You are on page 1of 15

‫‪ 2‬ـ أدب الرحلة‪:‬‬

‫توطئة‪:‬‬

‫فن الرحل ة ل ون أدبي ذو ط ابع قصص ي‪ ،‬في ه فائ دة للم ؤرخ مث ل الب احث في األدب‬
‫والجغ رافي وع الم االجتم اع وغ يرهم‪ .‬كم ا أن ه ض رب من الس يرة الذاتي ة في مواجه ة‬
‫ظ روف وأوض اع‪ ،‬وفي اكتش اف مع الم وأقط ار‪ ،‬وبل دان ووص فها‪ ،‬والحكم عليه ا وعلى‬
‫المجتم ع فيه ا‪ ،‬حكام ا ومواط نين‪ ،‬فه و وص ف في النهاي ة لك ل م ا انطب ع في ذهن الرحال ة‬
‫عبر مسار رحلته وفي احتكاكه بالمحيط‪ ،‬يت آزر في ذلك الواقع والخيال‪ ،‬وأسلوب القص‬
‫والحقائق العلمية التاريخية والجغرافية واالجتماعية والنفسية وغيرها‪.‬‬

‫وأدب الرحلة يرد بتسميات أو مصطلحات مختلفة عند النقاد والباحثين‪ ،‬وإ ن تعددت‬
‫ه ذه التس ميات وتج اورت‪ ،‬فإنه ا تق ع على المحي ط ال داللي ل دائرة أدبي ة واس عة تتخ ذ من‬
‫المك ّون المك اني مرك زاً له ا‪ .‬ومن بين ه ذه التس ميات نج د م ا يلي‪ :‬أدب الرحل ة ـ أدب‬
‫الم ذكرات والس ير الذاتي ة ـ األدب الس ياحي ـ األدب الجغ رافي ـ ولع ل أك ثر ه ذه التس ميات‬
‫تداوالً هو أدب الرحلة‪ ،‬أو أدب الرحالت‪.‬‬

‫مفه وم أدب الرحلة‪ :‬يس مى األدب المكت وب من وحي االنتق ال من مك ان إلى مك ان آخ ر‪،‬‬
‫أدب الرحل ة‪ ،‬أو أدب ال رحالت(‪ )Littérature de voyages‬بالفرنس ية‪ ،‬و(‪)Travel litterature‬‬
‫باإلنجليزية وهو مجموعة اآلثار األدبية التي تتناول انطباعات المؤلف عن رحالته‪ ،‬وفي‬
‫بالد مختلف ة‪ .‬وق د يتع رض لوص ف م ا ي راه من ع ادات وس لوك وأخالق‪ ،‬تس جيل دقي ق‬
‫للمناظر الطبيعية التي يشاهدها‪ ،‬أو يسرد مراحل رحلته‪ ،‬مرحلة مرحلة‪ ،‬أو يجمع بين كل‬
‫ه ذا في آن واح د‪ ...‬ويعت بر أدب ال رحالت ـ إلى ج انب قيمت ه الترفيهي ة واألدبي ة أحيان اً ـ‬
‫مصدراً هاماً للدراسات التاريخية المقارنة [ التعريف مأخوذ من معجم مصطلحات األدب‪،‬‬
‫مجدي وهبة‪ :‬ص ‪.] 77‬‬

‫ويق وم أدب الرحل ة ع ل عنص رين أساس يين ال يس تغني أح دهما عن اآلخ ر‪ ،‬نص أدبي ال‬
‫يخل و من الخي ال‪ ،‬ورحل ة واقعي ة‪ .‬ويقتض ي ذل ك أن تطف و أدبي ة النص ـ وم ا تس تلزمه من‬
‫وبهاء لغوي اً ـ على سطح مادة رحلية واقعية حدثت‬
‫ً‬ ‫حضور تعبيري يقطر سرداً ووصفاً‬
‫بالفعل في الواقع المكاني للكاتب‪.‬‬

‫إن أدب الرحالت من الفنون األدبية التي شاعت لدى العرب منذ القديم‪ .‬والواقع أن‬
‫ه ذا الفن موغ ل في الق دم‪ ،‬عرفت ه قب ل الع رب أمم أخ رى كالفراعن ة والفينيق يين والروم ان‬

‫واإلغري ق‪ .‬ثم ج اء الرحال ة الع رب ال ذين ج ابوا اآلف اق‪ ،‬واش تهر منهم كث يرون مش رقاً‬
‫ومغرباً أمثال‪ :‬ابن جبير وابن بطوطة واإلدريسي وغيرهم‪ ،‬إذ نقلوا إلينا ما كان يضطرب‬
‫في العصور السابقة‪ ،‬وشاهدنا من خالل رحالتهم مستوى الحضارة التي بلغتها الشعوب‪.‬‬

‫ابتداء من القرن الثالث الهجري بجهود بارزة‪،‬‬


‫ً‬ ‫مدون‬
‫كفن أدبي ّ‬
‫وقد برزت الرحلة ّ‬
‫ومن بينها عمل " اليعقوبي " (ت‪284‬ه) صاحب كتاب " البلدان "‪ ،‬ومن بعده " المسعودي‬
‫" صاحب كتاب "مروج الذهب "‪ ،‬جامعين بين المادة التاريخية والجغرافية واإلطار األدبي‬
‫الفني‪ .‬إلى جانب "أبي حامد األندلسي (ت‪ )564‬بكتابه "تحفة األصحاب ونخبة األعجاب "‬
‫و البيروني "بكتابه " اآلثار الباقية "‪ ،‬واإلدريسي بكتابه " نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق‬
‫"‪ .‬وق د مث ل الرحال ة األندلس ي "محم د ابن جب ير (ت‪614‬ه) أحس ن تمثي ل االتج اه األدبي‬
‫برحلت ه المعنون ة "ت ذكار األخب ار عن اتفاق ات األس فار" حيث اهتم بالص ياغة األدبي ة إلى‬
‫جانب المعلومات التاريخية والجغرافية‪.‬وقد جاء بعده رحالة كثر لعل أشهرهم "محمد بن‬
‫إب راهيم "المع روف ب ابن بطوط ة(ت‪ )776‬ال ذي يع ّد من أش هر الرح الين ش رقا وغرب ا‬
‫بكتابه "تحفة األنظار في غرائب األمصار وعجائب األسفار"‪.‬‬

‫أدب الرحلة في العصر الحديث‪ :‬ع رفت الرحل ة األدبي ة العربي ة خط وة جدي دة ك انت منعرج اً‬
‫حقيقي اً في مسارها عند احتكاك الرحالة العرب الحضارة الغربية‪ ،‬وقد تغير اتجاه الرحلة‬
‫الرح الون العرب مع الحضارة الغربية‪ ،‬وفي‬
‫من المشرق والمغرب إلى أوربا وقد تفاعل ّ‬
‫مق دمتهم الثن ائي " رفاع ة الطهط اوي"( ‪1801‬م ـ ‪ ،)1873‬وخ ير ال دين التونس ي (‪1810‬م ـ‬

‫‪ )1890‬الل ذان احت ّك ا بالحي اة األوربي ة‪ ،‬وإ ف رازات الث ورة الفرنس ية‪ ،‬واقترح اَ األخ ذ من‬
‫إيجابياتها‪ ،‬مع اإلصرار على أن الحضارتين األوربية واإلسالمية العربية مختلفتين‪ .‬لذلك‬
‫رفض اَ م ا يتع ارض م ع اإلس الم‪.‬إلى ج انب رحالت "أحم د ف ارس الش دياق(‪1887‬م) إلى‬
‫مالط ة وبريطانيا وفرنس ا وجم ع أخبارهم ا في كت ابين سماهما "الواس طة في معرفة أحوال‬
‫مالط ة" و"كش ف المخبأ عن فنون أورب ا"‪.‬و تعددت ال رحالت في الوطن العربي في القرن‬
‫العش رين وتن وعت االتجاه ات و أش هرها رحل ة "محم د ل بيب البتن وني" المع روف برحلت ه‬
‫الحجازية و "الشيخ محمد رشيد رضا" وله رحلتين إلى سوريا و"محمد الخضر حسين "‬
‫صاحب رحالت كثيرة في المغرب والمشرق منشورة في مجالت عربية مختلفة‪.‬‬

‫وق د ع رف فن الرحل ة ك أثر مكت وب في الجزائ ر نش اطاً معت براً في الق رن الث امن‬
‫عش ر‪ ،‬وذل ك في إط ار المن اخ الجدي د ال ذي ع رف ظه ور المطبع ة‪ ،‬فنش طت حرك ة الطب ع‬
‫والنشر‪ ،‬وهو نشاط عكسته نماذج معتبرة بمادتها ورجالها وقضاياها‪.‬‬

‫أدب الرحلة في الجزائر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ في القرن الثامن عشر ‪ :‬أسهم الرحالة الجزائريون في هذا العصر بمجهودات في هذا‬
‫المجال‪ ،‬ومارس كتّاب كثيرون هذا الفن‪ ،‬والسيما تلك الرحالت التي كان يقصد منها لقاء‬
‫ش يوخ الط رق الص وفية واالجتم اع بهم‪ ،‬أو الس فر ألداء فريض ة الحج‪ .‬ومن بين أش هر‬
‫الرحالة الجزائريين في تلك الفترة‪ ،‬نجد " أحمد بن عمار "‪ ،‬و" محمد بوراس المعسكري‬
‫"‪ ،‬و" الورتالني "‪ ،‬و" وابن حمادوش الجزائري "‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫إن أق دم ه ذه ال رحالت هي رحل ة " ابن حم ادوش " المس ماة " لس ان المق ال في النب أ‬
‫عن النس ب والحس ب والح ال "‪ ،‬وق د باش ر المؤل ف كتابته ا في ع ام ‪ 1743‬م‪ ،‬وهي رحل ة‬
‫محشوة باألخبار والتعاليق واالستطرادات‪ .‬ويتضح شكل الرحلة في القسم الخاص بحديثه‬
‫عن " المغرب األقصى " الذي بدأت الرحلة إليه على ظهر سفينة فرنسية استأجرها ثالثة‬
‫تجار جزائرين‪.‬‬

‫والرحل ة ه ذه إح دى الوث ائق الهام ة في الحيوي ة الثقافي ة ال تي ش هدها الق رن الث امن‬
‫عشر(‪ 12‬هـ) الحافل بأسماء المعة في الفقه والتاريخ واألدب‪ ،‬وإ ن اقتصرت أخبارها على‬
‫المغرب والجزائر‪،‬‬

‫وحياة الرحالة بينهما‪ ،‬إال أنها حافلة بمعلومات مفيدة سياسياً واقتصادياً وثقافي اً‪ ،‬واجتماعي اً‬
‫عن القطرين‪ ،‬وحياته أيضاً الصعبة فيها‪.‬‬

‫ميزته السالسة‪ ،‬تراكيب بسيطة ومباشرة‪ .‬ويالحظ عليه ا التباين‬


‫أسلوب هذه الرحلة ّ‬
‫في مستويات التعبير بين أجزاء الرحلة التي استغرق تحريرها خمس سنوات في ظروف‬
‫مختلفة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ رحلة " الورتالني " المولود في بلدية " بني ورتالن " والية سطيف‪ ،‬المعروفة باسم "‬
‫الرحل ة الورتالني ة "‪ ،‬وبعنوانه ا " نزه ة األنظ ار في فض ل علم الت اريخ واألخب ار "‪ .‬لئن‬
‫حفلت ه ذه الرحل ة بكالم عن تنقل ه إلى جه ات مختلف ة داخ ل ال وطن‪ ،‬من غرب ه ( تلمس ان)‬
‫إلى شرقه (عنابة)‪ ،‬ومن شماله (دلس وبجاية ومدينة الجزائر)‪ ،‬إلى جنوبه (المسيلة‪ ،‬سيدي‬
‫خالد)‪ ،‬فإن الحديث تركز على حجه‪ ،‬فذكر أنه قصد " تونس " للدراسة‪ .‬وانطلق منها إلى‬
‫الحج ليع ود إلى الجزائ ر نح و حج وجه اد وزي ارة وعلم وتعلم وإ ف ادة واس تفادة على ح د‬
‫قوله‪ ،‬وقد انتهى من تدوين هذه الرحلة المكونة في الحقيقة من عدة رحالت سنة ‪ 1768‬م‪.‬‬

‫والرحل ة عموم اً من أحس ن م ا أنتج ه الق رن الث امن عش ر الهج ري‪ ،‬ليس لمادته ا‬
‫الجغرافي ة والتاريخي ة‪ ،‬وطابعه ا الفك ري واألدبي فحس ب‪ ،‬ب ل لم ا انعكس فيه ا من أوض اع‬
‫مختلفة في الوطن العربي اقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية ودينية‪.‬‬

‫جس دت جانب اً من سياسة ال تخلو‬


‫وقد شهد هذا القرن أيض اً رحلة سياسية عسكرية ّ‬
‫من رعونة تعتمد العنف واالرتجال في القرارات‪ ،‬نقلت وقائع وأخباراً جغرافية وتاريخية‪.‬‬
‫وص ّورت أوض اعاً اجتماعي ة وسياس ية وأدبي ة‪ ،‬وهي رحل ة " محم د الكب ير" ب اي الغ رب‬
‫الجزائ ري‪ ،‬من ت أليف كاتب ه ومستش اره " أحم د بن هط ال التلمس اني "‪ ،‬وهي خاتم ة للق رن‬
‫الثامن عشر‪ ،‬وفاتحة للقرن التاسع عشر الميالدي‪ .‬وقد كتبها " ابن هطال " تنفيذاً لرغبة "‬
‫الب اي " حين نهض انطالق اً من " وه ران " في حمل ة إلخض اع من اطق في الص حراء‬
‫الجزائرية إلى سلطة " الداي " ‪.‬‬

‫نحا الك اتب في تحريره ا نحواً تقريري اً‪ ،‬جعلها أقرب إلى عرض حال عن الغزوة‬
‫وما صاحبها من عناء‪ .‬لكن ذلك ال ينفي وجود فقرات جيدة في الوصف‪ ،‬غالب اً ما اتسمت‬
‫فيها الكلمات بالطالوة والسجع أحياناً‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ في القرن التاسع عشر ‪ :‬عرف القرن التاسع عشر نماذج للرحالت‪ ،‬اختلفت مساراتها‪،‬‬
‫وتع ددت مقاص دها‪ ،‬وتب اينت مس تويات التعب ير فيه ا‪ ،‬كم ا اختلفت أهمي ة أص حابها الفكري ة‬
‫والسياسية واالجتماعية‪ .‬فهناك الرحلة الحجازية التي اتخذت وجهتها الحجاز ألداء فريضة‬
‫الحج وهن اك الرحل ة السياس ية ال تي اكتس ت طابع اً سياس ياً في ش كلها الع ام‪ ،‬وهن اك الرحل ة‬
‫االستطالعية التي اتخذت طابعاً جغرافياً تاريخياً استطالعياً‪.‬‬

‫الرحلة الحجازية‪:‬‬

‫يمث ل نم وذج الرحل ة الحجازي ة (الرحل ة للحج) رحل ة " محم د ب وراس الناص ر‬
‫ربي ونعمت ه "‪ ،‬كتبه ا وه و في‬
‫ومنت ه في التح دث بفض ل ّ‬
‫المعس كري " بعن وان " فتح اإلل ه ّ‬
‫الثمانين من عمره‪ ،‬أي سنة ‪ ،1817‬خمس سنوات قبل وفاته‪.‬‬

‫والرحلة عموم اً في صميم " السيرة الذاتية "‪ ،‬ألن حديث الكاتب عن سيرته الذاتية‬
‫غطى معظم م ادة الكت اب‪ .‬لكن بش كل ع ام هن اك ح ديث عن ص لته بالمحي ط واألوض اع‬
‫االجتماعي ة والتاريخي ة وغيره ا‪ .‬وق د ورد الح ديث عن رحلت ه في الب اب الث الث المعن ون "‬
‫في رحل تي للمش رق والمغ رب وغيرهم ا ولق اء العلم اء األعالم وم ا ج رى لي معهم من‬
‫المراجع ة والكالم "‪ .‬وه و م ا يكش ف مس اره في الرحل ة والقض ايا ال تي ش غلته‪ ،‬وم ا ك ان‬
‫يجذب اهتمامه فيكون محور تفكيره ومجال العالقات العامة والخاصة في رحلته‪.‬‬

‫تح دث عن الم دن ال تي زاره ا‪ ،‬وتوق ف به ا في مرحل ة ال ذهاب من غ رب الجزائ ر‬


‫حتى فلسطين‪ ،‬مروراً بتونس والقاهرة ومكة والمدينة‪ ،‬دون أن يتحدث عن مرحلة اإلياب‪،‬‬
‫كم ا أن ه لم يتح دث بش كل مم يز عن أدائ ه مناس ك الحج‪ ،‬وه و م ا يؤك د نقط ة مهم ة في‬
‫شخصيتهن وهو اهتمامه بلقاء رجال العلم والثقافة في كل مكان ح ّل به‪ ،‬دون أن يستهويه‬
‫عبر‬
‫ذوو السلطان والجاه‪ .‬وقد ّ‬

‫عن س عادته كلم ا اكتش ف مس توى علمي اً رفيع اً ل دى علم اء البل د‪ .‬وتعظم تل ك الس عادة حين‬
‫يجد نفسه منتصراً عليهم في جلسات المناظرة والنقاش‪ .‬وقد احتل الحديث عن لقائه بعلم اء‬
‫األقطار العربية التي لها المكانة األساسية في الرحلة‪.‬‬
‫ب دأت الرحل ة من حيث أس لوبها في ق الب س ردي اق رب إلى التقري ر في معظم‬
‫الفق رات‪ ،‬نح ا نح و الدق ة العلمي ة خصوص اً في ثبت األس ماء والمناس بات‪ ،‬وبأس لوب أدبي‬

‫يظ ل في بعض الفق رات كوص فه لبعض الم دن بأناقته ا وجماله ا‪ .‬وتبقى ه ذه الرحل ة شاهداً‬
‫حي اً عن أوض اع مختلف ة‪ ،‬وعن طبيع ة العالق ات بين أبن اء األم ة العربي ة‪ ،‬وفي مق دمتهم‬
‫ّ‬
‫علماؤه ا‪ ،‬بت وددهم وت آزرهم وش غفهم العلمي وتنافس هم الش ريف في ه‪ .‬وإ ن انطلقت رحل ة "‬
‫حج " لكن فس حت المج ال بع دها للح ديث عن ص الت إنس انية حميمي ة عميق ة في التواص ل‬
‫والم ودة والمحب ة‪ .‬ومن خالله ا أيض اً ظلت ص ورة مش رقة لإلنس ان‪ ،‬والم دن العربي ة ذات‬
‫الروعة واألناقة بمعالمها الثقافية والحضارية وجمالها الساحر وطبيعتها الزاهية‪.‬‬

‫و ق د دون "األم ير عب د الق ادر‪ " ‬رحلت ه إلى الحج از والش ام وبغ داد ض من مذكرات ه ال تي‬
‫ت روي س يرته الذاتي ة وال تي جمعه ا ونش رها بعض الب احثين فيم ا بع د(عب د الق ادر بن محي‬
‫الدين ‪،‬مذكرات األمير عبد القادر ‪،‬سيرة ذاتية تحقيق محمد الصغير بناني وآخرون )وقد‬
‫ج اءت األخب ار عن رحلت ه م وجزة في ه ذه الس يرة الذاتي ة الن ه ك ان يرك ز على حيات ه‬
‫النضالي وعلى الرغم من ذلك نستطيع التعرف على مسار رحلته الدقيق ومجمل أعماله‬
‫خالل السفر وأشهر العلماء الذين لقيهم إلى جانب بعض انطباعات المؤلف وآرائه حول‬
‫البلدان التي اجتازها في رحلته وسكانها‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ الرحل ة االس تطالعية ( الجغرافي ة التاريخي ة )‪ :‬يمث ل ه ذا الن وع رحل ة " الح اج ابن ال دين‬
‫األغ واطي " بعن وان " رحل ة األغ واطي في ش مال إفريقي ا والس ودان والدرعي ة "‪ُ .‬كتبت‬
‫اء على طلب " ولي ام هيدس ون " مس اعد‬
‫الرحل ة بالعربي ة في ح دود (‪ 1826‬ـ ‪ )1829‬بن ً‬
‫القنص ل األم ريكي في الجزائ ر في الف ترة (‪ 1825‬ـ ‪ ،)1829‬مقاب ل مبل غ م الي‪ .‬ف أنجز "‬
‫األغواطي" عمله هذا وقبض الثمن من " هودسن " ذي النزعة االشتسراقية الحريص على‬
‫جمع معلومات جغرافية وتاريخية ولغوية‪ ،‬خصوص اً عن البربرية‪ .‬ترجم هذه الرحلة إلى‬
‫اإلنجليزية‪ ،‬وقد بقي النص العربي مجهوالً‪ ،‬وهو ما حفّ ز الدكتور " أبو القاسم سعد اهلل "‬
‫على إعادة النص إلى العربية في نحو تسع عشرة صفحة‪.‬‬

‫جمعت الرحل ة في مس ارها بين ال داخل والخ ارج‪ ،‬وق د ح اول أن يعين مس الك‪،‬‬
‫ويوضح معالم‪ ،‬ويحدد مسافات بين مناطق ومدن‪ .‬ويجلّي طبيعة هذه الجغرافيا‪ ،‬وهندسة‬
‫بن اء‪ ،‬ونظ ام حكم وتقالي د اجتماعي ة وغيره ا‪ ،‬فعكس ت ب ذلك الرحل ة كث يراً من األوض اع‬
‫المختلف ة‪ ،‬التاريخي ة والجغرافي ة والسياس ية واالقتص ادية والثقافي ة واالجتماعي ة‪ .‬إنه ا رحل ة‬
‫برؤية استطالعية غلب عليها الجانب الجغرافي التاريخي عن مواقع مدن‪ ،‬وأحوال ناس‪،‬‬
‫لغة وعادات وتقاليد‪ ،‬وأزياء وسواها‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ الرحل ة السياس ية‪ :‬في الرحل ة السياس ية نم اذج تتكام ل في بعض األحي ان‪ ،‬وتختل ف‬
‫أحايين أخرى‪ .‬فمن النماذج المتكاملة رحلتان اتجه صاحبهما إلى باريس‪ ،‬أوالها رحلة "‬
‫س ليمان بن الص يام " إلى فرنس ا س نة ‪ ،1852‬وت دعى " الرحل ة الص يامية " من مليان ة إلى‬
‫الجزائ ر العص مة في اتج اه ب اريس‪ ،‬والرحل ة الثاني ة هي رحل ة " محم د الس عيد بن علي‬
‫الش ريف " على فرنس ا في نفس الع ام‪ ،‬ب ل كان ا في نفس الوف د ال ذي زار فرنس ا لحض ور‬
‫المهرجان الضخم الذي أقيم احتفاالً بتنصيب " نابليون الثالث "‪.‬‬

‫اهتم " محم د الس عيد بن علي الش ريف " في رحلت ه ب أمور وظ واهر كث يرة بس بب‬
‫سجل‬
‫ثقافته المتنوعة‪ ،‬فحينما قُ ّدر له أن يزور بيئة جديدة عليه‪ ،‬لم يكن مجرد سائح أو ُم ّ‬
‫لمش اهد رآه ا بعين ه‪ ،‬وإ نم ا ح اول أن يس تخلص بعض النت ائج وأن يق ارن بين الجدي د ال ذي‬
‫شاهده والق ديم في بيئت ه‪ ،‬وساعدته على ذل ك ثقافت ه الفرنسية التي تك ونت ل ه بعد أن ظهر‬
‫والءه للحك ام الفرنس يين‪ ،‬وخاص ة الماريش ال " بيج و "‪ ،‬وارتب ط ب اإلدارة الفرنس ية ال تي‬
‫استدعته ليكون ضمن الوفد المسافر إلى المهرجان المشار إليه‪.‬‬
‫أم ا رحل ة " س ليمان بن الص يام " في نفس الوف د‪ ،‬فق د ك انت غني ة بالوص ف‪ ،‬حيث‬
‫وص ف فيه ا الطبيع ة واآلث ار والقص ور ومراس يم االحتف ال والقط ار والب اخرة والمس ارح‬
‫وغيرها من مظاهر الحضارة والعمران‪.‬‬

‫والرحلت ان تتفق ان في روح المجامل ة لإلدارة الفرنس ية ال تي أوف دتهما لحض ور‬
‫المهرج ان وال تي يعمالن في خ دمتها‪ ،‬وهم ا يمثالن نموذج اً طيب اً عن أدب ال رحالت في‬
‫األدب الجزائ ري الح ديث‪ ،‬إلى ج انب رحل ة أخ رى ج اءت بع د س ت وعش رين س نة‪ ،‬وهي‬
‫رحل ة " أحم د بن ق اد " في رحلت ه " الرحل ة القادي ة في م دح فرنس ة وتبص ير أه ل البادي ة‪،‬‬
‫وهي رحلة للمشاركة في معرض دولي‪ ،‬ركز فيها على مظاهر الحفاوة وحسن االستقبال‪،‬‬
‫عب ر عن إعجابه الشديد بما شاهد في المعرض من غرائب الصناعات واالختراعات‬
‫كما ّ‬
‫البديع ة الرائع ة من آالت النس يج والزراع ة وآالت التبري د‪ ،‬لكن ه يع وض في رحلت ه ه ذه‬
‫للف رق الشاس ع بين فرنس ا المحتل ة‪ ،‬وفرنس ا المتحض رة وبين الوض ع المهيمن في بل ده‪،‬‬
‫والوض ع المش رق في فرنس ا‪ ،‬ل ذلك‪ ،‬نج د وإ ن اتفقت ه ذه الرحل ة م ع الس ابقين في الدعاي ة‬
‫لالحتالل الفرنس ي‪ ،‬واالنبه ار بالحي اة الفرنس ية بوجهه ا السياس ي والص ناعي واالجتم اعي‪،‬‬
‫إال أنه ا تع رض في خت ام الرحل ة ح ال الجزائ ر بل ده المه ان‪ُ ،‬م ِ‬
‫عرب اً عن ظن ه في أن ح ال‬
‫الجزائر المزري تسبب فيه اليهود والمعمرون الذين يستغلون األرض واإلنسان يصادرون‬
‫تلك‪ ،‬ويضطهدون هذا وذاك ليس من خطط االحتالل الذي ينجز كل شيء بحساب‪.‬‬

‫ه ذه ال رحالت بوج ه ع ام تكمن أهميته ا في طبيع ة االحتك اك ب الغرب‪ ،‬وح تى وإ ن‬


‫كانت بمباركة االحتالل للثناء غليه‪ ،‬فقد حملت ضمنياً إدانة تاريخية له لما لحق الجزائر‬
‫من قمع وتفقير واضطهاد‪ ،‬وما أصاب لغتها العربية من ضعف وركاكة لحقت الصياغة‬
‫والركاك ة‪ ،‬ألن لغ ة ه ذه ال رحالت وص ياغتها ب دت دون مس توى س ابقاتها‪ ،‬فعكس ت ب ذلك‬
‫التدهور الذي شهده النثر الجزائري إبان االحتالل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ في القرن العشرين‪ :‬اختلفت رحالت القرن العشرين عما سبقها من حيث الهدف‬
‫واالتجاه‪ ،‬كما اختلفت مضموناً وأسلوباً‪ .‬لئن كانت الرحالت السابقة قد اتجهت إلى خارج‬
‫الوطن‪ ،‬فإن رحالت هذه الفترة اتجهت أكثر إلى داخل الوطن‪ ،‬وخاصة تلك التي قام بها‬
‫رج ال اإلص الح له دف الفك رة اإلص الحية ونش رها بين الجم اهير‪ ،‬ودعوته ا إلى اليقظ ة‬
‫والنهوض‪ .‬كما اتجه البعض اآلخر إلى المشرق العربي‪ ،‬أو إلى أوربا واالتحاد السوفياتي‬
‫والصين‪ .‬وكان الهدف منها أيضاً خدمة الشعب‬

‫الجزائ ري ب التعريف بقض يته من جهة‪ ،‬وبنق ل مشاهدات تفي ده من قريب أو بعي د من جهة‬
‫ثانية‪ .‬كذلك اختلف المحتوى واألسلوب عن األنواع السابقة إلى حد بعيد‪.‬‬

‫ك انت رحالت رج ال الحرك ة اإلص الحية في ال داخل تص ور م دى تعل ق الش عب‬


‫بالحركة وبعلمائها‪ ،‬نلمس ذلك في رحالت " ابن باديس" التي سجلها‪ ،‬وأبرز فيها زياراته‬
‫المختلفة لمدن وقرى القطر الجزائري‪ ،‬وهو يطلق عليها لفظ " تنقالت "‪ .‬ويصرح بهدفه‬
‫من وراء رحالته وهو تذكير الناس بدينهم‪ ،‬وحثهم على الرجوع إليه‪ ،‬ثم يأخذ في وصف‬
‫جوالت ه ب ذكر أس ماء م دن ق رى كث يرة‪ ،‬ويتح دث عن المس اجد وي دعو إلى بن اء مثله ا‪ .‬كم ا‬
‫يذكر أسماء شخصيات معروفة التقى بها هنا وهناك‪ ،‬إلى جانب رحلته إلى تونس المعنونة‬
‫" في تونس العزيزة "‪.‬‬

‫إلى جانب رحالت البشير اإلبراهيمي الكثيرة داخل الوطن وخارجه‪ .‬وكان أسلوبه‬
‫في ه ذه ال رحالت يمت از بالعناي ة الشديدة بالص ياغة والبي ان والجم ال األدبي‪.‬وق د رح ل إلى‬
‫المشرق عام ‪ 1952‬ضمن نشاطات ج ع م مبلغا لطلبات الجمعية لدى الحكومات ومعرفا‬
‫بالقض ية الجزائري ة وبنض ال ش عبه ض د االحتالل ‪.‬كم ا قص د دول ة الباكس تان ع ام ‪1958‬‬
‫مر بها أثناء هذه الرحلة‪.‬وقد‬
‫وشملت رحلته هذه الحديث عن باريس وروما ومصر التي ّ‬
‫ح دد األه داف المتوخ اة من ه ذه الرحال ة بدراس ة أح وال المس لمين في م واطنهم واالتص ال‬
‫برج ال ال دين ودراس ة أح وال الحكوم ات االس المية اض افة إلى التعري ف بالجمعي ة‬
‫والجزائر ‪.‬‬

‫والرحل ة تح وي أخب ارا متنوع ة جغرافي ة وتاريخي ة بأس لوب وص في دقي ق م ع روح دعاب ة‬
‫خفيفة ولغة واضحة وأسلوب تقريري إخباري في غالب االحيان‪.‬‬

‫ولعل أهم الرحالت التي تحمل طابعاً سياسياً قومياً‪ ،‬رحالت " أحمد توفيق المدني "‬
‫داخل الجزائر وخارجها‪ ،‬في أوربا والعالم اإلسالمي والعربي‪.‬‬

‫ولق د ك ان إنتاج ه أك ثر غ زارة من " ابن ب اديس "‪ ،‬ألن ه تف رغ إلى الكتاب ة والت أليف‪ ،‬إلى‬
‫جانب نشاطه السياسي بعد ‪ (1956‬بعد اندالع الثورة)‪.‬‬

‫وابتداء من سنة ‪ 1955‬تاريخ أول رحلة خارجية إلى " المغرب "‪ ،‬تعددت رحالت‬
‫ً‬
‫الشيخ " المدني " الخارجية وتنوعت‪ ،‬خصوصاً في الوطن العربي‪ .‬فكانت القاهرة ودمشق‬
‫وبغداد والسعودية والكويت واألردن وليبيا وتونس والسودان والصومال‪.‬‬

‫وقد صورت رحالته التجاوب العربي العميق رسمياً وشعبياً مع الثورة الجزائرية‬
‫من ذ انطالقه ا‪ .‬وب دت معظم األقط ار العربي ة متجاوب ة م ع الث ورة ب اختالف أنظمته ا‬
‫وأوض اعها االقتص ادية والسياس ية واالجتماعي ة لكن ب اختالف واض ح أوالً في ح رارة ذل ك‬
‫التجاوب‪ ،‬وفي حجم الدعم المادي والسياسي‪.‬‬

‫وهناك رحلة أخرى إلى المشرق العربي كتبها " محمد المنصوري الغسيري " حين‬
‫ذهب عام ‪ 1953‬مع وفد الكشافة اإلسالمية الجزائرية إلى مصر‪ ،‬ومنها انطلق مع الشيخ‬
‫البشير اإلبراهيمي إلى الحج‪ ،‬ثم إلى بعض أقطار المشرق‪ ،‬وهو لم يكتف في رحلته هذه‬
‫عب ر فيها عن انطباعاته ومشاعره وأحاسيسه بما يرى‪ .‬ولكن‬
‫بتسجيل مشاهد وصور‪ ،‬بل ّ‬
‫من زاوية العالم المصلح الذي يدعو إلى فكرة معينة ويلح عليها‪ ،‬وأجرة فيها مقارنة بين‬
‫واقع المشرق العربي الذي تحررت معظم أقطاره من االستعمار‪ ،‬وبين الواقع المؤلم الذي‬
‫يعيش ه الش عب الجزائ ري‪ .‬وفي مواق ف كث يرة يستش هد بالش عر مم ا ين بئ عن ثقاف ة عربي ة‬
‫واسعة‪.‬‬

‫وهن اك رحالت أخ رى مختلف ة‪ ،‬كرحل ة " محم ود ب وزوزو " إلى فرنس ا س نة ‪1939‬‬

‫بعن وان " من وحي البرلم ان الفرنس ي "‪ ،‬إلى رحل ة " حم زة بوكوش ة " إلى المغ رب‬
‫األقص ى‪.‬و"الطيب المه اجي "برحالت ه إلى ف اس والحج از و ال تي ذكره ا في كتاب ه(أنفس‬
‫الذخائر وأطيب المآثر في أهم ما اتفق لي في الماضي والحاضر) وعموم اً حاول الكتّ اب‬
‫الجزائريون في هذه الفترة كتابة مذكراتهم بوصف رحالتهم الداخلية والخارجية‪ ،‬وتسجيل‬
‫مش اهداتهم ولق اءاتهم في ق الب أدبي‪ .‬ول ذلك نج د من يس مي ه ذا األدب " أدب الم ذكرات "‬
‫بدل " أدب الرحالت "‪ ،‬مثل عبد المالك مرتاض‪ .‬وهناك من يسميه " أدب السياحة "‪ ،‬على‬
‫اعتب ار الس ياحة رحل ة تلقائي ة ح رة إلى مك ان مرغ وب في ه‪ ،‬بِ ّني ة التج وال والتمت ع‬
‫واالستطالع والفضول واالكتشاف‪.‬‬

‫واألدب الس ياحي ه و ثم رة ك ل ذل ك في ش كل جم الي يطبع ه اإلمت اع الوص في‬


‫والتنميق الكالمي‪ ،‬والتبليغ االنطباعي الذي يمتاز ببساطة الوظيفة اإلخبارية‪ .‬وقد أسهم في‬
‫سماه " في مدينة الضباب‬
‫ترسيخ هذا النوع من األدب الدكتور " عبد اهلل الركيبي " بكتب ّ‬
‫وم دن أخ رى "‪ ،‬ثم أردف ه بعن وان ف رعي " س ياحة أدبي ة "‪ ،‬وق د نش ره ع ام ‪ ،2003‬بع د م ا‬
‫كتب قبله " الجزائر في عيون الرحالة اإلنجليز " عام ‪.1999‬‬

‫لقد سيطر الحديث عن مدينة الضباب " لندن" في هذا الكتاب إلى جانب مدن أخرى‬
‫زاره ا في أزمن ة متقارب ة حين اً‪ ،‬ومتباع دة حين اً آخ ر‪ ،‬وألمكن ة مختلف ة‪ ،‬عربي ة وأجنبي ة‪،‬‬
‫كمصر وسوريا وفرنسا والفيليبين والمجر وألمانيا وروسيا‪.‬‬
‫أم ا عن فني ات األدب الس ياحي عن د " الركي بي "‪ ،‬فإنن ا نالح ظ أن أدبيت ه تف تر أحيان اً‬
‫في المواق ف ال تي يطغى عليه ا الس رد الت اريخي‪ ،‬واإلخب ار السياس ي‪ .‬وفي موق ف أخ رى‬
‫تسمو ويطيب جمالها خاصة من المواقف التي تتخللها مشاهد وصفية ممتعة‪ ،‬منسوجة من‬
‫وحي المكان‪.‬‬

‫ِ‬
‫والكتَ اب على العم وم زاخ ر بكث ير من األس اليب الفني ة ال تي اس تمدها الك اتب من‬
‫الكتَاب كذلك نفحات من روح التسامح الحضاري‪ ،‬إذ‬ ‫تمرسه المبكر بالفن القصصي‪ .‬وفي ِ‬

‫تت داعى األمكن ة والتج ارب في العين وال ذاكرة‪ .‬ويمكن اعتب ار ه ذا النص الس ياحي عن "‬
‫الركيبي " واحة فنية تعكس تجربة مكانية خارج البالد‪.‬‬

‫وال يفوتن ا ذك ر رحل ة هام ة ق ام به ا األديب " أحم د رض ا حوح و " إلى االتح اد‬
‫الس وفياتي س نة ‪ ،1950‬وق د س جل فيه ا م ا ش هده من تط ور حض اري‪ ،‬وص ناعي‪ ،‬وتق دم‬
‫ثقافي في روسيا‪ .‬وحاول أن ينقل صورة صادقة للبيئة الجديدة التي ذهب إليها‪ .‬وتعد قيمة‬
‫هذه الرحلة في موضوعها‪ ،‬ما قدمه من معلومات وأشياء جديدة‪ .‬أما من الناحية الفنية‪ ،‬فقد‬
‫ابتع د الك اتب عن األس لوب الف ني مغلب اً علي ه األس لوب الص حفي‪.‬إلى ج انب رحل ة "عثم ان‬
‫س عدي"المعنون ة "وط ني و المنش ورة في جري دة البص ائر ع ام ‪ 1953‬ورحل ة"محم د علي‬
‫دب وز"من الجزائ ر إلى الق اهرة إلى طانط ا (الري ف المص ري)و ال تي عنونه ا"وقف ة في دار‬
‫ال رافعي وعلى ق بره" حيث تح دث عن مص طفى ص ادق ال رافعي بع د الرحل ة إلى مس قط‬
‫رأسه(طنطا) واكتشاف األماكن و المعالم التي كان يرتادها ‪.‬وقد‬

‫نش رت الرحل ة في البص ائر س نة‪.1955‬ورحل ة "أب و القاس م س عداهلل"إلى الس عودية‬
‫وهي من ال رحالت العلمي ة إذ ك انت ته دف حض ور الن دوة العالمي ة األولى المخصص ة‬
‫لمص ادر الجزي رة العربي ة وق د عنونه ا "رحل تي إلى الجزي رة العربي ة وطبعه ا في كتاب ه‬
‫الموسوم"تجارب في األدب و الرحلة"‪.‬‬
‫ونختم برحالت "أحمد منور" المتعددة ‪،‬فمنها ما كان أوربية الوجهة مثل رحلته إلى‬
‫فرنس ا وانجل ترا س نة‪ 1976‬وك انت لغ رض الس ياحة و التج وال ومنه ا م ا ك ان مش رقي‬
‫الوجهة كرحالته إلى ليبيا ومصر والكويت ‪ ،‬وكانت األخيرتين لغرض ثقافي‪.‬وقد نشرت‬
‫رحالته إلى أوربا في جريدة السالم سنة‪.1996‬ونشرت باقي الرحالت في جرائد عربية‬
‫كجريدة العرب الليبية (‪ )1991‬والقبس الكويتية (‪.)1996‬‬

‫إذا تطور فن الرحلة في الجزائر في العصر الحديث واهتمت إلى جانب الجغرافي‬
‫و التاريخي بنقل االنطباعات و المشاعر والتصورات كما نقلت قضايا إيديولوجية وثقافية‬
‫وحض ارية من وجه ات نظ ر الكت اب وتع ددت األغ راض أيض ا من ديني ة إلى تعليمي ة إلى‬
‫تج وال وس ياحة و ق د اس تجدت دواعي أخ رى ل ذلك كحض ور الملتقي ات والمهرجان ات‬
‫والتظ اهرات الثقافي ة وأداء مه ام سياس ية أو دبلوماس ية‪.‬وق د اختلفت ط رق ت دوين ه ذه‬
‫الرحالت فمنها ما استقل بكتب كاملة ومنها ما أخذ حيزا في كتب أخرى ككتب السير أو‬
‫المذكرات ومنها ما ظل حبيس الجرائد و المجالت ‪.‬‬

‫نماذج من الرحالت‪:‬‬

‫‪ /1‬رحل ة محم د الس عيد بن علي ش ريف إلى فرنس ا‪ :‬لق د أف اض الرحال ة في وص ف‬
‫أخالق أهل باريس ‪،‬فوصفهم بالذكاء ودقة الفهم يقول ‪ " :‬فهم مولعون بحب المعرفة في‬
‫والتدليل على ما يقولون ‪...‬ولهم محبة في تبديل وتغيير سائر األمور السيما اللباس فإنه‬
‫غير مقرر عندهم وليس ذلك التغيير كليا وإ نما ينتقلون من القلنسوة إلى الشاشية ‪،‬يلبسون‬
‫البرنيط ة على ش كل ثم ينتقل ون بع ده إلى ش كل آخ ر ‪،‬س واء في ص ورتها أو ش كلها ‪ ،‬ومن‬
‫عاداتهم المهارة والخفة ‪،‬فإن صاحب القدر تراه يجري في األزقة كالصبي‪ ،‬ولهم طيشان‬
‫وتلون ‪،‬فينتقل اإلنسان من الفرح إلى الحزن وبالعكس و من الجد إلى الهزل وبالعكس إلى‬
‫أن يرتكب في اليوم جملة من أمور متضادة "‪.‬‬
‫‪ /2‬رحل ة أحم د رض ا حوح و االتح اد الس وفياتي ‪ :‬وق د أطل ق على رحلت ه عن وان‬
‫"وراء الس تار الحدي دي" ‪،‬يق ول واص فا الحي اة الثقافي ة ل دى الس وفيات ‪" :‬الثقاف ة في بالد‬
‫الس وفييت ط ابع ممت از ص بغت ب ه ك ل أل وان الحي اة هن اك فال مف ر للكب ير والص غير من‬
‫الثقافة والتعليم ووسائلها كثيرة متوفرة لكل راغب واإلقبال على التعليم عظيم جدا ألنه هو‬
‫طابع الحياة في تلك البالد يجده اإلنسان أينما ح ّل وارتحل في الحدائق ‪ ،‬في المسارح ‪،‬في‬
‫المكاتب العامة وحتى في المعامل ‪. "..‬‬

You might also like