You are on page 1of 35

‫نظرية المعرفة‬

‫إمكانها‪ ،‬أدواتها‪ ،‬مصادرها‪ ،‬طبيعتها‬


‫كما فهمها العرب المعاصرون‬

‫‪Theory of knowledge‬‬
‫‪Possibility, Tools, Resources and Nature‬‬
‫‪As Arab Thought Contemporary Understood‬‬

‫محمد فاضل عباس ‪Mohammed Fadhil Abbas‬‬


‫دكتوراه ‪PHD‬‬
‫أستاذ مساعد ‪Assistant Professor‬‬
‫الفلسفة ‪Philosophy‬‬
‫كلية اآلداب – جامعة بغداد ‪College of Arts – University of Baghdad‬‬
‫‪mohammad@coart.uobaghdad.edu.iq 07903236934‬‬

‫الملخص‬
‫تعد نظرية المعرفة مبحثًا مهمًا من مباحث الفلسفة وقسمًا أص يًال من أقس امها‪ ،‬من ذ نش أتها ح تى النص ف الث اني من الق رن‬
‫العش رين تقريب ًا‪ ،‬لكن حاله ا ح ال أقس ام الفلس فة األخ رى‪ ،‬ب دأت تنحس ر إزاء م د العلم‪ ،‬فكث ير من التس اؤالت ال تي ك انت‬
‫الفلسفة بأقسامها مسؤولة عن اإلجابة عنها أصبحت اآلن مسؤولية العلم‪ ،‬وذلك لم ا حقق ه العلم في ه ذا المج ال من قف زات‬
‫كبيرة‪ ،‬فقد تبنى العلم كل معارفن ا في عالمن ا ه ذا ال ذي نعيش في ه‪ ،‬وبقي للفلس فة م ا يختل ف ب ه الجمي ع‪ ،‬فنحن ال نتف ق إال‬
‫على نتائج العلوم الطبيعية‪ ،‬ومتى ما عرفنا شيئًا خرج هذا الذي نعرفه من مجال الفلسفة ليدخل مجال العلم‪ ،‬فلم يبق لنا إال‬
‫الميتافيزيقا وعالقتها أحيانًا بالمعرفة خصوصًا فيما يتعلق بمفهوم الشيء في ذات ه‪ ،‬وبقي للفلس فة القض ايا ال تي لم يس تطع‬
‫العلم أن يج د له ا قانون ًا نتف ق علي ه كالسياس ة واألخالق والجم ال والفن‪ ،‬وه ذه أم ور ليس ت بالقليل ة وق د نافس نا عليه ا‬
‫السياسيون واالخالقيون والمتخصصون بالفن وبالجمال‪ ،‬لكن تبقى نظرية المعرف ة قس مًا مهم ًا من أقس ام الفلس فة ب ه نطل ع‬
‫ونعرف تاريخ تطور المعرفة البشرية وأساليب طرق التفكير‪ ،‬وكيف تبنى الفالسفة المعرفة عبر عشرات القرون‪ ،‬ه ذا بحث‬
‫جاء ليوض ح م ا المقص ود بالمعرف ة ونظريته ا‪ ،‬وم ا الف رق بينه ا وبين االبس تمولوجيا؟ وم ا أدواته ا؟ وم ا مص ادرها؟ وه ل‬
‫المعرف ة ممكن ة؟ أم ال؟ وه ل له ا ح د نص ل إلي ه؟ أم ال ح دود له ا؟ ك ل ذل ك حاولن ا أن نقدم ه بأس لوب واض ح بِّين وبطريق ة‬
‫مبسطة ال تعقيد فيها‪ ،‬قد تنفع من له شغٌل بذلك‪.‬‬

‫مفتاح الكلمات‬
‫نظري ة المعرف ة‪ ،‬العق ل ‪ ،‬الح واس‪ ،‬الح دس‪ ،‬الوج دان‪ ،‬المنهج العقلي‪ ،‬المنهج التجري بي‪ ،‬المنهج االس تداللي‪ ،‬المعرف ة‬
‫الفطرية‪ ،‬المعرفة المكتسبة‪ ،‬المعرفة القبلية‪ ،‬المعرفة البعدية‪ ،‬المنهج‪ ،‬الش ك‪ ،‬اليقين‪ ،‬االحتم ال‪ ،‬الحس المش ترك‪ ،‬المثالي ة‪،‬‬
‫الواقعية‪،‬‬
Abstract

Epistemology is considered an important part of philosophical researches and one of it’s a


fundamental branches , since its appearance until almost the second half of the twentieth
century.
Yet it is just like the other branches of philosophy. It starts to withdraw due to the extension
of science. A lot of the questions that philosophy in all its branches was responsible for
answering then, has now become the responsibility of science. The is due to the
achievements of science in this respect. Science has adopted (involved) all and every
.knowledge in this world where we line. Philosophy has kept what everybody disagree about
We know something, this thing that we know comes out of (exit) the domain of philosophy
to enter that of science. We are only left with the metaphysics and its occasional connection
to knowledge especially in regard of the concept of the thing in itself. What is left to
philosophy are the issues to which science failed to find laws that everybody agrees upon
such as politics, ethics, aesthetics and art. And these are not insignificant matters.
Politicians, ethicist and specialist in art and aesthetics have competed with us. However,
epistemology will be an important branch of philosophy through which we come to know
about the development of human knowledge, means and methods of thinking and how did
philosophers embrace. Knowledge all through century.
The present research explains the meaning of knowledge possible or not, does it have a limit
or is it limitless ? We have tried to present all of this in a clear obvious style and in a
simplified way that has no complications that it may be of use to anyone involved in it.

Key words
Theory of knowledge, reason, senses, intuition, sentiment, rational method, empirical
method, deductional method, inductional method, apriori knowledge, apstriori knowledge,
method, doubt, certainty, possibility, commune sense.
‫المقدمة‬
‫المعرفة هٌّم من هموم الفالسفة والمفكرين خاصة‪ ،‬واإلنسان عامة‪ ،‬فاإلنسان الُم فك ر في مواجه ة ذات ه‪،‬‬
‫مشغول بها وبمعرفته ا وبف ك ألغازه ا‪ ،‬وفي مواجه ة اآلخ ر‪ ،‬مش غول بمعرفت ه وَف ك ألغ ازه‪ ،‬وفي مواجه ة‬
‫العالم‪ ،‬مشغول بما فيه وبما بع ده وبم ا قبل ه‪ ،‬وبف ك ألغ ازه‪ ،‬والفيلس وف ال مهم ة ل ه إال التق دم في معرف ة‬
‫ذاته ومعرفة اآلخر ومعرفة العالم‪ ،‬أما لماذا نعرف؟ فالجواب‪ :‬كي ُنسيطر‪ ،‬فمعرفة الش يء َتع ني الس يطرة‬
‫علي ه‪ ،‬ف إذا ع ِر فَت نفس ك تمكنت منه ا واص بحت تحت س يطرتك وإ ذا ع ِر فَت اآلخ ر‪ ،‬فهمت ه وتجنبت ش ره‬
‫واس تثمرت خ يره‪ ،‬وإ ذا َع ِر فت المط ر أو ال برق أو الرع د أو أي ة ظ اهرة طبيعي ة أخ رى تمكنت من فهمه ا‬
‫وتحليلها والسيطرة عليها وتجنبها وتوظيفها واالستفادة منها‪ ،‬واألمثلة ال حصر لها في ه ذا المج ال‪ ،‬وإ ذا‬
‫عرفت ميكروبًا أو فيروسًا‪ ،‬توقيت منه قبل أن يفتك بك وتلقحت منه وحاربته إذا أصابك وانتصرت علي ه‪،‬‬
‫وإ ذا ُك نت شريرًا وّظفته ألغراضك الشريرة ووّظفته لتؤذي به عدوًا وأحيانًا صديقًا‪.‬‬
‫فم ا التط ور الحاص ل في حي اة اإلنس ان ع بر آالف الس نين إال من خالل معرف ة األش ياء والس يطرة عليه ا‬
‫وتوظيفها وتوجيهها كل بحسب غايته‪ ،‬فانت في كل يوم تواجه أشياًء ال تعرف عنها الكثير‪ ،‬تواجه إنس انًا‬
‫يفاجئك بتصرف ال تفسير له‪ ،‬وذلك ألنك ال تعرفه جيدًا‪ ،‬وتواجه ظاهرًة ال تعرفها وتواجه أحيانًا جملة من‬
‫االنفعاالت والحاجات والدوافع َتحدُث لك وال تعرفها‪ ،‬هذا جزء من الجواب على لماذا نعرف؟‬
‫أما جوابنا عن ما الذي نعرفه؟ والذي ال نعرفه؟ فهو‪ :‬قد ال يحتاج أغلب الن اس إلى معرف ة أش ياء معين ة‪،‬‬
‫ال بل من الضروري أن ال يعرفوا بعضًا من هذه المعارف ألنهم يس يئون فهمه ا ويخلط ون الحاب ل بالناب ل‪،‬‬
‫فليس على الكل أن يعرف كل شيء‪ ،‬فالمعرف ة بمفهومه ا الواس ع هي حك ٌر على ال ذين أوت وا العلم‪ ،‬ال ذين‬
‫أوتوا وعيًا وإ دراك ًا بهم ا يواجه ون م ا يعرف ون‪ ،‬فالمعرف ة تحت اج إلى وص اية‪ ،‬وحلمن ا وأمنيتن ا أن يك ون‬
‫الفيلسوف الحق والسياسي الحق أوصياء عليها‪ ،‬فال حاج ة للع وام من البش ر من معرف ة أش ياء ال تع نيهم‬
‫وإ ن بدت لهم تسؤهم‪ ،‬فلماذا يعرف النّج ار أشياًء عن الثقوب السوداء مثًال؟ لكني أريده أن يعرف جيدًا ما‬
‫يخص مهنت ه‪ ،‬ض روري ال من اص من ه أن يم يز النج ار بين الخش ب الجي د من رديئ ه‪ ،‬وأن يع رف جي دًا‬
‫المسمار الجيد من رديئه وأن ُيحِس ن التعامل م ع أن واع الخش ب‪ ،‬فلم اذا يع رف الفاّل ح الم زارع ص فات اهلل‬
‫مثًال؟ أو نفد الغزالي للفالسفة المسلمين؟ أو مفهوم الدزاين عند هي دجر أو الب اراديم عن د توم اس ك ون؟؟‬
‫وأحيانًا‪ ،‬غالبًا‪ ،‬تكون المعرفة حكرًا على الذين أوتوا المال والنفوذ والسيطرة ليتالعب وا بن ا كم ا يش اؤون‪،‬‬
‫كما يتالعب بنا اليوم أصحاب التكنولوجيا واإلعالم‪.‬‬
‫كما إن المعرفة ونظريتها مبحث أساسي من مباحث الفلسفة الكالسيكية‪ ،‬فإذا ما علمنا أن أقسام الفلس فة‪:‬‬
‫أنتولوجي ا واكس يولوجيا وأبس تمولوجيا‪ ،‬فال نج د كتاب ًا من كتب الم داخل إلى الفلس فة ومق دماتها إلى‬
‫وَخ َّص ص المؤلف فيها بابًا للمعرفة وال َتجد كتابًا من ُك تب تاريخ الفلسفة إال وتجد حضورًا كبيرًا للمعرفة‪،‬‬
‫في صفحاته فضًال عن وانت تقرأ ألغلب الفالسفة خصوصًا المح دثين منهم إال وتج د المعرف ة قس مًا مهم ًا‬
‫من فلسفتهم‪ ،‬إذًا احتلت المعرفة ومن بعدها نظرية المعرف ة مكان ة متم يزة في الفلس فة وفي أبح اث وُك تب‬
‫دارسيها‪ ،‬وكذلك الح ال ال غ نى عنه ا في الم واد الدراس ية في أقس ام الفلس فة في الع راق على أق ل تق دير‪،‬‬
‫مثلم ا هي م ادة ال غ نى عنه ا لمن يبحث في العص ر الح ديث‪ ،‬ألنه ا تبل ورت في ه ذا العص ر على وج ه‬
‫الخص وص‪ ،‬إذ اص بح للمعرف ة في العص ر الح ديث أدواته ا ومص ادرها وإ مكانه ا وطبيعته ا‪ ،‬مثلم ا تبل ور‬
‫تعريفها وهدفها بشكل أكثر دقة ووضوح‪.‬‬
‫كل ما جاء بشأن نظرية المعرفة وأدواته ا وإ مكانه ا ومص ادرها وطبيعته ا ق د ج اء في مؤلف ات المش تغلين‬
‫بالفلس فة في الفك ر الع ربي المعاص ر‪ ،‬فهم ق اموا بترجمت ه ونقل ه من مختل ف اللغ ات األوربي ة إلى اللغ ة‬
‫العربية‪ ،‬فهذه نظرية المعرفة التي وصلت إلينا من خالل الفكر العربي المعاصر‪ ،‬وهذه آراء الفالسفة فيها‬
‫من خالل الم ترجمين والب احثين الع رب المعاص رين ال ذين اهتم وا بالفلس فة وفروعه ا‪ ،‬ل ذلك فإنه ا نظري ة‬
‫المعرف ة وإ مكانه ا وح دودها وأدواته ا ومص ادرها في الفلس فة األوربي ة الحديث ة ومن خالل الفك ر الع ربي‬
‫المعاصر‪ ،‬فإذا كانت واحدة من اشكاليات الفكر العربي المعاصر هي األصالة والمعاصرة‪ ،‬فهذا بحث يع الج‬
‫جزءًا من فهم واستيعاب المفكرين العرب المعاصرين لموض وع من موض وعات المعاص رة‪ ،‬لموض وع من‬
‫موضوعات اآلخر‪ ،‬للتعرف على كيف تعامل اآلخر مع المعرفة ونظريته ا‪ ،‬فك ل م ا نق رأه ونكتب ه في اللغ ة‬
‫العربي ة ه و ج زء من الفك ر الع ربي المعاص ر‪ ،‬ألن ه نت اج نتداول ه من خالل اللغ ة العربي ة‪ ،‬وأهم أداة من‬
‫أدوات الفكر‪ ،‬اللغة‪ ،‬فكل ما ُك تب باللغة العربية هو جزء من الفكر العربي المعاصر‪ ،‬وكل ما تم تداوله من‬
‫مف اهيم ومص طلحات ونظري ات في اللغ ة العربي ة ه و ج زء من الفك ر الع ربي المعاص ر‪ ،‬ف الفكر الع ربي‬
‫المعاص ر ُم تش ِّك ل من ال تراث الع ربي اإلس المي‪ ،‬فلس فة وكالم ًا وتص وفا وفقه ًا واش راقًا وأدب ًا وفن ًا‪ ،‬ومن‬
‫التراث الغربي القديم والحديث والمعاص ر‪ ،‬فلس فة وفن ًا وسياس ة‪ ،‬واقتص ادًا وعلم ًا‪ ،‬وظ ل ه ذا الفك ر ح تى‬
‫ال وقت الحاض ر يبحث عن ح ٍل لمش اكل المجتم ع الع ربي اإلس المي‪ ،‬فمنهم من ي رى أن الح ل في ماض ينا‬
‫ومنهم من يرى أن الحل في اتباع المنج ز الغ ربي‪ ،‬فعلى المفك ر الع ربي المعاص ر أن يفهم ال تراث الع ربي‬
‫اإلس المي جي دًا وأن يفهم في ال وقت ذات ه المنج ز الغ ربي‪ ،‬ل ذلك فعلى المش تغلين في الفلس فة في الفك ر‬
‫العربي المعاصر أن يتمكنوا من هذين الجانبين‪ ،‬ونظرية المعرفة جزء مما يجب أن يعرف ه المفك ر الع ربي‬
‫المعاصر وهذا ما حدث‪ ،‬فقام المشتغلون بشأن الفلسفة من كبار الباحثين العرب المعاصرين فيه ا بترجم ة‬
‫وتوض يح وش رح م ا ج اء ب ه الفالس فة األوربي ون في العص ر الح ديث به ذا الش أن‪ ،‬ونحن الي وم نقدم ه‬
‫باختص ار ش ديد وبوض وح ش ديد‪ ،‬ل ذلك فه ذا ج زء من عم ل الُم ش تغلين في الفلس فة في الفك ر الع ربي‬
‫المعاصر‪ ،‬لذلك تضمن العنوان (كما فهمها العرب المعاصرون)‬
‫إن موض وع نظري ة المعرف ة ُيع د من أمه ات المس ائل الفلس فية ال تي ت دخل ض من الم دخل الع ام للفلس فة‬
‫ومقدماتها ألن علينا بواسطتها أن نعرف‪ :‬كي ف نع رف؟ وم ا قيم ة م ا نع رف؟ وإ لى أي م دى تتس ع نط اق‬
‫معرفتن ا؟ (ب دوي‪ ،1975 ،‬ص ‪ .)67‬وعن أهمي ة المعرف ة يق ول زكري ا إب راهيم‪(( :‬إن الفلس فة هي‬
‫المعرف ة‪ ،‬لكن من المس تحيل أن ُتوح د بين ه ذه المعرف ة وبين المعرف ة العلمي ة))(إب راهيم‪ ،1971،‬ص‬
‫‪ )Ibraheem,1971,p.144()144‬وبذلك جعل زكريا إبراهيم من الفلسفة والمعرف ة ش يئًا واح دًا‪ ،‬لكن ه‬
‫مع ذلك يعدها جزءًا من مجموعة معارف ألن هنالك معارف وحق ائق أخ رى‪ ،‬كالحق ائق العلمي ة أو الديني ة‬
‫وغيرها(إبراهيم‪ ،1971 ،‬ص‪.)Ibraheem,1971,p.144-145( )145-144‬‬
‫وفقًا لهذه األهمية التي تحظى به ا نظري ة المعرف ة في الدراس ات الفلس فية ارت أيت أن ُأق دم خالص ًة أس عى‬
‫جاهدًا فيها أن تكون واضحة‪ ،‬دقيقة‪ ،‬سهلة‪ ،‬بسيطة ومختصرة مفي دة ال لبس فيه ا وال غم وض وال تعقي د‬
‫قدر ما يسمح ب ه الح ال‪ ،‬عس ى أن ُتحق ق المتع ة والفائ دة لمن يقرأه ا‪ ،‬فال ذي س أقدمه ال يتع دى الخالص ة‬
‫والتلخيص والتبسيط واالختصار بأسلوب واضح بسيط وبلغ ة س ليمة‪ ،‬وه ذا أم ٌر ليس بالقلي ل‪ ،‬ألن ني ُأق دم‬
‫خالصة قراءتي لعش رات الكتب وآلالف الص فحات ق راءة متأني ة متخصص ة‪ُ ،‬أق دمها ببحث قلي ل الص فحات‬
‫واضح العبارة‪ُ ،‬يغني خلق ًا كث يرًا عن مراجع ة م ا ق د راجعت ه‪ ،‬وه ذه خدم ة اعتق د أنه ا جليل ة وال يس تهان‬
‫به ا‪ ،‬ص حيح أن ال جدي د فيه ا‪ ،‬وم ا الجدي د في كتب الفلس فة الرص ينة وال تي ُك تبت في تأريخه ا من كب ار‬
‫كتابنا؟ الجديد الذي فيها هو العودة إلى الوض وح والبس اطة والص دق والمعرف ة لغ ة هي‪(( :‬ع رف الش يء‬
‫أدرك ه ب الحواس أو بغيره ا‪ ،‬والمعرف ة إدراك األش ياء وتص ورها)) (ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪()392‬‬
‫‪ .)Saliba,1979,p.392‬وي رى الق دماء‪ :‬أن المعرف ة إدراك الج زئي والعلم إدراك الكلي‪ ،‬والمعرف ة‬
‫ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪()392‬‬ ‫ديقات (ص‬ ‫تعمل في التص‬ ‫ورات والعلم ُيس‬ ‫تعمل في التص‬ ‫تس‬
‫‪ )Saliba,1979,p.393‬فإن لفظ المعرفة ُيطل ق على الفع ل العقلي ال ذي يتم ب ه حص ول ص ورة الش يء‬
‫في الذهن وفي هذا تقابٌل واتصاٌل بين الذات الُم دِر كة والموضوع الُم دَر ك‪ ،‬وُيطلق أيض ًا على الفع ل العقلي‬
‫ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪()392‬‬ ‫ه (ص‬ ‫وع لتفهم حقيقت‬ ‫وهر الموض‬ ‫وذ إلى ج‬ ‫ه النف‬ ‫ذي يتم ب‬ ‫ال‬
‫‪)Saliba,1979,p.392‬‬
‫فالفعل األول ُيراد به المعرفة الحسية المباشرة والُم شّخ صة‪ ،‬والفعل الثاني ُيراد به معرفة الش يء في‬
‫ذات ه أو معرف ة الج وهر الك امن أو الحقيق ة الكامن ة وراء ظ اهر الش يء الُم راد معرفت ه‪ .‬وُتطل ق مف ردة‬
‫المعرفة أحيانًا على كل شيء مثلم ا ُتطل ق مف ردة الفن أو العلم على ك ل ش يء تقريب ًا‪ ،‬فنق ول‪ :‬فن المش ي‬
‫وفن المأك ل وفن الملبس وفن الح ديث‪ ،‬ونق ول علم الس باحة وعلم ال ركض وعلم الكالم وعلم األك ل‬
‫والملبس والمش رب وعلم الن وم‪ ،‬ونق ول فلس فة النظاف ة وفلس فة الزراع ة وفلس فة الحب وفلس فة الحق د‪،‬‬
‫والخ‪ ......‬فكذا الحال في مفردة المعرفة‪ :‬معرفة الن اس ومعرف ة الحي اة ومعرف ة الواق ع ومعرف ة األح داث‬
‫السياسية ومعرفة المجتمع وهكذا‪ ،‬على العموم مفردة المعرفة ُتفي د اإلدراك ال ذي من المف ترض أن يك ون‬
‫س ليمًا‪ .‬وُيطل ق لف ظ المعرف ة أيض ًا‪ ،‬على معرف ة اهلل والع ارف باهلل والمعرف ة الص وفية و(العارف ة)‬
‫باالستخدام الشعبي العراقي وعلى كل المعارف التي تدخل في باب المعرفة الصوفية والحدسية واالنفعالي ة‬
‫المباشرة والمعرفة الذوقية المزاجية‪ ،‬ويقابل هذا اللفظ الجهل‪ ،‬أو عدم المعرفة وينطبق على هذا اللفظ م ا‬
‫انطبق على ما يقابله‪.‬‬
‫نظرية المعرفة‪ :‬هي البحث في طبيعة المعرفة وأصلها وقيمتها ووسائلها (مصادرها) وح دودها وإ مكانه ا‪،‬‬
‫وهي البحث في المشكالت الفلسفية الناشئة عن عالقة الذات الُم دِر كة بالموضوع الُم دَر ك‪ ،‬أو بين الع ارف‬
‫والمع روف‪ ،‬والبحث عن المطابق ة بين التص ور ال ذهني والش يء الخ ارجي‪ ،‬وهي ب ذلك بحٌث في طبيع ة‬
‫ال ذات وطبيع ة تص ور ال ذات للع الم الخ ارجي (ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪.)Saliba,1979,p.478()478‬‬
‫ونظرية المعرفة‪(( :‬هي دراسة العالقة بين الذات والموضوع في فع ل المعرف ة‪ ،‬وص ورتها األق دم‪ :‬إلى أي‬
‫مدى ما يمتثله الناس يش به م ا ه و موج ود‪ ،‬مس تقًال عن ه ذا االمتث ال؟ وفي ص ورتها الحديث ة‪ :‬لم ا ك انت‬
‫الذات العارفة‪ ،‬بما هي كذلك‪ ،‬لها طبيعة معينة‪ ،‬فما هي قوانين هذه الطبيعة في ممارسة الفكر وماذا تأتي‬
‫به في االمتثال))(بدوي‪ ،1975 ،‬ص‪ .)Badawi,1975,p.68()68‬وتدل نظري ة المعرف ة على مجم وع‬
‫دوي‪ ،1975 ،‬ص‪)68‬‬ ‫دودها(ب‬ ‫ا وح‬ ‫ة معارفن‬ ‫د قيم‬ ‫دف إلى تحدي‬ ‫تي ته‬ ‫أمالت ال‬ ‫الت‬
‫‪ .))Badawi,1975,p.68‬وفي الموسوعة الفلسفية المختصرة نج د رأي ًا ق د يك ون غريب ًا عم ا ورد من‬
‫تعريف ات لنظري ة المعرف ة‪ ،‬لكن ال ب أس من اإلش ارة إلي ه وه و‪(( :‬نظري ة المعرف ة‪( :‬االبس تمولوجيا) ثم ة‬
‫مجموع ة ج د متنوع ة من المش كالت الفلس فية ليس بينه ا راب ط وثي ق تتعل ق بأفك ار من قبي ل المعرف ة‪،‬‬
‫واإلدراك‪ ،‬وال تيقن‪ ،‬والتخمين‪ ،‬والوق وع في الخط أ‪ ،‬والت ذكر‪ ،‬والت بين‪ ،‬واإلثب ات‪ ،‬واالس تدالل‪ ،‬والتأكي د‪،‬‬
‫والتعزي ز‪ ،‬والتس اؤل‪ ،‬والتأم ل‪ ،‬والتخي ل‪ ،‬ورؤي ة االحالم‪ ،‬وهلم ج را‪ ،‬وكث يرًا م ا يس مى ه ذا الج زء من‬
‫الفلس فة ب (نظري ة المعرف ة) أو االبس تمولوجيا)) (الموس وعة الفلس فية المختص رة‪ ،1982 ،‬ص‪()475‬‬
‫أما عند الالند فنظري ة المعرف ة هي ((دراس ة العالق ة‬ ‫‪.)PhilosophicalEncychlopedia,1982‬‬
‫القائمة بين الذات والموضوع في فعل المعرفة‪ .......‬وُيطلق اسم نظرية المعرفة على مجموع ة تنظ يرات‬
‫ه دفها تحدي د قيم ة معارفن ا وح دودها)) (الالن د‪ ،2001 ،‬ص ‪ .)Laland,2001,p.1455()1455‬أم ا‬
‫النظرية فيرى الالند أنها ((رؤية مشهد‪ ،‬نظرة عقلية‪ ،‬تنظير بالمعنى الحقيقي‪ ،‬إنشاء تنظيري للعق ل يرب ط‬
‫د‪ ،2001 ،‬ص ‪()1454‬‬ ‫ائع))(الالن‬ ‫ام الوق‬ ‫ة في نظ‬ ‫ل ممارس‬ ‫ادئ مقاب‬ ‫ائج بالمب‬ ‫النت‬
‫‪ .)Laland,2001,p.1454‬وك ذلك الح ال في أغلب المص طلحات‪ ،‬فق د ُتطل ق مف ردة نظري ة على أي‬
‫شيء آخر في حياتنا االجتماعي ة وعلى المس توى الش عبي فق د يق ال‪ :‬نظري تي في الحي اة مثًال‪ ،‬أو نظري تي‬
‫في العمل‪ ،‬أو في الزواج‪ ،‬أو في الصداقة‪ ،‬وق د ُيق ال أيض ًا نظري ة فالن في االك ل أو في الش رب والخ‪....‬‬
‫الخ‪.‬‬
‫وفي االنسيكلوبيديا البريطانية نج د أن نظري ة المعرف ة ف رع من ف روع الفلس فة‪ ،‬مي دانها ومجاله ا التحق ق‬
‫من طبيع ة بن اء المعرف ة كأمكاني ة النظ رة الحتمي ة لعالمن ا على س بيل المث ال‪ ،‬إلى ج انب أن له ا دورًا في‬
‫بيان أهمية وقيمة وصدق تمثالتنا لقضايا الواقع ‪))The encyclopedia Britannica,1920,p448‬‬
‫ونظري ة المعرف ة هي بحث في إمك ان المعرف ة أي الش ك في الحقيق ة أو ال تيقن به ا‪ ،‬والتفرق ة بين العلم‬
‫الب ديهي والمكتس ب‪ ،‬أو المعرف ة غ ير المكتس بة والمعرف ة المكتس بة من التجرب ة‪ ،‬وهي البحث في ش روط‬
‫المعرفة اليقينية والتفريق بين ما هو ذاتي وم ا ه و موض وعي والبحث في كيفي ة اتص ال اإلدراك بالش يء‬
‫الُم درك (اآللوسي‪ ،2017 ،‬ص‪ )Al-Aloosi,2017,p.214()214‬أما عن الف رق بين نظري ة المعرف ة‬
‫واالبس تمولوجيا‪ ،‬فعن د الفرنس يين ك انت وال ت زال عن د بعض الُكّت اب الفرنس يين ت دل على فلس فة العل وم‪،‬‬
‫لكنها ليست دراسة المناهج العلمية التي هي علم مناهج البحث وليست تأليفًا اس تباقيًا اقتراحي ًا أو وص فيًا‬
‫للقوانين العلمية (على طريقة الوضعية والتطورية) بل هي في جوهرها‪ :‬دراسة نقدية للمب ادئ والف روض‬
‫والنت ائج ال تي بمختل ف العل وم ول ذلك فاالبس تمولوجيا ُتع د م دخًال لنظري ة المعرف ة ال غ نى عن ه (ب دوي‪،‬‬
‫‪ .Badawi,1975,p.67-(68()68-67 ،1975‬لكن ب العودة إلى األص ل االش تقاقي للكلم ة‪ ،‬ص ارت‬
‫االبستمولوجيا الفرنسية تدل على نظري ة المعرف ة بوج ه ع ام وليس على فلس فة العل وم وح دها وإ ن أص ر‬
‫بعض الُكّت اب الفرنس يين على المحافظ ة على االختالف بينهم ا (ب دوي‪ ،1975 ،‬ص‪()69‬‬
‫‪ .) Badawi,1975,p.69‬ولو أن بعض الباحثين يرون أن نظرية المعرفة قد تركت مكانها لنظري ة العلم‬
‫(هابرماس‪ ،2001 ،‬ص‪ .)Hapermas,2001,p.7()7‬أما عن متى تبلور جليًا مبحث نظري ة المعرف ة‪،‬‬
‫فمعظم الباحثين في هذا الشأن ي رون أنه ا اكتملت م ع ج ون ل وك ال ذي ُيع د مؤسس ها الحقيقي ((ال ُب د من‬
‫اعتبار الفيلسوف اإلنجليزي جون لوك المؤسس الحقيقي لنظرية المعرفة‪ ،‬ألنه هو الذي وضع ه ذا البحث‬
‫في صورة العلم المستقل‪ ،‬ويحتوي مؤلفه الجليل (مقالة في التفكير اإلنساني) الذي ُنشر س نة ‪ 1690‬أول‬
‫بحث علمي منظم في أص ل المعرف ة وماهيته ا وح دودها ودرج ة اليقين فيه ا))(كولي ه‪ ،2016 ،‬ص‪()52‬‬
‫‪ .)Colleh,2016,p.52‬وهذا ما يراه أيضًا هنتر ميد عندما يقول ((جرت العادة على تحديد تاريخ بداية‬
‫التفك ير الح ديث في مش كلة المعرف ة بالس نة ال تي ُطب ع فيه ا كت اب ل وك (دراس ة في ال ذهن البش ري) س نة‬
‫‪ ،1690‬ويمث ل ه ذا الكت اب ال ذي افتتح عه دًا جدي دًا في ت اريخ التفك ير في مش كلة المعرف ة)) (هنترمي د‪،‬‬
‫‪ ،1986‬ص ‪ .)Hantermeed,1986,p.175()175‬إذن إن نظرية المعرف ة مبحث يهتم بعالق ة ال ذات‬
‫العارف ة بالموض وع الُم راد معرفت ه‪ ،‬مبحث يهتم بعالق ة ال ذات العارف ة بالع الم الخ ارجي‪ ،‬وه ذا يع ني أنه ا‬
‫مبحث يهتم أوًال وقبل كل شيء بما تمتلكه هذه الذات العارف ة من أدوات وإ مكاني ات تمكنه ا من معرف ة م ا‬
‫حولها في عالمنا الخارجي‪ ،‬ولكل م ذهب في الفلس فة رأي بأولوي ات األدوات المعرفي ة ه ذه‪ ،‬ورأي بعالق ة‬
‫ه ذه ال ذات بالموض وع‪ ،‬ورأي بيقيني ة المعرف ة من احتماله ا ورأي بإمك ان المعرف ة من ع دمها‪ ،‬ورأي‬
‫باس تقاللية الموض وع عن ال ذات من عدم ه‪ ،‬وك ل ه ذا يع ني إن المعرف ة مش كلة من مش كالت الفلس فة‪،‬‬
‫والمشكلة هي – كما أراها – كل ما ال نتفق عليه‪ ،‬تزداد ه ذه المش كلة ق وة إذا م ا اختلفن ا أك ثر وتض ُعف‬
‫إذا ما اتفقنا أكثر‪ ،‬والفلس فة من ع الم االختالف ك الفن وكالسياس ة وك األخالق وكال دين‪ ،‬من ع الم التن وع‪،‬‬
‫من عالم الكثرة‪ ،‬ال من عالم االتفاق‪ ،‬فالعلم يوحدنا‪ ،‬والفلسفة تفرقن ا‪ .‬ال من اص لن ا وال ب د لن ا إال أن نب دأ‬
‫بخط وات البحث كم ا ب دأ كب ار الب احثين في الفلس فة وال ذين يب دأون ع ادة وهم يتح دثون عن المعرف ة‬
‫ونظريتها بموضوع إمكان المعرفة من عدمه‪.‬‬
‫إمك ان المعرف ة‪ :‬وباختص ار ش ديد عن دما نق ول إمك ان المعرف ة‪ ،‬ه ذا يع ني‪ :‬ه ل المعرف ة ممكن ة؟ أم غ ير‬
‫ممكنة؟ وه ل يس تطيع اإلنس ان أن يع رف عالمن ا ه ذا؟ أم ال يس تطيع؟ وإ ذا اس تطاع فكي ف ولم اذا؟ وإ ذا لم‬
‫يستطع فكيف ولماذا؟ وهل م ا يمتلك ه اإلنس ان من أدوات معرفي ة تمكن ه من اليقين؟ فه ل عقل ه ق ادر على‬
‫الوصول إلى اليقين؟ وهل أدواته المعرفية هذه قادرة على الوصول إلى اليقين؟ أم ال؟ وك ل ه ذا يع ني أنن ا‬
‫أمام موقفين‪ :‬األول‪ :‬يشك في إمكانية المعرفة‪ ،‬والثاني‪ :‬يرى أن المعرفة ممكنة واليقين حاصل‪.‬‬
‫تبنى أصحاب مذهب الشك وعلى رأسهم ب يرون في الق رن الث الث قب ل الميالد في بالد اإلغري ق ومن بع ده‬
‫اناس يداموس واجريب ا في الق رنين األول والث اني للميالد الق ول بتعلي ق الحكم وإ نك ار إمك ان العلم بالحقيق ة‬
‫على اعتبار أن كل قضية تقب ل الس لب واإليج اب بق وة متعادل ة‪ ،‬فب ذلك يعلن ون ال أدريتهم التماس ًا للس عادة‬
‫وطمأنين ة للنفس (الطوي ل‪ ،1955 ،‬ص‪ .)Altaweel,1955,p.234-235()235-234‬فالش ك‬
‫عن دهم‪ُ :‬يقص د ب ه أن معرف ة الحق ائق في ه ذا الع الم ال يمكن الوص ول إليه ا أو ُيش ك في الوص ول إليه ا‪،‬‬
‫والذي اشتهر به بيرو‪ ،‬الذي يرى أن خير طريق للحكيم يسلكه أن يسأل‪ :‬ما هذه األشياء التي بين أي دينا؟‬
‫وكيف تكونت؟ وماذا يجب أن يكون موقفنا إزاءها؟ وما عالقتنا بهذه األشياء؟ وإ جاب ة الس ؤال األول‪ :‬هي‬
‫ِأّن ا ال نعرفها إنما نعرف ظواهرها‪ ،‬وما عند اإلنسان رأي ال حقيقة وه ذه هي العالق ة بينن ا وبين األش ياء‪،‬‬
‫وهو الجواب الثاني‪ ،‬أما الجواب الثالث فيجب أن يكون موقفنا أننا ال نستطيع أن نتأكد من كل شيء ح تى‬
‫ل و ك ان تافه ًا (أمين‪ ،‬محم ود‪ ،1958 ،‬ص‪ .)Ameen,Mahmoud,1958,p.319()319‬إن الُش كاك‬
‫في تل ك المرحل ة ي رون أن اإلنس ان كي يك ون آمن ًا من تض ارب اآلراء مم ا من ش أنه أن ُيح دث قلق ًا في‬
‫النفس‪ ،‬فعليه تعليق الُح كم‪ ،‬وتعليق الُح كم هنا أن ينصرف اإلنسان عن أي كالم‪ ،‬والوسيلة هي أن يص وم‬
‫عن الكالم فيص بح في حال ة ص مت ُم طب ق‪ ،‬كي يظ ل في حال ة طمأنين ة س لبية باس تمرار (ب دوي‪،1970 ،‬‬
‫ص‪)Badawi,1970,p.73()73‬‬
‫يرى بيرون أن كل قضية تحتمل قولين يمكن إيجابها وسلبها بقوة متعادل ة‪ ،‬فالحكم ة الع دول عن اإليج اب‬
‫رم‪ ،1966 ،‬ص‪()235‬‬ ‫واهر (ك‬ ‫د الظ‬ ‫وف عن‬ ‫دل والوق‬ ‫اع عن الج‬ ‫لب واالمتن‬ ‫والس‬
‫‪)Karam,1966,p.235‬‬
‫وهم ب ذلك يعّلق ون الحكم وُيعلن ون ال أدريتهم عن حق ائق األش ياء‪ ،‬ف األمر س يان أن تع رف أو ال تع رف‪،‬‬
‫والشك عندهم طريقة ومنهج وغاية وراحة‪.‬‬
‫أما الموقف اآلخر‪ ،‬فيرى أصحابه أن المعرفة ممكنة واليقين ممكن‪ ،‬وذلك ألن المعرف ة متحقق ة في وعين ا‬
‫أوًال وذلك ما يقول به المثاليون أو أنه متحقق في واقعنا‪ ،‬في عالمنا الخارجي‪ ،‬وهذا ما يقوله الواقعيون‪،‬‬
‫فالمثالي هو الذي يرى أن وجود الموضوع متعل ق ب ذات واعي ة ُتدرك ه‪ ،‬فالموض وع ليس قائم ًا بذات ه‪ ،‬ب ل‬
‫بغ يره‪ ،‬وال قيم ة ل ه دون ذات واعي ة مفك رة تض من وج وده وتق رره‪ ،‬ل ذلك ارتب ط الع الم عن د الفيلس وف‬
‫المث الي ب الوعي‪ ،‬وال وعي عن ده أس بق في الوج ود من الم ادة‪ ،‬وه ذا م ا نج ده عن د ديك ارت عن دما أثبت‬
‫وج وده من خالل ش كه‪ ،‬فأن ا أش ك يع ني أن أفك ر‪ ،‬فالش ك تفك ير‪ ،‬م ا دمت أفك ر إذًا أن ا موج ود‪ ،‬ثم ينطل ق‬
‫ديكارت بعد وجود الذات الُم فكرة أن ُي ثبت وجود االمتداد (الزمان والمكان) فإلى وجود اهلل‪ .‬أم ا الواقعي ون‬
‫فيرون أن للموضوع وجودًا مستقًال عن الذات العارفة له‪ ،‬فال عالق ة لل ذات بوج ود الموض وع من عدم ه‪،‬‬
‫إنما الذات العارفة يكمن دوره ا في أن ُت درك الموض وع‪ ،‬فالموض وع موج ود‪ ،‬واق ع‪ ،‬س واء أدركت ه ال ذات‬
‫العارفة الواعية الُم فكرة أم لم ُتدركه‪ ،‬وبذلك تحقق مفهوم استقاللية الثنائية (ثنائية الذات والموضوع) في‬
‫الواقعي ة في المعرف ة‪ ،‬وينتمي لل رأي األول أغلب الفالس فة العقل يين المث اليين ولل رأي الث اني ينتمي أغلب‬
‫الفالسفة الحسيين التجريبيين الواقعيين‪.‬‬
‫يرى فؤاد زكريا‪ :‬أن المثالية تعني كل مذهب يقف موقفًا مضادًا للموقف الطبيعي وأول مرحل ة من مراح ل‬
‫خروج المثالية عن الموقف الطبيعي هي الشك في الحواس‪ ،‬والشك هنا هو الش ك في ق درة الح واس على‬
‫نقل موضوعات خارجية لن ا‪ .‬وإ ن المث اليين في ذل ك يعتم دون على ح االت ش اذة ون ادرة (زكري ا‪،1977 ،‬‬
‫ص‪ .)Zakaria,1977,p.65()65‬وهنال ك من ال ذين ي رون أن الحقيق ة ممكن ة وهم ال دوغمائيون أو‬
‫االعتق اديون ال ذين يعتق دون أن الحقيق ة ملكهم وح دهم وإ ن من يخ الفهم ال رأي والق ول والمعتق د على‬
‫ض الل‪ ،‬وهم أنفس هم االْقص ائيون ال ذين َيْقص ون ك ل من ال يتف ق معهم في الفك ر والعقي دة وهم غالب ًا م ا‬
‫يكونون عدائيين منغلق يين وقلي ل منهم من ه و متس امح وتس امحه ه ذا في طبع ه وفي تنش ئته ليس إال أو‬
‫لغاية ما‪ ،‬ومع ذلك فهذا الُم تسامح يرى أنه على ح ق وك ل من خالف ه في ال رأي والمعتق د فه و على باط ل‬
‫لكنه متسامح‪ ،‬وهؤالء في أغلبهم من ينتمي إلى الفكر الديني الُم تطرف والفكر القومي المنغل ق‪ ،‬إن ك تج د‬
‫الدوغمائية عند جميع المؤدلجين‪ ،‬وهم المتفائلون والحالمون وأصحاب اآلمال العريضة‪.‬‬
‫مص ادر المعرف ة‪ :‬كم ا أرخ مؤرخ و الفلس فة‪ ،‬وكم ا درجت عليه ا الع ادة بين من َك تب واهتم في نظري ة‬
‫المعرفة والفلسفة الحديثة‪ ،‬فإن هنالك مصادر للمعرف ة ومص ادرها هي‪ :‬المعرف ة العقلي ة وخ ير من يمثله ا‬
‫ديك ارت‪ ،‬والمعرف ة الحس ية التجريبي ة وخ ير من يمثله ا ج ون ل وك – وه و ال ذي ب دأت مع ه – والمعرف ة‬
‫النقدية وخير من يمثلها إيمانويل كانت‪ ،‬والمعرفة الحدس ية الوجداني ة وخ ير من يمثله ا ه نري برجس ون‪،‬‬
‫وللمعرفة باختصار ثالث ة مص ادر‪ :‬المعرف ة العقلي ة والمعرف ة الحس ية والمعرف ة الحدس ية‪ ،‬وت أتي المعرف ة‬
‫النقدية هنا تأكيدًا على ض رورة المعرف ة العقلي ة والمعرف ة الحس ية التجريبي ة مع ًا وال تي ب دونهما ال يمكن‬
‫للمعرفة الصحيحة أن تتم – بحس ب وجه ة نظ ر ك انت – ل ذلك س نبدأ بالمص در األول من مص ادر المعرف ة‬
‫وهي المعرفة العقلي ة‪ ،‬وقب ل ه ذا وذاك أود أن أوض ح بعض الخص ائص العام ة ال تي امت ازت به ا الفلس فة‬
‫العقلية‪.‬‬
‫خصائص المعرفة العقلية‪ :‬للمعرفة العقلية خصائص منها‪:‬‬
‫إن الحقيقة عندهم واحدة عند جمي ع العق ول على الس واء‪ ،‬وال تتوق ف على أح ٍد دون اآلخ ر‪ ،‬وال‬ ‫‪.1‬‬
‫عالقة للمزاج بها أو العوامل الشخصية‪.‬‬
‫أن تكون هذه الحقيقة كلية‪ ،‬أي تمت د في الزم ان والمك ان وال تتوق ف على لحظ ة من الزم ان وال‬ ‫‪.2‬‬
‫على موضع من المكان‪ ،‬وأن ال تكون جزئية‪.‬‬
‫كم ا أنه ا ص ادقة في ك ل زم ان ومك ان وغ ير احتمالي ة‪ ،‬وم ا ه و ص ادق ب األمس ص ادق الي وم‬ ‫‪.3‬‬
‫وصادق غدًا‪ ،‬وما يصُد ق مرة يصُد ق أبدًا وفي كل مرة‪.‬‬
‫ُي قر أصحاب المذهب العقلي في المعرفة – وحين أقول ذلك أقصد ديكارت على رأسهم – باألفك ار‬ ‫‪.4‬‬
‫الفطري ة الس ابقة على التجرب ة‪ ،‬ف إن ه ذه واح دة في جمي ع العق ول وال عالق ة للح واس أو التجرب ة فيه ا‪،‬‬
‫وإ نه ا تك ون ص ادقة ويقيني ة وبديهي ة‪ ،‬واض حة وبس يطة‪ ،‬مباش رة‪ ،‬ال تحت اج إلى بره ان إلثباته ا وال إلى‬
‫دليل‪.‬‬
‫إن العق ل عن د العقل يين أس بق من الح واس في المعرف ة‪ ،‬وال تب دأ المعرف ة إال ب ه وال تنتهي إال‬ ‫‪.5‬‬
‫معه‪.‬‬
‫إن العق ل عن دهم واح د عن د جمي ع الن اس‪ ،‬وإ ن ه أع دل قم ة بين البش ر‪ ،‬وإ ن ه ق ادر للوص ول إلى‬ ‫‪.6‬‬
‫اليقين‪.‬‬
‫إن العق ل (ال وعي‪ ،‬الفك ر) عن دهم أس بق من الم ادة في الوج ود‪ ،‬ف الوعي أس بق من الم ادة في‬ ‫‪.7‬‬
‫الوجود وهذا موقف مثالي في المعرفة‪.‬‬
‫إن المعرفة العقلية مطلقة ال احتمال فيها‪ ،‬وال خداع في العقل‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫إن العاَلم أو الموضوع أو كل ما هو خارج الذات العارفة ال قيمة ل ه عن د الفالس فة العقل يين دون‬ ‫‪.9‬‬
‫عقل ُيدركه‪ ،‬أو ذات تعيه‪ ،‬أو وعي ُيقر به‪ ،‬فالموضوع عن دهم ق ائم بغ يره ال بذات ه‪ ،‬وال وج ود مس تقل ل ه‬
‫خارج العقل‪ ،‬فوجوده مرتبط بالذات العارفة له‪ ،‬فالعالم كما يمثل أمام افكاري ال أمام حواسي‪.‬‬
‫‪ .10‬إن المعرفة الحسية التجريبية عند العقل يين له ا دور ث انوي في المعرف ة وإ ن المنهج الُم عتم د عن د‬
‫العقل يين ه و المنهج االس تنباطي االس تداللي الرياض ي ال ذي ال يمكن أن يوص لنا إال إلى اليقين‪ ،‬يقين‬
‫كاليقين الرياضي‪ ،‬وإ ن العلوم الحقة اليقينية عندهم هي العلوم الصرفة كالرياضيات والمنط ق ألن نتائجه ا‬
‫دقيقة يقينية ال تحتمل الشك‪.‬‬
‫ديكارت (‪ :)1650-1596‬سوف نتناول باختصار شديد وبوضوح شديد قدر المس تطاع أب رز م ا ج اء في‬
‫فلسفة ديكارت المعرفية أي‪ :‬الكوجيتو‪ ،‬الحدس واالستنباط‪ ،‬قواعد المنهج الديكارتي‪.‬‬
‫الشك عند ديكارت (الكوجيتو)‪ :‬انطل ق ديك ارت في محاولت ه لمعرف ة ذات ه والع الم من الش ك‪ ،‬فالش ك عن ده‬
‫بداية لم يخترها ديكارت بل ُفرضت عليه‪ ،‬كما لم يختره ا أغلب الفالس فة‪ ،‬لكنه ا بداي ة ق د تك ون ال من اص‬
‫منها لمعرفة أي شيء‪ ،‬ال بل قد تكون سجية من سجايا العقل اإلنساني‪.‬‬
‫شك ديكارت في ب ادئ األم ر في أم ر التقلي د والتربي ة وفي ك ل م ا انح در إلين ا من اس الفنا وأص بح ع ادات‬
‫وتقاليد‪ ،‬فأكد ديكارت على ضرورة اعادة النظر في جميع آرائنا التي ق د يك ون ج زٌء منه ا آراء كاذب ة‪ ،‬ثم‬
‫انتقل الشك الديكارتي في االحساسات‪ ،‬والشك في شهادة الحواس‪ ،‬ف إن الح واس عن د ديك ارت خّد اع ة وال‬
‫يمكن أن نطمئن إليها وإ نها ال ُتعبر عن الواقع في حد ذات ه وإ نه ا قابل ة للتغ ير بتغ ير الزم ان والمك ان‪ ،‬ثم‬
‫انتقل ديكارت في الشك في جس مه‪ ،‬مؤك دًا على أنن ا في األحالم ن ر أجس امنا تتح رك وتنتق ل من مك ان إلى‬
‫آخ ر وتتخ ذ مواض ع مختلف ة وهي في الحقيق ة في الس رير ولم تتح رك من مكانه ا‪ ،‬كم ا إنن ا ال نمل ك أدل ة‬
‫للتمييز بين اليقظة وبين النوم‪ ،‬حتى تحول هذا الشك إلى مجمل الحقائق العلمي ة‪ ،‬وه ذا ه و أعلى درج ات‬
‫الش ك‪ ،‬وه و ش ك في الوق ائع وش ك في حال ة اليقظ ة ال الن وم وش ك في عالمن ا وم ا يج ري في ه (الح اج‪،‬‬
‫‪ ،1954‬ص‪.)Alhaj,1954,p.76-81()81-76‬‬
‫وبعد كل هذا الشك ال ذي مارس ه ديك ارت ك ان بحاج ة إلى بداي ة ينطل ق منه ا لمعرف ة ذات ه ولمعرف ة الع الم‬
‫الخارجي (االمتداد) ثم معرفة اهلل‪ ،‬كان بحاجة إلى منطلق ينطلق منه في نظريته في المعرفة‪ ،‬ك ان بحاج ة‬
‫إلى اليقين ال ذي ي دعي ديك ارت بأنن ا نش ترك في ه وال نختل ف علي ه‪ ،‬إلى يقين يجع ل من وح دة المعرف ة‬
‫ممكنة ال مس تحيلة‪ ،‬فك انت البداي ة ال تي اهت دى إليه ا‪ ،‬وهي أن ال ذي ال يمكن الش ك في ه ه و عملي ة الش ك‬
‫ذاتها‪ ،‬هي في إنني أشك وعملية الشك هذه‪ :‬عملية فكرية وليس ت حس ية تجريبي ة‪ ،‬ل ذلك فه ذا يع ني أن ني‬
‫أفكر وأن ه ذا الفك ر دلي ل على وج ودي‪ ،‬ف إنني موج ود‪ ،‬وه ذا يع ني‪ :‬أن ا أش ك فأن ا أفك ر إذن أن ا موج ود‪،‬‬
‫فالمنطلق ال رئيس في الوج ود عن د ديك ارت ه و الفك ر‪ ،‬ال وعي‪ ،‬فك ان ال وعي عن ده أس بق في الوج ود من‬
‫الم ادة‪ ،‬ومنطلق ًا لمعرف ة الع الم واهلل‪ ،‬ل ذلك ُيع د ديك ارت فيلس وفًا مثالي ًا ألن الع الم متمث ل في وعي ه وفي‬
‫فكره‪.‬‬
‫((بع د أن ش ك ديك ارت في ك ل ش يء وج د قاع دة ثابت ة يعتم د عليه ا وهي ذل ك المب دأ المش هور المس مى‬
‫بالكوجيتو (أنا أفك ر إذن أن ا موج ود‪ ،‬فك وني أش ك يفي د أني أفك ر‪ ،‬وك وني أفك ر يفي د أن ني موج ود‪ ،‬وه ذه‬
‫الحقيقة – كما يرى ديكارت – ُندركها بلمحة واح دة من لمح ات الفك ر‪ :‬فهي (ح دس) وليس ت (قياس ًا) وال‬
‫استدالًال)) (امين‪ .)Ameen,1942,p.166-167()167-166 ،1942 ،‬يرى جان فال أن ((في رأي‬
‫ديكارت‪ ،‬أن كل حالة وجدانية‪ ،‬ك ل انطباع ة م ا ح تى اإلرادة ذاته ا‪ ،‬فك ٌر بمعن اه الص حيح‪ ،‬ال يختل ف بح ال‬
‫عن الفك ر الص ادر من العاقل ة‪ ،‬بي د أني حين أق ول (أفك ر‪ ،‬إذن أن ا موج ود) اراني أفك ر في ذه ني فك رة‬
‫واض حة‪ ،‬متم يزة))(ف ال‪ ،1968 ،‬ص‪ .)Wahl,1968,p.13()13‬وعن حقيق ة ه ذا الوج ود في ق ول‬
‫ديكارت أنا موجود‪ ،‬فيريد به ديكارت وجود كائن مفكر‪ ،‬فال وجود دون فكر‪ ،‬لذلك كان ديكارت أبا المثالية‬
‫الحديثة (فال‪ ،1968 ،‬ص‪ )Wahl,1968,p.13()13‬أما عن الذي يضمن أن الكوجيتو يمثل قول الح ق‬
‫فيرى ديكارت أن ((ال لشيء البتة إال أن ني أرى في وض وح ق وي ألن ه لكي أفك ر يجب أن أك ون موج ودًا‪،‬‬
‫فأنا إذن أفكر يجب أن أكون موجودًا‪ ،‬فأنا إذن استطيع أن اتخ ذ لنفس ي‪ ....‬قاع دة عام ة وهي أن األش ياء‬
‫ال تي ُن دركها إدراك ًا واض حًا ج دًا ومتم يزًا ج دًا كله ا حقيق ة)) (أمين‪ ،1942 ،‬ص ‪()167‬‬
‫‪.)Ameen,1942,p.167‬‬
‫وما يقص ده ديك ارت به ذا الق ول ه و مب دأ البداه ة‪ ،‬فك ل م ا ه و ب ديهي ال يحت اج إلى دلي ل‪ ،‬واض ح مباش ر‬
‫بسيط‪ ،‬نشترك في إدراكه إدراكًا يقينيًا‪ ،‬وكل ذلك يتم بواسطة الحدس ومن بعده االستنباط‪.‬‬
‫الحدس واالستنباط عند ديكارت‪(( :‬يريد ديكارت بالحدس ن ورًا فطري ًا غريزي ًا ُيمِّك ن العق ل من إدراك فك رة‬
‫م ا دفع ة واح دة وليس على التع اقب‪ ،‬فه و إدراك مباش ر غ ير مس بوق بمق دمات تس لم إلي ه‪ ،‬وه و ال يق وم‬
‫على اختب ار تجري بي وال تأم ل عقلي‪ ،‬وه ذا اإلدراك من الوض وح بحيث يمتن ع مع ه ك ل ش ك ألن ه ال يق وم‬
‫على شهادة الحواس وال على أحكام الخيال الخّد اع‪ ،‬ب ل ه و عم ل عقلي محض ب ه ُن درك األفك ار والطب ائع‬
‫البسيطة التي ال تنقس م إلى أج زاء ك الوجود والوح دة والزم ان والمك ان واالمت داد))(الطوي ل‪ ،1964 ،‬ص‬
‫‪ .)Altaweej,1964,p.351()351‬غالبًا ما يذهب ظن الق ارئ إلى أن الح دس يفي د التخمين وُيفي د الال‬
‫يقين‪ ،‬وهذا أمر صحيح وصريح في اللغة وفي الواقع وفي حياتن ا اليومي ة‪ ،‬وه ذا م ا نج ده عن د ب دوي في‬
‫موس وعته وعن د جمي ل ص ليبا في معجم ه (ب دوي‪ ،1984 ،‬ص‪ ،458‬ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪()451‬‬
‫‪ ،)Badawi,1984,p.458‬لكن الح دس ال ديكارتي تحدي دًا أو الح دس عن د ديك ارت كم ا أراده ديك ارت‬
‫وقص ده نج ده في قول ه ((أن ا ال اقص د بالح دس ش هادة الح واس المتغ يرة‪ ،‬وال الُح كم الخ ّد اع لخي ال فاس د‬
‫المباني‪ ،‬إنما أقصد ب ه التص ور ال ذي يق وم في ذهن خ الص منتب ه‪ ،‬بدرج ة من الس هولة والتم يز‪ ،‬ال يبقى‬
‫معه ا مج ال لل ريب‪ ،‬أي التص ور ال ذهني ال ذي يص در عن ن ور العق ل وح ده))(ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪()452‬‬
‫‪ .)Saliba,1979,p.452‬أم ا عن األم ور ال تي ي دركها العق ل بالح دس فهي ثالث ة أن واع‪ :‬الطب ائع‬
‫البسيطة‪ ،‬كاالمت داد والحرك ة والزم ان‪ ،‬والحق ائق األولي ة ال تي ال تقب ل الش ك‪ ،‬ومثال ه‪ :‬لعلمي أني موج ود‬
‫ألني أفك ر‪ ،‬والمب ادئ العقلي ة ال تي ترب ط الحق ائق بعض ها ببعض‪ ،‬كعلمي أن الش يئيين المس اويين لش يء‬
‫ثالث متساويان (ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪(( ،)Saliba,1979,p.452()452‬أم ا االس تنباط فه و ال ذي ي درك‬
‫الطبائع الُم ركبة وجيء دوره بعد الحدس وهو عمل عقلي يمكننا من أن نستخلص من شيء نعرفه معرفة‬
‫يقيني ة‪ ....‬تل زم عن ه‪ ،‬وه و يتم على خط وات‪ ...‬به ا نس تنج ش يئًا مجه وًال من ش يء معل وم))(الطوي ل‪،‬‬
‫‪.)Altaweel,1955,p.352()352 ،1955‬‬
‫المنهج الديكارتي‪((:‬أصبح ديكارت مقتنع ًا في ف ترة مبك رة‪ ،‬مث ل بيك ون‪ ،‬ب أن االجتي اح العظيم في الفلس فة‬
‫هو ص ياغة منهج دقي ق ومثم ر للبحث‪ .‬غ ير أن ديك ارت فهم المن اهج ال تي يس تخدمها بالفع ل الرياض يون‬
‫وعلم اء الطبيع ة على نح و أفض ل‪ ،‬وق د ك ان ديك ارت نفس ه رياض يًا بارع ًا ومرموق ًا‪ ،‬ومكتش فًا الهندس ة‬
‫التحليلية‪ .‬وقد انتهى إلى أنه يمكن ابتكار منهج للفلسفة يشبه المنهج الذي يستخدمه في الهندسة بنج اح‪.‬‬
‫ويجمل – ديكارت – في الجزء الثاني من كتابه (مقال عن المنهج ‪ )Discourse on Method‬بطريقة‬
‫مبسطة أربع قواعد يحددها كاآلتي‪:‬‬
‫ال أقب ل ش يئًا على أن ه ح ق‪ ،‬م ا لم أع رف بوض وح أن ه ك ذلك‪ ،‬أي يجب أن أتجنب التس رع وع دم‬ ‫‪.1‬‬
‫التشبث باألحكام السابقة‪ ،‬وأن ال أدخل في أحكامي إال ما يتمثل لعقلي في وضوح وتم يز ي زول معهم ا ك ل‬
‫شك))‪.‬‬
‫أن أقسم كل واحدة من المشكالت التي أبحثها إلى أجزاء كثيرة بقدر الُم س تطاع‪ ،‬وبمق دار م ا يب دو‬ ‫‪.2‬‬
‫ضروريًا لحلها على أحسن الوجوه‪.‬‬
‫أن أرتب أفكاري‪ ،‬فأبدأ باألمور االكثر بساطة وأيسرها معرفة‪ ،‬ح تى أص ل ش يئًا فش يئًا أو بالت درج‬ ‫‪.3‬‬
‫إلى معرفة أكثرها تعقيدًا‪ ،‬مفترضًا ترتيبًا‪ ،‬حتى لو كان خياليًا بين االمور التي ال يسبق بعضها بعضًا‪.‬‬
‫أن أعمل في جميع االحوال من اإلحصاءات الكاملة والمراجعات الش املة م ا يجعل ني على ثق ة من‬ ‫‪.4‬‬
‫أنني لم أغفل شيئًا‪ ..........‬وسرعان ما يالحظ الق ارئ أن ه ذه القواع د تش ير إلى اإلج راءات ال تي ُتتب ع‬
‫في حل مشكلة أصلية في الهندسة))(رايت‪ ،2012 ،‬ص‪.)Wright,2012,p.94-95()95-94‬‬
‫وه ذه القواع د األرب ع هي بمع نى آخ ر‪ :‬البداه ة والتحلي ل وال تركيب واإلحص اء‪ ،‬والبداه ة هي المنطل ق‬
‫الرئيس والقاعدة األولى التي بدأ به ا ديك ارت‪ ،‬وال تي ُتش ير إلى معرف ة األش ياء الواض حة البس يطة البين ة‬
‫وال تي تتم معرفته ا بواس طة الح دس‪ ،‬ثم يب دأ بع د ذل ك بالتحلي ل‪ ،‬والتحلي ل محاول ة الع ودة إلى االج زاء‬
‫البس يطة األولي ة الُم كون ة للش يء الُم راد معرفت ه‪ ،‬ألن ني إذا م ا توص لت إلى األش ياء البس يطة تمكنت من‬
‫إدراكها إدراكًا يقينيًا بديهيًا بواسطة الحدس‪ ،‬ثم يأتي التركيب وهو التجميع‪ ،‬ه و تجمي ع األج زاء البس يطة‬
‫لتكوين الُم ركب‪ ،‬ثم يأتي اإلحصاء‪ ،‬وهو عملي ة مراجع ة كامل ة لم ا قمن ا ب ه ومحاول ة التعب ير عن ه رقمي ًا‪.‬‬
‫يحلم ديكارت كما كان يحلم من قبله وكما كان يحلم من بعده الفالسفة في معرفة يقينية يشترك فيها جميع‬
‫البشر‪ ،‬في معرفة حالها حال المعرفة الرياضية‪ ،‬تمت از بالدق ة وبالمض بوطية‪ ،‬ل ذلك أرادوا من الفلس فة أن‬
‫تص بح علم ًا على غ رار العل وم الرياض ية وعلى غ رار العل وم الطبيعي ة‪ ،‬كي تك ون له ا وظيف ة محترم ة‬
‫كالوظيفة التي تقوم بها العلوم الطبيعية‪.‬‬
‫إذن المنهج هو النظام‪ ،‬هو االنضباط في التفكير‪ ،‬ه و الطريق ة ال تي إذا م ا التزمن ا به ا وص لنا إلى معرف ة‬
‫يقينية‪ ،‬هو خطوات متسلسلة يتبع بعضها بعضا ويلزم بعض ها عن بعض بالض رورة‪ ،‬ك ل ذل ك بغي ة وح دة‬
‫المعرف ة ودقته ا‪ .‬ويبقى المنهج عن د ديك ارت وعن د غ يره من الفالس فة ه و طريق ة لالكتش اف تتالءم م ع‬
‫أدواتنا المعرفية وعلى رأسها العقل‪.‬‬
‫إن تأكي د ديك ارت على أهمي ة المنهج ال س يما المنهج الرياض ي ألن ه المنهج الوحي د ال ذي يع د س بيًال إلى‬
‫اليقين‪ ،‬والقصد من تأكيد ديكارت على المنهج الرياضي هو تعويد الذهن على استعمال هذا المنهج أو هذا‬
‫الطري ق الم ؤدي إلى اليقين‪ ،‬فهُّم ديك ارت ه و الدق ة وع دم الوق وع في الخط أ ووح دة المعرف ة‪ ،‬ألن العق ل‬
‫السليم هو أعدل األش ياء قس مة بين البش ر‪ ،‬وإ ذن‪ ،‬فوح دة المنهج ل دى ديك ارت تع ود إلى وح دة الفك ر‪ ،‬ال‬
‫وح دة الع الم‪ ،‬فالع الم كث ير ومتغ ير‪ ،‬أم ا العق ل فواح د‪ ،‬وفي وح دة العق ل تج د وح دة الع الم ش رطها الك افي‬
‫(الجابري‪ ،1982 ،‬ص‪.)Aljaberi,1982,p.38-39()39-38‬‬
‫المذهب الحسي التجريبي (جون لوك ‪ :)1704-1632‬قبل الدخول بمحاولة جون ل وك المعرفي ة‪ ،‬الُم مث ل‬
‫الحقيقي للم ذهب الحس ي التجري بي في نظري ة المعرف ة ال تي ب دأت مع ه بش كلها الُم تكام ل كم ا بين ا في‬
‫الصفحات السابقة‪ ،‬ال بد من تحديد أهم الخصائص العامة لهذا المذهب في المعرفة‪.‬‬
‫خصائص المذهب الحسي التجريبي‬
‫إن الم ذهب الحس ي التجري بي ال يق ر بالمعرف ة الفطري ة واألفك ار القبلي ة الس ابقة على التجرب ة‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫فاإلنسان عندهم يولد صفحة بيضاء وتخط التجربة عليه ما تشاء‪.‬‬
‫إن الحس هو المصدر الرئيس للمعرفة‪ ،‬ثم يأتي دور العقل الحقًا في المعرفة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫إن المنهج التجري بي الق ائم على المالحظ ة الحس ية والف رض العلمي ه و الس بيل إلى المعرف ة‬ ‫‪.3‬‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫إن الحقيقة عند التجريبيين‪ :‬احتمالية وليست يقينية ونسبية ليست مطلقة وجزئية ليست كلية‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫إن العقل ليس أع دل قس مة بين البش ر ألن ه ليس واح دًا عن د جمي ع الن اس‪ ،‬ب ل ه و جه از ُم تش كل‬ ‫‪.5‬‬
‫بفعل االكتساب‪ ،‬لذلك فهو مختلف غير واحد بين الناس‪.‬‬
‫يتخ ذ المنهج التجري بي الحس ي من العل وم الطبيعي ة ال تي تعتم د على المنهج االس تقرائي نموذج ًا‬ ‫‪.6‬‬
‫للمعارف األكثر يقينية وطريقًا ناجحًا في مجمل معارفنا‪.‬‬
‫يؤمن هذا المذهب بوحدة العلم الطبيعي التجريبي‪ ،‬كما يعتقد أن الخط أ ال من اص من ه في المعرف ة‬ ‫‪.7‬‬
‫الحسية التجريبية‪ ،‬وأن كل ما موجود في العقل قد أتى من العالم الخارجي بواسطة الحواس‪.‬‬
‫إن خير ممثل له ذا الم ذهب ال تي ب دت مالمح ه تتض ح في الف ترة الحديث ة المتمثل ة بنهاي ة الق رن الس ادس‬
‫عش ر والق رن الس ابع عش ر ج ون ل وك‪ ،‬ف أغلب من أرخ للفلس فة وكتب تاريخه ا يع د ج ون ل وك المنطل ق‬
‫الرئيس لنظرية المعرفة حصرًا‪.‬‬
‫س نتناول أهم الموض وعات ال تي تخص نظري ة المعرف ة عن د ل وك وهي‪ :‬نق د المعرف ة الفطري ة‪ ،‬الص فات‬
‫األولية والصفات الثانوية لألجسام‪ ،‬حدود المعرفة‪ ،‬األفكار البس يطة واألفك ار المركب ة‪ ،‬الح دس والبره ان‪،‬‬
‫معرفتنا بالعالم الخارجي‪ ،‬المعرفة االحتمالية والخطأ‪.‬‬
‫نقد جون ل وك للمعرف ة االحتمالي ة‪ :‬ينك ر ل وك األفك ار الفطري ة ويؤك د دائم ًا على أن العق ل ص فحة بيض اء‬
‫عندما يولد اإلنسان‪ ،‬فال وجود لشيء فيه قبل والدته وكل ما فيه هو بعد والدته‪ ،‬فالحواس هي التي تنق ل‬
‫إليه الص ور س واء من الع الم الخ ارجي أو من المخيل ة ال تي هي األخ رى ب دورها تعتم د على ص ور الع الم‬
‫الخارجي‪.‬‬
‫لكن علينا أن ننتب ه جي دًا إلى أن مس ألة االطالق في إنك ار المعرف ة الفطري ة ق د يوقعن ا بع دم الدق ة‪ ،‬وبغي ة‬
‫الدقة فإن مسألة اإلنكار المطلق للمعرفة الفطرية من عدم ه مث ار ج دل عن د الب احثين (الش نيطي‪،1969 ،‬‬
‫ص‪ .)Alsheneti,1969,p.49-50()50-49‬ي رى ل وك ((أن جمي ع معارفن ا مس تقاة من التجرب ة‬
‫وح دها وليس منه ا م ا يمكن اعتب اره فطري ًا موروث ًا‪ ،‬إذ ليس في العق ل ش يء إال وق د س بق وج وده في‬
‫الحس أوًال))(الطوي ل‪ ،1964 ،‬ص‪(( .)Altaweel,1964,p.355()355‬والح ق عن د ل وك أن النفس‬
‫في األص ل كل وح مص قول لم ُينقش في ه ش يء‪ ،‬وأن التجرب ة هي ال تي تنقش فيه ا المع اني والمب ادئ‬
‫جميع ًا))(ك رم‪ ،1975 ،‬ص‪ .)Karam,1975,p.140()140‬فال يوج د في العق ل ش يء إال وق د س بق‬
‫وجوده في النفس (كرم‪ ،1975 ،‬ص ‪.)Karam,1975,p.140()140‬‬
‫الص فات األولي ة والص فات الثانوي ة عن د ج ون ل وك‪ :‬ي رى ل وك أن جمي ع األجس ام الموج ودة في الع الم‬
‫الخارجي لها صفتان‪ ،‬صفات أولية وصفات ثانوية‪ ،‬فكل جسم من األجسام له صفة رئيسية وص فة ثانوي ة‬
‫وأحيانا تسمى هذه الصفات بالكيفيات‪ :‬الكيفيات االولية والكيفيات الثانوية‪.‬‬
‫إن معرفتن ا للص فات االولي ة‪ :‬كالش كل والحرك ة والص البة تك ون معرف ة مباش رة‪ ،‬وهي ج زء أص يل من‬
‫الش يء وال يمكن معرف ة الش يء دونه ا‪ ،‬أم ا الص فات الثانوي ة فمعرفتن ا به ا تك ون معرف ة غ ير مباش رة‪،‬‬
‫كالصوت واللون والرائحة (الشنيطي‪ ،1969 ،‬ص‪.)Alsheneti,1969,p.59()59‬‬
‫إن الص فات األولي ة في األجس ام كالكتل ة والحرك ات ص فات موج ودة فيه ا س واء أدركته ا الح واس أم لم‬
‫ُتدركها‪ ،‬أما الصفات الثانوية كالضوء والل ون والح رارة وال برودة فإنه ا ص فات موج ودة م تى م ا أدركته ا‬
‫الح واس‪ ،‬ف إذا م ا زال عن ا اإلحس اس زالت عن الوج ود‪ ،‬فال وج ود للض وء دون العين وال وج ود للطعم‬
‫دون اللسان وال وجود للصوت دون األذن وال وجود للرائحة دون االنف‪ ،‬فإنها تنعدم مع انع دام الح واس‪،‬‬
‫والصفات الثانوي ة عن د ل وك تنقس م ب دورها إلى‪ :‬ص فات ثانوي ة ُيمكن إدراكه ا مباش رة مث ل الل ون والطعم‬
‫والرائحة والحرارة وصفات ثانوية ُي مكن إدراكها بصورة غير مباشرة كإدراك‪ :‬أن الشمع يصبح س ائًال إذا‬
‫ما تعرض للحرارة وهكذا‪.‬‬
‫إذ ي رى ل وك‪ :‬أن الص فات األولي ة ال تف ارق األجس ام‪ ،‬فنحن نج د ه ذه الص فات في ك ل ج زء من جزيئ ات‬
‫الجسم المادي (الشنبيطي‪ ،1969 ،‬ص‪.)Alsheneti,1969,p.60()60‬‬
‫وهذا يعني أن هذه الصفات (األولية) ال تؤثر عليها التجزئة مهما ك انت‪ ،‬أي ح تى ل و قمن ا بتجزئ ة الجس م‬
‫إلى آالف األجزاء تبقى الصفات االولية موجودة في أجزاء هذا الجسم‪ ،‬أي أن هذه الصفات تبقى موج ودة‬
‫في الجسم حتى لو قّس منا هذا الجسم إلى أجزاء عديدة‪ ،‬يبقى الجزء يحتفظ بذات الصفات ال تي يحتف ظ به ا‬
‫الكل‪ ،‬أما الصفات الثانوية فإنها تختلف إذا ما اختلفت الصفات االولية لألجسام‪ ،‬وإ نها تعتمد على الُم الِح ظ‬
‫فإنها تختلف من ُم الحظ إلى آخر‪.‬‬
‫األفكار البسيطة واألفكار المركبة عند جون لوك‪ُ :‬يقسم ج ون ل وك األفك ار إلى بس يطة ومركب ة‪ ،‬فالبس يطة‬
‫هي ال تي ال يمكن تقس يمها إلى أج زاء والمركب ة هي ال تي تتجم ع من األفك ار البس يطة‪ ،‬وب دورها تنقس م‬
‫األفكار المركبة إلى جواهر وأح وال وعالق ات‪ ،‬ف الجواهر أفك ار مركب ة عن األش ياء ال تي يمكنه ا أن توج د‬
‫ب ذاتها‪ ،‬على حين أن االح وال تعتم د على الج واهر‪ ،‬وأم ا العالق ات فهي قائم ة ب ذاتها تنش أ عن عملي ة‬
‫المقارنة الذهنية (رسل‪ ،1983 ،‬ص ‪.)Russell,1983,p.111-112()112-111‬‬
‫وباختصار شديد أن األفك ار بس يطة ومركب ة‪ ،‬البس يطة هي ال تي ت دخل العق ل عن طري ق الح واس بص ورة‬
‫بسيطة ومباشرة‪ ،‬أي هي األفك ار ال تي ُتق دمها إلين ا الح واس والمتأتي ة من الص فات االولي ة لألجس ام‪ ،‬أم ا‬
‫األفك ار المركب ة فهي االفك ار ال تي يق وم به ا العق ل عن طري ق تركيب ه لم ا حص ل علي ه من مجموع ة من‬
‫االفكار البسيطة‪.‬‬
‫واألفك ار البس يطة أربع ة أص ناف‪ :‬ال تي نحص ل عليه ا عن طري ق حاس ة واح دة وال تي نحص ل عليه ا عن‬
‫طري ق أك ثر من حاس ة كاالمت داد والمك ان والحرك ة والس كون‪ ،‬وال تي نحص ل عليه ا عن طري ق التأم ل‬
‫واإلدراك واإلرادة‪ ،‬والتي نحصل عليها عن طريق اللذة واأللم وإ دراكنا للتعاقب وللوحدة‪.‬‬
‫أم ا األفك ار المركب ة فإنه ا األفك ار ال تي يق وم العق ل بتركيبه ا من خالل م ا يص له من جمل ة اإلحساس ات‪،‬‬
‫كالوفاء والصدق والكذب‪ ،‬وكذلك التي تأتي أيضًا عن طري ق ت ركيب العق ل لبعض األفك ار‪ ،‬عن ال روح الال‬
‫مادية مثًال (بدوي‪ ،1984 ،‬ص ‪.)Badawi,1984,375()375‬‬
‫أنواع المعارف عند جون لوك‪ :‬يرى لوك أن هنالك ثالث درجات للمعرفة هي‪ :‬المعرفة الحدسية والمعرفة‬
‫البرهانية والمعرفة الحسية‪ ،‬فالمعرفة الحدسية هي أك ثر ه ذه المع ارف يقين ًا وال تي تص ل إلى ال ذهن دون‬
‫توس ط أي ة فك رة وهي معرفتن ا باتف اق أو اختالف فك رتين‪ ،‬وعن طري ق ه ذه المعرف ة نع رف أن الل ون‬
‫األس ود ليس أبيض وإ ن ال دائرة ليس ت مثلث ًا‪ ،‬أم ا المعرف ة البرهاني ة فهي عن دما ال يس تطيع العق ل الجم ع‬
‫بين فك رتين بص ورة واض حة وبص ورة مباش رة إال بع د توس ط أفك ار أخ رى‪ ،‬أي إنه ا معرف ة تعتم د على‬
‫ال براهين‪ ،‬وإ ن ه اتين المعرف تين تجعالن االس تدالل في الرياض يات واألخالق مؤك دًا وتق دمان برهان ًا على‬
‫وجودنا ذاته‪ ،‬أما المعرفة الثالثة وهي المعرفة الحسية فهي معرف ة مس تمدة من أفك ار بس يطة متأتي ة عن‬
‫طريق اإلحساس‪ ،‬وهي المعرفة التي تؤكد لنا وجود العالم الخ ارجي وأن ه ذا الع الم يحت وي على جزئي ات‬
‫وصفات أولي ة (رايت‪ ،2010 ،‬ص‪ .)Wright,2012,p.169-171()171-169‬وباختص ار ش ديد أن‬
‫المعارف عند لوك‪:‬‬
‫حدسية‪ :‬وهي معرفة مباشرة بال توس ط‪ ،‬به ا نس تطيع إدراك التواف ق بين االفك ار من عدم ه وبه ا‬ ‫‪.1‬‬
‫ُن درك الب ديهيات ال تي ال تحت اج إلى بره ان كإدراكن ا أن المرب ع ليس مس تطيًال وإ ن األص فر ليس أحم ر‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫برهاني ة‪ :‬وهي المعرف ة ال تي نحص ل عليه ا بص ورة غ ير مباش رة‪ ،‬أي بواس طة توس ط دلي ل‪ ،‬أو‬ ‫‪.2‬‬
‫قض ية م ا أو بره ان م ا إلدراك م ا بين فك رتين من تواف ق أو من عدم ه‪ ،‬كمعرفتن ا أن مس احة المرب ع‬
‫تساوي‪ :‬طول الضلع في نفسه أو أن مساحة المستطيل تساوي‪ :‬الطول في العرض وهكذا‪.‬‬
‫حس ية‪ :‬وهي معرفتن ا للع الم الخ ارجي‪ ،‬فبواس طة ه ذه المعرف ة ُن درك أن للع الم الخ ارجي وج ودًا‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫وهي معرفة متأتية من اإلحساسات وتكون مباشرة‪ .‬ي رى ل وك ((واليقين الحاص ل لن ا بوج ود أنفس نا يقين‬
‫حدسي‪ ،‬بطريق التفكير‪ ،‬واليقين الحاصل لنا بوجود اهلل هو‪ .....‬يقين برهاني‪ُ ،‬يرد إلى يقيننا بأنفسنا‪ ،‬أما‬
‫يقينن ا بوج ود المحسوس ات فه و يقين إحساس ي ليس إال)) (بريهي ه‪ ،1983 ،‬ص‪()343‬‬
‫‪)Brehier,1983,p.343‬‬
‫حدود المعرفة عند جون لوك‪ :‬يرى لوك أن معرفتنا ال يمكن أن تمتد إلى ما تمتد إليه أفكارن ا‪ ،‬كم ا أنن ا ال‬
‫نستطيع معرفة الترابط الضروري بين فكرتين ما دمنا ال نستطيع أن نعرف الماهية الحقيقية للجوهر الذي‬
‫يق ف وراءه ا‪ ،‬كم ا أنن ا ال نس تطيع أن نحص ل على معرف ة حدس ية تش مل ك ل أفكارن ا وك ل م ا ن رغب في‬
‫معرفته‪ ،‬وأن المعرفة البرهاني ة ال تتن اول ك ل أفكارن ا‪ ،‬ام ا فيم ا يتص ل ب الوجود ال واقعي فيق رر ل وك‪ :‬أنن ا‬
‫متيقنون من ه بالعي ان أنن ا موج ودون وبالبره ان أن اهلل موج ود‪ ،‬كم ا أن المعرف ة الحس ية ال يمكن له ا أن‬
‫تمت د أبع د من وج ود األش ياء الماثل ة أمامن ا (ب دوي‪ ،1984 ،‬ص ‪)Badawi,1984mp.377()377‬‬
‫وعلى ذلك فالمعرفة عند لوك محدودة‪ ،‬وذلك ألننا ال نستطيع أن نعرف كل ما نرغب به‪.‬‬
‫المعرف ة االحتمالي ة عن د ج ون ل وك‪ :‬ي رى ل وك أن المعرف ة االحتمالي ة تش غل الج انب االك بر من معرفتن ا‬
‫عمومًا‪ ،‬بينما المعرفة اليقينية ال تمثل إال نسبة بس يطة في مقاب ل المعرف ة االحتمالي ة (الش نيطي‪،1969 ،‬‬
‫ص‪ )Alsheneti,1969,p.105()105‬ل ذا ال من اص لن ا من المعرف ة االحتمالي ة وال مف ر منه ا ألنه ا‬
‫تمث ل الج انب االك بر واألوف ر حظ ًا من مجم ل معارفن ا‪ ،‬وعلي ه ي رى ل وك ض رورة التمي يز بين االحتم ال‬
‫واليقين‪ ،‬فإنه يرى أن األم ر بس يط‪ ،‬فالمعرف ة اليقيني ة يق ف وراءه ا ح دس ال ُيخطئ‪ ،‬أم ا المعرف ة الظني ة‬
‫فيمكن معرفته ا عن دما نعرض ها على الش واهد والبيان ات‪ ،‬فعن دها نع رف أنه ا معرف ة ظني ة (الش نيطي‪،‬‬
‫‪ ،1969‬ص ‪ ))Alsheneti,1969,p.105-106 )106-105‬والمعرف ة االحتمالي ة فيه ا درج ات‪،‬‬
‫فإن بعض قضاياها أكثر احتماًال من بعضها اآلخر‪ ،‬وذلك يتوقف بحسب معطيات التجربة‪ ،‬فدرجة االحتمال‬
‫تتوقف على‪:‬‬
‫عدد الشهود‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫سالمة هؤالء الشهود‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫خبرة ومهارة الشهود‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫اتساق األجزاء وعدم تناقضها في العالقة بين القضايا‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الش هادات المعارض ة (الش نيطي‪ ،1969 ،‬ص ‪Alsheneti,1969,p107( ()107‬أم ا عن‬ ‫‪.5‬‬
‫الخطأ‪ ،‬فيقرر لوك أن هنالك أنواع ًا من الخط أ‪ :‬خط أ ي أتي من االعتم اد على اليقين دون االحتم ال‪ ،‬أو من‬
‫خالل عدم أخ ذنا ب درجات االحتم ال‪ ،‬وخط أ ي أتي من قص ور في ال ذاكرة‪ ،‬وخط أ ي أتي من خالل خلطن ا بين‬
‫موض وع التفك ير‪ ،‬فق د ُنفك ر بش يء في الع الم الم ادي بينم ا ه و ال عالق ة ل ه بالع الم الم ادي‪ ،‬وخط أ ي أتي‬
‫أحيان ًا من الح واس‪ ،‬ف الواقع أحيان ًا ه و م ا ال يظه ر (الش نيطي‪( )110 ،1969 ،‬‬
‫‪ )Alsheneti,1969,p110‬يعتق د ل وك أن اليقين يك اد يك ون مس تحيًال‪ ،‬فينبغي علين ا أن نخت ار م ا ه و‬
‫أكثر احتم اًال معتم دين على المالحظ ة والتجرب ة وعلى الش واهد واختباره ا بعناي ة فائق ة‪ ،‬وعلين ا أيض ًا أن‬
‫نيطي‪ ،1969 ،‬ص‪)111‬‬ ‫دقيق (الش‬ ‫يز والت‬ ‫أني والترك‬ ‫أ بالت‬ ‫وع في الخط‬ ‫نتخلص من الوق‬
‫‪))Alsheneti,1969,p111‬‬
‫المذهب النقدي في المعرفة (إيمانويل كانت ‪ :)1804-1724‬يرى كانت أن الفالسفة العقليين ق د أرجع وا‬
‫المعرفة البشرية إلى أصول عقلية‪ ،‬ويعتقد أنهم به – بالعقل ‪ -‬يتمكنون من الوص ول إلى معرف ة يقيني ة‬
‫دون التجربة‪ ،‬فباستطاعة العقل الوصول إلى المعرفة الحق ة اليقيني ة دون الح واس‪ ،‬ف الحواس خداع ة وال‬
‫تقدم لنا إال معرفة ظنية‪ ،‬وبالمقابل قد ارجع التجري بيون المعرف ة إلى التجرب ة وأهمل وا دور العق ل – على‬
‫ح د م ا يعتق د ك انت ‪(( -‬لئن ك ان الفالس فة العقلي ون (ديك ارت واس بينوزا واليب نز) من ناحي ة ق د ردوا‬
‫المعرفة البشرية إلى أصول عقلية فتوصلوا إلى معرفة يقينية ولكنها جوف اء ألنهم أغفل وا م ا للتجرب ة من‬
‫أثر في بناء المعرف ة‪ ،‬ولئن ك ان الفالس فة االختب اريون (ل وك وب اركلي وهي وم) من ناحي ة أخ رى ق د ردوا‬
‫المعرفة إلى التجرب ة وح دها‪ ،‬ف انتهوا إلى القض اء على الض رورة الس ببية بين الح وادث الطبيعي ة ومن ثم‬
‫إلى اعتبار القضايا العلمية أحكامًا ممكنة ليست ج ديرة بالثق ة‪ ،‬ف أدت إلى ه دم العلم الط بيعي من حيث ه و‬
‫معرفة يقيني ة وض رورية‪ ،‬ف إن كان ط رأى أن المعرف ة ترت د إلى التجرب ة من حيث مادته ا‪ ،‬وإ لى العق ل من‬
‫حيث إطارها‪ ،‬في بناء المعرفة البشرية‪ .‬وعلي ه س عى كان ط إلى إيج اد طريق ة إلدخ ال الض رورة فيم ا رأى‬
‫هيوم‪ .‬هكذا وِلد مؤلف كانط العظيم نقد العقل الخالص ‪ Critique of pure Reason‬كمحاولة جب ارة‬
‫لبيان إمكان قيام المعرفة العلمي ة ال تي تك ون تجريبي ة وض رورية في وقت واح د‪ ،‬فاله دف األس اس لكان ط‬
‫إقام ة العلم على مب ادئ تركيبي ة قبلي ة تؤل ف علم الطبيع ة البحت ‪ Pure Physics‬وه ذه المب ادئ هي‬
‫القوانين الخالصة للطبيعة وهي ليست الشروط القبلي ة ال تي تجع ل الق وانين التجريبي ة ممكن ة‪ ،‬مث ل ق انون‬
‫الس ببية الع ام القائ ل ب أن لك ل حادث ة س ببًا‪ .‬وهك ذا ف إن ك ان هي وم ق د رد مب دأ الس ببية الع ام إلى التجرب ة‬
‫الحس ية‪ ،‬فاض طر إلى إنكاره ا من حيث هي موض وعية في الطبيع ة‪ ،‬ف أدى ذل ك إلى ه دم العلم بمعن اه‬
‫المعروف آنذاك ‪ -‬ف إن كان ط عم د إلى عكس اآلي ة – فاس تمد ه ذا المب دأ من ال تركيب الع ام للعق ل‪ .‬وب ذلك‬
‫أع اد للعلم – فيم ا اعتق د – اليقين ال ذي ك ان هي وم ق د س لبه من ه))(م تى‪ ،2001 ،‬ص‪()236-235‬‬
‫‪ .)Mata,2001,p.235-236‬إن المعرف ة عن د ك انت م زيج مم ا تقدم ه الح واس من معطي ات وم ا‬
‫يفرض ه العق ل من ص ور‪ ،‬من إط ارات على تل ك المعطي ات‪ ،‬ص حيح أن المعرف ة عن د ك انت تب دأ ب الحواس‬
‫وبالتجربة‪ ،‬وال توجد معرفة سابقة على التجربة‪ ،‬لكن ال يمكن أن نرد المعرفة إلى التجربة وحدها ألن م ا‬
‫يح دد مظ اهر الم ادة ه و الص ور الموج ودة في العق ل‪ ،‬فالص ور العقلي ة هي ال تي ت رتب اإلحساس ات‪ ،‬ألن‬
‫الحواس تستلم المواد الحس ية بص ورة عش وائية غ ير منظم ة وال ذي ينظمه ا الص ور الموج ودة في العق ل‬
‫(المق والت) فهي ال تي تجع ل لإلحساس ات إط ارًا واض حًا‪ .‬يق ول ك انت ((تب دأ ك ل معرفتن ا م ع التجرب ة‪ ،‬وال‬
‫ريب في ذلك البتة‪ ،‬ألن قدرتنا المعرفية لن تس تيقظ إلى العم ل إن لم يتم ذل ك من خالل موض وعات تص دم‬
‫حواس نا‪ ،‬فتس بب من جه ة‪ ،‬ح دوث التص ورات التلقائي ة‪ ،‬وتح رك من جه ة أخ رى‪ ،‬نش اط الفهم عن دنا إلى‬
‫مقارنته ا‪ ،‬وربطه ا أو فص لها‪ ،‬وبالت الي إلى تحوي ل خ ام االنطباع ات الحس ية إلى معرف ة بالموض وعات‬
‫تسمى بالتجربة‪ .‬تتقدم أي معرفة عندنا زمنيًا على التجربة‪ ،‬بل معه ا تب دأ جميع ًا‪ .‬لكن على ال رغم من أن‬
‫ك ل معرفتن ا تب دأ م ع التجرب ة‪ ،‬فإنه ا م ع ذل ك ال تنبث ق بأس رها من التجرب ة‪ .‬ألن ه من الج ائز أن تك ون‬
‫معرفتن ا التجريبي ة عينه ا مركب ة مم ا نتلق اه من االنطباع ات الحس ية‪ ،‬وم ا عن ق درتنا المعرفي ة (الُم حَّف زة‬
‫وحسب باالنطباعات الحسية) يصدر تلقائيًا ويشكل إضافة ال نفرقها عن المادة األولية قب ل أن يك ون ط ول‬
‫التم رن ق د نبهن ا وجعلن ا م اهرين في تمييزه ا منه ا))(كان ط‪ ،1988 ،‬ص ‪)Kant,1988,p.54()54‬‬
‫واصرار كانت على أن العالقة بين العلة والمعلول عالقة ض رورية كي يعطي بع دًا يقيني ًا للمعرف ة الحس ية‬
‫فضًال عن أنه قد أعطاها بعدًا موضوعيًا‪ ،‬كما أن كانت ال ي رى ((أن نق د المعرف ة يب دأ بالش ك المطل ق كم ا‬
‫هو الح ال عن د ديك ارت‪ ،‬ف إن ل دينا علمين ق ائمين ال تختل ف فيهم ا العق ول هم ا‪ :‬الرياض ي والط بيعي على‬
‫حين أن ثالث العلوم النظرية‪ ،‬وهو ما بعد الطبيعة‪ ،‬موضع خالف متصل ولو أن في العقل استعدادًا طبيعيًا‬
‫له يدفعه إليه دفعًا‪ ،‬وعلى ذلك يكفي أن نتبين السبب في إمكان العلم الرياض ي والعلم الط بيعي‪ ،‬أو ش رائط‬
‫العلم الحق))(كرم‪ ،1957 ،‬ص‪ )Karam,1957,p.208()208‬إن المعرفة مرة أخرى عند كانت م زيج‬
‫مم ا تقدم ه الح واس من معطي ات حس ية وم ا يفرض ه العق ل من ص ور أو إط ارات على تل ك المعطي ات‪،‬‬
‫فبالتجربة تبدأ كل معرفتنا‪ ،‬لكن هذا ال يعني أنه ا كله ا تنب ع من التجرب ة زمني ًا‪ ،‬ب ل تب دأ معه ا‪ ،‬إال أنه ا ال‬
‫ُتع زى إلى التجرب ة وح دها‪ ،‬وال تعتم د عليه ا منطقي ًا (م تى‪ ،2001 ،‬ص‪)Mata,2001,p.237()237‬‬
‫وه دف ك انت من ذل ك ه و‪ :‬إيج اد أس س فلس فية متين ة للعل وم الرياض ية والطبيعي ة‪ ،‬أي بي ان إمك ان قي ام‬
‫معرف ة علمي ة تتم يز بالض رورة والكلي ة‪ ،‬وإ نك ار قي ام الميتافيزيق ا كعلم تمهي دًا لبن اء ص رح اإليم ان باهلل‬
‫وبالخلود وبالحرية (متى‪ ،2001 ،‬ص ‪ .)Mata,2001,p.237 ()238‬إن المعرفة العلمي ة الحق ة عن د‬
‫ك انت تق وم على مجموع ة من األحك ام ال تي تحتم ل الص دق أو الك ذب‪ ،‬واألحك ام عن د ك انت هي‪ :‬األحك ام‬
‫التحليلية ((هي أحكام أولية سابقة على كل تجربة‪ ،‬فهي ال تخ رج عن كونه ا أحكام ًا تفس يرية‪ ،‬تش رح لن ا‬
‫مع نى ح دودها‪ ،‬دون أن يزي دنا محموله ا معرف ة بموض وعها‪ ،‬أم ا الن وع الث اني من األحك ام فهي األحك ام‬
‫التركيبي ة‪ ،‬وهي أحك ام تق وم على ت أليف جدي د بين المحم ول والموض وع‪ ،‬فيزي دنا محموله ا معرف ة‬
‫بموضوعها‪ ،‬وبذلك تتسع معرفتنا بالموضوع كقولنا مثًال إن (كل االجسام ثقيلة) أو إن (كل أ هي ب)‪ .‬وال‬
‫شك ان إمكان التأليف بين محمول (الثقل) وموضع (الجسم) إنما يستند إلى التجربة‪ ،‬ف إنني ال اس تطيع أن‬
‫اس تخرج ه ذا المحم ول من مج رد تحليلي لفك رة الجس م‪ ،‬ب ل ال ب د لي من الع ودة إلى التجرب ة من أج ل‬
‫توسيع معرفتي بالجسم والتحقق من أنه ال يتسم بصفات االمتداد والشكل واستحالة النفاذ فحسب‪ ،‬ب ل ه و‬
‫جسم يتسم أيضًا بصفة الثقل‪ ،‬ومن هنا فإن األحكام التركيبية ليست تحص يل حاص ل‪ ،‬ب ل هي أحك ام مفي دة‬
‫من شأنها أن تكسبنا معلومات جدي دة))(إب راهيم‪ ،1971 ،‬ص‪ .)Ibraheem,1971,p.49()49‬ال يمكن‬
‫للتجرب ة أن تتحق ق أو للمعرف ة الحس ية أن تتم دون تص ور للزم ان وللمك ان‪ ،‬إذ ي رى ك انت أن طبيع ة‬
‫الزمان والمكان هما صورتان قبليت ان للق وة الحساس ة‪ ،‬باعتب ار أن المك ان ه و ص ورة الح واس الظ اهرة‪،‬‬
‫وأن الزم ان ه و ص ورة الحس الب اطن‪ ،‬والمك ان ليس تص ورًا من تص ورات العق ل أو تمثًال من تمثالت‬
‫ال ذهن أو فك رة فطري ة في العق ل‪ ،‬إنم ا ه و عي ان قبلي س ابق على اإلدراك الحس ي لألم اكن المختلف ة‪،‬‬
‫والزم ان ه و مث ل المك ان ص ورة قبلي ة للق وة الحساس ة‪ ،‬ولكن إذا ك ان المك ان ه و ق انون التت الي بين‬
‫المحسوسات‪ ،‬فإن الزمان هو قانون التوالي بينهما‪ ،‬وبذلك أراد ك انت أن يجع ل للع الم المحس وس قوانين ه‬
‫الخاصة التي تختل ف عن ق وانين الع الم المعق ول (كنت‪ ،1967 ،‬ص ‪ .)Kant,1967,p.132()133‬إن‬
‫اهمي ة نظري ة الزم ان والمك ان عن د ك انت في أنه ا تلعب دورًا رئيس ًا في ح ل مش كلة العالق ة بين الفهم‬
‫المج رد والحس المحض (العظم‪ ،1979 ،‬ص ‪ .)Aladom,1979,p.35()35‬وباختص ار ش ديد‪ ،‬أن‬
‫المعرف ة عن د ك انت تت ألف من ((م ادة وص ورة بحيث ال توج د الم ادة في الفك ر ب دون ص ورة‪ ،‬وبحيث ال‬
‫يكون للصورة في نفسها أي مع نى ألن وظيفته ا االتح اد بالم ادة‪ .‬الم ادة موض وع الح دس الحس ي‪ ،‬وليس‬
‫لن ا من ح دس س واه‪ ،‬والص ورة رابط ة في الفك ر ب تركيب حكم كلي ض روري ألنه ا هي أولي ة‪ .‬هن اك إذن‬
‫م ادة للفك ر أو وج ود خ ارجي) (ك رم‪ ،1957 ،‬ص‪ .)Karam,1957,p.210()210‬ق دم ك انت خالص ة‬
‫آرائ ه في المعرف ة وال تي ُتش كل نظريت ه في المعرف ة في كتاب ه الش هير (نق د العق ل الخ الص أو المحض)‬
‫وتمثل اآلراء التي جاءت في هذا الكتاب التط ور األخ ير من مراح ل التط ور الفك ري إليمانوي ل ك انت‪ .‬أراد‬
‫كانت بنقد العق ل المحض‪ ،‬نق د لق درة العق ل بوج ه ع ام فيم ا يتعل ق بك ل المع ارف ال تي يس عى إليه ا بش كل‬
‫مستقل عن التجربة‪ ،‬فالنقد هنا معناه امتحان العقل من أجل معرفة قدرته على المعرفة‪ ،‬كم ا أن النق د هن ا‬
‫يرتك ز على العق ل وه و ُيفك ر غ ير مس تعين بالتجرب ة‪ ،‬فكلم ة محض يقص د به ا‪ :‬المحض من التجرب ة‬
‫والمالحظة‪ ،‬الخالي منهما‪ ،‬الذي يعتم د على ذات ه فق ط دون االس تعانة بالتجرب ة والمالحظ ة‪ ،‬أي العق ل في‬
‫تفكيره ومعرفته السابقة على التجربة‪ ،‬كما أن النقد هنا هو الفحص عن نظ ام األس س القبلي ة ومقتض يات‬
‫العلم الس ابقة ال تي بفض لها تتم المعرف ة العلمي ة وذل ك ببي ان اس تعمال ه ذه األس س القبلي ة والمقتض يات‬
‫السابقة في التجربة وتحدي د قيمته ا في ض مان ص حة المعرف ة‪ ،‬والمنهج ال ذي يس تخدمه العق ل عن د ك انت‬
‫في نق ده لنفس ه ه و المنهج المتع الي (الترانس دنتالي) بمع نى أن ه ي بين م ا في العق ل المحض من ش كول‬
‫وقوانين ويفحص عما ينتج عنها بالنسبة إلى المعرف ة وموض وعاتها أو يس ير من المعرف ة إلى مص ادرها‬
‫(ب دوي‪ ،1977 ،‬ص‪ .)Badawi,1977,p.162()163-162‬ي رى ف ؤاد زكري ا أن ك انت تمكن من‬
‫إدراك الفارق بين تطور العلم وبين تطور الفلسفة‪ ،‬فإنه ينعى على الفالس فة ال ذين س بقوه افتق ارهم للدق ة‬
‫العلمية ألنهم لم يتفقوا على خطة عم ل مش تركة‪ ،‬ل ذلك ف إن ك انت اراد للميتافيزيق ا أن تس ير بطري ق العلم‬
‫الم أمون ال ذي تس تطيع في ه التخلص من عيوبه ا القديم ة‪ ،‬أي أن تص بح الميتافيزيق ا معرف ة يكم ل الجدي د‬
‫منها القديم ويستفيد منه وال يحاول الحلول محله وإ خراجه تمامًا من الميدان (زكريا‪ ،1977 ،‬ص‪()186‬‬
‫‪.)Zakarya,1977,p.186‬‬
‫المذهب الحدسي (هنري برغسون ‪ :)1941 – 1859‬يرى برجسون أن المعرفة العقلي ة تختل ف اختالف ًا‬
‫ج ذريًا عن المعرف ة الحدس ية‪ ،‬وأفض ل م ا يوص ف ب ه الح دس‪ ،‬أن ه غري زة تتج اوز المنفع ة وتعي ذاته ا‪،‬‬
‫وتدرك موضوعاتها‪ ،‬تختلف عن الغريزة بمفهومها الطبيعي البايولوجي‪ ،‬فالعقل يعِر ف العالق ات الظاهري ة‬
‫أو الج انب الش كلي‪ ،‬ومهمت ه فهم الق وانين الطبيعي ة وس لوك الم ادة وظواهره ا والق وانين ال تي تحكمه ا‬
‫ويمكن اإلنسان من السيطرة على هذه الظواهر وتفسيرها وتوظيفه ا خدم ة لإلنس ان‪ ،‬لكن ه ذا العق ل غ ير‬
‫كاٍف إلدراك الحقيقة الباطنية األص يلة ألن ه أوغ ل في الم ادة ودوافع ه نفعي ة متص ف باألناني ة والح دس أو‬
‫الوجدان هو الوحيد الكفيل بذلك‪ .‬و((الحدس عند هنري بيرغس ون‪ ،‬عرف ان من ن وع خ اص ش بيه بعرف ان‬
‫الغريزة‪ ،‬ينقلنا إلى ب اطن الش يء‪ ،‬ويطلعن ا على م ا في ه من طبيع ة مف ردة ال يمكن التعب ير عنه ا باأللف اظ‪،‬‬
‫بخالف المعرفة االستداللية أو التحليلية التي ال تطلعنا إال على ظاهر الش يء‪ ......‬والح دس ه و التع اطف‬
‫العقلي الذي ينقلنا إلى باطن الشيء‪ ،‬ويجعلنا نتحد بص فاته المف ردة ال تي ال يمكن التعب ير عنه ا باأللف اظ))‬
‫(ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪ .)Saliba,1979,p.453()453‬إن الح دس عن د برجس ون ه و مطابق ة ال ذات‬
‫والموضوع‪, ،‬انه معرفة المطلق في مقابل المعرفة العقلية التي هي دائمًا معرفة نسبية‪ ،‬وإ نه إدراك العق ل‬
‫لذات ه‪ ،‬والح دس ه و ملك ة ُيجم ع فيه ا بين الغري زة والعق ل‪ ،‬وه و ك الغريزة ميًال وانعطاف ًا‪ ،‬وكالعق ل نظ رًا‬
‫مجردًا (فال‪ ،1968 ،‬ص‪ .)Wahl,1968,p.128-129()129-128‬إن الحدس هو الغري زة الُم نزه ة‬
‫عن المنفع ة ال تي تعي ذاته ا وتق در على التفك ير بموض وعاتها (فرنس وا‪ ،1955 ،‬ص ‪()161‬‬
‫‪ .)Franswa,1955,p.161‬وإ ن ه مث ل ال ذكاء الحقيقي‪ ،‬جه د من جه ود االنتب اه في س بيل الع ودة إلى‬
‫التجربة المباشرة‪ ،‬التي هي تجرب ة ال روح والديموم ة‪ ،‬متج اوزًة ب ذلك األلف اظ وأل وان المم اثالت الخادع ة‬
‫في عالم األشياء‪ ،‬والحدس هو الدقة‪ ،‬والدقة هنا هي مالءمة الفكر للتجرب ة (فرنس وا‪ ،1955 ،‬ص‪)161‬‬
‫(‪ .)Franswa,1955,p.161‬والحدس هو الوضوح‪ ،‬والوضوح هنا ه و وض وح الفك رة الجدي دة بجدي ة‬
‫جذري ة وال تي تأس ر حدوس نا (فرنس وا‪ ،1955 ،‬ص‪ .)Franswa,1955,p.163( )163‬وإ ن ه ش عور‬
‫موسع ال يحصر نفسه في الواقع فحسب أو في مديات العقل‪ ،‬فالميتافيزيق ا ته دف إلى توس يع أط ر ال ذكاء‬
‫(العق ل) أك ثر ف أكثر (فرنس وا‪ ،1955 ،‬ص‪ .)Franswa,1955,p.164-165()165-164‬وه ذا ال‬
‫يعني أن الحدس عدٌو للذكاء (العقل) بل إن ه مب دأ الحي اة‪ ،‬وم ا يطلب ه الح دس من العق ل (ال ذكاء) أن ينفتح‬
‫أك ثر مم ا ُيطلب من ه‪ ،‬وأن ينب ذ ذات ه‪ ،‬أن يتج اوز ذات ه ال أن ينكره ا (فرنس وا‪ ،1955 ،‬ص‪()166‬‬
‫‪ .)Franswa,1955,p.166‬ي رى برجس ون ان العق ل غ ير ك اٍف كي يوص ل اإلنس ان إلى معرف ة يقيني ة‬
‫عامة ذات طابع أخالقي تهدف إلى أن يعم الخير على الجميع‪.‬‬
‫فالعقل عند برجسون أو ما يسميه بالذكاء ملكة وظيفته ا األساس ية س د حاج ات الف رد الحيوي ة ومس اعدته‬
‫على تكييف نفسه وفقًا للظروف المحيطة به ووفقًا للمتغيرات ال تي تط رأ على بيئت ه‪ ،‬وه ذه الملك ة تنص ح‬
‫باألنانية وبالمنفعة الفردي ة‪ ،‬على ال رغم من الق وانين العظيم ة ال تي يمنحن ا إياه ا ه ذا العق ل‪ ،‬لكن الفردي ة‬
‫والنفعية ُتعِّر ض الجانب االجتماعي واألخالقي للخطر‪ ،‬ال سيما عندما تتع ارض مص لحة الف رد م ع مص لحة‬
‫المجم وع (العظم‪ ،1979 ،‬ص‪ .)Aladom,1979,p.127()127‬إن ع الم األفك ار عن د برجس ون ه و‬
‫الع الم ال ذي ن راه بالح دس‪ ،‬ال بالعق ل (ال ذكاء) والح دس ي رى بثب ات وبطريق ة ش املة كلي ة‪ ،‬أم ا العق ل فال‬
‫يعطينا سوى جزء من الحقيق ة‪ ،‬على حين يزودن ا النظ ر الحدس ي بالحقيق ة كله ا‪ ،‬إذ بالح دس يمكنن ا س بر‬
‫أغ وار الحي اة وجس نبض روحه ا المتن اغم (توم اس‪ ،1964 ،‬ص‪)Thomas,1964,p.334()334‬‬
‫لذلك أننا ال نحصل على المنظور الصحيح‪ ،‬الواقع الذي يتغير بال توقف عن طريق التفك ير الت أملي‪ ،‬وإ نم ا‬
‫عن طريق الحدس‪ ،‬الرؤية المباشرة‪ ،‬التعاطف‪ ،‬وهو شيء ُيشبه الغري زة أك ثر من العق ل (رايت‪،2010 ،‬‬
‫ص‪(( .)Wright,2010,p.534()534‬فالمعرفة الحقة حدس يدرك الموض وع في ذات ه ولكنن ا ال ن زاول‬
‫هذا الحدس إال نادرًا بسبب ما تقتضيه من توتر النفس في مجهود شاق م ؤلم للنف اذ إلى ب اطن الموض وع‬
‫ومتابعته في صيرورته‪ ،‬أما العقل فقد خلقه التيار الحيوي للعمل ال للنظ ر كم ا خل ق الغري زة في الحي وان‪،‬‬
‫والغريزة ق وة اس تخدام آالت عض وية ب ل ق وة تكوينه ا‪ ،‬والعق ل ق وة ص ناعة آالت غ ير عض وية‪ .‬الغري زة‬
‫إحساس ال استدالل‪ ،‬وهي تعمل دون تردد وال تريب ة‪ .‬وتعم ل على نح و معين‪ ،‬والعق ل بحاج ة إلى التربي ة‬
‫والتروي ة‪ ،‬ولكن مجال ه أوس ع بكث ير))(ك رم‪ ،1957 ،‬ص‪ .)Karam,1957,p.427()427‬يري د‬
‫برجسون بالتفكير العقل‪ ،‬فكلما وردت كلمة تفكير تعني العقل الذي ُيركب ويستنتج ويستدل ويضع القواعد‬
‫للتفكير‪ ،‬فكأنما مفردة التفكير التي يستخدمها تقابل العقل النظ ري عن د ك انت أو العق ل عن د ديك ارت وعن د‬
‫جميع الفالسفة العقليين إلى حد ما‪ ،‬وكلما وردت كلمة وجدان عنده تعني الحدس‪ ،‬وق د يك ون األم ر ج زءًا‬
‫من االجتهاد في الترجمة‪ .‬دافع برجسون بنظريته المعرفية ه ذه عن الناحي ة الروحي ة بوج ه الع الم بأس ره‬
‫من غير أن ينكر إنكارًا تامًا حقيقة المادة أو القوانين الطبيعية‪ ،‬إذ يرى أن الحقيق ة ليس ت ش يئًا مادي ًا وال‬
‫ش يئًا عقلي ًا‪ ،‬ب ل هي ش يء تص در عن ه الم ادة والعق ل كالهم ا‪ ،‬هي التغ ير (رول ف‪ ،1936 ،‬ص‪(()149‬‬
‫‪ Rolf,1936,149‬إذن إن فلس فة برجس ون فلس فة ثنائي ة‪ :‬فالع الم عن ده ينقس م إلى‪ :‬الحي اة من ج انب‬
‫والمادة من جانب آخر‪ ،‬أو ذلك الشيء الجامد الذي ينظ ر إلي ه الفك ر كم ادة‪ ،‬وه ذا الع الم ه و ص راع بين‬
‫فك رتين متعارض تين الحي اة ال تي تص عد إلى أعلى والم ادة ال تي تهب ط إلى أس فل وبين ه ذا الص راع يأخ ذ‬
‫برجسون بالتطور وهو تطور إبداعي أشبه بعمل فنان‪ ،‬دافع للفعل‪ ،‬حاجة غير مح ددة‪ ،‬توج د فين ا (رس ل‪،‬‬
‫‪ ،1977‬ص‪ .)Russell,1977,p.439-440()440-439‬العق ل ه و ش قاء اإلنس ان والغري زة إذا‬
‫كانت نزيهة عن المنفعة‪ ،‬واعية لذاتها‪ ،‬قادرة على النظ ر في موض وعها اص بحت حدس ًا (رس ل‪،1977 ،‬‬
‫ص‪ )Russell,1977,p.439-441()441-439‬وإ ذا ك ان العق ل مرتبط ًا بالمك ان‪ ،‬فالح دس مرتب ط‬
‫بالزم ان‪ ،‬فالمك ان ه و الص فة المم يزة للم ادة‪ ،‬والزم ان ه و الص فة المم يزة للحي اة (رس ل‪ ،1977 ،‬ص‬
‫‪ .)Russell,1977,p.444()444‬وإ ن الص فة المم يزة للح دس هي أن ه ال يقس م الع الم إلى أش ياء‬
‫منفصلة‪ ،‬كما يفعل العقل‪ ،‬بل إنه تركيبي وليس تحليليًا‪ ،‬فهو يدرك عددًا وافرًا‪ ،‬لذلك‪ ،‬العالم يظهر للح دس‬
‫بشكل سلس وطبيعي‪ ،‬وبشكل كامل متص ل‪ ،‬فالح دس ال ينظ ر إلى الع الم بش كل متك ثر ج زئي ومنقس م كم ا‬
‫ينظ ر إلي ه العق ل (رس ل‪ ،1977 ،‬ص‪ .)Russell,1977,p.447()447‬تع د فلس فة برجس ون رد فع ل‬
‫للتفسير المادي الميكانيكي للعالم ولإلنسان الذي ظهر في القرن التاسع عشر‪ ،‬رد فعل لالبتعاد ال ذي ح دث‬
‫عن الجانب ال روحي المث الي الوج داني في حي اة اإلنس ان وفي النظ رة إلى الع الم‪ ،‬رد فع ل على فهم الع الم‬
‫واإلنسان ضمن ق وانين الفيزي اء والكيمي اء والبايولوجي ا والفس يولوجيا فق ط‪ ،‬رد فع ل على التعوي ل الكب ير‬
‫على العق ل والثق ة المطلق ة ب ه وبمنجزات ه من ذ حرك ة التن وير في الق رن الس ابع عش ر ح تى مطل ع الق رن‬
‫العشرين‪ ،‬رد فعل على الحروب التي حدثت في أوروبا وعلى الحربين العالميتين اللتين أدركهما برجس ون‬
‫ورأى بأم عيني ه منج ز ه ذا العق ل االوروبي‪ ،‬فلس فته ج اءت رد فع ل لالع تراض ليس على المنج ز العلمي‬
‫الذي وِّظف لصالح اإلنسان بقدر ما ج اء على المنج ز العلمي ال ذي أهم ل الج انب األخالقي االجتم اعي في‬

‫حياة اإلنسان‪ ،‬فاإلنس ان ق د فق د قيمت ه االخالقي ة واالجتماعي ة ولم يع د إال آل ة روبوت ًا‪ ،‬م ادة محض ًا ال رًو‬
‫فيه ا وال حي اة‪ ،‬ال فن فيه ا وال جم ال‪ ،‬ال ع دل الح ق ال خ ير‪ ،‬ال أخالق فيه ا‪ .‬ورد الفع ل ه ذا نج ده أيض ًا‬
‫وبص ورة واض حة ليس فق ط عن د برجس ون‪ ،‬ب ل عن د ك ولن ولس ن في الال منتمي وس قوط الحض ارة وفي‬
‫الحرك ة المثالي ة ال تي ظه رت في إنجل ترا‪ ،‬وفي معظم م ا ج اء ب ه فالس فة الوجودي ة‪ .‬ل ذلك ج اءت فلس فة‬
‫برجس ون ونظريت ه في المعرف ة لتح اول أن تعي د الت وازن بين ثنائي ة العق ل والم ادة بين ثنائي ة ال روح‬
‫والجس د‪ ،‬معول ًة على ملك ة تس تطيع أن تح دث توازن ًا بين ه ذه الثنائي ة وهي ملك ة الح دس‪ ،‬فبواس طة‬
‫الحدس يستطيع اإلنسان أن يحافظ على الجانب األخالقي للمنجز العلمي‪ ،‬وأن يحافظ على الجانب ال روحي‬
‫الف ني الجم الي‪ ،‬وه ذا الح دس م درك لذات ه‪ ،‬يعي ب أن اإلنس ان ح ر متط ور دائم الحرك ة‪ .‬ه ذا ال يع ني أن‬
‫برجسون رفض التطور العلمي فيزيائيًا وكيميائيًا وبايولوجي ًا وفس لجيًا‪ ،‬ال على العكس‪ ،‬لكن بالمقاب ل أراد‬
‫أن ننظر إلى اإلنسان على أنه كائن بايولوجي متكون من خاليا متط ورة‪ ،‬تتج دد وته رم وتم وت‪ ،‬وتخض ع‬
‫لق انون التط ور والتكي ف‪ ،‬تق اوم تنتص ر تف نى تتوال د‪ ،‬وأن ه ك ائن كيمي ائي تحكم ه سلس لة من العملي ات‬
‫الكيميائية التي تجري في داخله ومتكون من مجموعة من العناصر والمركبات تنفعل وتتفاعل مع بعضها‬
‫البعض ومع محيطها‪ ،‬وأن ه ك ائن فيزي ائي ُيم ارس علي ه ض غٌط ويم ارس ه و ض غطًا‪ ،‬منج ذب وج اذب‪ ،‬ل ه‬
‫كتلة وكثافة وحجم وتسري عليه ما يسري على االجسام من قوانين فيزيائية‪ ،‬وبالمقابل أن ننظ ر إلى ه ذا‬
‫اإلنسان على أن له روحًا ووجدانًا‪ ،‬على أن فيه ملك ة تس مى الح دس هي ال تي ُتح دث االنس جام والت وازن‬
‫بين الروح والمادة بين العقل والمادة بعيدة عن المنفعة ُتدرك ذاتها ال أناني ة فيه ا‪ ،‬وه ذه فلس فة فيه ا بع د‬
‫أخالقي كب ير وج انب ص وفي روحي عس ى أن ُتح دث توازن ًا في حي اة اإلنس ان وأن ُتض في عليه ا الخ ير‬
‫والمحب ة والعدال ة‪ ،‬وأن تجع ل األخالق وص ية على العلم ومنج زه‪ ،‬وعلى العق ل وأدوات ه‪ ،‬لتحقي ق الس عادة‬
‫العام ة‪ ،‬حلم أمني ة رج اء تش بث ب ه برجس ون‪ .‬وله ذا ك ان المنطل ق الرئيس ي لفلس فة برجس ون عام ة‬
‫ولنظريته في المعرفة على وجه الخصوص منطلقًا أخالقيَا بحتًا‪ ،‬يعترف بدور العقل للبقاء على قيد الحي اة‬
‫وللتكي ف م ع البيئ ة ولالس تمرار في العيش بايولوجي ا وفيزيائي ًا وكيميائي ًا وفس لجيًا وناق دًا ل ه بص ورته‬
‫المادية البحتة وواض عًا ملك ة حارس ة علي ه ووص ية علي ه كي ال يجنح في منفعت ه المقيت ة وكي ال ُيس رف‬
‫في أنانيته الحقيرة وكي ال ينزلق في ماديته الصامتة الجاف ة‪ ،‬ملك ة تعطي للفن ولل دين ولألخالق دورًا في‬
‫حياة اإلنسان وتفتح لهم دربًا لكي يعصموا العقل عن انحرافه‪ ،‬إنها الحدس‪.‬‬
‫أدوات المعرفة‪ :‬مم ا ال ش ك في ه أنن ا نع رف أي ش يء بواس طة أدوات‪ ،‬فللمعرف ة أدوات‪ ،‬وأدوات المعرف ة‬
‫هي‪ :‬العقل والحواس والحدس أو الوجدان وأحيانًا يسمونه ب القلب‪ ،‬وهن ا س وف نوض ح م ا المقص ود بك ل‬
‫أداة من ه ذه األدوات‪ ،‬كم ا هي متداول ة في نظري ة المعرف ة حص رًا‪ ،‬ألن ك ل مفه وم من ه ذه المف اهيم ل ه‬
‫معاٍن ال حصر لها‪ ،‬حسب االستخدام الذي ُيراد منه‪ ،‬فالعقل قديمًا غير العق ل ح ديثًا‪ ،‬والعق ل في علم الكالم‬
‫غير العقل في الفلسفة‪ ،‬والعقل عند التجريبيين غيره عند العقل يين‪ ،‬والعقالني ة في الفلس فة اليوناني ة غ ير‬
‫العقالنية في الفلسفة الحديثة أو المعاصرة‪ ،‬ونقد العقل الع ربي غ ير نق د العق ل المحض‪ ،‬والعق ل السياس ي‬
‫الغربي غير العق ل السياس ي الش رقي‪ ،‬والعق ل عن المعتزل ة غ ير العق ل عن د ديك ارت‪ ،‬والعق ول العش رة أو‬
‫األح د عش ر عن د الفيض يين غ ير العق ل الجمعي عن د دوركه ايم‪ .‬ل ذلك ف المراد هن ا بالعق ل وب الحواس‬
‫وبالحدس كما جاء في معاجم الفلسفة وموسوعاتها‪ ،‬كما استخدمه من تداول موضوع المعرفة‪.‬‬
‫العق ل‪ :‬العق ل في اللغ ة ه و الَحْج ر والنهي‪ ،‬وق د ُس مي ب ذلك تش بيهًا بعق ل الناق ة (أي ربطه ا ومنعه ا من‬
‫االنفالت) والعقل عند الجمهور (عامة الن اس) ه و وق ار اإلنس ان وهيبت ه‪ ،‬أم ا عن د الفالس فة فه و‪ :‬ج وهر‬
‫بس يط ُي درك األش ياء بحقائقه ا‪ ،‬أو أن ه ق وة النفس ال تي به ا يحص ل تص ور المع اني وت أليف القض ايا‬
‫واالقيسة‪ ،‬وأنه قوة اإلصابة في الحكم وأداة للتمييز بين الحق والباطل والخير والش ر‪ ،‬والحِس ن والق بيح‪،‬‬
‫وأنه قوة طبيعية للنفس متهيئة لتحص يل المعرف ة العلمي ة‪ ،‬وأن ه مجم وع المب ادئ القبلي ة‪ .‬كم ا يطل ق لف ظ‬
‫العق ل أيض ًا على مجم وع الوظ ائف المتعلق ة ب اإلدراك وال ذاكرة والتخي ل والت داعي والحكم واالس تدالل‬
‫(ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪ .)Saliba,1979,p.84-89()89-84‬العق ل ملك ة إدراك م ا ه و كلي وض روري‬
‫س واء أك ان ماهي ة أو قيم ة‪ ،‬والعق ل ه و الرب ط بين األفك ار وفق ًا لمب ادئ كلي ة‪ ،‬والعق ل ه و ق وانين الفك ر‬
‫الض رورية الكلي ة الس ابقة على التجرب ة – كم ا ي رى ديك ارت والعقلي ون – وبعض هم يق ول بالعق ل الكلي‬
‫كهيجل‪ ،‬فإن التاريخ معرض مجلى له ذا العق ل وبعض هم ي رى ال وج ود إال لعق ول فردي ة‪ ،‬أم ا العق ل ق ديمًا‬
‫عقالن‪ :‬عقل نظري وعقل عملي‪ ،‬فالعقل النظري ه و‪ :‬ق وة نحص ل به ا ب الطبع على العلم اليقي ني‪ ،‬أي أن ه‬
‫قوة إلدراك ما هو يقيني ب ديهي‪ ،‬أم ا العق ل العملي فه و‪ :‬ق وة يحص ل به ا لإلنس ان من ك ثرة تج ارب وعن‬
‫طول مشاهدة لألشياء المحسوسة‪ ،‬ويكون العقل نظريًا إذا تعلق بالمبادئ العقلية للمعرفة ويكون عمليًا إذا‬
‫تعلق بالمبادئ القبلية للعمل أو الفع ل‪ ،‬والعق ل عن د أفالط ون وارس طو‪ :‬ق وة أو ملك ة أو ج زء من النفس‪،‬‬
‫يتميز عن س ائر ق وى النفس ال تي هي اإلحساس ات والخي ال والش هوة واالنفع ال‪ ،‬والعق ل عن دهم ه و مب دأ‬
‫المعرف ة والرؤي ة والتق دير‪ ،‬أم ا النفس فهي مب دأ الحي اة‪ ،‬والعق ل عن د برجس ون ه و أداة العلم والوج دان‪،‬‬
‫أداة الفلسفة‪ .‬مما تقدم يمكن تحديد خصائص للعقل من تعريف ات ل ه‪ ،‬وخصائص ه هي‪ :‬أن ه موج ه نح و م ا‬
‫هو عال أي نحو ما يقع خارج نطاق التجربة الحسية‪ ،‬وأنه ينشد الكلية والش مولية ويس عى للمطل ق‪ ،‬وأن‬
‫معرفته معرفة متأتية عن طريق المبادئ (ب دوي‪ ،1984 ،‬ص‪.)Badawi,1984,p.72-74()74-72‬‬
‫وال نريد هنا أن ندخل في مراتب العقل عند أرسطو كالعقل الفاعل والعقل المنفعل‪ ..‬الخ وال نريد أن ندخل‬
‫في عقول الفيضيين كالعقل الهيوالني والعقل الفعال والعقل المس تفاد‪ ..‬الخ‪ ،‬كم ا أنن ا ال نري د أن ن دخل في‬
‫محدودي ة العق ل من ع دم محدوديت ه ألن ه ال يخ دم موض وعنا في ه ذا المق ام حص رًا‪ .‬إذن أن العق ل عن د‬
‫العقليين أداة بها يتمكن اإلنسان من معرفة أو إدراك القضايا اليقينية الكلية الضرورية البديهي ة‪ ،‬وفي ه ذا‬
‫العق ل مب ادئ تس مى بمب ادئ الفك ر األساس ية وهي‪ :‬ق انون الذاتي ة وع دم التن اقض والث الث المرف وع وهي‬
‫افك ار أو مب ادئ فطري ة مغروس ة في العق ل قب ل التجرب ة وس ابقة عليه ا وأن ه ذا العق ل أع دل قس مة بين‬
‫البشر‪ ،‬به نعرف م ا ه و متع ال عن الح واس والتجرب ة‪ ،‬ب ه نحل ل ونؤل ف ون ركب ونق ارن ونص در حكم ًا‪،‬‬
‫وأن ه عن د التجريب يين ملك ة به ا يتم ت رتيب عش وائية المعطي ات الحس ية ال تي تص لنا عن طري ق الح واس‬
‫مبعثرة‪ ،‬فهو الذي ينظمها ويجمعها ويبوبها ويقارنها ويحلله ا ويركبه ا للوص ول إلى معرف ة واض حة‪ ،‬وال‬
‫توجد في هذا العقل (عند التجريبيين) أفكار س ابقة على التجرب ة‪ ،‬فه و عن دهم ص فحة بيض اء عن دما يول د‬
‫اإلنس ان وتخ ط علي ه التجرب ة م ا تش اء‪ ،‬وه و عن دهم ليس واح دًا‪ ،‬مختل ف كث ير‪ ،‬يتش كل بفع ل البيئ ة‬
‫والتربية‪.‬‬
‫الحس‪ :‬الحس عن د الفالس فة ه و‪ :‬اإلدراك بإح دى الح واس‪ ،‬أو الفع ل ال ذي تؤدي ه إح دى الح واس‪ ،‬أم ا‬
‫الحاسة فهي‪ :‬قوة طبيعية لها اتصال ب أجهزة عض وية به ا ُي درك اإلنس ان األش ياء المحسوس ة‪ ،‬وه ذه هي‬
‫الحواس الظاهرة‪ ،‬أما الح واس الباطن ة عن د الق دماء فهي‪ :‬الحس المش ترك والخي ال والواهم ة والحافظ ة‪،‬‬
‫وهي قوى باطنة تقبل الص ور المتأدي ة إليه ا من الح واس الظ اهرة فتجمعه ا وتحفظه ا‪ ،‬أم ا الحس الب اطن‬
‫عن د المح دثين‪ ،‬ك اإلدراك الحدس ي المباش ر فه و‪ :‬الق وة ال تي به ا ت درك النفس أحواله ا‪ .‬كم ا ي أتي الحس‬
‫أحيان ًا بمع نى الحكم أو ال رأي‪ ،‬ك الحس الس ليم وه و‪ :‬الق درة على التمي يز بين الح ق والباط ل‪ ،‬أم ا الحس‬
‫المش ترك فه و عن د المح دثين‪ :‬يطل ق على اآلراء ال تي بل غ انتش ارها في زم ان معين أو بيئ ة اجتماعي ة‬
‫معين ة درج ة من الش مول‪ ،‬تجع ل الن اس يع دون ك ل رأي مخ الف لهم انحراف ًا فردي ًا ال يحت اج إلى حج ة‬
‫لدحض ه‪ ،‬أم ا الحس الخلقي فه و‪ :‬ق وة ُن درك به ا الخ ير والش ر إدراك ًا حدس يًا مباش رة‪ ،‬ويس مى أحيان ًا‬
‫بالض مير أو الوج دان الخلقي‪ ،‬أم ا الحس يات فهي‪ :‬جم ع حس ي وأيض ًا المحسوس ات‪ ،‬وهي أحك ام جزئي ة‬
‫حاص لة من المش اهدات‪ ،‬ف إذا ك انت بواس طة الحس الظ اهر س ميت محسوس ات‪ ،‬مث ل أحكامن ا على وج ود‬
‫الن ار وحرارته ا وهك ذا‪ ،‬وإ ذا ك انت بواس طة الحس الب اطن‪ ،‬س ميت وج دانيات مث ل ش عورنا ب أن لن ا فك رة‬
‫وإ رادة وخوف ًا وغض بًا (ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪ .)Saliba,1979,p.467()471-467‬فمف ردة الحس‬
‫حالها حال المفردات األخرى التي لها استخدامات ال حصر له ا‪ ،‬فكم ا نق ول فلس فة العم ل وفلس فة الض حك‬
‫وفلس فة اللعب‪ ،‬ونق ول فن السياس ة وفن الخ داع وفن التج ارة‪ ،‬فك ذا نق ول الحس الف ني والحس التج اري‬
‫والحس االقتص ادي‪ ،‬واإلحس اس بالجم ال واإلحس اس ب الحق واإلحس اس بالحري ة وبالع دل وب الخوف‬
‫وبالضجر وبالسأم وبالتفاؤل وهكذا‪.‬‬
‫القلب أو الوجدان أو الح دس‪ :‬القلب عن د الفالس فة ل ه مع ان تختل ف عن القلب كعض و في جس م اإلنس ان‪،‬‬
‫فأحيان ًا يري دون ب ه النفس أو ال روح أو تل ك الهب ة اإللهي ة‪ ،‬وهي حقيق ة اإلنس ان ال تي يس ميها بعض‬
‫الفالسفة بالنفس الناطقة‪ ،‬ووظيفة القلب عندهم إدراك الحقائق العقلية عن طري ق الح دس واإلله ام ال عن‬
‫طريق القياس واالستدالل‪ ،‬فيقال (إذا تولى اهلل أمر القلب فاضت علي ه الرحم ة وأش رف في ه الن ور) وعلى‬
‫حد تعب ير باس كال (إنن ا ال ن درك الحقيق ة باالس تدالل العقلي وح ده‪ ،‬ب ل ُن دركها ب القلب أيض ًا)‪ ،‬ويطل ق لف ظ‬
‫القلب أحيان ًا على مجم وع األحاس يس والعواط ف وي دل ه ذا على أن ه في مقاب ل العق ل‪ ،‬وقلب الش يء لب ه‬
‫وباطن ه‪ ،‬وه و ض د ظ اهره‪ ،‬والظ اهر ال ي دل على الب اطن دائم ًا‪ ،‬ألن اإلنس ان ق د يخفي في نفس ه (ص ليبا‪،‬‬
‫‪ ،1979‬ص‪ .)Saliba,1979,p.198-199()199-198‬أم ا الوج دان فغالب ًا م ا ي أتي مرادف ًا للقلب‬
‫وللحدس‪ ،‬ال سيما عند برجسون‪ ،‬فالوجدان عند الفالسفة هو النفس وقواها الباطنة أو القوى الباطن ة من‬
‫جهة إدراك الحياة الداخلية‪ ،‬ووظيفة الوجدان على سبيل المثال‪ :‬إدراك ذواتنا وأفعال ذواتن ا‪ ،‬والوج دانيات‬
‫هي ما ُي درك ب الحواس الباطن ة وتش مل الحس المش ترك والخي ال والص ورة والمخيل ة والمفك رة والواهم ة‬
‫والحافظة‪ ،‬وبعضهم يرى أن الوج دان ق وة ُن درك به ا أيض ًا االنفع االت كالل ذة واأللم‪ ،‬وعن د المتص وفة ه و‬
‫مصادقة الحق تعالى (صليبا‪ ،1979 ،‬ص‪ .)Saliba,1979,p.557()557‬وباإلجم ال أن ه‪ :‬أداة معرفي ة‬
‫داخلية باطني ة به ا ُي درك اإلنس ان – كم ا يعتق د الحدس يون والمتص وفة الق دماء منهم والمح دثون – بعض‬
‫الحق ائق الداخلي ة الباطني ة ال تي ال يس تطيع العق ل وال الح واس إدراكه ا وفهم كنهه ا‪ ،‬فبواس طة الوج دان‬
‫ُن درك كل ما هو وراء ظواهر األشياء‪ ،‬فهو االداة الباطنية الجوانية للمعرف ة‪ .‬ي رى برجس ون أنن ا ال ُن درك‬
‫المطلق إال بواسطة الوجدان (بدوي‪ ،1984 ،‬ص‪ .)Badawi,1984,p.333()333‬وأن الحدس عن ده‪:‬‬
‫عرفان من نوع خاص ينقلنا إلى باطن الشيء ويطلعنا على ما فيه من طبيعة مفردة ال يمكن التعبير عنها‬
‫باأللفاظ‪ ،‬وه و الحكم الس ريع المؤك د (ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪ .)Saliba,1979,p.453()453‬ي رى ب دوي‬
‫أن مفردة الحدس أحيانًا يراد به ا الظن والت وهم وال رجم ب الغيب وب ذلك ال يعطي الح دس معرف ة يقيني ة إال‬
‫إذا كان الم راد ب ه الح دس الص ائب (ب دوي‪ ،1984 ،‬ص‪ .)Badawi,1984,p.458()458‬وم ا يقص ده‬
‫برجسون بالحدس هو‪ :‬إدراك خالص ندرك به الموض وع إدراك ًا مباش رًا‪ ،‬وموض وع معرف ة الح دس عن ده‬
‫الزم ان ال ذي يع ده ديموم ة خالص ة‪ ،‬ه ذه الديموم ة ال ُيمكن إدراكه ا حس يًا وبالتت ابع‪ ،‬ب ل دفع ة واح دة‬
‫وبحدس كامل‪ ،‬ودونما وس يط‪ ،‬والح دس ه و الق وة ال تي ن درك به ا الماهي ات بقص د (الموس وعة الفلس فية‬
‫العربي ة‪ ،‬كت ورة ‪ ،1986 ،‬ص‪ .)Katora,1986,p.359()359‬وباإلجم ال ه ذه هي أدوات المعرف ة ق د‬
‫يختل ف الفالس فة في بعض من تعريفاته ا ووظائفه ا وطبيعته ا‪ ،‬وق د تت داخل مس مياتها وتت داخل وتتق اطع‬
‫وظائفها أحيانًا وقد تتشابه أدوارها‪ ،‬كالتداخل الحاصل بين الروح والنفس ووظيفة الروح ووظيفة النفس‪،‬‬
‫لكن تلتقي كلها في ثالث أدوات‪ :‬العقل والحس والحدس‪ ،‬وكأنما العالم ال يمكن أن ندركه إال بواسطة ه ذه‬
‫األدوات الثالث وب دون واح دة منه ا تك ون معارفن ا منقوص ة وك ل واح دة منه ا تق دم لن ا جانب ًا من ج وانب‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫طبيعة المعرفة‪ :‬للمعرفة طبيعتان كما دأب الفالسفة على ذلك‪ :‬طبيع ة مثالي ة وطبيع ة واقعي ة‪ ،‬ح تى أص بح‬
‫هذا األمر عرفًا من أعراف الفلس فة‪ ،‬وأن البعض غالب ًا م ا يص نف الفلس فة والفالس فة على اس اس ه اتين‬
‫الطبيعتين‪ ،‬فهذه فلسفة مثالية وتل ك فلس فة واقعي ة‪ ،‬وه ذا فيلس وف مث الي وذاك فيلس وف واقعي‪ ،‬وأص بح‬
‫للمثالي ة أن واع واقس ام وللواقعي ة أن واع واقس ام‪ ،‬وب ات من العس ير بين دارس ي الفلس فة أن يتفق وا على‬
‫تعري ف واح د للمثالي ة وتعري ف واح د للواقعي ة‪ ،‬فالواقعي ة في الفلس فة اليوناني ة غ ير م ا نقص ده الي وم‬
‫بالواقعي ة‪ ،‬والمثالي ة عن د هيج ل غيره ا عن د ب اركلي وهك ذا‪ ،‬وه ذه مش كلة من مش كالت الفلس فة‪ ،‬ل ذلك‬
‫س نحاول أن نق دم خالص ة واض حة مختص رة وعس ى أن تك ون مفي دة ‪ ،‬لكنه ا ليس ت بالض رورة أن تك ون‬
‫قاطعة ومعبرة عن كل ما جاء في تواريخ الفلسفة بهذا الش أن‪ ،‬ف األمر تقري بي ليس إال‪ ،‬وق د يختل ف معن ا‬
‫من يختلف وله وجهة نظر في ذلك‪ ،‬لكننا واحدة من واجباتنا أن نق دم فهم ًا واض حًا مختص رًا نافع ًا ممتع ًا‬
‫لطلبتنا ولقرائنا عن الواقعية وعن المثالية وعن كل ما نكتب في الفلسفة‪.‬‬
‫الواقعية‪ :‬الواقعة ما حدث ووجد بالفعل‪ ،‬والواقع هو الحاصل‪ ،‬وال واقعي يقابل ه الخي الي‪ ،‬والرج ل ال واقعي‬
‫هو الذي يرى األشياء كما هي عليه في الواقع دون التأثر باألوهام‪ ،‬والواقعي ة بوج ه ع ام ص فة ال واقعي‪،‬‬
‫وهي مطابق ة الفك ر للواق ع‪ ،‬وأحيان ًا تطل ق على م ذهب فلس في يق ول بتحق ق المث ال‪ ،‬أي تع د المث ال واقع ًا‬
‫متحققًا (صليبا‪ ،1979 ،‬ص‪ .)Saliba,1979,p.522()522‬والواقع ة بحس ب تعب ير ش ليك هي‪ :‬م ا ل ه‬
‫ق وام موض وعي‪ ،‬وهي م ا يس بق ك ل علم وك ل تق دير‪ ،‬فال مع نى للتح دث عن وق ائع غ ير يقيني ة‪ ،‬وأحيان ًا‬
‫يرى بعض الفالسفة أن الوقائع ليست يقينًا مطلق ًا وهي م ا يخبرن ا عن ه اإلدراك الحس ي (ب دوي‪،1984 ،‬‬
‫ص‪ .)Badawi,1984,p.624()624‬والواقعية األفالطونية هي التي تقرر أن المث ال أح ق ب الوجود من‬
‫األشياء المحسوسة وأنها صور روحانية موجودة خارج العالم الحسي في عالم حقيقي يسمى بعالم المثل‪،‬‬
‫أم ا الواقعي ة في العص ر الوس يط فهي ال تي تق رر وج ود الكلي ات وج ودًا مس تقًال عن األش ياء ال تي تمثله ا‬
‫وبه ذا المع نى هي مقابل ة لألس مية‪ ،‬أم ا الواقعي ة في العص ر الح ديث فإنه ا تعتق د ب أن الوج ود مس تقل عن‬
‫اإلدراك وه و غ ير اإلدراك‪ ،‬مس تقل عن معرفتن ا الفعلي ة‪ ،‬وت رى الواقعي ة أن الوج ود بطبيعت ه ش يء آخ ر‬
‫غير الفك ر (ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪ .)Saliba,1979,p.554()554-553‬ويمكنن ا الق ول أن الواقعي ة في‬
‫المعرفة هي التي تقرر وجود الموض وع بش كل مس تقل عن ال ذات العارف ة ل ه‪ ،‬فوج وده غ ير مرتب ط ب ذات‬
‫تدركه‪ ،‬فالموضوع موجود سواء أدركه الفك ر أم لم يدرك ه‪ ،‬وه ذا يع ني أن الع الم ليس مرتبط ًا بفك ر يعي ه‬
‫ويدركه‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه أغلب الفالسفة التجريبيين وأصحاب الوضعية المنطقية المعاصرة‪ ،‬فالموضوع‬
‫له وجود مستقل عن الذات العارفة له‪ ،‬وهذا تقري ر بثنائي ة المعرف ة بين ال ذات والموض وع وه ذا م ا ذهب‬
‫إلي ه أيض ًا أص حاب العل وم الطبيعي ة ال تي تعتم د المنهج التجري بي االس تقرائي في كش فها عن مظ اهر‬
‫الطبيعة‪ .‬ولهذه الواقعية أنواع منها‪ :‬الواقعية الساذجة والواقعية النقدية والواقعية الجديدة‪.‬‬
‫الواقعية الساذجة‪(( :‬وهي التي تتفق مع ما يراه عامة الناس في القول بأن أفكارنا صور مطابق ة لألش ياء‬
‫في الخ ارج‪ ،‬والع الم الخ ارجي يب دو لن ا في ص ورة ك ثرة من الموج ودات والكائن ات تق وم بينه ا رواب ط‬
‫وعالق ات‪ ،‬فالع الم متع دد متك ثر‪ ،‬وال يمكن رده إلى وح دة‪ ،‬كم ا ظن المث اليون))(الطوي ل‪ ،1964 ،‬ص‬
‫‪(( .)Altaweel,1964,p.330-331()331-330‬وق د ُاعت بر ه ذا الم ذهب س اذجًا ألن ه يمث ل مرحل ة‬
‫سابقة على مرحلة التفكير العلمي والفلس في وال يخض ع للتفك ير النق دي‪ ،‬ويث ق في م دركات الحس ثق ة ال‬
‫حد لها‪ ،‬مع أن تجربتنا في كل يوم تزعزع ثقتنا في صحة أحكامها‪ ،‬فالعص ا المغروس ة في الم اء منحرف ة‬
‫‪()331‬‬ ‫تب دو مكس ورة أم ام العين وهي ليس ت ك ذلك في واق ع األم ر))(الطوي ل‪،1964 ،‬‬
‫‪ .)Altaweel,1964,p.331‬وه ذه الواقعي ة ُتعِّب ر عن رؤي ة اإلنس ان الع ادي أو الش عبي لم ا حول ه من‬
‫موض وعات‪ ،‬فق د يعتق د أن حجم القم ر بحجم ك رة التنس ألن ه ي راه به ذا الحجم‪ ،‬أو يعتق د إذا م ا نظ ر إلى‬
‫نجم م ا‪ ،‬أن ه ذه النظ رة تمث ل حالت ه ال تي ه و عليه ا اآلن‪ ،‬أو ق د يعتق د أن الش مس هي ال تي ت دور ح ول‬
‫األرض ألنه يراها بعينه تدور‪ ،‬واألمثلة كثيرة‪ ،‬فإنها واقعية تؤمن بما تقدمه الح واس من معطي ات حس ية‬
‫عن الموضوعات في العالم الخارجي كما هي‪.‬‬
‫الواقعي ة النقدي ة‪ :‬هي الواقعي ة ال تي تخض ع للنق د العلمي‪ ،‬أي أن المعطي ات الحس ية ُت دقق وُتفحص في‬
‫ض وء العل وم الطبيعي ة‪ ،‬فالواقعي ة النقدي ة ت رفض التس ليم ب الوجود الحقيقي لع الم الم دركات الحس ية دون‬
‫اختبار نق دي‪ ،‬فللعق ل وظيف ة وفاعلي ة خاص ة‪ ،‬فالمعرف ة الص حيحة عن دهم لم تع د ص ورة مطابق ة لألش ياء‬
‫المدرك ة كم ا هي في الواقعي ة الس اذجة (الطوي ل‪Altaweel,1964,p.332-()333-332 ،1964 ،‬‬
‫‪ .)333‬إن الواقعية النقدية تعطي دورًا للعقل في التأكد من صحة المعطيات الحسية التي تأتينا عن طريق‬
‫الحواس‪ ،‬واألمثلة ال حصر لها‪ ،‬فظاهرة الس راب في ص ورتها الحس ية الس اذجة الخالص ة تع ني أن هنال ك‬
‫م اء في أف ق الطري ق‪ ،‬ام ا إذا م ا دققه ا العق ل وحلله ا واختبره ا‪ ،‬سيتض ح خالف ذل ك‪ ،‬وك ذلك ك ل أحج ام‬
‫األش ياء ال تي تنقله ا لن ا العين المج ردة وك ل المس افات تب دو للعين المج ردة غ ير م ا هي علي ه‪ ،‬فمعظم‬
‫الظواهر الحسية ال تعد صورة مطابقة للواقع في الواقعية النقدية‪ ،‬فإنها ُتفحص في ض وء نظري ات العل وم‬
‫الطبيعية‪ ،‬ووفقًا لما وصل إليه العلم‪ ،‬فمن كان يعتقد أن ضوء نجم ما يقط ع ماليين الس نيين الض وئية كي‬
‫يصل إلينا وقد يكون النجم عندما وصل إلينا ضوءه ليس في الحالة التي هو عليها‪ ،‬وقد لم يعد موجودًا‪.‬‬
‫الواقعية الجديدة‪ :‬إن هذه الواقعية لم تخالف الواقعية النقدية التقليدية في موض وع البحث‪ ،‬فق د ك ان م دار‬
‫فلسفتهم نظرية المعرف ة وفهم العالق ة بين ال ذات العارف ة وموض وع معرفته ا‪ ،‬من دون تمي يز بينه ا‪ ،‬وم ا‬
‫يميز هذه الواقعية أنه ا رفض ت ق ول الواقعي ة النقدي ة بوج ود وس يط بين الش يء الُم دَر ك وال ذات العارف ة‪،‬‬
‫ف اإلدراك عن د الواقعي ة الجدي دة يق ع مباش رة وبغ ير وس يط‪ ،‬مم ا يجع ل معرفتن ا للش يء الخ ارجي ص ورة‬
‫مطابقة لحقيقته في الخارج (الطويل‪ .)Altaweel,1964,p.334()334 ،1964 ،‬كما ي رى الواقعي ون‬
‫الج دد أن على الفالس فة أن يح ذوا ح ذو العلم اء وأن يس تفيدوا من مالحظ اتهم‪ ،‬كم ا عليهم أن يعزل وا‬
‫المش كالت ف رادى ويح اولوا ح ل ك ل مش كلة بمع زل عن األخ رى وعليهم أن يبحث وا في الموض وع بش كل‬
‫مستقل عن الذات الُم دركة له‪ ،‬كما يبحثوا في الذات الُم دركة بمعزل عن الموضوع الُم دَر ك‪ ،‬وإ نهم يؤكدون‬
‫على أن الجزئيات قد يكون بعضها موجودًا على الرغم من ع دم وعين ا به ا‪ ،‬كم ا أن بعض الكلي ات وك ذلك‬
‫الجزئيات الواقعة ُتدرك إدراكًا مباشرًا ال إدراكًا غير مباشر‪ ،‬وذلك بفضل وجود ص ورة أو نس خة منه ا في‬
‫العقل (منتاجيو‪ ،‬بال تاريخ‪ ،‬ص‪.)Mintageo,nonH,p.204-205()205-204‬‬
‫المثالية‪ :‬تقال المثالية غالب ًا في مقاب ل الواقعي ة وكلم ة مث الي له ا معني ان‪ ،‬األول‪ :‬على ك ل م ا ينتس ب إلى‬
‫الفك رة‪ ،‬وبالت الي يوج د في العق ل بم ا ه و فك رة‪ ،‬فيق ال عن األش كال الهندس ية إن وجوده ا مث الي‪ ،‬أي‬
‫موجودة في الذهن ال في الواقع‪ ،‬والث اني‪ :‬يق ال مث الي بمع نى كام ل‪ ،‬ت ام‪ ،‬والمثالي ة في الفلس فة هي ال تي‬
‫ت رد الواق ع إلى أفك ار أو تق رر أن معرفتن ا تنحص ر في األفك ار دون األش ياء (ب دوي‪ ،1984 ،‬ص‪()438‬‬
‫‪ .)Badawi,1984,p.438‬ويطلق لفظ المثالية بوجه عام على النزعة الفلسفية ال تي تق وم على رد ك ل‬
‫موج ود إلى الفك ر بأوس ع معاني ه (ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪ .)Saliba,1979,p.337()337‬وال يق ال لف ظ‬
‫المثالي ة تش عبًا وإ رباك ًا عن األلف اظ أو المص طلحات األخ رى المس تخدمة في الفلس فة‪ ،‬كم ا أس لفنا أن لف ظ‬
‫الفلسفة والفن والواقعية والعقالنية والمثالية والحس والحدس تطلق بمع اٍن متع ددة وتس تخدم اس تخدامات‬
‫متنوع ة ال حص ر له ا‪ ،‬ف إن اس تخدامها على المس توى العلمي أو االك اديمي يختل ف عن اس تخدام الرج ل‬
‫الع ادي له ا‪ ،‬وح تى أنه ا تختل ف من تخص ص إلى تخص ص آخ ر‪ ،‬فك ل يس تخدمها االس تخدام ال ذي ي راه‬
‫مناسبًا لمقصده‪ ،‬فكذا الحال مع المثالية‪ ،‬فالمثالي ة في المعرف ة وفي ت اريخ الفلس فة لف ظ يطل ق في األغلب‬
‫على من يرى أن العالم أو الموضوع الخارجي مرتبط بالفكر‪ ،‬وأن األشياء الخارجية كلها مرتبطة بال ذات‪،‬‬
‫مرتبط ة ب الوعي‪ ،‬ال قيم ة للموض وع دون ذات واعي ة تدرك ه‪ ،‬وال يوج د الموض وع وج ودًا مس تقًال عن‬
‫الذات الُم دركة له‪ ،‬فالحقيقة عن دهم ليس ت مادي ة‪ ،‬ص حيح أن ب اركلي مثًال‪ ،‬مث الي م ادي‪ ،‬ألن ه أق ر بوج ود‬
‫المادة والعملي ات الطبيعي ة ال تي تج ري عليه ا والق وانين ال تي تحكمه ا‪ ،‬لكن من ال ذي ُي درك ك ل ذل ك؟ إن ه‬
‫الذات‪ ،‬األنا الواعية‪ ،‬الفكر‪ ،‬وباإلجمال يطلق هذا اللفظ على كل ما هو كامل‪ ،‬ال نقص فيه‪ ،‬على كل ما هو‬
‫ف وق الم ادة وف وق الح واس‪ ،‬ويطل ق أحيان ًا كنم وذج للس لوك أو غ يره‪ ،‬فنق ول فالن نم وذج للص دق أو‬
‫نم وذج للعف ة أو نم وذج للنف اق أو نم وذج للك ذب‪ ،‬فالمث ال ه و الص ورة األتم عن الش يء الُم عِّب ر عن ه‪.‬‬
‫وللمثالية كما للواقعية أنواع وأن وصف الفالس فة له ا والفلس فة أحيان ًا يك ون غ ير دقي ق ف األمر كل ه على‬
‫س بيل التق ريب والتب ويب والتنظيم‪ ،‬فيوص ف ب اركلي بالمث الي الم ادي التجري بي ويوص ف هيج ل بالمث الي‬
‫المطلق وفخته بالمثالي الذاتي وكانت بالمثالي النقدي‪ ،‬وأفالطون بالمثالي الواقعي وهكذا‪.‬‬
‫المثالي ة الذاتي ة‪ :‬وهي المثالي ة ال تي ت رد الوج ود إلى الفك ر الف ردي وتس مى بالذاتي ة والشخص ية‬
‫أحيان ًا(ص ليبا‪ ،1979 ،‬ص‪ ،)Saliba,1979,p.337()337‬ومن ع ادة م ؤرخي الفلس فة أن يس موا‬
‫مثالية فخته‪ ،‬بالمثالية الذاتية (صليبا‪ ،1979 ،‬ص‪ .)Saliba,1979,p.339()339‬ومثالية فخته تمت از‬
‫بقولها إن مبدأ الوج ود واح د وه ذا الواح د ه و األن ا أو العق ل‪ ،‬وليس خارج ه ش يء‪ ،‬والواح د ه و ال ذات‪،‬‬
‫وتمتاز ه ذه المثالي ة بأنه ا متعالي ة (ب دوي‪ ،1981 ،‬ص ج)(‪ .)Badawi,1981,p.C‬فال ذات عن د فخت ه‬
‫موج ودة بمع زل عن التجرب ة‪ ،‬وإ ن ك تس تطيع النظ ر إليه ا والبحث فيه ا بعي دًا عن التجرب ة‪ ،‬وه ذا يع ني‬
‫التس ليم بوج ود ش يء وراء التجرب ة وه و األن ا في ذاته ا‪ ،‬وه ذا بح د ذات ه ه و م ذهب مث الي في المعرف ة‬
‫(رايت‪ ،2010 ،‬ص‪.)Wright,2010p294()294‬‬
‫المثالي ة الموض وعية‪ :‬وهي المثالي ة ال تي نج دها عن د أفالط ون ومفاده ا‪ :‬أن الجزئي ات الحس ية ليس له ا‬
‫وج وٌد حقيقي‪ ،‬وإ نم ا ص ورها النوعي ة هي ذات الوج ود الحقيقي‪ ،‬فص ورة اإلنس ان كفالن وفالن ليس ل ه‬
‫وج ود حقيقي إال بمش اركة في ص ورة الن وع اإلنس اني (ب دوي‪ ،1984 ،‬ص‪()439‬‬
‫‪.)Badawi,1984,p.439‬‬
‫المثالي ة النقدي ة‪ :‬وهي المثالي ة ال تي تم يز تمي يزًا دقيق ًا بين الظ واهر العقلي ة الس ابقة على ك ل تجرب ة‬
‫والظواهر التي تكتسب بالتجربة فاألولى ضرورية إلدراك األشياء ومعرفتها ونجدها عن د كنت ال ذي يف رق‬
‫بين ما يرت د إلى ال ذات وم ا يرج ع إلى الع الم الخ ارجي‪ ،‬ونق د المعرف ة ه و ال ذي يكش ف لن ا م ا يجيء من‬
‫الخارج وما يضيفه الفكر من عنده (الطويل‪ ،1964 ،‬ص‪.)Altaweel,1964,p.340()340‬‬
‫المثالية المطلقة‪ :‬وهي المثالية التي ترد وجود العالم إلى المطلق‪ ،‬وهي مثالية هيجل الذي يؤكد أن ما هو‬
‫موجود ال يوجد إال بوصفه فكرًا‪ ،‬وهذا يعني عدم اإلق رار بوج ود التن اهي وج ودًا حقيقي ًا (ب دوي‪،1984 ،‬‬
‫ص‪ ،)Badawi,1984,p.440()440‬كم ا مّثل ه ذا التي ار (المثالي ة المطلق ة) مجموع ة من الفالس فة‬
‫اإلنجليز في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع الق رن العش رين وعلى رأس هم ب رادلي وب وزانكيت وآخ رون‬
‫(متس‪ ،1963 ،‬ص‪.)Metz,1963mp.398-449()449-398‬‬
‫الخاتمة وأهم النتائج‬
‫إن نظري ة المعرف ة قس م من أقس ام الفلس فة األساس ية‪ ،‬ه ذا إذا م ا علمن ا أن الفلس فة تنقس م إلى‪:‬‬
‫االكس يولوجيا واالنطولوجي ا واالبس تمولوجيا‪ ،‬وت داخلت ت ارة م ع الوج ود وت ارة م ع الميتافيزيق ا‪ ،‬ح تى‬
‫انفصلت عنهما مع مجيء العلم الحديث إذ اقترنت بالعلم وبمناهج العلوم ويمكننا القول‪:‬‬
‫لم تكتسب المعرفة صفة النظرية إال مع الفلسفة الحديثة‪ ،‬مع بيكن وديك ارت وم ع ج ون ل وك –‬ ‫‪.1‬‬
‫على وجه الخصوص –‬
‫إن طبيعة المعرفة منذ نشأة الفلسفة حتى الساعة لم تكن إال واقعية أو مثالية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫إن أدوات المعرفة ثالث‪ :‬العقل والحس والحدس‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫إن مصادر المعرفة ثالث‪ :‬المعرفة العقلي ة المتمثل ة ب المنهج العقلي‪ ،‬والمعرف ة الحس ية المتمثل ة‬ ‫‪.4‬‬
‫بالمنج التجريبي‪ ،‬والمعرفة الحدسية الوجدانية المتمثلة بالمنهج الحدسي‪.‬‬
‫لقد أخذ العلم الطبيعي التجريبي جزءًا كبيرًا من نظري ة المعرف ة‪ ،‬ولم تع د هنال ك معرف ة واح دة‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫بل معارف ال حصر لها وال نهاية لها‪.‬‬

‫المصادر المستخدمة في البحث‬


‫إبراهيم‪ ،‬زكريا‪ ،‬كانت أو الفلسفة النقدية‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬دار مصر للطباعة – القاهرة‪ ،‬بال تاريخ‪.‬‬
‫إبراهيم‪ ،‬زكريا‪ ،‬مشكلة الفلسفة‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬القاهرة – الفجالة‪.1971 ،‬‬
‫أحمد أمين – زكي نجيب محمود‪ ،‬قصة الفلسفة اليونانية‪ ،‬مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنش ر‪ ،‬الطبع ة‬
‫الرابعة‪ ،‬القاهرة – ‪.1958‬‬
‫اآللوسي‪ ،‬حسام‪ ،‬مدخل إلى الفلسفة‪ ،‬منشورات ضفاف – االختالف‪ ،‬لبنان – ‪.2017‬‬
‫إمانوي ل كنت‪ ،‬مقدم ة لك ل ميتافيزيق ا مقبل ة يمكن أن تص بح علم ًا‪ ،‬ترجم ة‪ :‬ن ازلي إس ماعيل حس ين‪،‬‬
‫مراجعة‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر – القاهرة‪.1967 ،‬‬
‫أمين‪ ،‬عثمان‪ ،‬ديكارت‪ ،‬مطبعة االعتماد‪ ،‬القاهرة – ‪.1942‬‬
‫بدوي‪ ،‬عبد الرحمن‪ :‬مدخل جديد إلى الفلسفة‪ ،‬وكالة المطبوعات – الكويت‪ ،‬الطبعة األولى – ‪.1975‬‬
‫ب دوي‪ ،‬عب د ال رحمن‪ ،‬الموس وعة الفلس فية‪ ،‬المجل د األول‪ ،‬المجل د الث اني‪ ،‬المؤسس ة العربي ة للدراس ات‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪.1984 ،‬‬
‫بدوي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬إمانويل كنت‪ ،‬وكالة المطبوعات – الكويت‪ ،‬ط‪.1977 ،1‬‬
‫بدوي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬خريف الفكر اليوناني‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬القاهرة – ‪.1970‬‬
‫بدوي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬شلنج‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر ‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪.1981 ،2‬‬
‫بريهي ه‪ ،‬أمي ل‪ ،‬ت اريخ الفلس فة (الق رن الس ابع عش ر)‪ ،‬ترجم ة‪ :‬ج ورج طرابيش ي‪ ،‬دار الطليع ة للطباع ة‬
‫والنشر ‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪.1983 ،1‬‬
‫توم اس‪ ،‬ه نري‪ ،‬أعالم الفالس فة (كي ف نفهمهم)‪ ،‬ترجم ة‪ :‬م ترى أمين‪ ،‬مراجع ة وتق ديم‪ :‬زكي نجيب‬
‫محمود‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة – نيويورك‪.1964 ،‬‬
‫الجابري‪ ،‬محمد عابد‪ ،‬المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دار الطليعة – ب يروت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪.1982‬‬
‫الحاج‪ ،‬كمال يوسف‪ ،‬رينيه ديكارت أبو الفلس فة الحديث ة‪ ،‬منش ورات دار مكتب ة الحي اة‪ ،‬لبن ان – ب يروت‪،‬‬
‫‪.1954‬‬
‫رايت‪ ،‬وليم كلي‪ ،‬ت اريخ الفلس فة الحديث ة‪ ،‬ترجم ة‪ :‬محم ود س يد أحم د‪ ،‬تق ديم ومراجع ة‪ :‬إم ام عب د الفت اح‬
‫إمام‪ ،‬التنوير للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2010‬‬
‫رس ل‪ ،‬برتران د‪ ،‬حكم ة الغ رب‪ ،‬ترجم ة‪ :‬ف ؤاد زكري ا‪ ،‬الج زء الث اني (الفلس فة الحديث ة والمعاص رة) ع الم‬
‫المعرفة‪ ،‬سلسلة ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪.1983 ،‬‬
‫رولف‪ ،‬فلسفة المحدثين والمعاصرين‪ ،‬نقله إلى العربية‪ :‬أبو العال عفيفي‪ ،‬سلسلة المعارف العامة‪ ،‬مطبع ة‬
‫لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬مصر‪.1936 ،‬‬
‫زكريا‪ ،‬فؤاد‪ ،‬نظرية المعرفة والموقف الطبيعي لإلنسان‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة – ‪.1977‬‬
‫الش نيطي‪ ،‬محم د فتحي‪ ،‬ج ون ل وك‪ ،‬دراس ة نقدي ة لفلس فته التجريبي ة‪ ،‬دار الطليع ة العربي ة – ب يروت‪،‬‬
‫‪.1969‬‬
‫صليبا‪ ،‬جميل‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬المجلد األول والثاني‪ ،‬دار الكتاب اللبناني – بيروت‪ ،‬دار الكت اب المص ري‬
‫– القاهرة‪.1979 ،‬‬
‫الطويل‪ ،‬توفيق‪ ،‬أسس الفلسفة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الرابع ة‪ .1964 ،‬وك ذلك‪ ،‬ط الثالث ة‬
‫– ‪ ،1955‬مكتية النهضة المصرية‪.‬‬
‫الطويل‪ ،‬توفيق‪ ،‬أسس الفلسفة‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الرابعة – ‪.1964‬‬
‫العظم‪ ،‬صادق جالل‪ ،‬دراسات في الفلسفة الغربية الحديثة‪ ،‬دار العودة – بيروت‪ ،‬ط‪.1979 ،3‬‬
‫عمانوئي ل كان ط‪ ،‬نق د العق ل المحض‪ ،‬ترجم ة‪ :‬موس ى وهب ة‪ ،‬مرك ز اإلنم اء الق ومي – ب يروت – لبن ان‪،‬‬
‫‪.1988‬‬
‫فال‪ ،‬جان‪ ،‬الفلسفة الفرنسية من ديكارت إلى سارتر‪ ،‬ترجمة‪ :‬األب مارون خوري‪ ،‬مكتبة الفك ر الج امعي‪،‬‬
‫منشورات عويدات‪ ،‬لبنان‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪.1968 ،‬‬
‫فلس فة الق رن العش رين‪ ،‬المجلس األعلى لرعاي ة الفن ون واآلداب والعل وم االجتماعي ة‪ ،‬مط ابع دار الكت اب‬
‫العربي – مصر – القاهرة‪ ،‬قصة الواقعية الجديدة بقلم وليم منتاجيو‪.‬‬
‫كرم‪ ،‬يوسف‪ ،‬تاريخ الفلسفة الحديثة‪ ،‬دار المعارف بمصر‪.1957 ،‬‬
‫كرم‪ ،‬يوسف‪ ،‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬الطبعة الخامس ة‪ ،‬الق اهرة‪،‬‬
‫بال تاريخ‪.‬‬
‫كولي ه‪ ،‬ازفل د‪ ،‬الم دخل إلى الفلس فة‪ ،‬ترجم ة‪ :‬أب و العال عفيفي‪ ،‬مطبع ة‪ ،‬ع الم األدب‪ ،‬الق اهرة – مص ر‪،‬‬
‫‪.2016‬‬
‫الالن د‪ ،‬موس وعة الالن د الفلس فية ‪ ،‬المجل د الث الث‪ ،‬تع ريب‪ :‬خلي ل أحم د خلي ل‪ ،‬اش راف‪ :‬أحم د عوي دات‪،‬‬
‫منشورات عويدات – بيروت – باريس‪ ،‬الطبعة الثانية – ‪.2001‬‬
‫ماير‪ ،‬فرنسوا‪ ،‬برغسون‪ ،‬ترجمة‪ :‬تيسير شيخ األرض‪ ،‬دار بيروت للطباعة النشر‪ -‬بيروت‪.1955 ،‬‬
‫متس‪ ،‬رودل ف‪ ،‬الفلس فة اإلنجليزي ة في مائ ة ع ام‪ ،‬ترجم ة‪ :‬ف ؤاد زكري ا‪ ،‬مراجع ة‪ :‬زكي نجيب محم ود‪،‬‬
‫الجزء األول‪ ،‬دار النهضة العربية – القاهرة‪1963 ،‬‬
‫م تى‪ ،‬ك ريم‪ ،‬الفلس فة الحديث ة (ع رض نق دي)‪ ،‬دار الكت اب الجدي دة المتح دة – ب يروت – لبن ان‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪.2001‬‬
‫الموسوعة الفلسفية العربية‪ ،‬تحرير‪ :‬معن زيادة‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬ط‪.1986 – 1‬‬
،‫ عب د الرش يد ص ادق‬،‫ جالل العش ري‬،‫ ف ؤاد كام ل‬:‫ نقله ا عن اإلنجليزي ة‬،‫الموس وعة الفلس فية المختص رة‬
.1982 ،‫ دار القلم – بيروت – لبنان‬،‫منشورات مكتبة النهضة – بغداد‬
‫ الطبعة‬،‫ المانيا – كولونيا‬،‫ منشورات الجمل‬،‫ حسن صقر‬:‫ ترجمة‬،‫ المعرفة والمصلحة‬،‫ يورغن‬،‫هابرماس‬
.2001 – ‫األولى‬
،‫ الطبع ة الس ابعة‬،‫ مكتب ة اإلنجل و مص رية‬،‫ ف ؤاد زكري ا‬:‫ ترجم ة‬،‫ أنواعه ا ومش كالتها‬،‫ الفلس فة‬،‫هنتر مي د‬
.1986 – ‫القاهرة‬
The Encyclopedia Britannica, company, LTD – London, New York,
.,INC, 14 edition, 1920, volume 13

‫عنوانات الكتب العربية المستخدمة في البحث باللغة اإلنجليزية‬

A history of Greek philosophy, Karam,Yousif, Cairo,P4, 1966.


A history of Greek philosophy, Wright, William Kelley, translated:
Mahmoud, Ahmed Saeed, Lebanon, p1, 2010.
A hundred years of British philosophy, Metz Rudolf, translated,
Fouad Zakarya, part1, Cairo, 1963.
A story of Greek philosophy, Karam,Yousif, Cairo,P4, 1966.
Autumn of Greek philosophy, Badawi, Abdul- Rahman, P4, Cairo,
1970.
Bergson, Fransoa, Maier, translated, Tayseer Shaish Alard, Beirut,
1955.
Critic of pure reason, Kant, Immanuel, translated, Mouse Wahba,
Lebanon, 1988.
Descartes as father of philosophy, Ameen, Aothman, Cairo, 1942.
Empirical method and scientific thought development, Aljaberi,
Mohammed, Abed, Part 2, Beirut, p2, 1982.
French philosophy: from Descartes into Sartre, Wahl, Jean,
translated, father: Maron, khory, Lebanon, p1, 1986.
History of philosophy, Brehier, Emile, translated: Jorje Tarabeshi,
Beirut, p1, 1983.
Introduction into philosophy,Aloosi,Husam,Lubnan,2017.
John Locke, his empirical philosophy critical study, Alsheneti,
Mohammed Fathi, Beirut, 1969.
Kant or critical philosophy, Ibrahim, Zakarya, Cairo.
Laland,s Philosophical Dictionary, translated: Khalil Ahmed Khalil,
Beirut, p2, 2001.
Modern philosophy: critical study, Mata, Kareem, Lebanon, p2,
2001.
New Introduction In philosophy,Badawi,Abdul-
Rahman,Kuwait,P1,1975
Philosophical Dictionary,Saliba,Jameel,Lebanon,1979.
philosophical encyclopedia, Badawi, Abdul-Rahman, Beirut,p1,
1984.
Philosophy of moderns and contemporaries, Roulf, translated,
Abuola Afifi, Egypt, 1936.
Principles of philosophy,Altaweel, Tawfeeq, Cairo, p4, 1964.
Problems of philosophy,Ibrahem,Zakarya,Egyptm,Cairo,1971.
SchellingBadawi, Abdu-Rahman, Beirut, p2, 1981.
Studies in Western philosophy, Aladom, Sadiq Jalal, Beirut, p3,
1979.
Summarized of philosophical encyclopedia.transeated:Fouad
Kamel,Jalal alashry,Baghdad,1982.
Theory of knowledge and natural situation, Zakarya, Fouad, Cairo,
1977.
Twentieth century philosophy, Cairo.
Types and Problems of philosophy, Mead, Hunter, translated, Fouad
Zakarya, Cairom 1964, Ameen Ahmed, Mahmoud, Zaki Najeeb, p4,
Cairo, 1958.
Understanding the Greek philosophy, translated: Matri Ameen,
Cairo, 1964.

You might also like