Professional Documents
Culture Documents
ُش ِغفَ اإلنسان منذ القدم بالكشف عن الغامض والمجهول فقاده هذا إلى لون من المعرفة ،وحقق له
أن يكون أنماطا ً من الوعي ،ويمثل الكشف ،ابتداء ،إشباع حاجة ما في اإلنسان ألنه ُجبِ َل على ْ
أفضل مما هو عليه ،بمعنى أنه يسعى لدرجة من التكامل من جهتي بناء ذاته وتفاعله مع بني
جنسه ،فضال عن محاولته لتكوين تصور Dعن العالم الذي يعيش فيه ،ومن ثم في تحديد موقفD
منها جميعا .
وعلى الرغم من الخصوصية الفردية التي يتسم بها اإلنسان فإنه ال يركن إلى الوحدة إذ الب َّد من
تحقيق وجوده وذاته في واقع اجتماعي معين ،فهو من هذه الناحية يسعى إلى تمزيق كل محاولة
تتسلل فيها الغربة أو االغتراب ليندمج في الواقع االجتماعي ،وهذا بحد ذاته تجاوز Dلفردية
اإلنسان إلى حالة تواصل مع اآلخر وتوازن Dمعه ،أي تجاوز Dالفردية إلى لون من االندماج
االجتماعي .
nاألدب عند العرب في الجاهلية :
في العصر الجاهلي ــ وهو أقدم مايعرف Dمن أدوار تاريخ األدب العربي ــ التوجد نصوص تشير
إلى أن كلمة ( أدب ) فيه كانت تعنى ماتحمله في هذا العصر من معنى ،بل إن هذه الكلمة كانت
قد عرفت في معنى ضيق جداً ،وهو الدعوة إلى مأدبة أو وليمة ،وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي
طرفة بن العبد :
نحن في المشتاة ندعو الجفلى الترى اآلدب فينا ينتقر
والجفلى :هي الدعوة العامة ،واآلدب هو الداعي ،وينتقر Dأي يتخير أو يختار ، Dوبهذا يفتخر
الشاعر بأنهم كانوا يقيمون المآدب في الشتاء ،ويجعلونها Dعامة لكل عابر سبيل إذ أنهم لم يكونوا
يختارون من يحضر إلى تلك المآدب .وهذا معنى ضيق جداً ،وبعيد كثيراً عن معنى كلمة ( أدب
) في العصر الحديث .
ثم عرف العرب من معاني األدب أنه الخلق المهذب ،والطبع Dالقويم ،والمعاملة الكريمة للناس
nمعنى كلمة أدب في عصر صدر اإلسالم :
لما جاء اإلسالم ووضعت Dأصول اآلداب ،واجتمع المسلمون على أن الدين أخالق يتخلق بها ،
فشت الكلمة،أما حديث ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) ،ولكن في هذا العصر استخدمه شاعر
مخضرم يسمى سهم بن حنظلة الغنوي بنفس المعنى إذ يقول :
اليمن ُع الناس منِّي ما أردت وال أعطيهم ما أرادوا حُسنَ َذا أدبا
nفي عصر بني أمية:
أخذت كلمة ( أدب ) في عصر بني أمية معنى تهذيب السلوك الذي دلت عليه كلمة ( أدب) في
عهد النبوة ،لكن اتسع هذا المعنى التربوي Dالتهذيبي ،فأصبح معن ًى تربوياً Dتعليميا ً تثقيفيا ً وتهذيبيا ً
.فقد ظهرت في العهد األموي شخصية (المؤدب ) ،وهو المعلم أو األستاذ ،الذي كان يختاره
الخلفاء واألمراء و َمن في حكمهم لتعليم أبنائهم وتهذيبهم ، Dوكان ذلك التعليم شامالً لكل علوم
العصر بال استثناء .
ً
وظل معنى ( التثقيف ) مفهوما من كلمة التأديب في هذا العصر ، Dحتى أطلق على طائفة من
ممتازي األساتذة اسم (المؤدبين ) ،وهم القائمون بأمور Dالتعليم على النحو المعروف Dأيام بني أم
ية ،وهو التعليم بطريق Dا لرواية للشعر واألخبار Dومايتصل بالعصر Dالجاهلي .وصارت Dكلمة
( أدب ) تدل منذ العصر األموي على هذا النوع من الثقافة ،واتاح هذا االستخدام الجديد لكلمة
( األدب ) أن تصبح مقابلة لكلمة ( العلم ) الذي كان يطلق حينئ ٍذ على الشريعة اإلسالمية
ومايتصل بها من دراسة الفقه والحديث النبوي وتفسير Dالقرآن الكريم .
nفي العصر العباسي :
وفي نهاية العصر األموي Dوبداية العصر العباسي ،كانت الدولة العباسية قد اتسعت كثيراً رقعتهاD
الجغرافية ،وتوسعت دواوينها ، Dفكان من الطبيعي أن يُعنى العلماء والمفكرون بتزويد رجال
الحكومة وكتابها Dبما يلزمهم Dمن ثقافة وإرشادات ،وقد ظهرت في تلك الفترة كتب كثيرة تحمل
كلمة ( أدب ) في عناوينها ، Dوكان القصد منها هو تثقيف رجال الحكومة وكتابها Dومن تلك الكتب
( األدب الكبير ) ،و ( األدب الصغير ) لعبدهللا بن المقفع ،و ( أدب الكاتب ) البن قتيبة .
فبعد أن عرفت حدود األدب في القرن الثاني الهجري واشتهرت الكلمة ،بقيت لفظة ( األدباء )
خاصة بالمؤدبين ،التطلق على الكتاب والشعراء ، Dواستمرت Dلقبا ً على أولئك في منتصف Dالقرن
الثالث ،ومن ذلك كان منشأ الكلمة المشهورة ( حرفة األدب ) وأول من قالها الخليل بن أحمد
الفراهيدي صاحب العروض المتوفى Dسنة 175هـ ،وذلك في قوله كما جاء في المضاف
والمنسوب للثعالبي ( :حرفة األدب آفة األدباء ) ؛ ألنهم كانوا يتكسبون بالتعليم واليؤدبون إال
ابتغاء المنالة ،وذلك في حقيقة معنى الحرفة على إطالقها. D
وهكذا شهد القرن الثالث الهجري تحديداً لمعنى األدب ،وأنه المأثور من الشعر والنثر ومايتصلD
بهما ،أو يفسرهما ،أو يدل على مواضع الجمال فيهما .فهذا محمد بن المبرد المتوفى Dسنة
258هـ يقول في صدر كتابه ( الكامل ) ( :هذا كتاب ألفناه يجمع ضروباً Dمن اآلداب مابين كالم
منثور ،وشعر موصوف ،ومثل سائر ،وموعظة بالغة ، ) ...وبنفس هذا المعنى سمى أبو تمام
المتوفى سنة 232هـ الباب الثالث من ديوان الحماسة الذي جمع فيه مختارات من طرائف
الشعر ،باسم ( باب األدب ) .وينطبق Dهذا المعنى تمام االنطباق على ( كتاب األدب ) الذي عقده
اإلمام البخاري المتوفى Dسنة 256هـ في مؤلفه المشهور في الحديث والمعروف Dباسم ( الجامع
الصحيح ) .
ولم ينتصف القرن الرابع الهجري حتى كان لفظ ( األدباء ) قد زال عن العلماء جملة ،وانفرد
بمزيته الشعراء والكتاب في الشهرة المستفيضة ؛ الستقالل العلوم يومئ ٍذ وتخصص الطبقات بها .
nمحاوالت الحقة لتعريف Dاألدب ( ابن خلدون أنموذجا ً ) :
لعل خير محاولة قام بها العرب لتحديد معنى ( األدب ) تلك التي قام بها ( ابن خلدون ) في
مقدمته ،إذ قال تحت عنوان ( علم األدب ) ( :األدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارهم ،واألخذ
من كل علم بطرف ) .