You are on page 1of 21

‫الشعبة‪ :‬اللغة العربية‬ ‫جامعة ابن طفيل‬

‫المادة‪ :‬التركيب‬ ‫كلية اللغات واآلداب والفنون‬

‫المحاضرة األولى‬

‫الموسم الجامعي‪2022/2023:‬‬
‫المحتوى‬
‫‪ .1‬مبادئ وأهداف اللسانيات التوليدية‬
‫‪ .1.1‬نظرية اللغة‬
‫‪ .1.1.1‬تحديد بعض المفاهيم األساسية‪ :‬النحو التوليدي‪ ،‬القدرة واإلنجاز‪ ،‬النحوية والمقبولية‪.‬‬
‫‪ .2.1‬نظرية اكتساب اللغة‬
‫‪ .1.2.1‬اإلشكال الفلسفي‬
‫‪ .2.2.1‬اإلشكال المنهجي‬
‫‪ .2‬تنظيم النحو التوليدي‪ :‬النظرية المعيار والمعيار الموسعة‬
‫‪ .1.2‬مستويات التمثيل النحوي في النظرية المعيار والمعيار الموسعة‬
‫‪ .2.2‬القواعد المركبية والتمثيل الشجري‬
‫‪ .3.2‬المعجم (المدخل المعجمي‪ ،‬قاعدة الدمج المعجمي)‬
‫‪ .3‬تطبيقات على العربية‬
‫‪ .1.3‬الجمل الفعلية البسيطة‬
‫‪ .1.3‬بنية العطف‬
‫‪ .3.3‬الجمل المركبة‬
‫تقديم‬
‫غالبا ما تعرف اللسانيات بكونها الدراسة العلمية للغة‪ ،‬وبتأملنا لتاريخ اللسانيات منذ‬
‫نشأتها‪ ،‬يمكن أن نميز داخلها بين خطوتين هامتين‪ :‬مستوى اللغة‪ ،‬ومستوى المنهجية‬
‫المتبعة لمقاربتها‪.‬‬
‫اللسانيات‬

‫التوليدية‬ ‫البنيوية‬
‫‪ -‬ركزت اللسانيات التوليدية على دراسة اللغة‬ ‫‪ -‬دراسة اللغة في ذاتها ولذاتها‬
‫الداخلية‪ ،‬أي المعرفة اللغوية الممثل لها في ذهن‬ ‫‪ -‬تحول مركز االهتمام من دراسة اللغة إلى‬
‫المتكلم‪.‬‬ ‫دراسة بنيتها‪.‬‬
‫‪ -‬على المستوى المنهجي‪ :‬دمجت اللسانيات‬ ‫‪ -‬تركيز االهتمام على اللغة الخارجية‬
‫في مجال العلوم الطبيعية‪.‬‬ ‫‪ -‬النظر إلى اللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية‪،‬‬
‫‪ -‬تجاوز الوصف والتصنيف إلى التفسير وإلى‬ ‫وما على اللغوي إال أن ينصت إلى المجتمع‬
‫ما وراء التفسير‬ ‫ويسجل اللغة في المتون‬
‫‪ -‬أن المقاربة البنيوية تميزت بطغيان المنهج‬
‫الوصفي‪.‬‬
‫اللسانيات التوليدية‬
‫اللسانيات التوليدية التحويلية‪:‬‬
‫التوليد )‪ :(Generation‬يقصد بمبدأ التوليد في اللغة عند شومسكي)‪(Chomsky‬‬
‫الجانب اإلبداعي في اللغة‪ ،‬أي القدرة التي يمتلكها كل إنسان لتكوين وفهم عدد ال متناه‬
‫من الجمل في لغته األم بما في ذلك الجمل التي لم يسمعها من قبل‪ ،‬وكل هذا يصدر عن‬
‫اإلنسان بطريقة طبيعية دون شعور منه بتطبيق قواعد نحوية معينة‪.‬‬
‫ومعنى هذا أن اإلنسان لديه مقدرة إبداعية تمكنه من تكوين كل الجمل الممكنة في اللغة‪،‬‬
‫وتعتبر القاعدة التوليدية جزءا من جهاز توليد الجمل تتخذ شكل قاعدة إعادة الكتابة‪ ،‬أي‬
‫أنها تعيد كتابة رمز يشير إلى عنصر معين من عناصر الكالم برمز آخر أو بعدة رموز‬
‫أخرى‪ ،‬فجواز اشتمال الجملة مثال على مركب فعلي مؤلف من فعل وفاعل ومفعول به‬
‫يتمثل بالقاعدة التالية‪:‬‬
‫فعل‪+‬مركب اسمي (فاعل)‪ +‬مركب اسمي (مفعول به)‬ ‫مركب فعلي‬

‫التحويل‪ :‬يقوم مبدأ التحويل على تحويل جملة إلى أخرى متى تقاربت معانيها وإن‬
‫الدرس تعتبر تحويال للعبارة كتب الولد الدرس‪ ،‬وهي‬ ‫ُ‬ ‫اختلفت مبانيها‪ ،‬فعبارة ُكتب‬
‫جملة محولة من البناء للمعلوم إلى البناء للمجهول (أو البناء لغير الفاعل)‪.‬‬
‫كما أن مبدأ التحويل يمكننا أيضا من دراسة الصلة القائمة بين الجمل‪ ،‬كما في‪:‬‬
‫)‪ (1‬أكل الولد التفاحة‬
‫)‪ (2‬الولد أكل التفاحة‬
‫)‪ (3‬التفاحة أكلها الولد‬
‫تفيد هذه الجمل المعنى ذاته بالرغم من تباين تراكيبها‪.‬‬
‫ولكي نفسر العالقة بين هذه الجمل ال بد لنا من مفهوم يتيح لنا أن نبحث في عالقة‬
‫الجمل بعضها ببعض ويسمح بأن نعيد تركيب عناصرها‪.‬‬
‫يصلح مفهوم التحويل‪ ،‬في هذا املجال‪ ،‬على إمكانية تحويل جملة معينة إلى جملة أخرى واعتماد‬
‫مستوى أعمق من املستوى الظاهر في الكالم‪ ،‬كما بإمكان مفهوم التحويل أن يكشف أيضا عن املعاني‬
‫الضمنية العائدة للجمل‪.‬‬

‫األسس التي قامت عليها اللسانيات التوليدية‬

‫قامت النظرية التوليدية على منطلقات فكرية وعلمية متميزة‪ ،‬وهي في مجملها منطلقات‬
‫جديدة بالقياس إلى اللسانيات البنيوية التي ظهر النحو التوليدي في أحضانها‪ ،‬فقد وجد‬
‫شومسكي في الفلسفة العقالنية ركيزة هامة لرفض جملة من التصورات والمبادئ الفكرية‪،‬‬
‫إذ عاد شومسكي في تصوره لطبيعة اللغة البشرية إلى آراء الفالسفة والنحاة العقالنيين‬
‫والسيما آراء الفيلسوف الفرنسي ديكارت‪ ،‬وتحليل النحاة المعروفين بنحاة بور رويال‬
‫)‪ (Port Royal‬وأراء المفكر األلماني فون همبولدت‪.‬‬
‫حيث أخد شومسكي عن ديكارت الفكرة المتعلقة بفطرية اللغة‪ ،‬وهي فكرة مفادها وجود‬
‫بنيات لغوية تصورية مجردة جاهزة لالستعمال عند اإلنسان‪ .‬فاللغة البشرية عند ديكارت‬
‫كما عند شومسكي صفة مالزمة للجنس البشري تميزه عن غيره من الكائنات األخرى‪ ،‬إذ‬
‫يؤكد ديكارت‪ ،‬أوال‪ ،‬على أهمية التفكير المجرد عند اإلنسان بواسطة العقل‪ ،‬وهذا العقل وما‬
‫يسمح به من عمليات ذهنية‪ ،‬يشكل في العمق جوهر الذات البشرية وهويتها الثابتة‬
‫وخصوصيتها‪ ،‬أي أن التفكير المجرد هو حقيقة الفرق الجوهري بين اإلنسان والحيوان‪.‬‬
‫بهذا الموقف كان ديكارت سباقا إلى القول بفطرية اللغة التي تعد من األفكار اللغوية التي‬
‫كان لها تأثير كبير على مسار الدرس اللغوي وعلى تصور شومسكي للنحو التوليدي‬
‫ابتداء من سنة (‪ )1957‬على وجه الخصوص‪.‬‬
‫ويعتبر أيضا نحو بور رويال نموذجا آخر لتأثير الفلسفة العقالنية في الدراسة اللغوية‬
‫عامة‪ ،‬والنحو التوليدي بشكل خاص‪ .‬ويندرج هذا التصور النحوي في إطار افتراض فكري‬
‫عام يستمد أصوله من الفلسفة العقالنية عند ديكارت ومفاده وجود تطابق تام وكامل بين‬
‫البنيات المنطقية والبنيات اللغوية‪ ،‬إذ أن اللغة في عرف التصور العقالني ليست سوى‬
‫تعبير منطقي عن الفكر‪ ،‬واللغات رغم اختالفها على مستوى القواعد التركيبية تشترك في‬
‫كونها تتوافر على بنيات منطقية وعقلية عامة مشتركة بين البشر‪.‬‬
‫واستوحى شومسكي من الفيلسوف األلماني ويليام فون همبولدت فكرته المتعلق باإلبداع‬
‫اللغوي‪ ،‬وكيف أن المتكلم بواسطة اللغة‪ ،‬يستطيع أن يوِّلد ما ال حصر له من الجمل‬
‫انطالقا من قواعد محدودة العدد؛ وذلك ألن اللغة في حد ذاتها ليست بناء تاما لكنها نشاط‬
‫في مرحلة اإلنجاز وأن تعريفها لن يكون إال تكوينيا‪.‬‬

‫انطالقا من هذه الخلفية العقالنية‪ ،‬اتسمت نظرية شومسكي اللغوية المعروفة باسم النحو‬
‫التوليدي أو التحويلي بعدة سمات أهمها‪:‬‬
‫• أن النحو عند شومسكي هو مجموع القواعد التي تمكن اإلنسان من توليد مجموعة‬
‫النهائية من الجمل ذات البنيات السليمة؛ حيث يفرق بين القدرة التي هي ملكة فطرية‬
‫ذهنية تمكن اإلنسان من فهم عدد غير محدود من الجمل‪ ،‬وبين اإلنجاز الذي هو‬
‫عملية استخدام هذه القدرة ضمن نسق محدد‪ ،‬أي األداء الكالمي للغة ضمن سياق‬
‫معين‪.‬‬
‫• سعى شومسكي في نظرية النحو التوليدي إلى التأسيس لقواعد عامة مشتركة بين‬
‫جميع اللغات‪ ،‬فإذا كانت لسانيات دي سوسير تصب اهتمامها على بنية اللغة بعينها‪،‬‬
‫فإن شومسكي انطلق من بلورة نحو كلي‪ ،‬يستطيع تفسير البنيات اللغوية في كل‬
‫اللغات الطبيعية‪.‬‬

‫وللوقوف على القيمة النظرية والمنهجية للنحو التوليدي نعرض بإيجاز التحوالت النظرية‬
‫التي عرفها النحو التوليدي منذ نشأته إلى آخر نموذج فيه‪ ،‬وهو النموذج المعروف‬
‫بالبرنامج األدنوي‪.‬‬
‫‪ .1‬مرحلة البنى التركيبية‬

‫تعد مرحلة البنى التركيبية أولى المراحل التي مرت بها النظرية التوليدية في تطوراتها‬
‫النظرية والمنهجية‪ ،‬وتمثل الصورة األولية األولى المبسطة للنحو التوليدي‪ ،‬وبها بدأ‬
‫التأريخ لظهور هذا النحو؛ خاصة بعد ظهور كتاب شومسكي البنى التركيبية سنة‬
‫(‪ ،)1957‬وتنبع أهمية هذا الكتاب من كونه أول أعمال شومسكي الذي عرف من خالله‬
‫عن بعض مالمح نظريته اللغوية األولية‪ ،‬ومن أهم القضايا التي تناولها هذا الكتاب‪:‬‬
‫• الدعوة إلى تغيير األسس الفلسفية التي يتأسس عليها البحث اللغوي‪ ،‬فقد دعا‬
‫شومسكي في كتابه هذا إلى أن يتحول النظر إلى اللغة من نظرة سلوكية ليس‬
‫فيها إال ما نجده في ظاهر الكالم‪ ،‬وأنه يجري تعلمها كما يجري تعلم أي‬
‫سلوك آخر‪ ،‬وأن اإلنسان يولد بصفحة بيضاء‪ ،‬إلى النظر إليها على أنها نظام‬
‫معرفي عقلي ال يكفي لمعرفته وصف ما يظهر منه‪ ،‬بل يتعدى ذلك إلى‬
‫تفسير طبيعة اكتسابه‪ ،‬واستخدامه ضمن ما تفرضه حدود العقل البشري عليه‬
‫وعلى غيره من النظم المعرفية‪ ،‬وأن اإلنسان ال يولد صفحة بيضاء بل يولد‬
‫وعنده استعداد فطري الكتساب اللغة‪.‬‬
‫• تحليل قدرة المتكلم أو كفايته اللغوية على إنتاج الجمل التي لم يسمعها من قبل‬
‫وعلى أن يفهمها‪.‬‬
‫كما أشار شومسكي‪ ،‬في هذا الكتاب أيضا‪ ،‬إلى ما سماه بالنحو الكلي ‪(Universal‬‬
‫)‪ Grammar‬وعرفه بأنه قواعد قائمة على عدد قليل من المبادئ العامة لتحصيل أنظمة‬
‫القواعد المعقدة‪ ،‬الخاصة بكل لغة‪.‬‬
‫كان جل تركيز شومسكي في هذه المرحلة على علم التركيب‪ ،‬حيث دعى إلى استقاللية‬
‫المستوى التركيبي عن باقي المستويات األخرى‪ ،‬كالمستويين الصرفي والصوتي من جهة‬
‫والداللي من جهة أخرى‪.‬‬
‫وقد امتازت هذه المرحلة بظهور بعض المفاهيم والمصطلحات التي لم تكن معهودة من‬
‫قبل في الدرس اللساني‪ ،‬من أهم هذه المفاهيم‪:‬‬
‫القدرة اإلبداعية في اللغة‪ ،‬النحوية‪ ،‬القدرة اللغوية‪ ،‬اإلنجاز اللغوي‪ ،‬البنية العميقة‪ ،‬البنية‬
‫السطحية‪ ،‬النحو الكلي‪.‬‬
‫‪ .2‬نظرية المعيار والمعيار الموسع‬

‫تجمع هذه المرحلة من مراحل التطورات النظرية والمنهجية للنظرية التوليدية بين‬
‫نموذجين‪ :‬أولهما نظرية المعيار ونظرية المعيار الموسع‪ .‬ولعل أهم مسوغات الجمع بين‬
‫هذين النموذجين في مرحلة واحدة هو عدم وجود حقبة زمنية طويلة بينهما‪ ،‬فقد ظهر‬
‫النموذج الموسع بعد الخالف بين شومسكي ومؤيديه من جهة‪ ،‬والمذهب المخالف لهم من‬
‫جهة أخرى حول ما أثير من قضايا في كتاب شومسكي مظاهر النظرية التركيبية سنة‬
‫(‪.)1965‬‬
‫يمثل لنظرية المعيار بعمل شومسكي الصادر سنة (‪ )1965‬مظاهر النظرية التركيبية‪،‬‬
‫وضع شومسكي في هذا العمل األسس النظرية والمنهجية لنظرية النحو التوليدي‪ ،‬ومن‬
‫أهم هذه األسس‪:‬‬
‫• وضع نماذج للتحليل اللساني ذات طبيعة صورية يكون هدفها توليد الجمل النحوية‬
‫وال شيء غير الجمل النحوية‪.‬‬
‫• تحديد اللغة بوصفها نحوا صوريا توليديا؛ أي نسقا من القواعد‪ .‬يتكون هذا النسق من‬
‫مجموعتين من القواعد‪:‬‬
‫‪-‬القواعد المركبية‪ :‬وهي قواعد إعادة الكتابة التي تنتج البنيات العميقة‪.‬‬
‫‪-‬القواعد التحويلية‪ :‬التي تحول البنيات العميقة إلى بنيات سطحية‪.‬‬
‫• استقاللية المكون التركيبي عن الداللة وعن غيرها من المكونات المعرفية األخرى‬
‫الفاعلة في استعمال اللغة وتداولها‪.‬‬
‫• اعتبار القدرة اللغوية عند األفراد جزءا من الملكة المعرفية العامة‪.‬‬

‫أما بالنسبة لإلضافات والتطورات التي أحدثها النموذج الموسع فيكمن إجماله في النقاط‬
‫التالية‪:‬‬
‫• اإلبقاء على مبدأ مركزية التركيب واستقالليته في التوليد‪.‬‬
‫• رفض الطروحات األساس للداللة التوليدية المتمثلة في‪:‬‬
‫• القول بأن التمثيالت العميقة للتركيب تمثيالت منطقية وداللية‪.‬‬
‫وجود روابط متينة بين التركيب والداللة‪.‬‬ ‫•‬
‫إسهام التمثيالت السطحية في التأويل الداللي للجمل بعد أن كان التأويل الداللي‬ ‫•‬
‫للجمل في النموذج المعيار منحص ار في البنية العميقة‪.‬‬
‫وضع افتراض عام يتعلق بطبيعة البنية الداخلية لمكونات الجملة الكبرى (المركب‬ ‫•‬
‫االسمي‪ ،‬والمركب الفعلي‪ ،‬والمركب الوصفي) وهو االفتراض المعروف بنظرية س‬
‫خط‪.‬‬
‫ضبط اآلليات المتعلقة بأجزاء التحويالت‪ ،‬مثل مبدأ السلكية‪ ،‬ووضع القيود أو الشروط‬ ‫•‬
‫على قواعد التحويالت وتقليص عددها ونوعها‪ ،‬ودورها في التوليد‪.‬‬
‫مقاربة المبادئ والوسائط‬
‫عرفت بداية الثمانينات ظهور مقاربة المبادئ والوسائط‪ ،‬وقد كانت هذه المقاربة محاولة‬
‫متقدمة جدا لإلجابة عن أسئلة قديمة أعيدت صياغتها صياغة جديدة‪ ،‬نقدم أهمها كاآلتي‪:‬‬
‫ما هو نظام المعرفة اللغوية؟ أي ماذا يعرف المتكلم عندما يتكلم لغة خاصة؟‬
‫كيف تنشأ المعرفة اللغوية في ذهن أو دماغ المتكلم؟ أي كيف يكتسب الطفل اللغة؟‬
‫تهتم بالجواب عن السؤال األول نظرية اللغة؛ أي النحو الخاص‪ ،‬الذي يقوم بوصف‬
‫مكونات اللغة الخاصة التي يعرفها المتكلم‪ .‬ويرتبط السؤال الثاني بالمشكل الفلسفي‬
‫المعروف بمشكل أفالطون الذي صاغه راسل كاآلتي‪ :‬كيف يمكن ألفراد النوع البشري أن‬
‫يعرفوا ما يعرفونه على الرغم من قصر تجربتهم مع الكون ومحدوديتها؟ ويمكننا أن نعيد‬
‫صياغة السؤال في مجال اللغة‪ ،‬كاآلتي‪ :‬كيف يصل الطفل في ظرف وجيز وداخل عشيرة‬
‫لغوية غير متجانسة وناقصة إلى اكتساب نسق معرفي كامل ومعقد؟‬
‫الجواب عن هذا السؤال تقدمه نظرية النحو الكلي‪ ،‬واالفتراض العام في هذه النظرية أن‬
‫الطفل مزود بمكلة لغوية فطرية يحددها استعداده األحيائي ال التجربة‪ ،‬وتسمى هذه‬
‫المعرفة بالحالة الذهنية األولى‪ ،‬وتتكون هذه الحالة‪ ،‬التي يمثلها النحو الكلي‪ ،‬من مجموعة‬
‫من المبادئ العامة التي تحكم جميع اللغات الطبيعية‪ ،‬ويرجع االختالف اللغوي إلى‬
‫مجموعة محدودة من الوسائط العامة ذات قيم غير موسومة‪ ،‬تقوم اللغة بوسم سمة من‬
‫سماتها وفقا لمعطياتها اللغوية الخاصة بها‪.‬‬

‫كما أعادت مقاربة المبادئ والوسائط تحديد مفهوم اللغة‪ ،‬فقامت بنقل بؤرة االهتمام من‬
‫اللغة الخارجية إلى االهتمام باللغة الداخلية‪ ،‬أي االنتقال من دراسة السلوك اللغوي وما‬
‫ينتج عنه إلى دراسة أنظمة التمثيل الذهني‪.‬‬
‫مرحلة البرنامج األدنوي‬
‫يعد البرنامج األدنوي من أكثر النماذج تقدما في تاريخ اللسانيات‪ ،‬بدأت هذه المرحلة مع بداية‬
‫التسعينات (‪ .)1995 ،1993‬ويندرج البرنامج األدنوي في إطار عام للمقاربة العلمية الهادفة لتفسير‬
‫عام للظواهر المدروسة بأبسط السبل باعتماد استنتاجات صورية قائمة على عدد محدود من‬
‫الفرضيات القادرة على تغطية أكبر قدر من المعطيات والوقائع‪ .‬ولتحقيق هذه الغاية يتميز البرنامج‬
‫األدنوي بسمات البساطة والتقليص واالقتصاد‪.‬‬
‫والبرنامج األدنوي محاولة لتبسيط النظرية إلى أبعد حد‪ ،‬سواء في مستوى الصياغة الصورية‪ ،‬أو في‬
‫عدد مستويات التمثيل اللساني‪ ،‬ويلعب مبدأ االقتصاد دو ار في صياغة القواعد وعددها ونوعيتها‪ ،‬وفي‬
‫تشكيل الهيكل العام للنظرية‪ ،‬مما يعني ضرورة وجود عدد ضئيل‪ -‬حد أدنى‪ -‬من عمليات االشتقاق‬
‫والتمثيالت‪ .‬ويشكل البرنامج النموذج المقترح تحوال نظريا ال مثيل له في تاريخ النظرية التوليدية‪ ،‬فقد‬
‫اقترح مفاهيم جديدة لم تكن واردة في النماذج التوليدية السابقة كما أنه اتسم بالتخلي عن جل المفاهيم‬
‫التوليدية والتصورات اللسانية التي كانت متبعة في السابق‪.‬‬
‫شكرا‬

You might also like