Professional Documents
Culture Documents
وزارة التعليم
جامعة الطائف
الكلية الجامعية برنية
اللسانيات
المستوى الرابع
المحاضرة األولى
مفردات المحاضرة
-1التعريف بعلم اللسانيات
-2موضوع علم اللسانيات
-3أهمية علم اللسانيات
-4أهداف علم اللسانيات
-5عالقتة بالعلوم األخرى
أوال :تعريف اللسانيات:
وردت تعاريف متعددة لعلم اللسانيات عند اصطالح علماء اللغة واللسانيات نذكر
منها:
أ -اللسانيات مصطلح يعنى العلم الخاص بالدراسة الموضوعية للغة البشرية من
خالل األلسنة الخاصة بكل قوم ،وهو مشتق من لسن بمعنى فصح واللسان في
اللغة يحمل عدة معاني منها :أداه بلع للطعام /عضو (آلة) للنطق /أداة للتعبير/
لالتصال .ولقد ظهر المصطلح ألول مرة في سنة 1111م مع جهود النحاة
المقارنين ،إالّ أنه تبلور واتضحت حدوده مع اللساني الفرنسي فرديناند دي
سوسير ) (f.de Saussureمن خالل محاضراته المشهورة سنة 1111م.
ب -اللسانيات هي العلم الذي يدرس اللغة اإلنسانية دراسة علمية تقوم على
الوصف ومعاينة الوقائع بعيدا عن النزعة التعليمية واألحكام المعيارية .والمقصود
بالدراسة العلمية التوفر على قدر معين من المنهجية والشمولية التي تتيح اإلحاطة
الموضوعية بكل مفاصل المادة اللغوية .
ثانيا :موضوع اللسانيات:
موضوع اللسانيات هو اللسان و يُدرس اللسان من أبعاده الثالثة ،و هي :
ويخص تتابع األصوات و ترتيبها حسب قوانين اللسان المعيّن،
ّ أ -البعد الصوتي
ب -البعد الداللي:و يتعلق البعد الداللي بالمعاني أو ما يسمى باألفكار أو
المفاهيم
ج -البعد التركيبي :و يتمثل البعد التركيبي في تلك العالقات الوظيفية التي
تحدد طبيعة التراكيب اللسانية
ثالثا :أهمية علم اللسانيات:
/1أهمية علم اللسانيات فتكمن في كونه يقدم لنا دراسة علمية للغات البشرية كافة
خاضعة للضبط والتجريب والموضوعية ،بهدف بناء صيغة علمية »بمفهوم العلم
الفيزيائي« لدراسة بنية اللغات البشرية والتوصل إلى صيغ رياضية تجريدية قادرة
على وصف هذه اللغات وشرحها بدقة ،بحيث يمكننا بعدها مباشرة من االستفادة
التطبيقية لهذا العلم في مجاالت حياتية كثيرة
/2ولعل أظهر األدلة على أهمية اللسانيات ومنزلتها ووجاهة شأنها ومركزيتها
قدرتها على محاورة العلوم األخرى محاورة متكافئة بل متفوقة؛ فلقد أن انتهى
العلم اللساني إلى حقول بينية متفوقة:مثل اللسانيات اإلجتماعية ،واللسانيات
الحاسوبية ،واللسانيات العصبية ،واللسانيات البيولوجية ،واللسانيات التربوية،
واللسانيات األدبية...
رابعا :أهداف علم اللسانيات:
-1علم اللسانيات هو العلم الوحيد الذي استطاع أن يخرج من دائرة العلوم اإلنسانية
ليكون عل ًما قائما بذاته
-2حققت اللسانيات الخروج من دائرة الوصف إلى دائرة التفسير.
-3تعتبر اللسانيات من العلوم الحديثة التي كان لها األثر البالغ في مختلف العلوم
و ّ مجاالت الحياة و ذلك من خالل النظريات التي أفرزتها و النتائج القيمة التي
توصلت إليها الدراسات اللسانية
-4نجد اللسانيات الملفوظية فهي تمثل فرع جديد من فروع اللسانيات فلقد تنوعت
الدراسات المتعلقة بالملفوظية فهي عبارة عن جملة من العوامل و األفعال التي
تتسبب في إنتاج الملفوظ بما في ذلك التواصل الذي يشكل حالة خاصة من حاالت
الملفوظية .
-5تسعى اللسانيات إلى معرفة أسرار اللسان من حيث هو ظاهرة إنسانية عامة فى
الوجود البشري .
-1استكشاف القوانين الضمنية التى تتحكم فى بنيته الجوهرية .
-7البحث عن السمات الصوتية ،والتركيبية ،والداللية الخاصة للوصول إلى وضع
قواعد كلية .
-1تحديد خصائص العملية التلفظية ،وحصر العوائق العضوية ،والنفسية
واإلجتماعية التى تعوق سبيلها.
-1تعنى اللسانبات باللهجات والتفضل الفصحى على غيرها.
-11تسعى اللسانيات الى بناء نظرية لسانية لها الصفة العموم.
-11تهتم اللسانيات باللغة المنطوقة قبل المكتوبة.
-12تدرس اللسانيات اللغة في كلياتها على صعيد واحد ضمن تسلسل متدرج من
األصوات.
خامسا :عالقته بالعلوم األخرى
إنّ الحديث عن عالقة اللسانيات بالعلوم األخرى ،هو حديث عن تجاوز الباحث
اللساني البنية اللغوية ونظامها الخاص ،إلى الحديث عن األبعاد العرقية
واالجتماعية و النفسية واألدبية....الخ هذه األبعاد التي تندرج فيما يسميه محمد
محمد يونس علي باللسانيات الموسعة.
وكما أنّ لسائر العلوم الكونية ،واللغات البشرية ،ارتباطات متعددة ومتنوعة سواء
إنسانية أم طبيعية ،فإنّ للسانيات ارتباطات و عالقات وطيدة بعلوم انسانية
وطبيعية ،بل وحتى التقنية منها فيختص كل واحد منها بجزء معين من هذا الكل
المسمى باللسانيات ،وهذا دليل قاطع بأن اللسانيات ليست علما واحدا معزوال عن
العلوم الـاخرى ،وإنّما مجموعة علوم تفرعت عن الدراسة العلمية الموضوعية
للغة ،وقد أصبح لكل فرع من هذه العلوم أبحاثا و دراسات بل وعلماء متخصصين.
ومن هذه االرتباطات نذكر :
أ – ارتباطاتها بالعلوم االنسانية :
1 -اللّسانيات االجتماعية :إنّ اللغة ظاهرة اجتماعية تخضع للمجتمع ،وألعرافه
وقواعده و قوانينه كسائر الظواهر االنسانية ،ومن ثم ،فإنّ اللسانيات االجتماعية
تهتم بهذه العالقة الموجودة بين اللغة و المجتمع من تأثير الثانية في األولى ،فاللغة
كما قلنا سلفا منظومة اجتماعية يؤطرها أفراده و ينظمها على نحو معين ،مايجعل
منها مغايرة للغة أخرى على مستوى الوحدات اللغوية المستعملة و على مستوى
النظام المسير لهذه الوحدات على جميع المستويات الصوتية ،والصرفية ،والنحوية
،والمعجمية والداللية.
فاللسانيات االجتماعية تخصص علمي يجمع كل من علم االجتماع واللسانيات و
علم الجغرافيا البشرية ،وعلم اللهجات .
ولعل مايجب التنبيه إليه هو االختالف القائم بين اللسانيات االجتماعية واجتماعية
اللسانيات حيث ترتكز اللسانيات االجتماعية -كما قلنا سلفا – على تأثير المجتمع
في اللغة ،بينما ترتكز اجتماعية اللغة على تأثير اللغة في المجتمع ،لكن هذا ال
يعنى أنهما متناقضين فها يستفيدان من نتائج بعضهما في معضم طروحاتهما.
كما يتداخل هذا العلم كذلك ،الى حد كبير ،مع التداولية ،خصوصا في اكتساب الكلمة
لمعاني متعددة بتعدد المجتمع المقولة فيه؛ أي السياق االجتماعي ،وهو ماتعتمد
عليه التداولية بكثرة ( معنى الكلمة ومعنى مقصود المتكلم من خالل المقام أو
السياق.
يعتبر أنطوان ميلي " " antoine meilletمن أهم الباحثين الذين يدعون إى
ضرورة دراسة التأثير و التأثر القائم بين اللغة والمجتمع ،متأثرا بعالم االجتماع
دوركايم ،كما أنجز سيريل تريميل " " cyril trimailleرسالة دوكتوراه بعنوان
" مقاربة سوسيولسانية في لغة المراهقين approche sociolinguistique
" de la socialisation langagiére d'adolescentsيشرح في جزء منها
االنتقال الذي تم من اللسانيات البنوية الى اللسانيات االجتماعية( ) ،في محاولة منه
لفهم السلوكات اللغوية للمراهقين في مجتمعات معينة وتأثير هذه المجتمعات في
تكوين الرصيد اللغوي عند الطفل .
2-اللسانيات النفسية :نشأ هذا العلم نتيجة االتصال الوثيق بين علم النفس من
جهة وعلم اللغة من جهة أخرى ،وهو يهتم بدراسة العوامل النفسية المؤثرة في
اللغة بعامة ،و في اكتسابها بصفة خاصة؛ أي عالقة النفس البشرية باللغة ،إذ هو
نمط جديد لمقاربة الظاهرة اللغوية بالظاهرة النفسية.
لعل من أه ّم الذين يعود الفضل لهم في إرساء دعائم هذا العلم ،هو عالم اللسانيات
األمريكي "نوم تشومسكي" ،الذي دافع عنه إلى درجة الغلو ،حين قال بأنّ علم
اللغة ،بكل فروعه ومستوياته ما هو إال فرع من فروع علم النفس ،كما يرى أن كل
البنى اللغوية ،على جميع مستوياته ،واألنساق المفهومية موجودة داخل ذهن
المتكلم ،بحيث تسمح له بإنتاج وفهم عدد ال متناه من األفكار ،لم يسمعها ،ولم يقلها
من قبل .فيما ينفي عبد الرحمن بودرع أن تكون اللسانيات محتواةً في علم النفس
معتبرا العالقة بينهما مجرد عالقة شراكة في الموضوع ال غير ،ولعل "بوهنر"
و"وندث" كانوا أكثر اعتداال من تشومسكي في فهمهم للعالقة بين العلمين ،و
عكس كل من "يونج" و "فرويد" اللذين كانا يرجعان كل التصرفات اللغوية إلى
المكبوتات النفسية ،و على سبيل المثال ،إذا واجه المحلل النفسي عقدة معينة
يعاني منها فإنّه يطلب من المريض أن يتكلم لكي يحاول أن يكشف عن علة المرض
ألنه حسب اعتقاد المحلل كل العقد لديها عالقة باللغة المستعملة.
قبل أعوام قالئل كان هذا العلم يدرس في الجامعات الجزائرية ضمن تخصص األدب
العربي قبل أن يح ّول و يقتصر على قسم علم النفس.
3-اللسانيات الثقافية :وهي تبحث في عالقة الوضعية الثقافية للفرد والمجتمع مع
الرصيد وتأثير المستوى الثقافي للفرد في لغته و كذلك مقدرته على اكتساب لغات
أخرى سوى لغته األم ويتداخل هذا الفرع بشدة مع اللسانيات االجتماعية في عدة
نقاط محورية وفرعية ،منها فكرة االجتماعية.
4-اللسانيات األدبية :إنّ الحديث عن اللسانيات األدبية هو حديث عن نقل األدب
من مجال الفن الى مجا ل العلم وهو حديث كذلك عن ابنة اللسانيات الحديثة من
األدب ونقصد هنا علم األسلوب أو األسلوبيةو األسلوبيات ،التي ترتبط بها ارتباطا
وثيقا بأمها اللسانيات ،نتيجة تفاعل هذه األخيرة مع مناهج النقد األدبي الحديث
،فتنطلق اللسانيات من حقيقة أنّ األدب يتعامل باللغة ،وأنّ اللسانيات تدرس جميع
أنواع و مستويات اللغة ،سواء أدبية أم عادية .واللسانيات في األدب تحاول أن
تفهم بناء الخطاب األدبي فتدرسه في جميع مستوياته( الصوتية والصرفية
والتركيبية والداللية) جاعلة منه مادة الدراسة فتسعى إلى تصنيفه وترتيبه ترتيبا
علميا ،فتهتم أيضا بدراسة أفضل التقنيات اللسانية التي يستخدمها األديب ليكون
عمله أكثر تأثيرا و فهما في المجتمع ،كما يقدم األدب للسانيات عينات وشرائح
أدبية متنوعة من أجل دراستها وبناء نظريات علمية في النقد األدبي .وهناك حاليا
كثير من الباحثين العرب الذين يدرسون في اللسانيات األدبية أمثال نور الدين السد
وصالح فضل و سعد مصلوح ومصطفى درواش ،ومن الغرب أمثال شارل بالي و
سبيتزر ،وقد كانت اهتمامات هؤالء األسلوبيين منصبة في اللغة واألدب معا ،ومن
أهم الموضوعات التي يعالجونها مايسمى بالعدول في اللغة واالنزياح في األدب،
ويهتمون كذلك بالمجاز والجناس ،فنلفي مواضيعهم متاشبهة بمواضيع علماء
البالغة.
ملخص اللسانيات
إن ظهور الدرس اللغوي ليس جديد العهد ،وإنما يعود تاريخ نشأته إلى قرون قبل
الميالد .وتتفق جل آراء الباحثين اللغويين والمؤرخين على أن الدرس اللغوي بدأ
أول ما بدأ عند الهنود في القرن الخامس أو الرابع قبل الميالد على يد بعض
اللغويين الهنود ،وعلى رأسهم إمام نحوييهم بانيني .PANINIفظهور
السنسكريتية التي هي أساس أداة األدب "الفيدي" الكتاب المقدس لديانة الهنود
ولعل اهتمامهم بدراسة لغتهم في هذا الوقت المبكر كان لهدف ديني في المقام األول
من أجل قراءة نصوص الفيدي قراءة صحيحة.
وجاءت دراستهم للغتهم على درجة عالية من التنظيم ،والدقة ،واشتملت هذه
الدراسة على علم اللغة ،وفروعها من دراسة األصوات ،واالشتقاق ،والنحو
والمعاجم ،وفقه اللغة .وأهم دراسة أظهروا فيها تفوقهم :الدراسات الصوتية
خاصة ،ثم النحو وميزوا الفعل عن االسم وحروف الجر واألدوات المتممة
ويبدو أن التعرف على صالت القربى اللغوية بين السنسكريتية واللغات
والحديثة تحقق بزمان غير يسير قبل أن يؤكد "السير األوربية القديمة
وليام جونس" ذلك ،وكان المبشرون الكاثوليك قد أشادوا بذلك التشابه حوالي
القرن 61مممثلين في "فيلبوساستي" االيطالي واألب "كوردو" الفرنسي
و"شولز" األلماني ،وكان لهذه الفكرة أصداء واسعة عشية إعالن "السير وليام
جونس" آلرائه في القرابة اللغوية ،والظاهر أن دوافع غير علمية لم تخل من
روح االستعمار هي التي حملت العلماء األلمان على االهتمام بالدراسات التاريخية
المقارنة ،وتعلم السنسكريتية لغة وأدبا ،والدعوة إلى تعلمها في الجامعات
األلمانية واإلنجليزية والفرنسية ،أما ترجمة األدب الهندي القديم إلى اللغات
األوربية فقد بدأن منذ عام 6181م ،وهذا يقودنا حتما إلى الحديث عن الجهود
الهندية القديمة في البحث اللساني وخدمة اللغة السنسكريتية ببناء منظومتها
النحوية إلى درجة جعلت المعاصرين يبهرون بالمنجز اللساني الهندي ،بل يحاول
البعض تأصيل الدراسات التالية باالعتماد على المنوال الهندي .
نظرية اللغة عند الهنود
الحق أن الدرس الهندي للغة تم في إطار رؤية وصفية تتعامل مع
الظاهرة اللسانية بوصفها بنية صوتية وصرفية ونحوية وداللية ،وقد تولد هذا
االهتمام المنقطع النظير في الحضارات القديمة عن شعور ديني أساسة الحفاظ على
النصوص الدينية الشفهية التي تمثل الفيدا ذلك الكتاب العقدي الذي ظهر
حوالي 6088ـ 6888ق.م ممثّال عقيدة وشريعة البراهمية ،ولعل هذا الحرص
تولد عن شعور بتلك الفوارق اللهجية الموجودة في بالد الهند القديمة والتي تظهر
في عادات كالمية متباينة من شأنها التأثير في سالمة نطق النصوص المقدسة أو
سوء فهمها ،غير أن المثير لالندهاش هو تحول الرغبة الدينية إلى درس منهجي
يتخذ من اللغة السنسكريتية موضوعا للدرس ويجعلها بؤرة في اهتمام التفكير
الهندي القديم ،كما أن تلك اآلراء الثاقبة التي وصلتنا عن طريق "بانيني" تنم عن
مرحلة جد متقدمة نشأ فيها هذا االهتمام ،ثم تطور ليصل ناضجا مع قواعد المثمن
(الكتب الثمانية) ،بل أن هذه القواعد سرعان ما تركت أثرا في التنظير النحوي
للغات أخرى كالتاميلية وهي لغة درافيدية في وسط جنوب الهند (ت0ق
م)والتيبيتة.
أما عن مجاالت االهتمام اللغوي عند الهنود فيمكن تفريعها إلى:
اهتمامات تدخل في صميم النظرية اللسانية العامة
اهتمامات تدخل في علمي الداللة والمعجم.
اهتمامات صوتية .
اهتمامات صرفية ونحوية .
فبالنسبة إلى مشكلة نشأة اللغة سرعان ما تحقق علماء الهنود من الدور
المحدود جدا الذي يمكن أن يقوم به عامل المحاكاة الطبيعية في اللغة ،وأن العالقة
العرفية ومبدأ التواضع االجتماعي هو العالقة النموذجية في ظهور اللغة وتطورها،
ويبدو أن هذا الموقف أسس على شعور باعتباطية العالقة بين اللفظ ومعناه ،كما
تلمس الهنود في اللغة طبيعتها الخالقة في التعبير عن المعاني الالمنتهية انطالقا
من مصادر محدودة ،كما أن المعاني التي تتخذها اللفظة الواحدة كثيرة بالنظر إلى
تعدد السياقات التي ترد فيها تلك اللفظة أو غيرها ،وفي هذا السياق ناقشوا الفرق
بين الحقيقة والمجاز وحدود كل منهما في اللغة .ولعل المهتم في الفكر اللغوي
الهندي يصاب بالحيرة العلمية وهو يطالع آراءهم في قضية أولية الكلمة في مقابل
أولية الجملة وارتباطهما بالمعنى ففي حين ذهب البعض إلى أن الكلمة هي أصغر
وحدة دالة في اللغة،ذهب آخرون وفي مقدمتهم اللغوي الشهير " بهاتر هاري"
مؤلف "الفاكيا بيديا" إلى أن الجملة هي الوحدة الداللية الدنيا في اللغة بوصفها
قوال غير قابل للتجزئة دالليا فجملة "أجلب حطبا من الغابة" ال يمكن أن تفهم من
خالل الكلمات وهي منفصلة بل وهي متضامة مركبة وفق هذه العالقات النحوية.
كما ناقش الهنود الفروق الكائنة بين اللغة والكالم في نظرية
"السبهوطا" أمميزين بين ما هو حدث فعلي وتحقق فردي وبين ما هو موجود دائم
غير متجسد .
وفي مجال الصوتيات ترك الهنود مالحظات جد صائية في وصف نظام
لغتهم الصوتي اعتمادا على مبدأ السماع ،ويعتقد بعض الباحثين أن هنري سويت
مؤسس الصوتيات اإلنجليزية قد بدأ درسه الصوتي من حيث انتهى الهنود،
ويؤرخ لهذه األعمال ما بين 1ق.م و 658ق .م .
ويمكن أن نطّلع في هذا اإلطار على وصفهم للجهاز النطقي من خالل تقسيم
أعضاء النطق إلى أعضاء فموية(أسنان ،لسان ،شفتين ،أو أعضاء غير فموية
(مزمار ،رئتين ،فراغ أنفي) ،ويبدو إدراكهم ألثر هذه األعضاء في تحديد صفات
الصوت اللغوي واضحا فيما وصل من آراء ،كما قسموا األصوات إلى أصوات أنفية
وغير أنفية ؛ أما منهجهم في وصف األصوات فقد انطلق من أقصى الحلق إلى
الشفتين ،كما قسموا األصوات بسبب وضعية اإلعاقة التي تعترض الهواء أثناء
النطق مما جعلهم يميزون بين أصوات صوامت وقفية وأنفية واحتكاكية وأشباه
صوائت وصوائت.
وقد تم التمييز بين الجهر والهمس بالرجوع إلى انغالق أو انفتاح
المزمار ،وإلى جانب هذه االهتمامات الصوتية ألمح الهنود إلى وجود ثالث نغمات
في السنسكريتية الفيدية وهي النغمة العالية والمنخفضة والهابطة ،كما تحدثوا عن
المقطع وطول ومدة الصوت أثناء النطق به.
من أعالم المدرسة الهندية القديمة
يقول بلومفيلد ..." :يعد بانيني معلما من أعظم معالم الذكاء اإلنساني
"....؛ذلك أنه قدم عرضا شامال ودقيقا للقواعد الصرفية والنحوية للغة
السنسكريتية بوصفها من أقدم لغات األسرة الهندو أوربية ،ويقول روبنز" :إن
هذه القواعد ليست قواعد عارية يمكن أن تكون كاملة ،وربما يجب وصفها بشكل
أفضل على أنها صرف توليدي للغة السنسكريتية " ..ويبدو أن هذا الوصف الذي
قدمه "روبنز" له ما يبرره ذلك أنه قدم هذه القواعد في تعابير قصيرة مثل األقوال
المأثورة في مضمونها تعريفات ووصفا لعمليات صياغة الكلمة ،وقد أطلق على
هذه القواعد بـ السوترة ،و علق أحد العلماء على هذا االقتصاد في صياغة القواعد
بقوله ":إن توفير نصف طول صائت قصير في صياغة قاعدة قواعدية كان يعني
للقواعدي ما يعنيه ميالد طفل" وربما يكون هذا الولوع باالقتصاد ثمرة ومحصلة
لنمط المعرفة الذي استوعبته الثقافة الشفوية والحفظ عن ظهر قلب في تلك
المرحلة التاريخية غير أن هذه القواعد في شكلها غير صالحة للتدريس كما هي،
بل البد من عمل ذهني يستهدف شرحها وتوضيحها ،وهو ما دفع "باتنجالي"
النحوي الهندي الشهير إلى كتابة "المهابها صهيا" أو "التعليق الكبير"،وقد بين
الهنو د في إطار دراساتهم النحوية أن الكلمة تنقسم إلى أسماء وأفعال متصرفة
وحروف جر وأدوات ،ويشترط الهنود شروطا لمقبولية الجملة هي :توافر
عناصر هي :إمكانية التوقع المتبادل والمناسبة الداللية والتجاور في الزمان كما
بيّنوا انقسام الفعل في لغتهم إلى ماض وحاضر ومستقبل وعرفوا المفرد والمثنى
والجمع منذ عصر مبكر مثلما أشار إلى ذلك أحمد مختار عمر «أما بانيني فقد كان
تقسيمه للكلمة في البدء ثنائيا فهو لم يذكر إال الفعل في الدائرة األولى وجعل في
الدائرة الثانية ما ليس بفعل كاألسماء والحروف » ولعل مفهوم الصفر اللغوي الذي
تتمايز به األحداث النحوية يأتي في مقدمة ما أبدعه بانيني للفكر اللساني عامة
الزالت أصداؤه إلى يومنا في دراسات البنويين فجنس الفعل مثال يتحدد في لغتنا
بأحد أمرين بتاء التأنيث أو خلوه منها كما اهتدى التفكير الهندي في النحو إلى نوع
من الكلمات بجمع بين الخصائص الفعلية واالسمية وهو ما يقابل عندنا "اسم
الفعل" كما أشاروا إلى داللة الحروف في ذاتها أو في غيرها.هذا بالنسبة إلى النحو
أما علم األصوات فقد كان علما مستقال عندهم أولوه عناية فائقة للسبب الديني
الذي أتينا على ذكره ــ سابقا ــ وتبرز إسهاماتهم في جوانب كثيرة أهمها تقسيم
األصوات بسبب مخارجها وصفاتها ودور الحنجرة في حدوثها ،وقد كان تقسيمهم
على ما يبدو مبنيا على درجة تقارب أعضاء النطق عند العملية ،وقد ألمح إلى هذه
الفكرة الدكتور السعران في كتابه علم اللغة مقدمة إلى القارئ العربي .ومما تجدر
اإلشارة إليه هو احتواء األبجدية الهندية على 56حرفا .
البحث المعجمي.
لم يهتم الهنود بالدراسة المعجمية والظاهر أن سبب ذلك الخوف على
نطق السنسكريتية كان أكثر وأقوى درجة من الخوف على عدم فهمها ،ولكونها لغة
فتة معينة وليست لغة عامة الشعب ،ولعل أولى األعمال القليلة في هذا المجال
ارتبطت بشرح الكلمات الصعبة في الفيدا في العصور المتأخرة نسبيا في شكل
معاجم معاني وهو " األماراكوزا" وقد ألمع "محمود جاد الرب" في كتابه "علم
اللغة نشأته وتطوره" إلى وجود معجم مهم ظهر حوالي القرن 66مومما يرتبط
بالجانب الداللي العالقة بين اللفظ والمعنى فمن الهنود من ذهب إلى وجوب الفصل
بينهما على طرفي نقيض ومنهم من رأى ضرورة المطابقة وعدم الفصل ورأى
فيها وجهين لحقيقة واحدة فأحدهما ضروري لآلخر بالمعنى الحديث في لسانيات
سوسير وتالمذته . ،كما نرى آخرين أغوتهم المحاكاة الصوتية والرمزية اللغوية
للتأكيد الشديد على الطبيعة الفطرية للغة في مقابل القائلين بعرفيتها وخضوعها
لمبدأ المواضعة البشرية.ونشير في عجالة للموضوعات األخرى التي ناقشوها
بجدية وهي :التطور الداللي للكلمة ،و الداللة األساسية في مقابل المجازية ،وأهمية
السياق في إيضاح المعنى .
ثالثا ا:البحث اللغوي عند األغريق الرومان
واليونانيون هم بدورهم درسوا لغتهم دراسة صوتية وصفية ،وكانت
دراستهم للغتهم تكاد تكون متزامنة مع دراسة الهنود ،دون أن نجد في الكتب
اللغوية أية إشارة تأثر األولى بالثانية بعكس تأثير الرومان في اإلغريق.
ويلتقي الدكتور أحمد مختار عمر ،والدكتور محمود السعران حينما يتناوالن الدرس
اللغوي عند اليونان بحيث يؤكدان أن التفكير اللغوي عند اليونانيين بدأ مرتبطاً
بالفلسفة ،وكان اللغويون األوائل فالسفة والبداية الحقيقية لدراسة لغتهم كانت منذ
زمان" ،أوربيدس 081-018ق .م" الذي فرق بين حروف العلة والحروف
الصحيحة ،ثم جاء بعده "أفالطون حوالي "703-001ق .م" ويعرض التحليل
الصوتي لوحدات التقطيع الثاني في حواره كراتيل Cratyleوجاء بعده "أرسطو
700-710ق.م" وتناول التحليل الصوتي في كتابه "فن الشعر" وعرف الصوت
"الحرف" و حدوثه في اللسان والشفتين الخ ...غير أن دراسة اإلغريق للغتهم كما
يزعم جورج مونين كانت تتركز على بنية اللغة ونشأتها ولم تكن هذه الدراسة
وتنوعها. اللغة بتطور مهتمة
ج-الرومان تالمذة اليونان وورثتُهم ،إليهم يعود نقل بحوث اليونانيين اللغوية،
وكان اليونانيون مقلدين أكثر منهم مبدعين ومجددين ،ومن أشهر نحاتهم
"فارو "Varronالذي عاش "في القرن األول ق .م".
خالصة المحاضرة
المحاضرة الرابعة
البحث اللغوي في العصر الحديث
مفردات المحاضرة:
-1مظاهر تطورالدراسات اللغوية ماقبل القرن التاسع عشر
-2مظاهر تطورالدراسات اللغوية فى القرن التاسع عشر
أولا:مظاهر تطورالدراسات اللغوية ماقبل القرن التاسع عشر.
تاريخ ظهور البحث اللغوي :
إن الحديث عن تاريخ ظهور البحث اللغوي طويل ا
جدا ،ويطول بنا المقام لسرد
مراحله الزمنية عبر التاريخ القديم والحديث .وكيف تطور عبر هذه الحقب من
القرون الغابرة إلى أن ظهر في شكله الحداثي مع القرن التاسع عشر في غرب
أوربا .ول مانع من أن نعطي لمحة عن تاريخ ظهور البحث اللغوي قديما ا وحديثا ا
في شكل مختصر جداا ،معتمدين في التحديد على الكتب اللغوية التي تناولت
المسألة بشكل دقيق ومحدد.
إن ظهور الدرس اللغوي ليس جديد العهد ،وإنما يعود تاريخ نشأته إلى قرون قبل
الميالد .وتتفق جل آراء الباحثين اللغويين والمؤرخين على أن الدرس اللغوي بدأ
أول ما بدأ عند الهنود في القرن الخامس أو الرابع قبل الميالد على يد بعض
اللغويين الهنود ،وعلى رأسهم إمام نحوييهم بانيني .PANINIفظهور
السنسكريتية التي هي أساس أداة األدب "الفيدي" الكتاب المقدس لديانة الهنود
ولعل اهتمامهم بدراسة لغتهم في هذا الوقت المبكر كان لهدف ديني في المقام
األول من أجل قراءة نصوص الفيدي قراءة صحيحة.
وجاءت دراستهم للغتهم على درجة عالية من التنظيم ،والدقة ،واشتملت هذه
الدراسة على علم اللغة ،وفروعها من دراسة األصوات ،والشتقاق ،والنحو
والمعاجم ،وفقه اللغة .وأهم دراسة أظهروا فيها تفوقهم :الدراسات الصوتية
خاصة ،ثم النحو وميزوا الفعل عن السم وحروف الجر واألدوات المتممة.
واليونانيون هم بدورهم درسوا لغتهم دراسة صوتية وصفية ،وكانت دراستهم
للغتهم تكاد تكون متزامنة مع دراسة الهنود ،دون أن نجد في الكتب اللغوية أية
إشارة تأثر األولى بالثانية بعكس تأثير الرومان في اإلغريق.
ويلتقي الدكتور أحمد مختار عمر ،والدكتور محمود السعران حينما يتناولن
الدرس اللغوي عند اليونان بحيث يؤكدان أن التفكير اللغوي عند اليونانيين بدأ
مرتبطا ا بالفلسفة ،وكان اللغويون األوائل فالسفة والبداية الحقيقية لدراسة لغتهم
كانت منذ زمان" ،أوربيدس 044-084ق .م" الذي فرق بين حروف العلة
والحروف الصحيحة ،ثم جاء بعده "أفالطون حوالي "703-028ق .م" ويعرض
التحليل الصوتي لوحدات التقطيع الثاني في حواره كراتيل Cratyleوجاء بعده
"أرسطو 722-780ق.م" وتناول التحليل الصوتي في كتابه "فن الشعر"
وعرف الصوت "الحرف" و حدوثه في اللسان والشفتين الخ ...غير أن دراسة
اإلغريق للغتهم كما يزعم جورج مونين كانت تتركز على بنية اللغة ونشأتها ولم
تكن هذه الدراسة مهتمة بتطور اللغة وتنوعها.
ج-الرومان تالمذة اليونان وورث ُتهم ،إليهم يعود نقل بحوث اليونانيين اللغوية،
وكان اليونانيون مقلدين أكثر منهم مبدعين ومجددين ،ومن أشهر نحاتهم "فارو
"Varronالذي عاش "في القرن األول ق .م".
ثم "دوناتوس "Donatusالذي عاش في القرن الرابع الميالدي "وبرع في
صناعة النحو" ثم "بريسكيان Priscienالذي عاش في القرن السادس الميالدي"
صاحب كتاب اللغة .
د-وكان العرب كغيرهم من األمم السابقة سباقين لدراسة لغتهم ،بعد أن استقر
الدين اإلسالمي واعتنقوه عقيدة في عبادتهم ،فكان أن اهتموا بوضع ما يحفظ
المصحف الشريف ويصونه أثناء تالوته وحفظه خشية الوقوع في اللحن
والتحريف ،والتصحيف ،في زمن أخذ فيه الختالط يعم الجزيرة العربية بين
األعجام والعرب الخلص بسبب وحدة اإلسالم ،ولم يلبث الرجال المخلصون
لعقيدتهم اإلسالمية ،والغيورون على لغتهم العربية التي بها نزل القرآن الكريم ،أن
دفعتهم فطرتهم الذاتية وإيمانهم القوي ،فهبوا لوضع قواعد نحوية في بادئ األمر
كمرحلة أولى لتصون األلسنة من الوقوع في اللحن الذي أخذ يتفشى حتى في
بيوت األشراف من العرب وعلماء األدب.
وكانت دراستهم للعربية قد انطلقت في بداية أمرها من الظاهرة الصوتية النحوية
المتمثلة في تنقيط اإلعراب زمان أبي األسود ت 46هـ) بداية لمرحلة سوف تكون
مرحلة الزدهار للدرس اللغوي في جميع خصائصه وتخصصاته ،من دراسة
مفردات أو دللة ،ونحو وصرف ودراسة صوتية ،وبالغية أو غيرها كالتي تخدم
العربية وكتاب هللا ،ألن هذه الفترة شهدت اإلقبال على دراسة العلوم الدينية من
تفسير لكالم هللا ،والوقوف على غريب القرآن ،ودلئل اإلعجاز الرباني ،مع ظهور
القراءات القرآنية ،فكانت مسألة الدراسات اللغوية المرتبطة مكملة بل هي في
خدمة العلوم الدينية ،وظهور رجال كثيرين برعوا وتفوقوا في التأليف والتقعيد
اللغوي والصوتي والبالغي :نذكر بعضهم على سبيل المثال ل الحصر ،كالخليل بن
أحمد الفراهيدي ت 131هـ) ،وسيبويه ت 184هـ) ،ويونس بن حبيب 187هـ)
مروراا بأحمد بن فارس ت 712هـ) ،وابن جني ت 761هـ) ،وعبد القاهر
الجرجاني ت 031هـ) ،والزمخشري ت 178هـ) ،والسكاكي ت 424هـ)،
وغيرهم ممن قدموا خدمات جليلة للعربية ومجالت الدراسة بصفة عامة.
نزرا
إن الحديث عن اللغة طويل ول يمكن لنا مهما اختصرنا الكالم أن نذكر إل ا
قليالا فقط ،وتجن ابا إلطالة الموضوع فإننا نتخطى القرون الوسطى ،ومجهوداتنا في
البحث اللغوي المتواضع ،تعتبر امتداداا لعهد النهضة الفكرية األدبية والعلمية
وعصر التنوير وما بعدها.
ومع بداية النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميالدي شهد البحث اللغوي
تطورا ويقظة وتجديداا لم يسبق له مثيل من قبل على يد ثلة من الباحثين الغربيين
ا
اإلنجليز ،والفرنسيين ،واأللمان ،واإليطاليين ،وغيرهم من بعض األقطار األوربية
ثم يصل األمر فيما بعد إلى قارة أمريكا.
كانت الدراسات اللغوية في الغرب قد عرفت طريق النتعاش ،والزدهار منذ أن
توصل "فردريك أوجست ولف" إلى ابتداع النقد المقارن للنصوص القديمة
المكتوبة في سنة 1333م) وكان هذا المنهج في رأي الدارسين اللغويين عامالا
ا
وأساسيا أقيم على ضوئه تصنيف اللغات على أسر ومجموعات أساسية سا
رئي ا
وفرعية.
تطورا وشهرة ،وذلك بعدما تم الكشف عن اللغة ا ثم زادت البحوث اللغوية
السنسكريتية على يد العالمة اإلنجليزي اللغوي وليام جونز 1384م) فكانت هذه
اللغة محل ميدان دراسة للمنهج المقارن الذي أصبح يستقل بدراسة السنسكريتية،
ودرس جونز هذه اللغة واللغة األوربية وما يوجد بينهما من شبه في ظل المنهج
المقارن ،إلى أن توصل كما يزعم إلى أن السنسكريتية هي أم اللغات الهند أوربية،
ولم تقف الدراسة عند هذا الحد ،بل تطورت البحوث اللغوية ودرست اللغات
وشجرة أنسابها ،وقد درست اللغة العربية وأخواتها السامية العبرية ،والفينيقية،
واألكدية ،والحبشية ،وأثبت العلماء وجود شبه وتقارب بين هذه اللغات في كثير
من األمور الفرعية النحوية واللغوية والشتقاقية والدللية فقالوا إنها تنتمي إلى
أسرة واحدة.
ويرى الباحثون اللغويون أن اكتشاف اللغة السنسكريتية وتطبيق المنهج المقارن
هما عامالن أساسيان في تثبيت وتطوير الدراسات اللغوية خالل القرنين الثامن
عشر والتاسع عشر وبعدها ،وظل المنهج المقارن مسيطراا في ميدان البحث
اللغوي إلى أن ظهرت النظرية التطورية الداروينية في حدود 1834م) .وتأثر بها
علماء اللغة كغيرهم ،وزعمت أن اللغة كسائر الكائنات الحية الطبيعية المتغيرة ول
سيما عالم الحيوان والنبات تشهد تغيرات وتطورات ،مثلها مثل كل الكائنات تولد
ألفاظ وتموت ألفاظ.
وأثبت األلمان جدارتهم في تطوير البحث اللغوي خالل القرن التاسع عشر كغيرهم
من الفرنسيين واإلنجليز.
وما إن دخل القرن العشرين حتى شهد الدرس اللغوي منعطفا ا جديداا ،ودراسة
وتطويرا في المنهج واألسلوب ،وبخاصة عندما ظهر العالم اللغوي
ا معمقة،
السويسري فرديناند سوسير )Saussure) 1857-1913الذي يعتبره الدارسون
المحدثون اإلمام والمعلم الحقيقي الذي فجر الدرس اللغوي ،وفهم اللسانيات على
حقيقتها ،ووضح اختصاصاتها ،وبين مناهجها وحدودها ،وهو من رفع شعار
دراسة اللغة لذاتها ومن أجل ذاتها.
إن بحوث دوسوسير اللغوية اللسانية أصبحت تشمل جميع قطاعات اللغة على حد
سواء ،كاألصوات والنحو ،والصرف ،والمعجم ،والدللة مستفيداا من مناهج البحث
اللغوي الذي سبقته كالمنهج التاريخي ،والمنهج المقارن ،والوصفي الذي كان
العمود الفقري في أبحاثه اللغوية.
ومن األعمال الجليلة التي قام بها هذا العالم المعاصر ،دراسته للسانيات العامة
صلُه على تحديد خصائص ومفاهيم كل من اللغة Langageوالكالم ،Parole وتو ُّ
والتي تدخل في جوهر الدرس اللساني أو الثنائية اللسانية ،واللسانيات عنده هي
منظومة اجتماعية ،ودعا إلى دراسة اللسان ألنه اجتماعي وعرفي(. )12
تأثر دوسوسير في دراسته بإميل دوركيم ،العالم الجتماعي الفرنسي الذي كان
صديقا ا له( )17في مسألة اللغة باعتبارها ظاهرة اجتماعية ،وكان دوسوسير أول
لغوي في زمانه قدم دراسة لغوية مستوفية تخص الدال والمدلول "الكلمة" لفظا ا
ومعنى ،ورأى أنهما بمثابة وجهين لعملة واحدة ل يمكن أن ينفصال .كما بحث في
مسألة التزامن أو التعاقب وهي ثنائية تتعلق بالمناهج اللسانية منذ نهاية القرن
ورقيا أكثر من أي وقت مضى، ا العشرين الميالدي ،والبحث اللغوي يشهد تقدما ا
بفضل تضافر جهود عدد كبير من اللغويين األوربيين واألمريكيين وحتى الروس
منهم ،ومع مطلع القرن العشرين وشيوع المنهج الوصفي في الدراسات اللغوية
أعطى انتعاشا ا للدراسات اللغوية لم يسبق له مثيل من قبل وتوسعت مجالته إلى
أن عرف طرائق عصرية في الدراسات الجديدة مثلما هو قائم عند نعوم تشمسكي
حاليا ا والنظرية "التوليدية التحويلية" أو صاحب البنى التركيبية في الوليات
المتحدة األمريكية ،ومدى تأثيرها في اللغويين المعاصرين في أنحاء العالم.
وفي ظل تقدم الدراسات اللغوية العربية الحديثة ،واتضاح مناهج البحوث اللغوية،
وتعددها بتعدد المدارس الغربية ،كان تأثير جيل كبير من الشباب العربي في
المشرق العربي سبا اقا لالستقاء من منابع تلك البيئة الغربية قبل المغاربة.
مباشرا أو غير مباشر ،فالتأثير المباشر
ا تأثرا
وكانت مصر وبالد الشام سباقتين ا
يعود تاريخه في حقيقة األمر منذ أن أوفد محمد علي والي مصر في مطلع القرن
الثامن عشر أول بعثة علمية إلى باريس ،ولندن ،وظلت هذه الرحالت قائمة حتى
وقتنا الحالي.
والتأثير غير المباشر كقيام المعاهد والمنتديات في بالد الشام ،ومصر وإنشاء
جامعات غربية بتدعيم مادي مع الحتكاك بين الثقافتين العربية والغربية ،كلها
تعتبر عوامل رئيسية ومؤثرة في الجيل العربي الجديد في المشرق العربي ومغربه
بأي طريقة كانت.
إن الفضل الكبير في تقريب وتبسيط المفاهيم اللغوية ومناهجها الدارسية تم على
يد ثلة من المثقفين العرب المصريين والسوريين واللبنانيين وغيرهم من الذين
كانوا محظوظين بالنسبة إلى غيرهم ،وتبوءوا مكانتهم الدراسية على رفوف
جامعات بريطانيا ،وفرنسا خاصة ،فتشبعوا من منابع الثقافة الغربية وجمعوا بينها
وبين اللغة األم التي هي حال لسانهم الكتابي التعبيري اللغوي واألدبي النقدي .ولم
تذب شخصياتهم في ظل الحضارة الغربية ،أو يتنصلوا عن عقيدتهم وعربيتهم،
وبعد إطالعهم على الحضارة الغربية وأخذ ما هو كاف منها ،وبخاصة في الجانب
الفكري عادوا إلى أقطارهم العربية وهم عازمون على الوفاء بتأدية األمانة التي
تنتظرهم.
وكان هذا الرعيل األول من اللغويين العرب الذي عاد من جامعات كبريات عواصم
غرب أوربا مع منتصف القرن العشرين ،قد رفع شعار التجديد في البحث اللغوي
العربي ،وجمع بين األصالة والمعاصرة ،فاألصالة عنده العتزاز بالتراث اللغوي
العربي ،وإعادة إحيائه ،ودراسته وفق منهجية علمية لغوية كالتي تسير عليها
الدراسات اللغوية العربية ،وهذا إلزالة كل التهم التي ترى أن البحث اللغوي
العربي جامد وفاته الزمن بل هو عقيم ،فكان لزا اما على أبناء هذا الجيل الدفاع عن
األصالة بحجج وأدلة مقنعة ودامغة مثلما دافع عنها باألمس الجاحظ عندما اشتدت
نار الشعوبية برغم أصله الفارسي ومثله :ابن قتيبة الدينوري ت 237هـ)
وغيرهما.
وكان اهتمام اللغويين المحدثين والمعاصرين العرب باللغة العربية بالغ األهمية
عميق الدراسة في جميع المستويات من نحو وصرف ،وفقه اللغة ،وصوتيات
ولهجات ،وقراءات ،ودللة ،ومفردات ،وبالغة وموسيقى ،وتحقيق المخطوطات
التراثية وغيرها ،كل ذلك كان شغلهم الشاغل في دراستهم وأبحاثهم اللغوية.
كما كانوا الرياديين في رفع لواء راية التدريس الجامعي في الجامعات العربية،
فأسهموا في تأطير آلف الطلبة ،وعددهم ل يمكن حصره أو ذكره ألن قائمة
جدا وسنلتقي بذكر بعضهم وبأشهرهم سمعة من خالل مؤلفاتهم األسماء طويلة ا
وكتبهم التي تشرفنا ،كطلبة لهؤلء المشايخ ،بقراءة ما تيسر لنا منها قدر
المستطاع لغرض الفائدة والتعليم والتثقيف ،ولول هؤلء الذين يعتبرون همزة
وصل في تقريب الثقافة بل الثقافات بين الشرق والغرب ،وأعني الشرق العربي
لما كنا نعرف أعماق البحث ومناهجه الحديثة.
إخضاع َ
اللغ ِة لقوا ِع ِد ُ
محاولة سادت في هذه الفترة فكرةُ منطقِ َّي ِة الل َغ ِة ،أي
ِ
المنطق ،والطرح األساسي ألصحاب تيار منطقية اللغة يتمثل بالقول( :أنَّ ال َّن َما ِذ َج
ال َّنحو َّي َة ينبغي أن تتطابق مع متطلَّبات المنطق ،ولَ َّما كان المنطِ ُق واحداا عند البشر
ت جميعا ا ) ب جوهر اللغا ِ جميعا ا كان من الممكن بنا ُء نظر َّي ٍة نحو َّي ٍة جام َِع ٍة ُتناسِ ُ
القرن الثامن عشر لسيما في فرنسا ، ِ المنطقي العقالنِ ُّي ح َّتى ُّ استمر هذه الت َّيا ُر
وحتى ذلك التاريخ كان اللغويون يعتدُّون باللغة المكتوبة ،ثم بدأ اهتمام اإلنكليز
ينصب على اللغة المنطو َق ِة ،األم ُر الذي كان ُي َع ُّد شيئا ا مبتكراا في ذلك الوقت ؛ ذلك ُّ
صها المكتو َبة اللغة الالتين َّي َة ونصو َ
َ ت اللغو َّي ِة كانت سا ِ سائ َدة في ال ِّد َرا َ أنَّ الل َغ َة ال َّ
إلى أن استقلت اللغات القومية كالفرنسية واإلسبانية واإليطالية ،والتي كانت
مجرد لهجات ُي ْن َظر إليها نظر اة دُونِ َّي اة .
وفي النصف األخير من القرن الثامن عشر جرى تحول مناهض لتيار منطقية
اللغة .بحيث انفكت الدراسات اللغوية عن الفلسفة والمنطق ،وذلك بنشأة بذور
المنهجين المقارن والتاريخي .وقد ارتبطت نشأة الدراسات التاريخية المقارنة في
منتصف القرن الثامن عشر بالحركة الستعمارية الحديثة التي سمحت لألوروبيين
التعرف على مختلف مآثر الحضارات الشرقية القديمة أثناء احتاللهم لكثير من
البلدان األسيوية وخاصة الهند .حيث كان وليام جونس -الذي عمل قاضيا في
كلكوتا -المبشر الحقيقي بعلم اللغة التاريخي المقارن الذي تأسس في القرن
التاسع عشر.
وكان أهم حدث لغوي هو كشف سير وليام جونز اإلنجليزي سنة 1384م للغة
السنسكريتية ،والعالقة بينها وبين اليونانية والالتينية ،وعكف على تحليل
النصوص المكتوبة في لغات مختلفة وتوصل إلى وجود عالقة بين كل من اللغة
الالتينية ،واليونانية ،والسنسكريتية توحي بنشوئها من مصدر واحد نتيجة ما
وثيقة بين اللغة السنسكريتية واللغة الالتينية واللغة ا لحظه أو ُج َه تشاب ٍه ورواب َط
اإلغريقية ( ،فعلى سبيل المثال كلمة fraterالالتينية ،وكلمة phraterاليونانية،
وكلمة bhratarفي اللغة السنسكريتية تعني كلها (أخ(
ح ٍد ،فه َّيأ بذلك األذهان ل َت َق ُّبل أصل وا ٍِ ج ُع إلى صل َ إلى فكر ِة أنَّ هذه اللغات تر ِ فتو َّ
ص ِل إلى معرف ِة أو ُج ِه فكرة الدراسات اللغو َّي ِة المقارنة أو المنهج المقارن لل َّتو ُّ
ت ،وبال َّتالي محاولة بناء اللغ ِة األ ِّم التي انحدرت منها ف بينَ اللغا ِ ال َّتشا ُب ِه والختال ِ
ش ُ
قيقة. اللغات ال َُّ
كان لهذا الكشف نتائج بالغة األثر في سير الدراسات اللغوية ،وفي النهضة
اللغوية الحديثة ،حيث نتج عن معرفة اللغة السنسكريتية إدراك العالقة بينها وبين
اللغة اليونانية واللغة الالتينية وما تفرع عنهما من لغات ،وهكذا أخذ العلماء
يتكلمون عن مجموعة اللغات التي سموها عائلة اللغات الهندو أوربية
بدأت العلوم اللغوية بالظهور نتيجة عناية اإلنسان باللغة ،وذلك عندما شعر
تواصل ُت َم ِّيزه عن غيره ،وتستطيع أن ُت َخلِّد فكره ،وتحفظ
ٍ بأهميتها كونها أدا َة
آثاره .
والعناية باللغة كانت في أكثر من مركز من مراكز الحضارات القديمة ؛ في الهند
واليونان وبالد الرافدين وبالد الشام ،لكنَّ ما نشأ في كل ِّ مركز من هذه المراكز
كان بمعزل ع َّما نشأ عند اآلخر ،نتيجة لعدم التواصل بينهم .
إن علم اللغة بوصفه علما مستقال قائما بذاته كان قد نشأ نشأة غربية خالصة في
بداية القرن العشرين ،وإذا ما أخذنا بالعتبار أن العلم كائن باستخدام منهج علمي
في البحث والدراسة فإن نشأة علم اللغة تمتد بجذورها إلى القرن التاسع عشر
الذي تميزت فيه الدراسات اللغوية باستخدام المنهج المقارن والمنهج التاريخي.
إخضاع َ
اللغ ِة لقوا ِع ِد ُ
محاولة سادت في هذه الفترة فكرةُ منطقِ َّي ِة الل َغ ِة ،أي
ِ
المنطق ،والطرح األساسي ألصحاب تيار منطقية اللغة يتمثل بالقول( :أنَّ ال َّن َما ِذ َج
ال َّنحو َّي َة ينبغي أن تتطابق مع متطلَّبات المنطق ،ولَ َّما كان المنطِ ُق واحداا عند البشر
ت جميعا ا) جميعا ا كان من الممكن بنا ُء نظر َّي ٍة نحو َّي ٍة جام َِع ٍة ُتناسِ ُ
ب جوهر اللغا ِ
القرن الثامن عشر لسيما في فرنسا ، ِ المنطقي العقالن ُِّي ح َّتى
ُّ استمر هذه الت َّيا ُر
وحتى ذلك التاريخ كان اللغويون يعتدُّون باللغة المكتوبة ،ثم بدأ اهتمام اإلنكليز
ينصب على اللغة المنطو َق ِة ،األم ُر الذي كان ُي َع ُّد شيئا ا مبتكراا في ذلك الوقت ؛ ذلك ُّ
َ َ
ت اللغو َّي ِة كانت اللغة الالتين َّية ونصو َ
صها المكتو َبة سا ِ
سائ َدة في ال ِّد َرا َ َ
أنَّ الل َغة ال َّ
إلى أن استقلت اللغات القومية كالفرنسية واإلسبانية واإليطالية ،والتي كانت
مجرد لهجات ُي ْن َظر إليها نظر اة دُونِ َّي اة .
وفي النصف األخير من القرن الثامن عشر جرى تحول مناهض لتيار منطقية
اللغة .بحيث انفكت الدراسات اللغوية عن الفلسفة والمنطق ،وذلك بنشأة بذور
المنهجين المقارن والتاريخي .وقد ارتبطت نشأة الدراسات التاريخية المقارنة في
منتصف القرن الثامن عشر بالحركة الستعمارية الحديثة التي سمحت لألوروبيين
التعرف على مختلف مآثر الحضارات الشرقية القديمة أثناء احتاللهم لكثير من
البلدان األسيوية وخاصة الهند .حيث كان وليام جونس -الذي عمل قاضيا في
كلكوتا -المبشر الحقيقي بعلم اللغة التاريخي المقارن الذي تأسس في القرن
التاسع عشر.
وكان أهم حدث لغوي هو كشف سير وليام جونز اإلنجليزي سنة 1384م للغة
السنسكريتية ،والعالقة بينها وبين اليونانية والالتينية ،وعكف على تحليل
النصوص المكتوبة في لغات مختلفة وتوصل إلى وجود عالقة بين كل من اللغة
الالتينية ،واليونانية ،والسنسكريتية توحي بنشوئها من مصدر واحد نتيجة ما
ا
وثيقة بين اللغة السنسكريتية واللغة الالتينية واللغة لحظه أو ُج َه تشاب ٍه ورواب َط
اإلغريقية ( ،فعلى سبيل المثال كلمة fraterالالتينية ،وكلمة phraterاليونانية،
وكلمة bhratarفي اللغة السنسكريتية تعني كلها (أخ))
ح ٍد ،فه َّيأ بذلك األذهان ل َت َق ُّبل أصل وا ِ
ٍ صل َ إلى فكر ِة أنَّ هذه اللغات تر ِ
ج ُع إلى فتو َّ
فكرة الدراسات اللغو َّي ِة المقارنة أو المنهج المقارن لل َّتو ُّ
ص ِل إلى معرف ِة أو ُج ِه
ت ،وبال َّتالي محاولة بناء اللغ ِة األ ِّم التي انحدرت منها ف بينَ اللغا ِ ال َّتشا ُب ِه والختال ِ
ش ُ
قيقة . اللغات ال َّ
ُ
كان لهذا الكشف نتائج بالغة األثر في سير الدراسات اللغوية ،وفي النهضة
اللغوية الحديثة ،حيث نتج عن معرفة اللغة السنسكريتية إدراك العالقة بينها وبين
اللغة اليونانية واللغة الالتينية وما تفرع عنهما من لغات ،وهكذا أخذ العلماء
يتكلمون عن مجموعة اللغات التي سموها عائلة اللغات الهندو أوربي
ثانيا ا :مظاهر تطورالدراسات اللغوية فى القرن التاسع عشر:
نشأة علم اللغة التاريخي /المقارن
من المألوف فى علم اللغة أن يقال إن القرن التاسع عشر كان هو عصر الدراسة
التاريخية والمقارنة للغات .وبوجه أخص اللغات الهندوأوروبية ،وهذا أمر مسوغ
بشكل كبير .وإن كانت الدراسات المقارنة والتاريخية قد ظهرت في القرن الثامن
عشر إل القرن التاسع عشر قد شهد تطور المفاهيم النظرية والمنهجية الحديثة
لعلم اللغة التاريخي والمقارن ،كما أن التركيز األكبر للجهود العلمية والمقدرة
العلمية فى علم اللغة كان مكرسا لهذا الجانب من الموضوع أكثر من غيره من
الجوانب .
ولم يكن جونز نفسه هو الذي وضع منهج البحث المقارن ،وإن كان هو الذي
اقترحه ،ولكن تبعه مباشرة علماء مثل شليجل ، Schlegelورسك Rask,وبوب
،Boppوجريم ، Grimmوفرنر Verner.وقد كان المنهج -في أساسه -بسيطا.
احصل على أقدم األشكال الثابتة ،وعلى أقدم الكلمات لكل فرع من فروع اللغات
الهندية األوربية ،ثم ضعها بعضها بجانب بعض ،وصف ما بينها من مشابهات
واختالفات ثم حاول أن تركب -عن طريق استخالص األشياء المشتركة الغالبة-
الصيغة المحتملة للغة األم .ولم يكن بالطبع يقدر لهذا المنهج أن يقبل ،إل بعد
إثبات العالقة بين الالتينية واليونانية ،والسنسكريتية والسالفية القديمة ،والكلتية
القديمة ...إلخ ،وانتمائها جميعا لعائلة واحدة وتفرعها من أصل واحد ،أو لغة
مشتركة .ول بد لنا أن نعترف بفضل الريادة ،وتقديم األسس الدقيقة المقبولة لهذه
النظرية للسير وليم جونز ،على الرغم من اعترافنا بأن معظم الشواهد والتطبيقات
قد تمت على يد كتاب متأخرين.
تصنيف اللغات على أساس القرابات اللغويةgenetic classification
اتجه البحث اللغوي في القرن التاسع عشر نحو المقارنة بين اللغات المتشابهة،
ونتج عنه تصنيف اللغات على أساس القرابات اللغوية genetic
،classificationوأطلق على عناصر تشابه اللغات مصطلح صلة القرابة
genetic relationshipgsوكونوا عائالت لغوية صاغوها على شكل (شجرة
عائلة) لكل مجموعة من اللغات ذات المنشأ الواحد من أبرزها
-شجرة اللغات الهندو أوروبية :وتضم السنسكريتية ،واليونانية ،والالتينية،
واإلنجليزية ،واأللمانية ،ولغات أوروبية وأسيوية أخرى.
-شجرة اللغات السامية التى تضم أيضا اللغات العبرية واآلرامية واألكادية
والحبشية
وكان نتاج هذه الدراسات علم اللغة المقارن ،الذي اعتمد المنهج المقارن في
تحديد أفراد األسر اللغوية ،وذلك على النحو التالي :
-1دراسة أوجه التشابه بين مجموعة من اللغات في الظواهر الصوتية والصرفية
والنحوية والمعجمية .ثم دراسة كيفية تشكل كلمات اللغات المختلفة لتكوين معاني
متشابهة .وإذا ما أسفرت الدراسة عن وجود تشابه في هذه الجوانب فهذا يؤدي
إلى الستدلل على أنها انحدرت من أصل واحد مشترك أي من اللغة األولى التى
خرجت عنها هذه اللغات على مر التاريخ .
- 2للتعرف على تاريخ انفصال لغات عائلة لغوية عن بعضها البعض يستخدم
اللسانيون كلمات يسمونها (الكلمات الثوابت) تتميز بخاصية الثبات وعدم التغير
على مر الزمن كون أصحاب اللغة يقاومون تغيير هذه الكلمات ألن لها قيمة ثقافية
خاصة مثل كلمات (أم ـ أب ـ أخ ـ رأسـ عين ـ أرض ..الخ) فيقوم اللغويون بجمع
هذه الكلمات في قوائم كل قائمة تخص لغة معينة من العائلة اللغوية ،ويجرون
عليها عمليات رياضية إحصائية ،يستخلصون من نتائجها التاريخ الذي انفصلت
فيه هذه اللغات عن اللغة األم
إن المقارنة على هذا النحو ل تعتمد على المنهج المقارن فحسب ،إنما هي تتضمن
أيضا استخدام المنهج التاريخي ،بما أن المقارنات ل تعتمد على لغات متواجدة في
فترة زمنية واحدة ،فهي تتطلب ول شك دراسة تاريخية لربط اللغات بأصل
معروف أو تخميني .لذلك ،كان علم اللغة المقارن linguistics comparative
سابمفهوم القرن التاسع عشر يعني تماما علم اللغة التاريخي .إنه يحوي أسا ا
منهجا للبحث بواسطته توضع مجموعة من اللغات -عادة في أشكالها المؤكدة ا
القديمة -بعضها بجانب بعض بقصد الوصول إلى الروابط والعالقات بينها.
وبالوصول إلى ذلك يمكن فرض صورة اللغة األم التي تفرعت منها هذه اللغات،
والتي لم تصلنا مادتها فعال.
وء والرتقاء، ش ِ َار ِون ) في ال ُّن ُ في منتصف القرن ال َّتاسِ َع عشر ظهرت نظرية ( د ْ
آراء تأثيراا كبيراا في ُمعاصِ ريه ٍ َار ِون فيها من وأح َد َث ْت هذه ال َّنظر َّي ُة وما َق َّد َمه د ْ
ْ
اللسانيات -على يد ُ المث َّقفينَ ،فأرادوا تطبيقها على العلوم األخرى -ومن بينها
العالِم األلماني ( أوغست شاليجر August Achleicher 1821-1868م ) الذي
ت اللغو َّي ِة.مجال المقارنا ِ ِ ع ِمل َ في
-رأى شاليشر – متأ ِّثراا بنظرية دارون – أنَّ اللغة كائنٌ َح ٌّي ُمس َتقِل ٌّ عن اإلنسان ؛
َث منها ل َت ُحل َّ أحد َ ب الحياة لِلُغ ٍة أخرى ْ فهي ُتولَد وتعيش لفترة ُمح َّد َد ٍة ،ثم َت َه ُ
ش ِر َّي ِة. ت ال َب َ سالل ِ شج َر َة ال ُّشب ُه َسالل َّي ٍة ُت ِ
محلها ،فاللغة – إذاا -ذات شجرة ُ
واستنادا إلى شجرة النسب أخذ شاليشر بدراسة تطور اللغات التي تنتمي إلى
أسرة لغوية واحدة ،وإن اعتمد أيضا على المقارنة ،وبدل من البحث عن اللغة األم
من بين هذه اللغات المشتركة ،رأى أنها تنحدر من لغة أولى لم يعد لها وجود،
فالظواهر المشتركة بين اليونانية والالتينة والسنسكريتية خرجت عن لغة قديمة
مفترضة ،أطلق عليها اسم اللغة الهندية األوربية األولى(Proto-
) ،Indoeuropeanواللغات العربية والعبرية والفينيقية واآلكادية تحمل بعض
الخصائص األساسية المشتركة فهي لغات تشكل أسرة لغوية واحدة وبالتالي
انحدرت من أصل واحد دعي :اللغة السامية األولىProto-semitic .
بالنتيجة فإن تطور اللغات وفقا لشجرة النسب ،يبدأ بالنقسام اللهجي البسيط ،ثم
يتقدم التشعب اللهجي ويتزايد إلى أن يحدث انقسام وتمايز لغتين أو أكثر ،وهذه
عملية طويلة ومتدرجة.
التصنيف التشكيلي للغاتtypological classification
على الرغم من شيوع المنهج التاريخي المقارن في القرن التاسع عشر ،إل أننا ل
نعدم الدراسات التي كان لها ريادة في استخدام المنهج الوصفي الذي انطبعت فيه
الدراسات اللغوية في القرن العشرين ،وقد تمثل ذلك في التصنيف التشكيلي
typological classificationالذي ربما يكون أو ل يكون قد بني على عوامل
تاريخية ،فيهتم أول بالتركيب الحديث للغة حيث صنف اللغات بناء على أبنيتها
الصرفية ،ولذا فهو في جزئه األعظم وصفي .أما األنواع العامة للغات كما طرحها
شليجل فهي :
-اللغات العازلة :أو اللغات الجذر َّي ُة ،كاللغة الصينِ َّيةِ ،وهي اللغات التي كل
ت ال َّنحو َّي ِة والوظائف التركيبِ َّي ِة
كلماتها ثابتة غير متغيرة ،و ُي َع َّبر فيها عن العالقا ِ
عن طريق ترتيب الكالم.
-اللغات اإللصاق َّية ،كاللغة التركية ،وتتركب كلماتها بعناصِ َر لغو َّي ٍة مختلفة
كاللواصِ ق ( سوابق ،لواحق ُ ،م َ
قحمات) .
والعرب َّي ِة ،وهي اللغات التي يستحيل تقطيع
ِ -اللغات التصريفية :كالالتينِ َّي ِة
كلماتها ول وجود مستقل فيها للجذر إنما تشتق الكلمات بتكييف داخلي للجذر.
مدرسة القواعديين الشباب أو النحاة الشباب
ش َّكل َ في اللسان َّيات األورب َّي ِة - ت القرن التاسع عشر َت َ ت أو ثمانين َّيا ِ في سبعين َّيا ِ
نظر اللِّسانِ ِّيينَ لسيما في ألمانيا -اتجاهٌ لسان ٌِّي جدي ٌد قام أنصا ُرهُ بنق ٍد حا ٍّد لوجهات ِ
أمثال ( فرانز بوب ) و ( ِ قارنين التقليد ِّيينَ ،أو الجيل القديم من اللسانيين ال ُم ِ
الجيل
ِ أطلق ُم َم ِّثلوَ ياكوب غريم ) و (أوغست شاليجر ) ،وبسبب هذا النقد الحاد
القديم من اللسان ِّيينَ عليهم اس َم القواعديين الشباب تهوينا ا من شأنهم ،إلَّ أنَّ هذه ِ
سمية ُتس َتخ َد ُم ح َّتى اآلن َعلَ َما ا ُ سعِدَ ت بهذه التسمية ،وما زالت هذه التَّ الجماعة َ
وتصو َراتهم المنهج َّي َة ُّ على اللِّسا ِن ِّيينَ الذين يت َب َّن ْونَ وجهة نظرهم
قارن -1يعود إليهم الفضل ُ في إضفاء النضِ َباطِ ال َّتا ِّم على المنهج ال َّتاريخي ال ُم ِ
شذو َذ. تعرف ال ُّ ُ صار َم ٍة ل
ِ وفق قوانينَ من خالل دراسة ال َّتغ ُّي َرات الصوتية َ
ت ( تذرير اللغة ) من خالل الفحص ال َّدقيق ذرا ٍاللغة إلى َّ َ -2كما أ َّنهم أحالوا
ب لكل ِّ تفسير مناس ٍ ٍ حلِها ،وحاولوا إيجاد تخص الل َغ َة في كل ِّ مرا ِ ُّ يل التي لل َّت َفاصِ ِ
صارم ِة التي حاولوا إيجادَها أو ال ُخ ُرو َج عن قواعدها . استثناء من القواعد ال َّ ٍ
ور ِة ال ُكلِّ َّية للبني ِة اللغو َّي ِة بوصفِها نِ َظا َما ا ُم َت َكا ِمالا مؤلَّفا ا من ص َ َ
رؤية ال ُّ وبذلك افتقدوا
يوج ُد في اللغ ِة شي ٌء قائم لذاتِ ِه ُمس َتقِل ٌّ عن ب ْ ،إذ ل َ األصوات واأللفاظِ وال َّتراكِي ِ
المكون ِة لل ُكل ِّ. ِّ األجزاء األخرى
ِ خالل ا ِّتحا ِد ِه مع
ِ غيره ول يمكنُ رؤي ُت ُه إلَّ من
شباب تاريخ اللغة ،ورأوا أنَّ المنهج -7إلى جانب ذلك درس القواعد ُّيونَ ال َّ
الرامية إلى أنسب معالَ َجة منهجية ُت َح ِّق ُق األهداف َّ َ اريخ َِّي في الدراسة يو ِّف ُر ال َّت ِ
ة للمعرفة . المتابعة العمل َّي ِ
ملخص المحاضرة الرابعة
المحاضرة الخامسة
البحث اللغوي في القرن العشرين
مفردات المحاضرة
-1البحث اللغوي في القرن العشرين
-2المدرسة التركيبية األوربية وتشمل.
أ -البنيوية األوربية:
ب -مدرسة براج.
ج -مدرسة كوبنهاجن.
-3المدرسة التركيبة االمريكية
-4مدارس أخرى.
-5البحث اللغوي في العصر الحديث.
أوال:البحث اللغوي في القرن العشرين:
ْ
تبلورت فيه الكثير من القضايا حتى إذا أهل ّ القرن العشرون
والبحوث اللغو َّية ،واستوت على عودها .ولئن غلبت على القرن التاسع
عشر الصبغة التاريخ َّية ،وجدنا للدراسات الوصف َّية الكلمة العليا في هذا
قائم على أسسكمنهج ٍٍ الوصفي
ِّ القرن ،ففيه تبلورت حدود المنهج
ومبادئ محددة .واالنصراف إليه في الغالب األعم عن الدراسات
خصوصا على يد العالم السويسري فردينان دي سوسير ،الذي ً التاريخ َّية،
إسهامات كبيرةٌ في الدراسات الوصف َّية بل إنه يعتبر
ٌ لم يكن له فقط
مؤسس علم اللغة الحديث
وفي بدايات القرن العشرين ولد علم يسمى ” علم اللغة الحديث ” يبحث في
موضوع واحد هو ”اللغة“ ويحاول اعطاءنا صورة اجمالية عن القوانين التي
تتحكم في سلوكنا اللغوي ،ويضعنا أمام الطرائق التي تسلكها اللغات في بناء
جملها وصياغة مفرداتها ،وأساليب تعبيرها ونظامها الصوتي ،ونسأل أسئلة
شبه فلسفية من قبيل :ما اللغة وما وظائفها ؟ كيف نتعامل بها ؟ كيف نتعامل
معها ؟ كيف نتعلمها وكيف نعلمها ؟ كيف نحللها ؟ ....الخ .
وقد وصل هذا العلم في عصرنا إلى قمة عالية ،إذ اصبح متشعبا عميقا ،قادرا
على استيعاب ثقافات العصر وتقنياته ،بفضل المناهج العلمية الصارمة والنظريات
الفلسفية المعقدة ،التي تحاول الوصول إلى أسرار العمليات اللغوية العقلية
وحسابها .أي إن هذا العلم أصبح أقرب ما يكون إلى روح العصر .
ال يكاد يتجاوز تاريخ معرفتنا باالجتهادات اللغوية ودراساتها القرن السادس قبل
الميالد .منذ أول عالم لغوي عرفه التاريخ المدون ،وهو الهندي بانيني الذي
وصفته دائرة المعارف البريطانية بأنه أقدم نحوي معروف في العالم .وان كان
هناك من سبقه غير أن شيئا لم يصلنا من آثارهم .
قدم بانيني أول بحث لغوي ناضج عن اللغة السنسكريتية (تعريفات ،قواعد
موجزة ،مشكالت صوتية وصرفية متعددة ).
وفي اليونان التي بدأت تستفيق من أحالمها الطوباوية وتدخل عصر الثقافة ،
فبدأت الفلسفة باالنتشار في أفنية أثينا ومجالسها الخاصة ،
وكان سقراط قد بدأ سجاله مع جورجياس حول الخطابة والكالم ،
وكان النحاة اإلغريق قد بدأ لغطهم الجميل حول اللغة حتى جاء أرسطو بدأت أول
مراحل العلمية الناضجة للبحث اللغوي التي أطلق عليها سوسير اسم ” الحركة
النحوية اإلغريقية ”
لقد حاولت هذه المرحلة اإلفادة من علم المنطق في وضع قيم معيارية تعليمية
لقواعد اللغة ،تنزع الى تمييز الصحيح من الخطأ ولقد بقيت أفكار هذه المرحلة
مسيطرة الى حقبة متأخرة وبالتحديد الى الربع األخير من القرن الثامن عشر حين
بدأت رياح االكتشافات الجغرافية والتاريخية تهب على أوربا ومع تلك الرياح
نشأت أفكار جديدة في معالجة اللغة .فظهر ما يطلق عليه عادة (( المرحلة
الفيلولوجية )) .
ثانيا :المدرسة التركيبية األوربية وتشمل:
أ-البنيوية األوربية:
أول مدرسة لغوية حديثة هي مدرسة سوسير باسم مؤسسها فرناند دي سوسير
وبعض اللغويين يحلو لهم تسميتها مدرسة (جنيف)
غيرت هذه النظرية طبيعة التفكير اللغوي ،ووضعت حدا فاصال بين عهدين من
الدراسة اللغوية ،عهد الدراسة التقليدية الممتد من زمن األغريق حتى بداية القرن
العشرين،وعهد الدراسة الحديثة التي بدأت مع ظهور مدرسة سوسير ,
لقد قامت نظرية سوسير في دراسة اللغة على منهج جديد يستند الى أسس
محددة ،ويتسم بسمات مخصوصة ،لعل أهمها،هو النظر الى اللغة على انهانظام
من العالمات اللغوية،يرتبط بعضها ببعض بشبكة من العالقات،أو هي مجموعة
عناصر متشابكة،الينعزل فيها عنصر عن عنصر اخر داخل هذا النظام،فأذا خرج
عنصر من الشبكة،ولم تكن له عالقة بغيره،فقد قيمته .
ونتيجة لنظرة سوسير هذه الى النظام اللغوي،وما يكونه من العناصر،فقد وقف
بعمله اللغوي عند حدود الوصف والتحليل والتفسير بطريقة علمية موضوعية.
يعتبر سوسير أول من قال بأن اللغة نظام من العالمات،أي أن اللغة مجرد نسق
منسجم،وهو بذلك يمثل فهما للواقع الخارجي،غير أن الفيلسوف هوسرن يذهب
إلى أن اللغة ُتوضع عبر نظام المنطق الذي يعطي االستواء للتنظيم اللغوي،كما
يدرس نظام اللغة و مورفولوجيا العالمات،و القواعد التي تمكن من تأسيس كالم
ذي معنى .
ويذهب سوسير إلى أن اللغة ظاهرة اجتماعية نفسية.وهكذا تعامل سوسير مع
اللغة كموضوع للدرس اللساني،وذلك من خالل المبدأ القيم،وهو دراسة اللغة في
حد ذاتها،و لذاتها.هكذا يبدو لنا ابتعاد سوسير عن االعتقاد الذي كان سائدا في
القديم.حيث إن اللغوي القديم،كان يدرس اللغة ال من أجلها،ولكن من أجل غايات
غير لغوية .
أما لفي ستراوس،فينظر إلى دراسة سوسير للغة بوصفها نسقا مستقال بذاته،نسقا
يقوم على التشبت بعالقة فاعلة تصل مكونات العالمة اللغوية،أي تصل بين نسق
اللغة و الكالم الفردي من جهة،و بين الصورة الصوتية(الدال) والمفهوم(المدلول)
من جهة ثانية .
أ-مدرسة براج:
المدرسة الوظيفية مدرسة (براغ) ( )fonctionnelleمع ياكوبسن ومارتيني:
-1مبادئها:
أوالا :وضعت هذه المدرسة نظرية كاملة في التَّحليل الفونولوجي.
ثالثاا :اللغة ظاهرة طبيعية ،ذات واقع مادي يتصل بعوامل خارجة عنه.
راب اعا :الدعوة إلى الكشف عن تأثر اللغة بكثير من الظواهر العقلية والنفسية
واالجتماعية.
مدرسة(براغ)،فقد أفادت هذه المدرسة كثيرا من أصول مدرسة سوسير،لكنها
االخر . بعضها وطورت األصول بعض غيرت
وكان من أشهرمؤسسي مدرسة براغ (نيكوالي تروبتسكوي ت )8391و(رومان
ياكيسون
ت.8311
-1نظريتها
لقد وضعت هذه المدرسة نظرية كاملة في التحليل الفونولوجي،وأقامت هذه
النظرية على تصور خاص للفونيم،ولم يكن هذا التصور اال منبعثا من ثنائية
(الكالم ) و (اللغة) وهي المعروفة سوسير
فالفونيم عند (تروبتسكوي)يكون مرة من (اللغة)بوصفها نظاما متعارفا عليه في
بيئة معينة ،ويكون مرة أخرى من (الكالم)الذي هو ممارسة فعلية فردية للفرد ..
والفونيم هنا يدرس ضمن فرع من علم اللغة هو (علم األصوات اللغوية)،وحين
يكون الفونيم من الكالم فأنه ينضم الى غيره من الوحدات الصوتية األخرى لبناء
مفردة معينة،يكون لها معنى خاص والفونيم هنا تكون له وظيفة لغوية وأثر في
المعنى ،فإذا استبدلنا وحدة صوتية بأخرى اختلف معنى المفردة وصارت كلمة
اخرى ،ومن األمثلة على ذلك الفونيم(ن) الذي يكون معزوال عن غيره ويكون مرة
الكالمي , الحدث عناصر من عنصرا أخرى
وذلك اذا أنضم الى غيره وتألفت مفردة ،كقولنا(نام) اذا استبدلنا به(ق) اصبحت
المفردة(قام) فقد تغيرت الكلمة واصبح لها معنى اخر.
من بين الفرضيات العامة لمدرسة براغ نجد ما يلي :
-اعتبار اللغة كنظام وظيفي،وذلك ألن اللغة الناتجة عن العمل اللساني إنما هي
نظام لوسائل التعبير،حيث الهدف و تحقيق مقاصد كل متكلم في التعبير و
التواصل .
-التأكيد على أن أحسن طريقة لمعرفة جوهر اللغة هو التحليل السانكروني لضمان
الفعلية .
-على اللساني االهتمام بالدراسة الفونيتيكة ،و الدراسة الفونولوجية للنظام
اللغوي .
يعتبر "تروبتسكوي" المشرع الحقيقي ألفكار مدرسة براغ،كما ساعده وطور
مفاهيمه "ياكبسون"،إذ انصب اهتمامهما حول النظريات الفونولوجية.
وعموما فمدرسة براغ مرتبطة بسوسير و مبادئه األساسية؛إذ تنطلق المدرسة من
تقسيم سوسير للغة و الكالم،كما يردد تروبتسكوي فكر َة سوسير حول اعتبار اللغة
الجماعة. أعضاء وعي في يوجد نظاما
ثالثاا :يوضع لتحليل اللغة نظرية صورية رياضية تصدق على جميع اللغات.
راب اعا :تقوم على النقد الحاد للسانيات التي سبقتها وحادت في نظرها عن مجال
اللغة بانتصابها خارج الشبكة اللغوية.
سا :تقوم على النسقية التي تنصب على داخل اللغة ،فهي تصدر منها وإليها وال خام ا
تخرج عن دائرة اللغة المنظور إليها على أنَّها حقل مغلق على نفسه وبنية لذاتها.
سا :تسعى إلى إبراز كل ما هو ُمشترك بين جميع اللغات البشرية ،وتكون اللغة
ساد ا
بسببه هي مهما تبدل الزمن وتغيرت األحداث.
ب -مميزاتها:
-8تميزت هذه المدرسة بالنظر الى اللغة ليست مادة،وانما هي صورة أو شكل،وان
جميع اللغات تشترك في انها تعبر عن محتوى،وما دامت اللغة
هي(بنية)و(شكل)و(نظام)فريد قائم بذاته،استدعى ذلك أن توضع لتحليلها نظرية
صورية رياضية تصدق على جميع اللغات .
ومعنى هذا ان نظرية مدرسة (كوبنهاكن) هي محاولة إلنشاء بناء منطقي
رياضي،يستند الى جهاز من التعريفات والمصطلحات ،وقد أضفى عليها هذا
التصور الجديد للغة ضربا من الصعوبة،فلم يحالفها الحظ في األنتشار،على نحو ما
انتشرت مدرستا جنيف وبراغ.
-1تعتبر هذه المدرسة،أهم التيارات البنيوية الحديثة في اللسانيات.وقد عرفت هذه
المدرسة بالكلوسيمائية التي اعتمدت المنهج التحليلي و االستنباطي،وقد درست
اللغة أيضا على أنها صورة formeو ليست مادة ، substanceو اعتبرت اللغة
حالة خاصة من النظام السيميائي .
ومن اللسانيين المتقدمين في مدرسة كوبنهاجن،نجد "بروندال" ،الذي حاول إيجاد
المفاهيم المنطقية و الطبيعية داخل اللغة،وقد كتب في "أقسام الكالم" أن فلسفة
اللغة لها موضوع ،وهو البحث عن عدد المقوالت اللسانية وتحديدها.أما يمسليف،
فقد كان شارحا آلراء سوسير،إذ كانت آراؤه عبارة عن نظريات سوسيرية،خاصة
فيما يتعلق بالعالمة اللغوية ،أو العالقات،أو صورية اللغة.وذلك أنه انطالقا من
التصور المنطقي،الصوري للغة،يجب وجود نظرية للعالمة
ثالثا ا :المدرسة التركيبية األمريكية:
من المدارس اللسانية األمريكية:
( )1مدرسة (سابير) المتوفى عام 1333م :ومن أهم مبادئ هذه المدرسة:
أوالا :فكرة (النماذج اللغوية) :أنَّ ُك َّل إنسا ٍن يحمل في داخله المالمح األساسية
لنظام لغته.
ثالثاا :اللغة نظام من األصوات اإلنسانية .راب اعا :وضع من تصور جديد (للفونيم).
صاحب هذه المدرسة التي أنشئت حوالي 0391بالواليات المتحدة هو بلومفيلد وضعها كمنهج
لساني بنائي محض وكرد فعل ضد القائلين بالنحو النظري (المتصور في األذهان فقط) .ورد فعلة
هذا انطلق فيه من معطيات التجربة الفعلية التي تبين أن أجزاء الكالم ال تنتظم في اللغة بالصدفة
وال باالعتباط وإنما باالتساق مع األجزاء األخرى التي تندرج فيها وفي أوضاع بعينها دون أوضاع
أخرى وهي مالحظة قديمة جدا لكنها لم تؤسس كمنهج قائم بذاته إالّ منذ بلومفيلد وقد تأثر فيها
بما كان يشاهد من تعدد اللغات في أمريكا كما تأثر بآراء بيهفيور ونظريته السلوكية التي تجعل
ردود الفعل اللسـانية كغيرها من الردود تخضع القانون اإلثارة .هناك منبة (إثارة) تؤدي إلى
االستجابة برد الفعل .فالكالم هو اآلخر مبني على اإلثارة stimulusوالرد (في نوع من العطاء
واألخذ للفعل المحرك وفعل االستجابة من السامع والرسالة الكالمية ينحصر معناها في هذا
التبادل بجملة بين المنبه والمجيب ،وما الكالم إالّ تحريك للمعنى وللسامع وارتداد منهما نحو
اللفظ والمتكلم .فاألمر يتعلق إذا بوصف أجزاء الكالم التي تحرك وتسبب اإلثارة واألجزاء التي
تنبه وال تقتضي الجواب .وهذا يستوجب االنطالق من مدونة تجمع أصنافا من الكالم في أحوالها
ومقاماتها المختلفة الكتشاف أي األجزاء يحرك األجزاء األخرى ،وأيهما ال يحركها عند التركيب،
فالعناصر التي يؤدي وجودها بجوار عنصر آخر إلى تغيير البنية يسمى التوزيع (مثل ما تؤدي كيفية
توزيع األوراق في اللعب إلى تغيير اللعبة والنتيجة) .فالعناصر التي تحيط بالمنبه وتجعل لدعمه أو
إلبطال مفعول البنية هي التي تشكل مادة التوزيع.
سلوك
ثانياا :دراسة المعنى قد تعوق الوصول إلى القوانين العامة التي تحكم ال ُّ
اللغوي.
لقد نشر تشومسكي[ ]1كتابه األول عام 1351م ،وكان كتاباا ضئيل الحجم ُمقتضباا،
وكانت أفكاره غير ُمقيَّدة بالتَّناول العلمي والفني لقضايا هذا العلم إلى ح ٍّد ما ،ومع
ذلك فقد كان الكتاب ثورةا في الدِّراسة العلمية للغة؛ ظ َّل تشومسكي بعدها يتحدَّث
بسطوة ُمنقطعة النَّظير في كافة نواحي النَّظريَّة النَّحويَّة لسنوات طويلة [ .]2ويرى
بعض الباحثين أنَّه "ال يعترف تشومسكي نفسه بفضل سوسير في مجال
اللغويات"[ .]3ويتحدث تشومسكي ع َّما يُس ِّميه "النَّحو العالمي" ،وهو تعبير عن
الثَّوابت اللغوية العالمية ،ولذا يُنكر تشومسكي وجود لغات بدائية ،تماما ا كما يُنكر
كلود ليفي شتراوس وجود نظم معرفية بدائية أو ما يُس َّمى "قبل المنطقي"[.]4
والنَّحو التَّوليدي هو نظرية لسانية وضعها تشومسكي ،ومعه علماء اللِّسانيات فـي
المعهد التكنولوجي بماساشوسيت (الواليات المتحدة) فيما بين 1391م و1395م
بانتقاد النَّموذج التَّوزيعـي والنَّموذج البنيوي؛ فـي مقوماتهما الوضعية ال ُمباشرة،
باعتبار أنَّ هذا التَّصـور ال يصف إالّ الجمل ال ُمنجزة بالفعل ،وال يمكنه أن يفسر
عدداا كبي ارا من ال ُمعطيات اللِّسانيَّة؛ مثل :االلتباس ،واألجزاء غير ال ُمتَّصلة ببعضها
البعض؛ فوضع هذه النَّظرية لتكون قادرةا على تفسير ظاهرة اإلبداع لدى ال ُمتكلِّ ِم،
وقدرته على إنشاء جمل لم يسبق أن ُوجدت أو فُهمت على ذلك الوجه الجديد]5[.
والنحو يتمثَّل في مجموع المحصول اللِّساني الذي تراكم في ذهن ال ُمتكلم باللغة
يعني الكفاءة ( )competenceاللِّسانية ،واالستعمال الخاص الذي ينجزه المتكلم
في حال من األحوال الخاصة عند التخاطب والذي يرجع إلى القدرة
( )performanceالكالمية .والنحو يتألف من ثالثة أجزاء أو مقومات[:]9
• مقوم تركيبي :ويعني نظام القواعد التي تحدد الجملة المسموح بها في تلك اللغة.
• مقوم داللي :ويتألف من نظام القواعد التي بها يتم تفسير الجملة ال ُمولَّدة من
التَّراكيب النحويَّة.
• مقوم صوتي وحرفي :يعني نظام القواعد التي تنشئ كال اما ُمقطَّ اعا من األصوات
في جمل ُمولَّدة من التركيب النحوي.
والتحويالت :التي تُم ِّكن من االنتقال من البنية العميقة ال ُمتولَّدة عن األصل إلى
البنية الظاهرة التي تتجلى في الصيغة الصوتية ،وتصبح بعد ذلك ُجمالا ُمنجزة
بالفعل]1[.
تمس بالتَّحويل؛
ّ وعمليات التَّحويل :تقلب البنيات العميقة إلى بنيات ظاهرة دون أن
أي :بالتأويل الداللي الذي يجري في مستوى البنيات العميقة .أ َّما التحويالت التي
كانت وراء وجود بعض المقومات فإنَّها تتم في مرحلتين:
والثاني :باستبدال بنية هذا التركيب بالزيادة أو بالحذف أو بتغيير الموضوع أو
باإلبدال ،فنصل حينئذ إلى سلسل ٍة ُمتتالية من التَّحويالت تتطابق مع البنية
الخارجية[ .]8ويقصد بالتحويل في النحو التوليدي :التَّغ ُّيرات التي يُدخلها ال ُمتكلِّم
ص؛ فينقل البنيات العميقة ال ُمولَّدة من أصل المعنى إلى بنيات ظاهرة على على النَّ ِّ
سطح الكالم ،وتخضع بدورها إلى الصياغة الحرفية النَّاشئة عن التَّقطيع
يمس المعنى األصلي للجمل ولكن صورة ُّ صوتي[ .]3والتَّحويل ومقوماته ال ال َّ
المؤشرات التي هي وحدها قابلة للتغيير"،ونقصد بالمؤشرات ( les
)marqueursال ُعقد التي تضفر فيها خيوط الكالم ،فالتَّحويالت عمليات شكليَّة
محضة ،ته ُّم تراكيب الجمل ال ُمولَّدة من أصل المعنى ،وتتم بشغور الموقع أو بتبادل
المواقع أو بإعادة صوغ الكلمات أو باستخالفها ،حيث يستخلف الطرف المقوم
بطرف آخر مكانة أو بإضافة ُمق ِّو ٍم جدي ٍد له" [.]11
ومفهوم النظرية التوليدية التحويلية:
" تحويل جملة إلي أخرى أو تركيب إلى آخر ،والجملة المحولة عنها هي ما يعرف
بالجملة األصل -البنية العميقة -والقواعد التي تتحكم في تحويل األصل هي
"القواعد التحويلية" ،وهي قواعد تحذف بعض عناصر البنية العميقة أو تنقلها من
موقع إلى موقع آخر ،أو تحولها إلي عناصر مختلفة ،أو تضيف إليها عناصر جديدة
وإحدى وظائفها األساسية تحويل البنية العميقة االفتراضية التي تحتوي علي معنى
الجملة األساسي إلي البنية السطحية الملموسة التي تجسد بناء الجملة وصيغتها
النهائية[."]11
أوالا :التفريق بين الكفاية واألداء :فالكفاية :قدرة ابن اللغة على فهم تراكيب لغته
وقواعدها وقدرته من الناحية النظرية ،على أن يُر ِّكب ويفهم عدداا غير محدو ٍد من
صواب منها أو الخطأ ،وأ َّما األداء :فهو األداء اللُّغوي الفعلي لفظاا
الجمل ،ويُدرك ال َّ
ُ
أو كتابة.
راب اعا :القواعد التحويلية ينجم عند اتِّباعها جمل أصولية ال غير ،كما تُحدد كل
الجمل ال ُمحتملَة في اللغة [ .]13والجمل األصولية كانت شغل سيبويه الشاغل في
كتابه.
سا :اإلدراك اللغوي والقدرة اللغوية :وهي صفات إنسانية تكمن في النَّوع
خام ا
البشري وليست ُمكتسبة ،وهذا يتَّفق فيه سيبويه وغيره من النحاة العرب مع
تشومسكي.
وتنقسم القواعد التحويلية إلى قسمين:
• إجبارية :نحو :وضع الحركات على نهاية الكلمات المعربة في اللغة العربية
[.]14
( )9إعادة الترتيب (التبادل أو التقديم والتأخير )( :أ +ب) ( -ب +أ) [.]15
والمالحظ على الدرس اللغوي في القرن التاسع عشر قد اتخذ طابع التاريخ
اللغوي و المقارنات اللغوية وكانت فيه اللغة السنسكريتية أساس البحث اللغوي
الحديث حتى أن( ماكس مولر)قال" :إن السنسكريتية هي األساس الوحيد لفقه
اللغة المقارن ،وسوف تبقى المرشد الوحيد الصحيح لهذا العلم ،وعالم فقه اللغة
المقارن الذي ال يعرف السنسكريتية شأنه شأن عالم الفلك الذي ال يعرف
الرياضيات" 2
عير أن سيطرة هذه اللغة على ميدان الدراسة اللغوية في أوربا أدت إلى
انحراف دراستها عن الوجهة العلمية الصحيحة .وهو ما أدى إلى ظهور أراء
مناهضة ألفكارها ،ودعت أول األمر إلى التفريق بين أمرين كانا يختلطان اختالطا
كبيرا وهما ما يعرف philologyالمقصود به (فقه اللغة) وهو دراسة اللغة
المكتوبة أما الثاني linguistiqueويقصد به (علم اللغة) فهو يتخذ موضوع
دراسة اللغة من حيث هي ،دراسة اللغة في ذاتها ومن اجل ذاتها ،كما قال سوسير
فيما بعد سواء كانت هذه اللغة مكتوبة أو غير مكتوبة . 3 .وبمفهوم أخر فان فقه
اللغة يدرس اللغة ب وصفها وسيلة لغاية أخرى كدراسة ثقـافة أمة وآدابها
وحضاراتها ،أما علم اللغة فيدرس اللغة من اجل ذاتها.
المحاضرة السادسة
مناهج البحث في اللسانيات
مفردات المحاضرة
-1تعريف المنهج
-2المنهج الوصفي
-3المنهج المقارن
-4المنهج التاريخي
-5المنهج التقابلي
-6المنهج المعياري
أولا :تعريف المنهج:
يجدر بنا أن نقدم تعريفا لغويا واصطالحيا عن تأسيس لفظة المنهج.
أ -معنى المنهج لغة:
وردت كلمة منهج أو (المنهج) في القرآن الكريم" :ول تتبع أهواءهم عما جاءك
من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا.
أما إذا فتشنا عن اللفظة المذكورة (منهج) في التراث اللغوي العربي وفي المعاجم
اللغوية بالتحديد ،فإننا نجد جل المعاجم تتفق في تحديد لفظة (منهج) من حيث
الجانب اللغوي والدللي ،ونبدأ بأقدم مصدر وقفنا عليه وثق كلمة المنهج هو:
أساس البالغة للزمخشري (ت 535هـ) جاء عنه(" :ن هـ ج) أخذ النهج،
والمنهج والمنهاج وطريق نهج ،وطرق نهجة ،ونهجت الطريق ،بينته ،وانتهجته،
واستبنته ،ونهج الطريق وأنهج ،وأنهج :وضح ،قال يزيد بن حذاق الشني :ولقد
أضاء لك الطريق وأنهجت منه المسالك والهدى يعتدي.
وأنهج الطريق :وضح واستبان ،وصار نهجا واضحا بينا ،والنهج بتسكين الهاء
هو الطريق المستقيم ).وقد عرف المعجم الوسيط المنهج بأنه الخطة المرسومة،
واللفظة دللتها محدثة ،ومنه مناهج الدراسة ومناهج التعليم ونحوهما
ب -معنى المنهج اصطالحا ا:
المنهج اصطالحا :ويعني الطريقة أو األسلوب وفي اللغة األجنبية الفرنسية هو
(méthode).فالقصد من هذا المصطلح الطريق أو السبيل أو التقنية المستخدمة
لعمل شيء محدد ،أو هو العملية اإلجرائية المتبعة للحصول على شيء "ما" أو
موضوع "ما".
وقد وظف المنهج على أنه التيار أو المذهب أو المدرسة ،وعلى الرغم من تعدد
هذه المصطلحات فهدف المنهج وغايته واحدة ،هو الكشف عن الطريقة أو
األسلوب لتيار معين أو مذهب معين أو مدرسة معينة.
وخالصة القول :فإن المنهج هو الطريقة الخاصة التي تصلح لكل علم على حدة بل
لكل موضوع من موضوعات هذا العلم ،ويعني مجموعة القواعد العامة التي يتم
وضعها بقصد الوصول إلى الحقيقة في العلم ،إنه الطريقة التي يتبعها الباحث في
دراسة المشكلة لكتشاف الحقيقة ،أو الوصول لتحقيق الغاية المراد الوصول إليها.
ثانيا ا:المنهج الوصفي:
المنهج الوصفي يدرس الظواهر اللغوية المختلفة في مجال ،وزمن ،وبيئة معينة
المجال :يشترط في الدراسة الوصفية أن تحدد المجال الذي تدرس اللغة فيه ،كأن
تدرس لهجة معينة ،أو شعر شاعر معين أو لغة صحيفة معينة .الزمن :البد أن
تدرس اللغة موضع الدراسة في زمن معين كما هي ،وهذا يعني أن يتجنب الباحث
الحديث عن تاريخ اللغة أو عالقتها بغيرها البيئة :ال بد من تحديد بيئة اللغة
المدروسة ،وهذا يعني أن تعيش اللغة المدروسة في بيئة واحدة لتجنب االختالفات
التي تنتج من اختالف البيئة .من أهم سمات المنهج الوصفي أنه بعيد عن
المعيارية ،ألن هدفه دراسة اللغة موضع الدراسة من أجل ذاتها ،وليس لتعليمها
،فال يسوغ الحديث عن الخطأ والصواب في هذا المنهج
ومن الدراسات الوصفية وصف بنية الجملة في لهجة أهل نجد مثال ،أو في لهجة
أهل القاهرة ،أو دراسة بنية الكلمة في صحيفة من الصحف السعودية أو الخليجي
ظهرت في أوروبا بواد ُر المنهج الوصفي الذي أرسى أساسه "دي
سوسور" ،حيث يعود إليه الفضل في بيان هذا المنهج وإظهار منافعه في الدرس
اللغوي ،فالمنهج الوصفي ُيعنى بوصف اللغة من حيث هي تنظي ٌم قائ ٌم بذاته ,
ولذلك يرى "دي سوسور" :أنّ موضوع اللغة أو الدراسة اللغوية الوحيد
ُ
ويبحث فيها والحقيقي هو اللغة التي ُينظر إليها كواقع ٍ قائم ٍ بذاته
لذاتها ،وبذلك ابتعد عن النظر في اللغات من وجهة النظر التاريخية أو
المقارنة ،مؤكداا وصف اللغة في فتر ٍة زمنية محددة لنصل من هذا الوصف إلى
صل إلى معرفة البنية أو القواعد أو القوانين العامة التي تحكمها ،أو نتو ّ
التركيب الهيكلي لها ،ولذلك ُيثار إلى المنهج الوصفي في علم اللغة بأنه
"عل ٌم ساكن" ففيه توصف اللغة بوج ٍه عام على الصورة التي توجد عليها في
نقط ٍة زمني ٍة معينة ،ليس ضروريا ا أن تكون في الزمن الحاضر.
سس عامة تتوزعها أفكا ٌر تنظيمية للمنهج, وللمنهج الوصفي أ ُ ٌ
ألي لغة ينبغي أنْ يبدأ من وقواعد عملية في التحليل منها :أنّ الوصف ّ
الصورة المنطوقة إلى الصورة المكتوبة والعكس خالف ذلك باعتبار أنّ اللغة
تنصرف إليه الوصفية بأهمي ٍة خاصة ،ووجه ُ لها وجهان :وجه الكالم وهو الذي
الكتابة ،فاألولى هي المادة الخام لعملية التحليل اللغوي ،واألخرى هي
الصورة أو الشكل لهذا التحليل.
وي ّتخذ ُ الوصف ثالثة طرق متكاملة في تحليل الظاهرة اللغوية ُوصولا منه إلى
تقعيدها وهي:
-استقراء المادة اللغوية مشافهة.
-تقسيمها أقساما ا وتسمية كل ّ قسم ٍ منها.
-وضع المصطلحات الدالّة على هذه األقسام .وذلك لنصل َ إلى
وضع القواعد الكلية والجزئية التي نتجت عن الستقراء .فالبدء بالستقراء
وتسجيل الظواهر من أهم ّ األسس التي يعتمد عليها الوصف بخالف المعيار الذي
يبدأ بالتقعيد.
إنّ مجال بحث عالم اللغة الوصفي يتم ّثل ُ في حقل اللغات
حيث يمكنُ تزويد الباحث بأحد أبناء اللغة الذين يتك ّلمون بها , ُ الح ّية ،
عرف ف ّنيا ا باسم الراوي اللغوي(Informant) . وهو الذي ُي ُ
ومن األعمال اللغوية التي أفاد منها المنهج الوصفي ما
ُيدعى بـ (األطلس اللغوي) وهو بمثابة مرش ٍد إلى اللهجات الح ّية للغ ٍة ما,
أي بلد وخصائصها اللهجية. ٌ
معلومات عن الصيغ الح ّية للغ ِة ّ وتتوفر فيه
سل ُ جامعو هذه األطاليس عاد اة إلى األماكن التي يق ُع و ُير َ
عليها الختيار من بل ٍد ما لعمل الخرائط المطلوبة ،ول ب ّد لهم من
بشكل بسيط -بعض ٍ الستعانة براو ٍ ُيم ّثل ُ المتكلّمين المحليين - .هذه
يجب أن ُيطرح :هلْ ُ األولية للمنهج الوصفي .ولكنّ السؤال الذي األصول ّ
بدأ النحو العربي وصفيا ا أم معياريا ا ؟ ،وما هي األسس التي ُيمكن العتماد
عليها في بيان بدء الدراسات اللغوية في العربية وكيف بدأت لنصل َ إلى إثبات
أو نفي الوصفية عنها ؟.
صر اإلجابة بما يلي: ُيمكن أن نح ُ
-اتصال أوليات النحو العربي بالواقع اللغوي اتصالا مباشراا,
والواقع اللغوي هو الستعمال ،والستعمال من أه ّم الركائز للمنهج الوصفي,
تصور وصف للغ ٍة ما من غير ٍ
نظر في ألنّ الوصف قرينة الستعمال ،ول ُي ّ
استعمالها الواقعي ،والتصال المباشر بالواقع اللغوي أصل ٌ من أصول النحو
الحقيقي ،وقد كان أيضا ا أصالا من أصول النحو العربي نتيجة ا لطبيعة الحياة
سه النقلالعربية وطبيعة الحركة العلم ّية التي نشأت في مناخ ٍ عام أسا ُ
والرواية .وقد أدّى هذا التصال إلى أن يكون في النحو اتجاه وصفي في تناول
كثير ٍ من ظواهر اللغة .ومن أمثلة التصال بالواقع اللغوي تلقـــّي
النصوص من أفوا ٍه الرواة ومشافهة األعراب والنقل عنهم مما م ّهد إلى استقراء
نتيجة لهذا الستقراء ،ومن ث ّم رأينا الدراسات ا اللغة واستنباط القواعد
العربية ت ّتسم بالوصف وتتأ ّتى إلى ح ٍّد كبير عن المعيار .فالبادية كانت من
أه ّم المصادر للدراسات اللغوية المب ّكرة وقد درج ال ّنحاة واللغو ّيون
األوائل على النقل المباشر من البادية أو غير المباشر من أفواه األعراب
الوافدين إلى المدن واألمصار.
-إنّ منهج البحث في مدرسة الكوفة التقليدية في بداية نشأتها
صةكان أقرب إلى المنهج الوصفي باعتماد الكوفيين أساسا ا على المسموع وبخا ّ
ية إلى القواعد ،بل استنباط القواعد منها النصوص ،وعدم إخضاعها كلّ ا
وتوجيههم نصوص القرآن واللغة واألدب هذا المنحى من المنهج وعدم تعويلهم
الكبير على التأويالت البعيدة المتكلّفة ،وابتعادهم عن إخضاع ال ّدرس
اللغوي عن روح المنطق البحت.
-تناول الظاهرة اللغوية على أساس ٍ شكلي ،وليس على أساس ٍ
معنوي ،والشكل هو الظاهر والمنهج الوصفي ُيعنى بالظاهر أكثر من عنايته بما
هو خالف ذلك .فال ّنحاة األوائل كانوا يتناولون الظواهر اللغوية على أساس ٍ
شكلي وهو مبدأ من مبادئ النحو الوصفي.
نستنتج م ّما تقدّم أنّ الدراسات اللغوية في العربية قد بدأت
كثير من أصولها ث ّم انتهت في الفترات المتأخرة ( لس ّيما بعد وصف ّي اة في ٍ
عولت القرون الهجرية األربعة ) انتهت إلى المعيارية ،وهي في شطرها األول ّ
على استقراء المادة اللغوية من مصادرها األصلية ( السماع ،المشافهة ) ,
ا
خاضعة ث ّم استنبطت منها القواعد الكلّ ّية والجزئ ّية ،أي جعلت القاعدة
لالستقراء وليس العكس .أ ّما في شطرها الثاني فقد أخذت بالقواعد التي انتهت
إليها وأخضعت لها المادة اللغوية القديمة والمستجدّة.
وتو ّقفت في استقرائها عند عصر ٍ اصطلح عليه بعصر الستشهاد
الذي ُيعتبر قدحا ا كبيراا في تاريخ الدراسات اللغوية العربية ،فانقلب
الميزان من الوصف إلى المعيار ،ومن إخضاع القاعدة إلى إخضاع المادة
اللغوية ،من استمرارية الستقراء ،واألخذ إلى التو ّقف عنهما .ولذلك
ُو ّجهت بعض النتقادات إلى منهج ال ّنحاة واللغويين ،فيما بعد ومن أبرز هذه
النتقادات ما أقدم عليه ( ابن مضاء ) في كتابه ( الرد على ال ّنحاة ) الذي
دعا فيه إلى إلغاء بعض األصول األساسية في المنهج النحوي التقليدي كالعلل
والعوامل والتقديرات.
ثالثا ا:المنهج المقارن:
أ -تعريفه:
المنهج المقارن أقدم مناهج البحث اللغوي الحديث وبه بدأ البحث اللغوي عصر
ازدهاره في أواخر القرن الثامن عشر وطوال القرن التاسع عشر .يتناول المنهج
المقارن مجموعة لغات تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة بالدراسة المقارنة.
ب-عوامل ظهور المنهج المقارن أو أسباب ظهوره:
لعل أسباب ظهوره المنهج المقارن قد تعود إلى نشاط البحث اللغوي الذي عرفته
أوربا بالخصوص في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وما بعدهما ومن جملة ما
تم تحقيقه -في ظل األبحاث اللغوية في خالل الفترة المذكورة -اكتشاف اللغة
السنسكريتية على يد ألسير وليم جونز ) (Sir William Jonesالذي كان قاضيا
في المحكمة العليا بالبنغال في سنة (1876م) هو الذي مهد الطريق لتأسيس
المنهج المقارن ).عند قيامه بدراسة رائعة من نوعها ،تمت هذه الدراسة على
اللغة الهندو أوربية وقدم على إثر هذه الدراسة خالصة نتائج ما توصل إليه في
بحثه المقارن قال" :إن اللغة السنسكريتية مهما كان قدمها بنية رائعة أكمل من
اإلغريقية وأغنى من الالتينية ،وهي تنم عن ثقافة أرقى من ثقافة هاتين اللغتين،
لكنها مع ذلك تتصل بهما بصلة وثيقة من القرابة سواء من ناحية جذور األفعال أم
من ناحية الصيغ النحوية حتى ل يمكننا أن نغزو هذه القرابة إلى مجرد الصدفة.
ول يسع أي لغوي بعد تصفحه هذه اللغات الثالث إل أن يعترف بأنها تتفرع من
أصل مشترك زال من الوجود.
النص ل يحتاج إلى تعليق؛ ألنه صور أحسن تصوير لما يربط اللغة السنسكريتية
من روابط مشتركة ذات أصل واحد ،وما تميزت به أو انفردت به اللغة الهندية من
خصائص فردية عن أخواتها مثل الالتينية ،واإلغريقية وغيرهما .من هنا اتفقت
أراء الباحثين اللغويين على أن المنهج المقارن هو أقدم المناهج المعروفة لدينا
اليوم ،وعلى أساس هذا المنهج تم تقسيم وتحديد الفصائل اللغوية ضمن الدرس
الفونولوجي.
ج -أهم مؤسسي علم اللغة المقارن:
سبق لنا أن أشرنا إلى أن وليام جونز (ت 1856م) كان ممن مهدوا الطريق
وهيأوا األرضية للعلماء الذين جاؤوا من بعده لمواصلة بحوثهم اللغوية في كل
التجاهات ،وتحت تيارات متعددة ومدارس نقدية مختلفة ،من بينها المذهب
المقارن .وكانت اللغة السنسكريتية أساس للمقارنة ضمن اللغات الهندية
األوروبية ،ومعظم األبحاث تتفقعلى أن بداية المنهج المقارن بدأت منذ نهاية القرن
الثامن عشر .إل أن عبده الراجحي يقول" :إن تأسيس الدرس المقارن قد بدأ على
يد "يينش )" (D. Jenischحين أعلنت األكاديمية األلمانية عن جائزة لمن يكتب
بحثا عن أحسن وسيلة في التعبير اللغوي؛ فكسب الجائزة هذا األخير وأصدر في
سنة (1856م) كتابه "مقارنة وتقدير فلسفيان نقديان ألربع عشرة لغة أوربية
قديمة وحديثة .من هذا التاريخ تم تأسيس المذهب المقارن بأتم المعنى وكانت
المدرسة األلمانية سباقة في احتوائها واحتضانها المنهج المقارن ول ننسى
لغوييها أمثال :فردريك فون شليجل (Friedrich Von Schlegel).الذي يعتبر
أول من دعا إلى النحو المقارن وكتابه الذي أصدره في سنة (1787م) بعنوان:
"عن اللغة و المعرفة عند الهنود.
لقد استمرت المدرسة األلمانية تطور أبحاثها اللغوية في ظل المنهج المقارن إلى
جانب المنهج التاريخي على يد ثلة من علماء اللغويين أمثال:
بوب (1851م 1768 -م )) (Franz Boppصاحب كتاب (القواعد المقارنة) ،وما
توجهه اهتمام الناس إلى هذه اللغة (السنسكريتية) والقواعد المقارنة في أبحاثه
إل دليل على مدى إرساء القواعد المقارنة وفق ما تقتضيه الدراسات األكاديمية
العلمية الحديثة.
بوب يعتبره جورج مونن مؤسس القواعد المقارنة بدون منازع ،كان صاحب
معرفة واسعة بعلوم عصره اللغوية والفلسفية وتعلم الفارسية والعربية والعبرية،
والسنسكريتية على يد شيزي ) (Chézyاألستاذ في معهد كوليج دي فرانس
)(Collège de Franceمنذ عام (1714م) ،وهنا بباريس أنشأ بوب مذكرته:
"في نظام تعريف اللغة السنسكريتية ومقارنته باألنظمة الصرفية المعروفة في
اللغات اليونانية والفارسية والجرمانية.
استدعي بوب في سنة (1721م) لتعليم السنسكريتية في جامعة برلين ،تابع بوب
أبحاثه في اللغة المقارنة طوال نصف قرن من الزمن وتقدم إلى المجمع اللغوي
في برلين بخمس مذكرات على التوالي نذكر منها ،التحليل المقارن بين اللغة
السنسكريتية واللغات التي تمت إليها بصلة القربى1724( ،م 1731 -م) ،وكذلك
القواعد المقارنة (1733م 1752 -م.
أما غريم (Jacob Grimm) (1785م 1763 -م) صاحب كتاب (القواعد
األلمانية) فهو يعد من مؤسسي المدرسة المقارنة أو النحو المقارن ،فقد أسهم
بعطاءاته في تأسيس المذهب المقارن بل والتاريخي ،ولم يفرد له جورج مونن
ترجمة كاملة تخص حياة هذا اللغوي وجهوده وأبحاثه اللغوية مثل ما فعل مع
بوپ ،وراموس راسك الدانماركي ،أو شاليشر ،بل أشار إلى هذا الرجل في عدة
)(12
محطات من كتابه تاريخ علم اللغة منذ نشأتها حتى القرن العشرين.
ما يثبت جهود جاكوب غريم في مجال البحث اللغوي المقارن جهوده للدراسات
الصوتية المقارنة وما تخضع له من قوانين التحول التي تخضع لها الحروف
الصحيحة في اللغة الجرمانية (13).وهو متأثر مقلد في نظر بردسن )(Predersen
براموس راسك) ، (R. Raskوالقتباس ظاهر في كتاب غريم "القواعد األلمانية"،
ففي طبعته األولى (171م) لم يذكر غريم كلمة واحدة في علم الصوت ،فحين أفرد
هذه الظواهر الصوتية خمسة وتسعون وخمسمائة 555صفحة من الطبعة
الثانية (1722م).
وقد أشار راومر ) (Rowmerفي موطن آخر من الكتاب المذكور ،وذلك في عام
(1788م) إلى ما يدين به األلماني غريم للغوي الدانماركي ،هذا دليل ثان على أن
جريم قد تأثر بأستاذه راموس راسك وبخاصة في مجال الدراسات الصوتية
المقارنة .ناهيك أنه كانت له جهود كبيرة في تأسيس المنهج التاريخي ،بدليل
قول :جورج مونن" :لما كان بوب في سبيل إعداد القواعد المقارنة ،كان غريم
في الوقت نفسه يضع القواعد التاريخية للغة األلمانية ،ثم راحوا يقتفون أثره
فوضع دييز ) (Friedrich Diezقواعد مقارنة وتاريخية معا للغات الرومية ومنذ
عام (1788م) كانت األبحاث قد طبعت بطابع جديد .ويصفه محمود السعران
بخالق النحو المقارن في ألمانيا.
ول ننسى أتباع مدرسة بوب وما قاموا به من أبحاث لغوية متأثرين بمنهج
المدرسة المقارنة أمثال :ماكس مولر ) (M. Mullerوجورج كورتيوس (G.
) ،Curtiusوأوغست شليشر (1767 - 1721م) ،) (August Schleicherقدم
كل منهم خدمات بطريقته الخاصة في فقه اللغة المقارن.
د-هدف المقارنة عند بوب وأتباعه:
كان الهدف األساسي من القواعد المقارنة عند بوب وأتباع مدرسته إثبات القرابة
بين اللغات ،وهي ل تسعى إلى تتبع تاريخها الطويل خطوة خطوة ،بل تعتمد طريقة
الموازنة الدقيقة الصارمة ،وتنتهي من عملها أو تستنفذ خطوة ،أو تستنفذ طاقتها
إذ أثبتت أن التشابه بين أشكال لغتين ل يمكن أن يكون من قبيل الصدفة ،وبالتالي
ل بد أن تكون اللغتان قريبتين من الناحية التوليدية .إما أن تكون إحداهما منحدرة
من األخرى ،وإما أن تنحدرا معا من أصل مشترك.
ه -ميدان المنهج المقارن:
إن علم اللغة المقارن أقدم مناهج البحث اللغوي كما يؤرخ له الباحثون ،به بدأ
البحث اللغوي عصر ازدهاره في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والقرن
التاسع عشر للميالدي .فهو منهج يطبق على مجموعات لغوية معينة من اللغات
إنه يطبق على اللغتين أو عدة لغات منتسبة إلى أصل واحد بعيد ،ثم خضعت في
تاريخها الطويل لتطورات منفصلة.
وعندما يقف اللغوي إلى جمع السمات (الخصائص) المشتركة بين أمثال هذه
المجموعة من اللغات يتمكن من أن ينشئ النحو المقارن لهذه المجموعة.
المنهج المقارن يهيئ السبيل لتصنيف اللغات بحسب خصائصها وتجميعها في
عائالت ومستوى هذه المقارنة هو الجانب الفيزيولوجي والنحوي والدللي ،بفضل
هذا المنهج تقدم البحث اللغوي شيئا فشيئا ،فقورنت اللغات األوربية المختلفة
واللغات اإليرانية ،واللغات الهندية ،وثبت بهذه المقارنات أن كثيرا من اللغات
تحمل أوجه شبه البنية والمعجم ،وبذلك اتضحت معالم أسرة لغوية كبيرة تضم
لغات كثيرة في الهند وإيران وأوربا ،وأطلق الباحثون على هذه األسرة اللغوية
اسم اللغات الهندية األوربية .ويسميها الباحثون األلمان أسرة اللغات الهندية
الجرمانية.
وقام الباحثون في اللغات السامية -أيضا -بتطبيق المنهج المقارن الذي يبحث
مجموعة اللغات العربية والعبرية واآلرامية واألكادية والعربية الجنوبية
والحبشية.
وقد ازدهر البحث اللغوي المقارن خالل القرن التاسع عشر ،وبحث في اللغة
السامية من حيث الصوت وبناء الكلمة ،وبناء الجملة الخبرية والفعلية والسمية،
)(20
وتناول علم الدللة وما يتعلق بتاريخ الكلمات وتأصيلها.
كان للمنهج المقارن دور في دراسة اللغات السامية في فترة كانت الكشوف األثرية
قد ظهرت إلى الوجود مكتوبة على النقوش ،وهي اللغات األكادية في العراق،
والعربية الجنوبية في اليمن ،والفينيقية في منطقة ساحل الشام ،وأضيف إلى
اللغات السامية في القرن العشرين اللغة اإلجريتية التي اكتشفت في ساحل الشام
بالقرن من مدينة رأس شمرا سنة 1526للميالد.
إن البحث المقارن يتناول أسرة لغوية كاملة أو فرعا من أفرع هذه األسرة
اللغوية ،ولهذا يعد علم اللغة المقارن فرعا مستقال من أفرع البحث اللغوي.
يتناول المنهج المقارن المجالت المذكورة لعلم اللغة ،فيبحث في الناحية الصوتية
لألصوات الموجودة في هذه اللغات المنتمية إلى أسرة لغوية واحدة ،محاول
التوصل إلى قواعد مطردة تفسر التغيرات الصوتية التي طرأت على مدى الزمن،
فانقسمت اللغة الواحدة إلى لهجات ولغات كثيرة ،انقسمت بدورها إلى اللغات
أخرى ،وقد اتضح في إطار البحث اللغوي الصوتي المقارن أن مجموعة من
األصوات مستمرة دون تغيير يذكر على العكس من هذا فهناك أصوات خضعت
لتغيرات بعيدة المدى منها صوت الضاد الذي اختفى بمضي الوقت من كل اللغات
السامية باستثناء اللغة العربية ،وكل هذه البحوث في مجال األصوات ،وتعد بمنهج
مقارن.
كما يتناول المنهج المقارن بناء الكلمة وكل ما يتعلق باألوزان ،والسوابق
واللواحق ،ووظائفها المختلفة ،فدراسة الضمائر في اللغات السامية تعد من
الدراسات التي أولى لها علم الصرف المقارن عنايته؛ ألنها تخص بنية الكلمة فهي
تتم بمنهج مقارن ،وكذلك أبنية األفعال في اللغات السامية ،واسم الفاعل في اللغات
السامية ،أو المصدر في اللغات السامية ،فكل هذه الدراسات تدخل تحت ما يسمى
بعلم الصرف المقارن للغات السامية.
كما يعد المنهج المقارن في بناء الجملة مجال ثالثا من مجالت البحث في علم
اللغة المقارن ،إن دراسة الجملة سواء أكانت فعلية أم اسمية في اللغات السامية
فهي مناط البحث بالنسبة للمنهج المقارن.
كما يبحث المنهج المقارن في اللغات السامية وبخاصة في الكلمات وتأصيلها،
وغايته في هذه الدراسة التنقيب عن الكلمات المشتركة في المعنى أو المختلفة
وما طرأ عليها من تغيير دللي .كما يهدف إلى تأصيل المواد اللغوية في المعاجم،
وردها إلى أصولها السامية إن وجدت.
و -هل عرف العرب المنهج المقارن في دراساتهم التراثية؟
إن وجود المناهج اللغوية من حيث التأسيس حديثة العهد لم يتعد على قيامها أكثر
من قرنين ،واعتمادها طريقا أو منهاجا يلتزم به كل باحث مهما كان ،ومهما
تنوعت إنتاجات وإبداعات هؤلء الباحثين على اختالف تخصصاتهم.
على الرغم من حداثة خصائص المنهج المقارن وشروطه ومميزاته غير أن
العرب لم يشروا إلى ذكر لفظة هذا المصطلح ،ول إلى أهميته في الدراسات
اللغوية أيام ازدهار نهضتهم الفكرية ،حالهم في ذلك حال األمم المجاورة لهم مثل
الفرس أو الهند أو اليونان ،أو غيرهم ،لكن آثار وجود بعض بصمات المنهج
المقارن فهي حاضرة في دراساتهم ،وذلك من خالل ما استدل به الباحثون
اللغويون العرب المعاصرون ولنأخذ نصافي الموضوع ،قال سليمان ياقوت" :ولم
يكن جميع القدامى من اللغويين العرب على جهل باللغات السامية ،بل كان بعضهم
يعرف العالقة بين العربية وبعض هذه اللغات ،وإن لم تثمر هذه المعرفة عندهم في
الدرس اللغوي ،ومقارنة العربية باللغات السامية ،فقد ورد في كتاب (العين)
للخليل بن أحمد قوله" :وكنعان بن سام بن نوح ،ينسب إليه الكنعانيون ،وكانوا
يتكلمون بلغة تضارع العربية.
النص يفصح للقراء بأن اللغويين العرب كانوا على دراية باللغات السامية أخوات
العربية في وقت مبكر ،والدليل على ذلك ما جاء على لسان الخليل بن أحمد
الفراهيدي (ت 185هـ) ،حين ضارع لغة العرب بلغة الكنعانيين ،فهذه الدراسة
أساسها هو المنهج المقارن بمفهومه العلمي؛ ألن معرفة العالقة بين اللغتين
المذكورتين أو نفي الصلة بينهما ل يقوم بها إل عالم أو عارف بلغتين متضلع
فيهما.
وواصل سليمان ياقوت جملة من الستشهادات التي ثبتت مالمح وجود المنهج
المقارن في الدراسات التراثية العربية كالتي جاءت على يدي أبي عبيد القاسم بن
سالم الجمحي (ت 231هـ) عندما تعرض إلى أداة التعريف في اللغة السريانية،
واللغة العربية ،والرموز اإلعرابية.
قلنا هناك بصمات للمنهج المقارن في الدراسات اللغوية العربية القديمة ،وهذا ما
نقف عليه عند صاحب اإليضاح في علل النحو ،قال" :الكالم اسم وفعل وحرف
جاء لمعنى" فقال قائلون :إنما قصد الكالم العربي دون غيره ،وقال آخرون بل
أراد الكلم العربي كله والعجمي.
المتمعن في النص قد يعي كل الوعي أن العرب عندما تعرضوا لدراسة لغتهم في
كل سياقاتها كانوا يدركون اللفظة العربية من غير العربية هذه األحكام
والستنتاجات هي من خصائص دراسات المنهج المقارن.
وما يثبت وجود أدلة على أن المنهج المقارن تواجد في الدراسات العربية القديمة
ما تناوله ابن دريد في جمهرته (كتابه) يشير إلى ما اختصت به األصوات العربية
دون سائر الخلق صوتا الحاء والظاء "وزعم آخرون أن الحاء في السريانية
والعبرانية والحبشية كثيرة وأم الظاء وحدها مقصورة على العرب ومنها ستة
أحرف للعرب ولقليل من المعجم وهن العين والصاد والضاد والقاف والطاء
والثاء ،وما سوى ذلك فللخلق كلهم من العرب والعجم إل الهمزة.
كما توصل ابن حزم األندلسي (ت 456هـ) إلى وجود عالقة القرابة بين العربية
والعبرية والسريانية وبخاصة فيما يتعلق باللفظ ،ثم أدرك أبو حيان األندلسي
صاحب البحر المحيط (ت 854هـ) العالقة الموجودة بين الحبشية والعربية ،وألف
فيهما تأليفا مستقال في البحر المحيط.
قال" :وقد تكلمت عن كيفية نسبة الحبش في كتابنا المترجم عن هذه اللغة
المسمى بـ(جالء الغبش عن لسان الحبش .هذا دليل آخر على أن علماء العرب
يعرفوا أو
القدامى قد تناولوا في دراستهم وأبحاثهم المنهج المقارن دون أن ّ
يعرفوا أسس وخصائص هذا المنهج.
هذا ما يثبت أن العرب لم تكن دراساتهم دراسة عقيمة متحجرة غامضة بل مروا
في أبحاثهم وتعليمهم ودراساتهم مثل بقية األمم والشعوب التي سبقتهم.
المنهج المعياري:
المنهج المعياري بخالف المنهج الوصفي ،قائ ٌم على فرض
القاعدة أي يبدأ بالكلّيات وينتهي بالجزئيات ،والمنهج المعياري يعتمد
ويتأول لما خرج عن القواعد التي يصو ُغها ّ القاعدة أساسا ا وي ْنأى عن الوصف ،
بإحكام شتى التأويالت أو يحكم عليها بالشذوذ والقلّة إنْ ل ْم يجد فيها
تأويالا مناسبا ا ولو كان بعيداا أو مستغربا ا.
و ُعرفت المعيارية في الدراسات اللغوية األوروبية واستخدم
لها عبارة اللغة المعيارية ( Standard Language) ,أو عبارة المعياري حينما
ُتوصف اللغة أو ال ّنحو أو القواعد عامة.
لهجة ا من لهجات لغة ا وتكون اللغة المعيارية في ّأول أمرها
ٍٍ ما ث ّم ترقى إلى مستوى التقليد والمحاكاة وتتخذ ُ لها صفة رسمية لذلك
قيل َ في تعريفها وبيان أسباب نشأتها :أنّ اللغة المعيارية هي ذلك المستوى
الكالمي الذي له صفة ٌ رسم ّية والذي يستعمله المتعلّمون تعليما ا راقيا ا.
ا
لهجة محلّية, وغالبا ا ما تكون اللغة المعيارية في ّأول األمر
ب من عترف بها كلغ ٍة رسمية ٍ لسب ٍ ُ تنال ُ شيئا ا من التمجيد أو التقدير و ُي
األسباب.
ضلة التي ُت ّتخذ فالمعيارية بهذا المفهوم هي اللهجة المف ّ
مقياسا ا للبالغة والفصاحة كتفضيل لهجة قريش في الدراسات العربية التقليدية
ب دينية وسياسية .ث ّم تكون هذه على سائر اللهجات العربية األخرى ألسبا ٍ
اللهجة نوا اة للمنهج المعياري ،وتتخذ ُ قواعدها معياراا للصحة والخطأ كما
هو واضح ٌ في تاريخ العربية .ولذلك فقد نشأ النحو العربي نشأ اة وصف ّية
صوب المعيارية بعد أن وضعوا القواعد واألصول باعتماد الستقراء ولك ّنه جنح ْ
وتو ّقفوا عن استقراء المادة اللغوية المستج ّدة فبرزت اللغة الرسمية
لة بهذا واعتبرت مقاييسه وقواعده ف ْيصالا في الصحـة والخطــأ. مم ّث ا
ول ّما كان الهدف منص ّبا ا في الغالب على تعليم الناشئة وغيرهم
والمتخصصين رأيناهم ي ّتجهون بالنحو ِوجهة تعليم ّية , ّ من المثقفين
والتعليم ّية أداةٌ معيارية ،إذ بواسطتها ُيمكن المحافظة على المستوى
تسرب هذا المنهج شيئا ا فشيئا ا إلى الدرس الصوابي لمعيارية اللغة .ث ّم ّ
اللغوي على مستوى التخصص البحت.
العربي من أجلها وهي ضبط اللغة ّ إنّ العناية التي نشأ النحو
وإيجاد األداة التي تعص ُم الالحنين من الخطأ فرضت على هذا النحو أن ي ّتسم
العلمي ،أو بعبار ٍة أخرى أن
ّ التعليمي ل النحو
ّ في جملته بسمة النحو
يكونَ في عمومه نحواا معياريا ا ل نحواا وصف ّيا ا.
ولم يكن الغرض التعليمي سببا ا وحيداا في معيارية النحو
أسباب أخرى من أهمها تأ ّثر النحو العربي بالمنطق ،والمنطق ٌ العربي بل هناك
الذي نعنيه هو منطق " أرسطو " الذي قال كثي ٌر من الباحثين بتأثيره في بعض
التجاهات في الدراسة العربية القديمة ومنها الدراسات اللغوية .وهذا
المنطق ُيعنى بالصورة أكثر من عنايته بالمادة .ودرس اللغة ينبغي أن ير ّكز
على المادة ل على الصورة ،وتأثير المنطق على النحو ُيبعده عن درس الواقع
ا
نتيجة اللغوي كما هو .وعناية المنطق األرسطي بالصورة أو الشكل جاءت
لهتمامه بالطبيعة الثابتة أو (األنواع) من حيث ماهياتها األزل ّية ،ونرى
أنّ تعريف األشياء وفقا ا لهذا المفهوم قد تأ ّثر به النحو العربي من حيث
تعريف الكلّيات النحوية كأبواب السم والفعل والحرف والمبتدأ والخبر .....
نتيجة لمقدّم ٍة منطقي ٍة أرسط ّية هي النظرة إلى الطبيعة ا وكانت المعيارية
بما فيها من أنواع وأشياء نظرة ثابتة ل تتغ ّير.
ومن آثار المنطق في الدرس اللغوي عند العرب هو القول بالقياس
شغل ال ّنحاة ولس ّيما في القرن الرابع الهجري وما والبرهان والعلل .وقد ُ
تاله بهذه المبادئ واعتبروها أصولا للنحو .حتى أنّ الزجاجي ر ّد على الذين
اتبعوا سيبويه في تقسيم الكالم إلى اسم وفعل وحرف تقليداا من برهان ول
حجة.ّ
ومن القضايا التي قد ُيحسب أنّ لها عالقة بالصواب المطلق
ووجه بهما ّ قضيتان مرتبطتان بالمنهج الوصفي أُثير حولهما الجدل والنقاش
صوغ القياسي. صوابي وال ّ القدح والنقد إلى هذا المنهج وهما :المستوى ال ّ
صوابي فيفترض من حيث الشكل معياراا لغويا ا أ ّما المستوى ال ّ
صواب للصواب المطلق في اللغة ولك ّنه في حقيقته غير ذلك فهو ينظ ُر إلى ال ّ
ي يرضى عن باعتباره مقياسا ا يفرضه المجتمع اللغوي الواحد فهو معيا ٌر لغو ٌ
صواب والخطأ اللغويين ليمكن للمستوى ويرفض الخطأ في استعمال ال ّ ُ صواب ال ّ
صوابي أن يح ّددهما باعتباره فكرة يستعين بها الباحث على ذلك .وإ ّنما هو ال ّ
مقياس اجتماعي يفرضه المجتمع اللغوي على األفراد ويرجع األفراد إليه عند ٌ
الحتكام في الستعمال.
صوغ القياسي فهي مقدرة خاصة اكتسابية يكتسبها أ ّما ظاهرة ال ّ
الفرد في ُطفولته ولها عالقة وطيدة بالمجتمع اللغوي الذي يعيش فيه ،ووفقا ا
لها تحصل لديه ملَكة قياس صيغ لم يسمعها على صيغ ٍ قد سمعها ،ومن مظاهر
المنهج المعياري في الدرس اللغوي القديم:
ت أخرى.-األخذ من بعض القبائل واللهجات وترك قبائل ولهجا ٍ
-إدخال بعض المناهج التي عرفت التقسيم والتحديد على البحث اللغوي مثل منهج
علوم الحديث.
وكذلك تقسيم الكالم إلى م ّطرد وشاذ ،وأيضا ا التقدير والفتراض
رابعا ا :مناهج اللسانيات التاريخيةhistorical linguistics :
تطلق تسمية اللسانيات التاريخية على الدراسات اللغوية التي ظهرت في
أوروبا في القرن التاسع عشر الميالدي ،وتختلف الدراسات التاريخية
على الدراسات النحوية التقليدية القديمة ،وكذلك عن اللسانيات الحديثة
التي ظهرت مع مطلع القرن العشرين من حيث المنهج والتصور .وتعمل
هذه اللسانيات على دراسة اللغة الواحدة في تطورها عبر المراحل
المختلفة منذ نشأتها إلى يوم الدراسة قصد تبين تاريخها ،مع رصد ما
وقع فيها من تغيرات صوتية ومعجمية ونحوية ودللية ،وبيان األسباب
الكامنة وراء ذلك.وقد سماها سوسير باللسانيات التطورية
( . ) linguistique diachroniqueو الدراسات التاريخية للغة كانت
مرفوضة وغير مرغوب فيها بتاتا عند اللسانيين .إذ لم يتقبلوها إل في
أواخر القرن الثامن عشر الميالدي .وذلك راجع إلى كون التاريخ في
نظرهم ل يدرس األشياء والظواهر اللغوية ،وإنما يدرس حياة األمم
السالفة .وتتطلب هذه اللسانيات جهدا أكبر إذ يتعين على اللساني معرفة
اللغة األم ،وجميع اللغات المتفرعة عنها قديمة كانت أم حديثة .إنه حسب
ماريو باي عمل شبيه بعمل الشرطة السرية المتمثل في التقاط المفاتيح
وجمع الجزئيات وربط بعضها ببعض أما فيما يخص المناهج المعتمدة في
هذه اللسانيات ،فقد أقصرها معظم الباحثين على منهجين هما :المنهج
المقارن ،ومنهج إعادة التركيب اللغوي (منهج إعادة التركيب الداخلي ).
ورأى بعضهم أنها ثالث مناهج ،ومن هؤلء ميلوسكي الذي أضاف إلى
المنهجين السابقين المنهج الفيلولوجي ،يقول " :إن اللسانيات التاريخية
استعملت ثالت مناهج لعادة بناء اللغات ،المنهج الفيلولوجي ،و منهج
إعادة التركيب الداخلي ،والمنهج المقارن.
يهتم المنهج التاريخي بدراسة التطور اللغوي عبر الزمن ،ويكون هذا بدراسة
التطورات األجتماعية ،والثقافية ،والعلمية ،والسياسية ،وغيرها من التطورات
التي يمكن أن تؤثر في اللغة .فالبحوث التي تدرس توزيع اللغات عبر الزمن وما
يحدث فيه من تغيير ،والتي تناقش التغيرات التي تحدث في اللغات المختلفة ،هي
من بحوث علم اللغة التاريخي .وكذلك تدخل في هذا العلم البحوث التي تهتم بلغة
واحدة فتدرس التطورات التي حدثت ألصواتها ،أو صرفها ،أو نحوها ،أو معاني
كلماتها عبر الزمن .
خامسا ا :المنهج التقابلي:
أ -مفهوم منهج التحليل التقابلي:
منهج التحليل التقابلي Contrastive analysisهو دراسة مقارنة للغتين أو أكثر
أو للهجات مختلفة من لغة معينة بهدف أيجاد أوجه التشابه والختالف بينها
بصورة عامة أو في جوانب لغوية معينة.
يرى بعض الباحثين أن الدراسات اللغوية التقابلية Contrastive studiesيجب
تمييزها عن علم اللسانيات المقارنة Comparative linguisticsوالذي هو
عبارة عن دراسة مقارنة للغتين أو أكثر يعتقد أنهما ترجعان إلى أصل واحد
وبينهما أصول تاريخية مشتركة بهدف اكتشاف تلك األصول و إعادة بنائها.
بينما يرى البعض اآلخر أن خلطا ا قد حصل في استعمال المصطلحات الدالة على
منهج التقابل والمقارنة من قبل الباحثين في مجال علم اللغة المقارن .فأطلق على
الدراسات التي تعنى بمقارنة لغتين أو أكثرمسميات عدة من قبيل الدراسات
التقابلية ، Contrastive studiesدراسات اللغة التقابلية Contrastive
، language studiesاللسانيات التقابلية ،Contrastive linguistics
الدراسات التقابلية التطبيقية ، Applied contrastive studiesالوصف
التقابلي Contrastive descriptionوغيرها .ولتدل جميع هذه المصطلحات
معان عديدة ومختلفة
ٍ على معنى واحد عند مستخديميها من العلماء بل تدل على
ولكل باحث طريقته الخاصة به في استعمالها.
ب -نشأته:
ويعتبر منهج التحليل التقابلي حديثا ا بالمقارنة مع المناهج األخرى في علم
اللسانيات فقد نشأ هذا المنهج خالل الحرب العالمية الثانية 1545-1535في
الوليات المتحدة األمريكية من خالل الحاجة الملحة أنذاك لتعلَم وتعليم اللغات
األخرى كلغات ثانية Second languagesأو لغات أجنبية Foreign
.languagesحيث كانت جيوش الوليات المتحدة األمريكية تقاتل على جبهات
مختلفة في مناطق متعددة من العالم فأحس قادة تلك الجيوش وضباط المخابرات
بالحاجة الماسة إلى فهم لغات الشعوب التي يقاتلون على أراضيها بل والتخاطب
بها إن أمكن .ومن هنا نشأت الحاجة إلى تعلم وتعليم تلك اللغات من خالل تحليلها
ومقارنتها باللغة اإلنجليزية باتباع منهج التحليل التقابلي الذي أثبت جدواه
وفاعليته.
ويرى بعض الباحثين أن هذا المنهج كان سائداا قبل ذلك بكثير وأن إرهاصاته بدأت
في إنكلترا حينما شرع اللغويون بمقارنة األنماط النحوية اإلنجليزية مع تلك التي
في اللغة الالتينية.
بينما يذهب بعض علماء اللسانيات إلى أن هذا الفرع من علم اللغة كان قد بدأ في
أواخر القرن التاسع عشر حين إهتم علماء اللغة بدراسة فقه اللغة
المقارن Comparative philologyفي محاولة منهم إليجاد روابط بين لغات
العالم المختلفة على المسوتيين البنيوي والتاريخي بهدف إظهار القواسم
المشتركة Common factorsفيما بينها وبالتالي تصنيفها إلى "عائالت" لغوية
.Language families
واألمر الذي لشك فيه هو أن هذا المنهج قد بلغ ذروة نضجه وصار يتبناه
الباحثون في دراساتهم اللغوية في ستينات القرن المنصرم في الوليات المتحدة
األمريكية عندما أستخدم بصورة فعالة في تفسيرالمشاكل الناجمة عن عملية تعلم
وتعليم اللغات األخرى كلغات ثانية أو لغات أجنبية ولتجنب الوقوع في األخطاء
الشائعة المصاحبة لتلك العملية والتي يعزوها العلماء إلى تأثير اللغة األولى First
languageعلى اللغة الثانية Second languageأو ما أطلق عليه فيما بعد
بتداخل اللغة األولى . First language interferenceوقد تعزز هذا الهتمام
في السبعينات من القرن الماضي حينما قام الباحثون األوروبيون بمقارنة لغاتهم
باللغة اإلنجليزية.
ج-أنواعه:
يقسم الباحثون الدراسات اللغوية التي اتخذت من التحليل التقابلي منهجا ا لها إلى
ثالثة أقسام وهي:
.1دراسات قائمة على منهج التحليل التقابلي الخالص .وهي التي تعنى بمقارنة
لغتين أو أكثر أو لهجتين من لغة ما أو أكثر لتسليط الضوء على نقاط التشابه
والختالف بينها .وقد ظهرت جملة من الدراسات الرصينة المكرسة كليا ا لهذا
الغرض ،فقورنت اللغة اإلنجليزية بالعربية والفرنسية والروسية والصينية وبقية
اللغات األخرى ،كما قورنت اللغات األخرى باللغة اإلنجليزية.
.2دراسات نتجت عن تحليل األخطاء اللغويةLinguistics error analysis
الناجمة عن تعلم لغة ما أو الترجمة منها وإليها .وقد اهتم الباحثون في هذا الحقل
بتتبع تلك األخطاء ومحاولة الكشف على أسبابها وطرق تالفيها .وبالطبع ما كان
.3دراسات لغوية وصفية .Linguistics descriptive studiesوهي الدراسات
التي اهتمت بوصف جانب لغوي أو عدة جوانب لغوية في لغة ما .وهذا النوع من
الدراسات س ّهل عملية مقارنة تلك اللغات باللغات األخرى على ضوء منهج التحليل
التقابلي.
د-فوائده:
مما لشك فيه أن اكتشاف منهج التحليل التقابلي وتأصيله وتطوير أدواته قد عاد
على علم اللسانيات وعلى المتخصصين فيه بالنفع الكثير .فقد أسهم هذا المنهج
في تصنيف لغات العالم المختلفة إلى عائالت لغوية متعددة وذلك من خالل
دراستها دراسة تقابلية مقارنة أظهرت بوضوح قواسمها المشتركة التي سهلت
عملية فرزها وإدراجها تحت عائالت مختلفة.
ولعل من أهم عوامل تطور ونجاح هذا المنهج في الدراسات اللغوية المعاصرة هو
الهتمام المتزايد به من قبل مدرسي اللغات ومتعلميها .فالتحليل التقابلي قد نجح
إلى حد كبير في تفسير مشلكة التداخل Interferenceفي مجال تعلَم اللغات
واكتسابها .وقد تم استعمال نتائجه وتطبيقها لتطوير مواد ومناهج وطرق تعليم
اللغات األمر الذي ساعد كثيراا في تجنب متعلمي اللغة من الوقوع في أخطاء لغوية
تتعلق بتأثير اللغة األولى على اللغة الثانية وذلك من خالل إبراز أوجه التشابه
والختالف على المستوى الصوتي Phonetic levelوالمستوى الصرفي level
Morphologicalوالمستوى النحوي Syntactic levelوالمستوى
الدللي Semantic levelوالمستوى الستعمالي أو التداولي Pragmatic
.level
كما وأستفاد دارسوا علم الترجمة من منهج التحليل التقابلي فائدة كبيرة حيث
وجدوا أن اإللمام بأوجه التشابه والختالف بين اللغة المنقول منها Source
languageوتلك المنقول إليها Target languageيجعل المترجم قادراا على
تجنب الوقوع في إخطاء كثيرة من قبيل الترجمة الحرفية للتراكيب والصيغ
والدللت .زد على ذلك إن اإللمام بهذا النوع من التحليل يجعل المترجم قادراا على
اإلحاطة بجوانب النص المراد ترجمته إحاطة علمية شاملة ودقيقة لتستوعب
المستوى النحوي أو المفرداتي فحسب بل تتعاداهما إلى مستوى الخطاب ونوعه
وظروفه الموضوعية.
كما وقد استفاد نقاد الترجمة بشقيها الشفوية والخطية من منهج التحليل التقابلي
في عملية نقد وتحليل وتقييم النصوص المنقولة من لغات أخرى .فقد مكنهم هذا
المنهج من اكتشاف مواطن ضعف النصوص المترجمة واكتشاف مواطن قوتها،
وسهل لهم عملية بلورة نماذج أو أنماط أو أقيسة لتقييم تلك النصوص والحكم
على ترجمتها بالجودة أو الرداءة وعلى مترجميها بالكفاءة أو بعدمها.
سادسا ا:المنهج المعياري:
أ -تمهيد:
يعد المنهج المعياري منهجا ا له قيمته العالية في دراسة القواعد النحوية ،
واللغوية .ومازال متداولا به من الخلف إلى السلف ،وإلى يومنا هذا.والمنهج
المعياري كما تراه الباحثة يع ّد أصل الدراسات النحوية واللغوية بشكل عام،
والدراسات الوصفية فرع عنها .أي تعمل المعيارية جنبا ا إلى جنب مع الوصفية في
الوصول إلى التأصيل ،والتقعيد ،ول سيما أن تقعيد اللغة ،ومرحلة تجميعها كانت
وصفية لتنتهي هذه الرحلة إلى المعيارية .وهذا يؤكد أن المعيارية أصل كونها
ثابتة ل تتغير مع الزمن ،والوصفية فرع عن المعيارية ،كونها تتغير.
ودراستنا لهذا المنهج الكبير بمظاهره يقودنا إلى معرفة هذه المظاهر بشكل
أعمق ،وأدق صورة له .وما التوليدية والتحويلية إلّ شاهد على أن مظاهر
المعيارية قد أبدت أهميتها في دراسة اللغة بشتى الطرائق والسبل .والوصفية فرع
عن المعيارية يغذي المعيارية بالمعلومات الدقيقة والقريبة من الفئة اللغوية
المدروسة ،أو الظاهرة اللغوية .
أ -مفهوم المعيارية:
المعيارية منهج يقيم على الصواب والخطأ .منهج يعمل على وضع القواعد
النحوية واللغوية وفق معايير والموازين ،وقد أسماه الوصفيون بالمنهج التقليدي
.كونه يسير على نهج القدماء.وهو المنهج الذي يقيس القواعد النحوية واللغوية
.وقد استعمل الدكتور محمود فهمي حجازي لفظة المعيارية ولم يستعمل لفظ
منهج ،فقد أطلق على المعيارية في النحو اسم النحو التعليمي أو المعيارية دون
استعمال كلمة منهج .فقد ذكر أن المعيارية تهدف إلى وضع ضوابط الستخدام
اللغوي الصحيح ألبنية المفردات وأبنية الجمل.
وقد ذكر كريستال أن المعيارية اصطالح استعمل بواسطة اللغويين لوصف أي
اتجاه لمحاولة وضع ضوابط الصحة .كما تهدف المعيارية إلى الحفاظ على
مستويات متصورة اللغة ،وذلك بإصرارها على فرض نماذج لالستعمال منتقدة
الخروج عنها ،وتتخذ لذلك معايير معينة مثل النقاء والمنطق والتاريخ واألدب
الرفيع .إذن النحو المعياري يسعى بمنهجه المعياري إلى ضوابط القواعد
وتصحيحها وتقويمها على وجهتها الصحيحة ،وكذا تحديد المعايير والقواعد
لتصحيحها.
وقد استعمل عبد القاهر الجرجاني بمعنى القياس عند حديثه عن اإلعراب الذي يع ّد
المعيار" الذي ل يتبين نقصان كالم ورجحانه حتى يعرض عليه والقياس الذي ل
يعرف صحيح من سقيم حتى ُيرجع إليه " ومن كالم الجرجاني نجد أن دراسة
اللغة هي غاية في بيان أوجه الصواب أو الخطأ تبعا ا للمعايير الموضوعية والتعليل
للخطأ بافتراضات كثيرة كالحذف والعوض والتقدير والتأويل والتقديم والتأخير ثم
الخروج بنتيجة مؤداها تعديل شكل ظاهرة لغوية حتى تتفق مع معايير موضوعه
ش َّق ْت) األيه( )1سورة مسبقا ا في ذهن الباحث نحو قوله تعالى ((إِ َذا َّ
الس َما ُء ا ْن َ
اإلنشقاق.
بمعيار النحاة إذا انشقت السماء انشقت ( .ولذا قال الجرجاني يعرض عليه القياس
الذي ل يعرف صحيح الكالم من سقيم حتى يرجع إليه .و يجب على المتكلم أن
يراعي " معايير اجتماعية معينة يطابقها في الستعمال ،ويقيس في كالمه على
هذه المعايير.
و ليت ّم نظم الكالم ووضعه إألّ بموجب علم النحو التقليدي القائم على المعيارية،
فقد ذكر الجرجاني في دلئله بقوله " :أعلم أنه ليس النظم إلّ أن تضع كالمك
الوضع الذي يقتضيه علم النحو ،وتعمل على قوانينه وأصوله ،وتعرف مناهجه
التي نهجت فال تزيغ عنها ،وتحفظ الرسوم التي رسمت لك ،فال تخل ّ بشيء منها.
فنظم الكالم هنا – كما ذكر الجرجاني -يقصد وضع الكالم تحت قوانين وضوابط
لستقامة الكالم وفق منهج يسير عليه وهذا المنهج هو المعياري دون غيره.إذ
يقوم بدور مهم في تعليم القواعد؛ ألن أساسه محاولة استخالص مجموعة محددة
القواعد والقوانين وجعلها نموذجا ا أو معياراا ينبغي األخذ به في السير على
طريقه ،فمن خرج عن هذا النهج أو المعيار دخل في دائرة الخطأ ،ومن سار على
هذه كان معيباا ،فهذا النهج في األساس وظيفته بيان الخطأ والصواب في اللغة،
ومحاولة فرض قواعده على مستعملي اللغة ،حفاظا ا عليها وعلى أصولها ،ويهدف
أيضا ا إلى تعليم اللغات القومية.
والمعيارية هو منهج النحو العربي الذي شغل النحاة القدماء والمحدثين ،وكذا
اللغويون من القدماء ،والمحدثين .ذلك ألن " النحو علم مستخرج بالمقاييس
المستنبطة من استقراء كالم العرب ،الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي تأتلف
منها فيحتاج من أجل ذلك إلى تبيين حقيقة الكالم وتبيين أجزائه التي يأتلف منها
وتبيين أحكامها( ".والنحو" صناعة علمية ،ينظر لها أصحابها في ألفاظ العرب
من جهة ما يتألف بحسب استعمالهم لتعرف النسبة من صبغة النظم ،وصورة
المعنى ،فيتوصل بإحداهما إلى األخرىو هو " علم بأقيسة تغيير ذوات الكلم
وأواخرها بالنسبة إلى لغة لسان العرب" وذكرنا للتعريف بالنحو لما كانت
المعيارية سمة أساسية من سمات النحو العربي ،ولسيما أن الدراسات الحديثة
منصبة في النحو العربي التقليدي الذي اتخذ المنهج المعياري منهجا ا له في هذه
الدراسات.
والدراسة المعيارية كما ذكر تمام حسان ،مؤسسة على المنطق ،خالية من وجهة
نظر علمية ،وهي ل تهتم باللغة نفسها ،بل ترى فقط أن تسن القواعد التي تفرق
بين الستعمالت الصحيحة وغير الصحيحة ،وهذا المنهج المعياري بعيد عن
المالحظة الخالصة ،يفرض وجهة نظره فرضا ا .وقد توالت الدراسات حول تأثر
النحو العربي بالمنطق ،ولسيما منطق أرسطو .كما أن الوصفيين جعلوا من تأثر
النحو بالمنطق سمة من سمات المنهج المعياري ،وعدّوا أن النحو العربي ليس له
استقاللية خاصة ،وأن الدراسات في النحو ليست مستقلة عن العلوم األخرى ،بل
إن النحو العربي تأثر بالمنطق .أي إن تمام حسان من كالمه عن المنهج المعياري
واتهامه للنحو العربي بأنه مؤسس على المنطق ،يرفض المنهج المعياري ،وأنه
يؤيد المنهج الوصفي الجديد القائم على الدراسة المحددة لبيئة ما ،في مجتمع ما،
ودراسة اللغة لذاتها ولذاتها.
ومفهوم المعيارية في اللغة ل يبتعد كثيراا عن مفهومه في الصطالح ،فقد ورد في
لسان العرب عن المعيارية ،واستعماله .فالمعيار كالمقياس ،والمكيال ،والميزان.
" قال الليث :العيار ما عايرت به المكاييل ،فالعيار صحيح تا ّم وافٍ ،تقول :عايرت
سويته ،وهو العيار والمعيار .يقال :عايروا ما بين مكاييلكم وموازينكم ، به أي ّ
وهو فاعلوا العيار ،ول تقل ع ّيروا .وع ّيرت الدنانير :وهو أن تلقي ديناراا ديناراا
فتوازن به ديناراا ديناراا ،وكذلك ع ّيرت تعييراا إذا وزنت واحداا وحداا ،يقال هذا في
الكيل والوزن ".وما الوزن والكيل والضبط من المعيارية .فضبط وكيل القواعد
النحوية واللغوية من المعيارية.
ج -مظاهر المعيارية:
مظاهر المعيارية وخصائصها تبدأ من مفهوم المعيارية ذاتها .ومن تعريف
المعيارية في الصطالح اللغوي ،وتعريفه الصطالحي .فمظاهر وخصائص
المعيارية مجملة على النحو اآلتي ،وتفصيلها في موضع ل حق:
-1القياس :تحدث النحاة عن القياس كونه أصالا من األصول النحوية ،ومظهراا
من مظاهر المعيارية.وهناك من رفض القياس ،ومن يؤيده.والقياس النحوي هو
األحكام التي تصدق على النصوص اللغوية الواردة بطريقة واحدة أخذت منها
القاعدة ،ث ّم تعمم تلك القاعدة على النصوص التي لم ترد .كما أن هناك نوعا ا آخر
من القياس،يتمثل في :قياس أحكام على أحكام لنوع من المشابهة ،فهذا الحكم
كذا ،لمشابهته بكذا -كمشابهة إعراب الفعل المضارع بالرفع ،بالسم -وهذا القياس
يطلق عليه بالقياس العقلي؛ نظراا ألن العقل يؤدي دوراا في عقد المشابهة وإقامة
الصلة بين األحكام .ومن هنا نجد تدخل العقل في بناء القاعدة ،كما نجد التوليدية
التحويلية قامت على أسس عقلية ومن ضمنها القياس وسنتناوله لحقا ا.
-2العلل( التعليل) :يمثل عنصراا مهما ا أساسيا ا في الدرس النحوي عند
العرب.والحديث عن التعليل يطول ،وسنتطرق إليه في موضع لحق ،وإنما ذكرناه
لإلشارة فقط ،وتفصيل الحديث في المواضع اآلتية الذكر.
-3العامل :هو ما يؤثر في اللفظ تأثيراا ينشأ عنه عالمة إعرابية ترمز إلى معنى
خاص؛ كالفاعلية،أو المفعولية أو غيرهما .ول فرق بين أن تكون تلك العالمة
ظاهرة أو مق ّدرة .أي يعمل العامل جنبا ا إلى جنب مع اإلعراب ليؤديان دوراا مهما ا
في المعنى .وهناك من أيده ومن رفضه ،وهذا ما سنتناوله في المواضع الالحقة.
والحديث عن العامل يطول شرحه ،إذ تحدثت الباحثة عن هذه القضية (نظرية
العامل) باختصار ،مع األخذ بنماذج لمؤيدي العامل ،ومنكريه من القدماء
والمحدثين؛ نظراا لتساع المادة البحثية وتشعبها الكبير.
-4اإلعراب :هو التطبيق العام على القواعد النحوية المختلفة ،ببيان ما في الكالم
من فعل ،أو :فاعل ،أو مبتدأ ،أو خبر ...وموقع كل منها في جملته ،وبنائه أو
إعرابه ...أو غير ذلك .وقضية اإلعراب شغلت النحاة قديما ا وحديثا ا ،وكان
الحديث عنه كثير ،وفيه تفصيل موسع .وله عالقة وثيقة الصلة بالعامل ،من حيث
التغييرات الحاصلة في أواخر الكلمات من رفع للفاعل ،أو نصب للمفعول ،أو غير
ذلك .إذ يعمالن معا ا في الكشف عن المعاني للجمل.وتناولت الباحثة اإلعراب
منكريه ،ومؤيديه رابطة في ذلك بنظرية العامل.
د -خصائص المعيارية:
-كونه يقوم على مبدأ الصواب والخطأ.
-يعمل على ضبط النصوص وإصالحها ،وتنقيتها من الخطأ ،وتصويبها.
-يع ّد مقياسا ا لنظم الكالم ،ومعرفة صحيحه من سقيمه.
-إن المعيارية موقعها الدراسات التاريخية التي تهتم بتطور اللغة وكذا القواعد
اللغوية والنحوية سلبا ا أو إيجابا ا.وبيان السلبيات وإصالحها ،وتقويمها على
وجهتها الصحيحة ،والسليمة.
تطورها .
-إن المعيارية تهت ّم بدراسة اللغة حالة ّ
-إن المعيارية -المتمثل في النحو العربي التقليدي -يحدد قواعد اللغة بنا اء على
فهم المعنى أولا ،أي إن القواعد تتحدد وفقا ا للدارس نفسه.
-إن المعيارية -المتمثل في النحو العربي التقليدي -يهتم بالعلة ( التعليل) كونه
مرتبط بالمفهوم.
-إن المعيارية -المتمثل في النحو العربي التقليدي -يهتم باللغة المنطوقة ،و اللغة
المكتوبة .
و -الفرق بين المنهج المعياري والوصفي:
المنهج المعياري بخالف المنهج الوصفي ،قائ ٌم على فرض القاعدة أي يبدأ
بالكلّيات وينتهي بالجزئيات ،والمنهج المعياري يعتمد
ويتأول لما خرج عن القواعد التي يصو ُغها ّ القاعدة أساسا ا وي ْنأى عن الوصف ،
بإحكام شتى التأويالت أو يحكم عليها بالشذوذ والقلّة إنْ ل ْم يجد فيها
تأويالا مناسبا ا ولو كان بعيداا أو مستغربا ا.
و ُعرفت المعيارية في الدراسات اللغوية األوروبية واستخدم
لها عبارة اللغة المعيارية
( Standard Language) ,أو عبارة المعياري حينما
ُتوصف اللغة أو ال ّنحو أو القواعد عامة.
لهجة من لهجات لغة ما ث ّم ترقى إلى ا وتكون اللغة المعيارية في ّأول أمرها
مستوى التقليد والمحاكاة وتتخذ ُ لها صفة رسمية لذلك
قيل َ في تعريفها وبيان أسباب نشأتها :أنّ اللغة المعيارية هي ذلك المستوى
الكالمي الذي له صفة ٌ رسم ّية والذي يستعمله المتعلّمون تعليما ا راقيا ا.
ا
لهجة محلّية ,تنال ُ شيئا ا من التمجيد وغالبا ا ما تكون اللغة المعيارية في ّأول األمر
ب منعترف بها كلغ ٍة رسمية ٍ لسب ٍ
ُ أو التقدير و ُي
األسباب.
ضلة التي ُت ّتخذ مقياسا ا للبالغة والفصاحةفالمعيارية بهذا المفهوم هي اللهجة المف ّ
كتفضيل لهجة قريش في الدراسات العربية التقليدية
ب دينية وسياسية .ث ّم تكون هذه اللهجة على سائر اللهجات العربية األخرى ألسبا ٍ
نوا اة للمنهج المعياري ،وتتخذ ُ قواعدها معياراا للصحة والخطأ كما هو واضح ٌ في
تاريخ العربية .ولذلك فقد نشأ النحو العربي نشأ اة وصف ّية
صوب المعيارية بعد أن وضعوا القواعد واألصول باعتماد الستقراء ولك ّنه جنح ْ
وتو ّقفوا عن استقراء المادة اللغوية المستج ّدة فبرزت اللغة الرسمية
لة بهذا واعتبرت مقاييسه وقواعده ف ْيصالا في الصحـة والخطــأ. مم ّث ا
ول ّما كان الهدف منص ّبا ا في الغالب على تعليم الناشئة وغيرهم
والمتخصصين رأيناهم ي ّتجهون بالنحو ِوجهة تعليم ّية,
ّ من المثقفين
والتعليم ّية أداةٌ معيارية ،إذ بواسطتها ُيمكن المحافظة على المستوى
تسرب هذا المنهج شيئا ا فشيئا ا إلى الدرس
الصوابي لمعيارية اللغة .ث ّم ّ
اللغوي على مستوى التخصص البحت.
العربي من أجلها وهي ضبط اللغة ّ إنّ العناية التي نشأ النحو
وإيجاد األداة التي تعص ُم الالحنين من الخطأ فرضت على هذا النحو أن ي ّتسم
العلمي ،أو بعبار ٍة أخرى أن
ّ مي ل النحوفي جملته بسمة النحو التعلي ّ
يكونَ في عمومه نحواا معياريا ا ل نحواا وصف ّيا ا.
أسباب
ٌ ولم يكن الغرض التعليمي سببا ا وحيداا في معيارية النحو العربي بل هناك
أخرى من أهمها تأ ّثر النحو العربي بالمنطق ،والمنطق الذي نعنيه هو منطق ”
أرسطو ” الذي قال كثي ٌر من الباحثين بتأثيره في بعض
التجاهات في الدراسة العربية القديمة ومنها لدراسات اللغوية .وهذا المنطق
ُيعنى بالصورة أكثر من عنايته بالمادة .ودرس اللغة ينبغي أن ير ّكز على المادة ل
على الصورة ،وتأثير المنطق على النحو ُيبعده عن درس الواقع
ا
نتيجة اللغوي كما هو .وعناية المنطق األرسطي بالصورة أو الشكل جاءت
لهتمامه بالطبيعة الثابتة أو (األنواع) من حيث ماهياتها األزل ّية ،ونرى أنّ
تعريف األشياء وفقا ا لهذا المفهوم قد تأ ّثر به النحو العربي من حيث
تعريف الكلّيات النحوية كأبواب السم والفعل والحرف والمبتدأ والخبر…..
ا
نتيجة لمقدّم ٍة منطقي ٍة أرسط ّية هي النظرة إلى الطبيعة وكانت المعيارية
بما فيها من أنواع وأشياء نظرة ثابتة ل تتغ ّير.
ومن آثار المنطق في الدرس اللغوي عند العرب هو القول بالقياس والبرهان
شغل ال ّنحاة ولس ّيما في القرن الرابع الهجري وما تاله بهذه المبادئ
والعلل .وقد ُ
واعتبروها أصولا للنحو .حتى أنّ الزجاجي ر ّد على الذين
اتبعوا سيبويه في تقسيم الكالم إلى اسم وفعل وحرف تقليداا من برهان ول
حجة.
ّ
ومن القضايا التي قد ُيحسب أنّ لها عالقة بالصواب المطلق
ووجه بهما القدح
ّ قضيتان مرتبطتان بالمنهج الوصفي أُثير حولهما الجدل والنقاش
صوغ القياسي .
صوابي وال ّ
والنقد إلى هذا المنهج وهما :المستوى ال ّ
صوابي :فيفترض من حيث الشكل معياراا لغويا ا أ ّما المستوى ال ّ
للصواب المطلق في اللغة ولك ّنه في حقيقته غير ذلك فهو ينظ ُر إلى
صواب باعتباره مقياسا ا يفرضه المجتمع اللغوي الواحد فهو معيا ٌر لغو ٌ
ي يرضى ال ّ
صواب والخطأ اللغويين ليمكن ويرفض الخطأ في استعمال ال ّ
ُ صوابعن ال ّ
صوابي أن يح ّددهما باعتباره فكرة يستعين بها الباحث على ذلك . للمستوى ال ّ
وإ ّنما هو
مقياس اجتماعي يفرضه المجتمع اللغوي على األفراد ويرجع األفراد إليه ٌ
عند الحتكام في الستعمال.
صوغ القياسي فهي مقدرة خاصة اكتسابية يكتسبها الفرد في ُطفولته أ ّما ظاهرة ال ّ
ولها عالقة وطيدة بالمجتمع اللغوي الذي يعيش فيه ،ووفقا ا لها تحصل لديه ملَكة
قياس صيغ لم يسمعها على صيغ ٍ قد سمعها ،ومن مظاهر
المنهج المعياري في الدرس اللغوي القديم:
األخذ من بعض القبائل واللهجات وترك قبائل ولهجا ٍ
ت أخرى.
إدخال بعض المناهج التي عرفت التقسيم والتحديد على البحث اللغوي مثل منهج
علوم الحديث.
ملخص المحاضرة
المحاضرة السابعة
مستويات التحليل اللساني
مفردات المحاضرة
المستوى الصوتي وشمل
-1الوحدات الصوتية الصامتة
-2الفونتيكيا
-3الفنولوجيا
-4الفرق بين المصطلحين
أولا:الوحدات الصوتية:
أ -تعريفها:
وحدات صوتية يطلق عليها(فونيمات) والوحدات الصوتية -حسب العرف -يمثلها الحرف
الرمز "مع العالمات الصوتية المميزة أو بدونها" بما يتناسب مع الكتابة الصوتية العريضة إلحد
ىالصور الصوتية التي يمكن تمييزها صوتيا وتوضع داخل الشرطتين المائلتين //فعلى سبيل المثال
الوحدة الصوتية اإلنجليزية /L/لها كما لصورها الصوتية مجموعة من األصوات الكالمية المتميزة
صوتيا يمكن أن نميز كل صوت منها من غيره -عند الضرورة -في الكتابة الصوتية الضيقة
وهكذا يكون لدينا طريقة أخرى لإلشارة إلى الصيغ أال وهي الطريقة الفونيمية أو بصورة أعم إذا
عممنا استخدام الشرطتين المائلتين "كما سنفعل في هذا الكتاب" الطريقة الفونولوجية ،ومن
األهمية أن ندرك -كما واضح من الشرح السابق -أن التمثيل الفونيمي ليس ببساطة كتابة صوتية
عريضة.
وثمة نقطة أخرى يجب أن تثار ،فكل الكتب األساسية في علم اللغة تقدم غالبا شرحا غامضا وال
نقول هراء لمبدأ التقابل الوظيفي ،فقد تذكر على سبيل المثال أن استبدال صوت [ ]Lالمرقق
بصوت [ ]Lالمفخم في feelال يغير معناها بينما استبدال صوت [ ]rبصوت [ ]Lفي
كلمة lambيغير معناها وهذا الكالم -بال مواربة -خطأ فاستبدالـ[ ]rبـ[ ]Lفي
كلمة lambيغير الصيغة وال يغير المعنى أي :إنها تغير صيغة lambإلى صيغة ramحقا
إن " "lambو"" "ramأي الكلمات التي تعد lambو ramصيغا لها" تختلف في
المعنى ،ومن هنا فإن األقوال التي تشتمل عليها سوف تختلف "بشكل عام" في المعنى ،ولم
تدفعني حذلقة علمية ال داعي لها إلى أن ألفت النظر إلى الشرح الغامض المتكرر لمبدأ التقابل
الوظيفي ،فاالختالف في الصيغة ال يتضمن اختالفا في المعنى "انظر ظاهرة الترادف" كما أن
االختالف في المعنى ليس المعيار الوحيد الذي تعتمد عليه في إقرار اختالف الصيغة ،وما إذا
كان ممكنا أن يكون هناك اختالف في الصيغة ال يرتبط بعالقة متبادلة في بعض النقاط في نظام
لغوي ما مع اختالف ما في المعنى قضية خالفية تعتمد جزئيا على تعريفنا للمعنى ،لكن ليس من
شك في أن ما يوضع في االعتبار عند شرح مبدأ التقابل الوظيفي هو تطابق الصيغة واختالفها
وليس تطابق المعنى واختالفه.
ب-أنواعها:
وتشمل الصوات الصامتة والصوات الصائته-الحركات.
الصوامت:
الصامت هو الصوت الذي يعترضه حاجز يسد مجرى النفس أو يضيقه .فمن أمثلة
الصوامت التي يُسد مجرى الهواء عند نطقها :ب ،ت ،د.
(أ) أصوات شديدة (انفجارية) :وهي التي يسد عند نطقها مجرى النفس تماما ثم
يحدث له انطالق فجائي ،مثل :ب ،ت ،د ،ض ،ط ،ك ،ق ،ء.
(ب) أصوات رخوة (احتكاكية) :وهي التي ل يُسد مجرى النفس تماما عند نطقها،
بل يمر محتكا بالعضوين الذين ضيقا مجراه ،وهذه األصوات هي :ث ،ح ،خ ،ذ ،ز،
س ،ش ،ص ،ظ ،ع ،غ ،هـ.
(د) األصوات المائعة :وهي األصوات التي يصاحبها اتساع أو تسرب في مجرى
النفس في موضع آخر .وهذا يحدث ألصوات :و ،ي ،ن ،ر ،ل ،م.
ثالثا:مصطلح الفنولوجيا:
فنولوجي ،أو الفنولوجيا فتمكن ترجمته من وجهة نظر الكثيرين إلى :علم وظائف
األصوات ،أو علم األصوات التنظيمي ،على أساس أنه يُعنى بتنظيم المادة الصوتية،
وإخضاعها للتقعيد والتقنين ،أو أنه يبحث في األصوات من حيث وظائفُها في اللغة،
وكال الجانبين من صميم اختصاصات الفنولوجيا ،والتعريب هنا هو تعريب
للمصطلح اإلنجليزي :فوناتيكس ،ل المصطلح الفرنسي ،وإن كانت الصورة
المع ّربة تشبهه في النطق؛ ألن هذا المصطلح إنما يكثر إطالقه على الدراسات
الصوتية التاريخية بطريق النص بالمصطلح" :فنوتيك استلوتيك" في اللغة
الفرنسية ،أما التعريب إلى "فنولوجيا" فهو تعريب للمصطلح النجليزي أيضا:
فنولوجي ،ل المصطلح الفرنسي :فنولوجييه الذي يغلب إطالقه عند الفرنسيين -
وبخاصة في البحوث التقليدية -على الدراسات الصوتية الوصفية ،في مقابل
الدراسة الصوتية التاريخية التي تُسمى عادة :فنولوجيك استلوتيك ،سواء أكانت
.فوناتيكية صرفة أم فوناتيكية وفنولوجية م اعا
والترجمة إلى :علم األصوات التنظيمي هي من صنع الدكتور كمال بشر في كتابه
(قضايا لغوية) ،أما الترجمة إلى "علم وظائف األصوات" فهي من ترجمة
الدكتور :محمد أبو الفرج في كتابه (فقه اللغة) وهي ترجمة أوفق وأوضح ،ويترجم
الدكتور :تمام حسان المصطلح فنولوجي إلى علم التشكيل الصوتي كما ورد في
)كتابه (مناهج البحث في اللغة
وقد جاء التفريق أو محاولة التفريق بين الفونيتيك والفنولوجيا نتيجة لتقدم البحث
في األصوات ،عندما أدرك العلماء أن الصوت الواحد -أو ما كان يُسمى كذلك -هو
في الواقع ذو صور نطقية عدة ،تتنوع بتنوع السياق الذي يقع فيه؛ فقد لحظوا أن
هذا التنوع ليس مقصو ارا على بعض األصوات دون بعض ،أو على نطق بعض
األفراد دون غيرهم ،وإنما وجدوه قاعدة عامة في كل األصوات ،وخاصة مشتركة
مثال ،ولقد أدركوا أن الصوت المعين، بين كل الناطقين باللغة المعينة كاللغة العربية ا
مثال -يختلف نطقه من سياق صوتي إلى سياق صوتي آخر ،فهو وليكن الكاف -ا
يوصف وصفاا بأنه من أقصى الحنك مهموس ،ولكن النقطة الدقيقة لنطقه تختلف
في الواقع باختالف ما يجاوره من حركات؛ فقد تكون إلى الخلف ،أو إلى األمام ا
قليال
في هذه المنطقة ،بحسب نوع الحركة التالية لها ،وهذا الصوت المهموس قد يُجهر
أحياناا في بعض المواقع الصوتية ،كما في نحو "أكبر" في الكالم غير المتأني ،أو
في بعض األساليب اللغوية؛ حيث تقرب الكاف من صوت الجيم ال ُمسمى "جيم
.القاهرة" في صفة الجهر
وهكذا وجد علماء األصوات أنفسهم أمام سؤال كبير يحتاج إلى إجابة واضحة
حاسمة ،وتساءلوا فيما بينهم :هل الكاف في هذه الحالة صوت واحد ،أم عدة
أصوات؟ وما أسس األخذ بهذا الحتمال أو ذاك؟ إذا كانت صوتاا واحداا -أي :الكاف-
فما موقفنا من تلك الصور النطقية المتعددة لهذا الصوت ،وهي صور أكدت وجودها
األدوات واألجهزة المعملية الدقيقة؟ وإذا كانت عدة أصوات؛ أهي أصوات مستقلة،
أم أنها ذات خواص مشتركة تجمع بينها؛ ومن ثم يمكن ضمها تحت اسم واحد؟
وبالبحث المتواصل والدرس الطويل استطاع علماء األصوات أن يقرروا أن
الفروق بين صوت الكاف وصوره المختلفة في وقت واحد هي فروق نطقية محضة
جاءت نتيجة وقوع هذا الصوت في سياقات صوتية مختلفة ،وهي فروق ليست ذات
ا
عامال في تفريق المعاني بين الكلمات التي يَرد بها هذا وظيفة لغوية ،أو ليست
الصوت في سياقاته المختلفة؛ فالكلمة "أكبر" لم يزل معناها القاموسي واحداا،
سواء أكانت كافها مهموسة صرفة ،أم لحقها شيء من اإلجهار ،وكذلك الحال إذا
وقعت الكاف قبل الضمة ،أو قبل الكسرة ا
مثال؛ فهي في كلتا الحالتين ذات قيمة
.لغوية واحدة ،وهي كونها كافاا وليست جي اما أو قافاا ا
مثال
ثم توصل علماء األصوات إلى الجزء الثاني من اإلجابة ،وهو الجزء األهم في
الموضوع؛ إذ قرروا أن الفروق الصوتية التي يمكن العتماد عليها في الحكم على
هذا الصوت أو ذاك بأنه مجرد اختالف نطقي سياقي ،أو صوت مستقل ذو كيان
خاص -إنما هي الفروق التي تؤدي إلى اختالف المعاني في الكلمات ،فالكاف بهذا
الوصف يؤدي استعماله إلى هذا الختالف؛ حيث نقول :كال في مقابل "جال" أو
"جال" و"قال" فنحصل على كلمة مستقلة ذات معنى مختلف عن الكلمتين
األخريين ،وكان ذلك بفضل استخدام الكاف في هذه الكلمة التي تتفق في كل
مكوناتها الصوتية مع زميلتيها ،باستثناء هذا الصوت وحده ،وهو القاف أو الجيم،
أما الصور النطقية المختلفة للكاف فال تؤدي إلى هذه النتيجة ،وهي نتيجة ذات
قيمة لغوية ،أي :وظيفة صوتية تؤدي إلى اختالف المعنى كما يعبر عن ذلك علماء
األصوات أحياناا.
رابعا ا :الفرق بين المصطلحين:
يمكن حصر الختالف بين الفونيتيك والفونولوجي في ناحيتين هما:
أ -الناحية الصوتية:
لقد تعددت آراء الدارسين وتنوعت في التفريق بينهما بسبب اختالف المبادئ
والفلسفات في النظر إلى الحقائق الصوتية ،وإلى طبيعة اللغة ذاتها ،والفونيتيك
عند مقابلته بالفنولوجيا يصبح ذا مدلول ضيّق نسبيّاا؛ إذ يُطلق حينئذ ويُراد به
دراسة األصوات من حيث كونها أحداثاا منطوقة لها تأثير سمع ّي معين ،دون نظر
في قيم هذه األصوات ،أو معانيها في اللغة المعينة ،إنه يُعنَى عندئذ بالمادة الصوتية
ل بالقوانين الصوتية ،وبخواص هذه المادة ،أو خواص األصوات بوصفها
ضوضاء ،ل بوظائفها في التركيب الصوتي للغة من اللغات؛ ولهذا يُع ّرب المصطلح
فوناتيكس بفوناتيك ،وترجمته :علم األصوات ،والذين يُع ّربونه تعريباا صوتياا ل
بالترجمة ل يقصدون إلى الترجمة؛ ألن ترجمته إلى علم األصوات في سياق
المقابلة بينه وبين الفنولوجيا قد تؤدي إلى اللبس؛ فقد يؤخذ على أن المقصود به
دراسة األصوات بعامة ،دون تفريق بين جوانب هذه األصوات ،أو منهج البحث
فيها ،ولم يشأ هؤلء أن يُترجموه إلى "علم األصوات العام" كما يفعل بعض
الدارسين معتمدين على صفة العموم في ميدانه وطريقة البحث فيه ،لم يفعلوا ذلك
ألن هذه الصورة العربية إنما تُناسب المصطلح النجليزي اآلخر وهو "جنرال
فوناتيكس" وهذا الصطالح "جنرال فوناتيكس" أو "علم األصوات العام" إن كان
ليس من النادر إطالقه على ما يقابل الفنولوجيا ،إنما يؤتى به عادة لتأكيد جانبين
يوجه اهتمامه نحو القضايا اثنين ،أو ناحيتين اثنتين :األولى :كون هذا العلم إنما ّ
الصوتية في عمومها ،بما في ذلك ما قد يجد له ،وما قد يتيح له أن يكون له مكان
مناسب في الفنولوجيا عند القائلين بالتفريق ،أو عند إرادة التفريق ،وحقيقة األمر:
أن معظم األعمال في علم األصوات العام -إن لم تكن كلها -تنتظم مسائل ومشكالت
.صوتية من الفرعين كليهما :الفوناتيكس والفنولوجيا
أما الناحية الثانية ،أو الجانب الثاني التي يُقصد إليها عند استعمال هذا المصطلح:
فتتمثل في التنبيه على عدم قصر بحوث هذا الفرع ومناقشاته على أصوات لغة
بعينها ،وفي بيانه أنه معن ّي بالصوت اللغوي في عمومه ،والنظر في مشكالت هذا
.الصوت بوصفه خاصة مشتركة بين اللغات جمي اعا.
ومن مظاهر هذا الربط نسبتهما م اعا إلى علم اللغة ،وعدهما فرعين أو منهجين من
مناهجه ،على أن هناك من يميل إلى إخراج الفونيتيك من علم اللغة ونسبته إلى
علوم أخرى كالفيزياء أو الفسيولوجيا ،ألنه في نظره إنما يستمد مبادئه وقواعد
.البحث فيه من هذين العلمين وأضرابهما
وليس من النادر أن نجد في الوقت الحاضر كذلك دارسين أمريكيين يتبعون العرف
األوربي باستعمال المصطلح "فنولوجيا" في مكان الصطالح األمريكي :علم
الفونيمات ،من هؤلء الدارسين "هوكيت" في بحث معروف له عن الفنولوجيا،
ضا أن مرتيني قد تقبل المصطلح فنولوجيا ،معترضا على السم ومما يذكر أي ا
"فونيمكس" ألن طريقة اشتقاقه وصوغه لم تراع قواعد صوغ الكلمات ذات
األصل اليوناني الالتيني ،وكان الواجب أن يكون المصطلح هو "فونيمكس" ويبدو
أنهم إنما فعلوا ذلك قصداا إلى الوضوح ،ومن اعا للبس والخلط ،وخوفا من أن يظن
البعض بأن علم الفونيمات يقصر عمله في البحث على الفونيمات األساسية أو
ا
مهمال النوع اآلخر منها الممثل في الفونيمات الثانوية؛ ومن ثم كان التركيبية،
.المصطلح فنولوجيا أوفق في نظرهم
والحق أن مستعملي المصطلح "علم الفونيمات" لم يهملوا أيّاا من النوعين ،وإن
موج اها نحو النوع األول ،كما أن تسمية
ّ كان التركيز -كما يبدو في أعمال بعضهم-
النوع الثاني بالفونيمات الثانوية أو الهامشية قد يوحي بأن هناك نوعاا منهما
.مفضال وآخر غير مفضل عليه ،على حين أن ليس هناك فرق بينهما
وهكذا يتبين لنا أن المرحلة الثالثة ،وتتلخص في تعميق الدراسة وتشعبها وفي
استخدام بعض المصطلحات الجديدة تمثل أقصى ما وصلت إليه هذه المدرسة وما
وصل إليه التفريق بين علم الفونيمات .
ملخص المحاضرة