You are on page 1of 14

‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫مقدّمة في اللسانيات المعرفية‬


‫د‪ .‬حمو الحاج ذهبية‬
‫جامعة تيزي وزو‬
‫اللّغة هي الوسيلة التي اعتمدها اإلنسان منذ األزل للتعبير عن حاجياته ومكنوناته‬
‫الخفية‪ ،‬وهي محل استلهام حاول من خاللها فهم العالم‪ ،‬وفهم ال ّذات‪ ،‬والعالقات التي تربطه‬
‫بكلّ العوالم الممكنة‪ ،‬وإن كانت اللغة متع ّددة األشكال‪ ،‬فاإلنسان وظّفها ألغراضه معبّرا عن‬
‫قدراته التواصلية واالستنتاجية واالستداللية‪ ،‬إذ ما فتئ متم ّكنا من الولوج إلى الجانب الخفّي‬
‫واختراقه نظرا لما أوتي به من كفاءة إدراكية ومنطقية واجتماعية‪....‬‬
‫وقد كان اإلنسان منذ القديم يطرح األسئلة حول ظواهر لها عالقة بحياته اليومية‬
‫وبتط ّوره‪ ،‬ومثل هذه الظواهر التي تشغله كانت أساس نتاجاته ال ّذهنية‪ ،‬مثلما حاول حصر‬
‫هذه الظواهر باستعمال التعيين باعتباره الوسيلة الفاعلة لضبط مفهوم ما‪ .‬لقد انطلقت عند أمم‬
‫متع ّددة وعبر العصور نقاشات ذي أهمية حول العالقة الكائنة بين اللّغة باعتبارها وسيلة‬
‫للتعيين‪ ،‬وال ّذهن باعتباره حامالً لألفكار‪ ،‬ومن المؤكد أن يكون اإلنسان هو المخلوق الوحيد‬
‫الحامل لملكة وحيدة معقّدة وفي تط ّور مستمر سواء من النّاحية ال ّذهنية أو الفزيولوجية‪،‬‬
‫وبمثل هذه الملكة التي وهبه هللا بها يختلف عن المخلوقات األخرى‪ .‬والنّقاش ال يزال‬
‫متواصالً حول ما ُذكر وحول ما اقترح من آليات وتفسيرات أكثر انسجاماً وأكثر عملية‬
‫لتفسير الظاهرة التي دعاها النّفسانيون واللسانيون بالمعرفة أو اإلدراك‪ ،‬ولتطوير هذا‬
‫النموذج كانت االستعانة باإلعالم اآللي والعلوم العصبية وال ّذكاء الصناعي‪ ...‬ذا أهمية بارزة‪.‬‬
‫ومهما كانت النّتائج المتوصّ ل إليها من خالل تجربة تورينغ‪، A.M. TURING ‬‬
‫ومهما كانت النقائص التي لوحظت فيها‪ ،‬فإنّها تع ّد القاعدة األساس لتطوّ ر العلوم المعرفية‬
‫صصات العلوم اإلنسانية واالجتماعية والعلوم التّجريبية‪.‬‬ ‫حاليًا والممت ّدة إلى مختلف تخ ّ‬
‫وللخوض في هذا الموضوع من األهمية بمكان البحث ومعالجة هذه األفكار التي تتمثّل في‪:‬‬
‫‪ -‬ما هي عالقة الفكر باللغة؟‬
‫‪ -‬هل من وجود للسانيات معرفية؟‬
‫‪ -‬ما هي طبيعة المعارف التي تش ّكل اللغة من حيث مكوناتها المختلفة‪ :‬الصوتية‪-‬‬
‫الصرفية‪-‬التركيبية‪-‬الداللية‪-‬التداولية‪.‬‬
‫أن اللّغة إذا كانت تسهم في المعرفة‪/‬اإلدراك‪ ،‬فذلك ال يضمن في‬ ‫ومن األهميّة معرفة ّ‬
‫ألن الغموض‬ ‫الحقيقة ما يجعل من اللسانيات علما معرفيا أو أنّها تنحدر من العلوم المعرفية‪ّ ،‬‬
‫يبقى محيطا بالعالقة الرابطة بين العلوم المعرفية جميعها وبعد اقتراح التمثّل التركيبي الذي‬
‫يضبط هذه العالقات‪ ،‬يمكن محاولة تبريرها بدراسة تاريخ البحث المعرفي‪ ،‬وهو البحث الذي‬
‫ضا نظ ًرا للتنافس الوارد بين الوحدات المعرفية واالقترانية‪ .‬وإذا كان كلّ تخصّ ص‬ ‫يبقى غام ً‬
‫من هذه التّخصصات المشاركة في البحث المعرفي تبحث في التشاكل الموجود بين اللسانيات‬
‫وحاجياتها‪ .‬فهل اللسانيات علم معرفي؟‬

‫‪27‬‬
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫ومن الغريب أنّنا ال نحتفظ من بين العلوم المعرفية إالّ باللسانيات‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬تتّخذ‬
‫جميع التّخصصات اللّغة هدفًا لها‪ ،‬ومن هذه التّخصصات نجد‪ :‬علم النّفس المعرفي‪ ،‬علم‬
‫أن اللسانيات هي‬ ‫النفس األعصاب‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬فلسفة اللّغة‪ ،‬إالّ أنّه من المالحظ ّ‬
‫التّخصص الذي يتّخذ اللّغة هدفا خاصا مضبوطا من خالل تع ّدد اللّغات‪ ،‬وبالتالي تع ّد‬
‫اللسانيات علم اللّغة الوحيد‪ ،‬ومن هذا المنطلق يمكن أن نجد نقاطا لالتّصال بالتخصّصات‬
‫صصات المشاركة في البحث المعرفي‪.‬‬ ‫األخرى المعالجة للّغة‪ ،‬وبالخصوص تلك التخ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن الهدف الحقيقي للسانيات مشكل بوساطة اللغات‪ ،‬واللسانيات هي‬ ‫ويمكن أن نعتبر ّ‬
‫ا لتي تعالج اختالفها(اختالف الوضعية الوصفية‪ ،‬اختالف الوضعية التاريخية)‪ ،‬ومن هذا‬
‫المنظور تكون اللّغة تجريدا دون أيّة قيمة تفسيرية في حالة التصنيف‪ ،‬أو بكلّ بساطة تسمية‬
‫أن‬‫مالئمة لتعيين مجموع الكفاءات (كمفهوم الفونيم‪ ،‬مفهوم االسناد‪ ،)...،‬وبهذا التّصوّ ر يبدو ّ‬
‫إن تع ّدد‬‫اللسانيات ال عالقة لها بالتّخصصات األخرى المعالجة للغة من جوانب أخرى‪ّ .‬‬
‫اللغات يبدو ظاهرة غير أساسية‪ ،‬والنّظريات اللسانية التي يحال إليها عادةً في هذا االتجاه‬
‫ّ‬
‫هي النّحو العام ونحو تشومسكي ‪ ،N.Chomsk‬وشومان ‪ ،Chaumjan‬أو نحو مونتاق‬
‫فإن اللسانيات العالمية أو الشمولية ‪ Universelle‬تختلف عن‬ ‫‪ ،)Montague‬ومن ث ّمة ّ‬
‫اللسانيات العا ّمة‪ ،‬وبعيدة عن التّكامل‪ ،‬تتقابل حينا وتتعارض حينا آخر‪ .‬وبالتالي من األهمية‬
‫بمكان أن نطرح هذا السؤال‪ :‬هل هناك علم معرفي؟‬
‫يحيل التّعرض لما يدعى بالعلم المعرفي إلى االستعمال أو التوظيف األمريكي لهذا‬
‫المصطلح من خالل مجلة ‪ Cognitive science‬أو ما وظّفه جاردنر‪ Gardner 1‬في‬
‫‪ The Mind’s New Science 5891‬أو هذا التعريف الذي نجده عند لومواني ‪Le Moigne‬‬
‫صص مح ّدد(منذ ‪ )5811‬بصفة مستقلّة عن طريق‬ ‫عن العلم المعرفي يقول فيه‪ ":‬هو تخ ّ‬
‫ّ‬
‫هدفه‪-‬دراسة العمليات المعرفية بشكل عام‪ ،‬الطبيعية واالصطناعية‪-‬وعن طريق نمط تشكله‪:‬‬
‫التفاعل المنظَّم والمنظِّم لعدد من التّخصصات التي لها عالقة بالعمليات المعرفية‪ :‬علوم‬
‫االحتساب واإلعالم‪ ،‬المنطق‪ ،‬اللسانيات‪ ،‬اللسانيات النفسية‪ ،‬علم النّفس المعرفي‪ ،‬علم النفس‬
‫األعصاب‪ ،‬علم النّفس االجتماعي‪ ،‬األنتربولوجية االجتماعية‪ ،‬االبستمولوجية‪.‬‬
‫فاإلدراك‪/‬المعرفة وفعل التعرّف ‪/‬اإلدراك يتح ّدد انطالقا من مجموع العمليات المعرفية‬
‫الطبيعية واالصطناعية"‪ 2‬وهذا بالعودة سواء إلى ال ّذهن البشري أو إلى العمليات الحسابية‬
‫اآللية‪.‬‬

‫‪ -‬اللّغة والفكر‪:‬‬
‫أن اللغة تميّز الفكر البشري‪ ،‬فماذا تق ّدم لنا عن هذا الفكر ؟‪ ،‬وبطريقة معكوسة‪:‬‬
‫بما ّ‬
‫كيف يتواجد العمل ال ّذهني في اللغة؟ هذه هي إشكالية اللسانيات المعرفية‪ ،‬يقول بوفيريس‬
‫‪ ":Bouveresse‬يتعلّق األمر بتفسير األعمال اللسانية انطالقًا من الحالت االفتراضية لنموذج‬
‫ذهني حيث يُفترض تواجدها سببيا"‪ ،3‬إذا كانت اللسانيات"بالمعنى الذي وضعه سوسور"‬
‫فإن على هذه اللسانيات إضافة تفكير حول‬ ‫ترتكز على العالقات بين ال ّشكل والمعنى‪ّ ،‬‬
‫الدالالت اللسانية في عالقتها بالمفاهيم‪ ،‬وبذلك يُطرح السؤال حول العالقات الكائنة بين اللغة‬
‫والفكر‪ ،‬يقول الزارد ‪ّ ":Lazard‬‬
‫إن الفكر اإلدراكي مرتبط دائما باللغة"‪ ،‬وهي المسألة التي‬
‫عالجتها الفلسفة منذ زمن بعيد وهي مح ّل تط ّورات جديدة في إطار العلوم المعرفية‪ .‬لقد‬
‫‪28‬‬
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫إن اللغة ليست‬ ‫حدثت موافقة نسبية بين عدد من الباحثين من تخصّ صات مختلفة تقول ّ‬
‫أن اللغة تتك ّون من شكل فكري‬ ‫بضرورية للفكر‪ :‬الفكر دون لغة شيء ممكن‪ ،‬ولكن يبدو ّ‬
‫خاص باإلنسان‪ ،‬فاللغة هي التي تش ّغل نوعا خاصا من العمليات‪.‬‬
‫وماذا تقول اللسانيات المعرفية عن طبيعة هذه العالقات؟ بالنسبة للنّحو العام‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫مميّزات الوحدات اللسانية سوف تفسّر بالخصائص المنطقية لعوامل هذا الفكر التي يمثّلها‬
‫رمزيا‪ ،‬وهذا يعود إلى اعتبار اللغة جهازا حسابيا بسيطا للربط التركيبي بين "الصيغة‬
‫المنطقية" و"الصيغة الصوتية"‪ ،‬حيث تضمن كلّ من الصيغتين الح ّد المشترك مع إحدى‬
‫الوحدات الخارجية أي الوحدة اإلدراكية المعرفية‪ ،‬أو الوحدة الصوتية‪ .‬وباعتبارها انعكاسا‬
‫للمفهوم العالمي المدرك على أنّه يدخل في إطار ال ّذهن البشري‪ّ ،‬‬
‫فإن الدالالت اللسانية ال‬
‫ي دور معرفي مميّز‪.‬‬ ‫تلعب أ ّ‬
‫فإن اللغة تفتح شرخا على المعرفة (وهذا‬ ‫أ ّما بالنسبة ألصحاب النّحو المعرفي‪ّ ،‬‬
‫بمفهوم راستييه‪ ، Rastier 4‬والمكرّ ر من قبل جاكندوف ‪ ،) Jackendoff‬وذلك في حدود ما‬
‫فإن اللغة تصنف بعض‬ ‫ش ّكلت البنى الداللية للغات بذاتها تمفصالت نشيطة‪ .‬وبالتحديد‪ّ ،‬‬
‫الواجهات في تشكيل المتص ّورات المجردة الموظّفة من طرف الفكر اللساني السابق‪ ،‬وتنظمّ‬
‫بطريقة متغيّرة‪ .‬إ ًذا تكمن خصوصية اللساني في "عمليات" التصنيف وتشكيل المحتوى‬
‫المفهومي‪ ،‬فمثلما يقول لونقاكر ‪ Langacker‬نقال عن ديسلي‪ّ : Deslés 5‬‬
‫"إن أخذ الداللة‬
‫على أنّها ظاهرة معرفية ينبغي أن تحلّل على أنّها كذلك"‪.‬‬
‫وفي محاولة ربط اللساني بال ّذهني‪ ،‬اقترحت طريقتان مختلفتان في اللسانيات‬
‫المعرفية‪ ،‬يصفها راستييه ‪ Rastier‬بالطرائق التمثّلية(طريقة تشومسكي في إطار النموذج‬
‫المعرفي)‪ ،‬والطرائق اإلجرائية (طريقة علم الداللة اإلجرائي لل ّذكاء الصناعي‪ ،‬ث ّم طريقة‬
‫أن مفهوم التمثّل بعيد عن صفة االشتراك‪ .‬صحيح قد انتقد مفهوم‬ ‫األنحاء المعرفية)‪ .‬نالحظ ّ‬
‫التّمثّل من قبل معارضي النموذج المعرفي الذين يرفضون فكرة النسخ الثابت للبنى المنطقية‬
‫اإلدراكية المبنية مسبقا والمضافة إلى "المعلومات" اآلتية من الخارج‪ ،‬ولكن يمكن أن تفهم‬
‫في المنظور البنائي حيث تُدرك اللغة باعتبارها نشاطا بنائيا للتمثّالت الداللية‪ ،‬وبالتالي لن‬
‫يتعارض التمثّل مع اإلجراء‪.‬‬
‫إن اللسانيات التي تدعى بالمعرفية‪ ،‬والتي تتح ّدد بمقاربة اللغات‬ ‫وهنا يمكن القول ّ‬
‫الطبيعية باعتبارها ظواهر عقلية ليست بمتواطئة مع التغيّرات الكبرى المختلفة أساسا في‬
‫‪6‬‬

‫عالقتها مع المعرفة‪.‬‬
‫& ‪Lakoff‬‬ ‫‪7‬‬ ‫ّ‬
‫التغيّر األول‪ :‬الذي يمثله الباحثون مثل الكوف وجونسون‬
‫‪ ،5891Johnson‬ولونقاكر‪ ،5891 ،5881 Langacker 8‬وتالمي‪ ،0111 Talmy 9‬ينتمي‬
‫إلى التقليد الوظيفي الذي يهتم خصيصا بالتنظيم المفهومي للمعرفة اللسانية‪ ،‬وموضوعاتها‬
‫تتل ّخص في‪ :‬االستعارات المفهومية‪ ،‬واالنفعاالت‪ ،‬والكتابة‪ ،‬واللغة باعتبارها رمزا للثقاقة‪،‬‬
‫والفكر‪ ....‬ويبدو في خض ّم هذا التغيّر وجود ميدانين من البحث‪ :‬ميدان الصوت(المتعلق‬
‫بالفاصل المفهومي بين التركيب وعلم الداللة)‪ ،‬وميدان التداولية المرتبط باستعمال اللغة‪.‬‬
‫التغيّر الثاني‪ :‬يشمل النزعة اللغوية التوليدية ويمثّلها تشومسكي ‪،5891 Chomsky‬‬
‫‪ ،5881 ،5811‬وبولوك ‪ ،5881 Pollok‬ويهتم خصيصا بالتنظيم الصيغي للغة‪ ،‬وبتبسيط‬

‫‪29‬‬
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫ي بالجهاز العام الذي يسمح بإنتاج‬ ‫أن معرفة اللغة مرتبطة بمعرفة النّحو أ ّ‬ ‫أكثر يمكن القول ّ‬
‫عدد غير متناه من الملفوظات انطالقا من عدد محصور من العناصر‪.‬‬
‫ومن بين النّقاط األساسية لالختالف بين التوجّهين اللسانيين نجد مشكلة الوحداتية‪،‬‬
‫فيمكن وضع اللسانيات الثانية في نطاق النوع الوحداتي‪ ،‬في حين اللسانيات المعرفية األولى‬
‫ليست كذلك‪ .‬وبالنسبة للساني وعلماء النّفس الذين يؤيدون المفهوم الوحداتي والذين‬
‫يتصوّ رون ال ّدماغ على منوال الحاسوب (باعتباره وحدة للمعالجة التسلسلية للرّموز) يدركون‬
‫اللّغة وحدة مش ّكلة بذاتها من وحدات فرعية‪ ،‬ويقال عنها أنّها مضغوطة من المنظور‬
‫اإلعالمي بإزاء جهاز ترجمة معلومات مركزية‪ ،‬وهذا يعني أنّها تشتغل كعلب سوداء مفتوحة‬
‫للمعلومة ال ّداخلة‪ ،‬ومنغلقة على المعلومات التي يمكن أن تأتيها من أجزاء النّظام األخرى‪.‬‬
‫وهذا يرجعنا مرّة أخرى إلى موقف اللسانيات من العمليات ال ّذهنية بتحديد دور اللغة في‬
‫االشتغال ال ّذهني‪ .‬بالنسبة للعلوم المعرفية التي تدرس اشتغال ال ّذهن وال ّدماغ‪ ،‬تش ّكل اللغة‬
‫أن الجنس البشري هو المالك الوحيد لمثل هذه‬ ‫وسيلة البحث من الدرجة األولى‪ :‬علما ّ‬
‫صصات المرتبطة بدراسة المعرفة المهت ّمة‬ ‫"الكفاءة العالية" المعقّدة‪ .‬نجد الكثير من التّخ ّ‬
‫باللغة مثل علم النّفس‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬علوم األعصاب‪ ،‬األنتربولوجية‪ ...،‬وكلّ مختصّ في هذه‬
‫العلوم يحاول إبراز مكانة الكفاءة اللغوية في المعرفة الطبيعية والصناعية ودراسة اشتغالها‪.‬‬
‫بينما تع ّد المقاربة اللسانية للغة أساسية أو أكثر خصوصية من تلك التّخصصات‬
‫المذكورة سلفا‪ .‬إنّها أكثر مركزية ألنّها تقتحم هذه الوسيلة انطالقا من دراسة بنية اللغات‪،‬‬
‫فإن "اللسانيات هي علم اللغة المدرك من خالل تع ّدد اللغات‬ ‫وحسب تحديد كالسيكي ّ‬
‫الطبيعية"‪.‬‬
‫إن هدف مختصي اللغات فيما يتعلّق بالمسائل المعرفية ليس بحديث العهد‪ ،‬وال يمكن‬ ‫ّ‬
‫تجاهل النظريات اللسانية الكبرى الموجودة منذ أكثر من قرن‪ ،‬وأعمال النّحويين‪ ،‬والبالغيين‬
‫والمناطقة منذ القديم‪ ،‬وما لعبته هذه األعمال من دور في تغذية التفكير حول العالقات بين‬
‫فإن اإلشكالية العامة المنتشرة نسبيا‬‫اللغات والفكر واالستدالل والفعل‪...‬إلخ‪ .‬ومن أجل هذا‪ّ ،‬‬
‫ال تلتبس بما يدعى باللسانيات المعرفية‪ .‬وهذا ما يفضي إلى اإلحالة إلى اللسانيات العا ّمة التي‬
‫يكمن هدفها في دراسة اللغات متّجهة من األصوات إلى المعاني(من الداالت إلى المدلوالت)‪،‬‬
‫أن النّظريات اللسانية الواصفة للظاهرة‬ ‫والبحث عن التّغيرات الموجودة بين اللغات‪ .‬على ّ‬
‫اللغوية قد تش ّكلت انطالقا من بداية القرن العشرين‪ ،‬حيث بحثت بعضها في تكوين نماذج‬
‫لمجموع اللّغات‪ ،‬واألكثر إجرائية ما نجده في النّحو الصوري‪ ،‬في حين قام بعضها اآلخر‬
‫بمقارنة اللّغات بهدف استخالص المواقع المشتركة‪ ،‬ومن ث ّمة رصد التّغيّرات المالحظة من‬
‫لغة إلى أخرى‪ ،‬وهو ما نجده في مقاربات ك ّل من كومري ‪ Comrie‬والزارد ‪Lazard‬‬
‫وسالير ‪. Seiller‬‬
‫وتحت تسمية اللسانيات المعرفية‪ ،‬يحدث توافق على اإللمام بمجموع التيارات التي‬
‫تتقاسم هدفا مشتركا وهو اقتراح نظريات لغوية ال تكون عا ّمة وإجرائية فقط‪ ،‬ولكن تكون‬
‫للذهن أو البنية‬‫قابلة أيضا للتمفصل بطريقة صريحة مع النماذج العا ّمة للبنية الوظيفية ّ‬
‫العصبية لل ّدماغ‪ .‬في هذا المنظور‪ ،‬يكون نظام قواعد اللغة هو موضوع الدراسة بالنسبة‬
‫للساني باعتبار أنّه يش ّكل مكوّنا لل ّذهن البشري‪ ،‬وله بطريقة أو بأخرى حضور فزيائي في‬
‫ال ّدماغ‪ :‬تدعى هذه المقاربة بالمقاربة الطبيعية‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫إن اللسانيات المعرفية ال يمكنها الذوبان في علم النّفس أو علم األعصاب أو اإلعالم‬ ‫ّ‬
‫اآللي‪ ،‬يكمن الرّهان في إثبات خصوصية موضوعها (اللغة من خالل اللغات)‪ ،‬واالحتفاظ‬
‫بالتّحكم في المفاهيم وفي المناهج‪ ،‬وذلك بمراعاة تم ّكن هذه المفاهيم والمناهج من التمفصل‬
‫صصات المرتبطة بها‪ .‬إ ًذا تقترح اللسانيات المعرفية داخل نظام اللغة‬ ‫مع ما يقابها في التّخ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ذاته وانطالقا من دراسة التنظيم البنوي وال ّدال لهذا النظام ضبط العالقات بين اللغة والذهن‬
‫وال ّدماغ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من هذا الجانب‪ ،‬فإن اللسانيات المعرفية ال تدحض في التقسيم الكالسيكي لألدوار بين‬
‫ألن توزيع المهام يعود إلى بداية‬‫صصات األخرى وباألحرى علم النّفس‪ّ .‬‬ ‫اللسانيات والتّخ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القرن العشرين عندما فرضت اللسانيات نفسها كتخصص مستقل متميّز عن علم النفس‪:‬‬
‫بالنسبة لسوسور يدرس اللساني "اللغة" مستقلّة عن ال ّذوات وظروف الكالم الفردي‪ .‬في‬
‫فإن موضوع دراسة‬ ‫مقاربة تشومسكي أين عُرفت اللسانيات بكونها فرعا من علم النّفس‪ّ ،‬‬
‫اللساني (القدرة بآلية عا ّمة مشاركة في التكوين البيولوجي للجنس البشري) ليس بأقل تميّزا‬
‫عن موضوع دراسة النفساني(االنجاز)‪ ،‬وعلى أساس التمييز من هذا النوع بالتحديد تطوّ ر ما‬
‫صصات الفرعية‪.‬‬ ‫يسمى بالتخ ّ‬

‫جغرافيا الدراسات المعرفية‪:‬‬


‫الجغرافيا تح ّدد التاريخ‪ ،‬ومن ث ّمة يبقى من الصعب تحديد العالقات الناشئة بين‬
‫صصات في خض ّم البحث المعرفي‪ ،‬ويمكن العودة إلى هذه الخطاطة‪: 10‬‬ ‫التّخ ّ‬

‫الفلسفة‬

‫اللسانيات‬ ‫علم النفس‬

‫األتثربولوجية‬
‫الذكاء الصناعي‬

‫علوم األعصاب‬
‫‪ -‬تشير الخطوط المتواصلة إال العالقات القويّة بين التخصّ صات‪.‬‬
‫ّ‬
‫المتقطعة إلى العالقات الضعيفة بين التّخصّ صات‪.‬‬ ‫‪ -‬تشير الخطوط‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫إن العالقات القويّة أو الضعيفة بين التخصصات تح ّددها ظاهرة التأثير والتأثر بينها‪،‬‬
‫ّ‬
‫إذ قد يسع علم النّفس أن يتأثّر ويؤثّر في اللسانيات‪ ،‬في حين تبقى الصلة بين الفلسفة ّ‬
‫والذكاء‬
‫‪31‬‬
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫الصناعي بحاجة إلى أكثر تحليل ألنّها تخضع لمجالين معرفيين مختلفين‪ .....‬وهكذا مع‬
‫التّخصصات األخرى‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإذا كان هذا الشكل المعرفي المتجانس يطرح المشاكل أكثر م ّما يحلها‪ ،‬نجد جاردنر‬
‫‪ Gardner‬من المعلّقين على هذا المخطّط مل ّخصا رأيًا منتش ًرا في أوساط الباحثين‪ ،‬فهو الذي‬
‫يقول‪" :‬ما يجعل هذا الحقل موجودا هو الهدف المشترك للبحث‪ :‬الكشف عن القدرات التمثّلية‬
‫واالحتسابية للفكر وتمثّالتها البنائية والوظيفية في ال ّدماغ"‪ ،11‬بينما نجد لومواني ‪Le 12‬‬
‫‪Moigne‬يق ّدم وجهًا آخر لهذا ال ّشكل أكثر تفصيال وأكثر اختالفا‪ ،‬ويوضّ حه بهذه الصورة‪:‬‬
‫االبستمولوجية‬

‫اللسانيات‬ ‫علم النّفس‬

‫علوم االحتساب‬
‫العلوم االجتماعية(التواصل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والذكاء الصناعي‬
‫واألنتربولوجية‪،‬‬
‫االقتصاد‪)....،‬‬

‫علوم األعصاب‬
‫‪( -‬أ) العالقة بين علوم االحتساب وعلوم األعصاب تمثّل السبرنيتية ‪Cybernetique‬‬
‫‪( -‬ب) العالقة بين اللسانيات وعلوم األعصاب تمثّل اللسانيات العصبية‬
‫‪Neurolinguistique‬‬
‫‪( -‬ج) العالقة بين علم النّفس وعلوم األعصاب تمثّل علم النّفس العصبي‬
‫‪Neuropsycologie‬‬
‫‪( -‬د) العالقة بين علوم االحتساب واللسانيات تمثّل اللسانيات االحتسابية‬
‫‪Linguistique computationnele‬‬
‫‪( -‬ه) العالقة بين اللسانيات وعلم النّفس تمثّل اللسانيات النّفسية‪.‬‬
‫‪Psycolinguistique‬‬
‫والمالحظ في هذا ال ّشكل‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫‪ ‬استبدلت اإلبستمولوجية الفلسفة‪ ،‬وموقعها العلمي غير مح ّدد بدقّة‪ ،‬فهي تتموقع في‬
‫مستوى آخر مقارنة بالتّخصصات األخرى‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬اللسانيات االجتماعية (الغائبة هنا) مرتبطة باللسانيات‪ ،‬واللسانيات النفسية مرتبطة‬
‫بعلم النّفس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬لم تعد اللسانيات تع ّد من العلوم االجتماعية‪ ،‬ويبدو في هذا التجاهل خطورة‬
‫واضحة‪.‬‬
‫صصات أخرى باقتران العلوم فيما بينها‪ ،‬وهو ما يب ّرر الفكرة المعالجة‬ ‫‪ ‬نشوء تخ ّ‬
‫سلفا‪ ،‬إذ كلّما كانت العالقات قويّة كلّما سمحت بخلق علوم تلتزم بتناول القضايا التي لم يقدر‬
‫صص واحد‪ ،‬وبالتالي إثارة إشكاالت أخرى تُط ّور دراسة اللغة البشرية وفهمها‪.‬‬ ‫عليها تخ ّ‬
‫كما نجد أيضا من بلور فكرة الظاهرة اإلدراكية أو المعرفية بهذا المخطط الشامل‬
‫‪13‬‬

‫وهو ألبير دي كريستو ‪ Albert, Di cristo‬الذي بيّن بوضوح موقع اللسانيات المعرفية من‬
‫حيث تقاسمها مجاالت البحث مع اللسانيات العصبية واللسانيات النّفسية‪ ،‬وما يدخل ضمنها‬
‫من مباحث صوتية‪ ،‬وتركيبية وداللية وتداولية‪.‬‬

‫اإلدراك‬ ‫التعلم‬

‫علم‬ ‫علوم‬
‫النفس‬ ‫اللسانيات‬ ‫األعصاب‬
‫اللسانيات‬
‫المعرفي‬ ‫ا‬ ‫العصبية‬ ‫المعرفية‬
‫النفسية‬
‫ا‬
‫األصوات‪ ،‬التركيب‪ ،‬الداللة‪،‬‬
‫التداولية‬

‫اللسانيات‬ ‫الذاكرة‬
‫المعرفية‬
‫اللغة‬
‫االستدالل‬

‫االنتباه‬ ‫العلوم المعرفية‬ ‫المعرفة‬

‫هل توجد لسانيات معرفية؟‬


‫ّ‬
‫إن العلوم المعرفية ترتبط بدراسة الذهن‪-‬دماغ على المستوى المزدوج‪ :‬المستوى‬ ‫ّ‬
‫الوظيفي (باعتباره معالجة للمعلومة وإنتاجها)‪ ،‬والمستوى المادي (باعتباره نظاما فزيائيا‬
‫متش ّكال من الترابطات العصبية الداخلية)‪ .‬وحسب الباحثين ّ‬
‫فإن اإلصرار منصبّ على الثنائية‬

‫‪33‬‬
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫(فكر‪ -‬دماغ) (الممت ّدة في بعض األحيان إلى الثالثية [ ذهن‪-‬دماغ ‪-‬آلة] في المنظور‬
‫الصناعي أو الظاهري) أو على مفهوم "المعرفة" في عالقة مع ايتمولوجية مصطلح‬
‫"اإلدراك"‪ .‬لقد تع ّددت التّعريفات المق ّدمة لهذا المجال‪ ،‬نجد منها‪:‬‬
‫"إن هدف العلوم المعرفية هو الوصف والتفسير‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تعريف أندلر‪ Andler‬يقول فيه‪:‬‬
‫وعند اللّزوم تصنّف التنظيمات األساسية وقدرات الذهن البشري من حيث اللغة‪ ،‬االستدالل‪،‬‬
‫ّ‬
‫اإلدراك‪ ،‬الترابطات الحركية‪ ،‬التخطيط‪.14"..... ،‬‬
‫أو تعريف هودي وآخرين ‪" :Houdé et al‬فُرضت العلوم المعرفية اليوم باعتبارها‬
‫حقال جديدا للمعرفة الذي يحاول التوضيح عن طريق التجريد بالنمذجة واستعمال التقنيات"‬
‫سرّ ال ّذهن" في عالقتها بالمادة‪ :‬ال ّذهن‪ ،‬الجسد والحاسوب"‪.15‬‬
‫ونجد تعريفا آخر من خالل ‪Blackwell Dictionnary of cognitive Psychology‬‬
‫"إن مصطلح العلوم المعرفية يحيل إلى الدراسة متع ّددة‬ ‫لـ ‪ّ .)5881( M.Eysenk et al‬‬
‫العلوم الكتساب المعرفة واستعمالها"‪.‬‬
‫ث ّم لدينا تعريف فاريال ‪" :Varela‬أل ّول مرّة‪ ،‬يعترف العلم (‪ )...‬بشرعيته في‬
‫استكشاف المعرفة في ذاتها وعلى ك ّل المستويات‪ ،‬وهذا بتجاوز الحدود التقليدية لعلم النّفس‬
‫ولالبستمولوجية التي احتضنتها لم ّدة طويلة"‪.16‬‬
‫وفي التو ّجه نفسه يقول الزارد ‪" :Lazard‬نعني بالعلوم المعرفية تلك العلوم التي‬
‫يكمن هدفها في المظاهر المختلفة للنّشاط الحسّي والّذهني التي يتع ّرف اإلنسان من خاللها‬
‫على العالم الذي يحيط به‪ .‬نجعل في هذا اإلطار‪ :‬علم النّفس‪ ،‬ال ّذكاء الصناعي‪ ،‬نظرية‬
‫التّواصل‪ ،‬وفلسفة ال ّذهن‪.....،‬إلخ"‪.17‬‬
‫كما أورد الزارد ‪ Lazard‬رأيه في اللسانيات المعرفية‪" :‬ندمج عادة اللسانيات‪ ،‬وهو‬
‫أن الفكر اإلدراكي مرتبط باللّغة‪ .‬وفي المقابل إذا كنّا واعيين‬ ‫أمر وارد إذا اعتقدنا ّ‬
‫بخصوصية الظواهر اللغوية‪ ،‬فإنّنا ننظر إليها كعلم مقرون ولكن متميّز‪ .‬وفي كلتا الحالتين‬
‫إن أيّة لسانيات تعتبر معرفية‪ ،‬وفي‬ ‫يبقى مفهوم اللسانيات المعرفية غامضا‪ .‬في الحالة األولى ّ‬
‫الحالة الثانية ال يوجد أيّة لسانيات معرفية"‪.‬‬
‫إن السؤال المطروح من قبل الزارد ‪ Lazard‬هو كالتالي‪" :‬هل للسانيات المعرفية من‬ ‫ّ‬
‫إن تسمية اللسانيات المعرفية تع ّد اعترافا وذلك انطالقا من‬ ‫معنى وهل هي مب ّررة نظريا؟ ّ‬
‫مطالبة تيارات متع ّددة بذلك بطريقة أو بأخرى‪" ،‬اليوم ال يوجد لساني ال يتملّق من تطبيق‬
‫لسانيات أو اللسانيات المعرفية‪ ،‬فالجانب المعرفي أصبح من صميم الموضة‪ .18‬يُذ ّكر‬
‫بأن اللسانيات المعرفية ليست بتيار موحّ د‪ ،‬ولكنها‬ ‫استعمال الرابطة "أو" في هذه المقولة ّ‬
‫فإن شروط بروز وتطوّ ر ما‬ ‫تشمل ع ّدة تيارات متضاربة‪ .‬وبمفهوم كاترين فوك (‪ّ ،)0111‬‬
‫ينطوي عادةً تحت مصطلح " اللسانيات المعرفية" يسمح بإثارة هذا التنوّع‪.‬‬
‫هل ك ّل لسانيات هي لسانيات معرفية؟‬
‫باستثناء النّظريات المؤسسة على البيهافيورية‪ ‬التي ترفض ك ّل ظواهر المعنى من‬
‫أن ك ّل النّظريات الجديرة بهذه التسمية هي التي كان هدفها‬ ‫مجال دراستها‪ ،‬يمكن القول ّ‬
‫دراسة العالقات بين الشكل والمعنى‪ ،‬وإن كان هذا الهدف يستحق صفة "المعرفي"‪ّ ،‬‬
‫فإن أيّة‬
‫"إن مقاربة(العلوم المعرفية) عن‬ ‫نظرية لسانية هي نظرية معرفية‪ ،‬يقول أندلر ‪ّ :Andler‬‬
‫طريق الهدف واإلجراء ال تق ّدم إالّ مجموع برامج بحث منبثقة من تخصّ صات متع ّددة‪،‬‬
‫‪34‬‬
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫صصات‪ ،‬وما الذي يبادر بالخطوة العلمية؟‬ ‫ونتساءل ما ال ّدور الذي يمكن أن تلعبه هذه التّخ ّ‬
‫سوف يكون هناك حذف لع ّدة أشياء (‪ )...‬وما هو غير متوقّع هو وجوب رفض األعمال‬
‫صصات التي تش ّكل ما يدعى بـ"الكوكبة المعرفية"‪-‬اللسانيات‪ ،‬علم النّفس‪،‬‬ ‫المنبثقة من التّخ ّ‬
‫األنثربولوجية‪ ،‬علوم األعصاب‪ ،‬ال ّذكاء الصناعي‪ ،‬المنطق‪ ،‬والفلسفة‪ . "-‬وهي أعمال ال‬
‫‪19‬‬

‫تعارض ال في أساسها وال في منهجيتها‪ ،‬ولكن ليس لها عالقة متميّزة مع اإلشكالية المعرفية‪،‬‬
‫فهي تتطوّ ر خارجها‪ ،‬وليس من مهامها تقديم الوسائل‪.‬‬
‫اللسانيات التي يقال عنها أنّها لسانيات معرفية‪:‬‬
‫نشأ في الواليات المتّحدة التياران األساسيان الذان يستندان إلى "اللسانيات المعرفية"‬
‫‪ .‬من جانب نجد النّحو العام الذي يدخل في إطار النموذج الكالسيكي للنزعة المعرفية‬
‫"‪ ،"cognitivisme‬ومن جانب آخر نجد النّحو المعرفي الذي يستند إلى نموذج آخر يوصف‬
‫فإن هاتين النّزعتين‬‫أحيانا بالبنائي وهي النزعة البنائية "‪ ."constructivisme‬وم ّما يبدو ّ‬
‫تحيالن إلى ما يدخل في إطار البنية اللغوية‪ ،‬وما يدخل في إطار الجانب المعرفي الذي‬
‫يتجاوز البنية ذاتها‪.‬‬
‫م ّما ذكرنا سلفا‪ ،‬يمكننا االحتفاظ بالنقاط التالية‪ :‬نشأت اللسانيات المعرفية في الواليات‬
‫المتّحدة األمريكية‪ ،‬وأ ّدى هذا المنعرج النّظري في حالة النّحو المعرفي إلى إعادة النّظر في‬
‫الفرضيات النّحوية باستثناء التيار ما بعد الوظيفي ‪ Néo-fonctionnaliste‬الذي يش ّكل حالة‬
‫صا من قبل عدد من الباحثين األروبيين‪ ،‬ومن خالل ذلك نفهم‬ ‫صة تستحق تط ّورا خا ّ‬ ‫خا ّ‬
‫اإلثبات المفاجئ لالزارد ‪ Lazard‬الذي يعتبر أن تسمية "اللسانيات المعرفية" باعتبارها‬
‫عبارة مصطنعة ال تحتفظ بمعناها خارج الواليات المتّحدة‪ ،‬وفي كلّ األحوال عند كلّ من لم‬
‫يتعرّ ض لسلطة النزعة التوليدية التحويلية‪.‬‬
‫نعود اآلن إلى السؤال المركزي المطروح من قبل الزارد‪ ،‬والذي يمسّ شروط وجود‬
‫اللسانيات المعرفية‪ .‬بالنسبة لهذا الباحث‪ ،‬إذا أرادت أيّة نظرية لسانية في أن تكون معرفية‪،‬‬
‫فإنّها ستواجه بالضرورة معضلة كبيرة‪ ،‬إ ّما أنّها تعود إلى التّصور التقليدي للغة باعتبارها‬
‫نظا ًما من العالمات بحثا في عالقة الشكل بالمعنى‪ ،‬وفي هذه الحالة لن يتعلّق األمر إالّ‬
‫إن الصفة كبيرة‪:‬‬ ‫باللسانيات (بالمفهوم التقليدي للمصطلح)‪ ،‬وبهذا يقول الزارد ‪ّ ":Lazard‬‬
‫صصها‬ ‫اللسانيات المعرفية هي اللسانيات العا ّمة وفقط"‪ ،20‬أو أنّها تخرج عن ميدان تخ ّ‬
‫محاولة إيجاد معلّالت خارجية للظواهر اللسانية الموصوفة أو استنتاج خصوصيات عا ّمة‬
‫للذهن البشري إنطالقًا من المالحظات‪ ،‬وفي هذه الحالة لن يتعلّق األمر باللسانيات ّ‬
‫ألن هذا‬ ‫ّ‬
‫النمط يحتمل خطرا‪ ،‬وهو انحالل اللسانيات في الجانب المعرفي‪ ،‬وبطريقة أخرى هو تجاهل‬
‫خصوصيتها"‪. 21‬‬
‫‪ -‬تشومسكي والمعرفية‪:‬‬
‫يعود التأريخ الرسمي للتيار المعرفي إلى سنة ‪ ،5819‬إذ جمعت محاضرات لنعوم‬
‫تشومسكي ‪(N. Chomsky‬اللساني)‪ ،‬وهربرت سيمون ‪( Herbert Simon‬عالم النّفس)‪،‬‬
‫ومارفين منسكي ‪( M.Minsky‬مختّص في ال ّذكاء الصناعي)‪ .‬تهدف هذه المؤسسة المتع ّددة‬
‫العلوم إلى تحديد عمل ال ّذهن من خالل الملكات التي يط ّورها وبالخصوص ملكة اللّغة‪ّ .22‬‬
‫إن‬
‫الفرضية في األساس تتمثّل في إمكانية تحديد المعرفة اإلنسانية بطريقة اآللة بمصطلح‬

‫‪35‬‬
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫الحسابات المطابقة لمعالجة مختلف أنواع المعلومات التي يستقبلها اإلنسان‪ ،‬وهكذا وجدت‬
‫اللسانيات الصورية مكانة مه ّمة في المؤسسة العا ّمة للعلوم المعرفية‪.‬‬
‫ّ‬
‫والنموذج الكالسيكي الذي يترأس هذه المؤسسة يدعى بـ"اإلحصاء التمثلي الرّمزي"‬
‫وهو مؤسس على فكرة الحسابات على الرموز‪ .‬عرفت هذه الرموز بحقيقتها الفزيائية أي‬
‫فإن هذه ال ّرموز تدخل في إطار ال ّدماغ‬ ‫العصبية البيولوجية والداللية‪ ،‬وبطريقة أو بأخرى ّ‬
‫وتمثّل العالم‪ ،‬أ ّما النّشاط اللغوي فيقوم بمعالجة المعلومات باستخدام القواعد التركيبية للتعامل‬
‫الرّمزي‪ ،‬وفي هذا إحالة غير مباشرة إلى النزعة البنائية والنزعة المعرفية‪.‬‬
‫إن التو ّجه المعرفي يتأسس في نهاية الخمسينيات على فكرة "الّذهن اآللي" الذي‬ ‫ّ‬
‫‪‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتقاسمه كل من علم النفس المعرفي‪ ،‬والفلسفة المعرفية والذكاء الصناعي ‪ ،‬أ ّما التناظر فلم‬ ‫ّ‬
‫يستغل إالّ مع نهاية سنة ‪ 5891‬في إطار التقارب مع علوم األعصاب‪ .‬وبتبنّي هذا النموذج‬
‫الكالسيكي‪ ،‬ش ّكلت نظرية تشومسكي عددا من الخيارات النّظرية والمنهجية‪ ،‬وباختصار فهي‬
‫أن الملكة‬ ‫خطوة افتراضية‪-‬استنتاجية‪( ،‬منظور وحداتي على طريقة فودور ‪ )Fodor‬تقول ّ‬
‫اللغوية فطرية‪ ،‬وترتكز على القدرات الخاصّة منفصلة عن الجانب المعرفي العام‪ ،‬وإدراك‬
‫اللغة باعتبارها وسيلة للتعبير عن الفكر يسمح بنقل المعلومة الخاصّ ة بالعالم‪ ،‬والعودة إال‬
‫التنميطات ‪ Modélisations‬من النّوع المنطقي الحسابي‪ .‬وربّما هو انتقال من الجانب‬
‫الفطري المرتبط بالقدرات ال ّذهنية التي تسمح باكتساب اللّغة إلى الجانب المعرفي الذي‬
‫يفرض على اإلنسان االندماج في المجتمع‪ ،‬وبالتالي إحداث نوع من اإلتمام والتّكامل حتّى يت ّم‬
‫التّع ّرف على العالم بفضل الحواس وبفضل المكتسبات األخرى‪ :‬االجتماعية‪ ،‬والتّعلّمية‪،‬‬
‫والثّقافية‪ ،‬والتربوية‪.‬‬
‫المنظور المعرفي االحتسابي لتشومسكي‬
‫تتمثّل الفرضية المؤسّسة للمشروع الذي جمع كالّ من نعوم تشومسكي ‪Chomsky‬‬
‫‪ ،N.‬وهربرت سيمون ‪ ،Herbert Simon‬ومارفين منسكي ‪ M.Minsky‬في إمكانية تحديد‬
‫المعرفة اإلنسانية على طريقة اآللة بمصطلحات الحسابات المطابقة لمعالجة مختلف أنواع‬
‫المعلومات التي يستقبلها اإلنسان‪ .‬يت ّم إدراك ال ّذهن في هذا المنظور باعتباره نظا ًما معقّدا‬
‫لمعالجة المعلومة‪ ،‬مؤسسا على مجموع القواعد التي هي سبب في عدد غير محدود من‬
‫العمليات والحسابات ال ّذهنية‪ ،‬ومن هنا ظهر مصطلح النّزعة ال ّذهنية في اللسانيات‪.‬‬
‫الذهنية التي نادى بها تشومسكي هي في منطلق هذا التّح ّول الجذري‬ ‫إن الفلسفة ّ‬ ‫ّ‬
‫للسانيات التي كانت تهيمن عليها النزعة البيهافيورية‪ .‬لم يكن األمر بالنسبة لتشومسكي سهال‬
‫إلعادة النّظر في كيفية نشوء اللّغة‪ ،‬فكان لزاما عليه العودة إلى النّظرية العقلية (ديكارت)‬
‫لتفسير الفكر‪ ،‬وكذالك العودة إلى مدرسة بور روايال‪ .‬وفي دراسته السابقة‪ ،‬أشار تشومسكي‬
‫إلى ضرورة إدراك موضوع اللسانيات كحقيقة ذهنية بدل النّظر إليها كسلوك لساني قابل‬
‫للمالحظة‪ .‬وفكرة تشومسكي حول قواعد التّحويل التي تنطلق من النّواة هي أساس مفهوم‬
‫اللسانيات االحتسابية وأساس الدراسات التي تستوحي من اللّغات الصورية لوضع ما يدعى‬
‫بالمعالجة اآللية للّغات‪.‬‬
‫والعودة إلى نظرية الوحدات ال ّذهنية يعيدنا إلى جيري فودور ‪ Jerry Fodor‬التي تأثّر‬
‫أن ال ّذهن ال يعمل كوحدة كاملة‪ ،‬واللغة ضمنه ليست‬ ‫بتشومسكي وبنظريته‪ .‬أ ّكد جيري فودور ّ‬
‫إالّ وحدة ضمن الوحدات األخرى‪ :‬السمعية‪ ،‬التّذكرية‪ ،‬اللّمسية‪ ....‬واللّغة باعتبارها وحدة‬
‫‪36‬‬
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫تتك ّون من وحدات صغرى من أنواع مختلفة‪ :‬صوتية‪ ،‬صرفية‪ ،‬مرفولوجية‪ ،‬تركيبية‪....‬وما‬
‫نستنتجه من نظرية فودور هو‪:‬‬
‫‪ -‬تميّز الوحدات بمظاهر آلية‪ ،‬ال واعية‪ ،‬سريعة‪ ،‬متوازية ومستقلة بعضها عن‬
‫ّ‬
‫بعض‪ ،‬وهذا في مقابل النّظام المركزي المتميّز بالوعي‪ ،‬والبُطء والتّسلسل‪.‬‬
‫‪ -‬عمل ال ّذهن لدى اإلنسان خاضع للتراتبية في معالجة المعلومات مهما كانت‬
‫طبيعتها‪ ،‬واإلنسان يش ّغل ع ّدة أنظمة لدى استقبال المعلومة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫ّ‬
‫أشار فودور ‪ Jerry Fodor‬إلى ثالثة مكوّنات تشكل هذه األنظمة ‪ ،‬وما يميّزها هو‬
‫استقـــالل بعضهـــا عـــن بعـــض وهي‪ :‬محـــ ّول اإلرســـال ‪ ،Transducteur‬والنّظــــام‬
‫المحيطــي ‪ ،S. Périphérique‬والنّظام المركزي ‪.S. Central‬‬
‫هناك مناطق في ال ّذهن تتكفّل بتوزيع المعلومة وفقا لمبدأ هذه المكوّنات‪:‬‬
‫‪ -‬مح ّول اإلرسال يقوم أثناء استقبال الرّسالة بمعالجتها وترجمتها على شكل لغة‪ ،‬أو‬
‫حركة‪ ،‬أو صوت‪ ...‬ففي هذه المرحلة يت ّم تحديد المعلومة وتصنيفها‪.‬‬
‫‪ -‬النّظام المحيطي يقوم بمعالجة المعطيات المدركة من طرف أحد قنوات محوّ ل‬
‫اإلرسال بتوجيه المعطيات اللسانية في أنظمة لسانية ثانوية‪/‬فرعية‪.‬‬
‫أ ّما النّظام اللساني فهو نظام مميّز نظرا لطبيعته المعقّدة مقارنة باألنظمة األخرى‪،‬‬
‫أن المعطيات اللسانية تعالج بطريقة وضعية‪ ،‬أي في مظهرها البنيوي والوضعي ال‬ ‫ذلك ّ‬
‫غير‪ ،‬أ ّما المظهر التداولي والتّلفظي فهو من اختصاص النّظام المركزي‪.‬‬
‫يسمح النّظام المركزي بمقابلة المعطيات التي تصله عن طريق النّظام المحيطي وهو‬
‫ما يساعده على ترجمتها بشكل صحيح‪ ،‬وبالتالي تمكين اإلنسان من فهم داللة ك ّل المعطيات‬
‫المتض ّمنة في الرّسالة‪.‬‬
‫فإن ال ّدماغ المركزي يوظّف عمليات استداللية مح ّددة‬ ‫وللتم ّكن من إنجاز هذه العملية‪ّ ،‬‬
‫تفرضها البُنى المنطقية والسياق المتش ّكل في ال ّذاكرة‪.‬‬
‫أن ترجمة المعطيات اللسانية هي من مهام النّظام‬ ‫وبهذا الطّرح‪ ،‬يمكن القول ّ‬
‫المحيطي الّذي يمثّل وحدة مغلقة مح ّددة للبنية الوضعية للغة‪ ،‬في حين يع ّد فهم اللّغة من مهام‬
‫النّظام المركزي‪ ،‬ويمكن أن نمثّل ذلك بهذا ال ّشكل‪:‬‬
‫النّظام المحيطي‬ ‫النّظرية اللسانية البنيوية‬
‫النظام المركزي‬ ‫ّ‬ ‫النّظري اللسانية التّداولية والتفاعلية‬
‫وإذا أخذنا مثاال لجورج يول‪" :23‬هناك امرأة جالسة على مقعد في حديقة عامة‬
‫وأمامها كلب ضخم مستلق على األرض‪ ،‬جاء رجل وجلس على المقعد إلى جانب المرأة‬
‫ال ّرجل‪ :‬أيعض كلبُك؟‬
‫المرأة‪ :‬كالّ‪.‬‬
‫(حاول الرّجل مداعبة الكلب‪ ،‬عضّ الكلب ي ّد الرّجل)‬
‫أن كلبك ال ي ُعض‪.‬‬‫ت‪ ،‬قلت ّ‬ ‫ال ّرجل‪ :‬آخ أن ِ‬
‫المرأة‪ :‬هذا صحيح‪ ،‬ولكن هذا ليس كلبي"‪.‬‬
‫الذهنية عند حدود النّظام‬ ‫من المالحظ أن الرّجل في هذا المثال توقّفت عملياته ّ‬
‫المحيطي‪ ،‬إذ ترجم الجملة من حيث هي وضع أي اعتمد على السياق اللغوي دون غيره‪،‬‬
‫بينما لم تترجم الجملة في النّظام المركزي نظرا الفتقاد المعطيات التداولية التي تحيل إلى‬
‫‪37‬‬
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫عدم نجاح التّعاون بين الشخصين‪ ،‬إذ لم يح ّدد الرّجل مقاصده بشكل جلي‪ ،‬وإجابة المرأة لم‬
‫تكن إال مطابقة للسؤال المطروح نظرا لعدم توافر الشروط التواصلية التي تسمح بنجاح‬
‫العملية التداولية‪.‬‬
‫أن اللغة تميّز الفكر البشري‪ ،‬وتفسر كيفية تواجد العمل‬ ‫نت ّوصل في األخير إلى ّ‬
‫ال ّذهني فيها‪ .‬هذه هي إشكالية اللسانيات المعرفية‪ ،‬فإذا كانت اللسانيات "بمصطلحها‬
‫فإن عليها إضافة تفكير حول الدالالت‬ ‫الصرف" ترتكز على العالقات بين ال ّشكل والمعنى‪ّ ،‬‬
‫اللسا نية في عالقتها بالمفاهيم‪ ،‬وبذلك يُطرح السؤال حول العالقات الكائنة بين اللغة والفكر‪،‬‬
‫وهي العالقة التي عالجتها الفلسفة منذ زمن بعيد وهي محلّ تطوّ رات جديدة في إطار العلوم‬
‫المعرفية‪ .‬ولقد حدثت موافقة نسبية بين عدد من الباحثين من تخصّ صات مختلفة تقول ّ‬
‫إن‬
‫أن اللغة تتك ّون من شكل‬‫اللغة ليست بضرورية للفكر‪ :‬الفكر دون لغة شيء ممكن‪ ،‬ولكن يبدو ّ‬
‫فكري خاص باإلنسان‪ ،‬فاللغة هي التي تش ّغل نوعا خاصا من العمليات‪ ،‬وبذلك تتبوّ أ مكانةً‬
‫أساسية ضمن جميع العلوم اإلنسانية واالجتماعية والتجريبية‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ -‬في ‪ ، 5891‬قام أالن تورينغ وهو شاب متقن للرياضيات بإيجاد إجابة للمشكلة التي طرحها هيلبر ‪Hilbert‬‬

‫في ‪ ،5809‬ومقاله حول األعداد القابلة لالحتساب بتطبيق طريقة ‪ Entscheidungproblem‬يصدر عام‬
‫محددة من‬
‫الرموز وكتابتها على متوالية ّ‬ ‫‪ .5899‬وهذه األعداد يمكن أن تكون محسوبة بآلة قادرة على قراءة ّ‬
‫موجهات للتغيير‪ ،‬وبهذا الصنيع يؤكد تورينغ على‬
‫الرموز على ّأنها ّ‬
‫الخانات‪ ،‬وذلك حتّى يتمكن من قراءة بعض ّ‬
‫إمكانية صنع مثل هذه اآللة‪ .‬ينظر‪Rastier. F, Linguistique et recherche cognitive, Histoire, :‬‬
‫‪Epistémologie ; Langage Revue 11-I, 1989, P 15.‬‬
‫وتتمثّل التّجربة في اختبار ال ّذكاء الصناعي المؤسس على فكرة تقليد المحادثة البشرية‪ ،‬ويتمثّل االختبار في‬
‫وضع اإلنسان في مواجهة لغوية مع الحاسوب‪ ،‬وفي مواجهة إنسان مع إنسان أعمى‪ :‬فإذا كان اإلنسان الذي‬
‫أن اآللة قد اجتازت‬
‫فإنه يمكن اعتبار ّ‬
‫طبيه‪ّ ،‬‬
‫يبادر إلى المحادثات غير قادر على تحديد اآللة من بين مخا َ‬
‫االختبار بنجاح‪.‬‬

‫للنظرية السوسورية التي انطلقت من فكرة "دراسة اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتها"‪ ،‬وهي فكرة‬
‫‪ -‬وهذا تطبيقًا ّ‬
‫تبلور دراسة اللغة دراسة علمية‪ ،‬موضوعية‪ ،‬وداخلية‪ .‬ينظر‪Dessaussure.F, cours de linguistique :‬‬

‫‪ ،générale, Dalila Morsly, ENAG editions, Lger 1990, P IX.‬وينظر أيضا‪ :‬محمد حسن عبد العزيز‪،‬‬
‫سوسور رائد علم اللغة الحديث‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة ‪ ،5898‬ص ‪.51‬‬
‫‪1 - Gardner. H, The Mind’s New science: A History of the cognition revolution, New York:‬‬
‫‪Basic Books, 1985.‬‬

‫‪38‬‬
14 ‫ العدد‬:‫الخطاب‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

2 - Le Moigne, J.L, « Genèse de quelques nouvelles sciences : de l’intelligence artificielle


aux sciences de la cognition » , In Le Moigne, J.L, Editions Mécanismes de l’intelligence,
intelligence des mécanismes, Fayard, Paris 1986, P239.
3 - Bouveresse. J, « psychologie et linguistique : qu’a-t-il de proprement mental dans la
signification et la compréhension ? », in De Mattia, M & al Editions, 2001 , P 32.
4 - Rastier.F, « la sémantique cognitive : éléments d’histoire et d’épistémologie », Histoire et
épistémologie, Langage 15/1, Paris 1993, 168.
5 - Descles. J.P, « Réflexions sur les grammaires cognitives », Modèles linguistiques, 29/XV ,
Paris 1994, P 77.
6 - Albert, Di cristo : « Prosodie et cognition », Conférence, Université de Toulouse, Mai
2002, P 03.
.‫ نظرية االستعارة‬: Lakoff & Johnson ‫ الكوف وجونسون‬-7
.‫النحو المعرفي‬
ّ ‫ نظرية‬: Langacker ‫ لونقاكر‬-8
.‫ نظرية علم الداللة المعرفي‬: Talmy ‫ تالمي‬-9
،‫ كان تأثيره على علم اللغة المعاصر حاسما‬.‫ هو عالم اللغة المعاصر األهم واألشهر‬:‫ نعوم تشومسكي‬-
،‫ أحد أكبر منظري اللسانيات التوزيعية في بداية خمسينيات القرن العشرين‬،‫يد اللغوي زليغ هاريس‬
ّ ‫تتلمذ على‬
‫ األدوات التي‬5811 ‫ التي كتبها عام‬The Logical Structure of Linguistic Theory ‫وصاغ في نظريته‬
‫سمحت ألول مرة لعلم النحو وعلم الداللة االلتحاق بعلم وظائف األصوات في ميدان الدراسات الدقيقة المعللة‬
.‫تجريبي ًا‬
10 - Rastier. F, Linguistique et recherche cognitive, Histoire, Epistémologie ; Langage Revue
11-I, 1989, P10.
11- Gardner, Howard, The Mind’s New Science: A history of the cognitive revolution, New
York: Basic Books, 1985.
12 - Le Moigne, J.L, « Genèse de quelques nouvelles sciences : de l’intelligence artificielle
aux sciences de la cognition », in Le Moigne, J.L, Editions Mécanismes de l’intelligence,
intelligence des mécanismes, Fayard, Paris, P 51.
13 - Albert, Di cristo : « Prosodie et cognition », Conférence, Université de Toulouse, Mai
2002.
14 - Andler, D, « Sciences cognitives », in Encyclopedia Universalis, 1989.
15- Houdé . O & al, Vocabulaire des sciences cognitives, P.U.F, Paris 1998, P 01.
16 - Varela. F, Invitation aux sciences cognitives, Le seuil, Paris 1996, P10-11.
17 - Lazard. G, «What are we topologists doing? », in Frajzyngier &al Editions, 2004, P 03.
18 - Lazard.G, «What are we topologists doing? », P 01
5801 ‫ بلغت أوج تأثيرها بين عامي‬،‫ هي مدرسة في علم النفس‬le béhaviorisme ‫ البيهافيورية أو السلوكية‬-
‫ بما‬،‫ وسعت إلى تفسير السلوك والتعلم عند الكائنات‬،‫ وكانت ترفض دراسة الفكر على أنه غير علمي‬، 5891‫و‬
. ‫ االستجابة‬- ‫ من خالل قوانين اإلشراط بالمثير‬،‫في ذلك البشري‬
39
‫الخطاب‪ :‬العدد ‪14‬‬ ‫مقدمة في اللسانيات المعرفية‬

‫)‪19 - Andler. D, « introduction. Calcul et représentation: les sources » in Andler. D, (éditions‬‬


‫‪introduction aux sciences cognitives, Paris Gallimard, P14-15.‬‬
‫‪20- Lazard. G, «What are we topologists doing? », P 14.‬‬

‫‪21- Lazard. G, «What are we topologists doing? », P 14.‬‬


‫‪22- Fuchs. C, La linguistique cognitive existe-t-elle ?, Quaderns de filologia 14 « New‬‬
‫‪perspectives in cognitive linguistics », P115-133.‬‬
‫التوجه التي جمعت بين نعوم تشومسكي وهاربرت سيمون‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬وهو ما يحيلنا إلى الثالثية العلمية المختلفة‬
‫ومارفين منسكي‪.‬‬
‫‪ -‬الطب يعة الفطرية للغة فكرة نادى بها نعوم تشومسكي وهو في أحضان المدرسة التحولية التوليدية مخالفا‬
‫بذاك ما جاءت به المدرسة السلوكية التي تنظر إلى اللغة نظرة شكلية تجعل اللغة تُكتسب في المجتمع عن‬
‫طريق المثير واالستجابة‪.‬‬
‫ك شفرات الرسالة‪ ،‬واالنتقال‬
‫الدماغ أو األعصاب لف ّ‬
‫‪ -‬نعني بذلك العودة إلى فكرة العمل الذي تؤديه خاليا ّ‬
‫الملم بالمعلومات اإلضافية التي ال تستقى إالّ من البنية‬
‫بها من الجانب اللغوي المحض إلى الجانب المعرفي ّ‬
‫الخارجية للغة ذاتها‪.‬‬
‫فسر ذلك الدكتور عمر بلخير في مقال له بعنوان‪ :‬اللسانيات واإلدراك‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ّ‬
‫قصي العتابي‪ ،‬دار األمان‪ ،‬الرباط ‪ ،0151‬ص ‪.99‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -23‬جورج يول‪ ،‬التداولية‪ ،‬ترجمة‬

‫‪40‬‬

You might also like