Professional Documents
Culture Documents
تعود فكرة التعبير إلى اللكسندر بوب )(1688-1744)(Alexander Popeفي منظومته النقدية )
(Essaiال تي ص درت الطبع ة الأول ى منه ا ف ي الع ام .1711ف التعبير عن ده ه و البني ة sur la critique
المتخيلة التي يخخترعها الشاعر ليعرض من خلالها حقائق العمل الأدبي ،وهي البنية المشتملة على
الحبكة والأسلوب .ومفهومه للحبكة لا يختلف عن المحاكاة لأنها تنطوي على مفهوم أساسي نببه
عليه أرسطو ،وهو تنظيم الحكاية ،أو الأسطورة ،تنظيما يجعلها مشاكلة للواقع ،وقادرة على إيهام
القارئ أو المشاهد بأن ما ترو يه قد حدث فعلا ،أو أنه –على الأقل -م ممُكن الحدوث،
والوقع).(1
لم يكن لمحاكاة النماذج الأدبية القديمة والقواعد الفنية المنبثقة عنها أن تظل لها السيادة في
الآداب الأوروبية مع ما طرأ على مجتمعاتها خلال القرن الثامن عشر من متغيرات أبرزها الثورة
الصناعية التي أدت إلى ظهور الطبقة البورجواز ية بكل طموحاتها وتطلعات أفرادها إلى تأكيد
ذواتهم والتعبير عن عواطفهم .وإنكار معايير العقل الذي لم يستطع السيطرة على التقدم الصناعي
والعمراني المذهل في كل أحوال المجتمع ،بحيث تهدمت العلاقات القديمة وتحطمت أساليب
العمل البالية .ولم يكن حنين وردزورث إلى حياة العزلة وإدانته لكل مباهج المدينة إلا صرخة
احتجاج لها سياقها الاجتماعي) .(2ثم كان قيام الثورة الفرنسية –تحت شعار الإخاء والمساواة
والحر ية -عاملا بالغ الأهمية في بث إحساس الفرد بذاته ،وهذا ما جعل فيكتور هيجو يعبرفّ
الرومانتيكية بأنها »الثورة الفرنسية محققة في الأدب«).(3
وإذا كان مفهوم المحاكاة اتجه إلى الطبيعة الخارجية »واحتلت الطبيعة الإنسانية التي
يص بورها الش اعر تص ويرا موض وعيا مكان ا ب ارزا في ه«) ،(4ف إن المفه وم الروم انتيكي يرك ز عل ى الع الم
الداخلي للشاعر ،حيث يربط مفهوم الشعر وكل خصائصه ربطا وثيقا بهذا العالم ،ولذلك »لم
-ينظر :ديفيد ديتش ،مناهج النقد الأدبي بين النظر ية والتطبيق ،ترجمة :إحسان عباس ومحمد يوسف نجم ،دار صادر، 1
يكن يعني هذه النظر ية من العمل الفني إلا اللكشف عن شخصية أو ذاتية الفنان الفردية
المتفردة«) .(1إن قيمة نظر ية التعبير تكمن في التفاتها إلى الذاتي والفردي ،فهو الذي أفضى إلى
تأكيد الحضور الإنساني في الفعل الإبداعي ،بما يقتضيه هذا الحضور من حر ية كان مجلاها
واضحا ا في ثورتها على القواعد التحكمية المطلقة ،وفي إفراد المبدع بشخصيته وطبيعة تعاطفه
ومشاعره التي تميزه عن غيره ،لاسيما إذا نحن قسنا هذه الرفعة والاستقلال اللذين امتاز بهما
المبدع هنا ،بهامشية المبدع في الكلاسيكية الذي ظل يؤ بللف أعماله لإرضاء جمهور أعلى منه
مكانة ونفوذ اا .إ اذا ،انبثقت نظر ية التعبير في الفن من كفاح الرومانتيكيين ضد الكلاسيكية
الجديدة التي سيطرت على القرن الثامن عشر ،والتي كانت استمرارا لنظر ية المحاكاة القديمة.
وفي هذا المناخ شهد عالم الإبداع الأدبي تغييرا ضخما نشأ في ظله نشاط فكري من التنظير
النقدي حاول استيعابه ،وبدأ يأخذ شكل العرض المنهجي ،وشيئا فشيئا ،تبلورت نظر ية التعبير،
مع توهج الشعراء في الدفاع عن ذات الفرد ،حيث ربطت الفن بشخصية الفنان ،كي تطلق
سراح هذه الشخصية في حركتها المتفجرة الخلاقة ..وكان الإلحاح التنظيري على تحرير الشخصية
الفردية من عقالها مواز يا لتأكيد الإبداع الرومانتيكي تفرد هذه الشخصية وأهمية اللكشف عن
جوهرها الفريد ،ومواكبا صعود الفكر الليبرالي في المجالات المتعددة التي لازمتها نظر ية التعبير.
ومن أبرز نقاد هذا الاتجاه وليم وردزورث ) (William Wordsworthوصمُو يل تايلور كولردج )
(Samuel Taylor Coleridgeوقد نشرا مجموعة قصائد أطلقا عليها اسم "المواو يل الغنائية" وتعد مقدمة
وردزورث للطبعة الثانية البيان الرسمُي للشعر الجديد ،والأساس الفكري لهذه النظر ية ،حيث
يرى أن »كل شعر جبيد إنما هو انسياب تلقائي للمشاعر القو ية«) ،(2ولهذا فإن لغة الشعر ينبغي
أن تنصب على الإحساس المرهف الذي يرتبط بالمشاعر الفطر ية للإنسان ،وأن يكون التعبير بها
تعبي ارا بعيدا عن التصبنع الذي يز بيف المشاعر.
ولقد كان الخيال عندهم أحب من عالم الحقيقة المحدود ذلك أنه يفتح أمام الشعراء
رصيدا إلى اللامتناهي ،ولأنهم كانوا يرون أن الشعر لا يمكن أن يوجد بدونه »كان هذا الإيمان
- 1جابر عصفور ،نظر يات معاصرة ،الهيئة المصر ية العامة للكتاب ،القاهرة ،1998 ،ص .24
- 2في نقد الشعر ،ص .96
26
نظر ية التعبير نظر ية الأدب
بالخيال جانبا من إيمان العصر بالذات الفردية .لقد أصبح الشعراء واعيين بهذه القدرة المذهلة
على خلق عوالم خيالية ..وأن هذه القدرة هي التي جعلت منهم شعراء«).(1
مبيز كولردج بين نوعين من الخيال :أولي وثانوي ،فالخيال الأولي هو القوة الحيو ية أو
الأولية التي تجعل الإدراك الإنساني ممُكنا ،وهو تكرار في العقل المتناهي لعملية الخلق الخالدة في
الأنا المطلق ،أما الخيال الثانوي فهو صدى للخيال الأولي ،غير أنه يوجد مع الإرادة الواعية).(2
الخيال الأولي يشترك فيه الناس جميعا في عمليات المعرفة ،و يقوم الناس بعملية الخيال هذه
بطر يقة تلقائية وبدون وعي منهم ،بينما يعايش الخيال الثانوي الإرادة ،وهو خيال الشعراء ،لا
يتجلى إلا في عملية الإبداع الفني ،يحلل الأشياء ،أو يؤلف بينها ،أو يوحدها ،أو يتسامى بها،
ليخرج من كل ذلك بخلق جديد.
هم ،أما الخيال فهو »قوة تركيبية سحر ية« تتحقق فيها ثنائية
و يفبرقّ كولردج بين الخيال والتو ب
هم فه و عل ى العك س م ن ذل ك ،مهمت ه مح دودة ،لأن مي دانه المح دود
ال روح والم ادة) ،(3أم ا الت و ب
والثابت .وهو ليس إلا ضربا من الذاكرة تحبرر من قيود الزمان والمكان وامتزج وتشكل بالظاهرة
التجريبية للإرادة التي نع ببر عنها بلفظة "الاختيار" .ويشبه التوهم الذاكرة في أنه يتعين عليه أن
يحصل على مادته كلها وفق قانون تداعي المعاني).(4
-س .موريس بورا ،الخيال الرومانسي ،ترجمة :جابر أحمد عصفور ،مجلة الأقلام ،العدد ، 12دار الشؤون الثقافية العامة، 1