعلى‬
‫‪2‬‬
‫العكس كانت احلياة يف املدينة حتررية مليئة ابإلمكانيات الكاملة للتنمية‪.‬‬
‫ويعترب أتكيد املنظرين الكالسيكيني على أن املدينة هي املوضوع املناسب للدراسة السوسيولوجية أكثر إسهاماهتم‬
‫أمهية‪ .‬وابلرغم من أن تونييز ودوركامي مل خيرجا عن نظرايت املدينة هذه‪ ،‬فإن تصنيفهما حلل بوضوح التناقض بني احلياة‬
‫الريفية واحلياة احلضرية‪ ،‬وتقدم زميل وفيرب خطوة إضافية عن طريق التطوير الفعلي للنظرايت الدائرة حول كيفية عمل‬
‫املدن‪.‬‬
‫فقد أدركت النظرايت األربع وجود شيء ما مييز بني املدينة وطريقة احلياة اليت خلقتها‪ .‬فقد رأو مجيعا حياة املدينة‬
‫على أهنا خيا ر بشري متزايد يركز على العقالنية‪ ،‬ويتسم ابلتقسيم املعقد للعمل‪ .‬ابإلضافة إىل أتكيد املنظرين األربعة‬
‫على أمهية املدخل املقارن‪ ،‬وأضاف فيرب إىل هذا االهتمام التأكيد على ضرورة مقارنة التحليل احلضري بني املدن‬
‫‪3‬‬
‫اترخييا وعرب الثقافات‪ ،‬إذا ما أردان نظرية حضرية كافية بصورة فعلية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نقد الرتاث األمريكي‪:‬‬

‫‪ 1‬حممد ايسر اخلواجة‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬بني الرؤية النظرية والتحليل الواقعي‪( ،‬مصر العربية للنشر والتوزيع‪ ،)2010 ،‬ص ص‪.64.63.‬‬
‫‪ 2‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬علم االجتماع احلضري والصناعي‪( ،‬مصر‪ :‬دار املصطفى للنشر والتوزيع‪ ،)2005 ،‬ص ص‪.62.63.‬‬
‫‪ 3‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.64.‬‬
‫‪64‬‬
‫وعلى هذا فمن اجيابيات مدرسة شيكاغو أهنا قدمت حتليل لعناصر املدينة وحياهتا االجتماعية اليت ال تتوفر يف‬
‫مواقع أخرى‪.‬‬
‫وعلى الرغم من اإلسهامات اليت قدمتها مدرسة شيكاغو‪ ،‬إال أن التحليل املعمق لألعمال املبكرة هلذه املدرسة‬
‫الفكرية يؤكد على حقيقة هامة مؤداها أن مؤسسي املدرسة شاهنم يف ذلك شأن األوروبيني قد استجابوا لنوع معني من‬
‫املدن وهو املدينة الرأمسالية الغربية واليت قطعت شوطا كبريا يف جمال التقدم الصناعي‪ .‬األمر الذي جيعلها تتميز بصفات‬
‫خاصة سواء على مستوى البحث أو ا لنظرية‪ .‬فضال عن أن تراث مدرسة شيكاغو املبكر خال متاما من أي حتليالت‬
‫‪1‬‬
‫اترخيية مقارنة‪ .‬مما يعين قصورا واضحا على املستوى املنهجي‪.‬‬
‫ف تصميم ابرك الكبري على الدراسات الواقعية مع اهتمامه ابلتفكك واملشكالت احلضرية قاده وزمالءه إىل الرتكيز‬
‫على اجلانب املؤمل من حياة املدينة أكثر من اجلوانب األخرى‪ .‬ومع ذلك جيب أن ال ننسى اإلسهامات العظيمة جلماعة‬
‫شيكاغو فإىل ابرك يرجع الفضل األول بصورة مستمرة يف استنتاجه أمهية دراسة املدينة‪ ،‬حيث ذهب إىل عدم كفاية‬
‫النظرايت املكتبية وانه على علماء االجتماع احلضري اخلروج الفعلي واملالحظة املباشرة حلياة املدينة‪ ،‬وكان اإلسهام‬
‫‪2‬‬
‫الثاين لنظرية ويرث هو الربط بني رؤى الرتاث األورويب والدراسات اليت اعتمدت على املالحظة جلامعة شيكاغو‪.‬‬
‫ومن مث فهمت االيكولوجيا على أهنا عالقة الكائن احلي ببيئته‪ ،‬ويدرك االيكولوجيني املدينة – واجملتمع احلضري‬
‫بصفة عامة‪ -‬على أهنا تنظيمات اجتماعية حتتل مواقع جغرافية‪ ،‬ويفرتضون إىل أن أفضل فهم للحياة احلضرية يكون‬
‫عن طريق كوهنا فسيفساء من املناطق حيث تؤدي العوامل الطبيعية إىل توزيع منتظم‪ ،‬وأيضا متغري ابستمرار للسكان‬
‫‪3‬‬
‫والتسهيالت واألنشطة‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬علم االجتماع احلضري بني التيار احملافظ والتيار الراديكايل‪.‬‬
‫ميكن أن منيز بني اجتاهني نظريني اختلف كل منهما عن األخر يف منطلقاته الفكرية وتوجهاته النظرية واأليديولوجية‪.‬‬
‫هذان االجتاهان مها االجتاه احملافظ واالجتاه الراديكايل‪ .‬أما االجتاه احملافظ فقد انطلق من أن املبدأ األساسي للحياة‬
‫االجتماعية يتمثل يف االستقرار والنظام والثبات‪ .‬ومن مث النظر للواقع ابعتباره واقعا اجيابيا مبا حيتوي عليه من نظم‬
‫‪4‬‬
‫اجتماعية تؤدي أدوارا اجيابية اثبتة لإلنسان واجملتمع (كونت‪ ،‬دور كامي‪ ،‬فيرب ‪ ...‬وغريهم)‪.‬‬
‫أما االجتاه الراديكايل فينظر إىل الواقع االجتماعي ليس بوصفه واقعا اجيابيا دائما‪ ،‬بل انه يف مرحلة ما قد يصل إىل‬
‫السلبية الكاملة‪ ،‬ومن مث حيني موعد تغيريه وخلق واقع أفضل منه‪ ،‬ولذلك فاملستقبل ابلنسبة هلذا االجتاه هو أفضل‬
‫دائما من الواقع الراهن‪ .‬وان احلركة والتغاير أيتيان بفعل التناقض والصراع بني االجيايب والسليب يف احلياة االجتماعية‪.‬‬

‫‪ 1‬سعيد انصف‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬املفاهيم والقضااي واملشكالت‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬دار الكتب والواثئق القومية‪ ،)2006 ،‬ص‪.83.‬‬
‫‪ 2‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.82.81.‬‬
‫‪ 3‬وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.70.‬‬
‫‪ 4‬سعيد انصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.57.‬‬
‫‪65‬‬
‫ومن مث فان هذا االجتاه ال يركز على النظام االجتماعي والتكامل واالستقرار‪ ،‬وإمنا يركز على التناقض االجتماعي‬
‫والصراع والتغري من نظام اجتماعي ومن مرحلة اترخيية إىل نظام اجتماعي ومرحلة اترخيية أخرى‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أوجه التباين والصراع بني هذين االجتاهني اللذين واكبا علم االجتماع منذ نشأته‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫االنتقادات العديدة اليت وجهت لكل منهما‪ ،‬إال أن هذين االجتاهني مازاال يؤثران على التيارات الفكرية واالجتاهات‬
‫النظرية احلديثة‪ ،‬واليت تعد امتدادا وتط ويرا لكل منهما من جانب‪ ،‬واستجابة للتغريات والتحوالت اجملتمعية من جانب‬
‫‪1‬‬
‫أخر‪.‬‬
‫وتشري معظم الكتاابت إىل أن مثة اجتاهني نظريني ينطلق منهما معظم علماء االجتماع الغربيني يف دراسة املدينة مها‪:‬‬
‫االجتاه االيكولوجي‪ :‬والذي يسلم أبن جوهر املدينة يتمثل يف تركز عدد كبري من السكان يف منطقة حمددة‪ .‬ويهتم هذا‬
‫االجتاه بدراسة أتثري حجم املدينة وكثافتها على التنظيم االجتماعي‪ .‬وتتمثل القضية األساسية اليت ينطلق منها هذا‬
‫االجتاه يف أن عدد سكان املنطقة يلعب دورا أساسيا يف حتديد طابع التنظيم االجتماعي السائد فيها‪ .‬ومن بني أساليب‬
‫العناصر األساسية اليت يستند إليها التنظيم االجتماعي هي أساليب توزيع القوة وتنفيذ القرارات وأساليب‬
‫االتصال‪...‬اخل‪.‬‬
‫أما االجتاه الثاين فيتمثل يف االجتاه التنظيمي‪ :‬والذي ينطلق من دراسة األمناط السلوكية الصادرة عن السكان‬
‫احلضريني‪ .‬ويسعى هذا االجتاه إىل حتقيق هدف أساسي هو دراسة العمليات اليت من خالهلا تنمو املدن أو تنكمش‪.‬‬
‫ومثة اجتاه أخر يسعى إىل تفسري التنظيمات االيكولوجية واحلضرية يف ضوء القيم االجتماعية الثقافية وهو االجتاه‬
‫القيمي‪ ،‬حيث يستند إىل التوجهات القيمية كمتغري أساسي‪ .‬وتندرج أعمال ماكس فيرب حتت هذا االجتاه‪ .‬حيث اعترب‬
‫القيم اليت سيطرت على األنساق االجتماعية والثقافية متغريات مستقلة‪ ،‬واختذ من البناء االجتماعي متغريا اتبعا‪ .‬فضال‬
‫‪2‬‬
‫عن اهتمامه بدور القيم الدينية يف تطور املشروعات االقتصادية‪.‬‬
‫خالصة‪:‬‬
‫ومن مث يتضح من حتليل أفكار املدرسة الكالسيكية‪ ،‬أهنا نتاجات للظروف اليت أحاطت ابلزمن واملكان الذي‬
‫عاشوا فيه‪ ،‬لذلك فإنه مع التغريات اإلجتماعية الواسعة النطاق‪ ،‬ومع تزايد منو املدينة وإرتفاع معدالت اهلجرة الريفية‬
‫احلضرية‪ ،‬وما ترتب عنها من التوترات واملشاكل اإلجتماعية العديدة واملتنوعة‪ ،‬جند أن ما ميز أفكارهم هو الطابع‬
‫التشاؤمي الذي سيطر على التفكري هؤالء الرواد‪ ،‬ابلنظر للمدينة على أهنا هتديد للقيم اإلنسانية اليت إمتدت لفرتات‬
‫زمنية طويلة‪.‬‬

‫‪ 1‬سعيد انصف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.58.59.‬‬


‫‪ 2‬سعيد انصف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.67.68.‬‬
‫‪66‬‬
‫اخلامتة‪:‬‬
‫لقد أدى تعدد وتبلور اإلسهامات النظرية للعديد من الباحثني إىل حتقيق فهم أفضل للفروق الريفية احلضرية‪ ،‬يف‬
‫ضوء املقابلة بني منوذج أو تصور معني للمجتمع احلضري‪ ،‬ومنوذج أو تصور مقابل له للمجتمع الريفي‪ .‬ابستخدام عدة‬
‫حمكات يف وقت واحد‪ ،‬يتم يف ضوئها تشخيص مسات كل من اجملتمع الريفي واجملتمع احلضري‪.‬‬
‫وابلنظر إىل التحوالت اليت أصبحت تعيشها املدينة املعاصرة‪ ،‬فإن الكثري من املنظرين والباحثني أصبحوا يركزون‬
‫أكثر على اجملتمع احلضري بشقيه العصري والتقليدي‪ .‬حبيث تنقسم كل مدينة إىل مناطق وأن لكل منطقة منها مميزات‬
‫خاصة‪.‬‬
‫ويف هــذا اإلطــار تقــدم النظريــة اإليكولوجيــة الكالســيكية الــيت جــاءت للتأكيــد علــى دور الثقافــة يف حتديــد الســلوك‬
‫البشري‪ .‬تصورا يف كيفيـة دراسـة وتطـوير اجملتمـع احلضـري الـذي خيضـع لتـأثريات النمـو واهلجـرة الريفيـة وتزايـد احلاجيـات‬
‫االجتماعية بكل مسـتوايهتا‪ .‬مـن خـالل دراسـتهم للمجتمـع احمللـي أوال كوحـدة مكانيـة وكوحـدة للتنظـيم االجتمـاعي (مـن‬
‫خ ــالل معاجل ــة اجلوان ــب غ ــري املكاني ــة حلي ــاة اجملتم ــع كالثقاف ــة والق ــيم واألش ــكال النظامي ــة للس ــلوك والفع ــل والعالق ــات‬
‫االجتماعيــة)‪ .‬واثني ـا مــن خــالل اهتمــامهم ابلظــواهر االجتماعيــة وشــبه االجتماعيــة علــى حــد ســواء‪ .‬واثلث ـا مــن خــالل‬
‫االنتقال إىل فكرة نوعية جديدة‪ ،‬تعتـرب مـن خالهلـا املشـاكل االجتماعيـة انمجـة أيضـا عـن طبيعـة اجلماعـة وبناءهـا وفاعلهـا‬
‫مع الوسط االجتماعي‪.‬‬
‫لتأيت النظرية النفسية االجتماعية‪ ،‬للتأكيد عن التصور النفسي االجتماعي يف حتليل ظروف احلياة يف املدينة احلديثة‪ ،‬وإىل‬
‫اعتبار ثقافة املدينة على أهنا ظاهرة متكاملة وذلك عند مقابلتها بغريها من الوحدات االجتماعية‪ .‬وكذا أتكيدهم على‬
‫الذهنية احلضرية رغم اختالف كل منهما يف تفسري هذه الذهنية‪.‬‬
‫وجاءت النظرية املاركسية احملدثة للتأكيد على ان هنج االقتصاد السياسي أصبح فئة جامعة جملموعة متنوعة من‬
‫األعمال اليت أكدت على أن فكرة االجتماعية استندت أساسا إىل ترتيبات الصراع بني فئات خمتلفة من الفاعلني‬
‫االجتماعيني وعلى مستوايت خمتلفة من أجل الوصول إىل السلطة‪ ،‬من قبل بعض الذين اعتربوا عملهم يدخل ضمن‬
‫افرتاضات االقتصاد السياسي املاركسي‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫قائمة املراجع‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ قائمة املراجع ابللغة العربية‪:‬‬
‫امحد عاطف غيث وآخرون‪ ،‬قاموس علم االجتماع‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪.)1995 ،‬‬ ‫‪)1‬‬
‫أمحد عاطف غيث‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬مدخل نظري‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬‬ ‫‪)2‬‬
‫‪.)1979‬‬
‫إمساعيل قرية‪ ،‬علم االجتماع احلضري ونظرايته‪( ،‬قسنطينة‪ :‬منشورات جامعة منتوري‪.)2004 ،‬‬ ‫‪)3‬‬
‫أنتوين جيدنز‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬مع مدخالت عربية‪ ،‬ترمجة فايز الصباغ‪ ،‬ط‪( ،1‬بريوت‪ :‬املنظمة العربية‬ ‫‪)4‬‬
‫للرتمجة‪.)2005 ،‬‬
‫جان ميشال برتيلو‪ ،‬بناء علم االجتماع‪ ،‬تعريب جورجيت احلداد‪ ،‬ط‪(،1‬بريوت‪ :‬عويدات للنشر‬ ‫‪)5‬‬
‫والطباعة‪.)1999 ،‬‬
‫جريالد بريز‪ ،‬جمتمع املدينة يف البالد النامية‪ ،‬دراسة يف علم االجتماع احلضري‪ ،‬ترمجة حممد اجلوهري‪،‬‬ ‫‪)6‬‬
‫(اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪.)1989 ،‬‬
‫حسن اخلويل‪ ،‬الريف واملدينة يف جمتمعات العامل الثالث‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار املعارف‪.)1982 ،‬‬ ‫‪)7‬‬
‫حسني عبد احلميد امحد رشوان‪ ،‬علم االجتماع الريفي‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬املكتب العريب احلديث‪،‬‬ ‫‪)8‬‬
‫‪.)2003‬‬
‫محيد خروف وآخرون‪ ،‬اإلشكالية النظرية والواقع‪ ،‬جمتمع املدينة منوذجا‪( ،‬قسنطينة‪ :‬منشورات جامعة‬ ‫‪)9‬‬
‫منتوري‪.)1999 ،‬‬
‫سعيد انصف‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬املفاهيم والقضااي واملشكالت‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬دار الكتب‬ ‫‪)10‬‬
‫والواثئق القومية‪.)2006 ،‬‬
‫سناء اخلويل‪ ،‬األسرة واجملتمع‪( ،‬لبنان‪ :‬دار النهضة العربية‪.)1984 ،‬‬ ‫‪)11‬‬
‫السيد حنفي عوض‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪( ،‬شركة األمل للطباعة والنشر‪.)1986 ،‬‬ ‫‪)12‬‬
‫السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬مدخل نظري‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬‬ ‫‪)13‬‬
‫‪.)1996‬‬
‫عامر مصباح‪ ،‬علم االجتماع ‪ ،‬الرواد والنظرايت‪ ،‬ط‪( ،1‬اجلزائر‪ :‬دار األمة‪.)2005 ،‬‬ ‫‪)14‬‬
‫عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.)2014 ،‬‬ ‫‪)15‬‬

‫‪68‬‬
‫عبد هللا إبراهيم‪ ،‬االجتاهات واملدارس يف علم االجتماع‪ ،‬ط‪( ،2‬بريوت‪ :‬املركز الثقايف العريب‪،‬‬ ‫‪)16‬‬
‫‪.)2010‬‬
‫عبد املنعم شوقي‪ ،‬جمتمع املدينة‪ ،‬االجتماع احلضري‪ ،‬ط‪( ،7‬بريوت‪ :‬دار النهضة العربية‪.)1981 ،‬‬ ‫‪)17‬‬
‫عبد اهلادي حممد وايل‪ ،‬املدخل إىل علم االجتماع‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار املصطفى للنشر والتوزيع‪.)2003 ،‬‬ ‫‪)18‬‬
‫علي عبد الرازق جليب‪ ،‬أسس علم االجتماع‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬د‪.‬سنة)‪.‬‬ ‫‪)19‬‬
‫علي غريب‪ ،‬علم االجتماع والثنائيات النظرية‪ ،‬التقليدية واحملدثة‪( ،‬قسنطينة‪ :‬جامعة منتوري‪ ،‬خمرب علم‬ ‫‪)20‬‬
‫اجتماع االتصال للبحث والرتمجة‪.)2007 ،‬‬
‫غريب حممد سيد امحد‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪( ،‬االزاريطة‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪.)2006 ،‬‬ ‫‪)21‬‬
‫فؤاد بن غضبان‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬ط‪( ،1‬عمان‪ :‬دار الرضوان للنشر والتوزيع‪.)2014 ،‬‬ ‫‪)22‬‬
‫فادية عمر اجلوالين‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪( ،‬الرايض‪ :‬دار عامل الكتب للنشر والتوزيع‪.)1984 ،‬‬ ‫‪)23‬‬
‫فراس عباس البيايت‪ ،‬علم االجتماع دراسة حتليلية للنشأة والتطور‪( ،‬عمان‪ :‬دار غيداء للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪)24‬‬
‫‪.)2011‬‬
‫حممد امحد بيومي‪ ،‬اتريخ التفكري االجتماعي‪( ،‬اإلسكندرية‪.)1998 :‬‬ ‫‪)25‬‬
‫حممد اجلوهري وآخرون‪ ،‬اتريخ التفكري االجتماعي‪ ،‬الرواد‪ ،‬ط‪( ،1‬األردن‪ :‬دار املسرية للنشر‬ ‫‪)26‬‬
‫والتوزيع والطباعة‪.)2011 ،‬‬
‫حممد اجلوهري‪ ،‬املدخل إىل علم االجتماع‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب‪.)2007 ،‬‬ ‫‪)27‬‬
‫حممد سعيد عبد اجمليد ووجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬املدخل إىل علم االجتماع‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب‪،‬‬ ‫‪)28‬‬
‫‪.)2005‬‬
‫حممد ايسر اخلواجة‪ ،‬علم االجتماع احلضري‪ ،‬بني الرؤية النظرية والتحليل الواقعي‪( ،‬مصر العربية‬ ‫‪)29‬‬
‫للنشر والتوزيع‪.)2010 ،‬‬
‫مراد زعيمي‪ ،‬علم االجتماع رؤية نقدية‪( ،‬قسنطينة‪ :‬خمرب علم اجتماع االتصال جامعة منتوري‪،‬‬ ‫‪)30‬‬
‫‪.)2004‬‬
‫نبيل السمالوطي‪ ،‬البناء النظري لعلم االجتماع‪ ،‬ج‪ ،1‬مدخل لدراسة املفاهيم والقضااي األساسية‪،‬‬ ‫‪)31‬‬
‫ط‪( ،5‬القاهرة‪ :‬دار الكتب‪.)2007 ،‬‬
‫وجدي شفيق عبد اللطيف‪ ،‬علم االجتماع احلضري والصناعي‪( ،‬مصر‪ :‬دار املصطفى للنشر‬ ‫‪)32‬‬
‫والتوزيع‪.)2005 ،‬‬
‫ايس خضري البيايت‪ ،‬النظرية االجتماعية جذورها التارخيية وروادها‪ ،‬ط‪( ،1‬طرابلس‪ :‬اجلامعة املفتوحة‪،‬‬ ‫‪)33‬‬
‫‪.)2002‬‬

‫‪69‬‬
:‫ ـ املراجع ابللغة األجنبية‬2
1) Alan Harding, talja blokland, Urban Theory, A critical introduction to
power, cities and urbanism in the 21st century, (London: sage, 2014).
2) Bardo, J,W and Hartman, J.J. Urbaban Sociology, )Peacock Publishers,
Tennessee, 1982(.
3) Catherine Colliot, la sociologie de Max Weber, )Paris: La découverte,
2006(.
4) Lojkine, J, Le marxisme, l'état et la question urbaine, PUF, Paris, 1977.
5) Majallat ET-Tarikh du centre national des études historiques, actes du
colloque international sur Ibn Khaldoun, Alger 21-26 juin 1978, SNED, 1982.
6) Manuel Castells, the Urban Question, Translated by Alan Sheridan, first
published, (London: Edward Arnold (Publishers), 1977).
7) Peter Saunders, Social Theory and the Urban Question, 2 Ed, (London:
Taylor & Francis e-Library, 2005).
8) Raulin, A, Anthropologie urbaine, )Paris: Armand colin, 2002(.
9) Simon Parker, Urban theory and the urban experience, encountering the
city, (New York: Routledge, 2004).
10) William G. Flanagan, Urban Sociology, Images and Structure, 5Ed,
(Usa:Rowman & littlefield publishers, Inc, 2010).
11) Yves grafimeyer et isac joseph, l’école de Chicago, 1er édition, (cru : les
éditions du champ urbain, 1990).

70

You might also like