Professional Documents
Culture Documents
مقاالت متعلقة
الزيارات
320094 :
يعد العالم اللغوي السويسري (فرديناند دي سوسير)[ ]1مؤسس المنهج البنيوي الذي انطلق منه علم اللغة المعاصر ،وذلك في بدايات القرن
العشرين الميالدي.
وفكرة البنيوية عند سوسير فكرة بسيطة -كما مر -تتلخص في نظرته إلى اللغة بوصفها نظاًم ا أو هيكًال مستقًال عن صانعه أو الظروف
الخارجية التي تحيط به .وينظر إلى هذا الهيكل من داخله من خالل مجموعة وحداته المكونة له بوصفها تمثل كًال قائًم ا بذاته .فاللغة هي شبكة
واسعة من التراكيب والنظم .وهي أشبه شيء برقعة الشطرنج التي ال تتحدد قيم قطعها بمادتها المصنوعة منها وإنما بمواقعها والعالقات
الداخلية بينها في هذه الرقعة.
فكما إن كل قطعة منها تتحدد قيمتها وترتبط بموقعها على هذه الرقعة ،كذلك تتحدد قيمة كل تركيب أو قيمة كل وحدة في التركيب بالنظر إلى
هذه التراكيب ،وتلك الوحدات[.]2
ولقد سيطرت أفكار هذا األستاذ ممثلة بالمدرسة البنيوية التي أنشأ صرحها ،على البحث اللغوي في األربعينيات من هذا القرن سيطرة بالغة،
حتى إنها جمعت حولها نفًر ا غير قليل من الدارسين في جميع أنحاء العالم ،وزحزحت المناهج اللغوية من مواقعها ،وحاولت أن تحتل مكانها
جميًعا ،وانتقل تأثيرها من الدرس اللغوي الصرف إلى ميدان األدب ونقده ،لدرجة أنها صارت الشغل الشاغل لألدباء والنقاد حتى أوائل
السبعينيات [.]3
ويمكن إيجاز أهم أفكار دوسوسير البنيوية (مدرسة جنيف) في ثالثة أفكار مترابطة متكاملة ،ال انفصام لها ،وليس من السهل أن يعزل واحد
منها عن اآلخر في نظر دي سوسير على األقل [ ،]4وهذه األفكار الثالثة هي:
والدال هو الجانب الصوتي المادي من الرمز حيث يمثل الصوت في حالة اللغة المحكية أو الحرف المكتوب في حالة اللغة المكتوبة .أما المدلول
فهو الجانب الذهني فهو ال يشير إلى الشيء بل يشير الي الصورة الذهنية أو الفكرة عن الشيء ،ويؤكد دوسوسير على الوحدة بين مكوني الرمز
حيث يشبههما بالورقة ذات الوجهين ال يمكنك تمزيق أحدهما بدون أن تمزق الوجه اآلخر .ودوسوسير يرى أن العالقة بين الدال والمدلول
عرفية ومواضعة؛ أي :الرابط الجامع بين الدال والمدلول اعتباطي ،فالعالمة األلسنية اعتباطية]6[ .
( )2ميز دو سوسير بين اللغة ( )languageوالكالم ( :)Paroleفاللغة :هي النظام النظري الذي يضم قواعد اللغة ،أو هى منظومة من
العالمات تعبر عن فكرة ما .أما الكالم :فهو بمثابة التحقق العيني لتلك القواعد ،وهو عمل فردي لإلرادة والعقل ،وهو يمثل الممارسة الفردية
القائمة على االختيار والتحقيق .وهو فعل فردي نابع من اإلرادة والذكاء ،كذلك هو عبارة عن تأليفات من خاللها يستخدم المتكلم قواعد اللسان
بغرض التعبير عن فكره الشخصي وتكون باختيار ألفاظ ضرورية ومحددة إلنشاء جملة.
واللسان عند دي سوسير :نتاج للملكة اللغوية ومجموعة من المواصفات يتبناها الكيان االجتماعي ليمكن األفراد من ممارسة هذه الملكة.
واللسان هو كنظام نحوي يوجد في كل دماغ على نحو أدق في أدمغة مجموعة من األفراد[.]7
وقد كان لذلك التمييز -بين اللغة والكالم -أثر كبير في األعمال البنيوية ،حيث نجد لديهم تلك التفرقة بين البنية والحدث؛ أي :بين األحداث
والقواعد التي تتحكم في هذه األحداث ،وأيهما أسبق وجودًا البنية أم الحدث؟ ودراسة النظام الداخلي أصبحت تعرف بأنها "اللسانيات البنيوية"
أو "المدرسة البنيوية" [.]8
( )3ميز دوسوسير بين محورين لدراسة اللغة؛ المحور التزامني ( )Synchronicوالتتابعي (" :)Diachronicالسنكرونية" أو (الو صفية)
في مقابل "الديكرونية" أو (التاريخية) [ .]9أما المحور التزامني لدراسة اللغة :فهو يدرس اللغة على اعتبار أنها نظام يؤدي وظيفته في لحظة
ما دون وجود اعتبارات للزمن .وأما المحور التتابعي :فهو يدرس اللغة باعتبارها نظامًا يتطور عبر الزمن ويرصد التغيرات التي تطرأ على
اللغة تاريخيًا.
ويرفض دو سوسير المنظور التتابعي؛ ألنه يرى أن معرفة تاريخ الكلمة لن يفيد في تحديد معناها الحالي ،ويشبه األمر بأن يشاهد الشخص
مشهدًا ثابًتا بينما هو يتحرك ،ألنه من األفضل له أن يثبت في مكانه حتى يتمكن من مشاهدة المشهد بشكل واضح ،فحركته لن تفيد في فهم
طبيعة المشهد نفسه .فالمنهج البنيوي يلتزم بمفهوم التزامنية ،وهي :دراسة لغة محددة في لحظة معينة دون النظر في المراحل التاريخية،
فيدرس اللغة كما هي ومحاكمتها بقوانينها -ال بقوانين غيرها -دون تقعيد لغرض الدراسة نفسها ،بشكل موضوعي بغية الكشف عن حقيقتها.
[ ]10وكان دوسوسور يرى أن التزامن والتعاقب في اللغة يجب أن يدرسا في علمين منفصلين؛ ألن التزامن يرتبط بالنظام ولكنه عن عالقات
الزمن ،في حين أن التعاقب يرتبط بالزمن ولكنه مفصول عن عالقات النظام[.]11
وهكذا أدار علم اللغة ظهره للدراسات المقارنة التاريخية ،وأكد إمكان إخضاع كل حالة من اللغة إلى دراسة سكونية متزامنة بغض النظر عن
التطور الذي تعد هذه الحالة امتدادًا له؛ وبناء على هذا المفهوم طرح سوسور التمييز بين "التطورية" التي هي دراسة التغيرات عبر الزمن،
و"التزامن" الذي هو دراسة حاالت محدودة من اللغة في فترة محدودة من التطور .فانقسم علم اللغة إلى فرعين :علم لغة تعاقبي أو تطوري
وعلم لغة تزامني أو سكوني ،وتنضم الطريقتان التزامنية والتعاقبية موضحة إحداهما األخرى"[ ،]12وينطبق هذا التقسيم السوسوري على
اختصاص ابن جني بالدراسة التطورية للغة كما سنرى.
ولكن اللسانيات الحديثة بدأت ترى أن المقابلة بين التزامن والتعاقب وهمية جدًا ،وجيدة فقط في مراحل البحث التمهيدية ،وأن المقطع السكوني
وهم؛ ألنه عبارة عن طريقة علمية مساعدة ،وليس شكًال خاصًا من أشكال الوجود [.]13
• والقيمة اللغوية عند سوسير ،أي (المعنى) إنما تحدده وتعينه مجموعة العالقات بين الكلم ،وال يمكن فهمه أو الوصول إليه إال في ضوء هذه
العالقات ،فالعالقة متبادلة بين الدال والمدلول ،تجعل كل واحد يستدعي اآلخر.]14[ .
أ أ
/المدرسة-البنيوية-التقليدية-مدرسة-جنيف-ومؤسسها-دوسوسيرhttps://www.alukah.net/literature_language/0/99926/ أ أل 2/4
104/ 9:44 2023/م المدرسة البنيوية التقليدية (مدرسة جنيف) ومؤسسها دوسوسير
وجاءت المدارس اللغوية األوربية بعد دوسوسير متأثرة بما نادى به ،فبذل-وا جهوًدا ال تنكر ،وقدموا أفكاًر ا أثرت الفكر اللغوي والبنيوي ،وال
داعي لإلطالة فأفكار هذه المدارس وعلمائها أكثر من أن تضمها دراسة مثل التي بين أيدينا[.]15
• نشر عام (1879م) رسالًة بعنوان (رساالت في التنظيم البدائي للصوائت في اللغات الهندوأوروبية ).
• حصل عام (1880م) على الدكتوراه بأطروحة تناول فيها اللغة السنسكريتية.
• عمل حتى عام (1891م) في معهد الدروس العليا في باريس ،وعاد إلى جنيف في العام نفسه.
• وعمل حتى وفاته عام (1913م) -في جامعتها أستاذًا للدراسات اللغوية المقارنة.
• قام بدراسة السنسكريتية والجرمانية واللتوانية وغيرها ،ولم يهتم باللسانيات العامة إال بعد عام (1894م) ،ولم ينشر في حياته سوى عشرين
مقاًال .تعلم على أيدي النحويين أو القواعديين الشباب (بروغمان ،أستهوف ،ليسكين) ،وكان متحمسًا لمدرسة كازان اللغوية بشكل خاص ،والتي
كان لها الفضل في نشأة النظريات (الثورية) عنده ،وعند أتباع مدرسة براغ من بعده.
• شكلت محاضراته التي ألقاها بين عامي (1906م – 1911م) كتابه المسمى (محاضرات في علم اللغة العام) الذي جمع مواده بعد وفاته
تلميذاه شارل بالي ،وألبرت سيشيهي .ينظر في ترجمته :ميشال زكريا ،األلسنية (علم اللغة الحديثة) المبادئ واألعالم ،بيروت ،لبنان ،المؤسسة
الجامعية للدراسات والنشر( ،1983 ،ص ،)224-223ومحاضرات في علم اللسان العام ،ترجمة :عبد القادر القنيني ،الدار البيضاء ،المغرب،
إفريقيا الشرق2008 ،م ،وجوناثان كولر ،فرديناند دي سوسير (أصول اللسانيات الحديثة وعلم العالمات) ،ترجمة :عز الدين اسماعيل،
القاهرة ،المكتبة األكاديمية2000 ،م( ،ص .)68 -64
[ ]2ينظر :كمال بشر ،التفكير اللغوي بين القديم والجديد ،الطبعة الثانية ،القاهرة ،دار الهاني للطباعة والنشر1989 ،م (ص ،)104وإبراهيم،
مشكلة البنية (ص.)47
[ ]4ينظر :فرديناند دي سوسير" :دروس في األلسنية العامة" ،تعريب صالح القرمادي ،محمد الشاوش ،طرابلس ،ليبيا ،الدار العربية للكتاب،
(ص.)29
[ ]6ينظر :عبد الرحمن حاج صالح ،مدخل إلى علم اللسان الحديث( ،مرجع سابق حاشية ،)25وصالح فضل ،البنائية( ،ص.)39:
[ ]7ينظر :عبد العزيز حمودة ،المرايا المقعرة ،الكويت ،ط عالم المعرفة2001 ،م( ،ص.)207
[ ]8ينظر :جان بيوجيه ،البنيوية ،ترجمة :عارف منيمنة وبشير أوبري ،ط ،4بيروت ،باريس ،منشورات عويدات1985 ،م( ،ص .)63
[ ]9ينظر :محمد وليد حافظ ،قراءة في فكر ابن جني من خالل (الخصائص) (مرجع سابق).
[ ]10ينظر :رشيد عبد الرحمن العبيدي ،البحث اللغوي وصلته بالبنيوية في اللسانيات ،بغداد ،مجلة آداب المستنصرية ،عدد (1985 ،)12م،
(ص.)55
[ ]12ينظر :محمد وليد حافظ ،قراءة في فكر ابن جني من خالل (الخصائص) (مرجع سابق).
[ ]13ينظر :ليفي ستراوس ،األنتروبولوجيا البنيوية ،ترجمة :مصطفى صالح ،دمشق ،منشورات وزارة الثقافة العربية السورية1977 ،م.
[ ]14ينظر :النعيمي ،المدرسة البنيوية قراءة في المباديء واألعالم ،مجلة علوم إنسانية (مرجع سابق).
[ ]15ينظر في ذلك :محمد الصغير بناني ،المدارس اللسانية في التراث العربي وفي الدراسات الحديثة ،الجزائر ،دار الحكمة2001 ،م ،عبد
القادر المهيري وآخرون ،أهم المدارس اللسانية ،تونس ،منشورات المعهد القومي لعلوم التربية1986 ،م( ،ص ،)5وأحمد محمد قدور ،مبادئ
اللسانيات ،بيروت ،لبنان ،دار الفكر9919 ،م( ،ص ،)11وميشال زكريا ،األلسنية (علم اللغة الحديثة) المبادئ واألعالم (مرجع سابق)،
وجيفري سامبسون ،المدارس اللغوية التطور والصراع ،ترجمة :أحمد نعيم الكراعين ،ط ،1بيروت ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر
والتوزيع1993 ،م.
/المدرسة-البنيوية-التقليدية-مدرسة-جنيف-ومؤسسها-دوسوسيرhttps://www.alukah.net/literature_language/0/99926/ 3/4
104/ 9:44 2023/م المدرسة البنيوية التقليدية (مدرسة جنيف) ومؤسسها دوسوسير
/المدرسة-البنيوية-التقليدية-مدرسة-جنيف-ومؤسسها-دوسوسيرhttps://www.alukah.net/literature_language/0/99926/ 4/4