Professional Documents
Culture Documents
27
الخطاب :العدد 14 مقدمة في اللسانيات المعرفية
ومن الغريب أنّنا ال نحتفظ من بين العلوم المعرفية إالّ باللسانيات .في الحقيقة ،تتّخذ
جميع التّخصصات اللّغة هدفًا لها ،ومن هذه التّخصصات نجد :علم النّفس المعرفي ،علم
أن اللسانيات هي النفس األعصاب ،علم االجتماع ،فلسفة اللّغة ،إالّ أنّه من المالحظ ّ
التّخصص الذي يتّخذ اللّغة هدفا خاصا مضبوطا من خالل تع ّدد اللّغات ،وبالتالي تع ّد
اللسانيات علم اللّغة الوحيد ،ومن هذا المنطلق يمكن أن نجد نقاطا لالتّصال بالتخصّصات
صصات المشاركة في البحث المعرفي. األخرى المعالجة للّغة ،وبالخصوص تلك التخ ّ
ّ ّ
أن الهدف الحقيقي للسانيات مشكل بوساطة اللغات ،واللسانيات هي ويمكن أن نعتبر ّ
ا لتي تعالج اختالفها(اختالف الوضعية الوصفية ،اختالف الوضعية التاريخية) ،ومن هذا
المنظور تكون اللّغة تجريدا دون أيّة قيمة تفسيرية في حالة التصنيف ،أو بكلّ بساطة تسمية
أنمالئمة لتعيين مجموع الكفاءات (كمفهوم الفونيم ،مفهوم االسناد ،)...،وبهذا التّصوّ ر يبدو ّ
إن تع ّدداللسانيات ال عالقة لها بالتّخصصات األخرى المعالجة للغة من جوانب أخرىّ .
اللغات يبدو ظاهرة غير أساسية ،والنّظريات اللسانية التي يحال إليها عادةً في هذا االتجاه
ّ
هي النّحو العام ونحو تشومسكي ،N.Chomskوشومان ،Chaumjanأو نحو مونتاق
فإن اللسانيات العالمية أو الشمولية Universelleتختلف عن ،)Montagueومن ث ّمة ّ
اللسانيات العا ّمة ،وبعيدة عن التّكامل ،تتقابل حينا وتتعارض حينا آخر .وبالتالي من األهمية
بمكان أن نطرح هذا السؤال :هل هناك علم معرفي؟
يحيل التّعرض لما يدعى بالعلم المعرفي إلى االستعمال أو التوظيف األمريكي لهذا
المصطلح من خالل مجلة Cognitive scienceأو ما وظّفه جاردنر Gardner 1في
The Mind’s New Science 5891أو هذا التعريف الذي نجده عند لومواني Le Moigne
صص مح ّدد(منذ )5811بصفة مستقلّة عن طريق عن العلم المعرفي يقول فيه ":هو تخ ّ
ّ
هدفه-دراسة العمليات المعرفية بشكل عام ،الطبيعية واالصطناعية-وعن طريق نمط تشكله:
التفاعل المنظَّم والمنظِّم لعدد من التّخصصات التي لها عالقة بالعمليات المعرفية :علوم
االحتساب واإلعالم ،المنطق ،اللسانيات ،اللسانيات النفسية ،علم النّفس المعرفي ،علم النفس
األعصاب ،علم النّفس االجتماعي ،األنتربولوجية االجتماعية ،االبستمولوجية.
فاإلدراك/المعرفة وفعل التعرّف /اإلدراك يتح ّدد انطالقا من مجموع العمليات المعرفية
الطبيعية واالصطناعية" 2وهذا بالعودة سواء إلى ال ّذهن البشري أو إلى العمليات الحسابية
اآللية.
-اللّغة والفكر:
أن اللغة تميّز الفكر البشري ،فماذا تق ّدم لنا عن هذا الفكر ؟ ،وبطريقة معكوسة:
بما ّ
كيف يتواجد العمل ال ّذهني في اللغة؟ هذه هي إشكالية اللسانيات المعرفية ،يقول بوفيريس
":Bouveresseيتعلّق األمر بتفسير األعمال اللسانية انطالقًا من الحالت االفتراضية لنموذج
ذهني حيث يُفترض تواجدها سببيا" ،3إذا كانت اللسانيات"بالمعنى الذي وضعه سوسور"
فإن على هذه اللسانيات إضافة تفكير حول ترتكز على العالقات بين ال ّشكل والمعنىّ ،
الدالالت اللسانية في عالقتها بالمفاهيم ،وبذلك يُطرح السؤال حول العالقات الكائنة بين اللغة
والفكر ،يقول الزارد ّ ":Lazard
إن الفكر اإلدراكي مرتبط دائما باللغة" ،وهي المسألة التي
عالجتها الفلسفة منذ زمن بعيد وهي مح ّل تط ّورات جديدة في إطار العلوم المعرفية .لقد
28
الخطاب :العدد 14 مقدمة في اللسانيات المعرفية
إن اللغة ليست حدثت موافقة نسبية بين عدد من الباحثين من تخصّ صات مختلفة تقول ّ
أن اللغة تتك ّون من شكل فكري بضرورية للفكر :الفكر دون لغة شيء ممكن ،ولكن يبدو ّ
خاص باإلنسان ،فاللغة هي التي تش ّغل نوعا خاصا من العمليات.
وماذا تقول اللسانيات المعرفية عن طبيعة هذه العالقات؟ بالنسبة للنّحو العامّ ،
فإن
مميّزات الوحدات اللسانية سوف تفسّر بالخصائص المنطقية لعوامل هذا الفكر التي يمثّلها
رمزيا ،وهذا يعود إلى اعتبار اللغة جهازا حسابيا بسيطا للربط التركيبي بين "الصيغة
المنطقية" و"الصيغة الصوتية" ،حيث تضمن كلّ من الصيغتين الح ّد المشترك مع إحدى
الوحدات الخارجية أي الوحدة اإلدراكية المعرفية ،أو الوحدة الصوتية .وباعتبارها انعكاسا
للمفهوم العالمي المدرك على أنّه يدخل في إطار ال ّذهن البشريّ ،
فإن الدالالت اللسانية ال
ي دور معرفي مميّز. تلعب أ ّ
فإن اللغة تفتح شرخا على المعرفة (وهذا أ ّما بالنسبة ألصحاب النّحو المعرفيّ ،
بمفهوم راستييه ، Rastier 4والمكرّ ر من قبل جاكندوف ،) Jackendoffوذلك في حدود ما
فإن اللغة تصنف بعض ش ّكلت البنى الداللية للغات بذاتها تمفصالت نشيطة .وبالتحديدّ ،
الواجهات في تشكيل المتص ّورات المجردة الموظّفة من طرف الفكر اللساني السابق ،وتنظمّ
بطريقة متغيّرة .إ ًذا تكمن خصوصية اللساني في "عمليات" التصنيف وتشكيل المحتوى
المفهومي ،فمثلما يقول لونقاكر Langackerنقال عن ديسليّ : Deslés 5
"إن أخذ الداللة
على أنّها ظاهرة معرفية ينبغي أن تحلّل على أنّها كذلك".
وفي محاولة ربط اللساني بال ّذهني ،اقترحت طريقتان مختلفتان في اللسانيات
المعرفية ،يصفها راستييه Rastierبالطرائق التمثّلية(طريقة تشومسكي في إطار النموذج
المعرفي) ،والطرائق اإلجرائية (طريقة علم الداللة اإلجرائي لل ّذكاء الصناعي ،ث ّم طريقة
أن مفهوم التمثّل بعيد عن صفة االشتراك .صحيح قد انتقد مفهوم األنحاء المعرفية) .نالحظ ّ
التّمثّل من قبل معارضي النموذج المعرفي الذين يرفضون فكرة النسخ الثابت للبنى المنطقية
اإلدراكية المبنية مسبقا والمضافة إلى "المعلومات" اآلتية من الخارج ،ولكن يمكن أن تفهم
في المنظور البنائي حيث تُدرك اللغة باعتبارها نشاطا بنائيا للتمثّالت الداللية ،وبالتالي لن
يتعارض التمثّل مع اإلجراء.
إن اللسانيات التي تدعى بالمعرفية ،والتي تتح ّدد بمقاربة اللغات وهنا يمكن القول ّ
الطبيعية باعتبارها ظواهر عقلية ليست بمتواطئة مع التغيّرات الكبرى المختلفة أساسا في
6
عالقتها مع المعرفة.
& Lakoff 7 ّ
التغيّر األول :الذي يمثله الباحثون مثل الكوف وجونسون
،5891Johnsonولونقاكر ،5891 ،5881 Langacker 8وتالمي ،0111 Talmy 9ينتمي
إلى التقليد الوظيفي الذي يهتم خصيصا بالتنظيم المفهومي للمعرفة اللسانية ،وموضوعاتها
تتل ّخص في :االستعارات المفهومية ،واالنفعاالت ،والكتابة ،واللغة باعتبارها رمزا للثقاقة،
والفكر ....ويبدو في خض ّم هذا التغيّر وجود ميدانين من البحث :ميدان الصوت(المتعلق
بالفاصل المفهومي بين التركيب وعلم الداللة) ،وميدان التداولية المرتبط باستعمال اللغة.
التغيّر الثاني :يشمل النزعة اللغوية التوليدية ويمثّلها تشومسكي ،5891 Chomsky
،5881 ،5811وبولوك ،5881 Pollokويهتم خصيصا بالتنظيم الصيغي للغة ،وبتبسيط
29
الخطاب :العدد 14 مقدمة في اللسانيات المعرفية
ي بالجهاز العام الذي يسمح بإنتاج أن معرفة اللغة مرتبطة بمعرفة النّحو أ ّ أكثر يمكن القول ّ
عدد غير متناه من الملفوظات انطالقا من عدد محصور من العناصر.
ومن بين النّقاط األساسية لالختالف بين التوجّهين اللسانيين نجد مشكلة الوحداتية،
فيمكن وضع اللسانيات الثانية في نطاق النوع الوحداتي ،في حين اللسانيات المعرفية األولى
ليست كذلك .وبالنسبة للساني وعلماء النّفس الذين يؤيدون المفهوم الوحداتي والذين
يتصوّ رون ال ّدماغ على منوال الحاسوب (باعتباره وحدة للمعالجة التسلسلية للرّموز) يدركون
اللّغة وحدة مش ّكلة بذاتها من وحدات فرعية ،ويقال عنها أنّها مضغوطة من المنظور
اإلعالمي بإزاء جهاز ترجمة معلومات مركزية ،وهذا يعني أنّها تشتغل كعلب سوداء مفتوحة
للمعلومة ال ّداخلة ،ومنغلقة على المعلومات التي يمكن أن تأتيها من أجزاء النّظام األخرى.
وهذا يرجعنا مرّة أخرى إلى موقف اللسانيات من العمليات ال ّذهنية بتحديد دور اللغة في
االشتغال ال ّذهني .بالنسبة للعلوم المعرفية التي تدرس اشتغال ال ّذهن وال ّدماغ ،تش ّكل اللغة
أن الجنس البشري هو المالك الوحيد لمثل هذه وسيلة البحث من الدرجة األولى :علما ّ
صصات المرتبطة بدراسة المعرفة المهت ّمة "الكفاءة العالية" المعقّدة .نجد الكثير من التّخ ّ
باللغة مثل علم النّفس ،الفلسفة ،علوم األعصاب ،األنتربولوجية ...،وكلّ مختصّ في هذه
العلوم يحاول إبراز مكانة الكفاءة اللغوية في المعرفة الطبيعية والصناعية ودراسة اشتغالها.
بينما تع ّد المقاربة اللسانية للغة أساسية أو أكثر خصوصية من تلك التّخصصات
المذكورة سلفا .إنّها أكثر مركزية ألنّها تقتحم هذه الوسيلة انطالقا من دراسة بنية اللغات،
فإن "اللسانيات هي علم اللغة المدرك من خالل تع ّدد اللغات وحسب تحديد كالسيكي ّ
الطبيعية".
إن هدف مختصي اللغات فيما يتعلّق بالمسائل المعرفية ليس بحديث العهد ،وال يمكن ّ
تجاهل النظريات اللسانية الكبرى الموجودة منذ أكثر من قرن ،وأعمال النّحويين ،والبالغيين
والمناطقة منذ القديم ،وما لعبته هذه األعمال من دور في تغذية التفكير حول العالقات بين
فإن اإلشكالية العامة المنتشرة نسبيااللغات والفكر واالستدالل والفعل...إلخ .ومن أجل هذاّ ،
ال تلتبس بما يدعى باللسانيات المعرفية .وهذا ما يفضي إلى اإلحالة إلى اللسانيات العا ّمة التي
يكمن هدفها في دراسة اللغات متّجهة من األصوات إلى المعاني(من الداالت إلى المدلوالت)،
أن النّظريات اللسانية الواصفة للظاهرة والبحث عن التّغيرات الموجودة بين اللغات .على ّ
اللغوية قد تش ّكلت انطالقا من بداية القرن العشرين ،حيث بحثت بعضها في تكوين نماذج
لمجموع اللّغات ،واألكثر إجرائية ما نجده في النّحو الصوري ،في حين قام بعضها اآلخر
بمقارنة اللّغات بهدف استخالص المواقع المشتركة ،ومن ث ّمة رصد التّغيّرات المالحظة من
لغة إلى أخرى ،وهو ما نجده في مقاربات ك ّل من كومري Comrieوالزارد Lazard
وسالير . Seiller
وتحت تسمية اللسانيات المعرفية ،يحدث توافق على اإللمام بمجموع التيارات التي
تتقاسم هدفا مشتركا وهو اقتراح نظريات لغوية ال تكون عا ّمة وإجرائية فقط ،ولكن تكون
للذهن أو البنيةقابلة أيضا للتمفصل بطريقة صريحة مع النماذج العا ّمة للبنية الوظيفية ّ
العصبية لل ّدماغ .في هذا المنظور ،يكون نظام قواعد اللغة هو موضوع الدراسة بالنسبة
للساني باعتبار أنّه يش ّكل مكوّنا لل ّذهن البشري ،وله بطريقة أو بأخرى حضور فزيائي في
ال ّدماغ :تدعى هذه المقاربة بالمقاربة الطبيعية.
30
الخطاب :العدد 14 مقدمة في اللسانيات المعرفية
إن اللسانيات المعرفية ال يمكنها الذوبان في علم النّفس أو علم األعصاب أو اإلعالم ّ
اآللي ،يكمن الرّهان في إثبات خصوصية موضوعها (اللغة من خالل اللغات) ،واالحتفاظ
بالتّحكم في المفاهيم وفي المناهج ،وذلك بمراعاة تم ّكن هذه المفاهيم والمناهج من التمفصل
صصات المرتبطة بها .إ ًذا تقترح اللسانيات المعرفية داخل نظام اللغة مع ما يقابها في التّخ ّ
ّ ّ
ذاته وانطالقا من دراسة التنظيم البنوي وال ّدال لهذا النظام ضبط العالقات بين اللغة والذهن
وال ّدماغ.
ّ ّ
من هذا الجانب ،فإن اللسانيات المعرفية ال تدحض في التقسيم الكالسيكي لألدوار بين
ألن توزيع المهام يعود إلى بدايةصصات األخرى وباألحرى علم النّفسّ . اللسانيات والتّخ ّ
ّ ّ
القرن العشرين عندما فرضت اللسانيات نفسها كتخصص مستقل متميّز عن علم النفس:
بالنسبة لسوسور يدرس اللساني "اللغة" مستقلّة عن ال ّذوات وظروف الكالم الفردي .في
فإن موضوع دراسة مقاربة تشومسكي أين عُرفت اللسانيات بكونها فرعا من علم النّفسّ ،
اللساني (القدرة بآلية عا ّمة مشاركة في التكوين البيولوجي للجنس البشري) ليس بأقل تميّزا
عن موضوع دراسة النفساني(االنجاز) ،وعلى أساس التمييز من هذا النوع بالتحديد تطوّ ر ما
صصات الفرعية. يسمى بالتخ ّ
الفلسفة
األتثربولوجية
الذكاء الصناعي
علوم األعصاب
-تشير الخطوط المتواصلة إال العالقات القويّة بين التخصّ صات.
ّ
المتقطعة إلى العالقات الضعيفة بين التّخصّ صات. -تشير الخطوط
ّ ُ ّ
إن العالقات القويّة أو الضعيفة بين التخصصات تح ّددها ظاهرة التأثير والتأثر بينها،
ّ
إذ قد يسع علم النّفس أن يتأثّر ويؤثّر في اللسانيات ،في حين تبقى الصلة بين الفلسفة ّ
والذكاء
31
الخطاب :العدد 14 مقدمة في اللسانيات المعرفية
الصناعي بحاجة إلى أكثر تحليل ألنّها تخضع لمجالين معرفيين مختلفين .....وهكذا مع
التّخصصات األخرى.
ّ
وإذا كان هذا الشكل المعرفي المتجانس يطرح المشاكل أكثر م ّما يحلها ،نجد جاردنر
Gardnerمن المعلّقين على هذا المخطّط مل ّخصا رأيًا منتش ًرا في أوساط الباحثين ،فهو الذي
يقول" :ما يجعل هذا الحقل موجودا هو الهدف المشترك للبحث :الكشف عن القدرات التمثّلية
واالحتسابية للفكر وتمثّالتها البنائية والوظيفية في ال ّدماغ" ،11بينما نجد لومواني Le 12
Moigneيق ّدم وجهًا آخر لهذا ال ّشكل أكثر تفصيال وأكثر اختالفا ،ويوضّ حه بهذه الصورة:
االبستمولوجية
علوم االحتساب
العلوم االجتماعية(التواصل، ّ
والذكاء الصناعي
واألنتربولوجية،
االقتصاد)....،
علوم األعصاب
( -أ) العالقة بين علوم االحتساب وعلوم األعصاب تمثّل السبرنيتية Cybernetique
( -ب) العالقة بين اللسانيات وعلوم األعصاب تمثّل اللسانيات العصبية
Neurolinguistique
( -ج) العالقة بين علم النّفس وعلوم األعصاب تمثّل علم النّفس العصبي
Neuropsycologie
( -د) العالقة بين علوم االحتساب واللسانيات تمثّل اللسانيات االحتسابية
Linguistique computationnele
( -ه) العالقة بين اللسانيات وعلم النّفس تمثّل اللسانيات النّفسية.
Psycolinguistique
والمالحظ في هذا ال ّشكل:
32
الخطاب :العدد 14 مقدمة في اللسانيات المعرفية
استبدلت اإلبستمولوجية الفلسفة ،وموقعها العلمي غير مح ّدد بدقّة ،فهي تتموقع في
مستوى آخر مقارنة بالتّخصصات األخرى.
ّ
اللسانيات االجتماعية (الغائبة هنا) مرتبطة باللسانيات ،واللسانيات النفسية مرتبطة
بعلم النّفس.
ّ ُ
لم تعد اللسانيات تع ّد من العلوم االجتماعية ،ويبدو في هذا التجاهل خطورة
واضحة.
صصات أخرى باقتران العلوم فيما بينها ،وهو ما يب ّرر الفكرة المعالجة نشوء تخ ّ
سلفا ،إذ كلّما كانت العالقات قويّة كلّما سمحت بخلق علوم تلتزم بتناول القضايا التي لم يقدر
صص واحد ،وبالتالي إثارة إشكاالت أخرى تُط ّور دراسة اللغة البشرية وفهمها. عليها تخ ّ
كما نجد أيضا من بلور فكرة الظاهرة اإلدراكية أو المعرفية بهذا المخطط الشامل
13
وهو ألبير دي كريستو Albert, Di cristoالذي بيّن بوضوح موقع اللسانيات المعرفية من
حيث تقاسمها مجاالت البحث مع اللسانيات العصبية واللسانيات النّفسية ،وما يدخل ضمنها
من مباحث صوتية ،وتركيبية وداللية وتداولية.
اإلدراك التعلم
علم علوم
النفس اللسانيات األعصاب
اللسانيات
المعرفي ا العصبية المعرفية
النفسية
ا
األصوات ،التركيب ،الداللة،
التداولية
اللسانيات الذاكرة
المعرفية
اللغة
االستدالل
33
الخطاب :العدد 14 مقدمة في اللسانيات المعرفية
(فكر -دماغ) (الممت ّدة في بعض األحيان إلى الثالثية [ ذهن-دماغ -آلة] في المنظور
الصناعي أو الظاهري) أو على مفهوم "المعرفة" في عالقة مع ايتمولوجية مصطلح
"اإلدراك" .لقد تع ّددت التّعريفات المق ّدمة لهذا المجال ،نجد منها:
"إن هدف العلوم المعرفية هو الوصف والتفسير، ّ تعريف أندلر Andlerيقول فيه:
وعند اللّزوم تصنّف التنظيمات األساسية وقدرات الذهن البشري من حيث اللغة ،االستدالل،
ّ
اإلدراك ،الترابطات الحركية ،التخطيط.14"..... ،
أو تعريف هودي وآخرين " :Houdé et alفُرضت العلوم المعرفية اليوم باعتبارها
حقال جديدا للمعرفة الذي يحاول التوضيح عن طريق التجريد بالنمذجة واستعمال التقنيات"
سرّ ال ّذهن" في عالقتها بالمادة :ال ّذهن ،الجسد والحاسوب".15
ونجد تعريفا آخر من خالل Blackwell Dictionnary of cognitive Psychology
"إن مصطلح العلوم المعرفية يحيل إلى الدراسة متع ّددة لـ ّ .)5881( M.Eysenk et al
العلوم الكتساب المعرفة واستعمالها".
ث ّم لدينا تعريف فاريال " :Varelaأل ّول مرّة ،يعترف العلم ( )...بشرعيته في
استكشاف المعرفة في ذاتها وعلى ك ّل المستويات ،وهذا بتجاوز الحدود التقليدية لعلم النّفس
ولالبستمولوجية التي احتضنتها لم ّدة طويلة".16
وفي التو ّجه نفسه يقول الزارد " :Lazardنعني بالعلوم المعرفية تلك العلوم التي
يكمن هدفها في المظاهر المختلفة للنّشاط الحسّي والّذهني التي يتع ّرف اإلنسان من خاللها
على العالم الذي يحيط به .نجعل في هذا اإلطار :علم النّفس ،ال ّذكاء الصناعي ،نظرية
التّواصل ،وفلسفة ال ّذهن.....،إلخ".17
كما أورد الزارد Lazardرأيه في اللسانيات المعرفية" :ندمج عادة اللسانيات ،وهو
أن الفكر اإلدراكي مرتبط باللّغة .وفي المقابل إذا كنّا واعيين أمر وارد إذا اعتقدنا ّ
بخصوصية الظواهر اللغوية ،فإنّنا ننظر إليها كعلم مقرون ولكن متميّز .وفي كلتا الحالتين
إن أيّة لسانيات تعتبر معرفية ،وفي يبقى مفهوم اللسانيات المعرفية غامضا .في الحالة األولى ّ
الحالة الثانية ال يوجد أيّة لسانيات معرفية".
إن السؤال المطروح من قبل الزارد Lazardهو كالتالي" :هل للسانيات المعرفية من ّ
إن تسمية اللسانيات المعرفية تع ّد اعترافا وذلك انطالقا من معنى وهل هي مب ّررة نظريا؟ ّ
مطالبة تيارات متع ّددة بذلك بطريقة أو بأخرى" ،اليوم ال يوجد لساني ال يتملّق من تطبيق
لسانيات أو اللسانيات المعرفية ،فالجانب المعرفي أصبح من صميم الموضة .18يُذ ّكر
بأن اللسانيات المعرفية ليست بتيار موحّ د ،ولكنها استعمال الرابطة "أو" في هذه المقولة ّ
فإن شروط بروز وتطوّ ر ما تشمل ع ّدة تيارات متضاربة .وبمفهوم كاترين فوك (ّ ،)0111
ينطوي عادةً تحت مصطلح " اللسانيات المعرفية" يسمح بإثارة هذا التنوّع.
هل ك ّل لسانيات هي لسانيات معرفية؟
باستثناء النّظريات المؤسسة على البيهافيورية التي ترفض ك ّل ظواهر المعنى من
أن ك ّل النّظريات الجديرة بهذه التسمية هي التي كان هدفها مجال دراستها ،يمكن القول ّ
دراسة العالقات بين الشكل والمعنى ،وإن كان هذا الهدف يستحق صفة "المعرفي"ّ ،
فإن أيّة
"إن مقاربة(العلوم المعرفية) عن نظرية لسانية هي نظرية معرفية ،يقول أندلر ّ :Andler
طريق الهدف واإلجراء ال تق ّدم إالّ مجموع برامج بحث منبثقة من تخصّ صات متع ّددة،
34
الخطاب :العدد 14 مقدمة في اللسانيات المعرفية
صصات ،وما الذي يبادر بالخطوة العلمية؟ ونتساءل ما ال ّدور الذي يمكن أن تلعبه هذه التّخ ّ
سوف يكون هناك حذف لع ّدة أشياء ( )...وما هو غير متوقّع هو وجوب رفض األعمال
صصات التي تش ّكل ما يدعى بـ"الكوكبة المعرفية"-اللسانيات ،علم النّفس، المنبثقة من التّخ ّ
األنثربولوجية ،علوم األعصاب ،ال ّذكاء الصناعي ،المنطق ،والفلسفة . "-وهي أعمال ال
19
تعارض ال في أساسها وال في منهجيتها ،ولكن ليس لها عالقة متميّزة مع اإلشكالية المعرفية،
فهي تتطوّ ر خارجها ،وليس من مهامها تقديم الوسائل.
اللسانيات التي يقال عنها أنّها لسانيات معرفية:
نشأ في الواليات المتّحدة التياران األساسيان الذان يستندان إلى "اللسانيات المعرفية"
.من جانب نجد النّحو العام الذي يدخل في إطار النموذج الكالسيكي للنزعة المعرفية
" ،"cognitivismeومن جانب آخر نجد النّحو المعرفي الذي يستند إلى نموذج آخر يوصف
فإن هاتين النّزعتينأحيانا بالبنائي وهي النزعة البنائية " ."constructivismeوم ّما يبدو ّ
تحيالن إلى ما يدخل في إطار البنية اللغوية ،وما يدخل في إطار الجانب المعرفي الذي
يتجاوز البنية ذاتها.
م ّما ذكرنا سلفا ،يمكننا االحتفاظ بالنقاط التالية :نشأت اللسانيات المعرفية في الواليات
المتّحدة األمريكية ،وأ ّدى هذا المنعرج النّظري في حالة النّحو المعرفي إلى إعادة النّظر في
الفرضيات النّحوية باستثناء التيار ما بعد الوظيفي Néo-fonctionnalisteالذي يش ّكل حالة
صا من قبل عدد من الباحثين األروبيين ،ومن خالل ذلك نفهم صة تستحق تط ّورا خا ّ خا ّ
اإلثبات المفاجئ لالزارد Lazardالذي يعتبر أن تسمية "اللسانيات المعرفية" باعتبارها
عبارة مصطنعة ال تحتفظ بمعناها خارج الواليات المتّحدة ،وفي كلّ األحوال عند كلّ من لم
يتعرّ ض لسلطة النزعة التوليدية التحويلية.
نعود اآلن إلى السؤال المركزي المطروح من قبل الزارد ،والذي يمسّ شروط وجود
اللسانيات المعرفية .بالنسبة لهذا الباحث ،إذا أرادت أيّة نظرية لسانية في أن تكون معرفية،
فإنّها ستواجه بالضرورة معضلة كبيرة ،إ ّما أنّها تعود إلى التّصور التقليدي للغة باعتبارها
نظا ًما من العالمات بحثا في عالقة الشكل بالمعنى ،وفي هذه الحالة لن يتعلّق األمر إالّ
إن الصفة كبيرة: باللسانيات (بالمفهوم التقليدي للمصطلح) ،وبهذا يقول الزارد ّ ":Lazard
صصها اللسانيات المعرفية هي اللسانيات العا ّمة وفقط" ،20أو أنّها تخرج عن ميدان تخ ّ
محاولة إيجاد معلّالت خارجية للظواهر اللسانية الموصوفة أو استنتاج خصوصيات عا ّمة
للذهن البشري إنطالقًا من المالحظات ،وفي هذه الحالة لن يتعلّق األمر باللسانيات ّ
ألن هذا ّ
النمط يحتمل خطرا ،وهو انحالل اللسانيات في الجانب المعرفي ،وبطريقة أخرى هو تجاهل
خصوصيتها". 21
-تشومسكي والمعرفية:
يعود التأريخ الرسمي للتيار المعرفي إلى سنة ،5819إذ جمعت محاضرات لنعوم
تشومسكي (N. Chomskyاللساني) ،وهربرت سيمون ( Herbert Simonعالم النّفس)،
ومارفين منسكي ( M.Minskyمختّص في ال ّذكاء الصناعي) .تهدف هذه المؤسسة المتع ّددة
العلوم إلى تحديد عمل ال ّذهن من خالل الملكات التي يط ّورها وبالخصوص ملكة اللّغةّ .22
إن
الفرضية في األساس تتمثّل في إمكانية تحديد المعرفة اإلنسانية بطريقة اآللة بمصطلح
35
الخطاب :العدد 14 مقدمة في اللسانيات المعرفية
الحسابات المطابقة لمعالجة مختلف أنواع المعلومات التي يستقبلها اإلنسان ،وهكذا وجدت
اللسانيات الصورية مكانة مه ّمة في المؤسسة العا ّمة للعلوم المعرفية.
ّ
والنموذج الكالسيكي الذي يترأس هذه المؤسسة يدعى بـ"اإلحصاء التمثلي الرّمزي"
وهو مؤسس على فكرة الحسابات على الرموز .عرفت هذه الرموز بحقيقتها الفزيائية أي
فإن هذه ال ّرموز تدخل في إطار ال ّدماغ العصبية البيولوجية والداللية ،وبطريقة أو بأخرى ّ
وتمثّل العالم ،أ ّما النّشاط اللغوي فيقوم بمعالجة المعلومات باستخدام القواعد التركيبية للتعامل
الرّمزي ،وفي هذا إحالة غير مباشرة إلى النزعة البنائية والنزعة المعرفية.
إن التو ّجه المعرفي يتأسس في نهاية الخمسينيات على فكرة "الّذهن اآللي" الذي ّ
ّ ّ
يتقاسمه كل من علم النفس المعرفي ،والفلسفة المعرفية والذكاء الصناعي ،أ ّما التناظر فلم ّ
يستغل إالّ مع نهاية سنة 5891في إطار التقارب مع علوم األعصاب .وبتبنّي هذا النموذج
الكالسيكي ،ش ّكلت نظرية تشومسكي عددا من الخيارات النّظرية والمنهجية ،وباختصار فهي
أن الملكة خطوة افتراضية-استنتاجية( ،منظور وحداتي على طريقة فودور )Fodorتقول ّ
اللغوية فطرية ،وترتكز على القدرات الخاصّة منفصلة عن الجانب المعرفي العام ،وإدراك
اللغة باعتبارها وسيلة للتعبير عن الفكر يسمح بنقل المعلومة الخاصّ ة بالعالم ،والعودة إال
التنميطات Modélisationsمن النّوع المنطقي الحسابي .وربّما هو انتقال من الجانب
الفطري المرتبط بالقدرات ال ّذهنية التي تسمح باكتساب اللّغة إلى الجانب المعرفي الذي
يفرض على اإلنسان االندماج في المجتمع ،وبالتالي إحداث نوع من اإلتمام والتّكامل حتّى يت ّم
التّع ّرف على العالم بفضل الحواس وبفضل المكتسبات األخرى :االجتماعية ،والتّعلّمية،
والثّقافية ،والتربوية.
المنظور المعرفي االحتسابي لتشومسكي
تتمثّل الفرضية المؤسّسة للمشروع الذي جمع كالّ من نعوم تشومسكي Chomsky
،N.وهربرت سيمون ،Herbert Simonومارفين منسكي M.Minskyفي إمكانية تحديد
المعرفة اإلنسانية على طريقة اآللة بمصطلحات الحسابات المطابقة لمعالجة مختلف أنواع
المعلومات التي يستقبلها اإلنسان .يت ّم إدراك ال ّذهن في هذا المنظور باعتباره نظا ًما معقّدا
لمعالجة المعلومة ،مؤسسا على مجموع القواعد التي هي سبب في عدد غير محدود من
العمليات والحسابات ال ّذهنية ،ومن هنا ظهر مصطلح النّزعة ال ّذهنية في اللسانيات.
الذهنية التي نادى بها تشومسكي هي في منطلق هذا التّح ّول الجذري إن الفلسفة ّ ّ
للسانيات التي كانت تهيمن عليها النزعة البيهافيورية .لم يكن األمر بالنسبة لتشومسكي سهال
إلعادة النّظر في كيفية نشوء اللّغة ،فكان لزاما عليه العودة إلى النّظرية العقلية (ديكارت)
لتفسير الفكر ،وكذالك العودة إلى مدرسة بور روايال .وفي دراسته السابقة ،أشار تشومسكي
إلى ضرورة إدراك موضوع اللسانيات كحقيقة ذهنية بدل النّظر إليها كسلوك لساني قابل
للمالحظة .وفكرة تشومسكي حول قواعد التّحويل التي تنطلق من النّواة هي أساس مفهوم
اللسانيات االحتسابية وأساس الدراسات التي تستوحي من اللّغات الصورية لوضع ما يدعى
بالمعالجة اآللية للّغات.
والعودة إلى نظرية الوحدات ال ّذهنية يعيدنا إلى جيري فودور Jerry Fodorالتي تأثّر
أن ال ّذهن ال يعمل كوحدة كاملة ،واللغة ضمنه ليست بتشومسكي وبنظريته .أ ّكد جيري فودور ّ
إالّ وحدة ضمن الوحدات األخرى :السمعية ،التّذكرية ،اللّمسية ....واللّغة باعتبارها وحدة
36
الخطاب :العدد 14 مقدمة في اللسانيات المعرفية
تتك ّون من وحدات صغرى من أنواع مختلفة :صوتية ،صرفية ،مرفولوجية ،تركيبية....وما
نستنتجه من نظرية فودور هو:
-تميّز الوحدات بمظاهر آلية ،ال واعية ،سريعة ،متوازية ومستقلة بعضها عن
ّ
بعض ،وهذا في مقابل النّظام المركزي المتميّز بالوعي ،والبُطء والتّسلسل.
-عمل ال ّذهن لدى اإلنسان خاضع للتراتبية في معالجة المعلومات مهما كانت
طبيعتها ،واإلنسان يش ّغل ع ّدة أنظمة لدى استقبال المعلومة.
ّ
أشار فودور Jerry Fodorإلى ثالثة مكوّنات تشكل هذه األنظمة ،وما يميّزها هو
استقـــالل بعضهـــا عـــن بعـــض وهي :محـــ ّول اإلرســـال ،Transducteurوالنّظــــام
المحيطــي ،S. Périphériqueوالنّظام المركزي .S. Central
هناك مناطق في ال ّذهن تتكفّل بتوزيع المعلومة وفقا لمبدأ هذه المكوّنات:
-مح ّول اإلرسال يقوم أثناء استقبال الرّسالة بمعالجتها وترجمتها على شكل لغة ،أو
حركة ،أو صوت ...ففي هذه المرحلة يت ّم تحديد المعلومة وتصنيفها.
-النّظام المحيطي يقوم بمعالجة المعطيات المدركة من طرف أحد قنوات محوّ ل
اإلرسال بتوجيه المعطيات اللسانية في أنظمة لسانية ثانوية/فرعية.
أ ّما النّظام اللساني فهو نظام مميّز نظرا لطبيعته المعقّدة مقارنة باألنظمة األخرى،
أن المعطيات اللسانية تعالج بطريقة وضعية ،أي في مظهرها البنيوي والوضعي ال ذلك ّ
غير ،أ ّما المظهر التداولي والتّلفظي فهو من اختصاص النّظام المركزي.
يسمح النّظام المركزي بمقابلة المعطيات التي تصله عن طريق النّظام المحيطي وهو
ما يساعده على ترجمتها بشكل صحيح ،وبالتالي تمكين اإلنسان من فهم داللة ك ّل المعطيات
المتض ّمنة في الرّسالة.
فإن ال ّدماغ المركزي يوظّف عمليات استداللية مح ّددة وللتم ّكن من إنجاز هذه العمليةّ ،
تفرضها البُنى المنطقية والسياق المتش ّكل في ال ّذاكرة.
أن ترجمة المعطيات اللسانية هي من مهام النّظام وبهذا الطّرح ،يمكن القول ّ
المحيطي الّذي يمثّل وحدة مغلقة مح ّددة للبنية الوضعية للغة ،في حين يع ّد فهم اللّغة من مهام
النّظام المركزي ،ويمكن أن نمثّل ذلك بهذا ال ّشكل:
النّظام المحيطي النّظرية اللسانية البنيوية
النظام المركزي ّ النّظري اللسانية التّداولية والتفاعلية
وإذا أخذنا مثاال لجورج يول" :23هناك امرأة جالسة على مقعد في حديقة عامة
وأمامها كلب ضخم مستلق على األرض ،جاء رجل وجلس على المقعد إلى جانب المرأة
ال ّرجل :أيعض كلبُك؟
المرأة :كالّ.
(حاول الرّجل مداعبة الكلب ،عضّ الكلب ي ّد الرّجل)
أن كلبك ال ي ُعض.ت ،قلت ّ ال ّرجل :آخ أن ِ
المرأة :هذا صحيح ،ولكن هذا ليس كلبي".
الذهنية عند حدود النّظام من المالحظ أن الرّجل في هذا المثال توقّفت عملياته ّ
المحيطي ،إذ ترجم الجملة من حيث هي وضع أي اعتمد على السياق اللغوي دون غيره،
بينما لم تترجم الجملة في النّظام المركزي نظرا الفتقاد المعطيات التداولية التي تحيل إلى
37
الخطاب :العدد 14 مقدمة في اللسانيات المعرفية
عدم نجاح التّعاون بين الشخصين ،إذ لم يح ّدد الرّجل مقاصده بشكل جلي ،وإجابة المرأة لم
تكن إال مطابقة للسؤال المطروح نظرا لعدم توافر الشروط التواصلية التي تسمح بنجاح
العملية التداولية.
أن اللغة تميّز الفكر البشري ،وتفسر كيفية تواجد العمل نت ّوصل في األخير إلى ّ
ال ّذهني فيها .هذه هي إشكالية اللسانيات المعرفية ،فإذا كانت اللسانيات "بمصطلحها
فإن عليها إضافة تفكير حول الدالالت الصرف" ترتكز على العالقات بين ال ّشكل والمعنىّ ،
اللسا نية في عالقتها بالمفاهيم ،وبذلك يُطرح السؤال حول العالقات الكائنة بين اللغة والفكر،
وهي العالقة التي عالجتها الفلسفة منذ زمن بعيد وهي محلّ تطوّ رات جديدة في إطار العلوم
المعرفية .ولقد حدثت موافقة نسبية بين عدد من الباحثين من تخصّ صات مختلفة تقول ّ
إن
أن اللغة تتك ّون من شكلاللغة ليست بضرورية للفكر :الفكر دون لغة شيء ممكن ،ولكن يبدو ّ
فكري خاص باإلنسان ،فاللغة هي التي تش ّغل نوعا خاصا من العمليات ،وبذلك تتبوّ أ مكانةً
أساسية ضمن جميع العلوم اإلنسانية واالجتماعية والتجريبية.
الهوامش:
-في ، 5891قام أالن تورينغ وهو شاب متقن للرياضيات بإيجاد إجابة للمشكلة التي طرحها هيلبر Hilbert
في ،5809ومقاله حول األعداد القابلة لالحتساب بتطبيق طريقة Entscheidungproblemيصدر عام
محددة من
الرموز وكتابتها على متوالية ّ .5899وهذه األعداد يمكن أن تكون محسوبة بآلة قادرة على قراءة ّ
موجهات للتغيير ،وبهذا الصنيع يؤكد تورينغ على
الرموز على ّأنها ّ
الخانات ،وذلك حتّى يتمكن من قراءة بعض ّ
إمكانية صنع مثل هذه اآللة .ينظرRastier. F, Linguistique et recherche cognitive, Histoire, :
Epistémologie ; Langage Revue 11-I, 1989, P 15.
وتتمثّل التّجربة في اختبار ال ّذكاء الصناعي المؤسس على فكرة تقليد المحادثة البشرية ،ويتمثّل االختبار في
وضع اإلنسان في مواجهة لغوية مع الحاسوب ،وفي مواجهة إنسان مع إنسان أعمى :فإذا كان اإلنسان الذي
أن اآللة قد اجتازت
فإنه يمكن اعتبار ّ
طبيهّ ،
يبادر إلى المحادثات غير قادر على تحديد اآللة من بين مخا َ
االختبار بنجاح.
للنظرية السوسورية التي انطلقت من فكرة "دراسة اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتها" ،وهي فكرة
-وهذا تطبيقًا ّ
تبلور دراسة اللغة دراسة علمية ،موضوعية ،وداخلية .ينظرDessaussure.F, cours de linguistique :
،générale, Dalila Morsly, ENAG editions, Lger 1990, P IX.وينظر أيضا :محمد حسن عبد العزيز،
سوسور رائد علم اللغة الحديث ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،5898ص .51
1 - Gardner. H, The Mind’s New science: A History of the cognition revolution, New York:
Basic Books, 1985.
38
14 العدد:الخطاب مقدمة في اللسانيات المعرفية
40