You are on page 1of 6

‫المبحث األول‪ :‬المسائل التي تعرض لها ابن جني في كتابه الخصائص‪:‬‬

‫تطرق ابن جني للعديد من المسائل النحوية والصرفية والصوتية والبالغية في كتابه‬
‫الخصائص وقسمها إلى ‪ 162‬بابًا‪ ،‬وال يمكننا التطرق لها كلها في بحثنا هذا؛ لضيق‬
‫‪1‬‬
‫الوقت‪ ،‬لكن سأذكرها في نقاط كما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬في تصريف األفعال من حيث أبواب المضارع مع ماضيه من الفعل الثالثي‪،‬‬
‫ومن حيث معاني صياغة الزوائد‪.‬‬
‫الفعل كما عرفه اللغويون‪.‬‬
‫في تصريف األسماء من حيث التثنية والجمع‪ ،‬ومن حيث تأصيل المذكر‬ ‫‪‬‬
‫ومن حيث النسب والتصغير‪.‬‬
‫تصريف األسماء من حيث اإلعالل واإلبدال ومن حيث اإلدغام‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الفصل بين الكالم والقول‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫نشأة اللغة أتوقيف أم اصطالح‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اإلعراب والبناء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أصل العلل العربية أكالمية أم فقهيه‪ ،‬وتعارض العلل في المعلول الواحد‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الرد على من أدعى على العرب عنايتها باأللفاظ وإهمالها للمعاني‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تداخل األصول الثالثية والرباعية والخماسية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫استعمال حرفين متقاربين أحدهما معنى اآلخر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫في األلفاظ من حيث اتفاقها واختالف معانيها‪ ،‬واأللفاظ أشباه المعاني‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫استعمال الحروف مكان بعضها البعض‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المستعمل والمهمل في األلفاظ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أصل الكلمة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الفرق بين الحقيقة والمجاز‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الغرض من مسائل التصريف‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫األسماء العلم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تعارض السماع والقياس‪ ،‬استحسان ما خالف القياس وسمع عن العرب رغم‬ ‫‪‬‬
‫استقباحه‪.‬‬
‫إجراء االزم مجرى غير الالزم من األفعال‪ ،‬وإجراء المتصل مجرى‬ ‫‪‬‬
‫المنفصل في الضمائر‪.‬‬
‫عالقة الحركات بالحروف‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫دراسة المعنى وما يترتب عليها‪ :‬م تجاذبه مع االعراب‪ ،‬وقوته بقوة اللفظ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ 1‬حمودي زين الدين عبد المشهداني‪ ،‬الدراسات اللغوية خالل القرن الرابع الهجري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪.280‬‬
‫سقطات العلماء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫صحة القياس على الفروع في فساد أصول الكلمة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أغالط العرب المخالفة للقياس‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أن كل ما يقوله العرب يعد ما يقاس عليه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اختالف اللهجات عنده كلها حجة في القياس‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وسنذكر فيما يلي أهم المسائـل التي تطرق لها ابن جني في كتابه الخصائص‪:‬‬
‫ا‬
‫أوًل‪ :‬في القياس‪:‬‬
‫سه قَيسا ً وقياسا واقتاسه وقيّسه إذا قدّره‬ ‫قاس الشيء َيقي ُ‬
‫القياس في اللغة‪ :‬مصدر " َ‬
‫‪2‬‬
‫على مثاله ‪ ...‬ويقال‪ :‬قايست بين شيئين إذا قادرت بينهما"‪.‬‬
‫أن القياس‪" :‬عبارة عن التقدير يقال‬ ‫وأوضح الشريف الجرجاني (ت‪816‬هـ) ّ‬
‫وسويته‪ ،‬وهو عبارة عن ردّ الشيء إلى نظيره"‪ ،3‬وبيّن‬ ‫ّ‬ ‫قست النعل بالنعل إذا قدرته‬
‫تعريفه في الشرع‪ ،‬فقال‪" :‬وفي الشريعة عبارة عن المعنى المستنبط من النص؛ لتعديه‬
‫الحكم من المنصوص عليه إلى غيره‪ ،‬وهو الجمع بين األصل والفرع في الحكم"‪.4‬‬
‫وثان يقتضيه في‬ ‫ٍ‬ ‫ي فيعني‪ " :‬الجمع بين ّأول‬ ‫أ ّما القياس في االصطالح النحو ّ‬
‫ص ّحة األول ص ّحة الثاني‪ ،‬وفي فساد الثاني فساد األول" ‪ ،‬و"هو حمل فرع على أصل‬
‫‪5‬‬

‫بعلّة‪ ،‬وإجراء حكم األصل على الفرع "‪.6‬‬


‫والقياس هو األصل الثاني من أدلّة الصناعة بعد السماع‪ ،‬فإنكار القياس في النحو‬
‫ألن النحو كلّه قياس‪ ،‬ف َمن أنكر القياس أنكر النحو‪ ،‬وال نعلم أحدا ً من العلماء‬ ‫ال يتحقّق؛ ّ‬
‫أنكره؛ لثبوته بالدالئل القاطعة والبراهين الساطعة ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫ووضع ابن جني بابا ً أسماه (ما ِقيس على كالم العرب فهو من كالم العرب)‪ ،‬قائالً‬
‫ضعُف عن احتماله؛ لغموض ِه ولطف ِه‪،‬‬ ‫فيه‪ " :‬هذا موضع شريف وأكثر الناس ي َ‬
‫نص أبو عثمان عل ِيه فقال‪ :‬ما قيس على‬ ‫والمنفعةُ به عا َّمة والتسانُد إل ِيه ُم َقو ُم ْجدٍ‪ ،‬وقد َّ‬
‫غيرك اسم ك ّل فاعل‬ ‫كالم العرب فهو من كالم العرب أال ترى أنّك لم تسمع أنت وال ُ‬
‫ظ ُرف‬ ‫ت َ‬ ‫البعض فقسْت عليه غيره فإذا سمعت قام زيد ْ‬
‫أجز َ‬ ‫َ‬ ‫عت‬
‫سم َ‬‫وال مفعول‪ ،‬وإنّما ْ‬
‫ِبشر وكرم خالد"‪.8‬‬
‫فقسم ابن جني القياس في كتابه إلى‪:‬‬

‫‪ 2‬ابن منظور‪ .‬لسان العرب‪ .‬الطبعة الثالثة‪ .‬دار الصادر‪ .‬بيروت‪1414 .‬هـ‪ .‬ج‪ 11‬ص‪.370‬‬
‫‪ 3‬الجرجاني‪ .‬علي محمد‪ .‬التعريفات‪ .‬الطبعة األولى‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬بيروت – لبنان‪1403 .‬هـ ‪1983 -‬م‪ .‬ج‪1‬‬
‫ص‪.148‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه‪.148 :‬‬
‫‪ 5‬الرماني‪ .‬علي بن عيسى‪ .‬الحدود في النحو‪ .‬تحقيق بتول قاسم‪ .‬دار الشؤون الثقافية‪ .‬العراق‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬ص ‪.38‬‬
‫‪ : 6‬ابن االنباري‪ .‬اإلغراب في جدل اإلعراب ولمع األدلة في أصول النحو‪ .‬تحقيق سعيد األفغاني‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬دار‬
‫الفكر‪ .‬عمان – األردن‪ .‬ج‪ 1‬ص ‪.42‬‬
‫‪ 7‬ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ 1‬ص‪.95‬‬
‫‪ 8‬أبو الفتح عثمان ابن جني‪ .‬الخصائص‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.357‬‬
‫سم القياس على أربعة أقسام‪ ،‬هي‪:‬‬
‫فق ّ‬
‫‪ -1‬حمل الفرع على األصل‪ ،‬كإعرابهم المثنى والجمع بالحروف فأع َ‬
‫ط ُوا الرفع في‬
‫والجر فيهما الياء‪ ،‬وبقي النصب ال حرف‬
‫ّ‬ ‫التثنية األلف‪ ،‬والرفع في الجمع الواو‪،‬‬
‫الجر فحملوه عليه‪ ،‬جمع التأنيث حملوا النصب على الجر كذلك‪،‬‬‫ّ‬ ‫له‪ ،‬جذبوه إلى‬
‫ت مثلما قالوا‪ :‬مررت بالهندات‪.9‬‬
‫فقالوا‪ :‬ضربت الهندا ِ‬
‫عى في النّسب‪ ،‬وتكون الم‬ ‫ألف َم ْغ ًزى و َم ْد ً‬
‫‪ -2‬حمل األصل على الفرع‪ ،‬كحذفهم ِ‬
‫ى‪ ،‬وتكون أيضا ً حذف ياء تحيّة‪ ،‬وإن‬ ‫ى وسكر ّ‬ ‫على األلف الزائدة في نحو‪ُ :‬حبل ّ‬
‫كانت أصالً حمالً لها على ياء شقيَّة وإن كانت زائدة؛ فلذلك قالوا‪ :‬ت َ َح ِو ّ‬
‫ى مثلما‬
‫ى في شقيَّة وغنيّة‪.10‬‬ ‫ىو َ‬
‫غنَو ّ‬ ‫قالوا‪ :‬شَقو ّ‬
‫‪ -3‬حمل النظير على النظير كقوله‪" :‬ما إن لم يَقُم دليل فإنك محتاج إلى ِإيجاد النظير‬
‫أن واوه وتاءه أصالن احتجت إلى‬ ‫ت ل ّما لم يقم الدليل على ّ‬ ‫أال ترى إلى ِع ْزوي ٍ‬
‫تجد له نظيرا ً وحملته على‬ ‫التعلّل بالنظير فمنعت من أن يكون فِ ْع ِويال ل َّما لم ِ‬
‫ت لوجود النظير وهو ِعفريت ونِفريت "‪ .11‬فهنا حمل ( ِعز ِويت) على نظيره‬ ‫فِعلي ِ‬
‫فريت)‪.‬‬‫فريت)‪ ،‬و(ونِ ِ‬ ‫( ِع ِ‬
‫‪ -4‬حمل ض ّد على ضدّ‪ ،‬كقول الشاعر‪:12‬‬
‫لعمر هللا أعجبنى رضاها‬ ‫ي بنو قُشَير‬ ‫ضيَ ْ‬
‫ت عل َّ‬ ‫إذا َر ِ‬
‫ي‪ " ،‬ووجهه أنّها إذا رضيت‬
‫أن الشاعر أراد (عني) في كلمة عل ّ‬ ‫أوضح ابن جني ّ‬
‫ي‬
‫عنه أحبته‪ ،‬وأقبلت عليه؛ لذلك استعمل (على) بمعنى (عن)‪ ،‬وكان أبو عل ّ‬
‫ي في هذا؛ ألنه قال‪ :‬ل ّما كان (رضيت) ض َّد (سخطت)‬
‫ي يستحسن قول الكسائ ّ‬‫الفارس ّ‬
‫ضيَت بعلى حمالً للشيء على نقيضه" ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫عدّى َر ِ‬
‫ثانياا‪ :‬اختالف لهجات العرب‪:‬‬
‫ف ال ِلّسان‪ .‬واللَّ َه ِجةُ‪:‬‬ ‫مر لَ َهجاً‪ ،‬واللَّ َه َجةُ‪َ :‬‬
‫ط َر ُ‬ ‫اللهجة في اللغة‪ " :‬لَ ِه َج باأل َ ِ‬
‫الكالم‪ ،‬والفت ُح أَعلى‪ .‬ويقال‪ :‬فالن فصي ُح اللَّ ْه َج ِة‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫َج ْر ُ‬
‫‪14‬‬
‫واللَّ َهج ِة‪ :‬هي لغته التي ُج ِب َل عليها فاعتا َدها ونشأ َ عليها"‬

‫‪ 9‬ينظر‪ :‬ابن جني‪ .‬الخصائص‪ .‬ج‪ 1‬ص‪.111‬‬


‫‪ 10‬ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ .‬ج ‪1‬ص‪.309‬‬
‫‪ 11‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ 1‬ص‪.197‬‬
‫‪ 12‬ينظر‪ :‬الحموي‪ .‬ابن جحه تقي الدين‪ .‬خزانة األدب وغاية اإلرب‪ .‬تحقيق عصام شفيق‪ .‬دار الهالل ودار‬
‫البحار‪ .‬الطبعة األخيرة‪ .‬بيروت – لبنان‪2004 .‬م‪ .‬ج‪ 4‬ص‪247‬‬
‫‪ 13‬ابن جني‪ .‬الخصائص‪ .‬ج‪ 2‬ص‪.311‬‬
‫‪ 14‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪379‬‬
‫واللهجة في االصطالح‪ " :‬مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي ألى بيئة خاصة‪،‬‬
‫ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة‪ ،‬وبيئة اللهجة هي جزء من بيئة‬
‫أوسع وأشمل تضم عدة لهجات‪ ،‬لكل منها خصائصها‪ ،‬ولكنها تشترك جميعًا في‬
‫مجموعة من الظواهر اللغوية التي تيسر اتصال الفرد هذه البيئات بعضهم ببعض‪،‬‬
‫وفهم ما قد يدور بينهم من حديث فه ًما يتوقف على قدر الرابطة التي تربط بين هذه‬
‫اللهجات وتلك البيئة الشاملة التي تتألف من عدة لهجات هي التي اصطلح على‬
‫‪15‬‬
‫تسميتها باللغة‪".‬‬
‫سبب اختالف لهجاتهم‪ :‬من المعروف أن العرب كانوا أمة متفرقة إلي قبائل‪ ،‬وأن‬
‫هذه القبائل قد انتشرت‬
‫في أنحاء الجزيرة العربية‪ ،‬وكان لكل قبيلة استقاللها وكيانها الخاص‪ ،‬فأدى‬
‫ذلك إلى انعزالها‪ ،‬وكان من أسباب نشأة اللهجات العربية القديمة‪.‬‬
‫وفي العصر الجاهلي تمسكت كل قبيلة بصفتها الكالمية في حديثها العادي‪،‬‬
‫وفي لهجات التخاطب‪ ،‬لكن الخاصة من الناس في تلك القبائل لجأوا إلى اللغة‬
‫المشتركة في المواقف الجديدة‪ ،‬يخطبون بها وينظمون الشعر بها‪ ،‬وينفرون‬
‫من صفات اللهجات في مثل هذا المجال‪ ،‬حتى إذا عادوا إلي قبائلهم تحدثوا مع‬
‫‪16‬‬
‫الناس في شؤونهم العامة بمثل لهجتهم‪.‬‬
‫وقد خصص ابن جني في كتابه الخصائص (باب اختالف اللغات‪ 17‬وكلها حجة)‪،‬‬
‫ضا (باب في الفصيح يجتمع في كالمه لغتان فأكثر)‪:‬‬
‫وأي ً‬
‫ففي الباب األول تحدث فيه عن األخذ بلهجة ما في القياس‪ ،‬فإذا كانت هناك لهجتان‬
‫متساويتان في حكم فكالهما جائز القياس فيه‪ ،‬وأما إذا كانت هناك لهجة أضعف من‬
‫األخرى فتؤخذ بالقياس وهكذا‪ ،18‬وأما في الباب الثاني‪ :‬ينبغي أن تتأمل حال كالمه‬
‫فإن كانت اللفظتان في كالمه متساويتين في االستعمال كثرتهما واحدة فإن أخلق‬
‫األمر به أن تكون قبيلته تواضعت في ذلك المعنى على ذينك اللفظين ألن العرب قد‬
‫تفعل ذلك للحاجة إليه في أوزان أشعارها وسعة تصرف أقوالها‪ .‬وقد يجوز أن تكون‬
‫لغته في األصل إحداهما ثم إنه استفاد األخرى من قبيلة أخرى وطال بها عهده وكثر‬
‫استعماله لها فلحقت ‪ -‬لطول المدة واتصال استعمالها ‪ -‬بلغته األولى‪ .‬وإن كانت‬
‫‪ 15‬الحمزاوي‪ .‬عالء إسماعيل‪ .‬دور اللهجة في التقعيد النحوي دراسة إحصائية تحليلية في ضوء همع الهوامع‬
‫للسيوطي‪ .‬جامعة المنيا‪ ،‬مصر‪1999 .‬م‪ .‬ص‪3‬‬
‫‪ 16‬محمد شفيع الدين‪ .‬اللهجات العربية وعالقتها باللغة العربية الفصيحة‪ .‬الجامعة اإلسالمية العالمية‪ .‬شيتا غونغ‪.‬‬
‫‪2007‬م‪ .‬المجلد الرابع‪ .‬ص ‪.75‬‬
‫‪ 17‬اللغات‪ :‬اللهجات تسمى قدي ًما اللغات‪.‬‬
‫‪ 18‬ينظر‪ :‬الخصائص‪ .‬ابن جني‪ .‬ج‪ 2‬ص‪12‬‬
‫إحدى اللفظتين أكثر في كالمه من صاحبتها فأخلق الحالين به في ذلك أن تكون‬
‫‪19‬‬
‫القليلة في االستعمال هي المفادة والكثرة هي األولى األصلية‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬الفصل بين الكالم والقول‪:‬‬
‫‪20‬‬
‫الكالم عند النحويين‪" :‬هو اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليه"‬
‫والقول عند سيبويه‪" :‬األلفاظ المفردة التي يبنى الكالم منها‪ ،‬كزيد من قولك‪ :‬زيد‬
‫منطلق ‪ ،‬وعمرو من قولك ‪ :‬قام عمرو ‪ :‬فأما تجوزهم في تسميتهم االعتقادات‬
‫واآلراء قوال ; فألن االعتقاد يخفى فال يعرف إال بالقول أو بما يقوم مقام القول من‬
‫شاهد الحال فلما كانت ال تظهر إال بالقول سميت قوال إذ كانت سببا له وكان القول‬
‫‪21‬‬
‫دليال عليها"‬
‫ولقد عرف ابن جني الكالم وحدد شروطه وظاهره ويقول في الفرق بين القول‬
‫والكالم‪" :‬الكالم الذي ال يكون إال أصواتًا تامة مفيدة‪...‬والقول الذي يكون أصواتًا‬
‫‪22‬‬
‫غير مفيدة وآراء معتقدة"‬
‫وقد قال في كتابه الكثير من الفروق بينهما ولخص كالمه عنهما في قوله‪ ":‬الكالم‬
‫إنما هو في لغة العرب عبارة عن األلفاظ القائمة برؤوسها‪ ،‬المستغنية عن غيرها‪،‬‬
‫وهي التي يسميها أهل هذه الصناعة الجمل على اختالف تركيبها‪ ،‬وثبت أن القول‬
‫عندها أوسع من الكالم تصرفًا‪ ،‬وأنه قد يقع على الجزء الواحد وعلى الجملة؛ وعلى‬
‫‪23‬‬
‫ما هو اعتقاد ورأى ال لفظ وجرس"‬

‫رابعاا‪ :‬اغالط العرب أو كالم العرب المسموع المخالف للقياس‪:‬‬


‫وقد اختلف الباحثون في موقف ابن جني من مسألة سماع كالم العرب‪ ،‬فذهب‬
‫أن موقف ابن جني من السماع هو نفسه موقف‬ ‫الدكتور فاضل صالح السامرائي إلى ّ‬
‫أسالفه من البصريّين فال يأخذ بالشاذّ والنادر وال يقيس عليه على وجه العموم‪،24‬‬
‫أما الدكتور محمود حسني فإنّه يرى ّ‬
‫أن موقفه تراوح بين البصريّين والكوفيّين‪25‬؛ إذ‬
‫صص بابا ً بـ(أغالط العرب)‪ ،‬ونراه يدعو إلى ترك األخذ عن أهل المدر‪،‬‬ ‫نراه يخ ّ‬

‫‪ 19‬ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ 1‬ص‪370‬‬


‫‪ 20‬ابن مالك‪ .‬ألفية ابن مالك‪ .‬باب الكالم وما يتألف منه‬
‫‪ 21‬ابن منظور‪ .‬لسان العرب‪ .‬ج‪ 12‬ص‪222‬‬
‫‪ 22‬ابن جني‪ .‬الخصائص‪ .‬ج‪ 1‬ص‪19 - 18‬‬
‫‪ 23‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ 1‬ص‪32‬‬
‫‪ . 24‬ينظر‪ :‬ابن جني النحوي‪.146 :‬‬
‫‪ . 25‬ينظر‪ :‬المدرسة البغدادية‪.357-354 :‬‬
‫غير أن ما نراه في كتابه الخصائص مخالفًا لذلك يجد مواضع مخالفة لما سبق وهي‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫الموضع األول‪ :‬حسن الظن بما خالف عليه الجمهور وأنكر تخطئته العرب‪ ،‬غير‬
‫أنه اشترط الفصاحة في قائله وموافقة المسموع للقياس‪ ،‬قال "فإن كان اإلنسان‬
‫القدر الذي انفرد ِبه‪ ،‬وكان ما أورده م ّما يقبله القياس‬
‫َ‬ ‫فصيحا ً في جميع ما عدا ذلك‬
‫سن‬ ‫إال أنّه لم يَ ِرد بِه استعمال إال من جهة ذلك اإلنسان ّ‬
‫فإن األولى في ذلك أن ي ُْح َ‬
‫‪26‬‬
‫الظن بِه وال يُح َمل على فساده"‬ ‫ّ‬
‫والموضع الثاني‪ :‬كلها عنده حجة‪ :" ،‬عدم التفاوت بين اللغات فكلّها عنده ح ّجة‪،‬‬
‫أحق بذلك من‬‫وجواز القياس عليها‪ ،‬وال يص ّح ر ّد لغة باألخرى؛ ألنّها ليست َّ‬
‫أن‬ ‫لكن غاية مالَك في ذلك أن تتخي َّر إحداهما ّ‬
‫فتقويَها على أختها‪ ،‬وتعتقد ّ‬ ‫َر ِسيلتها‪ّ ،‬‬
‫أقوى القياسين أقب ُل لها وأش ّد أ ُ ْنسا ً بها‪ .‬فأ ّما ر ّد إحداهما باألخرى فال‪َ ،‬أوال ترى إلى‬
‫‪27‬‬
‫ت كلّها كافٍ شافٍ "‬ ‫ي‪ :‬نزل القرآن بسبع لغا ٍ‬ ‫قول النب ّ‬

‫‪ 26‬ابن جني‪ .‬الخصائص‪ .‬ج‪ 1‬ص‪385‬‬


‫‪ 27‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ 2‬ص‪10‬‬

You might also like