Professional Documents
Culture Documents
-النمط هو الطريقة التي ينهجها الكاتب في إعداد نصه ذلك من خالل وجود مجموعة من المؤشرات التي بموجبها
يساعد الكاتب القارئ على معرفة النص .فالقصة مثال ،يناسبها النمط السردي ،والمسرحية يالئمها النمط الحواري،
والمقالة يناسبها النمط الحجاجي...
-ما الغاية من النمط؟
أشرنا سابقا ،إلى أن النمط يساعد القارئ على معرفة نوعية النص ،إن إيصال الفكرة من قبل الكاتب يقف عند مدى
تمكنه من توظيف النمط ،ما يجعل من النمط مهارة تحتاج إلى إتقان وذكاء.
-1النمط السردي:
-تعريف السرد:
نقل مجموعة من األحداث من صميم الواقع أو نسج الخيال أو منهما معا ،في إطار زماني ومكاني محدد بحبكة فنية
متقنة ،أي األحداث ال بد أن تكون محددة في الزمكان ،وأن سرد هذه األحداث ال يكون اعتباطيا أو عبثيا ،بل يستند
إلى سلسلة من القواعد الناظمة لسير األحداث .وغياب هذه القواعد سيجعلنا أمام سلسلة أحداث تمأل مساحة فضائية
فقط ،وغير قادرة على صنع نص سردي منسجم .ومن هذه القواعد نذكر:
-البنية السردية:
أ -الشخصيات:
تحتل الشخصية موقعا مهما داخل بنية النص السردي ،فهي من تقود األحداث وتنظم األفعال ،وقد تكون رئيسة أو
ثانوية أو عابرة ،ثم إنها ،فضال عن ذلك ،تعتبر العنصر الوحيد الذي تتقاطع عنده كافة اإلحداثيات الشكلية األخرى
بما فيها عنصرا الزمان والمكان ،إذ يعدان ضروريين لنمو الخطاب السردي.
وقد نالت الشخصية في الرواية نصيبها من الدراسة؛ إذ قدمت حولها أبحاث كثيرة عكست تطور مفهوم الشخصية
الذي رافق تطور نظرة النقاد إلى الرواية ،والجدير بالذكر أن الرواية قد أولت اهتماما كبيرا للشخصية ال سيما
لمالمحها الخارجية وتصوير مظهرها بدقة ،فضال ،عن منزلتها االجتماعية وعالقتها باآلخرين ،كما جعلتها كاإلنسان
في عالم الحياة والواقع :تحب ،تتزوج ،تنجب ،وتدركها الشيخوخة وتموت ،وهذا ما يحيلنا إلى االنتباه إلى الطريقة
التي يتبعها الروائيون في تقديم شخصياتهم السردية وتحليلها ورسم مالمحها وطباعها النفسية .حيث انصب اهتمام
الكتاب في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على طرائق تبدو فيها الشخصيات مستقلة عن هيمنة
السارد -الراوي ،وذلك باعتمادهم طريقتي الحوار الداخلي ،والحوار الخارجي.
ب -المكان:
يحتوي كل نص سردي على مسرح تقع فيه األحداث وتتسارع في ميدانه الواسع األفكار والشخصيات .ويحتل المكان
أهمية خاصة في تشكيل العالم السردي ،ورسم أبعاده ،فهو يؤلف إطارا مكتوبا ومتفاعال مع بقية العناصر البنائية
األخرى .والمكان ال يقتصر على كونها أبعادا هندسية ولكنه ،فضال عن ذلك ،نظام من العالقات المجردة ،أي أنه
يحول وسط حيويا تتجسد من خالله حركات الشخصيات التي تجسد في مسارها خطا مزدوجا متناقضا ،إذ تبدو أحيانا
متشابكة ومتداخلة ،وفي أحيان أخرى ،تبدو متنافرة متباعدة وهذا ما يشير إلى البعد النفسي للمكان داخل النص ،لذا
أصبح التركيز على المكان من االستراتيجيات النصية المهمة التي تلجأ إليها الكتابات الجديدة؛ إذ أن البعد النفسي هو
أكثر األبعاد المكانية حميمية وانتشارا ،والمكان الذي يثير نوعا ومقدارا من المشاعر تعاطفا أو تنافرا ،قلما يستأثر
باهتمام الكاتب وإضفاء الصيغة الشعورية عليه تبدأ لحظة اختياره مسرحا للعمل الفني.
وقد قدم الفكر النقدي الحديث تصنيفات عدة للمكان وفق ما أفرزته التنظيرات المعاصرة التي منحت المكان اهتماما
كبيرا ،أحدث طفرة نوعية في تعامل النقاد والباحثين مع هذا العنصر الذي صار االهتمام به من أولى التحوالت التي
حدث في الرواية الجديدة ،فظهرت تصنيفات كثيرة له ،منها؛ األليف والمعادي ،المفتوح والمغلق ...وهذه الثنائيات
الجدلية تتحدد وفق ما يتركه المكان من أثر وانطباع في نفس الشخصية.
-المكان المفتوح والمكان المغلق:
تخضع األمكنة في مشكالتها إلى مقياس آخر مرتبط باإلنسان والضيق أو االنفتاح واالنغالق ،بالمنزل ليس هو
الميدان ،والزنزانة ليست هي الغرفة ،ألن هذه األخيرة ليست مفتوحة دائما على العالم الخارجي بخالف الغرفة ،فهي
دائما مفتوحة على المنزل ،وهذا األخير مفتوح على الشارع .بالفرد يتناول في االنتقال بين أمكنة تكاد تشكل علبا
معلقة ألصحابها ،وبين أمكنة أكثر سعة وانفتاحا وتفاعال مستمرا مع الحياة.
-المكان األليف والمكان المعادي:
من الطبيعي أن يكون اإلحساس بالمكان مرتبطا بنوعية العالقة التي تربطه بالشخصية التي تصفه ،فالتجربة المكانية
هي التي تحدد المكان وأبعاده .لقد أكد العديد من النقاد في دراساتهم للمكان ،على استكناه جميع الظواهر الحسية
والشعورية والنفسية ،حيث حاولوا تحديد األسباب التي تدفعنا لاللتصاق بمكان ما وألفته ،ومعرفة اإلحساسات التي
تحدو بنا لكره مكان ما ومقته ،فذلك بحسب ذكرياتنا وطبيعة التجارب التي مررنا بها في هذا المكان أو ذاك ،حيث
تبرز مشاعر من قبيل الخوف واألمن والطمأنينة وإحساسات أخرى .ففي لحظات السعادة تتآلف الشخصيات
باألماكن ،وفي لحظات البؤس تضطر إلى مغادرتها والتنكر لها.
ج -الزمان:
يمثل الزمان إلى جانب المكان عنصرا من العناصر التي يقوم عليها أي عمل سردي ،فهذا األخير عبارة عن نقل
لألحداث وتصوير للشخصيات وال يتأتى هذا إال بوجود هذين العنصرين المتفاعلين ،والزمن يعد من أهم التقنيات التي
تؤثر في البنية الروائية العامة.
نظرا لتراكم أحداث القصة واستغراقها مدة ليست قصيرة ،يلجأ الكاتب إلى اللعب بعامل الزمن في محاولة منه تكسير
الرتابة وتجنبا للنمط السردي .ومن أشكال العدول عن السرد النمطي نجد المفارقة الزمنية ،بحيث يتوقف استرسال
الحكي إلفساح المجال أمام نوع من الذهاب واإلياب على محور السرد انطالقا من النقطة التي وصلتها القصة .وهكذا
نكون إزاء سرد استذكاري وسرد استشرافي.
إلى جانب المفارقة الزمنية ،يمكننا أن نتحدث عن حركة أساسية أخرى للسرد ،من منظور تعامله مع الزمن وهي
مرتبطة بوثيرة سرد األحداث من حيث درجة سرعتها أو بطئها ،وذلك عبر مظهرين األساسين :تسريع السرد الذي
يشمل تقنيتي الخالصة والحذف ،أو إبطاء السرد بتقنيتي السرد المشهدي ووالوقفة الزمنية.
-الخطاطة السردية:
أ -الوضعية األولية (وضعية االنطالق).
تكون ممهدة لنمو األحداث وتعقبها ،وغالبا تكون وضعية هادئة.
ب -العقدة :وهي المشكل الرئيس الذي يمثل بؤرة التأزم ،وخاللها يتم تصعيد الحدث ليصل إلى الحل.
ج -النهاية :قد تكون مفتوحة أو مغلقة.
-الرؤية السردية.
أ -رؤية من خلف :يروي السارد بضمير الغائب ويتخذ موقف العارف بكل تفاصيل الحدث ،يعرف خصوصيات
الشخصيات ،ويروي انطالقا من الزمن الماضي.
ب -الرؤية مع :يتساوى السارد والشخصية ،بمعنى أن السارد يعرف مقدار ما تعرفه الشخصيات ،وال يعرف نهاية
الحدث ،وقد يتفاجأ بأحداث غير متوقعة ،ويكون السرد بضمير المتكلم إذا كان السارد شخصية من شخصيات الحدث.
ج -الرؤية من خارج :تكون معرفة السارد أقل من معرفة الشخصية ،أي أن السارد يكون ساردا لما يراه ويسمعه
فقط دون القدرة على النفاذ إلى ضمائر الشخصيات.
-2النمط الحجاجي.
هو الطريقة المستخدمة لتقديم نص برهاني إقناعي.
أ -مفهوم الحجاج:
-في اللغة:
ورد في لسان العرب البن منظور دالالتٌ عديدةٌ ،نعرضها كالتالي:
الحج :القصد
المحجة :الطريق وقيل جادة الطريق
الحجة :الدليل والبرهان
الحجة :ما دوفع بها الخصم
حججه يحجه حجا نازعه الحجة
نستشف من المعاني أعاله أن الحجاج قصد؛ فهو يستعمل في السياق التخاطبي من أجل اإلقناع والتنازع وإفحام
الخصم.
-في االصطالح:
عرف جميل صليبا ( )446:1994الحجاج قائال:
" الحجاج هو جملةٌ من الحجج التي يؤتى بها للبرهنة على رأي أو إبطاله ،أو هو طريقة تقديم الحجج واالستفادة
منها".
المحاج من خالله إلى البرهنة عن قضية معينة أو
ُّ نستخلص من التعريف أعاله أن الحجاج استدالل برهاني ،يهدف
إبطالها.
في المقابل نسوق تعريفا آخر يقدم الحجج اللغوية ثم النتائج المترتبة عنها ،يقول أبو بكر العزاوي (:)17:2006
" إن الحجاج هو تقديم الحجج واألدلة المؤدية إلى نتيجة معينة ،وهو يتمثل في إنجاز تسلسالت إنتاجية داخل
الخطاب ،وبعبارة أخرى ،يتمثل الحجاج في إنتاج متواليات من األقوال ،بعضها هو بمثابة الحجج اللغوية ،وبعضها
اآلخر هو بمثابة النتائج التي تستنتج منها".
أسلوب من أساليب المناقشة ،يستعمل لدحض قضية ما أو ٌ إن المتأمل في التعريفين أعاله ،يخلص إلى أن الحجاج
مغالطة ما ،من خالل تقديم حجج وبراهينَ واقعي ٍة ،وكذا اللجوء إلى الحقائق التاريخية والعلمية .ويمكن القول مع
بيرلمان إن الحجاج هو الدفع بالمتلقي إلى اإلذعان بمحض إرادته ،ومن ثم يظل الهدف المنشود من الحجاج هو
اإلقناع.
يلجأ الكاتب إلى مجموعة من اآلليات الحجاجية التي تتوخى اإلقناع ،من بينها:
-اللجوء إلى عبارات تقصف عواطفَ المتلقي؛
-اعتماد لغة تقريرية ال تحفل بغموض وال ابهام (الخطاب السياسي في أغلب األحيان)؛
-اللجوء لحجج السلطة ( القرآن الكريم ،والسيرة النبوية وغيرهما)؛
-استخدام المحاج لضمير المتكلم؛
-استخدام أساليب المقارنة والشرح والتفسير؛
-عرض المتكلم قضيتَه بالتدريج مدعومة بحجج ،وبعده يقدم القضية النقيض.
وهكذا ،يمكن القول إن النص الحجاجي يتأسس على قضية أو رأي ،يعرفان خالفا بحيث يهدف الكاتب إلى الدفاع عن
قضيته بالحجج والبراهين الواقعية القاطعة ،ومن ثم نستشف أن الحجاج هو بدي ٌل عن العنف والصراع الطبيعيين
بمنأى عن األكاذيب والحجج المغالطية التي تهدف إلى التالعب بمشاعر المتلقي وإيهامه.
-3النمط الوصفي:
أ -تعريف الوصف:
هو تصوير بالكتابة لمشهد واقعي أو خيالي إلنسان أو حيوان أو مكان أو أي شيء آخر ،والوصف في القصة يشغل
حيزا مهما فهو يخلق شيئا من الراحة للسارد ،بحيث يوقف السارد سرد األحداث ليضعنا أمام مشاهد.
ب -وظائف الوصف:
-زخرفية :ونقصد بها ذلك التصوير الذي يقوم به السارد للشخصيات واألشياء ،فهو بمثابة لوحات تظفي زخرفا
وجمالية على النص.
-وظيفية تفسيرية :وتتمثل في مظاهر الحياة الخارجية من مدن ومنازل ومالبس ،فهي تذكر ألنها تكشف عن حياة
الشخصية وتشير إلى مزاجها ووضعها ومستواها االجتماعي.
-إيهامية :حيث إن ذلك الوصف الدقيق للعالم الخارجي بتفاصيله الصغيرة ،يشعر القارئ أنه يعيش في عالم الواقع ال
الخيال.
ج -أنواع الوصف من حيث عالقة الواصف بالموصوف:
-وصف ذاتي :يتضمن الوصف أحاسيس الواصف وانطباعاته عن الموصوف ،بمعنى أنه يصف انطالقا من موقفه
تجاه الموصوف ورؤيته الخاصة.
-وصف موضوعي :يحرص الواصف على نقل األشياء كما هي ووصفها بدقة وموضوعية وأمانة ،ويتخذ طابع
الحياد والموضوعية وال يقحم ذاتيته أثناء الوصف.
د -أنواع الوصف من حيث موضوعه:
-معنوي وجداني :يرصد الواصف من خالله انفعاالت الشخصيات وأحاسيسها وعالمها الداخلي.
-وصف مادي خارجي :يرصد األشياء ويصف ألوانها وأشكالها ،ويعرض الشخصيات ومالمحها الخارجية.
-4النمط التفسيري:
إنه الطريقة التي يستخدمها المرسل إلبالغ المعرفة والعلم للمتلقي من خالل نص تفسيري واضح وجلي.
أ -التفسير:
هو أسلوب تواصلي يهدف المرسل من خالله إلى تقريب معرفة معينة إلى ذهن المتلقي وفهمه .ذلك ،باالعتماد على
الشرح والوضوح ،وقد يأخذ التفسير معاني عدة إذا استحضارنا التفسير في الخطاب الديني مثال.
ب -خصائصه:
-استخدام تعابير ووسائل مقنعة ومفسرة للموضوع
-استعمال النداء وضمائر المخاطب (خطبة الجمعة :أيها ...أيتها)...؛
-التركيز على األمثلة لتقريب األمر إلى األذهان؛
-استخدام لغة موضوعية تقريرية ال تتضمن غموضا وال إبهاما
-اإلكثار من ضرب األمثلة والشروحات المبسطة
-اعتماد أدوات من مثل ... :ألن ،وذلك ل ،ونفسر ذلك ،ونشرح ذلك...إلخ.
-5النمط اإلخباري:
أ -تعريف اإلخبار:
اإلخبار نوع من االتصال يطلع المتلقي على أحداث ،ومنه الخبر؛ وهو ما نقل عن الغير واحتمل الصدق أو الكذب،
ويهدف إلى إيصال معلومة عن حادثة أو مسألة ما وشرحها ،وتوضيحها وتفسيرها دون إبداء الرأي الشخصي فيها.
ب -خصائص النص اإلخباري:
-يعرض فيه الكاتب المعلومات واألخبار التي ترمي إلى إعالم المتلقي بالمستجدات ،وهذا النمط يتطلب من الكاتب
الظهور بمظهر الحياد ،أي الموضوعية؛
-يركز على معلومات علمية وصحيحة وتستند إلى أبحاث ودراسات ،وعلى مرجعيات تاريخية وظيفتها إقناع المتلقي
بواقعية الخبر؛
-يعتمد على عنصر السرد في نقل الخبر لتحقيق هدفه؛
-تكثر فيه الشروحات والتفسيرات؛ ألن الكاتب يقدم الخبر ويشرحه ويفسره ،من خالل توظيف أدوات الشرح
والتفسير.
-6النمط اإلقناعي:
إذا كان الهدف من النصوص الحجاجية هو اإلقناع ،فإن ما قيل عنها ينسحب على النمط اإلقناعي ،ومن ثم فإن
اإلقناع هو هدف الحجاج.
---خالصة:
ً
خالصة القول إن هذه النصوص تتداخل فيما بينها ،بحيث يصعب على القارئ أن يجد نصا ّ متضمنا ً لنم ٍط واح ٍد ،بل
هناك أنماطٌ متداخلةٌ في نص واحد ،لهذا فإن القارئ يحتاج إلى معرفة خصائص كل نمط على حدة ،ليتأتى له ،بعد
ذلك ،معرفة النمط المهيمن في النص.
----المصادر والمراجع:
-المنير في اللغة العربية (الجذع المشترك ،والتعليم األصيل)
-اللغة والحجاج :أبو بكر العزاوي
-المعجم الفلسفي باأللفاظ العربية والفرنسية واالنجليزية والالتينية :جميل صليبا
-األساسي في اللغة العربية.
[ الحوار المتمدن-العدد] 2018 - 5991 :