You are on page 1of 89

‫تقديم‬

‫د‪ .‬سعاد فريح الثقفي‬


‫المقرر‪ :‬علم المعاني‪444 /‬‬

‫‪1‬‬
‫أوالً ‪ :‬أهداف المقرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬يهدف المقرر إلى ٍ‬
‫مزيد من التفصيل والتخصص في دراسة بعض أبواب‬
‫علم المعاني تكمل ما بدأه الطالب من خالل مقرر علم المعاني ‪263‬‬

‫‪ - 2‬الترك‪.. . .‬يز على دراس ‪.. .‬ة الموض‪.. . .‬وعين الرئيس‪.. . .‬ين في ه‪.. . .‬ذا المق‪.. . .‬رر دراس‪.. . .‬ة‬
‫تطبيقي‪..‬ة ينهض فيه‪..‬ا التحلي ‪..‬ل البالغي ب ‪..‬دور فعَّال في تعري ‪..‬ف الط ‪..‬الب ب‪..‬أهم الف‪..‬روق‬
‫الشفيفة بين األساليب والمعاني ‪.‬‬

‫‪ - 3‬اإلفادة من المباحث النفيسة لإلمام عبد القاهر في موضوعات المقرر ‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬المنهج ‪:‬‬

‫‪ -1‬الفص ‪..‬ل والوص ‪..‬ل‪ :‬تعري ‪..‬ف ك ‪.ٍّ .‬ل‪ ،‬الفص ‪..‬ل والوص ‪..‬ل بين المف ‪..‬ردات‪ :‬األغ ‪..‬راض‬
‫والنك‪..‬ات‪ ،‬والفص‪..‬ل بين الجم‪..‬ل ال‪..‬تي له‪..‬ا مح‪..‬ل من األع‪..‬راب وال‪..‬تي له‪..‬ا قي‪..‬د معن‪..‬وي‪:‬‬
‫الفصل بين الجمل التي ال محل لها من اإلعراب‪.‬‬

‫كمال االتصال‪ ،‬شبه كمال االتصال‪ ،‬كمال االنقطاع وشبهه األغراض والنكات‪.‬‬

‫الوص‪..‬ل بين الجم‪..‬ل ال‪..‬تي ليس له‪..‬ا مح‪..‬ل من األع‪..‬راب‪ :‬كم‪..‬ال االنقط‪..‬اع م‪..‬ع اإليه‪..‬ام‪،‬‬
‫التوسط بين الكمالين‪ :‬الصور واألغراض والنكات البالغية‪.‬‬

‫الوصل بالفاء وثم‪ ،‬وأغراض كل‪ ،‬والف‪.‬روق البالغي‪.‬ة م‪.‬ع الترك‪.‬يز على مش‪.‬تبه النظم‬
‫في ٍّ‬
‫كل والعناية بالتحليل وتدريب الطالب على تحليل الصور‪.‬‬

‫‪ -2‬اإليج‪..‬از واإلطن‪..‬اب والمس‪..‬اواة‪ ،‬تعري‪..‬ف ك‪.ٍّ .‬ل والف‪..‬روق االص‪..‬طالحية بينه‪..‬ا‪ ،‬نوع‪.‬اً‬
‫اإليج‪..‬از‪ ،‬إيج‪..‬از الح‪..‬ذف‪ ،‬ص‪..‬وره وأغراض ‪.‬ه‪ .‬ونكات‪..‬ه‪ ،‬إيج‪..‬از القص‪..‬ر مس‪..‬الك تحقيق‪..‬ه‪،‬‬
‫وأغراضه وأسراره‪.‬‬

‫أن‪..‬واع اإلطن‪..‬اب‪ :‬اإليض‪..‬اح بع‪..‬د اإلبه‪..‬ام‪ ،‬التكري‪..‬ر‪ ،‬التوش‪..‬يع‪ ،‬ذك‪..‬ر الخ‪..‬اص بع‪..‬د الع‪..‬ام‬
‫وعكسه‪ ،‬اإليغال‪ ،‬التذييل‪ ،‬التكميل‪ ،‬التتميم‪ ،‬األغراض واألسرار‪.‬‬

‫تدرس مسائل من دالئل اإلعجاز وأخرى من اإليضاح‪.‬‬

‫يعني عناية بالغة بأمرين‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫تحليل الصور البالغية تحليالً واسعاً وعميقاً‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫تدريب الطالب وتكليفهم ببعض التحليالت الشفهية والتحريري‬ ‫‪-2‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‬
‫الحم‪...‬د هلل المل‪...‬ك العظيم العلي الكب‪...‬ير الغ‪...‬ني اللطي ‪..‬ف الخب ‪..‬ير المنف ‪..‬رد ب ‪..‬العز‬
‫والبق‪..‬اء واإلرادة والت‪..‬دبير الحي العليم ال‪..‬ذي ليس كمثل‪..‬ه ش‪..‬يء وه‪..‬و الس‪..‬ميع البص‪..‬ير‪.،‬‬
‫تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير‪ ،‬أحمده ‪ ‬على ما وهب من بن‪..‬ات‬
‫األفكار م‪.‬ا وهب‪ ،‬وجعلن‪..‬ا نس‪..‬دد ونق‪..‬ارب ونجته‪..‬د‪ ،‬وأش‪..‬كره على م‪..‬ا أع‪..‬ان علي‪..‬ه على‬
‫قصد ويسر‪ ،‬سبحانه فهو خالق األلسن واللغات‪ ،‬وواضع األلفاظ للمعاني بحس‪..‬ب م‪..‬ا‬
‫اقتض‪...‬ته حكم‪.. .‬ه البالغ‪...‬ات‪ ،‬ال‪.. .‬ذي علم آدم األس‪...‬ماء كله ‪..‬ا وأظه‪.. .‬ر ب‪.. .‬ذلك ش ‪..‬رف اللغ‪.. .‬ة‬
‫وفضلها على سائر اللغات‪.‬‬

‫نحمده ‪ ‬ونستعينه ونستهديه ونس‪..‬تغفره ون‪..‬ؤمن ب‪..‬ه ونتو ّك‪..‬ل علي‪..‬ه‪ ،‬ونع‪..‬وذ ب‪..‬ه‬
‫فإن‪..‬ه‬
‫من ش‪..‬رور أنفس‪..‬نا ومن س‪.ّ .‬يئات أعمالن‪..‬ا‪ ،‬ونس‪..‬أله تع‪..‬الى أن يه‪..‬دينا س‪..‬بيل الرش‪..‬اد؛ ّ‬
‫من يهد اللَّه فال مض‪ّ .‬ل ل‪..‬ه‪ ،‬ومن يض‪..‬لل فال ه‪..‬ادي ل‪..‬ه‪ ،‬ونس‪.‬أله أن يبل‪..‬غ بن‪.‬ا من الحم‪..‬د‬
‫م‪..‬ا ه‪..‬و أهل‪..‬ه‪ ،‬وأن يعلمن‪..‬ا من البي‪..‬ان م‪..‬ا يقص‪..‬ر عن‪..‬ه مزي‪..‬ة الفض‪..‬ل وأص‪..‬له‪ ،‬وحكم‪..‬ة‬
‫الخطاب وفضله‪.‬‬
‫وأش‪.. .‬هد أن ال إل‪.. .‬ه إال اهلل وح‪.. .‬ده ال ش‪.. .‬ريك ل‪.. .‬ه وال مش‪.. .‬ير وال ظه‪.. .‬ير ل‪.. .‬ه وال‬
‫وزي ‪..‬ر‪ ،‬ش ‪..‬هادة يوق ‪..‬ع لص ‪..‬احبها بالنج ‪..‬اة من الن ‪..‬ار‪ ،‬ويكتب قائله ‪..‬ا في دي ‪..‬وان األب ‪..‬رار‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اهتزت لهيبته األسرة وشرفت بذكره المنابر العلي‪..‬ة‪،‬‬
‫ونفدت دون إحصاء فضله المحابر الجلية‪ ،‬ف‪.‬اللهم إن‪..‬ا ن‪.‬رغب إلي‪..‬ك أن توفقن‪..‬ا للص‪.‬الة‬
‫على نبينا وموالنا محمد عبدك ورسولك البش‪..‬ير الن‪..‬ذير الس‪.‬راج المن‪.‬ير المبع‪.‬وث إلى‬
‫كافة الخلق من غني وفقير ومأمور وأمير‪ ،‬أفصح الخلق لس‪..‬انا وأع‪..‬ربهم بيان‪..‬ا‪ ،‬خ‪.‬ير‬
‫من نط‪..‬ق بالض‪..‬اد‪ ،‬ونس‪..‬خ هدي‪..‬ه ش‪..‬ريعة ك‪..‬ل ه‪..‬اد‪ ،‬وعلى آل‪..‬ه وص‪..‬حبه ال‪..‬ذي منهم من‬
‫س‪..‬بق وب‪..‬در‪ ،‬ومنهم من ص‪..‬ابر وص‪..‬بر‪ ،‬ومنهم من آوى ونص‪..‬ر‪ ،‬ف‪..‬أكرم بهم أنص‪..‬ارا‬
‫وأعوانا‪..‬‬
‫وبعـد ‪..‬‬
‫فمن المعل‪.. .‬وم أن علم المع‪.. .‬انى ه‪.. .‬و العلم ال‪.. .‬ذي يبحث في خ‪.. .‬واص ال‪.. .‬تراكيب‬
‫وتتب‪..‬ع وج‪..‬وه اإلف‪..‬ادة واالستحس‪..‬ان ‪ ..‬وي‪..‬بين وج‪..‬وب مطابق‪..‬ة الكالم لح‪..‬ال الس‪..‬امعين‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫والمواطن التي يقال فيها‪ ،‬وهو العلم الذي ُيريك أن القول ال يكون بليغاً كيفما كانت‬
‫ص ‪..‬ورته ح ‪..‬تى يالئم المق ‪..‬ام ال ‪..‬ذي قي ‪..‬ل في ‪..‬ه‪ ،‬ويناس ‪..‬ب ح ‪..‬ال الس ‪..‬امع ال ‪..‬ذي أٌلقي علي ‪..‬ه‪،‬‬
‫وقديما قال العرب‪ :‬لكل مقام مقال‪.‬‬
‫ومن خص‪.. . .‬ائص ال‪.. . .‬تراكيب ال‪.. . .‬تي يبحثه‪.. . .‬ا علم المع‪.. . .‬انى‪ :‬الفصـ ــل والوصـ ــل‪،‬‬
‫واإليجاز واإلطناب والمساواة‪.‬‬
‫ولكي تعم الفائ‪...‬دة المرج‪...‬وة حرص‪...‬ت علي االستش ‪..‬هاد ب ‪..‬القرآن الك ‪..‬ريم‪ ،‬فه ‪..‬و‬
‫الحج ‪..‬ة والنعم ‪..‬ة ال ‪..‬تي ال يعرفه ‪..‬ا إال من ذاقه ‪..‬ا‪ ،‬نعم ‪..‬ة تب ‪..‬ارك العلم‪ ،‬وتب ‪..‬ارك العم ‪..‬ر‪،‬‬
‫وت ‪..‬زكي النفس‪ ،‬له ‪..‬ذا ك ‪..‬انت وم ‪..‬ا زالت أمني ‪..‬تي أن يلمح طالبي م ‪..‬ا في األس ‪..‬لوب من‬
‫جم ‪..‬ال‪ ،‬والق ‪..‬ول من أفن ‪..‬ان‪ ،‬لت ‪..‬تربي فيهم ملك ‪..‬ة ال ‪..‬ذوق‪ ،‬ونعم ‪..‬ة النق ‪..‬د‪ ،‬وحينئ ‪..‬ذ نقط ‪..‬ف‬
‫الثم‪..‬ار بع‪..‬دما تعجب ال‪..‬زراع‪ ،‬فأمتن‪..‬ا في حاج‪..‬ة إلي ش‪..‬يئين ين‪..‬يران له‪..‬ا الطري‪..‬ق؛ في‬
‫حاجة إلي علماء يقرءون القرآن‪ ،‬ويفهمون‪..‬ه ح‪..‬ق الفهم‪ ،‬ومن ثم ي‪.‬ترجمون م‪.‬ا فهم‪.‬وا‬
‫مع ربطه بالواقع إلي األمة‪ ،‬وفي حاجة إلي من يس‪..‬تمع الق‪..‬ول فيتب‪..‬ع أحس‪..‬نه‪ ،‬وحينئ‪..‬ذ‬
‫يلتقي الشعاعان‪ ،‬ويمتزج الضوءان‪ .،‬فتستقيم الحياة‪ ،‬وينعم اإلنسان في ظل نور أت‪.‬اه‬
‫من كل مك‪.‬ان بفض‪.‬ل رب‪.‬ه‪ ،‬وه‪..‬و ‪ ‬الق‪..‬ادر علي ذل‪.‬ك‪ ،‬ولن ن‪.‬ترك دي‪..‬وان الع‪..‬رب كم‪..‬ا‬
‫قال أمير المؤمنين عمر ‪ ،‬أال وهو الشعر‪.‬‬
‫فاهلل ‪ ‬أس‪..‬أل أن ينفعن‪..‬ا بم‪..‬ا نق‪..‬رأ‪ ،‬وبم‪..‬ا نعم‪..‬ل‪ ،‬وأن يس‪..‬دد خطان‪..‬ا‪ ،‬وأن يرين‪..‬ا‬
‫الوج‪..‬ه ال‪..‬ذي يرض‪..‬يه عن‪..‬ا‪ ،‬وأن يأخ‪..‬ذ بناص‪..‬يتنا‪ ،‬وأن يه‪..‬دينا إلي أق‪..‬وم الط‪..‬رق لخدم‪..‬ة‬
‫لغ ‪..‬ة كتاب ‪..‬ه العزي ‪..‬ز‪ ،‬وأن يجع ‪..‬ل ه ‪..‬ذا العم ‪..‬ل خالص ‪..‬ا لوجه ‪..‬ه الك ‪..‬ريم‪ ،‬فه ‪..‬و ولي ذل ‪..‬ك‬
‫صـ ًرا َك َمــا‬ ‫طأْ َنا َر َّب َنــا َوال تَ ْح ِمـ ْ‬
‫ـل َعلَ ْي َنــا إِ ْ‬ ‫اخ ْذ َنا إِ ْن َن ِسي َنا أ َْو أ ْ‬
‫َخ َ‬ ‫والقادر عليه (ر َّب َنا ال تُ َؤ ِ‬
‫َ‬
‫ـف َع َّنا َوا ْغ ِفـ ْـر‬
‫اعـ ُ‬ ‫طاقَـ َة لَ َنــا ِبـ ِـه َو ْ‬
‫ين ِم ْن قَْبِل َنــا َر َّب َنــا َوال تُ َح ِّم ْل َنــا َمــا ال َ‬
‫َح َم ْلتَ ُه َعلَى الَّ ِذ َ‬
‫َل َنا وارحم َنا أَْن َت موال َنا فَانصر َنا علَى ا ْلقَوِم ا ْل َك ِ‬
‫اف ِر َ‬
‫ين)‬ ‫ْ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َْ‬

‫‪5‬‬
‫الفصل والوصل‬
‫ه ‪..‬ذا ب ‪..‬اب من علم المع ‪..‬انى عظيم الخط ‪..‬ر‪ ،‬ص ‪..‬عب المس ‪..‬لك‪ ،‬دقي ‪..‬ق المأخ ‪..‬ذ ال‬
‫يعرف‪..‬ه على وجه ‪..‬ه‪ ،‬وال يحي ‪..‬ط علم ‪.‬اَ بكنه ‪..‬ه إال من أوتى في فهم كالم الع‪..‬رب طبع ‪.‬اً‬
‫س‪..‬ليماً‪ ،‬ورزق في إدراك أس‪..‬راره ذوق‪.‬اً ص‪..‬حيحاً‪ ،‬وق‪..‬د ع‪..‬رف الفارس‪..‬ي البالغ‪..‬ة بأنه‪..‬ا‬
‫معرفة الفصل والوصل‪ ،‬إذ الفصل في اللغة القطع‪ ،‬والوصل خالف الفص‪..‬ل ويع‪..‬ني‬
‫وصل الشيء بالشيء‪ ،‬فالفصل قطع الجمل والوصل ربط الجمل‪.‬‬
‫يق ‪..‬ول فض ‪..‬يلة األس ‪..‬تاذ ال ‪..‬دكتور محم ‪..‬د أب ‪..‬و موس ‪..‬ى عن اله ‪..‬دف من البحث في‬
‫الفصل والوصل‪:‬‬
‫يس‪.. .‬تهدف البحث في ه‪.. .‬ذا الب‪.. .‬اب المناس‪.. .‬بات بين المع‪.. .‬اني‪ ،‬وتحدي‪.. .‬د ص‪.. .‬الت‬
‫ولم فُص‪..‬لت؟ وم‪..‬ا‬‫‪.‬لت َ‬
‫ولم ُوص‪ْ .‬‬ ‫بعض‪..‬ها م‪..‬ع بعض‪ ،‬وكي‪..‬ف س‪..‬اغ أن تلتقي ه‪..‬ذه بتل‪..‬ك؟ َ‬
‫ن‪.. .‬وع الص‪.. .‬الت؟ وم‪.. .‬ا درجته‪.. .‬ا؟ إلى آخ‪.. .‬ر ه‪.. .‬ذا البحث ال‪.. .‬ذي يت‪.. .‬دبر أعط‪.. .‬اف الجمل‪.. .‬ة‬
‫والجم‪..‬ل‪ ،‬ل‪..‬يرى م‪..‬ا بينهم‪..‬ا وبين أعط‪..‬اف جيرانه‪..‬ا من عالق‪..‬ات‪ ،‬كم‪..‬ا يتن‪..‬اول مق‪..‬اطع‬
‫الكالم ومفاص ‪..‬له عن ‪..‬د منتهى أج ‪..‬زاء معاني ‪..‬ه‪ ،‬م ‪..‬ا ك ‪..‬بر منه ‪..‬ا وم ‪..‬ا ص ‪..‬غر‪ ،‬ليتأم ‪..‬ل ه ‪..‬ذه‬
‫المق‪..‬اطع ويح‪..‬دد الخي‪..‬ط الرفي‪..‬ع الغ‪..‬ائر في ض‪..‬مير الكالم‪ ،‬فيجم‪..‬ع أول‪..‬ه وآخ‪..‬ره‪ ،‬وه‪..‬ل‬
‫انخ ‪..‬رط في ه ‪..‬ذا الخي ‪..‬ط حب ‪..‬ات من جنس واح ‪..‬د؟ أو من أجن ‪..‬اس متش ‪..‬ابهة؟ أم ك ‪..‬انت‬
‫تسقط فيه حب‪.‬ات من أجن‪.‬اس متباع‪.‬دة؟ وه‪.‬ل وق‪.‬ع ه‪.‬ذا البعي‪.‬د في س‪.‬ياقه موق‪.‬ع الق‪.‬ريب‬
‫المأنوس فقبله السياق‪ ،‬وتشربه النص‪ ،‬وتمكن فيه؟ أم أنه ظل فيه غريباً ناشزاً ينبو‬
‫في مكان‪..‬ه‪ ،‬وتس‪..‬تثقله النف‪..‬وس‪ ،‬ويتن‪..‬افر ب‪..‬ه النظم أو يتش‪..‬ارد ب‪..‬ه الكالم؟ كي‪..‬ف ك‪..‬ان يتم‬
‫تأليف المختلف؟‬
‫وقد عرف الخطيب الفصل والوصل بقوله‪:‬‬
‫الوصل‪ :‬عطف الجمل على بعض‬
‫والفصـل‪ :‬تركه‬
‫ويمكن القول‪:‬‬
‫الوصل‪ :‬مجيء الواو‬
‫الفصل عدم مجيء الواو‬

‫‪6‬‬
‫ويعت ‪..‬بر الجرج ‪..‬اني معرف ‪..‬ة الفص ‪..‬ل والوص ‪..‬ل س ‪..‬بيال إلى معرف ‪..‬ة س ‪..‬ائر مع ‪..‬اني‬
‫البالغ‪..‬ة يق‪..‬ول‪ ... :‬وإ ن‪..‬ه ال يكم‪..‬ل إلح‪..‬راز الفض‪..‬يلة في‪..‬ه أح‪..‬د إال كم‪..‬ل لس‪..‬ائر مع‪..‬اني‬
‫البالغ‪.. .‬ة" وفص‪.. .‬حاء الع‪.. .‬رب وبلغ‪.. .‬اؤهم ك‪.. .‬انوا حريص‪.. .‬ين ك‪.. .‬ل الح‪.. .‬رص على مراع‪.. .‬اة‬
‫م‪..‬واطن الفص‪..‬ل والوص‪..‬ل في كالمهم وخطبهم‪ ،‬وينص‪..‬حون ب‪..‬ذلك‪ ،‬يق‪..‬ول أب‪..‬و العب‪..‬اس‬
‫السفاح لكاتبه‪ :‬قف عند مقاطع الكالم وحدوده‪ ،‬وإ ياك أن تخلط المرعى بالمهمل‪.‬‬
‫والــواو مختص ‪..‬ة بمبحث الفص ‪..‬ل والوص ‪..‬ل دون غيره ‪..‬ا من أدوات العط ‪..‬ف‪،‬‬
‫يقول اإلم‪.‬ام عب‪..‬د الق‪.‬اهر‪ :‬واعلم أن‪.‬ه إنم‪..‬ا يع‪..‬رض اإلش‪.‬كال في ال‪.‬واو دون غيره‪.‬ا من‬
‫ح ‪..‬روف العط‪...‬ف‪ ،‬وذاك ألن تل‪...‬ك تفي‪...‬د م‪...‬ع اإلش ‪..‬راك مع ‪ٍ .‬‬
‫‪.‬ان مث ‪..‬ل أن "الف ‪..‬اء" ت ‪..‬وجب‬
‫الترتيب من غير تراخ‪ ،‬و"ثم" توجبه مع تراخ‪ ،‬و"أو" تردد الفعل بين شيئين وتجعله‬
‫ألح‪..‬دهما ال بعين‪..‬ه‪ ،‬ف‪..‬إذا عطفت بواح‪..‬دة منه‪..‬ا الجمل‪..‬ة على الجمل‪..‬ة ظه‪..‬رت الفائ‪..‬دة ‪...‬‬
‫وليس للواو معنى سوى اإلشراك في الحكم الذي يقتضيه اإلع‪..‬راب ال‪..‬ذي اتبعت في‪..‬ه‬
‫الثاني األول‪.‬‬
‫وهي األداة ال ‪..‬تي يحت ‪..‬اج العط ‪..‬ف به ‪..‬ا إلى دق ‪..‬ة في اإلدراك‪ ،‬ولط ‪..‬ف في الفهم‬
‫ألنه ‪.. .‬ا ال تفي ‪.. .‬د س ‪.. .‬وى مج ‪.. .‬رد الرب ‪.. .‬ط بين متع ‪.. .‬اطفين فيه ‪.. .‬ا‪ ،‬فهي لمطل ‪.. .‬ق الجم ‪.. .‬ع بين‬
‫المتعاطفين‪ ،‬فيحتاج األمر إلى بيان أسرار هذا الربط‪ ،‬والعطف فوق مطلق الجمع‪.‬‬
‫ويشترط لصحة العط‪..‬ف بـ "ال‪..‬واو" في المف‪..‬ردات‪ ،‬والجم‪..‬ل ال‪..‬تي له‪..‬ا مح‪..‬ل من‬
‫اإلع ‪.. .‬راب أن تك ‪.. .‬ون بين الجمل ‪.. .‬ة األولى‪ ،‬والثاني ‪.. .‬ة جه ‪.. .‬ة جامع ‪.. .‬ة نح ‪.. .‬و‪" :‬زي ‪.. .‬د يكتب‬
‫ويش‪..‬عر" لم‪..‬ا بين الكتاب‪..‬ة والش‪..‬عر من التناس‪..‬ب والجه‪..‬ة الجامع‪..‬ة بين الكتاب‪..‬ة والش‪..‬عر‬
‫هي التأليف‬
‫أم‪..‬ا عن الجم‪..‬ل ال‪..‬تي ال مح‪..‬ل له‪..‬ا من اإلع‪..‬راب‪ ،‬ومجيء ال‪..‬واو للوص‪..‬ل بينه‪..‬ا‬
‫فسيأتي الحديث عن ذلك‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫سر بالغة الفصل والوصل‬
‫عاش فن الفصل والوصل في وجدان الناطق الع‪..‬ربي‪ ،‬ال‪..‬ذي احت‪..‬اج أن يرب‪..‬ط‬
‫بين معنى ومعنى برابط‪ ،‬أو يقطع معنى عن معنى بق‪..‬اطع‪ ،‬وه‪..‬و في فص‪..‬له ووص‪..‬له‬
‫يه‪.. .‬دف إلى تحقي‪.. .‬ق غاي‪.. .‬ة جمالي‪.. .‬ة يس‪.. .‬مو إليه‪.. .‬ا‪ ،‬ألن‪.. .‬ه يح‪.. .‬رص على أداء فكرت‪.. .‬ه في‬
‫وضوح ال لبس فيه لتصل إلى المخاطب في جمال وجالء‪.‬‬
‫والنصوص تشهد أن الحس العربي المصفي كان يتوقع الوص‪..‬ل حين ال يج‪..‬د‬
‫وصالً‪ ،‬ويبحث عن الفصل حين يفتقده‪ ،‬وكان يفاضل بين رابط ورابط حتى يس‪.‬تقيم‬
‫الشكل مع المضمون‪ ،‬وقصة أبي بكر الص‪.‬ديق ‪ ‬ال‪.‬ذي رفض من األع‪.‬رابي قول‪.‬ه‪:‬‬
‫(ال عافاك اهلل) وطالبه بأن يقول‪( :‬ال وعافاك اهلل) تدل على ذلك‬
‫والق‪..‬رآن الك‪..‬ريم ال‪..‬ذي خ‪..‬اطب ه‪..‬ذه الطبيع‪..‬ة العربي‪..‬ة ك‪..‬ان يفص‪..‬ل بين المع‪..‬اني‬
‫ويربط بينه‪..‬ا‪ ،‬وك‪..‬ان يل‪..‬ون العب‪..‬ارة مزاوج‪.‬اً بين فص‪..‬ل ووص‪..‬ل ثق‪..‬ة بفهم المخ‪..‬اطب أو‬
‫مراع ‪..‬اة من ‪..‬ه لمقتض ‪..‬ى الح ‪..‬ال‪ ،‬ولم يتقي ‪..‬د في فص ‪..‬له بط ‪..‬رح ال ‪..‬واو‪ ،‬ب ‪..‬ل اس ‪..‬تخدم مع ‪..‬ه‬
‫أدوات أخ ‪..‬رى‪ ،‬كم ‪..‬ا لم يقتص ‪..‬ر في وص ‪..‬له على ال ‪..‬واو أو على ح ‪..‬روف العط ‪..‬ف ب ‪..‬ل‬
‫استخدم معها أدوات الربط األخرى حسبما اقتضت الحاجة‪.‬‬
‫وهو في كل هذا ي‪..‬رمي إلى إب‪..‬راز جم‪..‬ال المع‪..‬نى لتحقي‪..‬ق كم‪..‬ال الفائ‪..‬دة‪ ،‬فحين‬
‫يص‪..‬ف مش‪..‬اهد الجن‪..‬ة أو الن‪..‬ار‪ ،‬أو يص‪..‬ور الث‪..‬واب أو العق‪..‬اب أو يتح‪..‬دث عن األخب‪..‬ار‬
‫ج‪.‬ار أو غ‪..‬ير ذل‪..‬ك من مع‪..‬ان‪ ،‬ال يعرض‪..‬ها عرض ‪.‬اً مس‪..‬طحاً إنم‪..‬ا يتخ‪..‬ذ الوس‪..‬ائل‬ ‫أو الفُ ّ‪.‬‬
‫ال‪.. .‬تي تُ‪.. .‬برز ك‪.. .‬ل طاقاته‪.. .‬ا من إث‪.. .‬ارة الخي‪.. .‬ال والعواط‪.. .‬ف والمنط‪.. .‬ق‪ ،‬ومن ق‪.. .‬درة على‬
‫اإلحاط ‪..‬ة والش ‪..‬مول‪ ،‬ح ‪..‬تى إذا وص ‪..‬لت إلى المخ ‪..‬اطب جعلت ‪..‬ه ج ‪..‬زءاً متمم‪. .‬اً له ‪..‬ا بم ‪..‬ا‬
‫أوحت إليه وبما أثرت فيه‪ ،‬وبما صورت له‪ ،‬وبما أمتعته وأفادته‪.‬‬
‫وهن‪..‬ا ي‪..‬برز جم‪..‬ال المع‪..‬نى المقص‪..‬ود حين يوج‪..‬د مكتمالً ناض‪..‬جاً موحي‪.‬اً ليحق‪..‬ق‬
‫كم ‪..‬ال الفائ ‪..‬دة‪ ،‬وكم ‪..‬ال الفائ ‪..‬دة في أالَّ يفتق ‪..‬د ش ‪..‬يئاً من أوج ‪..‬ه الجم ‪..‬ال الس ‪..‬ابقة‪ ،‬وفي أن‬
‫ٍ‬
‫ومعان تتواجد بوجوده‪ ،‬وتنبعث من‬ ‫يظل نابضاً قادراً على اإلفادة‪ ،‬مؤدياً إلى ٍ‬
‫معان‬
‫إيحائه‪ ،‬ثم تترابط – هذه المعاني الجزئية – لتص‪.‬ور المع‪.‬نى الكلي‪ ،‬لتص‪.‬ور الحكم‪.‬ة‬
‫المنشودة‪ ،‬أو الفكرة المقصودة أو الجوهر المطلوب‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫والفص‪..‬ل والوص‪.‬ل‪ .‬وس‪..‬يلة من وس‪..‬ائل إب‪..‬راز الجم‪..‬ال م‪..‬ع غ‪..‬يره من األس‪..‬اليب‪،‬‬
‫وله أدوات‪ ،‬إن فصالً وإ ن وص‪.‬الً‪ ،‬وط‪.‬رق ألداء وظيفت‪..‬ه‪ ،‬فق‪.‬د يفص‪..‬ل الق‪.‬رآن الك‪..‬ريم‬
‫بين معن‪.‬يين أو يرب‪.‬ط بينهم‪..‬ا‪ ،‬متخ‪.‬ذاً اإليض‪..‬اح وس‪.‬يلة إلب‪.‬راز جم‪.‬ال المع‪..‬نى فيعرض‪..‬ه‬
‫جلياً ال شركة في‪.‬ه وال لبس ليك‪..‬ون خالص‪.‬ا بذات‪..‬ه أم‪..‬ام المخ‪..‬اطب ليت‪.‬دبره ح‪.‬ق الت‪.‬دبر‪،‬‬
‫أو يتخذ من اإليجاز وس‪..‬يلة في عرض‪.‬ه كيال يتش‪.‬تت ال‪..‬ذهن في اس‪.‬تيعاب المع‪..‬نى‪ ،‬أو‬
‫ط‪..‬ع‬
‫يح‪.‬اول تثبيت‪..‬ه وتقري‪..‬ره ألهميت‪..‬ه وخط‪..‬ره‪ ،‬أو يعرض‪..‬ه في ن َس‪.‬ق الفت مث‪..‬ير‪ ،‬أو يق ّ‬
‫الموض‪.. .‬وع إلى أج‪.. .‬زاء موص‪.. .‬لة أو يعرض‪.. .‬ه بأش‪.. .‬كال متع‪.. .‬ددة أو يق‪.. .‬ف أم‪.. .‬ام الهيئ‪.. .‬ة‬
‫المنفصلة أو الهيئة المتصلة ليرصد حركته‪.‬ا ويص‪.‬ور أبعاده‪.‬ا أو يناس‪.‬ب بين اإليق‪.‬اع‬
‫الصوتي واإليقاع الداللي أو غير ذلك‪.‬‬
‫والفصل والوصل‪ .‬في كل هذا ي‪..‬راعي دائم‪.‬اً إث‪..‬ارة عق‪..‬ول المخ‪..‬اطبين بمختل‪..‬ف‬
‫درج ‪.. .‬ات اس ‪.. .‬تيعابهم وإ ث ‪.. .‬ارة أنفس ‪.. .‬هم بمختل ‪.. .‬ف نزعاته ‪.. .‬ا وميوله ‪.. .‬ا‪ ،‬وك ‪.. .‬ذا ع ‪.. .‬واطفهم‬
‫وأذواقهم‪.‬‬
‫وليس الفص‪.. .‬ل والوص‪.. .‬ل بمس‪.. .‬تقل بأدوات‪.. .‬ه وطرق‪.. .‬ه عن "القص‪.. .‬ر" أو "الح‪.. .‬ذف‬
‫وال‪.. .‬ذكر" أو "التق‪.. .‬ديم والت‪.. .‬أخير" أو غيره‪.. .‬ا من فن‪.. .‬ون المع‪.. .‬اني‪ ،‬وهي جميع ‪. .‬اً تت‪.. .‬آزر‬
‫إلبراز جمال المعنى في أبهى صوره الفنية لتحقيق كمال الفائدة‪.‬‬
‫واتفــق البالغيــون على أن الفصــل في خمســة مواضــع‪ ،‬والوصــل في ثالثة‪،‬‬
‫كما سيأتي‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫أحوال الفصل‬

‫أوال‪ :‬كمال االتصال‪:1‬‬

‫ضــابطه‪ :‬أن يكــون بين الجملــتين اتحــاد تــام وامــتزاج معنــوي‪ ،‬بــأن تكــون‬
‫الثانيـةـ منهمــا متصـلة اتصـاالً وثيقـاً بـالتي قبلهـا‪ ،‬بحيث تـنزلـ منهــا منزلــة نفســها‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫يقول اإلمام عبد القاهر‪ :‬واعلم أنه كما كان في األسماء ما يصــله معنــاه باالســم قبلـه فيســتغني بصــلة معنــاه لــه عن واصــل يصـله‬
‫ورابط يربطه‪ ،‬وذلك كالصفة التي ال تحتاج في اتصالها بالموصوف إلى شيء يصلهاـ به‪ ،‬وكالتأكيدـ الذي يفتقر كذلك إلى مــا يصــله‬
‫بالمؤكد‪ ،‬كذلك يكون في الجمل ما تتصل من ذات نفسها بالتي قبلها وتستغني بربط معناها لها عن حرف عطف يربطهـا‪ ،‬وهي كـل‬
‫جملة كانت مؤكدة للتي قبلها ومبينة لها وكانت إذا حصلت لم تكن شيئا سواها‪ ،‬كما ال تكون الصفة غير الموصــوف والتأكيــد غــير‬
‫المؤكد‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬جاءني زيد الظريف‪ ،‬وجاءني القوم كلهم‪ ،‬لم يكن الظريف وكلهم غير زيد وغير القوم‪.‬‬
‫ين‪ ‬قولــه‪( :‬اَل َر ْي َب ِفيـ ِـه) بيــان‬‫ـاب اَل َر ْي َب ِفيـ ِـه ُهـ ًـدى ِل ْل ُمتَّ ِق َ‬ ‫ومثــال مــا هــو من الجمــل كــذلك قولــه تعــالى‪ :‬الم َذلِـ َ ِ‬
‫ـك ا ْلكتَـ ُ‬
‫اب) وزيادةـ تثبيت له وبمنزلة أن تقول‪ :‬هو ذلك الكتاب‪ ،‬هو ذلك الكتاب‪ ،‬فتعيدهـ مرة ثانية لتثبتــه‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫وتوكيد وتحقيقـ لقوله‪َ ( :‬ذل َك ا ْلكتَ ُ‬
‫وليس تثبيت الخبر غير الخبر‪ ،‬وال شيء يتميز به عنه فيحتاج إلى ضام يضمه إليه وعاطف يعطفه عليه‪ ،‬ومثل ذلــك قولــه تعـالى‪:‬‬
‫ار ِه ْم ِغ َ‬
‫شـ َاوةٌ َولَ ُه ْم‬ ‫صـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َختَ َم اللَّ ُه َعلَى قُلُـو ِب ِه ْـم َو َعلَى َ‬
‫سـ ْمع ِه ْم َو َعلَى أ َْب َ‬ ‫اء َعلَ ْي ِه ْم أَأَ ْن َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم لَ ْم تُْن ِذ ْر ُه ْم اَل ُي ْؤ ِمنُ َ‬
‫س َو ٌ‬
‫ين َكفَُروا َ‬ ‫‪‬إِ َّن الَِّذ َ‬
‫اء َعلَ ْي ِه ْم أَأَ ْنـ َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم لَ ْم تُْنـ ِـذ ْر ُه ْم) وقولــه‪َ ( :‬ختَ َم اللَّ ُه َعلَى قُلُــو ِب ِه ْـم َو َعلَى‬
‫سـ َو ٌ‬ ‫ون) تأكيــد لقولــه‪َ ( :‬‬ ‫يم ‪ ‬قوله تعالى‪( :‬اَل ُي ْؤ ِم ُن َ‬ ‫ِ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫َع َذ ٌ‬
‫س ْم ِع ِه ْم ) تأكيد ثان أبلغ من األول؛ ألن من كان حاله إذا أنذر مثل حاله إذا لم ينذر كان في غاية الجهل وكان مطبوعــا على قلبــه ال‬ ‫َ‬
‫َم ُنــوا َو َمــا‬ ‫آ‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫ذ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ه‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ال‬ ‫ون‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫ــاد‬‫خ‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ــؤ‬‫م‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ــا‬
‫م‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫ــر‬ ‫ِ‬
‫َخ‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ِ‬
‫َ ْ َ ْ آْل‬‫و‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫ــا‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫و‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ال‬‫ب‬‫ِ‬ ‫ا‬‫ن‬‫َّ‬ ‫َم‬‫آ‬ ‫ل‬ ‫ــو‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫اس‬ ‫َّ‬
‫الن‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫‪:‬‬ ‫قولــه‬ ‫وكــذلك‬ ‫محالــة‪،‬‬
‫َ َ ُْ ُ ْ َ ُ َ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َُ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬
‫ون ) ولم يقل‪ :‬ويخادعون‪ ،‬ألن هذه المخادعــة ليســت شــيئا غــير قــولهم‪ :‬آمنــا‬ ‫ون‪ ‬إنما قال‪( :‬يُ َخاد ُع َ‬ ‫ش ُع ُر َ‬ ‫ون إِاَّل أَ ْنفُ َ‬
‫س ُه ْم َو َما َي ْ‬ ‫َي ْخ َد ُع َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫من غير أن يكونوا مؤمـنين‪ ،‬فهــو إذا كالم أكــد بـه كالم آخــر هــو في معنـاه وليس شــيئا سـواه‪ ،‬وهكــذا قولــه ‪َ  : ‬وإِ َذا لَقُــوا الذ َ‬
‫ون‪ ‬وذلـك ألن معـنى قـولهم‪( :‬إِ َّنا َم َع ُك ْم) أنــا لم نــؤمن‬ ‫آَمنُــوا قَــالُوا آَم َّنا وإِ َذا َخلَـوا إِلَى َ ِ ِ‬
‫سـتَ ْه ِزئُ َ‬ ‫شـ َياطين ِه ْـم قَــالُوا إِ َّنا َم َع ُك ْم إِ َّن َمــا َن ْح ُن ُم ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ون ) خبر بهذا المعنى بعينه ألنه ال فرق بين أن يقولوا‪ :‬إنا لم نقــل مـا قلنــاه‬ ‫ئ‬ ‫ز‬‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫س‬
‫َ ْ ُ ُ َْْ ُ َ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫(‬ ‫وقولهم‪:‬‬ ‫اليهودية‪،‬‬ ‫نترك‬ ‫ولم‬ ‫بالنبي‬
‫من أنا آمنا إال استهزاء‪ ،‬وبين أن يقولوا‪ :‬إنا لم نخرج من دينكم‪ ،‬وإ نا معكم بل هما في حكم الشيء الواحد فصار كأنهم قالوا‪ :‬إنــا‬
‫ون) غيره فاعرفه‪.‬‬ ‫معكم لم نفارقكمـ فكما ال يكون إنا لم نفارقكم شيئا غير أنا معكم كذلك ال يكون‪ِ( :‬إ َّن َما َن ْح ُن ُم ْ‬
‫ستَ ْه ِز ُئ َ‬
‫يل اللَّ ِه ِب َغ ْي ِـر ِع ْلٍم‬
‫سـ ِب ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫شـتَ ِري لَ ْه َـو ا ْل َحـديث ليُضـ َّل َع ْن َ‬ ‫ومن الواضح البين في هذا المعـنى قولـه تعـالى‪َ  :‬و ِم َن َّ‬
‫الن ِ‬
‫اس َم ْن َي ْ‬
‫اب أَلِ ٍيم ‪‬‬ ‫شـ ْرهُ ِب َعـ َذ ٍ‬
‫ْـرا ف ََب ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َن لَم يسمعها َكأ َّ ِ‬
‫َن في أُ ُذ َن ْيـه َوق ً‬ ‫ستَ ْك ِبًرا َكأ ْ ْ َ ْ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ين َوإِ َذا تُ ْتلَى َعلَ ْيه آ ََياتَُنا َولَّى ُم ْ‬
‫اب ُم ِه ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َيتَّخ َذ َها ُهُز ًوا أُولَئ َك لَ ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫لم يأت معطوفا نحو‪ :‬وكأن في أذنيه وقـرا‪ ،‬ألن المقصـود من التشــبيه بمن في أذنيـه وقـر هـو بعينــه المقصـود من التشــبيه بمن لم‬
‫يسمع إال أن الثاني أبلغ وأكد في الذي أريد وذلك أن المعنى في التشبيهين جميعا أن ينفي أن يكون لتالوة ما تلي عليه من اآليات‬
‫فائدة معه ويكون لها تأثير فيه وأن يجعل حاله إذا تليت عليه كحاله إذا لم تتل‪ ،‬وال شبهة في أن التشــبيه بمن في أذنيــه وقــر أبلــغ‬
‫وآكد في جعله كذلك من حيث كان من ال يصح منـه السـمع‪ ،‬وإ ن أراد ذلـك أبعــد من أن يكـون لتالوة مــا يتلى عليـه فائــدة من الــذي‬
‫يصح منه السمع‪ ،‬إال أنه ال يسمع إما اتفاقا وإ ما قصدا إلى أن ال يسمع فاعرفه وأحسن تدبره‪.‬‬
‫ِاَّل‬ ‫ِ‬ ‫ِاَّل‬ ‫ومن اللطيف في ذلك قوله تعالى‪ :‬ما َه َذا َب َ ِ‬
‫يم) مشــابك‬‫يم‪ ‬وذلك أن قوله‪( :‬إ ْن َه َذا إ َملَ ٌك َكـ ِـر ٌ‬
‫شًرا إ ْن َه َذا إ َملَ ٌك َك ِر ٌ‬ ‫َ‬
‫شًرا ) ومداخل في ضمنه من ثالثة أوجه؛ وجهان هو فيهما شبيه بالتأكيد‪ ،‬ووجه هو فيه شبيه بالصفة‪.‬‬ ‫لقوله‪َ ( :‬ما َه َذا َب َ‬
‫فأحد وجهي كونه شـبيها بالتأكيـدـ هـو أنـه إذا كـان ملكـا لم يكن بشـرا‪ ،‬وإ ذا كـان كـذلك كـان إثبـات كونـه ملكـا تحقيقـاـ ال‬
‫محالة وتأكيدا لنفي أن يكون بشرا‬
‫شـًرا) ومـا هـذا بـآدمي‪ ،‬والحـال حـال تعظيم وتعجب‬
‫والوجه الثاني أن الجاريـ في العرف والعادةـ أنـه إذا قيـل‪َ ( :‬مـا َهـ َذا َب َ‬
‫مما يشاهد في اإلنسان من حسن خلق أو خلق أن يكون الغرض والمراد من الكالم أن يقال‪ :‬إنه ملك‪ ،‬وأن يكنى به عن ذلــك حــتى‬
‫إنه يكون مفهوم اللفظ‪ ،‬وإ ذا كان مفهوما من اللفظـ قبل أن يذكر كان ذكره إذا ذكر تأكيدا ال محالة ألن حــد التأكيــد أن تحقــق باللفــظ‬

‫‪10‬‬
‫كــأن تكــون الجملــة الثانيــة تأكيــداً لألولى‪ ،‬والمقتضــى للتأكيــد رفــع تــوهم التجــوز‬
‫والغلط‪ ،‬وهو قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن تــنزل الثانيــة من األولي منزلــة التأكيــد المعنــوي من متبوعــه في إفــادة‬
‫اب الَ َر ْي َب ِفيـ ِـه ُهـ ًـدى‬ ‫ِ ِ‬
‫التقرير مع االختالف في المعنى كقول‪..‬ه تع‪..‬الى‪ :‬آلـم َذل َك الكتَ ُ‬
‫اب‪ ‬ج‪..‬اءت عقب قول‪..‬ه‪:‬آلـم‪ ‬لإلش‪..‬ارة إلي أن الق‪..‬رآن‬ ‫ِ ِ‬ ‫لِّ ْل ُمتَّ ِق َ‬
‫ين‪ ‬فجملة‪َ  :‬ذل َك الكتَ ُ‬
‫الك ‪..‬ريم يتك ‪..‬ون من ه ‪..‬ذه الح ‪..‬روف ال ‪..‬تي تنطق ‪..‬ون به ‪..‬ا‪ ،‬وجمل ‪..‬ة‪:‬الَ َر ْي َب ِفيـ ِـه‪ ‬تأكي ‪..‬د‬
‫اب‪ ‬في علو شأنه‪ ،‬وبعد منزلته‪ ،‬وسموه ورفعته‪ ،‬وإ ذا ك‪..‬ان ك‪..‬ذلك‬ ‫ِ ِ‬
‫لجملة‪َ  :‬ذل َك الكتَ ُ‬
‫ين‪‬‬ ‫فال ينبغي أن يكون فيه أي نوع من أن‪..‬واع ال‪..‬ريب‪ ،‬وج‪..‬اءت جمل‪..‬ة‪ُ  :‬ه ًدى لِّ ْل ُمتَّ ِق َ‬
‫تأكي‪...‬د لجمل‪...‬ة‪ :‬الَ َر ْي َب ِفي ـ ِـه‪ ‬ألن الغ‪...‬رض األس‪...‬مي من الكتب الس ‪..‬ماوية أن تك ‪..‬ون‬
‫هداي‪.. .‬ة‪ ،‬فتأم‪.. .‬ل ه‪.. .‬ذا النظم الب‪.. .‬ديع وال‪.. .‬ترتيب العجيب‪ ،‬ومن‪.. .‬ه قول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الي‪ :‬إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ين‬
‫ـون‪‬‬ ‫ـون‪ ‬فجمل‪.. .‬ة‪ :‬اَل ُي ْؤ ِم ُن ـ َـ‬ ‫اء َعلَ ْي ِه ْم أَأَْنــ َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم لَ ْم تُْنـ ِـذ ْر ُه ْم اَل ُي ْؤ ِم ُن ـ َ‬
‫ســ َو ٌ‬
‫َكفَ ـ ُـروا َ‬
‫اء َعلَ ْي ِه ْم أَأَْن َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم لَ ْم تُْنـ ِـذ ْر ُه ْم‪‬؛ ألن معناه‪..‬ا‪ :‬إن‪..‬ذارك‬ ‫س َو ٌ‬ ‫ج‪..‬اءت تأكي‪..‬دا لجمل‪..‬ة‪َ  :‬‬
‫لهم وعدمه سواء‪ ،‬ومن هذا الضرب قول الشاعر‪:‬‬
‫م ‪.. . . . .‬ا ه ‪.. . . . .‬ذه ال ‪.. . . . .‬دنيا ب ‪.. . . . .‬دار ق ‪.. . . . .‬رار‬ ‫حكم المني‪.. . . . .‬ة في البري‪.. . . . .‬ة ج‪.. . . . .‬ار‬

‫حيث فص جمل ‪..‬ة‪ :‬م ‪..‬ا ه ‪..‬ذه ال ‪..‬دنيا‪ ،‬عن جمل ‪..‬ة‪ :‬حكم المني ‪..‬ة‪ ،‬لكم ‪..‬ال االتص ‪..‬ال بينهم ‪..‬ا‪،‬‬
‫لوقوع الثانية موقع التوكيد المعنوي لألولى‪ ،‬ومنه قول المتنبي‪:‬‬
‫إذا قلت شعرا أصبح ال‪..‬دهر منش‪..‬دا‬ ‫وما الدهر إال من رواة قصائدي‬

‫معنى قد فهم من لفظ آخر قد سبق منك‪ ،‬أفال ترى أنه إنما كان كلهم في قولك‪ :‬جاءني القوم كلهم‪ ،‬تأكيــدا من حيث كـان الـذي فهم‬
‫منه وهو الشمول قد فهم بديئا من ظاهر لفظ القوم‪ ،‬ولو أنه لم يكن فهم الشمول من لفظـ القوم وال كان هو من موجبه لم يكن كــل‬
‫تأكيدا ولكان الشمول مستفادا من كل ابتداء‪.‬‬
‫وأما الوجه الثالث الذي هو فيه شبيه بالصفة فهو أنه إذا نفي أن يكون بشـرا فقـد أثبت لـه جنس سـواه‪ ،‬إذ من المحـال‬
‫أن يخرج من جنس البشر ثم ال يدخل في جنس آخـر وإ ذا كـان األمـر كـذلك كـان إثباتـه ملكـا تبيينـاـ وتعيينـاـ لـذلكـ الجنس الـذي أريـد‬
‫إدخاله فيه وإ غناء عن أن تحتاج إلى أن تسأل فتقول‪ :‬فإن لم يكن بشرا فما هو وما جنسه؟‬
‫كمــا أنــك إذا قلت‪ :‬مــررت بزيــد الظريــف‪ ،‬كــان الظريــف تبيينــا وتعيينــا للــذي أردت من بين من لــه هــذا االســم وكنت قــد‬
‫أغنيت المخاطب عن الحاجة إلى أن يقول أي‪ :‬الزيدين أردت‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ـنزلـ الثانيــة من األولى منزلــة التأكيــد اللفظي من متبوع ـهـ في اتحــاد‬ ‫ثانيهما‪ :‬أن تـ َّ‬
‫ين أ َْم ِه ْل ُه ْم ُر َو ْي ًدا‪ ‬فالجملة الثانية‪ :‬أ َْم ِه ْل ُه ْم‬ ‫المعنى‪ ،‬مثل قوله تعالي‪ :‬فَم ِّه ِل ا ْل َك ِ‬
‫اف ِر َ‬ ‫َ‬
‫ين‪ ، ‬ومن ‪..‬ه ق ‪..‬ول حس ‪..‬ان بن‬ ‫ـاف ِر َ‬ ‫رو ْيـ ًـدا‪ ‬ج ‪..‬اءت تأكي ‪..‬دا لفظي ‪..‬ا لجمل ‪..‬ة‪  :‬فَم ِّه ِل ا ْل َكـ ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫ثابت ‪:‬‬
‫ال ب‪.‬ارك اهلل بع‪.‬د الع‪.‬رض في الم‪.‬ال‬ ‫أص‪..‬ون عرض‪..‬ي بم‪..‬الي ال أدنسه‬

‫فق ‪..‬د فص ‪..‬ل الش ‪..‬اعر جمل ‪..‬ة‪ :‬ال أدنس ‪..‬ه‪ ،‬عن جمل ‪..‬ة‪ :‬أص ‪..‬ون عرض ‪..‬ي‪ ،‬لكم ‪..‬ال االتص ‪..‬ال‬
‫بينهما‪ ،‬لوقوع الثانية مقام التوكيد اللفظي لألولى‪.‬‬
‫سـ ًرا إِ َّن َمـ َ‬
‫ـع‬ ‫س ِر ُي ْ‬ ‫وق‪..‬د يش‪..‬تركان في األلف‪..‬اظ؛ مث‪..‬ل قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪  :‬فَِإ َّن َم َع ا ْل ُع ْ‬
‫س ِر ُي ْ‬
‫س ًرا‬ ‫س ًرا‪ ‬عن‪  :‬فَِإ َّن َم َع ا ْل ُع ْ‬ ‫س ًرا‪ ‬حيث تم فصل‪ :‬إِ َّن َم َع ا ْل ُع ْ‬
‫س ِر ُي ْ‬ ‫س ِر ُي ْ‬
‫ا ْل ُع ْ‬
‫‪ ‬لكمال االتصال بينهما لوقوع الثانية موقع التوكيد اللفظي من األولى‪.‬‬
‫الثــاني‪ :‬أن تكــون الثانيــة بــدالً‪ 2‬من األولى‪ ،‬والمقتضــى لإلبــدال كــون األولى‬
‫ـاء بشــأنه لنكتــة‪:‬‬
‫غــير وافيــة بتمــام المــراد بخالف الثانيــة‪ ،‬والمقــام يقتض ـىـ اعتنـ ً‬
‫ككونه مطلوباً في نفسه‪ ،‬أو فظيعاً‪ ،‬أو عجيباً‪ ،‬وهو ثالثة أضرب‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن ت ‪.. .‬نزل الثاني ‪.. .‬ة من األولي منزل ‪.. .‬ة ك ‪.. .‬ل من ك ‪.. .‬ل‪ ،‬ويس ‪.. .‬مي‪ :‬الب ‪.. .‬دل‬
‫ـون َقـالُوا أ َِئـ َذا ِمتْ َنـا َو ُك َّنا تَُر ًابـا‬
‫المط‪..‬ابق‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ :‬ب ْل قَـالُوا ِم ْث َـل َمـا قَـا َل اأْل ََّولُ َ‬
‫اما أ َِئ َّنا لَ َم ْب ُعوثُ َ‬
‫ون‪‬‬ ‫ظً‬ ‫َو ِع َ‬
‫ـنزلـ الثانيــة من األولى منزلــة بــدل البعض من متبوعه كقول ‪..‬ه‬ ‫ثانيهما‪ :‬أن تـ َّ‬
‫ين وج َّن ٍ‬ ‫ـون أَمـ َّـد ُكم ِبأَْنعـ ٍ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ـون‪،‬‬ ‫ات َو ُع ُيـ ٍ‬ ‫ـام َو َبن َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َمـ َّـد ُكم ِب َمــا تَ ْعلَ ُمـ َ َ‬
‫تع ‪..‬الى‪َ  :‬واتَّقُــوا الذي أ َ‬
‫َمـ َّـد ُكم ِب َمــا‬ ‫ين وج َّن ٍ‬
‫ات َو ُع ُيـ ٍ‬ ‫فقول‪..‬ه‪ :‬أَمـ َّـد ُكم ِبأَْنعـ ٍ ِ‬
‫ـون‪ ،‬ب‪..‬دل من قول‪..‬ه تع ‪..‬الي‪ :‬أ َ‬ ‫ـام َو َبن َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ــون‪ ‬؛ ألن األنع ‪..‬ام والب ‪..‬نين والجن ‪..‬ات والعي ‪..‬ون من جمل ‪..‬ة م ‪..‬ا يعلم ‪..‬ون‪ ،‬وإ نم ‪..‬ا‬ ‫تَ ْعلَ ُم َ‬
‫خصها للعناية بشأنها‪ ،‬وكونها أوفي ب‪..‬الغرض المن‪..‬وط ل‪..‬ه اآلي‪.‬ة الكريم‪..‬ة‪ ،‬ومثل‪..‬ه قول‪..‬ه‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش‬‫سـ ـتََوى َعلَى ا ْل َع ـ ْـر ِ‬ ‫سـ ـ َم َاوات ِب َغ ْي ـ ِـر َع َمــد تََر ْو َن َه ــا ثُ َّم ا ْ‬
‫ـع ال َّ‬ ‫تع ‪.. .‬الى‪ :‬اللَّ ُه الَّذي َرفَ ـ َ‬
‫ص ـ ُل اآْل َيـ ِ‬
‫ـات َل َعلَّ ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫س ـ ًّمىـ ُيـ َـد ِّب ُر اأْل َْمـ َـر ُيفَ ِّ‬ ‫ـل َي ْجـ ِري أِل َ‬
‫َجـ ٍـل ُم َ‬ ‫س َوا ْلقَ َمـ َـر ُكـ ٌّ‬ ‫س ـ َّخ َر َّ‬
‫الش ـ ْم َ‬ ‫َو َ‬
‫‪2‬‬
‫بدل البعض من كل يكون المبدل جزءا من المبدل منه‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬قرأت الكتاب ثلثه‪ ،‬فإن الثلث داخل في مفهوم الكتاب‪ ،‬أما بدل‬
‫االشتمال فالمبدل منه ليس داخال في مفهوم البدل‪ ،‬فقولك‪:‬ـ أعجبني الطـالبـ رأيـه‪ ،‬فـالرأي ليس داخال في مفهـوم المبـدل منـه؛ ألننـا‬
‫يمكن أن نتصوره بدون هذا األمر‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ص ـ ُل اآْل َيـ ِ‬
‫ـات) عن جمل ‪..‬ة ( ُيـ َـد ِّب ُر اأْل َْمـ َـر)‬ ‫ِب ِلقَـ ِ‬
‫ـاء َر ِّب ُك ْم تُو ِق ُنـ َ‬
‫ـون‪ ‬فق ‪..‬د فص ‪..‬ل جمل ‪..‬ة‪ُ ( :‬يفَ ِّ‬
‫َ‬
‫لكمال االتصال بينهما‪ ،‬لوقوع الثانية موقع بدل البعض من األولى‪ ،‬فتفص‪.‬يل اآلي‪.‬ات‬
‫جزء من تدبير األمر‪.‬‬
‫ثالثهما‪ :‬أن تنزل الثانية من األولى منزلة بدل االشــتمال من متبوعه كقول‪..‬ه‬
‫سـ ِل َ‬
‫ين اتَِّب ُعــوا‬ ‫س َعى قَا َل َيا قَـ ْـوِم اتَِّب ُعــوا ُ‬
‫الم ْر َ‬
‫ِ ِ‬
‫ْصى ا ْل َمدي َن ـة َر ُج ٌل َي ْ‬
‫تعالى‪  :‬وج ِ‬
‫اء م ْن أَق َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َج راً‪ ‬ب‪..‬دل من‬ ‫ون‪ ‬فقول‪..‬ه‪ :‬اتَِّب ُعـوا َمن الَّ َي ْ‬
‫سـأَلُ ُك ْم أ ْـ‬ ‫َجراً َو ُهم ُّم ْهتَ ُـد َ‬ ‫َمن الَّ َي ْ‬
‫سأَلُ ُك ْم أ ْ‬
‫ين‪ ‬وإ نم‪..‬ا ذك‪..‬رت لم‪..‬ا فيه‪..‬ا من ت‪..‬رغيب علي اتب‪..‬اع الرس‪..‬ل؛‬ ‫سـ ِل َ‬ ‫قول‪..‬ه‪ :‬اتَِّب ُعــوا ُ‬
‫الم ْر َ‬
‫ألن اتب‪..‬اع الرس‪..‬ل ال‪..‬ذين ال يس‪..‬ألون أج‪..‬را في‪..‬ه خ‪..‬يري ال‪..‬دنيا واآلخ‪..‬رة‪ ،‬وأوفي بتأدي‪..‬ة‬
‫ذل ‪..‬ك‪ ،‬وإ نم ‪..‬ا ع ‪..‬دت اآلي ‪..‬ة من ب ‪..‬دل االش ‪..‬تمال ألن ع ‪..‬دم س ‪..‬ؤال األج ‪..‬ر ليس داخال في‬
‫مفهوم الرسالة‪ ،‬ألن مفهوم الرسول‪ :‬من أرسل لتبليغ الن‪..‬اس رس‪..‬الة اهلل تع‪..‬الي‪ ،‬ومن‬
‫هذا الضرب قول وداك بن ثمل المازني العمروي التميمي‪:‬‬
‫تالق‪.. . . . .‬وا غ‪.. . . . .‬دا خيلي على س‪.. . . . .‬فوان‬ ‫روي‪..‬د ب‪..‬ني ش‪..‬يبان بعض وعي‪..‬دكم‬
‫‪3‬‬
‫إذا م ‪.. .‬ا غ ‪.. .‬دت في الم ‪.. .‬أزق ال ‪.. .‬داني‬ ‫تالق‪.. . . . .‬وا جي‪.. . . . .‬ادا ال تحي‪.. . . . .‬د عن‬
‫ال‪.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬وغى‬

‫فقد فصل جملة‪ :‬تالقوا جيادا‪ ،‬عن جملة‪ :‬تالقوا غدا‪ ،‬لكمال االتص‪..‬ال بينهم‪..‬ا لوق‪..‬وع‬
‫الثانية موقع بدل االشتمال من األولى‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وإ ال فكن في الس ‪..‬ر والجه ‪..‬ر ِم ْس‪ِ. .‬لما‬ ‫تقيمن عن‪...‬دنا‬
‫ّ‬ ‫أق‪...‬ول ل‪...‬ه ارح‪...‬ل ال‬

‫تقيمن‪ ،‬ب‪.. .‬دل اش‪.. .‬تمال من قول‪.. .‬ه‪ :‬ارح‪.. .‬ل‪ ،‬وهي أوفي؛ ألن الرحي‪.. .‬ل‬
‫ّ‬ ‫فقول‪.. .‬ه‪ :‬ال‬
‫يشتمل علي عدم اإلقامة‬

‫‪3‬‬
‫ويقال وداك بن سنان بن ثميل أحد بني مازن وهو شاعر جاهلي‪ ،‬وكان بنو شـيبان قـد أرادوا نفي بـني مـازن عن مـاء لهم يقـال‬
‫له سفوان وادعوا أنه لهم فقالـ وداك هذا الشعر‬
‫رويد تصغير الرود بالضم أي التمهل والرفقـ ويكون لوجوهـ أربعة اسم فعل نحو رويد زيدا أمهله وصفة نحو ســاروا ســيرا رويــدا‬
‫وحاال نحو سار القوم رويدا ومصدرا كما هنا نحو رويد بـني شـيبان وقولـه بعض وعيـدكم كفـوا يـا بـني شـيبان عنـا بعض وعيـدكم‬
‫وهذا تهكم‪ ،‬وقولـه تالقـوا غـدا خيلي أي عن قـريب تـأتيكم خيلي على سـفوان‪ ،‬وسـفوان اسـم مـاء على أميـال من البصـرة ‪ ،‬تالقـوا‬
‫بــدل من تالقــوا في الــبيت قبلــه والجيــاد الخيــل والــوغى الحــرب والمــأزق المضــيق‪ ،‬والمعــنى‪ :‬تالقــوا خيال ال ترجــع عن الحــرب في‬
‫المضيق المتداني لتعودها على الحرب‬

‫‪13‬‬
‫الثــالث‪ :‬أن تكــون الثانيــة بيانـاً لألولى‪ ،‬وذلــك بــأن تــنزل منهــا منزلــة عطــف‬
‫البيــان مــع متبوعــه في زيــادة اإليضــاح‪ ،‬والمقتضــى للتبــيين أن يكــون في األولى‬
‫ـال َيــا‬
‫ان قَـ َ‬
‫ط ُ‬ ‫س إِلَ ْي ِه َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫س َو َ‬
‫نوع خفاء مع اقتضاء المقام إزالته‪ ،‬كقوله تعالى‪ :‬فَ َو ْ‬
‫آد ُم‪‬‬ ‫شـ َج َر ِة ال ُخ ْلـ ِـد َو ُم ْلـ ٍـك الَّ َي ْبلَى‪ ‬فق ‪..‬د فص‪..‬ل جمل‪..‬ة‪ :‬قَــا َل َيــا َ‬
‫آد ُم َهـ ْـل أ َُدلُّ َك َعلَى َ‬
‫َ‬
‫س‪ ‬لم‪.. .‬ا بينهم‪.. .‬ا من عط‪.. .‬ف البي‪.. .‬ان‪ ،‬إذ الثاني‪.. .‬ة ج‪.. .‬اءت لبي‪.. .‬ان‬
‫سـ ـ َو َ‬
‫عن جمل‪.. .‬ة‪  :‬فَ َو ْ‬
‫الوسوسة‪ ،‬وكونها تفسيراً له وتبييناً‪ ،‬فلم تدخل الواو فيما سبق لوثوق الصلة بينهما‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ثانيا‪ :‬كمال االنقطاع بال‬ ‫إيهام‪:‬‬
‫وض ‪..‬ابطه‪ :‬أن يكــون بين الجملــتين تبــاين تــام ال يســوغ العطــف بينهمــا‪ ،‬إذ‬
‫العطف يقتضىـ التآلف والتناسب بين الجملتين وحيث ال تآلف وال تناسب ال يصــح‬
‫العط ــف‪ ،‬فيجب الفص ــل‪ ،‬ولكن الفص ــل مش ــروط ب ــأال ي ــوهم خالف الم ــراد‪ ،‬وكم‪.. .‬ال‬
‫االنقطاع يكون ألمر يرجع إلى اإلسناد أو إلى طرفيه‪:‬‬
‫ـاء‪ ،‬لفظـاً ومع‪..‬نى مث‪..‬ل قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن تختلف الجملتــان خــبراً وإ نشـ ً‬
‫س ُن فَِإ َذا الَِّذي َب ْي َن َك َو َب ْي َن ُهـ َع َد َاوةٌ‬
‫َح َ‬‫الس ِّي َئ ُة ْادفَ ْع ِبالَِّتي ِه َي أ ْ‬ ‫ستَ ِويـ ا ْل َح َ‬
‫س َن ُة َواَل َّ‬ ‫َواَل تَ ْ‬
‫يم‪ ‬فقد فصل جملة‪( :‬ادفع) عن جملة‪( :‬وال تستوي) لكمال االنقط‪..‬اع‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َكأَن ُه َول ٌّي َحم ٌ‬
‫َعـ دُّوا َل ُه ْم َمــا‬ ‫بينهم ‪..‬ا الختالفهم ‪..‬ا خ ‪..‬برا وإ نش ‪..‬اء‪ ،‬ومن ه ‪..‬ذا الض ‪..‬رب قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪:‬وأ ِ‬
‫َ‬
‫ـون ِب ـ ِـه َعـ ُـد َّو اللَّ ِه َو َعـ ُـد َّو ُك ْم‪ ، ‬فقول‪.. .‬ه‬ ‫طعتُم ِم ْن قُ ـ َّـو ٍة و ِم ْن ِرب ـ ِ‬
‫ـاط ا ْل َخ ْيـ ِـل تُْر ِه ُب ـ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اســتَ َ ْ ْ‬
‫ْ‬
‫ون‪ ‬جمل‪..‬ة خبرية‪ ،‬ومن ه‪..‬ذا‬ ‫َعدُّوا‪ ‬جملة إنشائية‪ ،‬وقوله تعالي‪ :‬تُْر ِه ُب َ‬ ‫تعالي‪ :‬وأ ِ‬
‫َ‬
‫الضرب قول أبي العتاهية‪:‬‬
‫أنت ال‪.. . .‬ذي ال ينقض‪.. . .‬ي تعبه‬ ‫َّ‬
‫المحب لها‬ ‫ي‪.. . . .‬ا ص‪.. . . .‬احب ال‪.. . . .‬دنيا‬

‫فقول‪..‬ه‪ :‬ي‪..‬ا ص‪..‬احب ال‪..‬دنيا‪ ،‬جمل‪..‬ة إنش‪..‬ائية‪ ،‬وقول‪..‬ه‪ :‬أنت ال‪..‬ذي ال ينقض‪..‬ي تعب‪..‬ه‪،‬‬
‫جملة خبرية‬
‫الثاني‪ :‬أال يكــون بين الجملــتين جــامع يصــحح العطف‪ ،‬ألن العط‪..‬ف الب‪..‬د ل‪..‬ه‬
‫ين َكفَُروا‬‫من مناسبة معينة بين طرفي جملتيه وما يتعلق بهما كقوله تع ‪..‬الى‪ :‬إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ـون‪ ‬لم يعط ‪..‬ف قص ‪..‬ة الك ‪..‬افرين على‬ ‫اء َعلَ ْي ِه ْم أَأَن ـ َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم َل ْم تُنـ ِـذ ْر ُه ْم الَ ُي ْؤ ِم ُنـ َ‬
‫س ـ َو ٌ‬
‫َ‬
‫قص‪..‬ة المؤم‪..‬نين م‪..‬ع وج‪..‬ود الج‪..‬امع‪ ،‬وه‪..‬و التض‪..‬اد ألن ه‪..‬ذا الكالم مس‪..‬وق لبي‪..‬ان ح‪..‬ال‬
‫الكف‪..‬ار قص‪..‬داً‪ ،‬واألول مس‪..‬وق لبي‪..‬ان ح‪..‬ال الكت‪..‬اب قص‪..‬داً‪ ،‬وذك‪..‬ر ح‪..‬ال المس‪..‬لمين ليس‬
‫مقصوداً على األصالة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ثالثا‪ :‬شبه كمال االتصال (االستئناف البياني) ‪:‬‬
‫وض‪.. .‬ابطه‪ :‬أن تك‪.. .‬ون الجمل‪.. .‬ة األولى مث‪.. .‬يرة لس‪.. .‬ؤال تص‪.. .‬لح الثاني‪.. .‬ة أن تك‪.. .‬ون‬
‫جواباً له‪ ،‬فيتحقق بذلك ارتباط قوى بين الجملتين يمنع من دخ‪.‬ول "ال‪.‬واو" كم‪.‬ا يمتن‪.‬ع‬
‫بين السؤال والجواب‪ ،‬ويسمى الفصل في هذا الموضع‪ :‬استئنافاً‪ ،‬كما تس‪..‬مى الجمل‪..‬ة‬
‫الثانية‪ :‬مستأنفة‪.‬‬
‫يق‪..‬ول الخطيب‪ :‬وأم‪..‬ا كونه‪..‬ا بمنزل‪..‬ة المتص‪..‬لة به‪..‬ا‪ ،‬فلكونه‪..‬ا جواب ‪.‬اً عن س‪..‬ؤال‬
‫اقتضته األولى‪ ،‬فتنزل منزلته‪ ،‬فتفصل الثانية عنها كما يفصل الجواب عن السؤال‪،‬‬
‫واالستئناف ثالث أضرب ‪:‬‬
‫األول‪ :‬السؤال عن سبب عام للحكم‪ ،‬وذلك حيث يكون م‪..‬ا خفي على الس‪..‬امع‬
‫هو سبب الحكم‪ ،‬بمعنى أنه يجهل سبب الحكم من أصله‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫س‪.. . . . .‬هر دائم وح‪.. . . . .‬زن طويل‬ ‫ق ‪..‬ال لي‪ :‬كي ‪..‬ف أنت؟ قلت‪ :‬عليل‬

‫أي‪ :‬ما بالك عليالً؟ أو ما سبب علتك؟‬


‫الث‪.. .‬اني‪ :‬الس‪.. .‬ؤال عن س‪.. .‬بب خ‪.. .‬اص للحكم‪ ،‬وذل‪.. .‬ك حيث يتص‪.. .‬ور الس‪.. .‬امع نفي‬
‫جمي‪..‬ع األس‪..‬باب إال س‪..‬بباً خاص ‪.‬اً ش‪..‬ك في حص‪..‬وله ونفي‪..‬ه‪ ،‬فيك‪..‬ون المق‪..‬ام مق‪..‬ام ت‪..‬ردد‪،‬‬
‫فت‪..‬أتى الجمل‪..‬ة الثاني‪..‬ة لتجيب عن ذل‪..‬ك الس‪..‬ؤال وتزي‪..‬ل ه‪..‬ذا ال‪..‬تردد كقول‪..‬ه تع‪..‬الى‪َ  :‬و َما‬
‫السو ِء‪ ‬كأنه قيل‪ :‬هل النفس أم‪..‬ارة بالس‪..‬وء؟ فقي‪..‬ل‪:‬‬ ‫َم َارةٌ ِب ُّ‬
‫س أل َّ‬ ‫أ َُبِّرئُ َن ْف ِسي إِ َّن َّ‬
‫الن ْف َ‬
‫إن النفس ألمارة بالسوء‪ ،‬ومنه قول اليزيدي‪:‬‬
‫ألق‪.. . . . . .‬اه من ُزه‪.. . . . . .‬د على غ‪.. . . . . .‬اربي‬ ‫َملَّ ْكتُ‪.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬ه َحْبلى ولكنه‬
‫انتقم اهلل من الك ‪.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬اذب‬ ‫وق ‪.. .‬ال إني في اله ‪.. .‬وى ك ‪.. .‬اذب‬

‫لكن الش‪..‬يخ الس‪..‬كاكي اختل‪..‬ف م‪..‬ع اإلم‪..‬ام عب‪..‬د الق‪..‬اهر في س‪..‬بب الفص‪..‬ل‪ ،‬فق‪..‬ال‬
‫الس‪.. .‬كاكي‪ :‬إن س‪.. .‬بب فص‪.. .‬ل قول‪.. .‬ه‪ :‬انتقم اهلل من الك‪.. .‬اذب‪ ،‬عم‪.. .‬ا قبله‪.. .‬ا‪ :‬وق‪.. .‬ال إني في‬
‫الهوي كاذب‪ ،‬الختالف الجملتين خبرا وإ نشاء‪ ،‬ألن هذه الجمل‪..‬ة إنش‪..‬ائية مع‪..‬ني‪ ،‬وإ ن‬
‫ك‪..‬انت في اللف‪..‬ظ خبري‪..‬ة‪ ،‬ألنه‪..‬ا جمل‪..‬ة دعائي‪..‬ة‪ ،‬وجمل‪..‬ة‪ :‬إني في اله‪..‬وي ك‪..‬اذب خبري‪..‬ة‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫أما اإلمام فقال‪ :‬إن سبب الفصل أنه حين قال‪ :‬وقال إني في الهوي ك‪..‬اذب‪ ،‬قي‪..‬ل ل‪..‬ه‪:‬‬
‫فما قولك؟ هل أنت كاذب؟ فقال‪ :‬انتقم اهلل من الكاذب‪ ،‬فالفصل جاء لالستئناف‪.‬‬
‫الث‪..‬الث‪ :‬الس‪..‬ؤال عن غيرهم‪..‬ا‪ ،‬وذل‪..‬ك حيث يك‪..‬ون م‪..‬ا انبهم على الس‪..‬امع ش‪..‬يء‬
‫اء ْت‬
‫غ‪..‬ير س‪..‬بب الحكم‪ ،‬إنم‪..‬ا ه‪..‬و ش‪..‬يء يتعل‪..‬ق بالجمل‪..‬ة األولى كقول‪..‬ه تع‪..‬الى‪َ  :‬ولَقَ ْد َج َ‬
‫اء ِب ِع ْج ٍل َح ِنيـ ٍـذ‪ ‬كأن‪..‬ه‬ ‫ساَل ٌم فَ َما لَ ِب َث أ ْ‬
‫َن َج َ‬ ‫ال َ‬
‫ساَل ًما قَ َ‬ ‫يم ِبا ْل ُب ْ‬
‫ش َرى قَالُوا َ‬
‫ِ ِ‬
‫سلُ َنا إ ْب َراه َ‬
‫ُر ُ‬
‫قيل‪ :‬فماذا قال إبراهيم ‪‬؟ فقيل‪ :‬قال سالم‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ص ‪.. . .‬دقوا ولكن غم ‪.. . .‬رتي ال تنجلي‬ ‫زعم الع‪..‬واذل أن‪..‬ني في غم‪..‬رة‬

‫فقول‪.. . .‬ه‪ :‬زعم الع‪.. . .‬واذل أن‪.. . .‬ني في غم‪.. . .‬رة ‪ ،‬يث‪.. . .‬ير في النفس س‪.. . .‬ؤاال‪ :‬إذا ك‪.. . .‬ان‬
‫الع‪..‬واذل ق‪..‬د زعم‪..‬وا أن‪..‬ك في غم‪..‬رة‪ ،‬فم‪..‬ا قول‪..‬ك؟ فأج‪..‬اب‪ :‬ص‪..‬دقوا‪ ،‬وزاد تأكي‪..‬دا بقول‪..‬ه‪:‬‬
‫ولكن غمرتي ال تنجلي‪.‬‬
‫واالس‪..‬تئناف البي‪..‬اني يختل‪..‬ف عن االس‪..‬تئناف النح‪..‬وي‪ ،‬أم‪..‬ا االس‪..‬تئناف النح‪..‬وي‪،‬‬
‫فه ‪.. .‬و ك ‪.. .‬ل كالم منقط ‪.. .‬ع عن غ ‪.. .‬يره‪ ،‬وإ ن ش ‪.. .‬ئت قلت‪ :‬م ‪.. .‬ا ك ‪.. .‬ان مبت ‪.. .‬دأ ب ‪.. .‬ه‪ ،‬فالجمل ‪.. .‬ة‬
‫االس‪..‬تئنافية عن‪..‬د النح‪..‬ويين قريب‪..‬ة من الجمل‪..‬ة االبتدائي‪..‬ة‪ ،‬وت‪..‬أتي مقترن‪..‬ة ب‪..‬الواو وغ‪..‬ير‬
‫مقترنة بها‪.‬‬
‫وأما االستئناف البياني‪ ،‬فهو ما كانت الجملة فيه جواباً عن سؤال مفه‪..‬وم من‬
‫الجملة األولى‪.‬‬
‫وسمي األول نحوياً؛ ألن بحثه في علم النح‪..‬و‪ ،‬وس‪..‬مي الث‪..‬اني بياني‪.‬اً؛ ألن‪..‬ه ه‪..‬و‬
‫الذي يعنى به علماء البالغة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫رابعا‪ :‬شبه كمال االنقطاع‪:‬‬
‫وضابطه‪ :‬أن تكون هناك جملة مسبوقة بجملتين‪ ،‬يج‪..‬وز عطفه‪..‬ا علي األولي‬
‫منهما‪ ،‬وال يجوز عطفها علي الثانية‪ ،‬فنترك العطف لئال يتوهم عطفها علي الجمل‪..‬ة‬
‫القريبة منها ‪ ،‬ومن هذا قول الشاعر‪:‬‬
‫تهيم‬
‫ب‪.‬دالً أراه‪.‬ا في الض‪.‬الل ُ‬ ‫وتظن س‪.. .‬لمى أن‪.. .‬ني أبغي به‪.. .‬ا‬

‫ففي ال‪.‬بيت ثالث جم‪..‬ل‪ :‬األولي‪ :‬وتظن س‪..‬لمى‪ ،‬والثاني‪.‬ة‪ :‬أن‪.‬ني أبغي به‪.‬ا ب‪.‬دال‪،‬‬
‫تهيم‪ ،‬وليس هن ‪..‬اك م ‪..‬انع من عط ‪..‬ف الثالث ‪..‬ة‪ :‬أراه ‪..‬ا في‬ ‫والثالث ‪..‬ة‪ :‬أراه ‪..‬ا في الض ‪..‬الل ُ‬
‫تهيم‪ ،‬علي األولي‪ :‬وتظن س ‪.. .‬لمى‪ ،‬فيص ‪.. .‬بح المع ‪.. .‬ني‪ :‬تظن س ‪.. .‬لمي وأراه ‪.. .‬ا‬
‫الض ‪.. .‬الل ُ‬
‫هائم‪..‬ة في الض‪..‬الل‪ ،‬وال يج‪..‬وز عط‪..‬ف الثالث‪..‬ة علي الثاني‪..‬ة؛ إذ ي‪..‬ؤول المع‪..‬ني علي أن‬
‫سلمي تظن به أمرين اثنين‪ :‬أن‪.‬ه يبغي به‪.‬ا ب‪.‬دال‪ ،‬وأن‪.‬ه يراه‪.‬ا في الض‪.‬الل تهيم‪ ،‬وه‪.‬ذا‬
‫غير مراد‪ ،‬ومن هذا الضرب الشاعر‪:‬‬
‫أع ‪..‬وذ ب ‪..‬ربي أن يض ‪..‬ام نظ ‪..‬يري‬ ‫يقول ‪..‬ون إني أحم ‪..‬ل الض ‪..‬يم عن ‪..‬دهم‬

‫حيث فص‪..‬ل الش‪..‬اعر‪ :‬أع‪..‬وذ ب‪..‬ربي‪ ،‬عن جمل‪..‬ة‪ :‬يقول‪..‬ون‪ ،‬لش‪..‬به كم‪..‬ال االنقط‪..‬اع‬
‫ودفع ‪..‬ا ل ‪..‬وهم عطفه ‪..‬ا على جمل ‪..‬ة‪ :‬إني أحم ‪..‬ل‪ ،‬للق ‪..‬رب بينهم ‪..‬ا‪ ،‬وه ‪..‬ذا غ ‪..‬ير م ‪..‬راد ألن‬
‫جملة‪ :‬أعوذ‪ ،‬هي رد الشاعر على قولهم‪ ،‬وليست من قولهم‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫خامسا‪ :‬التوسط بين الكمالين‪:‬‬
‫من م‪.. .‬واطن الفص‪.. .‬ل‪ :‬التوس‪.. .‬ط بين الكم‪.. .‬الين‪ :‬وض‪.. .‬ابطه أن تك‪.. .‬ون الجملت‪.. .‬ان‬
‫متوسطتين بين كمال االتص‪.‬ال‪ ،‬وكم‪.‬ال االنقط‪.‬اع م‪..‬ع قي‪.‬ام الم‪.‬انع من الوص‪..‬ول‪ ،‬ك‪..‬أن‬
‫يكون لألولي حكم يقصد إعطـاؤه للثاني‪..‬ة‪ ،‬بمع‪..‬ني‪ :‬أال نقص‪..‬د تش‪..‬ريك الجمل‪..‬ة األخ‪..‬يرة‬
‫م ‪..‬ع م ‪..‬ا قبله ‪..‬ا‪ ،‬ألن التش ‪..‬ريك يغ ‪..‬ير المع ‪..‬ني‪ ،‬كقـوله تع ‪..‬الى في ش ‪..‬أن المن ‪..‬افقين‪َ  :‬وإِ َذا‬
‫َخلَوا إِلَى َ ِ ِ‬
‫ون اللَّ ُه َي ْ‬
‫سـتَ ْه ِزئُـ ِب ِهم‪ ‬فق‪..‬د‬ ‫شـ َياطين ِه ْم قَـالُوا إِ َّنا َم َع ُك ْم إِ َّن َمـا َن ْح ُن ُم ْ‬
‫سـتَ ْه ِز ُئ َ‬ ‫ْ‬
‫ستَ ْه ِزئُـ ِب ِهم‪ ‬عما قبله‪..‬ا جمل‪..‬ة‪ :‬قَالُوا‪ ‬لئال يل‪..‬زم من ذل‪..‬ك أن‬ ‫فصل جملة‪ :‬اللَّ ُه َي ْ‬
‫تكون من مقول المنافقين‪ ،‬مع أنها من مقول اهلل تعالى‪ ،‬يقول العالم‪..‬ة ج‪.‬ار اهلل‪ :‬ف‪.‬إن‬
‫ستَ ْه ِزئُـ ِب ِهم‪ ‬ولم يعطف علي الكالم قبل‪..‬ه؟ قلت‪ :‬ه‪..‬و‬ ‫قلت‪ :‬كيف ابتدأ قوله‪ :‬اللَّ ُه َي ْ‬
‫اس‪.. .‬تئناف في غاي‪.. .‬ة الجزال‪.. .‬ة والفخام‪.. .‬ة‪ ،‬وفي‪.. .‬ه أن اهلل تع‪.. .‬الي ه‪.. .‬و ال‪.. .‬ذي يس‪.. .‬تهزأ بهم‬
‫االستهزاء األبلغ ال‪..‬ذي ليس اس‪..‬تهزاؤهم إلي‪..‬ه باس‪.‬تهزاء‪ ،‬وال يؤب‪.‬ه ل‪..‬ه في مقابلت‪..‬ه؛ لم‪.‬ا‬
‫ي‪...‬نزل بهم من اله‪...‬وان وال‪...‬ذل‪ ،‬وفي‪...‬ه أن اهلل تع‪...‬الي ه ‪..‬و ال ‪..‬ذي يت ‪..‬ولي االس ‪..‬تهزاء بهم‬
‫انتقاما للمؤمنين‪ ،‬وال يحوج المؤمنين أن يعارضوهم باستهزاء مثله‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫أحوال الوصل‬
‫ذك‪.. .‬ر الخطيب أن‪.. .‬ه إن لم يكن بين الجمل‪.. .‬تين ش‪.. .‬يء من أح‪.. .‬وال الفص‪.. .‬ل تعين‬
‫الوص‪...‬ل‪ ،‬إم‪...‬ا ل‪.. .‬دفع إيه‪.. .‬ام خالف المقص‪...‬ود‪ ،‬كق‪...‬ول البلغ‪.. .‬اء "ال‪ ،‬وأي‪.. .‬دك اهلل" ‪ ،‬وه‪.. .‬ذا‬
‫عكس الفص ‪..‬ل للقط ‪..‬ع‪ ،‬وإ م ‪..‬ا للتوس ‪..‬ط بين ح ‪..‬التي كم ‪..‬ال االنقط ‪..‬اع وكم ‪..‬ال االتص ‪..‬ال‪،‬‬
‫فالوصل يقع في موضعين ‪:‬‬
‫األول‪ :‬اتفاق الجملتين خبرا وإنشاء‬
‫أو م‪AA‬ا يطل‪AA‬ق علي‪AA‬ه البعض‪ :‬التوس‪AA‬ط بين الكم‪AA‬الين (كمـــال االنقطـــاع وكم ــال‬
‫االتصال)‪:‬‬
‫وض ــابطه‪ :‬أن تتف ــق الجملت ــان في الخبري ــة أو اإلنش ــائية‪،‬ـ وتك ــون بينهم ــا‬
‫مناسبة ورابطة قويــة تجمــع بينهمــا وتصــححـ العطــف مــع عــدم المــانع من العطف‪،‬‬
‫والم ‪..‬راد بالمناس ‪..‬بة والراب ‪..‬ط الج ‪..‬امع ال ‪..‬ذي يجم ‪..‬ع بين الجمل ‪..‬تين‪ ،‬ومث ‪..‬ال المتفقين في‬
‫َّار َل ِفي َج ِح ٍيم‪،‬‬ ‫ِ ٍِ‬ ‫ِ‬
‫الخبرية لفظاً ومعنى‪ ،‬قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪ :‬إ َّن األ َْب َر َار َلفي َنعيم َوإِ َّن ا ْلفُج َ‬
‫فقد عطف بين الجملتين للتوسط بين الكمالين‪ ،‬فالجزاء عنوان ج‪..‬امع دون اتح‪..‬اد‪ ،‬أو‬
‫ـه‬
‫ون َولَـ ُ‬ ‫صـ ِب ُح َ‬
‫ين تُ ْ‬ ‫ون َو ِح َ‬ ‫سـ َ‬ ‫ين تُ ْم ُ‬‫ان اللَّ ِه ِح َ‬ ‫سـ ْب َح َ‬
‫ش‪..‬به اتح‪..‬اد‪ ،‬ومن‪..‬ه قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪  :‬فَ ُ‬
‫ون ُي ْخـ ـ ِر ُج ا ْل َح َّي ِم َن ا ْل َم ِّي ِت‬
‫ين تُ ْظ ِهـ ـ ُـر َ‬‫ض َو َع ِش ـ ـيًّا َو ِح َ‬‫ات َواأْل َْر ِ‬ ‫الس ـ ـماو ِ‬
‫ـد في َّ َ َ‬
‫ا ْلحمـ ـ ُ ِ‬
‫َْ‬
‫ـون‪ ‬فليس بين‬ ‫ض َب ْعـ َـد َم ْو ِت َهــا َو َكـ َذِل َك تُ ْخ َر ُجـ َ‬ ‫َو ُي ْخـ ِر ُج ا ْل َم ِّي َت ِم َن ا ْل َح ِّي َو ُي ْح ِيي اأْل َْر َ‬
‫الجمل المعطوفة في النص الكريم كم‪..‬ال اتص‪..‬ال‪ ،‬وال ش‪..‬بهه‪ ،‬وال كم‪..‬ال انقط‪..‬اع‪ ،‬وال‬
‫ش ‪..‬بهه‪ ،‬م ‪..‬ع وج ‪..‬ود ج ‪..‬امع ُيح ّس ‪.‬ن العط ‪..‬ف ب ‪..‬الواو‪ ،‬فالتس ‪..‬بيح مغ ‪..‬اير للحم ‪..‬د‪ ،‬وم ‪..‬ع ه ‪..‬ذا‬
‫التغ‪..‬اير ف‪..‬إن بينهم‪..‬ا تالؤم‪..‬ا فكري‪..‬ا؛ إذ إنهم ي‪..‬دورون ح‪..‬ول ص‪..‬فات اهلل تع‪..‬الي‪ ،‬وك‪..‬ذلك‬
‫ون إِلَى اإْلِ ِبـ ِـل َك ْيـ َ‬
‫ـف‬ ‫عط ‪..‬ف ب ‪..‬اقي الجم ‪..‬ل علي األولي‪ ،‬ومن ‪..‬ه قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪:‬أَفَاَل َي ْنظُـ ُـر َ‬
‫ـف‬ ‫ص ـ ـ َب ْت َوإِلَى اأْل َْر ِ‬
‫ض َك ْيـ ـ َ‬ ‫ـف ُن ِ‬ ‫ـف ر ِف َع ْت َوإِلَى ا ْل ِج َبـ ـ ِ‬
‫ـال َك ْيـ ـ َ‬ ‫ُخِلقَ ْت وإِلَى ال َّ ِ‬
‫س ـ ـ َماء َك ْيـ ـ َ ُ‬ ‫َ‬
‫س ـ ِط َح ْت‪ ‬يق ‪..‬ول العالم ‪..‬ة ج ‪..‬ار اهلل‪ :‬ف ‪..‬إن قلت‪ :‬كي ‪..‬ف حس ‪..‬ن ذك ‪..‬ر اإلب ‪..‬ل م ‪..‬ع الس ‪..‬ماء‬ ‫ُ‬
‫والجبال واألرض‪ ،‬وال مناسبة؟ قلت‪ :‬قد انتظم هذه األشياء نظر العرب في أوديتهم‬
‫وب ‪..‬واديهم‪ ،‬فانتظمه ‪..‬ا ال ‪..‬ذكر الحكيم علي حس ‪..‬ب م ‪..‬ا انتظمه ‪..‬ا نظ ‪..‬رهم‪ ،‬وينب ‪..‬ه العالم ‪..‬ة‬
‫ج ‪.. .‬ار اهلل في كش ‪.. .‬افه إلي المناس ‪.. .‬بة الخافي ‪.. .‬ة بين ط ‪.. .‬رفي الجمل ‪.. .‬تين في قول ‪.. .‬ه تع ‪.. .‬الي‪:‬‬
‫ضـــ َع‬
‫اء َرفَ َع َهـــا َو َو َ‬
‫الســـ َم َ‬ ‫ســـ ُج َد ِ‬
‫ان َو َّ‬ ‫الش ـ ـ َج ُر َي ْ‬ ‫ان َو َّ‬
‫الن ْج ُم َو َّ‬ ‫ـــر ِب ُح ْ‬
‫ســـ َب ٍ‬ ‫‪َّ ‬‬
‫س َوا ْلقَ َم ُ‬
‫الشـــ ْم ُ‬

‫‪20‬‬
‫ان‪ ‬يق‪.. .‬ول‪ :‬ف‪.. .‬إن قلت‪ :‬أي تناس‪.. .‬ب بين ه‪.. .‬اتين الجمل‪.. .‬تين ح‪.. .‬تي وس‪.. .‬ط بينهم‪.. .‬ا‬ ‫ا ْل ِمـ َ‬
‫ـيز َ‬
‫العاطف؟ قلت‪ :‬إن الشمس والقمر سماويان‪ ،‬والنجم والشجر أرضيان‪ ،‬فبين الق‪..‬بيلين‬
‫تناس‪.. .‬ب من حيث التقاب‪.. .‬ل‪ ،‬وأن الس‪.. .‬ماء واألرض ال ت‪.. .‬زاالن ت‪.. .‬ذكران قرين‪.. .‬تين‪ ،‬وإ ن‬
‫ج‪.. .‬ري الش‪.. .‬مس والقم‪.. .‬ر بحس‪.. .‬بان من جنس االنقي‪.. .‬اد ألم‪.. .‬ر اهلل تع‪.. .‬الي‪ ،‬فه‪.. .‬و مناس‪.. .‬ب‬
‫لس ‪.. .‬جود النجم والش ‪.. .‬جر‪ ،‬ومن ‪.. .‬ه م ‪.. .‬ا ج ‪.. .‬اء في ص ‪.. .‬حيح مس ‪.. .‬لم من ح ‪.. .‬ديث أَبِي َم ِال ‪.ٍ . .‬ك‬
‫ـد ِللَّ ِه تَ ْمأَل ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ـان َوا ْل َح ْمـ ُ‬ ‫شــ ْط ُر اإْلِ َ‬
‫يمـ ِ‬ ‫ـور َ‬ ‫ي ‪ ‬قَ‪.. .‬ا َل‪ :‬قَ‪.. .‬ا َل َر ُس ‪. .‬و ُل الله ‪ :‬الط ُهـ ُ‬ ‫اأْل َ ْش ‪َ . .‬ع ِر ِّ‬
‫ض‬‫ات َواأْل َْر ِ‬ ‫سـ ـ ـماو ِ‬ ‫ـد ِللَّ ِه تَ ْمآَل ِ‬
‫ان اللَّ ِه َوا ْل َح ْمـ ـ ُ‬ ‫ا ْل ِمـ ـ َ‬
‫َن أ َْو تَ ْمأَل ُ َمـ ــا َب ْي َن ال َّ َ َ‬ ‫سـ ـ ـ ْب َح َ‬
‫ان َو ُ‬‫ـيز َ‬
‫آن ُح َّج ٌة لَــ َك أ َْو َعلَ ْيــ َك ُك ُّ‬
‫ــل‬ ‫اء َوا ْلقُ ْــر ُ‬ ‫ِ‬
‫الصــ ْب ُر ضــ َي ٌ‬
‫ــان َو َّ‬‫الصــ َدقَ ُة ُب ْر َه ٌ‬‫ــور َو َّ‬ ‫الصــاَل ةُ ُن ٌ‬‫َو َّ‬
‫س ُه فَ ُم ْع ِتقُ َها أ َْو ُمو ِبقُ َها‪.‬‬
‫اس َي ْغ ُدو فَ َبا ِيعٌ َن ْف َ‬
‫الن ِ‬ ‫َّ‬
‫َد َم ُخـ ُذوا‬ ‫ومث‪..‬ال المتفق‪..‬تين في اإلنش‪..‬ائية لفظ ‪.‬اً ومع‪..‬نى قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪َ  :‬يــا َب ِني آ َ‬
‫ين ‪‬‬ ‫ســـ ِر ِف َ‬ ‫ســـ ِرفُوا إِ َّن ُه اَل ُي ِح ُّ‬
‫ب ا ْل ُم ْ‬ ‫ســـ ِج ٍد َو ُكلُـــوا َوا ْ‬
‫شـــ َر ُبوا َواَل تُ ْ‬ ‫ـــد ُك ِّ‬
‫ـــل َم ْ‬ ‫ِزي َنتَ ُك ْم ِع ْن َ‬
‫سـ ِرفُوا ‪‬معطوف‪..‬ة علي‪ُ  :‬خـ ُذوا ِزي َنتَ ُك ْم ‪‬لم‪..‬ا بينهم‪..‬ا‬ ‫ش َر ُبوا َواَل تُ ْ‬ ‫فجم‪..‬ل‪َ  :‬و ُكلُوا َوا ْ‬
‫من التغاير مع التالؤم الفكري‪.‬‬
‫ون ِفي‬ ‫ومث‪..‬ال م‪..‬ا اجتم‪..‬ع في‪..‬ه الخ‪..‬بر واإلنش‪..‬اء قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬ومــا لَ ُكم اَل تُقَ ِ‬
‫ـاتلُ َ‬ ‫ََ ْ‬
‫َخ ِر ْج َنـا‬
‫ون َر َّب َنا أ ْ‬ ‫ان الَِّذ َ‬
‫ين َيقُولُ َ‬ ‫النس ِ‬
‫اء َوا ْل ِو ْل َد ِ‬ ‫ال َو ِّ َ‬ ‫ين ِم َن ِّ‬
‫الر َج ِ‬ ‫ض َع ِف َ‬ ‫ستَ ْ‬ ‫س ِب ِ ِ‬
‫يل اللَّه َوا ْل ُم ْ‬ ‫َ‬
‫يرا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اج َعــل لَ َنـا ِم ْن لَـ ُـد ْن َك َو ِليًّا َو ْ‬ ‫ِم ْن َه ِذ ِه ا ْلقَ ْر َي ِة الظَّ ِالِم أ ْ‬
‫اج َعــل لَ َنـا م ْن لَـ ُـد ْن َك َنصـ ً‬ ‫َهلُ َها َو ْ‬
‫يل الطَّا ُغ ِ‬ ‫ـاتلُ َ ِ‬‫ين َكفَ ــروا يقَ ـ ِ‬ ‫ون ِفي سـ ـ ِب ِـ ِ ِ‬ ‫ين آَم ُنـــوا يقَ ـ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وت‬ ‫سـ ـ ِب ِ‬
‫ون في َ‬ ‫يل اللَّه َوالَّذ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ـاتلُ َ‬ ‫ُ‬ ‫الذ َ َ‬
‫َخ ِر ْج َنا‪،‬‬ ‫ضـــ ِعيفًا‪ ‬فجمل ‪.. .‬ة‪ :‬أ ْ‬ ‫ـــان َ‬ ‫ان َك َ‬ ‫طِ‬ ‫الشـــ ْي َ‬ ‫ان إِ َّن َك ْي َ‬
‫ـــد َّ‬ ‫طِ‬ ‫الشـــ ْي َ‬ ‫ِ‬
‫فَقَـــاتلُوا أ َْو ِل َي َ‬
‫ـــاء َّ‬
‫ين َكفَُروا‬ ‫َم ُنوا‪ ، ‬وجمل ‪..‬ة‪َ  :‬والَّ ِذ َ‬ ‫ين آ َ‬ ‫اج َعل لَ َنا‪ ‬إنشائيتان‪ ،‬وجملة‪ :‬الَّ ِذ َ‬ ‫وجملة‪َ  :‬و ْ‬
‫‪ ‬خبريتان‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫كمال االنقطاع مع اإليهام ‪:‬‬
‫وضابطه‪ :‬أن يكون بين الجمل‪..‬تين انقط‪..‬اع ت‪.‬ام فتُوص‪.‬الن دفعـاً للفهم الخ‪..‬اطئ‪،‬‬
‫مر برجل في يده ثوب فقال ل‪..‬ه‪" :‬أت‪..‬بيع ه‪..‬ذا‬
‫ومثاله‪ :‬ما روى أنا أبا بكر الصديق ‪ّ ‬‬
‫الث‪.‬وب؟ ف‪.‬رد الرج‪..‬ل‪ :‬ال يرحم‪..‬ك اهلل‪ ،‬فق‪.‬ال الص‪..‬ديق‪ :‬ال تق‪..‬ل ه‪..‬ذا‪ ،‬وق‪.‬ل‪ :‬ال ويرحم‪.‬ك‬
‫اهلل‪ ،‬فقولن‪.. . .‬ا‪ :‬ال ‪ ،‬وأي‪.. . .‬دك اهلل ‪ ،‬وص‪.. . .‬ل واجب كي ال ُيفهم ال‪.. . .‬دعاء بالس‪.. . .‬وء‪ ،‬إذ من‬
‫المعروف أن (ال) إذا دخلت على الماضي أعطت معنى الدعاء‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫نص االمام عبد القاهر الجرجاني‪:‬‬
‫يقول اإلمام عبد القاهر‪:‬‬
‫اعلم أن العلم بم‪..‬ا ينبغي أن يص‪..‬نع في الجم‪..‬ل من عط‪..‬ف بعض‪..‬ها على بعض‬
‫أو ت ‪..‬رك العط ‪..‬ف فيه ‪..‬ا والمجيء به ‪..‬ا منث ‪..‬ورة تس ‪..‬تأنف واح ‪..‬دة منه ‪..‬ا بع ‪..‬د أخ ‪..‬رى من‬
‫أسرار البالغة ومما ال يتأتى لتمام الصواب فيه إال األعراب الخلص والق‪..‬وم طبع‪..‬وا‬
‫على البالغ‪..‬ة وأوت‪..‬وا فن‪..‬ا من المعرف‪..‬ة في ذوق الكالم هم به‪..‬ا أف‪..‬راد وق‪..‬د بل‪..‬غ من ق‪..‬وة‬
‫األمر في ذلك أنهم جعلوه حدا للبالغة فقد جاء عن بعضهم أنه سئل عنها فقال‪:‬‬
‫معرفة الفصل من الوصل ذاك لغموض‪.‬ه ودق‪..‬ة مس‪..‬لكه وأن‪.‬ه ال يكم‪..‬ل إلح‪.‬راز‬
‫الفضيلة فيه أحد إال كمل لسائر معاني البالغة‪.‬‬
‫واعلم أن س‪..‬بيلنا أن ننظ‪..‬ر إلى فائ‪..‬دة العط‪..‬ف في المف‪..‬رد‪ ،‬ثم نع‪..‬ود إلى الجمل‪..‬ة‬
‫فننظر فيها ونتعرف حالها‪.‬‬
‫ومعل‪...‬وم أن فائ ــدة العطــف في المفــرد أن يش ‪..‬رك الث ‪..‬اني في إع ‪..‬راب األول‪،‬‬
‫وأن‪..‬ه إذا أش‪..‬ركه في إعراب‪..‬ه فق‪..‬د أش‪..‬ركه في حكم ذل‪..‬ك اإلع‪..‬راب نح‪..‬و‪ :‬أن المعط‪..‬وف‬
‫على المرفوع بأنه فاعل مثله‪ ،‬والمعطوف على المنصوب بأنه مفعول ب‪.‬ه أو في‪.‬ه أو‬
‫له شريك له في ذلك‪.‬‬
‫وإ ذا ك ‪..‬ان ه ‪..‬ذا أص ‪..‬له في المف ‪..‬رد ف ‪..‬إن الجم ‪..‬ل المعط ‪..‬وف بعض ‪..‬ها على بعض‬
‫على ضربين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يك‪..‬ون للمعط‪..‬وف عليه‪..‬ا موض‪..‬ع من اإلع‪..‬راب‪ ،‬وإ ذا ك‪..‬انت ك‪..‬ذلك‬
‫كان حكمها حكم المفرد؛ إذ ال يكون للجملة موضع من اإلع‪..‬راب ح‪.‬تى تك‪.‬ون واقع‪.‬ة‬
‫موقع المفرد‪ ،‬وإ ذا كانت الجملة األولى واقعة موقع المفرد كان عط‪.‬ف الثاني‪.‬ة عليه‪.‬ا‬
‫جاريا مجرى عطف المفرد وكان وجه الحاج‪..‬ة إلى ال‪..‬واو ظ‪..‬اهرا واإلش‪..‬راك به‪..‬ا في‬
‫الحكم موجودا‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬مررت برجل خلق‪..‬ه حس‪..‬ن‪ ،‬وخلق‪.‬ه ق‪.‬بيح‪ ،‬كنت ق‪..‬د أش‪.‬ركت‬
‫الجمل‪.. .‬ة الثاني‪.. .‬ة في حكم األولى‪ ،‬وذل‪.. .‬ك الحكم‪ :‬كونه‪.. .‬ا في موض‪.. .‬ع ج‪.. .‬ر بأنه‪.. .‬ا ص‪.. .‬فة‬
‫للنكرة‪ ،‬ونظائر ذلك تكثر واألمر فيها يسهل‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫والذي يش‪..‬كل أم‪..‬ره ه‪..‬و الضرب الثاني وذل‪..‬ك أن تعط‪..‬ف على الجمل‪..‬ة العاري‪..‬ة‬
‫الموضع من اإلع‪.‬راب جمل‪.‬ة أخ‪.‬رى‪ ،‬كقول‪.‬ك‪ :‬زي‪.‬د ق‪.‬ائم‪ ،‬وعم‪.‬رو قاع‪.‬د‪ ،‬والعلم حس‪.‬ن‬
‫والجه ‪..‬ل ق ‪..‬بيح‪ ،‬ال س ‪..‬بيل لن ‪..‬ا إلى أن ن ‪..‬دعي أن ال ‪..‬واو أش ‪..‬ركت الثاني ‪..‬ة في إع ‪..‬راب ق ‪..‬د‬
‫وجب لألولى بوج‪..‬ه من الوج‪..‬وه‪ ،‬وإ ذا ك‪..‬ان ك‪..‬ذلك فينبغي أن تعلم المطل‪..‬وب من ه‪..‬ذا‬
‫العط ‪..‬ف والمغ ‪..‬زى من ‪..‬ه‪ ،‬ولم لم يس ‪..‬تو الح ‪..‬ال بين أن تعط ‪..‬ف وبين أن ت ‪..‬دع العط ‪..‬ف‪،‬‬
‫فتقول‪:‬‬
‫زي ‪..‬د ق ‪..‬ائم عم ‪..‬رو قاع ‪..‬د‪ ،‬بع ‪..‬د أن ال يك ‪..‬ون هن ‪..‬ا أم ‪..‬ر معق ‪..‬ول ي ‪..‬ؤتى بالع ‪..‬اطف‬
‫ليشرك بين األولى والثانية فيه‪.‬‬
‫واعلم أن‪..‬ه إنم‪..‬ا يع‪..‬رض اإلشكال في الواو دون غيره‪..‬ا من ح‪..‬روف العط‪..‬ف؛‬
‫وذاك ألن تل ‪..‬ك تفي ‪..‬د م ‪..‬ع اإلش ‪..‬راك مع ‪..‬اني مث ‪..‬ل‪ :‬أن الف ‪..‬اء ت ‪..‬وجب ال ‪..‬ترتيب من غ ‪..‬ير‬
‫تراخ‪ ،‬وثم توجبه م‪..‬ع ت‪..‬راخ‪ ،‬وأو ت‪..‬ردد الفع‪..‬ل بين ش‪..‬يئين وتجعل‪..‬ه ألح‪..‬دهما ال بعين‪..‬ه‪،‬‬
‫ف‪.. .‬إذا عطفت بواح‪.. .‬د منه‪.. .‬ا الجمل‪.. .‬ة على الجمل‪.. .‬ة ظه‪.. .‬رت الفائ‪.. .‬دة ف‪.. .‬إذا قلت‪ :‬أعط‪.. .‬اني‬
‫فشكرته‪ ،‬ظهر بالفاء أن الشكر كان معقبا على العطاء ومسببا عنه‪ ،‬وإ ذا قلت‪:‬‬
‫خرجت ثم خرج زيد‪ ،‬أف‪..‬ادت (ثم) أن خروج‪..‬ه ك‪..‬ان بع‪..‬د خروج‪..‬ك وأن مهل‪..‬ة‬
‫وقعت بينهما‪ ،‬وإ ذا قلت‪ :‬يعطيك أو يكسوك دلت (أو) على أنه يفعل واحدا منهما ال‬
‫بعينه‪.‬‬
‫وليس للــواو معــنى ســوى اإلشــراك في الحكم الــذي يقتضــيهـ اإلعــراب الــذي‬
‫أتبعت فيه الثاني األول‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬جاءني زيد وعمرو‪ ،‬لم تفد بالواو ش‪..‬يئا أك‪..‬ثر من‬
‫إشراك عم‪.‬رو في المجيء ال‪.‬ذي أثبت‪.‬ه لزي‪.‬د والجم‪.‬ع بين‪.‬ه وبين‪.‬ه‪ ،‬وال يتص‪.‬ور إش‪.‬راك‬
‫بين شيئين حتى يك‪.‬ون هن‪..‬اك مع‪.‬نى يق‪..‬ع ذل‪.‬ك اإلش‪..‬راك في‪..‬ه‪ ،‬وإ ذا ك‪.‬ان ذل‪.‬ك ك‪..‬ذلك ولم‬
‫يكن معن ‪..‬ا في قولن ‪..‬ا‪ :‬زي ‪..‬د ق ‪..‬ائم وعم ‪..‬رو قاع ‪..‬د‪ ،‬مع ‪..‬نى ت ‪..‬زعم أن ال ‪..‬واو أش ‪..‬ركت بين‬
‫هاتين الجملتين فيه ثبت إشكال المسألة‪.‬‬
‫ثم إن الذي يوجبه النظر والتأمل أن يقال في ذل‪.‬ك‪ :‬إن‪..‬ا وإ ن كن‪.‬ا إذا قلن‪.‬ا‪ :‬زي‪..‬د‬
‫ق ‪..‬ائم وعم ‪..‬رو قاع ‪..‬د‪ ،‬فإن ‪..‬ا ال ن ‪..‬رى هاهن ‪..‬ا حكم ‪..‬ا ن ‪..‬زعم أن ال ‪..‬واو ج ‪..‬اءت للجم ‪..‬ع بين‬
‫الجمل ‪..‬تين في ‪..‬ه‪ ،‬فإن ‪..‬ا ن ‪..‬رى أم ‪..‬را آخ ‪..‬ر نحص ‪..‬ل مع ‪..‬ه على مع ‪..‬نى الجم ‪..‬ع‪ ،‬وذل ‪..‬ك أن ‪..‬ا ال‬

‫‪24‬‬
‫نق ‪..‬ول‪ :‬زي ‪..‬د ق ‪..‬ائم وعم ‪..‬رو قاع ‪..‬د‪ ،‬ح ‪..‬تى يك ‪..‬ون عم ‪..‬رو بس ‪..‬بب من زي ‪..‬د‪ ،‬وح ‪..‬تى يكون ‪..‬ا‬
‫ك‪..‬النظيرين والش‪..‬ريكين‪ ،‬وبحيث إذا ع‪..‬رف الس‪..‬امع ح‪..‬ال األول عن‪..‬اه أن يع‪..‬رف ح‪..‬ال‬
‫الث‪..‬اني‪ ،‬ي‪..‬دلك على ذل‪..‬ك أن‪..‬ك إن جئت فعطفت على األول ش‪..‬يئا ليس من‪..‬ه بس‪..‬بب‪ ،‬وال‬
‫ه‪..‬و مم‪..‬ا ي‪..‬ذكر ب‪..‬ذكره ويتص‪..‬ل حديث‪..‬ه بحديث‪..‬ه لم يس‪..‬تقم‪ ،‬فل‪..‬و قلت‪ :‬خ‪..‬رجت الي‪..‬وم من‬
‫داري‪ ،‬ثم قلت‪ :‬وأحس ‪..‬ن ال ‪..‬ذي يق ‪..‬ول بيت ك ‪..‬ذا‪ ،‬قلت‪ :‬م ‪..‬ا يض ‪..‬حك من ‪..‬ه‪ ،‬ومن هاهن ‪..‬ا‬
‫عابوا أبا تمام في قوله‪:‬‬
‫ص‪.. . . . .‬بر وأن أب‪.. . . . .‬ا الحس‪.. . . . .‬ين ك‪.. . . . .‬ريم‬ ‫ال وال‪.. . . . .‬ذي ه‪.. . . . .‬و ع‪.. . . . .‬الم أن الن‪.. . . . .‬وى‬

‫وذل ‪.. .‬ك ألن ‪.. .‬ه ال مناس ‪.. .‬بة بين ك ‪.. .‬رم أبي الحس ‪.. .‬ين وم ‪.. .‬رارة الن ‪.. .‬وى‪ ،‬وال تعل ‪.. .‬ق‬
‫ألحدهما باآلخر وليس يقتضي الحديث بهذا الحديث بذاك‪.‬‬
‫***‬
‫واعلم أن‪..‬ه كم‪..‬ا ك‪..‬ان في األس‪..‬ماء م‪..‬ا يص‪..‬له معن‪..‬اه باالس‪..‬م قبل‪..‬ه فيس‪..‬تغني بص‪..‬لة‬
‫معناه له عن واصل يصله ورابط يربطه‪ ،‬وذلك كالصفة التي ال تحتاج في اتصالها‬
‫بالموصوف إلى شيء يصلها به‪ ،‬وكالتأكيد الذي يفتقر كذلك إلى ما يصله بالمؤك‪..‬د‪،‬‬
‫كذلك يكون في الجم‪.‬ل م‪..‬ا تتص‪..‬ل من ذات نفس‪..‬ها ب‪..‬التي قبله‪.‬ا وتس‪..‬تغني برب‪.‬ط معناه‪.‬ا‬
‫له‪..‬ا عن ح‪..‬رف عط‪..‬ف يربطه‪..‬ا‪ ،‬وهي ك‪..‬ل جمل‪..‬ة ك‪..‬انت مؤك‪..‬دة لل‪..‬تي قبله‪..‬ا ومبين‪..‬ة له‪..‬ا‬
‫وك‪.. .‬انت إذا حص‪.. .‬لت لم تكن ش‪.. .‬يئا س‪.. .‬واها‪ ،‬كم‪.. .‬ا ال تك‪.. .‬ون الص‪.. .‬فة غ‪.. .‬ير الموص‪.. .‬وف‪.‬‬
‫والتأكيد غ‪..‬ير المؤك‪.‬د‪ ،‬ف‪.‬إذا قلت‪ :‬ج‪.‬اءني زي‪.‬د الظري‪..‬ف‪ ،‬وج‪.‬اءني الق‪..‬وم كلهم‪ ،‬لم يكن‬
‫الظريف وكلهم غير زيد وغير القوم‪.‬‬
‫ـاب اَل َر ْي َب ِفيـ ِـه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومث ‪..‬ال م ‪..‬ا ه ‪..‬و من الجم ‪..‬ل ك ‪..‬ذلك قول ‪..‬ه تع ‪..‬الى‪( :‬الم َذل ـ َك ا ْلكتَـ ُ‬
‫ـاب)‬ ‫ين)‪ 4‬قول‪...‬ه‪( :‬اَل ر ْيب ِفي ـ ِـه) بي‪...‬ان وتوكي‪...‬د وتحقي ‪..‬ق لقول ‪..‬ه‪َ ( :‬ذ ِل َ ِ‬ ‫ُه ـ ًـدى ِل ْل ُمتَّ ِق َ‬
‫ــك ا ْلكتَ ـ ُ‬ ‫َ َ‬
‫وزي‪..‬ادة تث‪..‬بيت ل‪..‬ه وبمنزل‪..‬ة أن تق‪..‬ول‪ :‬هو ذلك الكتاب‪ ،‬هـو ذلـك الكتـاب‪ ،‬فتعي‪..‬ده م‪..‬رة‬
‫ثاني‪..‬ة لتثبت‪..‬ه‪ ،‬وليس تث‪..‬بيت الخ‪..‬بر غ‪..‬ير الخ‪..‬بر‪ ،‬وال ش‪..‬يء يتم‪..‬يز ب‪..‬ه عن‪..‬ه فيحت‪..‬اج إلى‬
‫ض‪..‬ام يض‪..‬مه إلي‪..‬ه وع‪..‬اطف يعطف‪..‬ه علي‪..‬ه‪ ،‬ومث‪..‬ل ذل‪..‬ك قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪( :‬إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ين َكفَـ ُـروا‬
‫اء َعلَ ْي ِه ْم أَأَْنـ ـ ـ َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم َل ْم تُْنـ ـ ِـذ ْر ُه ْم اَل ُي ْؤ ِم ُن ـ ـ َ‬
‫ـون َختَ َم اللَّ ُه َعلَى ُقلُ ـ ــو ِب ِه ْم َو َعلَى‬ ‫سـ ـ ـ َو ٌ‬
‫َ‬

‫البقرة ‪2 ،1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪25‬‬
‫يم)‪ 5‬قول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الى‪( :‬اَل ُي ْؤ ِم ُن ـ َـ‬ ‫ِ‬ ‫ار ِه ْم ِغ َ‬ ‫صــ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـون)‬ ‫اب َعظ ٌ‬ ‫شــ َاوةٌ َولَ ُه ْم َعــ َذ ٌ‬ ‫ســ ْمع ِه ْم َو َعلَى أ َْب َ‬
‫َ‬
‫اء َعلَ ْي ِه ْم أَأَْنـ َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم لَ ْم تُْن ِـذ ْر ُه ْم) وقول‪..‬ه‪َ ( :‬ختَ َم اللَّ ُه َعلَى ُقلُـو ِب ِه ْم‬‫سـ َو ٌ‬‫تأكي‪..‬د لقول‪..‬ه‪َ ( :‬‬
‫س ْم ِع ِه ْم) تأكي‪..‬د ث‪..‬ان أبل‪..‬غ من األول؛ ألن من ك‪..‬ان حال‪..‬ه إذا أن‪..‬ذر مث‪..‬ل حال‪..‬ه إذا‬ ‫َو َعلَى َ‬
‫لم ين‪..‬ذر ك‪..‬ان في غاي‪..‬ة الجه‪..‬ل وك‪..‬ان مطبوع‪..‬ا على قلب‪..‬ه ال محال‪..‬ة‪ ،‬وك‪..‬ذلك قول‪..‬ه ‪: ‬‬
‫ين ُي َخـ ِاد ُع َ‬
‫ون اللَّ َه‬ ‫َخـ ِـر َو َمــا ُه ْم ِب ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬
‫اس م ْن يقُــو ُل آَم َّنا ِباللَّ ِه و ِبــا ْليوِم اآْل ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫الن ِ َ َ‬ ‫( َو ِم َن َّ‬
‫ون) ولم‬ ‫ون) إنم‪..‬ا ق‪..‬ال‪ُ ( :‬ي َخـ ِاد ُع َ‬ ‫شـ ُع ُر َ‬ ‫ون إِاَّل أَْنفُ َ‬
‫سـ ُه ْم َو َمــا َي ْ‬ ‫خ َد ُع َ‬ ‫َم ُنوا َو َما َي ْـ‬ ‫َوالَّ ِذ َ‬
‫ين آ َ‬
‫‪6‬‬

‫يق ‪..‬ل‪ :‬ويخ ‪..‬ادعون‪ ،‬ألن ه ‪..‬ذه المخادع ‪..‬ة ليس‪...‬ت ش ‪..‬يئا غ ‪..‬ير ق ‪..‬ولهم‪ :‬آمن ‪..‬ا من غ ‪..‬ير أن‬
‫يكون ‪..‬وا مؤم ‪..‬نين‪ ،‬فه ‪..‬و إذا كالم أك ‪..‬د ب ‪..‬ه كالم آخ ‪..‬ر ه ‪..‬و في معن ‪..‬اه وليس ش ‪..‬يئا س ‪..‬واه‪،‬‬
‫اط ِ‬
‫شـي ِ‬ ‫وهكذا قول‪..‬ه ‪َ ( : ‬وإِ َذا َلقُوا الَّ ِذ َ‬
‫ين ِه ْم قَـالُوا‬ ‫َم َّنا َوإِ َذا َخلَ ْـوا إِلَى َ َ‬
‫َم ُنوا َقـالُوا آ َ‬
‫ين آ َ‬
‫ون)‪ 7‬وذل ‪..‬ك ألن مع ‪..‬نى ق ‪..‬ولهم‪( :‬إِ َّنا َم َع ُك ْم) أن ‪..‬ا لم ن ‪..‬ؤمن‬ ‫إِ َّنا َم َع ُك ْم إِ َّن َمــا َن ْح ُن ُم ْ‬
‫س ـتَ ْه ِز ُئ َ‬
‫بالنبي ولم نترك اليهودية‪ ،‬وقولهم‪( :‬إِ َّن َما َن ْح ُن ُم ْ‬
‫ستَ ْه ِز ُئ َ‬
‫ون) خ‪..‬بر به‪..‬ذا المع‪..‬نى بعين‪..‬ه‬
‫ألن‪..‬ه ال ف‪..‬رق بين أن يقول‪..‬وا‪ :‬إن‪..‬ا لم نق‪..‬ل م‪..‬ا قلن‪..‬اه من أن‪..‬ا آمن‪..‬ا إال اس‪..‬تهزاء‪ ،‬وبين أن‬
‫يقول‪..‬وا‪ :‬إن‪..‬ا لم نخ‪..‬رج من دينكم‪ ،‬وإ ن ‪..‬ا معكم ب‪..‬ل هم ‪..‬ا في حكم الش‪..‬يء الواح ‪..‬د فص ‪..‬ار‬
‫ك‪..‬أنهم ق‪..‬الوا‪ :‬إن‪..‬ا معكم لم نف‪..‬ارقكم فكم‪..‬ا ال يك‪..‬ون إن‪..‬ا لم نف‪..‬ارقكم ش‪..‬يئا غ‪..‬ير أن‪..‬ا معكم‬
‫ون) غيره فاعرفه‪.‬‬ ‫ستَ ْه ِز ُئ َ‬ ‫كذلك ال يكون‪( :‬إِ َّن َما َن ْح ُن ُم ْ‬
‫ش ـتَ ِري‬ ‫اس َم ْن َي ْ‬ ‫الن ِ‬ ‫ومن الواض ‪..‬ح ال ‪..‬بين في ه ‪..‬ذا المع ‪..‬نى قول ‪..‬ه تع ‪..‬الى‪َ ( :‬و ِم َن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َّل ع ْن س ِب ِـ ِ‬ ‫يث ِلي ِ‬ ‫لَهو ا ْلح ِد ِ‬
‫اب ُم ِه ٌ‬
‫ين‬ ‫يل اللَّه ِب َغ ْي ِر ع ْلٍم َو َيتَّخ َذ َها ُه ُز ًوا أُولَئ َك لَ ُه ْم َعـ َذ ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬
‫َن ِفي أُ ُذ َن ْيـ ِـ‬
‫ـه َو ْقـ ًـرا فَ َب ِّ‬
‫ش ـ ْرهُ‬ ‫س ـ َم ْع َها َكـ أ َّ‬
‫َن َل ْم َي ْ‬
‫ِ‬
‫َوإِ َذا تُ ْتلَى َعلَ ْيــه آ ََياتَُنــا َولَّى ُم ْ‬
‫س ـتَ ْك ِب ًرا َكـ أ ْ‬
‫اب أَِل ٍيم)‪ 8‬لم يأت معطوف‪..‬ا نح‪..‬و‪ :‬وك‪..‬أن في أذني‪..‬ه وق‪..‬را‪ ،‬ألن المقص‪..‬ود من التش‪..‬بيه‬ ‫ِب َع َذ ٍ‬
‫بمن في أذني‪..‬ه وق‪..‬ر ه‪..‬و بعين‪..‬ه المقص‪..‬ود من التش‪..‬بيه بمن لم يس‪..‬مع إال أن الث‪..‬اني أبل‪..‬غ‬
‫وأك‪..‬د في ال‪..‬ذي أري‪..‬د وذل‪..‬ك أن المع‪..‬نى في التش‪..‬بيهين جميع‪..‬ا أن ينفي أن يك‪..‬ون لتالوة‬
‫م‪..‬ا تلي علي‪..‬ه من اآلي‪..‬ات فائ‪..‬دة مع‪..‬ه ويك‪..‬ون له‪..‬ا ت‪..‬أثير في‪..‬ه وأن يجع‪..‬ل حال‪..‬ه إذا تليت‬

‫البقرة ‪7 ،6‬‬ ‫‪5‬‬

‫البقرة ‪9 ، 8‬‬ ‫‪6‬‬

‫البقرة ‪14‬‬ ‫‪7‬‬

‫لقمان ‪7، 6‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪26‬‬
‫علي‪..‬ه كحال‪..‬ه إذا لم تت‪..‬ل‪ ،‬وال ش‪..‬بهة في أن التش‪..‬بيه بمن في أذني‪..‬ه وق‪..‬ر أبل‪..‬غ وآك‪..‬د في‬
‫جعله كذلك من حيث كان من ال يصح منه السمع‪ ،‬وإ ن أراد ذلك أبعد من أن يك‪..‬ون‬
‫لتالوة ما يتلى عليه فائدة من الذي يصح منه السمع‪ ،‬إال أنه ال يسمع إما اتفاق‪..‬ا وإ م‪..‬ا‬
‫قصدا إلى أن ال يسمع فاعرفه وأحسن تدبره‪.‬‬
‫ِاَّل‬ ‫ومن اللطي‪..‬ف في ذل‪..‬ك قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪( :‬مــا َهـ َذا َب َ ِ‬
‫شـ ًرا إ ْن َهـ َذا إ َملَـ ٌك َكـ ِـر ٌ‬
‫يم)‬ ‫َ‬
‫‪9‬‬

‫ِاَّل‬ ‫ِ‬
‫شـ ًرا) وم‪..‬داخل في‬ ‫وذل‪..‬ك أن قول‪..‬ه‪( :‬إ ْن َه َذا إ َملَ ٌك َك ِر ٌ‬
‫يم) مش‪..‬ابك لقول‪..‬ه‪َ ( :‬مــا َهـ َذا َب َ‬
‫ض‪.. .‬منه من ثالث‪.. .‬ة أوج‪.. .‬ه؛ وجه ــان ه‪.. .‬و فيهم‪.. .‬ا ش‪.. .‬بيه بالتأكي‪.. .‬د‪ ،‬ووجه ه‪.. .‬و في‪.. .‬ه ش‪.. .‬بيه‬
‫بالصفة‪.‬‬
‫فأحد وجهي كونه شـبيها بالتأكيد ه‪..‬و أن‪..‬ه إذا ك‪..‬ان ملك‪..‬ا لم يكن بش‪..‬را‪ ،‬وإ ذا‬
‫كان كذلك كان إثبات كونه ملكا تحقيقا ال محالة وتأكيدا لنفي أن يكون بشرا‬
‫شـ ًرا)‬
‫والوجه الثـاني أن الج‪..‬اري في الع‪..‬رف والع‪..‬ادة أن‪..‬ه إذا قي‪..‬ل‪َ ( :‬مـا َهـ َذا َب َ‬
‫وما هذا بآدمي‪ ،‬والحال حال تعظيم وتعجب مم‪..‬ا يش‪..‬اهد في اإلنس‪..‬ان من حس‪..‬ن خل‪..‬ق‬
‫أو خل‪.‬ق أن يك‪.‬ون الغ‪.‬رض والم‪.‬راد من الكالم أن يق‪.‬ال‪ :‬إن‪.‬ه مل‪.‬ك‪ ،‬وأن يك‪.‬نى ب‪.‬ه عن‬
‫ذل ‪..‬ك ح ‪..‬تى إن ‪..‬ه يك ‪..‬ون مفه ‪..‬وم اللف ‪..‬ظ‪ ،‬وإ ذا ك ‪..‬ان مفهوم ‪..‬ا من اللف ‪..‬ظ قب ‪..‬ل أن ي ‪..‬ذكر ك ‪..‬ان‬
‫ذكره إذا ذكر تأكيدا ال محالة ألن حد التأكيد أن تحق‪..‬ق باللف‪..‬ظ مع‪..‬نى ق‪.‬د فهم من لف‪..‬ظ‬
‫آخر قد سبق منك‪ ،‬أفال ترى أنه إنما كان كلهم في قولك‪ :‬جاءني الق‪.‬وم كلهم‪ ،‬تأكي‪.‬دا‬
‫من حيث كان الذي فهم منه وهو الشمول قد فهم بديئا من ظاهر لفظ القوم‪ ،‬ولو أنه‬
‫لم يكن فهم الشمول من لفظ الق‪.‬وم وال ك‪.‬ان ه‪.‬و من موجب‪..‬ه لم يكن ك‪.‬ل تأكي‪.‬دا ولك‪..‬ان‬
‫الشمول مستفادا من كل ابتداء‪.‬‬
‫وأما الوجه الثالث الذي هو فيه شبيه بالصفة فهو أنه إذا نفي أن يكون بشرا‬
‫فق‪..‬د أثبت ل‪..‬ه جنس س‪..‬واه‪ ،‬إذ من المح‪..‬ال أن يخ‪..‬رج من جنس البش‪..‬ر ثم ال ي‪..‬دخل في‬
‫جنس آخ‪..‬ر وإ ذا ك‪..‬ان األم‪..‬ر ك‪..‬ذلك ك‪..‬ان إثبات‪..‬ه ملك‪..‬ا تبيين‪..‬ا وتعيين‪..‬ا ل‪..‬ذلك الجنس ال‪..‬ذي‬
‫أري‪..‬د إدخال‪..‬ه في‪..‬ه وإ غن‪..‬اء عن أن تحت‪..‬اج إلى أن تس‪..‬أل فتق‪..‬ول‪ :‬ف‪..‬إن لم يكن بش‪..‬را فم‪..‬ا‬
‫هو وما جنسه؟‬

‫يوسف بعض آية ‪31‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪27‬‬
‫كم‪..‬ا أن‪..‬ك إذا قلت‪ :‬م‪..‬ررت بزي‪..‬د الظري‪..‬ف‪ ،‬ك‪..‬ان الظري‪..‬ف تبيين‪..‬ا وتعيين‪..‬ا لل‪..‬ذي‬
‫أردت من بين من ل‪.. .‬ه ه‪.. .‬ذا االس‪.. .‬م وكنت ق‪.. .‬د أغ‪.. .‬نيت المخ‪.. .‬اطب عن الحاج‪.. .‬ة إلى أن‬
‫يقول أي‪ :‬الزيدين أردت‪.‬‬
‫ومما جاء فيه اإلثبات بإن وإ ال على ه‪..‬ذا الح‪..‬د قول‪..‬ه ‪َ ( :‬و َما َعلَّ ْم َناهُ ِّ‬
‫الش ْع َر‬
‫ق َع ِن ا ْل َهـ َـوى‬ ‫ين)‪ 10‬وقول‪..‬ه ‪َ ( : ‬و َمــا َي ْن ِـ‬
‫ط ُ‬ ‫ـه إِ ْن ُهـ َـو إِاَّل ِذ ْكـ ٌـر َوقُـْـرآ ٌ‬
‫َن ُم ِب ٌ‬ ‫َو َما َي ْن َب ِغي لَـ ُ‬
‫وحى)‪ 11‬فال ترى أن اإلثب‪.‬ات في اآلي‪.‬تين جميع‪.‬ا تأكي‪.‬د وتث‪.‬بيت لنفي‬ ‫إِ ْن ُه َو إِاَّل َو ْح ٌي ُي َ‬
‫ما نفي‪ ،‬فإثبات ما علمه النبي وأوحي إليه ذكرا وقرآنا تأكيد وتث‪..‬بيت لنفي أن يك‪..‬ون‬
‫قد علم الشعر‪ ،‬وك‪.‬ذلك إثب‪.‬ات م‪.‬ا يتل‪..‬وه عليهم وحي‪..‬ا من اهلل تع‪.‬الى تأكي‪..‬د وتقري‪.‬ر لنفي‬
‫أن يكون نطق به عن هوى‪.‬‬
‫واعلم أن‪.. .‬ه م‪.. .‬ا من علم من عل‪.. .‬وم البالغ‪.. .‬ة أنت تق‪.. .‬ول إن‪.. .‬ه في‪.. .‬ه خفي غ‪.. .‬امض‬
‫ودقي‪..‬ق ص‪..‬عب إال وعلم ه‪..‬ذا الب‪..‬اب أغمض وأخفى وأدق وأص‪..‬عب‪ ،‬وق‪..‬د قن‪..‬ع الن‪..‬اس‬
‫فيه بأن يقولوا إذا رأوا جملة قد ترك فيها العطف‪:‬‬
‫إن الكالم قد استؤنف وقطع عم‪.‬ا قبل‪.‬ه ال تطلب أنفس‪.‬هم من‪.‬ه زي‪.‬ادة على ذل‪.‬ك‪،‬‬
‫ولقد غفلوا غفلة شديدة‪.‬‬
‫ومما هو أصل في هذا الباب أنك تـرى الجملـة وحالهـا مـع الـتي قبلهـا حـال‬
‫ما يعطف ويقرن إلى ما قبله ثم تراها قد وجب فيها ترك العطف ألمر ع‪..‬رض فيه‪..‬ا‬
‫ُّه ْم ِفي‬ ‫صارت به أجنبية مما قبلها‪ ،‬مثال ذلك قوله تع‪..‬الى‪( :‬اللَّ ُه َي ْ‬
‫ستَ ْه ِزئُـ ِب ِه ْم َو َي ُمــد ُ‬
‫ون)‪ 12‬الظاهر كما ال يخفى يقتضي أن يعط‪..‬ف على م‪..‬ا قبل‪..‬ه من قول‪.‬ه‪:‬‬ ‫طُ ْغ َي ِان ِه ْم َي ْع َم ُه َ‬
‫ون) وذل‪..‬ك أن‪..‬ه ليس ب‪..‬أجنبي من‪..‬ه‪ ،‬ب‪..‬ل ه‪..‬و نظ‪..‬ير م‪..‬ا ج‪..‬اء معطوف‪..‬ا‬ ‫(إِ َّن َما َن ْح ُن ُم ْ‬
‫ستَ ْه ِز ُئ َ‬
‫ـاف ِق َ‬
‫ين‬ ‫ين)‪ 13‬وقول‪..‬ه‪( :‬إِ َّن ا ْلم َنـ ِ‬
‫ُ‬
‫من قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪( :‬وم َكروا وم َكر اللَّ ُه واللَّ ُه َخ ْيــر ا ْلمـ ِ‬
‫ـاك ِر َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ ََ َ‬
‫ون اللَّ َه َو ُه َو َخ ِاد ُع ُه ْم)‪ 14‬وما أشبه ذلك مما يرد فيه العجز على الصدر‪.‬‬ ‫ُي َخ ِاد ُع َ‬

‫يس ‪69‬‬ ‫‪10‬‬

‫النجم ‪4 ، 3‬‬ ‫‪11‬‬

‫البقرة ‪15‬‬ ‫‪12‬‬

‫النساء ‪142‬‬ ‫‪13‬‬

‫آل عمران ‪54‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪28‬‬
‫ثم إنك تجده قد جاء غ‪..‬ير مط‪..‬وف‪ ،‬وذل‪..‬ك ألم‪..‬ر أوجب أن ال يعط‪..‬ف وه‪..‬و أن‬
‫ون) حكاي ‪..‬ة عنهم أنهم ق ‪..‬الوا وليس بخ ‪..‬بر من اهلل تع ‪..‬الى‪،‬‬ ‫قول ‪..‬ه‪( :‬إِ َّن َمــا َن ْح ُن ُم ْ‬
‫س ـتَ ْه ِز ُئ َ‬
‫وقول‪...‬ه تع‪...‬الى‪( :‬اللَّ ُه َي ْ‬
‫ســتَ ْه ِزئُـ ِب ِه ْم) خ‪...‬بر من اهلل تع ‪..‬الى أن ‪..‬ه يج ‪..‬ازيهم على كف ‪..‬رهم‬
‫واستهزائهم‪ ،‬وإ ذا ك‪.‬ان ك‪..‬ذلك ك‪.‬ان العط‪.‬ف ممتنع‪.‬ا الس‪..‬تحالة أن يك‪..‬ون ال‪..‬ذي ه‪.‬و خ‪.‬بر‬
‫من اهلل تعالى معطوفا على ما هو حكاية عنهم‪ ،‬وال يج‪..‬اب ذل‪..‬ك أن يخ‪..‬رج من كون‪..‬ه‬
‫خ‪..‬برا من اهلل تع‪..‬الى إلى كون‪..‬ه حكاي‪..‬ة عنهم وإ لى أن يكون‪..‬وا ق‪..‬د ش‪..‬هدوا على أنفس‪..‬هم‬
‫ب ‪..‬أنهم مؤاخ ‪..‬ذون وأن اهلل تع ‪..‬الى يع ‪..‬اقبهم علي ‪..‬ه‪ ،‬وليس ك ‪..‬ذلك الح ‪..‬ال في قول ‪..‬ه تع ‪..‬الى‪:‬‬
‫ون اللَّ َه َو ُه َو َخـ ِاد ُع ُه ْم) ( َو َم َكـ ُـروا َو َم َكـ َـر اللَّ ُه) ألن األول من الكالمين فيهم‪..‬ا‬ ‫( ُي َخ ِاد ُع َ‬
‫كالث‪..‬اني في أن‪..‬ه خ‪..‬بر من اهلل تع‪..‬الى وليس بحكاي‪..‬ة‪ ،‬وه‪..‬ذا ه‪..‬و العل‪..‬ة في قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪:‬‬
‫ص ـ ـ ـ ِل ُح َ‬
‫ون أَاَل إِ َّن ُه ْم ُه ُم‬ ‫ض قَـ ـ ــالُوا إِ َّن َمـ ـ ــا َن ْح ُن ُم ْ‬‫( َوإِ َذا ِقيـ ـ ـ َـل َل ُه ْم اَل تُ ْف ِس ـ ـ ـ ُدوا ِفي اأْل َْر ِ‬
‫ون) مس‪..‬تأنفا مفتتح‪..‬ا ب‪..‬أال‬ ‫ون) إنم‪..‬ا ج‪..‬اء (إِ َّن ُه ْم ُه ُم ا ْل ُم ْف ِسـ ُد َ‬‫ش ُع ُر َ‬ ‫ون َولَ ِك ْن اَل َي ْ‬ ‫ا ْل ُم ْف ِس ُد َ‬
‫‪15‬‬

‫ون)‬ ‫ص ـ ِل ُح َ‬ ‫ألن ‪..‬ه خ ‪..‬بر من اهلل تع ‪..‬الى ب ‪..‬أنهم ك ‪..‬ذلك وال ‪..‬ذي قبل ‪..‬ه من قول ‪..‬ه‪( :‬إِ َّن َمــا َن ْح ُن ُم ْ‬
‫حكاي‪..‬ة عنهم فل‪..‬و عط‪..‬ف لل‪..‬زم علي‪..‬ه مث‪..‬ل ال‪..‬ذي ق‪..‬دمت ذك‪..‬ره من ال‪..‬دخول في الحكاي‪..‬ة‬
‫ولص ‪..‬ار خ ‪..‬برا من اليه ‪..‬ود ووص ‪..‬فا منهم ألنفس ‪..‬هم ب ‪..‬أنهم مفس ‪..‬دون ولص ‪..‬ار كأن ‪..‬ه قي ‪..‬ل‪:‬‬
‫ون) وذل ‪..‬ك م ‪..‬ا ال يش ‪..‬ك في‬ ‫ون) وق ‪..‬الوا‪( :‬إِ َّن ُه ْم ُه ُم ا ْل ُم ْف ِســ ُد َ‬ ‫صــ ِل ُح َ‬
‫(قَــالُوا إِ َّن َمــا َن ْح ُن ُم ْ‬
‫اس قَـالُوا أَُن ْـؤ ِم ُن َك َمــا‬ ‫َم ُنوا َكمـا آَم َن َّ‬ ‫يل لَهم آ ِ‬ ‫ِ‬
‫الن ُ‬ ‫َ َ‬ ‫فس‪..‬اده‪ ،‬وك‪..‬ذلك قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪َ ( :‬وإِ َذا ق َ ُ ْ‬
‫اء َولَ ِك ْن اَل َي ْعلَ ُمـ ـ َ‬
‫ـون)‪ 16‬ول ‪.. . .‬و عط ‪.. . .‬ف‪( :‬إِ َّن ُه ْم ُه ُم‬ ‫اء أَاَل إِ َّن ُه ْم ُه ُم ُّ‬
‫السـ ـ ـفَ َه ُ‬ ‫السـ ـ ـفَ َه ُ‬
‫َم َن ُّ‬‫آَ‬
‫اء) على م ‪..‬ا قبل ‪..‬ه لك ‪..‬ان يك ‪..‬ون ق ‪..‬د أدخ ‪..‬ل في الحكاي ‪..‬ة ولص ‪..‬ار ح ‪..‬ديثا منهم عن‬ ‫الس ـفَ َه ُ‬
‫ُّ‬
‫اء) من بع‪.. .‬د أن زعم‪.. .‬وا أنهم إنم‪.. .‬ا ترك‪.. .‬وا أن يؤمن‪.. .‬وا لئال‬ ‫أنفس‪.. .‬هم بـ(إِ َّن ُه ْم ُه ُم ُّ‬
‫السـ ـفَ َه ُ‬
‫يكونوا من السفهاء‪.‬‬
‫على أن في هذا أمرا آخر وهو أن قوله‪( :‬أَُن ْؤ ِم ُن) استفهام وال يعطف الخبر‬
‫على االس ‪..‬تفهام‪ ،‬ف‪..‬إن قلت‪ :‬ه ‪..‬ل ك ‪..‬ان يج ‪..‬وز أن يعط ‪..‬ف قول ‪..‬ه تع ‪..‬الى‪( :‬اللَّ ُه َي ْ‬
‫س ـتَ ْه ِزئُ‬
‫ِب ِه ْم) على‪( :‬قَــالُوا) من قول‪..‬ه‪( :‬قَــالُوا إِ َّنا َم َع ُك ََْـْم) ال على م‪..‬ا بع‪..‬ده‪ ،‬وك‪..‬ذلك ك‪..‬ان يفع‪..‬ل‬
‫اء) وك ‪..‬ان يك ‪..‬ون نظ ‪..‬ير قول ‪..‬ه تع ‪..‬الى‪:‬‬
‫الس ـفَ َه ُ‬ ‫ون) و(إِ َّن ُه ْم ُه ُم ُّ‬‫في‪( :‬إِ َّن ُه ْم ُه ُم ا ْل ُم ْف ِس ـ ُد َ‬
‫البقرة ‪12 ، 11‬‬ ‫‪15‬‬

‫البقرة‬ ‫‪16‬‬

‫‪29‬‬
‫ون)‪ 17‬وذل‪..‬ك‬
‫ظـ ُـر َ‬ ‫(وقَالُوا لَواَل أُْن ِز َل علَ ْي ِـه ملَـ ٌك ولَــو أَْن َز ْل َنــا ملَ ًكـا لَقُ ِ‬
‫ضـ َي اأْل َْمـ ُـر ثُ َّم اَل ُي ْن َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫أن قوله‪َ ( :‬ولَ ْو أَْن َز ْل َنا َملَ ًكا) معطوف من غير شك على‪( :‬قَالُوا) دون ما بعده‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫إن حكم المعط‪..‬وف على ق‪..‬الوا فيم‪..‬ا نحن في‪..‬ه مخ‪..‬الف لحكم‪..‬ه في اآلي‪..‬ة ال‪..‬تي ذك‪..‬رت‪،‬‬
‫وذلك أن قالوا ها هنا جواب شرط فلو عطف قول‪..‬ه‪( :‬اللَّ ُه َي ْ‬
‫ستَ ْه ِزئُـ ِب ِه ْم) علي‪..‬ه لل‪..‬زم‬
‫إدخاله في حكمه من كونه جوابا وذلك ال يصح‪ ،‬وذاك أن‪.‬ه م‪.‬تى عط‪.‬ف على ج‪.‬واب‬
‫الشرط شيء بالواو كان ذلك على ضربين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكونا شيئين يتصور وجود كل واح‪..‬د منهم‪..‬ا دون اآلخ‪..‬ر‪ ،‬ومثال‪..‬ه‬
‫قولك‪ :‬إن تأتني أكرمك أعطك وأكسك‪.‬‬
‫والثــاني‪ :‬أن يك‪...‬ون المعط‪...‬وف ش‪...‬يئا ال يك‪...‬ون ح ‪..‬تى يك ‪..‬ون المعط ‪..‬وف علي ‪..‬ه‬
‫ويك ‪..‬ون الش ‪..‬رط ل ‪..‬ذلك س ‪..‬ببا في ‪..‬ه بوس ‪..‬اطة كون ‪..‬ه س ‪..‬ببا ألول‪ ،‬ومثال ‪..‬ه قول ‪..‬ك‪ :‬إذا رج ‪..‬ع‬
‫األم‪..‬ير إلى ال‪..‬دار اس‪..‬تأذنته وخ‪..‬رجت‪ ،‬ف‪..‬الخروج ال يك‪..‬ون ح‪..‬تى يك‪..‬ون االس‪..‬تئذان وق‪..‬د‬
‫صار الرجوع سببا في الخروج من أجل كونه سببا في االستئذان فيكون المعنى في‬
‫مثل هذا على كالمين نحو‪ :‬إذا رجع األمير استأذنت وإ ذا استأذنت خرجت‪.‬‬
‫وإ ذ ق‪..‬د ع‪..‬رفت ذل‪..‬ك فإن‪..‬ه ل‪..‬و عط‪..‬ف قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪( :‬اللَّ ُه َي ْ‬
‫ستَ ْه ِزئُ ِب ِه ْم) على‪:‬‬
‫(قَــالُوا) كم‪..‬ا زعمت ك‪..‬ان ال‪..‬ذي يتص‪..‬ور في‪..‬ه أن يك‪..‬ون من ه‪..‬ذا الض‪..‬رب الث‪..‬اني وأن‬
‫يكون المعنى‪( :‬وإِ َذا َخلَوا إِلَى َ ِ ِ‬
‫ون) ف ‪..‬إذا‬ ‫ش َياطين ِه ْم قَالُوا إِ َّنا َم َع ُك ْم إِ َّن َما َن ْح ُن ُم ْ‬
‫س ـتَ ْه ِز ُئ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق ‪..‬الوا ذل ‪..‬ك اس ‪..‬تهزأ اهلل بهم وم ‪..‬دهم في طغي ‪..‬انهم يعمه ‪..‬ون‪ ،‬وه ‪..‬ذا وإ ن ك ‪..‬ان ي ‪..‬رى أن ‪..‬ه‬
‫يستقيم فليس هو بمستقيم‪ ،‬وذلك أن الج‪.‬زاء إنم‪.‬ا ه‪.‬و على نفس االس‪.‬تهزاء وفعلهم ل‪.‬ه‬
‫وإ رادتهم إياه في قولهم‪ :‬إن‪..‬ا آمن‪..‬ا‪ ،‬ال على أنهم ح‪.‬دثوا عن أنفس‪..‬هم ب‪.‬أنهم مس‪.‬تهزئون‪،‬‬
‫والعط‪.‬ف على‪ :‬ق‪.‬الوا يقتض‪.‬ي أن يك‪.‬ون الج‪.‬زاء على ح‪.‬ديثهم عن أنفس‪.‬هم باالس‪.‬تهزاء‬
‫ال علي ‪.. .‬ه نفس ‪.. .‬ه‪ ،‬وي ‪.. .‬بين م ‪.. .‬ا ذكرن ‪.. .‬اه من أن الج ‪.. .‬زاء ينبغي أن يك ‪.. .‬ون على قص ‪.. .‬دهم‬
‫االستهزاء وفعلهم له ال على حديثهم عن أنفسهم بأنا مس‪..‬تهزئون أنهم ل‪..‬و ك‪..‬انوا ق‪..‬الوا‬
‫ون) وهم يري‪..‬دون ب‪..‬ذلك دفعهم عن أنفس‪..‬هم به‪..‬ذا الكالم‬ ‫لك‪..‬برائهم‪( :‬إِ َّن َما َن ْح ُن ُم ْ‬
‫ستَ ْه ِز ُئ َ‬
‫وأن يسلموا من ش‪..‬رهم وأن يوهم‪..‬وهم أنهم منهم وإ ن لم يكون‪..‬وا ك‪..‬ذلك لك‪..‬ان ال يك‪..‬ون‬
‫عليهم مؤاخ‪...‬ذة فيم ‪..‬ا ق ‪..‬الوه من حيث ك ‪..‬انت المؤاخ‪...‬ذة تك ‪..‬ون على اعتق ‪..‬اد االس ‪..‬تهزاء‬
‫األنعام ‪8‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪30‬‬
‫والخديع ‪..‬ة في إظه ‪..‬ار اإليم ‪..‬ان ال في الق ‪..‬ول‪ :‬إن ‪..‬ا اس ‪..‬تهزأنا من غ ‪..‬ير أن يق ‪..‬ترن ب ‪..‬ذلك‬
‫القول اعتقاد ونية هذا‪.‬‬
‫وهاهن‪...‬ا أم‪...‬ر س‪...‬وى م‪...‬ا مض‪...‬ى ي‪...‬وجب االســتئناف وتــرك العطف وه ‪..‬و أن‬
‫الحكاي‪..‬ة عنهم ب ‪..‬أنهم ق‪..‬الوا‪ :‬كيت وكيت تح ‪..‬رك الس‪..‬امعين ألن يعلم ‪..‬وا مص ‪..‬ير أم ‪..‬رهم‬
‫وم ‪..‬ا يص ‪..‬نع بهم وأت ‪..‬نزل بهم النقم ‪..‬ة ع ‪..‬اجال أم ال ت ‪..‬نزل ويمهل ‪..‬ون وتوق ‪..‬ع في أنفس ‪..‬هم‬
‫التم ‪..‬ني ألن يت ‪..‬بين لهم ذل ‪..‬ك‪ ،‬وإ ذا ك ‪..‬ان ك ‪..‬ذلك ك ‪..‬ان ه ‪..‬ذا الكالم ال ‪..‬ذي ه ‪..‬و قول ‪..‬ه‪( :‬اللَّ ُه‬
‫ســــتَ ْه ِزئُ ِب ِه ْم) في مع‪.. . .‬نى م‪.. . .‬ا ص‪.. . .‬در جواب‪.. . .‬ا عن ه‪.. . .‬ذا المق‪.. . .‬در وقوع‪.. . .‬ه في أنفس‬
‫َي ْ‬
‫السامعين‪ ،‬وإ ذا كان مصدره كذلك كان حقه أن يؤتى به مبت‪..‬دأ غ‪..‬ير معط‪..‬وف ليك‪..‬ون‬
‫ُّهم ِفي طُ ْغيـ ِ‬
‫ـان ِه ْم‬ ‫َ‬ ‫في ص ‪..‬ورته إذا قي ‪..‬ل ف ‪..‬إن س ‪..‬ألتم قي ‪..‬ل لكم (اللَّ ُه َي ْ‬
‫س ـتَ ْه ِزئُ ِب ِه ْم َو َي ُمــد ُ ْ‬
‫ـون) وإ ذا اس ‪..‬تقريت وج ‪..‬دت ه ‪..‬ذا ال ‪..‬ذي ذك ‪..‬رت ل ‪..‬ك من ت ‪..‬نزيلهم الكالم إذا ج ‪..‬اء‬ ‫َي ْع َم ُهـ َ‬
‫بعقب م ‪..‬ا يقتض ‪..‬ي س ‪..‬ؤاال منزلت ‪..‬ه إذا ص ‪..‬رح ب ‪..‬ذلك الس ‪..‬ؤال كث ‪..‬يرا‪ ،‬فمن لطي ‪..‬ف ذل ‪..‬ك‬
‫قوله‪:‬‬
‫ص‪.. . . . . . . .‬دقوا ولكن غم‪.. . . . . . . .‬رتي ال تنجلي‬ ‫زعم الع‪.. . . . . . .‬واذل أن‪.. . . . . . .‬ني في غم‪.. . . . . . .‬رة‬

‫لم‪.. .‬ا حكى عن الع‪.. .‬واذل أنهم ق‪.. .‬الوا ه‪.. .‬و في غم‪.. .‬رة وك‪.. .‬ان ذل‪.. .‬ك مم‪.. .‬ا يح‪.. .‬رك‬
‫السامع ألن يسأله فيق‪.‬ول فم‪.‬ا قول‪.‬ك في ذل‪.‬ك وم‪.‬ا جواب‪.‬ك عن‪.‬ه؟ أخ‪.‬رج الكالم مخرج‪.‬ه‬
‫إذا كان ذلك قد قيل له وصار كأن‪.‬ه ق‪.‬ال أق‪..‬ول‪ :‬ص‪.‬دقوا أن‪..‬ا كم‪.‬ا ق‪.‬الوا ولكن ال مطم‪..‬ع‬
‫لهم في فالحي ولو قال زعم الع‪..‬واذل أن‪..‬ني في غم‪..‬رة وص‪..‬دقوا لك‪..‬ان يك‪..‬ون لم يص‪..‬ح‬
‫في نفسه أنه مسئول وأن كالمه كالم مجيب ومثله قول اآلخر في الحماسة‪:‬‬
‫بجن‪.. . . . . . . . . .‬وب خبت ع‪.. . . . . . . . . .‬ريت وأجمت‬ ‫زعم الع ‪.. . . . . . .‬واذل أن ناق ‪.. . . . . . .‬ة جن ‪.. . . . . . .‬دب‬
‫بالقادس ‪.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬ية قلن لج وذلت‬ ‫ك ‪.. . . . . .‬ذب الع ‪.. . . . . .‬واذل ل ‪.. . . . . .‬و رأين مناخنا‬

‫وقد زاد هذا أمر القطع واالستئناف وتقدير الجواب تأكيدا بأن وضع الظاهر‬
‫موضع المضمر فقال كذب العواذل ولم يقل‪ :‬كذبن وذلك أنه لم‪..‬ا أع‪..‬اد ذك‪..‬ر الع‪..‬واذل‬
‫ظاهرا كان ذلك أبين وأقوى لكونه كالما مستأنفا من حيث وض‪..‬عه وض‪..‬عا ال يحت‪..‬اج‬
‫فيه إلى ما قبله وأتى فيه مأتى ما ليس قبله كالم ومما هو على ذلك قول اآلخر‪:‬‬
‫لهم إل ‪.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬ف وليس لكم إالف‬ ‫زعمتم أن إخ ‪.. . . . . . . . . . . . . .‬وتكم ق ‪.. . . . . . . . . . . . . .‬ريش‬
‫‪31‬‬
‫وذل‪..‬ك أن قول‪..‬ه لهم إل‪..‬ف تك‪..‬ذيب ل‪..‬دعواهم أنهم من ق‪..‬ريش فه‪..‬و إذا بمنزل‪..‬ة أن‬
‫يق‪..‬ول ك‪..‬ذبتم لهم إل‪..‬ف وليس لكم ذل‪..‬ك ول‪..‬و ق‪..‬ال زعمتم أن إخ‪..‬وتكم ق‪..‬ريش ولهم إل‪..‬ف‬
‫وليس لكم إالف لص ‪..‬ار بمنزل ‪..‬ة أن يق ‪..‬ول زعمتم إن إخ ‪..‬وتكم ق ‪..‬ريش وك ‪..‬ذبتم في أن ‪..‬ه‬
‫ك‪..‬ان يخ‪..‬رج عن أن يك‪..‬ون موض‪..‬وعا على أن‪..‬ه ج‪..‬واب س‪..‬ائل يق‪..‬ول ل‪..‬ه فم‪..‬اذا تق‪..‬ول في‬
‫زعمهم ذلك وفي دعواهم فاعرفه‪.‬‬
‫واعلم أنه لو أظهر كذبتم لكان يجوز له أن يعطف هذا الكالم الذي ه‪..‬و قول‪..‬ه‬
‫لهم إل‪.. .‬ف علي‪.. .‬ه بالف‪.. .‬اء فيق‪.. .‬ول ك‪.. .‬ذبتم فلهم إل‪.. .‬ف وليس لكم ذل‪.. .‬ك أم‪.. .‬ا اآلن فال مس‪.. .‬اغ‬
‫ل ‪..‬دخول الف ‪..‬اء البت ‪..‬ة ألن ‪..‬ه يص ‪..‬ير حينئ ‪..‬ذ معطوف ‪..‬ا بالف ‪..‬اء على قول ‪..‬ه زعمتم أن إخ ‪..‬وتكم‬
‫ق‪..‬ريش وذل‪..‬ك يخ‪..‬رج إلى المح‪..‬ال من حيث يص‪..‬ير كأن‪..‬ه يستش‪..‬هد بقول‪..‬ه لهم إل‪..‬ف على‬
‫أن ه‪..‬ذا ال‪..‬زعم ك‪..‬ان منهم كم‪..‬ا أن‪..‬ك إذا قلت ك‪..‬ذبتم فلهم إل‪..‬ف كنت ق‪..‬د استش‪..‬هدت ب‪..‬ذلك‬
‫على أنهم ك ‪..‬ذبوا ف‪..‬اعرف ذل ‪..‬ك ومن اللطي ‪..‬ف في االس‪..‬تئناف على مع‪..‬نى جع ‪..‬ل الكالم‬
‫جوابا في التقدير قول اليزيدى ‪:‬‬
‫ألق‪.. . . . . .‬اه من زه‪.. . . . . .‬د على غ‪.. . . . . .‬اربي‬ ‫ملكت‪.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬ه حبلي ولكنه‬
‫انتقم اهلل من الك‪.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬اذب‬ ‫وق ‪.. . . . .‬ال إني في اله ‪.. . . . .‬وى ك ‪.. . . . .‬اذب‬

‫اس‪..‬تأنف قول‪..‬ه انتقم اهلل من الك‪..‬اذب ألن‪..‬ه جع‪..‬ل نفس‪..‬ه كأن‪..‬ه يجيب س‪..‬ائال ق‪.‬ال ل‪..‬ه‬
‫فما تقول فيما اتهمك به من أنك كاذب فقال أقول انتقم اهلل من الكاذب‪.‬‬
‫ومن النادر أيضا في ذلك قول اآلخر‪:‬‬
‫س‪.. . . . . . . . . . . . . . . .‬هر دائم وح‪.. . . . . . . . . . . . . . . .‬زن طويل‬ ‫ق‪.. . . . . . . . . . .‬ال لي كي‪.. . . . . . . . . . .‬ف أنت قلت عليل‬

‫لم‪.‬ا ك‪.‬ان في الع‪.‬ادة إذا قي‪.‬ل للرج‪.‬ل كي‪.‬ف أنت فق‪.‬ال علي‪.‬ل أن يس‪.‬أل ثاني‪.‬ا فيق‪.‬ال‬
‫م‪..‬ا ب‪..‬ك وم‪..‬ا علت‪..‬ك ق‪..‬در كأن‪..‬ه ق‪..‬د قي‪..‬ل ل‪..‬ه ذل‪..‬ك ف‪..‬أتى بقول‪..‬ه س‪..‬هر دائم جواب‪..‬ا عن ه‪..‬ذا‬
‫السؤال المفهوم من فحوى الحال فاعرفه‪.‬‬
‫ومن الحسن البين في ذلك قول المتنبي‪:‬‬
‫عف‪.. . . . . . . . . . .‬اه من ح‪.. . . . . . . . . . .‬دا بهم وس‪.. . . . . . . . . . .‬اقا‬ ‫وم‪.. . . . . . . . .‬ا عفت الري‪.. . . . . . . . .‬اح ل‪.. . . . . . . . .‬ه محال‬

‫‪32‬‬
‫لم‪..‬ا نفى أن يك‪..‬ون ال‪..‬ذي ي‪..‬رى ب‪..‬ه من ال‪..‬دروس والعف‪..‬اء من الري‪..‬اح وأن تك‪..‬ون‬
‫التي فعلت ذل‪.‬ك وك‪.‬ان في الع‪.‬ادة إذا نفي الفع‪.‬ل الموج‪.‬ود الحاص‪.‬ل عن واح‪.‬د فقي‪.‬ل لم‬
‫يفعل‪..‬ه فالن أن يق‪..‬ال فمن فعل‪..‬ه ق‪..‬در ك‪..‬أن ق‪..‬ائال ق‪..‬ال ق‪..‬د زعمت أن الري‪..‬اح لم تع‪..‬ف ل‪..‬ه‬
‫محال فما عفاه إذا فقال مجيبا له عفاه من حدا بهم وساقا ومثله قول الوليد بن يزيد‪:‬‬

‫عف‪.. . . . . . . . .‬ا من بع‪.. . . . . . . . .‬د أح‪.. . . . . . . . .‬وال‬ ‫ع‪.. . . . . . .‬رفت الم‪.. . . . . . .‬نزل الخ‪.. . . . . . .‬الي‬
‫عس ‪.. . . . . . .‬وف الوب ‪.. . . . . . .‬ل هط ‪.. . . . . . .‬ال‬ ‫عف ‪.. . . . . . . . . . . .‬اه ك ‪.. . . . . . . . . . . .‬ل حن ‪.. . . . . . . . . . . .‬ان‬

‫لم‪..‬ا ق‪..‬ال عف‪..‬ا من بع‪..‬د أح‪..‬وال ق‪..‬در كأن‪..‬ه قي‪..‬ل ل‪..‬ه فم‪..‬ا عف‪..‬اه فق‪..‬ال عف‪..‬اه ك‪..‬ل حن‪..‬ان‬
‫واعلم أن السؤال إذا كان ظاهرا مذكورا في مثل هذا كان األك‪.‬ثر أن ال ي‪.‬ذكر الفع‪.‬ل‬
‫في الج ‪..‬واب ويقتص ‪..‬ر على االس ‪..‬م وح ‪..‬ده فأم ‪..‬ا م ‪..‬ع اإلض ‪..‬مار فال يج ‪..‬وز إال أن ي ‪..‬ذكر‬
‫الفع‪..‬ل تفس‪..‬ير ه‪..‬ذا أن‪..‬ه يج‪..‬وز ل‪..‬ك إذا قي‪..‬ل إن ك‪..‬انت الري‪..‬اح لم تعف‪..‬ه فم‪.‬ا عف‪..‬اه أن تق‪..‬ول‬
‫من ح‪..‬دا بهم وس‪..‬اقا وال تق‪..‬ول عف‪..‬اه من ح‪..‬دا كم‪..‬ا تق‪..‬ول في ج‪..‬واب من يق‪..‬ول من فع‪..‬ل‬
‫ه‪..‬ذا زي‪..‬د وال يجب أن تق‪..‬ول فعل‪..‬ه زي‪..‬د وأم‪..‬ا إذا لم يكن الس‪..‬ؤال م‪..‬ذكورا كال‪..‬ذي علي‪..‬ه‬
‫البيت فإنه ال يجوز أن يترك ذكر الفعل فلو قلت مثال‪:‬‬
‫عف‪.. . . . . . . . . . .‬اه من ح‪.. . . . . . . . . . .‬دا بهم وس‪.. . . . . . . . . . .‬اقا‬ ‫وم‪.. . . . . . . . .‬ا عفت الري‪.. . . . . . . . .‬اح ل‪.. . . . . . . . .‬ه محال‬

‫ت ‪..‬زعم أن ‪..‬ك أردت عف ‪..‬اه من ح ‪..‬دا بهم ثم ت ‪..‬ركت ذك ‪..‬ر الفع ‪..‬ل أحلت ألن ‪..‬ه إنم ‪..‬ا‬
‫يجوز تركه حيث يكون السؤال مذكورا ألن ذكره في‪..‬ه ي‪..‬دل على إرادت‪..‬ه في الج‪..‬واب‬
‫فإذا لم يؤت بالسؤال لم يكن إلى العلم به سبيل فاعرف ذلك‪.‬‬
‫واعلم أن الذي تراه في التنزيل من لفظ قال مفص‪.‬وال غ‪.‬ير معط‪.‬وف ه‪.‬ذا ه‪.‬و‬
‫يم‬ ‫يث َ ِ ِ ِ‬ ‫ـاك َحــ ِد ُ‬
‫ضــ ْيف إ ْبـ َـراه َ‬ ‫التق‪...‬دير في‪...‬ه واهلل أعلم أع‪...‬ني مث‪...‬ل قول‪...‬ه تع‪...‬الى‪َ ( :‬هـ ْـل أَتَ ـ َ‬
‫غ إِلَى أ ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‬
‫َهله فَ َجـ َ‬ ‫ون فََرا َ‬ ‫ساَل ٌم قَ ْو ٌم ُم ْن َك ُر َ‬‫ساَل ًما قَا َل َ‬ ‫ين إِ ْذ َد َخلُوا َعلَ ْيه فَقَالُوا َ‬ ‫ا ْل ُم ْك َر ِم َ‬
‫س ِم ْن ُه ْم ِخيفَـــ ًة قَ ــالُوا اَل تَ َخـ ْ‬
‫ـف‬ ‫ون فَـــأ َْو َج َ‬ ‫ـــه إِلَ ْي ِه ْم قَ َ‬
‫ـــال أَاَل تَـــأْ ُكلُ َ‬ ‫ســـ ِم ٍ‬
‫ين فَقََّر َب ُ‬ ‫ِ‬
‫ِبع ْجـــ ٍل َ‬
‫شـ ُروهُ ِب ُغاَل ٍم َعِل ٍيم)‪ 18‬ج‪..‬اء على م‪..‬ا يق‪..‬ع في أنفس المخل‪..‬وقين من الس‪..‬ؤال فلم‪..‬ا ك‪..‬ان‬ ‫َو َب َّ‬
‫في الع‪..‬رف والع‪..‬ادة فيم‪..‬ا بين المخل‪..‬وقين إذا قي‪..‬ل لهم دخ‪..‬ل ق‪..‬وم على فالن فق‪..‬الوا ك‪..‬ذا‬

‫الذاريات ‪28 : 24‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪33‬‬
‫أن يقولوا فما قال هو ويقول المجيب قال كذا أخرج الكالم ذل‪..‬ك المخ‪..‬رج ألن الن‪..‬اس‬
‫ال‬
‫خوطبوا بما يتعارفونه وسلك باللفظ معهم المسلك ال‪..‬ذي يس‪..‬لكونه وك‪..‬ذلك قول‪..‬ه‪( :‬قَ َ‬
‫ـهـ إِلَ ْي ِه ْم) يقتض‪..‬ي أن يتب‪..‬ع ه‪..‬ذا‬ ‫سـ ِم ٍ‬
‫ين فَقََّر َبـ ُ‬ ‫ون) وذل‪..‬ك أن قول‪..‬ه‪( :‬فَج ِ‬
‫اء ِبع ْج ٍل َ‬
‫َ َ‬ ‫أَاَل تَأْ ُكلُ َ‬
‫الفعل بقول فكأنه قيل واهلل أعلم‪ :‬فم‪.‬ا ق‪.‬ال حين وض‪.‬ع الطع‪..‬ام بين أي‪..‬ديهم ف‪.‬أتى قول‪.‬ه‪:‬‬
‫ف) ألن قول‪..‬ه ف‪..‬أوجس منهم خيف‪..‬ة‬ ‫ال أَاَل تَأْ ُكلُ َ‬
‫ون) جوابا عن ذلك وكذا (قَالُوا اَل تَ َخ ْ‬ ‫(قَ َ‬
‫يقتض‪..‬ي أن يك‪..‬ون من المالئك‪..‬ة كالم في تأنيس‪..‬ه وتس‪..‬كينه مم‪..‬ا خ‪..‬امره فكأن‪..‬ه قي‪..‬ل‪ :‬فم‪..‬ا‬
‫ـف) وذل‪..‬ك واهلل أعلم‬ ‫ق‪..‬الوا حين رأوه وق‪..‬د تغ‪..‬ير ودخلت‪..‬ه الخيف‪..‬ة؟ فقي‪..‬ل‪( :‬قَــالُوا اَل تَ َخـ ْ‬
‫المع ‪..‬نى في جمي ‪..‬ع م ‪..‬ا يجيء من ‪..‬ه على كثرت ‪..‬ه كال ‪..‬ذي يجيء في قص ‪..‬ة فرع ‪..‬ون علي ‪..‬ه‬
‫ب‬‫ين قَ ــا َل َر ُّ‬ ‫ب ا ْل َع ــالَ ِم َ‬‫اللعن‪.. .‬ة وفي رد موس‪.. .‬ى ‪ ‬كقول ‪.. .‬ه ‪( :‬قَ ــا َل ِف ْر َعـ ْـو ُن َو َمــا َر ُّ‬
‫ون قَـا َل‬ ‫سـتَ ِم ُع َ‬
‫ـه أَاَل تَ ْ‬ ‫ين قَـا َل ِل َم ْن َح ْولَ ُ‬‫ض َو َمــا َب ْي َن ُه َمــا إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُمــو ِق ِن َ‬ ‫ات َواأْل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫َّ َ َ‬
‫ب‬‫ـــال َر ُّ‬ ‫ســـولَ ُك ُم الَّ ِذي أ ُْر ِســـ َل إِلَ ْي ُك ْم لَ َم ْج ُن ٌ‬
‫ـــون قَ َ‬ ‫ـــال إِ َّن َر ُ‬
‫ين قَ َ‬ ‫ب آَب ِ‬
‫ـــائ ُك ُم اأْل ََّوِل َ‬‫َر ُّب ُك ْم َو َر ُّ َ‬
‫ْت إِلَ ًها َغ ْيـ ِـري أَل ْ‬
‫َج َعلَ َّن َك‬ ‫ون قَا َل لَ ِئ ِن اتَّ َخذ َ‬
‫ق َوا ْل َم ْغ ِر ِب َو َما َب ْي َن ُه َما إِ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْع ِقلُ َ‬ ‫ش ِر ِ‬ ‫ا ْل َم ْ‬
‫ين)‬ ‫الصـ ِاد ِق َ‬
‫ْت ِبـ ِـه إِ ْن ُك ْن َت ِم َن َّ‬ ‫ـال فَـأ ِ‬
‫ين قَـ َ‬ ‫شي ٍء ُم ِب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين قَا َل أ ََولَ ْو ج ْئتُ َك ب َ ْ‬ ‫س ُجو ِن َ‬
‫م َن ا ْل َم ْ‬
‫ِ‬
‫‪19‬‬

‫جاء ذلك كله واهلل أعلم على تقدير السؤال والجواب كالذي جرت به العادة فيما بين‬
‫ب‬‫المخلوقين فلما كان الس‪..‬امع إذا س‪..‬مع الخ‪..‬بر عن فرع‪..‬ون بأن‪..‬ه (قَا َل ِف ْر َع ْو ُن َو َما َر ُّ‬
‫ات‬‫السـماو ِ‬ ‫ا ْل َعالَ ِم َ‬
‫ب َّ َ َ‬ ‫ين) وقع في نفسه أن يقول فما قال موسى له؟ أتى قول‪..‬ه‪( :‬قَا َل َر ُّ‬
‫ض) مأتى الجواب مبتدأ مفصوال غير معطوف‪.‬‬ ‫َواأْل َْر ِ‬
‫وهكذا التقدير والتفسير أبدا في كل ما جاء فيه لف‪..‬ظ‪( :‬ق‪..‬ال) ه‪..‬ذا المجيء وق‪..‬د‬
‫يك‪..‬ون األم‪..‬ر في بعض ذل‪..‬ك اش‪..‬د وض‪..‬وحا فمم‪..‬ا ه‪..‬و في غاي‪..‬ة الوض‪..‬وح‪ .‬قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪:‬‬
‫ين)‪ 20‬وذلك أنه ال يخفى‬ ‫ون قَالُوا إِ َّنا أ ُْر ِس ْل َنا إِلَى قَ ْوٍم ُم ْج ِر ِم َ‬
‫سلُ َ‬
‫ُّها ا ْل ُم ْر َ‬
‫(فَ َما َخ ْط ُب ُك ْم أَي َ‬
‫على عاق‪..‬ل أن‪..‬ه ج‪..‬اء على مع‪..‬نى الج‪..‬واب وعلى أن ي‪..‬نزل الس‪..‬امعون ك‪..‬أنهم ق‪..‬الوا فم‪..‬ا‬
‫قال له المالئك‪..‬ة فقي‪.‬ل ق‪.‬الوا إن‪..‬ا أرس‪.‬لنا إلى ق‪..‬وم مج‪.‬رمين‪ ،‬وك‪..‬ذلك قول‪..‬ه ‪ ‬في س‪.‬ورة‬
‫يس‪:‬‬

‫الشعراء ‪31 : 23‬‬ ‫‪19‬‬

‫الذاريات ‪32 ، 31‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪34‬‬
‫س ـ ْل َنا إِلَ ْي ِه ُم‬ ‫ِ‬
‫ون إِ ْذ أ َْر َ‬ ‫س ـلُ َ‬ ‫اء َهــا ا ْل ُم ْر َ‬ ‫اب ا ْلقَ ْر َيــة إِ ْذ َج َ‬ ‫َص ـ َح َ‬‫اض ـ ِر ْب َل ُه ْم َمثَاًل أ ْ‬ ‫( َو ْ‬
‫شـٌر ِمثْلُ َنــا‬ ‫ون قَـالُوا َمــا أَْنتُ ْم إِاَّل َب َ‬ ‫سلُ َ‬ ‫ٍِ‬
‫وه َما فَ َعَّز ْز َنا ِبثَالث فَقَالُوا إِ َّنا إِلَ ْي ُك ْم ُم ْر َ‬ ‫اثَْن ْي ِن فَ َك َّذ ُب ُ‬
‫ون‬
‫س ـلُ َ‬ ‫ون قَالُوا َر ُّب َنــا َي ْعلَ ُم إِ َّنا إِلَ ْي ُك ْم لَ ُم ْر َ‬ ‫ش ْي ٍء إِ ْن أَْنتُ ْم إِاَّل تَ ْك ِذ ُب َ‬
‫الر ْح َم ُن ِم ْن َ‬ ‫َو َما أَْن َز َل َّ‬
‫طي َّْر َنا ِب ُك ْم َل ِئ ْن لَ ْم تَْنتَ ُهوا لَ َن ْر ُج َم َّن ُك ْم َولَ َي َم َّ‬
‫س ـ َّن ُك ْم‬ ‫ين قَالُوا إِ َّنا تَ َ‬ ‫َو َما َعلَ ْي َنا إِاَّل ا ْل َباَل غُ ا ْل ُم ِب ُ‬
‫اء ِم ْن‬ ‫ون َو َجـ ـ َ‬ ‫سـ ـ ِرفُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِم َّنا عـ ـ َذاب أَِليم قَ ــالُوا َ ِ‬
‫ط ــائ ُر ُك ْم َم َع ُك ْم أَئ ْن ُذ ِّك ْرتُ ْم َبـ ْـل أَْنتُ ْم قَ ـ ْـو ٌم ُم ْ‬ ‫َ ٌ ٌ‬
‫َج ًرا‬ ‫سـأَلُ ُك ْم أ ْـ‬ ‫ين اتَِّب ُعــوا َم ْن اَل َي ْ‬ ‫سـ ِل َ‬
‫ال َيا َق ْوِم اتَِّب ُعــوا ا ْل ُم ْر َ‬ ‫س َعى َق َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْصى ا ْل َمدي َنة َر ُج ٌل َي ْ‬ ‫أَق َ‬
‫ون)‪ 21‬التق‪..‬دير ال‪..‬ذي ق‪..‬درناه من مع‪..‬نى الس‪..‬ؤال والج‪..‬واب بين في ذل‪..‬ك كل‪..‬ه‬
‫َو ُه ْم ُم ْهتَـ ُـد َ‬
‫ونسأل اهلل التوفيق للصواب‪ .‬والعصمة من الزلل‪.‬‬
‫الخالصة‪ :‬وإ ذ ق‪..‬د ع‪..‬رفت ه‪..‬ذه األص‪..‬ول والق‪..‬وانين‪ .‬في ش‪..‬أن فص‪..‬ل الجم‪..‬ل ووص‪..‬لها‬
‫فاعلم أنا قد حصلنا من ذلك على أن الجمل على ثالثة أضرب‪:‬‬
‫جملة حالها مع التي قبلها حـال الصـفة مـع الموصـوف والتأكيـد مـع المؤكد‬
‫فال يكون فيها العطف البتة لشبه العطف فيها لو عطفت بعطف الشيء على نفسه‪.‬‬
‫وجملــة حالهــا مــع الــتي قبلهــا حــال االســم يكــون غــير الــذي قبلــه إال أنــه‬
‫يشاركه في حكم ويدخل معه في معنى مثل أن يكون كال االسمين ف‪.‬اعال أو مفع‪..‬وال‬
‫أو مضافا إليه فيكون حقها العطف‪.‬‬
‫وجملة ليست في شيء من الحالين بل سبيلها مــع الــتي قبلهــا ســبيل االســم‬
‫مع االسم ال يكون منــه في شــيء فال يكــون إيــاه وال مشــاركا لــه في معــنى بــل هــو‬
‫شيء إن ذكر لم يذكر إال بأمر ينفرد به ويكون ذكر الذي قبله وتــرك الــذكر ســواء‬
‫في حاله لعدم التعلق بينه وبينهـ رأسا وحق هذا ترك العطف البتة‪.‬‬
‫ف ‪.. . .‬ترك العط ‪.. . .‬ف يك ‪.. . .‬ون إم ‪.. . .‬ا‪ :‬لالتص ـ ــال إلى الغاية أو االنفص ـ ــال إلى الغاية‬
‫والعطف لما هو واسطة بين األمرين وكان له حال بين حالين فاعرفه‪.‬‬
‫في عطف الجمــل ه‪..‬ذا فن من الق‪..‬ول خ‪..‬اص دقي‪..‬ق‪ :‬اعلم أن مم‪..‬ا يق‪..‬ل نظ‪..‬ر‬
‫الن ‪..‬اس في ‪..‬ه من أم ‪..‬ر العط ‪..‬ف أن ‪..‬ه ق ‪..‬د ي ‪..‬ؤتى بالجمل ‪..‬ة فال تعط ‪..‬ف على م ‪..‬ا يليه ‪..‬ا ولكن‬

‫يس ‪21 : 13‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪35‬‬
‫تعط ‪..‬ف على جمل ‪..‬ة بينه ‪..‬ا وبين ه ‪..‬ذه ال ‪..‬تي تعط ‪..‬ف جمل ‪..‬ة أو جملت ‪..‬ان مث ‪..‬ال ذل ‪..‬ك ق ‪..‬ول‬
‫المتنبي‪:‬‬
‫تهيب ‪.. . . . . . . . . . .‬ني ففاج ‪.. . . . . . . . . . .‬أني اغتي ‪.. . . . . . . . . . .‬اال‬ ‫تول ‪.. . . . . . . . . . . . .‬وا بغت ‪.. . . . . . . . . . . . .‬ة فك ‪.. . . . . . . . . . . . .‬أن بينا‬
‫وس‪.. . . . . . .‬ير ال‪.. . . . . . .‬دمع إث‪.. . . . . . .‬رهم انهم‪.. . . . . . .‬اال‬ ‫فك‪.. . . . . . . . . .‬ان مس‪.. . . . . . . . . .‬ير عيس‪.. . . . . . . . . .‬هم ذميال‬

‫قول‪..‬ه فك‪..‬ان مس‪..‬ير عيس‪..‬هم معط‪..‬وف على تول‪..‬وا بغت‪..‬ة دون م‪..‬ا يلي‪..‬ه من قول‪..‬ه ففاج‪..‬أني‬
‫ألنا إن عطفناه على هذا الذي يليه أفسدنا المعنى من حيث إنه ي‪.‬دخل في مع‪.‬نى ك‪.‬أن‬
‫وذل‪..‬ك ي‪..‬ؤدي إلى أن ال يك ‪..‬ون مس‪..‬ير عيس ‪..‬هم حقيق‪..‬ة ويك ‪..‬ون متوهم ‪..‬ا كم ‪..‬ا ك‪..‬ان تهيب‬
‫ال‪.. .‬بين ك‪.. .‬ذلك وه‪.. .‬ذا أص‪.. .‬ل كب‪.. .‬ير والس‪.. .‬بب في ذل‪.. .‬ك أن الجمل‪.. .‬ة المتوس‪.. .‬طة بين ه‪.. .‬ذه‬
‫المعطوفة أخيرا ويبن المعطوف عليها األولى ترتبط في معناه‪.‬ا بتل‪.‬ك األولى كال‪.‬ذي‬
‫ت ‪..‬رى أن قول ‪..‬ه فك ‪..‬أن بين ‪..‬ا تهيب ‪..‬ني مرتب ‪..‬ط بقول ‪..‬ه تول ‪..‬وا بغت ‪..‬ة وذل ‪..‬ك أن الثاني ‪..‬ة مس ‪..‬بب‬
‫واألولى س‪..‬بب أال ت‪..‬رى أن المع‪..‬نى تول‪..‬وا بغت‪..‬ة فت‪..‬وهمت أن بين‪..‬ا تهي‪..‬ني وال ش‪..‬ك أن‬
‫هذا التوهم كان بسبب أن كان التولي بغتة وإ ذا كان كذلك كانت مع األولى كالش‪..‬يء‬
‫الواح ‪..‬د وك ‪..‬ان منزلته ‪..‬ا منه ‪..‬ا منزل ‪..‬ة المفع ‪..‬ول والظ ‪..‬رف وس ‪..‬ائر م ‪..‬ا يجيء بع ‪..‬د تم ‪..‬ام‬
‫الجمل ‪..‬ة من معم ‪..‬والت الفع ‪..‬ل مم ‪..‬ا ال يمكن إف ‪..‬راده ع ‪..‬ل الجمل ‪..‬ة وأن يعت ‪..‬د كالم ‪..‬ا على‬
‫حدته‪.‬‬
‫وهاهن‪..‬ا ش‪..‬يء آخ‪..‬ر دقي‪..‬ق وه‪..‬و أن‪..‬ك إذا نظ‪..‬رت إلى قول‪..‬ه فك‪..‬ان مس‪..‬ير عيس‪..‬هم‬
‫ذميال وجدته لم يعط‪.‬ف ه‪.‬و وح‪.‬ده على م‪.‬ا عط‪.‬ف علي‪.‬ه ولكن تج‪.‬د العط‪.‬ف ق‪.‬د تن‪.‬اول‬
‫جمل‪...‬ة ال‪...‬بيت مربوط‪...‬ا آخ‪...‬ره بأول‪...‬ه أال ت‪...‬رى أن الغ ‪..‬رض من ه ‪..‬ذا الكالم أن يجع ‪..‬ل‬
‫توليهم بغتة وعلى الوجه الذي توهم من أجله أن البين تهيبه مستدعيا بكاءه وموجب‪..‬ا‬
‫أن ينهم‪..‬ل دمع‪..‬ه فلم يعن‪..‬ه أن ي‪..‬ذكر ذمالن العيس إال لي‪..‬ذكر همالن ال‪..‬دمع وأن يوف‪..‬ق‬
‫بينهم ‪..‬ا وك ‪..‬ذلك الحكم في األول فنحن وإ ن قلن ‪..‬ا إن العط ‪..‬ف على تول ‪..‬وا بغت ‪..‬ة فإن ‪..‬ا ال‬
‫نع‪..‬ني أن العط‪..‬ف علي‪..‬ه وح‪..‬ده مقطوع‪..‬ا عم‪..‬ا بع‪..‬ده ب‪..‬ل العط‪..‬ف علي‪..‬ه مض‪..‬موما إلي‪..‬ه م‪..‬ا‬
‫بع‪..‬ده إلى أخ‪..‬ره وإ نم‪..‬ا أردن‪..‬ا بقولن‪..‬ا إن العط‪..‬ف علي‪..‬ه أن نعلم‪..‬ك أن‪..‬ه األص‪..‬ل والقاع‪..‬دة‬
‫وأن نص‪..‬رفك عن أن تطرح‪..‬ه وتجع‪..‬ل العط‪..‬ف على م‪..‬ا يلي ه‪..‬ذا ال‪..‬ذي تعطف‪..‬ه ف‪..‬تزعم‬
‫أن قول‪..‬ه فك‪..‬ان مس‪..‬ير عيس‪..‬هم معط‪..‬وف على فاج‪..‬أني فتق‪..‬ع في الخط‪..‬أ كال‪..‬ذي أرين‪..‬اك‬

‫‪36‬‬
‫فأمر العطف إذا موضوع على أنك تعطف تارة جملة على جمل‪..‬ة وتعم‪..‬د أخ‪..‬رى إلى‬
‫جمل‪..‬تين أو جم‪..‬ل فتعط‪..‬ف بعض‪..‬ا على بعض ثم تعط‪..‬ف مجم‪..‬وع ه‪..‬ذي على مجم‪..‬وع‬
‫تلك‪.‬‬
‫وينبغي أن يجعل ما يصنعـ في الشرط والجزاء من هذا المع‪..‬نى أص‪..‬ال يعت‪..‬بر‬
‫ب‪..‬ه وذل‪..‬ك أن‪..‬ك ت‪..‬رى م‪..‬تى ش‪..‬ئت جمل‪..‬تين ق‪..‬د عطفت إح‪..‬داهما على األخ‪..‬رى ثم جعلن‪..‬ا‬
‫يئ ًـة أ َْو إِثْ ًمـا ثُ َّم َي ْـرِم ِب ِـه‬
‫بمجموعهما شرطا ومثال ذلك قوله تع‪..‬الى‪َ ( :‬و َم ْن َي ْك ِس ْب َخ ِط َ‬
‫احتَ َم َل ُب ْهتَا ًنا َوإِثْ ًما ُم ِبي ًنا)‪ 22‬الش‪..‬رط كم‪..‬ا ال يخفى في مجم‪..‬وع الجمل‪..‬تين ال‬ ‫يئا فَقَ ِد ْ‬
‫َب ِر ً‬
‫في ك‪..‬ل واح‪..‬دة منهم‪..‬ا على االنف‪..‬راد وال في واح‪..‬دة دون األخ‪..‬رى ألن‪..‬ا إن قلن‪..‬ا إن‪..‬ه في‬
‫ك ‪..‬ل واح ‪..‬دة منهم ‪..‬ا ع ‪..‬ل االنف ‪..‬راد جعلناهم ‪..‬ا ش ‪..‬رطين وإ ذا جعلناهم ‪..‬ا ش ‪..‬رطين اقتض ‪..‬تا‬
‫جزاءين وليس معنا إال جزاء واحد‪.‬‬
‫وإ ن قلن‪..‬ا إن‪..‬ه في واح‪..‬دة منهم‪..‬ا دون األخ‪..‬رى ل‪..‬زم من‪..‬ه إش‪..‬راك م‪..‬ا ليس بش‪..‬رط‬
‫في الجزم بالشرط وذلك ما ال يخفى فساده ثم إنا نعلم من طريق المع‪..‬نى أن الج‪..‬زاء‬
‫ال ‪..‬ذي ه ‪..‬و احتم ‪..‬ال البهت ‪..‬ان واإلثم الم ‪..‬بين أم ‪..‬ر يتعل ‪..‬ق إيجاب ‪..‬ه لمجم ‪..‬وع م ‪..‬ا حص ‪..‬ل من‬
‫الجملتين فليس هو االكتس‪..‬اب الخطيئ‪..‬ة على االنف‪..‬راد وال ل‪..‬رمي ال‪..‬بريء بالخطيئ‪..‬ة أو‬
‫اإلثم على اإلطالق ب ‪.. .‬ل ل ‪.. .‬رمي اإلنس ‪.. .‬ان ال ‪.. .‬بريء بخطيئ ‪.. .‬ة أو إثم ك ‪.. .‬ان من ال ‪.. .‬رامي‬
‫ض‬‫يل اللَّ ِه َي ِجـ ـ ْد ِفي اأْل َْر ِ‬ ‫س ـ ـ ِب ِ‬ ‫ِ‬
‫وك‪.. . .‬ذلك الحكم أب‪.. . .‬دا فقول‪.. . .‬ه تع‪.. . .‬الى‪َ ( :‬و َم ْن ُي َهـ ــا ِج ْر في َ‬
‫ســوِل ِه ثُ َّم ُي ْد ِر ْك ُ‬
‫ــه‬ ‫ِ‬
‫ــاج ًرا إِلَى اللَّه َو َر ُ‬
‫ــه م َه ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ســ َع ًة َو َم ْن َي ْخــ ُر ْج م ْن َب ْيت ُ‬ ‫ــيرا َو َ‬
‫ِ‬
‫ُم َرا َغ ًمــا َكث ً‬
‫يما)‪ 23‬لم يعل‪.. .‬ق الحكم في‪.. .‬ه‬ ‫ِ‬ ‫َجـ رهُ َعلَى اللَّ ِه َو َكـ َ َّ‬
‫ـورا َرح ً‬ ‫ـان الل ُه َغفُ ـ ً‬ ‫ـع أ ْـ ُ‬
‫ت فَقَ ـ ْـد َوقَ ـ َ‬
‫ا ْل َمـ ْـو ُ‬
‫بالهجرة على االنفراد بل بها مقرونا إليها أن يدركه الموت عليها‪.‬‬
‫واعلم أن س‪.. . .‬بيل الجمل‪.. . .‬تين في ه‪.. . .‬ذا وجعلهم‪.. . .‬ا بمجموعهم‪.. . .‬ا بمنزل‪.. . .‬ة الجمل‪.. . .‬ة‬
‫الواحدة سيبل الجزءين تعقد منهما الجملة ثم يجعل المجموع خبرا أو ص‪..‬فة أو ح‪..‬اال‬
‫كقول زيد قام غالمه وزيد أبوه كريم ومررت برج‪..‬ل أب‪..‬وه ك‪..‬ريم وج‪..‬اءني زي‪..‬د يع‪..‬دو‬
‫ب‪..‬ه فرس‪..‬ه فكم‪..‬ا يك‪..‬ون الخ‪..‬بر والص‪..‬فة والح‪..‬ال ال محال‪..‬ة في مجم‪..‬وع الج‪..‬زءين ال في‬

‫النساء ‪112‬‬ ‫‪22‬‬

‫النساء ‪100‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪37‬‬
‫أحدهما كذلك يكون الشرط في مجموع الجملتين ال في إحداهما وإ ذا علمت ذلك في‬
‫الشرط فاحتذه في العطف فإنك تجده مثله سواء‪.‬‬
‫ومما ال يك‪..‬ون العط‪..‬ف في‪..‬ه إال على ه‪..‬ذا الح‪..‬د قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪َ ( :‬و َما ُك ْن َت ِب َج ِان ِب‬
‫شــأْ َنا قُُرو ًنــا‬ ‫ين َولَ ِك َّنا أَْن َ‬ ‫اه ِد َ‬
‫الشــ ِ‬
‫ــر َو َمــا ُك ْن َت ِم َن َّ‬ ‫ضــ ْي َنا إِلَى ُم َ‬
‫وســىـ اأْل َْم َ‬ ‫ا ْل َغ ْــر ِب ِّي إِ ْذ قَ َ‬
‫َهـ ِـل َمـ ْـد َي َن تَ ْتلُــو َعلَ ْي ِه ْم آ ََي ِات َنــا َولَ ِك َّنا ُك َّنا‬
‫او ًيــا ِفي أ ْ‬
‫ـاو َل َعلَ ْي ِه ُم ا ْل ُع ُمـ ُـر َو َمــا ُك ْن َت ثَ ِ‬
‫طـ َ‬‫فَتَ َ‬
‫ين)‪ 24‬لو جريت على الظاهر فجعلت كل جملة معطوفة على ما يليها من‪..‬ع من‪..‬ه‬ ‫ُم ْر ِس ِل َ‬
‫او ًيا ِفي أ ْ‬
‫َه ِل َمـ ْـد َي َن) معطوف‪..‬ا‬ ‫المعنى وذلك أنه يلزم منه أن يك‪..‬ون قول‪..‬ه‪َ ( :‬و َما ُك ْن َت ثَ ِ‬
‫ط َاو َل َعلَ ْي ِه ُم ا ْل ُع ُم ُر) وذلك يقتضي دخوله في معنى لكن ويصير كأن‪..‬ه‬ ‫على قوله‪( :‬فَتَ َ‬
‫قيل ولكنك ما كنت ثاويا وذلك ما ال يخفى فساده‪.‬‬
‫او ًيا‬‫وإ ذا كان ذلك بان من‪..‬ه أن‪..‬ه ينبغي أن يك‪..‬ون عط‪..‬ف مجم‪..‬وع‪َ ( :‬و َما ُك ْن َت ثَ ِ‬
‫ين) على مجم‪..‬وع قول‪..‬ه‪َ ( :‬و َمــا ُك ْن َت‬ ‫َه ِل َم ْد َي َن تَ ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم آ ََي ِات َنا َولَ ِك َّنا ُك َّنا ُم ْر ِس ِل َ‬ ‫ِفي أ ْ‬
‫ين َولَ ِك َّنا أَْن َ‬
‫ش ـأْ َنا‬ ‫اه ِد َ‬
‫الش ـ ِ‬
‫وس ـى اأْل َْمـ َـر َو َمــا ُك ْن َت ِم َن َّ‬ ‫ض ـ ْي َنا إِلَى ُم َ‬ ‫ِب َجـ ِان ِب ا ْل َغـ ْـر ِب ِّي إِ ْذ قَ َ‬
‫او ًيـا ِفي‬ ‫ـاو َل َعلَ ْي ِه ُم ا ْل ُع ُم ُـر) ف‪..‬إن قلت‪ :‬فهال ق‪..‬درت أن يك‪..‬ون‪َ ( :‬و َمـا ُك ْن َت ثَ ِ‬ ‫طـ َ‬ ‫قُُرو ًنا فَتَ َ‬
‫ين) دون أن ت ‪..‬زعم أن ‪..‬ه معط ‪..‬وف‬ ‫اه ِد َ‬‫الش ـ ِ‬
‫َهـ ِـل َمـ ْـد َي َن) معطوف ‪..‬ا على‪َ ( :‬و َمــا ُك ْن َت ِم َن َّ‬ ‫أْ‬
‫علي‪..‬ه مض‪..‬موما إلي‪..‬ه م‪..‬ا بع‪..‬ده إلى قول‪..‬ه‪( :‬ا ْل ُع ُمـ ُـر) قي‪..‬ل‪ :‬ألن‪..‬ا إن ق‪..‬درنا ذل‪..‬ك وجب أن‬
‫ش ـأْ َنا قُُرو ًنا) وأن يك ‪..‬ون ال ‪..‬ترتيب‪َ ( :‬و َمــا ُك ْن َت‬ ‫ين ‪..‬وى ب ‪..‬ه التق ‪..‬ديم على قول ‪..‬ه‪َ ( :‬ولَ ِك َّنا أَْن َ‬
‫ين ـ َو َمــا ُك ْن َت ثَ ِ‬
‫او ًيــا‬ ‫اه ِد َ‬
‫الش ِ‬
‫وسى اأْل َْم َر َو َما ُك ْن َت ِم َن َّ‬ ‫ض ْي َنا إِلَى ُم َ‬ ‫ِب َج ِان ِب ا ْل َغ ْر ِب ِّي إِ ْذ قَ َ‬
‫ـاو َل َعلَ ْي ِه ُم ا ْل ُع ُم ُـر ــ َولَ ِك َّنا‬
‫طَ‬ ‫َه ِل َم ْد َي َن تَ ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم آ ََي ِات َنا ــ َولَ ِك َّنا أَْن َ‬
‫شـأْ َنا قُُرو ًنـا فَتَ َ‬ ‫ِفي أ ْ‬
‫ين) وفي ذل‪..‬ك إزال‪..‬ة لكن عن موض‪..‬عها ال‪..‬ذي ينبغي أن تك‪..‬ون في‪..‬ه ذاك ألن‬ ‫ُك َّنا ُم ْر ِس ِل َ‬
‫س‪.‬بيل لكن س‪..‬بيل إال فكم‪..‬ا ال يج‪..‬وز أن تق‪.‬ول ج‪.‬اءني الق‪..‬وم وخ‪..‬رج أص‪.‬حابك إال زي‪..‬دا‬
‫وإ ال عم‪..‬را بجع‪..‬ل إال زي‪..‬دا اس‪..‬تثناء من ج‪..‬اءني الق‪..‬وم وإ ال عم‪..‬را من خ‪..‬رج أص‪..‬حابك‬
‫ك‪..‬ذلك ال يج‪..‬وز أن تص‪..‬نع مث‪..‬ل ذل‪..‬ك بلكن فتق‪..‬ول م‪..‬ا ج‪..‬اءني زي‪..‬د وم‪..‬ا خ‪..‬رج عم‪..‬رو‬
‫ولكن بكرا حاض‪.‬ر ولكن أخ‪.‬اك خ‪.‬ارج ف‪.‬إذا لم يج‪.‬ز ذل‪.‬ك وك‪.‬ان تق‪.‬ديرك ال‪.‬ذي زعمت‬
‫يؤدي إليه وجب أن تحكم بامتناعه فاعرفه‪.‬‬

‫القصص ‪45 ، 44‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪38‬‬
‫وهذا وإ نما تجوز نية التأخير في شيء معناه يقتضي له ذلك التأخير مثل أن‬
‫كون االسم مفعوال ال يقتضي له أن يكون بعد الفاعل‪ ،‬فإذا قدم على الفاعل ن‪.‬وى ب‪..‬ه‬
‫الت‪.. .‬أخير‪ ،‬ومع‪.. .‬نى‪( :‬لكن) في اآلي‪.. .‬ة يقتض‪.. .‬ي أن تك‪.. .‬ون في موض‪.. .‬عها ال‪.. .‬ذي هي في‪.. .‬ه‬
‫فكيف يجوز أن ينوى بها التأخير عنه إلى موضع آخر‪.‬‬

‫***‬
‫اإليجاز واإلطناب والمساواة‬
‫اإليجـاز‬

‫تتم ‪..‬يز اللغ ‪..‬ة العربي ‪..‬ة بجمل ‪..‬ة من الخص ‪..‬ائص ال ‪..‬تي تتف ‪..‬وق فيه ‪..‬ا على غيره ‪..‬ا‪،‬‬
‫وتكتسب بها ثراء لغويا‪ ،‬وتكتسي صفات جمالية تضفي عليها ط‪..‬ابع اإلعج‪..‬از‪ ،‬ومن‬
‫أهم تل ‪..‬ك الخص ‪..‬ائص‪ :‬اإليجــاز‪ ،‬ول ‪..‬ذلك ق ‪..‬الوا‪ ( :‬البالغ ‪..‬ة‪ :‬اإليج ‪..‬از) فك ‪..‬أنهم قص ‪..‬روا‬
‫البالغة عليها‪.‬‬
‫‪.‬حار بن عي‪.. .‬اش‬
‫فاإليج‪.. .‬از من البالغ‪.. .‬ة بمك‪.. .‬ان‪ ،‬وله‪.. .‬ذا لم‪.. .‬ا س‪.. .‬أل معاوي ‪. .‬ةُ ص‪َ . .‬‬
‫العبدي‪ :‬ما تعدون البالغة فيكم؟ قال صحار‪ :‬اإليج‪.‬از‪ ،‬وق‪.‬ال الجاح‪.‬ظ ‪ ... :‬وأحس‪.‬ن‬
‫الكالم م‪.‬ا ك‪..‬ان قليل‪..‬ه يغني‪.‬ك عن كث‪.‬يره‪ ،‬ونق‪.‬ل عن ابن األع‪..‬رابي أن‪.‬ه ق‪.‬ال ل‪.‬ه‪ :‬ق‪.‬ال لي‬
‫المفض‪..‬ل بن محم‪..‬د الض‪..‬بي‪ :‬قلت ألع‪..‬رابي من‪..‬ا‪ :‬م‪..‬ا البالغ‪..‬ة؟ ق‪..‬ال‪ :‬اإليج‪..‬از في غ‪..‬ير‬
‫عجز‪ ،‬واإلطن‪.‬اب في غ‪..‬ير خط‪.‬ل‪ ،‬وقي‪.‬ل لعب‪..‬د اهلل بن عم‪..‬ر ‪ :‬ل‪..‬و دع‪.‬وت اهلل ‪ ‬لن‪.‬ا‬
‫ب ‪..‬دعوات‪ ،‬فق ‪..‬ال‪ :‬اللهم ارحمن ‪..‬ا وعافن ‪..‬ا وارزقن ‪..‬ا‪ ،‬فق ‪..‬ال رج ‪..‬ل‪ :‬ل ‪..‬و زدتن ‪..‬ا ي ‪..‬ا أب ‪..‬ا عب ‪..‬د‬
‫‪25‬‬
‫الرحمن‪ ،‬فقال‪ :‬نعوذ باهلل من اإلسهاب ‪....‬‬
‫ويق‪..‬ول العالم‪..‬ة ابن األث‪..‬ير‪ :‬ال يتعل‪..‬ق باإليج‪..‬از إال فرس‪..‬ان البالغ‪..‬ة‪ ،‬من س‪..‬بق‬
‫بالق‪.ْ . .‬دح المعلَّى‪ ،‬وذل ‪.. .‬ك لعل ‪.. .‬و‬
‫إلى غايته ‪.. .‬ا ومن ص‪. . .‬لّى‪ ،‬وض ‪.. .‬رب في أعلى درجاته ‪.. .‬ا ِ‬
‫مكانه‪ ،‬وتعذر إمكانه‪.‬‬
‫وقي ‪.. .‬ل لبعض ‪.. .‬هم‪ :‬من أبل ‪.. .‬غ الن ‪.. .‬اس؟ ق ‪.. .‬ال‪ :‬من حلّي المع ‪.. .‬ني المزي ‪.. .‬ز باللف ‪.. .‬ظ‬
‫وطبق المفصل قبل التحزيز‪.‬‬
‫الوجيز‪ّ ،‬‬

‫‪25‬‬
‫البيان والتبيين‪1/54‬‬

‫‪39‬‬
‫وقي‪.‬ل للف‪.‬رزدق‪ :‬م‪.‬ا ص ّ‪.‬يرك إلي القص‪..‬ار بع‪..‬د الط‪.‬وال؟ ق‪.‬ال‪ :‬ألني رأيته‪..‬ا في‬
‫الصدور أوقع‪ ،‬وفي المحافل أجول‪.‬‬
‫واألصل في مدح اإليجاز كما يقول ابن سنان‪ :‬إن األلف‪..‬اظ غ‪..‬ير مقص‪..‬ودة في‬
‫أنفس‪.. .‬ها‪ ،‬وإ نم‪.. .‬ا المقص‪.. .‬ود ه‪.. .‬و المع‪.. .‬اني واألغ‪.. .‬راض ال‪.. .‬تي اح‪.. .‬تيج إلي العب‪.. .‬ارة عنه‪.. .‬ا‬
‫بالكالم فصار اللفظ بمنزلة الطريق إلي المعاني التي هي مقصودة‪.26‬‬
‫ويجع ‪..‬ل ابن س ‪..‬نان اإليج ‪..‬از ش ‪..‬رطا من ش ‪..‬روط الفص ‪..‬احة والبالغ ‪..‬ة‪ ،‬فيق ‪..‬ول‪:‬‬
‫ومن ش‪..‬روط الفص‪..‬احة والبالغة ‪ :‬اإليج‪..‬از واالختص ‪..‬ار وح‪..‬ذف فض ‪..‬ول الكالم ح ‪..‬تي‬
‫يع ‪..‬بر عن المع ‪..‬اني الكث ‪..‬يرة باأللف ‪..‬اظ القليل ‪..‬ة‪ ،‬وه ‪..‬ذا الب ‪..‬اب من أش ‪..‬هر دالئ ‪..‬ل الفص ‪..‬احة‬
‫وبالغة الكالم عن‪..‬د أك‪.‬ثر الن‪.‬اس ح‪..‬تي إنهم إنم‪.‬ا يستحس‪.‬نون من كت‪.‬اب اهلل ‪ ‬م‪.‬ا ك‪.‬ان‬
‫بهذه الصفة‪.27‬‬
‫‪28‬‬
‫ويقول العالمة السيوطي‪ :‬إن اإليجاز واإلطناب من أعظم أنواع البالغة‪.‬‬
‫وليس معني ه‪.‬ذا أن اإليج‪.‬از أبل‪..‬غ من اإلطن‪.‬اب‪ ،‬ب‪..‬ل لك‪.‬ل وجهت‪..‬ه‪ ،‬إذ جم‪..‬ع لن‪.‬ا‬
‫الق‪..‬رآن الك‪..‬ريم ـ وه‪..‬و المرج‪..‬ع في الفص‪..‬احة والبالغ‪..‬ة ـ بين اإليج‪..‬از واإلطن‪..‬اب‪ ،‬أو‬
‫كما يقول ابن قتيبة‪ :‬ل‪.‬و ك‪.‬ان اإليج‪.‬از محم‪.‬ودا في ك‪.‬ل األح‪.‬وال لج‪.‬رده اهلل تع‪.‬الى في‬
‫الق‪.. .‬رآن الك‪.. .‬ريم‪ ،‬ولم يفع‪.. .‬ل اهلل ‪ ‬ذل‪.. .‬ك‪ ،‬ولكن‪.. .‬ه أط‪.. .‬ال ت‪.. .‬ارة للتوكي‪.. .‬د‪ ،‬وح‪.. .‬ذف ت‪.. .‬ارة‬
‫‪29‬‬
‫لإليجاز‪ ،‬وكرر تارة لإلفهام‪.‬‬
‫وال ريب ف ‪..‬إن حاج ‪..‬ة البلي ‪..‬غ إلى اإلطن ‪..‬اب هي نفس حاجت ‪..‬ه إلي اإليج ‪..‬از‪ ،‬أو‬
‫كما يقول العالمة العسكري‪ :‬والق‪..‬ول القص‪..‬د أن اإليج‪..‬از واإلطن‪..‬اب يحت‪..‬اج إليهم‪..‬ا في‬
‫جمي‪..‬ع الكالم‪ ،‬وك‪..‬ل ن‪..‬وع في‪..‬ه‪ ،‬ولك‪..‬ل واح‪..‬د منهم‪..‬ا موض‪..‬ع‪ ،‬فالحاج‪..‬ة إلى اإليج‪..‬از في‬
‫موض‪.. .‬عه كالحاج‪.. .‬ة إلي اإلطن‪.. .‬اب في مكان‪.. .‬ه‪ ،‬فمن أزال الت‪.. .‬دبير في ذل‪.. .‬ك عن جهت‪.. .‬ه‬
‫واس‪.. .‬تعمل اإلطن‪.. .‬اب في موض‪.. .‬ع اإليج‪.. .‬از‪ ،‬واس‪.. .‬تعمل اإليج‪.. .‬از في موض‪.. .‬ع اإلطن‪.. .‬اب‬
‫أخط ‪..‬أ‪ ،..‬كم ‪..‬ا روي عن جعف ‪..‬ر بن يح ‪..‬يي أن ‪..‬ه ق ‪..‬ال م ‪..‬ع عجب ‪..‬ه باإليج ‪..‬از ‪ :‬م ‪..‬تي ك ‪..‬ان‬

‫‪26‬‬
‫سر الفصاحة ‪251‬‬
‫‪27‬‬
‫نفسه ‪241‬‬
‫‪28‬‬
‫اإلتقان في علوم القرآن ‪3/161‬‬
‫‪29‬‬
‫أدب الكاتب ‪15‬‬

‫‪40‬‬
‫اإليجاز أبلغ كان اإلكثار عي‪..‬ا‪ ،‬وم‪..‬تي ك‪..‬انت الكناي‪..‬ة في موض‪..‬ع اإلكث‪..‬ار ك‪..‬ان اإليج‪..‬از‬
‫‪30‬‬
‫تقصيرا‪..‬‬
‫ويرج ‪..‬ع األص ‪..‬ل في الحكم علي اإليج ‪..‬از واإلطن ‪..‬اب‪ ،‬وحاج ‪..‬ة الكالم إليهم ‪..‬ا‪:‬‬
‫إلي أس‪.. .‬لوب تن‪.. .‬اول الموض‪.. .‬وعات‪ ،‬وط‪.. .‬رق عرض‪.. .‬ها بس‪.. .‬طا أو إيج‪.. .‬ازا‪ ،‬حس‪.. .‬ب م‪.. .‬ا‬
‫يقتض ‪..‬يه الغ ‪..‬رض وم ‪..‬ا يتناس ‪..‬ب م ‪..‬ع المق ‪..‬ام ال من حيث ص ‪..‬ياغة األلف ‪..‬اظ قل ‪..‬ة وك ‪..‬ثرة‪،‬‬
‫وضرب فضيلته مثاال علي ذلك قائال‪:‬‬
‫وليكن النم ‪.. .‬وذج موازن ‪.. .‬ة بين نص ‪.. .‬ين ك ‪.. .‬ريمين من الق ‪.. .‬رآن الك ‪.. .‬ريم يعالج ‪.. .‬ان‬
‫موض‪..‬وعا واح‪..‬دا‪ ،‬ولكن أح‪..‬دهما س‪..‬يق في مق‪..‬ام‪ ،‬ودع‪..‬ا إلي‪..‬ه غ‪..‬رض مغ‪..‬اير للغ‪..‬رض‬
‫والمقام في النص الثاني‪ ،‬ومن هنا اختلف أسلوب ع‪..‬رض الموض‪..‬وع‪ ،‬فج‪..‬اء أح‪..‬دهما‬
‫م ‪..‬وجزا س ‪..‬ريعا‪ ،‬وج ‪..‬اء الث ‪..‬اني هادئ ‪..‬ا مستفيض ‪..‬ا‪ ،‬أم ‪..‬ا النص األول ففي قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪:‬‬
‫سـو ٌل أ َِم ٌ‬
‫ين‬ ‫ـون إِِّني لَ ُك ْم َر ُ‬
‫وح أَال تَتَّقُـ َ‬
‫وه ْم ُن ٌ‬‫ال لَ ُه ْم أَ ُخ ُ‬ ‫ين إِ ْذ قَ َ‬ ‫س ِل َ‬ ‫‪َ ‬ك َّذ َب ْت قَ ْو ُم ُن ٍ‬
‫وح ا ْل ُم ْر َ‬
‫َجـ ِري إِال َعلَى َر ِّب ا ْل َعــالَ ِم َ‬
‫ين‬ ‫َس ـأَلُ ُك ْم َعلَ ْيـ ِـه ِم ْن أ ْ‬
‫َجـ ٍر إِ ْن أ ْ‬ ‫يعـ ِ‬
‫ـون َو َمــا أ ْ‬
‫ِ‬
‫فَــاتَّقُوا اللَّ َه َوأَط ُ‬
‫ـون قَـا َل َو َمـا ِع ْل ِمي ِب َمـا َكـا ُنوا‬ ‫ـون قَـالُوا أَُن ْـؤ ِم ُن لَـ َك َواتََّب َع َ‬
‫ـك األ َْر َذلُ َ‬ ‫يع ِ‬ ‫ِ‬
‫فَـاتَّقُوا اللَّ َه َوأَط ُ‬
‫ين إِ ْن أََنــا إِال‬ ‫ـار ِد ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬
‫طـ ِ‬ ‫ون َو َمــا أََنــا ِب َ‬
‫شـ ُع ُر َ‬ ‫س ُاب ُه ْم إِال َعلَى َر ِّبي لَ ْو تَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ون إِ ْن ح َ‬ ‫َي ْع َملُ َ‬
‫ين قَــا َل َر ِّب إِ َّن َقـ ْـو ِمي‬ ‫ـوح لَتَ ُكــو َن َّن ِم ْن ا ْل َم ْر ُجــو ِم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين قَــالُوا لَئ ْن َل ْم تَْنتَــه َيــا ُنـ ُ‬ ‫ير ُم ِب ٌ‬ ‫ِ‬
‫َنــذ ٌ‬
‫َنج ْي َناهُ َو َم ْن َم َع ُه‬
‫ين فَأ َ‬ ‫ون فَافْتَ ْح َب ْي ِني َو َب ْي َن ُه ْم فَتْ ًحا َو َن ِّج ِني َو َم ْن َم ِعي ِم ْن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َـ‬ ‫َك َّذ ُب ِ‬
‫ـان أَ ْكثَ ـ ُـر ُه ْم‬
‫آليــ ًة َو َمــا َكـ َ‬ ‫ـك َ‬ ‫ين إِ َّن ِفي َذِل ـ َ‬ ‫ون ثُ َّم أَ ْغر ْق َن ــا بعـ ُـد ا ْلب ـ ِ‬
‫ـاق َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫شــ ُح ِ‬‫ِفي ا ْل ُف ْل ـ ِـك ا ْل َم ْ‬
‫ِ‬ ‫ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬
‫يم‪ 31 ‬فاآلي‪.. .‬ات الكريم‪.. .‬ة ال ت‪.. .‬ذكر ش‪.. .‬يئا عن‬ ‫َّك لَ ُه ـ َـو ا ْل َع ِزي ـ ُـز ال ـ َّـرح ُ‬
‫ين َوإِ َّن َرب َ‬
‫العذاب ال‪.‬ذي أخ‪.‬ذ اهلل ب‪.‬ه الظ‪.‬المين من ق‪.‬وم ن‪.‬وح‪ ،‬وإ نم‪.‬ا تكتفي ب‪.‬ذكر إغ‪.‬راق اهلل لهم‪،‬‬
‫ولم يذكر فيها صنع الفلك وحمل من حمل مع نوح‪ ،‬وال وص‪..‬ف الم‪..‬وج ال‪..‬ذي ج‪..‬رت‬
‫في ‪..‬ه الس ‪..‬فينة إلي غ ‪..‬ير ذل ‪..‬ك‪ ،‬ألن المق ‪..‬ام ال يس ‪..‬تدعي ش ‪..‬يئا من ه ‪..‬ذا‪ ،‬فم ‪..‬ا دام الغ ‪..‬رض‬
‫األساسي هو إره‪.‬اب ه‪.‬ؤالء المتك‪.‬برين‪ ،‬وتأكي‪.‬د أن س‪.‬نة اهلل ماض‪.‬يه في جمي‪.‬ع األمم‪،‬‬
‫وأن عليهم أن يق‪..‬وا أنفس‪..‬هم ه‪..‬ذا المص‪..‬ير المحق‪..‬ق‪ ،‬ف‪..‬إن النص الك‪..‬ريم يكتفي ب‪..‬ذكر م‪..‬ا‬
‫ي‪..‬ؤدي ه‪..‬ذا الغ‪..‬رض به‪..‬ذا اإليج‪..‬از والس‪..‬رعة ال‪..‬تي لمس‪..‬ناها‪ ،‬وم‪..‬ع التك‪..‬رار في بعض‬

‫‪30‬‬
‫الصناعتين ‪193‬‬
‫‪31‬‬
‫الشعراء ‪122 : 105‬‬

‫‪41‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‪ ،‬وقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬إِ َّن في َذلـ َك َ‬
‫آليـ ًة َو َمـا‬ ‫يع ِ‬ ‫اآلي‪..‬ات كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬فَاتَّقُوا اللَّ َه َوأَط ُ‬
‫ِ‬ ‫ـان أَ ْكثَـُـر ُه ْم ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬
‫يم‪ ‬فإنن‪..‬ا ال نعت‪..‬بر النص الك‪..‬ريم‬ ‫َّك لَ ُهـ َـو ا ْل َع ِزيـ ُـز الـ َّـرح ُ‬
‫ين َوإِ َّن َرب َ‬ ‫َكـ َ‬
‫مطنبا‪.‬‬
‫ـه إِِّني لَ ُك ْم‬ ‫أم ‪..‬ا النص الث ‪..‬اني ففي قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪ :‬ولَقَـ ْـد أَرس ـ ْل َنا ُنوحـ ا إِلَى قَو ِمـ ِ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫اب َيـ ْـوٍم أَِل ٍيم فَقَــا َل ا ْل َمألُ الَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫اف َعلَ ْي ُك ْم َعـ َذ َ‬ ‫َخـ ُ‬‫َن ال تَ ْع ُبـ ُـدوا إِال اللَّ َه إِِّني أ َ‬ ‫ين أ ْ‬ ‫ير ُم ِب ٌ‬ ‫ِ‬
‫َنذ ٌ‬
‫ين ُهم أَر ِاذلُ َنــا بـ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ش ًرا ِم ْثلَ َنا َو َما َن َر َ‬ ‫َكفَُروا ِم ْن قَ ْو ِم ِه َما َن َرا َك إِال َب َ‬
‫ـادي‬ ‫َ‬ ‫اك اتََّب َع َك إال الذ َ ْ َ‬
‫ين قَـا َل َيـا قَ ْـوِم أ ََرأ َْيتُ ْم إِ ْن ُك ُ‬
‫نت‬ ‫ضـ ٍل ب ْـل َنظُ ُّن ُكم َك ِ‬
‫ـاذ ِب َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْي َو َمـا َن َـرى لَ ُك ْم َعلَ ْي َنـا م ْن فَ ْ َ‬ ‫الـرأ ِ‬
‫َّ‬
‫وهــا َوأَْنتُ ْم لَ َهــا‬ ‫ــاني َر ْح َمــ ًة ِم ْن ِع ْن ِــد ِه فَ ُع ِّم َي ْت َعلَ ْي ُك ْم أَُن ْل ِز ُم ُك ُم َ‬ ‫ــة ِم ْن ر ِّبي وآتَ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َعلَى َب ِّي َن ٍـ‬
‫ـار ِد الَِّذ َ‬
‫ين‬ ‫طـ ِ‬‫َج ِري إِال َعلَى اللَّ ِه َو َما أََنــا ِب َ‬ ‫َسأَلُ ُك ْم َعلَ ْي ِه َماال إِ ْن أ ْ‬ ‫ون َو َيا َق ْوِم ال أ ْ‬ ‫ار ُه َ‬ ‫َك ِ‬
‫نصـ ُر ِنيـ ِم ْن اللَّ ِه‬ ‫ـون َو َيــا قَـ ْـوِم َم ْن َي ُ‬ ‫آم ُنوا إِ َّن ُه ْم ُمالقُو َر ِّب ِه ْم َولَ ِك ِّني أ ََرا ُك ْم قَ ْو ًمــا تَ ْج َهلُـ َ‬ ‫َ‬
‫َعلَ ُم ا ْل َغ ْي َب َوال أَقُـو ُل‬ ‫ون َوال أَقُو ُل لَ ُك ْم ِعنـ ِـدي َخ َـز ِائ ُن اللَّ ِه َوال أ ْ‬ ‫ط َر ْدتُ ُه ْم أَفَال تَ َذ َّك ُر َ‬ ‫إِ ْن َ‬
‫َعلَ ُم ِب َمــا ِفي‬ ‫َع ُي ُن ُك ْم َل ْن ُي ـ ْـؤ ِت َي ُه ْم اللَّ ُه َخ ْيـ ًـرا اللَّ ُه أ ْ‬
‫ين تَ ـ ْـز َد ِري أ ْ‬ ‫إِِّني َملَــ ٌك َوال أَقُ ــو ُل ِللَّ ِذ َ‬
‫اد ْلتََنــا فَ ـأَ ْكثَْر َت ِجـ َدالَ َنا فَأ ِْت َنــا ِب َمــا‬
‫ـوح قَـ ْـد َج َ‬ ‫ين قَــالُوا َيــا ُنـ ُ‬ ‫أَنفُ ِس ـ ِه ْم إِِّني إِ ًذا َل ِم ْن الظَّ ِال ِم َ‬
‫ين َوال‬ ‫اء َو َما أَْنتُ ْم ِب ُم ْع ِج ِز َ‬ ‫ش َ‬ ‫ال إِ َّن َما َيأ ِْتي ُك ْم ِب ِه اللَّ ُه إِ ْن َ‬
‫ين قَ َ‬‫الص ِاد ِق َ‬‫نت ِم ْن َّ‬ ‫تَ ِع ُد َنا إِ ْن ُك َ‬
‫َن ُي ْغ ِو َي ُك ْم ُه َو َر ُّب ُك ْم َوإِلَ ْي ِه‬
‫يد أ ْ‬ ‫ان اللَّ ُه ُي ِر ُ‬‫َنص َح لَ ُك ْم إِ ْن َك َ‬‫َن أ َ‬ ‫ت أْ‬ ‫ص ِحي إِ ْن أ ََر ْد ُ‬ ‫َينفَ ُع ُك ْم ُن ْ‬
‫يء ِم َّما تُ ْج ِر ُمـ َ‬
‫ـون‬ ‫ج َرامي َوأََنــا َبـ ِـر ٌ‬
‫ون افْتَراهُ ُقـ ْـل إِ ْن افْتَر ْيتُـ ُـه فَعلَ َّي إِ ْـ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ون أ َْم َيقُولُ َ َ‬ ‫تُْر َج ُع َ‬
‫س ِب َمـــا َكــا ُنوا‬ ‫آم َن فَال تَْبتَِئ ْـ‬ ‫ـــد َ‬‫ـــؤ ِم َن ِم ْن قَ ْو ِمـــ َك إِال َم ْن قَ ْ‬ ‫ُوح َي إِلَى ُن ٍ‬
‫ـــوح أ ََّن ُه لَ ْن ُي ْ‬ ‫وأ ِ‬
‫َ‬
‫ظلَ ُمــوا إِ َّن ُه ْم ُم ْغ َرقُـ َ‬
‫ـون‬ ‫ين َ‬ ‫اط ْب ِنيـ ِفي الَّ ِذ َ‬ ‫َعي ِن َنا وو ْح ِي َنــا وال تُ َخـ ِ‬
‫َ‬ ‫اص َن ْع ا ْل ُف ْل َك ِبأ ْ ُ َ َ‬ ‫ون َو ْ‬ ‫َي ْف َعلُ َ‬
‫سـ َخ ُروا ِم َّنا فَِإ َّنا‬ ‫ـه قَـا َل إِ ْن تَ ْ‬ ‫سـ ِخ ُروا ِم ْنـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َنعُ ا ْل ُف ْل َك َو ُكلَّ َما َمَّر َعلَ ْيــه َمألٌ م ْن قَ ْو ِمــه َ‬ ‫َو َي ْ‬
‫ـل َعلَ ْيـ ِـه‬ ‫اب ُي ْخ ِزيـ ِـه َو َي ِحـ ُّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـون َم ْن َيأْتيــه َعـ َذ ٌ‬ ‫ف تَ ْعلَ ُمـ َ‬ ‫س ـ ْو َ‬ ‫ون فَ َ‬ ‫س ـ َخ ُر َ‬ ‫ِ‬
‫س ـ َخ ُر م ْن ُك ْم َك َمــا تَ ْ‬ ‫َن ْ‬
‫يهــا ِم ْن ُكـ ٍّـل َز ْو َج ْي ِن اثَْن ْي ِن‬ ‫اح ِمـ ْ ِ‬
‫ـل ف َ‬ ‫ور ُق ْل َنــا ْ‬‫ـار التَُّّن ُ‬ ‫يم َحتَّى إِ َذا َج َ‬
‫اء أ َْم ُر َنــا َوفَـ َ‬
‫ِ‬
‫اب ُمق ٌ‬ ‫َع َذ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آم َن َم َع ُه إِال َقلي ٌل َوقَا َل ْار َك ُبوا ف َ‬
‫يهــا‬ ‫آم َن َو َما َ‬ ‫ق َعلَ ْيه ا ْلقَ ْو ُل َو َم ْن َ‬ ‫َهلَ َك إِال َم ْن َ‬
‫س َب َ‬ ‫َوأ ْ‬
‫يم َو ِه َي تَ ْجــــ ِري ِب ِه ْم ِفي َمـ ـ ْـو ٍج‬ ‫ِ‬
‫ــــور َرح ٌ‬‫اها إِ َّن َر ِّبي لَ َغفُ ٌ‬ ‫ســــ َ‬ ‫ســــِم اللَّ ِه َم ْج َر َ‬
‫اهــــا َو ُم ْر َ‬ ‫ِب ْ‬
‫ـاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫ان ِفي مع ِز ٍل يــا ب َن َّي ار َك ْب مع َنــا وال تَ ُك ْن مــع ا ْل َكـ ِ‬ ‫وح ْاب َن ُه َو َك َ‬ ‫َكا ْل ِج َب ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َْ َ ُ ْ‬ ‫ادى ُن ٌ‬ ‫ال َو َن َ‬
‫اصـ َم ا ْل َيـ ْـو َم ِم ْن أ َْمـ ِـر اللَّ ِه إِال َم ْن‬ ‫ـال ال ع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫آوي إِلَى َجَبـ ٍـل َي ْعصـ ُمني م ْن ا ْل َمــاء قَـ َ َ‬ ‫سـ ِ‬ ‫ـال َ‬ ‫قَـ َ‬

‫‪42‬‬
‫اء‬ ‫ض ْابلَ ِعي م ِ‬ ‫ين َو ِقي َل َيا أ َْر ُ‬ ‫ان ِم ْن ا ْل ُم ْغ َر ِق َ‬ ‫َر ِح َم َو َحا َل َب ْي َن ُه َما ا ْل َم ْو ُج فَ َك َ‬
‫س ـ َم ُ‬ ‫اءك َو َيا َ‬ ‫َ َ‬
‫ي َو ِقي ـ ـ َل ُب ْعـ ـ ًـدا ِل ْلقَـ ـ ْـوِم‬ ‫س ـ ـتََو ْت َعلَى ا ْل ُجـ ـ ِ‬
‫ـود ِّ‬ ‫ِ‬
‫ـاء َوقُض ـ ـ َي األ َْمـ ـ ُـر َوا ْ‬ ‫يض ا ْل َمـ ـ ُ‬‫أَق ِْل ِعي َو ِغ َ‬
‫ق َوأَْن َت‬ ‫َه ِلي َوإِ َّن َو ْع َ‬
‫ـــد َك ا ْل َحـــ ُّ‬ ‫َّه فَقَـــا َل َر ِّب إِ َّن ْاب ِني ِم ْن أ ْ‬ ‫ـــوح َرب ُ‬‫ـــادى ُن ٌ‬ ‫ين َو َن َ‬ ‫الظَّ ِال ِم َ‬
‫سـأَْل ِني َمــا‬ ‫صـال ٍح فَال تَ ْ‬
‫َه ِل َك إِ َّن ُه عم ٌل َغ ْير ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫س ِم ْن أ ْ‬ ‫وح إِ َّن ُه لَ ْي َ‬
‫ين قَا َل َيا ُن ُ‬ ‫اك ِم َ‬
‫َح َكم ا ْلح ِ‬
‫أْ ُ َ‬
‫َن‬
‫ـك أ ْ‬ ‫َعــو ُذ ِب ـ َ‬ ‫ـال َر ِّب إِِّني أ ُ‬ ‫ين قَ ـ َ‬ ‫اه ِل َ‬
‫ـون ِم ْن ا ْلجــ ِ‬
‫َ‬ ‫َن تَ ُكـ َ‬ ‫ـك أ ْ‬ ‫َعظُ ـ َ‬ ‫ـك ِب ـ ِـه ِع ْلم إِِّني أ ِ‬
‫ٌ‬ ‫س لَ ـ َ‬ ‫لَ ْي َ‬
‫ـوح‬ ‫اس ِر َ ِ‬ ‫أَسأَلَ َك ما َل ْيس ِلي ِب ِه ِع ْلم وإِال تَ ْغ ِفر ِلي وتَرحم ِنيـ أَ ُك ْن ِم ْن ا ْل َخ ِ‬
‫ين قيـ َل َيــا ُنـ ُ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫سـ ُه ْم ِم َّنا‬ ‫سـ ُن َمتِّ ُع ُه ْم ثُ َّم َي َم ُّ‬
‫ُم ٌم َ‬
‫ات علَ ْي َك وعلَى أ ٍ ِ‬
‫ُمم م َّم ْن َم َعـ َك َوأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ٍ‬
‫الم م َّنا َو َب َر َك َ‬
‫اه ِب ْط ِبس ٍ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫نت تَ ْعلَ ُم َها أَْن َت َوال قَ ْو ُم َك ِم ْن قَْب ِل‬ ‫يها إِلَ ْي َك َما ُك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ت ْل َك م ْن أَْن َباء ا ْل َغ ْي ِب ُنوح َ‬
‫ع َذاب أَِل ِ ِ‬
‫َ ٌ ٌ‬
‫ين‪ ،32‬إن ‪.. . .‬ه يحكي نفس القص ‪.. . .‬ة‪ ،‬فبينهم ‪.. . .‬ا وح ‪.. . .‬دة‬ ‫عاق َبـ ـ ـ َة ِل ْل ُمتَّ ِق َ‬
‫َهـ ـ ـ َذا َفاصـ ـ ـ ِبر إِ َّن ا ْل ِ‬
‫ْ ْ‬
‫الموضوع‪ ،‬إال أن الغ‪.‬رض هن‪..‬ا غ‪..‬يره هن‪.‬اك‪ ،‬والمق‪..‬ام هن‪.‬ا غ‪..‬ير المق‪.‬ام هن‪..‬اك‪ ،‬والنص‬
‫هنا يعرض األحداث عرضا مبسوطا متأنيا‪ ،‬والقصة تمضي في ه‪..‬دوء وتمه‪..‬ل ي‪..‬تيح‬
‫للق ‪..‬ارئ أو المس ‪..‬تمع أن يت ‪..‬دبر وي ‪..‬وازن بين األم ‪..‬ور ليخت ‪..‬ار أه ‪..‬داها س ‪..‬بيال‪ ،‬وأكرمه ‪..‬ا‬
‫م‪..‬آال‪ ...‬وبق‪..‬در م‪.‬ا ك‪..‬ان الغ‪..‬رض في النص األول مح‪..‬دودا‪ ،‬والمق‪..‬ام يس‪..‬تدعي الس‪..‬رعة‬
‫والحس ‪..‬م‪ ،‬ك ‪..‬ان األم ‪..‬ر ك ‪..‬ذلك في طريق ‪..‬ة الع ‪..‬رض‪ ،‬وعن ‪..‬دما ك ‪..‬ان الغ ‪..‬رض في النص‬
‫الث ‪..‬اني يس ‪..‬توجب التمه ‪..‬ل واألن ‪..‬اة الل ‪..‬ذين يقتض ‪..‬يهما مق ‪..‬ام التس ‪..‬رية عن رس ‪..‬ول اهلل ‪‬‬
‫وتثبيته‪ ،‬وبيان أن ما يالقيه من قومه هو نفس ما القاه إخوان‪..‬ه األنبي‪..‬اء من أق‪..‬وامهم‪،‬‬
‫وأن العبرة بالعاقب‪..‬ة والم‪.‬آل‪ ،‬رأين‪..‬ا النص الك‪.‬ريم يبس‪.‬ط الكالم ويس‪..‬تعرض العدي‪.‬د من‬
‫المش‪..‬اهد ليحق‪..‬ق الغ‪..‬رض من القص‪..‬ة‪ ..‬وعلي ذل‪..‬ك فق‪..‬د ك‪..‬ان الط‪..‬ابع الع‪..‬ام في النص‬
‫األول ه‪..‬و اإليج‪..‬از‪ ،‬وفي الث‪..‬اني اإلطن‪..‬اب‪ ،...‬وإ ن دل ذل‪..‬ك علي ش‪..‬ئ فإنم‪..‬ا يؤك‪..‬د م‪..‬ا‬
‫ذهبن ‪.. .‬ا إلي ‪.. .‬ه من أن اإليج ‪.. .‬از إيج ‪.. .‬از مق ‪.. .‬ام وموض ‪.. .‬وع‪ ،‬وأن اإلطن ‪.. .‬اب إطن ‪.. .‬اب مق ‪.. .‬ام‬
‫‪33‬‬
‫وموضوع‪.‬‬
‫تعريف اإليجاز‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫هود ‪49 : 25‬‬
‫‪33‬‬
‫رؤية جديدةـ لإليجازـ واإلطناب ‪ 253 : 242 /‬بتصرف يسير‬

‫‪43‬‬
‫وج‪ .‬ز فالن في منطق‪..‬ه َي ِج‪ .‬ز وج‪..‬زا‪،‬‬
‫اإليجــاز لغة‪ :‬التقصــير واالختصــار‪ ،‬وق‪..‬د َ‬
‫ووج‪..‬وزا‪ :‬أس‪..‬رع في‪..‬ه واختص‪..‬ره‪ ،‬وأوج‪..‬ز الكالم‪ :‬قص‪..‬ره وقلل‪..‬ه فه‪..‬و واج‪..‬ز‪ ،‬ويق‪..‬ال‪:‬‬
‫قصر في بالغة فهو وجيز‪.34‬‬ ‫ووجز الكالم ‪ُ :‬‬
‫أوجزت الكالم أي قصرته‪ُ ،‬‬
‫وفي اصطالح البالغــيين‪ :‬وضـع المعـاني الكثــيرة في ألفـاظ قليلـة بشـرط أن‬
‫تكون وافية بها‪ ،‬وإ ن ش‪..‬ئت فق‪..‬ل‪ :‬أن ي‪..‬ؤدي المع‪..‬ني بعب‪..‬ارة أق‪..‬ل مم‪..‬ا يس‪..‬تحق بحس‪..‬ب‬
‫متع ‪..‬ارف األوس ‪..‬اط‪ ،‬بش ‪..‬رط أن تك ‪..‬ون العب ‪..‬ارة وافي ‪..‬ة ب ‪..‬المعنى الم ‪..‬راد‪ ،‬وإ ن فق ‪..‬د ذل ‪..‬ك‬
‫الش ‪..‬رط ك ‪..‬ان إخالال ب ‪..‬المعني‪ ،‬وك ‪..‬انت التعب ‪..‬ير قاص ‪..‬را عن أداء الم ‪..‬راد من ‪..‬ه‪ ،‬وله ‪..‬ذا‬
‫عاب النقاد البالغيون على الشاعر عروة بن الورد قوله‪:‬‬
‫وم ْقتَلُهم عن‪.. . . .‬د ال‪.. . . .‬وغى ك‪.. . . .‬ان أع‪.. . . .‬ذرا‬
‫َ‬ ‫عجبت لهم إذ َيقتلُ‪.. . . . .‬ون نفو َس‪. . . . . .‬هم‬
‫ُ‬

‫فق‪..‬د أراد ع‪..‬روة أن يق‪..‬ول‪ :‬إذ يقتل‪..‬ون نفوس‪..‬هم في الس‪..‬لم‪ ،‬لكن منط‪..‬ق ال‪..‬بيت ال‬
‫ي‪.. .‬دل علي ه‪.. .‬ذا لع‪.. .‬دم وج‪.. .‬ود القرين‪.. .‬ة الدال‪.. .‬ة على المح‪.. .‬ذوف‪ ،‬فك‪.. .‬ان ذل‪.. .‬ك إخالال‪ ،‬ال‬
‫إيجازا‪ ،‬وعابوا كذلك علي الشاعر الحارث بن ِحلّزة قوله‪:‬‬
‫‪35‬‬ ‫الن ِ‬
‫وك ممن ع‪.. . . . . . . . . . . . . .‬اش ك‪.َّ . . . . . . . . . . . . . .‬دا‬ ‫ل َّ‬ ‫والعيش خ‪.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬ير في ظال‬

‫فإن‪..‬ه أراد العيش الن‪..‬اعم في ظالل الن‪..‬وك‪ ،‬وه‪..‬و ـ من وجه‪..‬ة نظ‪..‬ره ـ خ‪..‬ير من‬
‫العيش الشاق في ظالل العقل‪ ،‬فأخل بالمعني‪.‬‬
‫صــر‪ ،36‬وإ يجــاز حــذف‪ ،‬يق ‪..‬ول العالم ‪..‬ة الس ‪..‬بكي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫واإليج‪...‬از نوع‪...‬ان‪ :‬إيجــاز ق َ‬
‫اإليج‪..‬از ض‪..‬ربان‪ :‬إيج‪..‬از القص‪..‬ر‪ ،‬وإ يج‪..‬از الح‪..‬ذف‪ ،‬والف‪..‬رق بينهم‪..‬ا‪ :‬أن الكالم القلي‪..‬ل‬
‫إن ك‪..‬ان بعض‪..‬ا من كالم أط‪..‬ول من‪..‬ه فه‪..‬و إيج‪..‬از ح‪..‬ذف‪ ،‬وإ ن ك‪..‬ان كالم‪..‬ا يعطي مع‪..‬ني‬
‫أطول منه فهو إيجاز قصر‪ ،37‬وإ ليك تفصيل كل ضرب‪.‬‬
‫إيجاز القصر‬

‫‪34‬‬
‫المعجم الوسيط‬
‫‪35‬‬
‫النوك بفتح النون وضمها‪ :‬الحمق‪ ،‬والكد‪ :‬التعب والمشقة‪.‬‬
‫ص ر‪ ،‬بكسر ثم فتح‪ ،‬سمي كذلك لوجود االقتصار في العبارة مع كثرة المعني كما سيأتي في تعريفه بمشيئة اهلل تعالي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪36‬‬
‫ق َ‬
‫‪37‬‬
‫عروس األفراح في شرح تلخيصـ المفتاح للعالمة بهاء الدين السبكي ضمن شروح التلخيص ‪183 /3‬‬

‫‪44‬‬
‫هو‪ :‬التعبير عن المعانى الكثيرة باأللفاظ القليلة من غير تقدير حــذف فيها‪،‬‬
‫وإ ن ش ‪..‬ئت فق ‪..‬ل‪ :‬إن ‪..‬ه التعب ‪..‬ير عن جوام ‪..‬ع الكلم لي ‪..‬دل دالل ‪..‬ة ظ ‪..‬اهرة على التمكن في‬
‫ام َع ا ْل َك ِلِم)‬
‫يت جو ِ‬
‫ُعط ُ َ َ‬
‫فصاحة الكالم‪ ،‬ولهذا قال الحبيب ‪ ( ‬أ ْ ِ‬
‫وألن ‪.. .‬ه مطمح أنظ ‪.. .‬ار البلغ ‪.. .‬اء‪ ،‬وغاي ‪.. .‬ة الفص ‪.. .‬حاء‪ ،‬وس ‪.. .‬باق النجب ‪.. .‬اء‪ ،‬تج ‪.. .‬د أن‬
‫الم َعلَّي‪ 38‬في هذا المضمار وال يباري‪ ،‬وكيف يب‪..‬اري وربي‬ ‫القرآن الكريم له القَ َد ُح ُ‬
‫آن ال‬ ‫َن َيـأْتُوا ِب ِمثْـ ِـل َهـ َذا ا ْلقُـ ْـر ِ‬ ‫نس َوا ْل ِج ُّن َعلَى أ ْ‬ ‫اجتَ َم َع ْت ِ‬
‫اإل ُ‬ ‫‪ ‬ه‪..‬و القائ‪..‬ل‪ُ  :‬قـ ْـل لَ ِئ ْن ْ‬
‫يرا‪.39‬‬ ‫ظ ِه ً‬
‫ض َ‬‫ض ُه ْم ِل َب ْع ٍ‬ ‫ون ِب ِمثْ ِل ِه َولَ ْو َك َ‬
‫ان َب ْع ُ‬ ‫َيأْتُ َ‬
‫اص َح َيــاةٌ َيــا‬‫صـ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وق ‪..‬د استش ‪..‬هد علم ‪..‬اء البالغ ‪..‬ة بق ‪..‬ول اهلل ‪َ  : ‬ولَ ُك ْم في ا ْلق َ‬
‫ـــون‪ 40‬إذ ال يمكن التعب ‪.. .‬ير عن ‪.. .‬ه إال بألف ‪.. .‬اظ كث ‪.. .‬يرة ؛ ألن‬ ‫ـــاب لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ َ‬
‫أ ُْو ِلي األَْل َب ِ‬
‫معن‪...‬اه أن اإلنس‪.. .‬ان إذا علم أن‪...‬ه م‪.. .‬تي قت‪...‬ل ك‪...‬ان ذل‪.. .‬ك داعي ‪..‬ا إلى أال يق ‪..‬دم علي القت‪.. .‬ل‬
‫فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الن‪..‬اس بعض‪..‬هم لبعض‪ ،‬وك‪..‬ان ارتف‪..‬اع‬
‫القتل حياة لهم‪.‬‬
‫وال ريب فإنها أبلغ وأفضل وأوجز وأبدع مما كان عند الع‪..‬رب من مث‪..‬ل ه‪..‬ذا‬
‫الكالم‪ ،‬كق ‪..‬ولهم‪:‬القتــل أنفي للقتل‪ ،‬فإنه ‪..‬ا تفض ‪..‬لها بكث ‪..‬ير‪ ،‬وق ‪..‬د أش ‪..‬ار ابن األث ‪..‬ير إلي‬
‫إنك‪...‬ار ه‪.. .‬ذا التفض‪...‬يل‪ ،‬وق‪...‬ال‪ :‬ال تش‪...‬بيه بين كالم الخ ‪..‬الق ‪ ‬وكالم المخل ‪..‬وق‪ ،‬وع ‪.ّ .‬د‬
‫الس‪..‬يوطي عش‪..‬رين فرق‪..‬ا وأك‪..‬ثر بين اآلي‪..‬ة الكريم‪..‬ة والمث‪..‬ل الع‪..‬ربي‪ ،‬وك‪..‬ذلك غ‪..‬يره من‬
‫العلماء‪ ،‬فبين اآلية والمثل ما يمكن إيجازه في هذه النقاط ‪:‬‬
‫أن في (القص‪.. . . .‬اص حي‪.. . . .‬اة) لفظ‪.. . . .‬تين‪ ،‬والقت‪.. . . .‬ل أنفي للقت‪.. . . .‬ل ثالث‪.. . . .‬ة ألف‪.. . . .‬اظ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫فاآلي‪..‬ة(عش‪..‬رة ح‪..‬روف) أق‪..‬ل من ق‪..‬ولهم (أربع‪..‬ة عش‪..‬ر حرف‪..‬ا)‪ ،‬وم‪..‬ا ك‪..‬ان أق‪..‬ل لفظ‪..‬ا م‪..‬ع‬
‫وفائه بالمعني كان أبلغ‪.‬‬
‫أن اآلي ‪.. .‬ة خالي ‪.. .‬ة من تك ‪.. .‬رار لف ‪.. .‬ظ ‪:‬القت ‪.. .‬ل الواق ‪.. .‬ع في المث ‪.. .‬ل‪ ،‬والخ ‪.. .‬الي عن‬ ‫‪‬‬
‫التك‪.. .‬رار أفض‪.. .‬ل من المش‪.. .‬تمل علي‪.. .‬ه‪ ،‬وإ ن لم يكن مخال بالفص‪.. .‬احة‪ ،‬كم‪.. .‬ا أن تك‪.. .‬رار‬
‫القاف يوحى بالضغط والشدة ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫القدح‪ :‬إناء يشرب فيه الماء‪ ،‬والمعلي‪ :‬سابع سهام الميسر‪ ،‬له سبعة أنصباء عند الفوز‪ ،‬وعليه سبعة أنصباء إن لم يفز‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫اإلسراء ‪88‬‬
‫‪40‬‬
‫البقرة ‪179‬‬

‫‪45‬‬
‫أنه ليس كل قتل نافيا للقتل إال إذا كان على حكم القصاص‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫في اآلية حسن تأليف‪ ،‬وشدة تالؤم مدرك ب‪.‬الحس؛ ألن الخ‪..‬روج من الق‪..‬اف‬ ‫‪‬‬
‫إلي الصاد أعذب من الخروج من الالم إلي الهمزة‪ ،‬والخروج من الصاد إلي الح‪..‬اء‬
‫أعذب من الخروج من الالم إلي األلف‪.‬‬
‫في اآلي ‪..‬ة تص ‪..‬ريح ب ‪..‬المطلوب وه ‪..‬و ثب ‪..‬وت الحي ‪..‬اة‪ ،‬وه ‪..‬ذا أزج ‪..‬ر عن القت ‪..‬ل‬ ‫‪‬‬
‫بغ‪..‬ير ح‪..‬ق لكون‪..‬ه أدعى إلى االقتص‪..‬اص‪ ،‬بخالف ق‪..‬ولهم القت‪..‬ل أنفي للقت‪..‬ل؛ ألن‪..‬ه ي‪..‬دل‬
‫على المطلوب باللزوم من جهة أن نفي القتل يستلزم ثبوت الحياة المنفية بوجوده‪.‬‬
‫تنك‪..‬ير (حي‪..‬اة) في اآلي‪..‬ة الكريم‪..‬ة يفي‪..‬د التكث‪..‬ير والتعظيم المفي‪..‬د لعظم‪..‬ة الحي‪..‬اة‬ ‫‪‬‬
‫في القصاص‪ ،‬ففيه حياة لإلنسانية كلها ‪.‬‬
‫اس ‪..‬تغناء اآلي ‪..‬ة عن تق ‪..‬دير مح ‪..‬ذوف‪ ،‬بخالف المث ‪..‬ل الع ‪..‬ربي ف ‪..‬إن في ‪..‬ه ح ‪..‬ذف‬ ‫‪‬‬
‫(من) ال‪..‬تي بع‪..‬د أفع‪..‬ل التفض‪..‬يل‪ ،‬وح‪..‬ذف (قصاص‪..‬ا) م‪..‬ع القت‪..‬ل األول‪ ،‬وح‪..‬ذف (ظلم‪..‬ا)‬
‫مع القتل الثاني‪ ،‬والتقدير‪ :‬القتل قصاصا أنفي للقتل ظلما من تركه‪.‬‬
‫الطباق في اآلية بين القصاص والحياة؛ ألن القصاص ُمشعر بضد الحي‪..‬اة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪41‬‬
‫بخالف المثل ‪.‬‬
‫اش‪...‬تمال اآلي‪...‬ة علي فن ب‪...‬ديع‪ ،‬وه‪...‬و جع‪...‬ل أح ‪..‬د الض ‪..‬دين ال ‪..‬ذي ه ‪..‬و الفن ‪..‬اء‬ ‫‪‬‬
‫والم‪..‬وت محال ومكان‪..‬ا لض‪..‬ده ال‪..‬ذي ه‪..‬و الحي‪..‬اة‪ ،‬واس‪..‬تقرار الحي‪..‬اة في الم‪..‬وت مبالغ‪..‬ة‬
‫عظيمة‪ ،‬وهذا واضح بإدخال (في) عليه‪.‬‬
‫تقدم في اآلية الخبر (لكم) المفيد لالختصاص ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫س ‪..‬المة اآلي ‪..‬ة من لف ‪..‬ظ القت ‪..‬ل المش ‪..‬عر بالوحش ‪..‬ة‪ ،‬بخالف لف ‪..‬ظ‪ :‬الحي ‪..‬اة‪ ،‬ف ‪..‬إن‬ ‫‪‬‬
‫الطباع أقبل له من لفظ القتل‪.‬‬
‫اآلي‪...‬ة مبني‪...‬ة علي اإلثب‪...‬ات‪ ،‬والمث‪...‬ل علي النفي‪ ،‬واإلثب ‪..‬ات أش ‪..‬رف؛ ألن ‪..‬ه‬ ‫‪‬‬
‫أول‪ ،‬والنفي ثان عنه‪.‬‬
‫أن المث ‪.. .‬ل ال يك ‪.. .‬اد يفهم إال بع ‪.. .‬د فهم أن القص ‪.. .‬اص ه ‪.. .‬و الحي ‪.. .‬اة‪ ،‬واآلي ‪.. .‬ة‬ ‫‪‬‬
‫مفهومة من أول وهلة‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ويسمى هذا النوع عند علماء البديع‪ :‬الملحق بالطباقـ ؛ ألن القصاصـ ليس ضد الحياة ؛ إنمــا القصــاص ســبب للمــوت الــذى هــو‬
‫ضد الحياة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫أن اآلية رادعة عن القتل‪ ،‬والجرح معا لش‪.‬مول القص‪.‬اص لهم‪.‬ا‪ ،‬والحي‪.‬اة‬ ‫‪‬‬
‫أيض‪..‬ا في قص‪..‬اص األعض‪..‬اء‪ ،‬ألن قط‪..‬ع العض‪..‬و ينقص مص‪..‬لحة الحي‪..‬اة‪ ،‬وق‪..‬د يس‪..‬ري‬
‫إلي النفس فيزيله ‪..‬ا‪ ،‬وال ك ‪..‬ذلك المث ‪..‬ل في أول اآلي ‪..‬ة(ولكم)‪ ،‬وفيه ‪..‬ا لطيف ‪..‬ة في قول ‪..‬ه‪:‬‬
‫(ولكم) وهي بي‪.. . .‬ان العناي‪.. . .‬ة ب‪.. . .‬المؤمنين علي الخص‪.. . .‬وص‪ ،‬وأنهم الم‪.. . .‬راد حي‪.. . .‬اتهم ال‬
‫غيرهم لتخصيصهم بالمعني مع وجوده فيمن سواهم‪.‬‬
‫وبهذا يتبين لك فضل النظم القرآني العجيب لزيادته عليه في الفائدة وهو إبانة‬
‫الع ‪..‬دل ل ‪..‬ذكر القص ‪..‬اص‪ ،‬وذك ‪..‬ر الع ‪..‬وض المرغ ‪..‬وب ل ‪..‬ذكر الحي ‪..‬اة‪ ،‬واس ‪..‬تدعاء الرغب ‪..‬ة‬
‫والرهبة لحكم اهلل به ‪.‬‬
‫وقد استشهد العالمة جار اهلل في كشافه على إيجاز القصر بقوله تع ‪..‬الى‪َ  :‬ذ ِل َك‬
‫يـه ُه ًـدى ِل ْل ُمتَّ ِق َ‬
‫ين‪ 42‬إذ اعت‪..‬بر أن اإليج‪..‬از هن‪..‬ا في ذك‪..‬ر (المتقين)‪،‬‬ ‫ا ْل ِكتَاب ال ر ْيب ِف ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫إذ يقول‪ .. :‬فإن قلت‪ :‬فهال قيل هدى للضالين ؟ قلت‪ :‬ألن الض‪..‬الين فريق‪..‬ان ‪ :‬فري‪..‬ق‬
‫علم بق‪.‬اؤهم على الض‪.‬اللة وهم المطب‪.‬وع على قل‪.‬وبهم‪ ،‬وفري‪.‬ق علم أن مص‪.‬يرهم إلى‬
‫الهدى ؛ فال يكون هدى للفري‪.‬ق الب‪.‬اقين على الض‪.‬اللة‪ ،‬فبقى أن يك‪.‬ون ه‪.‬دى له‪.‬ؤالء‪،‬‬
‫فل‪.‬و جئ بالعب‪.‬ارة المفص‪.‬حة عن ذل‪.‬ك لقي‪.‬ل‪:‬ه‪.‬دى للص‪.‬ائرين إلى اله‪.‬دى بع‪.‬د الض‪.‬الل‪،‬‬
‫‪43‬‬
‫فاختصر الكالم بإجرائه على الطريقة التى ذكرنا‪ ،‬فقيل‪ :‬هدى للمتقين‪.‬‬
‫النورس ‪..‬ي‪ :‬ف ‪..‬اعلم أن منب ‪..‬ع حس ‪..‬ن ه ‪..‬ذا الكالم من‬
‫ويق ‪..‬ول ب ‪..‬ديع الزم ‪..‬ان س ‪..‬عيد ّ‬
‫أربع نق‪..‬اط‪ ،‬وذك‪..‬ر منه‪..‬ا‪ :‬اإليج‪.‬از في (للمتقين) ب‪..‬دل‪:‬الن‪..‬اس ال‪..‬ذين يص‪..‬يرون متقين ب‪..‬ه‬
‫أوج‪..‬ز بالمج‪..‬از األول إش‪..‬ارة إلى ثم‪..‬رة الهداي‪..‬ة وتأثيره‪..‬ا‪ ،‬ورم‪..‬زاً إلى البره‪..‬ان على‬
‫وجود الهداية فان السامع في عصر يستدل بسابقه كما يستدل به الحقه‪.44‬‬
‫ومن أمثلة إيجاز القصر قول اهلل ‪ ‬مخاطبا نبيه ومصطفاه محمدا ‪ُ : ‬خ ْذ‬
‫ين‪ 45‬فق‪..‬د جم‪..‬ع في النص الك‪..‬ريم مك‪..‬ارم‬ ‫اهِل َ‬‫ض ع ْن ا ْلجـ ِ‬
‫َ‬ ‫َع ِـر ْ َ‬‫ف َوأ ْ‬ ‫ا ْلع ْفو وأْمر ِبا ْلعر ِ‬
‫َ َ َ ُ ْ ُْ‬
‫األخالق؛ ففي قول ‪..‬ه تع ‪..‬الى‪ُ ( :‬خـ ْذ ا ْل َع ْفـ َـو) أم ‪..‬ر بإص ‪..‬الح ق ‪..‬وة الش ‪..‬هوة‪ ،‬والص ‪..‬فح عمن‬
‫أساء‪ ،‬والرفق في كل األمور‪ ،‬والتس‪.‬اهل والتس‪.‬امح في الحق‪.‬وق‪ ،‬واللين‪ ،‬والرف‪.‬ق في‬
‫‪42‬‬
‫البقرة ‪2‬‬
‫‪43‬‬
‫الكشاف ‪1/45‬‬
‫‪44‬‬
‫إشارات اإلعجاز في مظان اإليجاز ‪ 41 /‬تحقيق إحسان قاسم الصالحي‬
‫‪45‬‬
‫األعراف ‪199‬‬

‫‪47‬‬
‫ال‪..‬دعاء‪ ،‬وفي‪..‬ه ك‪..‬ذلك ص‪..‬لة للق‪..‬اطعين‪ ،‬والعف‪..‬و عن الظ‪..‬المين‪ ،‬وإ عط‪..‬اء الم‪..‬انعين‪ ،‬وألن‬
‫العفو ضد الجهل‪ ،‬واقرأ إن شئت قول الشاعر أسماء بن خارجة الفزازي‪:‬‬
‫وال تنطقي في س‪.. . .‬ورتي حين أغضب‬ ‫خ ‪.. .‬ذي العف ‪.. .‬و م ‪.. .‬نى تس ‪.. .‬تديمي م ‪.. .‬ودتي‬

‫ف) ففي ‪..‬ه تق ‪..‬وي اهلل ‪ ،‬واألم ‪..‬ر ب ‪..‬المعروف‬ ‫وأم ‪..‬ا قول ‪..‬ه تع ‪..‬الى‪ (:‬وأْمــر ِبــا ْلعر ِ‬
‫ُْ‬ ‫َ ُْ‬
‫والجمي‪.. . . .‬ل من األفع‪.. . . .‬ال َكـبِِّر الوال‪.. . . .‬دين‪ ،‬وص‪.. . . .‬لة األرح‪.. . . .‬ام‪ ،‬وغض الط‪.. . . .‬رف عن‬
‫المحرم ‪.. .‬ات‪ ،‬واإلمس ‪.. .‬اك عن فض ‪.. .‬ول الكالم بص ‪.. .‬ون اللس ‪.. .‬ان عن الك ‪.. .‬ذب‪ ،‬والغيب ‪.. .‬ة‪،‬‬
‫والنميم‪.‬ة وغيرهما‪ ،‬وس‪.‬مي معروف‪.‬ا ألن‪.‬ه مع‪.‬روف للنفس ال‪.‬تي جبلت وفط‪.‬رت علي‪.‬ه‪،‬‬
‫ومعلوم لكل قلب يطمئن إليه‪.‬‬
‫اه ِل َ‬
‫ين) ففي‪..‬ه أم‪..‬ر بإص‪..‬الح ق‪..‬وة الغض‪..‬ب‪،‬‬ ‫ض ع ْن ا ْلج ِ‬
‫َ‬ ‫َع ِر ْ َ‬
‫(وأ ْ‬
‫وأما قوله تعالى‪َ :‬‬
‫والص‪..‬بر‪ ،‬والحلم‪ ،‬والت‪..‬ؤدة‪ ،‬وكظم الغي‪..‬ظ‪ ،‬واإلع‪..‬راض عن الس‪..‬فهاء‪ ....‬فه‪..‬ذه األلف‪..‬اظ‬
‫وإ ن قلّت ـ فقد أنافت معانيها على الغاية ‪ ..‬ولم تقف عند ح‪.ّ .‬د ونهاي‪..‬ة ‪ ..‬وه‪..‬ذا الن‪..‬وع‬
‫‪46‬‬
‫هو أعلي طبقات الفصاحة مكانا وأعوزها إمكانا‪..‬‬
‫ُخ َ‪.‬ر من الق‪..‬رآن الك‪..‬ريم على طريق‪..‬ة‬ ‫وهذه الشمائل الطيبة وردت في مواطن أ َ‪.‬‬
‫اإلطن ‪..‬اب والتفص ‪..‬يل؛ ففي مقابل‪ُ ( :‬خـ ْذ ا ْل َع ْفـ َـو) ج ‪..‬اء قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪ُ  :‬خـ ْذ ِم ْن أ َْمـ َـو ِال ِه ْم‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ط ِّهر ُهم وتَُز ِّكي ِهم ِبهــا وصـ ِّل علَ ْي ِهم إِ َّن صـالتَ َك سـ َك ٌن َلهم واللَّ ُه ِ‬
‫سـميعٌ َعل ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ ْ‬ ‫ص َدقَ ًة تُ َ ُ ْ َ‬
‫َ‬
‫ْم ُر ِبا ْل َع ْد ِل َو ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫سـ ِ‬
‫ان‬ ‫اإل ْح َ‬ ‫ْم ْر ِبا ْل ُع ْرف) ج‪..‬اء قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬إ َّن الل َه َيأ ُ‬ ‫(وأ ُ‬ ‫‪ ‬وفي مقابل‪َ :‬‬
‫‪47‬‬

‫ـــــــــــر َوا ْل َب ْغ ِي َي ِعظُ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم‬


‫اء َوا ْل ُمن َك ِ‬ ‫شـــــــــــ ِ‬
‫ـــــــــــر َبى َو َي ْن َهىـ َع ْن ا ْلفَ ْح َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوإِيتَـــــــــــاء ذي ا ْلقُ ْ‬
‫ون‪. 48‬‬‫تَ َذ َّك ُر َ‬
‫اهِل َ‬
‫ين) ج‪.. .‬اء قول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الي‪َ  :‬وإِ َذا َرأ َْي َت‬ ‫جـ ِ‬ ‫َعـ ِـر ْ‬
‫ض َع ْن ا ْل َـ‬ ‫(وأ ْ‬‫وفي مقابل َ‬
‫يث َغ ْيـ ِـر ِه‪ ،49‬إال‬ ‫وضـوا ِفي حـ ِد ٍ‬ ‫آي ِات َنا فَـأ ْ‬
‫َع ِر ْ‬
‫ض َع ْن ُه ْم َحتَّى َي ُخ ُ‬ ‫وض َ ِ‬ ‫الَّ ِذ َ‬
‫َ‬ ‫ون في َ‬ ‫ين َي ُخ ُ‬
‫‪50‬‬
‫أن لكل جملة مقام يستدعيها ‪ ..‬وحال يناسبها‪ ..‬فلكل مقام مقال!‬

‫‪46‬‬
‫انظر‪ :‬تأويل مشكل القرآن البن قتيبة‪ ،4 /‬وأنافت‪ :‬زادت‬
‫‪47‬‬
‫التوبة ‪103‬‬
‫‪48‬‬
‫النحل ‪90‬‬
‫‪49‬‬
‫األنعام ‪68‬‬
‫‪50‬‬
‫انظر‪ :‬تأويل مشكل القرآن‪ ،4/‬والطراز للعلوىـ‪127 /2‬‬

‫‪48‬‬
‫إذ ق‪..‬ال‬ ‫وفي اإلش‪..‬ارات والتنبيه‪..‬ات كالم من تِْب‪..‬ر لإلم‪..‬ام جعف‪..‬ر الص‪..‬ادق ‪‬‬
‫‪51‬‬

‫في بيان فصاحة وبراعة وإ يجاز هذه اآلية الكريم‪..‬ة‪ :‬إن اهلل تع‪.‬الي أم‪..‬ر نبي‪.‬ه ‪ ‬فيه‪..‬ا‬
‫بجمي ‪..‬ع مك ‪..‬ارم األخالق ؛ ألن مك ‪..‬ارم األخالق عب ‪..‬ارة عن إص ‪..‬الح الق ‪..‬وي الثالث ‪:‬‬
‫ض‪. .‬بية‪ ،‬أم ‪..‬ا العاقل ‪..‬ة ‪ :‬فمس ‪..‬تغنية عن إص ‪..‬الحها في حق ‪..‬ه ‪‬‬
‫والغ َ‬
‫العاقل ‪..‬ة‪ ،‬والش ‪..‬هوية‪َ ،‬‬
‫لكونها مجبولة علي الصالح‪ ،‬وأما الشهوية‪ :‬فأشار إلي صالحها بقوله‪ُ ( :‬خ ْذ ا ْل َع ْف َو)‬
‫أي‪ :‬خ‪..‬ذ من المش‪..‬تهيات‪ ،‬من الم‪..‬أكول‪ ،‬والملب‪..‬وس‪ ،‬والمش‪..‬روب‪ ،‬والمنك‪..‬وح‪ ... ،‬م‪..‬ا‬
‫ودع م‪..‬ا احت‪..‬اج إلي قَ ْس ‪ٍ .‬ر في طلب‪..‬ه وحص‪..‬وله‪ ،‬وأم‪..‬ا الغض‪..‬بية‪ :‬فأش‪..‬ار‬ ‫أت‪..‬اك بس‪..‬هولة‪ْ ،‬‬
‫اه ِل َ‬
‫ين) ف ‪..‬إن اإلقب ‪..‬ال عليهم يس ‪..‬تلزم الرذائ ‪..‬ل‬ ‫ض ع ْن ا ْلجـ ِ‬
‫َ‬ ‫َعـ ِـر ْ َ‬
‫(وأ ْ‬
‫إلي ص ‪..‬الحها بقول ‪..‬ه‪َ :‬‬
‫الثالث‪ ،‬وهي الغض‪..‬ب والجبن والخ‪..‬وف‪ ،‬واألول يحص‪..‬ل من إف‪..‬راط الق‪..‬وة‪ ،‬والث‪..‬اني‬
‫يحص‪..‬ل عن تفريطه‪..‬ا‪ ،‬والث‪..‬الث عن رداءته‪..‬ا‪ ،‬وك‪..‬ل واح‪..‬د من األولين يس‪..‬تلزم رذائ‪..‬ل‬
‫أخر‪.‬‬
‫فالغض ‪.. .‬ب يس ‪.. .‬تلزم‪ :‬الندام ‪.. .‬ة‪ ،‬وتوقي ‪.. .‬ع المج‪.. .‬ازاة في العاج ‪.. .‬ل واآلج ‪.. .‬ل‪ ،‬وم ْقت‬
‫األصحاب‪ ،‬واس‪.‬تهزاء األراذل‪ ،‬وش‪..‬ماتة األع‪..‬داء‪ ،‬وتغ‪..‬ير الم‪.‬زاج‪ ،‬والت‪.‬ألم في الح‪.‬ال‪،‬‬
‫األخ َّس‪ِ .‬‬
‫اء وغ‪..‬يرهم‪ ،‬وقل‪..‬ة الثب‪..‬ات‬ ‫والجبن يس‪..‬تلزم مهان‪..‬ة النفس‪ ،‬وس‪..‬وء العيش‪ ،‬وطم‪..‬ع ِ‬
‫في األمور‪.‬‬
‫ف) فليس من مك‪..‬ارم األخالق‪ ،‬ب‪..‬ل ه‪..‬و إش‪..‬ارة إلي علم‬ ‫وأما قوله‪(:‬وأْمر ِبا ْلعر ِ‬
‫َ ُ ْ ُْ‬
‫السياس‪..‬ة‪ ،‬والم‪..‬راد منه‪..‬ا‪ :‬ت‪..‬دبير أه‪..‬ل الم‪..‬نزل‪ ،‬وأه‪..‬ل البل‪..‬د‪ ،‬وكيفي‪..‬ة معاش‪..‬رتهم‪ ،‬ح‪..‬تي‬
‫تك ‪..‬ون أم ‪..‬ورهم منتظم ‪..‬ة‪ ،‬مؤدي ‪..‬ة إلى كم ‪..‬الهم الالئ ‪..‬ق بهم‪ ،‬وينحص ‪..‬ر الت ‪..‬دبير ـ وإ ن‬
‫ك ‪..‬ثرت تفاص ‪..‬يله ـ في األم ‪..‬ر بم ‪..‬ا ه ‪..‬و راجح عن ‪..‬د العق ‪..‬ل‪ ،‬والنهي عم ‪..‬ا ه ‪..‬و مرج ‪..‬وح‬
‫عن ‪..‬ده‪ ،‬وال ‪..‬راجح ه ‪..‬و‪ :‬الع ‪..‬رف‪،‬والمرج ‪..‬وح ه ‪..‬و‪:‬المنك ‪..‬ر‪ ،‬واألم ‪..‬ر األول يس ‪..‬تلزم النهي‬
‫عن الث ‪..‬اني؛ ألن م ‪..‬ا ك ‪..‬ان فعل ‪..‬ه راجح ‪..‬ا فترك ‪..‬ه مرج ‪..‬وح‪ ،‬وب ‪..‬ذلك اقتص ‪..‬ر على األول‬
‫ِ ‪52‬‬
‫ْم ْر ِبا ْل ُع ْرف)‬
‫(وأ ُ‬
‫وقال‪َ :‬‬

‫‪51‬‬
‫هـ ــو‪ :‬جعفـ ــر الصـ ــادقـ بن محمـ ــد البـ ــاقر بن علي زين العابـ ــدين بن الحسـ ــين بن علي ابن أبي طـ ــالب رضـ ــي اهلل تعـ ــالي عنهم‬
‫أجمعين‪،‬وهو أحد األئمة االثنى عشر لمذهب الشيعة اإلمامية‪ ،‬توفي سنة ‪ 148‬هـ‪ ،‬وكانت له مع القرآن الكريم أسرار ولطائف‪.‬ـ‬
‫‪52‬‬
‫اإلشارات والتنبيهات فى علم البالغة لمحمد بن علي الجرجاني ‪147‬‬

‫‪49‬‬
‫وإ ن المتأم‪.. .‬ل في آي‪.. .‬ات الكت‪.. .‬اب الحكيم ل‪.. .‬رأي من المع‪.. .‬اني م‪.. .‬ا رأي بأس‪.. .‬لوب‬
‫اإليجاز العجيب‪ ،‬خذ مثال قوله تعالى‪ :‬أ ُْولَ ِئ َك لَ ُه ْم األ َْم ُن‪ 53 ‬فقد ان‪.‬درج تحته‪.‬ا ك‪.‬ل‬
‫ما هو محب‪.‬وب‪ ،‬وانص‪.‬رف عنه‪.‬ا ك‪.‬ل م‪.‬ا ه‪.‬و مك‪.‬روه‪ ،‬ك‪.‬أن يخ‪.‬افوا فق ً‪.‬را‪ ،‬أَو موت‪.‬اً‪ ،‬أو‬
‫جورا‪ ،‬أو زوال نعمة‪ ،‬أو غير ذلك من أصناف المكاره‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ـق َواأل َْمـ ُـر‪ ‬فق ‪..‬د دلت اآلي ‪..‬ة الكريم ‪..‬ة م ‪..‬ع‬
‫‪54‬‬
‫ـه ا ْل َخ ْلـ ُ‬
‫ومن ‪..‬ه قول ‪..‬ه تع ‪..‬الى‪ :‬أَال لَـ ُ‬
‫إيجازها على استقصاء كل األمور والشئون‪.‬‬
‫انف ـ ُـروا ِخفَافً ــا َو ِثقَ ــاال‪ 55 ‬فإنه‪.. .‬ا وإ ن ك‪.. .‬انت في ثالث‬
‫ومن‪.. .‬ه قول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الى‪ِ  :‬‬
‫كلم‪..‬ات إال أنه‪..‬ا ش‪..‬ملت األم‪..‬ر ب‪..‬النفير للجه‪..‬اد في س‪..‬بيل اهلل‪ ،‬وفي ال‪..‬وقت ذات‪..‬ه قطعت‬
‫الحجج الواهية على المتقاعسين عنه‪.‬‬
‫اء أَق ِْل ِعي َو ِغ َ‬
‫يض‬ ‫سـ َم ُ‬
‫ض ْابلَ ِعي مـ ِ‬
‫ـاءك َو َيــا َ‬
‫َ َ‬ ‫ومن‪..‬ه قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪َ  :‬و ِقيـ َـل َيــا أ َْر ُ‬
‫ين‪ 56 ‬فق‪..‬د أم‪..‬ر‬ ‫الظ ِال ِم َ‬
‫يل ُب ْع ًدا ِل ْلقَ ْوِم َّ‬
‫ي َو ِق َ‬ ‫استََو ْت َعلَى ا ْل ُج ِ‬
‫ود ِّ‬ ‫ِ‬
‫اء َوقُض َي األ َْم ُر َو ْ‬
‫ا ْل َم ُ‬
‫‪ ‬ونهي‪ ،‬وأخ‪..‬بر‪ ،‬ون‪..‬ادي‪ ،‬ونعت‪ ،‬وس‪..‬مي‪ ،‬وأهل‪..‬ك‪ ،‬وأبقي‪ ،‬وأس‪..‬عد‪ ،‬وأش‪..‬قي‪ ،‬وقص‬
‫من األنباء ما لو ش‪.‬رح م‪.‬ا ان‪.‬درج في ه‪.‬ذه الجمل‪.‬ة من ب‪.‬ديع اللف‪.‬ظ والبالغ‪.‬ة واإليج‪.‬از‬
‫والبي‪..‬ان لجفت األقالم‪ ،‬ففيها قم‪..‬ة اإلعج‪..‬از البالغي في تص‪..‬وير المش‪..‬اهد واألح‪..‬داث‪،‬‬
‫وق ‪.. .‬د تس ‪.. .‬ابق العلم ‪.. .‬اء م ‪.. .‬ع اختالف األزمن ‪.. .‬ة على الغ ‪.. .‬وص خل ‪.. .‬ف مع ‪.. .‬اني الكلم ‪.. .‬ات‬
‫واالرتشاف من بحرها الذي لم يجف إذ يقول الشهاب‪ :‬هذه اآلي‪..‬ة ح‪.‬وت من البالغ‪..‬ة‬
‫‪57‬‬
‫أمرا عجيبا ترقص الرؤوس له طربا‪.‬‬

‫ويعلق اإلم‪..‬ام عب‪.‬د الق‪..‬اهر الجرج‪.‬اني ق‪.‬ائال‪ :‬وه‪..‬ل تش‪..‬ك إذا فك‪.‬رت فيه‪.‬ا فتجلى‬
‫ل ‪..‬ك منه ‪..‬ا اإلعج ‪..‬از وبه ‪..‬رك ال ‪..‬ذي ت ‪..‬رى وتس ‪..‬مع أن ‪..‬ك لم تج ‪..‬د م ‪..‬ا وج ‪..‬دت من المزي ‪..‬ة‬
‫الظاهرة والفضيلة القاهرة إال ألمر يرجع إلى ارتب‪..‬اط ه‪..‬ذه الكلم بعض‪..‬ها ببعض وأن‬
‫لم يع‪..‬رض ل‪..‬ه الحس‪..‬ن والش‪..‬رف إال من حيث القت األولى بالثاني‪..‬ة والثالث‪..‬ة بالرابع‪..‬ة‬

‫‪53‬‬
‫األنعام بعض آية ‪82‬‬
‫‪54‬‬
‫األعراف بعض آية ‪54‬‬
‫‪55‬‬
‫التوبة بعض آية ‪41‬‬
‫‪56‬‬
‫هود ‪44‬‬
‫‪57‬‬
‫حاشية الشهاب ‪5/101‬‬

‫‪50‬‬
‫وهك‪.. .‬ذا إلى أن تس‪.. .‬تقر به‪.. .‬ا إلى آخره‪.. .‬ا وأن الفض‪.. .‬ل تن‪.. .‬اتج م‪.. .‬ا بينه‪.. .‬ا‪ ،‬وحص‪.. .‬ل من‬
‫‪58‬‬
‫مجموعها‬

‫ويق‪..‬ول اإلم‪..‬ام القرط‪..‬بي‪ :‬ل‪..‬و فتش كالم الع‪..‬رب والعجم م‪..‬ا وج‪..‬د في‪..‬ه مث‪..‬ل ه‪..‬ذه‬
‫‪59‬‬
‫اآلية على حسن نظمها وبالغة رصفها واشتمال المعاني فيها‬

‫ولعظم‪.. .‬ة اآلي‪.. .‬ة وإ يجازه‪.. .‬ا المعج‪.. .‬ز في تص‪.. .‬وير المش‪.. .‬اهد واألح‪.. .‬داث تب‪.. .‬ارى‬
‫العلم ‪..‬اء والمفس ‪..‬رون في إظه ‪..‬ار ذل ‪..‬ك وال داعي لنق ‪..‬ل ذل ‪..‬ك وتس ‪..‬جيله هن ‪..‬ا س ‪..‬وى م ‪..‬ا‬
‫تفض‪..‬ل ب‪..‬ه أس‪..‬تاذنا ال‪..‬دكتور محم‪..‬د ش‪..‬ادي في تعليق‪..‬ه عليه‪..‬ا ق‪..‬ائال‪ :‬فإنه‪..‬ا جم‪..‬ل متعاقب‪..‬ة‬
‫تقش ‪..‬عر من روع ‪..‬ة نظمه ‪..‬ا األب ‪..‬دان وته ‪..‬تز القل ‪..‬وب لم ‪..‬ا فيه ‪..‬ا من قض ‪..‬اء م ‪..‬برم وفص ‪..‬ل‬
‫وحس ‪..‬م وس ‪..‬رعة وإ يج ‪..‬از وروع ‪..‬ة تأس ‪..‬ر القل ‪..‬وب أس ‪..‬را وتترك ‪..‬ه في وجيب وخش ‪..‬وع‬
‫‪60‬‬
‫مهيب‬
‫ُّهــا َّ‬
‫الن ْمـ ُل‬ ‫الن ْمـ ِـل قَــالَ ْت َن ْملَـ ٌة َيــا أَي َ‬‫ومنه قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪َ :‬حتَّى إِ َذا أَتَْوا َعلَى َو ِادي َّ‬
‫ِ‬ ‫ْاد ُخلُـــوا م ِ‬
‫ون‪ 61‬فق ‪.. .‬د ن ‪.. .‬ادت‬ ‫شـــ ُع ُر َ‬ ‫ـــودهُ َو ُه ْم ال َي ْ‬ ‫ان َو ُج ُن ُ‬ ‫ســـاك َن ُك ْم ال َي ْحط َم َّن ُك ْم ُ‬
‫ســـلَ ْي َم ُ‬ ‫َ َ‬
‫َي)‪،‬ونبهت‪َ (:‬ها)‪،‬وس‪.. . . . . . . . . . . . .‬مت‪َّ (:‬‬
‫الن ْمـــــــــــــــــ ُل)‪،‬وأم‪.. . . . . . . . . . . . .‬رت‪:‬‬ ‫النمل‪.. . . . . . . . . . . . .‬ة‪َ (:‬يا َّ‬
‫)‪،‬وكنت‪(:‬أ ُّ‬
‫اك َن ُكم)‪،‬وح‪ّ . . . . . .‬ذرت‪ِ (:‬‬ ‫ِ‬
‫الي ْحط َم َّن ُك ْم)‪،‬وخ ّ‬
‫ص‪. . . . . .‬ت‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ســـــــ ْ‬
‫ص‪. . . . . .‬ت‪،‬وح ‪.. . . . .‬ددت‪َ (:‬م َ‬ ‫( ْاد ُخلُـــــــوا)‪،‬وق ّ‬
‫ون)‪ ،‬أبع ‪..‬د ه ‪..‬ذا‬ ‫ش ـ ُع ُر َ‬
‫ـودهُ)‪ ،‬وأش ‪..‬ارت‪َ (:‬و ُه ْم)‪ ،‬وع ‪ّ .‬ذرت‪(:‬ال َي ْ‬ ‫ان)‪،‬وعمت‪َ (:‬و ُج ُنـ ُ‬ ‫س ـلَ ْي َم ُ‬
‫(ُ‬
‫فصاحة!!!‬
‫الر ْح َم ِن الـ َّـر ِح ِيم‬
‫سِم اللَّ ِه َّ‬ ‫ان َوإِ َّن ُه ِب ْ‬ ‫سلَ ْي َم َ‬ ‫ِ‬
‫ولك أن تتأمل قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬إِ َّن ُه م ْن ُ‬
‫ين‪ 62 ‬فس ‪.. .‬تالحظ أن ‪.. .‬ه جم ‪.. .‬ع في أح ‪.. .‬رف مع ‪.. .‬دودة‪:‬‬ ‫ســـ ِل ِم َ‬
‫أَال تَ ْعلُـــوا َعلَ َّي َوأْتُـــو ِنيـ ُم ْ‬
‫العنوان‪ ،‬والكتاب‪ ،‬والحاجة‪.‬‬
‫ـاء ِذي‬ ‫ان وإِيتَـ ِ‬
‫سـ ِ َ‬ ‫ْم ُر ِبا ْل َع ْد ِل َو ِ‬
‫اإل ْح َ‬ ‫ِ َّ‬
‫ومن إيجاز القصر قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬إ َّن الل َه َيأ ُ‬
‫ون‪ 63‬فــــ(العــدل)‬ ‫اء َوا ْل ُمن َكـ ِـر َوا ْل َب ْغ ِي َي ِعظُ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ ـ َذ َّك ُر َ‬
‫شـ ِ‬ ‫ا ْلقُـ ْـر َبى َو َي ْن َهىـ َع ْن ا ْلفَ ْح َ‬
‫‪58‬‬
‫دالئل اإلعجاز‪ 64 /‬ت د‪/‬خفاجيـ ط مكتبة القاهرة ‪1976‬‬
‫‪59‬‬
‫‪3358 /4‬‬
‫‪60‬‬
‫راجع ما تفضل به أستاذناـ في فصول من علم المعاني ‪8 /‬‬
‫‪61‬‬
‫النمل ‪18‬‬
‫‪62‬‬
‫النمل ‪31 ،30‬‬
‫‪63‬‬
‫النحل ‪90‬‬

‫‪51‬‬
‫ه ‪..‬و الص ‪..‬راط المس ‪..‬تقيم المتوس ‪..‬ط بين ط ‪..‬رفي اإلف ‪..‬راط والتفري ‪..‬ط‪( ،‬واإلحســان) ه ‪..‬و‬
‫اإلخالص في واجب‪..‬ات العبودي‪..‬ة‪( ،‬وإ يتاء ذي القربي) ه‪..‬و الزي‪..‬ادة علي ال‪..‬واجب من‬
‫النوافل‪ ،‬هذا في األوامر‪.‬‬
‫أم‪..‬ا في الن‪..‬واهي فيش‪..‬ير بــالنهي عن الفحشــاء إلي الق‪..‬وة الش‪..‬هوانية‪ ،‬وبــالنهي‬
‫عن المنكر إلي اإلفراط الحاصل من آث‪..‬ار الغض‪..‬بية‪ ،‬أو ك‪..‬ل مح‪.ّ .‬رم ش‪..‬رعا‪ ،‬وبالنهي‬
‫عن البغي إلي االستعالء الفائض عن الوهمية‪ ،‬ق‪..‬ال ابن مس‪..‬عود ‪ : ‬م‪..‬ا في الق‪..‬رآن‬
‫‪64‬‬
‫آية أجمع للخير والشر من هذه اآلية‪.‬‬
‫وأما في السنة النبوي‪.‬ة المطه‪.‬رة فق‪.‬د ش‪.‬اع فيه‪.‬ا إيج‪.‬از القص‪.‬ر‪ ،‬ومن ذل‪..‬ك ق‪.‬ول‬
‫ص ـ ـ ِني قَـ ــا َل ال‬
‫َن رجال َقـ ــا َل ِل َّلن ِب ِّي ‪ ‬أَو ِ‬
‫ْ‬ ‫المص‪.. . .‬طفي ‪ ‬من ح‪.. . .‬ديث أَبِي ُه َر ْي‪.َ . . .‬رةَ‪( :‬أ َّ َ ُ‬
‫ض ْب )‪ 65‬فهي م‪..‬ع قل‪..‬ة حروفه‪..‬ا وقص‪..‬رها اللفظي تحم‪..‬ل‬ ‫َّد ِم َر ًارا قَا َل ال تَ ْغ َ‬
‫ض ْب فََرد َ‬
‫تَ ْغ َ‬
‫نفعا عاما للفرد ولألمة‪ ،‬وتنهي عن آثار سيئة كثيرة‪.‬‬
‫وقوله ‪( : ‬الضعيف أمير الركب) فق‪..‬د جم‪..‬ع من آداب الس‪..‬فر والعط‪..‬ف على‬
‫الم ْسهَب الطويل‪.‬‬
‫عبر عنه إال بالقول ُ‬ ‫الضعيف ما ال يسهل على البليغ أن ُي ً‬
‫ومن الحكم في إيج‪..‬از القص‪..‬ر ق‪..‬ول الح‪..‬ارث بن َكلَ‪.َ .‬دة ط‪..‬بيب الع‪..‬رب‪ :‬المع‪..‬دة‬
‫وع ِّو ُدوا كل جسم ما اعتاد‪..‬‬ ‫ِ‬
‫بيت الداء‪ ،‬والحمية رأس الدواء‪َ ،‬‬
‫‪66‬‬

‫كثيرا‪ :‬لمن هذا المال؟ فقال‪ :‬هلل في يدي‪.‬‬ ‫وقيل ألعرابي يسوق ماالً ً‬
‫ومن المعل ‪.. . . .‬وم أن األمث ‪.. . . .‬ال مبني ‪.. . . .‬ة على اإليج ‪.. . . .‬از واالختص ‪.. . . .‬ار والح ‪.. . . .‬ذف‬
‫واالقتصار‪.‬‬
‫ومن ب‪..‬ديع اإليج‪.‬از م‪..‬ا ج‪.‬اء في ه‪..‬ذه القص‪..‬ة‪ :‬ك‪..‬ان لرج‪..‬ل من األع‪..‬راب اس‪..‬مه‬
‫‪.‬رت إب‪..‬ل لض‪..‬بة فتف‪..‬رق ابن‪..‬اه في‬ ‫ض ‪َّ.‬بةُ ابن‪..‬ان يق‪..‬ال ألح‪..‬دهما س‪.ْ .‬عد ولآلخ‪..‬ر ُس ‪ْ .‬‬
‫عيد‪َ ،‬فنفَ‪ْ .‬‬ ‫َ‬
‫عيد في طلبها‪ ،‬فلقي‪..‬ه الح‪..‬ارث بن كعب‪ ،‬وك‪..‬ان‬ ‫طلبها‪ ،‬فوجدها سعد فردها‪ ،‬فمضى ُس ْ‬
‫على الغالم ُب ْ‪.‬ردان؛ فس‪.‬أله الح‪.‬ارث إياهم‪.‬ا ف‪.‬أبى علي‪.‬ه فقتل‪.‬ه وأخ‪.‬ذ بردي‪.‬ه‪ ،‬فك‪.‬ان ض‪.‬بة‬
‫عيد؟ ف‪..‬ذهب قول‪..‬ه مثال ُيض‪..‬رب‬
‫سـ ْ‬
‫‪.‬وادا ق‪..‬ال‪ :‬أســعد أ َْم ُ‬
‫إذا أمس‪..‬ى ورأى تحت اللي‪..‬ل س‪ً .‬‬

‫‪64‬‬
‫المستدرك للحاكم‬
‫‪65‬‬
‫البخاري‬
‫‪66‬‬
‫الحمية ‪ :‬منع الضرر‬

‫‪52‬‬
‫في النجاح والخيبة‪ ،‬ثم مكث ضبة بعد ذلك ما شاء اهلل أَن يمكث‪ ،‬ثم إن‪..‬ه حج ف‪..‬وافي‬
‫عيد‪ ،‬فعرفهم‪..‬ا‪ ،‬فق‪.‬ال ل‪..‬ه‪:‬‬
‫ُعكاظ فلقي بها الحارث بن كعب‪ ،‬ورأى عليه ُب ْردى ابنه ُس‪ْ .‬‬
‫هل أَنت مخبري ما هذان البردان اللذان عليك؟‬
‫علي فقتلت‪..‬ه فأخ‪..‬ذتهما‪،‬‬
‫ق‪..‬ال لقيت غالم ‪.‬اً يوم‪..‬ا وهم‪..‬ا علي‪..‬ه فس‪..‬ألته إياهم‪..‬ا ف‪..‬آبي َّ‬
‫فقال ضبة‪ :‬بسيفك هذا؟ ق‪.‬ال‪ :‬نعم‪ ،‬ق‪.‬ال‪ :‬أرني‪.‬ه ف‪ِ.‬إني أظن‪.‬ه ص‪..‬ارماً؟ فأعط‪..‬اه الح‪.‬ارث‬
‫شـ ُجون‪ ،‬ثم ض‪..‬ربه ب‪..‬ه فقت‪..‬ل!‪ ،‬فقي‪..‬ل ل‪..‬ه ي‪..‬ا‬ ‫س‪..‬يفه‪ ،‬فلم‪..‬ا أخ‪..‬ذه ه‪.َّ .‬زه وق‪..‬ال‪ :‬الحـ ُ‬
‫ـديث ذو ُ‬
‫ـيف العــذل‪ ،67‬فه‪..‬و أول من س‪..‬ارت عن‪..‬ه‬
‫ض ‪.‬بة‪ :‬أفي الش‪..‬هر الح‪..‬رام؟ فق‪..‬ال‪ :‬ســبق السـ ُ‬
‫َ‬
‫هذه األمثال الثالث‪.‬‬
‫إيجاز الحذف‬
‫ه‪.‬و‪ :‬التعب‪.‬ير عن المع‪.‬انى الكث‪.‬يرة في ألف‪.‬اظ قليل‪.‬ة بح‪.‬ذف ح‪.‬رف‪ ،‬أو كلم‪.‬ة‪ ،‬أو‬
‫جمل‪.. .‬ة‪ ،‬أو أك‪.. .‬ثر من جمل‪.. .‬ة‪ ،‬بش‪.. .‬رط وج‪.. .‬ود قرين‪.. .‬ة ت‪.. .‬دل على المح‪.. .‬ذوف م‪.. .‬ع الوف‪.. .‬اء‬
‫ب‪.. .‬المعنى المقص‪.. .‬ود‪ ،‬ف‪.. .‬إن لم ي‪.. .‬ف اللف‪.. .‬ظ ب‪.. .‬المعنى ع‪.ّ . .‬د إخالال بنظم وت‪.. .‬راكيب الكالم‪،‬‬
‫ولهذا عاب علماء البالغة قول عروة بن الورد‪:‬‬
‫َع َذ َرا‬
‫ومقتلهم عن‪..‬د ال‪.َ .‬و َغى ك‪..‬ان أ ْ‪.‬‬ ‫عجبت لهم إذ يقتل‪.. . . . . .‬ون نفوس‪.. . . . . .‬هم‬
‫ُ‬

‫فقد أراد‪ :‬يقتلون نفوسهم في السلم‪ ،‬وليس في البيت ما يدل على هذا الح‪..‬ذف‬
‫فعد إخالال بالتركيب‪.‬‬
‫ّ‬
‫وه‪..‬ذا الن‪..‬وع من الح‪..‬ذف يق‪..‬ع كث‪..‬يرا في أس‪..‬اليب البلغ‪..‬اء‪ ،‬وه‪..‬و نوع‪..‬ان‪ :‬ح‪..‬ذف‬
‫مفرد‪ ،‬وحذف جملة أو أكثر‪ ،‬وإ ليك التفصيل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬حذف المفرد‪ ،‬ولهذا النوع صور منها‪:‬‬
‫ض َع ْن َهـ َذا‬‫َع ِـر ْ‬
‫فأْ‬‫وسـ ُ‬
‫‪ ‬حذف الحـرف‪ ،‬ومث‪..‬ل البالغي‪..‬ون ل‪..‬ه بقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ُ  :‬ي ُ‬
‫اط ِئين‪ 68 ‬أي‪ :‬يا يوسف فحذف حرف‬ ‫نت ِم ْن ا ْل َخ ِ‬
‫واستَ ْغ ِف ِري ِل َذ ْن ِب ِك إِ َّن ِك ُك ِ‬
‫َ ْ‬

‫‪67‬‬
‫أي‪ :‬المالمة‬
‫‪68‬‬
‫يوسف ‪29‬‬

‫‪53‬‬
‫س ـ ِنيـ َب َ‬
‫ش ـٌر‬ ‫سْ‬‫الم َولَ ْم َي ْم َ‬
‫الن ‪..‬داء (يا)‪ ،‬ومنه ج ‪..‬اء قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪:‬قَــالَ ْت أ ََّنى ي ُكـ ُ ِ‬
‫ـون لي ُغ ٌ‬ ‫َ‬
‫َولَ ْم أَ ُك َب ِغيًّا‪ 69‬فق‪..‬د ح‪..‬ذف الن‪..‬ون في قول‪..‬ه‪( :‬أَ ُك) تخفيف‪..‬ا‪ ،‬وفي غ‪..‬ير ال‪..‬ذكر نق‪..‬ول‪ :‬لم‬
‫أكن‪.‬‬
‫ِ‬
‫ـون‬
‫ضـا أ َْو تَ ُكـ َ‬ ‫ف َحتَّى تَ ُكـ َ‬
‫ـون َح َر ً‬ ‫ومنه قوله تعالى‪:‬قَالُوا تَاللَّه تَ ْفتَأُ تَ ْذ ُك ُر ُي ُ‬
‫وسـ َ‬
‫ين‪ 70‬أى‪ :‬ال تفتأ‪ ،‬فحذفت ال النافية‪ ،‬ومنه قول امرئ القيس‪:‬‬ ‫ِم ْن ا ْل َه ِال ِك َ‬
‫يمين اهلل أب‪.. . . . . . . . . . .‬رح قاع‪.. . . . . . . . . . .‬دا ول‪..‬و قطع‪..‬وا رأس‪..‬ي ل‪..‬ديك وأوص‪..‬الي‬
‫فقلت ُ‬ ‫ُ‬

‫أى‪ :‬ال أبرح‪ ،‬فحذف ال النافية‪.‬‬


‫ص ـ َب ُروا‬ ‫‪ ‬حــذف المســند فعال ك ‪..‬ان أو اس ‪..‬ما‪ ،‬فالفعل كقول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪َ  :‬ولَـ ْـو أ ََّن ُه ْم َ‬
‫يم‪ ،71‬أي‪ :‬ل‪.. . . .‬و ثبت أنهم‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َحتَّى تَ ْخـ ـ ـ ُر َج إِلَ ْي ِه ْم لَ َكـ ـ ـ َ‬
‫ـور َرح ٌ‬ ‫ـان َخ ْيـ ـ ـ ًـرا لَ ُه ْم َوالل ُه َغفُـ ـ ـ ٌ‬
‫ـون تَ ْجـ ِري ِم ْن تَ ْح ِت َهــا‬ ‫ص‪..‬بروا‪ ،‬واالسم كقول‪..‬ه تع‪..‬الي ‪َ ‬مثَـ ُل ا ْل َج َّن ِة الَِّتي ُو ِعـ َد ا ْل ُمتَّقُـ َ‬
‫الن ُار‪‬‬ ‫ين َّ‬ ‫ـاف ِر َ‬‫ين اتَّقَ ـ ــوا وع ْقبى ا ْل َكـ ـ ِ‬ ‫ـك ُع ْق َبى الَّ ِذ َ‬ ‫ـار أُ ُكلُ َهـ ــا َد ِائ ٌم َو ِظلُّ َهـ ــا ِت ْل ـ ـ َ‬‫األَْن َهـ ـ ُ‬
‫‪72‬‬
‫َ ُ َ‬
‫والتقدير‪ :‬وظلها دائم‪ ،‬فحذف المسند من الثاني لداللة األول عليه‪.‬‬
‫‪ ‬حــذف المســند إليــه‪ ،‬كقول‪...‬ه تع‪...‬الي‪َ :‬كال إِ َذا َبلَ َغ ْت التََّر ِاقي‪ 73‬أي‪ :‬إذا بلغت‬
‫لتعينه؛ ألن الذي يبل‪..‬غ ال‪..‬تراقي في حال‪..‬ة‬ ‫الروح التراقي‪ ،‬فحذف الفاعل(المسند إليه) ُّ‬
‫االحتضار للموت إنما هي الروح‪ ،‬ومن هذا قول حاتم الطائي‪:‬‬
‫‪.‬در‬
‫حشرجت يوما وضاق بها الص‪ُ .‬‬
‫ْ‬ ‫إذا‬ ‫ي م‪.. .‬ا يغ‪.. .‬ني ال‪.. .‬ثراء عن الف‪.. .‬تي‬ ‫َم‪ِ .‬‬
‫‪.‬او َّ‬ ‫أ َ‪.‬‬

‫فحذف المسند إليه‪ ،‬والتقدير‪:‬حشرجت الروح‪ ،‬ومنه كذلك قول الشاعر‪:‬‬


‫س ‪.. . . . . . . . . . .‬هر دائم وح ‪.. . . . . . . . . . .‬زن ش ‪.. . . . . . . . . . .‬ديد‬ ‫ق‪.. . . . . .‬ال لي‪:‬كي‪.. . . . . .‬ف أنت؟ قلت‪ :‬عليل‬

‫فقد حذف المسند إليه‪ ،‬والتقدير‪ :‬أنا عليل‪ ،‬والسبب‪ :‬ضيق الصدر بالعلة‪.‬‬
‫‪ ‬حذف المفعول به‪ ،‬وه‪..‬ذا كث‪..‬ير في الق‪..‬رآن الك‪..‬ريم‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ  :‬ولَ َّما َو َر َد‬
‫ِ‬ ‫ُم ًة ِم ْن َّ‬
‫اء َم ْد َي َن َو َج َد َعلَ ْي ِه أ َّ‬
‫ود ِ‬
‫ان قَا َل‬ ‫ون َو َو َج َد م ْن ُدو ِن ِه ْم ْ‬
‫ام َرأتَْي ِن تَ ُذ َ‬ ‫سقُ َ‬ ‫الن ِ‬
‫اس َي ْ‬ ‫َم َ‬
‫‪69‬‬
‫مريم ‪20‬‬
‫‪70‬‬
‫يوسف ‪85‬‬
‫‪71‬‬
‫الحجرات ‪5‬‬
‫‪72‬‬
‫الرعد ‪35‬‬
‫‪73‬‬
‫القيامة ‪26‬‬

‫‪54‬‬
‫ش ـ ْي ٌخ َك ِبـ ٌ‬
‫ـير‪ 74‬لق ‪..‬د وج ‪..‬د‬ ‫ـاء َوأ َُبو َنــا َ‬ ‫ص ـ ِد َر ِّ‬
‫الر َعـ ُ‬
‫مــا َخ ْطب ُكمــا قَالَتَــا ال َن ِ‬
‫س ـقي َحتَّى ُي ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫موس‪..‬ى البن‪..‬تين في مك‪..‬ان غ‪..‬ير مك‪..‬ان الم‪..‬اء (من دونهم) إذ دل على وجودهم‪..‬ا أس‪..‬فل‬
‫ال‪..‬وادي أو مج‪.‬اورين للس‪.‬قاة وهم على ح‪.‬ال من الض‪..‬عف والمس‪..‬كنة وطلب المس‪.‬اعدة‬
‫إذ ال يق‪.. .‬دران على مزاحم‪.. .‬ة الرج‪.. .‬ال إذ ه‪.. .‬ذا من عم‪.. .‬ل الرج‪.. .‬ال األقوي‪.. .‬اء‪ ،‬وج‪.. .‬دهما‬
‫(ت ــذودان) به‪.. .‬ذا (الفع‪.. .‬ل الم‪.. .‬وجز ال‪.. .‬ذي رس‪.. .‬م ص‪.. .‬ورة ممت‪.. .‬دة في مس‪.. .‬احتها المكاني‪.. .‬ة‬
‫والزماني‪..‬ة‪ ،‬إذ يص‪..‬ور الفت‪..‬اتين وهم‪..‬ا تح‪..‬اوالن مح‪..‬اوالت بائس‪..‬ة لفص‪..‬ل أغنامهم‪..‬ا عن‬
‫س ‪..‬ائر أغن ‪..‬ام الق ‪..‬وم انتظ ‪..‬ارا لف ‪..‬راغ الس ‪..‬احة لهم ‪..‬ا)‪ ،75‬ومن هن ‪..‬ا تح ‪..‬ركت في موس ‪..‬ى‬
‫الم‪..‬روءة والفط‪..‬رة الس‪..‬ليمة ونهض ليس‪..‬اعد الفت‪..‬اتين ويقض‪..‬ى لهم‪..‬ا م‪..‬ا يطلب‪..‬ان ول‪..‬ذلك‬
‫س‪.. .‬ألهما‪( :‬م ــا خطبكما)؟ فك‪.. .‬انت اإلجاب‪.. .‬ة مختص‪.. .‬رة ومفي‪.. .‬دة دون تلجلج وال الت‪.. .‬واء‪:‬‬
‫(قالتا ال نسقى) بأس‪..‬لوب ي‪..‬دعو إلى الرحم‪..‬ة بإعانتهم‪..‬ا وبرهم‪..‬ا لض‪..‬عفهما وعجزهم‪..‬ا‬
‫كما يشعر األسلوب بحيائهم‪..‬ا ألنهم‪..‬ا ال يزاحم‪..‬ان الرج‪..‬ال وم‪..‬ا عليهم‪..‬ا إال أن ينتظ‪..‬را‬
‫(حــتى يصــدر الرعــاء) ألن أباهم‪..‬ا (شــيخ كبــير) وه‪..‬ذا يؤك‪..‬د ض‪..‬عفهما وهم‪..‬ا ـ به‪..‬ذا ـ‬
‫يس ‪..‬تعطفان موس ‪..‬ى ليعينهم ‪..‬ا على الس ‪..‬قي‪ ،‬وبالفع ‪..‬ل (ســقى لهما) رحم ‪..‬ة بهم ‪..‬ا ورفق ‪..‬ا‬
‫بحالهما‪.‬‬

‫وألن القصد في المش‪..‬هد ه‪..‬و إظه‪..‬ار الفع‪..‬ل ح‪..‬ذف المفع‪..‬ول في أربع‪..‬ة مواض‪..‬ع‬
‫(يسقون ـ تذودان ـ نسقى ـ فسقى) وك‪..‬ون المس‪..‬قي غنم‪..‬ا أو إبال ال يق‪..‬دم وال ي‪..‬ؤخر‬
‫ألن قصد الس‪.‬امع منص‪.‬ب على معرف‪.‬ة الفع‪.‬ل ال‪.‬ذي وق‪.‬ع‪ ،‬وبه‪.‬ذا يك‪.‬ون الفع‪.‬ل ق‪.‬د ن‪.‬زل‬
‫منزلة الالزم كم‪.‬ا ي‪.‬رى الش‪.‬يخ عب‪.‬د الق‪.‬اهر والعالم‪.‬ة الزمخش‪.‬ري ول‪.‬و ق‪.‬در المح‪.‬ذوف‬
‫فقي‪..‬ل‪ :‬يس‪..‬قون إبلهم وت‪..‬ذودان غنمهم‪..‬ا لت‪..‬وهم أن ال‪..‬ترحم عليهم‪..‬ا ليس من جه‪..‬ة أنهم‪..‬ا‬
‫على ال‪..‬ذود والن‪..‬اس على الس‪..‬قي ب‪..‬ل من جه‪..‬ة أن مزودهم‪..‬ا غنم ومس‪..‬قيهما إب‪..‬ل بن‪..‬اء‬
‫على أن مح ‪..‬ط الفائ ‪..‬دة في الكالم البلي ‪..‬غ ه ‪..‬و القي ‪..‬د األخ ‪..‬ير وه ‪..‬ذا مفس ‪..‬د للمع ‪..‬نى وغ ‪..‬ير‬
‫‪76‬‬
‫مراد‬

‫‪74‬‬
‫القصص ‪23‬‬
‫‪75‬‬
‫أساليب البيان والصورة القرآنية لفضيلة أستاذناـ الدكتور شادي ‪499/‬‬
‫‪76‬‬
‫دالئل اإلعجاز ‪ ،182 /‬والكشاف ‪3/401‬‬

‫‪55‬‬
‫وللسكاكي رأى آخر في هذا إذ يرى أن الح‪..‬ذف لمج‪..‬رد االختص‪..‬ار وأي‪..‬ده في‬
‫‪77‬‬
‫هذا السعد‪ ،‬والشريف‪ ،‬والسيد‪ ،‬وعبد الحكيم‬

‫ويعل‪..‬ق الس‪..‬يوطي والزركش‪..‬ي على الح‪..‬ذف بقولهم‪..‬ا‪ :‬يتعل‪..‬ق الغ‪..‬رض ب‪..‬اإلعالم‬


‫‪.‬وي‬
‫بمج‪..‬رد إيق‪..‬اع الفع‪..‬ل للفاع‪..‬ل فيقتص‪..‬ر عليهم‪..‬ا وال ي‪..‬ذكر المفع‪..‬ول وال ين‪..‬وى إذ المن‪ّ .‬‬
‫‪78‬‬
‫كالثابت‪ ،‬وال يسمى محذوفا ألن الفعل لهذا القصد ينزل منزلة ماال مفعول له‬

‫ومن أحس ‪..‬ن م ‪..‬ا قي ‪..‬ل في ه ‪..‬ذا ق ‪..‬ول ابن ج ‪..‬ني‪ .... ( :‬فم ‪..‬ا أعرب ‪..‬ه وأعذب ‪..‬ه في‬
‫الكالم ولو نط‪.‬ق ب‪.‬المفعول لم‪.‬ا ك‪.‬ان في عذوب‪.‬ة حذف‪.‬ه وال في عل‪.‬وه)‪ 79‬وي‪.‬رى أس‪.‬تاذنا‬
‫فضيلة الدكتور عبد العظيم المطعني – رحمه اهلل تعالي ‪ -‬آخذا على رأى السكاكي‬
‫ومؤيدي ‪..‬ه‪ :‬أن المفع ‪..‬ول م ‪..‬ا دام به ‪..‬ذه المنزل ‪..‬ة عن ‪..‬ده من األهمي ‪..‬ة فلم ‪..‬اذا جع ‪..‬ل مج ‪..‬رد‬
‫‪80‬‬
‫االختصار علة الحذف ومجرد االختصار حجة ضعيفة‬

‫وأعتقد ـ بعيدا عما قيل ـ أن الحذف أفضل من الذكر إذ المقصود من المش‪..‬هد‬


‫ه ‪..‬و الفع ‪..‬ل وال داعي ل ‪..‬ذكر المفع ‪..‬ول وإ ال ك ‪..‬ان فض ‪..‬وال‪ ،‬ثم إن مج ‪..‬رد االختص ‪..‬ار ال‬
‫يكفي عل ‪..‬ة للح ‪..‬ذف ولكن هن ‪..‬اك أس ‪..‬رار أخ ‪..‬رى ألن الغ ‪..‬رض المس ‪..‬وق ل ‪..‬ه الكالم ه ‪..‬و‬
‫كيف دخل موسى بيت شعيب‪.‬‬

‫ثم إن ال‪..‬ترحم لم يكن على المواش‪..‬ي أو اإلب‪..‬ل أو الغنم إنم‪..‬ا على ع‪..‬دم الق‪..‬درة‬
‫على السقي فانصب الغرض عليه‪.‬‬

‫ومم‪.‬ا الش‪.‬ك في‪.‬ه ف‪.‬إن الق‪.‬رآن الك‪.‬ريم حين يح‪.‬ذف م‪.‬ا يح‪.‬ذف من مش‪.‬اهد يقص‪.‬د‬
‫بها مشاركة السامع تنشيطا لخياله وتحريكا لفكره‪ ،‬فيظل متشوقا وملهوفا إلى سماع‬
‫باقي المشاهد واألحداث‪ ،‬وتلك مزية القرآن الفريدة‪.‬‬
‫ريث‪:‬‬
‫ومن هذا قول الشاعر البعيث بن ُح ْ‬
‫ِ‬
‫منكب‬ ‫وعب ٌس وق‪.. . . . .‬د كان‪.. . . . .‬ا علي ح‪.ِّ . . . . .‬د‬
‫ْ‬ ‫دع ‪.. . .‬اني يزي ‪.ُ . . .‬د بع ‪.. . .‬د م ‪.. . .‬ا س ‪.. . .‬اء ُّ‬
‫ظنه‬
‫سوي محضري من حاض‪..‬رين َّ‬
‫وغيب‬ ‫وق ‪.. . . . . . .‬د علم ‪.. . . . . . .‬ا َّ‬
‫أن العش ‪.. . . . . . .‬يرة كلها‬
‫‪77‬‬
‫المفتاح ‪ ،133 /‬واإليضاح ‪ ،1/202‬حاشية لسيد على المطول‪ 197/‬ط أحمد كامل ‪ ،1330‬والمطول ‪177 ،176‬‬
‫‪78‬‬
‫اإلتقان للسيوطىـ ‪ 2/12‬والبرهانـ للزركشى ‪176 /3‬‬
‫‪79‬‬
‫المحتسب البن جنى ‪ 1/333‬ط المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‬
‫‪80‬‬
‫خصائصـ التعبير القرآني ‪2/55‬‬

‫‪56‬‬
‫أي‪ :‬دع‪.. .‬اني يزي‪.. .‬د وعبس لنص‪.. .‬رتهما‪ ،‬وق‪.. .‬د كان‪.. .‬ا أش‪.. .‬رفا على الهالك‪ ،‬وذل‪.. .‬ك‬
‫تفس‪..‬ير (س‪..‬اء ظن‪..‬ه) ف‪..‬المفعول الث‪..‬اني من (علم‪..‬ا) مح‪..‬ذوف‪ ،‬ألن قول‪..‬ه‪( :‬أن العش‪..‬يرة)‬
‫في موض ‪.. .‬ع مفع ‪.. .‬ول (علم ‪.. .‬ا) األول‪ ،‬وتق ‪.. .‬دير الكالم‪ :‬ق ‪.. .‬د علم ‪.. .‬ا أن العش ‪.. .‬يرة س ‪.. .‬وي‬
‫وغَّيب ال غن ‪..‬اء عن ‪..‬دهم‪ ،‬أو س ‪..‬واء حض ‪..‬ورهم وغيبتهم‪ ،‬أو‬
‫محض ‪..‬ري من حاض ‪..‬رين ُ‬
‫ما جري هذا المجري‪.‬‬
‫ومن هذا الض‪..‬رب أيض‪..‬ا‪ :‬حذف المفعول الوارد بعــد المشــيئة واإلرادة‪ ،‬مث‪..‬ل‬
‫شـ ْوا ِفيـ ِـه َوإِ َذا أَ ْظلَ َم‬
‫اء لَ ُه ْم َم َ‬ ‫صـ َار ُه ْم ُكلَّ َمــا أ َ‬
‫َضـ َ‬ ‫ـف أ َْب َ‬
‫طـ ُ‬
‫ق َي ْخ َ‬
‫ـاد ا ْل َبـ ْـر ُ‬
‫قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ  :‬ي َكـ ُ‬
‫ار ِهم إِ َّن اللَّ َه علَى ُك ِّل َ ٍ ِ‬ ‫شاء اللَّ ُه لَ َذ َهب ِب ِ‬
‫ير‬
‫ش ـ ْيء قَــد ٌ‬ ‫َ‬ ‫صِ ْ‬ ‫س ْمع ِه ْم َوأ َْب َ‬‫َ َ‬ ‫اموا َولَ ْو َ َ‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم قَ ُ‬
‫‪ ‬فمفع‪.. . .‬ول (شـ ــاء) هن‪.. . .‬ا مح‪.. . .‬ذوف‪ ،‬وتق‪.. . .‬ديره‪ :‬ول‪.. . .‬و ش‪.. . .‬اء اهلل أن ي‪.. . .‬ذهب بس‪.. . .‬معهم‬
‫اء اللَّ ُه لَ َج َم َع ُه ْم َعلَى ا ْل ُهـ َـدى فَال‬
‫شـ َ‬
‫وأبص‪..‬ارهم ل‪..‬ذهب به‪..‬ا‪ ،‬ومن‪..‬ه قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ :‬ولَـ ْـو َ‬
‫ين‪ ، 81‬وه‪..‬ذا الح‪..‬ذف كث‪..‬ير في الق‪..‬رآن الك‪..‬ريم‪ ،‬وكث‪..‬ير أيض‪..‬ا في‬ ‫اه ِل َ‬
‫تَ ُكو َن َّن ِم ْن ا ْلج ِ‬
‫َ‬
‫الشعر ‪ ،‬خذ مثال قول البحتري‪:‬‬
‫كرم‪.. . . . . . . . .‬ا ولم ته‪.. . . . . . . . .‬دم م‪.. . . . . . . . .‬آثر خالد‬ ‫ل‪.. . . .‬و ش‪.. . . .‬ئت لم تُفس‪.. . . .‬د س‪.. . . .‬ماحة ح ‪ٍ . . .‬‬
‫‪.‬اتم‬

‫واألصل‪ :‬ل‪..‬و ش‪..‬ئت أن ال تفس‪..‬د س‪..‬ماحة ح‪..‬اتم لم تفس‪..‬دها‪ ،‬فح‪..‬ذف ذل‪..‬ك من األول‬
‫استغناء بداللته عليه في الثاني‪.‬‬
‫‪ ‬حذف المضــاف‪ ،‬وه‪..‬و كث‪..‬ير في الق‪..‬رآن الك‪..‬ريم‪ ،‬ومن‪..‬ه ج‪..‬اء قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬لَقَـ ْـد‬
‫ان يرجــو اللَّ َه وا ْليــوم ِ‬
‫اآلخـ َـر َو َذ َكـ َـر اللَّ َه‬ ‫ِ‬ ‫ان َل ُكم ِفي رس ِ ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫س َن ٌة ل َم ْن َك َ َ ْ ُ‬‫ُس َوةٌ َح َ‬ ‫ول اللَّه أ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َك َ ْ‬
‫اه ُدوا ِفي‬ ‫َك ِثيرا‪ ،82 ‬فالغرض‪ :‬لمن كان يرجو رحمة اهلل‪ ،‬ومنه قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬وج ِ‬
‫َ َ‬ ‫ً‬
‫ِ ِ ‪83‬‬
‫ق ِج َهاده‪ ‬أي‪ :‬وجاه‪..‬دوا في س‪..‬بيل اهلل‪ ،‬ومن‪..‬ه ك‪..‬ذلك قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ  :‬وقَالُوا‬ ‫اللَّ ِه َح َّ‬
‫ِ‬ ‫ج ٌر ال َي ْط َع ُم َهـا إِال َم ْن َن َ‬ ‫ث ِح ْـ‬ ‫ِِ‬
‫ور َهـا‬ ‫اء ِب َـز ْعم ِه ْم َوأَْن َع ٌ‬
‫ـام ُح ِّـر َم ْت ظُ ُه ُ‬ ‫شـ ُ‬ ‫ـام َو َح ْـر ٌ‬
‫َهذه أَْن َع ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‪،84‬‬ ‫سـ َي ْج ِزي ِه ْم ِب َمــا َكــا ُنوا َي ْفتَـُـر َ‬ ‫اس َم اللَّه َعلَ ْي َهــا افْتـ َـر ً‬
‫اء َعلَ ْيــه َ‬ ‫ون ْ‬ ‫ام ال َي ْذ ُك ُر َ‬‫َوأَْن َع ٌ‬
‫والتق‪..‬دير‪ :‬من‪..‬افع ظهوره‪..‬ا‪ ،‬وال ش‪..‬ك فتق‪..‬دير المن‪..‬افع أولي من تق‪..‬دير الرك‪..‬وب؛ ألنهم‬
‫‪81‬‬
‫األنعام ‪35‬‬
‫‪82‬‬
‫األحزاب ‪21‬‬
‫‪83‬‬
‫الحج ‪78‬‬
‫‪84‬‬
‫األنعام ‪138‬‬

‫‪57‬‬
‫ـنز ِ‬
‫ير‬ ‫َّم َولَ ْح ُم ا ْل ِخـ ِ‬‫ُحرموا ركوبها‪ ،‬ومنه أيضا قوله تع‪..‬الي‪ُ :‬حِّر َم ْت َعلَ ْي ُك ْم ا ْل َم ْيتَ ُـة َوالــد ُ‬
‫ُه َّل ِل َغ ْي ِر اللَّ ِه ِب ِه وا ْلم ْن َخ ِنقَـ ُة وا ْلموقُــو َذةُ وا ْلمتَردِّيـ ُة و َّ ِ‬‫وما أ ِ‬
‫السـ ُبعُ‬
‫ـل َّ‬ ‫يحـ ُة َو َمــا أَ َكـ َ‬
‫النط َ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ‬
‫صـــ ِب‪ 85‬أي‪ :‬تناوله ‪.. .‬ا؛ ألن الحكم الش ‪.. .‬رعي إنم ‪.. .‬ا‬ ‫إِال مـــا َذ َّك ْيتُ ْم َومـــا ُذ ِب َح َعلَى ُّ‬
‫الن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يتعل ‪..‬ق باألفع ‪..‬ال دون األج ‪..‬رام‪ ،‬وتأم ‪..‬ل قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي من ه ‪..‬ذا الض ‪..‬رب‪َ :‬و َمثَ ـ ُل الَّ ِذ َ‬
‫ين‬
‫ص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي فَ ُه ْم ال َي ْع ِقلُـ َ‬
‫ـون‬ ‫اء ُ‬ ‫اء َو ِن َد ً‬
‫س َمعُ إِال ُد َع ً‬ ‫َكفَُروا َك َمثَ ِل الَّ ِذي َي ْن ِع ُ‬
‫ق ِب َما ال َي ْ‬
‫‪ 86 ‬أي‪ :‬ومث ‪..‬ل األنبي ‪..‬اء والكف ‪..‬ار كمث ‪..‬ل ال ‪..‬ذي ينع ‪..‬ق وال ‪..‬ذي ُينع ‪..‬ق ب ‪..‬ه‪ ،‬فح ‪..‬ذف من‬
‫ينع‪ .‬ق علي‪..‬ه‪ ،‬وح‪..‬ذف من الث‪..‬اني‪ :‬ال‪..‬ذي ُينع‪..‬ق ب‪..‬ه لدالل‪..‬ة‬ ‫األول ‪ :‬األنبي‪..‬اء لدالل‪..‬ة ال‪..‬ذي ِ‬
‫الذين كفروا عليه‪ ،‬حتي ال يقرن بالذي ينعق بما ال يسمع‪.‬‬
‫وه‪..‬ذا الن‪..‬وع من ألط‪..‬ف األن‪..‬واع وأب‪..‬دعها ‪ ،‬يق‪..‬ول العالم‪..‬ة الس‪..‬يوطي‪ :‬من أن‪..‬واع‬
‫الح‪..‬ذف م‪..‬ا يس‪..‬مي باالحتب‪..‬اك وه‪..‬و من ألط‪..‬ف األن‪..‬واع وأب‪..‬دعها‪ ،‬وق‪ّ .‬ل من تنب‪..‬ه ل‪..‬ه أو‬
‫نب‪..‬ه علي‪..‬ه من أه‪..‬ل فن البالغ‪..‬ة‪ ،‬ولم أره في ش‪..‬رح بديع‪..‬ة األعمى لرفيق‪..‬ه األندلس‪..‬ي‪،‬‬
‫وذك‪..‬ره الزركش‪..‬ي في البره‪..‬ان ‪ ،‬ولم يس‪..‬مه ه‪..‬ذا االس‪..‬م‪ ،‬ب‪..‬ل س‪..‬ماه الح‪..‬ذف المق‪..‬ابلي‪،‬‬
‫وأفرده بالتصنيف من أهل العصر العالمة برهان ال‪..‬دين البق‪..‬اعي‪ ،‬ق‪..‬ال األندلس‪..‬ي في‬
‫شرح البديعية‪ :‬من أنواع البديع ‪ :‬االحتباك‪ ،‬وهو نوع عزيز ‪.‬‬
‫‪87‬‬

‫س ـو ٍء‪‬‬ ‫ضـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومن ‪..‬ه قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪َ  :‬وأ َْد ِخـ ْ‬
‫ـل َيـ َـد َك في َج ْي ِبـ َك تَ ْخـ ُر ْج َب ْي َ َ‬
‫اء م ْن َغ ْيـ ِـر ُ‬
‫‪88‬‬

‫والتق ‪..‬دير‪ :‬ت ‪..‬دخل غ ‪..‬ير بيض ‪..‬اء‪ ،‬وأخرجه ‪..‬ا تخ ‪..‬رج بيض ‪..‬اء‪ ،‬فح ‪..‬ذف من األول (غ ‪..‬ير‬
‫بيضاء)‪ ،‬ومن الثاني‪(:‬وأخرجها)‪.‬‬
‫ـون افْتَ ــراهُ ُق ـ ْـل إِ ْن افْتَر ْيتُ ـ ُـه فَعلَ َّي إِ ْـجـ ر ِ‬
‫امي َوأََن ــا‬ ‫وك‪.. .‬ذلك قول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الي ‪‬أ َْم َيقُولُ ـ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون‪ ، 89‬أي‪ :‬إن افتريت‪..‬ه فعلي إج‪..‬رامي‪ ،‬وأنتم ب‪..‬راء من‪..‬ه‪ ،‬وعليكم‬ ‫يء ِم َّما تُ ْج ِر ُم َ‬
‫َب ِر ٌ‬
‫إجرامكم‪ ،‬وأنا برئ مما تجرمون‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫المائدة ‪3‬‬
‫‪86‬‬
‫البقرة ‪171‬‬
‫‪87‬‬
‫اإلتقان في علوم القرآن ‪182 /3‬‬
‫‪88‬‬
‫النمل بعض آية ‪12‬‬
‫‪89‬‬
‫هود ‪35‬‬

‫‪58‬‬
‫ـوب َعلَ ْي ِه ْم‪‬‬
‫اء أ َْو َيتُـ َ‬
‫شـ َ‬ ‫ين إِ ْن َ‬ ‫ـاف ِق َ‬
‫ومن‪..‬ه أيضا قول‪..‬ه تع‪..‬الي ‪‬ويعـ ِّـذب ا ْلم َنـ ِ‬
‫‪90‬‬
‫َ َُ َ ُ‬
‫أي‪ :‬ويعذب المنافقين إن شاء فال يتوب عليهم‪ ،‬أو يتوب عليهم فال يعذبهم‪.‬‬
‫وه َّن ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ث‬ ‫ـوه َّن َحتَّى َي ْط ُه ْـر َن فَـِإ َذا تَ َ‬
‫ط َّه ْر َن فَـأْتُ ُ‬ ‫ومن‪..‬ه قول‪..‬ه تع‪..‬الي ‪َ ‬وال تَ ْق َر ُب ُ‬
‫َم َر ُك ْم اللَّ ُه‪ 91‬أي‪ :‬حتي يطهرن من الدم‪ ،‬ويتطهرن بالماء ‪ ،‬فإذا طهرن وتطهرن‬ ‫أَ‬
‫فأتوهن من حيث أمركم اهلل‪.‬‬
‫أي‪ :‬عمال ص‪..‬الحا بس‪..‬يئ‪،‬‬ ‫سـ ِّي ًئا‪‬‬ ‫ص ِال ًحا َو َ‬
‫آخ َر َ‬ ‫وقوله تع‪..‬الي ‪َ ‬خلَطُوا َع َمال َ‬
‫‪92‬‬

‫وآخر سيئا بصالح‪.‬‬


‫ُخـ رى َكـ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أي‪ :‬فئ ‪..‬ة مؤمن ‪..‬ة‬ ‫ـاف َرةٌ‪‬‬ ‫س ـ ِبيل الله َوأ ْ َ‬ ‫وقول ‪..‬ه تع ‪..‬الي ‪‬ف َئـ ٌة تُقَاتـ ُل في َ‬
‫‪93‬‬

‫تقاتل في سبيل اهلل‪ ،‬وأخري كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت‪.‬‬


‫ت ِب َمــا َل ْم‬
‫صــ ْر ُ‬‫وق‪...‬د يح‪...‬ذف المض‪...‬اف مك‪...‬ررا كم‪...‬ا في قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪ :‬قَــا َل َب ُ‬
‫سـ َّولَ ْت ِلي َن ْف ِسـي‪،94 ‬‬ ‫ِ‬ ‫س ِ‬
‫ول فَ َن َبذْتُ َها َو َك َذل َك َ‬ ‫ض ًة ِم ْن أَثَ ِر َّ‬
‫الر ُ‬ ‫ت قَ ْب َ‬
‫ضُ‬‫ص ُروا ِب ِه فَقَ َب ْ‬ ‫َي ْب ُ‬
‫أي‪ :‬من أثر حافر فرس الرسول‪.‬‬
‫ين لَْيلَـ ًة‬ ‫‪ ‬حذف المضاف إليه‪ ،‬وهو قليل‪ ،‬كقوله تعالي‪ :‬وواع ْد َنا موسـى ثَ ِ‬
‫الث َ‬ ‫ََ َ ُ َ‬
‫ش ٍر‪ 95‬والتقدير‪ :‬بعشر لي‪..‬ال‪ ،‬ومن‪..‬ه أيض‪..‬ا قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ِ :‬للَّ ِه األ َْم ُر ِم ْن‬ ‫اها ِب َع ْ‬‫َوأَتْ َم ْم َن َ‬
‫قَْب ُل َو ِم ْن َب ْع ُد‪ 96 ‬أي من قبل ذلك ومن بعده‪.‬‬
‫‪ ‬حـ ــذف الموصـ ــوف‪ ،‬وإ قامـ ــة الصـ ــفة مقامه‪ ،‬وه‪.. . .‬ذا كث‪.. . .‬ير‪ ،‬كقول‪.. . .‬ه تع‪.. . .‬الي‪:‬‬
‫اب‪ ،97‬والتق‪..‬دير‪ :‬وعن‪..‬دهم ح‪..‬ور قاص‪..‬رات الط‪..‬رف‪،‬‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫‪‬و ِع ْن َد ُهم قَ ِ‬
‫الط ْرف أَتَْر ٌ‬ ‫اص َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫سـ ْو َ‬ ‫الصـالةَ واتَّبعــوا َّ ِ‬ ‫ف ِم ْن َب ْع ِد ِه ْم َخ ْل ٌ‬
‫الشـ َه َوات فَ َ‬ ‫اعوا َّ َ َ ُ‬ ‫َض ُ‬
‫فأ َ‬ ‫وكقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬فَ َخلَ َ‬

‫‪90‬‬
‫األحزاب بعض آية ‪24‬‬
‫‪91‬‬
‫البقرة بعض آية ‪222‬‬
‫‪92‬‬
‫التوبة بعض آية ‪102‬‬
‫‪93‬‬
‫آل عمران بعض آية ‪13‬‬
‫‪94‬‬
‫طه ‪96‬‬
‫‪95‬‬
‫األعراف بعض آية ‪142‬‬
‫‪96‬‬
‫الروم ‪4‬‬
‫‪97‬‬
‫ص‪52‬‬

‫‪59‬‬
‫ص ـ ِال ًحا فَأ ُْولَ ِئ ـ َك َيـ ْـد ُخلُ َ‬
‫ون ا ْل َج َّن َة َوال ُي ْظلَ ُمـ َ‬
‫ـون‬ ‫ِ‬
‫آم َن َو َعمـ َل َ‬ ‫ـاب َو َ‬‫َي ْلقَـ ْـو َن َغيًّا إِال َم ْن تَـ َ‬
‫ش ْي ًئا‪ 98 ‬والتقدير‪ :‬وعمل عمال صالحا‪،‬‬ ‫َ‬
‫َن َك َّ‬
‫ــذ َب ِب َهــا‬ ‫ــات إِال أ ْ‬ ‫َن ُنر ِســ َل ِباآلي ِ‬
‫َ‬ ‫ومن ه‪...‬ذا الض‪...‬رب قول‪...‬ه تع‪...‬الي‪َ  :‬و َمــا َم َن َع َنــا أ ْ ْ‬
‫ـات إِال تَ ْخ ِويفًا‪‬‬ ‫ظلَموا ِبهــا ومــا ُنر ِسـ ُل ِباآليـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون َوآتَْي َنا ثَم َ َّ‬
‫ود الناقَ َة ُم ْبص َرةً فَ َ ُ‬ ‫األ ََّولُ َ‬
‫‪99‬‬
‫َ‬ ‫َ ََ ْ‬ ‫ُ‬
‫فإن ‪..‬ه لم ي ‪..‬رد أن الناق ‪..‬ة ك ‪..‬انت مبص ‪..‬رة‪ ،‬ولم تكن عمي ‪..‬اء‪ ،‬وإ نم ‪..‬ا يري ‪..‬د آي ‪..‬ة مبص ‪..‬رة‪،‬‬
‫فحذف الموصوف‪ ،‬وأقام الصفة مقامه‪.‬‬
‫وأك‪..‬ثر ه‪..‬ذا الح‪..‬ذف بع‪..‬د الن‪..‬داء‪ ،‬فحين تق‪..‬ول‪ :‬ي‪..‬ا أيه‪..‬ا الظري‪..‬ف‪ ،‬فالتق‪..‬دير‪ :‬ي‪..‬ا‬
‫اح ُر‬‫السـ ِ‬
‫ُّهــا َّ‬‫أيها الرجل الظريف‪ ،‬وفي القرآن الكريم جاء قوله تع‪..‬الي ‪َ ‬وقَالُوا َيا أَي َ‬
‫ون‪ ، 100 ‬أي‪ :‬يا أيها الرجل الساحر‪.‬‬ ‫َّك ِب َما َع ِه َد ِع ْن َد َك إِ َّن َنا لَ ُم ْهتَ ُد َ‬
‫ْادعُ لَ َنا َرب َ‬
‫اك َهـ ٍـة‬
‫ون ِفيهـا ِبفَ ِ‬
‫يها َي ْد ُع َ َ‬
‫‪ ‬حذف الصفة‪ ،‬وه‪..‬ذا قلي‪..‬ل‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬متَّ ِك ِئ َ ِ‬
‫ين ف َ‬ ‫ُ‬
‫اب‪ 101‬والتق ‪..‬دير‪ :‬بفاكه ‪..‬ة كث ‪..‬يرة‪ ،‬وال ‪..‬دليل‪ :‬م ‪..‬ا قبل ‪..‬ه أي قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪:‬‬ ‫شــر ٍ‬ ‫َك ِث ٍ‬
‫ــيرة َو َ َ‬ ‫َ‬
‫ـون ِفي‬ ‫ين َي ْع َملُـ َ‬ ‫الســ ِفي َن ُة فَ َكــا َن ْت ِلمســ ِ‬
‫اك َ‬ ‫َ َ‬ ‫ــير ٍة‪ ،‬ومن ‪..‬ه قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪:‬أ َّ‬
‫َما َّ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫‪ِ ‬بفَاك َهــة َكث َ‬
‫ص ًبا‪ 102 ‬أي‪ :‬يأخ‪..‬ذ‬ ‫ان وراء ُهم م ِل ٌك يأْ ُخ ُذ ُك َّل ِ‬ ‫ت أْ ِ‬ ‫ا ْل َب ْح ِر فَأ ََر ْد ُ‬
‫سفي َنةـ َغ ْ‬ ‫َ‬ ‫يب َها َو َك َ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫َن أَع َ‬
‫يب َها‪ ،‬وق‪..‬رأ س‪..‬عيد بن‬ ‫ت أْ ِ‬
‫َن أَع َ‬ ‫كل س‪..‬فينة س‪..‬ليمة ص‪..‬الحة ب‪..‬دليل م‪..‬ا قبل‪..‬ه‪ ،‬أي‪ :‬فَأ ََر ْد ُ‬
‫صـ ًبا‪ ،‬ومن ه‪..‬ذا الن‪..‬وع ج‪..‬اء‬ ‫ان أمامهم م ِل ٌك يأْ ُخ ُذ ُك َّل سـ ِفي َن ٍـة ِ ٍ‬
‫صـال َحة َغ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫جبير‪َ  :‬و َك َ‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫‪.‬رس أو منه ‪.. . . . . . . .‬ا ي ‪.. . . . . . . .‬ئيم‬
‫ـه الع ‪ُ . . . . . . . .‬‬ ‫ك‪.. . . . . . . . . .‬ل ام‪.. . . . . . . . . .‬رئ س‪.. . . . . . . . . .‬تئيم منـ‬

‫يقص ‪..‬د‪ :‬أن الم ‪..‬وت ال ب ‪..‬د من ‪..‬ه لك ‪..‬ل حي‪ ،‬وأن نظ ‪..‬ام األس ‪..‬رة ال ب ‪..‬د أن يف ‪..‬رط‬
‫عقده‪ ،‬والغرض‪ :‬كل امرئ متزوج‪ ،‬فالمعني ال يصح إال بهذا الوصف‪.‬‬
‫ين ِفي ُقلُ ــو ِب ِه ْم‬
‫ون َوالَّ ِذ َ‬ ‫‪ ‬ح ــذف القس ــم‪ ،‬كقول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الي‪َ  :‬ل ِئ ْن لَم ي ْنتَ ـ ِــه ا ْلم َن ـ ِ‬
‫ـافقُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬
‫‪103‬‬
‫يهــا إِال َقِليال‪‬‬ ‫اورو َن َ ِ‬
‫ــك ف َ‬ ‫ــون ِفي ا ْل َم ِدي َن ِـ‬
‫ــة َل ُن ْغ ِر َي َّن َك ِب ِه ْم ثُ َّم ال ُي َج ِ ُ‬ ‫ض َوا ْل ُم ْر ِجفُ َ‬
‫َمـ َـر ٌ‬
‫‪98‬‬
‫مريم ‪60 ،59‬‬
‫‪99‬‬
‫اإلسراء ‪59‬‬
‫‪100‬‬
‫الزخرف ‪49‬‬
‫‪101‬‬
‫ص‪51‬‬
‫‪102‬‬
‫الكهف ‪79‬‬
‫‪103‬‬
‫األحزاب ‪60‬‬

‫‪60‬‬
‫الر ْؤ َيــا‬ ‫ق اللَّ ُه َر ُ‬
‫سـولَ ُه ُّ‬ ‫ص َد َ‬
‫أي‪ :‬واهلل لئن لم ينته المنافقون‪ ،‬وكذلك قوله تعالي‪ :‬لَقَ ْد َ‬
‫ين‪104 ‬أى‪ :‬واهلل لتدخلن المس‪..‬جد‬ ‫آم ِن َ‬
‫شاء اللَّ ُه ِ‬
‫ام إِ ْن َ َ‬ ‫ق لَتَ ْد ُخلُ َّن ا ْلم ْ ِ‬
‫سج َد ا ْل َح َر َ‬ ‫َ‬ ‫ِبا ْل َح ِّ‬
‫الحرام‪.‬‬
‫شـ ٍر َو َّ‬
‫الش ـ ْف ِع َوا ْلـ َـوتْ ِر‬ ‫‪ ‬حــذف جــواب القســم‪ ،‬كقول‪..‬ه تع ‪..‬الي‪َ  :‬وا ْلفَ ْجـ ِر َولَ َيـ ٍ‬
‫ـال َع ْ‬
‫ج ـ ٍر‪ 105 ‬فق‪.. .‬د ح‪.. .‬ذف ج‪.. .‬واب القس‪.. .‬م‪،‬‬ ‫سـ ـ ٌم ِل ـ ِـذي ِح ْـ‬ ‫سـ ـ ِر َه ـ ْـل ِفي َذِل ـ َ‬
‫ـك قَ َ‬ ‫َواللَّْيـ ِـل إِ َذا َي ْ‬
‫والتقدير‪ :‬لتبعثن أيها الكفار‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حذف جملة أو أكثر‪ ،‬وله عدة صور‪:‬‬
‫ـاء فَاللَّ ُه ُهـ َـو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬حــذف جملــة الشــرط‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬أ َْم اتَّ َخـ ُذوا م ْن ُدو ِنــه أ َْوِل َيـ َ‬
‫ير‪ 106‬والتق‪..‬دير‪ :‬إن أرادوا أولي‪..‬اء‬ ‫ا ْلو ِل ُّي و ُهو ي ْح ِي الموتَى و ُهو علَى ُك ِّل َ ٍ ِ‬
‫ش ْيء قَد ٌ‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫فاهلل هو الولي‪.‬‬
‫حــذف جملــة الشــرط قياســا‪ ،‬ويك‪..‬ون ذل‪..‬ك بع‪..‬د أرب‪..‬ع ص‪..‬يغ من ص‪..‬يغ الطلب‬ ‫‪‬‬
‫(األمر‪ ،‬والنهي‪ ،‬والتمني‪ ،‬واالستفهام)‪ ،‬وحينئذ تكون هذه الصيغ القرينة الدالة على‬
‫تق‪..‬دير الش‪..‬رط بع‪..‬دها؛ ألن الطلب فيه‪..‬ا يتض‪..‬من مع‪..‬ني الش‪..‬رط‪ ،‬فيك‪..‬ون في‪..‬ه غ‪..‬نى عن‬
‫ذكره‪ ،‬فأما حذف جملة الشرط بعد األمر فكقوله تعالي‪:‬‬
‫ـاق ًرا فَ َه ْب ِلي ِم ْن لَـ ُـد ْن َك َوِليًّا‪‬‬
‫ت ا ْلمو ِالي ِم ْن ور ِائي و َكا َن ْت امرأ َِتي عـ ِ‬ ‫ِّ ِ‬
‫‪َ ‬وإِني خ ْف ُ َ َ َ‬
‫‪107‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫أي‪ :‬إن تهبني يرثني‪.‬‬
‫وأما حذف جملة الشرط بعد النهي‪ ،‬كقولك‪:‬ال تسب يكن خ‪.‬يرا ل‪.‬ك‪ ،‬أي‪ :‬عن‬
‫ال تسب‪ ..‬يكن خيرا لك‪.‬‬
‫وأم ‪..‬ا حــذف جملــة الشــرط بعــد التمــني‪ ،‬فقول ‪..‬ك‪:‬ليت لي م ‪..‬اال أنفق ‪..‬ه‪ ،‬أي‪ :‬إن‬
‫أرزقه أنفقه‪.‬‬
‫وأم‪..‬ا حــذف جملــة الشــرط بعــد االســتفهام‪ ،‬كقول‪..‬ك‪:‬أين دارك أزرك‪ ،‬أي‪ :‬إن‬
‫تعرفنيها أزرك‪.‬‬
‫حذف جملة جواب الشرط‪ ،‬وهذا الحذف ضربان‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪104‬‬
‫الفتح ‪27‬‬
‫‪105‬‬
‫الفجر ‪5 :1‬‬
‫‪106‬‬
‫الشورى ‪9‬‬
‫‪107‬‬
‫مريم‪5‬‬

‫‪61‬‬
‫أحـدهما‪ :‬أن تح‪..‬ذف جمل‪..‬ة ج‪..‬واب الش‪..‬رط لمج‪..‬رد االختص‪..‬ار‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬‬
‫ـون‪ ،108‬أي أعرض‪..‬وا‬ ‫‪َ ‬وإِ َذا ِقي َل لَ ُه ْم اتَّقُــوا َمــا َب ْي َن أ َْيـ ِـدي ُك ْم َو َمــا َخ ْلفَ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تُْر َح ُمـ َ‬
‫ـات َر ِّب ِه ْم إِال َكــا ُنوا َع ْن َهــا‬ ‫ب‪.. .‬دليل قول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الى بع‪.. .‬دها‪ :‬ومــا تَــأ ِْتي ِهم ِم ْن آي ـ ٍـة ِم ْن آي ـ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫ــه ا ْل ِجبــا ُل أَو قُطِّع ْت ِب ِ‬
‫ــه‬ ‫َن قُرآ ًنــا ســ ِّير ْت ِب ِ‬ ‫مع ِر ِ‬
‫ين‪ ، ‬وكقول‪...‬ه تع‪...‬الي‪َ  :‬ولَ ْــو أ َّ ْ‬ ‫ضــ َ‬
‫‪109‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يعا‪ ‬أى‪ :‬لك‪..‬ان ه‪..‬ذا الق‪..‬رآن‪ ،‬وكقول‪..‬ه‬ ‫ض أ َْو ُكلِّ َم ِبه ا ْل َم ْوتَى َب ْل للَّه األ َْمـ ُـر َجم ً‬ ‫األ َْر ُ‬
‫‪110‬‬

‫ـوه ُه ْم أَ َكفَـ ْـرتُ ْم َب ْعـ َـد‬


‫َّت ُو ُجـ ُ‬
‫اسـ َود ْ‬
‫ين ْ‬ ‫َما الَّ ِذ َ‬ ‫س َو ُّد ُو ُجــوهٌ فَأ َّ‬ ‫ض ُو ُجوهٌ َوتَ ْ‬ ‫تع‪..‬الي‪َ  :‬ي ْو َم تَْب َي ُّ‬
‫ون‪ 111‬أي‪ :‬فيقال لهم‪ :‬أكفرتم ‪.‬‬ ‫اب ِب َما ُك ْنتُ ْم تَ ْكفُُر َ‬ ‫إِ ِ‬
‫يمان ُك ْم فَ ُذوقُوا ا ْل َع َذ َ‬‫َ‬
‫ثانيهما‪ :‬أن تح ‪..‬ذف جمل ‪..‬ة ج ‪..‬واب الش ‪..‬رط للدالل ‪..‬ة على أن ‪..‬ه ش ‪..‬ئ ال يحي ‪..‬ط ب ‪..‬ه‬
‫الوصف قصدا للمبالغة‪ ،‬أو لتذهب النفس فيه كل مذهب ممكن‪ ،‬كقوله تعالي‪:‬‬
‫ـات َر ِّب َنــا‬‫ار فَقَــالُوا يــا لَ ْيتََنــا ُنــر ُّد وال ُن َكـ ِّـذب ِبآيـ ِ‬ ‫‪َ ‬ولَـ ْـو تَـ َـرى إِ ْذ ُو ِقفُــوا َعلَى َّ‬
‫الن ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الن ِ‬
‫ار‬ ‫ين‪ 112‬وك ‪..‬ذلك قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪َ  :‬ولَـ ْـو تَـ َـرى إِ ْذ ُو ِقفُــوا َعلَى َّ‬ ‫ـون ِم ْن ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬‫َو َن ُكـ َ‬
‫ين‪ ،113‬وك‪..‬ذلك قول‪..‬ه‬ ‫ـون ِم ْن ا ْل ُم ْـؤ ِم ِن َ‬ ‫فَقَالُوا يا َل ْيتََنــا ُنــر ُّد وال ُن َك ِّـذب ِبآي ِ‬
‫ـات َر ِّب َنـا َو َن ُك َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫سـ ِم ْع َنا‬‫صـ ْر َنا َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سـوا ُر ُءوسـ ِه ْم ع ْنـ َـد َر ِّب ِه ْم َر َّب َنــا أ َْب َ‬
‫تع‪..‬الي‪:‬ولَو تَرى إِ ْذ ا ْلم ْج ِرم َ ِ‬
‫ون َناك ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ــون‪ 114‬فج ‪..‬واب ش ‪..‬رط (ل ‪..‬و) مح ‪..‬ذوف‪ ،‬والتق ‪..‬دير‪:‬‬ ‫صــ ِال ًحا إِ َّنا ُمو ِق ُن َ‬‫ــل َ‬ ‫فَ ْار ِج ْع َنــا َن ْع َم ْ‬
‫ل‪..‬رأيت أم‪..‬را عظيم‪..‬ا فظيع‪..‬ا‪ ،‬ومن ه‪..‬ذا الض‪..‬رب بعض مش‪..‬اهد القيام‪..‬ة‪ ،‬كم‪..‬ا في قول‪..‬ه‬
‫وهــا َوفُِت َح ْت أ َْب َو ُاب َهــا‬
‫اء َ‬ ‫ِ‬
‫َّه ْم إِلَى ا ْل َج َّنة ُز َم ًرا َحتَّى إِ َذا َج ُ‬ ‫يق الَِّذ َ‬
‫ين اتَّقَ ْوا َرب ُ‬ ‫تعالي‪َ  :‬و ِس َ‬
‫ين‪ ،115‬كأن‪..‬ه قي‪..‬ل‪ :‬ق‪..‬د حص‪..‬لوا‬ ‫وهـا َخ ِال ِـد َ‬
‫اد ُخلُ َ‬ ‫الم َعلَ ْي ُك ْم ِط ْبتُ ْم فَ ْ‬
‫سـ ٌ‬ ‫ال لَ ُه ْم َخ َز َنتُ َها َ‬ ‫َوقَ َ‬
‫علي النعيم المقيم الذي ال يشوبه التنغيص والتكدير‪ ،‬وإ نما صار هذا الحذف هنا في‬
‫مث ‪..‬ل ه ‪..‬ذا أبل ‪..‬غ من ال ‪..‬ذكر؛ ألن النفس ت ‪..‬ذهب في ‪..‬ه ك ‪..‬ل م ‪..‬ذهب ‪ ..‬ول ‪..‬و ذك ‪..‬ر الج ‪..‬واب‬

‫‪108‬‬
‫يس ‪45‬‬
‫‪109‬‬
‫يس ‪46‬‬
‫‪110‬‬
‫الرعد ‪31‬‬
‫‪111‬‬
‫آل عمران ‪106‬‬
‫‪112‬‬
‫األنعام ‪27‬‬
‫‪113‬‬
‫األنعام ‪30‬‬
‫‪114‬‬
‫السجدة ‪12‬‬
‫‪115‬‬
‫الزمر ‪73‬‬

‫‪62‬‬
‫لقصر على الوجه الذي تضمنته العب‪..‬ارة‪ ،‬فح‪..‬ذف الج‪..‬واب في قول‪..‬ك‪ :‬رأيت علي‪..‬ا بين‬
‫‪116‬‬
‫الصفين‪ ،‬أبلغ من الذكر لما بيناه‪.‬‬
‫ِ َّ ِ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اث‬ ‫س ِبيل الله َولله مـ َ‬
‫ـير ُ‬ ‫‪ ‬حذف المعطوف‪ ،‬كقول ‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ  :‬و َما لَ ُك ْم أَال تُْنفقُوا في َ‬
‫ـق ِم ْن قَْبـ ِـل ا ْلفَتْ ِح َوقَاتَـ َـل‪ 117‬والتق‪..‬دير‪:‬‬
‫ستَ ِويـ ِم ْن ُك ْم َم ْن أَْنفَـ َ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َواأل َْر ِ‬
‫ض ال َي ْ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ال يس ‪..‬توي منكم من أنف ‪..‬ق من قب ‪..‬ل الفتح وقات ‪..‬ل‪ ،‬ومن أنف ‪..‬ق من بع ‪..‬ده وقات ‪..‬ل‪ ،‬ب ‪..‬دليل‬
‫ين أَْنفَقُوا ِم ْن َب ْع ُد َوقَاتَلُوا‪.‬‬
‫ظ ُم َد َر َج ًة ِم ْن الَّ ِذ َ‬ ‫قوله تعالى بعدها‪ :‬أ ُْولَ ِئ َك أ ْ‬
‫َع َ‬
‫وإ ذا ك ــان المح ــذوف جمل ــة‪ ،‬فهي إم ــا مس ــبب ذك ــر س ــببه‪ ،‬أو س ــبب ذك ــر‬
‫مسببهـ‪ ،‬أو غير ذلك‪:‬‬
‫ط َل‬ ‫ق َو ُي ْب ِـ‬‫ق ا ْل َحـ َّ‬‫ـ حذف المسبب‪ ،‬واالكتف‪..‬اء عن‪..‬ه بالس‪..‬بب كقول‪..‬ه تع‪..‬الى‪ِ :‬ل ُي ِح َّ‬
‫ـون‪ ،118 ‬أي‪ :‬فع‪..‬ل م‪..‬ا فع‪..‬ل‪ ،‬وك‪..‬ذلك قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ  :‬و َمــا‬ ‫اطـ َل َولَـ ْـو َكـ ِـرهَ ا ْل ُم ْج ِر ُمـ َ‬ ‫ا ْلب ِ‬
‫َ‬
‫ين َولَ ِك َّنا‬ ‫اه ِد َ‬
‫الشـ ـ ِ‬‫نت ِم ْن َّ‬ ‫ضـ ـ ْي َنا إِلَى ُم َ‬
‫وسـ ـىـ األ َْمـ َـر َو َمــا ُك َ‬ ‫نت ِب َجـ ـ ِان ِب ا ْل َغ ـ ْـر ِب ِّي إِ ْذ قَ َ‬
‫ُك َ‬
‫آي ِات َنــا‬ ‫او ًيا ِفي أ ْ‬
‫َه ِل َم ْد َي َن تَ ْتلُوا َعلَ ْي ِه ْم َ‬ ‫نت ثَ ِ‬
‫ط َاو َل َعلَ ْي ِه ْم ا ْل ُع ُم ُر َو َما ُك َ‬‫شأْ َنا قُُرو ًنا فَتَ َ‬ ‫أَن َ‬
‫ولكن‪..‬ا‬
‫أي‪ :‬وم‪..‬ا كنت ش‪..‬اهدا لموس‪..‬ي وم‪..‬ا ج‪..‬ري ل‪..‬ه وعلي‪..‬ه‪ّ ،‬‬ ‫ين‪‬‬ ‫َولَ ِك َّنا ُك َّنا ُم ْر ِس ِل َ‬
‫‪119‬‬

‫أوحيناه إليك‪ ،‬فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة‪ ،‬ودل ب‪..‬ه علي المس‪.َّ .‬بب ال‪..‬ذي‬
‫ولكن‪..‬ا أنش‪..‬أنا بع‪..‬د عه‪..‬د‬
‫هو الوحي‪ ،‬علي عادة اختصارات القرآن‪ ،‬ألن تقدير الكالم‪ّ :‬‬
‫الوحي إلي موسي إلي عهدك قرونا كثيرة‪ ،‬فتطاول علي آخرهم ـ وهو الق‪..‬رن ال‪..‬ذي‬
‫َم ُد انقطاع الوحي‪ ،‬فاندرست العل‪..‬وم‪ ،‬ف‪..‬وجب إرس‪..‬الك إليهم‪،‬‬
‫الع ُمر‪ ،‬أي أ َ‬
‫أنت فيهم ـ ُ‬
‫وعرفناك العلم بقص‪.‬ص األنبي‪.‬اء‪ ،‬وقص‪.‬ة موسي‪ ،120‬فالمح‪.‬ذوف إذا جمل‪.‬ة‬ ‫فأرسلناك‪ّ ،‬‬
‫مطول‪..‬ة‪ ،‬دل الس‪..‬بب فيه‪..‬ا علي المس‪.َّ .‬بب‪ ،‬وك‪..‬ذلك ورد عقيب ذل‪..‬ك‬ ‫مفي‪..‬دة‪ ،‬وهي جمل‪..‬ة ّ‬
‫اد ْي َنا ولَ ِك ْن ر ْحم ًة ِم ْن ر ِّب َك ِلتُ ِ‬ ‫نت ِب َج ِان ِب الطُّ ِ‬
‫نذ َر قَ ْو ًمـا َمـا‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ور إِ ْذ َن َ َ‬ ‫قوله تعالي‪َ  :‬و َما ُك َ‬
‫ون‪ ،121‬والتق ‪.. .‬دير‪ :‬ولكن عرفن ‪.. .‬اك ذل ‪.. .‬ك‪،‬‬ ‫ير ِم ْن قَْب ِلـــ َك لَ َعلَّ ُه ْم َيتَـــ َذ َّك ُر َ‬ ‫ـــاهم ِم ْن َن ِ‬
‫ـــذ ٍ‬ ‫أَتَ ُ ْ‬

‫‪116‬‬
‫النكت للرماني ‪77‬‬
‫‪117‬‬
‫الحديد ‪10‬‬
‫‪118‬‬
‫األنفال ‪8‬‬
‫‪119‬‬
‫القصص ‪45 ،44‬‬
‫‪120‬‬
‫انظر‪ :‬المثل السائر ‪2/320‬‬
‫‪121‬‬
‫القصص ‪46‬‬

‫‪63‬‬
‫وأوحين ‪..‬ا إلي ‪..‬ك رحم ‪..‬ة من رب ‪..‬ك‪ ،‬ف ‪..‬ذكر الرحم ‪..‬ة ال ‪..‬تي هي س ‪..‬بب إرس ‪..‬اله إلي الن ‪..‬اس‪،‬‬
‫ودل به‪.. .‬ا علي المس‪.َّ . .‬بب ال‪.. .‬ذي ه‪.. .‬و اإلرس‪.. .‬ال‪ ،‬ومن‪.. .‬ه قول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الي‪ِ :‬ل ُي ـ ْـد ِخ َل اللَّ ُه ِفي‬
‫اء‪ 122‬أي‪ :‬ك ‪.. .‬ان الك‪.. .‬ف ومن ‪.. .‬ع التع‪.. .‬ذيب‪ ،‬ومن ه ‪.. .‬ذا الن‪.. .‬وع ق ‪.. .‬ول‬ ‫َر ْح َم ِت ـ ِـه َم ْن َي َ‬
‫شـ ـ ُ‬
‫الشاعر أبي الطيب‪:‬‬
‫فس‪.. . . . . . . . .‬رهم وأتين‪.. . . . . . . . .‬اه علي اله‪.. . . . . . . . .‬رم‬ ‫‪.‬ان ُ‪.‬بن ‪.. . . . .‬وه في ش‪.. . . . . .‬بيبته‬
‫أتي الزم‪َ . . . . . .‬‬
‫بالمسبب كقوله تعالى‪ :‬وإِ ْذ قَا َل موسىـ ِلقَو ِمـ ِ‬
‫ـه‬ ‫َّ‬ ‫ـ حذف السبب واالكتفاء عنه‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫سـ ُك ْم َذِل ُك ْم‬
‫ـار ِئ ُك ْم فَــاقْتُلُوا أَنفُ َ‬
‫وبــوا إِلَى َبـ ِ‬
‫ج َل فَتُ ُ‬ ‫س ُك ْم ِباتِّ َخ ِاذ ُك ْم ا ْل ِع ْـ‬ ‫َيا قَ ْوِم إِ َّن ُك ْم َ‬
‫ظلَ ْمتُ ْم أَنفُ َ‬
‫ِ‬ ‫َخ ْيـ ٌـر َل ُك ْم ِع ْنـ َـد َبـ ِ‬
‫يم‪ ،123‬أي‪ :‬ف‪..‬امتثلتم فت‪..‬اب‬ ‫ـاب َعلَ ْي ُك ْم إِ َّن ُه ُهـ َـو التََّّو ُ‬
‫اب الـ َّـرح ُ‬ ‫ـار ِئ ُك ْم فَتَـ َ‬
‫صـا َك ا ْل َح َجـ َـر فَــانفَ َج َر ْت ِم ْنـ ُ‬
‫ـه‬ ‫اضـ ِر ْب ِب َع َ‬
‫عليكم‪ ،‬وإِ ْذ استَسـقَى موسـى ِلقَو ِمـ ِ‬
‫ـه فَ ُق ْل َنــا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ق اللَّ ِه َوال تَ ْعثَـ ْـوا‬
‫اش ـ َر ُبوا ِم ْن ِر ْز ِ‬ ‫ش َر َب ُه ْم ُكلُوا َو ْ‬‫اس َم ْ‬ ‫ش َرةَ َع ْي ًنا قَ ْد َعِل َم ُك ُّل أَُن ٍ‬ ‫اثَْنتَا َع ْ‬
‫ين‪ 124‬أي‪ :‬فض‪..‬رب ف‪..‬انفجرت من‪..‬ه‪ ،‬ف‪..‬اكتفي بالمس‪.َّ .‬بب ـ ال‪..‬ذي ه‪..‬و‬ ‫ض ُم ْف ِس ِد َ‬ ‫ِفي األ َْر ِ‬
‫االنفجار ـ‪.‬عن السبب الذي هو الضرب‪.‬‬
‫اها فَ ِن ْع َم‬
‫شـ َن َ‬
‫ض فََر ْ‬ ‫ـ حذف جملة غير الســبب والمســبب‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ :‬واأل َْر َ‬
‫ون‪ 125‬أي‪ :‬هم نحن‪ ،‬أو نحن هم‪.‬‬ ‫اه ُد َ‬ ‫ا ْلم ِ‬
‫َ‬
‫ـ ـ ومن هــذا أن يوقــع الفعــل علي شــيئين‪ ،‬وه ‪..‬و ألح ‪..‬دهما‪ ،‬ويض ‪..‬مر لآلخ ‪..‬ر‬
‫ـه َيـا قَ ْـوِم إِ ْن َك َ‬‫ال ِلقَو ِم ِ‬
‫ـان َك ُب َـر َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫وح إِ ْذ قَ َ ْ‬ ‫فعله‪ ،‬كقوله تعالي‪َ  :‬وا ْت ُل َعلَ ْي ِه ْم َن َبأَ ُن ٍ‬
‫اء ُك ْم‪،126‬‬ ‫ت َفــأ ْ ِ‬
‫ــات اللَّ ِه فَ َعلَى اللَّ ِه تَ َــو َّك ْل ُ‬
‫يري ِبآي ِ‬ ‫ــامي وتَــذ ِ‬
‫ْك ِ‬ ‫مقَ ِ‬
‫شــ َر َك َ‬
‫ــر ُك ْم َو ُ‬
‫َجم ُعوا أ َْم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أبي ‪t : ‬فأجمعوا أمــركم وادعــوا‬
‫أي‪ :‬أجمع‪..‬وا أم‪..‬ركم‪ ،‬وادع‪..‬وا ش‪..‬ركاءكم‪،‬وق‪..‬د ق‪..‬رأ ّ‬
‫شركاءكم‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وزججن الح‪.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬واجب والعيونا‬ ‫إذا م‪.. . . . . . .‬ا الغاني‪.. . . . . . .‬ات ب‪.. . . . . . .‬رزن يوما‬

‫أي‪ :‬وكحلنا العيونا‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫بعض آية الفتح ‪25‬‬
‫‪123‬‬
‫البقرة ‪54‬‬
‫‪124‬‬
‫البقرة ‪60‬‬
‫‪125‬‬
‫الذاريات ‪48‬‬
‫‪126‬‬
‫يونس ‪71‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ ‬حذف أكثر من جملة‪ ،‬ومثّ‪..‬ل البالغي‪..‬ون له‪..‬ذا الح‪..‬ذف بق‪..‬ول اهلل تع‪..‬الي‪َ :‬وقَا َل‬
‫ِّيق‬
‫الصـد ُ‬ ‫ُّهــا ِّ‬‫ف أَي َ‬
‫وسـ ُ‬
‫ون ُي ُ‬‫يلـ ِـه فَأ َْر ِسـلُ ِ‬
‫ُم ٍة أََنــا أَُن ِّب ُئ ُكم ِبتَأ ِْو ِ‬
‫ْ‬ ‫الَّ ِذي َن َجا ِم ْن ُه َما َوِا َّد َك َر َب ْعـ َـد أ َّ‬
‫ض ـ ٍر َوأُ َخـ َـر‬ ‫اف وس ـ ْب ِع س ـ ْنب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ات ِس ـ َم ٍ‬ ‫أَف ِْت َنــا ِفي س ـ ْب ِع بقَــر ٍ‬
‫الت ُخ ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫س ـ ْبعٌ ع َجـ ٌ َ َ‬ ‫ان َي ـأْ ُكلُ ُه َّن َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ــون‪ ، ‬فق ‪..‬د ح ‪..‬ذف في النص الك ‪..‬ريم‬ ‫‪127‬‬
‫اس لَ َعلَّ ُه ْم َي ْعلَ ُم َ‬ ‫الن ِ‬ ‫ات لَ َعلِّي أ َْر ِجــ عُ إِلَى َّ‬ ‫يا ِبســ ٍ‬
‫َ َ‬
‫ثالث جمل‪ ،‬والتق‪.‬دير‪:‬فأرس‪.‬لوه إلي يوس‪.‬ف‪ ،‬فأرس‪.‬لوه إلي‪.‬ه‪ ،‬فأت‪.‬اه وق‪.‬ال ل‪.‬ه ي‪.‬ا يوس‪.‬ف‪،‬‬
‫آي ِاتـ ِـه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اض ـ ِر ُبوهُ ِب َب ْعض ـ َها َكـ َذل َك ُي ْح ِي اللَّ ُه ا ْل َمـ ْـوتَى َو ُيـ ِـري ُك ْم َ‬
‫ومن ‪..‬ه ق ‪..‬ول اهلل ‪U: ‬فَ ُق ْل َنــا ْ‬
‫فحيِ َي فقلن‪.. . .‬ا‪ :‬ك‪.. . .‬ذلك يح‪.. . .‬يي اهلل‬ ‫ـون‪ ، ‬والتق‪.. . .‬دير‪ :‬فض‪.. . .‬ربوه ببعض‪.. . .‬ها َ‬ ‫لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْع ِقلُـ ـ َ‬
‫‪128‬‬

‫الموتى‪.‬‬
‫ومم ‪.. . .‬ا ال ريب في ‪.. . .‬ه فه ‪.. . .‬ذا الب ‪.. . .‬اب واس ‪.. . .‬ع ج ‪.. . .‬دا وال يمكن حص ‪.. . .‬ره في ه ‪.. . .‬ذه‬
‫الصفحات‪ ،‬لذلك أحيلك أيها األخ الكريم إلي كتب سلفنا ففيها الشفاء‪.‬‬
‫أدلة الحذف‪:‬‬
‫من المعلوم عند البالغيين أن إيجاز الحذف علي وجهين‪:‬‬
‫ــ األول‪ :‬أن يق‪..‬ام مق‪..‬ام المح‪..‬ذوف م‪..‬ا ي‪..‬دل علي‪..‬ه ومث‪..‬ل البالغي‪..‬ون له‪..‬ذا الن‪..‬وع‬
‫س ـتَ ْخ ِل ُ‬
‫ف َر ِّبي قَ ْو ًمــا‬ ‫بقول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪ :‬فَ ـِإ ْن تَولَّوا فَقَـ ْـد أَْبلَ ْغتُ ُكم مــا أُر ِس ـ ْل ُ ِ‬
‫ت ِبــه إِلَ ْي ُك ْم َو َي ْ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫شـ ْي ٍء َح ِفيـظٌ‪ 129‬ف‪..‬إن اإلبالغ ليس ه‪..‬و‬ ‫ش ْي ًئا إِ َّن َر ِّبي َعلَى ُك ِّل َ‬ ‫ضُّرو َن ُهـ َ‬‫َغ ْي َر ُك ْم َوال تَ ُ‬
‫علي ألني ق‪..‬د أبلغتكم‪ ،‬أو‬ ‫الج‪..‬واب لتقدم‪..‬ه علي ت‪..‬وليهم‪ ،‬والتق‪..‬دير‪ :‬ف‪..‬إن تول‪..‬وا فال ل‪..‬وم ّ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫فال عذر لكم عند ربكم ألني قد أبلغتكم‪ ،‬وكقوله تع‪..‬الي‪:‬فَِإ ْن َكذ ُبو َك فَقَـ ْـد ُكــذ َب ُر ُ‬
‫سـ ٌل‬
‫ير‪ 130‬فقوله‪ :‬فقد كذب رس‪..‬ل‪ ،‬ليس‪..‬ت‬ ‫اب ا ْل ُم ِن ِ‬
‫الز ُب ِر َوا ْل ِكتَ ِ‬ ‫ِم ْن قَْب ِل َك جاءوا ِبا ْلب ِّي َن ِ‬
‫ات َو ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ج‪..‬واب الش‪..‬رط؛ ألن تك‪..‬ذيب الرس‪..‬ل س‪..‬ابق علي تكذيب‪..‬ه‪ ،‬والج‪..‬زاء يك‪..‬ون مترتب‪..‬ا علي‬
‫الش‪..‬رط‪ ،‬وإ نم‪..‬ا ه‪..‬ذه الجمل‪..‬ة هي عل‪..‬ة الج‪..‬واب المح‪..‬ذوف‪ ،‬وتق‪..‬ديره‪ :‬وإ ن يك‪..‬ذبوك فال‬
‫تحزن واصبر فقد كذبت رسل من قبلك‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫يوسف ‪45 ،44‬‬
‫‪128‬‬
‫البقرة ‪73‬‬
‫‪129‬‬
‫هود ‪57‬‬
‫‪130‬‬
‫آل عمران ‪184‬‬

‫‪65‬‬
‫ـ الثاني‪ :‬أن ال يق‪..‬ام ش‪..‬ئ مق‪..‬ام المح‪..‬ذوف‪ ،‬ب‪..‬ل يكتفي بالقرين‪..‬ة ال‪..‬تي تش‪..‬ير إلي‪..‬ه‬
‫ـق ِم ْن قَْبـ ِـل ا ْلفَتْ ِح َوقَاتَـ َـل‪،131‬‬
‫س ـتَ ِويـ ِم ْن ُك ْم َم ْن أَْنفَـ َ‬
‫كم ‪..‬ا س ‪..‬بق في قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪ :‬ال َي ْ‬
‫والبد في هذا القسم أي‪:‬الثاني من دليل علي الحذف‪ ،‬وأدلة الحذف كثيرة منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يدل العقل علي تعيين المحذوف‪ ،‬كقوله تعالي‪ُ  :‬حِّر َم ْت َعلَ ْي ُك ْم ا ْل َم ْيتَ ـ ُة‬
‫ُم َهاتُ ُك ْم َو َب َنــاتُ ُك ْم َوأَ َخـ َـواتُ ُك ْم‬
‫ير‪ ، ‬وقوله تع‪..‬الي‪ُ  :‬حِّر َم ْت َعلَ ْي ُك ْم أ َّ‬
‫‪132‬‬
‫َّم َولَ ْح ُم ا ْل ِخ ِ‬
‫نز ِ‬ ‫َوالد ُ‬
‫َو َع َّماتُ ُك ْم َو َخــ االتُ ُك ْم‪ 133‬ف‪.. .‬إن العق‪.. .‬ل ي‪.. .‬دل علي الح‪.. .‬ذف؛ وفي ال‪.. .‬وقت نفس‪.. .‬ه يعي أن‬
‫الحذف في األولي غير الحذف في الثانية من ناحية التقدير‪ ،‬ألن التح‪.‬ريم هن‪.‬ا يتعل‪.‬ق‬
‫باألفع ‪..‬ال‪ ،‬ال بال ‪..‬ذوات‪ ،‬ويس ‪..‬تطيع العق‪..‬ل تق ‪..‬دير المح‪..‬ذوف فيق‪..‬ول‪ :‬ح‪..‬رم عليكم تن‪..‬اول‬
‫الميتة‪ ،....‬وفي الثانية‪ :‬حرم عليكم نك‪..‬اح أمه‪..‬اتكم‪ ،‬وبن‪..‬اتكم ‪ ،....‬والغ‪..‬رض األظه‪..‬ر‬
‫من هذه األشياء تناولها‪ ،‬ومن النساء نكاحهن‪.‬‬
‫ون إِال أ ْ‬
‫َن‬ ‫‪2‬ـ أن يدل العقل علي الحذف والتعـيين‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ  :‬ه ْـل َينظُـُـر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ـ ـ ـأْت َي ُه ْم اللَّ ُه في ظُلَـ ـ ـ ٍـل م ْن ا ْل َغ َمـ ـ ــام َوا ْل َمالئ َكـ ـ ـ ُة َوقُض ـ ـ ـ َي األ َْمـ ـ ـ ُـر َوإِلَى اللَّه تُْر َجـ ـ ـ عُ‬
‫فالعق‪..‬ل يع‪..‬ترف بأن‪..‬ه يس‪..‬تحيل في حق‪..‬ه تع‪..‬الي المجيء‪ ،‬ول‪..‬ذلك يص‪..‬رفه‬ ‫‪134‬‬
‫ـور‪‬‬
‫ُمـ ُ‬
‫األ ُ‬
‫إلي‪ :‬أمر اهلل‪ ،‬أو عذاب اهلل‪ ،‬أو بأس اهلل‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يــدل العقــل علي الحــذف‪ ،‬والعــادة علي التعــيين‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬قَــالَ ْت‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صـ َم‪ 135‬فق‪..‬د دل العق‪..‬ل علي‬ ‫فَ َذل ُك َّن الَّذي لُ ْمتَُّنني فيه َولَقَ ْـد َر َاودتُّ ُه َع ْن َن ْفسـه فَ ْ‬
‫استَ ْع َ‬
‫الح‪.. .‬ذف ‪‬فَــ َذِل ُك َّن الَِّذي لُ ْمتَُّن ِنيـ ِفي ـ ِـه‪ ‬ألن اإلنس‪.. .‬ان ال يالم إال علي كس‪.. .‬به‪ ،‬وليس‬
‫علي ذات‪..‬ه‪ ،‬ومع‪..‬ني ه‪..‬ذا أن ح‪..‬رف الج‪..‬ر (في) لم ي‪..‬دخل علي الض‪..‬مير الظ‪..‬اهر العائ‪..‬د‬
‫علي يوس ‪..‬ف ‪u‬؛ وإ نم ‪..‬ا دخ ‪..‬ل علي مح ‪..‬ذوف‪ ،‬ويمكن تق ‪..‬ديره بقول ‪..‬ك‪ :‬في حب ‪..‬ه‪ ،‬لقول ‪..‬ه‬
‫اهــا َع ْن‬ ‫شـ َغفَ َها ُحبًّا)‪ ،‬وأن يك‪..‬ون في مراودت‪..‬ه؛ لقول‪..‬ه تع‪..‬الى‪( :‬تُـَـر ِ‬
‫او ُد فَتَ َ‬ ‫تع‪..‬الي‪( :‬قَـ ْـد َ‬
‫َن ْف ِســــ ِه)‪ ،‬وأن يك ‪.. . .‬ون في ش ‪.. . .‬أنه وأم ‪.. . .‬ره فيش ‪.. . .‬ملهما‪ ،‬ولكن الع ‪.. . .‬ادة دلت علي تع ‪.. . .‬يين‬
‫الم ‪.. .‬راودة؛ إذ الحب المف ‪.. .‬رط ال يالم علي ‪.. .‬ه اإلنس ‪.. .‬ان في الع ‪.. .‬ادة ألن ‪.. .‬ه يقه ‪.. .‬ر ص ‪.. .‬احبه‬

‫‪131‬‬
‫الحديد ‪10‬‬
‫‪132‬‬
‫المائدة بعض آية ‪3‬‬
‫‪133‬‬
‫النساء بعض آية ‪23‬‬
‫‪134‬‬
‫البقرة ‪210‬‬
‫‪135‬‬
‫يوسف ‪32‬‬

‫‪66‬‬
‫ويغلب‪.. .‬ه‪ ،‬وإ نم‪.. .‬ا يالم علي الم‪.. .‬راودة الداخل‪.. .‬ة تحت كس‪.. .‬به ال‪.. .‬تي َي ْق‪.ِ . .‬در أن ي‪.. .‬دفعها عن‬
‫نفسه‪ ،‬ولك أن تقدر المحذوف فتقول‪ :‬فذلكن ال‪.‬ذي لمتن‪.‬ني في مراودت‪..‬ه‪ ،‬ولع‪..‬ل ام‪.‬رأة‬
‫العزي‪..‬ز ق‪..‬د أراحتن‪..‬ا من االحتم‪..‬ال في تع‪..‬يين المح‪..‬ذوف ألنه‪..‬ا عينت‪..‬ه ب‪..‬ذكر الم‪..‬راودة‪،‬‬
‫وص‪..‬رحت أنه‪..‬ا ك‪..‬انت من جانبه‪..‬ا هي وليس‪..‬ت من‪..‬ه ه‪..‬و ‪ ،136‬واق‪..‬رأ إن ش‪..‬ئت م‪..‬ا قال‪..‬ه‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫آمـ ُـرهُ‬
‫صـ َم َولَئ ْن لَ ْم َي ْف َعـ ْـل َمــا ُ‬ ‫الق‪..‬رآن عن اعترافه‪..‬ا‪َ  :‬ولَقَـ ْـد َر َاودتُّ ُه َع ْن َن ْفس ـه فَ ْ‬
‫استَ ْع َ‬
‫ين‪.‬‬ ‫الص ِ‬
‫اغ ِر َ‬ ‫س َج َن َّن َولَ َي ُكوناً ِم َن َّ‬ ‫لَ ُي ْ‬
‫ين َنافَقُوا‬ ‫‪4‬ـ أن تدل العادة علي الحذف والتعيين‪ ،‬كقوله تعالي‪َ  :‬و ِل َي ْعلَ َم الَّ ِذ َ‬
‫يل اللَّ ِه أ َْو ْادفَ ُعــوا قَــالُوا لَـ ْـو َن ْعلَ ُم ِقتَــاال التََّب ْع َنــا ُك ْم ُه ْم‬
‫سـ ِب ِـ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو ِقيـ َل لَ ُه ْم تَ َعــالَ ْوا قَــاتلُوا في َ‬
‫س ِفي ُقلُـو ِب ِه ْم َواللَّ ُه أ ْ‬
‫َعلَ ُم‬ ‫ِ‬
‫ـون ِبـ أَفْواه ِه ْم َمـا لَ ْي َ‬ ‫ـان َيقُولُ َ‬ ‫يم ِ‬ ‫ب ِم ْن ُه ْم ِل ِ‬
‫إل َ‬
‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫ل ْل ُك ْف ِر َي ْو َمئ ـذ أَق َْر ُ‬
‫ـون‪ 137‬لق‪...‬د ص‪...‬در الكالم من المن‪...‬افقين ال ‪..‬ذين تخلف ‪..‬وا عن غ ‪..‬زوة أح ‪..‬د‪،‬‬ ‫ِب َمــا َي ْكتُ ُمـ َ‬
‫وك ‪..‬انوا من أعلم الن ‪..‬اس ب ‪..‬الحروب‪ ،‬فكي ‪..‬ف ي ‪..‬دعون ع ‪..‬دم مع ‪..‬رفتهم به ‪..‬ا؟ ل ‪..‬ذلك احت ‪..‬اج‬
‫الكالم إلي تق‪..‬دير مح‪..‬ذوف‪ :‬ل‪..‬و نعلم مك‪..‬ان قت‪..‬ال ص‪..‬الح التبعن‪..‬اكم‪ ،‬أي ‪ :‬أنكم تق‪..‬اتلون‬
‫في موض ‪..‬ع ال يص ‪..‬لح للقت ‪..‬ال ‪ ،‬ويخش ‪..‬ى عليكم من ‪..‬ه‪ ،‬وي ‪..‬دل علي ‪..‬ه أنهم أش ‪..‬اروا علي‬
‫رسول اهلل ‪ r‬أن ال يخرج من المدينة‪ ،‬وأن الحزم البقاء فيها‪.‬‬
‫‪5‬ـ ـ أن يــدل العقــل علي الحــذف والشــروع في الفعــل علي التعــيين‪ ،‬كق ‪..‬ول‬
‫العبد المؤمن‪ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬فالعقل يدل علي أنه ال ب‪..‬د للج‪..‬ار والمج‪..‬رور‬
‫من متعل‪..‬ق مح‪..‬ذوف‪ ،‬والش‪..‬روع في الفع‪..‬ل ي‪..‬دل علي تعيين‪..‬ه‪ ،‬فعن‪..‬د الكتاب‪..‬ة مثال تق‪..‬ول‬
‫بسم اهلل‪ ،‬أي‪ :‬بس‪..‬م اهلل أكتب‪ ،‬وهك‪..‬ذا عن‪..‬د الش‪..‬روع في الق‪..‬راءة‪ ،‬والقي‪..‬ام‪ ،‬والقع‪..‬ود‪ ،‬أو‬
‫أي فعل كان‪ ،‬فإن المحذوف يقدر علي حسب ما جعلت التسمية مبدأ له ‪.‬‬
‫‪6‬ـ ـ أن يــدل العقــل علي الحــذف واقــتران الكالم بالفعــل علي التعــيين‪ ،‬كقول ‪..‬ك‬
‫بالرفاء والبنين‪ ،‬أي‪ :‬بالرفاء والبنين أعرست‪.138‬‬
‫لمن أعرس‪ِّ :‬‬
‫سر بالغة إيجاز الحذف‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫انظر‪ :‬الكشاف ‪ ،444 /2‬والتفسير الكبير‪9/104‬‬
‫‪137‬‬
‫آل عمران ‪167‬‬
‫‪138‬‬
‫أعرس‪ :‬اتخذ عرسا‪ ،‬الرفاء بكسر الراء ‪ :‬االتفاق والتالحم‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫باب الحذف‪ :‬باب دقيق المسلك‪ ،‬لطيف المأخ‪..‬ذ‪ ،‬عجيب األم‪..‬ر‪ ،‬ش‪..‬بيه بالس‪..‬حر‪،‬‬
‫فإن ‪..‬ك ت ‪..‬ري ب ‪..‬ه ت ‪..‬رك ال ‪..‬ذكر أفص ‪..‬ح من ال ‪..‬ذكر‪ ،‬والص ‪..‬مت‪ .‬عن اإلف ‪..‬ادة أزي ‪..‬د لإلف ‪..‬ادة‪،‬‬
‫وتج‪.. .‬دك أنط‪.. .‬ق م‪.. .‬ا تك‪.. .‬ون إذا لم تنط‪.. .‬ق‪ ،‬وأتم م‪.. .‬ا تك‪.. .‬ون بيان‪.. .‬ا إذا لم تبن‪ ،139...‬ومن‬
‫أسرار بالغة هذا الفن البالغي الرائع‪:‬‬
‫ـ التفخيم والتعظيم لمـا فيـه من اإلبهـام‪ ،‬يق‪..‬ول ح‪..‬ازم القرط‪..‬اجني‪ :‬إنم‪..‬ا يحس‪..‬ن‬
‫الح‪...‬ذف لق‪.. .‬وة الدالل‪.. .‬ة علي‪...‬ه‪ ،‬أو يقص‪...‬د ب‪.. .‬ه تعدي‪...‬د أش‪.. .‬ياء‪ ،‬فيك‪.. .‬ون في تع ‪..‬دادها ط ‪..‬ول‬
‫وس‪.. .‬آمة‪ ،‬فيح‪.. .‬ذف ويكتفي بدالل‪.. .‬ة الح‪.. .‬ال‪ ،‬وت‪.. .‬ترك النفس تج‪.. .‬ول في األش‪.. .‬ياء المكتفي‬
‫بالح‪..‬ال عن ذكره‪..‬ا‪ ،......‬وله‪..‬ذا القص‪..‬د ي‪..‬ؤثر في المواض‪..‬ع ال‪..‬تي ُي‪..‬راد به‪..‬ا التعجب‬
‫وه ــا‬ ‫والتهوي‪.. .‬ل علي النف‪.. .‬وس‪ ،‬كقول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الي في وص‪.. .‬ف أه‪.. .‬ل الجن‪.. .‬ة‪َ :‬حتَّى إِ َذا َج ُ‬
‫اء َ‬
‫َوفُِت َح ْت أ َْب َو ُاب َها ‪ 140‬فحذف الجواب إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذل‪..‬ك ال‬
‫يتن‪..‬اهى‪ ،‬فجع‪..‬ل الح‪..‬ذف دليال علي ض‪..‬يق الكالم عن وص‪..‬ف م‪..‬ا يش‪..‬اهدونه ‪ ،‬وت‪..‬ركت‬
‫النف‪..‬وس تق‪..‬در م‪..‬ا ش‪..‬اءته‪ ،‬وال تبل‪..‬غ م‪..‬ع ذل‪..‬ك كن‪..‬ه م‪..‬ا هن‪..‬ا لك‪ ،141‬وك‪..‬ذلك قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬‬
‫أي ل ‪.. .‬رأيت أم ‪.. .‬را فظيع ‪.. .‬ا ال تك ‪.. .‬اد تحي ‪.. .‬ط ب ‪.. .‬ه‬ ‫ار‪‬‬
‫‪142‬‬
‫‪َ ‬ولَ ـ ْـو تَ ـ َـرى إِ ْذ ُو ِقفُ ــوا َعلَى َّ‬
‫الن ِ‬
‫العبارة‪.‬‬
‫ـ االختصـار واالحـتراز عن العبث‪ ،‬فم‪..‬تي أظه‪..‬رت المح‪..‬ذوف ص‪..‬ار الكالم إلي‬
‫شئ غث ال يناسب ما كان عليه أوال من الطالوة والحسن‪.‬‬
‫ـ شهرته حـتى يكـون ذكـره وعدمـه سـواء‪ ،‬يق‪..‬ول الزمخش‪..‬ري‪ :‬وه‪..‬و ن‪..‬وع من‬
‫داللة الحال التي لسانها أنطق من لس‪..‬ان المق‪..‬ال‪ ،‬وحم‪..‬ل علي‪..‬ه ق‪..‬راءة حم‪..‬زة‪َ ،‬واتَّقُوا‬
‫اللَّ َه الَّ ِذي تَتَساءلُ َ ِ‬
‫ام‪ 143‬ألن ه‪..‬ذا مك‪..‬ان ش‪..‬هر بتك‪..‬رر الج‪..‬ار‪ ،‬فق‪..‬امت‬ ‫ون ِبه َواأل َْر َحـ َ‬ ‫َ َ‬
‫الشهرة مقام الذكر‪..‬‬

‫‪139‬‬
‫دالئل اإلعجاز ‪178‬‬
‫‪140‬‬
‫الزمر بعض آية ‪73‬‬
‫‪141‬‬
‫منهاج البلغاء وسراج األدباء لحازم القرطاجنىـ ‪67‬‬
‫‪142‬‬
‫األنعام بعض آية ‪27‬‬
‫‪143‬‬
‫النساء بعض آية ‪1‬‬

‫‪68‬‬
‫ـ كــون المحــذوف ال يصــلح إال له‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬فَ َّعا ٌل ِل َمــا ُي ِريـ ُـد‪ ،144‬وقول‪..‬ه‬
‫اد ِة‪.145‬‬ ‫تعالي‪َ  :‬ع ِال ُم ا ْل َغ ْي ِب َو َّ‬
‫الش َه َ‬
‫ب ا ْل َعــالَ ِم َ‬
‫ين‬ ‫ـ صــيانته عن الــذكر تشــريفا‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬قَــا َل ِف ْر َعـ ْـو ُن َو َمــا َر ُّ‬
‫ين قَـ ــا َل ِل َم ْن َح ْولَـ ـ ُ‬
‫ـه أَال‬ ‫إن ُكنتُ ْم ُمـ ــو ِق ِن َ‬ ‫ض َو َمـ ــا َب ْي َن ُه َمـ ــا ْ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫الس ـ ـماو ِ‬
‫ب َّ َ َ‬ ‫قَـ ــا َل َر ُّ‬
‫سولَ ُك ْم الَّ ِذي أ ُْر ِس َل إِلَ ْي ُك ْم َل َم ْج ُن ٌ‬
‫ون‬ ‫ال إِ َّن َر ُ‬ ‫ين قَ َ‬‫آب ِائ ُك ْم األ ََّوِل َ‬
‫ب َ‬ ‫ون قَا َل َر ُّب ُك ْم َو َر ُّ‬ ‫ستَ ِم ُع َ‬‫تَ ْ‬
‫ون‪ 146‬فق‪..‬د ح‪..‬ذف المس‪..‬ند إلي‪..‬ه‬ ‫ق َوا ْل َم ْغ ِر ِب َو َما َب ْي َن ُه َما إِ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْع ِقلُ َ‬ ‫ش ِر ِ‬‫ب ا ْل َم ْ‬ ‫قَا َل َر ُّ‬
‫في ثالث‪.. .‬ة مواض‪.. .‬ع؛ قب‪.. .‬ل ذك‪.. .‬ر ال‪.. .‬رب ‪ I‬أي‪( :‬ه‪.. .‬و رب)‪( ،‬واهلل ربكم)‪(،‬واهلل رب‬
‫المش‪..‬رق)‪ ،‬ألن موس‪..‬ي ‪ u‬اس‪..‬تعظم ح‪..‬ال فرع‪..‬ون وإ قدام‪..‬ه علي الس‪..‬ؤال‪ ،‬فأض‪..‬مر اس‪..‬م‬
‫اهلل تعظيما وتفخيما‪.‬‬
‫اء‬
‫شـ َ‬
‫ـ قصــد البيــان بعــد اإلبهــام‪ ،‬كم ‪..‬ا في فع ‪..‬ل المش ‪..‬يئة‪ ،‬كقول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪َ  :‬ولَـ ْـو َ‬
‫اء)‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬‫َ‬‫ل‬ ‫(و‬ ‫‪.‬امع‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫‪.‬مع‬‫‪.‬‬ ‫س‬ ‫إذا‬ ‫‪.‬ه‬‫‪.‬‬ ‫ن‬ ‫فإ‬ ‫‪.‬دايتكم؛‬‫‪.‬‬ ‫ه‬ ‫‪.‬اء‬‫‪.‬‬ ‫ش‬ ‫‪.‬و‬‫‪.‬‬ ‫ل‬‫و‬ ‫أي‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫َج َم ِع َ‬
‫ين‪‬‬ ‫َل َهـ َـدا ُك ْم أ ْ‬
‫‪147‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تعلقت نفس‪..‬ه بمش‪..‬يئتهم علي‪..‬ه‪ ،‬ال ي‪..‬دري م‪..‬ا ه‪..‬و؟ فلم‪..‬ا ذك‪..‬ر الج‪..‬واب اس‪..‬تبان بع‪..‬د ذل‪..‬ك‪،‬‬
‫وأك ‪..‬ثر م ‪..‬ا يق ‪..‬ع ذل ‪..‬ك بع ‪..‬د أداة ش ‪..‬رط؛ ألن مفع ‪..‬ول المش ‪..‬يئة م ‪..‬ذكور في جوابه ‪..‬ا‪ ،‬وق ‪..‬د‬
‫شـ ْي ٍء ِم ْن‬ ‫يك‪..‬ون م‪..‬ع غيره‪..‬ا اس‪..‬تدالال بغ‪..‬ير الج‪..‬واب ‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ  :‬وال ُي ِحيطُ َ‬
‫ون ِب َ‬
‫اء‪.148‬‬ ‫ش َ‬ ‫ِع ْل ِم ِه إِال ِب َما َ‬
‫ومن المعل ‪.. .‬وم أن مفع ‪.. .‬ول المش ‪.. .‬يئة واإلرادة ال ي ‪.. .‬ذكر إال إذا ك ‪.. .‬ان غريب ‪.. .‬ا أو‬
‫َن‬
‫يم‪ ‬وقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ :‬ل ْـو أ ََر ْد َنـا أ ْ‬ ‫َن ي ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ِ‬
‫ستَق َ‬‫اء م ْن ُك ْم أ ْ َ ْ‬‫عظيم‪..‬ا كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬ل َم ْن َ َ‬
‫‪149‬‬

‫ين‪ ، 150 ‬وإ نم‪.. .‬ا اط ‪..‬رد أو ك ‪..‬ثر ح ‪..‬ذف‬ ‫ـاعِل َ‬


‫َنتَّ ِخــ َذ لَهــوا التَّ َخــ ْذ َناهُ ِم ْن لَ ـ ُـد َّنا إِ ْن ُك َّنا فَ ـ ِ‬
‫ًْ‬
‫مفع ‪..‬ول المش ‪..‬يئة دون س ‪..‬ائر األفع ‪..‬ال؛ ألن ‪..‬ه يل ‪..‬زم من وج ‪..‬ود المش ‪..‬يئة وج ‪..‬ود المش ‪..‬اء‪،‬‬

‫‪144‬‬
‫هود بعض آية ‪107‬‬
‫‪145‬‬
‫األنعام بعض آية ‪73‬‬
‫‪146‬‬
‫الشعراء ‪27 : 23‬‬
‫‪147‬‬
‫النحل بعض آية ‪9‬‬
‫‪148‬‬
‫البقرة بعض آية ‪255‬‬
‫‪149‬‬
‫التكوير ‪28‬‬
‫‪150‬‬
‫األنبياء ‪17‬‬

‫‪69‬‬
‫فالمشيئة المستلزمة لمضمون الجواب ال يمكن أن تكون غال مشيئة الجواب‪ ،‬ول‪..‬ذلك‬
‫‪151‬‬
‫كانت اإلرادة مثلها في اطراد حذف مفعولها‪.‬‬
‫ف‬
‫وس ُ‬
‫ـ التخفيف لكثرة دورانه في الكالم‪ ،‬كما في حذف ح‪..‬رف الن‪..‬داء نحو‪ُ ‬ي ُ‬
‫ض ع ْن َه ـ َذا‪ ،152‬ون ‪..‬ون (لم يــك) والجم ‪..‬ع الس ‪..‬الم‪ ،‬ومن ‪..‬ه ق ‪..‬راءة ‪‬وا ْلم ِق ِ‬
‫يمي‬ ‫َ ُ‬ ‫َعـ ِـر ْ َ‬
‫أْ‬
‫الص ـالةَ‪ ‬بالنص ‪..‬ب علي ت ‪..‬وهم الن ‪..‬ون‪ ،‬وي ‪..‬اء‪َ  :‬واللَّْيـ ِـل إِ َذا َي ْ‬
‫س ـ ِر‪ ،154‬ولم ‪..‬ا س ‪..‬ئل‬ ‫َّ‬
‫‪153‬‬

‫األخفش عن هذه اآلية قال‪ :‬عادة الع‪..‬رب أنه‪..‬ا إذا ع‪..‬دلت بالش‪..‬يء عن معن‪..‬اه‪ ،‬نقص‪..‬ت‬
‫حروف ‪..‬ه‪ ،‬واللي ‪..‬ل لم ‪..‬ا ك ‪..‬ان ال يس ‪..‬ري‪ ،‬وإ نم ‪..‬ا ُيس ‪..‬ري في ‪..‬ه نقص من ‪..‬ه ح ‪..‬رف‪ ،‬كم ‪..‬ا ق ‪..‬ال‬
‫ُم ِك َب ِغيًّا‪ 155‬األص ‪..‬ل‪ :‬بغي ‪..‬ة‪ ،‬فلم ‪..‬ا ح ‪.ِّ .‬ول عن فاع ‪..‬ل نقص من ‪..‬ه‬
‫تع ‪..‬الي‪َ  :‬و َمــا َكــا َن ْت أ ُّ‬
‫حرف‪.‬‬
‫***‬

‫‪151‬‬
‫انظر‪ :‬اإلتقانـ للسيوطى ‪172/ 3‬‬
‫‪152‬‬
‫يوسف ‪29‬‬
‫‪153‬‬
‫الحج ‪35‬‬
‫‪154‬‬
‫الفجر ‪5‬‬
‫‪155‬‬
‫مريم ‪28‬‬

‫‪70‬‬
‫اإلطنــاب‬
‫اإلطناب في اللغة‪ :‬يق‪..‬ال‪ :‬أطنب النه‪..‬ر‪ :‬ط‪..‬ال مج‪..‬راه‪ ،‬وأطنب ال‪..‬ريح‪ :‬اش‪..‬تدت‬
‫في غبار‪ ،‬وأطنبت الدواب‪ :‬تبع بعضها بعضا في السير‪ ،‬وأطنب في ع‪..‬دوه ونح‪..‬وه‪:‬‬
‫‪156‬‬
‫أمعن وابتعد‪ ،‬ويقال‪ :‬أطنب في الكالم والوصف‪ .‬أو األمر بالغ وأكثر‪.‬‬
‫وفي االصــطالح‪ :‬عرف ‪..‬ه علم ‪..‬اء البالغ ‪..‬ة بق ‪..‬ولهم‪ :‬التعبــير عن المعــني المــراد‬
‫بلفظ زائد على األصل لفائدة‪ ،‬يق‪..‬ول العالم‪..‬ة ابن األث‪..‬ير‪ .. :‬وبع‪..‬د أن أنعمت نظ‪..‬ري‬
‫في هذا النوع الذي هو (اإلطناب) وجدته ضربا من ضروب التأكي‪..‬د ال‪..‬تي ُي‪..‬ؤتي به‪..‬ا‬
‫في الكالم قصدا للمبالغة‪ ،‬أال تري أنه ضرب مف‪..‬رد من بينه‪..‬ا برأس‪..‬ه ال يش‪..‬اركه في‪..‬ه‬
‫غيره ؟ ألن من التأكيد م‪..‬ا يتعل‪..‬ق بالتق‪..‬ديم والت‪..‬أخير‪ ،‬كتق‪..‬ديم المفع‪..‬ول‪ ،‬وب‪..‬االعتراض‪،‬‬
‫ك ‪.. . .‬االعتراض بين القس ‪.. . .‬م وجواب ‪.. . .‬ه‪ ،‬وبين المعط ‪.. . .‬وف والمعط ‪.. . .‬وف علي ‪.. . .‬ه‪ ،‬وأش ‪.. . .‬باه‬
‫ف‪.‬إن لم تكن للزي‪..‬ادة فائ‪..‬دة ك‪..‬ان حش‪..‬وا‪ ،‬أو تط‪..‬ويال ‪ ،‬وهم‪..‬ا مخالن ببالغ‪..‬ة‬ ‫‪157‬‬
‫ذل‪..‬ك‪...‬‬
‫الكالم‪.‬‬
‫الحشو والتطويل‪:‬‬
‫اشترط البالغي‪.‬ون‪ .‬لزي‪..‬ادة األلف‪.‬اظ علي المع‪.‬نى ‪ :‬أن تحق‪..‬ق ه‪.‬ذه الزي‪.‬ادة فائ‪..‬دة‪،‬‬
‫وإ ال كانت الزيادة حشوا أو تطويال ـ كما سبق أن ذكرنا ـ فما الحشو والتطويل؟‬
‫الحشو‪ :‬أن تكون في الكالم زيادة متعينةـ‪ ،‬يق‪..‬ول إم‪..‬ام البالغ‪..‬يين عب‪..‬د الق‪..‬اهر‬
‫الجرجاني‪ ..... :‬وأما الحشو فإنما كره وذم‪ ،‬وأنكر ورد‪ ،‬ألن‪..‬ه خال من الفائ‪.‬دة‪ ،‬ولم‬
‫‪.‬دع لغ‪..‬وا‪ ،‬وق‪..‬د ت‪..‬راه من إطالق ه‪..‬ذا‬
‫يح‪..‬ل من‪..‬ه بعائ‪..‬دة‪ ،‬ول‪..‬و أف‪..‬اد لم يكن حش‪..‬وا‪ ،‬ولم ُي‪َ .‬‬
‫االس‪..‬م علي‪..‬ه واقع‪..‬ا من القب‪..‬ول أحس‪..‬ن موق‪..‬ع‪ ،‬وم‪..‬دركا من الرض‪..‬ي أج‪..‬زل ح‪..‬ظ‪ ،‬وذل‪..‬ك‬
‫إلفادته إياك علي مجيئ‪.‬ه مجئ م‪.‬ا ال يع َّ‪.‬ول علي‪.‬ه في اإلف‪.‬ادة علي‪.‬ه‪ ،‬وال طائ‪.‬ل للس‪.‬امع‬
‫لدي ‪.. .‬ه‪ ،‬فيك ‪.. .‬ون مثل ‪.. .‬ه مث ‪.. .‬ل الحس ‪.. .‬نة تأتي ‪.. .‬ك من حيث لم ترتقبه ‪.. .‬ا‪ ،‬والنافع ‪.. .‬ة أتت ‪.. .‬ك ولم‬
‫‪158‬‬
‫تحتسبها‪...‬‬
‫وواضح أن الزيادة نوعان‪:‬‬
‫متعينة يفسد بها المعني ‪ ،‬كلفظ الندي في قول المتنبي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ زيادة ِّ‬
‫‪156‬‬
‫المعجم الوسيط‬
‫‪157‬‬
‫المثل السائر‪2/391‬‬
‫‪158‬‬
‫أسرار البالغة ‪19‬‬

‫‪71‬‬
‫‪159‬‬‫‪.‬بر الف ‪.. .‬تي ل ‪.. .‬وال لق ‪.. .‬اء َش‪ُ . . .‬ع ِ‬
‫وب‬ ‫وص ‪ِ . .‬‬ ‫وال فض‪.. . .‬ل فيه‪.. . .‬ا للش‪.. . .‬جاعة َّ‬
‫والندي‬

‫يقصد‪ :‬ال فض‪.‬ل في ال‪..‬دنيا للش‪.‬جاعة والص‪.‬بر ل‪..‬وال الم‪.‬وت وه‪.‬و حس‪.‬ن جمي‪..‬ل‪،‬‬
‫عد الشجاعة والندي من الفضائل لم‪..‬ا فيهم‪..‬ا من اإلق‪..‬دام علي الم‪..‬وت‪ ،‬واحتم‪..‬ال‬
‫وإ نما ّ‬
‫الش‪..‬دائد‪ ،‬ول‪..‬و علم ابن آدم أن الم‪..‬وت من‪..‬ه ب‪..‬راء فلن يتق‪..‬اعس عن خ‪..‬وض المغ‪..‬امرات‬
‫واقتح‪.‬ام المخ‪.‬اطر والخط‪.‬وب ‪ ،‬ول‪.‬و أيقن ب‪.‬الخلود له‪.‬ان علي‪.‬ه احتم‪.‬ال المش‪.‬اق واآلالم‬
‫في المع‪..‬ارك ب‪..‬ل س‪..‬يكون ذل‪..‬ك دافع‪..‬ا ل‪..‬ه إلي الص‪..‬بر ‪ ،‬أم‪..‬ا الن‪..‬دي فه‪..‬و علي العكس ؛‬
‫ألن اإلنس ‪..‬ان إذا أيقن أن ‪..‬ه لن يف ‪..‬ني اش ‪..‬تد حرص ‪..‬ه علي الم ‪..‬ال فيص ‪..‬بح حينئ ‪..‬ذ خ ‪..‬الي‬
‫الوف‪..‬اض مع‪..‬دما ‪ ،‬أم‪..‬ا ل‪..‬و أيقن ب‪..‬الموت فس‪..‬يكون ذل‪..‬ك دافع‪..‬ا للب‪..‬ذل والتض‪..‬حية بالم‪..‬ال‪،‬‬
‫إذا كلمة الندي مع الشجاعة والصبر غير مستقيمة‪.‬‬
‫‪2‬ـ زيادة متعينة ال يفسد بها المعني‪ ،‬كلفظ الرأس في قول الشاعر‪:‬‬
‫‪160‬‬
‫ص ‪. . . . . .‬داع ال‪.. . . . . .‬رأس والوصب‬
‫ُ‬ ‫ذ ‪.‬ك ‪.. . . . . . . . . . . .‬رت أخي ف ‪.‬ع ‪.. . . . . . . . . . . .‬اودني‬

‫ف‪..‬الرأس م‪..‬ع الص‪..‬داع حش‪..‬و ؛ ألن الص‪..‬داع ال يك‪..‬ون إال في ال‪..‬رأس ‪ ،‬ولكنه‪..‬ا لم تفس‪..‬د‬
‫المعني‪ ،‬ومثله قول زهير بن أبي سلمي‪:‬‬
‫ولكن ‪.. .‬ني عن علم م ‪.. .‬ا في غ ‪.ٍ . .‬د َع ِمي‬ ‫ِ‬
‫واألمس قبله‬ ‫وأعلم علم الي‪.. . . . . . . . . . . . . . . . . .‬وم‬

‫فقول‪..‬ه‪( :‬قبل‪..‬ه) حش‪..‬و ال يفس‪..‬د المع‪..‬ني‪ ،‬ولكن ال حاج‪..‬ة لن‪..‬ا ب‪..‬ه؛ ألن األمس ال‬
‫يكون إال قبال‪ ،‬ومنه قول البحتري‪:‬‬
‫ي ‪.. . .‬ا ص ‪.. . .‬احبي إذا مض ‪.. . .‬ت لم ترجع‬ ‫م ‪.. . . . . . .‬ا أحس ‪.. . . . . . .‬ن األي ‪.. . . . . . .‬ام إال أنه ‪.. . . . . . .‬ا‬

‫فليس هن ‪..‬اك من ين ‪..‬ادي علي ‪..‬ه ح ‪..‬تي يق ‪..‬ول‪ :‬ي ‪..‬ا ص ‪..‬احبي‪ ،‬ولكن ‪..‬ه حش ‪..‬و ال يفس ‪..‬د‬
‫المعني‪.‬‬
‫التطويل‪ ،‬ومعناه ‪ :‬أن تكــون الزيــادة في الكالم غــير متعينةـ‪ ،‬ومن ه‪..‬ذا ق‪..‬ول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وهن ‪.. .‬د أتي من دونه ‪.. .‬ا الن ‪.. .‬أي والبعد‬ ‫أال َّ‬
‫حبذا هن‪.. . . . . . . . . .‬د وأرض به‪.. . . . . . . . . .‬ا هند‬

‫‪159‬‬
‫الندي‪ :‬الكرم‪ ،‬شعوب بفتح الشين‪ :‬المنية‪ ،‬مأخوذ من الشعبة وهي الفرقة ‪ ،‬إذ المنية تشعب وتفرق بين األحبة‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫الوصب‪ :‬الوجع والمرض‬

‫‪72‬‬
‫فلف ‪..‬ظ البع ‪..‬د تطوي ‪..‬ل؛ ألن ‪..‬ه نفس ‪..‬ه‪ :‬الن ‪..‬أي‪ ،‬وال فائ ‪..‬دة في ذكرهم ‪..‬ا مع ‪..‬ا‪ ،‬ولكن ‪..‬ك‬
‫تالح‪..‬ظ أن تك‪..‬رار لف‪..‬ظ هن‪..‬د ثالث م‪..‬رات ليس تط‪..‬ويال ب‪..‬ل للتل‪..‬ذذ ب‪..‬ذكر محبوبت‪..‬ه‪ ،‬فال‬
‫يقال فيه ما يقال في البعد‪ ،‬ومنه قول الشاعر عدي بن زيد‪:‬‬
‫‪161‬‬
‫ومينا‬
‫وألفي قوله ‪.. . . . . . .‬ا ك ‪.. . . . . . .‬ذبا ْ‬ ‫األديم لراه َش‪ْ . . . . . . . . . . .‬ي ِه‬
‫َ‬
‫وق‪.َّ . . . . . . . . . . .‬د ِ‬
‫دت‬

‫فالك‪.. .‬ذب والمين بمع‪.. .‬ني واح‪.. .‬د‪ ،‬ولكن‪.. .‬ك ال تس‪.. .‬تطيع تحدي‪.. .‬د الزائ‪.. .‬د منهم‪.. .‬ا‪ ،‬أو‬
‫حذف أحدهما‪ ،‬والمعني ال يتغير بحذف أحدهما‪ ،‬ومن هذا قول الحطيئة‪:‬‬
‫إن الع ‪.. . . . .‬زاء وإ ن الص ‪.. . . . .‬بر ق ‪.. . . . .‬د غلبا‬ ‫ق‪.. . . . . .‬الت أمام‪.. . . . . .‬ة ال تج‪.. . . . . .‬زع فقلت لها‬
‫م ‪.. .‬ا ال نعيش ب ‪.. .‬ه في الن ‪.. .‬اس أو نش ‪.. .‬با‬ ‫هال التمس ‪.. . . .‬ت لن ‪.. . . .‬ا إن كنت ص ‪.. . . .‬ادقة‬

‫واضح أن العزاء والص‪..‬بر بمع‪..‬ني واح‪..‬د ‪ ،‬وك‪..‬ذلك الم‪..‬ال والنش‪..‬ب ‪ ،‬ولكن‪..‬ك ال‬
‫تستطيع تحديد أيهما للزيادة ‪.‬‬
‫وال بد لطالب البالغة أن يتعقل الحكم قب‪..‬ل ص‪..‬دوره في مث‪..‬ل ه‪..‬ذا النظم ‪ ،‬فق‪..‬د‬
‫ي‪..‬دعي م‪..‬دعي أن في الق‪..‬رآن الك‪..‬ريم من مث‪..‬ل ه‪..‬ذا ولم تعيب‪..‬وه‪ ،‬وي‪..‬أتي آخ‪..‬ر بق‪..‬ول اهلل‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪: ‬إِ ْذ تَلَقَّ ْو َن ُه ِبأَْل ِس َن ِت ُك ْم َوتَقُولُـ َ‬
‫س َل ُك ْم ِبــه ع ْل ٌم َوتَ ْح َ‬
‫سـ ُبو َن ُهـ َه ِّي ًنــا‬ ‫ـون ِبـ أَف َْواه ُك ْم َمــا لَ ْي َ‬
‫يم‪ 162‬ويدعي قائال‪ :‬إن القول ال يكون إال باألفواه فلماذا ذك‪.‬رت‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُه َو ع ْن َد الله َعظ ٌ‬
‫كلمة األفواه بعد وتقولون؟‬
‫ونق ‪..‬ول له ‪..‬ؤالء‪ :‬ل ‪..‬و علمتم س ‪..‬بب ال ‪..‬نزول ألرحتم واس ‪..‬ترحتم؛ إذ الح ‪..‬ديث عن‬
‫أص ‪..‬حاب اإلف ‪..‬ك ال ‪..‬ذين اتهم ‪..‬وا أم المؤم ‪..‬نين عائش ‪..‬ة رض ‪..‬ي اهلل عنه ‪..‬ا‪ ،‬فج ‪..‬اء بقول ‪..‬ه‪:‬‬
‫ب‪..‬أفواهكم لتفي‪..‬د مع‪..‬ني خط‪..‬يرا في‪..‬ه ب‪..‬راءة أم المؤم‪..‬نين رض‪..‬ي اهلل عنه‪..‬ا‪ ،‬وه‪..‬و أن ه‪..‬ذا‬
‫الق‪.. .‬ول لم يكن عن يقين وتثبت واعتق‪.. .‬اد ص‪.. .‬در من القلب ‪ ،‬وإ نم‪.. .‬ا ك‪.. .‬ان مج‪.. .‬رد كالم‬

‫‪161‬‬
‫قــددت‪ :‬قطعت‪ ،‬مــأخوذة من القــد وهــو القطــع‪ ،‬األديم‪ :‬الجلــد‪ ،‬الراهشــان‪ :‬عرقــان في بــاطن الــذراعين يمــوت اإلنســان إذا قصــد‬
‫منهما‪ ،‬المين‪ :‬الكذب ‪ ،‬والـبيت من قصـيدة يخـاطب بهـا عـدي النعمـان بن المنـذر يـذكره فيهـاـ بأحـداث الزمـان‪ ،‬ومـا وقـع فيهـا بين‪:‬‬
‫(جزيمة األبرش) ملك الحيرة ‪ ،‬وبين (الزبَّاء) ملكة تدمر‪ ،‬فقدـ قتل جزيمة أبا الزباء فصــبرت علي ذلــك حــتي اشــتد عودهــا وتمكنت‬
‫من ملكها‪ ،‬ثم مـا لبثت أن أرسـلت إلي جزيمـة خاطبـة لـه ناصـحا لهـا‪ ،‬فنصـحه بعض المقـربين إليـه أال يفعـل‪ ،‬فتلـك امـرأة ال يـؤمن‬
‫جانبها‪ ،‬فلم يستجب‪ ،‬وركب إليها طمعا فيها وفي ملكها‪ ،‬فلما وصل إليهــا غــدرت بـه وأجلســته علي بسـاط من جلــد وشــدت عضـداه‬
‫وقطعت راهشيه ‪ ،‬فنزف الدم منهما ‪ ،‬وظل كذلك حتى وافته المنية‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫النور بعض آية ‪15‬‬

‫‪73‬‬
‫باللس ‪..‬ان مم ‪..‬ا يؤك ‪..‬د بطالن ‪..‬ه‪ ،‬فك ‪..‬انت الكلم ‪..‬ة هي المح ‪..‬ك ال ‪..‬رئيس‪ .‬في ال ‪..‬براءة‪ ،‬وك ‪..‬ذلك‬
‫قوله‪ :‬بألسنتكم‪.‬‬
‫ين ِم ْن قَْب ِل ِه ْم فَ ـ ـأَتَى اللَّ ُه ُب ْن َيـ ــا َن ُه ْم ِم َن‬ ‫ومن ه ‪.. .‬ذا قول ‪.. .‬ه تع ‪.. .‬الي‪ :‬قَـ ـ ْـد َم َكـ ـ َـر الَّ ِذ َ‬
‫ون‪‬‬ ‫شـ ُع ُر َ‬ ‫ث ال َي ْ‬ ‫اب ِم ْن َح ْي ُ‬ ‫ف ِم ْن فَـ ْـو ِق ِه ْم َوأَتَـ ُ‬
‫ـاه ْم ا ْل َعـ َذ ُ‬ ‫اع ِد فَ َخـ َّـر َعلَ ْي ِه ْم َّ‬
‫السـ ْق ُ‬ ‫ا ْلقَ َو ِـ‬
‫‪163‬‬

‫ـــو ِق ِه ْم)؟ ذك ‪.. .‬رت للمبالغ ‪.. .‬ة في‬ ‫ِ‬


‫فالس ‪.. .‬قف ال يك ‪.. .‬ون إال من ف ‪.. .‬وق‪ ،‬فلم ‪.. .‬اذا ذك ‪.. .‬ر‪( :‬م ْن فَ ْ‬
‫الترهيب واإلنكار والتخوي‪..‬ف‪ ،‬ول‪..‬و ح‪..‬ذفنا ( ِم ْن فَ ْو ِق ِه ْم) م‪..‬ا ك‪..‬ان له‪..‬ا تل‪..‬ك المزي‪..‬ة حين‬
‫ذكرت فاعرفه‪.‬‬
‫صور اإلطناب‬
‫لإلطناب صور كثيرة نذكر منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ اإليضــاح بعــد اإلبهــام‪ ،‬ومعنــاه‪ :‬عــرض المعــني في صــورتين مختلفــتين‪،‬‬
‫إحــداهما مبهمــة‪ ،‬واألخــرى موضــحة حــتي يتمكن المعــنى في نفس الســامع فضــل‬
‫تمكن‪ ،‬لوقوع ‪..‬ه بع ‪..‬د الطلب؛ ألن النفس إذا أدركت الش ‪..‬ئ مجمال ت ‪..‬اقت إلي معرفت ‪..‬ه‬
‫مفص ‪..‬ال‪ ،‬وحينئ ‪..‬ذ يتمكن الغ ‪..‬رض منه ‪..‬ا‪ ،‬وق ‪..‬د ّنب ‪..‬ه اإلم ‪..‬ام عب ‪..‬د الق ‪..‬اهر إلي‪ :‬أن ليس‬
‫إعالم‪..‬ك الش‪..‬ئ بغت‪..‬ة غفال مث‪..‬ل إعالم‪..‬ك ل‪..‬ه بع‪..‬د التنبي‪..‬ه علي‪..‬ه والتقدم‪..‬ة ل‪..‬ه ألن ذل‪..‬ك‬
‫يج ‪..‬رى مج ‪..‬رى تكري ‪..‬ر األعالم في التأكي ‪..‬د واإلحك ‪..‬ام‪ ،‬ومن هن ‪..‬ا ق ‪..‬الوا إن الش ‪..‬ئ إذا‬
‫وس‪.. .‬ار‬ ‫‪164‬‬
‫أض‪.. .‬مر ثم فس‪.. .‬ر ك‪.. .‬ان ذل‪.. .‬ك أفخم ل‪.. .‬ه من ي‪.. .‬ذكر من غ‪.. .‬ير تقدم‪.. .‬ة إض‪.. .‬مار‪.‬‬
‫الخطيب ومن تبعوه علي هذا المفهوم‪ ،‬يقول الخطيب‪:‬‬
‫إن المع ‪..‬ني إذا ألقي علي س ‪..‬بيل اإلجم ‪..‬ال واإلبه ‪..‬ام تش ‪..‬وقت نفس الس ‪..‬امع إلي‬
‫معرفت ‪..‬ه علي س ‪..‬بيل التفص ‪..‬يل واإليض ‪..‬اح‪ ،‬فتتوج ‪..‬ه إلي م ‪..‬ا ي ‪..‬رد بع ‪..‬د ذل ‪..‬ك‪ ،‬ف ‪..‬إذا ألقي‬
‫كذلك تمكن فيها فضل تمكن‪ ،‬وكان شعورها بها أتم‪ ،‬أو لتكم‪..‬ل الل‪..‬ذة ب‪..‬العلم ب‪..‬ه‪ ،‬ف‪..‬إن‬
‫الش ‪..‬ئ إذا حص ‪..‬ل كم ‪..‬ال العلم ب ‪..‬ه دفع ‪..‬ة لم يتق ‪..‬دم حص ‪..‬ول الل ‪..‬ذة ب ‪..‬ه ألَ ٌم‪ ،‬وإ ذا حص ‪..‬ل‬
‫الش ‪..‬عور ب ‪..‬ه من وج ‪..‬ه دون وج ‪..‬ه تش ‪..‬وقت النفس إلي العلم ب ‪..‬المجهول‪ ،‬فيحص ‪..‬ل له ‪..‬ا‬
‫بس ‪..‬بب المعل ‪..‬وم ل ‪..‬ذة‪ ،‬وبس ‪..‬بب حرمانه ‪..‬ا عن الب ‪..‬اقي ألم‪ ،‬ثم إذا حص ‪..‬ل له ‪..‬ا العلم ب ‪..‬ه‪:‬‬
‫حص ‪..‬لت له ‪..‬ا ل ‪..‬ذة أخ ‪..‬ري‪ ،‬والل ‪..‬ذة عقب األلم أق ‪..‬وي من الل ‪..‬ذة ال ‪..‬تي لم يتق ‪..‬دمها ألم‪ ،‬أو‬

‫‪163‬‬
‫النحل ‪26‬‬
‫‪164‬‬
‫دالئل اإلعجاز ‪132‬‬

‫‪74‬‬
‫سـ ْر ِلي أ َْمـ ِـري‬
‫صـ ْد ِري َو َي ِّ‬ ‫لتفخيم األمر وتعظيمه‪ ،‬كقوله تعالي‪ :‬قَا َل ر ِّب ا ْ ِ‬
‫ش َر ْح لي َ‬ ‫َ‬
‫(صـ ْد ِري) يفي‪..‬د‬ ‫ِ‬
‫(اشـ َر ْح لي) يفي‪..‬د طلب ش‪..‬رح لش‪..‬ئ م‪..‬ا ل‪..‬ه‪ ،‬وقول‪..‬ه‪َ :‬‬ ‫‪ ‬ف‪..‬إن قول‪..‬ه‪ْ :‬‬
‫‪165‬‬

‫مقتض للتأكي ‪..‬د لإلرس ‪..‬ال‬ ‫ٍ‬ ‫س ـ ْر ِلي أ َْمـ ِـري) والمق ‪..‬ام‬
‫(و َي ِّ‬
‫تفس ‪..‬يره وبيان ‪..‬ه‪ ،‬وك ‪..‬ذلك قول ‪..‬ه‪َ :‬‬
‫المؤذن بتلقي المكاره والشدائد‪ ،166‬ويقول العالمة الدسوقي عن سر بالغة اإليضاح‬
‫‪167‬‬
‫اإلبهام‪ ... :‬وهذا أمر مستحسن ؛ ألنه كعرض الحسناء في لباسين‬ ‫بعد‬
‫ال َيــا‬
‫ان قَ َ‬
‫ط ُ‬ ‫س إِلَ ْي ِه َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫س َو َ‬
‫وقد مثل البالغي‪..‬ون له‪..‬ذا الن‪..‬وع بقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬فَ َو ْ‬
‫ش ـ ـ َج َر ِة ا ْل ُخ ْلـ ـ ِـد َو ُم ْلـ ـ ٍـك ال َي ْبلَى‪ 168‬فالوسوس ‪.. .‬ة مبهم ‪.. .‬ة‪ ،‬وغ ‪.. .‬ير‬
‫َهـ ـ ْـل أ َُدلُّ َك َعلَى َ‬ ‫آد ُم‬
‫َ‬
‫آد ُم َه ْل‬
‫معلومة‪ ،‬ولهذا اشتاقت النفس لمعرفة تفاصيلها‪ ،‬فج‪..‬اء قول‪..‬ه تع‪..‬الى‪ :‬قَا َل َيا َ‬
‫ش َج َر ِة ا ْل ُخ ْل ِد َو ُم ْل ٍك ال َي ْبلَى‪ ‬مزيال لذلك اإلبهام‪ ،‬وموضحا للوسوسة‪.‬‬ ‫أ َُدلُّ َك َعلَى َ‬
‫ين‪‬‬ ‫صـ ِب ِح َ‬ ‫ِ‬
‫َن َدا ِبـ َـر َهـ ُـؤالء َم ْقطُــوعٌ ُم ْ‬ ‫ضـ ْي َنا إِلَ ْيـ ِـه َذ ِلـ َ‬
‫ـك األ َْمـ َـر أ َّ‬ ‫وقول‪..‬ه تع‪..‬الي ‪َ ‬وقَ َ‬
‫ين‪‬‬ ‫ص ـ ِب ِح َ‬ ‫ِ‬
‫َن َدا ِب َر َه ُؤالء َم ْقطُوعٌ ُم ْ‬ ‫‪ 169‬فكلمة‪( :‬األ َْم َر) فصلت بالجملة التى بعدها‪:‬أ َّ‬
‫ففي إبهامه وتفسيره تفخيم لألمر‪ ،‬وتعظيم له‪.‬‬
‫ومن هــذا النــوع‪ :‬بــاب نعم وبئس‪ ،‬فحين تق ‪..‬ول‪ :‬نعم الرج ‪..‬ل عم ‪..‬ر‪ ،‬وأع ‪..‬ربت‬
‫المخص‪..‬وص بالم‪..‬دح خ‪..‬برا لمبت‪..‬دأ مح‪..‬ذوف فيك‪..‬ون أمام‪..‬ك جملت‪..‬ان؛ إح‪..‬داهما مفس‪..‬رة‬
‫لألخرى‪ ،‬ولو لم يقصد اإلطناب لقال‪ :‬نعم عمر‪ ،‬ووجه حسنه ـ سوى اإليض‪..‬اح بع‪..‬د‬
‫اإلبه ‪..‬ام ـ‪ :‬إب ‪..‬راز الكالم في مع ‪..‬رض االعت ‪..‬دال ب ‪..‬النظر إلى إطناب ‪..‬ه من وج ‪..‬ه‪ ،‬وإ لي‬
‫اختصاره من آخر‪ ،‬باإلضافة إلي إيهام الجمع بين المتنافيين‪.‬‬
‫ومن ــه أيض ــا‪ :‬التوش ــيع‪ ،170‬وه ‪.. .‬و أن ي ‪.. .‬ؤتي في عج ‪.. .‬ز الكالم بمث ‪.. .‬ني مفس ‪.. .‬ر‬
‫باس‪..‬مين ثانيهم‪..‬ا معط‪..‬وف علي األول‪،‬كم‪..‬ا في ح‪..‬ديث أنس ‪ ‬ق‪..‬ال‪ :‬ق‪..‬ال رس‪..‬ول اللَّه‬
‫ص َعلَى ا ْل ُع ُمـ ِـر‬ ‫ِ‬ ‫ص َعلَى ا ْلمـ ِ‬ ‫ب ِم ْن ُه اثَْنتَ ِ ِ‬
‫آد َم َوتَ ِش ُّ‬
‫ـال َوا ْلحـ ْـر ُ‬ ‫ان ا ْلح ْر ُ‬ ‫‪َ :‬ي ْه َر ُم ْاب ُن َ‬
‫‪171‬‬
‫َ‬
‫‪،‬وق‪..‬د ي‪..‬أتي المث‪..‬ني في أول الكالم‪ ،‬كم‪..‬ا في ح‪..‬ديث عب‪..‬د اللَّه بن مس‪..‬عود ‪ ‬ق‪..‬ال‪ :‬ق‪..‬ال‬
‫‪165‬‬
‫طه ‪26 ، 25‬‬
‫‪166‬‬
‫اإليضاح ‪301‬‬
‫‪167‬‬
‫حاشية الدسوقي ضمن شروح التلخيصـ ‪210 / 3‬‬
‫‪168‬‬
‫طه ‪120‬‬
‫‪169‬‬
‫الحجر ‪66‬‬
‫‪170‬‬
‫التوشيع‪ :‬لف القطن بعد ندفه‪.‬‬
‫‪171‬‬
‫صحيح مسلم‬

‫‪75‬‬
‫سـتَ ِو َي ِ‬ ‫احب ا ْل ِع ْلِم و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش َب َع ِ‬ ‫وم ِ‬
‫َما‬
‫ان أ َّ‬ ‫ب الـ ُّـد ْن َيا َوال َي ْ‬‫صـاح ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ان َ‬ ‫ان ال َي ْ‬ ‫رسول اهلل ‪َ :‬م ْن ُه َ‬
‫ـادى ِفي ُّ‬
‫الط ْغ َيـ ِ‬
‫ـان ثَُّم قَ‪.َ .‬رأَ‬ ‫ب ُّ‬
‫الد ْن َيا فَ َيتَ َمـ َ‬ ‫ِ‬
‫صاح ُ‬ ‫ضا ِل َّلر ْح َم ِن َوأ َّ‬ ‫ب ا ْل ِع ْلِم فَ َي ْز َد ُ‬
‫اد ِر ً‬ ‫ِ‬
‫َما َ‬ ‫صاح ُ‬
‫َ‬
‫ســتَ ْغ َنى‪ ‬ق‪.. .‬ال‪ :‬وق‪.. .‬ال‬ ‫َن َرآهُ ا ْ‬ ‫ان لَ َي ْط َغى أ ْ‬
‫ســ َ‬ ‫عب‪.. .‬د اللَّه بن مس‪.. .‬عود ‪َ : ‬كال إِ َّن ِ‬
‫اإل ْن َ‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫اء ‪ ،172 ‬ومنه جاء قول البحتري‪:‬‬ ‫شى اللَّ َه م ْن ع َباده ا ْل ُعلَ َم ُ‬
‫اآلخر‪ :‬إِ َّن َما َي ْخ َ‬
‫‪.‬اف قض‪.. . . . . .‬بان ب‪.. . . . . .‬ه وقُ‪.. . . . . .‬دو ِد‬
‫أعط‪ُ . . . . . .‬‬ ‫لم‪.. . .‬ا َم َش ‪ْ . . .‬ي َن ب‪.. . .‬ذي األراك تش‪.. . .‬ابهت‬
‫َو ْش ‪. .‬يان‪ :‬وش‪.. .‬ي ربي ووش‪.. .‬ي ب‪.. .‬رود‬ ‫تي ح ‪.. . . . .‬بر وروض ف ‪.. . . . .‬التقي‬ ‫َّ‬
‫في ُحل ْ‬
‫‪173‬‬
‫وردان‪ :‬ورد ج ‪.. .‬ني وورد خ ‪.. .‬دود‬ ‫ْ‬ ‫و َس ‪. . . . .‬فَ ْر َن ف‪.. . . . .‬امتألت عي‪.. . . . .‬ون راقها‬

‫‪ 2‬ـ ذكر الخاص بعد العام وعكسه‬


‫والغرض منه‪ :‬التنبيه على فضله‪ ،‬حتي كأنه من جنس آخــر تــنزيال للتغــاير‬
‫في الوصف منزلة التغاير في الذات‪ ،‬ومثل البالغيون لهذا النوع بقوله تعالي‪َ  :‬م ْن‬
‫ـال فَ ـِإ َّن اللَّ َه عـ ُـد ٌّو ِل ْل َكـ ِ‬
‫س ـ ِل ِه َو ِج ْب ِريـ َـل َو ِمي َكـ َ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ين‪،174 ‬‬ ‫ـاف ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ـان َعـ ُـد ًّوا للَّه َو َمالئ َكتـ ــه َو ُر ُ‬ ‫َكـ َ‬
‫ين‪،175‬‬ ‫ـان ِت َ‬
‫طى وقُومــوا ِللَّ ِه قَ ِ‬
‫سـ َ َ ُ‬
‫ات و َّ ِ‬
‫الصـالة ا ْل ُو ْ‬
‫افظُوا علَى َّ ِ‬
‫الصـلَ َو َ‬ ‫َ‬
‫وقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬ح ِ‬
‫َ‬
‫ون ِبــا ْلمعر ِ‬ ‫ُم ٌة َيـ ْـد ُع َ ِ‬ ‫وقول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪َ  :‬و ْلتَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم أ َّ‬
‫وف َو َي ْن َهـ ْـو َن‬ ‫َ ُْ‬ ‫ْم ُر َ‬‫ون إلَى ا ْل َخ ْيـ ِـر َو َي ـأ ُ‬
‫ي‬‫ـون‪ ، ‬وقول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الي‪َ :‬ر ِّب ا ْغ ِف ـ ْـر ِلي َو ِل َو ِال ـ َـد َّ‬ ‫ـك ُه ْم ا ْل ُم ْف ِل ُحـ َ‬ ‫َع ْن ا ْل ُم ْن َكـ ِـر َوأ ُْولَ ِئ ـ َ‬
‫‪176‬‬

‫ـارا‪‬‬ ‫ــــز ْد الظَّ ِال ِم َ ِ‬ ‫ــــات َوال تَ ِ‬ ‫ين وا ْلم ْؤ ِم َن ِ‬ ‫ــــل ب ْي ِتيـ م ْؤ ِم ًنــــا وِل ْلم ْ ِ ِ‬
‫َوِل َم ْن َد َخ َ َ‬
‫ين إال تََبـ ـ ً‬ ‫ــــؤمن َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪177‬فالمؤمنون والمؤمنات لفظان عامان يدخل فيهم‪.‬ا من ذك‪.‬ر قب‪..‬ل ذل‪.‬ك إلف‪.‬ادة العم‪..‬وم‬
‫مع العناية بالخاص‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫الدارمي‬
‫‪173‬‬
‫األراك‪ :‬شــجر‪ ،‬وذو األراك‪ :‬مــوطن يوجــد بــه‪ ،‬أعطــاف‪ :‬جــوانب‪ ،‬قضــبان‪ :‬أغصــان‪ ،‬قــدود‪ :‬قامــات‪ ،‬مفردهــا‪ :‬قـ ّـد‪ ،‬الحلــة‪ :‬الثــوب‬
‫الجديد‪ ،‬أو الثوب مطلقا‪ ،‬الحبر‪ :‬ضرب من البرود اليمنية‪ ،‬الوشي‪ :‬النقش‪ ،‬الربي‪ :‬جمــع ربــوة وهــو مــا ارتفــع من األرض‪،‬الــبرود‪:‬ـ‬
‫األكسية المخططة‪ ،‬مفردها‪ُ :‬برد‪.‬‬
‫‪ 174‬البقرة ‪98‬‬
‫‪175‬‬
‫البقرة ‪238‬‬
‫‪176‬‬
‫آل عمران ‪104‬‬
‫‪177‬‬
‫نوح ‪28‬‬

‫‪76‬‬
‫وأم‪..‬ا ذك‪..‬ر الع‪..‬ام بع‪..‬د الخ‪..‬اص‪ ،‬فلغ‪..‬رض‪ :‬التعميم‪ ،‬ومن‪..‬ه قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ُ  :‬ق ْـل إِ َّن‬
‫س ِكي‪ 178‬فق‪..‬د ذك‪..‬ر النس‪..‬ك(العب‪..‬ادة) بع‪..‬د الص‪..‬الة‪ ،‬والنس‪..‬ك أعم‪ ،‬والص‪..‬الة‬ ‫صالتي َو ُن ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫يم‪.179‬‬ ‫اك س ْبعا ِم ْن ا ْلمثَ ِاني وا ْلقُر َ ِ‬
‫آن ا ْل َعظ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫أخص‪ ،‬ومنه قوله تعالي‪َ  :‬ولَقَ ْد آتَْي َن َ َ ً‬
‫ـاه َرا َعلَ ْي ِـه فَـِإ َّن‬
‫ظ َ‬ ‫وب ُك َمــا َوإِ ْن تَ َ‬
‫صـ َغ ْت ُقلُ ُ‬
‫ِ‬
‫وبا إِلَى اللَّه َفقَ ْد َ‬ ‫وقوله تعالي‪ :‬إِ ْن تَتُ َ‬
‫ير‪. 180‬‬ ‫الئ َك ُة َب ْع َد َذِل َك َ‬
‫ظ ِه ٌ‬
‫ين وا ْلم ِ‬ ‫ِِ‬
‫صال ُح ا ْل ُم ْؤمن َ َ َ‬
‫اللَّ َه ُهو موالهُ و ِج ْب ِري ُـل و ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ي َوِل َم ْن َد َخـ َل َب ْي ِتي ُم ْؤ ِم ًنــا َوِل ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬
‫ين‬ ‫وقول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪َ :‬ر ِّب ا ْغ ِفـ ْـر ِلي َو ِل َو ِالـ َـد َّ‬
‫ات‪. 181‬‬ ‫وا ْلم ْؤ ِم َن ِ‬
‫َ ُ‬
‫بع‪..‬د قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬‬ ‫‪182‬‬
‫وجعل الزمخشري منه قوله تعالي‪َ  :‬و َم ْن ُي َد ِّب ُر األ َْم َر‪‬‬
‫ض‪.183‬‬ ‫السم ِ‬
‫اء َواأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ُ ‬ق ْل َم ْن َي ْر ُزقُ ُك ْم م ْن َّ َ‬
‫‪ 3‬ـ التكرير‬
‫وه‪..‬ذا الن‪..‬وع يق‪..‬رر المع‪..‬ني في نفس الس‪..‬امع‪ ،‬ويؤك‪..‬ده‪ ،‬فق‪..‬د قي‪..‬ل‪ :‬الكالم إذا تك‪..‬رر‬
‫تقرر‪ ،‬كما أن فيه زيادة التنبيه علي ما ينفي التهمة‪ ،‬ليكمل تلقي الكالم بالقبول‪ ،‬وقد‬
‫كرر األقاصيص واإلن‪..‬ذار في الق‪..‬رآن الك‪..‬ريم‬ ‫ّنبه المولي ‪ ‬علي السبب الذي ألجله ّ‬
‫صَّر ْف َنا ِفيـ ِـه ِم ْن ا ْل َو ِعيـ ِـد َل َعلَّ ُه ْم َيتَّقُـ َ‬
‫ـون أ َْو‬ ‫بقوله تعالي‪َ  :‬و َك َذِل َك أ َ‬
‫َنز ْل َناهُ قُْرآ ًنا َع َر ِبيًّا َو َ‬
‫ث لَ ُه ْم ِذ ْك ًرا‪ 184‬وق‪..‬د ج‪..‬اء في بعض س‪..‬ور الق‪..‬رآن ه‪..‬ذا الن‪..‬وع ألغ‪..‬راض حس‪..‬ب‬ ‫ُي ْح ِد ُ‬
‫طبيع‪.. .‬ة ك‪.. .‬ل س‪.. .‬ورة‪ ،‬كس‪.. .‬ورة ال‪.. .‬رحمن‪ ،‬وس‪.. .‬ورة المرس‪.. .‬الت‪ ،‬وغيرهم‪.. .‬ا‪ ،‬وال غ‪.. .‬رو‬
‫فالتأكيد ب‪..‬التكرار أبل‪..‬غ أث‪..‬را في موطن‪..‬ه‪ ،‬واق‪..‬رأ إن ش‪..‬ئت قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬فَِإ َّن َم َع ا ْل ُع ْ‬
‫س ِر‬
‫ف‬‫سـ ْو َ‬‫ـون ثُ َّم َكال َ‬ ‫ف تَ ْعلَ ُمـ َ‬
‫سـ ْو َ‬ ‫سـ ِر ُي ْ‬
‫سـ ًرا‪ ، ‬وقول‪..‬ه تع‪..‬الي ‪َ ‬كال َ‬ ‫سـ ًرا إِ َّن َمـ َ‬
‫ـع ا ْل ُع ْ‬ ‫ُي ْ‬
‫‪185‬‬

‫‪178‬‬
‫األنعام بعض آية ‪162‬‬
‫‪179‬‬
‫الحجر ‪87‬‬
‫‪180‬‬
‫التحريم ‪4‬‬
‫‪181‬‬
‫نوح بعض آية ‪28‬‬
‫‪182‬‬
‫يونس ‪31‬‬
‫‪183‬‬
‫يونس ‪31‬‬
‫‪184‬‬
‫طه ‪113‬‬
‫‪185‬‬
‫الشرح ‪6 ،5‬‬

‫‪77‬‬
‫ون‪،186‬فق‪..‬د ك‪..‬رر لتأكي‪..‬د اإلن‪..‬ذار‪ ،‬وج‪..‬اء بـ‪( :‬ثم) للدالل‪..‬ة علي أن اإلن‪..‬ذار الث‪..‬اني‬
‫تَ ْعلَ ُم َ‬
‫أبلغ وأشد من األول‪.‬‬
‫وكرر القرآن في سورة الرحمن إحدي وثالثين مرة لتعدد المتعلق في قوله‬ ‫ّ‬
‫ان‪ ‬إذ لم‪.‬ا ذك‪.‬ر نعم‪.‬ة بع‪.‬د نعم‪.‬ة عقّب ك‪.‬ل نعم‪.‬ة به‪.‬ذا‬ ‫َي ِ‬
‫آالء َر ِّب ُك َما تُ َك ِّذ َب ِ‬ ‫تعالي‪ :‬فَ ِبأ ِّ‬
‫الق ‪..‬ول‪ ،‬ومعل ‪..‬وم أن الغ ‪..‬رض من ذك ‪..‬ره عقيب نعم ‪..‬ة غ ‪..‬ير الغ ‪..‬رض من ذك ‪..‬ره عقيب‬
‫نعم‪..‬ة أخ‪..‬ري ‪ ،‬ف‪..‬ان قي‪..‬ل‪ :‬ق‪..‬د عقب به‪..‬ذا الق‪..‬ول م‪..‬ا ليس بنعم‪..‬ة كم‪..‬ا في قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬‬
‫ان‪ ، 187‬وقول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪َ  :‬هـ ِـذ ِه‬ ‫ص ـ َر ِ‬ ‫ـار و ُنحـ اس فَال تَنتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ـ َواظٌ م ْن َنـ ٍ َ َ ٌ‬ ‫س ـ ُل َعلَ ْي ُك َمــا ُ‬
‫‪ُ ‬ي ْر َ‬
‫آن‪ ،188‬قلن‪..‬ا‪ :‬الع‪..‬ذاب‬ ‫ون َب ْي َن َها َو َب ْي َن َح ِم ٍيم ٍ‬ ‫ب ِب َها ا ْل ُم ْج ِر ُم َ‬
‫ون َيطُوفُ َ‬ ‫ِ‬
‫َج َه َّن ُم الَّتي ُي َك ِّذ ُ‬
‫وجهنم ـ وإ ن لم يكون‪.. .‬ا من آالء اهلل تع‪.. .‬الي ـ ف‪.. .‬إن ذكرهم‪.. .‬ا ووص‪.. .‬فهما علي طري‪.. .‬ق‬
‫الزج ‪..‬ر عن المعاص ‪..‬ي‪ ،‬وال ‪..‬ترغيب في الطاع ‪..‬ات‪ ،‬وألن ذك ‪..‬ر النقم ‪..‬ة للتح ‪..‬ذير نعم ‪..‬ة‪،‬‬
‫ولع‪..‬ل التك‪..‬رار يث‪..‬ير في نف‪..‬وس المتلقين يقين‪..‬ا ب‪..‬االعتراف بنعم اهلل ‪ ،‬والتح‪..‬دث به‪..‬ا‪،‬‬
‫وعدم نكرانها‪.‬‬
‫وكرر في سورة المرسالت قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ  :‬و ْي ٌل َي ْو َم ِئ ٍـذ ِل ْل ُم َك ِّذ ِب َ‬
‫ين‪ ‬ألن‪..‬ه لم‪..‬ا ذك‪..‬ر‬
‫قصص‪..‬ا مختلف‪..‬ة أتب‪..‬ع ك‪..‬ل قص‪..‬ة به‪..‬ذا الق‪..‬ول‪ ،‬فص‪..‬ار كأن‪..‬ه ق‪..‬ال عقب ك‪..‬ل قص‪..‬ة‪ :‬وي‪..‬ل‬
‫يومئ‪..‬ذ للمك‪..‬ذبين به‪..‬ذه القص‪..‬ة‪ ،‬ولع‪..‬ل رهب‪..‬ة اآلي‪..‬ات تمأل القلب رعب‪..‬ا وخوف‪..‬ا من ذل‪..‬ك‬
‫اليوم فيعمل له حسابا‪.‬‬
‫وقد يكرر اللفظ لطول في الكالم‪ ،‬إذ يخشى حينئذ أن ينسي الكالم األول‪ ،‬فيعيده‬
‫ـاج ُروا ِم ْن َب ْعـ ِـد َمــا‬ ‫ين َهـ َ‬ ‫َّك ِللَِّذ َ‬
‫تطري ‪..‬ة ل ‪..‬ه‪ ،‬وتجدي ‪..‬دا لعه ‪..‬ده‪ ،‬كقول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪ :‬ثُ َّم إِ َّن َرب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فُِت ُنــوا ثُ َّم َج َ‬
‫يم‪ ، 189 ‬وقول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪:‬‬ ‫ـور َرح ٌ‬ ‫ص ـ َب ُرواـ إِ َّن َر َّب َك م ْن َب ْعــد َها لَ َغفُـ ٌ‬
‫اهـ ُـدوا َو َ‬
‫َصـلَ ُحوا إِ َّن َر َّب َك‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ين َع ِملُــوا ُّ‬ ‫َّك ِللَّ ِذ َ‬
‫‪‬ثُ َّم إِ َّن َرب َ‬
‫ـابوا م ْن َب ْعــد َذلـ َك َوأ ْ‬ ‫وء ِب َج َهالَــة ثُ َّم تَـ ُ‬
‫السـ َ‬
‫يم‪ ، 190‬وق‪..‬د يك‪..‬رر لزي‪..‬ادة التنبي‪..‬ه علي م‪..‬ا ينفي التهمة كقول‪..‬ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـور َرح ٌ‬‫م ْن َب ْعـد َها َل َغفُ ٌ‬
‫ش ـ ِاد َيــا قَـ ْـوِم إِ َّن َمــا َهـ ِـذ ِه‬
‫الر َ‬
‫يل َّ‬ ‫س ـ ِب َ‬ ‫ـال الَّ ِذي آم َن يــا قَــوِم اتَِّبعــو ِنيـ أ ْ ِ‬
‫َهــد ُك ْم َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫تع ‪..‬الي‪َ  :‬وقَـ َ‬
‫‪186‬‬
‫التكاثر ‪4 ،3‬‬
‫‪187‬‬
‫الرحمن ‪35‬‬
‫‪188‬‬
‫الرحمن ‪44 ، 43‬‬
‫‪189‬‬
‫النحل ‪110‬‬
‫‪190‬‬
‫النحل ‪119‬‬

‫‪78‬‬
‫اآلخـ َـرةَ ِه َي َد ُار ا ْلقَـ َـر ِار‪ 191‬فق ‪..‬د ك ‪..‬رر الن ‪..‬داء ( َيــا قَـ ْـوِم)‬ ‫ا ْلحيــاةُ الـ ُّـد ْنيا متَــاعٌ وإِ َّن ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫للتنبيه علي ما ينفي التهمة‪ ،‬ويكون الكالم أدعي حينئذ للقبول‪.‬‬
‫اب‬
‫َص َح ُ‬ ‫ين َما أ ْ‬ ‫اب ا ْل َي ِم ِ‬
‫َص َح ُ‬
‫وقد يكون التكرير للتعظيم والتهويل‪ ،‬كقوله تعالي‪َ :‬وأ ْ‬
‫ين‪ ،192‬وقول ‪.. .‬ه تع ‪.. .‬الي ‪‬ا ْل َحاقَّ ُة َمـــا ا ْل َحاقَّ ُة‪ ،‬وقول ‪.. .‬ه تع ‪.. .‬الي ‪‬ا ْلقَ ِ‬
‫ار َعـــ ُة َمـــا‬ ‫ا ْل َي ِم ِ‬
‫ا ْلقَ ِ‬
‫ار َع ُة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اإليغال‪:‬‬
‫ومعناه‪ :‬أن يختم الكالم بما يفيد نكتة يتم المعني بدونها‪ ،‬والفائدة هنا أنواع‪:‬‬
‫ـون َو َم ْن‬ ‫اه ِلي ِ‬
‫َّة َي ْب ُغـ َ‬ ‫أ ـ فائــدة لزيــادة المبالغــة والتوكيد‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬أَفَح ْكم ا ْلج ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫سـ ِمعُ ا ْل َمـ ْـوتَى َوال‬‫ون‪ ، ‬وقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬إِ َّن َك ال تُ ْ‬
‫‪193‬‬
‫س ُن ِم ْن اللَّ ِه ُح ْك ًما ِلقَ ْوٍم ُيو ِق ُن َ‬ ‫َح َ‬
‫أْ‬
‫ض‬‫اء َواأل َْر ِ‬ ‫الس ـم ِ‬ ‫اء إِ َذا َولَّ ْوا ُم ْد ِب ِر َ‬ ‫س ِمعُ ُّ‬
‫ين‪ ، ‬وقوله تعالي‪ :‬فَ َو َر ِّب َّ َ‬ ‫ُّع َ‬
‫الص َّم الد َ‬ ‫تُ ْ‬
‫‪194‬‬

‫ـون‪ ،195‬فق‪..‬د ج‪..‬اء المع‪..‬ني في اآلي‪..‬ات الثالث تام‪..‬ا‪ ،‬ثم‬ ‫نطقُـ َ‬‫ق ِمثْـ َـل مــا أ ََّن ُكم تَ ِ‬‫إِ َّن ُه َل َحـ ٌّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫جاءت الفاصلة لتعطيه مبالغة وتوكيدا‪.‬‬
‫ب ـ فائدة للمبالغــة في التشــبيه‪ ،‬ومث‪..‬ل ل‪..‬ه البالغي‪..‬ون بق‪..‬ول تماض‪..‬ر بنت عم‪..‬رو‬
‫الخنساء الشاعرة المخضرمة‪:‬‬
‫كأن ‪.. . . . . . . .‬ه علم في رأس ‪.. . . . . . . .‬ه ن ‪.. . . . . . . .‬ار‬ ‫وإ ن ص ‪.. . . . .‬خرا لت ‪.. . . . .‬أتم اله ‪.. . . . .‬داة به‬

‫فق‪..‬ول الخنس‪..‬اء‪ :‬كأن‪..‬ه علم‪ ،‬أدي الغ‪..‬رض‪ ،‬وص‪..‬ار ص‪..‬خر كأن‪..‬ه جب‪..‬ل مرتف‪..‬ع‪ ،‬ولكنه‪..‬ا‬
‫زادت علي‪.. .‬ه‪ :‬في رأس‪.. .‬ه ن‪.. .‬ار‪ ،‬وه‪.. .‬ذا إيغ‪.. .‬ال للمبالغ‪.. .‬ة في التش‪.. .‬بيه‪ ،‬وإ يض‪.. .‬اح لغ‪.. .‬رض‬
‫الر َّمة‪:‬‬
‫الخنساء‪ ،‬ومنه قول ذي ُ‬
‫رس‪.. . .‬وما ك‪.. . .‬أخالق ال‪.. . .‬رداء المسلس‪.ِ . . .‬ل‬ ‫العيس في أطالل َّ‬
‫ميةَ واس‪.. . . . . . . .‬أل‬ ‫ق‪ِ . . . . . . . .‬‬
‫‪.‬ف‬
‫َ‬
‫‪196‬‬
‫الجمان المفصل‬
‫دموعا كتبذير ُ‬ ‫أظن الذي يجدي عليك سؤالها‬
‫‪191‬‬
‫غافر ‪39 ، 38‬‬
‫‪192‬‬
‫الواقعة ‪27‬‬
‫‪193‬‬
‫المائدة ‪50‬‬
‫‪194‬‬
‫النمل ‪80‬‬
‫‪195‬‬
‫الذاريات ‪23‬‬
‫‪196‬‬
‫العيس‪ :‬اإلبل البيض يخالط بياضــها سـواد خفيـف‪ ،‬الواحــد‪ :‬أعيس وعيسـاء‪ ،‬األطالل‪ :‬اآلثـار الشاخصـة من بقايـاـ الـديار ‪ ،‬ميـة‪:‬‬
‫اسم من يتحدث عنها الشاعر‪ ،‬الرسوم‪ :‬ما لصق باألرض من آثار‪ ،‬أخالق‪ :‬خلقان‪،‬ـ جمع خلق‪ ،‬وهـو البـالي‪ ،‬المسلســل من الثيــاب‪:‬‬
‫ما كان فيه وشي مخطط‪ ،‬يجدي‪ :‬يعطي وينفع‪ ،‬تبــذير‪ :‬تفريـق‪ ،‬الجمـان المفصــل‪ :‬اللؤلــؤ المفصــول بين كــل حبـتين منـه بــأخرى من‬

‫‪79‬‬
‫ْصـى ا ْل َم ِدي َن ِـة َر ُجـ ٌل‬ ‫للحث والترغيب‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي ‪‬وج ِ‬
‫اء م ْن أَق َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ج ـ فائ‪..‬دة‬
‫ون‪،197‬‬ ‫َج ًرا َو ُه ْم ُم ْهتَـ ُـد َ‬
‫سـأَلُ ُك ْم أ ْـ‬ ‫سـ ِل َ‬
‫ال َيا قَ ْوِم‬
‫ين اتَِّب ُعــوا َم ْن ال َي ْ‬ ‫اتَِّب ُعوا ا ْل ُم ْر َ‬
‫س َعى قَ َ‬
‫َي ْ‬
‫ون) إيغ‪..‬ال؛ ألن المع‪..‬ني تم ب‪..‬دونها‪ ،‬إذ ال ريب فالرس‪..‬ل‬ ‫(و ُه ْم ُم ْهتَ ُد َ‬
‫فواضح أن جملة َ‬
‫ون) ليحث وي‪..‬رغب قوم‪..‬ه على اتب‪..‬اع‬ ‫(و ُه ْم ُم ْهتَـ ُـد َ‬
‫مهت‪..‬دون قطع‪..‬ا‪ ،‬ولكن‪..‬ه ذك‪..‬ر جمل‪..‬ة َ‬
‫هؤالء الرسل‪ ،‬وأنهم لن يخسروا شيئا باتباعهم‪.‬‬

‫جوهر آخر‪.‬‬
‫‪197‬‬
‫يس ‪21 ،20‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ 5‬ـ التذييل‬
‫ومعن ‪.. .‬اه‪ :‬تعقيب الجملـ ــة بجملـ ــة أخـ ــري مسـ ــتقلة تشـ ــتمل على معناهـ ــا للتوكيد‬
‫والتقرير‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬
‫أ ـ ضرب يجــري مجــري المثــل‪ ،‬إذا قص‪..‬د بالجمل‪..‬ة الثاني‪..‬ة حكم‪..‬ا مس‪..‬تقال عم‪..‬ا‬
‫َن لَ ُه ْم ا ْل َج َّن َة‬
‫س ُه ْم َوأ َْم َوالَ ُه ْم ِبأ َّ‬
‫ين أَنفُ َ‬ ‫شتََرى ِم ْن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬‫قبله‪ ،‬كقوله تعالي ‪‬إِ َّن اللَّ َه ا ْ‬
‫نجي ـ ِـل‬‫اإل ِ‬ ‫اة َو ِ‬ ‫ـون و ْعـ ًـدا علَ ْيـ ِـه حقًّا ِفي التَّور ِ‬ ‫يل اللَّ ِه فَ َي ْقتُلُ ـ َ‬
‫سـ ـ ِب ِ‬ ‫ـاتلُ َ ِ‬ ‫يقَ ـ ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ـون َو ُي ْقتَلُ ـ َ َ‬ ‫ون في َ‬ ‫ُ‬
‫ـك ُهـ َـو‬ ‫ـاي ْعتُ ْم ِبـ ِـه َو َذ ِلـ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استَْبش ـ ُروا ِب َب ْيع ُك ْم الَّذي َبـ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫آن َو َم ْن أ َْوفي ِب َع ْهــده م ْن اللَّه فَ ْ‬ ‫َوا ْلقُـ ْـر ِ‬
‫يم‪ 198‬ففي النص الك‪..‬ريم ت‪..‬ذييالن‪َ (:‬و ْعـ ًـدا َعلَ ْيـ ِـه َحقًّا) ألن الكالم تم قب‪..‬ل‬ ‫ِ‬
‫ا ْلفَـ ْـو ُز ا ْل َعظ ُ‬
‫ذل‪..‬ك‪ ،‬ولكن اإلتي‪..‬ان بالجمل‪..‬ة لتحقي‪..‬ق وتأكي‪..‬د م‪..‬ا قبله‪..‬ا‪ ،‬وأم‪..‬ا الت‪..‬ذييل اآلخ‪..‬ر ففي قول‪..‬ه‬
‫تعالي‪َ (:‬و َم ْن أ َْوفي ِب َع ْه ِد ِه ِم ْن اللَّ ِه)‪ ،‬فكان كالمثل ‪.‬‬
‫ـان‬ ‫اطـ ـ ُل إِ َّن ا ْلب ِ‬
‫اطـ ـ َل َكـ ـ َ‬ ‫ـق ا ْلب ِ‬ ‫اء ا ْل َحـ ـ ُّ‬
‫َ‬ ‫ق َو َز َهـ ـ َ َ‬ ‫ومثل ‪.. .‬ه قول ‪.. .‬ه تع ‪.. .‬الي ‪َ ‬و ُقـ ـ ْـل َجـ ـ َ‬
‫ان َز ُهوقًا) تذييل أكد الجملة التي قبله‪ ،‬وصار‬ ‫اط َل َك َ‬ ‫َز ُهوقًا‪ 199‬فقوله‪( :‬إِ َّن ا ْلب ِ‬
‫َ‬
‫كالمثل‪.‬‬
‫ب ـ ضرب ال يجري مجري المثل‪ ،‬لعدم استقالله بإف‪.‬ادة الم‪.‬راد‪ ،‬وتوقف‪.‬ه على‬
‫سـ ْي َل ا ْل َعـ ِـرِم‬
‫سـ ْل َنا َعلَ ْي ِه ْم َ‬
‫ضـوا فَأ َْر َ‬‫َع َر ُ‬
‫م‪..‬ا قبل‪..‬ه‪ ،‬كقول‪..‬ه تع‪..‬الي في قص‪..‬ة أه‪..‬ل س‪..‬بأ‪ :‬فَأ ْ‬
‫يل َذِل َك َج َز ْي َنـ ُ‬
‫ـاه ْم‬ ‫شي ٍء ِم ْن ِس ْد ٍر َقِل ٍ‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َو َب َّد ْل َن ُ ِ َّ ِ َّ ِ‬
‫اه ْم ب َجنتَْيه ْم َجنتَْين َذ َواتَى أُ ُكل َخ ْمط َوأَثْل َو َ ْ‬
‫ـور)‬ ‫(و َهـ ْـل ُن َجـ ِ ِ‬ ‫ِبمــا َكفَــروا َو َهـ ْـل ُن َجـ ِ ِ‬
‫ازي إال ا ْل َكفُـ َ‬ ‫ـور‪ ‬فقول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪َ :‬‬ ‫ازي إال ا ْل َكفُـ َ‬
‫‪200‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تذييل ولكن‪.‬ه غ‪.‬ير ج‪.‬ار مج‪.‬ري المث‪.‬ل كم‪.‬ا في الن‪.‬وع الس‪.‬ابق‪ ،‬ويرج‪.‬ع الس‪.‬بب في ه‪.‬ذا‬
‫إلي أن معناه ال يفهم إال بما قبله‪.‬‬
‫وق‪..‬د يجتم‪..‬ع النوع‪..‬ان في نص واح‪..‬د كم‪..‬ا في قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ  :‬و َمــا َج َع ْل َنـا ِل َب َ‬
‫شـ ٍر‬
‫س َذ ِائقَــ ُة ا ْل َمـ ْـو ِت َو َن ْبلُ ــو ُك ْم ِب َّ‬
‫الشــِّر‬ ‫ـل َن ْف ٍ‬ ‫ت فَ ُه ْم ا ْل َخ ِال ـ ُـد َ‬
‫ون ُكـ ُّ‬ ‫ـك ا ْل ُخ ْل ـ َـد أَفَــِإ ْن ِم َّ‬
‫ِم ْن قَْب ِل ـ َ‬
‫‪ ،201‬ففيها تذيالن‪:‬األول في قوله تعالي‪(:‬أَفَِإ ْن‬ ‫ون‪‬‬ ‫َوا ْل َخ ْي ِر ِفتْ َن ًة َوإِلَ ْي َنا تُْر َج ُع َ‬

‫‪198‬‬
‫التوبة ‪111‬‬
‫‪199‬‬
‫اإلسراء ‪81‬‬
‫‪200‬‬
‫سبأ ‪17 ،16‬‬
‫‪201‬‬
‫األنبياء ‪35 ،34‬‬

‫‪81‬‬
‫ت فَ ُه ْم ا ْل َخ ِال ُد َ‬
‫ون) وهو غير جار مجري المثل‪ ،‬واآلخر في قوله تع ‪..‬الي‪ُ (:‬ك ُّل َن ْف ٍ‬
‫س‬ ‫ِم َّ‬
‫َذ ِائقَ ُة ا ْل َم ْو ِت) وهو جار مجري المثل‪.‬‬
‫وواضح من خالل النصوص ال‪.‬تي م‪..‬رت بن‪..‬ا الف‪..‬رق بين الت‪..‬ذييل واإليغ‪..‬ال‪ ،‬إذ‬
‫الت‪..‬ذييل أعم من‪..‬ه؛ ألن‪..‬ه ي‪..‬أتي أثن‪..‬اء الكالم‪ ،‬وفي نهايت‪..‬ه‪ ،‬بخالف اإليغ‪..‬ال فال ي‪..‬أتي إال‬
‫في آخر الكالم‪.‬‬
‫‪6‬ـ التكميل أو االحتراس‪:‬‬
‫ومعن ‪..‬اه‪ :‬أن يــؤتي في كالم يــوهم خالف المقصــود بمــا يــدفع ذلــك اإليهــام‪،‬‬
‫ين َغ ْيـ ُـر أ ُْو ِلي‬‫ون ِم ْن ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬ ‫اعـ ُد َ‬ ‫ومث‪..‬ل ل‪..‬ه البالغي‪..‬ون بق‪..‬ول اهلل ‪: ‬ال يسـتَ ِوي ا ْلقَ ِ‬
‫َْ‬
‫اهـ ـ ِـد َ‬
‫ين‬ ‫ض ـ ـ َل اللَّ ُه ا ْلمج ِ‬
‫َُ‬ ‫يل اللَّ ِه ِب ـ ـ أ َْم َو ِال ِه ْم َوأَنفُ ِس ـ ـ ِه ْم َف َّ‬
‫س ـ ـ ِب ِـ‬ ‫اهـ ـ ُـد َ ِ‬
‫ون في َ‬
‫ض ـ ـر ِر وا ْلمج ِ‬
‫ال َّ َ َ ُ َ‬
‫ض ـ ـ َل اللَّ ُه‬
‫س ـ ـ َنىـ َوفَ َّ‬‫ين َدَر َجـ ـ ًة َوكال َو َعـ ـ َـد اللَّ ُه ا ْل ُح ْ‬ ‫اعـ ـ ِد َ‬
‫ِب ـ ـ أَمو ِال ِهم وأَنفُ ِس ـ ـ ِهم علَى ا ْلقَ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َْ ْ َ‬
‫يما‪ 202‬فمفهوم اآلية الظ‪..‬اهر ي‪..‬وحي ب‪..‬أن القاع‪..‬د‬ ‫ِ‬ ‫اع ِد َ‬
‫ين علَى ا ْلقَ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َج ًرا َعظ ً‬ ‫ين أ ْ‬ ‫ا ْل ُم َجاهد َ َ‬
‫بع‪.. .‬ذر داخ‪.. .‬ل في مفه‪.. .‬وم ع‪.. .‬دم االس‪.. .‬تواء الم‪.. .‬ذكور‪ ،‬ولكن‪.. .‬ه ج ‪..‬اء بجمل‪.. .‬ة‪َ ( :‬غ ْيـ ُـر أ ُْو ِلي‬
‫َّر ِر) لدفع هذا الوهم‪.‬‬‫الض َ‬
‫وق ‪..‬د روى األئم ‪..‬ة واللف ‪..‬ظ ألبي داود من ح ‪..‬ديث زي ‪..‬د بن ث ‪..‬ابت ‪ ‬ق ‪..‬ال‪ :‬كنت‬
‫إلى جنب رس ‪..‬ول اهلل ‪ ‬فغش ‪..‬يته الس ‪..‬كينة‪ ،‬ف ‪..‬وقعت فخ ‪..‬ذ رس ‪..‬ول اهلل ‪ ‬على فخ ‪..‬ذي‪,‬‬
‫فم‪.. .‬ا وج‪.. .‬دت ثق‪.. .‬ل ش‪.. .‬يء أثق‪.. .‬ل من فخ‪.. .‬ذ رس‪.. .‬ول اهلل ‪ ،‬ثم س‪.. .‬ري عن‪.. .‬ه فق‪.. .‬ال‪:‬اكتب‪،‬‬
‫فكتبت‪:‬‬
‫يل اللَّ ِه‪.. ‬اآلي ‪..‬ة; فق ‪..‬ام‬
‫س ِب ِ‬ ‫اه ُد َ ِ‬
‫ون في َ‬
‫ين وا ْلمج ِ‬ ‫ِ‬ ‫اع ُد َ ِ‬
‫ون م ْن ا ْل ُم ْؤ ِمن َ َ ُ َ‬
‫‪‬ال يستَ ِوي ا ْلقَ ِ‬
‫َْ‬
‫ابن أم مكتوم ‪ ‬ـ وكان رجال أعمى ـ لما س‪..‬مع فض‪.‬يلة المجاه‪..‬دين فق‪.‬ال‪ :‬ي‪.‬ا رس‪.‬ول‬
‫اهلل‪ ,‬فكي‪..‬ف بمن ال يس‪..‬تطيع الجه‪..‬اد من المؤم‪..‬نين ؟ فلم‪..‬ا قض‪..‬ى كالم‪..‬ه غش‪..‬يت رس‪..‬ول‬
‫اهلل ‪ ‬الس‪..‬كينة ف ‪..‬وقعت فخ ‪..‬ذه على فخ ‪..‬ذي‪ ,‬ووج‪..‬دت من ثقله ‪..‬ا في الم ‪..‬رة الثاني ‪..‬ة كم‪..‬ا‬
‫وجدت في المرة األولى‪ ,‬ثم سري عن رسول اهلل ‪ ‬فقال‪ :‬اقرأ ي‪..‬ا زي‪..‬د فق‪..‬رأت‪ :‬ال‬
‫يل اللَّ ِه‪ ‬فق‪..‬ال رس‪..‬ول اهلل ‪:‬‬ ‫س ِب ِ‬ ‫اه ُد َ ِ‬
‫ون في َ‬
‫ين وا ْلمج ِ‬ ‫ِ‬
‫ون م ْن ا ْل ُم ْؤ ِمن َ َ ُ َ‬
‫اع ُد َ ِ‬ ‫يستَ ِوي ا ْلقَ ِ‬
‫َْ‬
‫يل اللَّ ِه‬
‫سـ ِب ِ‬ ‫اه ُـد َ ِ‬
‫ون في َ‬
‫الضـر ِر وا ْلمج ِ‬
‫ين َغ ْيـ ُـر أ ُْو ِلي َّ َ َ ُ َ‬‫ون ِم ْن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫‪‬ال يستَ ِوي ا ْلقَ ِ‬
‫اع ُد َ‬ ‫َْ‬
‫َّر ِر) وحدها فألحقتها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ .. ‬اآلية‪ ،‬قال زيد ‪ :‬فأنزل اهلل ‪َ ( :‬غ ْي ُر أ ُْولي الض َ‬
‫‪202‬‬
‫النساء ‪95‬‬

‫‪82‬‬
‫ينـ ِـه‬
‫ين آم ُنوا م ْن يرتَ َّد ِم ْن ُكم ع ْن ِد ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُّها الذ َ َ َ َ ْ‬
‫ومن هذا الضرب قوله تعالي‪ :‬يا أَي َِّ‬
‫َ َ‬
‫َعـ َّز ٍة علَى ا ْل َكـ ِ‬ ‫ين أ ِ‬ ‫ـه أ َِذلَّ ٍة َعلَى ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬
‫ُّه ْم َو ُي ِحبُّو َنـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫فَس ـو َ ِ‬
‫ـاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫َ‬ ‫ف َيـأْتي اللَّ ُه ِبقَـ ْـوٍم ُيحب ُ‬ ‫َْ‬
‫اء‬
‫شـ ُ‬ ‫ض ـ ُل اللَّ ِه ُي ْؤ ِتيـ ِــه َم ْن َي َ‬
‫الئٍم َذِل ـ َك فَ ْ‬ ‫ون لَومـ َة ِ‬
‫س ـ ِبيل الله َوال َي َخـ افُ َ ْ َ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ون في َ‬
‫اهـ ُـد َ ِ‬
‫يج ِ‬
‫َُ‬
‫ين) ي ‪..‬وهم أن يك ‪..‬ون ذل ‪..‬ك عن‬ ‫يم‪ ‬فقول ‪..‬ه ‪( :‬أ َِذلَّ ٍة َعلَى ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َوالل ُه َواس ـعٌ َعل ٌ‬
‫‪203‬‬

‫ين) ل ‪..‬دفع ذل ‪..‬ك ال ‪..‬وهم‪ ،‬وتنبيه ‪..‬ا على أن‬ ‫َعـ َّز ٍة علَى ا ْل َكـ ِ‬
‫ـاف ِر َ‬ ‫ض ‪..‬عف‪ ،‬فج ‪..‬اء قول ‪..‬ه ‪( :‬أ ِ‬
‫َ‬
‫الذل ‪..‬ة في ج‪..‬انب المؤم ‪..‬نين ليس ‪..‬ت إال من ب ‪..‬اب التواض ‪..‬ع‪ ،‬وال ‪..‬دليل علي ذل ‪..‬ك أنهم في‬
‫ين)‪.‬‬ ‫اف ِر َ‬‫َعَّز ٍة علَى ا ْل َك ِ‬‫الوقت نفسه‪( :‬أ ِ‬
‫َ‬
‫سو ٍء ِفي‬ ‫اء م ْن َغ ْي ِر ُ‬
‫ض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومنه كذلك قوله تعالي‪َ  :‬وأ َْدخ ْل َي َد َك في َج ْي ِب َك تَ ْخ ُر ْج َب ْي َ َ‬
‫ين ‪ ،204‬فواض‪..‬ح أن قول‪..‬ه‪:‬‬ ‫اسـ ِق َ‬ ‫ـه إِ َّنهم َكــا ُنوا قَومــا فَ ِ‬
‫ًْ‬ ‫ُْ‬
‫ـات إِلَى ِفرعــو َن وقَو ِمـ ِ‬
‫ْ َْ َ ْ‬
‫ِتسـ ِع آيـ ٍ‬
‫ْ َ‬
‫احتراس من البهق والبرص‪ ،‬ومنه قول الشاعر طرفة‪:‬‬
‫ِ ‪205‬‬
‫ب الربي ‪..‬ع و ِديم ‪.‬ةٌ تَهمي‬ ‫ص ‪ْ .‬و ُ‬ ‫َ‬ ‫‪.‬ير ُم ْف ِس ‪ِ . .‬دها ـ‬‫‪.‬ارك ـ غ‪َ . .‬‬ ‫فس‪.. .‬قى دي‪َ . .‬‬
‫فقد ذك‪..‬ر الش‪.‬اعر قول‪..‬ه‪ :‬غ‪.‬ير مفس‪.‬دها احتراس‪..‬ا ح‪.‬تي ال يظن أن المط‪.‬ر ق‪.‬د خ‪.‬رب‬
‫الديار وأفسدها‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ التتميم‬
‫ومعن ‪.. .‬اه‪ :‬أن ي ــؤتى في كالم ال ي ــوهم خالف المقص ــود بفض ــلة تفي ــد نكت ــة‪،‬‬
‫ق َوا ْل َم ْغـ ِـر ِب‬ ‫ـوه ُك ْم ِقَبـ َل ا ْل َم ْ‬
‫شـ ِر ِ‬ ‫َن تَُولُّوا ُو ُجـ َ‬ ‫س ا ْل ِبـ َّـر أ ْ‬
‫ومثل‪..‬وا ل‪..‬ه بق‪..‬ول اهلل تع‪..‬الي ‪َ ‬ل ْي َ‬
‫ـال‬
‫ين َوآتَى ا ْل َمـ َ‬ ‫ـاب َو َّ‬
‫الن ِب ِّي َ‬ ‫ـة َوا ْل ِكتَ ـ ِ‬
‫الئ َكـ ِ‬
‫اآلخـ ِـر وا ْلم ِ‬
‫ولَ ِك َّن ا ْل ِبـ َّـر م ْن آم َن ِباللَّ ِه وا ْلي ــوِم ِ‬
‫َ َْ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫(علَى ُح ِّب ِه) تتميم ؛‬ ‫ين‪ ‬فقول‪..‬ه تع‪..‬الي َ‬
‫‪206‬‬ ‫علَى ح ِّب ِه َذ ِوي ا ْلقُــربى وا ْليتَــامى وا ْلمسـ ِ‬
‫اك َ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ألن المع ‪..‬ني تم قبله ‪..‬ا‪ ،‬ومثل ‪..‬ه قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي ‪‬لَ ْن تََنــالُوا ا ْل ِبـ َّـر َحتَّى تُْن ِفقُــوا ِم َّما تُ ِحب َ‬
‫ُّون‬
‫ُّون) تتميم ألن‬ ‫(م َّما تُ ِحب َ‬ ‫شي ٍء فَـِإ َّن اللَّ َه ِبـ ِـه عِليم‪ ،207‬فقول‪..‬ه تع‪..‬الي ِ‬
‫َ ٌ‬
‫ِ ِ‬
‫َو َما تُْنفقُوا م ْن َ ْ‬
‫المعني تم قبلها‪.‬‬
‫ومن هذا الضرب قول الشاعر‪:‬‬
‫‪203‬‬
‫المائدة ‪54‬‬
‫‪204‬‬
‫النمل ‪12‬‬
‫‪205‬‬
‫صوب المطر‪ :‬انصبابه ونزوله‪ ،‬الديمة‪ :‬المطر يدوم في سكون بال رعد وال برق ‪ ،‬تهمي‪ :‬تسيل ال يثنيها عن السيالن شئ‪.‬‬
‫‪206‬‬
‫البقرة بعض آية ‪177‬‬
‫‪207‬‬
‫آل عمران ‪92‬‬

‫‪83‬‬
‫‪208‬‬
‫‪.‬ف‬
‫أع ‪..‬رف من أين تؤك ‪..‬ل الكت ‪ُ .‬‬ ‫‪.‬ري َن من ِكَب ‪.ِ . . . .‬ري‬
‫ِّإني علي م ‪.. . . .‬ا تَ ‪ْ . . . .‬‬

‫‪ 8‬ـ االعتراض‬
‫ومعن‪.. . .‬اه‪ :‬أن يـ ــؤتي في أثنـ ــاء الكالم‪ ،‬أو بين كالمين متصـ ــلين في المعـ ــني‬
‫بجملة أو أكثر ـ ال محل لها من اإلعراب ـ لفائدة غير دفع اإليهام‪ ،‬وله أغراض‪:‬‬
‫ِ‬ ‫أ ـ التنزيهـ‪ ،‬مث‪.. . .‬ل قول‪.. . .‬ه تع ‪.. . .‬الي‪ :‬وي ْجعلُ َ ِ ِ‬
‫ــــون للَّه ا ْل َب َنــــات ـــــ ُ‬
‫ســــ ْب َحا َن ُه ـــــ َولَ ُه ْم َمــــا‬ ‫ََ َ‬
‫(ســ ْب َحا َن ُه) اع‪.. .‬تراض للمب‪.. .‬ادرة إلي تنزي‪.. .‬ه اهلل ‪ ‬عن‬ ‫ون‪ ، ‬فقول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الي ُ‬
‫‪209‬‬
‫شــتَ ُه َ‬
‫َي ْ‬
‫اتخاذ البنات ‪.‬‬
‫ـون‬ ‫ـوم َوإِ َّن ُه لَقَ َ‬
‫سـ ٌم لَـ ْـو تَ ْعلَ ُمـ َ‬ ‫ْسـ ُم ِب َم َو ِاقـ ِ‬
‫ـع ُّ‬
‫الن ُجـ ِ‬ ‫ب ـ التعظيم‪ ،‬مث‪..‬ل قول‪..‬ه تع‪..‬الي ‪‬فَال أُق ِ‬
‫يم‪ ‬اعتراضان‬ ‫ع ِظيم‪ 210‬ففي قوله تعالي ‪‬وإِ َّن ُه لَقَسم لَو تَعلَم َ ِ‬
‫ون َعظ ٌ‬ ‫ٌَ ْ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬
‫ِ‬
‫يم‪‬‬ ‫‪1‬ـ ‪‬إِ َّن ُه َلقَ َ‬
‫س ٌم َعظ ٌ‬
‫ون‪ ‬والغرض منهما تعظيم القسم‪ ،‬وتعظيم المقسم عليه وهو الق‪..‬رآن‬ ‫‪2‬ـ ‪‬لَ ْو تَ ْعلَ ُم َ‬
‫الكريم‪ ،‬وفيه تنويه برفعة شأنه‪.‬‬
‫ج ـ التقريــر في نفس الســامع‪ ،‬مث ‪..‬ل قول ‪..‬ه تع ‪..‬الي‪ :‬قَــالُوا تَاللَّ ِه َلقَـ ْـد َعِل ْمتُ ْم َمــا ِج ْئ َنــا‬
‫ين‪ 211‬فقول‪..‬ه تع‪..‬الي‪ :‬لَقَـ ْـد َعِل ْمتُ ْم‪ ‬معترض‪..‬ة بين‬ ‫ار ِق َ‬
‫سِ‬ ‫ِل ُن ْف ِس َد ِفي األ َْر ِ‬
‫ض َو َما ُك َّنا َ‬
‫القس‪.. .‬م والج‪.. .‬واب‪ ،‬والغ‪.. .‬رض‪ :‬تقري‪.. .‬ر علمهم ب‪.. .‬البراءة عن الفس‪.. .‬اد والبع‪.. .‬د عن تهم‪.. .‬ة‬
‫السرقة‪.‬‬
‫ض ْعتُ َها أُْنثَى َواللَّ ُه‬ ‫ض َعتْ َها قَالَ ْت َر ِّب إِِّني َو َ‬
‫د ـ الدعاء‪ ،‬ومثل له بقوله تعالي‪َ  :‬فلَ َّما َو َ‬
‫ض ـ ـع ْت ولَ ْيس الـ ـ َّـذ َكر َكـ ــاألُْنثَىـ وإِ ِّني س ـ ـ َّم ْيتُها مـ ــريم وإِ ِّني أ ِ‬
‫ُعي ـ ـ ُذ َها ِبـ ـ َ‬
‫ـك‬ ‫َ َ ْ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َعلَ ُم ِب َمـ ــا َو َ َ َ َ‬ ‫أْ‬
‫ان الـ َّـر ِج ِيم‪ ‬ففي‪..‬ه اع‪..‬تراض في قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪َ :‬واللَّ ُه أ ْ‬
‫َعلَ ُم ِب َمــا‬ ‫‪212‬‬
‫طِ‬ ‫َو ُذِّريَّتَ َها ِم ْن َّ‬
‫الشـ ْي َ‬
‫الذ َك ُر َكاألُْنثَى‪ ‬والغ‪..‬رض من‪..‬ه‪ :‬تس‪..‬لية أم م‪..‬ريم‬ ‫ضع ْت‪ ‬وفي قول‪..‬ه تع‪..‬الي‪:‬ولَ ْيس َّ‬
‫َ َ‬ ‫َو َ َ‬
‫وتطيبا لخاطرها‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫أعرف من أين تؤكل الكتف‪ :‬مثل يضرب للخبيرـ الداهي‬
‫الذي يأتي األمور من مأتاها‬
‫‪209‬‬
‫النحل ‪57‬‬
‫‪210‬‬
‫الواقعة ‪76 ،75‬‬
‫‪211‬‬
‫يوسف ‪73‬‬
‫‪212‬‬
‫آل عمران ‪36‬‬

‫‪84‬‬
‫ومن هذا الضرب قول الشاعر‪:‬‬
‫رجم ‪..‬ان‬
‫ت س ‪..‬معي إلى تُ ُ‬
‫َح‪َ .‬و َج ْ‬
‫ق ‪..‬د أ ْ‪.‬‬ ‫وبلِّ ْغتَه‪.. . . . . . . . .‬ا ـ‬
‫إن الثم‪.. . . . . . . . .‬انين ـ ُ‬

‫ف َس‪ْ .‬مع الش‪.‬اعر ص‪.‬ار ض‪.‬عيفا بس‪.‬بب الك‪.‬بر‪ ،‬وله‪.‬ذا فه‪.‬و يتطلب من يك‪.‬رر علي‪.‬ه‬
‫الكالم ليسمعه‪ ،‬وقد جاء بقوله‪ :‬وبلغتها‪ ،‬بغرض الدعاء للمخاطب بطول العمر‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫المساواة‬
‫المســــاواة في اللغة‪ :‬أس‪.. . .‬وي أي‪ :‬اس‪.. . .‬تقام واعت‪.. . .‬دل‪ ،‬وأس‪.. . .‬وي فالن‪ :‬اس‪.. . .‬تقام‬
‫واعت ‪..‬دل‪ ،‬وأس ‪..‬وي الش ‪..‬ئ بالش ‪..‬ئ‪ :‬س ‪..‬واه ب ‪..‬ه وجعل ‪..‬ه يماثل ‪..‬ه ويعادل ‪..‬ه‪ ،‬وس ‪..‬اواه‪ :‬ماثل ‪..‬ه‬
‫وعدل‪..‬ه‪،‬‬
‫قوم‪..‬ه ّ‬
‫وعادل‪..‬ه‪ ،‬وس‪..‬اوي بينهم‪..‬ا‪ :‬جعلهم‪..‬ا يتم‪..‬اثالن ويتع‪..‬ادالن‪ ،‬وس‪.ّ .‬وي الش‪..‬ئ‪ّ :‬‬
‫‪213‬‬
‫وجعله سويا‪.‬‬
‫وفي اصطالح البالغيين‪ :‬التعبير عن المعنى الم‪..‬راد بلف‪..‬ظ مس‪..‬او ل‪..‬ه‪ ،‬ح‪..‬تى ال‬
‫يزيد عليه وال ينقص‪.‬‬
‫وألنه ‪..‬ا فن من فن ‪..‬ون التعب ‪..‬ير البالغي ال ‪..‬راقي حظيت باهتم ‪..‬ام بعض دارس ‪..‬ي‬
‫بالغتن ‪..‬ا العربي ‪..‬ة ح ‪..‬تى ق ‪..‬ال أح ‪..‬دهم في وص ‪..‬ف اآلخ ‪..‬ر‪ :‬ك ‪..‬أن ألفاظ ‪..‬ه ق ‪..‬والب لمعاني ‪..‬ه‪،‬‬
‫يقصد‪ :‬أنها مساوية لها‪.‬‬
‫والمس‪..‬اواة هي الح‪..‬د الوس‪..‬ط بين اإليج‪..‬از واإلطن‪..‬اب؛ فم‪..‬ا نقص ب‪..‬دون إخالل‬
‫ك‪...‬ان إيج‪...‬ازا‪ ،‬وم‪...‬ا زاد عن‪...‬ه لفائ‪...‬دة ك‪...‬ان إطناب‪...‬ا‪ ،‬فالمس ‪..‬اواة إذاً هي األص ‪..‬ل المقيس‬
‫عليه‪.‬‬
‫وه ‪..‬ذا الل ‪..‬ون البالغي محم ‪..‬ود في ت ‪..‬راكيب الكالم إذا ط ‪..‬ابق مقتض ‪..‬ى الح ‪..‬ال‪،‬‬
‫ومذموم إذا لم يطابقه‪ ،‬يقول حازم القرطاجني‪:‬‬
‫وليس يحم ‪..‬د في الكالم أن يك ‪..‬ون من الخف ‪..‬ة بحيث يوج ‪..‬د في ‪..‬ه طيش‪ ،‬وال من‬
‫القص‪..‬ر بحيث يوج‪..‬د في‪..‬ه انبت‪..‬ار‪ ،‬لكن المحم‪..‬ود من ذل‪..‬ك م‪..‬ا ل‪..‬ه ح‪..‬ظ من الرص‪..‬انة ال‬
‫تبل ‪..‬غ ب ‪..‬ه إلي االس ‪..‬تثقال‪ ،‬وقس ‪..‬ط من الكم ‪..‬ال ال يبل ‪..‬غ ب ‪..‬ه إلي اإلس ‪..‬آم واإلض ‪..‬جار‪ ،‬ف ‪..‬إن‬
‫الكالم المتقط‪.. .‬ع األج‪.. .‬زاء المنب‪.. .‬تر ال‪.. .‬تراكيب غ‪.. .‬ير مل‪.. .‬ذوذ وال مس‪.. .‬تحلي‪ ،‬وه‪.. .‬و أش‪.. .‬به‬
‫بالرش‪.. . .‬فات المتقطع‪.. . .‬ة ال‪.. . .‬تي ال ت‪.. . .‬روي غليال‪ ،‬والكالم المتن‪.. . .‬اهي في الط‪.. . .‬ول يش‪.. . .‬به‬
‫استقصاء الجرع المؤدي إلي الغصص‪ ،‬فال شفاء مع التقطيع المخ‪..‬ل‪ ،‬وال راح‪..‬ة م‪.‬ع‬
‫‪214‬‬
‫التطويل الممل‪ ،‬ولكن خير األمور أوساطها‪.‬‬
‫ويقول السيوطي‪ :‬واختلف هل بين اإليجاز واإلطناب واس‪..‬طة وهي المس‪..‬اواة‬
‫أو ال وهي داخلة في قسم اإليجاز؟‬

‫‪213‬‬
‫المعجم الوسيط‬
‫‪214‬‬
‫منهاج البلغاء وسراج األدباء ‪65‬‬

‫‪86‬‬
‫فالسكاكي وبعض البالغيين علي األول‪ ،‬لكنهم جعلوا المس‪..‬اواة غ‪..‬ير محم‪..‬ودة‬
‫وال مذمومة؛ ألنهم فسروها بالمتعارف من كالم أوساط الناس الذين ليسوا في رتب‪..‬ة‬
‫البالغ ‪..‬ة‪ ،‬وف ّس‪. .‬روا اإليج ‪..‬از ب ‪..‬أداء المقص ‪..‬ود بأق ‪..‬ل من عب ‪..‬ارة المتع ‪..‬ارف‪ ،‬واإلطن ‪..‬اب‬
‫أداؤه ب‪...‬أكثر منه ‪..‬ا‪ ،‬لك ‪..‬ون المق ‪..‬ام خليق ‪..‬ا بالبس‪...‬ط‪،‬وابن األث ‪..‬ير وبعض البالغ ‪..‬يين علي‬
‫الثاني؛ فقالوا‪ :‬اإليجاز‪ :‬التعبير عن المراد بلفظ غير زائد‪ ،‬واإلطناب بلفظ أزيد‪.‬‬
‫وأما رأي الخطيب ـ وهو ما نسير عليه ـ فيقول فيه‪ .... :‬واألقرب أن يق‪..‬ال‪:‬‬
‫إن المقبول من طرق التعبير عن المعني‪ :‬هو تأدية أص‪..‬ل الم‪..‬راد بلف‪..‬ظ مس‪..‬او ل‪..‬ه‪ ،‬أو‬
‫ن ‪.. .‬اقص عن ‪.. .‬ه واف‪ ،‬أو زائ ‪.. .‬د علي ‪.. .‬ه لفائ ‪.. .‬دة‪ ،‬واألول ‪ :‬المس ‪.. .‬اواة‪ ،‬والث ‪.. .‬اني‪ :‬اإليج ‪.. .‬از‪،‬‬
‫‪215‬‬
‫والثالث‪ :‬اإلطناب‪ ،‬وإ ن كانت استشهاد الخطيب علي المساواة غير واف‪.‬‬
‫والمســاواة به‪..‬ذا المفه‪..‬وم لم تق‪..‬ع في الق‪..‬رآن الك‪..‬ريم ولم نج‪..‬د له‪..‬ا ش‪..‬اهدا في‪..‬ه؛‬
‫ألن كالم اهلل ‪ ‬أرف‪..‬ع وأس‪..‬مى من أن يوص‪..‬ف ب‪..‬المحمود أو الم‪..‬ذموم‪ ،‬ومع‪..‬اذ اهلل أن‬
‫نق ‪..‬ول به ‪..‬ذا‪ ،‬وهب أن أح ‪..‬دا من البالغ ‪..‬يين ق ‪..‬د استش ‪..‬هد عليه ‪..‬ا بقول ‪..‬ه ‪َ : ‬وال َي ِحيـ ُ‬
‫ـق‬
‫َه ِلـ ِـه‪ 216‬إال أنن‪..‬ا في ال‪..‬وقت ذات‪..‬ه نج‪..‬د غ‪..‬يره ق‪..‬د رد علي‪..‬ه مفن‪..‬دا‬
‫السـ ِّيئُ إِال ِبأ ْ‬
‫ا ْل َم ْكـ ُـر َّ‬
‫ومض‪.‬عفا له‪.‬ذا ال‪.‬رأي‪ ،‬فهي من ب‪.‬اب اإليج‪.‬از بالح‪.‬ذف؛ إذ ح‪.‬ذف فيه‪.‬ا المض‪.‬اف‪ :‬أي‪:‬‬
‫وال يحي ‪..‬ق ض ‪..‬ر المك ‪..‬ر الس ‪..‬يئ إال بأهل ‪..‬ه‪ ،‬وفيه ‪..‬ا‪ :‬إيج ‪..‬از قص ‪..‬ر في االس ‪..‬تثناء لكونه ‪..‬ا‬
‫حاث ‪..‬ة علي ك ‪..‬ف األذى عن جمي ‪..‬ع الن ‪..‬اس‪ ،‬مح‪ّ . .‬ذرة عن جمي ‪..‬ع م ‪..‬ا ي ‪..‬ؤدي إلي ‪..‬ه‪،‬وب ‪..‬أن‬
‫تق‪..‬ديرها يض‪..‬ر بص‪..‬احبه مض‪.ّ .‬رة بليغ‪..‬ة‪ ،‬أو من ب‪..‬اب اإلطن‪..‬اب ب‪..‬ذكر لف‪..‬ظ‪ :‬الس‪.ّ .‬يئ؛ ألن‬
‫المكر ال يكون إال سيئا‬
‫وي ‪..‬رى العالم ‪..‬ة الرم ‪..‬اني أن اآلي ‪..‬ة من ب ‪..‬اب إيج ‪..‬از القصر‪ ،217‬والقص ‪..‬ر فيه ‪..‬ا‬
‫بالنفي (ال يحيق) واإلثبات (إال بأهله) فالقصر هنا قائم مقام جملتين‪:‬‬
‫(‪ )1‬إثبات إحاطة المكر بمن مكر‪.‬‬
‫(‪ )2‬نفي أن من لم يمكر ال يقع تحت هذه العقوبة‪.‬‬
‫ولو قيل‪ :‬يحيق المكر بالماكرين لجاز أن تكون من المساواة‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫انظر‪ :‬اإلتقانـ للسيوطى ‪ ،161 /3‬واإليضاح للخطيب ‪280‬‬
‫‪216‬‬
‫فاطرـ ‪43‬‬
‫‪217‬‬
‫النكت ‪77‬‬

‫‪87‬‬
‫آي ِات َنـــا‬ ‫وضـــ َ ِ‬
‫ون في َ‬ ‫وق ‪.. .‬د استش ‪.. .‬هد بعض ‪.. .‬هم بقول ‪.. .‬ه ‪َ : ‬وإِ َذا َرأ َْي َت الَِّذ َ‬
‫ين َي ُخ ُ‬
‫يث َغ ْيـ ِـر ِه‪ 218‬يق ‪..‬ول العالم ‪..‬ة ابن عاش ‪..‬ور‪:‬‬ ‫وضــوا ِفي حــ ِد ٍ‬
‫ض َع ْن ُه ْم َحتَّى َي ُخ ُ‬‫َع ِر ْ‬
‫فَــأ ْ‬
‫َ‬
‫ض) ليس ‪..‬ت على المس ‪..‬اواة‪ ،‬وإ ال لع ‪..‬بر بغيره ‪..‬ا ل ‪..‬و أراد؛ ألن اإلع ‪..‬راض ع ‪..‬دم‬ ‫َع ِر ْ‬ ‫(فَ ـأ ْ‬
‫االلتف‪.. . .‬ات إلى الش‪.. . .‬ئ بقص‪.. . .‬د التباع‪.. . .‬د عن‪.. . .‬ه‪ ،‬واس‪.. . .‬تعمل اس‪.. . .‬تعماال ش‪.. . .‬ائعا في ال‪.. . .‬ترك‬
‫واإلمس‪..‬اك عن المخالط‪..‬ة والمحادث‪..‬ة؛ ألن‪..‬ه يتض‪..‬من اإلع‪..‬راض غالب‪..‬ا‪ ،‬يق‪..‬ال‪ :‬أع‪..‬رض‬
‫عنه كما يقال‪ :‬صد عن‪..‬ه‪ ،‬ول‪.‬ذلك ك‪.‬ثر ه‪..‬ذا اللف‪.‬ظ في أش‪..‬عار الم‪.‬تيمين رديف‪.‬ا للص‪.‬دود‪،‬‬
‫‪219‬‬
‫وهذا أقرب المعانى إلي المعنى الحقيقي فهو مجاز مرسل بعالقة اللزوم‪.‬‬
‫ان‪‬‬
‫‪220‬‬
‫سـ ُ‬ ‫ان إِال ِ‬
‫اإل ْح َ‬ ‫سِ‬ ‫اء ِ‬
‫اإل ْح َ‬ ‫واستش‪..‬هد بعض‪..‬هم ك‪..‬ذلك بقول‪..‬ه تع‪..‬الى‪َ :‬ه ْل َج َز ُ‬
‫يق‪..‬ول العالم‪..‬ة الفخ‪..‬ر ال‪..‬رازي‪ :‬ه‪..‬ذه اآلي‪..‬ة ت‪..‬دل علي أن ك‪..‬ل م‪..‬ا يفرض‪..‬ه اإلنس‪..‬ان من‬
‫أن‪.. .‬واع اإلحس‪.. .‬ان من اهلل تع‪.. .‬الى فه‪.. .‬و دون اإلحس‪.. .‬ان ال‪.. .‬ذي وع‪.. .‬د اهلل تع‪.. .‬الى ب‪.. .‬ه‪ ،‬ألن‬
‫الك ‪..‬ريم إذا ق ‪..‬ال للفق ‪..‬ير‪ :‬افع ‪..‬ل ك ‪..‬ذا ول ‪..‬ك ك ‪..‬ذا دين ‪..‬ار‪ ،‬وق ‪..‬ال لغ ‪..‬يره‪ :‬افع ‪..‬ل ك ‪..‬ذا علي أن‬
‫عين ل‪..‬ه‪ ،‬ه‪.‬ذا إذا‬
‫يعين ل‪.‬ه أج‪..‬را أك‪.‬ثر من رج‪..‬اء من ّ‬ ‫أحسن إليك‪ ،‬يك‪.‬ون رج‪.‬اء من لم ّ‬
‫ك‪..‬ان الك‪..‬ريم في غاي‪..‬ة الك‪..‬رم ونهاي‪..‬ة الغ‪..‬ني‪ ،‬إذا ثبت ه‪..‬ذا فاهلل تع‪..‬الى ق‪..‬ال‪ :‬ج‪..‬زاء من‬
‫إلي أن أحس‪..‬ن إلي‪..‬ه بم‪..‬ا يغب‪..‬ط ب‪..‬ه‪ ،‬وأوص‪..‬ل إلي‪..‬ه ف‪..‬وق م‪..‬ا يش‪..‬تهيه فال‪..‬ذي يعطى‬ ‫أحس‪..‬ن ّ‬
‫اهلل فوق ما يرجوه وذلك على وف‪..‬ق كرم‪.‬ه وإ فض‪..‬اله‪ ،221‬فكي‪..‬ف إذا تك‪..‬ون ش‪.‬اهدا علي‬
‫ج ـ ُدوهُ ِع ْنـ َـد‬
‫ِّموا ألَْنفُ ِســ ُك ْم ِم ْن َخ ْيـ ٍـر تَ ِـ‬
‫المس‪.. .‬اواة ؟ وش‪.. .‬بيه ب‪.. .‬ه قول‪.. .‬ه تع‪.. .‬الى‪َ :‬و َمــا تُقَ ــد ُ‬
‫اللَّ ِه‪.222‬‬
‫واستشهد بعضهم بحديث النعم‪..‬ان بن بش‪..‬ير ‪ ‬ق‪..‬ال‪ :‬ق‪..‬ال رس‪..‬ول اهلل ‪( :‬إِ َّن‬
‫اس فَ َم ِن‬ ‫الن ِ‬ ‫ـير ِم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ش ـ ـتَِب َه ٌ‬
‫ات ال َي ْعلَ ُم ُه َّن َكثـ ـ ٌ‬ ‫ام َب ِّي ٌن َو َب ْي َن ُه َمـ ــا ُم ْ‬
‫الل َب ِّي ٌن َوإِ َّن ا ْل َحـ ـ َـر َ‬
‫ا ْل َح َ‬
‫ـع ِفي ا ْل َحـ َـر ِام‬ ‫ضـ ـ ِه وم ْن وقَ ــع ِفي ال ُّ ِ‬
‫شـ ـ ُب َهات َوقَ ـ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ين ـ ِـه و ِعر ِ‬
‫َ ْ‬
‫ات اسـ ـتَْبرأَ ِل ِد ِ‬
‫ْ َ‬
‫الشـ ـبه ِ‬
‫اتَّقَى ُّ ُ َ‬
‫ـع ِفيـ ِـه أَال َوإِ َّن ِل ُكـ ِّـل َم ِلـ ٍـك ِح ًمى أَال َوإِ َّن‬ ‫َن َي ْرتَـ َ‬
‫وشـ ُك أ ْ‬ ‫اعي يــرعى حــو َل ا ْل ِحمى ي ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َْ َ َ ْ‬
‫ـالر ِ‬
‫َكـ َّ‬
‫ســ ُد ُكلُّ ُه َوإِ َذا‬
‫صــلَ َح ا ْل َج َ‬
‫صــلَ َح ْت َ‬ ‫ســ ِد ُم ْ‬
‫ضــ َغ ًة إِ َذا َ‬
‫ِ‬
‫ـه أَال َوإِ َّن في ا ْل َج َ‬ ‫ار ُمـ ُ‬‫ِح َمى اللَّ ِه َم َح ِ‬

‫‪218‬‬
‫األنعام ‪68‬‬
‫‪219‬‬
‫التحرير والتنوير ‪3/108‬‬
‫‪220‬‬
‫الرحمن ‪60‬‬
‫‪221‬‬
‫التفسير الكبير ‪116 /15‬‬
‫‪222‬‬
‫المزمل ‪20‬‬

‫‪88‬‬
‫وواض ‪..‬ح أن الح ‪..‬ديث من ب ‪..‬اب إيج ‪..‬از‬ ‫ب)‬‫س ـ ُد ُكلُّ ُه أَال َو ِه َي ا ْل َق ْل ُ‬
‫س ـ َد ا ْل َج َ‬
‫س ـ َد ْت فَ َ‬
‫فَ َ‬
‫‪223‬‬

‫القصر؛ ألن المعاني فيه أكثر من ألفاظه كما تري‪.‬‬


‫ومث‪..‬ل العس‪..‬كري للمس‪..‬اواة بح‪..‬ديث علي بن أبِي ط‪..‬الب ‪ ‬ق‪..‬ال‪ :‬ق‪..‬ال رس‪..‬ول‬
‫الء فَ ِقيـ ـ َل َو َمــا ُه َّن َي ــا‬ ‫اللَّه ‪( :‬إِ َذا فَعلَ ْت أ َّ ِ‬
‫ـل ِب َه ــا ا ْل َب ُ‬
‫صـ ـلَ ًة َحـ َّ‬ ‫شـ ـ َرةَ َخ ْ‬
‫س َع ْ‬ ‫ُمتي َخ ْم َ‬ ‫َ‬
‫الر ُجـ ُل‬
‫ـاع َّ‬ ‫طـ َ‬ ‫َما َنـ ُة َم ْغ َن ًمــا َو َّ‬
‫الز َكــاةُ َم ْغ َر ًمــا َوأَ َ‬ ‫ـان ا ْل َم ْغ َن ُم ُد َوال َواأل َ‬ ‫ول اللَّ ِه قَـ َ‬
‫ـال إِ َذا َكـ َ‬ ‫س َ‬ ‫َر ُ‬
‫س ـا ِج ِد َو َكـ َ‬
‫ـان‬ ‫ُم ُه وبـ َّـر ص ـ ِديقَ ُه وجفَــا أَبــاهُ وارتَفَع ِت األَص ـو ُ ِ‬
‫ات في ا ْل َم َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ‬ ‫ـق أ َّ َ َ َ‬ ‫َز ْو َجتَـ ُـه َو َعـ َّ‬
‫شــِّر ِه و ُ ِ‬ ‫يم ا ْلقَ ـ ْـوِم أ َْر َذلَ ُه ْم َوأُ ْكـ ِـر َم َّ‬ ‫ِ‬
‫س ا ْل َح ِري ـ ُـر‬ ‫ـور َولُِب َ‬‫شــ ِر َبت ا ْل ُخ ُمـ ُ‬ ‫الر ُجــ ُل َم َخافَــ َة َ َ‬ ‫َزع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آخـر َه ِـذ ِه األ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َواتُّ ِخـ َذ ِت ا ْلقَ ْي َن ُ‬
‫ُمة أ ََّولَ َهـا َف ْل َي ْرتَق ُبـوا ع ْن َـد َذلـ َك ِر ً‬
‫يحـ ا‬ ‫ف َولَ َع َن ُ‬ ‫ـاز ُ‬ ‫ـات َوا ْل َم َع ِ‬
‫‪224‬‬
‫س ًخا)‬ ‫سفًا َو َم ْ‬ ‫اء أ َْو َخ ْ‬ ‫َح ْم َر َ‬
‫أما ما استشهد به البالغيون على المساواة فقول النابغة‪:‬‬
‫وإ ن خلت أن المنت ‪..‬أي عن ‪..‬ك واسع‬ ‫فإن ‪..‬ك كاللي ‪..‬ل ال ‪..‬ذي ه ‪..‬و م ‪..‬دركي‬

‫وقول زهير‪:‬‬
‫وإ ن خاله ‪.. .‬ا تَخفي علي الن ‪.. .‬اس تُعلم‬ ‫ومهم ‪..‬ا يكن عن ‪..‬د ام ‪..‬رئ من خليقة‬

‫وقول اآلخر‪:‬‬
‫‪225‬‬
‫أص‪.. .‬بت حليم‪.. .‬ا أو أص‪.. .‬ابك جاهل‬ ‫والخنا‬
‫إذا أنت لم تُ ْقص‪.. .‬ر عن الجه‪.. .‬ل َ‬

‫فاأللفاظ فيها وردت علي قدر المعانى‪ ،‬ولو حذف منها شئ ألخل بالمعنى‪.‬‬

‫‪ 223‬البخاريـ ومسلم‬
‫ـدا َر َواهُ َع ْن َي ْح َيى ْب ِن‬ ‫يث علِ ِّي ْب ِن أَِبي طَـالِ ٍب إِال ِم ْن َهـ َذا ا ْلو ْـ ِ‬ ‫ِم ْن ح ِـد ِ‬ ‫يب ال َن ْع ِرف ُ‬ ‫يسـى َهـ َذا َح ِـد ٌ‬ ‫ِ‬
‫يث َغ ِـر ٌ‬
‫‪224‬‬
‫َح ً‬
‫ج ه َوال َن ْعَل ُم أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُـه‬ ‫ال أَبو ع َ‬ ‫قَ َ‬
‫ـه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫اه‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ـد‬ ‫ق‬‫و‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ظ‬
‫ـ‬‫ِ‬ ‫ف‬‫ح‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـل‬ ‫ب‬‫ق‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ف‬‫ع‬ ‫ضـ‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫يث‬ ‫ِ‬
‫ـد‬ ‫ح‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ِ‬
‫ـل‬‫َه‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫ـه‬‫ـ‬‫ي‬‫ف‬‫ِ‬ ‫م‬‫َّ‬ ‫ي َغ ْيـ َـر ا ْل َفـ َـر ِج ْب ِن ف َ‬ ‫صِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ْ َ َ ْ َ َ ُ َْ ُ‬ ‫َ َ َّ َ ُ ْ َ‬ ‫َْ ُ ْ ْ َ‬ ‫ْب ُن ف َ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ـد‬‫ـ‬‫ق‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬‫َضـ‬ ‫َضـاَل َة َوا ْل َف َـر ُج‬ ‫ار ِّ‬ ‫سعيد األَ ْن َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َوكيعٌ َو َغ ْي ُر َواحد م َن اأْل َئ َّمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ 225‬الخنا‪ :‬الفحش في الكالم‬

‫‪89‬‬

You might also like