Professional Documents
Culture Documents
ﻋﺒﻴﺪة اﻟﺸﺒﲇ
ّ
ٍ
ّ
ِ
املحتويات
ملخص 2 ..................................................................................................................................
مقدمة 2 ...................................................................................................................................
املبحث األول؛ الغربة عن الوطن في الشعرالعربي القديم 2 ............................................................
-1غربة املجتمع عند املعري 3.......................................................................................................................
-2غربة املكان عند ابن دراج القسطلي 7......................................................................................................
-3غربة األسر عند الحمداني 11 ..................................................................................................................
املبحث الثاني؛ الغربة عن الوطن في الشعرالعربي الحديث 16 .......................................................
-1الغربة االجتماعية عند الجواهري 17 ......................................................................................................
-2الغربة النفسية عند محمود درويش 20 ..................................................................................................
املبحث الثالث؛ الغربة عن "سورية" عند طائفة من الشعراء السوريين43 ..................................... .
-1نزار قباني 43 ............................................................................................................................................
-2محمد املاغوط 47 ....................................................................................................................................
خاتمة 51 ..................................................................................................................................
1
ملخص
تسعى هذه الدراسة ملقاربة عالقة الشعر بالوطن ،وتكمن أهمية الدراسة في تبيان صور التعلق بالوطن
والغربة عنه بين الشعر العربي قديمه وحديثه ،من خالل مقارنة لنماذج شعرية قديمة وحديثة مابين غربة
ّ
خصصت املبحث الثالث لدراسة الغربة عن الوطن مكانية واجتماعية وسياسية ونفسية وغربة األسر ،ثم
سورية عند طائفة من الشعراء السوريين على وجه الخصوص ،ومن خالل هذه الدراسة يحاول البحث
إعادة إحياء التراث الشعري ّ
املعبر عن قيمة الوطن ومحبته ،ودور الشعر في ذلك كله.
مقدمة
جاء معنى الوطن في املعاجم اللغوية بمعنى :مربض اإلبل والغنم ،ثم صار يعني املنزل الذي يتخذه
اإلنسان سواء أكان مسقط رأسه أم لم يكن ،وهو كما ذكره ابن سيده :الوطن حيث أقمت من بلد أو دار،
ً
ووطنا ،ووطن باملكان ً
ومقاما ً
مستقرا وقد توسع مفهوم الوطن فصار كل مكان ينزل فيه اإلنسان ّ
ويعده
وأوطن :أقام ،وكل مقام أقام به اإلنسان ألمر فهو موطن له)1( .
لعل الغريب عن الوطن يبدو مثل بقعة أرض منقولة بترابها ومائها وشجرها وطيرها من مكان إلى مكان ّ
تقدس نفسها ،بهذا املعنى تفسر الغربة عن الوطن ،ملاآخر ،بقعة منكمشة على جذورها وذكرياتها ،بقعة ّ
في ذلك من شدة التعلق به ،فالغريب ينقل مع غربته األمكنة التي عايشها ،ليروي في غربته ظمأ الشوق
والحنين إلى وطنه املعشوق)2( .
( )1يحيى الجبوري ،الحنين والغربة في الشعر العربي ،ط( ،1عمان :دار مجدالوي2008 ،م) ،ص.9
( )2انظر :صالح نيازي ،االغتراب والبطل القومي ،ط( ،1مؤسسة االنتشار العربي1999 ،م) ،ص .9-8
2
تبليغ الدعوة ما عانوه ،وإن ما يهم في ظاهرة الغربة هو حال اإلنسان واملوقف الذي يتخذه تجاه الحوادث
ً
انطالقا من صورة القدر أو املجهول ،الذي ال ر ّ
اد له)3(. والخطوب التي تعترض سبيله،
وملا كان الشعر هو االرتباط بالشعور ،والتعبير عنه من خالل املشاعر ،كانت الغربة من األحاسيس
قديما ،فقد كان موضوع االبتعاد عن الوطن من واملوضوعات الشعرية كثيرة الدوران في شعرنا العربي ً
القضايا املهمة التي عالجها الشعراء في أشعارهم ،وقد شكلت قضية األطالل اللبنة األولى لهذا النوع من
ً
الشعر ،فقد حفل الشعر العربي القديم بنماذج وصور معبرة عن غربة الشعراء الزمانية واملكانية ،فضال
عن النفسية ,فالتعلق بالوطن يعبر عنه بالتعلق باألهل والذكريات ،فالشعراء حين غادروا بالدهم كانوا
يغادرونها على كره وحزن ،ومن ثم كانوا يحسون باالنكسار واللوعة والحزن؛ ذلك أنهم غادروا أشياء كثيرة،
الحد املادي املتعلق باألمكنة فحسب ،بل تبحر ً
عميقا لتعبر عما يعتلج في صدورهم من الولع، ال تقف عند ّ
والشكوى للوطن ،ولهذا سيقدم البحث في هذا املبحث نماذج مختارة من شعر الغربة عن الوطن في شعرنا
العربي القديم ،من صور متعلقة بالغربة عن غربة املجتمع ،وغربة املكان ،وغربة األسر.
ّإن الحديث عن هذه الغربة يقتض ي التدليل بمعايير املجتمع التي كان الشاعر يراها غريبة ملا فيها من
ضياع إذ تقود إلى ضياع املعايير االجتماعية اإلنسانية ،وذلك بسبب تغيير املبادئ في املجتمع الذي يؤدي
إلى تمزق الروح بسبب التهافت على الرغبات والشهوات ،بطلب ملا في الدنيا ،من دون العاليا ،فالشاعر دعا
ً
قائال)5(: إلى عدم الجلوس إلى أصحاب السفه والدنايا
َ َ ْ َ
ودع شجين َك من هند ودعد صفو و َرنق
ٍ ف َّر ِج العيش من
فإن خالئق ّ ّ ول تجلس إلى أهل ّ
السفهاء تعدي. الدنايا ِ
فصورة الغربة االجتماعية قد ظهرت مجسدة بانتشار املفاسد ،وشيوع الكذب والنفاق ،فهذه الصور
ً ً
مظهرا من مظاهر الظلم االجتماعي ،وتزيد املعري غربة إلى غربته. كلها تمثل
( )3حمة دحماني ،ظاهرة الغربة في شعر مفدي زكريا ،رسالة ماجستير( ،جامعة منتوري ،الجزائر2006 ،م) ،ص.25
( )4يحيى الجبوري ،الحنين والغربة في الشعر العربي ،ص .19
( )5أبو العالء املعري ،لزوم ما ال يلزم (اللزوميات) ،ج( ،1بيروت :دار صادر ،بيروت) ،ص .358
3
وال يقف حد الغربة االجتماعية عند املعري بمقاطعة األصحاب من ذوي خصال السفه والدنايا ،بل
ً وفكرا ًسلوكا ًً ّ
مخرجا للنزوع وأدبا في فرضه على نفسه لتلك العزلة التي وجد فيها إنه يجد في االعتزال في بيته
إلى عامله الوحيد وعبر عنها بقوله)6(:
ُ َ
الخالط
إذا نفرد الفتى أمنت عليه دنايا ليس يؤمنها ِ
َ ُ
ول غلط ُيخاف ول غالط كذب ُيقال ول ٌ
نميم فال ٌ
ّ ّ
ولعل من أجمل صور تعبير الشاعر عن الغربة االجتماعية في عصره ،وصفه لغربة الغدر وعدم الثقة
واالحترام ،وال يستطيع أحد أن ينكر ذلك ،فالذين سخروا الدين ملصالحهم الخاصة فرضوا على الشاعر
عدم احترامهم؛ ملا اتصفوا به من األساليب املنحرفة ،قال فيهم)8(:
4
حب الوطن أن يوسف عليه السالم ملا أدركته الوفاة أوص ى ويذكر الجاحظ َّأن من أصدق الشواهد في ّ
ته إلى موضع مقابر أبيه وجده يعقوب وإسحق وإبراهيم عليهم السالم؛ وفي ذلك دليل على ّ حمل ّم ُ ُ
حب أن ت َ ر
الوطن والرغبة في العودة إلى املوطن األصلي ّ
حتى لو كان ذلك بعد املوت)10( .
وال تقتصر الغربة االجتماعية بفقد الصالحين فقط ،فمما ال شك فيه ّأن هذا الفقد يدلل على الغربة
املعبر عنها ،فإن سجايا الفضل وصفاتها عند الناس ممن كملت بهم، االجتماعية إال أنه ليس اللون الوحيد ّ
وكانت صفاتهم قد شكلت لهم غربة ،بل كانت سبب عدمهم ،فالجامع بين الناس هو العودة إلى األصل
جيال بعد جيل ،قال في قصيدة أخرى)11(: ً
الترابي ،فصاحب الفضل وحسن الخلق ممدوح بصفاته
ْ ّ ُ
مغتربيه
ِ وأعدم هذا العمر اس غربة
الفضل في الن ِ
ِ وجدت سجايا
ّ
بأبيه
ألشبه منه شيمة ِ وإن الفتى فيما أرى ،بزمانه
أبريدا من ّ َّ ّ
التر ُ
منسبيه
ِ كلِ اب ،ولم يزل ووالدنا هذا
َّ ْ
محتجبيه.
ِ الصون أمينا ويعطي يؤدي إلى من فوقه رزق رّبه
ثم َّإن العودة إلى الذات بإثبات حقها وماهي عليه ،هي منهج شاعرنا ،فضوء الشمس ال ُي َ
حج ُب،
سببا في غربته االجتماعية ،فقد وعدهم بما الناس لقدره كان ً والذكرى ال تموت مهما طال بها الزمن ،فظلم ّ
لم تستطعه األوائل ممن سبقه ،ثم يزيدها ادعاء الناقص للفضل ،من دون اتصافه به ،قال)12(:
شمس ،ضوءها متكامل البالد فمن لهم بإخفاء سارذكري في وقد َْ
ٍ ِ
ويثقل رضوى دون ما أنا حامل يهم الليالي بعض ما أنا مضمر ُّ
ُ َ ُ ّ
تستطعه األو ائل آلت بما لم
ٍ األخيرزمانه و إني وإن كنت
ُ َ وأسري ولو َّ ّ
جحافل الظالم أن وأغدوا ولو أن الصباح صوارم
ُ ُ ُ ٌ
جواد لم ٌي َّ ّ
أغفلته الصياقل ونصل يمان لجامه حل و إني
ّ ُ ُ ْ
السيف إل غمده والحمائل فما بس الفتى شرف لهفإن كان في ل ِ
ّ ٌ
على أنني بين السماكين نازل منطق لم يرض ى لي كنه منزلي ولي
ُ ّ ُ ُ ّ
تجاهلت حتى ظ َّن أني جاهل
الناس فاشيا
ِ
َ
الجهل في وملا رأيت
ّ
الن َ
قص فاضل. ٌ
ناقص وواسفا كم يظهر َ
الفضل فواعجبا؟ كم ّيدعي
( )10انظر :عمرو بن بحر الجاحظ ،الحنين إلى األوطان ،ط( ،2دار الرائد العربي1982 ،م) ،ص .42
( )11املعري ،لزوم ما ال يلزم ،ج ،2ص .627
( )12أبو العالء املعري ،سقط الزند ،شرح :أحمد شمس الدين ،ط( ،1بيروت :دار الكتب العلمية1990 ،م) ،ص.106
5
وقد تشكل لوحة الرثاء عند شاعرنا غربة اجتماعية ،فالعزلة عن املفقود نوع من الغربة الروحية
وقعا في القلب ،فصوت املخبر يحل محله ً يعوض عن املفقود ً
شيئا ،وال ّ املشمولة بالغربة االجتماعية ،فال ّ
ّ ً
للفقد ،ليس كصوت البشير في األمور كلها ،فكيف بالفقد واملوت غربة ،فالحياة كلها تعب ،وال زيادة فيها
إال ملن يرغب بزيادة عناها وشدتها ،ثم ّإن ساعة من ساعات الحزن بالفقد والغربة االجتماعية لديه لتعادل
كما نعلم أضعاف ساعات الفرح والسرور ،وفي مثل هذه املعاني يذكر لنا قصيدته املشهورة التي يرثي فيها
فقيها ً
حنفيا بقوله)13(: ً
6
ً
للدين ملصالح خاصة ،وقد وجد الشاعر في العزلة والترك مالذا ينشد من خالله الواقع املأمول ،واملجتمع
املنشود.
كثيرا ما زاحمت غرض املدح؛ وأهمها: "والجدير بالذكر ّأن مدائح ابن دراج انطوت على موضوعات أخرى ً
ً ً ّ
وبحرا ،ليال ونها ًرا ،والتعبير وصف مواقف الوداع وفراق األهل ،وتصوير آالم الغربة ومشاق االرتحال ًّبرا
عن تجارب القلق والضياع وسوء الحال"()18
ّإن الحنين إلى املكان يظهر عند ابن دراج القسطلي من خالل تذكره (قرطبة) ورغبته في العودة إليها زمن
ً الفتنة في عهد األمير املنصور العامري ،ولو أن عهد هذا األمير قد ّ
ولى من سجل التاريخ إال أنه ما زال ماثال
وكأن األمس هو اليوم عنده ،إنها صورة تظهر ماثلة طريقاّ ،
في وجدان الشاعر ،صورة حية ،ال يجد الظل لها ً
في مخيلته كلما يمم وجهه شطر ملك وعهد جديد ،فقد ابتعد عنها ووجد نفسه في مكان غير مكانه ،وما زال
( )15انظر :غاستون باشالرد ،جماليات املكان ،غالب هلسا (مترجم) ،اط( ،2بيروت :ملؤسسة الجامعية للدراسات،
1984م) ،ص .40
( )16عمرو بن بحر الجاحظ ،الحنين إلى األوطان ،ط( ،2دار الرائد العربي1982 ،م) ،ص.39-38
( )17أحمد هيكل ،األدب األندلس ي من الفتح إلى سقوط الخالفة ،ط( ،13القاهرة ،دار املعارف1958 ،م) ،ص.309
ّ
عامريات ابن دراج القسطلي( ،دمشق :منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب2001 ،م) ،ص.40 ( )18وسام قباني،
7
مكانيا وليس بالحس والجسد ،فهي قريبة منه ،فكل موقع منها يشكل عنده محطة من محطاتً البعد
التذكر والحنين ،يقول من البسيط)19(:
ُ ُ َّ ُ ّ ُ ْ َ
ضائعه القدر
ِ عافي ور
الوفاء له مكسف ِ
الن ِ ضع عهد يا معهدا لم ي
تقارع في صدري قوا ُ
دهر ُ
ٌ ّ
عه ر ول ثنى عبراتي عن تذك ِره
ْ ٌ ٌ ْ
مرابع ُه
ُ ومقلة ربعت فيها ُ
مصائبه ضلوع ثوت فيها حسبي
ُ ُ ّ َ ُ َ َ َ ُ
شاسعه. حل سقاك مثل الذي عفى رباك عس ى ينبيك كيف غريب الر ِ
يبلى أبلى وماتبلى فج ُ
ائعه هلل من وطن قلبي له ٌ
وطن
و ٍ
ُ ّ ُ ُ الد ُيسأم ّ
ل ُ
تطالعه هرمن شو ٍق يطالعني منه ومن ز ٍ
فرة مني
ُ ْ َ ُ ُ َ ْ ُ
سواجعه. جوي سعد اليوم أشجا ِني نوائحه فكم وكم ساعدت ش ِ إن ت ِ
مكانا ،ففيها نداء يصدح اآلفاق للمكان األليف املعهود في ثنايا هذه األبيات حنين وشوق عظيم للوطن ً
املتروك ،فالدهر ال يسأم من مطالعة أشواقه ،فعهد الوفاء للمكان الوطن ما زال يرسم لوحة الغربة
املكانية عند ابن دراج القسطلي ،فالخيال مرتبط بالذاكرة ،ويتداخل مع األحاسيس التي تعتلح صدره
للوطن" ،فاملكانية في األدب هي الصورة الفنية التي تذكرنا بذكريات ماضية"()20
ً
واملعهود أن اإلنسان يشعر بعميق األس ى واللوعة ،إن كان مفارقا بلده ،وينتابه الشعور بالحنين إليه
واإلحساس بفراقه ،وفقد املكان هو إحساس عميق ينبثق من صميم وجدان املرء وعواطفه ،وقد امتلك
ً
إنسانيا بكل ما في كلمة اإلنسانية من معنى االمتداد في الزمان واملكان ،فاملفارق شاعرنا نضجا فكريا ً
ووعيا
عميقا لوجود دواعي الحرمان ،ولواعج الفقد من رؤية املكان الذي درج فيه صباه، حزنا ًلوطنه تظل حزينة ً
وانحفرت ذكريات الصبا في نفسه ،وذلك ما تستدعيه الذاكرة في لحظة حزينة أمالها عليه شعور الجماعة
التي ينتمي إليها بالحرمان من الوطن املكاني ،بالحنين إلى االستقرار واملقام الثابت)21(.
ً ً
وضوحا واتصاال من خالل مناجاة الشاعر لتربة قرطبة ،ففيها املنازل إن الغربة املكانية تكاد تكون أكثر
واألطالل ،ومنها التفجع بالرحيل والفراق ،فاملصائب قد الحت له بعد االزدهار والنعيم ،يقول من
الكامل)22(:
( )19محمود علي مكي ،ديوان ابن دراج القسطلي ،ط( ،1دمشق :منشورات املكتب اإلسالمي1961 ،م) ،ص .138
( )20غاستون باشالر،جماليات املكان ،ص.6
( )21انظر :حمادة تركي زعيتر ،جماليات املكان في الشعر العباس ي ،ط( ،1دار الصادق الثقافية2013 ،م) ،ص .275
( )22محمود علي مكي ،ديوان ابن دراج القسطلي ،ص .167
8
َ ّ فعانق َ ْ ْ
رائبي جوانحي وت ِ ِ بمثل
عني ِ تربها لقرطبة
ٍ واجنح
ْ ْ ُ
نجائبي
ِ الفؤاد
ِ بأفالذ
ِ وهوت للعفاء مناز ِلي
ِ حيث استكانت
َ ّ ْ َ ُّ ُُ
بلواغب
ِ ولواغبا ُجبن الفال بأذلةذلال تعسفن الدجى ٍ
ُ ْ َّ ْ ُ ٌ
بنوء الغار ِبفقضت مدامعها ٍ النوى وكواكب ناءت بغربتها
آيب. لم ُي ْسله ٌ من ّ
بفرحة ِ
ِ طمع حل
بترحة را ٍ
ِِ ِ مفجوع
ٍ كلٍ
مباهج وتنعم ،إال ّأن ذلك لم يجعله
َ على ّ
الرغم من الحياة السعيدة التي عاشها الشاعر في سرقسطة من
يعيش هذا الحاضر املزدهر ،كما كان عيشه في قرطبة ،فشعور الحنين املكاني ظل يستولي على قلبه ،فيزيده
ً
غربة ،يقول من الكامل)23(:
( )23محمود علي مكي ،ديوان ابن دراج القسطلي ،ص .170
( )24محمود علي مكي ،ديوان ابن دراج ،ص .139 -138
9
ُ َّ
الطرف هاج ُ ُ ّ خالس ُت فيه عيونا َ
ْ
عه ِ ِ والحزم عني غضيض هاجعة
ٍ غير
وليس أصعب وأقس ى من الغربة املكانية املتعلقة بفقد الناس ممن نحب ،فالرحيل عن هذه الدنيا
َ
واطن ،واملقامات التي أقام فيها األحبة قبل رحيلهم ،فالرسالة التي تترجم هذه
ترتبط ذاكرته املكانية بامل ِّ
الغربة هي رسالة العبرات املنهمرة املرسلة ،فاملوت بعد األحبة هو موت سريري روح تعيش في الدنيا بقلب
يحس باملوت في كل لحظة ومشهد من ذاكرة مكانهم ،قال)25(:
10
ظهر ذلك في طائفة من أشعاره كحنينه املكاني إلى قرطبة ،وشعوره العميق بالغربة املكانية ،والرغبة في
وضوحا في عشقه لتربتها ومناجاته لها ،واستنجاده بالدمع في مشهد الوداع ً العودة إليها ،ثم كانت أكثر
وانهماره ،وقد أبدع الشاعر في وصف غربته املكانية من خالل أسلوب املدح فقد كانت أشعاره التي مدح بها
واستعطف من فقدهم يغلب عليها صور الغربة املكانيةَّ ،
وحب الوطن بأماكنه املختلفة والجميلة كلها املاثلة
في ذاكرته املكانية ،فما تزال الغربة املكانية في شعر ابن دراج القسطلي ترسم لوحة في إثر أخرى ،في مشهد
من الحنين والوجع املستبد املرير الذي وجدناه في أبياته الجميلة املمزوجة بعبق العودة إلى املاض ي في الروح
والخيال من دون الجسد واملكان.
َ
الخ ّد َ َ ُ إن في األسر ًّ ّ
ص ُّب دمعه في ِ لصبا ِ
الشام َق ُ
لب
ّ ُ
وله في الروم ٌ
مقيم ّ
ِ هو في ِ
ْ َ
حبعم ْن ُي ُّعوضا ّ
ِ صادف ُم ْست ِج ٌّد لم ُي
وقد ذكروا أن أشعار أبي فراس الحمداني في السجن ،قد بلغ عددها" ثالثين قصيدة وخمس عشرة
مقطوعة ،تتناول فنون الشعر جميعها ،من تصوير حالة األسر ،واستعطاف سيف الدولة ّ
لفك أسره،
ومعاتبته على اإلبطاء ،ومعاتبة أصدقائه ،والشكوى منهم لتنكرهم له في محنته ،وتتضمن ً
ألوانا من حنينه
إلى موطنه ،وديا ه وأهله ،والفخر بنفسه ،وبما ّ
قدم من بطوالت قبل أسره ،وفي هذا الفخر تمتزج عزة ر
( )28عبده بدوي« ،الغربة املكانية في الشعر العربي» ،مجلة عالم الفكر ،الكويت ،مج ،15:ع ،1ص.184
) (29خليل الدويهي ،ديوان أبي فراس الحمداني ،ط( ،2بيروت :دار الكتاب العربي1994 ،م) ،ص .48
11
النفس وإباؤه وتجلده بأمله وحسرته وأساه"( )30قال وقد ثقل من الجراح ،التي نالته ،وهو أسير ،وكتب إلى
والدته ،يعزيها)31(:
وقد أخرج الشاعر الزمن من مفهومه العام والصحيح إلى الطول واالستطاعة املمقوتة ،فالساعات قد
يسره ذلك ولعل اإلنسان ال يحس بطول ً
وتعلقا ،فال ُّ ً
طالت به لتزيد من شعور الغربة وحب الوطن شوقا
وقعا غربة الحبس ،فالزمن في ذلك املوضع كمش ي سلحفاة الوقت إال في حاالت معينة ومن أصعبها وأكثرها ً
ً نفعا بعد فقد الخالن واألحبة ،وبكاء أم ال يفتر ً على الرمال ،فالحسرة لم تعد تجدي ً
كمدا وشوقا ،قال في
ذلك)32(:
يسر َك طو ُل
كل دهرل ُّ وفي ّ ٌ تطو ُل بي ّ
ٍ ٍ قصيرة الساعات وهي
ُ ُ ّ
إل ُع َ
ستلحق باألخرى غدا وتحو ُل صيبة َ
تناساني األصحاب
أقو ُل بشجوي مرة ويقو ُل؟! افقبخل مو ٍ
فيا حسرتي َمن لي ّ
ٍ
ُ ُ ّ
الزمان طو ُ
يل! علي وإن طال َّ السترأ ًّما بكاؤها
ِ وإن ور َاء
ومن عادة الشعراء الهرب إلى الطبيعة في حالة الشكوى والحزن العميق ،ومخاطبة الطيور وغيرها لبث
الشكوى ،فلم يعد للشاعر من حيلة إال أن يطلق رسالة إلى جارته الحمامة لتشعر بحالة في غربة أسره،
فالدهر ال ينصف بينها في حريتها وبينه في غربته وحبسه ،فال عدل بين محزون قد اعتلجت الهموم واألشواق
صدره ،وطليق قد ضحكت نواجذه وارتسمت على شفاهه البسمة ،وهي صورة تكاد تكون أكثر األشعار
تعبيرا عن تجربة الغربة في الحبس لديه)33(: ً
( )30النعمان القاض ي ،أبو فراس الحمداني املوقف والتشكيل الجمالي( ،القاهرة :دار الثقافة للنشر والتوزيع1982 ،م)،
ص.338
( )31خليل الدويهي ،ديوان الحمداني ،ص .252
( )32خليل الدويهي ،ديوان الحمداني ،ص .254
( )33خليل الدويهي ،ديوان الحمداني ،ص .282
12
َ ٌ ْ
حالك حالي
ِ أيا جارتا هل بات أقو ُل وقد ناحت بقربي حمامة
ُ ْ َ ّ
النوى معاذ الهوى
ببال!
منك الهموم ِ
ول خطرت ِ ماذقت طارقة
ِ
ٌ َ ُ
عال؟املسافة ِ
ِ غصن نائي
ٍ على قوادم الفؤاد
ِ أتحمل محزون
َ ُ َ
أنصف ّ
الهموم تعالي! قاسمك
ِ أ تعالي الدهر بيننا! أيا جارتا ما
بال! ّ ُ َّ ُ تعالي تري روحا ّ
جسم يعذب ِ تردد في ِ لدي ضعيفة
ُ ٌ ُ ٌ ُ
سال؟
ويسكت محزون ويندب ِ أيضحك مأسور وتبكي طليقة
َ َّ كنت منك ّ ُ
الحوادث غ ِال!
ِ ولكن دمعي في
مع مقلة
ِ بالد ِ لقد
ً
ولم تكن غربة الحبس مجاال لقتل اإلرادة والعزيمة لدى الحمداني ،فقد خصص نفسه بأشياء جعلت
حل ً
عقدا عجز عن حلها فرحا بما فعل ،وبما اتصف به من مديح الخصال واألفعال ،فقد َّ من ترحه وأمله ً
وكأن الروم لم يأسروه ،بل كان هو آسرهم واملذل لهم ،فقد تسلح بالخضوع واالستسالم كثير من الناسَّ ،
ً
إلرادة هللا سبحانه ،بما قسم له وما وقع فيه ،فاهلل قد شاء نشر محاسنه التي ُعرف بها ،قال متحدثا عن
أسره وسجنه وغربته)34(:
يخصص بها ٌ
أحد قبلي! ْ ُ
مواهب لم وغيره
وهلل عندي في اإلسار ِ ِ
ّ َ َ َّ َ َّ ُ
ال عقدي ل ُيذ ُّم ول َحلي
حلها وما ز َ حللت عقودا أعجزالناس
َّ
كأن ُهم أسرى َّ ّ ُ َّ
كف َرص ُ
لدي وفي كبلي يدها ِ إذا عاتبني الروم
ُ ُ ّ ُ ُ
كأني من أهلي نقلت إلى أهلي وأوسع أياما حللت كرامة
ُ َ ّ ْ ْ
يشكرها مثلي نعماء بأني في فقل لبني عمي و أبلغ بني أبي:
ُ ْ َ َ
الفضل
ِ وأن يعرفوا ما قد عرفت من نشرمحاسني وما شاء ربي غير ِ
غير أن جراح الغربة والشكوى واأللم عند أبي فراس لم تقف عند ذلك ،فقد تلونت الغربة واصطبغت
بصبغة الرثاء املرير املركب بفقد تلك األم العظيمة التي كانت تشاطره املصاب والحزن في غربته ،فلم يكد
يسمع بموتها حتى انطلق لسانه بأعظم صور الرثاء لفقدها ومحبتها ،فحرام على نفس مشتاق ملوع ّ
لحب
ِّ
الوطن أن يشعر بسرور وفرحة بعد موتها ،تلك األم الجليلة التي ذاقت املنايا والرزايا لفقده ابنها في األسر،
فقد غلبت الحسرة على أمه ،فماتت لفقده ،قال يرثيها)35(:
13
ُ
األسير! منك ما لقي
ٌ أيا ُأ َّ
بكره ِ
ٍ سقاك غيث ِ ، األسير
ِ م
َّ
تحي َر ،ل ُ ٌ
يقيم ول ُ
يسير! سقاك غيث ِ األسير،
ِ أيا َّأم
ٌ
ُ
البشير؟ إلى َم ْن بالفدا يأتي سقاك غيث ِ األسير،
ِ أيا َّأم
عور؟
ُّ
والش ُ الذو َ
ائب
َّ
وقدمت تربي أيا ُأ َّم األسيرملن ّ
ِ ِ
ُ فمن يدعو ُ َ ّ ُ
يستجير؟ له ،أو وبحر
إذا ابن ِك سارفي ٍبر ٍ
يلم به ّ
الس ُ ولؤم أن َ
ٌ َ َ ٌ ْ
رور! عين!
حرام أن يبيت قرير ٍ
ُ ولد َول ٌ ُ
عشير لديك ول قت املنايا والرز ايا وقد ذ ِ
ُ
نصير!؟ مض ى بك لم يكن ُ
منه طويل هم أماه كم ّ أيا ُ
ِ ٍ ٍ
ُ ليس ُ َ َ
مات َ سرمصو ٍن ّ ّ ُ
ظهور؟! له بقلبك أيا أماه كم ٍ
َ
ُ
القصير؟! ُ
األجل أتتك ودونها
ِ أيا ّأم ُاه كم بشرى بقربي
ْ
إذا ضاقت بما فيها الصدو ُر؟ ملن أشتكي؟ وملن أناجي
ُ َّ ُ َّ
نصير. ماصرت في األخرى
ِ إلى قليل
عنك :أنا عن ٍنسلى ِ
وال تقف الغربة بأبعادها النفسية والتأثيرية في أبي فراس عند ّ
حد الغربة وحدها ،بل تتعداها إلى العتب
والشكوى ،وذلك مما القاه من رغبة أهله بفقده ،فالشاعر في هذه الغربة القاسية لم يجد ً
مهربا من بث
شكواه إلى هللا لسوء ما لحقه منهم ومن رغبتهم في فقده ،فذلك سفاهة ال سفاهة بعدها ،وعلى الرغم من
ذلك لم ينس عهد الوفاء واملحبة والخير لهم ،في حين أرادوا كراهية خالصه من األسر؛ فقال)36(:
صيدا العز َأ ْ
يتم أن تفقدوا َّ َّ
من ُ ت
ّ َّ ُ ْ
يتم أن تفقدوني و إنما تمن
ُّ َ ْ ُ ُّ َ َ
تعدون َم ِولدا وإن كنت أدنى َمن تعدون ِه َّمة؟ أ َما أنا أعلى من
َ
هللا أشكو عصبة من عشيرتي يسيئون لي في القو ِل غيبا ومشهدا إلى ِ
ُ ْ
تركتهم ُسدىُ أمر
ولو ِغبت عن ٍ يودون أن ل يبصروني سفاهة
َ ْ
فأهلي بها أولى وإن أصبحوا ِعدا فال تعدوني نعمة فمتى غدت
كريما ُمطاعا في العشيرة ّ ُ ْ ّ
سيدا ِ بخيرأن لقيت بهم فتىو إني ٍ
14
وعلى قدر شوق الشاعر ،إال أنه كان يبث شكواه في غربة إلى السجن إلى سيف الدولة ليخلصه من
غربته ،فهو قليل النوم ،كثير التفكر والتطلع إلى العودة والخالص ،فجفنه قريح ،وتحوطه الخطوب
ً
قائال)37(: واألهوال مما يالقيه من عذاب الغربة واألس ى فكتب إلى سيف الدولة يخاطبه
لدي وللنوم القليل املُ َّ
شر ِد ّ املسهد
ِ القريح للجفن َ
دعوتك
ِ ِ ِ ِ
ُ ُ ّ ُ َ ّ وما َ
ألول مبذو ٍل ألول م ِ
جتد بالحياة وإنها
ِ ذاك بخال
َ ُ ّ ْ ُ
مما أن أقو َل له :ق ِد بحمله وما الخطب ِ مما ِضقت ذرعا وما األس ُر ّ
15
"صاف" ومنصور" وهو
ٍ الوالد لهما ،فال يبقى في الذاكرة اإلنسانية إال حسن الفعال ،فقد كتب إلى غالميه
ً
حبيسا)39(: في األسر
هل ُت َّ َّ ّ
حسا ِن لي رفيقا رفيقا؟ خليلي بالش ِام أفيقا يا
ْ ّ ُ ُ َ
س فما أن أرى صديقا صدوقا! الغدروالخيانة في النا كثر
ّ ّ
والجفاء طريقا!
ِ الغدر
ِ س من ُ الوفاء و ات َبع النا
ِ قل ُ
أهل َّ
ُ
فرقتنا صروف ُه تفريقا ّ َّ
خليلي دهرا ل عى ُ
هللا يا ر
والدا محسنا ًّ ُ ُ
وعما شفيقا ِ كنت مولكما وما كنت إل
ديق ّ
الصديقا! ّكلما استخو َن ّ
الص ُ َ
فاذكراني! وكيف ل تذكراني
ُ َ ْ ُّ
بت أبكيكما َّ
األسيريبكي الطليقا! أن يبيت وإن عجيبا
حيا تتعدد مكوناته ،ومقوماته وأهدافه وأغراضه ،كما تتعدد وال بد من القول" :يبقى الشعر ً
كائنا ً
مواقع التأمل فيه ومساقط النظر إليه ،هذا عالوة على أنه يترعرع في بيئات متفاوتة السمات واملالمح ،وينبق
في نفوس متباينة األهداف واملطامح"( )40وهو أسلوب الشاعر في حديثه وتصويره لغربته في الحبس،
فالنفس املغتربة مملوءة بالحزن والحنين إلى الوطن ،وتتطلع إلى العودة إليه ،وهذا ديدن العشاق واملحبين
ألوطانهم في كل عصر من العصور ،وفي كل مكان من األمكنة التي يغتربون فيها.
16
-1الغربة الجتماعية عند الجواهري
ً من الطبيعي أن يكون املجتمع البشري حجر الزاوية في كل عمل فني؛ فاإلنسان ليس ً
شيئا منفصال عن
مجتمعه ،ولكنه حجر في مجموعة البناء اإلنساني؛ وهو بصفته هذه يتفاعل حتما مع كل من حوله ،يتفاعل
مع ذويه في املنزل ،ومع رفاقه وجيرانه في الحي ،ومع الناس في القرية واملدينة ،ويتفاعل كذلك مع البيئة
العامة في وطنه كله ،كما يتفاعل مع حوادث العالم بأسره وتطوره ومدنيته وحضارته؛ إنه يتأثر بالنكبات
الفردية والعامة ،وبالحوادث السياسية واالجتماعية في وطنه ،وكإنسان يتألم مع املتأملين ،ويفرح مع
الفرحين ،يحس بسعادة السعداء وشقاء األشقياء ،وهذا هو حال اإلنسان العادي ،فكيف إذا كان هذا
عدة له غير االحساس املرهف ،والتعبير الجميل ،والدليل شأن األديب فهو أحق بذلك؛ ألن األديب ال ّ
الصادق ،واملرشد الحكيم ،تلك هي رسالته الكبرى ،وذلك هو سبيله األول )41(.فالسكوت في معرض الحديث
عن الحقوق هو غربة تقيد الحرية في التعبير ،فالثورة على الشعور بالغربة االجتماعية ال بد أن تفعل فعلها،
وتؤثر تأثيرها الحقيقي فيه ،قال في قصيدته ثورة وجدان)42(:
( )41انظر :عيس ى الناعوري ،أدب املهجر ،ط( ،3مصر :دار املعارف ،د.ت) ،ص.204-203
( )42نجاح عطار ،الجواهري في العيون من أشعاره ،ط( ،4دار طالس للطباعة والنشر1998 ،م) ،ص .77
( )43نجاح عطار ،الجواهري في العيون من أشعاره ،ص.116-115
17
يسمع ّ
الد ُ ُ َْ الد َ أرى ّ
هرعاتبا تعتبن ل فال هرمغلوبا ضعيفا وغالبا
أنت َُ تكذب ْن ما في ّ
البرية ر ٌ ول َ
فاترك رحمة عنك جانبا ول احم ِ
ُّ ّ
َ
فأصبح راهبا ٌ
مدحور وجن َب َ
فأصبح حاكما تمك َن ذو طو ٍل
ّ ّ ُ ُ
األنبياء عجائبا
ِ من الناس حتى ولو ر ُمت للعورات كشفا أريتكم
َ َ َ ُ ْ ّ
محامد والحرمان منها معايبا ص ّ ِو َرت أريتكم أن املنافع
َ َ أن َ ّ
ويغزوك ناهبا ماشيك منهوبا ُي آدم ٌ
ثعلب ابن َ أريتكم
ُ ْ ّ ْ
ص َّبت محنة ومصائبا الخلق
ِ على ٌ
مناهج األنانيات ُسنت
ِ لحفظ
ِ
بهن املطالبا ُويدر ُك ٌّ
ديني َّ َ
خصومه يج ُّرسياس ٌّي عليها
َ
الوجدان ُّ ّ يخ ُ َ َ
يرتد غاضبا علي ول يهتاج ساخطا ول أعرف التار
َ ّ ُ ُ ّ
فس و اثبا
وما كنت إل طامح الن ِ لخامل
ٍ إل كانت األعذارفما ِ
ّ
ول تبعثوا مني شجونا لواهبا. دعوني دعوني ل تهيجوا لواعجي
في حقيقة الغربة االجتماعية ال بد من عودة للذات ومقارنتها بما يحوط بها من مفاسد األخالق
عما فعل أصحاب االجتماعية ،فالعمر واألشهر واأليام تمض ي من دون عودة ،والنفس تخاطب صاحبها بلوم ّ
ّ
األخالق الذميمة ،ففي ذلك بالء عظيم على مجتمع أحاطت به هذه األهوال كلها ،قال في قصيدته املآس ي
في حياة الشعراء)44(:
18
على َّأن الحقد والكراهية قد جعلت تسيطر وتستولي على القلوب ،فتصبغها بصبغتها ،وتصنع منها
وقعا على صاحبها من الغربة االجتماعية في بلد يحمل ً
نسيجا من الغربة املضاعفة ،فغربة الدار هي أقل ً
الضغينة لساكنيه ،قال في قصيدته أرميت العود فانكسر)45(:
19
َ َ ّ
الش َ يب ّيا غر َ
الحوارا
يمخضك ِ عر ناغ
ِ ار
ِ الد
ٌ َ ُ ّ ُ ْ
ندمان وجارا راوغ مح إن النديم الس
َ ٌ
هن ُعسرا ُويسرا.ّ أحرف ِعشت و ّإيا
الجبان ليس الضعيف في ساحات الوغى كما يبدو في الغربة ،بل الجبان في نظره هو الذي اليطيق
مقارعة الغربة وشدة الشوق وآهات الحنين ،ولكن على الرغم من ذلك كله يدعو الشاعر نفسه إلى الثبات
في هذه املواجهة وعدم االستالم والخضوع بالتحدي ،فالحال يرسم لوحة بين ضدين بين شبح وحقيقة،
قال في قصيدته أطياف وأشباح)48(:
20
فأخذ العذاب يعتصر النفس ويعتلج الصدر ولكنه ال يجد من يناجيه غير وحدته ،قال في قصيدته
أغنية)50(:
ّ ُي ّ
خي ُل لي أن عمري قصير
ّ
و أني على األرض سائح
وأن صديقة قلبي الكسير
ُ
تخون إذا غبت عنها
ُ
وتشرب خمرا
وتكتب شعرا
لغيري
( )50محمود درويش ،األعمال الشعرية الكاملة ،ط ،1ج( ،1رياض الريس للنشر2005 ،م) ،ص .40-39
( )51محمود درويش ،األعمال الشعرية الكاملة ،ج.169-168 ،1
21
ّ
ألني على األرض سائح
ّ ّ
يخيل لي أن خنجرغدر
سيحفرظهري
فتكتب إحدى الجرائد:
"كان يجاهد"
ويحزن أهلي وجيراننا
ويفرح أعداؤنا
وبعد شهور قليلة
يقولون :كان!
لم يكن درويش ً
بعيدا عن الغربة النفسية في وطن قد ذاق منه الويالت والتهميش ،في وطن جعل الجراح
ً
ديدننا ،فجرح الوطن ينزف من دون انقطاع فال يشعر بالغريب إال الغريب الذي يشبهه ويساويه ،ويشاطره
حزنه وترحه ،فكم فتش وفتش عن وطن يريده كما يريد ولكن ال وجود له حتى ولو بتصوير بسيط ،قال في
قصيدته ال مفر)52(:
غيوم ّ
ذوبت ٌ وطني! عيونك أم
أوتارقلبي في جراح إله!
ّ
هل تأخذن يدي؟ فسبحان الذي
ّ
يحمي غريبا من مذلة آه
ٌ ُّ
ظل الغريب على الغريب عباءة
تحميه من لسع األس ى ّ
التي ِاه
ماله َ
أعشاب قبرصارقبو ِ
َّ
ألشم رائحة الذي تنفسوا
مهدي ....وعطرالبرتقال ّ
الساهي
ّ
وطني! أفتش عنك فيك فال أرى
إل شقوق يديك فوق جباه
( )52محمود درويش ،األعمال الشعرية الكاملة ،ج ،1ص .248 -247
22
ُ
أتفتح في الخرائب كوة؟ وطني
فامللح ذاب على يدي وشفاهي
مطرعلى اإلسفلت يجرفني إلى
ناه. ُ
ميناء موتانا ....وجرحك ِ
ّإن من أجمل العبارات التي تمثل حقيقة الغربة النفسية عند درويش ما ذكره أبو حيان التوحيدي
غريبا في وطنه ،وأبعد البعداء من كان ً
بعيدا في محل قربه ،الغريب من إذا بقوله" :وأغرب الغرباء من صار ً
قال لم يسمعوا قوله ،وإذا رأوه لم يدوروا حوله ،وإذا تنفس أحرقه األس ى واألسف ،وإن كتم أكمده الحزن
واللهف ،إذا زار َ
أغلق دونه الباب ،وإن استأذن لم يرفع له الحجاب"( )53فكيف يعرفونه وقد تنكروا له ولو
حمل جواز السفر في حقيبته ،وكيف يعرفونه وقد أنكره البشر وعرفه الشجر ،وكيف االنتماء بال معرفة،
فيا لصبر أيوب املتكرر ،فالغربة قد فعلت فعلها مرتين ،قال في قصيدته جواز سفر)54(:
( )53عبد اللطيف محمد خليفة ،دراسات في سيكولوجية االغتراب ،القاهرة ،دار غريب2003 ،م ،ص.7
( )54محمود درويش ،األعمال الشعرية الكاملة ،ج.372-371 ،1
23
ل تجعلوني عبرة مرتين
يا سادتي! يا سادتي األنبياء
من جبتهي ينشق سيف الضياء
ومن يدي ينبع ماء النهر
ّ
كل قلوب الناس ....جنسيتي
فلتسقطوا عني جواز ّ
السفر.
يعبر عن مجهول يريد أن يظهره ،ولكنه يعجر عن فهم الصمت لغة نفسية في الغربة وهذا الصمت ّ
كنهه ،فالوحدة هي السالح الوحيد في غربة الذات ،السالح الذي يحارب به الغريب الفناء للذات ،في دفاع
َ
يتحقق في ّ
جو من العذاب الذاتي عن أشياء مفقودة ،عن هواء ليس له ،عن جدار ليس له ،فكيف لنصر ْأن
واملعاناة؟ قال في قصيدته مديح الظل العالي)55(:
ْ ّ ّ ٌ
كالذبابه عال
اآلن واألشياء سيدة ،وهذا الصمت ٍ
ّ ّ ّ
هل ندرك املجهول فينا؟ هل نغني مثلما كنا نغني؟
ْ
حامض. سقطت ٌ
قالع َ
قبل هذا اليوم ،لكن الهواء اآلن
جدارليس لي ُ
أدافع عن وحدي
ٍ
هواء ليس لي
وحدي أدافع عن ٍ
ٌ
وحدي على سطح املدينة و اقف..
الص ْ َ
انصرف ّ َ
حابه ُ
العنقاء و ُّأيوب مات ،وماتت
وحدي .أراود نفس َي الثكلى فتأبى أن تساعدني على نفس ي
ووحدي
ُ
كنت وحدي
عندما قاومت وحدي
َ
وحدة ّ
الروح األخيرة.
24
لم يكن درويش في غربته النفسية ينس ى تلك العالمة القديمة الحديثة ،التي كان يهرب إليها الشعراء في
تصوير حجم املعاناة والغربة ،إنه الدمع الذي يغسل الهموم والصدور ،في ذكريات تجعل من الحنين إلى
قريبا ليس ببعيد ،قال في قصيدته حوار شخص ي في سمرقند)56(:املنشود ً
الدمع وحدكتشرب ّ
ُ أل
وحدك؟
َ
أين ُرخام ابن ّ
عباس؟
في الذكريات
و أين مدى القلب بعد أذان الغروب
ُ ُ
القباب ،و أين األزقة ،والباب؟ و أين
وال تعني الغربة النفسية أن ينطق الشاعر بلسان حاله فقط ،بل ينطق بلسان حاله ولسان غيره،
فالتجربة الشعرية عنده ال تقف عند الذات ،فالحنين إلى األمكنة جماعي ،والرحيل في املأساة يحمل روح
ً
الجماعة في الغربة واأللم ،وعشق الوطن ما زال ماثال في عيون أصحاب الغربة النفسية ،قال في قصيدة
تأمالت سريعة في مدينة قديمة وجميلة على ساحل البحر األبيض املتوسط)57(:
َم َّرة
ْ ُ
األمكنه تصبح ك ُّل
بدا نطفو ْ
عليه ز
ْ
ونميل
الر ُ ْ
مالت بنا ّ
يح كلما
ْ
األحصنه ُ
ونعتاد بكاء
ْ َ
الرحيل حين نعتاد
ّ
مرة
كل األ ْ ُ
منهتصبح ّ ز
لحظة للقتل.
25
كم ُمتنا وكم ُمتنا
ْ
الكهنه وكان
خدما للسيف منذ املعبد ّ
األول
ّ
حتى آخرالثورات
ْ ُ َ
السوسنه. والعاشق عبد
ال شفيع لصاحب الغربة النفسية إال بالبحث عن األنا ،بعد فقدها ،فكأنما هي املوت املحيط بصاحبه،
جرحا ،كمن َف َّ
سر نفعا ،وال يشفي ً
هي مرآة تعكس ما يعتلج في الصدر ،وتدور الكلمات في تفسير ال يعطي ً
ّ
كله)58(: املاء بعد الجهد باملاء ،فرمز الخريف توسط الذات الغريبة ،قال في قصيدته هذا خريفي
ُ
فتشت عن نفس ي فأرجعني ّ
السؤال إلى الوراء
ل ش يء يأخذني إلى ش يء .وينسدل الفضاء
ُّ
ويندس املدى ّ
علي مشنقة،
إبرة عاشقه
في ثقب ٍ
ُ
فتشت عن نفس ي :سالم للذين ّ
أحبهم
عبثا سالم؛ سالم للذين يضيئهم
جرحيٌ .....
هواء للهواء .و أين نفس ي بين ما
يسطو على نفس ي ويرفعها ُرخاما للهباء
ّ
هذا خريفي كله
كل الشوارع أوصلت غيري إلى طرف ّ
السماء ّ
26
ونحن ال ننكر دور النفس في صناعة األدب ،وكذلك األدب يصنع النفس ،فالنفس تجمع أطراف الحياة
لكي تصنع منها األدب ،واألدب يرتاد حقائق الحياة لكي يض يء جوانب النفس ( )59فالغربة النفسية عند
درويش ال تخرج بمضمونها عن التمازج واالختالط التام بين العالقة الحميمة بينهما ،فهو يربط بين ألم
جسد بشعره حقيقة الصورة بين غربة الذات واألنا ،فبرز مشهد القتل للذات،َّ الذات وعمق التجربة ،فقد
في بحث عن إنسانيته عن شخصيته ،ولكن املوت كان هو الجواب ،قال في قصيدته آن للشاعر أن يقتل
نفسه)60(:
( )59انظر :عز الدين إسماعيل ،التفسير النفس ي لألدب ،ط( ،4مكتبة غريب ،د.ت) ،ص.5
( )60محمود درويش ،األعمال الشعرية الكاملة ،ج ،3ص .73-72
27
ومحاولته الخروج عن املألوف ،وعدم االنصياع للعادات والتقاليد السائدة ،وهو تمرد على النفس ،وعلى
املجتمع"( )61قال في قصيدته "أنا يوسف يا أبي"()62
ُ
يوسف يا أبي .يا أبي ،إخوتي ل ُّ
يريدونني بينهم يا أبي.
ِ يحبوني ،ل أنا
علي ويرمونني بالحص ى والكالم.يعتدون ّ
باب َ َ ْ
بيتك ُدوني. أموت لكي يمدحوني .وهم أوصدوا َ يردونني أن
الحقل .هم َس َّم ُموا عنبي يا أبي.
ِ هم طردوني من
َ َ الن َُ َّ ّ
عليك. ولعب شعري غاروا وثاروا سيم حين مر
ُ ّ ْ علي ّ
الس ُ حطت على كتفي ،ومالت َّ ُ ّ ْ ُ
لطير حطت على نابل ،وا صنعت لهم يا أبي؟ الفراشات فماذا
ُ
راحتي ،فماذا فعلت أنا يا أبي؟ وملاذا أنا؟!
ّإن من جمال اللغة الشعرية في الشعر العربي الحديث أنها أكثر من وسيلة للنقل والتفاهم؛ إنها وسيلة
استبطان واكتشاف ،تهز األعماق وتحرك وتفتح أبواب االستنباط ،فنتاج الشاعر الحديث هو ثورة على
جميعا ( )63فلقد جعل الشاعر من لغته وسيلة لجذب القارئ ً املألوف ،في الحياة واألفكار وطرائق التعبير
ونقله إلى عامله الخاص ،ليعيش تجربة الغربة النفسية وكأنه يعاصرها لحظة بلحظة ،فهو يصور شخصية
اإلنسان العربية في ذاتها وشعورها ،قال في قصيدته "أنا واحد من ملوك النهاية"()64
28
الخوف يعشش في شخصية صاحب الغربة النفسية ،فالخوف من كل ش يء يجعله في تذبذب وانهيار،
ّ َ َّ
ليكون اللغة أيضا التي هي صورةفال وجود لشخصية الغريب في كل ما يقوم به ،بل إنه يتجاوز حد األشياء ِّ
قائلها ،اليأس هو نافذته املعتمة ،والواقع أصبح ً
وهما ،قال في قصيدته" من أنا بعد ليل الغريبة"()65
ُ َ
الغريبة؟ أنهض من ُحلمي ِ ليل
من أنا بعد ِ
الدار ،من النهارعلى مرمر َّ خائفا من غموض ّ
ِ ِ
َّ
مس في الورد ،من ماء نافورتي ِ الش عتمة
ِ
ُ
التين ،من لغتي شفة ِ
حليب على ِ ٍ خائفا من
َّ ُ
خائفا من هواء يمشط صفصافة خائفا ،خائفا
الزمان الكثيف ،ومن حاضرلم ْ
يعد من وضوح َّ
ٍ ِ ِ
َ
حاضرا ،خائفا من مروري على عالم لم ْ
يعد ٍ
ُ اليأس ْ
كن رحمةُّ .أيها املوت كن ُ عامليُّ ،أيها
َ
أوضح من َ
الغيب ُ
يبصر للغريب الذي نعمة
ِ
ُ اقع لم ْ
نجمة
ٍ يعد و اقعا .سوف أسقط من و ٍ
ّ ّ
ماء إلى خيمة في الطريق إلى ....أين؟
في الس ِ
مهما أحس الغريب بالبعد عن الواقع ،ال بد في داخله من شغف العودة إلى الذات ،وإلى الوطن الحبيب،
الذي يتسلى بذكراه ،ويعيش من خالله جمال الحياة ،فالنأي يزيد من غربة النفس واللوعة ،والحنين إلى ما
يصبو إليه هو ديدنه الوحيد ،قال في قصيدة أخرى)66(:
َ
قيصر ،أو ...ل َّبد من فرس للغريب َ
ليتبع ِ ٍ
للغريب فرس َّ َ
ِ النأي .ل بد من ٍ ِ لسعة
ِ ليرجع من
ْ
أما في وسعنا أن نرى قمرا واحدا ل ُيد ُّل
ْ
على امرأة ما؟ أما كان في وسعنا أن
ْ
والبصر؟ صير ِة يا صاحبي، نمي َزبين َ
الب َ ّ
يتخل في لحظة واحدة عن النشيد ،والشاعر الذي لم َّ ّإن محمود درويش نموذج للشاعر الذي لم
تلو قصيدة وكتاب َ
بعد كتاب؛ ذلك ألنه آمن واجتهد في املزج بين عدالة الكفاح يتوقف عن النمو في قصيدة َ
ٍ
29
اإلنساني وجمال صورة هذا الكفاح في القصيدة الحديثة ،وسيبقى أثره في القصيدة العربية ً
دائما ذاكرة
جمالية لشعب ،وأجيال وعصر ...غير قابل للنسيان( )67والشعر لعب جميل بالخيال واللغة ،وهو يتيح ّ
الفرصة للتحرر إلى النزوع اإلنساني ،وهو منهج درويش في تعبيره عن مشاعره وغربته الذاتية بمشاهد
ً ً
تفيض قسوة وأملا ،ورغبة في العودة إلى الذات ،وإثباتها بعد نفيها في مجتمع قد همشها وجعلها تموت وهي
ً ً على قيد الحياة ،وتعيش في الظل ً
منشودا ترنو نحوه في كل بعيدا عن ضوء الشمس ،وترسم بالخيال عاملا
حين وفي كل مكان.
-3الغربة السياسية عند أحمد مطر ّإن السياسة تعني "تدبير شؤون الناس ،وتملك أمورهم والرئاسة
عليهم"( )68وهي أيضا "الفن املستعمل لحكم األمم ،وتنظيم الدولة من الداخل ،وتنظيم التزاماتها مع الدول
األخرى"()69
ً
شعريا منذ العصر الجاهلي ،وما زالوا ً
غرضا وقد عرف الشعراء العرب الشعر السياس ي بوصفه
يمارسون كتابته وقوله إلى يومنا الحاضر ،فالشعر مرتبط بالسياسة على مر التاريخ والعصور ،فكم انبرت
األقالم للدفاع عن الحقوق والحريات ،ولعل من أسباب استمرار هذا الغرض الشعري؛ الحوادث واألزمات
والحروب التي أصابت (أرض العرب) التي ما تزال مستمرة إلى وقتنا الحالي ،فكانت رسالة الشعراء في ذلك
كله حمل القلم إليصال رسالتهم من خالل أشعارهم ،وهي تتمثل بالنصح واإلرشاد ،ورفع الهمم من أجل
خدمة أوطانهم ،والذود عنها في وجه العدو الداخل املتمثل بالظالم املستغل ،أو الخطر الخارجي)70(.
وللشاعر أحمد مطر درب طويل مع األلم؛ نتيجة ملواقفه السياسية التي التزم بها ،ونادى من أجل
ً
تحقيقها ،مثل املطالبة بنشر الحرية ،والتخلص من التبعية لألجنبي ،وتحرير األراض ي العربية كافة ،فال
ً
سياسيا ،فهو فنان ،ورأى سيما أنه ّ
عد نفسه غرابة في انتشار ألفاظ السياسة بصورة كبيرة في شعره ،وال ّ
أن معظم أهل الفن من السياسيين"( )71لهذا نجد طائفة كبيرة من أشعاره السياسية التي تمثل غربة
سياسية عن تحقيق ما يصبو إليه ،ويدعو إليه ،قال في قصيدته "طبيعة صامتة"()72
القمامة
ِ مقلب
ِ في
ُ َ
األ ْ ُ
عراب رأيت جثة لها مالمح
( )67عادل محمود ،الجوهرة املؤملة محمود درويش ،الهيئة العامة السورية للكتاب ،دمشق ،2011 ،ص .9
( )68ابن منظور ،لسان العرب ،دار صادر ،بيروت ،لبنان ،مادة :سوس.
( )69أحمد الشايب ،تاريخ الشعر السياس ي ،ط ،5مكتبة النهضة املصرية ،القاهرة1967 ،م ،ص.4-3
( )70انظر :عدنان قاسم ،األصول التراثية في نقد الشعر العربي املعاصر :دراسة نقدية في أصالة الشعر ،ط( ،1املنشأة
الشعبية للنشر ،)1980 ،ص.63
( )71مسلم مالك بعير األسدي ،لغة الشعر عند أحمد مطر ،رسالة ماجستير( ،جامعة بابل ،)2007 ،ص.39
( )72أحمد مطر ،املجموعة الشعرية ،ط( ،1بيروت :دار الحرية ،)2011 ،ص.12
30
ُ ّ
الن ُ ّ
والذباب سور تجمعت من حولها
عالم ْه
وفوقها َ
ٌ
تقول :هذي جيفة
تسمى سابقا كر ْ ْ
كانت ّ
امه
ومن مشاهد الغربة السياسية مشهد اإلحاطة والوجوه الغريبة التي ترسم عالمة التساؤل والحيرة من
كنهها ،فالشاعر يصور حالة اإلنسان مسلوب اإلرادة أمام أسر حتى للعقل والفكر ،والتهمة املعهودة عندهم
والوجه اآلخر للفرار هي التشابه والتماثل ،قال في قصيدة أخرى بعنوان "التهمة"()73
كنت ُ
أسيرمفردا
ُ
أحمل أفكاري معي
ومنطقي ومسمعي
َ ْ
دحمت فاز
من حولي الوجوه
ُ
قال لهم زعيمهم :خذوه
سألتهم:
ما تهمتي؟
فقيل لي:
تجم ٌع مشبوه
ّ
لم تكن اإلرادة وحرية الرأي وحدها هي الشغل الشاغل لفكر األديب املناضل بشعره ضد كل نوع من
أنواع الظلم ،بل حتى التأقلم يفرض عليه ً
فرضا ،وقد وظف الببغاء والصوت ر ً
مزا للتعبير عما يريد ،في
ّ
الطين"()74 مشهد وكأنما األصفاد تحوط به من داخل الجسد وليس من خارجه ،قال في قصيدته "ثورة
وضعوني في ْ
إناء
ثم قالوا ليْ :
تأقلم
لست ُْ
بماء و أنا
31
أنا من طين ّ
الس ْ
ماء
ّ
بنموي يتحط ْم
وإذا ضاق إنائي ّ
ّ
خيروني
بين موت ْ
وبقاء
َ َ
الحبل
ِ قص فوق بين أن أر
َ أو أر َ
الحبل
ِ قص تحت
ْ ُ
البقاء فاخترت
ُ ُ َ
قلت :أعد ْم
البب ْصوت َّ َ
غاء بالحبل
ِ فاخنقوا
ّ َّ ّ
أبدي يتكل ْم ٍ بصمت ٍ وأمدوني
من رحم املعاناة تأتي الصورة الشعرية املتكاملة والقدرة العالية على الوصف ونقل املشهد والعذاب،
ثوبا لإلنسان من املهد إلى اللحد ،ثم َّإن القيود قد فعلت فعلها فتمثلت
فمسيرة الرفض قد ألبست ً
ً ً
بالعبودية الالمتناهية ،فكيف ال يشعر بغربة سياسية تعزله عزال كامال عن كل حق ومطلب؟ ،قال في
قصيدته "األضحية"()75
ُ
حين ولدت
ُ
ألفيت على مهدي قيدا
الحري ْه
ّ بوشم
ِ ختموه
تفسيري ْه
ّ وعبارات
الع ّزىْ ..
عبد ُ َ
كن عبدا يا
ُ
وكبرت ،ولم يكبرقيدي
ُ
وهرمت ،ولم أترك مهدي
ْ
الشخصيه ر ّدوا لي بعض
ُ ّ َ
الن ُاربصدري كيف تفور
و أنا أشكو البردا؟
32
ُ ُ
سيومض برق الثأربروحي.... كيف
ما دمتم تخشو َن ّ
الرعدا؟
كيف أغني...
أنا مشنو ٌق ّ
أتدلى و
وتي ْه
الص ّمن تحت حبالي َّ
ِ
الحري ْه
ّ كي َ
أفهم معنى
الحري ْه
ّ وأموت َ
فداء
الحري ْه
ّ َ
بعض أعطوني
ً
لحظويا يجعل الشاعر يحسه عقوبة ،واملعهود أن الوطن هو ً
تطورا لعل الشعور بالغربة يتطور
الحضن واألمان من كل هم وحزن ،فهل الوطنية ذنب؟ أم أن الحق لعنة على صاحبه ،يجعله يطوف البالد
ثمنا ،قد استقر في القلب ذكراه ،وقال في قصيدته ّ
"أحبك"()76 ً
بحثا عن وطن قد قدم الروح له ً
يا وطني
ْ َ
ضقت على مالمحي
َ
فصرت في قلبي
َ
وكنت لي عقوبة
ْ َ ْ ّ
سواك من ذن ِب و إنني لم أقترف
لعنتني..
واسمك كان سبني في لغة َّ
الس ِب ِ
ضربتني
َ َ َ
الضرب
ِ وموضع وكنت أنت ضاربي...
طردتني
َ ُ
فكنت أنت خطوتي
َ
وكنت لي دربي
33
وعندما صلبتني
َ
أصبحت في ّ
حبي
معجزة
حين هوى قلبيِ ....فدى قلبي
سامحك ُ
هللا على َ
صلبي َ يا قاتلي
َ
كفاك أن تقتلني يا قاتلي..
ّ
الحب من ّ
شد ِة
ِ
في كل مشهد من مشاهد الغربة التي وقفنا عندها من خالل النصوص الشعرية السابقة وجدنا أن
ً
الحزن قد كان مالذا لكل غريب أحس مرارة الغربة ووجد منها الويالت ،فالنص الشعري هو الذي يقود
الشاعر في بحثه عن وطن ضائع ،فكيف يشعر بكلمة حرفية وأحرف هذه الكلمة قد وضعت تحت اإلقامة
الجبرية ،في أشعار قد ضاعت أوزانها واختلطت ،قال في قصيدته "دمعة على جثمان الحرية"()77
َ
األشعار أنا ل ُ
أكتب
ُ
فاألشعارتكتبني
ُ ّ َ
الصمت كي أحيا أريد
ولكن الذي ُ
ألقاه ينطقني َّ
34
رأيته مختنقا
ّ
في َع َر ِق النضال
ْ ٌ ََ ْ ٌ
اع ْل
مستفعلن مستفعلن مف ِ
األحالم هي التفسير النفس ي ملا نطمح إليه ،فنفس الغريب في الوطن تتخيل وتحلم بإرادة محققة في كل
منهج وفي كل مطلب ،لكن القدر يحول في كثير من األحالم السياسية من التحقق ،فاالستيقاظ هو املالذ
الوحيد في الغربة السياسية من حلم قيده القدر الطويل ،قال في قصيدته "حلم"()78
َ
بين ْ ُ
يدي وقفت ما
ُم ّ
فس ُراألحالم
قلت له :يا ُّ
سيدي
رأيت في املنام
ْ ُ ّ
كالبشر أعيش أني
ّ
وأن من حولي ْ
بشر
ّ
وأن صوتي بفمي
ْ
الطعام وفي يدي
و أنني أمش ي
ول ُ
يتبع من خلفي أثر
فصاح بي مرتعدا :يا ولدي حرام
َ
لقد هزئت بالقدر
يا ولدي ...نم عندما ْ
تنام
َ
وقبل أن أترك ُه
َ
ْ
تسللت من أذني
ْ
النظام ُ
أصابع
ْ
انفجر َّ
واهتزرأس ي و
35
كلب األثر هو رمز االلتصاق واملتابعة ،وهذا الرمز جعله الشاعر داللة على االعتقال للذات في كل مكان
وزمان ،ولو لم تكن في السجن وبيدك األصفاد ،فأنت معتقل في جلدك ،في البصمة وفي الحلم في األنفاس،
فاإلنسان أصبح بذلك معلومات مدونة ال قيمة لها ،وأي غربة سياسية أعظم من هذه ،قال في قصيدته
"أين املفر؟"()79
ُ
املرء في أوطاننا
جلده
ِ ٌ
معتقل في
ْ
الصغر منذ
َ
وتحت ّ
دمه
كل قطرة من ِ ِ
ٌ
مختبئ ُ
كلب أث ْر
بصماته لها ْ
صور
ُ
أنفاسه لها ْ
صور
ُ
أحالمه لها ْ
صور
ُ
املرء في أوطاننا
ليس سوى إضبار ٍة
ُ
غالفها ُ
جلد ْ
بشر
َ
أين املفر؟
ومن مشاهد الغربة السياسية ضياع الكرامة والحقوق والقيم اإلنسانية ،في مشهد اإلحاطة واالعتقال،
واالقتياد من دون مسوغ وسبب ،وهذه املشاهد التي أسقطها الشاعر ليبرهن من خاللها على غربة عميقة
ومرارة تتفطر بها األكباد ،فالظلم قد لون ّ
كل ش يء بلون السواد والظلمة ،قال في قصيدته "املتهم"()80
ْ ُ
والسالم كنت أمش ي....
بالجند قد ّ
سدوا طريقي فإذا ُ
ِ
الحبس
ِ ثم قادوني إلى
وكان ّ
الت ْ
هام:
36
بالقصر مر َّ
أن شخصا َّ
ِ
الظ َّْ ّ
الم وقد سب
قبل ْ
عام َ
َ
الدقيق
ِ والفحص
ِ البحث
ِ ثم بعد
ُ َّ ّ َ
بأن الشخص هذا علم الجند
يوم َّ
كان قد سلم في ٍ
جارصديقي
على ِ
حيزا ،يتموضع من خالله في هرم النص ،ويؤدي ال يلبث الجالد أن يأخذ في تصوير الغربة السياسية ً
كبيرا في نقل الواقعة وكأنك تراها أمامك ،فلم يبقي له ًيدا ،والروح قد فارقت الجسد على الرغم من
دو ًرا ً
بقائها فيه ،فالعيش أصبح ً
مليئا بالحزن ،والرحيل قد آذن فاإلصباح في بلد واملبيت في بلد آخر ،قال في
قصيدته "مواطن نموذجي"()81
الجالد ْ
أبعد عن يدي ُ يا ُّأيها
ْ
الصفد هذا
يبق ْيد
ففي يدي لم َ
ولم َت ُع ْد في جسدي ٌ
روح
ْ
جسد ولم َ
يبق
الجلد أنا
ِ ٌ
كيس من
عظام ْ
ونكد ٌ فيه
ٌ ُ
فوهته مشدودة دوما
بحبل من ْ
مسد ٍ
ٌ
مواطن ٌّ
قح أنا كما ترى
َّ
معل ٌق بين ّ
السماء والثرى
بلد أغفو
في ٍ
وأصحو في ْ
بلد
37
وتظهر نفس الشاعر من خالل شعره مفعمة باألس ى والحزن ،ولكنه بطبيعته الساخرة يمزج السخرية
بالحزن ،ويرى الشاعر أن سخريته غير مستغربة؛ ألنه من خالل قراءته لواقع شرائح املجتمع وجد َّأن من
امتالء بالحزن ،فضحكه ضحك مر من شدة البكاء (،)82 ً يحسنون السخرية واإلضحاك هم أكثر الناس
فمشهد الغربة السياسية يتخلله سخرية بعالقة بينه وبين حاكمه تربطها كلمتان ،كلمة حق ،وكلمة باطل
وظلم ،وأسر من بعدها سريع ،إنها ً
حقا من السخرية ،قال في قصيدته "تفاهم"()83
َعالقتي بحاكمي
ليس لها ْ
نظير
ْ
الضمير احة
تبدأ ثم تنتهي .....بر ِ
متفقان دائما
ِ
ّ
لكننا
ُ لو َ
وقع الخالف في ما بيننا
ْ
قصير ُ
نحسمه في جدل
أنا أقو ُل كلمة
وهو يقو ُل كلمة
َ ْ ّ
بعد أن يقولها..
و إنه من ِ
يسير
ْ َ
بعد أن أقولها..
و أنا من ِ
ْ
أسير!
مسكين أيها اإلنسان فأنت محوط بسياج من عدم الثقة واملخبرين ،الذين يجدون أنفسهم بقتل الحياة
في قلوبهم ،فكل إنسان أصبح في نظر الشاعر تهمة ،حتى الحنين إلى الوطن األمثل غير مسموح ،فليس للناس
مالذ من كل ذلك إال االستغاثة والتضرع إلى هللا ،فحتى األموات لم ينجوا من موتهم اآلخر على أيديهم؛ إلى
أين املسير بعد ذلك ،قال في قصيدته َ
"أين نمض ي؟"()84
( )82مسلم مالك بعير األسدي ،لغة الشعر عند أحمد مطر ،ص.13
( )83أحمد مطر ،املجموعة الشعرية ،ص.145
( )84أحمد مطر ،املجموعة الشعرية ،ص.148
38
ْ َ َ
تحت َّ َّ
ماوات وفوق األرضين
ِ الس غص ما
ْ
املخبرين بعيون
ٌ
إنسان لدينا ُتهمة تمش ي
ٍ
ُّ
كل
ْ ُ
ويمش ي معها ألف كمين
جن ّ
داخل الس ِِ نصفنا في
ْ ٌ
ونصف َ
خارج ّ
السجن سجين
نملك ما نبديه من أصواتنا نعد ُ لم ْ
ْ
...حتى األنين
نخفيه في أعماقنا نملك مالم نعد ُ
ِ
ْ ّ
حتى الحنين
الدنيا على ّ ْ
ضاقت ّ
الدنيا
الجهات األربعين وضيعناّ
ِ
املوت َ ّ
بلد ِ رب لم يبق لنا في ِ
املوت ٌّ
مفر املوت من ِ سوى ِ
ْ
العساكر ر ّب َّ
لكن ِ
ْ
املقابر نسفوا َّ
كل
ْ
يا ُمعين..
أين نمض يَ
ْ ُ ّ ٌ
يقتل حتى امليتين حاكم ولدينا
في الهجرة والعذاب تنبري األقالم وتتلون الصور ،في هذه املشاعر تيمنى الشاعر الغريب أن يتخلص من
شعره الذي أثقل ظهره ،بل قصمه ،والسؤال الوحيد لذلك الحنين وللوطن الذي ال جواب له ،ال أدري فهو
اإلجابة الفضفاضة التي حملت بمضموناتها كل معنى للسلب والضعف ،وقلة الحيلة ،قال في قصيدته
ٌ
"مقيم في الهجرة"()85
39
قلمي يجر ْي
ودمي يجر ْي
و أنا ما بينهما أجر ْي.
َّ
الجر ٌي تعث َرفي إثر ْي
و أنا أجر ْي
ّ والص ُبر َّ
َّ
تصب َرلي حتى
الص َبرعلى صبر ْي لم ْ
يطق َّ
و أنا أجري.
أجري ،أجري ،أجري..
ُ
أوطاني شغلي ..والغربة أجري
يا شعري
َ
قاصم ظهري يا
هل يشبنهي ٌ
أحد غيري؟
ُ
في الهجرة أصبحت مقيما
جر َ ُُ ُ
والهجرة تمعن في اله ِ
أين غدا ُأ ُ
صبح َ
ل أدري.
هل حقا ُأ ُ
صبح
ل أدري
ُ
هل أعرف وجهي؟
ل أدري.
َ
أصبح عمري؟ كم
ل أدري.
عمري ل يدري كم عمري
40
كيف سيدري؟
ساعة ميالدي
ِ من ّأو ِل
و أنا هجري
شيئا في الحياة ،لقد أصبح ً
مكانا لالمكان ،ظلمة إنه الوطن املعشوق األبدي املقدس الذي ال يقابل بحبه ً
وكمدا ،ضاق بالشاعر فكأنه علبة الكبريت املغلقة ،يختنق فيها الناس بفعل الغربة السياسية والحقوق ً
املهضومة التي يعيشونها ،فالحال ال َّبد أن يتغير ولو بتقديم املوت لتحقيق ذلك ،فمصير أعواد الثقاب
االحتراق إذا وجدت نا ًرا بقربها تميت فيها كل صورة من صور اإلنسانية لتشبع رغبتها ونزعتها السلطوية،
قال في قصيدته "مأساة أعواد الثقاب"()86
ُ
كبريت
ٍ أوطاني علبة
ُ ُ
الغلق
ِ محكمة والعلبة
و أنا في داخلها
ْ
بالخنق ٌ
عود محكوم
ْ
األيدي فإذا ما فتحتها
َ
فلكي تحرق جلدي
ُ
فالعلبة ل ُت ُ
فتح دوما
ّ ْ
للغرب أو الشرق
ِ إل
ْ
ّأما للحرق ،أو الحرق
يا َ
فاتح علبتنا اآلتي
ْ أن َ ل ْ
تفتح بالفرق. حاو
اهن ل يجدي الر ُ ُ
الفتح َّ
ٌ
مرسوم ِضدي اهنالر ُ ُ
الفتح َّ
ْ ما َ
دام لحر ٍق أو حرق
ْ
إسحق علبتنا ،و انثرنا
ٌ ّ َ
قليل منا ل تأبه لو مات
41
حق. َ ّ
عند الس ِ
يكفي أن يحيا أغلبنا ًّ
حرا
الر ْ
فق. في أرض بالغة ّ
ٍ
ٌ
عشب األسوارعليها
هواء ْ
طلق ُ
واألبواب ٌ ..
الشوق إلى الوطن أصيل في النفس ال تحده الحدود ،وال تقف في وجهه األهوال ،ولكن كيف يكون ذلك
متاحا ،وهو مرهون ،وسماؤه ليست ألهله ،فقد أمس ى ً
ضيقا على ساكنيه ،فلم يبق للناس بنظره الشوق ً
إال الخيانة ،فهي املالذ الوحيد واملتاح ،قال في قصيدته "دعوة للخيانة"()87
هائن؟ ُ
وأهله ر ْ ُ
حاكمه مر ٌ
اهن
هل ٌ
وطن هذا الذي
ْ
كمائن؟ اصد وأ ُ
ضه سماؤه مر ٌ
ُ
ر
هذا الذي
أضيق من َحظيرة ّ
الدواجن؟ ُ
ِ
هل ٌ
وطن هذا الذي
تكون فيه عندما
غير ْ
كائن تكون َ
ْ
املواطن يا ّأيها
خنه ثم ُ
خنه، ثم ُ ُ
وخنه َّ ُخ ُ
نه
ْ ُ ْ
للبراثن. بركت خيانة الجر ِاح
ْ
املواطن يا ُّأيها
إن لم ْ
تخن
َ
فأنت حقا خائن
42
هكذا رسم أحمد مطر من خالل شعرة لوحة الضياع والذوبان في شخصية تكاد تكون مسحوقة في
مجتمع قد هضم كل إنسانيتها ،فبكلماته وصوره ظهرت الغربة السياسية عميقة متأصلة ،داكنة بين
القلوب وتحت األجفان ،ولسان حالها يخاطب املتلقي وينقله إلى الواقع بصورته الحقيقية الواضحة
َّ كوضوح الشمس ً
بعيدا عن التزييف والتزوير للحقيقية الراهنة ،فما زالت الكلمات الصريحة تتمث ُل
بمضمونها ومكنونها ومظهرها بمشهد الغربة عند كل قارئ لشعر أحمد مطر ،وباحث عما يستتر وراء
السطور ،وما يعتلج في الصدور.
-1نزارقباني
كانت حياة نزار قباني ممتلئة بالترحال والتطواف بين البلدان؛ وذلك بحكم عمله في املجال الدبلوماس ي،
فكانت هذه الحياة قد مثلت لديه صورة من صور الشوق والحنين والغربة في كثير من أشعاره املدونة،
فالغربة األولى تتمثل بالحنين إلى بيت الطفولة الدمشقي الذي يكاد يكون قارورة عطر" ،وكأنه أسطر من
43
الجمال ،فهو املظلة التي تركت بصماتها واضحة في شعره ،كما تركت غرناطة وإشبيلية وقرطبة بصماتها في
الشعر األندلس ي )89( .وهي القصيدة املشهورة "القصيدة الدمشقية".
يدعو نزار قباني القارئ لشعره إلى الولوج إلى النص والبحث في مكنوناته؛ وذلك ملعرفة ما يصبو إليه
ً ً
من دون الوقوف على ظاهر اللفظ ،فيصرح قائال" :على من يريد أن يقرأني أن يدخل عاملي الشعري دخوال
ً ً
كامال شامالّ ،أما الذي يكتفي بدخول غرفة واحدة من غرف البيت الكبير ،وينس ى بقية الغرف فال أريده أن
السياح وال يستعملونها"(ّ )90
ولعل هذا هو قراء يحملون كاميرات َّ
يزورني مرة أخرى ،فأنا لست بحاجة إلى ّ
منهجنا للبحث وراء الكلمات عن صور الغربة املتناثرة بين أشعاره بين غربة سياسية واجتماعية ومكانية
وزمانية.
إن مظاهر الغربة القبانية تظهر في صور من العزلة والقهر والسلب للحقوق ،فتجربته الشعرية قد
نقلت إلينا مالمح هذه األحاسيس من خالل نصوص عدة ،فلقد أضحى الشعور بغربة الوطن األمثل هو
الهاجس األول لديه في تعريفه للوطن ،بأنه املكان األمثل لكل ساذج ،قال في قصيدته "تعريف غير كالسيكي
للوطن")91( .
وطني
السذاج ريحانا ور ْ
اح ُ َ
يفهمك
ْ
سماح َ
الرأس ،أو رقص يهز َ
ويظنونك درويشا ُّ
َ
ويظنونك في غفلتهم
نغمة من بز ٍق..
كرس الشاعر نفسه للكتابة بالحق ضد باطل ،وبالنور ضد العتمة والظالم ،فالغريب في مجتمعه لقد ّ
ً
عظيما في نظر من تصفهم مهربا إال بالكتابة والتصوير ملا يحس به ،فالكتابة وإن كانت ً
ذنبا ال يجد له ً
الوصف الحقيقي ،فهي ما تزال تفعل فعلها في كل قارئ ومحب للشعر ،ويرى قباني ّ
"أن الثائر الحقيقي
ً
تصورا لشكل املستقبل ..فالقصيدة دون ثورة تصبح ثائرا ً
شعريا ،ال بد أن يحمل ً
سياسيا أو ً سواء أكان ً
ثائرا
عمال من أعمال الفوض ى"( )92قال في قصيدته "ملاذا أكتب؟"()93 ً
( )89انظر :عبد الرحمن ياغي ،القصيدة املالئكية والجواهرية والدرويشية والقبانية ،ط ،1عمان ،دار البشير1998 ،م،
ص .145
( )90نزار قباني ،قصتي مع الشعر ،منشورات نزار قباني ،بيروت1982 ،م ،ص .14
( )91نزار قباني ،ال ،ط ،13بيروت1999 ،م ،ص.35
( )92جهاد فاضل ،قضايا الشعر الحديث ،ط ،1دار الشروق1984 ،م ،ص.239
( )93نزار قباني ،قصائد مغضوب عليها ،ص .12-11
44
أكتب
َ َ ّ
النساء من أقبية الطغاة حتى أنقذ
من مدائن األموات،
من تعدد الزوجات،
من تشابه األيام،
ّ
والصقيع والرتابة
أكتب
َ ّ ّ
حتى أنقذ الكتابة من محاكم التفتيش
شمشمة الكالب
ِ من
مشانق الرقابة
ِ من
والغربة عند نزار قباني ال تقف عند حدود املكان والعودة إلى الوطن والشوق إليه ،بل ترتبط أيضا في
البلد اآلخر بالعودة إلى األجداد وما تركوا من أثر في نزوع زمني يظهر في تصوير ملشهد أفعالهم في األندلس،
قال في قصيدته "قراءة أخيرة على أضرحة املجاذيب"()94
أمش ي..
َ
غريب الوجه في غرناطة..
َ
األطفال ،واألشجار، أحتضن
واملآذن املقلوبه..
فها هنا املرابطون رابطوا..
وها هنا املوحدون استوزروا..
وها هنا..
اب ،والنساء ،والغيبوبه..
مجالس الشر ِ
ٌ
وها هنا عباءة دامية..
ْ ٌ
وها هنا ...مشنقة منصوبة.
45
ّ
لتصرح عن حالة ولم تقف حدود الغربة القبانية عند وطنه سورية ،بل تجاوزت الحدود األخرى
الشتات والضياع التي يعيشها وطننا العربي في هذا العصر ،قال في قصيدته "الحاكم والعصفور"()95
ساعات
ٍ أبقى ملحوشا
ْ
املأمور َ
منتظرا فرمان
مل ّ
أتأمل في أكياس الر ِ
عيني ْ
بحور ودمعي في َّ
ٌ
وأمامي كانت لفتة
ّ
تتحدث عن "وطن واحد"
ّ
تتحدث عن "شعب واحد"
كالجرذ هنا ْ
قاعد و أنا ُ
ِ
أتقيأ أحزاني..
ْ
الطبشور ات َ ُ
وأدوس جميع شعار ِ
باب بالدي ُّ
وأظل على ِ
مرميا..
ْ
املكسور كالقدح
ً
سماء يطير ولقد كان نزار قباني مفعم القريحة حاضر الصورة في الحنين إلى الوطن ،فالوطن يمثل له
فوقها كطير ،يالقي من خالل السحب ،ويكسب جماله من جمال طبيعة وطنه ،قال في قصيدته "ورقة إلى
القاري"()96
اع أنا ل ُ
يطيق الوصو ْل شر ٌ
ضياع أنا ل ي ُ
ريد الهدى ٌ
تمد ُ
جموع السنونوُّ ، حروفي،
َ
على الصحو ،معطفها األسودا
ُ ُ ُ
نبضه أعصابه. أنا الحرف.
46
َ قه َ تمز ُ
ُّ
قبل أن يولدا..
َ
أنا لبالدي ...لن ْج َم ِاتها
َّ
ماتها ...للشذا ..للندى. َْ
لغي ِ
هكذا رسم نزار قباني لوحة شعرية في ّ
حب الوطن والحنين إليه في الغربة ،ولقد كانت هذه نماذج
بسيطة من اختياراتنا الشعرية له للتعبير عن غربته في مجاالت متنوعة ،ولو أردنا رصد هذه الظاهرة
حب الوطنوالصورة الشعرية عنده لكتبنا في ذلك كثير ،ولكن كانت زهرة من زهور حديقته الشعرية في ّ
ِّ
والشعور بالغربة عنه .فلم تكن غربته بمعنى البعد املكاني فقط ،بل كانت تحمل معاني عدة بين غربة
سياسية واجتماعية وزمانية عالوة على املكانية ،وتجاوزت في بعضها حدود سورية إلى الوطن العربي قاطبة.
-2محمد املاغوط
عاش الشاعر السوري محمد املاغوط حياة ممتلئة بالحزن واألس ى ،وكان لهذه الحياة األثر الكبير في
رفضه للمجتمع والتمرد عليه بشعره؛ وبذلك بدأت بذوره الشعرية تتضح من خالل ملمح الغربة
مخيلة املاغوط ،فهو الذي مكبرة عن صورة األم في ّ مثالية ّ
االجتماعية والعزلة ،فقد "كان للوطن صورة ّ
الصافية ،وينهض الوطن بعبقريات ينشأ ويترعرع في أفيائه املواطن ،فيأكل من ثماره ،ويشرب من ينابيعه ّ
أفراده ،فيرعى الشعر والشعراء ،ويقدمهم على سواهم ،ويحقق لهم طموحاتهم الثقافية واالجتماعية
خيبجدلية ،فبقدر ما يعطي املواطن يأخذ ،ولكن الواقع ّوالسياسية ،وتكون العالقة بين الوطن واملواطن ّ
آمال املاغوط ،فإذا الوطن ييهئ له الرصاص واملشانق أو التهجير على األقل ،فيرى املاغوط لذلك أن الوطن
أصبح مقبرة للمناضلين والشرفاء وأصحاب العطاءات ،وأن مصير هؤالء هو القتل أو التهجير ،أو
عبر عن الغربة في الوطن ،فالحبس قد زاد من غربته وأمله ،قال في قصيدته الحبس"( )97فبهذه املعاني ّ
"القتل"()98
َّ ْ
جرية على قلبي يا سيدي ضع قدمك الح
الجريمة تضرب باب القفص
ُ
يصدح كالكروان والخوف
ُ
ها هي عربة الطاغية تدفعها الرياح
( )97انظر :خليل موس ى ،قراءات نصية في الشعر العربي املعاصر في سورية( ،الهيئة العامة السورية للكتاب2012 ،م)،
ص.143-142
( )98محمد املاغوط ،األعمال الشعرية ،ط( ،2دمشق :دار املدى ،)2006 ،ص.66-65-58
47
وها نحن ّ
نتقدم
ّ
كالسيف الذي يخترق الجمجمة.
ّ
إننا من الشرق
من ذلك الفؤاد الضعيف البارد
مفزعة يا ليلى
ٍ قيلولة
ٍ إننا في
لقد كرهت العالم دفعة واحدة
ّ ّ
الن َ
سيج الحشر َّي الفتاك هذا
و أنا أسير َ
أمام الرؤس املطرقة منذ شهور
والعيون املبللة منذ بدء التاريخ
ماذا تثيربي؟ ل ش يء
إنني رجل من الصفيح
أغنية ثقيلة حادة كاملياه الدفقه
كالصهيل املتمرد على الهضبه.
في الغربة يطلق املاغوط صورة معتمة قد كانت داكنة ،حملت في مضامينها ألوان الفرقة والعذاب
فالغريب يعيش حياة قاسية يكابد فيها مرارة البعد والفراق ،لذلك يلجأ الشاعر إلى وصف الطبيعة في عيون
الغريب ،قال في قصيدته" الغرباء"()99
ٌ
قبورنا معتمة على الرابيه
والليل يتساقط في الوادي
ُ َ
يسيربين الثلوج والخنادق
ُ
أيتها الجبال املكسوة بالثلوج والحجاره
أيها النهرالذي ير افق أبي في غربته
ّ
الريح
دعوني أنطفئ كشمعة أمام ِ
ّ
أتألم كاملاء حول السفينه
48
فاأللم يبسط جناحه الخائن
ُ ُ
املعلق في خاصرة الجواد واملوت
يلج صدري كنظرة الفتاة املراهقة
كأنين الهواء القارس.
لقد ارتبط حب الوطن عند املاغوط بالحزن ،الذي شكل "صورة إبداعية خالقة ،تنحو إلى مشاركة
كل صورة يفعل ذلك؛ ليدخل في أعماق الذات .وقد كان حزنه كاإلنسان الذي الشاعر من املتلقي ،وهو في ّ
يتبع الشاعر أينما كان وأينما ّ
حل"( )100فالشعر الذي ال ينقل إلى املتلقي إلى عالم الشاعر الخاص هو هذر
من القول ،فالحزن على الوطن هو باب من أبواب العزلة االجتماعية في عامله الخاص ،في مشهد غربة عن
الوطن بصورة دمشق ،قال في قصيدته "جنازة النسر"()101
ّ
أظنها من الوطن
ُ ُ
هذه السحابة املقبلة كعينين مسيحيتين
أظنها من دمشقُّ
ُ ُ
هذه الطفلة املقرونة الحواجب
ُ ُ
األكثر صفاء هذه العيون
قاء بين ّ
السفن. من نيران زر َ
ٍ
َ
سيفي الطويل املجعد ّأيها الحزن ..يا
ُ
الرصيف الحامل طفلة األشقر
يسأل عن وردة أو أسير،
عن سفينة وغيمة من الوطن..
ً
وضوحا في تصويره للمسافر العربي الذي ولعل مشهد الحزن والغربة عن األحبة والوطن يظهر أكثر
ابتعد عن وطنه وهو يرتحل من بلد إلى آخر ،قال في قصيدته "مسافر عربي في محطات الفضاء"()102
ّ
والفنيون ُ
العلماء أيها
( )100إيمان عبدو عبد القادر ،صورة اإلنسان في شعر محمد املاغوط ،رسالة ماجسيتر ،د .جودت إبراهيم (مشرف)،
جامعة البعث ،2010 ،ص .185
( )101محمد املاغوط ،األعمال الشعرية الكاملة ،ص .16
( )102محمد املاغوط ،األعمال الشعرية ،ص.207
49
أعطوني بطاقة سفرإلى ّ
السماء
ٌ
موفد من قبل بالدي الحزينه فأنا
باسم أراملها وشيوخها وأطفالها
كي تعطوني بطاقة مجانية إلى ّ
السماء
ففي راحتي بدل النقود" ..دموع".
ولقد كان املاغوط في غربته يرسل رسائل مشمولة بحب الوطن الذي تربى فيه "القرية" ومن خالل هذه
الرسائل يحاول التخفيف من شعوره بمرارة الغربة االجتماعية ،فالكتابة في رأيه هي سبب لكل مايعانيه،
ولكنه ال يستطيع إال يذنب بالكتابة ويذنب ،فالناس في دمشق يبحثون عن كل حاجة ،بينما يبحث الشاعر
بين الكلمات ّ
ليعبر عما يدور في نفسه ومخيلته ،قال في قصيدته "رسالة إلى القرية"()103
50
خاتمة
َّإن قيمة الوطن في الشعر العربي هي قيمة عظيمة ،وقد حاول البحث من خالل هذا األشعار تأصيل
هذه الظاهرة الشعرية وفق منهج مقارن بين الصورة الشعرية القديمة في الغربة عن الوطن ،وبين الغربة
عنه في الشعر العربي الحديث ،فالغربة عن الوطن حملت بمضمونها صور متعددة بين ما يعتلج في األنفس
ً
حاضرا في مخيلة املتلقي وقارئ النص ،وهذه الدراسة هي جولة في أشعار حب وما رسمته أقالم الشعراء
الوطن وألم الفرقة والغربة عنه ،وال يدعي البحث الكمال ،والنضج التام ،وال يخرج على باب املحاولة
والتأثير ،وهللا من رواء القصد.
51
مصادرالبحث ومراجعه
)1القرآن الكريم.
)2إسماعيل .عز الدين ،التفسير النفس ي لألدب ،ط( ،4مكتبة غريب ،د .ت).
)3إسماعيل .علي بن ،ابن سيدة ،املخصص( ،لبنان :دار الكتب العلمية).
)4باشالر .غاستون ،جماليات املكان ،غالب هلسا (مترجم) ،ط( ،2بيروت :املؤسسة الجامعية
للدراسات1984 ،م).
)5الجاحظ .عمرو بن بحر ،الحنين إلى األوطان ،ط( ،2دار الرائد العربي1982 ،م).
)6الجبوري .يحيى ،الحنين والغربة في الشعر العربي ،ط( ،1عمان :دار مجدالوي2008 ،م).
)7خليفة .عبد اللطيف ،دراسات في سيكولوجية االغتراب( ،القاهرة :دار غريب.)2003 ،
)8درويش .محمود ،األعمال الشعرية الكاملة ،ط( ،1رياض الريس للنشر2005 ،م).
)9الدويهي .خليل ،ديوان أبي فراس الحمداني ،ط( ،2بيروت :دار الكتاب العربي1994 ،م).
)10زعيتر .حمادة تركي ،جماليات املكان في الشعر العباس ي ،ط( ،1دار الصادق الثقافية2013 ،م).
)11سعيد .علي أحمد ،أدونيس ،األعمال الشعرية الكاملة ،ط( ،1دار املدى للثقافة والنشر،
1996م).
)12سعيد .علي أحمد ،أدونيس ،مقدمة للشعر العربي ،ط ،3دار العودة ،بيروت1979 ،م.
)13الشايب .أحمد ،تاريخ الشعر السياس ي ،ط( ،5القاهرة :مكتبة النهضة املصرية1967 ،م).
)14عطار .نجاح ،الجواهري في العيون من أشعاره ،ط( ،4دار طالس للطباعة والنشر ،عام
1998م).
)15العقاد .عباس محمود ،ابن الرومي ،حياته وشعره ،ط( ،5القاهرة :املكتبة التجارية.)1963 ،
)16فاضل .جهاد ،قضايا الشعر الحديث ،ط( ،1دار الشروق1984 ،م).
)17قباني .نزار ،األعمال الشعرية الكاملة( ،بيروت :منشورات نزار قباني).
)18قباني .نزار ،قصتي مع الشعر( ،بيروت :منشورات نزار قباني1982 ،م).
)19قباني .نزار ،ال ،ط( ،13بيروت :د.ن1999 ،م).
عامريات ابن دراج القسطلي( ،دمشق :منشورات الهيئة العامة السورية ّ )20قباني .وسام،
للكتاب2001 ،م).
)21قاسم .عدنان ،األصول التراثية في نقد الشعر العربي املعاصر :دراسة نقدية في أصالة الشعر،
ط( ،1املنشأة الشعبية للنشر1980 ،م).
)22القاض ي .النعمان ،أبو فراس الحمداني املوقف والتشكيل الجمالي( ،القاهرة :دار الثقافة
للنشر والتوزيع ،القاهرة1982 ،م).
)23املاغوط .محمد ،األعمال الشعرية ،ط( ،2دمشق :دار املدى2006 ،م).
52
)24املجاطي ،أحمد املعداوي ،ظاهرة الشعر الحديث( ،الدار البيضاء :شركة النشر والتوزيع
املدرس ي ،د.ت).
)25محمود .عادل ،الجوهرة املؤملة محمود درويش( ،دمشق :الهيئة العامة السورية للكتاب،
2011م).
)26مطر .أحمد ،املجموعة الشعرية ،ط( ،1بيروت :دار الحرية ،عام 2011م).
)27املعري .أبو العالء ،سقط الزند ،شرح :أحمد شمس الدين ،ط( ،1بيروت :دار الكتب العلمية،
.)1990
)28املعري .أبو العالء ،لزوم ما ال يلزم (اللزوميات)( ،بيروت :دار صادر ،د.ت).
)29مكي .محمود علي ،ديوان ابن دراج القسطلي ،ط( ،1دمشق :منشورات املكتب اإلسالمي،
1961م).
)30موس ى .خليل ،قراءات نصية في الشعر العربي املعاصر في سورية( ،الهيئة العامة السورية
للكتاب2012 ،م).
)31الناعوري .عيس ى ،أدب املهجر ،ط( ،3مصر :دار املعارف د .ت).
)32نيازي .صالح ،االغتراب والبطل القومي ،ط( ،1مؤسسة االنتشار العربي1999 ،م).
)33هيكل .أحمد ،األدب األندلس ي من الفتح إلى سقوط الخالفة ،ط( ،13القاهرة :دار املعارف،
1958م).
)34ياغي .عبد الرحمن ،القصيدة املالئكية والجواهرية والدرويشية والقبانية ،ط( ،1عمان :دار
البشير1998 ،م).
53