You are on page 1of 4

‫الأدب وعلم الاجتماع‬ ‫نظر ية الأدب‬

‫تتضمن الدراسة السوسيولوجية للأدب فحص العلاقات بين الأدب من جهة والمجتمع‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬وبشكل أكثر دقة يطرح الباحثون سؤالا جوهر يا‪ :‬بأي الطرق تؤثر العلاقات‬
‫والمؤسسات الاجتماعية في ابتكار وتوز يع وتذوق الأعمال الأدبية‪ ،‬وتكمن أصالة علم اجتماع‬
‫الأدب » في إقامة العلاقات بين المجتمع والعمل الأدبي ووصفها‪ .‬فالمجتمع كائن قبل العمل‪،‬‬
‫ذلك لأن الكاتب م حدد به‪ ،‬فهو يعكسه‪ ،‬و يعببر عنه‪ ،‬ويتطلع إلى تغييره‪ ،‬وإنه ليوجد بعد العمل‪،‬‬
‫وذلك لأنه ثمة علم اجتماع للقراءة‪ ،‬وللجمهور الذي يصنع من الأدب وجودا«)‪ .(1‬وعليه‪ ،‬يقصد‬
‫بسوسيولوجيا الأدب التعامل مع الظواهر والوقائع الأدبية تعاملا اجتماعيا فهما وتفسيرا‬
‫وتأو يلا‪ ،‬بربط الأدب بالمؤسسات الاجتماعية‪ ،‬ودراسة الإبداعات الفنية والجمالية في ضوء‬
‫سياقها المجتمعي‪ ،‬ورصد مختلف العلاقات المباشرة وغير المباشرة التي تصل الأدب بالمجتمع‪.‬‬
‫ثمة علاقة وثيقة بين الأدب والمجتمع‪،‬إذن‪ ،‬وهي قديمة ققدم فكرة المحاكاة الأفلاطونية‪ ،‬التي‬
‫نماها أرسطو حين رأى أن »شعر الملاحم وشعر التراجيديا‪ ،‬وكذلك اللكوميديا والشعر‬
‫الديثورامبي‪ ،‬وإلى حبدد كبير أيضا النفخ في البنار واللعب بالقيثار‪..‬كل هذا بوجه عام أنواع من‬
‫محاكاة الواقع«)‪.(2‬‬
‫بعدها بدأت تتنامى محاولات التعرف على طبيعة العلاقة بين الأعمال الأدبية وتأثيرات‬
‫الوسط الاجتماعي عليها‪،‬أظهرها محاولة المفكر الإيطالي "جيامباتيستا فيكو")‪،(Giambattista Vico‬‬
‫الذي انتهى من دراسته للحضارات القديمة إلى قانون يحكم تطور الشعوب‪» ،‬فالأمم في تطورها‬
‫تتقدم وترتقي من الهمجية إلى الأديان‪ ،‬ثم تنتقل إلى الخضوع للقوانين والحكومات‪ ،‬حتى تصل‬
‫إلى مرحلة التعامل الإنساني في حي اة اجتماعي ة منظم ة«)‪ ،(3‬حيث ع رض لأهمية الأدب في‬
‫الحضارات‪ ،‬مركزا على دور الشعر في الحضارة القديمة‪ ،‬والعلاقة بين الملاحم البطولية‬
‫والمجتمعات العشائر ية التي يقوم فيها المحاربون الأبطال بالأدوار القيادية في حياة مجتمعاتهم في‬

‫‪ - 1‬جان إيف تادييه‪ ،‬النقد الأدبي في القرن العشرين‪ ،‬ترجمة‪ :‬منذر عياشي‪ ،‬مركز الإنماء الحضاري‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪ ،1،1994‬ص‬
‫‪.115‬‬
‫‪ - 2‬أرسطو‪ ،‬فن الشعر‪ ،‬ترجمة‪ :‬شكري عياد‪ ،‬دار الكاتب العربي للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1967 ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ - 3‬عطيات أبو السعود‪ ،‬فلسفة التاريخ عند فيكو‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬الإسكندر ية‪ ،1997 ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪11‬‬
‫الأدب وعلم الاجتماع‬ ‫نظر ية الأدب‬

‫هذه الحضارة‪ ،‬مشيرا إلى أن »المجتمع لا يقدم ببساطة مسرحيات وأشعاررا وروايات‪ ،‬للكنه ينمي‬
‫أدب ر ا وأدب اء يستخلص ون أعم الهم ومه اراتهم الفني ة ونظر ي اتهم من ه«)‪ ،(1‬وبع ده‪ ،‬أك دت "م دام‬
‫دوستال")‪ (Madame de Staël‬أن الأدب يجب أن يصور التغيرات المهمة في النظام الاجتماعي‪،‬‬
‫خصوصا تلك التغيرات التي تدل على الحركة نحو أهداف الحر ية والعدالة‪ .‬ورأت في كتابها "في‬
‫الأدب من حيث علاقته بالنظم الاجتماعية" ضرورة فهم الآداب الأجنبية عبر خلفيتها‬
‫الاجتماعية والثقافية والأيكولوجية‪ ،‬لتطبق فكرتها هذه في كتابها التالي "عن ألمانيا"‪.‬‬
‫‪ (Hippolyte Adolphe‬ليطور نظرة علمية كاملة للأدب‪،‬‬ ‫) ‪Taine‬‬ ‫وقد جاهد "هيبوليت تين"‬
‫وليخضع الأدب والفن لطرائق البحث التي وظفت في العلوم الطبيعية‪ ،‬حتى اعتبره اللكثيرون‬
‫المؤسس الأول لعلم اجتماع الأدب)‪ ،(2‬إذ وبسع آفاق الأفكار التي طرحت قبله في هذا الميدان‬
‫مضيفا إلى بعدي العصر والواقع الاجتماعي ببعدا جديدا هو الجنس أو العرق‪ ،‬مكو رنا بذلك‬
‫ثالوثه المعروف بالبيئة والجنس واللحظة التار يخية‪ ،‬وقد انطلق "تين" من أن »العمل الأدبي يتحدد‬
‫بواس طة جمل ة م ن العوام ل تمث ل الحال ة العقلي ة العام ة والظ روف المحيط ة«)‪ ،(3‬وق د ح اول تفس ير‬
‫هذه الحالة العقلية من خلال تطبيق معادلة تحليلية قوامها المؤثرات الثلاثة في الأعمال الأدبية‪.‬‬
‫وبرز في القرن العشرين "جورج لوكاش" منظرا للعلاقة بين المجتمع والأدب باعتباره‬
‫انعكاسا وتمثيلا للحياة‪ ،‬وقبدم دراسات ربط فيها بين نشأة الجنس الأدبي وازدهاره‪ ،‬وبين طبيعة‬
‫الحياة الاجتماعية والثقافية لمجتمع ما‪ .‬وجاء كتابه النقدي الهام نظر ية الرواية‪ ،‬حيث رأى‬
‫لوكاش أن الرواية هي انتقال بأبنية الوعي لدى مجموعة اجتماعية معينة إلى أبنية خيالية‪ .‬و يخالف‬
‫جولدمان لوكاش‪ ،‬إذ يرى جولدمان أن الرواية هي بحث عن قيم تفتقر إلى مجموعة اجتماعية‬
‫تدافع عنها بشكل فعال‪ ،‬قيم تجعلها الحياة الاقتصادية كامنة في وعي كل عضو من أعضاء‬
‫المجتمع‪ .‬ولا يرى لوكاش أن النص الروائي يعيد إنتاج الواقع الاجتماعي بكل بساطة‪ ،‬إن‬
‫جماليات لوكاش بعيدا ر عن فرض تكرار على الواقع تعرف النص الواقعي‪ -‬أي الرواية الواقعية –‬
‫بأنها تلك التي تمثل المجتمع أو وضعا ر اجتماعيا ر ما ككل متسق بدءا ر من شخصيات وأحداث‬
‫‪ -‬محمد حافظ دياب‪ ،‬النقد الأدبي وعلم الاجتماع‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬مج ‪ ،4‬ع ‪ ،1‬الهيئة المصر ية العامة للكتاب‪ ،‬أكتوبر‪-‬نوفمبر‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫ديسمبر ‪ ،1983‬ص ‪.61-60‬‬


‫‪ - 2‬صبري حافظ‪ ،‬الأدب والمجتمع‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬مج ‪ ،1‬ع ‪ ،2‬الهيئة المصر ية العامة للكتاب‪ ،‬يناير ‪ ،1981‬ص ‪.67‬‬
‫‪ - 3‬النقد الأدبي وعلم الاجتماع‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪12‬‬
‫الأدب وعلم الاجتماع‬ ‫نظر ية الأدب‬

‫نمطية‪ .‬وتميل هذه الجماليات – على الرغم من أنها لا تعتبر الرواية كوثيقة تار يخية – إلى تفضيل‬
‫البعد المعرفي الكامن في الرواية وإهمال البنية اللغو ية)‪.(1‬‬
‫ثم جاء بعده "لوسيان جولدمان" )‪(Lucien Goldmann‬الذي انطلق من مبادئ لوكاش‬
‫وطبورها‪ ،‬فمزج التحليل البنيوي بالمادية التار يخية والجدلية في محاولة لتأسيس سوسيولوجيا‬
‫الإبداع الأدبي مستفيدا مما قبدمته النظر يات المختلفة التي حاولت التعرف على طبيعة العلاقة بين‬
‫كن‬
‫الأدب والواقع الاجتماعي الذي يصدر عنه ويتوجه إليه في الوقت نفسه‪ .‬ومن ثم تم ب‬
‫دراسة هذا الواقع من اكتشاف ما يسميه جولدمان بل "الرؤ ية الشاملة للعالم"‪ .‬وثمة مؤثرات‬
‫أثرت على أراء وأفكار جولدمان‪ .‬فقد تأثر بلوكاش وسار على طر يقه وإن اختلف معه أو –‬
‫بمعنى آخر – صوب آرائه وعدل فيها وطورها‪ ،‬حتى تتلاءم مع فكره الفرنسي‪ .‬كما انطلق‬
‫جولدمان من المادية التار يخية ليحلل كتابات عديدة من الكتاب والأدباء ‪ .‬فقد جمع بين البعدين‬
‫السياسي والاجتماعي في قراءته للأدب)‪.(2‬‬
‫ويرى جولدمان أن الأدباء الكبار العظماء يؤثرون على أفراد المجتمع الذين يقرأون هذه‬
‫الأعمال الأدبية‪ ،‬أو الذين يشاهدونها سواء على شاشة السينما أو خشبة المسرح أو المسلسلات‬
‫التلفيز يونية‪ .‬ولا شك في أن هذا الاهتمام يضعنا في قلب علم اجتماع الأدب باعتباره المجال‬
‫الذي اقترب من النصوص الأدبية والأدب من منطلق أوسع وأهم هو علاقة الأدب والنص‬
‫بالمجتمع‪ .‬والعمل الأدبي تعبير عن رؤ ية للعالم تتواءم مع الطبقة الاجتماعية‪ ،‬أي طر يقة لرؤ ية‬
‫اللكون الواقعي الحقيقي الذي يتكون من المخلوقات والأشياء والإحساس بها‪ ،‬وللكن يتعين ألا‬
‫تنتصر المقاصد الواعية للأديب على الطر يقة التي يدرك بها هذا اللكون ويراه فهذا الانتصار له‬
‫آثاره السيئة على العمل‪.‬‬
‫ويرى جولدمان أهمية وضع العمل الأدبي ذاته في إطار الكل الاجتماعي والتار يخي‪،‬‬
‫فالعمل الأدبي جزء من هذا الكل‪ ،‬ولا يمكن فهم ووصف دلالة العمل الأدبي أو جزء منه‬
‫بعيدا ر من سياق الكل المرتبط بإنتاج الموقف‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬بيير زيما‪ ،‬النقد الاجتماعي‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬مج ‪ ،1‬ع ‪ ،2‬الهيئة المصر ية العامة للكتاب‪ ،‬يناير ‪ ،1981‬ص ‪.67‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬علا مصطفى‪ ،‬رؤى العالم في الأعمال الأدبية‪ ،‬دراسة لمنهج جولدمان‪ ،‬المجلة الاجتماعية القومية‪ ،‬مجلد ‪ ،27‬عدد ‪،1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1990‬ص ‪.136-99‬‬
‫‪13‬‬
‫الأدب وعلم الاجتماع‬ ‫نظر ية الأدب‬

‫‪ ،(Jacques‬إلى‬ ‫) ‪Leenhardt‬‬ ‫ومن رواد سوسيولوجيا الأدب نجد أيضا "جاك لينهارت"‬
‫جانب "روبير اسكاربيت" الذي ن ببه إلى أهمية المقاربة السوسيولوجية للإنتاجات الأدبية‪ ،‬من‬
‫خلال التركيز على الكاتب وعمليات النشر والتداول الأدبي‪ ،‬ودراسة السياق الاجتماعي‬
‫للإبداع الأدبي‪ ،‬وهو ما أدى إلى تنمية ثلاث مباحث سوسيولوجية لعلم اجتماع الأدب هي‪:‬‬
‫سوسيولوجيا الكاتب‪ :‬حيث يخضع الأديب المنتج لتحليل اجتماعي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫سوسيولوجيا الكتاب‪ :‬تهتم بالتسو يق والنشر والتوز يع‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫سوسيولوجيا الجمهور‪ :‬تدرس الجمهور القارئ وانتماءاته الاجتماعية وحجمه‪ ،‬ونوعية‬ ‫‪‬‬

‫قراءاته وظروفها‪.‬‬
‫و يصر ب "بيير زيما" )‪ (Pierre Zima‬على الانطلاق من الانجاز الذي تحقق وهو أهمية النص‪،‬‬
‫غير أنه يقبدم مفهوما مختلفا للنص‪ ،‬لا باعتباره بنية مغلقة‪ ،‬وإنما بوصفه كيانا ملموسا وح يبيا يعيش‬
‫حياته عبر قوانينه الخاصة‪ ،‬للكن يحمل في هذه القوانين خصائص الحياة الاجتماعية التي يعيش‬
‫في إطارها ويبدع ويتلقى‪ ،‬ومن هنا سمي منهجه هذا بل "سوسيولوجيا النص الأدبي"‪.‬‬
‫الأدب مؤسسة اجتماعية‪:‬‬
‫أدت دراسات علماء الاجتماع للأدب والفن باعتبارهما مؤسسات اجتماعية فاعلة في أي‬
‫مجتمع إنساني إلى إضاءة اللكثير من الجوانب المهمة في العمليتين الإبداعية والنقدية على السواء‪.‬‬
‫فالأدب بالنسبة لعلماء الاجتماع جزء مهم من المؤسسة الاجتماعية‪ ،‬وقد ظل كذلك منذ فجر‬
‫التاريخ عندما اكتشف الإنسان نفسه وأصبحت له لغة‪ ،‬وتعد الكتابة عندهم إحدى وسائل‬
‫البحث عن المكانة الاجتماعية‪ ،‬فأن تكتب يعني أن تعلن حبقك في اهتمام القراء‪.‬‬

‫‪14‬‬

You might also like