Professional Documents
Culture Documents
محاضرات
قضايا في التاريخ الراهن
1
تمهيد:
أوال يجب الت ذكير ب أن وح دة الت اريخ ال راهن تهتم بدراسة القض ايا الك برى
الراهنة ال تي أث رت على مس ار ال دول في العق ود األخ يرة من الق رن العش رين ومطلع
الق رن الواحد والعش رين ،والقصد منه ا ،رغم ما قيل في تحديد مجالها الزم ني ،هو
أن يتمكن الطالب من امتالك القدرة على فهم وتحليل القضايا الراهنة ،وللبرهنة مرة
أخ رى على أن الم ؤرخ ال يش تغل في الماضي فق ط ،فهو ابن عص ره له كل
المقوم ات المنهجية والنقدية لتفس ير مجري ات األح داث الراهنة وطنيا ودوليا لفهم
مس ار التح والت الك برى ال تي نعيش أح داثها الي وم في مختلف المج االت السياس ية
واالقتص ادية واالجتماعي ة .لكن تظل األس ئلة المطروحة مرتبطة بمفه وم الت اريخ ال راهن،
وتحديد زمن بدايته ونهايته رغم ما قيل في إط اره الت اريخي الواقع بين الماضي
والمستقبل.
أول إش كالية تواجهن ا عند دراسة الت اريخ ال راهن هي إش كالية المفه وم فجملة
«التاريخ الراهن» ،تتضمن كلمتين فهناك كلمة «تاريخ» التي تعني الماضي حسب ما
هو مت داول ومتع ارف علي ه ،وهن اك كلمة «ال راهن» ال تي تع ني الحاض ر ،مما يط رح
تساؤالت التكامل والتناقض بين المصطلحين ،ولذلك لم يقع لحد الساعة اتفاق بين
المتخصصين في تحديد مفهوم «التاريخ الراهن» ،وإن كانت هناك اجتهادات في هذا
الب اب باعتب ار البعد الزم ني ال ذي هو من أسس الكتابة التاريخي ة ،وذهبت مدرسة
الحولي ات إلى مفه وم آخر لت اريخ ال زمن ال راهن وذلك اعتم ادا على دراسة القض ايا
الراهنة بناء على فهم ماضيها ،مثال ذلك موضوع األزمة المالية التي يعرفها التاريخ
ال راهن يجب البحث عن ج ذورها في الت اريخ الح ديث والمعاص ر ،وقس على ذلك
مواض يع مش ابهة ،مث ل :أس باب الح روب والتغ يرات االجتماعي ة ،والتن افس االقتص ادي،
2
والنزاعات السياسية ،فكل ما نراه راهنا تتحكم فيه عوامل تاريخية ،والمثال الواضح
ل ذلك هو مس ألة الح دود بين ال دول وال تي تعت بر نزاعا راهنا متج ددا في كل وقت
وحين ،ويشكل اليوم مسألة أساسية في نزعات مسلحة بين بعض الدول ،بل قضايا
راهنة مشتعلة اليوم ،مث ل :قض ايا األقليات في العالم وقضايا النزعات االس تقاللية من
مخلف ات الت اريخ الماض ي ،وقس على ذلك القض ية الفلس طينية ال تي ك انت نتيجة
«وعد بلف ور» منذ ما يربو عن مائة س نة ،فقض ايا الت اريخ ال راهن اس تمرار لقض ايا
الت اريخ المعاصر بل لها ج ذور وامت دادات تاريخية قديمة ووس يطية ومعاص رة .به ذا
المفهوم يمكن إدراك مشروعية دراسة التاريخ الراهن ،وإن كانت هناك تحفظات من
بعض رواد المدارس التاريخية باعتبار التاريخ الراهن من عمل الص حفي ،ألن من أهم
ش روط الت اريخ البعد الزم ني رغم االختالف في تحديد الم دة الزمنية المح ددة له ذا
إلى أربعة البعد بين من يجعله في حدود نصف قرن على األقل ومن يرفع سنواته
عق ود كحد أدنى للمس افة الزمنية لوقع الح دث وإمكانية فهمه وكشف جوانب ه ،فال
بد من البعد الزمني للتحلي بالموضوعية والبعد عن العواطف المرتبطة بالمعاصرة التي
ق رر العديد من الم ؤرخين الس ابقين أنها تحجب الرؤيا الواقعية لألش ياء ح تى قيل
فيه ا« :المعاص رة حج اب» ،ولذلك دعا بعض منظ ري الت اريخ إلى ت رك الزمن ال راهن
للعوم السياسية بل وجدنا أحد أساتذة مارك بلوخ كان يؤكد لتالمذته أثناء محاضراته
عن البعد الزمني سنة 1900ما يلي « :منذ سنة 1830ال نتحدث عن التاريخ ،و إنما
عن السياس ة» ،بمع نى أنه دعا إلى ت رك فاصل زم ني ال يقل عن س بعين س نة ح تى
نتجنب حقال معرفيا غ ير قابل للكتابة التاريخية لما يعتريه من تناقض ات تتحكم فيها
صراعات ما زالت طافية على السطح وتحركها مبدأ المصلحة السياسية.
3
المعاصر والت اريخ ال راهن ،وض منها المغ رب ال ذي أح دث مديرية أرش يف المغ رب
بالرباط والتي تمكنت من جمع وثائق مهمة تهم تاريخ المغرب الراهن.
ولعل ما ذكرن اه س ابقا يحيلنا إلى س ؤال :أين يجد م ؤرخ الت اريخ ال راهن مص ادره
ومراجعه؟
للجواب على هذا السؤال الذي طرحناه في محاضرات سابقة ،يمكن أن ننبه
على ض رورة اعتم اد الم ؤرخ على مص ادر جدي دة فضال عما يعرفه من مص ادر
العصر الق ديم والوس يط والح ديث والمعاصر يعرف ون تقليدي ة ،ف إذا ك ان مؤرخ و
مص ادرهم ،ف إن م ؤرخ الت اريخ ال راهن م دعو إلى البحث عن ما يس تجد من مص ادر
ووث ائق جدي دة في موض وع بحثه في الص حف والمجالت واألفالم الوثائقية
واالس تطالعات والص ور واالس تجوابات اإلذاعية والم ذكرات والس ير الذاتية والل وائح
اإلحص ائية والمع امالت اليومية اإلدارية واالقتص ادية والنش رات اإلخبارية والرواية
الش فهية ،وغ ير ذلك مما يمكن الم ؤرخ من التوسع في االطالع على ما يدرسه من
إش كاليات قض ايا الت اريخ ال راهن ،واعتم اد منهج التمحيص والمقارنة ال تي هي من
التي تتوخى الموضوعية. أسس الكتابة التاريخية
وبناء على ما يتوفر من مصادر وأرشيف وتوخيا إلشراك طلبة الفصل الس ادس
في النق اش العلمي الت اريخي يتم تجديد القض ايا التاريخية ال تي تط رح على الس احة
الوطنية والدولي ة« ،فالت اريخ يتج دد بتج دد الت اريخ نفسه» كما أش ارت إلى ذلك
مجموعة من رواد المدرس ة التاريخي ة الفرنس ية ،وال نريد هنا أن نتح دث أو نق ارن
تزعمه المؤرخ الكبير جون الكوتير مع موجة ما عرف ب « :التاريخ الفوري» الذي
عندما أصدر مجموعة من المقاالت تحمل هذا العنوان«:التاريخ الفوري» ضمن سلسلة
فقد ك ان ه ذا الم ؤرخ ي درك ه ذه المفارقة منذ أث ار ه ذه الفك رة الت اريخ الجدي د،
4
«التاريخ الفوري» عام ،1963لذلك كانت تردده واضحا في االختيار بين تعبيرين
و«التاريخ الحاضر».
لقد تمت ع دة اقتراح ات لدراسة بعض القض ايا الراهنة عالميا ووطني ا :ومث ال
ذلك :العالقات المغربية االسبانية وما عرفته من أزمات راهنة ،وتاريخ الوباء والجوائح
ارتباطا بما يعرفه الع الم الي وم من ظ اهرة الوب اء ع المي ،ويمكن عن طريق الدراسة
والمقارنة فهم ه ذه الظ اهرة ال تي لها أش باه ونظ ائر في ت اريخ ال دول واألمم ،وقد
عرف المغرب بدوره عبر تاريخه العديد األوبئة واألمراض المعدية المتنقلة ،واستعمل
لمعرفة أن وحدة هذا نموذج العديد من الوسائل لمواجهتها ،مثل :الحجر الصحي،
5
البيبليوغرافيا
نقترح إلى جانب المراجع التقليدية المنشورة االعتماد على المقاالت الصحفية
واإللكترونية والمق االت الموثقة في المجالت العلمية مثل مجلة ع الم المعرفة ومجلة
ع الم الفكر وعلى ش بكة االن ترنيت ،والمص ادر المص ورة ك األفالم الوثائقية
واالستجوابات المسجلة .وسنعزز كل محاضرة بمراجعها األساسية:
-فتحي ليسري "تاريخ الزمن الراهن عندما يطرق المؤرخ باب احلاضر" صفاقس
– تونس .2012
-حممد حبيدة ،من أجل تاريخ إشكالي ،ترجمات مختارة ،منشورات جامعة ابن طفيل كلية اآلداب ،
القنيطرة ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضاء.2004 ،
-بومجعة رويان ،الطب الكولونيال الفرنسي بالمغرب ،1945 -1912مطبعة الرباط نت الرباط .2013
-أمحد زيادي ،المكتبة المغربية في عهد الحماية ،منشورات إحتاد كتاب املغرب ،الطبعة األوىل .2003
6
- N. Benoit ,E. Morin, B. Paillard, Communications 18 , « L’ événement»,
25 «La notion de crise» , Paris, Le seuil, 1972, 1976.
- J. Lacouture , L’Histoire immédiate, in La Nouvelle Histoire , Parise, 1978.
-Guinle-Lorinet Sylvaine et Soulet Jean-François, Précis d'histoire
immédiate, Paris, Armand Colin, Coll. U, 1989