You are on page 1of 8

‫جامعة غرداية‬

‫كلية العلوم االجتماعية و االنسانية‬

‫قسم العلوم االنسانية‬

‫المستوى أولى علوم انسانية‬

‫مقياس مدخل الى علم االثار‬

‫الفوج ‪01‬‬

‫بحث بعنوان‪:‬‬

‫تعريف علم االثار‬

‫االستاذ ‪:‬‬ ‫إعداد‪:‬‬

‫حني محفوظ‬ ‫برني حنان‬

‫جعفر صفاء‬

‫الموسم الجامعي‪:‬‬

‫‪2021 - 2020‬‬
‫‪ 6‬صفحات‬
‫‪ .1‬أهداف علم اآلثار‬

‫يتفق اآلثاريون باختالف تخصصاتهم بان هناك أربعة أهداف رئيسيه لعلم اآلثار‪:‬‬

‫أ‪ .‬دراس‪II‬ة المواق‪II‬ع ومحتوياته‪II‬ا في ص‪II‬ياغها الزم‪II‬ني والمك‪II‬اني‪ ،‬ثم اش‪II‬تقاق تسلس‪II‬ل الثقاف‪II‬ة‬
‫اإلنسانية‪ :‬ونعني بهذا إعادة بناء التاريخ الثقافي‪ ،‬وبفحص مجموعه من واقع م‪II‬ا قب‪II‬ل الت‪II‬اريخ‬
‫واألدوات الموجودة فيه‪II‬ا‪ ،‬يص‪II‬بح باإلمك‪II‬ان وض‪II‬ع تسلس‪II‬ل محلي وإقليمي للثقاف‪I‬ات اإلنس‪II‬انية‬
‫آلالف السنين‪ ،‬ويرى بعض اآلث‪II‬اريين أن هنال‪II‬ك ج‪II‬وانب غ‪II‬ير ملموس‪II‬ة مث‪II‬ل ال‪II‬دين والتنظيم‬
‫االجتماعي‪ ،‬باإلضافة إلى مشكلة الحف‪II‬ظ الض‪II‬عيف في الترب‪II‬ة لبعض األدوات‪ ،‬مم‪II‬ا يقل‪II‬ل من‬
‫إمكانية هذه العملية بصورة مكتملة‪.‬‬

‫ب‪ .‬إعادة بناء طرز حياة الماضي‪ :‬وفي هذا المجال‪ ،‬فقد تطورت دراسة الط‪II‬رق ال‪II‬تي ص‪II‬نع‬
‫بها اإلنسان معيشته في الماضي‪ ،‬وأصبحت هدفا رئيسيا منذ ثالثينات الق‪II‬رن العش‪II‬رين‪ ،‬حيث‬
‫أدرك العلماء في هذه الفترة أن اإلنسان قد عاشه في خلفية معقدة من المناخات المتعددة‪ ،‬فك‪II‬ل‬
‫ثقافة إنسانية هي تكيف معقد ومتغير بظروف مناخيه معينة‪.‬‬

‫ج‪ .‬دراسة عمليه الثقافة وشرح أسباب التغيير‪ :‬وهنا اله‪II‬دف أن نش‪II‬رح لم‪II‬اذا وص‪II‬لت ثقاف‪II‬ات‬
‫اإلنسانية في كل أنحاء العالم لهذه المراحل المتنوعة‪.‬‬

‫د‪ .‬فهم الس‪II‬جل األث‪II‬ري بم‪II‬ا في‪II‬ه من مواق‪II‬ع وأدوات وال‪II‬تي هي ج‪II‬زء من عاملن‪II‬ا المعاص‪II‬ر‬
‫وندرسها كج‪I‬زء من‪I‬ه‪ :‬إن مالحظاتن‪I‬ا عن الماض‪I‬ي نفعله‪I‬ا الي‪I‬وم ألنن‪I‬ا نص‪I‬ف مواق‪I‬ع وأدوات‬
‫نقبناها اليوم بعد أن هج‪II‬رت لق‪II‬رون أو آلالف الس‪II‬نين‪ ،‬وهن‪II‬ا ي‪II‬أتي االختالف بين الم‪II‬ؤرخين‬
‫الذين يقرأون مثال وثيقة تفصل معلوم‪I‬ات كتبت بواس‪II‬طة ك‪I‬اتب معاص‪I‬ر ولم تتغ‪II‬ير من‪II‬ذ تل‪I‬ك‬
‫السنة‪ ،‬أما السجل األثري فيتكون من أشياء مادية وتوزيعها في التربة والطريقة الوحي‪II‬دة لفهم‬
‫ه‪II‬ذا الس‪II‬جل ه‪II‬و أن نأخ‪II‬ذ مالحظاتن‪II‬ا المعاص‪II‬رة عن ه‪II‬ذا الس‪II‬جل الس‪II‬اكن‪ ،‬وأن نترجم‪II‬ه إلى‬
‫إفادات عن الماضي المتحرك‪ ،‬وطرق كسب العيش والظروف التي أوجدت هذه األشياء التي‬
‫عاشت حتى اليوم‪ ،‬وبالتالي علينا مالحظة الحاضر وعمل تجارب ومالحظة المعاص‪II‬رين‪ I‬من‬
‫الصيادين وجامعي الطعام وغيرها من الوسائل‪.‬‬
‫أما عن تفسير اآلثار فيتم من خالل جانبين‪:‬‬

‫أ‪ .‬التفسير الوظيفي (‪ )The Interpretation of Function‬حيث يعتمد اآلثاري في تحديد وظيفة اآلثار‬
‫على القواعد والمناهج بدرجة أق‪II‬ل من اعتمـاده عـلى التجربـة‪ ،‬وله‪II‬ذا الس‪II‬بب ف‪II‬إن محاول‪II‬ة‬
‫اكتشاف الغرض األساسي من اللقية أو المبنى ما تكون غير مرغوبـة‪ ،‬والواضح‪ I‬أن اآلث‪II‬اري‬
‫يكون مقيدا بمناهج دراسته للدليل ككل‪ ،‬فليس كافيا أن تحدد متـى صـنعت أداة أو ب‪II‬نى مب‪II‬نى‬
‫معينا‪ ،‬وتم استخدامهما‪ ،‬ولكن يجب عليه أيضا أن يقرر فيم استخدم‪ ،‬وقد يفس‪II‬ر ذل‪II‬ك بص‪II‬ورة‬
‫حضارية أي تبعا للتقسيم العام للعصور‪ I‬الثالثة‪ ،‬أما الطريقة الوظيفية والمعروفة باسم التفسير‬
‫الوظيفي (‪ )Functional Interpretation‬للموجودات تتم مـن خالل معرفة الوسائل واألدوات ال‪II‬تي‬
‫توجد عند الحرفيين الحاليين‪.‬‬

‫ب‪ .‬التفسير بالرسم والمخطط‪II‬ات‪ :‬التص‪II‬ور وإع‪II‬ادة ال‪II‬تركيب (‪ )Reconstruction‬ويتطلب معظم‬


‫العمل التفسيري إع‪II‬ادة ال‪II‬تركيب ‪ -‬على ال‪II‬ورق على األق‪II‬ل ‪ -‬للقى والمب‪II‬اني ال‪II‬تي ت‪II‬دمرت أو‬
‫تعرض‪II‬ت للتل‪II‬ف‪ ،‬وه‪II‬ذا ص‪II‬حيح بش‪II‬كل خ‪II‬اص للمب‪II‬اني وال‪II‬تي يتم‪II‬نى العدي‪II‬د مـن اآلث‪II‬اريين‬
‫اكتشافها‪ ،‬وال‪I‬تي ق‪I‬د ت‪I‬ترك وراءه‪I‬ا مخطط‪I‬ا على األرض لألساس‪I‬ات أو ح‪I‬تى حف‪I‬ر األعم‪I‬دة‬
‫والقوائم (‪ ،)Post-holes‬ومن األهم إيجاد مقابالت بين مجتمع‪II‬ات م‪II‬ا قب‪II‬ل الت‪II‬اريخ والمجتمع‪II‬ات‬
‫البس‪III‬يطة الموج‪III‬ودة الي‪III‬وم وهـو الش‪III‬يء ال‪III‬ذي يض‪III‬طلع ب‪III‬ه علم اآلث‪III‬ار الحي الي‪III‬وم (‬
‫‪.)Ethnoarchaeology‬‬

‫‪ .2‬بداية ظهور علم اآلثار وتطوره‬

‫بدأ علم اآلثار وصفا ً مجرداً يذكر الماضي‪ ،‬وكان الدافع وراءه سبر أغوار الماض‪II‬ي ومعرف‪II‬ة‬
‫الحضارات السابقة‪ ،‬فك‪II‬ان يحرك‪II‬ه الفض‪II‬ول بال منهج أو إط‪II‬ار يحكم‪II‬ه‪ ،‬كم‪II‬ا ترك‪II‬ز االهتم‪II‬ام‬
‫بأعمال فنية قديمة بمجرد ذكرها ووصفها‪ ،‬ويعت‪II‬بر الش‪II‬اعر الملحمي اليون‪II‬اني هوم‪II‬يروس (‬
‫‪)Homeros‬ه‪II‬و المؤس‪II‬س الحقيقي لعلم اآلث‪II‬ار‪ ،‬فق‪II‬د ق‪II‬دم في ملحم‪II‬تي اإللي‪II‬اذة واألوديس‪II‬ا وص‪II‬فا‬
‫لبعض األماكن واألحداث ال‪I‬تي س‪II‬بقت عص‪I‬ره‪ ،‬تنق‪II‬ل الق‪I‬ارئ أو المس‪I‬تمع إلى خ‪I‬ارج ال‪I‬زمن‬
‫حيث الماضي السحيق بعبقه وشذاه وسحره الذي يأخذ األلباب[‪.]1‬‬

‫يأتي بعد هوم‪I‬يروس الم‪II‬ؤرخ اإلغ‪II‬ريقي ثيكودي‪I‬دس [‪()Thukydides(]2‬نح‪I‬و ‪460‬ـ‪395‬ق‪.‬م)‬


‫الذي قدم وصفا لتاريخ اإلغري‪II‬ق من‪II‬ذ الب‪II‬دء في كتاب‪II‬ه عن الح‪II‬روب البلوبونيزي‪II‬ة‪ ،‬وق‪II‬د أش‪II‬ار‬
‫بإيجاز إلى البحرية اليونانية وهندسة البناء وطرز المالبس وأنواعها واألثاث الجنائزي‪ ،‬وفي‬
‫واقع األمر هناك بعض الكتابات الكالسيكية تعتبر مصدراً هاما ً في دراس‪II‬ة اآلث‪II‬ار‪ ،‬وفي نفس‬
‫الوقت رغم كونها ال تتحدث عن الحضارة القديمة فقط‪ ،‬إال أنها تق‪II‬دم وص‪II‬فا دقيق‪II‬ا ومعاص‪II‬راً‬
‫لبعض المدن وبعض آثار بعينه‪II‬ا‪ ،‬مث‪II‬ل م‪II‬ا قدم‪II‬ه الم‪II‬ؤرخ اليون‪II‬اني بلوت‪II‬ارك (‪ )Plutarch‬ال‪II‬ذي‬
‫عاش نحو (‪120-46‬م) الذي كتب عديد من المؤلفات مثل الحياة المقارنة (‪)The Parallel Lives‬‬
‫واألخالق (‪ )Moralia‬وهذا الكتاب متعدد الموضوعات االجتماعية والطبيعية والفنية واألثرية[‬
‫‪.]3‬‬

‫وتأتي كتابات سترابون[‪ )Strabon( I]4‬والذي يسبق بلوت‪II‬ارك حيث ع‪II‬اش في (‪64‬ق‪.‬م‪19-‬م)‪،‬‬
‫أحد الخطوات الهام‪I‬ة لوج‪I‬ود علم اآلث‪I‬ار الوص‪II‬في‪ ،‬إذ ق‪II‬دم في كتاب‪I‬ه الجغرافي‪II‬ا(‪)Geographica‬‬
‫الذي يقع في سبعة عشر كتابا‪ ،‬وصفا كامال لتاريخ واقتص‪II‬اد وجغرافي‪II‬ة البل‪II‬دان ال‪II‬تي تق‪II‬ع في‬
‫نطاق اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬معددا التطور التاريخي واالقتصادي‪ ،‬وكل م‪II‬ا ه‪II‬و مم‪II‬يز في‬
‫عادات الشعوب وتقاليدها وطبيعتها وحيواناتها‪ ،‬وكان كتاب‪II‬ه ه‪II‬ذا ي‪II‬درس في م‪II‬دارس أوروب‪II‬ا‬
‫في العصور الوسطى‪ ،‬وال يزال هذا الكتاب يمثل حجر الزاوية لألثريين المحدثين في دراس‪II‬ة‬
‫آثار بلد بعينها لما به من وصف دقيق‪.‬‬

‫وتأتي كتابات الرحالة اإلغريق في المرحل‪II‬ة الثالث‪II‬ة للنش‪II‬أة األولى لعلم اآلث‪II‬ار‪ ،‬ومن بين ه‪II‬ذه‬
‫الكتاب‪II‬ات ت‪II‬أتي كتاب‪II‬ات الرحال‪II‬ة بوزاني‪II‬اس[‪ )Pausanias( I]5‬ال‪II‬ذي ع‪II‬اش في الق‪II‬رن الث‪II‬اني‬
‫الميالدي‪ ،‬حينما اهتم اإلغريق بتراثهم باحثين عن إنجازاتهم وإس‪II‬هاماتهم في الحض‪II‬ارة‪ ،‬بع‪II‬د‬
‫أن فقدوا مركز الصدارة الذي تبوأته روما‪ ،‬ويعتبر كتاب وصف اليونان( ‪)Hellados Periegesis‬‬
‫بمثابة دليل للسياح األجانب الذين يفدون لبالد اليونان‪ ،‬وقد قدم فيه بوزانياس وصفا لكثير من‬
‫بالد اليونان‪ ،‬وحدد فيه األماكن ال‪I‬تي تس‪I‬تحق الزي‪I‬ارة‪ ،‬خاص‪I‬ة التماثي‪I‬ل والص‪I‬ور المرس‪I‬ومة‬
‫والمقابر وأماكن العبادة واألساطير التي حيكت من حولها‪ ،‬كما ي‪II‬ذكر أيض ‪I‬ا ً األنه‪II‬ار والق‪II‬رى‬
‫والطرق‪ ،‬بل ويتطرق لوصف المنتجات المحلية دونما التعرض للجوانب االقتصادية‪.‬‬

‫ولعل أهم ما يميز كتابات بوزانياس أنه يصف ما يراه بعينه خالل رحالته‪ ،‬وقدم فيه‪II‬ا وص‪II‬فا‬
‫لآلث‪II‬ار الباقي‪II‬ة من حض‪II‬ارة اليون‪II‬ان‪ ،‬وج‪II‬اء محاي‪II‬دا في وص‪II‬فه وواقعي‪II‬ا‪ ،‬خاص‪II‬ة في وص‪II‬فه‬
‫لرسومات الفن‪II‬ان بوليجنوت‪II‬وس (‪ )Polygnotus‬وتماثي‪II‬ل م‪II‬ايرون وفي‪II‬دياس‪ ،‬وإن م‪II‬ا ذك‪II‬ره عن‬
‫الفنان براكستليس ال يتفق مع ما قدمه ومكانته بين فناني اليون‪II‬ان‪ ،‬كم‪II‬ا أن‪II‬ه لم يهتم أيض‪II‬ا بمن‬
‫جاءوا بعده من الفنانين‪.‬‬

‫كما قدم وصفا لمسرح إبيداوروس (‪ )Epidaurus‬ومعبد باساي(‪ ، )Bassae‬وخصص ك‪II‬ل كت‪II‬اب‬
‫من كتبه العش‪II‬ر إلح‪II‬دى الم‪II‬دن أو المقاطع‪II‬ات‪ ،‬الكت‪II‬اب األول خصص‪II‬ه إلقليم أتيك‪II‬ا (‪،)Attica‬‬
‫والث‪II‬اني لميج‪II‬ارا (‪ )Megara‬والث‪II‬الث لك‪II‬ونث(‪ ، )Corint‬والراب‪II‬ع لميس‪II‬ينا (‪ )Messinia‬والخ‪II‬امس‬
‫والسادس ألليس (‪ )Elis‬والسابع آلخايا (‪ ،)Achaia‬والثامن ألركاديا (‪ )Arcadia‬والتاسع لبوشيا (‬
‫‪ ،)Boetia‬والعاشر لفوكيس(‪ ، )Phocis‬ومما ال شك فيه أن ما كتب‪II‬ة بوزاني‪II‬اس ه‪II‬و بمثاب‪II‬ة اللبن‪II‬ة‬
‫األولى الحقيقية في ص‪II‬رح علم اآلث‪I‬ار‪ ،‬فض‪II‬ال عن كونه‪I‬ا أحس‪II‬ن م‪I‬ا وص‪II‬ل إلين‪II‬ا من كتاب‪I‬ات‬
‫األقدمين عن شبه الجزيرة اليونانية‪.‬‬

‫بنفس المنـظور والمنهج الوص‪II‬في ال‪II‬ذي بـدأ ب‪II‬ه علم اآلثـار ج‪II‬اءت الكتاب‪II‬ات الروماني‪II‬ة‬
‫الكالسيكية‪ ،‬ويأتي على رأس الكتابات ما كتبه الكاتب الروماني فيتروفيوس[‪)Vitrovius( I]6‬‬
‫حيث كتب كتاب‪II‬ا عن العم‪II‬ارة (‪ )De Architectura‬يق‪II‬ع في عش‪II‬رة كتب‪ ،‬اس‪II‬تعرض في‪II‬ه تط‪II‬ور‬
‫هندسة البن‪II‬اء من م‪II‬واد وط‪II‬رق بن‪II‬اء وتقني‪II‬ات‪ ،‬كم‪II‬ا تن‪II‬اول أيض‪I‬ا ً نظم تغذي‪II‬ة وص‪II‬رف المي‪II‬اه‬
‫والميكانيكا والساعات المائية والمزاول‪ ،‬كما تعرض أيض‪I‬ا ً للمب‪II‬اني المختلف‪II‬ة وعمارته‪II‬ا مث‪I‬ل‬
‫المسارح والمنازل والمعابد والمواقع وغيرها من المعلومات التي تتعلق بالبناء والعمارة‪.‬‬

‫وم‪II‬ا قدم‪II‬ه الم‪II‬ؤرخ الروم‪II‬اني بلي‪II‬ني األك‪II‬بر[‪ )Gaius Plinius Secundus( I]7‬في كتاب‪II‬ه الت‪II‬اريخ‬
‫الطبيعي (‪ )Naturalis Historia‬يأتي في نفس اإلطار‪ ،‬إذ قدم فيه موض‪II‬وعات متع‪II‬ددة من بينه‪II‬ا‬
‫الفنانين وأعمالهم الفنية في مجاالت النحت والفنون الصغرى والرسم‪.‬‬

‫وإذا كان هوميروس (‪ )Homeros‬هو أبو علم اآلثار‪ ،‬فإن اإلم‪II‬براطور الروم‪II‬اني هادري‪II‬ان ه‪II‬و‬
‫أول من أسس متحف‪II‬ا في الع‪II‬الم‪ ،‬حيث ب‪II‬نى قص‪II‬ره على الط‪II‬راز اليون‪II‬اني‪ ،‬كم‪II‬ا ب‪II‬نى مدرس‪II‬ة‬
‫وأكاديمية ورواقا لحفظ الرسومات‪ ،‬ومسرحا إغريقي‪II‬ا وملعب‪II‬ا محاكي‪I‬ا س‪I‬ائر مظ‪I‬اهر العم‪II‬ارة‬
‫اإلغريقية التي كان شغوفا بها وزارها فعشقها‪ ،‬كما بنى متحفا حيث جمع العدي‪II‬د من األعم‪II‬ال‬
‫اليوناني‪II‬ة الفني‪II‬ة األص‪II‬لية‪ ،‬وال‪II‬تي اس‪II‬تطاعت البعث‪II‬ات األثري‪II‬ة في العص‪II‬ور الوس‪II‬طى العث‪II‬ور‬
‫عليها‪ ،‬عندما اهتم تجار العاديات باقتناء األعمال الفنية واالتجار فيه‪II‬ا لمن ي‪II‬رغب في أرج‪II‬اء‬
‫األرض‪ ،‬فكان أن تفرقت هذه اآلثار في متاحف العالم خاصة في أوروبا[‪.]8‬‬

‫بدأ االهتمام بعلم اآلثار يزداد خالل القرن الرابع عشر‪ ،‬وأن كانت بدايت‪II‬ه من أف‪II‬راد‪ ،‬وترك‪II‬ز‬
‫االهتمام باآلثار الكالسيكية‪ ،‬ويمكننا القول إن هذه الفترة كانت فترة اهتم فيها أفراد بعلم اآلثار‬
‫دونم‪II‬ا منهج علمي ينظم عملهم‪ ،‬أي أن‪II‬ه ك‪II‬ان هن‪II‬اك أثري‪II‬ون ولم يكن هن‪II‬اك علم لآلث‪II‬ار‪ ،‬وفي‬
‫مقدمة هؤالء يأتي الخطيب اإليطالي كوال دي ريانزو[‪1310( I)Cola di Rienzo( I]9‬ـ‪،)1354‬‬
‫الذي كان يبتغي توحيد إيطاليا اعتمادا على الثقافة الالتينية القديمة ومخلفات الحضارة القديمة‬
‫من عمارة وفنون ووثائق‪ .‬جاء بعده سيرياك دانكون (‪ )1451-1397‬وك‪II‬ان يج‪II‬وب المراك‪II‬ز‬
‫الحضارية القديمة في اليونان وإيطاليا وكان شغوفا ً بالكتابات والنص‪II‬وص القديم‪II‬ة وق‪II‬د س‪II‬جل‬
‫ما وجده في ست مجلدات جميع مالحظاته وترجمة وش‪I‬رح ك‪II‬ل م‪I‬ا رآه لكن ولألس‪II‬ف الش‪II‬ديد‬
‫احترق مع مكتبته[‪.]10‬‬
‫بينما في القرن السادس عشر ساد اهتمام في األوس‪II‬اط الراقي‪II‬ة في المجتم‪II‬ع االيط‪II‬الي باقتن‪II‬اء‬
‫مجموعات من العاديات والتحف الفنية التي صارت فيما بعد نواة للمتاحف المختلفة‪ ،‬كما شهد‬
‫هذا القرن اهتماما بالغا بطبوغرافية روما القديمة‪ .‬تبقى الريادة الفعلية في ه‪II‬ذا الق‪II‬رن للعلم‪II‬اء‬
‫الفرنسيين‪ ،‬وكانت أولى االسهامات الفعلية على يد نيكوال كلود فابرن يرسيك[‪1580( I]11‬ـ‬
‫‪ )1637‬والذي كان مهتما بشتى فروع العلم والمعرفة‪ ،‬فهو قانوني ب‪II‬ارع عض‪II‬و برلم‪II‬ان يهتم‬
‫ب‪II‬العلوم الطبيعي‪II‬ة وعلم اآلث‪II‬ار‪ ،‬وك‪II‬ان من أرقى أف‪II‬راد المجتم‪II‬ع الفرنس‪II‬ي‪ ،‬أنف‪II‬ق الكث‪II‬ير على‬
‫البعثات العلمية التي س‪II‬افرت إلى اليون‪II‬ان وق‪II‬برص وآس‪II‬يا الص‪II‬غرى وإفريقي‪II‬ا خاص‪II‬ة مص‪II‬ر‬
‫وبالد الحبشة‪.‬‬

‫تأتي بعد ذلك البعثة الفرنسية التي أرس‪II‬لها ل‪II‬ويس الث‪II‬الث عش‪II‬ر مل‪II‬ك فرنس‪II‬ا إلى بالد اليون‪II‬ان‬
‫برئاسة العالم الفرنسي لويس ديشاي‪ ،‬والتي ظلت تعمل حتى عصر لويس الرابع عشر‪ ،‬ولعل‬
‫أبرز االسهامات الفرنسية في مج‪I‬ال اآلث‪II‬ار تل‪II‬ك الرس‪II‬ومات التس‪II‬جيلية النحت الج‪II‬داري على‬
‫معبد البارثنون‪ ،‬وإن كان لم يبق منها غير بعض الكروكي‪II‬ات‪ ،‬كم‪II‬ا رس‪II‬مت خرائ‪II‬ط تس‪II‬جيلية‬
‫لمدينة أثينا ‪.‬‬

‫وتبدأ تلك المسألة عندما ك‪II‬ان الع‪II‬الم الفرنس‪II‬ي ج‪II‬اك س‪II‬بون (‪ ،)Jacob Spon‬في الق‪II‬رن الس‪II‬ابع‬
‫عشر (‪1685-1647‬م)‪ ،‬والذي كان مولعا باقتناء العاديات والمتاجرة فيه‪II‬ا‪ ،‬وق‪II‬ام برحل‪II‬ة إلى‬
‫الشرق بمرافقة عالم إنجليزي يدعى جورج ويلر ‪ Wheler) (George‬س‪II‬جال خالله‪II‬ا م‪II‬ا ش‪II‬اهداه‬
‫وجمعاه في رحلتهما‪ ،‬وكان عنوان كتاب‪II‬ه "رحل‪II‬ة إلى إيطالي‪II‬ا ودلماس‪II‬يا واليون‪II‬ان والش‪II‬رق"[‬
‫‪ ،]12‬كان جاك سبون حائراً أم‪II‬ام لف‪II‬ظ أركيول‪II‬وجي (‪ )L'Archaeologie‬للتعب‪II‬ير عن علم اآلث‪II‬ار‬
‫قاصدا ذلك العلم الذي يهتم بدراس‪II‬ة جمي‪II‬ع األش‪II‬كال المادي‪II‬ة والملموس‪II‬ة ال‪II‬تي تحف‪II‬ظ لن‪II‬ا آث‪II‬ار‬
‫النشاط البشري‪ ،‬سواء أك‪II‬انت ه‪II‬ذه اآلث‪II‬ار جميل‪II‬ة أم لم يهتم اإلنس‪II‬ان بتجميله‪II‬ا‪ ،‬فك‪II‬ان من‪II‬ه أن‬
‫رجح استخدام كلمة (‪ ،)Archaeology‬والتي اصطُلح عليها ـ فيما بعد ـ في سائر اللغات الحديث‪II‬ة‬
‫لتنسحب على ذلك العلم الذي يهتم بدراسة الحضارات القديم‪II‬ة ال‪II‬تي تعكس م‪II‬دى التق‪II‬دم ال‪II‬ذي‬
‫حققه هذا اإلنسان‪ ،‬واقترح في‪II‬ه تقس‪II‬يم الدراس‪II‬ات القديم‪II‬ة إلى ثماني‪II‬ة أن‪II‬واع وهي أول دراس‪II‬ة‬
‫تصنيفية نوعية معروفة في التاريخ ‪.‬‬

‫وجاء بعده الراهب مونتوكون[‪ ]13‬صاحب كتاب العصور القديمة ق‪II‬دم في‪II‬ه ش‪II‬رحا وص‪II‬ورا‬
‫وهو أول مؤلف يجمع الحضارتين اليونانية والرومانية مع‪II‬ا‪ ،‬ويعت‪II‬بر اللبن‪II‬ة األولى في مج‪II‬ال‬
‫علم اآلثار الكالسيكية ‪.‬‬

‫كما صار علم اآلثار يستخدم للتعبير عن دراسة القديم‪ ،‬وصار موصوال بأصله ويتعدى نطاق‬
‫دراسة تاريخ الفنون ليشمل سائر نشاطات اإلنسان وكافة مظ‪II‬اهر حض‪II‬ارته المختلف‪II‬ة‪ ،‬ولع‪II‬ل‬
‫تطور الحضارات واندحارها واختفاء األعمال الفني‪II‬ة الجميل‪II‬ة‪ ،‬فض‪II‬ال عن العوام‪II‬ل الطبيعي‪II‬ة‬
‫وفعل الزمن وعواديه‪ ،‬ذات التأثير السيئ والمدمر أحيانا على اآلثار‪ ،‬فال تترك مجاال لدراسة‬
‫تاريخ الفن‪ ،‬بل تبقى األطالل والخرائب مادة درسها علماء اآلثار في مختلف المجاالت‪.‬‬

‫إن علم اآلث‪II‬ار ال يقتص‪II‬ر على عملي‪II‬ات البحث والتنقيب‪ ،‬ب‪II‬ل يمت‪II‬د إلى مج‪II‬ال النش‪II‬ر العلمي‬
‫للمكتشفات األثرية والدراس‪II‬ات المتخصص‪II‬ة‪ ،‬ال‪II‬تي تمي‪II‬ط اللث‪II‬ام عن ماض‪II‬ي مجه‪II‬ول‪ ،‬وتق‪II‬دم‬
‫معلومات جديدة من المادة القديم‪II‬ة‪ ،‬وتعت‪II‬بر عملي‪II‬ة التس‪II‬جيل العلمي ال‪II‬دقيق لمراح‪II‬ل الكش‪II‬ف‬
‫األث‪II‬ري أهم مراح‪II‬ل التنقيب وهي ال‪II‬ذاكرة الحقيقي‪II‬ة له‪II‬ذا العم‪II‬ل‪ ،‬ف‪II‬إن علمي‪II‬ة التنقيب هي في‬
‫الواقع تدمير للطبقات ال يمكن إعادتها لشأنها األول وال تحتمل الخطأ‪ ،‬ذل‪II‬ك ألن الخط‪II‬أ ي‪II‬دمر‬
‫حقبة من تاريخ أمة وحض‪II‬ارتها‪ ،‬ل‪II‬ذا فإن‪II‬ه على األث‪II‬ري أن يك‪II‬ون على دراي‪II‬ة وعلم يؤهالن‪II‬ه‬
‫للحف‪II‬اظ على ه‪II‬ذه األمان‪I‬ة ال‪II‬تي أودعته‪I‬ا األم‪II‬ة إي‪II‬اه‪ ،‬وتعت‪I‬بر مهم‪II‬ة المنقب من أس‪I‬مى وأج‪I‬ل‬
‫الوظائف البشرية التي تستوجب النزاهة والخبرة‪.‬‬

‫مجمل القول‪ :‬إن كل ما خلفه نش‪I‬اط إنس‪I‬اني في مك‪I‬ان م‪I‬ا خالل حقب‪I‬ة م‪I‬ا من ال‪I‬زمن ه‪I‬و أث‪I‬ر‬
‫يخضع لدراسة علم اآلثار‪ ،‬أي أن علم اآلثار هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة كل م‪II‬ا خلف‪II‬ه لن‪II‬ا‬
‫اإلنسان من قبيح وجميل في مكان ما خالل حقبة ما‪.‬‬

‫وواقع األمر إن قوام ما خلفه اإلنسان بصفة عامة ينقسم إلى قسمين رئيس‪II‬يين‪ :‬األول ه‪II‬و تل‪II‬ك‬
‫المخلفات المادية الملموسة‪ ،‬والثاني هو تلك الكتابات والنص‪II‬وص ال‪II‬تي تركه‪II‬ا‪ ،‬ل‪II‬ذا ج‪II‬اء علم‬
‫دراس‪II‬ة األش‪II‬ياء المادي‪II‬ة وه‪II‬و علم اآلث‪II‬ار توأم‪II‬ا لدراس‪II‬ة اللغ‪II‬ة والنص‪II‬وص والكالم‪ ،‬وال‪II‬ذي‬
‫يص‪II‬طلح علي‪II‬ه باس‪II‬م فيلول‪II‬وجي (‪ ،)Philology‬وي‪II‬أتي تالزم ه‪II‬ذين العلمين لدراس‪II‬ة ن‪II‬واحي‬
‫الحضارة المختلفة أمرا ض‪II‬روريا‪ ،‬فمن المس‪II‬تحيل دراس‪II‬ة العم‪II‬ارة الروماني‪II‬ة القديم‪II‬ة دونم‪II‬ا‬
‫الرجوع للكتاب الذي تركه لنا المهندس الروماني في‪II‬تروفيوس[‪ )Vitrovius( I]14‬بعن‪II‬وان‪ :‬عن‬
‫العمارة(‪ ، )De Architectura‬كما أنه يتحتم لدراسة النحت اليون‪II‬اني الرج‪II‬وع لم‪II‬ا كتب‪II‬ه الم‪II‬ؤرخ‬
‫الروماني بليني األك‪II‬بر[‪ )Gaius Plinius Secundus( I]15‬في كتاب‪II‬ه الت‪II‬اريخ الط‪II‬بيعي (‪Naturalis‬‬
‫‪ )Historia‬والذي خصصت فيه أجزاء للمعادن والفنون كما أدرج به جدوال بالفن‪II‬انين اإلغري‪II‬ق‬
‫القدامى وأعمالهم التي ذاع صيتها في العالم القديم‪.‬‬

‫[‪ ]1‬علي‪ ،‬عب‪II‬د اللطي‪II‬ف أحم‪II‬د (‪ .)١٩٧6-١٩٧4‬الـتـاريـخ الـيـونـانـي‪ .‬العص‪II‬ر الميالدي‪،‬‬


‫بيروت‪ .‬يحيى‪ ،‬لطفي عبد الوه‪II‬اب (‪ .)١٩٨١‬ع‪II‬الم هوم‪II‬يروس‪ ،‬الك‪II‬ويت‪ I:‬مجل‪II‬ة ع‪II‬الم الفك‪II‬ر‬
‫‪ ،12/3‬ص ص‪ .47-42‬عتم‪II‬ان‪ ،‬أحم‪II‬د (‪ .)1984‬الش‪II‬عر اإلغ‪II‬ريقين تراث‪II‬ا إنس‪II‬انيا عالمي‪II‬ا‪،‬‬
‫الكويت‪ I:‬عالم المعرفة‪ ،77 ،‬ص ص‪.346-120-15‬‬

You might also like