You are on page 1of 4

‫العقيدة األ شعرية‬

‫أسهمت األشعرية رفقة المذهب المالكي والتصوف السني في خلق انسجام مذهبي وعقدي في المغرب جنبه‬
‫كثيرا من القالقل والفتن التي كانت تقع في مناطق مختلفة من العالم اإلسالمي بسبب الخالفات العقدية‪.‬‬
‫وبرغم بروز اتجاهات عقدية غير أشعرية عند بعض علماء المغرب بعد القرن السادس الهجري؛ فإن‬
‫التعبير عن الخالف كان محصورا في السجال العلمي ‪..‬‬
‫‪ 1.‬معنى العقيدة وااللتزام بها‬
‫معنى العقيدة‬
‫العقيدة لغة من َع َق ََ ََ ََ ََ َد يَ ْع ق ِد ع قْ دا‪ .‬ومعاني هذه المادة في اللغة تفيد اإلحكام والرسوخ والثبات‪.‬‬
‫يقول ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة"‪" :‬العين وال قاف والدال أصل واحد يدل على شَ ٍّد وشدة‬
‫وثوق ‪ "(1).‬واصطالحا تطلق العقيدة على ما كُ ل ِّ ف المسلم باإليمان به والتصديق بأنه حق من مسائل‬
‫الغيب‪ .‬ويشمل هذا التكليف أركان اإليمان الواردة في حديث جبريل‪ :‬أي اإليمان باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪،‬‬
‫ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقدر خ يره وشره ‪ (2).‬ووجه تسمية اإليمان بهذه األركان عقيدة أنه مطلوب من‬
‫المكلف أن يعقد عليها قلبه فال يداخله فيها الشك بحال؛ إذ التردد في بعضها كاإليمان باهلل أو بالرسل‬
‫صلوات هللا وسالمه عليهم أو إنكار البعض اآلخر من غير شبهة تأويل كإنكار القضاء والقدر أصال؛ كفر‬
‫و ضالل ‪.‬‬
‫االلتزام بالعقيدة‬
‫وإذا كانت أركان اإليمان تشكل في مجموعها عقيدة المسلم؛ فإن االلتزام بهذه العقيدة يعني الحرص كل‬
‫الحرص على تحقيق االنسجام بين مفرداتها وبين حياة المسلم بمختلف جوانبها وأبعادها ‪.‬‬
‫ففي مجال الفكر والعلم تقتضي العقيدة مثال أن يكون الوحي مصد را من مصادر المعرفة المعتبرة سواء‬
‫تعلق األمر بالماضي الذي لم ندركه أو بالمستقبل الذي ال نعرفه‪ .‬وفي مجال العبادات تقتضي العقيدة مثال‬
‫أن يحافظ المسلم على الصيغ التي حددها الوحي للشعائر طريقة ومقدارا وتوقيتا‪ ،‬وأن يستحضر “ وهو‬
‫يقوم بها ‪ -‬كل معاني التذلل والخشوع والمحبة نحو خالقه سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫وفي مجال السلوك الشخصي والعالقات االجتماعية تقتضي العقيدة مثال أن يتصرف المسلم انطالقا من‬
‫نظام من القيم ال يحيد عنه؛ كالصبر على المصائب والرضا بما قدر هللا تعالى عليه مما ال يستطيع مدافعته‪،‬‬
‫ونبذ الخيانة والكذب اللذين ال يتص ور صدورهما من مؤمن حقيقي‪ ،‬وإطعام الجار الذي ال يجد ما يسد به‬
‫رمقه‪ ..‬وقد أشار النبي صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬ال يومن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه ‪»(3).‬‬
‫ولذلك نجد كثيرا من نصوص الشرع تطلق على األعمال اسم اإليمان؛ كقوله عز وجل مخاطبا الصحابة‬
‫مطمئنا إياهم على ق بول صلواتهم إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة‪( :‬وما كان هللا ليضيع إيمانكم ‪)(4).‬‬
‫وفي الحديث الصحيح‪ « :‬اإليمان بضع وسبعون “ أو بضع وستون شعبة ‪ -‬فأفضلها قول ال إله إال هللا وأدناها‬
‫إماطة األذى عن الطريق‪ .‬والحياء شعبة من اإليمان ‪ »(5).‬يقول القاضي عياض “ رحمه هللا ‪ « -‬ف قد أطلق‬
‫الشرع على األعمال إسم اإليمان؛ إذ هي منه وبها يتم ‪»(6) .‬‬
‫‪ 2.‬أبو الحسن األشعري‬
‫هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر؛ ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل أبي موسى األشعري‬
‫اليمني ‪ ،‬ولد بالبصرة سنة ‪ 270‬هـ‪ .‬تلقى في مستهل حياته العلمية ثقافة قرآنية وحديثية ولغوي ة واسعة‪،‬‬
‫وعاش في شبابه في كنف أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في عصره‪ ،‬وتلقى علومه حتى صار نائبه‬
‫وموضع ثقته‪ .‬ولم يزل أبو الحسن يتزعم المعتزلة أربعين سنة ‪.‬‬
‫ثم بدأ األشعري يعيد النظر في أفكاره ويدرس ويستخير هللا تعالى حتى اطمأنت نفسه‪ ،‬وأعلن البراءة من‬
‫االعتزال‪ ،‬وخط لنفسه منهجا جديدا يلجأ فيه إلى تأويل النصوص التي قد يفهم منها تشبيه هللا بمخلوقاته‬
‫بما يراه متفقا مع محكمات الشرع ومقتضيات العقل ‪.‬‬
‫ونظرا لما امتاز به منهج األشعري من وسطية واعتدال ‪ ،‬وما طبع مناظراته ومؤلفاته من قوة الحجة‪ ،‬فقد‬
‫وفقه هللا لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم وإفحام الخصوم والمعاندين ‪.‬‬
‫ففي قضية خلق القرآن “ مثال ‪ -‬وهي قضية أحدثت فتنة كبيرة في صفوف األمة وقسمتها إلى فريقين “ قال‬
‫أبو الحسن األشعري للفريق األول‪ :‬أنتم على حق إذا كنتم تقصدون بخلق القرآن اللفظ والتالوة والرسم‪.‬‬
‫وليس لكم مجال أن تنفوا الصفة القديمة القائمة به تعالى وهو الكالم‪ ،‬من غير لفظ وال حرف وال صوت‪.‬‬
‫وقال للفريق الثاني‪ :‬أنتم مصيبون إذا كان مقصودكم "بالقديم" الصفة القائمة بذات الباري “ يعني الكالم‬
‫النفسي ‪ -‬وليس لكم مجال أن تنكروا حدوث لفظ الالفظ وتالوة القارئ ‪.‬‬
‫وقد ظهرت حاجة األمة إلى أبي الح سن األشعري من خالل األسئلة التي تواردت عليه من أقطار العالم‬
‫فأجاب عنها؛ فطبق ذكره اآلفاق‪ .‬وقد استحق بما كتبه في نصرة السنة أن يسمى إمام أهل السنة‪ ،‬وأن‬
‫يتفق الجمهور على أنه مجدد المائة الثالثة‪ .‬وتجرد بعد ذلك أصحابه وأتباع مذهبه في العقيدة من المذاهب‬
‫الفقهية األربعة‪ ،‬ينشرون عقيدة أهل السنة والجماعة التي جمع هللا عليها السواد األعظم بعد فرقة وشتات‬
‫وتمزق ‪.‬‬
‫وقد خلف األشعري مكتبة كبيرة في الدفاع عن السنة وشرح العقيدة‪ .‬ولما أحس بقرب أجله دعا أحد‬
‫جلسائه وقال له‪ :‬أشهد علي أني ال أك ف ّ ر أحدا من أهل القبلة؛ ألن الكل يشي رون إلى معبود واحد؛ وإنما‬
‫العبارات ‪.‬‬ ‫اختالف‬ ‫كله‬ ‫هذا‬
‫وتوفي “ رحمه هللا ‪ -‬سنة ‪ 324‬هـ‪ ،‬ودفن ببغداد‪ ،‬ونوجي على جنازته‪" :‬اليوم مات ناصر السنة ‪".‬‬
‫‪ 3.‬أصول المذهب األشعري‬
‫كان المجتمع اإلسالمي في القرون األولى المشهود لها بالخيرية منسجما من الناحية الثقافية والعقدية‪ .‬لكن‬
‫بعد دخول مجتمعات بأكملها تقريبا في اإلسالم تحول الوضع؛ فهناك العجمة اللغوية‪ ،‬وهناك الرواسب‬
‫الدينية السابقة على اإلسالم‪ ،‬وهناك الجدل الحاد مع النصارى واليهود وغيرهم من الديانات والنحل‪.‬‬
‫وهذه الطوائف أدركت أن من جوانب القوة في جدلها مع المسلمين إثارة دالالت اآليات المتشابهات‪ ،‬إما‬
‫للتشكيك في صحة اإلسالم بنسبة نصوصه إلى التناقض؛ أو بحمل معاني هذه النصوص على عقائد وقضايا‬
‫موجودة في هذه األديان‪ .‬ويضاف إلى مثل هذه الشبهات التي تفتن العامة ضغط المعتزلة ‪.‬‬
‫وفي هذه الفترة الدقيقة والحرجة من تاريخ المجتمعات اإلسالمية في المشرق كان تحول أبي الحسن‬
‫األشعري إلى مذهب أهل السنة والجماعة ‪..‬‬
‫ولم يكن إسهام األشعري مجرد إبداع رجل متفرد في علمه وفي استيعاب اآلراء الرائجة في عصره؛ بل‬
‫كان كذلك ثمرة تطور مذهب أهل السنة والجماعة وهو ينتقل من مرحلة تجنب الخوض في دقائق علم‬
‫العقيدة كالذات ا إللهية إلى مرحلة الدفاع عن العقيدة الصحيحة باألدلة والبراهين التي تناسب طبيعة‬
‫التحدي العقدي والفكري في المجتمعات المسلمة‪ ،‬وخاصة تلك التي تأوي ديانات متعددة ومذاهب‬
‫متصارعة‪ .‬فقد كان األشعري امتدادا لطائفة من أعالم أهل السنة الذين خلفوا األئمة األوائل كأبي حن يفة‬
‫ومالك والشافعي وابن حنبل في تصديهم لإلنحرافات العقدية ولكن بأسلوب يناسب التحديات الجديدة؛ ومن‬
‫هؤالء عبد هللا بن سعيد بن كالب (ت ‪ 240‬هـ) أول متكلم من أهل السنة يناقش المعتزلة بأسلوبهم‪ ،‬ومنهم‬
‫أبو العباس أحمد بن عبد الرحمان القالنسي (ت حوالي ‪ 350‬هـ ‪)...‬‬
‫ومع أن أتباع األشعري من علماء كل عصر قد أضافوا تفصيالت وتدقيقات واختيارات إلى المذهب؛ فإن‬
‫األشاعرة يشتركون في الخصائص اآلتية ‪:‬‬
‫احترام النصوص واعتبارها المصدر الرئيس للعقيدة‪ .‬يقول األشعري في "اإلبانة عن أصول الديانة"‪:‬‬
‫« قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها ا لتمسك بكتاب ربنا عز وجل وبسنة نبينا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ‪»(7) .‬‬
‫حمل النصوص على ظاهرها مبدئيا‪ ،‬وعدم اللجوء إلى التأويل إال إذا أوجبته ضرورة تنزيه الخالق عز‬
‫وجل عما ال يليق به من الصفات ‪.‬‬
‫تأييد معاني العقيدة التي وردت بها النصوص الشرعية بالبرهان العقلي الذي يوظف كل ما يمكن أن ينصر‬
‫العقيدة السنية كالمعطيات الكونية والطبيعية والمنطق والفلسفة وثقافة العصر عموما ‪.‬‬
‫وقد أثمرت هذه الخصائص فكرا عقديا يقوم على األصول التالية ‪:‬‬
‫إثبات صفات أزلية للباري عز وجل زائدة على الذات؛ كالعلم والقدرة واإلرادة‪ ...‬وما جاء في القرآن‬
‫والحديث الصحيح من الصفات الخبرية الموهمة لتشبيه هللا بخلقه وتجسيمه كاالستواء على العرش‪ ،‬وإثبات‬
‫الوجه واليد‪ ،‬يقع تأويله بما تدل عليه من السيطرة والقدرة والذات ‪.‬‬
‫القرآن “ كالم هللا ‪ -‬قديم باعتباره كالما نفسيا قائما ب ذات هللا تعالى‪ ،‬وهو صفة من صفات هللا‪ .‬أما األصوات‬
‫والحروف فهي حادثة ‪.‬‬
‫أفعال العباد خيرها وشرها من خلق هللا؛ واإلنسان يكتسبها بالقدرة التي خلقها هللا فيه ‪.‬‬
‫رؤية هللا باألبصار ثابتة في اآلخرة ‪.‬‬
‫مرتكب الكبيرة يظل مؤمنا؛ ولكنه يعاقب في اآلخرة ‪.‬‬
‫الحوض والميزان والبرزخ والشفاعة حق ‪.‬‬
‫‪ 4.‬الفكر األشعري بالغرب اإلسالمي‬
‫لم يكن الغرب اإلسالمي بمعزل عن التحوالت الفكرية التي تعرفها بلدان المشرق‪ .‬كما أن علماء المشرق‬
‫أنفسهم كانوا حريصين على أن تصل آراؤهم ومذاهبهم إلى مختلف ربوع العالم اإلسالمي‪ .‬وكانت بوابة‬
‫الغرب اإلسالمي وم عبر اآلراء والمذاهب إليه تونس “ أو إفريقية بتعبير القدماء ‪ -‬وخاصة حاضرة القيروان ‪.‬‬
‫ومن أوائل الذين نشروا األشعرية بالقيروان أبو إسحاق إبراهيم بن عبد هللا الزبيدي المعروف بالقالنسي‬
‫(ت ‪ 359‬هـ ‪ )(8).‬وقد كان ابن أبي زيد القيرواني على صلة علمية بأبي عبد هللا بن مجاه د البصري (ت‬
‫‪ 370‬هـ) أحد تالمذة اإلمام أبي الحسن األشعري‪ ،‬حتى إن بعض المصادر جزمت بتحول ابن أبي زيد إلى‬
‫المذهب األشعري بعد كتابته لرسالته الشهيرة التي جاءت مقدمتها العقدية على مذهب السلف في تفويض‬
‫معاني الصفات اإللهية وتجنب التشبيه والتأويل معا‪ .‬وكان لتالميذ اإلمام أبي بكر الباقالني (ت ‪ 403‬هـ)‬
‫‪ -‬وهو من أعالم المالكية واألشعرية في اآلن نفسه ‪ -‬دور بالغ األهمية في نشر األشعرية بتونس‪ .‬ومنهم أبو‬
‫الحسن القابسي (ت ‪ 403‬هـ)؛ وأبو عمران الفاسي (ت ‪ 430‬هـ) الذي استقر بالقيروان بعد عودته من‬
‫المشرق ‪.‬‬
‫وفي الفترة نفسها تقريبا كان ا لعلماء الذين عادوا من الرحلة إلى المشرق ينشرون األشعرية في أقصى‬
‫الغرب اإلسالمي؛ أي في األندلس‪ .‬ومنهم اإلمام أبو محمد عبد هللا بن إبراهيم األصيلي (ت ‪ 392‬هـ)‪،‬‬
‫والمحدث أبو عمر الطلمنكي (ت ‪ 429‬هـ)‪ ،‬وأبو عمرو الداني المقرئ (ت ‪ 444‬هـ)‪ ،‬والقاضي أبو الوليد‬
‫الباجي (ت ‪ 474‬هـ ‪).‬‬
‫أما في المغرب األقصى فقد احتاج انتشار األشعرية إلى مدة أطول نسبيا ألسباب كثيرة؛ منها أن المغرب‬
‫لم يعرف المذاهب العقدية غير السنية كاالعتزال والتشيع إال في حدود ضيقة وفي مناطق محصورة؛‬
‫ولذلك لم تمس الحاجة عند العلماء إلى تبني األشعرية في بيئة يقل فيه ا الخالف العقدي‪ ،‬وكان يكفيهم‬
‫موقف كبار العلماء من سلف األمة ‪.‬‬
‫‪ 5-‬انتشار األشعرية بالمغرب إلى القرن السادس الهجري‬
‫ومن أبرز العلماء الذين نشروا األشعرية في المغرب أبو بكر محمد بن الحسن المرادي الحضرمي‬
‫القيرواني (ت ‪ 489‬هـ) صاحب "التجريد في علم الكالم"‪ ،‬وتلميذه أبو الحجاج يوسف بن موسى الضرير‬
‫(ت ‪ 520‬هـ) شيخ القاضي عياض وصاحب أرجوزة وافية في العقيدة‪ .‬ومنهم أبو عبد هللا محمد بن خلف‬
‫اإللبيري (ت ‪ 537‬هـ) صاحب "األصول إلى معرفة هللا والرسول" و"الرد على أبي الوليد بن رشد في‬
‫االستواء ‪".‬‬ ‫مسألة‬
‫وظلت األشعرية في عهد المرابطين حبيسة األوساط العلمية؛ ألنهم كانوا شديدي التحفظ مما يمكن أن‬
‫يزعزع الوحدة الدينية والمذهبية للمجتمع‪ .‬وكانت نزعة المحافظة عند طائفة من العلماء المقربين من‬
‫أمراء المرابطين وحرص طائفة أخرى على إرضائهم من أسباب هذا الوضع ‪.‬‬
‫ومع الموحدين “ الذين وظفوا قضايا العقيدة في نزع المشروعية من المرابطين واتهموهم بالتشبيه‬
‫والتجسيم ‪ -‬ستعرف األشعرية بالمغرب مرحلة مد عام وكاسح لتكامل األدوار ما بين سلطة العلماء والسلطة‬
‫السياسية‪ .‬وباإلضافة إلى ما لقيته "مرشدة" ابن تومرت وكتاباته في اإلعتقاد م ن احتفاء اتجه العلماء إلى‬
‫دراسة وتدريس المصادر الحقيقية للمذهب األشعري ككتاب "اإلرشاد" إلمام الحرمين أبي المعالي‬
‫الجويني‪ .‬ومن أبرز علماء هذه الفترة أبو عمرو عثمان بن عبد هللا الساللجي (ت ‪ 574‬هـ) الذي نبغ في‬
‫علم العقيدة وكثر تالمذته الذين أخذوا عنه العقيدة ا ألشعرية حتى لقب بـــ"منقذ أهل فاس من التجسيم‪.‬‬
‫وقد عرفت رسالته المختصرة "العقيدة البرهانية" انتشارا واسعا في المغرب‪ ،‬وأقبل عليها العلماء‬
‫َ سونها‪ .‬وإذا كانت األشعرية قد التحمت بالتدريج بالفقه المالكي منذ العصر الموحدي؛‬ ‫يشرحونها ويد ّر َّ ّ‬
‫فإن معظم أهل التصوف أيضا كانوا يميلون إلى المذهب األشعري‪ .‬وهذا اإللتحام بين المكونات الثالثة‬
‫للتدين في المغرب هو الذي سيلخصه الحقا الفقيه عبد الواحد بن عاشر “ وهو يوضح عمدة منظومته‬
‫التعليمية "المرشد المعين على الضروري من علوم الدين" ‪ -‬قائال ‪:‬‬
‫في عقد األشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك‬
‫وبقيت "البرهانية" و"مرشدة" ابن تومرت مهيمنتان على مجالس العلم بالمغرب إلى أن ألف العالمة محمد‬
‫بن يوسف السنوسي (ت ‪ 895‬هـ) ضمن ما ألف في العقيدة رسالته "أم البراهين" أو "العقيدة الصغرى"‪.‬‬
‫فكتب لها االنتشار لصغر حجمها‪ ،‬وبعدها عن التعقيد‪ .‬ظلت "أم البراهي ن" وشروح العلماء عليها مرجعا‬
‫في علم العقيدة بالمغرب في حلقات الدرس إلى عهد قريب‪ .‬ولم يكن يزاحمها على هذه المكانة إال بعض‬
‫المنظومات العقدية باللغة األمازيغية التي كان بعض الفقهاء يؤلفونها لتكون مرجعا لطلبة منطقة سوس‬
‫في بعض الزوايا ‪.‬‬
‫وقد أسهمت األشعرية رفقة ا لمذهب المالكي والتصوف السني في خلق انسجام مذهبي وعقدي في المغرب‬
‫جنبه كثيرا من القالقل والفتن التي كانت تقع في مناطق مختلفة من العالم اإلسالمي بسبب الخالفات‬
‫العقدية‪ .‬وبرغم بروز اتجاهات عقدية غير أشعرية عند بعض علماء المغرب بعد القرن السادس الهجري؛‬
‫فإن التعب ير عن الخالف كان محصورا في السجال العلمي‪ .‬ولم تتحول األشعرية إلى موضوع نقاش وأخذ‬
‫ورد في المجتمع المغربي بل في الغرب اإلسالمي عموما إال بعد أن تعرضت لهجوم ممنهج في العقود‬
‫األخيرة ‪...‬‬

You might also like