You are on page 1of 15

‫التناص األدبي؛ ومفهومه في النقد العربي الحديث‬

‫حسين ميرزائی‪ ،‬خريج جامعة آزاد اإلسالمية في کرج ‪.‬‬


‫بإشراف الدکتور سيد إبراهيم آرمن‪ ،‬عضو هيئة التدريس بجامعة آزاد‬
‫اإلسالمية في کرج‪.‬‬

‫النص لغة‬

‫حينما نطالع المعاجم العربية نجد معاني متعددة للنص وهي في مجملها‬
‫تفيد الرفع والحرکة واإلظهار حيث جاء في اللسان‪« :‬النص‪ :‬رفعک‬
‫الشئ‪ ،‬نص الحديث ينصه نصاً‪ :‬رفعه‪ ،‬نص الحديث ينصه نصاً‪ :‬رفعه‬
‫ونص المتاع‪ :‬جعله بعضه علي بعض]‪.» [1‬‬
‫حرکه ونص العروس‪ :‬أقعدها‬‫ويذکر القاموس المحيط‪« :‬نص الشيء‪ّ :‬‬
‫علي المنصة]‪.» [2‬‬
‫نص الشيء أظهره وکل ما ظهر فقد‬
‫أما تاج العروس فنقرأ فيه‪ّ « :‬‬
‫نص]‪.» [3‬‬‫ّ‬

‫ويورد المعجم الوسيط بعض الدالالت المولدة للنص«فالنص صيغة‬


‫الکالم األصلية التي وردت من مؤلفها والنص ما اليحتمل إال معني‬
‫واحدا ً أو اليحتمل التأويل‪ ،‬والنص من الشي ء منتهاه ومبلغ أقصاه»‪.‬‬

‫ويشتق النص »‪ «text‬في اللغات األجنبية من االستخدام االستعاري في‬ ‫ّ‬


‫الالتينية للفعل »‪ «texture‬الذي يعني "يحرک ‪" «weare».‬أو ينسج‬
‫ويوحي بسلسلة من الجمل والملفوظات المنسوجية بنيويا ً ودالليا ً‪.‬‬

‫ويتضح مما ورد في المعاجم القديمة والحديثة أن الداللة الحديثة للنص لم‬
‫تکن غائبا ً کليا ً في المعجم العربي وهي تلتقي أيضا ً مع داللته الالتينية‬
‫التي تشير إلي معني بلوغ الغاية واالکتمال في الصنع وهذا المعني البد‬
‫أن ينتقل الي النص األدبي الذي يمتاز عن النص العادي‪.‬‬

‫النص اصطالحا ً‬

‫هناک تعريفات عديدة لمصطلح النص تعکس توجيهات أصحابها فلقد‬


‫عرفه "بول ريکور"‪« :‬لنطلق کلمة نص علي کل خطاب ثم تثبيته‬
‫بواسطة الکتابة]‪.» [4‬‬

‫أما "جوليا کريستيفا" فلقد عرفت النص تعريفا ً جامعا ً إذ قالت «نعرف‬
‫النص بأنه جهاز نقل لساني يعيد توزيع نظام اللغة واضحا ً الحديث‬
‫التواصلي؛ نقصد المعلومات المباشرة في عالقة مع ملفوظات مختلفة‬
‫سابقة أو متزامنة»‪.‬‬
‫ويورد "محمد مفتاح" تعريفات عديدة للنص حسب توجهات معرفية‬
‫ومنهاجية مختلفة‪ ،‬فهناک التعريف البنيوي وتعريف اجتماعيات األدب‬
‫والتعريف النفساني الداللي إتجاه الخطاب ليخلص إلي تعريف واحد في‬
‫النهاية‪ ،‬أما هذه التعريفات فهي‪:‬‬

‫مدونة کالمية يعني إنه مؤ لف من کالم ‪.‬‬


‫حدث‪ :‬إن کل نص هو حدث يقع في زمان ومکان معينين ‪.‬‬
‫تواصلي‪ :‬يهدف إلي توصيل معلومات ومعارف ونقل تجارب الي‬
‫المتلقي ‪.‬‬
‫تفاعلي‪ :‬أي إقامة عالقات اجتماعية بين أفراد المجتمع ‪.‬‬
‫مغلق‪ :‬أي انغالق سمته الکتابية األيقونه التي لها بداية ونهاية ‪.‬‬
‫توالدي‪ :‬إن الحدث اللغوي ليس منبثقا ً من عدم وإنما هو متولد من‬
‫أحداث تاريخية ونفسية ولغوية وتتناسل منه أحداث لغوية أخري الحقه‬
‫له‪.‬‬
‫فالنص إذن مدونة حدث کالمي ذي وظائف متعددة‪.‬‬
‫التناص لغة‬

‫بعد انطالق من المحاوالت بتعريف مفهوم النص وبعد تناول النقاد للنص‬
‫بمفهومه الجديد کان البد أن يظهر مفهوم جديد يتصل بالنص وهو‬
‫"التناص‪" .‬‬

‫ترد کلمة التناص فط لسان العرب بمعني االتصال «يقال هذه الفالة‬
‫تناص أرض کذا وتواصيها أي يتصل بها]‪.» [5‬‬
‫وتفيد االنقباض واإلزدحام کمکا يورد صاحب تاج العروس «انتص‬
‫الرجل‪ :‬انقبض وتناصي القوم ‪:‬ازدحموا»‪.‬‬
‫وهذا المعني األخير يقترب من المفهوم التناص بصيغته الحديثة فتداخل‬
‫النصوص قريب جدا ً من ازدحامها في نص ما في الواقع في هذا المفهوم‬
‫نالحظ إحتواء مادة "التناص" علي "المفاعلة" بين الطرف وأطراف‬
‫آخر تقابله يتقاطع معها ويتمايز أؤ تتمايز هي في بعض األحيان‪.‬‬

‫التناص اصطالحا‬

‫إن التناص في النقد العربي الحديث هو ترجمة لمصطلح الفرنسي‬


‫»‪«intertext‬حيث تعني کلمة»‪«inter‬‬
‫في الفرنسية‪ :‬التبادل‪ ،‬بينما کلمة ‪ «text»:‬النص وأصلها مشتق من‬
‫الفعل الالتيني »‪ «textere‬وهو متعد ويعني "نسج" وبذلک يصبح‬
‫معني »‪ «intertext‬التبادل الفني وقد ترجم الي العربية‪ :‬بالتناص الديني‬
‫يعني‪ :‬تعالق النصوص بعضها ببعض‪.‬‬

‫وصيغته التناصيص مصدر الفعل علي زنة "تفاعيل" تأتي علي اثنين أو‬
‫أکثر وهو تداخل النصوص ببعضها عند الکاتب طلبا ً لتقوية األثر‪.‬‬
‫کما يرد مصطلح »‪ «intertextuel‬وقد ترجم الي التناصي أو المتناص‬
‫وهو مايفيد العملية الوصفية في التناص ومصطلح‬
‫»‪«intertextualite‬وقد ترجمه النقاد العرب «التناصية أو‬
‫النصوصية» وهذه الترجمة جاءت علي غرار ترجمة مصطلح‬
‫»‪«structuralisme‬بالبنائية أو البنيوية‪.‬‬

‫ويورد سعيد علوش في کتابه‪« :‬معجم المصطلحات األدبية المعاصرة‬


‫بعض التعريفات لمصطلح التناص بدء من جوليا‬
‫کريستيفا وإنتها بروالن بارت]‪.» [6‬‬
‫‪1.‬يعتبر التناص عند "کريستيفا" أحد مميزات النص األساسية التي‬
‫تحيل علي نصوص أخري سابقة عنها معاصرة لها‪.‬‬

‫‪2.‬يري "سوليرس" التناص فط کل نص يتموضع في ملتقي نصوص‬


‫کثيرة بحيث يعتبر قراءة جديدة تشديدا ً وتکثيفا ً‪.‬‬

‫‪3.‬ويظهر "التناص" مع التحليالت التحويلية عند "کريستيفا " في النص‬


‫الروائي‪.‬‬

‫‪4.‬ويري "فوکو" بأنه ال وجود لتعبير اليفترض تعبيرا ً آخر وال وجود‬
‫لما يتولد من ذاته بل من تواجد أحداث متسلسلة ومتتابعة ومن توزيع‬
‫وظائف االدوار‪.‬‬

‫‪5.‬التناص عملية وراثية للنصوص والنص المتناص يکاد يحمل بعض‬


‫صفات األصول "ولقد عاني مصطلح التناص فط النقد العربي الحديث‬
‫من تعدديه فط الصياغة والتشکيل فقد ظهر هذا المصطلح في حقل النقل‬
‫العربي الحديث بعد صياغات وترجمات عدة منها‪:‬‬

‫التناص أو التناصية‬
‫النصوصية‬
‫تداخل النصوص أو النصوص المتداخلة‬
‫النص الغائب‬
‫النصوص المهاجرة‬
‫تضافر النصوص‬
‫النصوص الحالة والمزاحة‬
‫تفاعل النصوص‬
‫التداخل النصي‬
‫التعدي النصي‬
‫عبر النصصية‬
‫البينصوصية وهو وجود نص في نص آخر‬
‫التنصيص‬

‫«کما وشهد التناص خلطاض وتداخالً واسعين بينه وبين بعض المفاهيم‬
‫األخري‪ ،‬مثل "األدب المقارن" و"المثاقفة" و"الدراسات المصادر"‬
‫و"السرقات األدبية "نتيجة القتراب بين هذا المفهوم وتلک المفاهيم فيما‬
‫يخص االتجاه العام بينها في التواصل والتأثير إال أن مفهوم التناص‬
‫يختلف عن هذه المفاهيم علي صعيد المعالجة النقدية لما يمتلکه من آليات‬
‫نقدية حديثة وأنظمة إشارية ومستويات مختلفة تجعله بعيدا ً في الفعل‬
‫اإلجرائي عن تلک المفاهيم ومنفردا ً فط العملية التحليلية والترکبية إثناء‬
‫إجراء التطبيق]‪.» [7‬‬
‫خالصة القول‪ :‬إن النص محکوم حتما بالتناص «أي بالتداخل مع‬
‫نصوص أخري» أو کما يقول محمد مفتاح‪« :‬فسيفساء من نصوص‬
‫أخري أدمجت فيه بتقنيات مختلفة»‪.‬‬

‫وتوالد عن نصوص أخري «أي إن المرجعية الوحيدة للنص هي‬


‫النصوص» وهو حين ينبثق أو يتداخل أو يتعالق مع نصوص أخري فإن‬
‫هذا اليعني اإلعتماد عليها أو محاکاتها بل إن التناص يتجسد من خالل‬
‫صراع النص مع نصوص أخري وال يتداخل مع نصوص قديمة فقط‪ ،‬بل‬
‫قد يتم ذلک من خالل نص يتضمن ما يجعله قادرا ً علي التداخل أو‬
‫التناص مع نصوص آنية أي مع نصوص مستقبلية‪.‬‬

‫ويمکن توضيح بذلک بالقول بأن اليوم األول من حياتنا هو اليوم األول‬
‫آن واح ٍد‪.‬‬
‫في اإلتجاه الي الموت في ٍ‬

‫وهذا ما يفسر مقولة "جاک دريدا" في البدء‪.‬کان اإلختالف وبهذا المعني‬


‫فإن التناص اليرادف –بحال‪ -‬فکرة السرقات األدبية وهو اليأخذ من‬
‫آن واح ٍد وبالتالي فإن النص اآلتي قد‬
‫نصوص سابقة بل يأخذ ويعطي في ٍ‬
‫يمنح النصوص القديمة تفسيرات جديدة ويظهرها بحلة جديدة کانت‬
‫خافية أؤ لم يکن من الممکن رؤيتها لو ال التناص‪.‬‬

‫التناص في النقد الغربي الحديث‬

‫کما جاء في الصفحات السابقة وفي تعريفات للتناص إن جذورة األولي‬


‫لهذا المفهوم کان في الغرب ومن أبرز النقاد الذين تحدثوا عنه ونظروا‬
‫له ابتدا ًء من "جوليا کريستيفا" وإنتهاء "بجيرار جينيت"‪ ،‬الجذر األساس‬
‫لمصطلح التناص الذي قام حديثا ً مع "الشکلين الروس إنطالقا ً من‬
‫شکلوفسکي الذي فتق الفکرة إذ يقول‪ :‬إن العمل الفني يدرک من خالل‬
‫عالقته باألعمال الفنية األخري واإلستشهاد الي الترابطات التي تقيمها‬
‫فيما بينها ولکن الباختين کان أول من صاغ نظرية بأت ّم معني لکلمة في‬
‫تعدد القيم النصية المتداخلة‪".‬‬
‫أما "باختين" فلم يستعمل کلمة "التناص" بل هو استعمل کلمة التداخل‬
‫مثل "التداخل السيميائي"‪" ،‬التداخل اللفظي" فالکاتب من وجهة نظر‬
‫"ميخائيل باختين" يتطور في عالم مليء بکلمات اآلخرين فيبحث في‬
‫خضمها عن طريقة اليلتقي فکرة إال بالکلمات تسکنها أصوات أخري‪.‬‬
‫ولهذا فکل خطاب يتکون أساسيا ً من خطابات أخري سابقة ويتقاطع معها‬
‫بصورة ظاهرة أو خفية فال وجود لخطاب خال من آخر ويؤ کد باختين‬
‫هذه الحقيقة ويطرح نظرية الحوارية]‪.» [8‬‬

‫«ولهذا النظرية الحوارية "الصوت المتعدد" هي النظرية التي أسسها‬


‫باختين تُعد مقدمة أساسية وجذرية لمفهوم التناص الذي تبلور علي يد‬
‫الباحثة "جوليا کريستيفا" في أبحاث لها عدة کتبت بين "‪"1967-1996‬‬
‫وصدرت في مجلتي "تيل کيل "و"کرتيک" وأعيد نشرها في کتابيها‬
‫"سيموتيک" و"نص الرواية‪".‬‬

‫ثم نفت کريستيفا وجود نص خال من مدخالت نصوص أخري وقالت‬


‫عن ذلک‪« :‬إن کل نص هو عبارة عن "لوحة فسيفسائية" من االقتباسات‬
‫شرب وتحويل لنصوص أخري‪».‬فالتناص عند کريستيفا‬ ‫وکل نص هو ت ّ‬
‫أحد مميزات النص األساسية التي تحيل علي نصوص أخري سابقة عنها‬
‫أو معاصرة لها‪.‬‬

‫أما التناص في رؤية "بارت" بمثابة البؤرة التي تستقطب إشعاعات‬


‫النصوص األخري ووتتحد مع هذه البؤرة لتؤسس النص الجديد‬
‫"المتناص" ومن ثم يخضعان في اآلن نفسه إلي قوانين "التشکل" أو‬
‫البناء وقوانين "التفکک" أي اإلحالة إلي مرجعية أو إلي نصوص‬
‫أخري‪.‬‬

‫التناص في النقد العربي الحديث‬

‫يعد مفهوم التناص من المفهومات الحديثة في الکتابات النقدية العربية قد‬


‫التعود إلي أکثر من عقد من الزمان مضي إذ ظهر اعتمادا ً علي‬
‫أطروحات النقاد الغربيين الذين تناولناهم في الصفحات السابقة في بعض‬
‫اإلضافات التي وضعها النقاد العرب‪.‬‬
‫جاء االستخدام النقدي لنظرية التناص في النقد العربي الحديث متأخرا ما‬
‫يقارب ربع قرن على ظهوره في النقد الغربي‪ ،‬وكان من الطبيعي أن‬
‫يحمل انتقاله إلى الممارسة النقدية العربية اإلشكاليات التي كان يعاني‬
‫منها علی المستوی النظري والمفهومي علی وجه الخصوص‪ .‬كما كان‬
‫من الطبيعي أن يقابل هذا المفهوم‪ ،‬كغيره من المفاهيم النقدية بتباين‬
‫واضح في الموقف منه كما كان الحال في الثقافة التي ظهر فيها هذا‬
‫المفهوم‪ .‬ونظرا لكون الدراسة هنا تتناول استخداماته في الممارسة‬
‫النقدية‪ ،‬وحمولته الداللية المعبرة عن استيعاب هؤالء النقاد للمفهوم‪ ،‬فإننا‬
‫لن نتعرض لتلك المواقف والذرائع التي استندت إليها في تحديد موقفها‬
‫من ذلك سلبا أو إيجابا‪ ،‬وسنكتفي بعرض المصطلحات التي استخدمت‬
‫في ترجمته‪ ،‬مع اإلشارة في البداية إلى أن هذا المفهوم‪ ،‬لم يكن بعيدا عن‬
‫االستخدام النقدي في النقد العربي القديم‪« ،‬فقد ذكره عبد القاهر‬
‫الجرجاني واشترط للتمييز بينه‪ ،‬وبين االنتحال والسرقة والنسخ‪ ،‬تحقيق‬
‫اإلضافة والتجديد فـ(متى أجهد أحدنا نفسه‪ ،‬وأعمل فكره وأتعب خاطره‬
‫وذهنه في تحصيل معنى‪ ،‬يظنه غريبا مبتدعا ونظم بيتا‪ ،‬يحسبه فردا‬
‫مخترعا‪ ،‬ثم يتصفح الدواوين لم يخطئه أن يجده بعينه‪ ،‬أو يجد له مثاال‬
‫يغض من حسنه‪ ،‬ولهذا السبب أحضر على نفسي‪ ،‬وال أرى لغيري َّ‬
‫بث‬
‫الحكم على شاعر بالسرقة]‪.» [9‬‬

‫«ويطرح الدكتور صبري حافظ العديد من القضايا التي تطرحها "عالقة‬


‫النصوص بعضها بالبعض اآلخر من جهة‪ ،‬وعالقتها بالعالم وبالمؤلف‬
‫الذي يكتبها من جهة أخرى‪ ،‬كما يطرح موضوع العناصر الداخلة في‬
‫عملية تلقيننا ألي نص وفهمنا له‪ ،‬وهو موضوع يشير بالتالي إلى‬
‫أغلوطة استقاللية النص األدبي التي تتبناها بعض المدارس النقدية‪،‬‬
‫والتي انطوت بدورها على تصور إمكانية أن يصبح النص عالما متكامال‬
‫في ذاته‪ ،‬مغلقا عليها في الوقت نفسه وهي إمكانية معدومة إذا ما أدخلنا‬
‫المجال التناصي في االعتبار‪ ،‬وإذا ما اعتبرناه مجاال حواريا في الوقت‬
‫نفسه]‪".» [10‬‬
‫إن هذا الطرح يجعل مفهوم النص يتجاوز عالقات التناص التي تتشكل‬
‫على أساسها النصوص الجديدة‪ ،‬بغض النظر عن درجات وأشكال هذا‬
‫التناص إلى دور الواقع الخارجي‪ ،‬أو العالقة بين العالم والمؤلف الذي‬
‫يكتب النص في إطار الرؤية التي يقدمها العمل األدبي إلى الذات واللغة‬
‫والعالم في هذا النص‪ ،‬وهو هنا يحاول الرد على أصحاب النظرية‬
‫البنيوية التي تعتبر النص بنية مغلقة على ذاتها‪ ،‬ومكتفية بذاته‪ .‬ويشمل‬
‫التناص عند الدكتور حافظ كل الممارسات «المتراكمة وغير المعروفة‬
‫واألنظمة اإلشارية والشفرات األدبية والمواصفات التي فقدت أصولها‬
‫وغير ذلك من العناصر التي تساهم في إرهاف حدة العملية اإلشارية التي‬
‫ال تجعل قراءة النص ممكنة‪ ،‬ولكنها تؤدي إلى بلورة أفقه الداللي‬
‫والرمزي أيضا»‪.‬‬
‫وينطلق الدكتور شكري عزيز ماضي في كتابه (من إشكاليات النقد‬
‫العربي الجديد) في دراسته للتناص‪ ،‬من مفهوم النص الذي تؤكد‬
‫الدراسات علی أنه يفتقد لوجود مركز للبنية التي ال تعرف االنغالق‪.‬‬

‫«إن النص في ضوء مفهوم التناص بال حدود فهو ديناميكي متجدد‪،‬‬
‫متغير‪ ،‬من خالل تشابكاته مع النصوص األخرى‪ ،‬وتوالده من خاللها ثم‬
‫يعرف النص بأنه النص الذي ال يأخذ من نصوص سابقة عليه أو‬ ‫ّ‬
‫متزامنة معه‪ ،‬بل هو يمنح النصوص القديمة تفسيرات جديدة‪ ،‬أو يقدمها‬
‫بشكل جديد‪ .‬ويحدد آليات التناص بآلية االستدعاء والتحويل ما يتطلب‬
‫النظر إلى اللغة‪ ،‬باعتبارها لغة إنتاجية منفتحة علی مرجعيات مختلفة‪،‬‬
‫وليس كلغة تواصل‪ ».‬ثم يشير إلى وظيفة أخری للنص الذي ال يكتفي‬
‫باألخذ من نصوص سابقة عليه‪ ،‬وهي منح النصوص القديمة تفسيرات‬
‫جديدة‪ ،‬وهذا يذ ّكرنا بمفهوم اإلنتاجية الذي تشترط كريستيفا تحققه في‬
‫النص الجديد‪ .‬من جهته يؤكد الدكتور أحمد الزعبي في كتابه (التناص‬
‫نظريا وتطبيقيا) «أن موضوع التناص ليس جديدا تماما في الدراسات‬
‫النقدية المعاصرة‪ ،‬وأن جذوره تعود في الدراسات الشرقية والغربية إلى‬
‫تسميات ومصطلحات أخری‪ ،‬كاالقتباس والتضمين واالستشهاد والقرينة‬
‫والتشبيه والمجاز والمعنى وما شابه ذلك في النقد العربي القديم‪ ،‬فهي‬
‫مصطلحات أو مسائل تدخل ضمن مفهوم التناص في صورته الحديثة‪،‬‬
‫لكنه يؤشر إلى مسألة هامة تتمثل في التفاوت الحاصل في رسم حدود‬
‫المصطلح وتحديد موضوعاته‪ .‬ولعل هذه اإلشكالية المنهجية تتجاوز‬
‫مفهوم التناص إلى غيره من النظريات النقدية الحداثية وما بعد الحداثية‬
‫نظرا لتعدد االتجاهات والتيارات النقدية التي تنشأ داخل كل نظرية من‬
‫تلك النظريات]‪.» [11‬‬

‫والحقيقة أن هناك العديد النقاد العرب المعاصرين الذين تناولوا التناص‬


‫بالدراسة نظريا وتطبيقيا‪ .‬ويعتبر الناقد الدكتور محمد مفتاح أكثرهم عمال‬
‫على تطوير وإغناء هذا المفهوم ‪ .‬فقد حاول "محمد مفتاح" في کتابه‬
‫"تحليل الخطاب الشعري إستراتيجية التناص" أن يعرض مفهوم التناص‬
‫إعتمادا ً علي طروحات "کريستيفا وبارت" وفي تعريفه للتناص عرض‬
‫تعريفات هؤالء النقاد وغيرهم ثم خلص إلي تعريف جامع للتناص "هو‬
‫تعالق «الدخول في عالقة» مع نص حدث بکيفيات مختلفة]‪. [12‬‬

‫أيضا هو في کتابه اآلخر "دينامية النص" يعود ليعطي التناص تسمية‬


‫جديدة هي "الحوارية" ويحاول أن يستخدم هذا المفهوم في إطار منهج‬
‫يستمدّ في البايولوجيا أغلب مصطلحاته ومفاهيمه‪.‬في كتابه اآلخر‬
‫"المفاهيم معالم" الذي حدَّد فيه ست درجات للتناص‪ ،‬مخالفا بذلك‬
‫عرف‬‫كريستيفا وجيني اللذين قدما ثالث درجات له‪ ،‬وذلك بعد أن َّ‬
‫التناص‪« :‬باعتباره نصوصا جديدة تنفي مضامين النصوص السابقة‪،‬‬
‫وتؤسس مضامين جديدة خاصة بها يستخلصها مؤول بقراءة إبداعية‬
‫مستكشفة وغير قائمة على استقراء أو استنباط ]‪.» [13‬والدرجات الست‬
‫التي يحددها هي‪:‬‬

‫‪1.‬التطابق‪ :‬ويتحقق في النصوص المستنسخة‪.‬‬


‫‪2.‬التفاعل‪ :‬فأي نص هو نتيجة تفاعل مع نصوص أخرى‪ ،‬تنتمي إلى‬
‫آفاق ثقافية مختلفة‪ ،‬تكون درجات وجودها بحسب نوع النص المنقول‬
‫إليه‪ ،‬وأهداف الكاتب ومقاصده‪.‬‬

‫‪3.‬التداخل‪ :‬ويقصد به تداخل النصوص المتعددة‪ ،‬بعضها في بعض في‬


‫فضاء نصي عام‪ .‬وهذا التداخل أو الدخول أو المداخلة‪ ،‬لم يحقق‬
‫االمتزاج أو التفاعل بينها‪ ،‬وهي تظل دخيلة تحتل حيزا من النص‬
‫المركزي‪ ،‬وإن شبيها إلى نفسه وهذا التشارك يوجد صالت معينة بينها‪.‬‬
‫‪4.‬التحاذي‪ :‬وهو المجاورة أو الموازاة في فضاء مع محافظة كل نص‬
‫على هويته وبنيته ووظيفته‪.‬‬

‫‪5.‬التباعد‪ :‬وهو التحاذي الشكلي والمعنوي والفضائي‪ ،‬وقد يتحول إلى‬


‫تباعد شكلي ومعنوي وفضائي‪.‬‬

‫‪6.‬التقاصي‪ :‬ويقوم على التقابل بين النصوص الدينية والنصوص‬


‫الفاجرة السخيفة على سبيل المثال]‪. [14‬‬

‫أما الناقد "عبد هللا الغذامي" فقد حاول في کتابه "الخطيئة والتفکير" أن‬
‫يربط التناص ببعض المفاهيم والطروحات النقدية الموروثة والسيما‬
‫نظريات الناقد عبد القاهر الجرجاني في البالغة النقدية وخاصة فيما‬
‫يتعلق بمفهوم "األخذ" وشدة اقترابه من مفهوم التناص الحديث إذ رفض‬
‫الجرجاني إستعمال "السرقة" کما شاعت قبله وبعده ويترجم الغذامي‬
‫التناص ترجمات عدة‪ .‬فهو يطلق تارة تداخل النصوص المتداخلة ويطلق‬
‫عليه تارة ثالثة النصوصية وقد اعتمد في طروحاته علي آراء "کريستيفا‬
‫وبارت وريفاتير ولوران جيني‪".‬‬

‫«أما الناقد محمد بنيس فقد اجترح مصطلحا ً جديدا ً التناص أسماه‬
‫ب"النص الغائب" علي اعتبار أن هناک نصوصا غائبة ومتعددة‬
‫وغامضة في أي نص جديد وقد طرح هذا المصطلح کتابيه "سؤال‬
‫الحداثة" و"ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب "وقد اعتمد أيضا ً علي‬
‫طروحات "کريستيفا وبارت وتودوروف" والتناص عنده يحدث من‬
‫خالل قوانين ثالثة وهي‪:‬‬

‫االجترار‪ ،‬االمتصاص والحوار ويضع بنيس النص المتناص مرجعيات‬


‫عدة منها‪ :‬الثقافية والدينية واألسطورية والتاريخية والکالم اليومي»‪.‬‬

‫]‪ [15‬ويتابع "إبراهيم رماني" محمد بنيس في تسميته "النص الغائب"‬


‫ويعرفه بأنه مجموعة من النصوص المستترة التي يحتويها النص‬
‫الشعري في بنيته وتعمل بشکل باطني عضوي علي تحقق النص وتشکل‬
‫داللته‪.‬ونجد عند صبري حافظ أن العمل الشعري يتفاعل تناصيا ً مع کل‬
‫معطيات الميراث النصي والخبرات التناصية في الواقع الذي يصدر عنه‬
‫ويتفاعل معه]‪. [16‬‬
‫«والتناص عند "توفيق الزيدي" هو تضمين نص في نص آخر وهو في‬
‫ضر‪،‬‬‫أبسط تعريف له تفاعل خالق بين النص المستحضر والنص المستح َ‬
‫فالنص ليس إال توالدا ً النصوص سبقته ويجترح سعيد يقطين تسميات‬
‫عدة يشتقها من النص والتناص مثل التفاعل النصي‪ ،‬التناص التداخلي‬
‫والخارجي ويحدد نوعين من التناص" ‪:‬عام وخاص‪".‬‬

‫التناص العام‪ :‬عالقة نص الکاتب بنصوص غيره من الکتاب‪ .‬والتناص‬


‫الخاص ‪:‬عالقة نصوص الکاتب بعضها ببعض‪.‬وأيضا ً يحدد شکلين‬
‫للتفاعل النصي وهما ‪:‬التفاعل النصي الخاص‪ :‬بدو حين يقيم نص ما‬
‫عالقة مع نص آخر محدد وتبرز هذه العالقة بينها علي صعيد الجنس‬
‫والنوع والنمط معاً‪ .‬التفاعل النصي العام ‪:‬يبرز فيما يقيمه نص ما من‬
‫عالقات مع نصوص عديدة مع ما بينها من إختالف علي صعيد الجنس‬
‫والنوع والنمط]‪.» [17‬‬
‫مالحظة‪:‬‬

‫)‪Hosain Mirzaie (M.A‬‬

‫’‪Department of Arabic Literature’ Karaj Branch‬‬


‫‪Islamic Azad University’ Karaj’ Iran.‬‬

‫)‪Seyed Ebrahim Armen (PH.D‬‬

‫’‪Department of Arabic Literature’ Karaj Branch‬‬


‫‪Islamic Azad University’ Karaj’ Iran.‬‬

‫]‪[1‬لسان العرب مادة "نص"‬

‫]‪[2‬القاموس المحيط ‪ ،‬مادة "نص"‬

‫]‪[3‬ريکورت‪ ،‬بول‪ ،‬النص والتأويل‪ ،‬مجلة العرب والفکر العالمي‬


‫عدد‪1998 ،3‬م‪،‬ص‪37‬‬

‫]‪[4‬جوليا کريستيفا‪ ،‬علم النص‪ ،‬ت‪ :‬فريد الزاهي‪ ،‬مراجعة عبد الجليل‬
‫ناظم‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب طبعة أولي‪1991،‬‬

‫]‪[5‬لسان العرب مادة "نص"‬

‫]‪[6‬علوش‪ ،‬سعيد‪ ،‬معجم المصطلحات األدبية المعاصرة‪ ،‬دار الکتاب‬


‫اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،1985 ،‬ص‪215‬‬
‫]‪[7‬لتناص في شعر الرواد ص ‪21‬‬

‫]‪[8‬باختين‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬الخطاب الروايي‪ ،‬ت‪ :‬محمد برادة‪ ،‬دارالفکر‬


‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪/‬باريس‪ ،‬طبعة اولي‪،1987 ،‬ص‬
‫‪54-53‬‬

‫]‪[9‬مجلة اآلداب اللبنانية‪ -‬العدد ‪ 2-1‬كانون الثاني وشباط ‪ -‬السنة ‪-46‬‬


‫‪ 1998‬ص‪50‬‬

‫]‪[10‬صبري حافظ‪ ،‬أفق الخطاب النقدي دراسات نظرية وقراءات‬


‫تطبيقية‪ ،‬دار شرقيات‪ ،‬القاهرة ‪ -1996‬ص ‪58‬‬

‫]‪[11‬الزعبي‪ ،‬أحمد‪ ،‬التناص نظريا وتطبيقيا ‪ -‬مؤسسة ع ّمان للنشر‪-‬‬


‫ع ّمان ‪ -2000‬ص ‪.19‬‬

‫]‪[12‬تحليل خطاب الشعري‪ ،‬ص‪121‬‬

‫]‪[13‬مفتاح‪ ،‬محمد‪ ،‬المفاهيم معالم‪ :‬نحو تأويل واقعي‪ ،‬المركز الثقافي‬


‫العربي‪ -‬الدار البيضاء‪ -‬بيروت ‪ -1999‬ص‪.41‬‬

‫]‪[14‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.47‬‬

‫]‪[15‬بنيس‪،‬محمد‪ ،‬حداثة السؤال ‪،‬دارالتنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬


‫طبعة اولي ‪ ،1985 ،‬ص ‪117‬‬

‫]‪[16‬محمد قدور‪ ،‬احمد‪ ،‬مجلة بحوث جامعة حلب‪ ،‬عدد ‪،1991 ،1‬‬
‫ص‪ 250‬ومابعدها‬
‫]‪[17‬يقطين‪ ،‬سعيد‪ ،‬انفتاح النص الروائي‪ ،‬النص‪ ،‬السياق‪ ،‬المرکز‬
‫الثقافي العربي‪ ،‬دار البيضاء‪ ،‬بيروت‪ ،‬طبة اولي‪،1989 ،‬ص‪95‬‬

You might also like