Professional Documents
Culture Documents
توطئة:
فن الرحل ة ل ون أدبي ذو ط ابع قصص ي ،في ه فائ دة للم ؤرخ مث ل الب احث في األدب
والجغ رافي وع الم االجتم اع وغ يرهم .كم ا أن ه ض رب من الس يرة الذاتي ة في مواجه ة
ظ روف وأوض اع ،وفي اكتش اف مع الم وأقط ار ،وبل دان ووص فها ،والحكم عليه ا وعلى
المجتم ع فيه ا ،حكام ا ومواط نين ،فه و وص ف في النهاي ة لك ل م ا انطب ع في ذهن الرحال ة
عبر مسار رحلته وفي احتكاكه بالمحيط ،يت آزر في ذلك الواقع والخيال ،وأسلوب القص
والحقائق العلمية التاريخية والجغرافية واالجتماعية والنفسية وغيرها.
وأدب الرحلة يرد بتسميات أو مصطلحات مختلفة عند النقاد والباحثين ،وإ ن تعددت
ه ذه التس ميات وتج اورت ،فإنه ا تق ع على المحي ط ال داللي ل دائرة أدبي ة واس عة تتخ ذ من
المك ّون المك اني مرك زاً له ا .ومن بين ه ذه التس ميات نج د م ا يلي :أدب الرحل ة ـ أدب
الم ذكرات والس ير الذاتي ة ـ األدب الس ياحي ـ األدب الجغ رافي ـ ولع ل أك ثر ه ذه التس ميات
تداوالً هو أدب الرحلة ،أو أدب الرحالت.
مفه وم أدب الرحلة :يس مى األدب المكت وب من وحي االنتق ال من مك ان إلى مك ان آخ ر،
أدب الرحل ة ،أو أدب ال رحالت( )Littérature de voyagesبالفرنس ية ،و()Travel litterature
باإلنجليزية وهو مجموعة اآلثار األدبية التي تتناول انطباعات المؤلف عن رحالته ،وفي
بالد مختلف ة .وق د يتع رض لوص ف م ا ي راه من ع ادات وس لوك وأخالق ،تس جيل دقي ق
للمناظر الطبيعية التي يشاهدها ،أو يسرد مراحل رحلته ،مرحلة مرحلة ،أو يجمع بين كل
ه ذا في آن واح د ...ويعت بر أدب ال رحالت ـ إلى ج انب قيمت ه الترفيهي ة واألدبي ة أحيان اً ـ
مصدراً هاماً للدراسات التاريخية المقارنة [ التعريف مأخوذ من معجم مصطلحات األدب،
مجدي وهبة :ص .] 77
ويق وم أدب الرحل ة ع ل عنص رين أساس يين ال يس تغني أح دهما عن اآلخ ر ،نص أدبي ال
يخل و من الخي ال ،ورحل ة واقعي ة .ويقتض ي ذل ك أن تطف و أدبي ة النص ـ وم ا تس تلزمه من
وبهاء لغوي اً ـ على سطح مادة رحلية واقعية حدثت
ً حضور تعبيري يقطر سرداً ووصفاً
بالفعل في الواقع المكاني للكاتب.
إن أدب الرحالت من الفنون األدبية التي شاعت لدى العرب منذ القديم .والواقع أن
ه ذا الفن موغ ل في الق دم ،عرفت ه قب ل الع رب أمم أخ رى كالفراعن ة والفينيق يين والروم ان
واإلغري ق .ثم ج اء الرحال ة الع رب ال ذين ج ابوا اآلف اق ،واش تهر منهم كث يرون مش رقاً
ومغرباً أمثال :ابن جبير وابن بطوطة واإلدريسي وغيرهم ،إذ نقلوا إلينا ما كان يضطرب
في العصور السابقة ،وشاهدنا من خالل رحالتهم مستوى الحضارة التي بلغتها الشعوب.
أدب الرحلة في العصر الحديث :ع رفت الرحل ة األدبي ة العربي ة خط وة جدي دة ك انت منعرج اً
حقيقي اً في مسارها عند احتكاك الرحالة العرب الحضارة الغربية ،وقد تغير اتجاه الرحلة
الرح الون العرب مع الحضارة الغربية ،وفي
من المشرق والمغرب إلى أوربا وقد تفاعل ّ
مق دمتهم الثن ائي " رفاع ة الطهط اوي"( 1801م ـ ،)1873وخ ير ال دين التونس ي (1810م ـ
)1890الل ذان احت ّك ا بالحي اة األوربي ة ،وإ ف رازات الث ورة الفرنس ية ،واقترح اَ األخ ذ من
إيجابياتها ،مع اإلصرار على أن الحضارتين األوربية واإلسالمية العربية مختلفتين .لذلك
رفض اَ م ا يتع ارض م ع اإلس الم.إلى ج انب رحالت "أحم د ف ارس الش دياق(1887م) إلى
مالط ة وبريطانيا وفرنس ا وجم ع أخبارهم ا في كت ابين سماهما "الواس طة في معرفة أحوال
مالط ة" و"كش ف المخبأ عن فنون أورب ا".و تعددت ال رحالت في الوطن العربي في القرن
العش رين وتن وعت االتجاه ات و أش هرها رحل ة "محم د ل بيب البتن وني" المع روف برحلت ه
الحجازية و "الشيخ محمد رشيد رضا" وله رحلتين إلى سوريا و"محمد الخضر حسين "
صاحب رحالت كثيرة في المغرب والمشرق منشورة في مجالت عربية مختلفة.
وق د ع رف فن الرحل ة ك أثر مكت وب في الجزائ ر نش اطاً معت براً في الق رن الث امن
عش ر ،وذل ك في إط ار المن اخ الجدي د ال ذي ع رف ظه ور المطبع ة ،فنش طت حرك ة الطب ع
والنشر ،وهو نشاط عكسته نماذج معتبرة بمادتها ورجالها وقضاياها.
1ـ في القرن الثامن عشر :أسهم الرحالة الجزائريون في هذا العصر بمجهودات في هذا
المجال ،ومارس كتّاب كثيرون هذا الفن ،والسيما تلك الرحالت التي كان يقصد منها لقاء
ش يوخ الط رق الص وفية واالجتم اع بهم ،أو الس فر ألداء فريض ة الحج .ومن بين أش هر
الرحالة الجزائريين في تلك الفترة ،نجد " أحمد بن عمار " ،و" محمد بوراس المعسكري
" ،و" الورتالني " ،و" وابن حمادوش الجزائري " ،وغيرهم.
إن أق دم ه ذه ال رحالت هي رحل ة " ابن حم ادوش " المس ماة " لس ان المق ال في النب أ
عن النس ب والحس ب والح ال " ،وق د باش ر المؤل ف كتابته ا في ع ام 1743م ،وهي رحل ة
محشوة باألخبار والتعاليق واالستطرادات .ويتضح شكل الرحلة في القسم الخاص بحديثه
عن " المغرب األقصى " الذي بدأت الرحلة إليه على ظهر سفينة فرنسية استأجرها ثالثة
تجار جزائرين.
والرحل ة ه ذه إح دى الوث ائق الهام ة في الحيوي ة الثقافي ة ال تي ش هدها الق رن الث امن
عشر( 12هـ) الحافل بأسماء المعة في الفقه والتاريخ واألدب ،وإ ن اقتصرت أخبارها على
المغرب والجزائر،
وحياة الرحالة بينهما ،إال أنها حافلة بمعلومات مفيدة سياسياً واقتصادياً وثقافي اً ،واجتماعي اً
عن القطرين ،وحياته أيضاً الصعبة فيها.
2ـ رحلة " الورتالني " المولود في بلدية " بني ورتالن " والية سطيف ،المعروفة باسم "
الرحل ة الورتالني ة " ،وبعنوانه ا " نزه ة األنظ ار في فض ل علم الت اريخ واألخب ار " .لئن
حفلت ه ذه الرحل ة بكالم عن تنقل ه إلى جه ات مختلف ة داخ ل ال وطن ،من غرب ه ( تلمس ان)
إلى شرقه (عنابة) ،ومن شماله (دلس وبجاية ومدينة الجزائر) ،إلى جنوبه (المسيلة ،سيدي
خالد) ،فإن الحديث تركز على حجه ،فذكر أنه قصد " تونس " للدراسة .وانطلق منها إلى
الحج ليع ود إلى الجزائ ر نح و حج وجه اد وزي ارة وعلم وتعلم وإ ف ادة واس تفادة على ح د
قوله ،وقد انتهى من تدوين هذه الرحلة المكونة في الحقيقة من عدة رحالت سنة 1768م.
والرحل ة عموم اً من أحس ن م ا أنتج ه الق رن الث امن عش ر الهج ري ،ليس لمادته ا
الجغرافي ة والتاريخي ة ،وطابعه ا الفك ري واألدبي فحس ب ،ب ل لم ا انعكس فيه ا من أوض اع
مختلفة في الوطن العربي اقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية ودينية.
نحا الك اتب في تحريره ا نحواً تقريري اً ،جعلها أقرب إلى عرض حال عن الغزوة
وما صاحبها من عناء .لكن ذلك ال ينفي وجود فقرات جيدة في الوصف ،غالب اً ما اتسمت
فيها الكلمات بالطالوة والسجع أحياناً.
2ـ في القرن التاسع عشر :عرف القرن التاسع عشر نماذج للرحالت ،اختلفت مساراتها،
وتع ددت مقاص دها ،وتب اينت مس تويات التعب ير فيه ا ،كم ا اختلفت أهمي ة أص حابها الفكري ة
والسياسية واالجتماعية .فهناك الرحلة الحجازية التي اتخذت وجهتها الحجاز ألداء فريضة
الحج وهن اك الرحل ة السياس ية ال تي اكتس ت طابع اً سياس ياً في ش كلها الع ام ،وهن اك الرحل ة
االستطالعية التي اتخذت طابعاً جغرافياً تاريخياً استطالعياً.
الرحلة الحجازية:
يمث ل نم وذج الرحل ة الحجازي ة (الرحل ة للحج) رحل ة " محم د ب وراس الناص ر
ربي ونعمت ه " ،كتبه ا وه و في
ومنت ه في التح دث بفض ل ّ
المعس كري " بعن وان " فتح اإلل ه ّ
الثمانين من عمره ،أي سنة ،1817خمس سنوات قبل وفاته.
والرحلة عموم اً في صميم " السيرة الذاتية " ،ألن حديث الكاتب عن سيرته الذاتية
غطى معظم م ادة الكت اب .لكن بش كل ع ام هن اك ح ديث عن ص لته بالمحي ط واألوض اع
االجتماعي ة والتاريخي ة وغيره ا .وق د ورد الح ديث عن رحلت ه في الب اب الث الث المعن ون "
في رحل تي للمش رق والمغ رب وغيرهم ا ولق اء العلم اء األعالم وم ا ج رى لي معهم من
المراجع ة والكالم " .وه و م ا يكش ف مس اره في الرحل ة والقض ايا ال تي ش غلته ،وم ا ك ان
يجذب اهتمامه فيكون محور تفكيره ومجال العالقات العامة والخاصة في رحلته.
عن س عادته كلم ا اكتش ف مس توى علمي اً رفيع اً ل دى علم اء البل د .وتعظم تل ك الس عادة حين
يجد نفسه منتصراً عليهم في جلسات المناظرة والنقاش .وقد احتل الحديث عن لقائه بعلم اء
األقطار العربية التي لها المكانة األساسية في الرحلة.
ب دأت الرحل ة من حيث أس لوبها في ق الب س ردي اق رب إلى التقري ر في معظم
الفق رات ،نح ا نح و الدق ة العلمي ة خصوص اً في ثبت األس ماء والمناس بات ،وبأس لوب أدبي
يظ ل في بعض الفق رات كوص فه لبعض الم دن بأناقته ا وجماله ا .وتبقى ه ذه الرحل ة شاهداً
حي اً عن أوض اع مختلف ة ،وعن طبيع ة العالق ات بين أبن اء األم ة العربي ة ،وفي مق دمتهم
ّ
علماؤه ا ،بت وددهم وت آزرهم وش غفهم العلمي وتنافس هم الش ريف في ه .وإ ن انطلقت رحل ة "
حج " لكن فس حت المج ال بع دها للح ديث عن ص الت إنس انية حميمي ة عميق ة في التواص ل
والم ودة والمحب ة .ومن خالله ا أيض اً ظلت ص ورة مش رقة لإلنس ان ،والم دن العربي ة ذات
الروعة واألناقة بمعالمها الثقافية والحضارية وجمالها الساحر وطبيعتها الزاهية.
و ق د دون "األم ير عب د الق ادر " رحلت ه إلى الحج از والش ام وبغ داد ض من مذكرات ه ال تي
ت روي س يرته الذاتي ة وال تي جمعه ا ونش رها بعض الب احثين فيم ا بع د(عب د الق ادر بن محي
الدين ،مذكرات األمير عبد القادر ،سيرة ذاتية تحقيق محمد الصغير بناني وآخرون )وقد
ج اءت األخب ار عن رحلت ه م وجزة في ه ذه الس يرة الذاتي ة الن ه ك ان يرك ز على حيات ه
النضالي وعلى الرغم من ذلك نستطيع التعرف على مسار رحلته الدقيق ومجمل أعماله
خالل السفر وأشهر العلماء الذين لقيهم إلى جانب بعض انطباعات المؤلف وآرائه حول
البلدان التي اجتازها في رحلته وسكانها.
2ـ الرحل ة االس تطالعية ( الجغرافي ة التاريخي ة ) :يمث ل ه ذا الن وع رحل ة " الح اج ابن ال دين
األغ واطي " بعن وان " رحل ة األغ واطي في ش مال إفريقي ا والس ودان والدرعي ة "ُ .كتبت
اء على طلب " ولي ام هيدس ون " مس اعد
الرحل ة بالعربي ة في ح دود ( 1826ـ )1829بن ً
القنص ل األم ريكي في الجزائ ر في الف ترة ( 1825ـ ،)1829مقاب ل مبل غ م الي .ف أنجز "
األغواطي" عمله هذا وقبض الثمن من " هودسن " ذي النزعة االشتسراقية الحريص على
جمع معلومات جغرافية وتاريخية ولغوية ،خصوص اً عن البربرية .ترجم هذه الرحلة إلى
اإلنجليزية ،وقد بقي النص العربي مجهوالً ،وهو ما حفّ ز الدكتور " أبو القاسم سعد اهلل "
على إعادة النص إلى العربية في نحو تسع عشرة صفحة.
جمعت الرحل ة في مس ارها بين ال داخل والخ ارج ،وق د ح اول أن يعين مس الك،
ويوضح معالم ،ويحدد مسافات بين مناطق ومدن .ويجلّي طبيعة هذه الجغرافيا ،وهندسة
بن اء ،ونظ ام حكم وتقالي د اجتماعي ة وغيره ا ،فعكس ت ب ذلك الرحل ة كث يراً من األوض اع
المختلف ة ،التاريخي ة والجغرافي ة والسياس ية واالقتص ادية والثقافي ة واالجتماعي ة .إنه ا رحل ة
برؤية استطالعية غلب عليها الجانب الجغرافي التاريخي عن مواقع مدن ،وأحوال ناس،
لغة وعادات وتقاليد ،وأزياء وسواها.
3ـ الرحل ة السياس ية :في الرحل ة السياس ية نم اذج تتكام ل في بعض األحي ان ،وتختل ف
أحايين أخرى .فمن النماذج المتكاملة رحلتان اتجه صاحبهما إلى باريس ،أوالها رحلة "
س ليمان بن الص يام " إلى فرنس ا س نة ،1852وت دعى " الرحل ة الص يامية " من مليان ة إلى
الجزائ ر العص مة في اتج اه ب اريس ،والرحل ة الثاني ة هي رحل ة " محم د الس عيد بن علي
الش ريف " على فرنس ا في نفس الع ام ،ب ل كان ا في نفس الوف د ال ذي زار فرنس ا لحض ور
المهرجان الضخم الذي أقيم احتفاالً بتنصيب " نابليون الثالث ".
اهتم " محم د الس عيد بن علي الش ريف " في رحلت ه ب أمور وظ واهر كث يرة بس بب
سجل
ثقافته المتنوعة ،فحينما قُ ّدر له أن يزور بيئة جديدة عليه ،لم يكن مجرد سائح أو ُم ّ
لمش اهد رآه ا بعين ه ،وإ نم ا ح اول أن يس تخلص بعض النت ائج وأن يق ارن بين الجدي د ال ذي
شاهده والق ديم في بيئت ه ،وساعدته على ذل ك ثقافت ه الفرنسية التي تك ونت ل ه بعد أن ظهر
والءه للحك ام الفرنس يين ،وخاص ة الماريش ال " بيج و " ،وارتب ط ب اإلدارة الفرنس ية ال تي
استدعته ليكون ضمن الوفد المسافر إلى المهرجان المشار إليه.
أم ا رحل ة " س ليمان بن الص يام " في نفس الوف د ،فق د ك انت غني ة بالوص ف ،حيث
وص ف فيه ا الطبيع ة واآلث ار والقص ور ومراس يم االحتف ال والقط ار والب اخرة والمس ارح
وغيرها من مظاهر الحضارة والعمران.
والرحلت ان تتفق ان في روح المجامل ة لإلدارة الفرنس ية ال تي أوف دتهما لحض ور
المهرج ان وال تي يعمالن في خ دمتها ،وهم ا يمثالن نموذج اً طيب اً عن أدب ال رحالت في
األدب الجزائ ري الح ديث ،إلى ج انب رحل ة أخ رى ج اءت بع د س ت وعش رين س نة ،وهي
رحل ة " أحم د بن ق اد " في رحلت ه " الرحل ة القادي ة في م دح فرنس ة وتبص ير أه ل البادي ة،
وهي رحلة للمشاركة في معرض دولي ،ركز فيها على مظاهر الحفاوة وحسن االستقبال،
عب ر عن إعجابه الشديد بما شاهد في المعرض من غرائب الصناعات واالختراعات
كما ّ
البديع ة الرائع ة من آالت النس يج والزراع ة وآالت التبري د ،لكن ه يع وض في رحلت ه ه ذه
للف رق الشاس ع بين فرنس ا المحتل ة ،وفرنس ا المتحض رة وبين الوض ع المهيمن في بل ده،
والوض ع المش رق في فرنس ا ،ل ذلك ،نج د وإ ن اتفقت ه ذه الرحل ة م ع الس ابقين في الدعاي ة
لالحتالل الفرنس ي ،واالنبه ار بالحي اة الفرنس ية بوجهه ا السياس ي والص ناعي واالجتم اعي،
إال أنه ا تع رض في خت ام الرحل ة ح ال الجزائ ر بل ده المه انُ ،م ِ
عرب اً عن ظن ه في أن ح ال
الجزائر المزري تسبب فيه اليهود والمعمرون الذين يستغلون األرض واإلنسان يصادرون
تلك ،ويضطهدون هذا وذاك ليس من خطط االحتالل الذي ينجز كل شيء بحساب.
الجزائ ري ب التعريف بقض يته من جهة ،وبنق ل مشاهدات تفي ده من قريب أو بعي د من جهة
ثانية .كذلك اختلف المحتوى واألسلوب عن األنواع السابقة إلى حد بعيد.
إلى جانب رحالت البشير اإلبراهيمي الكثيرة داخل الوطن وخارجه .وكان أسلوبه
في ه ذه ال رحالت يمت از بالعناي ة الشديدة بالص ياغة والبي ان والجم ال األدبي.وق د رح ل إلى
المشرق عام 1952ضمن نشاطات ج ع م مبلغا لطلبات الجمعية لدى الحكومات ومعرفا
بالقض ية الجزائري ة وبنض ال ش عبه ض د االحتالل .كم ا قص د دول ة الباكس تان ع ام 1958
مر بها أثناء هذه الرحلة.وقد
وشملت رحلته هذه الحديث عن باريس وروما ومصر التي ّ
ح دد األه داف المتوخ اة من ه ذه الرحال ة بدراس ة أح وال المس لمين في م واطنهم واالتص ال
برج ال ال دين ودراس ة أح وال الحكوم ات االس المية اض افة إلى التعري ف بالجمعي ة
والجزائر .
والرحل ة تح وي أخب ارا متنوع ة جغرافي ة وتاريخي ة بأس لوب وص في دقي ق م ع روح دعاب ة
خفيفة ولغة واضحة وأسلوب تقريري إخباري في غالب االحيان.
ولعل أهم الرحالت التي تحمل طابعاً سياسياً قومياً ،رحالت " أحمد توفيق المدني "
داخل الجزائر وخارجها ،في أوربا والعالم اإلسالمي والعربي.
ولق د ك ان إنتاج ه أك ثر غ زارة من " ابن ب اديس " ،ألن ه تف رغ إلى الكتاب ة والت أليف ،إلى
جانب نشاطه السياسي بعد (1956بعد اندالع الثورة).
وابتداء من سنة 1955تاريخ أول رحلة خارجية إلى " المغرب " ،تعددت رحالت
ً
الشيخ " المدني " الخارجية وتنوعت ،خصوصاً في الوطن العربي .فكانت القاهرة ودمشق
وبغداد والسعودية والكويت واألردن وليبيا وتونس والسودان والصومال.
وقد صورت رحالته التجاوب العربي العميق رسمياً وشعبياً مع الثورة الجزائرية
من ذ انطالقه ا .وب دت معظم األقط ار العربي ة متجاوب ة م ع الث ورة ب اختالف أنظمته ا
وأوض اعها االقتص ادية والسياس ية واالجتماعي ة لكن ب اختالف واض ح أوالً في ح رارة ذل ك
التجاوب ،وفي حجم الدعم المادي والسياسي.
وهناك رحلة أخرى إلى المشرق العربي كتبها " محمد المنصوري الغسيري " حين
ذهب عام 1953مع وفد الكشافة اإلسالمية الجزائرية إلى مصر ،ومنها انطلق مع الشيخ
البشير اإلبراهيمي إلى الحج ،ثم إلى بعض أقطار المشرق ،وهو لم يكتف في رحلته هذه
عب ر فيها عن انطباعاته ومشاعره وأحاسيسه بما يرى .ولكن
بتسجيل مشاهد وصور ،بل ّ
من زاوية العالم المصلح الذي يدعو إلى فكرة معينة ويلح عليها ،وأجرة فيها مقارنة بين
واقع المشرق العربي الذي تحررت معظم أقطاره من االستعمار ،وبين الواقع المؤلم الذي
يعيش ه الش عب الجزائ ري .وفي مواق ف كث يرة يستش هد بالش عر مم ا ين بئ عن ثقاف ة عربي ة
واسعة.
وهن اك رحالت أخ رى مختلف ة ،كرحل ة " محم ود ب وزوزو " إلى فرنس ا س نة 1939
بعن وان " من وحي البرلم ان الفرنس ي " ،إلى رحل ة " حم زة بوكوش ة " إلى المغ رب
األقص ى.و"الطيب المه اجي "برحالت ه إلى ف اس والحج از و ال تي ذكره ا في كتاب ه(أنفس
الذخائر وأطيب المآثر في أهم ما اتفق لي في الماضي والحاضر) وعموم اً حاول الكتّ اب
الجزائريون في هذه الفترة كتابة مذكراتهم بوصف رحالتهم الداخلية والخارجية ،وتسجيل
مش اهداتهم ولق اءاتهم في ق الب أدبي .ول ذلك نج د من يس مي ه ذا األدب " أدب الم ذكرات "
بدل " أدب الرحالت " ،مثل عبد المالك مرتاض .وهناك من يسميه " أدب السياحة " ،على
اعتب ار الس ياحة رحل ة تلقائي ة ح رة إلى مك ان مرغ وب في ه ،بِ ّني ة التج وال والتمت ع
واالستطالع والفضول واالكتشاف.
لقد سيطر الحديث عن مدينة الضباب " لندن" في هذا الكتاب إلى جانب مدن أخرى
زاره ا في أزمن ة متقارب ة حين اً ،ومتباع دة حين اً آخ ر ،وألمكن ة مختلف ة ،عربي ة وأجنبي ة،
كمصر وسوريا وفرنسا والفيليبين والمجر وألمانيا وروسيا.
أم ا عن فني ات األدب الس ياحي عن د " الركي بي " ،فإنن ا نالح ظ أن أدبيت ه تف تر أحيان اً
في المواق ف ال تي يطغى عليه ا الس رد الت اريخي ،واإلخب ار السياس ي .وفي موق ف أخ رى
تسمو ويطيب جمالها خاصة من المواقف التي تتخللها مشاهد وصفية ممتعة ،منسوجة من
وحي المكان.
ِ
والكتَ اب على العم وم زاخ ر بكث ير من األس اليب الفني ة ال تي اس تمدها الك اتب من
الكتَاب كذلك نفحات من روح التسامح الحضاري ،إذ تمرسه المبكر بالفن القصصي .وفي ِ
تت داعى األمكن ة والتج ارب في العين وال ذاكرة .ويمكن اعتب ار ه ذا النص الس ياحي عن "
الركيبي " واحة فنية تعكس تجربة مكانية خارج البالد.
وال يفوتن ا ذك ر رحل ة هام ة ق ام به ا األديب " أحم د رض ا حوح و " إلى االتح اد
الس وفياتي س نة ،1950وق د س جل فيه ا م ا ش هده من تط ور حض اري ،وص ناعي ،وتق دم
ثقافي في روسيا .وحاول أن ينقل صورة صادقة للبيئة الجديدة التي ذهب إليها .وتعد قيمة
هذه الرحلة في موضوعها ،ما قدمه من معلومات وأشياء جديدة .أما من الناحية الفنية ،فقد
ابتع د الك اتب عن األس لوب الف ني مغلب اً علي ه األس لوب الص حفي.إلى ج انب رحل ة "عثم ان
س عدي"المعنون ة "وط ني و المنش ورة في جري دة البص ائر ع ام 1953ورحل ة"محم د علي
دب وز"من الجزائ ر إلى الق اهرة إلى طانط ا (الري ف المص ري)و ال تي عنونه ا"وقف ة في دار
ال رافعي وعلى ق بره" حيث تح دث عن مص طفى ص ادق ال رافعي بع د الرحل ة إلى مس قط
رأسه(طنطا) واكتشاف األماكن و المعالم التي كان يرتادها .وقد
نش رت الرحل ة في البص ائر س نة.1955ورحل ة "أب و القاس م س عداهلل"إلى الس عودية
وهي من ال رحالت العلمي ة إذ ك انت ته دف حض ور الن دوة العالمي ة األولى المخصص ة
لمص ادر الجزي رة العربي ة وق د عنونه ا "رحل تي إلى الجزي رة العربي ة وطبعه ا في كتاب ه
الموسوم"تجارب في األدب و الرحلة".
ونختم برحالت "أحمد منور" المتعددة ،فمنها ما كان أوربية الوجهة مثل رحلته إلى
فرنس ا وانجل ترا س نة 1976وك انت لغ رض الس ياحة و التج وال ومنه ا م ا ك ان مش رقي
الوجهة كرحالته إلى ليبيا ومصر والكويت ،وكانت األخيرتين لغرض ثقافي.وقد نشرت
رحالته إلى أوربا في جريدة السالم سنة.1996ونشرت باقي الرحالت في جرائد عربية
كجريدة العرب الليبية ( )1991والقبس الكويتية (.)1996
إذا تطور فن الرحلة في الجزائر في العصر الحديث واهتمت إلى جانب الجغرافي
و التاريخي بنقل االنطباعات و المشاعر والتصورات كما نقلت قضايا إيديولوجية وثقافية
وحض ارية من وجه ات نظ ر الكت اب وتع ددت األغ راض أيض ا من ديني ة إلى تعليمي ة إلى
تج وال وس ياحة و ق د اس تجدت دواعي أخ رى ل ذلك كحض ور الملتقي ات والمهرجان ات
والتظ اهرات الثقافي ة وأداء مه ام سياس ية أو دبلوماس ية.وق د اختلفت ط رق ت دوين ه ذه
الرحالت فمنها ما استقل بكتب كاملة ومنها ما أخذ حيزا في كتب أخرى ككتب السير أو
المذكرات ومنها ما ظل حبيس الجرائد و المجالت .
نماذج من الرحالت:
/1رحل ة محم د الس عيد بن علي ش ريف إلى فرنس ا :لق د أف اض الرحال ة في وص ف
أخالق أهل باريس ،فوصفهم بالذكاء ودقة الفهم يقول " :فهم مولعون بحب المعرفة في
والتدليل على ما يقولون ...ولهم محبة في تبديل وتغيير سائر األمور السيما اللباس فإنه
غير مقرر عندهم وليس ذلك التغيير كليا وإ نما ينتقلون من القلنسوة إلى الشاشية ،يلبسون
البرنيط ة على ش كل ثم ينتقل ون بع ده إلى ش كل آخ ر ،س واء في ص ورتها أو ش كلها ،ومن
عاداتهم المهارة والخفة ،فإن صاحب القدر تراه يجري في األزقة كالصبي ،ولهم طيشان
وتلون ،فينتقل اإلنسان من الفرح إلى الحزن وبالعكس و من الجد إلى الهزل وبالعكس إلى
أن يرتكب في اليوم جملة من أمور متضادة ".
/2رحل ة أحم د رض ا حوح و االتح اد الس وفياتي :وق د أطل ق على رحلت ه عن وان
"وراء الس تار الحدي دي" ،يق ول واص فا الحي اة الثقافي ة ل دى الس وفيات " :الثقاف ة في بالد
الس وفييت ط ابع ممت از ص بغت ب ه ك ل أل وان الحي اة هن اك فال مف ر للكب ير والص غير من
الثقافة والتعليم ووسائلها كثيرة متوفرة لكل راغب واإلقبال على التعليم عظيم جدا ألنه هو
طابع الحياة في تلك البالد يجده اإلنسان أينما ح ّل وارتحل في الحدائق ،في المسارح ،في
المكاتب العامة وحتى في المعامل . "..