You are on page 1of 71

‫محاضرات في الحضارة اإلسالمية‬

‫إعداد‬
‫د‪ .‬عتيق راشد الفالسي‬
‫أ‪ .‬محمد مأمون المراد‬
‫د‪ .‬منار رياض المصري‬
‫تحرير‬
‫د‪ .‬منار رياض المصري‬
‫المقدمة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫لكل أمة حضارة تعتـزبها ‪ ،‬وتعبر عن هويتها وتراثها ومنجزاتها ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وإذا كانت األمم تباهي بحضاراتها ‪ ،‬فإننا كأمة عربية مسلمة ‪ ،‬قد شرفنا وأكرمنا هللا تعالى باالنتماء‬
‫إلى هذا الدين العظيم ‪ ،‬دين اإلسالم الحنيف ‪ ،‬والذي صنع أعظم حضارة في التاريخ ‪ ،‬مازالت‬
‫تستمد اإلنسانية منها ‪ ،‬علومها ونظمها وقيمها ‪.‬‬

‫ومازالت هذه الحضارة قادرة على النهوض من جديد لتؤدي دورها في البشرية إلى قيام الساعة بما‬
‫وهبها هللا من مقومات أساسية ربانية المصدر والسمات ‪.‬‬

‫وإذا أردنا أن نزود طالبنا بشيء من العلم والمعرفة عن هذه الحضارة ‪ ،‬فإننا نقف حائرين أمام‬
‫بناء عظيم شامخ شامل متكامل لجميع جوانب الحياة اإلنسانية ‪.‬‬

‫لذلك رأينا أن نطرق بعض األبواب التي تفتح الذهن وتنير العقل بالمعرفة ‪ ،‬فقسمنا هذا المساق‬
‫لألبواب التالية ‪:‬‬

‫ـ مدخل إلى الحضارة اإلسالميّة ‪.‬‬


‫(تعريف المفاهيم التالية ‪ :‬الحضارة ـ المدنية ـ الثقافة ـ التراث )‬

‫ـ حقوق اإلنسان وصلتها بالحضارة ‪.‬‬

‫ـ مصادر الحضارة اإلسالميّة ومايجب معرفته على كل مسلم ‪.‬‬

‫ـ مراحل الحضارة اإلسالميّة وخصائصها ‪.‬‬

‫ـ نظم الحضارة اإلسالميّة ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫المبحث األول‬

‫مدخل إلى الحضارة‬


‫اإلسالمية‬
‫(تعريف بالمفاهيم اآلتية ‪ :‬الحضارة ‪ ،‬المدنية ‪،‬‬
‫الثقافة‪ ،‬التراث)‬

‫مدخل إلى الحضارة اإلسالميّة‬

‫(التعريف بالمفاهيم التالية ‪ :‬الحضارة ـ المدنية ـ الثقافة ـ التراث )‬

‫ننوه ّ‬
‫بأن‬ ‫إذا أردنا أن نعرف كل واحد من المفاهيم السابقة فإننا سنجد تشابها وتشابكا بينها ‪ .‬والب ّد أن ّ‬
‫اليفرق بينها ‪ ،‬وبعضهم يجعل أحدها جزءا َ من اآلخر ‪ .‬ولكنّنا حاولنا أن نجمع الشتات‬
‫ّ‬ ‫بعض العلماء‬
‫وأن نعرف حسبما نراه األرجح ‪ .‬ولكل منّا نظرته ‪ ،‬مادامت المفاهيم متقاربة متشابهة ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وأول هذه المفاهيم هو مايحمله عنوان كتابنا ‪ ،‬وهو الحضارة ‪.‬‬

‫فما هي الحضارة ؟‬
‫الحضارة لغة ‪ :‬من الفعل حضر ‪ ،‬وهوضد غاب ‪ ،‬والحضارة مشتقة من الحضر وهم سكان‬
‫المراكز العمرانية كالقرى والمدن ‪ ،‬فالحضارة تعني اإلقامة بالحاضرة " أي القرية أو المدينة " ‪،‬‬
‫والحضارة ضد البداوة‪.‬‬
‫وإذا كانت الحضارة تدل على حياة االستقرار فإن حياة البداوة تعتمد على التنقل واالرتحال في‬
‫البادية ‪.‬‬

‫وعلى هذا فالحضارة اصطالحا ً ‪ :‬كل مايتعلق بحياة الحضر ( الذين يستقرون بالمدن أو القرى )‬
‫من نظم اجتماعية وسياسية واقتصادية وفكرية وفنية وصناعية ‪ ،‬باإلضافة للعادات والتقاليد والقيم ‪.‬‬

‫ونجد ابن خلدون يعرف الحضارة تعريفا يقارب هذا التعريف فيقول ‪ :‬إن الحضارة هي نمط من‬
‫الحياة المستقرة ينشئ القرى واألمصار ‪ ،‬ويضفي على حياة أصحابه فنونا ً منتظمة من العيش‬
‫والعمل واالجتماع والعلم والصناعة ‪ ،‬وإدارة شئون الحياة والحكم ‪ ،‬وترتيب وسائل الراحة وأسباب‬
‫الرفاهية ‪.‬‬

‫ونستنتج مما أسلفنا أن الحضارة التتعلق بمجتمع محدّد من المجتمعات البشريّة ‪ ،‬إذ لكل مجتمع‬
‫ّ‬
‫ولكن هذه الحضارات تختلف في مستواها فهناك حضارات راقية وحضارات بدائيّة ‪.‬‬ ‫حضارة ‪،‬‬

‫وقد جعل بعض العلماء المدنية مصطلحا ً مرادفا ً للحضارة ‪ ،‬ولكل رأيه وحججه وأدلته التي استند‬
‫عليها ‪ .‬لكننا نقول أن المدنية ‪ :‬في أصلها اللغوي تنسب للمدينة ‪ ،‬ومشتقة من الجذر اللغوي مدن ‪،‬‬
‫ومدن بالمكان أي أقام به كما في لسان العرب ‪ ،‬والمدنية تدل على اإلقامة في المدينة والعيش فيها ‪،‬‬
‫ويقال مدّن المدائن أي بناها ‪ ،‬ويؤخذ منها تمدّن أي تخلّق بأخالق أهل المدن ‪ ،‬حيث تقدمت حياة‬
‫اإلنسان وتطورت أساليبها ووسائلها ‪.‬‬
‫وأ ّما في االصطالح ‪ :‬فقد تعددت اتجاهات تعريف المدنية ولكنّنا نأخذ بأقربها للمعنى اللغو ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫فالمدنية اصطالحا ً ‪ :‬تدل على الجانب المادي من الحياة ‪ ،‬ويشمل مظاهر الرقي العمراني‬
‫والتكنولوجيا والوسائل واألدوات ‪.‬‬
‫إذا ً هي تعبير عن اإلنجازات الماديّة أل ّمة من األمم أو مجتمع من المجتمعات ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ونرى ابن خلدون يقارب بين معنى الحضارة والمدنية فيقول في مقدمته نشأ عن االجتماع اإلنساني‬
‫نوعان من العمران ‪ :‬العمران البدوي والعمران الحضري ‪ ،‬ويقول في مكان آخر من مقدمته ولهذا‬
‫نجد التمدّن غاية البدوي يجري إليها ‪.‬‬

‫وبما أنناتحدثنا عن الحضارة والمدنية فالبد أن نتعرض لمصطلح الثقافة لما ذكرناه في بداية حديثنا‬
‫من تباين وتشابه بين هذه المصطلحات الثالث ‪.‬‬
‫الثقافة ‪:‬‬
‫ّ‬
‫ي أي تهذّب وتعلم ‪ ،‬وقد‬ ‫لغة ‪ :‬تعني الفطنة والمهارة ‪ ،‬وهي مشتقة من الفعل ثقف ‪ ،‬فيقال ثقف الصب ّ‬
‫ورد في القرآن الكريم الفعل ثقف بمعنى وجد أو أدرك ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ ( :‬فإ ّما تثقفنّهم في‬
‫فشرد بهم من خلفهم لعلّهم يذّ ّكرون) األنفال ‪ 1/‬وبمعنى ظفر كما في قوله تعالى ‪( :‬‬ ‫ّ‬ ‫الحرب‬
‫واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) البقرة‪191/‬‬
‫أ ّما اصطالحا ً فقد تعددت تعريفات الثقافة فإذا كانت لفظا ً مفردا ً فالمراد بها ‪ :‬األخذ من كل علم‬
‫بطرف ‪ .‬واليراد بها التع ّمق في دراسة علم من العلوم ‪ ،‬ولذلك يقولون ‪" :‬تعلّم شيئا ًعن ك ّل شيء‬
‫لتكون مثقفا ً ‪ ،‬وتعلّم ك ّل شيء عن شيء لتكون عالما ً " ‪.‬‬
‫وإذا أضيفت الثقافة ألمة من األمم فالمراد بها مجموعة من المعارف ‪ ،‬وأنماط من القيم والتقاليد‬
‫التي تشترك فيها أمة من األمم أو شعب من الشعوب ‪.‬‬
‫ي للثقافة أن الحضارة أشمل من الثقافة ‪ ،‬ألنّها تجمع بين الثقافة‬ ‫ونستنبط من التعريف االصطالح ّ‬
‫"اإلنجازات المعنويّة " والمدنيّة " اإلنجازات الماديّة " ‪.‬‬

‫إذا ‪ :‬ماالعالقة بين الحضارة والمدنية والثقافة ؟‬


‫يرى بعض العلماء أن الثقافة تختص بالعنصر القيمي والسلوك االجتماعي في حياة المجتمع ‪،‬‬
‫والمدنية تختص بالعنصر المادّي الصناعي بما فيه من أدوات وعلوم نافعة ‪ ،‬والحضارة هي‬
‫الجامعة بين العنصرين ‪ ،‬كالجمع بين الروح والجسد ‪ .‬ويترتب على هذا أن لك ّل أ ّمة حضارتها التي‬
‫تميّزها عن غيرها ‪ ،‬كالحضارة الرومانيّة واإلسالميّة ‪.......‬إلخ ‪.‬‬
‫ويكون لكل حضارة أ ّمة من األمم عينان ‪ :‬عين على ثقافتها للمحافظة عليها ‪ ،‬وعين على مدنتيها‬
‫الواعية المتفتّحة التي تأخذ كل نافع بال تردد ‪.‬‬
‫ومن المصطلحات المهمة عند حديثنا عن الحضارة ‪:‬التراث ‪ ،‬ألنّه يمثل مصدرا ً من مصادرها‬
‫وجزء من هويتها وثقافتها ‪.‬‬
‫فما هو التراث ؟‬
‫التراث ‪ :‬كل ماوصل إلينا من الماضي من إنتاج فكري أو مادّي أو فنّي أو تقني ويشترط فيه أن‬
‫يكون من نتاج البشر ‪ ،‬حيث تركه السلف ( األجيال السابقة ) إلى الخلف ( األجيال الالحقة أو‬
‫المعاصرة ) ‪.‬‬
‫أن التراث يشمل منجزات ماديّة وغير ماديّة ‪.‬‬ ‫ومن خالل التعريف نالحظ ّ‬
‫فمن المنجزات الماديّة ‪ :‬أدوات الصناعة والزراعة والتجارة وأدوات الحرب والفنون المعماريّة من‬
‫حصون وقصور وقالع وجسور وطرق ومستشفيات ‪ .‬أما المنجزات غير الماديّة ‪ :‬فتشمل العلوم‬
‫‪5‬‬
‫واآلداب والنظم االقتصاديّة واالجتماعيّة والقضائيّة والسياسيّة والتربويّة ‪ ،‬كما تشمل القيم األخالقيّة‬
‫والجماليّة والفكريّة واالجتماعيّة ‪.‬‬

‫ولكن ‪ :‬هل مايتصل بالوحي ( القرآن والسنة ) يدخل ضمن إطار التراث ؟‬
‫من خالل تعريفنا للتراث نستنبط أن التراث يشترط فيه أن يكون من إنتاج البشر والقرآن والسنّة‬
‫دين إلهي وليس إنجازا ً بشريا ً ‪ ،‬لذا اليدخالن ضمن إطار التراث ‪.‬‬

‫صة في تثبيت هويّة األ ّمة ‪ ،‬وتنمية ذاتها ‪ ،‬ويمثل مصدر وحدة ألبنائها ‪.‬‬
‫وللتراث أهميّة خا ّ‬

‫وهناك تساؤل قد يخطر على األذهان ‪:‬‬


‫هل نحكم على التراث ؟ أم نح ّكمه فينا ؟‬
‫بما أن التراث إنجاز بشري فهو عرضة للصواب والخطأ ‪ ،‬لذا نحكم عليه ونخضعه للتقييم ‪،‬‬
‫ونستفيد من كل ماهو نافع ومفيد منه ‪ ،‬والنح ّكمه فينا ‪.‬‬

‫ي تدلل على ذلك ‪.‬‬


‫هات أمثلة من التراث العمان ّ‬

‫المصادر والمراجع‬

‫‪ ‬دراسات في الثقافة اإلسالميّة ‪.‬أحمد محمد الجلي ‪ .‬دار الكتاب الجامعي ‪ .‬العين‬
‫اإلمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط‪2010 . 2‬م‪.‬‬
‫‪ ‬لمحات في الثقافة اإلسالميّة ‪ .‬عمر عودة الخطيب ‪ .‬مؤسسة الرسالة ‪ .‬بيروت‬
‫‪.‬ط‪1979 . 3‬م‪.‬‬
‫‪ ‬لسان العرب ‪ .‬ابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور ‪ .‬دار صادر ‪.‬‬
‫بيروت ‪ .‬لبنان ‪ .‬ط‪ 1997 . 1‬م‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫القاموس المحيط ‪ .‬مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ‪ .‬مؤسسة الرسالة ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫بيروت ‪.‬ط‪1407 . 2‬هـ ‪1987‬م ‪.‬‬
‫المعجم الوسيط ‪ .‬إبراهيم مصطفى وآخرون ‪ .‬دار الدعوة ‪ .‬استانبول ‪ .‬تركيا‬ ‫‪‬‬
‫‪ 1980‬م ‪.‬‬
‫تاريخ عمان ودراسات في الحضارة اإلسالميّة ‪ .‬أسمهان سعيد الجرو وآخرون‬ ‫‪‬‬
‫‪.‬جامعة السلطان قابوس ‪ .‬عمان ‪ .‬ط‪2009 . 2‬م ‪.‬‬
‫مقدمة ابن خلدون ‪ .‬عبد الرحمن بن خلدون ‪ .‬دار مكتبة الهالل للطباعة والنشر‬ ‫‪‬‬
‫‪ .‬بيروت ‪ 1983 .‬م ‪.‬‬
‫المرتكزات األساسيّة في الثقافة اإلسالميّة ‪ .‬أحمد صبحي العيادي ‪ .‬دار الكتاب‬ ‫‪‬‬
‫الجامعي ‪ .‬العين ‪ .‬اإلمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط ‪ 2007 .‬م ‪.‬‬
‫الثقافة والثقافة اإلسالميّة ‪ .‬سميح عاطف الزين ‪ .‬دار الكتاب اللبناني ‪ .‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1403‬هـ ‪ 1983‬م ‪.‬‬
‫اإلسالم وثقافة اإلنسان ‪ .‬سميح عاطف الزين ‪ .‬الشركة العالمية للكتاب‪ .‬بيروت‬ ‫‪‬‬
‫لبنان ‪ .‬ط‪ 2002 . 9‬م ‪.‬‬
‫عمان والحضارة اإلسالميّة ‪ .‬سعيد عبد الفتاح عاشور وعوض محمد خليفات ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫جامعة السلطان قابوس ‪.‬مسقط ‪ .‬عمان ‪1425 .‬هـ ‪2004‬م ‪.‬‬
‫مدخل إلى الثقافة اإلسالمية ‪ .‬حمدي عبدهللا نافع ‪ .‬جامعة العين للعلوم‬ ‫‪‬‬
‫والتكنولوجيا ‪ .‬األمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط‪ 2006/2005 . 2‬م ‪.‬‬
‫إسهامات المسلمين في العلوم والفنون ‪ .‬حمدي عبدهللا نافع ‪ .‬جامعة العين للعلوم‬ ‫‪‬‬
‫والتكنولوجيا ‪ .‬اإلمارات العربية المتحدة ‪2007/2006 .‬م‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫‪7‬‬
‫حقوق اإلنسان وصلتها‬
‫بالحضارة‬

‫مقدمــة‪:‬‬
‫أن اإلنسان هو باني الحضارات وصانعها ‪ ،‬وقد كلفه هللا تعالى وشرفه بمهمة‬ ‫بما ّ‬
‫عظيمة وهي االستخالف على هذه األرض ‪ ،‬فالبد لكي يبني وينتج ويطور ‪ ،‬أن ينال‬
‫حقوقه كاملة فيؤدي المهمة على خير وجه ‪.‬‬
‫فماالمقصود بالحقوق ؟ وما مظاهر التكريم اإللهي لإلنسان ؟ وما أهم الحقوق التي‬
‫كفلها اإلسالم لإلنسان ؟‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬تعريف الحقوق‪:‬‬
‫تعريف الحقوق لغة‪:‬‬
‫الحق لغة‪ :‬الثابت الذي ال يسوغ إنكاره‪.‬‬
‫تعريف الحقوق اصطالحا‪:‬‬
‫وفي االصطالح‪ :‬مجموعة القواعد والنصوص التشريعية التي تنظم على‬
‫سبيل اإللزام عالئق الناس من حيث األشخاص واألموال‪.‬‬
‫وهي بهذا المفهوم قريبة من مفهوم خطاب الشارع المرادف لمعنى (الحكم) في اصطالح علماء‬
‫األصول‪ ،‬أو لمعنى (القانون) في اصطالح علماء القانون‪.‬‬
‫وهذا المعنى هو المراد عندما نقول مثال‪ :‬الحقوق المدنية‪ ،‬أو القانون المدني‪.‬‬
‫‪ -‬هل هذه الحقوق مستحقة لإلنسان أم هي من تفضل هللا تعالى؟‬
‫علَ ْينَا نَص ُْر ٱ ْل ُم ْؤ ِمنينَ } [الروم‪.]47:‬‬
‫{وكَانَ َحقّا َ‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أي" حق أوجبه على نفسه الكريمة تكرما وتفضال"‪.‬‬
‫‪ -‬مظاهر التكريم اإللهي لإلنسان‪:‬‬
‫‪ -1‬خلقه في أحسن تقويم‪:‬‬
‫يم} [التين‪.]4:‬‬ ‫س ٰـنَ فِى أَحْ َ‬
‫س ِن ت َ ْق ِو ٍ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬لَقَ ْد َخلَ ْقنَا ِ‬
‫ٱإلن َ‬
‫قال ابن عباس‪( :‬في أعدل خلق)‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬إنه تعالى خلق اإلنسان في أحسن صورة وشكل‪ ،‬منتصب القامة سوي األعضاء‬
‫حسنها"‪.‬‬
‫‪ -2‬نفخ فيه من روحه‪:‬‬
‫وح ِه} [السجدة‪.]9:‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬ث ُ َّم َ‬
‫س َّواهُ َونَفَ َخ فِي ِه ِمن ُّر ِ‬
‫وحى فَقَعُواْ لَهُ َ‬
‫سـ ِٰج ِدينَ } [ص‪.]72:‬‬ ‫س َّو ْيتُهُ َونَفَ ْختُ فِي ِه ِمن ُّر ِ‬‫وقال تعالى‪{ :‬فَ ِإذَا َ‬
‫قال الواحدي‪" :‬وأضاف روح آدم إليه إكراما وتشريفا"‪.‬‬

‫‪ -3‬أمر المالئكة بالسجود آلدم‪:‬‬


‫يس أَبَ ٰى َوٱ ْ‬
‫ست َ ْكبَ َر َوكَانَ ِمنَ ٱ ْل َك ٰـ ِف ِرينَ }‬ ‫س َجدُواْ ِإالَّ ِإ ْب ِل َ‬ ‫{و ِإ ْذ قُ ْلنَا ِل ْل َملَ ٰـ ِئ َك ِةٱ ْ‬
‫س ُجدُواْ آل َد َم فَ َ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫[البقرة‪.]34:‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وهذه كرامة عظيمة من هللا تعالى آلدم‪ ،‬امتن بها على ذريته‪ ،‬حيث أخبر أنه‬
‫تعالى أمر المالئكة بالسجود آلدم"‪.‬‬

‫‪ -4‬تعليم آدم األسماء كلها‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫س َماء َهـؤُالء إِن‬ ‫علَى ٱ ْل َملَ ٰـئِ َك ِة فَقَا َل أَنبِئ ُونِى بِأ َ ْ‬ ‫ض ُه ْم َ‬ ‫س َماء ُكلَّ َها ث ُ َّم ع ََر َ‬ ‫علَّ َم ءا َد َم ٱأل ْ‬ ‫{و َ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫علَّ ْمتَنَا ِإنَّكَ أَنتَ ٱ ْلعَ ِلي ُم ٱ ْل َح ِكي ُم}‪[ .‬البقرة‪.]32 ،31:‬‬ ‫ص ٰـ ِد ِقينَ ‪ .‬قَالُو ُ‬
‫س ْب َح ٰـنَكَ الَ ِع ْل َم لَنَا ِإالَّ َما َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫كُنت ُ ْم َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا مقام ذكر هللا تعالى فيه شرف آدم على المالئكة بما اختصه من علم أسماء‬
‫كل شيء دونهم"‪.‬‬
‫‪ -5‬جعل اإلنسان خليفة في األرض‪:‬‬
‫ض َخ ِليفَة} [البقرة‪.]30:‬‬ ‫{و ِإ ْذ قَا َل َربُّكَ ِل ْل َملَ ٰـ ِئ َك ِة ِإنّي َجا ِع ٌل ِف ْ‬
‫ىٱألر ِ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫قال البغوي‪" :‬والصحيح أنه خليفة هللا في أرضه؛ إلقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه"‪.‬‬
‫‪ -6‬تفضيل اإلنسان على كثير من المخلوقات‪:‬‬
‫ض ْلنَ ٰـ ُه ْم‬‫ت َوفَ َّ‬‫{ولَقَ ْد ك ََّر ْمنَا بَنِى ءا َد َم َو َح َم ْلنَ ٰـ ُه ْم ِفي ٱ ْلبَ ّر َوٱ ْلبَحْ ر ِِ َو َر َز ْقنَ ٰـ ُه ْم ّمنَ ٱل َّطيّبَ ٰـ ِ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫ير ّم َّم ْن َخلَ ْقنَا ت َ ْف ِضيال} [اإلسراء‪.]70:‬‬ ‫علَ ٰى َكثِ ٍ‬
‫َ‬
‫قال الشوكاني‪" :‬أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه‪ ،‬فأفاد ذلك أن بني آدم فضلهم سبحانه‬
‫على كثير من مخلوقاته‪ ...‬والتأكيد بقوله {ت َ ْف ِضيال} يدل على عظم هذا التفضيل وأنه بمكان مكين‪،‬‬
‫فعلى بني آدم أن يتلقوه بالشكر ويحذروا من كفرانه"‪.‬‬
‫‪ -7‬تسخير المخلوقات لإلنسان‪:‬‬
‫ت لّقَ ْو ٍم‬ ‫ض َج ِميعا ّم ْنهُ ِإنَّ فِى ذَ ِلكَ آليَ ٰـ ٍ‬ ‫ت َو َما فِي ٱأل َ ْر ِ‬ ‫س َمـ ٰٰو ِ‬ ‫س َّخ َر لَ ُك ْم َّما فِي ٱل َّ‬ ‫{و َ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫يَتَفَك َُّرونَ } [الجاثية‪.]13:‬‬
‫قال ابن سعدي‪" :‬وهذا شامل ألجرام السماوات واألرض ولما أودع هللا فيهما من الشمس والقمر‬
‫والكواكب والثوابت والسيارات وأنواع الحيوانات وأصناف األشجار والثمرات وأجناس المعادن‪،‬‬
‫وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم ومصالح ما هو من ضروراته"‪.‬‬

‫أهم الحقوق التي كفلها اإلسالم لإلنسان‪:‬‬


‫أولا‪ :‬حق الحياة‪:‬‬
‫وهو الحق األول لإلنسان‪ ،‬وبه تبدأ سائر الحقوق‪ ،‬وعند وجوده تطبق بقية الحقوق وعند‬
‫انتهائه تنعدم الحقوق‪.‬‬
‫ويعتبر حق الحياة مكفولا بالشريعة لكل إنسان‪ ،‬ويجب على سائر األفراد أولا والمجتمع ثانيا ا‬
‫والدولة ثالثا ا حماية هذا الحق من كل اعتداء‪ ،‬مع وجوب تأمين الوسائل الالزمة لتأمينه من‬
‫الغذاء والدواء واألمن من النحراف‪.‬‬
‫والحياة ضدها الموت وهو على قسمين‪ ،‬موت الكائن الحي دونما سبب يظهر‪ ،‬وموت مرتبط‬
‫بسبب ظاهر‪ ،‬أما األول فال يقوى عليه إل هللا سبحانه كما في قصة سيدنا إبراهيم عليه السالم‬
‫مع النمرود حينما ادعى هذا النوع من الموت‪.‬‬
‫والقسم الثاني هو موت بسبب هدم بنية الكائن الحي‪ ،‬ومثاله القتل وهو على أنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬القتل حسب تعدد أساليبه‪ :‬كالقتل المادي‪ ،‬والقتل المعنوي‪.‬‬
‫‪ -2‬القتل حسب العقوبة المترتبة عليه‪(.‬العمد‪ ،‬شبه العمد‪ ،‬الخطأ)‪.‬‬
‫وينبني على حق الحياة أحكام‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -1‬تحريم قتل اإلنسان‪:‬‬
‫ق} [األنعام‪.]151:‬‬ ‫ٱَّللُ إِلَّ بِٱ ْل َح ّ‬
‫س ٱلَّتِى َح َّر َم َّ‬ ‫{ولَ ت َ ْقتُلُواْ ٱلنَّ ْف َ‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫‪ -2‬سد الذرائع المؤدية للقتل‪:‬الذريعة هي السبب المؤدي إلى الشيء‪ ،‬وقد اعتمد اإلسالم هذا‬
‫المبدأ كوقاية من الوقوع في كثير من المخالفات كتحريم منافذ الزنا‪ ،‬والخمر وغيرهما‪..‬‬
‫و له صور كثيرة منها‪:‬‬
‫* تحريم حمل السالح على اآلخرين‪:‬‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬من حمل علينا السالح فليس منا))‪.‬‬
‫قال ابن دقيق العيد‪" :‬فيه دللة على تحريم قتال المسلمين والتشديد فيه"‪.‬‬
‫* تحريم مقاتلة اآلخرين بغير حق‪:‬‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))‪.‬‬
‫‪ -3‬القصاص في القتل‪:‬‬
‫والقصاص جاء من قص الشيء بمعنى تتبعه‪ ،‬ومنها قص األثر‪ ،‬وقص الثوب بمعنى‬
‫قطعه متتبعا فيه مسارا معينا‪.‬‬
‫وفي الشرع هو حد يقضي بقتل القاتل بعد تتبع األدلة الموصلة للجريمة وفق ضوابط‬
‫شرعية‪.‬‬
‫اص فِي ٱ ْلقَتْلَى} [البقرة‪.]178:‬‬ ‫ص ُ‬ ‫علَ ْي ُك ُم ٱ ْل ِق َ‬
‫ب َ‬‫قال تعالى‪{ :‬أَيُّ َها ٱلَّ ِذينَ ءا َمنُواْ ُكتِ َ‬
‫اص َحيَ ٰوة يأُو ِلي ٱأل ْلبَ ٰـ ِ‬
‫ب لَعَلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ } [البقرة‪.]179:‬‬ ‫ص ِ‬ ‫{ولَ ُك ْم فِي ٱ ْل ِق َ‬‫وقال عز وجل‪َ :‬‬
‫ما الفوائد المجتمعية المترتبة على القصاص؟‬
‫‪ -‬حفظ دماء الناس بسد باب الثأر‪ ،‬وهي الحكمة البالغية هنا من جعل القصاص حياةا‪.‬‬
‫‪ -‬سقوط عقوبة اآلخرة عن القاتل‪.‬‬
‫‪ -4‬تحريم النتحار‪:‬عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬من‬
‫تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا ا مخلدا ا فيها أبداا‪ ،‬ومن تحسى سما ا‬
‫فقتل نفسه فس ّمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا ا مخلدا ا فيها أبداا‪ ،‬ومن قتل نفسه بحديدة‬
‫فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا ا فيها أبداا))‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬في هذه األحاديث بيان غلظ تحريم قتله نفسه"‪.‬‬
‫وهناك بواعث نفسية على النتحار أشهرها الحبس في سجن الحياة حسب نظرة البعض‪ ،‬ول‬
‫مخلص من ظاهرة النتحار إل باإليمان باليوم اآلخر لعتقاد اإلنسان أن ثمة بديال عن حياته‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫‪ -5‬إباحة المحظورات للضرورة‪:‬‬


‫ط َّر َ‬
‫غ ْي َر‬ ‫ض ُ‬ ‫ير َو َما أ ُ ِه َّل ِب ِه ِلغَ ْي ِر َّ ِ‬
‫ٱَّلل فَ َم ِن ٱ ْ‬ ‫علَ ْي ُك ُم ٱ ْل َم ْيتَةَ َوٱل َّد َم َولَحْ َم ٱ ْل ِخ ِ‬
‫نز ِ‬ ‫قال تعالى‪ِ { :‬إنَّ َما َح َّر َم َ‬
‫غفُور َّر ِحيم} [البقرة‪.]174:‬‬ ‫ٱَّللَ َ‬
‫علَ ْي ِه ِإنَّ َّ‬ ‫اغ َولَ عَا ٍد فَال ِإثْ َم َ‬
‫بَ ٍ‬
‫قال ابن جرير‪" :‬فمن حلت به ضرورة مجاعة إلى ما حرمتُ عليكم من الميتة والدم ولحم‬
‫الخنزير وما أهل به لغير هللا فال إثم عليه في أكله إن أكله"‪.‬‬
‫المحظور هو الممنوع‪ ،‬واإلباحة هي استواء الطرفين في الحكم فال ندب ول منع عليه من قبل‬

‫‪11‬‬
‫الشرع‪ ،‬والضرورة هنا يقدرها الشرع ليبيح للمضطر تعاطي المحرم وفق تلك الضرورة‬
‫بشروط مخصوصة‪.‬‬
‫‪ -6‬تحريم قتل الجنين‪:‬‬
‫يرا}‬ ‫ٰق نَّحْ نُ نَ ْر ُزقُ ُه ْم َوإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَ ُه ْم كَانَ ِخ ْطئ اا َكبِ ا‬ ‫شيَةَ إِ ْملَـ ٍ‬
‫{ولَ ت َ ْقتُلُواْ أ َ ْول َد ُك ْم َخ ْ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫[اإلسراء‪.]31:‬‬
‫س ِر ْقنَ‬
‫ش ْيئا ا َولَ يَ ْ‬ ‫علَ ٰى أَن لَّ يُش ِْركْنَ ِب َّ ِ‬
‫ٱَّلل َ‬ ‫وقال تعالى‪ٰ { :‬يأَيُّ َهاٱلنَّبِ ُّى ِإذَا َجاءكَ ٱ ْل ُمؤْ ِمنَ ٰـتُ يُبَايِ ْعنَكَ َ‬
‫ِيهنَّ َوأ َ ْر ُج ِل ِهنَّ َولَ يَ ْع ِصينَكَ فِى‬‫َولَ يَ ْزنِينَ َولَ يَ ْقت ُ ْلنَ أ َ ْو ْل ٰـ َدهُنَّ َولَ يَأْتِينَ ِببُ ُهتَـ ٍٰن يَ ْفت َ ِرينَهُ بَ ْينَ أ َ ْيد ِ‬
‫غفُور َّر ِحيم} [الممتحنة‪.]12:‬‬ ‫ٱَّللَ َ‬ ‫َم ْع ُروفٍ فَبَايِ ْع ُهنَّ َوٱ ْ‬
‫ست َ ْغ ِف ْر لَ ُهنَّ َّ‬
‫ٱَّللَ ِإنَّ َّ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا يشمل قتله بعد وجوده كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولدهم خشية‬
‫اإلمالق‪ ،‬ويعم قتله وهو جنين كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء‪ ،‬تطرح نفسها لئال تحبل‬
‫إما لغرض فاسد أو ما أشبهه"‪.‬‬
‫والجنين هو الطفل المستور ببطن أمه أخذا من الجذر اللغوي "جنّ " والمستعمل في ألفاظ‬
‫متغايرة مثل جن الليل‪ ،‬ورجل مجنون‪ ،‬وجنة وارفة الظالل‪..‬إلخ‪.‬‬
‫وقد رتب الشرع ضمانا على من اعتدى على الجنين بإزهاق روحه‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬حق الكرامة‪:‬‬


‫هناك حقوق تحفظ لإلنسان كرامته التي وهبه هللا إياها‪ ،‬فمن تلك الحقوق‪:‬‬
‫‪ -1‬النهي عن السب والتنابز باأللقاب‪:‬‬
‫ب} [الحجرات‪.]11:‬‬ ‫{ولَ تَنَابَ ُزواْ ِبٱأل َ ْلقَ ٰـ ِ‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫قال ابن جرير‪" :‬إن هللا تعالى ذكره نهى المؤمنين أن يتنابزوا باأللقاب‪ ،‬والتنابز باأللقاب هو‬
‫دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة‪ ،‬وعم هللا بنهيه ذلك ولم يخصص به بعض‬
‫األلقاب دون بعض‪ ،‬فغير جائز ألحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه أو صفة يكرهها"‪.‬‬
‫وعن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬سباب المسلم‬
‫فسوق وقتاله كفر))‪.‬‬
‫‪ -2‬تحريم الغيبة‪:‬‬
‫ضكُم بَ ْعضاا} [الحجرات‪.]12:‬‬ ‫{ولَ يَ ْغتَب بَّ ْع ُ‬‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫قال ابن جرير‪" :‬ول يقل بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره المقول فيه ذلك أن يقال له في‬
‫وجهه"‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬أتدرون ما‬
‫الغيبة؟))قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪(( :‬ذكرك أخاك بما يكره))‪ ،‬قيل‪ :‬أفرأيت إن كان في أخي‬
‫ما أقول؟ قال‪(( :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته‪ ،‬وإن لم يكن فيه فقد بهته))‪.‬‬
‫‪ -3‬تحريم السخرية من اإلنسان وغيره‪:‬‬
‫س ٰى أَن يَكُونُواْ َخ ْيرا ا ّم ْن ُه ْم َولَ نِ َ‬
‫ساء ّمن‬ ‫قال تعالى‪ٰ { :‬يأَيُّ َهاٱلَّ ِذينَ ءا َمنُواْ لَ يَ ْ‬
‫س َخ ْر قَ ْوم ّمن قَ ْو ٍم َ‬
‫ع َ‬
‫س ٰى أَن يَكُنَّ َخ ْيرا ا ّم ْن ُهنَّ } [الحجرات‪.]11:‬‬ ‫ع َ‬ ‫نّ َ‬
‫ساء َ‬
‫‪ -4‬تحريم التجسس على اآلخرين وكشف عوراتهم‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫سواْ}‬
‫س ُ‬ ‫قال تعالى‪ٰ { :‬يأَيُّ َهاٱلَّ ِذينَ ءا َمنُواْ ٱجْ تَنِبُواْ َكثِيرا ا ّمنَ ٱل َّظنّ إِنَّ بَ ْع َ‬
‫ض ٱل َّظنّ إِثْم َولَ ت َ َج َّ‬
‫[الحجرات‪.]12:‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬إياكم والظن؛ فإن الظن‬
‫أكذب الحديث‪ ،‬ول تحسسوا ول تجسسوا ول تحاسدوا ول تباغضوا ول تدابروا‪ ،‬وكونوا عباد‬
‫هللا إخواناا))‪.‬‬
‫‪ -5‬تحريم ظن السوء باآلخرين ‪:‬‬
‫ض ٱل َّظنّ ِإثْم} [الحجرات‪.]12:‬‬ ‫قال تعالى‪ٰ { :‬يأَيُّ َهاٱلَّ ِذينَ ءا َمنُواْ ٱجْ تَنِبُواْ َكثِيرا ا ّمنَ ٱل َّظنّ ِإنَّ بَ ْع َ‬
‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬إياكم والظن؛ فإن الظن‬
‫أكذب الحديث))‪.‬‬
‫قال القرطبي‪" :‬الظن هنا هو التهمة‪ ،‬ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمه ل سبب لها يوجبها‪،‬‬
‫كمن يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك"‪.‬‬
‫‪ -6‬حفظ كرامة المسلم حتى بعد موته‪:‬‬
‫عن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬كسر عظم الميت ككسره‬
‫حياا))‪.‬‬
‫قال الحافظ‪" :‬ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته"‪.‬‬
‫وقال الشوكاني‪" :‬فيه دليل على وجوب الرفق بالميت في غسله وتكفينه وحمله وغير ذلك"‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪" :‬ويستحب المسارعة إلى تجهيزه إذا تُيُقن موته‪ ،‬ألنه أصون له وأحفظ من أن‬
‫يتغير وتصعب معاناته‪ ،‬قال أحمد‪ :‬كرامة الميت تعجيله"‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬حق الحرية‪:‬‬


‫‪ -1‬المراد بالحرية‪:‬‬
‫جاءت الحرية بمعناها اللغوي من حر الوجه بمعنى انبساطه‪ ،‬وطالقته‪ ،‬وكثيرا ما‬
‫نمتدح الحرارة في المرء على خالف البرودة فإنها مما يعاب في الطباع‪.‬‬
‫وفي الصطالح هي"الملكة الخاصة التي تميز الكائن الناطق عن غيره‪ ،‬وتمنحه‬
‫السلطة في التصرف واألفعال عن إرادة وروية‪ ،‬دون إجبار أو إكراه أو قسر‬
‫خارجي"‪...‬‬
‫ألن اإلنسان الحر ليس بعبد ول أسير مقيد‪ ،‬وإنما يختار أفعاله عن قدرة واستطاعة على العمل‬
‫أو المتناع عنه دون ضغط خارجي‪ ،‬ودون الوقوع تحت تأثير قوى أجنبية واإلنسان يولد حرا ا‬
‫ويجب أن يعيش حراا‪ ،‬ول يعبد إل هللا الواحد القهار الذي فطر اإلنسان على العبودية هلل تعالى‪.‬‬
‫فالحرية‪ :‬هي حرية اإلنسان تجاه أخيه اإلنسان من جهة‪ ،‬وبما يصدر عنه باختياره من جهة‬
‫أخرى‪..‬وما ذاك إال ألنالخلق كلهم عبيد هلل تعالى وحده‪.‬‬
‫وقد كفل اإلسالم حق الحرية الشخصية أو حرية الذات‪ ،‬وأن الناس متساوون في هذه الحرية‪.‬‬
‫قال الشافعي‪" :‬إن أصل الناس الحرية حتى يعلم أنهم غير أحرار"‪.‬‬
‫فاإلنسان يولد حراا‪ ،‬وليس ألحد أن يستعبده أو يذله أو يقهره أو يستغله‪ ،‬وإن العبودية الحقة‬

‫‪13‬‬
‫هلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬الوعيد الشديد على من باع حراا‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬قال هللا‪ :‬ثالثة أنا خصمهم‬
‫يوم القيامة)) فذكر منهم‪(( :‬ورجل باع حرا ا فأكل ثمنه)) الحديث‪.‬‬

‫اإلسالم والرق‪:‬‬
‫تعريفف الففرق‪ :‬جففاء الفرق مففن قولنففا رق الثفوب إذا صففار ضففعيفا‪ ،‬وفففي الصففطالح هففو‬
‫نظففام اجتمففاعي يقضففي باسففتعباد اإلنسففان ألخيففه اإلنسففان عففن طريففق تسففخيره‬
‫لخدمته دونما مقابل‪.‬‬
‫من المعروف تاريخيا ا أن نظام الرق لم يبتدعه اإلسالم وإنما هو نظام وجد قبل ظهور اإلسالم‬
‫في أنظمة الدول القديمة‪ ،‬وجاء اإلسالم وهو وضع ثابت سواء في دول الشرق القديمة أم في‬
‫دول الغرب القديمة‪.‬‬
‫أقر اإلسالم الرق‪ ،‬وجعل له من الضوابط واألحكام ما يسمو على أي نظام بشري‪ ،‬وجعله‬ ‫لقد َّ‬
‫وسيلة إلخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور اإليمان؛ ألن السبب األساس في الرق في‬
‫اإلسالم هو الكفر‪ ،‬وفي ذلك أيضا من المقاصد ما ل يبلغه عقل ول يحيط به تفكير‪.‬‬
‫أهم الوسائل التي اعتمدها اإلسالم في القضاء على الرق‪:‬‬

‫أول‪ :‬تضييق اإلسالم ألبواب الرق‪:‬‬


‫حرم اإلسالم جميع األسباب المعروفة التي كانت تؤدي إلى الرق كمنافذ ولم يُبق إل على‬
‫سببين‪:‬‬
‫‪ -1‬رق الحرب‪.‬‬
‫‪ -2‬رق الوراثة‪.‬‬
‫ورق الحرب‪ :‬هو الذي يفرض على بعض األسرى‪ ،‬ويشترط في تلك الحرب شرطان‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ل تكون الحرب بين فريقين من المسلمين‪ ،‬ألن المسلم ل يجوز أن يسترق ابتداء‪ ،‬ألن‬
‫اإلسالم ينافي ابتداء السترقاق‪ ،‬إذ السترقاق إنما يقع جزاء للشخص وعقوبة له ألنه استنكف‬
‫أن يعبد ربه فعاقبه هللا تعالى بأن جعله عبد عبيده‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ل يكون المسلمون معتدين في هذه الحرب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحريم بيع أمهات األولد إذا ولدت من سيدها‪:‬‬
‫قال ابن قدامة في معرض ذكره ألحكام أمهات األولد‪" :‬ول يجوز بيعها ول التصرف بما ينقل‬
‫الملك من الهبة والوقف‪ ،‬ول ما يراد للبيع وهو الرهن‪ ،‬ول تورث‪ ،‬ألنها تعتق بموت السيد‬
‫ويزول الملك عنها"‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬عتق أمهات األولد بعد موت سيدها‪:‬‬
‫قال الخرقي‪" :‬وإذا مات فقد صارت حرة وإن لم يملك غيرها"‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪" :‬يعني‪ :‬أن أم الولد تعتق من رأس المال وإن لم يملك سواها‪ ،‬وهذا قول كل من‬
‫‪14‬‬
‫رأى عتقهن‪ ،‬ل نعلم بينهم فيه خالفاا"‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الترغيب في العتق وفضله‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬أيما رجل أعتق امرءا ا‬
‫مسلما ا استنقذ هللا بكل عضو منه عضوا ا منه من النار))‪.‬‬
‫وفي رواية‪(( :‬من أعتق رقبة أعتق هللا بكل عضو منها عضوا ا من أعضائه من النار حتى‬
‫فرجه بفرجه))‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬في هذا الحديث بيان فضل العتق‪ ،‬وأنه من أفضل األعمال ومما يحصل به العتق‬
‫من النار ودخول الجنة‪ ،‬وفيه استحباب عتق كامل األعضاء"‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬جعل العتق في بعض الكفارات‪:‬‬
‫‪ )1‬كفارة القتل‪:‬‬
‫ير َرقَبَ ٍة ُّمؤْ ِمنَ ٍة‬ ‫{و َما كَانَ ِل ُمؤْ ِم ٍن أَن يَ ْقت ُ َل ُمؤْ ِمنا ا إِلَّ َخ َطئا ا َو َمن قَت َ َل ُمؤْ ِمنا ا َخ َطئا ا فَتَحْ ِر ُ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫ير َرقَبَ ٍة ُّمؤْ ِمن ٍةَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عد ُّو ل ُك ْم َو ُه َو ْمؤْ ِمن فتح ِْر ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ص َّدقوا ف ِإن كَانَ ِمن ق ْو ٍم َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلَّ َمة إِل ٰى أه ِل ِه إِل أن يَ َّ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َو ِديَة ُّم َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ؤْ‬
‫ير َرقبَ ٍة ُّم ِمنة ف َمن ل ْم يَ ِج ْد‬ ‫َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل َمة إِلى أه ِل ِه َوت ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َوإِن كَانَ ِمن ق ْو ٍم بَ ْين ُك ْم َوبَ ْين ُه ْم ّميثاق ف ِديَة ُّم َ‬
‫ع ِليما ا َح ِكيماا} [النساء‪.]92:‬‬ ‫ٱَّللُ َ‬ ‫ٱَّلل َوكَانَ َّ‬ ‫شه َْر ْي ِن ُمتَتَابِعَ ْي ِن ت َ ْوبَةا ّمنَ َّ ِ‬ ‫فَ ِصيَا ُم َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذان واجبان في قتل الخطأ‪ ،‬أحدهما الكفارة لما ارتكبه من الذنب العظيم وإن‬
‫كان خطأ‪ ،‬ومن شرطها أن تكون عتق رقبة مؤمنة"‪.‬‬
‫‪ )2‬كفارة الظهار‪:‬‬
‫سا}‬ ‫ير َرقَبَ ٍة ّمن قَ ْب ِل أَن يَت َ َما َّ‬ ‫سائِ ِه ْم ث ُ َّم يَعُو ُدونَ ِل َما قَالُواْ فَتَحْ ِر ُ‬ ‫{وٱلَّ ِذينَ يُ َظـ ِٰه ُرونَ ِمن نّ َ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫[المجادلة‪.]3:‬‬
‫قال ابن جرير‪" :‬أي‪ :‬فعليه تحرير رقبة‪ ،‬يعني‪ :‬عتق رقبة عبد أو أمة"‪.‬‬
‫‪ )3‬كفارة اليمين‪:‬‬
‫ارتُهُ ِإ ْطعَا ُم‬ ‫عقَّدت ُّ ُم ٱأل ْي َم ٰـنَ فَ َكفَّ َ‬ ‫َاخذُكُم بِ َما َ‬ ‫ٱَّللُ ِبٱللَّ ْغ ِو فِي أ َ ْي َم ٰـنِ ُك ْم َولَ ٰـ ِكن يُؤ ِ‬
‫َاخذ ُ ُك ُم َّ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬لَ يُؤ ِ‬
‫ير َرقبَةٍ} [المائدة‪.]89:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س َوت ُ ُه ْم أ ْو تَحْ ِر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ِط َما ت ُ ْط ِع ُمونَ أ ْه ِلي ُك ْم أ ْو ِك ْ‬ ‫َ‬
‫س ٰـ ِكينَ ِم ْن أ ْو َ‬ ‫عش ََر ِة َم َ‬ ‫َ‬
‫قال ابن جرير‪" :‬يعني تعالى ذكره بذلك‪ :‬أو فك عبد من أسر العبودة وذلها"‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬كفالة حقوق األرقاء‪:‬‬
‫لقد كفل اإلسالم حقوق األرقاء ألن الرقيق يعتبر إنسانا ا كامالا‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬جعلهم إخوة لألسياد وأمر بإعانتهم‪:‬‬
‫عن المعرور بن سويد قال‪ :‬رأيت أبا ذر الغفاري رضي هللا عنه وعليه حلة وعلى غالمه حلة‬
‫فسألناه عن ذلك فقال‪ :‬إني ساببت رجالا فشكاني إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فقال لي النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬أعيرته بأمه؟)) ثم قال‪(( :‬إن إخوانكم خولكم جعلهم هللا تحت أيديكم‪،‬‬
‫فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل‪ ،‬وليلبسه مما يلبس‪ ،‬ول تكلفوهم ما يغلبهم‪ ،‬فإن‬
‫كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم))‪.‬‬
‫قال الحافظ‪" :‬فيه إطالق األخ على الرقيق‪ ،‬فإن أريد القرابة فهو على سبيل المجاز لنسبة الكل‬
‫إلى آدم‪ ،‬أو المراد أخوة اإلسالم‪ ،‬ويكون العبد بطريق التبع أو يختص الحكم بالمؤمن"‪.‬‬
‫وقال الحافظ أيضاا‪" :‬وفي الحديث النهي عن سب الرقيق وتعييرهم بمن ولدهم‪ ،‬والحث على‬

‫‪15‬‬
‫اإلحسان إليهم والرفق بهم"‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم تكليفهم ما ل يطيقون‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪(( :‬للمملوك طعامه‬
‫وكسوته‪ ،‬ول يكلف من العمل إل ما يطيق))‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬وأجع العلماء على أنه ل يجوز أن يكلفه من العمل ما ل يطيقه‪ ،‬فإن كان ذلك‬
‫لزمه إعانته بنفسه أو بغيره"‪.‬‬

‫‪ -3‬التشديد في ضرب الرقيق‪:‬‬


‫عن زاذان أبي عمر قال‪ :‬أتيت ابن عمر وقد أعتق مملوكا ا قال‪ :‬فأخذ من األرض عودا ا أو شيئا ا‬
‫فقال‪ :‬ما فيه من األجر ما يسوى هذا‪ ،‬إل أني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫((من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه))‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬في هذا الحديث الرفق بالمماليك وحسن صحبتهم وكف األذى عنهم"‪.‬‬
‫‪ -4‬التشديد في قذف المملوك‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال أبو القاسم صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬من قذف مملوكه‬
‫بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إل أن يكون كما قال))‪.‬‬
‫قال ابن بطال‪" :‬في هذا الحديث النهي عن قذف العبيد والستطالة عليهم بغير حق؛ إلخبار‬
‫النبي عليه السالم أنه من فعل ذلك جلد يوم القيامة"‪.‬‬
‫‪ -5‬الفضل في تعليم العبيد واإلماء وتأديبهم‪:‬‬
‫عن أبي موسى رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬من كانت له جارية‬
‫فعلمها فأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران))‪.‬‬
‫قال المهلب‪" :‬فيه أجر التأديب والتعليم‪ ،‬وأجر التزويج هلل تعالى‪ ،‬وأن هللا تعالى قد ضاعف له‬
‫أجره بالنكاح والتعليم وجعله كمثل أجر العتق"‪.‬‬

‫‪ -6‬إعطاء الرقيق أجره مرتين إذا أدى حق هللا وحق سيده‪:‬‬


‫عن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬أيما رجل كانت‬
‫له جارية أدبها فأحسن تأديبها وأعتقها وتزوجها فله أجران‪ ،‬وأيما عبد أدى حق هللا وحق‬
‫مواليه فـله أجران))‪.‬‬
‫قال ابن عبد البر‪" :‬إن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان‪ :‬طاعة سيده في المعروف وطاعة‬
‫ربه‪ ،‬فقام بهما جميعا ا كان له ضعفا أجر الحر المطيع لربه مثل طاعته؛ ألنه قد أطاع هللا فيما‬
‫أمره به من طاعة سيده‪ ،‬ونصحه وأطاعه أيضا ا فيما افترض عليه"‪.‬‬

‫رابعاا‪ :‬حق التدين‪:‬‬


‫التدين افتعال طلب اعتناق الدين‪ ،‬والدين لغة هو الجزاء‪ ،‬واصطالحا هو منهج‬
‫تعبدي يقوم على عقيدة ونظام حياة متكامل من العمل والسلوك‪.‬‬
‫ش ُد ِمنَ ٱ ْلغَ ّي} [البقرة‪.]255:‬‬ ‫ّين قَد تَّبَيَّنَ ُّ‬
‫ٱلر ْ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬ل إِك َْرا َه فِىٱلد ِ‬

‫‪16‬‬
‫وفي اآلية نفي جنس اإلكراه على اعتناق الدين ألن هللا ل يقبل عبادة يكره اإلنسان عليها حتى‬
‫يأتيه محبا عن رضى نفس واقتناع‪.‬‬
‫من هنا فإننا نعالج أمر الحرية الدينية من خالل رد الشبهات الملصقة باإلسالم ‪ ،‬ونثبت أن‬
‫اإلسالم لميعتمد اإلكراه في تعاليمه‪.‬‬

‫أول‪ :‬الفتوحات اإلسالمية وما أثير حولها من شبهات‪:‬‬


‫أشيع في اآلونة األخيرة أغلوطة عن الفتوحات اإلسالمية تدعي أن الجيش المسلم كان يعرض‬
‫على البالد التي ينوي فتحها أحد ثالثة أمور‪..‬اإلسالم‪ ،‬أو الجزية‪ ،‬وإل فالسيف‪ .‬وهذا محض‬
‫افتراء على مجريات التاريخ اإلسالمي‪.‬‬
‫والحق أن الهدف من وراء تلك الفتوحات كان هو التعريف باإلسالم ل غير حتى يؤدي‬
‫المسلمون أمانة ربهم بتعريف الناس بهذا الدين! فيحدث أن يفرض ملك تلك البالد المنع من‬
‫تحرك المسلمين فيضطر المسلمون للدفاع عن حق إيصال الفكرة فتنشب الحرب‪.‬‬
‫أما أخذ الجزية فهو أمر متأخر ألن الجزية هنا مشاركة اجتماعية من غير حملة اإلسالم مقابل‬
‫حمايتهم والدفاع عنهم‪ .‬ولنا في معارك اإلسالم أمثلة تدعم ما قلنا كما هو حال المعارك النبوية‬
‫على رأس القائمة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الردة وبيان حقيقتها‪.‬‬


‫الردة من رد الشيء إذا رجع إلى النقطة التي انطلق منها‪.‬‬
‫وفي الشرع هي إتيان اإلنسان بناقض من نواقض العقيدة من قول أو فعل بحيث يحكم بكفره‪.‬‬
‫الحالت التي يكون بها اإلنسان مرتدا‪:‬‬
‫‪ -1‬إنكار أصل من أصول الدين الستة أو الستخفاف به‪.‬‬
‫‪ -2‬إنكار فرع من فروع الدين الخمسة أو الستخفاف به‪.‬‬
‫‪ -3‬تحريم ما أحل هللا أو تحليل ما حرم‪.‬‬

‫أهم األضرار المجتمعية الناجمة عن الردة‪:‬‬


‫‪ -1‬خلق طبقة مترددة متشككة منفصمه الشخصية في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -2‬تسريب أسرار الدولة للجهات المعادية‪.‬‬
‫‪ -3‬بث التشكيك اإلعالمي لدى المرتد في عقيدة اإلسالم انطالقا من عداء وحقد‪.‬‬

‫أهم التحصينات الواقية من الردة‪:‬‬


‫الربط بين البيت والمدرسة والمسجد ووسائل اإلعالم في ترسيخ العقيدة اإلسالمية في نفوس‬

‫‪17‬‬
‫أولدنا‪.‬‬
‫التحذير المستمر عن الردة وبيان أضرارها وعوائدها على النفس والمجتمع‪.‬‬

‫عقوبة المرتد‪:‬‬
‫عن ابن عباس رضي هللا عنه عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬من بدل دينه‬
‫فاقتلوه))‪.‬‬
‫قال البغوي‪" :‬والعمل على هذا عند أهل العلم‪ ،‬أن المسلم إذا ارت ّد عن دينه يقتل"‪.‬‬
‫ويعتبر العلماء قتل المرتد نتيجة خيانته للملة اإلسالمية التي انخرط في عداد أفرادها‪ ،‬ثم‬
‫غدرها‪ ،‬فلو ستر كفره لم يتعرض له أحد ولم يشق عن بيضة قلبه كما كان يقع للمنافقين الذين‬
‫شيَـ ِٰطينِ ِه ْم قَالُواْ ِإنَّا َمعَ ُك ْم ِإنَّ َما نَحْ نُ ُم ْ‬
‫ستَه ِْزءونَ } [البقرة‪،]14:‬‬ ‫{و ِإذَا َخلَ ْواْ ِإلَ ٰى َ‬
‫قال فيهم هللا‪َ :‬‬
‫ويضر بها‪ ،‬وليس لمجرد‬
‫ّ‬ ‫فالعقوبة هي لحماية بيضة الطائفة اإلسالمية ممن يكسر وحدتها‬
‫تغير العقيدة الذي ل يصحبه إعالن ر‬
‫خامساا‪ :‬حق التعليم‪:‬‬

‫التعليم هو خلق أو تعديل سلوك لدى الكائن الحي وفق منهج معين‪.‬‬
‫والفرق بين "تعلم" و"تعليم" أن التعليم خاضع لمنهج متكامل وفق منظومة تعليمية حديثة‬
‫تدخل فيها المؤسسات التعليمية الحديثة‪.‬‬
‫وأهم مكونات المنظومة التعليمية المناهج التعليمية والمشتملة على الخطة المنهجية التعليمية‬
‫التربوية للبالد في فترة زمنية معينة‪ ،‬على أن تشتمل تلك الخطة على التقويم المرحلي‬
‫والنهائي لمعرفة مدى تحقق شروط الخطة خالل تلك الفترة‪.‬وهنا نطرح تساؤلين‪:‬‬
‫‪ -1‬هل يمكن تسليط أدوات القياس الرقمي على مناهج التعليم لمعرفة النسبة الدقيقة‬
‫لنجاح أو فشل تلك الخطة؟؟‬
‫‪ -2‬وما أهم النتائج العالمية التي انبثقت عن مخرجات التعليم على سطح الكرة األرضية‬
‫إذا ما قسمناها نصفين‪..‬نصفا ارتقى بمناهج التعليم‪ ،‬واآلخر بها انخفض؟؟‬
‫ومن هنا نكشف الغطاء عن الفلسفة اإلسالمية للتعليم من خالل النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬الترغيب في التعليم‪:‬‬
‫{و َما كَانَ ٱ ْل ُمؤْ ِمنُونَ ِليَن ِف ُرواْ كَافَّةا فَلَ ْولَ نَفَ َر ِمن ُك ّل فِ ْرقَ ٍة ّم ْن ُه ْم َطائِفَة لّيَتَفَقَّ ُهواْ‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫ونَ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ّين َو ِليُنذ ُِروا ق ْو َم ُه ْم إِذا َر َجعُوا إِل ْي ِه ْم لعَل ُه ْم يَ ْحذ ُر } [التوبة‪.]122:‬‬‫ْ‬ ‫فِىٱلد ِ‬
‫وعن معاوية رضي هللا عنه هللا عنه قال‪ :‬سمعت النبي صلى هللا عليه وسلم يقول‪(( :‬من يرد‬
‫هللا به خيرا ا يفقهه في الدين))‪.‬‬
‫قال الحافظ‪" :‬ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين‪ ،‬أي‪ :‬يتعلم قواعد اإلسالم وما يتصل‬
‫بها من الفروع‪ ،‬فقد حرم الخير"‪.‬‬

‫‪ -2‬تعليم األهل‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫عن أبي موسى رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬ثالثة لهم أجران))‬
‫وذكر منهم‪(( :‬ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها‬
‫فتزوجها فله أجران))‪.‬‬
‫قال الحافظ‪" :‬مطابقة الحديث للترجمة في األمة بالنص وفي األهل بالقياس‪ ،‬إذ العتناء باألهل‬
‫الحرائر في تعليم فرائض هللا وسنن رسوله آكد من العتناء باإلماء"‪.‬‬
‫‪ -‬حق النساء في التعليم وبيان الحق في ذلك‪:‬‬
‫إلزالة الشبهة التي أثيرت عن اإلسالم بالنسبة لتعليم المرأة نطرح اآلتي‪:‬‬
‫أول‪ :‬مرت المرأة بأربع مراحل في التاريخ كشفت عن مدى مشاركتها في النهضة العلمية‬
‫وبالتالي التنموية‪:‬‬
‫‪ -1‬مرحلة التهميش وكانت قبل ظهور اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -2‬مرحلة اإلبداع األنثوي بعد ظهور اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -3‬مرحلة ما قبل ظهور النفط حيث الرجعية والعودة بها إلى مرحلة التهميش لكن باسم‬
‫الدين‪.‬‬
‫‪ -4‬مرحلة اعتناق التطور والنهوض بعد ظهور النفط‪.‬‬
‫‪ -5‬ولنا ضرب أمثلة على اهتمام اإلسالم بتعليم المرأة إعدادا لمرحلة اإلبداع‪.‬‬
‫عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬أشهد على النبي صلى هللا عليه وسلم خرج ومعه بالل‬
‫فظن أنه لم يُسمع النساء‪ ،‬فوعظهن وأمرهن بالصدقة‪ ،‬فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم‬
‫وبالل يأخذ في طرف ثوبه‪.‬‬
‫قال الحافظ‪" :‬نبه بهذا على أن ما سبق من الندب إلى تعليم األهل ليس مختصا ا بأهلهن‪ ،‬بل ذلك‬
‫مندوب لإلمام األعظم ومن ينوب عنه"‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬حق التملك والتصرف‪:‬‬


‫‪ -1‬المراد بحق التملك والتصرف‪:‬‬
‫حق التملك يعني العتراف بحق الملكية الفردية لإلنسان وتمكين المالك من سلطة التصرف‬
‫قرر في المنافع‬
‫بالشيء والستفادة منه واستغالله‪ ،‬واألصل أن يكون في األعيان‪ ،‬ثم ِ ّ‬
‫والحقوق‪.‬‬
‫والتملك في األصل يقع على المال الذي هو أحد الضروريات الخمس في اإلسالم‪ ،‬ويعتبر المال‬
‫أحد الدعائم األساسية في الحياة‪ ،‬وهو أحد عناصر اإلنتاج مع العمل والموارد الطبيعية‪ ،‬وهو‬
‫زينة الحياة‪ ،‬وفطر اإلنسان على حبه‪.‬‬
‫والملكية نوعان خاصة وعامة‪ ،‬وقد عنيت الشريعة اإلسالمية بحرمة المال العام في كثير من‬
‫نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬حيث رتب عقوبة قطع يد السارق على انتهاك المال الخاص‪ ،‬ورتب‬
‫عقوبة حد الحرابة على انتهاك المال العام‪.‬‬

‫‪ -2‬أصل الملك هلل تعالى والعبد له التصرف‪:‬‬


‫{وأَن ِفقُواْ ِم َّما َجعَلَكُم ُّم ْ‬
‫ست َ ْخلَ ِفينَ فِي ِه} [الحديد‪.]7:‬‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬

‫‪19‬‬
‫قال القرطبي‪" :‬هذا دليل على أن أصل الملك هلل سبحانه‪ ،‬وأن العبد ليس له فيه إل التصرف‬
‫الذي يرضي هللا فيثيبه على ذلك بالجنة‪ ...‬وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة‪ ،‬وما‬
‫أنتم فيه إل منزلة النواب والوكالء‪ ،‬فاغتنموا الفرصة فيها بإقامة الحق قبل أن تزال عنكم إلى‬
‫من بعدكم"‪.‬‬
‫‪ -3‬كراهية الشريعة تكديس األموال بأيدي فئة من الناس‪:‬‬
‫سو ِل َو ِلذِى‬ ‫لر ُ‬ ‫سو ِل ِه ِم ْن أ َ ْه ِل ٱ ْلقُ َر ٰى فَ ِللَّ ِه َو ِل َّ‬ ‫علَ ٰى َر ُ‬ ‫ٱَّللُ َ‬‫قال تعالى‪َّ { :‬ما أَفَاء َّ‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫س ِبي ِل كَى لَ يَكُونَ دُولَة بَ ْينَ ٱأل ْغنِيَاء ِمن ُك ْم} [الحشر‪.]7:‬‬ ‫ين َوٱ ْبن ِٱل َّ‬ ‫ٱ ْلقُ ْربَ ٰى َوٱ ْليَتَا َم ٰى َوٱ ْل َم َ‬
‫س ٰـ ِك ِ‬
‫قال القرطبي‪" :‬أي‪ :‬فعلنا ذلك في هذا الفيء كي ل تقسمه الرؤساء واألغنياء واألقوياء بينهم‬
‫دون الفقراء والضعفاء"‪.‬‬
‫قال ابن عاشور‪" :‬وقد بدا من هذا التعليل أن من مقاصد الشريعة أن يكون المال دولة بين‬
‫األمة اإلسالمية على نظام محكم في انتقاله من كل مال لم يسبق عليه ملك ألحد‪ ،‬مثل الموات‬
‫والفيء واللقطات والركاز‪ ،‬أو كان جزءا ا معينا ا مثل الزكاة والكفارات وتخميس المغانم والخراج‬
‫والمواريث‪ ،‬وعقود المعامالت التي بين جانبي مال وعمل مثل القراض والمغارسة والمساقاة‪،‬‬
‫وفي األموال التي يظفر بها الظافر بدون عمل وسعي مثل الفيء والركاز وما ألقاه البحر"‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة الملك‪:‬‬
‫اط ِل َوت ُ ْدلُواْ بِ َها إِلَى ٱ ْل ُحك َِّام ِلتَأ ْ ُكلُواْ فَ ِريقاا ّم ْن أ َ ْم َوا ِل‬ ‫{ولَ تَأ ْ ُكلُواْ أ َ ْم ٰولَ ُك ْم بَ ْينَكُم بِٱ ْلبَ ِ‬‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫اس ِبٱإلثْ ِم َوأَنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ } [البقرة‪.]188:‬‬ ‫ٱلنَّ ِ‬
‫قال ابن جرير‪" :‬يعني تعالى ذكره بذلك‪ :‬ول يأكل بعضكم مال بعض بالباطل‪ ،‬فجعل تعالى ذكره‬
‫بذلك آكل مال أخيه بالباطل كاآلكل مال نفسه بالباطل"‪.‬‬
‫قال ابن عاشور‪" :‬ومعنى أكلها بالباطل‪ :‬أكلها بدون وجه‪ ،‬وهذا األكل مراتب‪:‬‬
‫المرتبة األولى‪ :‬ما علمه جميع السامعين مما هو صريح في كونه باطالا كالغصب والسرقة‬
‫والحيلة‪.‬‬
‫المرتبة الثانية‪ :‬ما ألحقه الشرع بالباطل فبيّن أنه من الباطل وقد كان خفيا ا عنهم‪ ،‬وهذا مثل‬
‫الربا ورشوة الحكام ومثل بيع الثمرة قبل بدو صالحها‪.‬‬
‫المرتبة الثالثة‪ :‬ما استنبطه العلماء من ذلك‪ ،‬مما يتحقق فيه وصف الباطل بالنظر وهذا مجال‬
‫لالجتهاد في تحقيق معنى الباطل"‪.‬‬
‫‪ -5‬تشريع العقوبات في العتداء على الملك‪:‬‬
‫ٱَّللُ ع َِزيز َح ِكيم}‬ ‫سبَا نَ َك ٰـالا ّمنَ َّ‬
‫ٱَّللِ َو َّ‬ ‫س ِارقَةُ فَٱ ْق َطعُواْ أ َ ْي ِديَ ُه َما َج َزاء ِب َما َك َ‬ ‫ق َوٱل َّ‬ ‫س ِار ُ‬ ‫{وٱل َّ‬‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫[المائدة‪.]38:‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى حاكما ا وآمرا ا بقطع يد السارق والسارقة"‪.‬‬
‫قال ابن سعدي‪" :‬والحكمة في قطع اليد في السرقة أن ذلك حفظ لألموال واحتياط لها‪ ،‬وليقطع‬
‫العضو الذي صدرت منه الجناية"‪.‬‬
‫‪ -6‬قيود وضوابط حق الملكية‪:‬‬
‫‪ -1‬من حيث نشأته‪ :‬بأن ينشأ بسبب شرعي‪ ،‬فإن نشأ من غير وجه شرعي فإن اإلسالم ل‬
‫يعترف به ول يحميه‪ ،‬بل يأمر بنزعه من يد حائزه ورده إلى مالكه األصلي‪ ،‬كالمال المسروق‬
‫أو المغصوب‪ ،‬فإن لم يكن له مالك وضع في بيت المال‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -2‬من حيث نماؤه‪ :‬حدد اإلسالم سبل المال ونمائه بالقيود والتصرفات المشروعة‪ ،‬ولم يعترف‬
‫بالنماء الناتج عن سبيل باطل حرام‪ ،‬كالنماء الناتج عن بيع الربا أو بيع الخمور والمخدرات أو‬
‫فتح نوادي للقمار‪ ،‬كما أوجب في حق الملكية قدرا ا معينا ا لمصلحة الجماعة يتمثل في الزكاة‬
‫والنفقات الشرعية‪ ،‬وعدم جواز الوصية بأكثر من الثلث حفظا ا لحق الوارثين في الثلثين‪.‬‬
‫{وٱلَّ ِذينَ‬
‫‪ -3‬من حيث استهالكه‪ :‬إذ قيده بالعتدال في اإلنفاق دون إسراف أو تقتير‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ِإذَا أَنفَقُواْ لَ ْم يُ ْ‬
‫س ِرفُواْ َولَ ْم يَ ْقت ُ ُرواْ َوكَانَ بَ ْينَ ذَ ِلكَ قَ َواماا} [الفرقان‪ ،]67:‬كما قيده أيضا ا بتحريم‬
‫اإلنفاق فيما حرمته الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -1‬وقيده بجواز نزعه عند الضرورة للمصلحة العامة مع تعويض صاحب الملك التعويض‬
‫العادل‪ ،‬كنزع الملك لتوسعة الطريق العام‪.‬‬
‫المذاهب القتصادية ودورها في القضاء على الفقر العالمي‪:‬‬
‫ولبيان حقيقة النظرة اإلسالمية للمال نتعرض ألهم المذاهب القتصادية الحديثة التي حاولت‬
‫معالجة الفقر العالمي اليوم‪ ،‬ومن نجح منها ومن أخفق‪.‬‬
‫أول‪ :‬المذهب الرأسمالي والقائم على الملكية الفردية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المذهب الشتراكي والقائم على ملكية الدولة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المذهب اإلسالمي والقائم على احترام الملكية بأنواعها‪ ،‬وضرورة قيام المجتمع بمبدأ‬
‫التكافل الجتماعي بين أفراده كما بين القرآن ذلك في آية التوزيع العادل للثروة بين قطاعات‬
‫المستهلكين‬

‫ووضع الحلول اآلتية للقضاء على الفقر العالمي‪:‬‬


‫‪ -1‬تشريع الزكاة‬
‫‪ -2‬محاربة الربا ومستغليه‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬حق العمل‪:‬‬
‫‪ -1‬جعل هللا عز وجل لإلنسان وقتا ا لطلب المعاش‪:‬‬
‫ار َمعَاشاا} [النبأ‪.]11:‬‬ ‫{و َجعَ ْلنَا ٱلنَّ َه َ‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫قال مجاهد‪" :‬يبتغون فيه من فضل هللا"‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪" :‬وجعلنا النهار لكم ضياء لتنتشروا فيه لمعاشكم وتتصرفوا فيه لمصالح دنياكم‬
‫وابتغاء فضل هللا فيه"‪.‬‬
‫ففي هذه اآليات يمتن هللا على عباده بأن قسم الزمن على هذه األرض بين ظالم الليل وضياء‬
‫النهار‪ ،‬وفي هذا إرشاد للخلق إلى أن هناك وقتا ا للعمل وهو النهار وآخر للراحة وهو الليل‪،‬‬
‫وتفيد اآليات أن أفراد بني اإلنسان لهم الحق في العمل والراحة‪.‬‬
‫‪ -2‬الحث على السعي لطلب المعاش في األرض‪:‬‬
‫قال تعالى‪ُ { :‬ه َو ٱلَّذِى َجعَ َل لَ ُك ُم ٱأل َ ْر َ‬
‫ض ذَلُولا فَٱ ْمشُواْفِى َمنَا ِك ِب َها َو ُكلُواْ ِمن ّر ْزقِ ِه َوإِلَ ْي ِه ٱلنُّش ُ‬
‫ُور}‬
‫[الملك‪.]15:‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬فسافروا حيث شئتم من أقطار‪ ،‬وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع‬

‫‪21‬‬
‫المكاسب والتجارات"‪.‬‬
‫ٱَّلل} [الجمعة‪.]10:‬‬
‫ض ِل َّ ِ‬ ‫صلَ ٰوةُ فَٱنتَش ُِرواْ في ٱأل َ ْر ِ‬
‫ض َوٱ ْبتَغُواْ ِمن فَ ْ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬فَ ِإذَا قُ ِضيَ ِ‬
‫ت ٱل َّ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬لما حجر عليهم في التصرف بعد النداء وأمرهم بالجتماع أذن لهم بعد الفراغ‬
‫في النتشار في األرض والبتغاء من فضل هللا"‪.‬‬
‫وعن الزبير بن العوام رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬ألن يأخذ أحدكم‬
‫حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف هللا بها وجهه خير له من أن يسأل الناس‬
‫أعطوه أو منعوه))‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬فيه الحث على األكل من عمل يده والكتساب بالمباحات"‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير من أكل حقوق العمال‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬قال هللا‪ :‬ثالثة أنا خصمهم‬
‫يوم القيامة‪ :‬رجل أعطى بي ثم غدر‪ ،‬ورجل باع حرا ا فأكل ثمنه‪ ،‬ورجل استأجر أجيرا ا فاستوفى‬
‫منه ولم يعطه أجره))‪.‬‬
‫قال ابن بطال‪" :‬ومن منع األجير حقه فقد ظلمه حين استخدمه واستحل عرقه بغير أجر‪،‬‬
‫وخالف بصيرة هللا في عباده ألنه استعملهم ووعدهم على عبادته جزيل الثواب وعظيم األجر‬
‫وهو خالقهم ورازقهم"‪.‬‬
‫‪ -4‬حرية العمل‪:‬‬
‫لكل إنسان الحق في أن يعمل ما يشاء وأن يكسب من الطرق المشروعة ما شاء‪ ،‬وله الحق في‬
‫اختيار وقت العمل وساعاته واختيار الوقت إذا كان يعمل لنفسه‪ ،‬فإن عمل إلى غيره فالعبرة‬
‫في العقود عامة وعقد العمل التراضي وما يتم التفاق عليه في تقييد الزمان والمكان وتحديد‬
‫ساعات العمل وأجره‪ ،‬ول تقيد حرية العمل إل القيود العامة في الحالل والحرام وضمن األحكام‬
‫الشرعية‪ ،‬وأل يؤدي العمل إلى اإلضرار والضرر بالغير‪.‬‬

‫‪ -5‬اإلذن بالعمل في وقت الحج‪:‬‬


‫علَ ْي ُك ْم ُجنَاح أَن ت َ ْبتَغُواْ فَ ْ‬
‫ضالا ّمن َّربّ ُك ْم} [البقرة‪.]198:‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬لَ ْي َ‬
‫س َ‬
‫قال ابن عباس‪( :‬وهو ل حرج عليكم في الشراء والبيع قبل اإلحرام وبعده)‪.‬‬

‫أهم المصادر‬
‫‪ ‬القرآن الكريم‬
‫‪ ‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ـ أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل‬
‫العسقالني الشافعي‪ - -‬الناشر‪ :‬دار المعرفة ‪ -‬بيروت‪1379 ،‬‬

‫‪ ‬فتح المنعم شرح صحيح مسلم‬


‫‪22‬‬
‫المؤلف‪ :‬األستاذ الدكتورموسى شاهين الشين‬
‫الناشر‪ :‬دارالشروق‬
‫الطبعة‪ :‬األولى (لدارالشروق)‪ 1423 ،‬هـ ‪ 2002 -‬م‬
‫عدداألجزاء‪10 :‬‬
‫العرف الشذي شرح سنن الترمذي‬ ‫‪‬‬
‫المؤلف‪ :‬محمدأنورشاه بن معظم شاه الكشميري الهندي (المتوفى‪:‬‬
‫‪1353‬هـ)‬
‫تصحيح‪ :‬الشيخ محمودشاكر‬
‫الناشر‪ :‬دارالتراث ا لعربي ‪-‬بيروت‪،‬لبنان‬
‫الكتاب‪ :‬حاشية ا لسندي على سنن النسائي‬ ‫‪‬‬
‫المؤلف‪ :‬عبدالرحمن بن أبي بكر‪،‬جالل الدين السيوطي (المتوفى‪911 :‬هـ)‬
‫الناشر‪ :‬مكتب المطبوعات اإلسالمية ‪ -‬حلب‬
‫الطبعة‪ :‬الثانية‪1986 - 1406 ،‬‬
‫سنن أبي داود‬ ‫‪‬‬
‫المؤلف‪ :‬أبوداود سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشيربن شدادبن‬
‫عمرواألزدي الس ِِّّجسْتاني (المتوفى‪275 :‬هـ)‬
‫المحقق‪ :‬محمد محيي الدين عبدالحميد‬
‫الناشر‪ :‬المكتبة العصرية صيدا ‪ -‬بيروت‬
‫عدداألجزاء‪4 :‬‬
‫مسندالدارمي المعروف بسنن الدارمي‬ ‫‪‬‬
‫المؤلف‪ :‬أبومحمدعبدهللا بن عبدالرحمن بن الفضل بن َبهرام بن‬
‫عبدالصمدالدارمي‪،‬التميمي السمرقندي (المتوفى‪255 :‬هـ)‬
‫المحقق‪ :‬نبيل هاشم الغمري‬
‫الناشر‪ :‬دارالبشائر (بيروت)‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1434 ،‬هـ ‪2013 -‬م ‪.‬‬
‫سنن ابن ماجه‬ ‫‪‬‬
‫المؤلف‪ :‬ابن ماجة – وماجة اسم أبيه يزيد – أبوعبدهللا محمدبن‬
‫يزيدالقزويني (المتوفى‪273 :‬هـ)‬
‫المحقق‪ :‬شعيب األرنؤوط‬
‫الناشر‪ :‬دارالرسالةالعالمية‬

‫‪23‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1430 ،‬هـ ‪ 2009 -‬م‬
‫عدداألجزاء‪5 :‬‬
‫‪ ‬موطأ مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني‬
‫المؤلف‪ :‬مالك بن أنس بن مالك بن عامراألصبحي المدني (المتوفى‪:‬‬
‫‪179‬هـ)‬
‫تعليق وتحقيق‪ :‬عبدالوهاب عبداللطيف‬
‫الناشر‪ :‬المكتبة العلمية‬
‫الطبعة‪ :‬الثانية‪َ ،‬م ِّز َيدة منق َحة‬
‫عدداألجزاء‪1 :‬‬

‫‪ ‬أسدالغابة في معرفة الصحابة‬


‫المؤلف‪ :‬أبوالحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبدالكريم‬
‫ابن عبدالواحدالشيباني الجزري‪،‬عزالدين ابن األثير (المتوفى‪630 :‬هـ)‬
‫المحقق‪ :‬علي محمد معوض – عادل أحمدعبدالموجود‬
‫الناشر‪ :‬دارالكتب العلمية‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‬
‫سنةالنشر‪1415 :‬هـ ‪1994 -‬‬
‫‪ ‬الطبقات الكبرى‬
‫المؤلف‪ :‬أبوعبدهللا محمد بن سعد بن منيع الهاشمي‬
‫بالوالء‪،‬البصري‪،‬البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى‪230 :‬هـ)‬
‫تحقيق‪ :‬محمدعبدالقادرعطا‬
‫الناشر‪ :‬دارالكتبا لعلمية ‪ -‬بيروت‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1410 ،‬هـ ‪ 1990 -‬م‬
‫عدداألجزاء‪8 :‬‬
‫‪ ‬العقدالفريد‬
‫المؤلف‪ :‬أبوعمر‪،‬شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن‬
‫حيدربن سالم المعروف بابن عبدربه األندلسي (المتوفى‪328 :‬هـ)‬
‫الناشر‪ :‬دارالكتب ا لعلمية ‪ -‬بيروت‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1404 ،‬هـ‬
‫عدداألجزاء‪18 :‬‬

‫‪24‬‬
‫أنوارالتنزيل وأسرارالتأويل‬ ‫‪‬‬
‫المؤلف‪ :‬ناصرالدين أبوسعيدعبدهللا بن عمربن محمدالشيرازي البيضاوي‬
‫(المتوفى‪685 :‬هـ)‬
‫المحقق‪ :‬محمدعبدالرحمن المرعشلي‬
‫الناشر‪ :‬دارإحياءالتراث العربي ‪ -‬بيروت‬
‫الجامع ألحكام القرآن = تفسيرالقرطبي‬ ‫‪‬‬
‫المؤلف‪ :‬أبوعبدهللا محمد بن أحمد بن أبي بكربن فرح األنصاري‬
‫الخزرجي ‪ ،‬شمس الدين القرطبي (المتوفى‪671 :‬هـ)‬
‫الناشر‪ :‬دارالكتب المصرية ‪ -‬القاهرة‬
‫الطبعة‪ :‬الثانية‪1384 ،‬هـ ‪ 1964 -‬م‬
‫عدداألجزاء‪ 20 :‬جزءا (في ‪ 10‬مجلدات)‬
‫القاموس المحيط‬ ‫‪‬‬
‫المؤلف‪ :‬مجدالدين أبوطاهرمحمد بن يعقوب الفيروزآبادى (المتوفى‪:‬‬
‫‪817‬هـ)‬
‫تحقيق‪ :‬مكتب تحقيق التراث في مؤسسةالرسالة‬
‫سوسي‬ ‫بإشراف‪ :‬محمد نعيم العرق ُ‬
‫الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشروالتوزيع ‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‬
‫الطبعة‪ :‬الثامنة‪ 1426 ،‬هـ ‪ 2005 -‬م‬
‫حقوق اإلنسان في اإلسالم‬ ‫‪‬‬
‫المؤلف‪ :‬عبدهللا بن عبدالمحسن بن عبدالرحمن التركي‬
‫الناشر‪ :‬وزارةالشئون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد ‪ -‬المملكة‬
‫العربية السعودية ‪.‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1419 ،‬هـ‬
‫عددالصفحات‪115 :‬‬
‫حقوق النساء في اإلسالم وحظهن من اإلصالح المحمدي العام‬ ‫‪‬‬
‫المؤلف‪ :‬محمدرشيد بن علي رضا بن محمدشمس الدين بن محمد‬
‫بهاءالدين القلموني الحسيني (المتوفى‪1354 :‬هـ)‬
‫الناشر‪ :‬المكتباإلسالمي ‪ -‬بيروت ‪1404 -‬‬
‫تعليق‪ :‬محمدناصرالديناأللباني‬
‫عدداألجزاء‪1 :‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ ‬حقوق اإلنسان والقضايا الكبرى (بحث بقلم‪ :‬معالي األستاذ كامل إسماعيل‬
‫الشريف‪،‬قدم في الندوة العالمية لحقوق االنسان في االسالم المنعقدة في‬
‫روما بإيطاليا بتاريخ‪1420/11/19 :‬هـالموافق ‪2000/2/25‬م)‬
‫المؤلف‪ :‬كامل إسماعيل الشريف (المتوفى‪1429 :‬هـ)‬
‫الناشر‪ :‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‬
‫عدداألجزاء‪.1 :‬‬

‫‪26‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫مصادر الحضارة اإلسالمية‬


‫وما يجب معرفته على كل‬
‫مسلم‬

‫مصادر الحضارة اإلسالميّة‬

‫القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫السنّة النبويّة ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫اإلسالمي ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التراث‬ ‫‪.3‬‬
‫الخبرات اإلنسان ّية النافعة ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ .1‬القرآن الكريم‬
‫القرآن الكريم ‪ :‬كالم هللا تعالى المعجز‪ ،‬المنزلعلى خاتم األنبياء والمرسلين ‪ ،‬محمد صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬بوساطة األمين جبريل ‪ ،‬المنقول إلينا بالتواتر ‪ ،‬المتعبد بتالوته ‪ ،‬المبدوء بسورة‬
‫الفاتحة والمختوم بسورة الناس ‪ ،‬والمحفوظ بين دفتي المصحف ‪.‬‬
‫وقد نزل القرآن منجما حسب الحوادث وليسهل حفظه وفهمه والعمل به ‪.‬‬
‫وكان أول مانزل من القرآن الكريم اآليات األولى من سورة العلق ‪ ،‬قال تعالى ( اقرأ باسم‬
‫ربك الذي خلق ‪ .‬خلق اإلنسان من علق ) العلق‪1/‬ـ‪2‬‬
‫وآخر آية نزلت من القرآن على الراجح هي قوله تعالى ‪ ( :‬واتقوا يوما ً ترجعون فيه إلى هللا‬
‫ثم توفـى كل نفس ماكسبت وهم اليظلمون ) البقرة ‪. 281/‬‬

‫لم كان القرآن الكريم أول وأهم مصدر من مصادر الحضارة اإلسالمية ؟‬
‫ألن القرآن الكريم يعتبر بحد ذاته ظاهرة حضارية ضخمة ‪ ،‬فهو كتاب معجز واشتمل‬
‫علىمايضمن سعادة اإلنسان في الدنيا وآلخرة ‪،‬ومايحتاجه المسلم في مجال العقيدة والقيم‬
‫واألخالق والنظم واآلداب والمعامالت‪.‬‬
‫فالقرآن الكريم جاء بنظرة جديدة لإلنسان والكون والحياة ‪.‬‬
‫والقرآن الكريم فيه حث قوي على طلب العلم ‪ ،‬وأشاد بالعلماء وكرمهم ‪ ،‬وكانت أول كلمة‬
‫نزلت من القرآن " اقرأ "‪.‬‬
‫واحتوى القرآن أسلوبا ً حضاريا مثاليا ً للسلوك البشري ‪ .‬ونظم حياة الفرد واألسرة والمجتمع‬
‫كما احتوى القرآن الكريم على التشريعات النابعة من منطلق يستهدف السمو باإلنسان خلقيا ً‬
‫وفكريا ً وروحيا ‪.‬‬
‫وتضمن القرآن إعجازات علمية مازال اإلنسان يكتشف المزيد منها يوما ً بعد يوم ‪.‬‬
‫ودعا القرآن إلى تحكيم العقل والتفكر في آيات هللا الكونية من ليل ونهار وشمس وقمر وغير‬
‫ذلك ليكون إيمان المؤمن عن تعقل وليس مجرد أحاسيس وعواطف ‪.‬‬
‫وكذلك تحدث القرآن عن قصص وأخبار األقوام السابقين التي تشد اإلنسان إلى الماضي ‪،‬‬
‫ويأخذ منها العبرة والعظة ‪.‬‬
‫‪ .2‬السنة النبويّة‬

‫وجنبا إلى جنب مع مسيرة القرآن الكريم ‪ ،‬كانت السنة النبوية تطبيقا ا عمليا لماورد في‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬فما هي السنّة ؟‬
‫السنّة النبويّة ‪ :‬كل ماصدر عن النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬من قول أو فعل أو تقرير ‪.‬‬
‫ونستنبط من التعريف أن السنة ثالثة أنواع ‪ :‬قولية وفعلية وتقريرية ‪.‬‬
‫والسنة القولية ‪ :‬هي أقوال النبي صلى هللا عليه وسلم التي قالها في مختلف المناسبات‬

‫‪28‬‬
‫واألغراض ‪ ،‬كقوله مثال ً " الدين النصيحة ‪ ،‬قلنا لمن ؟ قال ‪ :‬هلل ‪ ،‬ولكتابه ‪ ،‬وألئمة المسلمين‬
‫وعامتهم " ‪.‬‬
‫والسنة الفعلية ‪ :‬هي أفعاله صلى هللا عليه وسلم التي نقلها عنه الصحابة الكرام ‪ ،‬مثل أدائه‬
‫مناسك الحج ‪ ،‬واعتكافه العشر األواخر من رمضان ‪.‬‬
‫والسنة التقريرية ‪ :‬هي ماصدر عن أصحابه صلى هللا عليه وسلم من أمرفسكت عنه ‪ ،‬أو لم‬
‫ينكره ‪ ،‬أو وافق عليه ‪ ،‬وأظهر استحسانه له ‪ ،‬مثل إقراره الجتهاد الصحابة في أمر صالة‬
‫العصر في غزوة بني قريظة ‪ ،‬حيث قال ‪ " :‬اليصلين أحد منكم العصر إال في بني قريظة "‬
‫‪ ،‬ففهم بعضهم هذا النهي على حقيقته ‪ ،‬فأخر الصالة إلى مابعد المغرب ‪ ،‬وفهم بعضهم أن‬
‫المقصود من هذا النهي هوالحث على اإلسراع ‪ ،‬فصالها في وقتها في الطريق ‪ .‬وبلغ النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم مافعل الفريقان فأقرهما ولم ينكر على أحدهما ‪.‬‬

‫أهمية السنة كمصدر من مصادر الحضارة اإلسالمية ‪:‬‬


‫وتأتي السنة في المقام الثاني بعد كتاب هللا تعالى ‪.‬ولقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم‬
‫تدل على حجيتها وأهميتها ومنها على سبيل المثال ال الحصر قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الذين‬
‫آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول ) النساء‪ . 59 /‬فالقرآن الكريم هو الدستور الذي يحوي‬
‫األصول والقواعد األساسية لإلسالم ‪ :‬من عقائد وعبادات وأخالق ومعامالت ‪.‬‬
‫والسنة النبوية كانت التطبيق العملي للقرآن ‪ .‬فجاءت تبيانا ً لمجمله ‪،‬وتوضيحا ً لمبهمه ‪،‬‬
‫وتخصيصا ً للعام منه ‪ ،‬وتقييدا ً للمطلق ‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أن السنة قد تأتي بأحكام غير‬
‫مذكورة بالقرآن ‪.‬‬
‫نشاط ‪ :‬على ضوء ما سبق‪ ،‬هات أمثلة تبين منزلة السنة من القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪ .3‬التراث اإلسالمي‬

‫التراث اإلسالمي ‪ :‬كل اآلثار الثقافية والمدنية التي أنجزت في ظل الحضارة اإلسالمية ‪ .‬وهو‬
‫مجموع ماخلفه المسلمون من إجماع وقياس واجتهاد ‪ ،‬في الفقه والتفسير والحديث ‪ ،‬وماقاله‬
‫اللغويون والنحويون ‪ ،‬وأهل البالغة والبيان ‪ ،‬وماجمعه المؤرخون من سير ومناسبات ‪،‬‬
‫وماخلفته األجيال من ثقافة وفنون وعلوم أي كل ماخلفه المسلمون من علوم وفنون وآثار‬
‫مادية ومعنوية ‪.‬‬
‫وقد أشرنا عند حديثنا عن التراث أن القرآن والسنة اليدخالن ضمن إطار التراث ألن‬
‫مصدرهما إلهي ‪ ،‬والتراث إنجاز بشري ‪ ،‬ولكننا ذكرنا أن االجتهاد واإلجماع من علوم‬
‫التراث اإلسالمي ‪ .‬وهي من المصادر الشرعية التي تستمد مشروعيتها من القرآن والسنة ‪.‬‬
‫فما هو االجتهاد ؟‬
‫االجتهاد لغة ‪ :‬بذل الجهد واستفراغ الوسع في أي فعل كان ‪.‬‬
‫وعند األصوليين ‪ :‬بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق االستنباط ‪ :‬وهذا يستلزم أن‬
‫يبذل من هو أهل لالجتهاد وسعه وطاقته في الوصول إلى حكم شرعي وأن يستخدم في ذلك‬

‫‪29‬‬
‫طريق االستنباط ‪.‬‬

‫وماهو اإلجماع ؟‬
‫اإلجماع لغة جاء بمعنيين ‪ :‬األول هو العزم والتصميم على الشيء ‪ .‬قال تعالى ‪( :‬فأجمعوا‬
‫أمركم) يونس‪ 71 /‬ـ أي اعزموا وصمموا ‪ .‬والثاني ‪ :‬االتفاق ‪ ،‬فيقال ‪ :‬أجمع القوم على كذا ‪،‬‬
‫أي اتفقوا عليه ‪.‬‬
‫وأما اإلجماع اصطالحا ًفهو ‪ :‬اتفاق مجتهدي األمة في عصر من العصور بعد عصر‬
‫الرسالة ‪ ،‬على حكم شرعي لم يرد فيه نص قاطع ‪.‬‬

‫نشاط‬
‫لقد جدّت مسائل وقضايا كثيرة في هذا العصر تحتاج إلى اجتهاد العلماء ـ ومن ث ّم اإلجماع‬
‫في الحكم عليها أو إيجاد حل لها ـ اذكري مثال واحدا ا على األقلّ‪.‬‬

‫‪ .4‬الخبرات اإلنسانيّة النّافعة ‪.‬‬


‫ويقصد بالخبرات اإلنسانيّة النافعة ‪ :‬العلوم والمعارف التي توصلت إليها البشرية مما يخدم‬
‫المجتمع اإلنساني إما بالبحوث واالكتشافات ‪ ،‬وإما باألسلوب التجريبي أو بالتطوير‬
‫واإلضافة في جميع مجاالت الحياة ‪.‬‬
‫فالخبرات البشرية نتيجة طبيعية إما للعلم وإما لممارسة الحياة ‪.‬‬
‫والحضارة اإلسالمية أخذت كل نافع ومفيد من الحضارات األخرى في شتى مجاالت الحياة‬
‫السياسية واالجتماعية واالقتصادية والفنية والصناعية والعادات والتقاليد والقيم مادامت‬
‫التنافي تعاليم اإلسالم ويمكن اإلفادة منها ‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك في جانب العلوم ‪ :‬ترجمت شتى أنواع العلوم إلى العربية وأفادت منها ‪ ،‬بل‬
‫أضافت وأبدعت وابتكرت فيها ‪ ،‬والسيما في جانب العلوم العملية كالطب والفلك والصيدلة‬
‫والجغرافيا والهندسة والرياضيات ‪.....‬إلخ‬
‫أما في الجانب اإلداري مثال ً ‪ :‬فلم ير الخليفة عمربن الخطاب بأسا ً ‪ ،‬في االستفادة من‬
‫الحضارة الفارسية والرومية ‪ ،‬فنقل نظام الدواوين الذي كان سائدا ً في تلك الحضارات ‪،‬‬
‫واستفاد منه ‪ ،‬وطبقه ‪ .‬فالحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها أخذها ‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ ‬دراسات في الثقافة اإلسالميّة ‪.‬أحمد محمد الجلي ‪ .‬دار الكتاب الجامعي ‪.‬‬
‫العين اإلمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط‪2010 . 2‬م‪.‬‬
‫‪ ‬لمحات في الثقافة اإلسالميّة ‪ .‬عمر عودة الخطيب ‪ .‬مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫بيروت ‪.‬ط‪1979 . 3‬م‪.‬‬
‫‪ ‬تاريخ عمان ودراسات في الحضارة اإلسالميّة ‪ .‬أسمهان سعيد الجرو‬
‫‪30‬‬
‫وآخرون ‪.‬جامعة السلطان قابوس ‪ .‬عمان ‪ .‬ط‪2009 . 2‬م ‪.‬‬
‫المرتكزات األساسيّة في الثقافة اإلسالميّة ‪ .‬أحمد صبحي العيادي ‪ .‬دار‬ ‫‪‬‬
‫الكتاب الجامعي ‪ .‬العين ‪ .‬اإلمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط ‪ 2007 .‬م ‪.‬‬
‫الثقافة والثقافة اإلسالميّة ‪ .‬سميح عاطف الزين ‪ .‬دار الكتاب اللبناني ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫بيروت ‪1403 .‬هـ ‪ 1983‬م ‪.‬‬
‫اإلسالم وثقافة اإلنسان ‪ .‬سميح عاطف الزين ‪ .‬الشركة العالمية للكتاب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫بيروت لبنان ‪ .‬ط‪ 2002 . 9‬م ‪.‬‬
‫عمان والحضارة اإلسالميّة ‪ .‬سعيد عبد الفتاح عاشور وعوض محمد‬ ‫‪‬‬
‫خليفات ‪ .‬جامعة السلطان قابوس ‪.‬مسقط ‪ .‬عمان ‪1425 .‬هـ ‪2004‬م ‪.‬‬
‫مدخل إلى الثقافة اإلسالمية ‪ .‬حمدي عبدهللا نافع ‪ .‬جامعة العين للعلوم‬ ‫‪‬‬
‫والتكنولوجيا ‪ .‬األمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط‪ 2006/2005 . 2‬م ‪.‬‬
‫إسهامات المسلمين في العلوم والفنون ‪ .‬حمدي عبدهللا نافع ‪ .‬جامعة العين‬ ‫‪‬‬
‫للعلوم والتكنولوجيا ‪ .‬اإلمارات العربية المتحدة ‪2007/2006 .‬م‪.‬‬
‫النظم اإلسالميّة نشأتها وتطورها ‪ .‬صبحي الصالح ‪.‬دار العلم للماليين ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫بيروت ‪ .‬لبنان ‪ .‬ط‪1992. 9‬م ‪.‬‬
‫علوم القرآن ‪ .‬عدنان زرزور ‪ .‬المكتب اإلسالمي ‪ .‬بيروت ‪ .‬ط‪1‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1401.‬هـ ‪1981‬م ‪.‬‬
‫بيروت ‪.‬لبنان ‪ .‬ط‪. 1981. 5‬‬ ‫‪‬‬
‫أصول الفقه ‪ .‬محمد أبو زهرة ‪.‬دار الفكر العربي ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫علم أصول الفقه ‪.‬عبد الوهاب خالّف ‪ .‬دار القلم ‪ .‬الكويت ‪ .‬ط‪. 20‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1406‬هـ ‪1986‬م‪.‬‬

‫‪ ‬المدخل الفقهي العام ‪.‬مصطفى أحمد الزرقا ‪ .‬دار القلم ‪ .‬دمشق ‪ .‬ط‪. 1‬‬
‫‪1418‬هـ ‪ 1998‬م‬

‫‪31‬‬
‫ما يجب معرفته على ك ّل مسلم‬
‫رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على المبعوث رحمةا للعالمين وعلى آله‬ ‫الحمد هلل ّ‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪ :‬فقد وجدنا من الضروري أن نعلـّم أبناءنا وبناتنا هذه األسس‬
‫الهامة التي يحتاجها المسلم في حياته وبعد مماته حتى ينجو بإذن هللا تعالى ويصل‬
‫إلى الجنة بسالم‪.‬‬
‫أولا‪ :‬أركان اإلسالم‪:‬‬

‫اإلسالم هو الدين الذي رضيه هللا سبحانه لنفسه ولعباده‪ ،‬قال تعالى‪( :‬إ َّن ال ِ ّدينَ ِعن َد َّ‬
‫َّللاِ‬
‫‪32‬‬
‫سالم)‪ )19( .‬آل عمران‪ ،‬والدين‪ :‬هو الطاعة والجزاء عليها‪.‬‬
‫اإل ْ‬
‫ِ‬
‫اعتراض أو‬
‫ٍ‬ ‫فاإلسالم إذن‪ :‬هو االستسالم ألوامر هللا تعالى ونواهيه‪ ،‬وتنفيذها؛ دون‬
‫إنكار أو تردد مع االعتقاد بصحتها وحكمتها‪ ،‬وهي ‪-:‬‬
‫‪ .1‬شهادة التوحيد‪ :‬ال إله إال هللا محمد رسول هللا‪.‬‬
‫‪ ‬ال إله إال هللا‪ :‬تعني أنه ال معبود بحق إال هللا تعالى‪ ،‬ال خالق وال رازق وال‬
‫محيي وال مميت إال هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو سبحانه المتصف بجميع صفات‬
‫الكمال والمنزه عن جميع صفات النقصان‪ ،‬قال عز وجل في محكم كتابه‪:‬‬
‫ير) (‪)11‬الشورى‬ ‫س ك َِمثْ ِل ِه ش َْيء َو ُه َو ال َّ‬
‫س ِمي ُع البَ ِص ُ‬ ‫(لَ ْي َ‬
‫‪ ‬محمد رسول هللا ‪ :‬هو خاتم األنبياء والمرسلين عليه أفضل الصالة والتسليم‪،‬‬
‫ورسالته خاتمة الرساالت‪ ،‬وال يقبل هللا تعالى أي عمل إذا لم يكن على سنته ‪.‬‬
‫‪ .2‬إقام الصالة‪:‬‬
‫شروط وأركان‪:‬‬‫ٌ‬ ‫‪ ‬وللصالة‬
‫‪ -‬أما شروطها‪ :‬فهي الفرائض التي تكون قبل الصالة وال تصح الصالة‬
‫بدونها وهي أربعة‪:‬‬
‫‪ .1‬الطهارة من النجاسة في البدن والثوب والمكان‪ ،‬والطهارة من الحدث‬
‫األصغر والحدث األكبر‪.‬‬
‫‪ .2‬ستر العورة‪.‬‬
‫‪.3‬دخول الوقت‪.‬‬
‫‪.4‬االتجاه إلى القبلة (الكعبة المشرفة)‬
‫وأما أركان الصالة ‪ :‬فهي الفرائض التي تكون ضمن الصالة وهي ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫النية‬ ‫‪.1‬‬
‫تكبيرة اإلحرام – (وقد اختُلف فيهما بين الشرط والركن) –‬ ‫‪.2‬‬
‫القيام مع القدرة‬ ‫‪.3‬‬
‫قراءة الفاتحة‬ ‫‪.4‬‬
‫الركوع ثم الرفع منه مع االطمئنان فيهما‬ ‫‪.5‬‬
‫السجدتان مع االطمئنان فيهما‬ ‫‪.6‬‬
‫الجلوس بين السجدتين مع الطمأنينة فيه‬ ‫‪.7‬‬
‫الجلوس األخير والتشهد فيه‬ ‫‪.8‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ .9‬السالم األول‬
‫‪ -‬والصلوات المفروضة خمسة في اليوم والليلة وهي‪:‬‬
‫فريضة الفجر‪ :‬ركعتان وقبلها ركعتا سنه‪ ،‬فريضة الظهر‪ :‬أربع ركعات‬
‫وقبلها أرب ٌع وبعدها ركعتا سنه‪ ،‬فريضة العصر‪ :‬أربع ركعات‪ ،‬فريضة‬
‫المغرب‪ :‬ثالث ركعات وبعدها ركعتا سنه‪ ،‬فريضة العشاء‪ :‬أربع ركعات‬
‫وبعدها ركعتا سنه ثم الشفع والوتر‪.‬‬

‫‪ .3‬إيتاء الزكاة ‪:‬‬


‫‪ .4‬صوم رمضان‪:‬‬
‫‪ .5‬حج البيت لمن استطاع إليه سبيالا ‪:‬‬
‫ثانيا ا ‪ :‬أركان اإليمان‪:‬‬

‫‪ ‬واإليمان ‪ :‬ما وقر في القلب وصدقه القول و العمل ‪.‬‬


‫‪ .1‬اإليمان باهلل تعالى‬
‫‪ .2‬اإليمان بالمالئكة الكرام‬
‫‪ .3‬اإليمان بالكتب السماوية‬
‫‪ .4‬اإليمان بالرسل الكرام عليهم السالم‬
‫‪ .5‬اإليمان باليوم اآلخر‬
‫‪ .6‬اإليمان بالقدر خيره وشره‬
‫‪ ‬والمالئكة هم‪ :‬أجسام نورانية ال يأكلون وال يشربون وال يتزوجون ‪ ،‬خلقهم‬
‫َّللاَ َما أ َ َم َر ُه ْم‬
‫صونَ َّ‬
‫هللا تعالى لعبادته وتنفيذ أوامره ‪ ،‬قال تعالى (ل يَ ْع ُ‬
‫َويَ ْفعَلُونَ َما يُ ْؤ َم ُرونَ ) (‪ )6‬التحريم‪ ،‬واليعلم عددهم إال هللا ‪ ،‬وسنذكر لكم أسماء‬
‫بعض المالئكة ومهامهم ‪:‬‬
‫‪ -‬جبريل عليه السالم (إنزال الوحي)‪.‬‬
‫‪ -‬ميكائيل عليه السالم (إنزال المطر وتقدير األرزاق)‪.‬‬
‫‪ -‬إسرافيل عليه السالم (النفخ في الصور)‪.‬‬
‫‪ -‬ملك الموت (قبض األرواح)‪.‬‬
‫‪ -‬حملة العرش والحفظة وغيرهم‬
‫‪ ‬والكتب السماوية خمسة‪:‬‬
‫‪ -‬صحف إبراهيم وموسى عليهما السالم‬
‫‪ -‬التوراة وأنزلت على سيدنا موسى عليه السالم‬
‫‪ -‬الزبور وأنزلت على سيدنا داوود عليه السالم‬

‫‪34‬‬
‫‪ -‬اإلنجيل وأنزلت على سيدنا عيسى عليه السالم‬
‫‪ -‬القرآن الكريم وأنزل على خاتم األنبياء والمرسين سيدنا محمد عليه‬
‫الصالة والسالم‬
‫تعريف الرسول والنبي‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬الرسول‪ :‬رجل أوحى هللا إليه بوحي وأمره بتبليغه للناس‬
‫‪ -‬النبي‪ :‬رجل أوحى هللا إليه بوحي ولم يأمره بتبليغه للناس‬
‫والفرق بينهما أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول‬
‫‪ -‬أولو العزم من الرسل خمسة وهم‪:‬‬
‫‪.1‬نوح عليه الصالة والسالم ‪.2‬إبراهيم عليه الصالة والسالم ‪.‬‬
‫‪ .3‬موسى عليه الصالة والسالم ‪.4‬عيسى عليه الصالة والسالم ‪.‬‬
‫‪ .5‬خاتم األنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصالة وأتم التسليم‬
‫‪ -‬وقد ذكر في القرآن الكريم (‪ )25‬خمسة وعشرون نبيا ً ورسوالً فقط‬
‫وال يعلم عدد جميع األنبياء والرسل إال هللا ‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬اإلحسان‪ :‬وهو أن تعبد هللا تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ‪ ،‬وهو‬
‫مقام المراقبة هلل عز وجل ‪ ،‬وهو أعلى مراتب اإليمان‪.‬‬

‫رابعاا‪ :‬الفرض العيني والفرض الكفائي‪:‬‬


‫طلب فعله من كل مكلف (المسلم‪ ،‬البالغ‪،‬‬ ‫‪ .1‬الفرض العيني هو‪ :‬كل فرض ُ‬
‫العاقل)‪ ،‬ومثاله الصلوات الخمس‪ ،‬الصيام‪ ،‬الزكاة‪..‬‬
‫‪ .2‬الفرض الكفائي هو‪ :‬الفرض الذي إذا قام به بعض المسلمين سقط اإلثم عن‬
‫الباقين‪ ،‬ومثاله صالة الجنازة‪ ،‬تعلم العلوم المختلفة‪ ،‬وخصوصا ً االختصاصات‬
‫النادرة ‪.‬‬

‫خامساا‪ :‬عالمات الساعة‪:‬‬


‫‪ .1‬من عالمات الساعة الصغرى‪:‬‬
‫‪ -‬بعثة النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬انشقاق القمر‪.‬‬
‫‪ -‬وفاته عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫‪ -‬فتح بيت المقدس‪.‬‬
‫‪ -‬تطاول الحفاة العراة في البنيان‪.‬‬
‫‪ -‬كثرة الهرج‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪ -‬خروج النساء كاسيات عاريات مائالت مميالت رؤوسهن كأسنمة‬
‫البخت‪.‬‬
‫‪ -‬تقارب الزمان‪.‬‬
‫‪ -‬تزيين المساجد والتباهي بها‪.‬‬
‫‪ -‬أن يسود القبيلة منافقوهاوفجارها‪.‬‬
‫‪ -‬تداعي األمم واجتماعهم على المسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬قبض العلم وكثرة الجهل‪.‬‬
‫‪ -‬كثرة الزالزل‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور الفتن‪.‬‬
‫‪ -‬قطع األرحام‪.‬‬
‫‪ -‬كتمان شهادة الحق‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور الشهادة بالزور‪.‬‬
‫‪ .2‬ومن عالمات الساعة الكبرى‪:‬‬
‫‪ -‬ظهور اإلمام المهدي‪.‬‬
‫‪ -‬نزول سيدنا عيسى عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور قوم يأجوج ومأجوج ثم هالكهم‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور األعور الدجال ثم هالكه على يد سيدنا عيسى عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -‬خراب الكعبة المشرفة على يد ذي السويقتين الحبشي‪.‬‬
‫‪ -‬الدخان‬
‫‪ -‬ثالثة خسوف‪ :‬خسف بالمشرق‪ ،‬خسف بالمغرب ‪ ،‬خسف بجزيرة‬
‫العرب‬
‫‪ -‬نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم‪.‬‬
‫‪ -‬خروج الدابة‬ ‫‪ -‬طلوع الشمس من مغربها‬
‫تواريخ مهمه في حياة المسلم‬

‫‪ .1‬مولده الشريف صلى هللا عليه وسلم (‪53‬قبل الهجره) ولد سيدنا محمد بن عبد هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم في مكه يوم االثنين الثاني عشر من ربيع األول (‪571‬م) وهو‬
‫مايعرف بعام الفيل‪.‬‬
‫‪ .2‬البعثة النبوية الشريفة (بدء الوحي) سنة (‪13‬قبل الهجرة) وفي يوم االثنين من شهر‬
‫رمضان (أغسطس‪610‬م) نزل جبريل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهو‬
‫يتعبد في غار حراء وكان عمره ‪ 40‬سنه‪.‬‬
‫‪ .3‬عام الحزن سنة (‪10‬للبعثة النبوية) قبل الهجرة بثالث سنوات توفي عم الرسول‬

‫‪36‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم أبوطالب ‪ ،‬وبعده بحوالي شهرين توفيت السيدة خديجة رضي‬
‫هللا عنها التي كانت للرسول صلى هللا عليه وسلم وزير صدق على اإلسالم‪ ،‬فكان‬
‫الرسول الكريم يسميه هذا العام بعام الحزن‪.‬‬
‫‪ .4‬حادثة اإلسراء والمعراج (‪11‬للبعثة النبوية) في ليلة (‪27‬من رجب) أسرى هللا‬
‫برسولنا الكريم من مكه إلى بيت المقدس‪ ،‬حيث صلى باألنبياء إماما ً ثم عرج به في‬
‫نفس الليلة إلى ما فوق السماوات السبع ثم فرضت عليه الصالة ألهميتها ‪،‬ثم عاد‬
‫إلى مكه ولم يبرد فراشة‪.‬‬
‫‪ .5‬بيعة العقبة األولى (‪ 12‬للبعثة النبوية) في موسم الحج ‪ ،‬وافى الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ 12‬رجالً من أنصار التقوه بالعقبة (مكان في منى) فبايعوا رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم على طاعة هللا ورسوله وإتباع ما جاء باإلسالم ‪ ،‬وبعث‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم معهم مصعب بن عمير مفقها ً ومعلما ً وداعيا ً لإلسالم‪.‬‬
‫‪ .6‬بيعة العقبة الثانية (‪ 13‬للبعثة النبوية) في العام التالي عاد مصعب ومعه ‪ 73‬رجالً‬
‫وامرأتان من األوس والخزرج ‪ ،‬وبايعوا الرسول العظيم على حمايته ونصرة‬
‫اإلسالم وبذل األموال واألرواح في سبيله ‪ ،‬ودعوه لقدوم يثرب واإلقامة فيها‪.‬‬
‫‪ .7‬هجرة الرسول صلى هللا عليه وسلم (‪ 1‬هـ) مكة إلى المدينة في بداية السنة‬
‫(‪14‬للبعثة النبوية الشريفة) هيّأ هللا تعالى لرسوله الكريم الخروج من مكه سالما ً مع‬
‫صاحبه أبي بكر الصديق رضي هللا عنه فمكثا في (غار ثور ‪ 3‬أيام) ‪ ،‬ثم انطلقا‬
‫حتى وصال (قباء على مشارف يثرب يوم اإلثنين الثاني عشر من ربيع األول )‬
‫فأقام الرسول صلى هللا عليه وسلم أربعة أيام بنى خاللها أول مسجد في اإلسالم ‪،‬‬
‫ثمغادر يوم الجمعه إلىيثرب على ناقته التي بركت في ساحة وسط المدينة حيث تم‬
‫بناء المسجد النبوي الشريف‪.‬‬
‫‪ .8‬غزوة بدر الكبرى (‪2‬هـ) فقد بدأت المعركة بمبارزة (يوم الجمعة في ‪ 17‬من‬
‫رمضان) حيث صرع المسلمين مبارزيهم من المشركين‪ ،‬ثم التحم الجيشان طوال‬
‫اليوم ‪ ،‬وشاركت المالئكة في القتال بأمر من هللا ‪ ،‬وانتهت المعركة ونصر هللا جندة‬
‫وهزم المشركين فقتل ‪ 70‬من صناديدهم وأسر ‪.70‬‬
‫‪ .9‬غزوة أحد سنة (‪3‬هـ) السبت ‪ 15‬شوال دارت معركة قوية بين المسلمين‬
‫والمشركين ‪ ،‬وكان أن يكون النصر للمسلمين لوال انكشاف ظهرهم ‪ ،‬عندما انشغل‬
‫الرماة بجمع الغنائم ‪ ،‬ففاجئهم العدو بهجوم خاطف حول النصر إلى هزيمة ‪،‬‬
‫واستشهد في المعركة ‪ 70‬من المسلمين‪.‬‬
‫غزوة الخدق (األحزاب) سنة (‪5‬هـ) في شوال فقد جاءت جيوش الكفر إلى‬ ‫‪.10‬‬
‫المدينة مقاتلة تحت قيادة أبي سفيان ‪ ،‬ورأى المسلمين أنفسهم في موقف عصيب‬
‫وجمع الرسول صلى هللا عليه وسلم أصحابه ليشاورهم في األمر‪ ،‬فتقدم سلمان‬
‫الفارسي واقترح أن يتم حفر خندق يغطي المنطقة المكشوفة حول المدينة ‪ ،‬وبالفعل‬
‫بدأ المسلمون في حفر الخندق الذي صعق قريش حين رأته في األول من شوال ‪،‬‬

‫‪37‬‬
‫فعجزت عن اقتحام المدينة وأرسل هللا عليهم ريحا ً صرصرا ً عاتيه لم يستطيعوا‬
‫معها إال الرحيل والعودة إلى ديارهم خائبين‪.‬‬
‫صلح الحديبة (‪6‬هـ) سمي بذلك ألنه وقع في منطقة تسمى الحديبية ‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫فتح خيبر (‪7‬هـ) في محرم ‪ ،‬فتحت خيبر لما انتهت السنه السادسة للهجرة ‪،‬‬ ‫‪.12‬‬
‫وأقبل هالل محرم من أول السنة السابعة للهجره تهيأ الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫لمعركة حاسمة تقطع دابر المكر اليهودي من أرض الحجاز ‪ ،‬فخرج الرسول‬
‫الكريم مع ‪ 1400‬مقاتل في النصف الثاني من محرم إلى خيبر (معقل اليهود) وسار‬
‫يفتح حصون خيبر ومعاقلها واحدا ً اثر واحد ‪.‬‬
‫غزوة مؤته في جمادى األولى (‪8‬هـ) عزم الرسول صلى هللا عليه وسلم‬ ‫‪.13‬‬
‫على تأديب شرحبيل بن عمرو الغساني لقتله رسوله فخرج المسلمين بجيش من‬
‫‪ 3000‬بقيادة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدهللا بن رواحة ‪ ،‬والتقى‬
‫الجيش مع الروم في أول لقاء عسكري بين الطرفين ‪ ،‬واشتد القتال واستشهد القادة‬
‫الثالثة ثم قاد الجيش خالد بن الوليد الذي أنقذ بقية الجيش إلى المدينة المنورة‪.‬‬
‫فتح مكه (‪ 20‬أو ‪ 23‬من رمضان في سنة ‪8‬هـ)‬ ‫‪.14‬‬
‫غزوة تبوك في رجب (‪9‬هـ) علم الرسول صلى هللا عليه وسلم أن أمير‬ ‫‪.15‬‬
‫تبوك قام بحشد جيش كبير لمهاجمة المسلمين ‪ ،‬فخرج المسلمون في وقت كان فيه‬
‫الحر شديدا ً قاصدين تبوك ‪ ،‬ولكن لم يجد المسلمين أثرا ً لجيش الروم ‪ ،‬فأقام‬
‫المسلمون عسرون ليلة لم يحدث فيها قتال وكانت هذه آخر غزوات الرول صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫حجة الوداع في شهر ذي الحجة (‪10‬هـ)‪.‬‬ ‫‪.16‬‬
‫وفاة الرسول عليه الصالة والسالم في شهر ربيع األول (‪11‬هـ الموافق‬ ‫‪.17‬‬
‫سنة ‪ 23‬للبعثة النبوية الشريفة)‬

‫أهم المصادر والمراجع‬


‫مختصر تفسير الطبري ‪ .‬اختصار وتحقيق محمد علي الصابوني ومحمد صالح‬ ‫‪‬‬
‫أحمد رضا ‪ .‬دار القرآن الكريم ‪ .‬بيروت‪ .‬ط‪1403 . 1‬هـ ‪1983‬م ‪.‬‬
‫مختصر ابن كثير ‪ .‬اختصار وتحقيق محمد علي الصابوني ‪ .‬دار القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫بيروت ‪ .‬ط‪1402 . 7‬هـ ‪1981‬م ‪.‬‬
‫فتح الباري شرح صحيح البخاري البن حجر ‪ .‬دار الريان للتراث ‪ .‬القاهرة ‪ .‬ط‪. 2‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1407‬هـ ‪1987/‬م ‪.‬‬
‫صحيح مسلم بشرح النووي ‪ .‬دارأبي حيان ‪ .‬دبي ‪ .‬ط‪1415 .1‬هـ ‪1995‬م ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪38‬‬
‫عون المريد لشرح جوهرة التوحيد ‪ .‬عبد الكريم تتان ومحمد أديب الكيالني ‪ .‬دار‬ ‫‪‬‬
‫البشائر للطاعة والنشر ‪ .‬دمشق ‪ .‬ط‪1419 . 2‬هـ ‪1999‬م ‪.‬‬
‫العقيدة اإلسالمية وأسسها ‪ .‬عبد الرحمن حسن حبنكة ‪ .‬دار القلم ‪ .‬دمشق ‪ .‬ط‪. 5‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1408‬هـ ‪ 1988‬م ‪.‬‬
‫أصول العقائد اإلسالمية ‪ .‬عبد هللا عرواني ‪ .‬دار القلم ‪ .‬دمشق ‪ .‬ط‪1403 .3‬هـ‬ ‫‪‬‬
‫‪1983‬م ‪.‬‬
‫فقه علوم اآلخرة ‪ .‬محمد بشير الشقفة ‪ .‬دار اإليمان ‪1436 .‬هـ ‪ 2015‬م‬ ‫‪‬‬
‫اإليمان بعوالم اآلخرة ومواقفها ‪ .‬عبد هللا سراج الدين ‪ .‬مطبعة األصيل ‪ .‬حلب ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1404‬هـ ‪ 1984‬م ‪.‬التذكرة في أحوال الموتى وعوالم اآلخرة للقرطبي ‪ .‬تحقيق‬
‫فواز أحمد زمرلي ‪ .‬دار الكتاب العربي ‪ .‬ط‪1408 . 1‬هـ ‪1988‬م ‪.‬‬
‫الفقه المالكي في ثوبه الجديد ‪ .‬محمد بشير الشقفة ‪ .‬دار القلم ‪ .‬دمشق ‪ .‬ط‪. 3‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1428‬هـ ‪ 2007‬م ‪.‬‬
‫الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ .‬وهبه الزحيلي ‪ .‬دار الفكر ‪ .‬ط‪1404 . 1‬هـ ‪1984‬م ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تهذيب سيرة ان هشام ‪ .‬عبد السالم هارون ‪ .‬مؤسسة الرسالة ‪ .‬الكويت ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫السيرة النبوية ‪ .‬أبو الحسن الندوي ‪ .‬تحقيق سيد عبد الماجد غوري ‪ .‬دار ابن كثير‬ ‫‪‬‬
‫‪ .‬دمشق بيروت ‪ .‬ط‪1425 . 3‬هـ ‪ 2004‬م ‪.‬‬
‫إنها النبوة ‪ .‬صالح أحمد رضا ‪ .‬اإلنسان لالستشارات التعليمية ‪ .‬عجمان ‪ .‬ط‪. 1‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1431‬هـ ‪2010‬م ‪.‬‬
‫الرحيق المختوم ‪ .‬صفي الرحمن المباركفوري ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ .‬بيروت ‪ .‬لبنان‬ ‫‪‬‬
‫ط‪ 1408 . 1‬هـ ‪ 1988‬م ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫المبحث الرابع‬

‫مراحل الحضارة اإلسالميّة‬


‫وخصائصها‬

‫مراحل الحضارة اإلسالميّة‬


‫( المولد ـ النشأة ـ الزدهار )‬
‫قبل الحديث عن الحضارة اإلسالمية ومراحلها ‪ ،‬البد من اإلشارة إلى أن شبه الجزيرة‬
‫العربية ‪ ،‬قد شهدت منذ أقدم العصورحضارات يعد بعضها من أرقى الحضارات البشرية ‪،‬‬
‫وإن كانت هذه الحضارات متباعدة من ناحية المكان وربما من ناحية الزمان ‪.‬‬
‫ويمكننا أن نحدد ثالثة مراكز كبرى للحضارة في شبه الجزيرة العربية ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫ـ حضارات اليمن ‪.‬‬
‫ـ حضارة الحجاز‪.‬‬
‫ـ حضارة الركن الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية " عمان وماجاورها " ‪.‬‬
‫ثم جاء اإلسالم ليصنع أعظم حضارة في شبه الجزيرة العربية ‪ ،‬بل على وجه األرض ‪.‬‬
‫إذا ً ‪ :‬إذا أردنا أن نتحدث عن مولد الحضارة اإلسالميّة ‪ ،‬وأن نحدد نقطة البداية أو‬

‫‪40‬‬
‫المولد لهذه الحضارة ‪ ،‬فيمكن تحديده بنزول القرآن الكريم على النبي محمد صلى هللا عليه‬
‫وسلم في مكة المكرمة ‪.‬‬
‫وعندما نقول نقطة البداية هي نزول القرآن الكريم ‪ ،‬ألن هذا القرآن صاغ اإلنسان العربي‬
‫صياغة جديدة ‪ ،‬فكان المسلمون األوائل يتلقون القرآن بالحفظ والمدارسة والتطبيق الفوري‬
‫والعملي وكان الرسول صلى هللا عليه وسلم كما أسلفنا في مصادر الحضارة اإلسالمية هو‬
‫المصدر الثاني للتشريع فيرجع إليه المسلمون في كل شؤونهم وكان االهتمام منصبا ً على‬
‫حفظ القرآن وتطبيقه وتلقي السنة عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫فاإلسالم بقيمه وتعاليمه حول إنسان الجزيرة العربية من كم مهمل القيمة له والأثر فيما‬
‫يجري حوله ‪ ،‬إلى قوة هائلة فاعلة في الحياة اإلنسانية جمعاء‪.‬‬
‫واالسالم استهدف في المقام األول السمو باإلنسان إلى ما فيه خير الفرد والمجتمع ‪ ،‬لذلك لم‬
‫يلغ االسالم كل ما كان سائدا في المجتمع الجاهلي ‪ ،‬وإنما رفض بعضا وعدل بعضا ً وأقر كل‬
‫ما يوافق روح اإلسالم وقيمه وآدابه ‪.‬‬
‫نشاط‬
‫هات أمثلة على قولنا‪ :‬رفض بعضا ا ‪ ،‬عدّل بعضا ا ‪ّ ،‬‬
‫أقر كل ما يوافق روح اإلسالم وقيمه‬
‫وآدابه‪.‬‬

‫نمو الحضارة اإلسالمية‪:‬‬


‫ّ‬
‫والمراحل التي تمر بها الحضارة تشبه المراحل التي يمر بها اإلنسان فمن طور الوالدة إلى‬
‫النمو والنشأة ثم قمة االزدهار والشباب ثم ال تلبث أن تضعف وتتدهور إلى أن تؤول للسقوط‬
‫واالنهيار‪.‬‬
‫وعندما خرج العرب المسلمون من شبه جزيرتهم فاتحين أخذت الحضارة اإلسالميه تدخل‬
‫مرحلة جديدة تتصف بالنمو التدريجي إذ التقى المسلمون في البالد التي فتحوها بحضارات‬
‫أخرى معظمها عريق ‪ ،‬وبلغ شأوا ً عظيما في شتى مناحي الحياة‪.‬‬
‫وإنك لتعجب كيف استطاع هذا العربي الذي خرج من شبه جزيرته ببساطته وبداوته كيف‬
‫استطاع أن يمتزج مع الحضارات األخرى وأن يفيد من علومها وثقافتها بل أن يسودها ويدير‬
‫شؤونها ‪.‬‬
‫واألعجب من ذلك أن هذه الشعوب دخلت في معظم األحيان طواعية في اإلسالم وتعلمت لغة‬
‫الفاتحين ‪ .‬بل صارت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبالد المفتوحة بعد أن دانت اإلسالم‬
‫وذلك في سنوات قالئل وإلى وقتنا الحاضر ‪.‬‬
‫ولكن البد لنا من وقفة هنا‪ :‬نتبين فيها موقف المسلمين من حضارات األمم والشعوب األخرى‬
‫وخاصةً الحضارتين اليونانية والفارسية ‪،‬وهنا نالحظ أن المسلمين لم يقفوا موقفا ً عدائيا ً من‬
‫هذه الحضارات ألنها ذات جذور غير إسالمية ولكن موقفهم كان موقف التأمل والدراسة‬
‫والتمحيص‪.‬‬
‫إذ اقتبسوا وأقروا كل ما يوافق روح اإلسالم وتعاليمه ومبادئه وعدلوا ما احتاج إلى تعديل‬
‫وتصويب وكشفوا ما فيه من زيف وأخطاء ‪،‬ورفضوا واستبعدوا كل ما ال يتوافق مع روح‬
‫اإلسالم وتعاليمه وقيمه وال أدل على ذلك من حركة الترجمة التي استفاد منها المسلمون ‪،‬‬

‫‪41‬‬
‫وهذا ما أشرنا إليه في مصادر الحضارة اإلسالمية – الخبرات اإلنسانية –‬
‫وبما أننا شبهنا الحضارة بمراحل تطور اإلنسان فإذا كانت مكة فد شهدت مولد الحضارة‬
‫اإلسالمية فإن المدينة المنورة قد شهدت مرحلة الحضانة أما دمشق فقد شهدت دور النشأة ثم‬
‫جاء االزدهار في ثالثة مراكز كبرى للحضارة وهي بغداد وقرطبةوالقاهرة‪.‬‬
‫والحضارة اإلسالمية في مرحلة النمو والنشأة حاولت اإلفادة من علوم وحضارات األمم‬
‫األخرى في شتى المجاالت‪ ،‬ففي هذا العصر أرسى األمويون أسس التراث العلمي الذي بنى‬
‫عليه العباسيون النهضة واالزدهار العلمي الشامل في شتى مجاالت العلوم فيما بعد‪.‬‬
‫ومن أهم أسباب النهضة العلمية حركة التعريب في عهد الخليفة عبدالملك بن مروان ‪ ،‬الذي‬
‫جعل من اللغة العربية لغة رسمية للدولة أصبحت تستخدم في كل أصقاعها من المشرق إلى‬
‫المغرب ‪ ،‬يضاف إلى ذلك تدوين العلوم وترجمتها وتعريبها للمرة األولى ‪ ،‬كما أن اتساع‬
‫الدولة اإلسالمية ودخول شعوب جديدة في اإلسالم أتاح التعرف على حضاراتها واالستفادة‬
‫من تلك المعارف في تطوير الحضارة اإلسالمية ‪.‬‬
‫وكان من أهم مجاالت العلوم التي عني بها المسلمون في مرحلة النشأة العلوم الدينية‬
‫واللغوية والتاريخ والجغرافيا والفلسفة والطب ‪.‬‬
‫وقد انقسمت الحركات العلمية في هذا العصر إلى أربع حركات ‪:‬‬
‫‪ -‬الحركة الدينية ‪ :‬المعنية بعلوم الدين مثل تفسير القرآن واألحاديث والتشريع‬
‫‪ -‬الحركة التاريخية ‪ :‬المعنية بتوثيق التاريخ والقصص والمغازي ونحوها‬
‫‪ -‬الحركة األدبية ‪ :‬المعنية بالشعر والنثر وعلوم اللغة‬
‫‪ -‬الحركة الفلسفية ‪ :‬المعنية بالمنطق والكيمياء والطب وما شابهها‬
‫وكان لخالد بن يزيد بن معاوية نزعة فلسفية فدعم بشدة الحركة العلمية في مجال الطب‬
‫والكيمياء والفلك ‪ ،‬كما كان للخليفة عمر بن عبدالعزيز دور واضح في دعم الحركة الدينية‬
‫وخصوصا ً تدوين الحديث الشريف‪.‬‬
‫لكن االهتمام األكبر في طور النشأة انصب على العلوم الدينية اإلسالمية ‪ ،‬والنشاط اللغوي‬
‫واألدبي لحاجة الناس الماسة إليها في ذلك الوقت ‪ .‬فالغالبية العظمى دخلت الدين الجديد‬
‫وتحاول أن تتعلم تعاليمه ولغته فالمسلمون وبخاصة في البالد المفتوحة كانوا بحاجة ماسة إلى‬
‫تعلم القرآن الكريم مما أدى إلى نشوء علم قراءات القرآن الكريم ‪ ،‬وهذه القراءات بحاجة إلى‬
‫ضبط وقواعد مما أدى إلى نشوء علم النحو ‪ .‬وكذلك هم بحاجة إلى فهم آياته مما أدى إلى‬
‫نشأة علم التفسير وما يلزمه من العناية بالمنطق والتاريخ والعلوم الطبيعية‪.‬‬
‫كما كان الحديث النبوي الشريف بحاجة |إلى جمع شتاته والحفاظ عليه من الدس والضياع ‪،‬‬
‫وبحاجة إلى التبويب والتنظيم مما أدى إلى ظهور البذور األولى لعلم الحديث ‪.‬‬
‫كما أن المجتمع اإلسالمي استجدت فيه مسائل وأحداث كثيرة لم تكن في عهد النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬مما أدى إلى استنباط أحكام لهذه المسائل من القرآن والسنة فنشأ ما يسمى بعلم‬
‫الفقه ‪.‬‬
‫وال نستطيع أن نغفل ما تفوق به العربي في مجال الشعر ‪،‬وقدساعده على ذلك صفاء ذهنه‪،‬‬
‫وانبساط بيئته ‪ ،‬وغنى وثراء لغته ‪ ،‬باإلضافة إلى الحوافز المادية للشعراء من قبل الكثير من‬
‫الخلفاء‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ازدهار الحضارة اإلسالمية‪:‬‬
‫كان أوج ازدهار الحضارة اإلسالمية في القرنين الثالث والرابع الهجري ‪ ،‬وتميزت الحضارة‬
‫اإلسالمية في ذلك الوقت بوجود عدة مراكز لها ‪ ،‬وأولى هذه المراكز كانت بغداد حاضرة‬
‫الخالفة العباسية التي قامت سنة ‪132‬هـ ‪ ،‬لتحل محل الخالفة األموية في دمشق‪.‬‬
‫كما انبعث شعاع قوي لمركز حضاري عظيم في الوقت نفسه ‪ ،‬فكانت قرطبة حاضرة الدولة‬
‫الجديدة التي أقامها بنو أمية في األندلس سنه ‪138‬هـ ‪.‬‬
‫ثم برزت القاهرة كمركز حضاري في أواسط القرن السابع الهجري في الوقت الذي سقطت‬
‫فيه بغداد على يد هوالكو زعيم المغول أو التتار سنة ‪656‬هـ وقرطبة على يد فرديناند الثالث‬
‫ملك قشتاله سنة ‪633‬هـ‪.‬‬
‫فورثت القاهرة في عصر سالطين المماليك أمجاد بغداد وقرطبة جميعا ً ‪ ،‬وغدت المقر الجديد‬
‫للخالفة العباسية ‪ ،‬ومركزا ً لنهضة حضارية ضخمة أطلق عليها اسم النهضة الثانية في‬
‫اإلسالم ‪ ،‬ومنطلقا ً لنشاط حربي وسياسي واقتصادي احتل مكان الريادة في العالم اإلسالمي‪.‬‬
‫وقد شهدت الحركة العلمية ازدهارا ً واضحا ً في العصر العباسي في المشرق‪ ،‬وفي قرطبة‬
‫واألندلس على يد األمويين في المغرب ويعود ذلك لعدة أسباب من أهمها ‪:‬‬
‫‪ -‬ظهور كثير من العلماء والمفكرين في مختلف العلوم وتشجيع الخلفاء لهم‪،‬‬
‫فقد اهتم الخلفاء بالعلم والعلماء فقربوهم وشجعوهم‪ ،‬وكان من أبرزهم‬
‫الخليفة هارون الرشيد الذي شجع على العلم واألدب ووفر كل ما يحتاجه‬
‫العلماء واألدباء في بحوثهم ودراساتهم ‪.‬‬
‫‪ -‬انتشار حركة الترجمة واهتمام الخلفاء بها ‪ ،‬إذ حرص الخلفاء على نقل‬
‫العلوم عن الحضارات األخرى كالفارسية والهندية واليونانية وصارت‬
‫الترجمة عمالً رسميا ً بعدما كانت في العصر األموي عمالً فرديا ً يقوم به‬
‫بعض الراغبين فيه‪.‬‬
‫‪ -‬التوسع في التعليم العام وبناء المدارس ‪ ،‬والمؤسسات الثقافية مثل دور‬
‫الوراقين والتي تعرف اليوم بالمكتبات ‪ ،‬ودور العلم والربط فضالً عن‬
‫المساجد‪.‬‬
‫‪ -‬التنافس الشديد بين الدويالت في ظل العصر العباسي الثاني ‪ ،‬ومنافستها في‬
‫جذب الشعراء والعلماء واألدباء والفنانين‪.‬‬
‫ونذكر على سبيل المثال ال الحصر أسماء بعض هؤالء العلماء‬
‫فمن العلماء البارزين في اللغة واألدب والشعر‪:‬‬
‫الخليل بن أحمد الفراهيدي في علم النحو والعروض (نظم الشعر)‬
‫وعمرو بن الجاحظ (في األدب والبالغة)‬
‫واألصمعي (األدب واللغة)‬
‫أما شعراء هذا العصر فمن أبرزهم أبوالعتاهيه ‪ ،‬والعباس بن األحنف ‪ ،‬وأبو تمام الطائي ‪،‬‬
‫والبحتري والمتنبي ‪ ،‬والشريف الرضي وأبو العالء المعري ‪ ،‬وأبو نواس‬
‫كما تميز اإلمام أبو حنيفه وتلميذاه أبو يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهم في علم الفقه‬

‫‪43‬‬
‫ومن المؤرخين البارزين محمد بن جرير الطبري واليعقوبي‬
‫وبرز في الجغرافيا المسعودي‬
‫أما الرياضيات والفيزياء فقد برز فيهما أبو الحسن بن الهيثم‬
‫وفي علم الجبر محمد بن موسى الخوارزمي‬
‫وفي الكيمياء جابر بن حيان‬
‫وغيرهم كثيرون ممن ترجمت مؤلفاتهم إلى اللغات األوروبية ‪ ،‬واستفيد منها في النهضة‬
‫األوروبية الحديثة ‪.‬‬

‫ـ المنهج العلمي التجريبي‬

‫رغم تلك المبتكرات والمخترعات العلمية والكشوف في مجاالت العلم المختلفة‪ .‬فقد كان‬
‫اسهام العرب األكبر فيما وضعوه من طرق البحث العلمي التجريبي الذي كان أساسا ً‬
‫للحضارة األوروبية الحديثة ‪ ،‬كما يعترف بذلك معظم الدارسين الغربيين‪.‬‬
‫وهذا المنهج كان ابتكارا ً اسالميا ً ‪ ،‬ألن الثقافة القديمة وخاصة اليونانية ‪ ،‬التي احتك بها‬
‫المسلمون أكثر من غيرها من الثقافات تجهل الطريقة التجريبية وتحتقرها وال تعنى إال‬
‫بالدراسات النظرية المجردة ‪ .‬فبديالً عن منهج اليونان استطاع المسلمون أن ينشئوا منهجا ً في‬
‫البحث العلمي التجريبي يقوم على المالحظة ‪ ،‬وتمييز الظواهر بعضها عن بعض ‪،‬‬
‫واالستقراء ‪ ،‬وصياغة القوانين ‪ ،‬والموضوعية ‪ ،‬وتحري الحقيقة‪.‬‬
‫ويعود هذا المنهج في أصوله إلى ماوضعه علماء األصول والحديث من أسس وقواعد ‪،‬‬
‫استمدوها مباشرة أو بطريقة غير مباشرة من القرآن والسنة ‪ .‬فلدى هؤالء تكون المنهج‬
‫العلمي قبل أن ينتقل إلى العلماء التجريبيين الذين نقلوه من مرحلة النظر إلى التطبيق ‪.‬‬
‫والدليل على ذلك ما تجده عند ابن الهيثم في رسالته في الضوء ‪ ،‬إذ يقرن لفظ االعتبار‬
‫(( التجربة )) بلفظ السبر ‪ ،‬وهو اللفظ الوارد عند علماء األصول والمتكلمين‪.‬‬

‫‪ -‬ومن مظاهر ازدهار الحضارة اإلسالمية أن نشطت الحركة العلمية واألدبية‬


‫فظهرت الموسوعات األدبية والتاريخية مثل صبح األعشى للقلقشندي‪،‬‬
‫ونهاية األرب للنويري‪ ،‬ومسالك األبصار للعمري‪ ،‬وعقد الجمان للعيني‪،‬‬
‫وكتاب السلوك للمقريزي‪ ،‬والدرر الكامنة البن حجر‪ ،‬والضوء الالمع‬
‫للسخاوي وغيرها من آالف الكتب التي يفخر بها الفكر االسالمي العربي‬
‫اليوم‪.‬‬
‫‪ -‬كما بلغ الفن االسالمي أسمى درجاته في المنشآت الدينية والتعليمية‬
‫واالجتماعية والتجارية مثل المساجد والخانقاوات والقباب والمدارس‬
‫والحمامات والسبل والوكاالت والفنادق‪ ،‬وغيرها من المنشآت التي مازالت‬
‫القاهرة وغيرها من مدن دولة سالطين المماليك _ مثل دمشق وحلب وبيت‬
‫المقدس _ تزدان بها حتى اليوم ‪.‬‬
‫‪ -‬وذلك باإلضافة إلى التحف الدقيقة الصنع _ معدنية وخزفية وزجاجية‬

‫‪44‬‬
‫وخشبية وعاجية _ التي تكتظ بها المتاحف ودور اآلثار في العالم‪ ،‬لتشهد‬
‫على عظمة حضارة اإلسالم‪.‬‬

‫نشاط‬
‫ابحث ثم اذكر أمثلة ‪ :‬عن الموسوعات الدينية واألدبية ‪ .‬وعن المنشآت الدينية والتعليمية‬
‫والجتماعية والتجارية في عصر ازدهار الحضارة اإلسالميّة( مستعينا بالصور إن أمكن )‬

‫‪ -‬وفي الوقت الذي ظهر فيه االسالم ونشأت الحضارة االسالمية ثم بلغت أوج‬
‫ازدهارها‪ .‬كانت أوروبا تعيش فترة من الجهل والتخلف والفوضى حتى‬
‫سميت هذه الفترة بالنسبة ألوروبا والغرب بالعصور المظلمة وكان العالم‬
‫أجمع بحاجة إلى هذه الحضارة االنسانية ومعطياتها‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا أردنا أن نحدد الدعائم الداخلية للحضارة اإلسالمية فإنها تتمثل بدعامتين‬
‫قامت عليهما الحضارة وهما العروبة واإلسالم ‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫ضعف وتدهور الحضارة اإلسالميّة ‪:‬‬
‫وكما ذكرنا سابقا أن المراحل التي تمر بها الحضارة كالمراحل التي يمر بها‬
‫اإلنسان ‪ .‬فبعد مرحلة االزدهار ‪ ،‬بدأت الحضارة اإلسالميّة بالضعف والتدهور من القرن‬
‫السادس الهجري ـ الثاني عشر للميالد تقريبا ا ـ واستمرت على هذه الحال إلى وقتنا أو‬
‫عصرنا الحاضر ـ وان اعترتها فترات من االزدهار والنشاط الحضاري في بعض األحيان ‪.‬‬
‫ومن أهم أسباب ضعف وانحطاط الحضارة اإلسالمية ‪ :‬الفرقة والحروب الداخلية ‪ ،‬ويكفي‬
‫أن نقرأ مادار بين السالجقة والفاطميين والعباسيين ‪ ،‬ومانجم عن هذه الفرقة من حروب أهلية‬
‫أدت إلى انعدام األمن وانهيار االقتصاد ‪،‬وشيوع الفوضى مما أدى بدوره إلى تدهور العلوم‬
‫ومؤسساتها ‪ ،‬فقد غابت العقلية المبدعة لتحل محلها الخرافات ونسبتها إلى الغيبيات ‪.‬‬
‫وانصبت الجهود العلمية على الشرح والتلخيص بعد أن كانت تهتم باإلبداع والتأليف‬
‫واالكتشافات العلمية ‪.‬‬
‫وباإلضافة لألسباب الداخلية هناك أسباب خارجية تعرض لها العالم اإلسالمي مشرقه‬
‫ومغربه ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫الهجوم المغولي على المشرق وسقوط بغداد سنة ‪ 656‬هـ ‪ 1258 /‬م ‪ .‬والحروب‬
‫الصليبيةعلى األندلس والمغرب وسقوط قرطبة سنة ‪633‬هـ ‪1236 /‬م ‪.‬‬

‫ولكن حضارتنا اإلسالمية قادرة على االستمرار والبقاء ‪ ،‬رغم كل ماأصابها من ضعف‬
‫وانحسار في بعض الفترات ‪ .‬فهي حضارة إيمانية حيوية ‪ ،‬إن خبت في مكان برزت في‬
‫مكان آخر ‪ ،‬وإن أفل نجمها في زمان استعادت قواها ونهضت من جديد ‪ .‬ومقياسها في‬
‫االزدهار أو االنحسار هو مقدار تمسكها بكتابها وسنة نبيها ‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫تركت فيكم ماإن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ‪ :‬كتاب هللا وسنتي ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫وهذا يدفع أجيالنا لإليمان والعمل ‪ ،‬ويبعث فيهم القوة واألمل ‪ .‬للنهوض بحضارتنا ‪ ،‬لتأخذ‬
‫مكانتها ومهمتها بين الحضارات اإلنسانية من جديد ‪ .‬وتقوم بدورها التاريخي واإلنساني على‬
‫أكمل وجه وأفضله ‪ ،‬وماذلك على هللا بعزيز ‪.‬‬

‫حركة الترجمة ‪:‬‬


‫والننكر أن الحضارة اإلسالمية تأثرت بغيرها من الحضارات السابقة عليها زمنيا ً‬
‫والمعاصرة لها في شتى أنواع المعارف والعلوم والفنون ومظاهر الحياة‪.‬‬
‫فلم تقف موقفا ً معاديا ً من الحضارات والثقافات األخرى بل اقتبس المسلمون كل ماهو نافع‬
‫ومفيد واليعارض قيم االسالم ومثله وتعاليمه‪.‬‬
‫وعندئذ ظهرت الحاجة إلى ترجمة تلك المعارف والعلوم من اليونانية والسريانية إلى‬
‫العربية‪.‬‬
‫ويعد خالد بن يزيد بن معاوية المتوفى سنة ‪ 85‬هـ أول من وضع بذور حركة الترجمة وقد‬
‫أطلق عليه الحكيم لشغفه بالعلوم وبخاصة الطب وعلم الصنعة ( الكيمياء ) ‪ ،‬واستحضر من‬
‫مصر بعض العلماء وأمرهم بنقل ( ترجمة ) كتب معنيه في علم الصنعة للعربية‪.‬‬
‫واستمرت حركة الترجمة إلى العربية تنمو نموا ً مطردا ً بقية العصر األموي ‪ ،‬وطوال العصر‬
‫‪46‬‬
‫العباسي ومن الثابت أن الخلفاء العباسيين رحبوا بالعلماء والمترجمين وأجزلوا لهم العطاء‪.‬‬
‫وأسس الخليفة هارون الرشيد في بغداد بيت الحكمة ‪ ،‬ليكون بمثابة أكاديمية علمية يجتمع في‬
‫رحابها المترجمون والمعلمون والمتعلمون‪ ،‬واستحضر لهم الكتب من مصر وبالد الشام‬
‫وبالد والروم ‪ ،‬ثم جاء الخليفة المأمون فأظهر عناية أكبر ببيت الحكمة ‪ ،‬وأجزل العطاء‬
‫للمترجمين إلى العربية ‪.‬‬
‫ومن أشهر المترجمين من اليونانية إلى العربية في ذلك العصر حنين بن اسحاق ‪ ،‬يوحنا‬
‫ابن ماسويه ‪ ،‬ويحيى البطريق ‪ ،‬وقسطا بن لوقا البعلبكي وغيرهم كثيرون‪.‬‬
‫كما ترجم من الفارسية إلى العربية كتبا ً كثيرة ً وخصوصا ً في مجال األدب ألن األدب‬
‫الفارسي كان أقرب إلى الذوق العربي ‪ ,‬ومن أشهر المترجمين من الفارسية إلى العربية‬
‫عبدهللا بن المقفع ‪ ،‬ومن الكتب التي ترجمها إلى العربية‪ :‬كليلة ودمنة ‪ ،‬وكتاب األدب الكبير ‪،‬‬
‫وكتاب األدب الصغير ‪،‬وكتاب اليتيمة وغيرها‪.‬‬
‫كذلك تأثرت الحضارة اإلسالمية بالحضارة الهندية ‪ ،‬والمعروف عن الهنود أنهم تفوقوا في‬
‫بعض العلوم ‪ ،‬وبخاصة الحساب والطب واستخدام األعشاب الطبية ‪ ،‬فضالً عن علم النجوم ‪.‬‬
‫وقد أخذ العرب المسلمون عن الهنود ‪ ،‬استخدام األرقام في الحساب ‪ ،‬وهي األرقام‬
‫المستخدمة حاليا ً والتي عرفها الغرب األوروبي عن المسلمين في مرحلة الحقة ‪ ،‬كذلك أخذ‬
‫المسلمون عن الهنود كثيرا ً من المعلومات في علم الفلك ‪ ،‬وترجموا عن السنسكريتية كتاب‬
‫السند هند في الفلك ‪ ،‬وكتاب سيرك في الطب ‪ ،‬وكتاب أسماء عقاقير الهند وغيرها‪.‬‬
‫وهكذا استوعبت الحضارة االسالمية عن طريق الترجمة كثيرا ً من العناصر النافعة من‬
‫الحضارات األخرى التي التقت بها‪ .‬واتصف علماء الحضارة االسالمية باألمانة ‪ ،‬فكانوا‬
‫ينسبون الحقائق العلمية إلى أهلها وأصحابها‪.‬‬
‫ثم أكمل هؤالء العلماء األجالء المسيرة فدخلوا مرحلة اإلضافة واإلبداع فعملوا وجددوا ‪،‬‬
‫وبذلك قدموا للعالم إسهاما جديدا ً في ميدان الفكر والعلم ال يوصف إال بأنه بناء إسالمي‬
‫عربي‪.‬‬

‫خصائص الحضارة اإلسالميّة‬

‫‪ -1‬أنها ربانية دينية ‪:‬‬

‫فهي إلهية المصدر ‪ ،‬وتركز على االيمان باهلل ‪ ،‬وتستمد أصولها وروافدها من مصدر ثابت وهو‬
‫الوحي اإللهي ( القرآن الكريم )‪.‬‬

‫فجميع جوانب الحضارة اإلسالمية ‪ :‬منبثقة عن تعاليم اإلسالم ومتأثرة به ‪.‬‬

‫ومن ثم فهي ربانية المصدر ‪ ،‬ربانية الحقائق والتصورات ‪ ،‬وربانية األهداف والغايات‪.‬‬

‫ونتيجة لذلك كل تعاليم االسالم ومبادئه تتوافق مع العلم الصحيح والتعارضه ‪ ،‬وتنسجم مع العقل‬
‫السليم فتوافقه وال تصادمه‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ومع الفطرة االنسانية السليمة ‪.‬‬

‫وتتميز باليسر والسهولة والوضوح ‪ .‬وصالحيتها لكل زمان ومكان‪.‬‬

‫ومن هذه السمة الربانية تنبثق كل خصائص الحضارة االسالمية‪.‬‬

‫‪ -2‬أنها حضارة إنسانية ‪:‬‬

‫إذ أنها تستهدف أوالً وأخيرا ً سعادة اإلنسان في الدنيا واآلخرة ودفع الشر عنه‪ .‬وتوفير حياة آمنة‬
‫مطمئنة لكافة البشر‪.‬‬

‫والدليل على ذلك ماورد في القرآن الكريم من عموم الرسالة للناس كافة ‪ ،‬قال تعالى مخاطبا ً نبيه‬
‫محمدا ً صلى هللا عليه وسلم (( وما أرسلنك إال رحمةً للعالمين )) األنبياء‪...‬‬

‫كما أن هذه الحضارة كرمت اإلنسان وجعلته في مرتبة فوق سائر المخلوقات ‪ ،‬قال تعالى (( ولقد‬
‫كرمنا بني آدم )) اإلسراء‪70/‬‬

‫ومن مظاهر هذا التكريم أنه خلق اإلنسان في أحسن تقويم ‪ ،‬قال تعالى (( لقد خلقنا اإلنسان في‬
‫أحسن تقويم ))التين‪ ، 4/‬وعلم آدم األسماء كلها قال تعالى (( وعلم آدم األسماء كلها )) البقرة‪21/‬‬

‫وأمر المالئكة بالسجود له ‪ ،‬قال تعالى (( وإذ قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم )) البقرة‪34/‬‬

‫وهذه الحضارة جاءت تنادي بإنسانيّة تذوب فيها فوارق العرق واللون والدم ‪.‬‬

‫نرى أن هذه الحضارة ليست عربية خالصة ‪ ،‬بل أسهم فيها أبناء الحضارات األخرى بعد أن‬
‫اصطبغوا بصبغة اإلسالم ‪ ،‬فتضافر على بناء هذه الحضارة ونشرها خالد بن الوليد المكي ‪ ،‬وبالل‬
‫الحبشي ‪ ،‬وسلمان الفارسي ‪ ،‬وصهيب الرومي‪ ،‬وغيرهم كثير‪.‬‬

‫‪ -‬بل إن هذه النظرة اإلنسانية جعلت كثيرا ً من الشعوب واألجناس والنحل والمعتقدات‬
‫المتباينه ‪ ،‬يعيشون في ظل الدولة اإلسالمية ويشاركونها أنشطتها الفكرية والثقافية‬
‫بالترجمة والتأليف ‪ ،‬ومزاولة الطب والفلك وسائر العلوم ‪.‬‬

‫وإن هذا التنوع ليعد مفخرة من مفاخر اإلسالم ‪ ،‬وتأكيدا ً لطبيعة رسالته الكونية وثقافته اإلنسانية‬
‫التي يشارك فيها أعالم متميزون كابن سينا والغزالي والخوارزمي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪ -3‬حضارة كاملة شاملة‪:‬‬


‫‪ -‬ومن مميزات الحضارة اإلسالمية أنها كاملة غير منقوصة في األساسيات ‪،‬‬
‫وتناولت كل مناحي العبادات والمعامالت واالجتماع واالقتصاد واإلدارة والقضاء‬
‫‪48‬‬
‫والحكم الداخلي والسياسة الخارجية ‪ ،‬وقد جاءت هذه األجزاء في نظام فريد من‬
‫التناسق والترابط والوحدة‪.‬‬
‫‪ -‬فاستطاعت أن تقدم الحلول التي تناسب البيئات على اختالف الزمان والمكان‬
‫واألفراد ‪ ،‬قال تعالى (( ما فرطنا في الكتاب من شيء )) األنعام‪38/‬‬
‫‪ -‬ويتجلى شمول هذه الحضارة في أنها تناولت اإلنسان والكون والحياة ‪ ،‬ثم تناولت‬
‫اإلنسان في جوانبه الروحية الداخلية ‪ ،‬وحاجاته المادية الخارجية ‪ ،‬وربطت بينهما‬
‫بتوازن دقيق ‪ ،‬قال تعالى (( وابتغ فيما آتاك هللا الدار اآلخرة وال تنس نصيبك من‬
‫الدنيا )) القصص‪ 77 /‬وهكذا وفقت الحضارة اإلسالمية بين روح اإلنسان وجسده‪،‬‬
‫وبين فرديته وجماعته ‪ ،‬وبين دنياه وآخرته ‪ ،‬فال تنشطر سريرته وحياته أشطارا ً‬
‫مختلفة ‪ ،‬كما هو الحال في الثقافات األخرى‪.‬‬

‫‪ -4‬الثبات والمرونة ‪:‬‬

‫‪ -‬من خصائص الحضارة اإلسالمية ‪ ،‬تميزها بالثبات والمرونة معا ً ‪ ،‬والتي هي من‬
‫أجل مميزات التشريع اإلسالمي ‪ ،‬الذي يجمع بين الثبات في األصول واألهداف‬
‫‪،‬والمرونة في الفروع والوسائل ‪ .‬فهو بمرونته يستطيع أن يوائم كل وضع جديد ‪،‬‬
‫وهو بثباته يستعصي على الذوبان واالستسالم لكل تغيير‪.‬‬
‫‪ -‬ومن الحقائق األساسية الثابتة التي ال تقبل التغيير‪ :‬حقائق اإليمان ومايرتبط به ‪،‬‬
‫وكيفية أداء العبادات ‪ ،‬واألحكام القطعية الواردة في القرآن والسنة الصحيحة ‪،‬‬
‫كالمحافظة على أركان اإلسالم وفرائضه وأخالقه ‪ ،‬وكحرمة الخمر والربا‬
‫والميسر ‪ ،‬وأنصبة الميراث ‪ ...‬وغير ذلك من القطعيات وكلها قيم ثابتة غير قابلة‬
‫للتطوير وال للتغيير ‪.‬‬

‫ويبقى االجتهاد البشري فيما عدا ذلك من األحكام المبنية على النصوص الظنية في ثبوتها وداللتها ‪،‬‬
‫أو مما لم يرد فيه نص‪.‬‬

‫فهناك إذن منطقة محرمة ال يدخلها االجتهاد وهي منطقة القطعيات واألحكام التي جاءت بها‬
‫النصوص المحكمة ‪ ،‬وأجمعت عليها األمة وتلقتها بالقبول جيالً بعد جيل ‪ ،‬وهناك منطقة مفتوحة‬
‫لالجتهاد البشري في مجال التشريع اإلسالمي ‪ ،‬وهي منطقة الظنيات ‪.‬‬

‫وال أدل على مرونة الحضارة اإلسالمية من إفادتها من تراث الحضارات السابقة وثنية كانت أم‬
‫كتابية ‪ ،‬فاحترموا النافع من تراث السابقين ولم يحرقوا كتبا لوثنية مثلما فعل رهبان األديرة في‬
‫العصور الوسطى ‪ ،‬وإنما حرصوا على اقتنائها واستخالص ما فيها من خبرات ومنافع ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ -5‬حضارة محبة وسالم ‪ :‬تتصف الحضارة اإلسالمية بأنها (حضارة محبة وسالم‪ .‬فاإلسالم‬
‫ينهي عن البغضاء والتشاحن ‪ ،‬ويكره العنف والعدوان‪ .‬وحسب اإلسالم أن تحيته تحية‬
‫سالم‪ ،‬وبانتشار اإلسالم انتشر السالم في البالد التي دخلت تحت مظلة اإلسالم‪ .‬وأي نشاط‬
‫حضاري ال يمكن أن يزدهر إال في ظل األمن والسالم ‪ ،‬حيث يستطيع التاجر أن يأمن على‬
‫أمواله ‪ ،‬ويعكف المعلمون والمتعلمون على الدرس والتحصيل بنفوس مطمئنة‪ .‬ولم يكن‬
‫عجبا أن أطلق بعض المستشرقين على حالة السالم التي شملت العالم اإلسالمي من المحيط‬
‫األطلسي غربا إلى جوف القارة اآلسيوية شرقا ‪ ،‬اسم السلم اإلسالمي ‪.‬‬
‫على أنه يالحظ أن اإلسالم فرق بين السالم واالستسالم ‪ ،‬فليس معنى الحث على السالم‬
‫والتمسك به التفريط في الحقوق ‪ ،‬واحناء الرأس أمام المعتدين ‪ .‬إن اإلسالم دين دعوة‬
‫وكرامة ‪ ،‬ولذا فإنه أمر المسلم بالرد على العدوان‪ ،‬وعدم التخاذل أمام المعتدين ‪ ،‬بحيث‬
‫يعيش المسلم دائما مرفوع الرأس ‪ ،‬مما يوفر الكرامة للفرد والمجتمع ‪ ،‬يقول تعالى‪" :‬وال‬
‫تصعر خدك للناس وال تمش في األرض مرحا"(لقمان‪ .)18،‬ويقول عز وجل "فمن اعتدى‬
‫فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" (البقرة‪.)194،‬‬

‫المصادر والمراجع ‪:‬‬

‫دراسات في الثقافة اإلسالميّة ‪.‬أحمد محمد الجلي ‪ .‬دار الكتاب الجامعي ‪ .‬العين‬ ‫‪‬‬
‫اإلمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط‪2010 . 2‬م‪.‬‬
‫لمحات في الثقافة اإلسالميّة ‪ .‬عمر عودة الخطيب ‪ .‬مؤسسة الرسالة ‪ .‬بيروت‬ ‫‪‬‬
‫‪.‬ط‪1979 . 3‬م‪.‬‬
‫تاريخ عمان ودراسات في الحضارة اإلسالميّة ‪ .‬أسمهان سعيد الجرو وآخرون‬ ‫‪‬‬
‫‪.‬جامعة السلطان قابوس ‪ .‬عمان ‪ .‬ط‪2009 . 2‬م ‪.‬‬
‫مقدمة ابن خلدون ‪ .‬عبد الرحمن بن خلدون ‪ .‬دار مكتبة الهالل للطباعة والنشر‬ ‫‪‬‬
‫‪ .‬بيروت ‪ 1983 .‬م ‪.‬‬
‫المرتكزات األساسيّة في الثقافة اإلسالميّة ‪ .‬أحمد صبحي العيادي ‪ .‬دار الكتاب‬ ‫‪‬‬
‫الجامعي ‪ .‬العين ‪ .‬اإلمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط ‪ 2007 .‬م ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الثقافة والثقافة اإلسالميّة ‪ .‬سميح عاطف الزين ‪ .‬دار الكتاب اللبناني ‪ .‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1403‬هـ ‪ 1983‬م ‪.‬‬
‫اإلسالم وثقافة اإلنسان ‪ .‬سميح عاطف الزين ‪ .‬الشركة العالمية للكتاب‪ .‬بيروت‬ ‫‪‬‬
‫لبنان ‪ .‬ط‪ 2002 . 9‬م ‪.‬‬
‫عمان والحضارة اإلسالميّة ‪ .‬سعيد عبد الفتاح عاشور وعوض محمد خليفات ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫جامعة السلطان قابوس ‪.‬مسقط ‪ .‬عمان ‪1425 .‬هـ ‪2004‬م ‪.‬‬
‫مدخل إلى الثقافة اإلسالمية ‪ .‬حمدي عبدهللا نافع ‪ .‬جامعة العين للعلوم‬ ‫‪‬‬
‫والتكنولوجيا ‪ .‬األمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط‪ 2006/2005 . 2‬م ‪.‬‬
‫إسهامات المسلمين في العلوم والفنون ‪ .‬حمدي عبدهللا نافع ‪ .‬جامعة العين للعلوم‬ ‫‪‬‬
‫والتكنولوجيا ‪ .‬اإلمارات العربية المتحدة ‪2007/2006 .‬م‪.‬‬
‫البداية والنهاية ‪ .‬عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير ‪ .‬دار أبي حيّان ‪.‬القاهرة‬ ‫‪‬‬
‫‪ .‬مصر ‪ .‬ط‪1416 .1‬هـ ‪1996‬م ‪.‬‬
‫التاريخ اإلسالمي ‪ .‬محمود شاكر ‪ .‬المكتب اإلسالمي ‪ .‬بيروت ‪ .‬ط‪1421. 8‬هـ‬ ‫‪‬‬
‫‪2000‬م ‪.‬‬
‫تاريخ صدر اإلسالم والدولة األموية ‪ .‬عمر فروخ ‪ .‬دار العلم للماليين ‪ .‬بيروت‬ ‫‪‬‬
‫‪.‬لبنان ‪ .‬ط‪. 1981. 5‬‬

‫المبحث الخامس‬

‫‪51‬‬
‫نظم الحضارة اإلسالمية‬
‫( اإلداري والقضائي والمالي‬
‫)‬

‫مفهوم النظم اإلسالميّة وخصائصها‬

‫النظم اإلسالمية‪ :‬هي مجموعة المبادئ والقواعد واألحكام العامة التي تنظم شؤون الحياة في‬
‫المجتمعات اإلسالمية ‪ .‬وتقوم عليها حياة المسلمين في جوانبها االقتصادية ‪ ،‬واالجتماعية والسياسية‬
‫‪ ،‬والمستمدة من الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬

‫وتتميز النظم اإلسالمية عن غيرها من النظم بعدة خصائص من أهمها‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫مبنية على العقيدة اإلسالمية ‪ ،‬ومستمدة من الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬وتتسم بالعدل المطلق ألنها صادرة‬
‫من عند هللا تعالى ‪.‬‬

‫النظام اإلداري‬

‫بعد أكثر من عقد من بدء الدعوة اإلسالمية في مكة المكرمة ‪ ،‬ولدت الدولة اإلسالمية في المدينة‬
‫المنورة ‪ ،‬ومع والدتها بدأت بوادر النظام اإلداري المبكر في المجتمع اإلسالمي ‪،‬و االسالم لم‬
‫يفرض نظاما ً إداريا ً محددا ً كما لم يفرض نظاما ً سياسيا ً محددا ً ‪ .‬وكان من الطبيعي أن يرتبط النظام‬
‫اإلداري بتطور الدولة اإلسالمية المركزية عبر عصورها المتعاقبة الراشدي واألموي والعباسي‬
‫ومن كيانات إسالمية اقليمية أخرى ‪.‬‬

‫إن المفاهيم النظرية كان البد أن تتمثل في قيم وقواعد إدارية اعتبرت عبر العصور نماذج يقتدى‬
‫بها ويقاس عليها ‪ ،‬ونشير هنا بصفة خاصة إلى تلك القيم التي أرسيت في عهد الرسول محمد صلى‬
‫هللا عليه وسلم وفي عهود الخلفاء الراشدين حيث يعد هذا (العصر النموذج) الذي يقتدى به في العديد‬
‫من المجاالت وليس النظم اإلدارية فحسب ‪.‬‬

‫ولعلنا نشير هنا إلى بعض المبادئ اإلدارية التي انبثقت خالل تجربة عصر الرسالة والعصر‬
‫الراشدي والذي يعد ‪ -‬كما أشرنا – النموذج الذي يشار إليه على الدوام‪.‬‬

‫مبدأ السلطة العامة ‪ :‬لقد أرسى الرسول صلى هللا عليه وسلم هذا المبدأ حين كتب الصحيفة في‬
‫المدينة المنورة بين فئات المجتمع الثالث األنصار والمهاجرين واليهود ‪ .‬ولعل أهم نتيجة حققتها‬
‫الصحيفة إلى جانب تنظيم العمل والتعامل ‪ ،‬وتحقيق األمن واالستقرار ‪ ،‬هي ايجاد مرجع واحد‬
‫للسلطة من أجل حل الخالفات وهذا يسمى مبدأ السلطة العامة في المجتمع التي لم تكن القبائل‬
‫تعرفها سابقاً‪.‬‬

‫مبدأ الشورى ‪ :‬لقد بات أمرا ً معتادا ً في صدر اإلسالم على كل من يتولى منصبا ً أن يشاور ويقبل‬
‫الرأي اآلخر‪ ,‬وفي قول نسب إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬من استشار لم يعدم رشدا ً ومن‬
‫ترك المشورة لم يعدم غيا ً "‪ .‬وقد كان الخلفاء وأصحاب المناصب الرسمية يحيطون أنفسهم بالعلماء‬
‫والفقهاء وأصحاب الرأي والتجربة ‪.‬‬

‫مبدأ الرجل المناسب في المحل المناسب ‪ :‬أكد الرسول صلى هللا عليه وسلم والخلفاء الراشدون من‬
‫بعده في اختيار الرجال على قاعدة األنسب واألكفأ ‪ .‬وقد روي عن الرسول صلى هللا عليه وسلم أنه‬
‫أن في المسلمين من‬ ‫قال ‪ :‬من ولي من أمر المسلمين شيئا ً فولّى رجالً لمودةٍ أو قرابة ‪ ،‬وهو يعلم ّ‬
‫هو خير منه فقد خان هللا ورسوله ‪ ،‬وكان الخليفة عمر بن الخطاب رضي هللا عنه يستعمل قوما ً‬
‫ويدع أفضل منهم لبصرهم بالعمل ‪ ،‬وكان يقول ‪ :‬أردت رجالً أقوى من رجل ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫مبدأ االبتعاد عن المظاهر وسهولة الحجاب‪ :‬أما االبتعاد عن المظاهر فيظهر في قوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ :‬ال تعظـ ّموني كما يعظم األعاجم ملوكهم ‪ ،‬وحين رأى عمر بن الخطاب أن خالد بن‬
‫الوليد بعد االنتصارات التي حققها أصبح موضع تعلق الناس به وتعظيمهم له ‪ ،‬عزله ثم استدعاه‬
‫وقال له ‪ :‬ما عزلتك لريب ٍة فيك ولكن افتتن بك الناس فخفت أن تفتتن بالناس‪ ،‬وقد قبل خالد بن الوليد‬
‫رضي هللا عنه هذا التبرير ذي المغزى اإلداري والسياسي العميق‪.‬‬

‫أما سهولة الحجاب فمعناه عدم انعزال الوالي أو األمير عن الناس بحيث يصعب عليهم رؤيته‬
‫والتحدث إليه في أمورهم ‪ ،‬كما أن المسؤولين إذا رأوا أن الوالي يسهل التواصل مع الرعية أحجبوا‬
‫عن الظلم‪ .‬وكان أبوبكر الصديق رضي هللا عنه يقول ألحد والته ‪ :‬أسمر بين أصحابك تأتك األخبار‬
‫وتعلم األسرار‪.‬‬

‫مبدأ الجزاء من جنس العمل‪ :‬ويعني عدم المبالغة في العقاب ‪ ،‬بل التوسط بين الشدة والمرونة‬
‫شر الزعماء الحطمة ‪.‬‬‫بحيث يصبح الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم ‪ :‬إن ّ‬
‫والحطمة‪ :‬هم الذين يتولون أمر الناس فيعملون على تحطيمهم ‪.‬‬

‫مبدأ الرقابة ‪ :‬لقد استحدثت الدولة عدة وسائل للتحقيق في الشكاوى التي تقدم ضد الوالة واألمراء‬
‫والعمال كما سنرى الحقاً‪.‬‬

‫اإلدارة في عهد النبوة ‪:‬‬

‫لقد أناب الرسول صلى هللا عليه وسلم في حياته ومنذ السنة التاسعة للهجرة ‪630‬هـ ـ نظرا ً لنمو‬
‫الدولة ـ العمال في بعض مدن الحجاز واليمن وكذلك عند بعض القبائل المهمة وكانت وظيفة‬
‫العامل أن يؤمهم في الصالة ويجبي الزكاة ويفصل في شؤونهم اليومية ‪ .‬ويشير ابن سعد إلى أن‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم خص عماله برواتب معينة ‪.‬‬

‫وقد استند الرسول صلى هللا عليه وسلم في اختيار العمال على اآلية القرآنية ‪ :‬إن خير من استأجرت‬
‫القوي األمين‪.‬‬

‫ولقد استخلف الرسول صلى هللا عليه وسلم سعد بن عبادة سيد الخزرج حين خروجه في السنة‬
‫الثانية للهجرة في غزوة األبواء ‪ .‬فكان ّأول عامل على المدينة المنورة ‪ ،‬وفي السنة الثامنة للهجرة‬
‫استخلف على مكة أبابكر الصديق رضي هللا عنه‪.‬‬

‫وحينما ح ّل الرسول صلى هللا عليه وسلم في المدينة المنورة أدرك إلى أنها أحوج ما تكون إلى إزالة‬
‫الخالف بين الفئات المختلفة من ساكنيها ‪ ،‬فكان نظام المؤاخاة بين األنصار والمهاجرين يهدف إلى‬
‫بث روح المودة والتعاون بين جماعة واحدة تحت قيادة واحدة ‪ ،‬وإحالل رابطة العقيدة مح ّل رابطة‬
‫القبيلة ‪ ،‬كما أعلن الرسول صلى هللا عليه وسلم الصحيفة التي كانت الدستور الذي نظم العالقات‬
‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية بين فئات المجتمع المدني‬

‫اإلدارة في العهد الراشدي ‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫صر األمصار‬ ‫ّ‬
‫الخطاب ‪ ،‬وقد م ّ‬ ‫تبلورت الخطوط الرئيسية لإلدارة اإلسالميّة في عهد الخليفة عمربن‬
‫ومنها البصرة والكوفة والفسطاط والجابية والمدينة وجواثا وهجر ‪.‬‬

‫أ ّما كبار الموظفين اإلداريين في العصر الراشدي في الوالية فهم ‪ :‬الوالي وعامل الخراج وصاحب‬
‫الشرطة وصاحب البريد وكاتب الديوان وهو الذي يشرف على السجالت السيما تلك التي تتعلق‬
‫بأسماء المقاتلة ‪ ،‬ثم صاحب بيت المال وهو الذي يشرف على خزينة الوالية المحلية وكان لكل‬
‫والية مقر يسمى دار االمارة فيه عدد من الكت ّاب (الموظفين) الذين يوثق بهم‪.‬‬

‫كان الخليفة عمر بن الخطاب يراقب ع ّماله ويالحظ سلوكهم وكان يعطي لكل وا ٍل عهد تعيين‬
‫يحتوي على الصالحيات المخولّة إليه‪.‬‬

‫ويعد الخليفة عمر بن الخطاب رضي هللا عنه واضع أسس اإلدارة في الدولة الجديدة بعد الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم ويمكننا أن نقرر القواعد اإلدارية التالية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ‪.‬‬

‫كان الخليفة عمر يختار األفضل إداريا ً وذا كفاءة في تصريف األمور ‪ ،‬ولهذا يشير ابن الجوزي‬
‫قائالً ‪ :‬كان عمر بن الخطاب يستعمل قوما ً ويدع أفضل منهم لبصرهم بالعمل ‪ ،‬وكان عمر بن‬
‫الخطاب يفضل الوالي ذو الشخصية القوية ألن اإلدارة تحتاج إلى الرجل القوي بشخصيته وإرادته‬
‫وعزمه على تنفيذ األمور‪.‬‬

‫سار عمر بن الخطاب سيرة الرسول صلى هللا عليه وسلم في األخذ برأي الرعية في تعيين واليهم‬
‫أو عاملهم ‪ ،‬فحين اعترض قوم من بجيلة على تعيين وال عليهم قائلين لعمر ‪ :‬استعمل علينا رجال‬
‫منا قبل عمر االعتراض‪.‬‬

‫أدرك الخليفة ضرورة أخذ األعراف االجتماعية بعين االعتبار حين تعيين الوالي على إقليم معين ‪،‬‬
‫ففي رواية للطبري ان عمر كان ال يستعمل رجالً من أهل الوبر على أهل المدر والعكس ‪ ،‬وأهل‬
‫المدر هم أهل المدن المتحضرون أما أهل الوبر فهم البدو سكان الخيام‪.‬‬

‫أكد عمر بن الخطاب على االختصاص في العمل اإلداري وضرورة توزيع الواجبات على من‬
‫يصلح لها من األشخاص ‪ ،‬ففي رواية تاريخية أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص بالعراق أن‬
‫شاور طلحة األسدي وعمرو بن معد يكرب في أمر حربك ‪،‬وال تولهما من األمر شيئا ً فإن كل‬
‫صانع هم أعلم بصنعته ‪.‬‬

‫ابتكر عمر بن الخطاب منصب صاحب العمال وواجبه التفتيش على العمال والتحقيق في الشكاوي‬
‫التي تأتي ضدهم ‪ ..‬وفي رواية عن الطبري أن عمر رضي هللا عنه أرسل محمد بن مسلمة صاحب‬
‫العمال إلى العراق للتحقيق في شكوى ضد سعد بن أبي وقاص أمير الجيش في العراق رغم صعوبة‬
‫الموقف العسكري واستعداد المسلمين للمعركة الحاسمة مع الساسانيين‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫كان عمر بن الخطاب يجتمع بوفود األمصار ويستدعيهم إلى المدينة المنورة لسماع رأيهم في واليهم‬
‫أو أميرهم وفي رواية تاريخية كان الوفد إذا قدموا إلى عمر سألهم عن أميرهم هل يعود مرضاكم ؟‬
‫كيف صنيعه بالضعيف ؟ هل يجلس على بابه ؟ فإن قالوا لخصلة منها ال ‪،‬عزله ‪.‬‬

‫سن عمر بن الخطاب سنّة حسنه لعماله ووالته في األقاليم فكان يستقبل المراجعين في كل‬ ‫وقد ّ‬
‫األوقات ولم يكن لديه حجاب فيصلّي الصالة ثم يقعد فيكلمه من شاء‪ .‬وأوجب عمر بن الخطاب على‬
‫ع ّم اله السير بالعدل بين الرعية ‪ .‬وقصة الخليفة مع واليه عمر بن العاص في مصر مشهورة حيث‬
‫طلب من المتظلم أن يضرب عمرو بن العاص ثم قال له ‪ :‬ايه عمرو! متى استعبدتم الناس وقد‬
‫ولدتهم أمهاتهم أحرارا ً؟‬

‫اإلدارة في العصر األموي‪:‬‬

‫كانت الدولة تنقسم إلى عدد من الواليات الكبيرة التي كان يتبعها وحدات إدارية صغيرة ‪ ،‬ويظهر أن‬
‫اإلدارة األموية كانت ال مركزية فمثالُ اقليم العراق وما جاوره كان األمراء فيه مسؤولين أمام‬
‫والي خراسان وهذا بدوره كان مسؤوالً أمام والي العراق وكان والي العراق المسؤول المباشر عن‬
‫إدارة كل هذه األقاليم أمام الخليفة في دمشق‪.‬‬

‫ويالحظ بأن األمير الذي يعينه الخليفة ال يعزله إال الخليفة ‪ ،‬أ ّما األمير الذي يعينه الوالي على اإلقليم‬
‫فيعزله الخليفة أو الوالي‪.‬‬

‫الدواووين ‪:‬‬
‫ظهرت الدواووين نتيجة حاجة المسلمين إلى التنظيم العسكري والمالي وبدأت بطبيعة الحال بسيطة‬
‫ومحدودة ثم نمت حسب تطور الظروف ‪.‬‬

‫تجمع المصادر التاريخية أن أول تدوين للدواوين في اإلسالم حصل على يد الخليفة عمر بن‬
‫الخطاب رضي هللا عنه وكان الدافع المباشر إلنشاء الديوان األول كثرة األموال الواردة من‬
‫الفتوحات والحاجة إلى تنظيم توزيعها على المقاتلة ‪ ،‬فهو والحالة هذه ديوان الجند‪.‬‬

‫لقد أراد عمر بن الخطاب أن يخصص للمقاتلة رواتب وأعطيات من بيت المال تكفيهم مؤونة العمل‬
‫وأراد كذلك أن يحفظ سجالت بأسماء المحاربين وعوائلهم وكان الخليفة يميل للسياسة المركزية‬
‫وهي تهيئة مورد ثابت للدولة فاستحسن نظام الديوان ‪.‬‬

‫أما فكرة الديوان فيختلف فيها المؤرخون إذ تنسبها بعض الروايات إلى تأثير األمم المجاورة للعرب‬
‫المسلمين وخاصة الساسانيين ‪ ،‬ومهما يكن األمر فإن الديوان األول هذا كان ديوانا ً للجند وكان‬
‫يطلق عليه الديوانألنه كان الديوان الوحيد في المدينة المنورة ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ولعل الخليفة عمر بن الخطاب هو أول من سار على مبدأ تصنيف المسلمين على مراتب فيما يتعلق‬
‫بأعطياتهم ‪ :‬حسب القرابة من الرسول صلى هللا عليه وسلم والقدم في اإلسالم والخدمة لإلسالم ثم‬
‫الحاجة ‪.‬‬

‫ويالحظ ان ديوان عمر بن الخطاب كان بسيطا ً ال يعدو أن يكون سجالً يحتوي أسماء المقاتلة ومقدر‬
‫أعطياتهم وأرزاقهم ‪.‬‬

‫وإلى جانب هذا الديوان كان هناك بيت المال وفيه تودع األموال الواردة من الفيء (وهو ما أ ّخذه‬
‫المسلمون من أعدائهم بدون قتال) والغنيمة (ماأخذه المسلمون من أعدائهم بعد قتالهم واالنتصار‬
‫عليهم ) والجزية ( ضريبة الرأس السنويّة وهي مايؤديه الذ ّمي " أهل الكتاب " إلى الدولة مقابل‬
‫حمايته) والخراج (ضريبة األرض السنوية ) والصدقات "وتشمل الزكاة وغيرها "‪ ،‬وهناك عدد‬
‫من الكتّاب يستخدمهم الخليفة في كتابة رسائله‪.‬‬

‫وحين جاء األمويون تعددت الحاجات فتطورت الدواوين وكثرت لتناسب متطلبات الدولة والمجتمع‪،‬‬
‫ولعلنا نستطيع أن نميز الدواوين األموية الرئيسية اآلتية‪:‬‬

‫ديوان الخراج‪:‬‬

‫وهم من أهم الدواوين في الدولة ويتولى تنظيم الخراج (ضريبة األرض) وجبايته ‪ ،‬وكان أول كاتب‬
‫فيه سرجون بن منصور الرومي حيث كانت اللغة قبل تعريبها يونانية في بالد الشام وفهلوية في‬
‫العراق وبالد فارس وقبطية او يونانية في مصر‪.‬‬

‫ديوان الجند‪:‬‬

‫وقد بقي هذا الديوان على األساس نفسه الذي وضعه الخليفة عمر بن الخطاب ففيه تحفظ سجالت‬
‫بأسماء المقاتلة و أوصافهم وأنسابهم وأعطياتهم وأرزاقهم مع عوائلهم ‪.‬‬

‫ديوان الخاتم‪:‬‬

‫وكان معاوية أول من أنشأ هذا الديوان على أثر تزوير حصل في رسالته إلى زياد بن أبيه ‪ ،‬أمر‬
‫فيها بإعطاء حاملها مائة ألف درهم فبدّل حاملها المقدار إلى مائتي ألف درهم ‪ ,‬وفي هذا الديوان‬
‫تحفظ نسخة من رسائل الخليفة بعد أن تختم النسخة األصلية بالشمع ‪.‬‬

‫ديوان الرسائل‪:‬‬

‫المعروف أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم استخدم عدة أشخاص لكتابة الرسائل الرسمية للدولة‬
‫وظلت العادة متبعة في عهد الخلفاء الراشدين حيث استخدموا عددا من الصحابة في تسجيل نشاطات‬
‫الدولة المختلفة في هذا المجال ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫وفي عهد األمويين أسس ديوان منظم للرسائل وهو في حقيقته هيئة إدارية للمكاتبات الرسمية تقوم‬
‫بتحرير رسائل الخليفة إلى الوالة ورسائله الدبلوماسية إلى الخارج ‪ ،‬وقد وردت نسخ من بعض هذه‬
‫الكتب المحفوظة في ديوان الرسائل في المصادر األدبية ‪.‬إن المراسالت كان قصيرة ودقيقة المعنى‬
‫وينسب بعضها إلى عبدالحميد الكاتب‪.‬‬

‫ديوان الشرطة ‪:‬‬

‫وهي مؤسسة إداريّة شبه عسكريّة لتأديب المجرمين والمفسدين ومالحقتهم ‪ .‬وترجع الشرطة في‬
‫بداية تكوينها إلى ( نظام العسس ) الذي عرف في صدر اإلسالم ‪ ،‬ومارسه الخليفة عمربن الخطاب‬
‫رضي هللا عنه بنفسه ‪ .‬أ ّما الشرطة كمؤسسة رسمية لها كيانها فقد نسبت إلى خلفاء عديدين‪ ،‬وربما‬
‫كان الخليفة علي بن أبي طالب ّأول من نظم جهاز الشرطة في عاصمته الجديدة الكوفة بالعراق ‪ ،‬ث ّم‬
‫ي في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان‬
‫توضحت معالم النظام في العصر األمو ّ‬
‫وتنفرد الشرطة علن كل المؤسسات األخرى في الدولة بقيامها بواجب حفظ األمن والنظام‬
‫واالستقرار في المدينة اإلسالمية ‪ ،‬وقد وضع كتّاب السياسة الشرعية شروطا ً معينة الب ّد من‬
‫توافرها في صاحب الشرطة ومنها أن يكون حليما ً مهيبا ً دائم الصمت طويل الفكر غليظا ً على أهل‬
‫الريب شديد اليقظة غير عجول‪.‬‬

‫ديوان البريد‪:‬‬

‫كان معاوية بن أبي سفيان أول خليفة ينشئ نظام البريد وكان مخصصا ً لخدمة الدولة ال الناس ‪،‬‬
‫كانت مهمة الديوان األولى هي نقل األخبار بين العاصمة واألقاليم ‪ ،‬كما أنه كان ينقل حاجات الدولة‬
‫والمراسالت والكتب بين الخليفة والوالة ‪،‬ويشرف على المسالك والطرق ‪ ،‬ويرسم الخرائط‬
‫المناسبة لألقاليم‪.‬‬

‫وقد قسمت المسالك الرئيسية إلى مراحل أو منازل لكل مرحلة خيل معدّة لنقل البريد واستخدمت‬
‫اإلبل بدل الخيل أحيانا ً وهكذا انتقلت رسائل الدولة بطريقة التناول ‪،‬وكانت المسافة بين كل منزلتين‬
‫‪ 12‬ميالً تقريبا ً ‪.‬‬

‫وفي أيام الطوارئ كانت عربات البريد تستخدم في نقل بعض القوات العسكرية على وجه السرعة ‪،‬‬
‫ولعل أهم ما تطورت إليه مسؤوليات صاحب البريد هو أن أصبح عينا ً للخليفة في اإلقليم وهذه‬
‫مسؤولية أمنيّة أضيفت إلى ديوان البريد وأصبحت أكثر أهميه من مسؤولياته األخرى‪.‬‬

‫ديوان بيت المال‪:‬‬

‫الديوان الذي يقوم باإلشراف على ما يرد إلى بيت المال من األموال وما يخرج منه في أوجه‬
‫النفقات المختلفة ومهمته ضبط إيرادات الدولة ومصروفاتها ويسمى الديوان السامي أو بيت مال‬
‫المسلمين ألنه أصل الدواوين ومرجعها إليه ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ديوان النفقات ‪:‬‬

‫كان هذا الديوان يتصل ببيت المال اتصاالً وثيقا ً ‪ ،‬واتضح ذلك في عهد الخليفة سليمان بن عبدالملك‬
‫فكانت مهمته النظر في المصروفات كافة التي كانت تنفق على الجيش واإلدارة والخدمات العامة‬
‫ومصالح األمة األخرى‪.‬‬

‫ديوان الصدقة (الزكاة) ‪:‬‬

‫ينظر في موارد الزكاة والصدقات وتوزيعها إلى مستحقيها حسب ماجاء في الشريعة ‪ ،‬ويشير إليه‬
‫الجهشياري في كتابه (الوزراء والكتاب) أول مرة في خالفة هشام بن عبدالملك‬

‫ديوان المستغالت‪:‬‬

‫وكان ينظر في إدارة ممتلكات الدولة غير المنقولة من عمارات وحوانيت وأبنية وضياع‬

‫ديوان الطراز‪:‬‬

‫ومهمته اإلشراف على المصانع التي تنسج المالبس الرسمية والشارات واألعالم ويذكره‬
‫الجهشياري أول مرة عندما يتكلم عن الخليفة هشام بن عبدالملك ‪ ،‬على أنه ربما نشأ في عهد‬
‫عبدالملك بن مروان حينما بدأت عملية التعريب‪.‬‬

‫عملية التعريب‪:‬‬
‫إن أهم ما قام به األمويون من الناحية اإلدارية هو تعريب ديوان الخراج أوالً ثم الدواوين األخرى ‪،‬‬
‫وكانت الدواوين تحفظ سجالتها باللغة الفارسية في العراق‪ ،‬واليونانية في بالد الشام ‪ ،‬والقبطية‬
‫واليونانية في مصر ‪ ،‬ولم يستطع المسلمون بعد الفتح اإلسالمي أن يغيروا اإلدارة بسرعة بل أبقوها‬
‫على حالها في البدء‪ .‬على أن توسع خبرة المسلمين وازدياد حاجيات الدولة وسيادة اللغة العربية‬
‫استوجبت هذا التعريب‪.‬‬

‫وكان أول من قام بهذه العملية الخليفة عبدالملك بن مروان (‪65-86‬هـ‪705-685/‬م) في العراق ‪،‬‬
‫واستمرت عملية التعريب في عهد خليفته وابنه الوليد حيث عربت دواوين مصر ثم تبعتها دواوين‬
‫األقاليم الشرقية وال سيما خراسان في والية نصر بن سيار ‪ ،‬وكانت عملية التعريب في حقيقتها‬
‫عملية ترجمة منظمة حيث نقلت المصطلحات الفارسية واليونانية والقبطية إلى اللغة العربية ‪ ،‬مما‬
‫دفع سكان البالد المفتوحة من الموالي خاصة إلى تعلم العربية حتى أتقنوها لكي يعملوا في الدواوين‬
‫كموظفي (كتّاب)‪.‬‬

‫كما أقدم عبدالملك بن مروان على تعريب النقود (الدراهم الفارسية والدنانير البيزنطية) فصارت‬
‫العملة موحدة في الدولة وحقق استقاللها االقتصادي ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وهكذا أصبحت اللغة العربية لغة اإلدارة والثقافة فضالً عن كونها لغة السياسة والدين وغدت وسيلة‬
‫ضرورية لكل فرد طموح في المجتمع اإلسالمي يرغب في الرقي والتقدم سواء في اإلدارة أو في‬
‫الحياة الفكرية والثقافية والدينية ‪.‬‬

‫صفات النظام االداري األموي‪:‬‬

‫الالمركزية اإلدارية حيث أعطت الدولة صالحيات واسعة للوالة في أقاليمهم يبتـون‬ ‫‪-‬‬
‫في األمور دون الرجوع إلى العاصمة ‪.‬‬
‫كان الخلفاء األمويون األكفاء يدققون في اختيار الوالي الذي يولونه على اإلقليم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الخليفة األموي الحريص يراقب عماله وال يسمح لهم بقبول الهدايا ويعزلهم إذا تيقن‬ ‫‪-‬‬
‫وقوعها ‪ ،‬وع ّد بعضهم الهديه رشوة ففي رواية تاريخية ‪ :‬أن عبدالملك بن مروان‬
‫قال ألحد كتابه بعد أن ثبت لديه قبول الهديه ( وهللا إن كنت قبلت هديته ال تنوي‬
‫مكافأة المهدي لها إنّك لئيم دنيء ‪ ،‬وإن كنت قبلتها تستكفي رجالً لم تكن تستكفيه‬
‫لوالها إنك لخائن‪)..‬‬
‫الخليفة األموي المدرك في اختياره لوالته وعماله عادة ما يوازن بين التكتالت‬ ‫‪-‬‬
‫القبلية ‪.‬‬
‫كان بعض الخلفاء األمويين يستعين بفقهاء اإلقليم أو علماء المصر ويأخذ برأيهم‬ ‫‪-‬‬
‫ويشجعهم على الكتابة إليه إذا سمعوا أو شاهدوا ظالمة وقعت من عامل أو وال ‪،‬‬
‫فقد زار الخليفة عمر بن عبدالعزيز المدينة المنورة ‪ ،‬واجتمع بعشرة من فقهاءها‬
‫منهم ‪ :‬عروة بن الزبير وسليمان بن يسار وسالم بن عبدهللا بن عمر وخارجة بن‬
‫زيد وقالم لهم ( إني دعوتكم ألمر تؤجرون عليه وتكونون فيه عونا ً على الحق ‪ ،‬ما‬
‫أريد أن أقطع أمرا ً إال برأيكم أو برأي من حضر منكم فإن رأيتم أحدا ً يتعدى أو‬
‫فاحرج هللا على من بلغه ذلك إال بلـ ّغني)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بلغكم عن عامل لي ظالمة‬

‫اإلدارة في العصر العباسي األول (‪132-247‬هـ ‪861-749 /‬م)‪:‬‬

‫ورث العباسيون التراث اإلداري األموي ولكنهم طوروه حسب الظروف المستجدة ‪ ،‬حيث مال‬
‫العباسيون إلى المركزية اإلدارية وابتدعوا منصب (الوزارة) واستحدثوا دواوين جديدة ‪ ،‬ودواوين‬
‫تشرف على أعمال دواوين أخرى وتخضع سجالتها للتفتيش‪.‬‬

‫ومن التقاليد اإلدارية الجديدة ‪ :‬ابتداع نموذج من (العهد) للوالي مكتوب وجاهز ال يحتاج إال إلى‬
‫إمالء اسم المعهود إليه أي الوالي أو األمير المعين ‪ ،‬فحين عيّن المنصور ‪ :‬معن بن زائدة الشيباني‬
‫على اليمن استل عهدا ً من بين فراشين ووقع فيه اسم معن وناوله إليه ‪ ،‬وغدا الوالي أكثر من ذي‬
‫قبل يحيط نفسه بالعلماء والقضاة ورجال التجربة يستعين بهم على إدارة إقليمه وهي ال شك قاعدة‬
‫إدارية ضرورية‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫كما وأن األنظمة العباسية اإلدارية في حقيقتها أنظمة أموية نمت وتطورت وفق سنّة التطور وبتأثير‬
‫األوضاع الجديدة في الدولة العباسية وقد امتدح خلفاء بني العباس اإلدارة والسجالت األموية في‬
‫أكثر من مناسبة ‪ :‬يقول عبدهللا بن علي ‪ :‬جمعت دواوين بن أمية فلم أر ديوانا ً أصح وال أصلح‬
‫للعامة والسلطان من ديوان هشام ‪ ،‬وكان المنصور يستعين بسجالت الخليفة هشام كلما وقعت له‬
‫مشكلة إدارية ‪ ،‬وقال الخليفة المنصور عن الخليفة مروان بن محمد (هلل دره ما كان أحزمه وأسوسه‬
‫وأعفه عن الفيء)‪.‬‬

‫و في خالفة أبي العباس السفاح حدث تنظيم في السجالت اإلدارية بأن جعلت في دفاتر مجتمعة بدل‬
‫أن تكون في صحف متفرقة ‪ ،‬وقد قام بهذا العمل خالد البرمكي‪.‬‬

‫وحين بنى الخليفة المنصور مدينة بغداد نقل إليها كما تذكر رواية اليعقوبي والخطيب البغدادي‪:‬‬

‫‪.1‬ديوان بيت المال‬

‫‪ .2‬خزانة السالح‬

‫‪ .3‬ديوان الرسائل‬

‫‪.4‬ديوان الخراج‬

‫‪.5‬ديوان الخاتم‬

‫‪.6‬ديوان الجند‬

‫‪.7‬ديوان النفقات‬

‫‪ .8‬ديوان األحشام (وهو الديوان الذي يقوم بخدمة البالط ويرعى موظفيه)‬

‫‪.9‬ديوان الحوائج (المظالم)‬

‫‪.10‬ديوان الصدقات‪.‬‬

‫النظام القضائي‬
‫القضاء في اللغة هو الحكم واإللزام‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أما القضاء في االصطالح فهو ‪ :‬الفصل بين الناس في الخصومات ـ حسما ً للتداعي وقطعا ً للنزاع ـ‬
‫والنظر في المسائل الشرعية كالزواج والطالق واإلرث وشؤون اليتامى واألرامل وما إليها‪.‬‬

‫القضاء في عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم والخلفاء الراشدين‪:‬‬


‫‪ -‬لقد تولى الرسول صلى هللا عليه وسلم أمر القضاء في المدينة المنورة وماحولها ‪،‬‬
‫ويتبين ذلك من خالل ( الصحيفة ) التي عقدها بين المهاجرين واألنصارواليهود‬
‫ومشركي المدينة وقد جاء فيها (( وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو‬
‫شجار يخاف منه فإن مرده إلى هللا عز وجل ‪ ،‬وإلى محمد رسول هللا ))‬

‫ويتبين من ذلك أن المصدر األول الذي كان يرجع إليه رسولنا صلى هللا عليه وسلم هو القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬ويجتهد فيما لم يرد فيه نص واضح ‪.‬‬

‫وقد ثبت صلى هللا عليه وسلم مبدأ " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"‬

‫وعندما أرسل صلى هللا عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن وعند وداعه له سأله بم‬ ‫‪-‬‬
‫تقضي إن عرض لك قضاء ؟ قال بكتاب هللا قال فإن لم يكن في كتاب هللا؟ قال‪ :‬بما‬
‫قضى به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن لم يكن ؟ قال ‪ :‬أجتهد رأيي‬
‫وال آلو‪.‬‬
‫قال معاذ ‪ :‬فضرب على صدري وقال‪ :‬الحمدهلل الذي وفق رسول رسول هللا لما‬ ‫‪-‬‬
‫يرضي رسول هللا‪.‬‬
‫في عهد الخلفاء الراشدين ‪ :‬كان أبوبكر الصديق يقضي بين الناس ‪ ،‬ثم أوكل مهمة‬ ‫‪-‬‬
‫القضاء لعمر بن الخطاب رضي هللا عنه ‪ ،‬وكان أبوبكر يرجع في قضائه إلى كتاب‬
‫هللا وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلمثم إلى مشورة الصحابة وإجماعهم على الحكم‬
‫المناسب‪.‬‬
‫أما الخليفة عمر بن الخطاب– رضي هللا عنه – فقد اتسعت فيعهده الدولة‬ ‫‪-‬‬
‫اإلسالمية وكان البد من تعيين قضاة للحكم في األقاليم‪.‬‬

‫وكان عمر ينصح قضاته بالعدل ‪ ،‬ويسمح لهم باالجتهاد في األحكام ‪ ،‬وقد أ ُطلق على رسالته التي‬
‫أرسلها إلى قاضيه أبي موسى األشعري بالكوفة ( دستور القضاء )‪.‬‬

‫نشاط‬

‫راجع رسالة الخليفة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى األشعري وبين مافيها من مبادئ وأحكام‬
‫القضاء‬

‫‪62‬‬
‫لقد أرسى الخليفة عمر بن الخطاب قواعد القضاء‪ :‬ففصل القضاء عن الوالية ‪ ،‬ووسع صالحيات‬
‫القضاة في العمل باالجتهاد والقياس والمشورة‪.‬‬

‫‪ -‬وكان يأمر قضاته بعدم االستعجال في إصدار الحكم بقوله‪ :‬ر ّدوا الخصوم حتى‬
‫يصطلحوا ‪ّ ،‬‬
‫فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن ‪.‬‬
‫ـ كما كان يحذرهم من الرشوة والحكم بالهوى‪.‬‬

‫ـ وكان الحكم ينفذ إثر صدوره ‪ ،‬فلم تكن هناك دفاتر أو سجالت تدون فيها القضايا‪.‬‬

‫وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان استمر على نهج الخليفة عمر بن الخطاب‬
‫ففصل منصب القضاء عن اإلمارة ‪ ،‬واحتفظ لنفسه بالقضاء في المدينة المنورة ‪،‬‬
‫وكان يختار أغلب قضاة األمصار بنفسه ‪ ،‬والمالحظ أن غالبية القضاة الذين عينهم‬
‫عمر بن الخطاب استمروا في عهدي عثمان بن عفان ‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪.‬‬

‫ولقد أولى الخليفة علي بن أبي طالب اهتماما ً خاصا ً بالقضاء‪:‬‬

‫‪ -‬فتحرى الدقة في اختيار القضاة حيث ال يعيّن إال من عرف بالعلم والتقوى‪.‬‬
‫كما زاد من رواتبهم لكي ال تؤثر أحوالهم المعيشية على أحكامهم‪.‬‬
‫فرق بين الشهود ‪ ،‬فكان يباعد بينهم ويأخذ‬‫‪ -‬ويعد الخليفة علي بن أبي طالب ّأول من ّ‬
‫أقوال كل شاهد على حده من أجل الوصول للحقيقة‪.‬‬

‫القضاء في العصر األموي ( ‪ 132 – 41‬هـ ‪ 749 – 661 /‬م )‬


‫كان القضاة في بالد الشام يعينون من قبل الخلفاء األمويين ‪ ،‬أما في الواليات ّ‬
‫فإن الوالي أو األمير‬
‫هو الذي يعين القاضي ويعزله ‪ .‬وقد نظر الخلفاء األمويون نظرة محترمة إلى المنصب ‪ ،‬واتسعت‬
‫صالحيات القاضي حيث كان ينظر في كل ما يتعلق باألحوال الشخصية من مواريث وزواج‬
‫واستمر‬
‫ّ‬ ‫وطالق واليتامى والمعامالت ولم يعد يقتصر على فض المنازعات وح ّل الخصومات ‪،‬‬
‫القضاة يعودون في أحكامهم على القرآن والحديث والقياس واالجتهاد واإلجماع ‪ ،‬ولم يكن الخلفاء‬
‫والوالة بصفة عا ّمة يتدخلون في األحكام التي تصدر عن القضاة ‪ ،‬كما لم يكن هناك مايؤثر على‬
‫القاضي عند إصدار حكمه ّ‬
‫ألن المذاهب الفقهية لم تكن قد تبلورت بعد ‪.‬‬
‫إن للسلطان أركانا َ‬‫لقد وضع الخليفة عمر بن عبدالعزيز القاضي في المكان الالئق به حين قال ‪ّ " :‬‬
‫اليثبت إال بها ‪ :‬فالوالي ركن ‪ ،‬والقاضي ركن ‪،‬وصاحب بيت المال ركن ‪ ،‬والركن الرابع أنا "‬

‫تدون فيها األحكام لضبط أمور القضاء‬‫ي بظهور السجالت التي ّ‬‫وقد امتاز القضاء بالعصر األمو ّ‬
‫ي في مصر حكم في الميراث بين ورثة متخاصمين ث ّم تناكروا الحكم‬ ‫‪،‬ذلك ّ‬
‫أن القاضي سليم بن عد ّ‬
‫ودون الحكم في سج ّل خاص ‪ ،‬فكان أول قاض يسجل ‪.‬ومنذ ذلك الوقت بدأ‬‫فعادوا إليه فقضى بينهم ّ‬

‫‪63‬‬
‫والشك ّ‬
‫أن بعض الفقهاء كانوا‬ ‫ّ‬ ‫السجل لتدوين األحكام ‪ ،‬وأصبح للقاضي كاتب يكتب بين يديه ‪.‬‬
‫يحضرون ( مجلس القضاء ) لمشورتهم واألخذ برأيهم عند الحاجة ‪.‬‬

‫القضاء في العصر العباسي ‪ 656 – 132 ( :‬هـ ‪ 1258 – 749 /‬م ) ‪.‬‬

‫اهتم الخلفاء العباسيون بمنصب القضاء ‪ ،‬فكانوا يعيّنون القضاة بأنفسهم ‪ ،‬وكان الخلفاء العباسيّون‬
‫وأن تلك المذاهب لم تكن قد تبلورت بعد ‪ ،‬فلم يشترطوافي اختيارهم‬ ‫صة ّ‬ ‫فوق المذاهب الفقهية ‪،‬خا ّ‬
‫لقضاة بغداد أن يكون للقاضي مذهبا فقهيا َ معينا َ ‪ ،‬ولذلك تولى قضاء بغداد فقهاء متنوعون ‪ .‬كما‬
‫وأن الدولة العباسيّة حتى عهد المأمون لم تتخذ مذهبا َ فقهيا َ معيّنا َ تلتزم به رسميّا أو تلزم القضاة‬ ‫ّ‬
‫تطور األمر وظهرت المذاهب أصبح في ك ّل والية أكثر من قاض ‪،‬‬ ‫السير بموجب أحكامه وحين ّ‬
‫يتحرج أن يستعين في حكمه بالمذاهب‬ ‫ّ‬ ‫ك ّل منهم يمثّل مذهبا َ معيّنا َ ‪ ،‬ولكنّه في الوقت نفسه لم يكن‬
‫األخرى ‪.‬‬

‫وكان من مظاهر تطور القضاء في العصر العباسي ظهور منصب (قاضي القضاة) في عهد الخليفة‬
‫هارون الرشيد ‪ ،‬وقد عيّن الرشيد القاضي (أبا يوسف يعقوب بن ابراهيم األنصاري أول قاض‬
‫للقضاةو كان يقيم في العاصمة بغداد ) وأصبح من مهامه تعيين القضاة في الواليات األخرى و‬
‫اإلشراف على أعمالهم بالنيابة عن الخليفة‪.‬‬

‫شروط القاضي وصالحياته‪-:‬‬

‫ونظرا ألهمية القاضي فقد اشترطت كتب السياسة الشرعية جملة شروط يجب توفرها فيمن يتولى‬
‫هذا المنصب ‪ ،‬ومن أهمها ‪ ( :‬الرجولة ‪ ،‬والبلوغ ‪ ،‬واإلسالم والحرية والعقل وسالمة الحواس‬
‫والعلم باألحكام الشرعية) ‪.‬‬

‫وكان للقضاء مجلس يسمى ( مجلس القضاء) يترأسه القاضي ويضم المستشارين وهم عادة من‬
‫الفقهاء الذين يساعدون القاضي في الوصول إلى قرار الحكم الصحيح وللقضاء (ديوان) يضم‬
‫مجموعة من الموظفين منهم‪ :‬الكاتب الذي يسجل دعاوى المتخاصمين والشهود ويدون كذلك قرار‬
‫الحكم ‪ .‬ثم الوكيل الذي يتولى المرافعة أمام القاضي نيابة على موكله ‪ ،‬ثم الحاجب الذي يرتب‬
‫الدخول إلى مجلس القضاء ويتولى الخازن حفظ الوثائق والسجالت الخاصة بالدعاوى ‪ .‬وأخيرا‬
‫األعوان الذين يقومون بالمحافظة على النظام أثناء المرافعات‪.‬‬

‫وقد ذكرت كتب (أدب القضاء) جملة من الصفات التي يجب أن يتحلى بها القاضي عند ممارسته‬
‫لمسؤولياته فعلى القاضي أال يقضي في حالة الغضب وال الجوع والعطش ‪ ،‬وال في حالة الحزن‬
‫والفرح الشديدين ‪ ،‬وال يقضي وهو مريض‪ .‬وينبغي أن يكون القاضي في مجلس الحكم غاض‬
‫الطرف كثير الصمت قليل الكالم ‪ .‬كما ينبغي للقاضي أن يكف عن محادثة الشهود وليس عليه أن‬
‫يلقنهم شهادة أو يعينهم على أدائها ‪ .‬وعليه أن يتعامل مع جميع المتخاصمين بالتساوي فال يفرق بين‬
‫ش ريف ووضيع وحر وعبد وال يفضل أحدهما على اآلخر ‪ .‬وال ينبغي للقاضي أن يقبل الهدية ألن‬
‫معنى ذلك أنها رشوة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫السياسة المالية للدولة في ظل الحضارة اإلسالميّة‬

‫‪ -1‬سياسة الرسول صلى هللا عليه وسلم المالية ‪ :‬اتبع الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫سياسة اقتضتها الظروف اآلنية وهي تتصف بالمرونة ومراعاة حالة البالد التي دخلت‬
‫ضمن الدولة الجديدة ‪ ،‬ولم تكن واحدة في كل األحوال ‪ ،‬ويمكن تصنيفها كما يأتي‪-:‬‬

‫أوال‪:‬األراضي التي فتحت عنوة بعد قتال وغنمها الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فقسمها‬
‫حسب اآلية‪ ( :‬واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأن هلل خمسه وللرسول ولذي القربى‬
‫واليتامى والمساكين وابن السبيل ) فكان الخمس يقسم حسب ما ذكرته اآلية ‪ ،‬أما‬
‫األربعة األخماس الباقية فقسمها صلى هللا عليه وسلّم بين المقاتلين ‪ .‬ثم إن الضرورة‬
‫جعلت الرسول صلى هللا عليه وسلم يعدل في هذا التدبير ويعطي األرض ألصحابها‬
‫بالمقاسمة على نصف المحصول‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعتبر بالد العرب أراضي عشر ويدفع المسلمون الزكاة بنسبة ‪ %2.5‬عن‬
‫أموالهم ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الجزية يدفعها أهل الكتاب وألحق بهم مجوس البحرين ‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الملكية العامة للماء والكأل والنار بين الناس في حدود الحمى‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬وحين فتح الرسول صلى هللا عليه وسلم مكة لم يغنم منها شيئا ولم يقسم أموال‬
‫أهلها ‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬وفي غزوة حنين انتصر الرسول صلى هللا عليه وسلم على هوازن ولكنه عفا‬
‫عن السبي وحذا المسلمون حذوه‪.‬‬

‫‪ -2‬سياسة الخليفة عمر بن الخطاب المالية‪-:‬‬


‫لقد بدأت المشكلة حين كتب قادة الجيوش اإلسالمية إلى الخليفة في المدينة المنورة‬
‫يستشيرونه في قسمة الفيء والغنائم بين المسلمين ‪ ،‬وكذلك الموقف من األرض‬
‫المزروعة وغير المزروعة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ويستشيرعمر بن الخطاب رضي هللا عنه أصحابه ويصل إلى النتيجة المنطقية وهي "‬
‫ال يمكن تقسيم الفيء بين هؤالء وندع من يجئ بعدهم " ‪ ،‬وكتب بذلك إلى سعد بن أبي‬
‫وقاص بأن يترك األرض واألنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين كما كتب‬
‫إلى أبي عبيدة بن الجراح والقادة اآلخرين يعلمهم بأن األرض التي فتحها المسلمون‬
‫وقف لألمة بجميع أجيالها وهي فيء محبوس (موقوف) لهم ال يملك وال يورث‪.‬‬

‫وقسم الخليفة عمر بن الخطاب األراضي المفتوحة إلى األقسام التالية‪-:‬‬


‫أ‪ -‬الصوافي‪ :‬هي األرض الخاضعة للدولة ‪ ،‬وتدعى صوافي اإلمام ‪ ،‬ويدخل في هذا‬
‫الصنف أراضي كسرى التي فتحها المسلمون ‪ ،‬وأراضي أفراد العائالت المالكة‬
‫الساسانية وأوقاف بيوت النار وأراضي من قتل في الحرب وكذلك المستنقعات‬
‫واألراضي المجففة (الموات)‪.‬‬
‫ب‪ -‬أرض الصلح‪ :‬وهي األرض التي صالح أهلها المسلمون على أن يدفعوا ضريبة‬
‫واحدة متفق عليها وتبقى ملكية أراضيهم لهم ‪ .‬وكانت هذه الضريبة تفرض على‬
‫أهل المنطقة وهم مسؤولون عن جمعها وهي أرض الفيء‪.‬‬
‫ت‪ -‬األراضي الخراجية‪ :‬التي فتحها المسلمون عن طريق القتال وأبقوا عليها سكانها‬
‫األصليين وقد أوقفها عمر بن الخطاب على مصالح المسلمين كافة بدل توزيعها‬
‫على المقاتلة‪.‬‬

‫أما بالنسبة للجزية(ضريبة الرأس) فقد فرضت في عهد عمر بن الخطاب على أهل‬
‫الذمة بعد أن قسموا إلى ثالث طبقات وأخذ من كل طبقة حسب قدرتها المالية ‪.‬‬

‫معالم السياسة المالية في العصر األموي‪-:‬‬

‫لقد تغيرت األحوال في العصر األموي حيث بدأ سكان البالد المفتوحة يدخلون اإلسالم‬
‫أن العرب المسلمين الذين هاجروا إلى األمصار‬ ‫‪ ،‬وهذا يعني إعفاءهم من الجزية ث ّم ّ‬
‫بدأوا في االستقرار فيها وكان اقتناء العرب المسلمين لألرض يعني في نظرهم إعفاءهم‬
‫من خراج األرض المفروض على سكان البالد المفتوحة واستبداله بالعشر‪.‬‬

‫ولكن أخطر ماقام به األمويون وكان له أثره على العصر األموي هو أخذ الجزية من‬
‫المسلمين الجدد ‪ .‬وقد اضطر األمويون إلى ذلك بسبب األزمة المالية التي هددت‬
‫خزينتهم ‪ ،‬وبسبب تبدل الظروف حيث أسلم الكثير من أهل الذمة ‪ ،‬واشترى الكثير من‬
‫المسلمين األراضي الزراعية في البالد المفتوحة وهي أراضي خراجية ولكن لم يدفعوا‬
‫عنها إال العشر‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫لقد حاول الحجاج الثقفي معالجة العجز المالي حيث كتب إليه عماله ( بأن الخراج قد‬
‫انكسر وأن أهل الذمة قد أسلموا ولحقوا باألمصار) فوضع سياسته هادفا إنقاذ الخزينة‬
‫ولم يراع فيها رغبة العرب أو الموالي وتتمثل سياسته‪:‬‬

‫أوال‪ :‬فرض الخراج على العرب المسلمين الذين اقتنوا أراض خراجية وتوقفوا عن دفع‬
‫الضريبة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬فرض الجزية والخراج على األعاجم الذين أسلموا وبقوا في قراهم‪ .‬وقد ولدت‬
‫هذه التدابير ضجة بين العرب والموالي على السواء ونادوا بأنها تنافي اإلسالم‪.‬‬

‫ولكن من عالج المشكلة حقيقة وجاء بإجراءات واضحة أنقذت السياسة المالية هو‬
‫الخليفة عمر بن عبد العزيز ‪.‬‬

‫لقد أبدى هذا الخليفة مرونة وبعد نظر وذلك حين استطاع أن يضع حال يحفظ حقوق‬
‫بيت المال ويراعي المبادئ اإلسالمية ‪ ،‬فقد ميز وربما ألول مرة بين الجزية والخراج‬
‫‪ ،‬وع ّد الجزية ضريبة يدفعها غير المسلم وتسقط عنه بإسالمه ‪ .‬أما الخراج فع ّده إيجارا‬
‫لألرض وقال بأن أرض الخراج كانت أوال ملكا مشتركا بين الفاتحين المسلمين وأنها‬
‫تركت بيد سكان البالد المفتوحة يزرعونها لقاء إيجار يدفعونه لألمة اإلسالمية وهو‬
‫الخراج ولذا فعلى المسلم حين يشتري أرضا خراجية أن يدفع خراجها كإيجار لألرض‬
‫وهو وقف للمسلمين‪،‬وفي حالة إسالم الذمي يعفى من الجزية إال أن أرضه تبقى‬
‫خراجية ويمكنه أن يستمر على زرع األرض وتأدية الخراج عنها ‪ ،‬أو أن يتركها لغيره‬
‫يزرعها وبهذه الطريقة جعل عمر بن عبدالعزيز األرض مصدرا دائما لخزينة الدولة‬
‫ووفّق بين الحاجة والشريعة‪.‬‬

‫مظاهر السياسة المالية في العصر العباسي‪-:‬‬

‫حاول الخليفة المنصور العباسي أن يحقق مركزية الحكم ويصلح اإلدارة ‪ ،‬وكانت‬
‫المشكلة االقتصادية وعلى األخص مشكلة الخراج ال تزال تنتظر الحل‪ .‬ويتبين ذلك من‬
‫رسالة ابن المقفع للمنصور التي تعتبر وثيقة تاريخية ألنها معاصرة ‪ ،‬حيث أشار ابن‬
‫المقفع في ( رسالته في الصحابة) إلى المشاكل االقتصادية مثل مساوئ طريقة جباية‬
‫الخراج ومواجهة غالء األسعار الذي نجم عن االضطراب السياسي ‪.‬‬

‫والحقيقة فإن المنصور حاول أن يحل هذه األزمة االقتصادية بسياسة الشدة والحزم ‪،‬‬
‫فقد راقب عمال الخراج وعزلهم في حالة التأكد من اختالسهم أو انحرافهم ‪.‬‬

‫وعني المنصور بتنظيم ديوان الخراج حتى أصبح من أهم دواوين الدولة في بغداد ‪،‬‬
‫وكان رئيسه في معظم الحاالت الوزير ‪ .‬وكان يؤخذ رأيه في كافة األمور المتعلقة‬
‫بواردات الدولة في الخراج ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ويُع ّد الخليفة المنصور أول من فكر في تطبيق نظام المقاسمة‪ ،‬ويعني هذا النظام‬
‫مقاسمة الدولة المزارعين على حاصالتهم وفق نسبة معينة ويروي أبو يوسف في‬
‫(كتابه الخراج) بأن نسبة المقاسمة في عهد المهدي بلغت نصف المحصول على‬
‫األرض التي تسقى سيحا وثلث المحصول على األرض التي تسقى بالدالء الرتفاعها ‪،‬‬
‫وربع المحصول على األرض التي تسقى باآلالت األخرى ‪ ،‬وفي بعض المناطق كانت‬
‫الدولة تأخذ خمس المحصول تقديرا لظروف خاصة محلية منها بعد األرض عن السوق‬
‫أو قلة خصوبة األرض ‪.‬‬

‫ويمكننا أن نتبين ثالث طرق لجباية الخراج اتضحت خالل العصر العباسي ‪-:‬‬

‫أ‪ -‬المحاسبة‪ :‬وتكون جباية الضريبة نقدية وعينية في آن واحد‪.‬‬


‫ب‪ -‬المقاسمة ‪ :‬وهي ضريبة عينية تؤخذ بنسبة معينة من المحصول ‪ .‬وكانت نسبتها‬
‫تختلف بين النصف والثلث والربع والخمس تبعا لقرب السوق وبعده وقرب األنهار‬
‫وبعدها وطريقة الري ونوعية المحصول ونوعية األرض من حيث الخصوبة ‪.‬‬
‫ت‪ -‬المقاطعة‪ :‬وهي ضريبة تجبى وفق اتفاقات معينة بين الدولة والملتزم الذي أقطعته‬
‫الدولة إقطاعات معينة وفق نظام االلتزام لتشجيع الزراعة وإحياء أراضي الموات‪.‬‬

‫النظام النقدي‪-:‬‬
‫لقد أبقى العرب المسلمون على العمالت القديمة في التداول وهناك روايات تشير‬
‫إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب نقش على هذه العمالت بعض الشارات أو الكلمات‬
‫اإلسالمية أو كلمة جائز للداللة على قبولها للتداول في الدولة ‪.‬‬
‫ويعد عبدالملك بن مروان أول خليفة أوجد النقد العربي رسميا وعلى نطاق واسع‬
‫وذلك من خالل إدراكه العميق لقيمة النقود بالنسبة لنشاطات الناس وتعاملهم ‪ .‬كما‬
‫وأن النقد يعد دليال على سيادة الدولة واستقاللها االقتصادي ‪ .‬وكان الحجاج‬
‫ابن يوسف الثقفي أول من قرر أوزان النقود بصورة رسمية في العراق ‪ ،‬وكان‬
‫النظام النقدي في الدولة اإلسالمية ثنائيا يعتمد على الدينار الذهبي والدرهم الفضي‬
‫و غالبية هذه النقود تحمل التاريخ الهجري عليها‪.‬‬
‫إن صك العملة اإلسالمية من قبل الدولة وبصورة رسمية‪ ،‬وتداولها من قبل الناس‬
‫في أنشطتهم المختلفة ساعد إلى درجة كبيرة على إنعاش االقتصاد وبصورة خاصة‬
‫الحركة التجارية وظهور الصيرفة أو نظام البنوك وما يرتبط به من حواالت‬
‫وصكوك وغيرها ‪ ،‬وقد سهل هذا النظام العمليات التجارية الكبيرة بين األقاليم‬
‫وكذلك التجارة الخارجية فكان التاجر يكتب صكا مثال من بغداد إلى تاجر آخر في‬
‫القاهرة أو دمشق ويستطيع حامل الصك أن يقبض المبلغ من هناك دون حاجة إلى‬

‫‪68‬‬
‫حمل المال أثناء السفر حيث قد يتعرض إلى المخاطر ‪ .‬هذا باإلضافة إلى أن العملة‬
‫دليل على استقالل الدولة وسيادتها‪.‬‬

‫المصادر والمراجع‬

‫‪ ‬تاريخ عمان ودراسات في الحضارة اإلسالميّة ‪ .‬أسمهان سعيد الجرو وآخرون‬


‫‪.‬جامعة السلطان قابوس ‪ .‬عمان ‪ .‬ط‪2009 . 2‬م ‪.‬‬

‫دراسات في الثقافة اإلسالميّة ‪.‬أحمد محمد الجلي ‪ .‬دار الكتاب الجامعي ‪ .‬العين‬ ‫‪‬‬
‫اإلمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط‪2010 . 2‬م‪.‬‬
‫لمحات في الثقافة اإلسالميّة ‪ .‬عمر عودة الخطيب ‪ .‬مؤسسة الرسالة ‪ .‬بيروت‬ ‫‪‬‬
‫‪.‬ط‪1979 . 3‬م‪.‬‬
‫لسان العرب ‪ .‬ابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور ‪ .‬دار صادر ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫بيروت ‪ .‬لبنان ‪ .‬ط‪ 1997 . 1‬م‪.‬‬
‫القاموس المحيط ‪ .‬مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ‪ .‬مؤسسة الرسالة ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫بيروت ‪.‬ط‪1407 . 2‬هـ ‪1987‬م ‪.‬‬
‫المعجم الوسيط ‪ .‬إبراهيم مصطفى وآخرون ‪ .‬دار الدعوة ‪ .‬استانبول ‪ .‬تركيا‬ ‫‪‬‬
‫‪ 1980‬م ‪.‬‬
‫المرتكزات األساسيّة في الثقافة اإلسالميّة ‪ .‬أحمد صبحي العيادي ‪ .‬دار الكتاب‬ ‫‪‬‬
‫الجامعي ‪ .‬العين ‪ .‬اإلمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط ‪ 2007 .‬م ‪.‬‬
‫الثقافة والثقافة اإلسالميّة ‪ .‬سميح عاطف الزين ‪ .‬دار الكتاب اللبناني ‪ .‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1403‬هـ ‪ 1983‬م ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫اإلسالم وثقافة اإلنسان ‪ .‬سميح عاطف الزين ‪ .‬الشركة العالمية للكتاب‪ .‬بيروت‬ ‫‪‬‬
‫لبنان ‪ .‬ط‪ 2002 . 9‬م ‪.‬‬
‫عمان والحضارة اإلسالميّة ‪ .‬سعيد عبد الفتاح عاشور وعوض محمد خليفات ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫جامعة السلطان قابوس ‪.‬مسقط ‪ .‬عمان ‪1425 .‬هـ ‪2004‬م ‪.‬‬
‫مدخل إلى الثقافة اإلسالمية ‪ .‬حمدي عبدهللا نافع ‪ .‬جامعة العين للعلوم‬ ‫‪‬‬
‫والتكنولوجيا ‪ .‬األمارات العربية المتحدة ‪ .‬ط‪ 2006/2005 . 2‬م ‪.‬‬
‫النظم اإلسالميّة نشأتها وتطورها ‪ .‬صبحي الصالح ‪.‬دار العلم للماليين ‪ .‬بيروت‬ ‫‪‬‬
‫‪ .‬لبنان ‪ .‬ط‪1992. 9‬م ‪.‬‬
‫البداية والنهاية ‪ .‬عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير ‪ .‬دار أبي حيّان ‪.‬القاهرة‬ ‫‪‬‬
‫‪ .‬مصر ‪ .‬ط‪1416 .1‬هـ ‪1996‬م ‪.‬‬
‫التاريخ اإلسالمي ‪ .‬محمود شاكر ‪ .‬المكتب اإلسالمي ‪ .‬بيروت ‪ .‬ط‪1421. 8‬هـ‬ ‫‪‬‬
‫‪2000‬م ‪.‬‬
‫تاريخ صدر اإلسالم والدولة األموية ‪ .‬عمر فروخ ‪ .‬دار العلم للماليين ‪ .‬بيروت‬ ‫‪‬‬
‫‪.‬لبنان ‪ .‬ط‪. 1981. 5‬‬

‫الخاتمة‬

‫‪70‬‬
‫وهكذا تم بحمد هللا إعداد مجموعة من المحاضرات في مادة الحضارة اإلسالمية ‪ .‬بطريقة حاولنا‬
‫فيها التزام الوضوح والسالسة في إيصال الفكرة والمعلومة ألبنائنا الطلبة ‪ .‬راجين من هللا القبول ‪،‬‬
‫ومن أبنائنا الطلبة حسن اإلفادة من هذه المادة في حياتهم العلمية والعملية ‪ .‬وأن تكون مفتاحا لوعي‬
‫وثقافة أوسع بما يعود بالنفع على المجتمع واألمة عامة ‪ .‬ونسأل هللا التوفيق والسداد لنا جميعا‬

‫‪71‬‬

You might also like