You are on page 1of 20

‫محاضرة مقدمة منهجية لنظرية املعرفة‬

‫الشيخ‪ :‬أحمد بن يوسف السيد‬

‫املدخل إلى نظرية املعرفة ‪2 ................................................................................................................................................................................................‬‬


‫مقدمة ‪2 .........................................................................................................................................................................................................................‬‬
‫همية الحديث عن نظرية املعرفة ‪4 ....................................................................................................................................................‬‬ ‫العنصر األول‪ٔ :‬ا ّ‬
‫العنصر الثاني‪ :‬معنى نظرية املعرفة ومكوناتها ‪6 ..........................................................................................................................................................‬‬
‫العنصر الثالث‪ :‬ضوابط معرفية منهجية في اإلسالم ‪7 ...............................................................................................................................................‬‬
‫ُ‬
‫العنصر الرابع‪ :‬نبذة تاريخية مختصرة عن ما يتعلق باملعرفة ونظريتها ‪8 ...................................................................................................................‬‬
‫من خالل قصص األنبياء‪8 ..................................................................................................................................................................................‬‬
‫التاريخ الغربي ‪9 ....................................................................................................................................................................................................‬‬
‫الكتب اإلسالمية ‪10 ............................................................................................................................................................................................‬‬
‫الفلسفة اليونانية ‪11 ..........................................................................................................................................................................................‬‬
‫مراجع ‪11 .............................................................................................................................................................................................................‬‬
‫العنصر الخامس‪ٕ :‬امكان املعرفة بين الشك واليقين ‪12 .............................................................................................................................................‬‬
‫االتجاهات في باب ٕامكان املعرفة‪12 ...................................................................................................................................................................‬‬
‫ٔ‬
‫املعرفة املقبولة ليس بالضرورة ان تصل ٕالى حد اليقين ‪13 ..............................................................................................................................‬‬
‫ٔ‬
‫خبر اآلحاد يفيد الظن ام اليقين ‪14 ...................................................................................................................................................................‬‬
‫الس َّنة والبدعة‪16 ..................................................................................................‬‬ ‫العنصر السادس ‪ :‬مصادر املعرفة بين اإلسالم والفلسفة وبين ُ‬
‫قضية ٕانكار الخبر مصدر للمعرفة ‪16 ...............................................................................................................................................................‬‬
‫شروط صحة الخبر ‪17 .......................................................................................................................................................................................‬‬
‫اإليمان بالوحي ‪18 ................................................................................................................................................................................................‬‬
‫خاتمة ‪19 .......................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪1‬‬
‫املدخل إلى نظرية املعرفة‬
‫مقدمة‬
‫ٔ‬ ‫ّ‬ ‫ٔ‬ ‫ٓ‬
‫الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصل اللهم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين‪ ،‬اللهم ال سهل ٕاال ما جعلته سهال وانت‬
‫ّ ٔ‬ ‫ّ‬
‫تجعل الحزن ٕاذا شئت سهال‪ ،‬اللهم ال علم لنا ٕاال ما علمتنا ٕانك انت العليم الحكيم‪ ،‬اللهم صل وسلم وبارك على عبدك‬
‫ٔ‬
‫ورسولك محمد‪ ،‬ا ّما بعد‪:‬‬
‫ٔ‬
‫هذا املوضوع هو من اهم املوضوعات املنهجية التي ٔتوثر في تكوين اإلنسان املعرفي‪.‬‬
‫العلوم على قسمين‪:‬‬
‫‪ -1‬قسم علوم منهجية‪.‬‬
‫‪ -2‬وقسم علوم معرفية عامة؛ يعني متعلق بها معلومات ّ‬
‫عامة‪.‬‬
‫وتكوين اإلنسان املعرفي على قسمين‪:‬‬
‫ٔ‬
‫‪ -1‬تكوين افقي‪.‬‬
‫‪ -2‬تكوين عمودي‪.‬‬
‫التكوين العمودي ٔيوثر في التكوين األفقي‪ .‬التكوين األفقي لإلنسان هو‪ :‬املعلومات املتناثرة التي يبنيها في مختلف القضايا؛‬
‫يعني مثل ما نقول املثقف املعاصر‪ٕ ،‬انسان مثقف عنده ش يء عن كل ش يء؛ يعني كل باب عنده فيه معلومة وهذه‬
‫تكون اإلنسان عمود ًّيا هي العلوم املنهجية‪ ،‬فالذي‬‫املعلومات يبنيها بشكل عرض ي ٔافقي‪ .‬لكن املعلومات ٔاو العلوم التي ّ‬
‫لديه خمس معلومات منهجية ٔافضل من الذي لديه خمسين معلومة ٔافقية‪ ،‬فاملعلومة املنهجية ٔتوثر بشكل كبير ًّ‬
‫جدا في‬
‫تكوين اإلنسان املعرفي‪.‬‬
‫ما يتعلق بنظرية املعرفة واملعرفة‪ ،‬هذا ليس فقط من العلوم املنهجية بل هو من ٔاخطر العلوم املنهجية ومن ٔا ّ‬
‫همها‪،‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ولذلك كثير من اإلنحرافات على مستوى الدين من حيث األصل ‪-‬يعني من حيث اصل الدين‪ -‬او حتى على مستوى‬
‫التفاصيل الدينية راجع ٕالى قضية املعرفة‪.‬‬
‫نعم نظرية املعرفة هو مبحث فلسفي في األساس ‪ -‬يعني في تصنيف العلوم اآلن‪ -‬ولكن عند النظر في تفاصيل ما يتعلق‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫باملعرفة‪ ،‬ستجد ا ّنها مرتبطة بعلوم كثيرة‪ ،‬ترتبط بالعقيدة من جهة املكونات‪ ،‬االستدالل في اإلسالم او الركائز التي ينبني‬
‫عليها النظر في اإلسالم‪ ،‬يعني بناء املعلومات‪.‬‬
‫ً‬
‫مثال نظرية املعرفة‪ ،‬نحن نتكلم عن مصادر املعرفة فنحن نتكلم عن الوحي‪ ،‬وحين نتكلم عن الوحي فنحن نتكلم عن‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ركائز صحة الوحي‪ّ ،‬‬
‫وبالتالي نحن نتكلم ليس فقط عن عقيدة بل نتكلم عن اساس العقيدة‪ ،‬وهذا مبحث اساس ي في نظرية‬
‫املعرفة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ٔ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫لكن اإلشكال ا ّن نظرية املعرفة صارت او ال تزال تعرض بطريقة جامدة ‪-‬بطريقة باهتة‪ -‬بمعنى ا ّنها تعرض فيها مباحث‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ّٔ‬ ‫ُ‬ ‫ًّ ٔ‬
‫جدا‪ ،‬اسماء فالسفة كثر‪ ،‬تعرض فيها موضوعات متفرقة ومتناثرة‪ ،‬تشعر انك سمعت اشياء كثيرة او‬ ‫فلسفية كثيرة‬
‫ّٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ق ٔرات ٔاشياء كثيرة ّ‬
‫ثم لم تخرج بش يء في يدك‪ ،‬فكا ّن اإلنسان ‪-‬في التعليم السائد في نظرية املعرفة‪ -‬كانه يبني البناء األفقي؛‬
‫ًّ‬
‫منهجيا بيده‪ ،‬وهذا ما ال نريده‪.‬‬ ‫شيئا‬‫ولكنه ال ٔياخذ ً‬
‫يتعلم معلومات ثقافية متنوعة ّ‬

‫ضبط في باب املعرفة سيعين ك ً‬


‫ثيرا في‬ ‫منهجيا‪ .‬البناء املنهجي اذا ُ‬
‫ٕ‬ ‫ًّ‬ ‫نريد في هذه املحاضرة وفي هذا املوضوع ٔان نكون ً‬
‫بناء‬
‫تحقيق التصورات الصحيحة في التفصيالت‪ ،‬هذا مدخل واشارة مهمة ًّ‬
‫جدا‪.‬‬ ‫ٕ‬
‫سا ّتحدث في ّ‬ ‫ٔ‬
‫ستة عناصر في هذا املوضوع‪:‬‬
‫همية الحديث عن نظرية املعرفة ومركزيتها املنهجية‪.‬‬‫‪ .1‬العنصر األول‪ٔ :‬ا ّ‬

‫‪ .2‬العنصر الثاني‪ :‬معنى نظرية املعرفة ومكوناتها‪.‬‬


‫‪ .3‬العنصر الثالث‪ :‬ضوابط معرفية منهجية في اإلسالم‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ .4‬العنصر الرابع‪ :‬نبذة تاريخية مختصرة عن ما يتعلق باملعرفة ونظريتها‪.‬‬
‫‪ .5‬العنصر الخامس‪ٕ :‬امكان املعرفة بين الشك واليقين‪.‬‬
‫الس َّنة والبدعة‪.‬‬
‫‪ .6‬العنصر السادس ‪ :‬مصادر املعرفة بين اإلسالم والفلسفة وبين ُ‬
‫هذه ّ‬
‫ستة عناصر‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫العنصر األول‪ٔ :‬ا ّ‬
‫همية الحديث عن نظرية املعرفة‬

‫ملاذا الحديث عن نظرية املعرفة؟ حين نتكلم عن معلومات منهجية وقضايا منهجية‪ ،‬هل هذا الكالم فيه مبالغة؟ حين‬
‫همية هذا املوضوع‪ ،‬هل هو من باب التزُّين الفلسفي كما يقال واإلستعراض؟‬ ‫ٔنوكد على ٔا ّ‬
‫ٔ‬
‫ولذلك حقيقة وجدت في بعض طالب العلم حين يدرسون او يشاهدون بعض املحاضرات يقولون‪" :‬ماذا استفدنا؟! كالم‬
‫فلسفي ال فائدة منه"‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫رّبما طريقة العرض للبعض؛ بعض الطالب حين ياخذ نظرية املعرفة ال ياخذها بشكل متدرج او ال يقف على كتاب او‬
‫ً ٔ‬ ‫ً‬ ‫محاضرة ٔتوصل له هذا األمر من ًّ‬
‫متوسعا او يعرض العرض األفقي‪ ،‬لكن في الحقيقة‬ ‫مباشرة ٕالى ش يء يكون‬ ‫هجيا‪ ،‬فيقفز‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫من ال ياخذها بشكل منهجي ال يدرك اهميتها‪.‬‬
‫ٔ‬
‫ما اهمية نظرية املعرفة؟‬
‫ٔ‬
‫الجزيية؛ من اين تبني معلوماتك؟ ما املصدر الصحيح للمعرفة‬ ‫‪ٔ )1‬ا ّوال‪ :‬نظرية املعرفة يترتب عليها من ٔاين ٔتاخذ املعارف ٔ‬
‫وما املصدر الخاطئ؟ ما عالقة العقل باملعرفة؟ ما عالقة الحس باملعرفة؟‬
‫ٓ‬
‫يترتب على الجواب عن هذه األسئلة االف من املعلومات الجزئية‪ .‬يعني هذه بوابات‪ٕ ،‬فاذا قلت‪ :‬العقل مصدر للمعرفة‬
‫ٔ‬ ‫ّٔ‬
‫فمعنى ذلك انك فتحت الباب آلالف املعارف التي يمكن ان تدخل عن طريق العقل‪ٕ .‬اذا قلت العقل ليس مصدر‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ ٔ‬
‫للمعرفة فانت اغلقت الباب امام سيل هائل من املعلومات واملعارف‪ٕ .‬اذا قلت الخبر مصدر للمعرفة فانت فتحت‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬
‫بابا ملعارف اكثر؛ فتحت الباب للتاريخ‪ ،‬التاريخ كله اخبار‪ ،‬فتحت الباب للدين ألن الدين اخبار‪ ،‬الوحي خبر‪ .‬وهكذا‬
‫ٔ‬ ‫ٔانت تفتح ً‬
‫بابا يدخل منه سيل من املعارف‪ٕ .‬اذا اغلقت هذا الباب سددت على نفسك هذه املعارف‪.‬‬
‫ٔ‬
‫ٕاذن الحديث عن ما يتعلق بنظرية املعرفة هو حديث في املصادر‪ ،‬متعلق باملصادر‪ ،‬واملصادر من طبيعتها انها بوابات‬
‫آلالف القضايا ٔ‬
‫الجزيية‪ ،‬وبالتالي ضبط الباب في هذا املوضوع يترتب عليه ما بعده من التفاصيل‪.‬‬
‫فهذه األهمية األولى لنظرية املعرفة‪.‬‬
‫ٔ ٔ‬ ‫ً‬
‫‪ )2‬األهمية الثانية‪ :‬ألن كثيرا من االنحرافات التي وقعت في باب الدين‪ ،‬كان من اهم اسبابها االنحراف في باب املعرفة‪،‬‬
‫كيف؟‬
‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬
‫اآلن نحن نرى ان كثيرا من املالحدة الذين يقدسون العلم التجريبي‪ٕ ،‬اذا حادثتهم او ناقشتهم عن قضية وجود هللا‬
‫ٔ ٓ‬ ‫ٔ ٔ‬ ‫ٔ ٔ‬
‫سبحانه وتعالى يقول لك‪ :‬انا ال اعترف باألدلة التي انت تاتي بها إلثبات وجود هللا‪ .‬ملاذا ال تعترف باألدلة التي انا اتي‬
‫ٔ ٔ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بها؟ يقول لك‪ :‬ألن هذه األدلة ال تستند ٕالى الحس‪ ،‬ال تجرب‪ ،‬ال تقاس في املختبر‪ ،‬وبالتالي انا ال اعترف بها‪ ،‬هذه علوم‬
‫ٔ‬
‫كلها فلسفة‪ ،‬كلها امور عقلية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫بعا بغض النظر عن الهوى املوجود هذا ش يء‬ ‫طيب هذا االنحراف اآلن ٔاو هذا اإلشكال (عدم ٕايمانه بوجود هللا) ‪-‬ط ً‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٓ‬
‫اخر‪ ،‬لكن اتكلم عن النقاش الظاهر‪ -‬اآلن هذا يرجع ٕالى اي باب؟ باب املعرفة ألن مصادر املعرفة‪ :‬الحس فقط؟ ام‬
‫ٔ‬
‫الحس والعقل؟ ام الحس والعقل والخبر؟ هذا باب املعرفة‪.‬‬
‫لجزيية من‬‫ٕاذن كثير ممن يقدسون العلم التجريبي من ٔاسباب ٕالحادهم هو ٔانهم حبسوا ٔانفسهم في صندوق مغلق ٔ‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫جزييات املعرفة وهي مصدر الحس او التجربة‪ ،‬وبالتالي لو كان نقاشهم او النقاش معهم في مصادر املعرفة األخرى‪،‬‬
‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ٕواثبات ٔان العقل مصدر‪ٔ ،‬وان الخبر مصدر‪ ،‬فهذا ٔ‬
‫سيودي ولو على األقل ظاهرا إلى انقطاع حجتهم‪ ،‬او ٕالى اهتداء‬
‫ٔ‬ ‫ً‬
‫بعضهم‪ .‬ولذلك فعال كثير من املجتمعات العلمية تعيش في صندوق مغلق في باب املعرفة‪ .‬وهذا ٔيوكد لنا اهمية‬
‫ً‬
‫الحديث عن موضوع املعرفة حتى نعالج كثيرا من االستشكاالت املوجودة فيه‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔوانا ٔاذكر واحدة من النقاشات وقعت لي مع واحدة من امللحدات‪ ،‬كان ٔاول ٔ‬
‫سوال سالته ٕاياها هل ٔتومنين بالعقل‬
‫ٔ‬ ‫مصدرا للمعرفة ٔاو ال؟ ٔاول ٔ‬
‫سوال سالته ٕاياها‪ ،‬ألنه ٕاذا قالت ال فال فائدة من الحديث في األدلة التفصيلية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٔ‬
‫والبعض يظن ان ٕالحاد بعض الناس اليوم هو ٕالحاد عقلي‪ ،‬وهذا في الحقيقة غير صحيح‪ .‬فتجد حين ينتقد مثال‬
‫ٔ ً‬
‫املالحدة يقول لك‪ :‬يقدسون العقل وكذا‪ ،‬ليس صحيحا‪ ،‬بعضهم ال يعترف بالعقل اصال؛ بعضهم ال يعترف بالعقل‬
‫ً‬
‫ليس عمليا‪ُ ،‬يصرح نظريا‪ ،‬يقول لك هذا العقل ال ٔيودي ٕالى معرفة منضبطة‪ ،‬ال ٔيودي ٕالى معرفة صحيحة‪.‬‬
‫ٔ‬
‫لذلك هذا السبب الثاني من اهمية الحديث عن قضية املعرفة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٔ‬
‫‪ )3‬ان كثيرا من االنحرافات داخل الصف اإلسالمي في التراث اإلسالمي‪ ،‬هي انحرافات راجعة ٕالى باب املعرفة‪ ،‬كيف؟‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫مصادر التلقي‪ .‬مثال هناك من املصادر او من االتجاهات داخل الصف اإلسالمي من يقول العقل هو اساس املعارف‪،‬‬
‫ٕواذا تعارض العقل مع النقل يقدم العقل على النقل‪ .‬هذا باب راجع ٕالى قضية املعرفة‪.‬‬
‫ٔ‬
‫وهناك من يقول بل من اهم مصادر املعرفة الكشف‪ٕ ،‬واذا تعارض الكشف مع النص يقدم الكشف‪ .‬وبعضهم‬
‫ٔ‬
‫يضخم من مصدر اإللهام‪ ،‬وهذه كلها اشياء متعلقة بباب املعرفة‪.‬‬
‫ٔ ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫طيب‪ ،‬خبر الواحد هو صحيح انه مبحث او باب ُيبحث في علم اصول الفقه وفي علم الحديث ايضا‪ ،‬ولكن باعتبار‬
‫ٔ‬
‫حديثنا عن املعرفة‪ ،‬وباعتبار النظر في قضية املعرفة هو ايضا متعلق بها‪ ،‬ألنه جزء وفرع عن قضية األخبار وهل‬
‫ٔ‬ ‫حسنا واذا قلنا مصدر للمعرفة‪ ،‬هل خبر اآلحاد يعتبر ً‬ ‫الخبر مصدر للمعرفة‪ .‬طيب ً‬
‫مصدرا للمعرفة ام الخبر املتواتر‬ ‫ٕ‬
‫ًّ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫جدا‪.‬‬ ‫فقط؟ ٕاذن هل ادركنا اهمية املوضوع وخطورته وكثرة تشعباته؟ هذا موضوع خطير‬
‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫لذلك من الخطا الكبير ومن الظلم الكبير من اإلنسان لنفسه ان ال يتعرف على هذا املوضوع بطريقة منهجية‪ .‬ودائما‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ٔنوكد ونكرر املنهجية هي األساس في كل العلوم‪ ،‬وان تكون لديك املنهجية خير من ان تكون لديك اكثر من اضعافها‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ُ‬
‫مئات املرات من املعلومات الجزئية‪ .‬املعلومات الجزئية ٕاذا جاءت املنهجية تنظمها كانها درر في عقد‪ ،‬اما ٕاذا كانت‬
‫ٔ‬
‫هكذا متناثرة‪ ،‬فال تستطيع ان تلتقط منها الش ٔي املناسب‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ٕاذن هذه ثالثة اسباب ويوجد اسباب اخرى‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫‪ )4‬ممكن ٔاختم باشارة سريعة لسبب قد يعتبر ر ً‬
‫تحديدا كان لها تاثير في سياق األفكار؛‬ ‫ابعا‪ ،‬وهي ان نظرية املعرفة‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫مثال محطات فكرية معينة في التاريخ‪ٔ ،‬‬‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫فيورخ مثال لحدث معين او لفكرة معينة او لنظرية‬ ‫تعرفون هناك اشياء تاتي‪،‬‬
‫ً ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ ٔ‬
‫معينة انها اسهمت في تغيير مساق تاريخي معين من ناحية األفكار؛ نظرية املعرفة ٔتورخ على انها غيرت تغييرا كبيرا في‬
‫سياق الفكر الغربي‪ ،‬في التاريخ الفلسفي الغربي‪.‬‬
‫ٔ‬
‫الفلسفة بشكل عام تبحث في املعرفة‪ ،‬والقيم‪ ،‬والوجود‪ ،‬هذه ابرز املوضوعات التي تبحث فيها الفلسفة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سابقا قديما كان البحث الفلسفي األكثر يعود ٕالى الوجود؛ البحث الفلسفي والنقاشات الفلسفية تعود ٕالى الوجود‬
‫ٔ‬
‫اكثر ش ٔي ‪.‬‬
‫ٔ‬
‫اليوم ومن فترة طويلة في التاريخ الحديث‪ :‬الفلسفة تركز على قضية املعرفة‪ ،‬لذلك اهم مبحث فلسفي اليوم هو‬
‫مبحث املعرفة‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫بل ٕاذا تاملت ستجد ان املعرفة ٔتوثر على الفرعين اآلخرين؛ مبحث املعرفة ٔيوثر على مبحث الوجود‪ :‬انه ما نوع األدلة‬
‫ٔ‬
‫التي يمكن ان تستعمل في قضية الوجود‪ ،‬هذا راجع ٕالى قضية املعرفة‪.‬‬
‫ٔ‬
‫ممتاز ٕاذن هذا العنصر األول وهو فيما يتعلق باهمية املوضوع ‪.‬‬

‫العنصر الثاني‪ :‬معنى نظرية املعرفة ومكوناتها‬


‫ُ‬ ‫ٔ‬ ‫طبعا نظرية املعرفة ُت ّ‬
‫عرف بمكوناتها اصال‪ ،‬وتعرفون التعاريف لها طرق متعددة‪ ،‬فنظرية املعرفة ت َّعرف عادة في كتب‬
‫املعرفة بمكوناتها‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ما هي مكوناتها؟ لناخذ واحدة من صياغات تعريف املعرفة‪ ،‬من اشهرها تعريف ورد في املعجم الفلسفي ان نظرية املعرفة‬
‫ٔ‬
‫هي (البحث في طبيعة املعرفة واصلها وقيمتها ووسائلها وحدودها)‪ .‬هذا واحد من التعريفات اخترته من بين التعريفات‬
‫املتعددة التي تدور في األخير في نفس الفلك‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫من خالل هذا التعريف نستطيع ان نستنتج مجموعة من مكونات املعرفة‪ ،‬اهمها‪ :‬اهم هذه املكونات ثالثة ‪ -‬اهمها ليس‬
‫ٔ‬ ‫ُ‬ ‫ٔ‬
‫من ناحية القيمة املعرفية ٕوانما اهمها من ناحية الحيز الذي تناقش فيه في كتب نظرية املعرفة‪ ،‬اهميتها من حيث كثرة‬
‫البحث فيها‪.‬‬
‫املكون األول ‪ :‬طبيعة املعرفة‪ ،‬املكون الثاني بغض النظر عن الترتيب املنطقي‪ ،‬لكن هي ثالث مكونات أهمها‪ :‬طبيعة‬
‫ٔ‬ ‫ٔ ً‬
‫املعرفة‪ ،‬مصادر املعرفة‪ ،‬وٕامكان املعرفة‪ :‬الذي هو هل املعرفة اصال ممكنة او ال‪ ،‬الشك واليقين وما يتعلق بذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫نستطيع ان نقول أن هذه املباحث الثالثة هي اكثر املباحث التي تتداول داخل الكتب التي تتحدث عن املعرفة وعن نظرية‬
‫املعرفة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫العنصر الثالث‪ :‬ضوابط معرفية منهجية في اإلسالم‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫هذه يعني هي اشبه ما تكون باملقدمة األساسية‪ ،‬او خلينا نقول فيها تنبيهات منهجية قبل ان ندخل في التفاصيل املتعلقة‬
‫بنظرية املعرفة‪.‬‬
‫ٔ‬
‫‪ )1‬الضابط املنهجي األول في املعرفة في اإلسالم‪ :‬اإلسالم ٔيوكد على ان وجود املصدر املعرفي الصحيح ال يعني بالضرورة‬
‫ٔ‬
‫وجود االهتداء او االستجابة لهذا املصدر‪:‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫يعني اإلسالم ٔيوكد على ان هناك موانع او استعدادات‪ ،‬قلبية‪ ،‬نفسية‪ ،‬ذهنية يمكن ان تسهم في طبيعة التفاعل مع‬
‫املصادر املعرفية‪ ،‬يعني وجود املصدر الصحيح ال يعني وجود االستجابة الصحيحة‪ .‬فهذه قضية مهمة في اإلسالم‬
‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مثال في دعوة الرسل ‪َ ﴿ :‬ق َ‬ ‫ً‬
‫ال َر ّب إني َد َع ْو ُت ق ْومي ل ْيال َو َن َها ًرا * فل ْم َيز ْد ُه ْم ُد َعائي إال ف َرا ًرا﴾ [نوح‪،]6-5:‬‬ ‫ولذلك تجد‬
‫ٔ‬ ‫ّ‬
‫يعني ليس فقط لم يستجيبوا ٕوانما فروا‪ ،‬مع ان املصدر املعرفي صحيح‪.‬‬
‫ورا * َو َج َع ْل َنا َع َلى ُق ُلوبه ْم َأك َّن ًة َأن َي ْف َق ُه ُ‬
‫وه‬ ‫﴿ َوإ َذا َق َ ْرأ َت ْال ُق ْر َآن َج َع ْل َنا َب ْي َن َك َو َب ْي َن َّالذ َ‬
‫ين َال ُي ْؤم ُنو َن ب ْاآلخ َرة ح َج ًابا َّم ْس ُت ً‬
‫ُ ّ َْ‬ ‫َ َ َّ َ ُ َ َ َ َّ ُ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اّلل قل َوب ُه ْم﴾ [الصف‪َ ﴿ ،]5 :‬ون َقل ُب أفئ َد َت ُه ْم‬ ‫َوفي آذانه ْم َوق ًرا﴾ [اإلسراء‪ ]46-45:‬وهذا نتيجة ﴿فلما زاغوا أزاغ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َو َأ ْب َ‬
‫صا َر ُه ْم ك َما ل ْم ُيؤم ُنوا به أ َّو َل َم َّرة﴾ [األنعام‪.]110 :‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫فاخذ املعرفة بتسطيح‪ ،‬وان وجود املعرفة يعني وجود األثر الصحيح‪ ،‬هذا غير صحيح‪ٕ .‬اذن املعرفة‪ ،‬نعم‪ ،‬املصادر‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫يوجد مصادر صحيحة لكن ينبغي ان تكون هناك امورا اخرى مساعدة حتى تعمل هذه املصادر‪ ،‬أو حتى يكون لها‬
‫األثر‪ ،‬وليس وجود املصدر الصحيح يقتض ي وجود العمل الصحيح‪.‬‬
‫ٔ‬
‫‪ )2‬الضابط الثاني‪ :‬هو ان قيمة املعرفة في اإلسالم ال تتمثل في تحقق العلم بالش يء‪ ،‬مجرد تحقق العلم بالش يء‪ٕ ،‬وانما‬
‫في ما يترتب على هذه املعرفة من العمل‪.‬‬
‫يعني اإلسالم ال ُيعطي قيمة للمعرفة املجردة ‪ٕ -‬اذا كانت ً‬
‫طبعا ينبني عليها عمل ‪ٕ -‬فاذا كانت املعرفة الصحيحة تقتض ي‬
‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬
‫عمال ً‬
‫معينا ثم لم يعمل العارف بما علم‪ ،‬فهذه املعرفة في اإلسالم ال قيمة لها‪ ،‬بل احيانا تكون وباال على صاحبها‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫البعد ُبعد مهم ًّ‬
‫وهذا ُ‬
‫جدا‪ ،‬حتى ما نقرا في باب املعرفة واحنا نقرا فلسفة فلسفة فلسفة فلسفة ثم نخرج وال استفدنا‬
‫ٔ‬
‫وال ش يء وال عملنا اي ش يء‪.‬‬
‫ُ‬
‫املعرفة في اإلسالم قيمتها بقدر امتثالها‪ٕ ،‬واذا كانت املعرفة ت ّحذر من ش يء فقيمتها بقدر اجتنابك لها‪ .‬نعم هي في ذاتها‬
‫ٔ‬
‫لها قيمة ألن هذا هو العلم الصحيح‪ ،‬الوحي مثال هو العلم الصحيح‪ ،‬لكن انت قيمة معرفتك بالوحي‪ ،‬قيمة معرفتك‬
‫باألمر الصحيح ليس له قيمة في ذاته ٕاذا لم ُيصطحب بالنتائج‪ ،‬بالعمل بمقتضاه‪.‬‬
‫ٔ‬
‫ولذلك تجد ان هللا سبحانه وتعالى يصف بعض األعمال يصفها بالجهل‪ ،‬وهي ليست ناتجة عن عدم العلم‪ٕ ،‬وانما‬
‫ٔ‬
‫ناتجة عن عدم امتثال للعلم‪ .‬فالجهل ال ُيطلق على مجرد عدم العلم‪ ،‬بل ُيطلق على عدم العمل بالعلم ا ًيضا‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫َ ُ‬ ‫ين َي ْع َم ُلو َن ُّ‬ ‫ً َّ َ َّ ْ َ ُ َ َ َّ‬
‫اّلل ل َّلذ َ‬ ‫ْ‬ ‫ً ّ َ ُ َ َُ َ‬
‫وء ب َج َهالة ث َّم‬
‫الس َ‬ ‫فمثال ﴿إني أعظ َك أن تكون م َن ال َجاهل َين﴾ [هود‪ ،]46 :‬ومثال ﴿إنما التوبة على‬
‫ٔ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َي ُت ُوبون من قريب ﴾ [النساء‪ ،]17 :‬طيب الذي يعمل السوء بجهالة لم يكن يعلم انه سوء؟ يكون معذورا على األقل‬
‫في كثير من الحاالت‪ ،‬لكن الجهالة هنا ليس املقصود بها عدم العلم ٕوانما عدم امتثال العلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ين َي ْع َم ُلو َن ُّ‬ ‫َّ َ َّ ْ َ ُ َ َ َّ‬
‫اّلل ل َّلذ َ‬
‫وء ب َج َهالة﴾ ليس املقصود بالجهالة هنا عدم العلم‪ٕ ،‬وانما الجهالة هي عدم‬ ‫الس َ‬ ‫فـ ﴿إنما التوبة على‬
‫العمل بالعلم‪ .‬فكما قال من قال من املفسرين كل من عمل السوء فهو عمله بجهالة‪ ،‬يعني الجهالة هي عمل السوء‬
‫في ذاته وليست عدم املعرفة‪.‬‬
‫ٔ ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ًّ‬
‫جدا‪ ،‬وهذان الضابطان هما اهم الضوابط املنهجية التي اردت ان اتحدث عنها‪.‬‬ ‫هذا ضابط منهجي ثاني مهم‬
‫ٔ‬
‫‪ )3‬يمكن ان نضيف ٕالى ذلك ما يتعلق بمركزية املعارف األولية في اإلسالم‪ ،‬مركزية املعارف األولية واملعارف الفطرية في‬
‫اإلسالم‪ ،‬هذه يعني من الضوابط املنهجية التي يحسن التنبيه لها‪ٕ ،‬وان كان الكالم فيها وفي تفاصيلها يطول‪.‬‬
‫هذا هو العنصر الثالث‪.‬‬
‫ُ‬
‫العنصر الرابع‪ :‬نبذة تاريخية مختصرة عن ما يتعلق باملعرفة ونظريتها‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫هنا ألنني اركز على املنهج في هذه املحاضرة‪ ،‬فلن اكثر من املعلومات التاريخية‪ ،‬وال حتى من ذكر االتجاهات الفلسفية‬
‫ٔ‬
‫بشكل تفصيلي‪ .‬التركيز هنا على القضية املنهجية وعلى املعرفة في اإلسالم‪ ،‬لكن اخذ بعض املعلومات التاريخية في هذا‬
‫ً‬
‫املوضوع مهم جدا‪.‬‬

‫من خالل قصص األنبياء‬


‫ُ‬ ‫ٓ‬ ‫ً‬ ‫ٓ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫اوال ٕاذا تاملنا في ذكر القران لقصص األنبياء هل نجد ذكرا في القران ألمور متعلقة باملعرفة باعتبار ما ذكرته من تعريف‬
‫ٔ‬ ‫ُ‬ ‫ٔ‬
‫نظرية املعرفة وما ٕالى ذلك؟ يعني احنا اخدنا تعريف نظرية املعرفة قلنا هو بحث في طبيعة املعرفة واصلها وقيمتها‬
‫ووسائلها وحدودها‪.‬‬
‫اآلن ملا يتحدث األنبياء عن اليوم اآلخر والجنة والنار‪ ،‬هم اآلن يتحدثون عن حدود املعرفة‪ ،‬وعن خلينا نقول ميادين‬
‫ٔ ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬
‫متعلقا بالعالم املشاهد فقط‪ٕ ،‬وانما هو متعلق ايضا بعالم الغيب‪ ،‬وهذا مبحث معرفي‪.‬‬ ‫املعرفة‪ ،‬وان ميدان املعرفة ليس‬
‫ما هي حدود املعرفة في اإلسالم؟ ما هي ميادين املعرفة في اإلسالم؟ ‪ -‬أل ليس املصادر‪ ،‬امليادين هي املتعلقات‪ ،‬املعرفة‬
‫ُ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫متعلقة بماذا ‪ -‬اإلسالم يقول ان املعرفة لها فضاء اوسع بكثير من الفضاء املشاهد‪.‬‬
‫ولذلك نجد دائما الغيب والشهادة‪ ،‬الغيب والشهادة‪ .‬بل ٕان هللا سبحانه وتعالى يذكر ذكرا خاصا قضية اإليمان بالغيب‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٓ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫اإليمان بالغيب هو مبحث معرفي بامتياز‪ ،‬وبالتالي يمكننا ان نقول باعتبار ان القران مصدر صادق‪ُ ،‬يمكننا ان نقول ٕان‬
‫ٔ‬
‫الحديث في ش يء من مباحث املعرفة هو قديم قدم وجود األنبياء‪ ،‬وقدم دعوة األنبياء وحديثهم مع اقوامهم‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ ً‬
‫ايضا األنبياء يتحدثون مع اقوامهم عن قضية مصدر املعرفة‪ ،‬فالنبي حين ياتي ٕالى قومه هو ال يقول لهم صدقوني ألن‬
‫ٔ‬
‫عندي نظرية فلسفية جيدة‪ ،‬او صدقوني ألني عملت تجربة معينة وهذه نتائج التجربة وتفضلوا‪ .‬أل‪ ،‬هو يقول صدقوني‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ألن لدي خبر من هللا سبحانه وتعالى وهذه ادلة صدقي‪ ،‬وياتيهم بما يثبت انه صادق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٔ‬
‫وبالتالي هم يبنون املعرفة ‪-‬اقوام األنبياء‪ -‬بناءا على مصدر الخبر‪ ،‬واملعجزات متعلقة بالحس‪ ،‬فهنا الحس يصدق الخبر‪،‬‬
‫وطبيعة تفاعل اإلنسان مع الحس وربطه بتصديق الخبر هو تفاعل عقلي‪ .‬الحس موجود‪ :‬مشاهدة املعجزة‪ ،‬العقل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫يتفاعل مع هذا الحس ُويوصل ٕالى نتيجة صدق املخبر‪ ،‬املخبر صار مصدرا معرفيا اآلن‪ ،‬فصار الخبر مصدرا للمعرفة‪.‬‬
‫ٔ ً‬ ‫ٔ‬
‫وهذا التفاعل للمصادر املعرفية املتعددة‪ ،‬على ان العقل ايضا له دور في معرفة الصادق من الكاذب‪ ،‬في معرفة الصدق‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬
‫من الكذب‪ ،‬ألن الصدق والكذب ليس قياسا ُيقاس باجهزة ‪ -‬حتى األجهزة الحديثة في قضية قياس الصدق او الكذب هي‬
‫ُ‬ ‫ٔ‬
‫كلها محاوالت لقرائن‪ ،‬ليست هي امور قطعية‪ ،‬هي رصد لقرائن معينة تصاحب اإلنسان عادة عند الصدق وتصاحبه‬
‫ً‬ ‫ٔ‬
‫الوسايل التي تكشف الكذب ٕالكترونيا يوجد وسائل لخداعها ألنها عبارة‬ ‫عند الكذب‪ ،‬ويوجد خداع لهذه املصادر‪ ،‬هذه‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫عن قياس التغيرات الجسمية التي تصاحب اإلنسان اثناء ٔ‬
‫سواله عن اسئلة معينة‪ ،‬قياس نبضات القلب‪ ،‬معدل‬
‫ٔ‬
‫الضغط‪،‬التعرق‪ ،‬وما ٕالى ذلك وبالتالي يعني هذه قرائن مصاحبة ويمكن خداعها‪ ،‬حتى ُيمكن ان ُيتدرب على خداعها‪.‬‬
‫ٔ‬
‫فالعقل له دور اساس ي في معرفة الصادق من الكاذب‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫ٔ‬
‫جدا‪.‬‬ ‫وبالتالي نستطيع ان نقول إن البحث املعرفي موجود في سياق الوحي وفي سياق النبوة بموضوعات متعددة‬
‫ٔوايضا في الحقيقة هو موجود بوجود البشر ٔاص ًال‪ ،‬ألن اإلنسان ال ينفك عن قضية املعرفة‪ ،‬واإلنسان لم يزال ان ً‬
‫سانا‬ ‫ٕ‬
‫ً‬
‫متسائال يتساءل عن قضية الوجود‪ ،‬وعن قضية الغايات‪ ،‬وما الذي وراء األمر املشهود واملحسوس‪ ،‬وهذه كلها مباحث‬
‫متعلقة باملعرفة‪.‬‬

‫التاريخ الغربي‬
‫ٔ‬
‫لكن في سياق تاريخ األفكار وسياق البحث الخاص عن نظرية املعرفة‪ٔ ،‬يورخونها عادة بكتابة "جون لوك" لكتابه (مقالة‬
‫ٔ‬ ‫في الذهن البشري) عام ‪1690‬م‪ٔ ،‬وانه هو ٔ‬
‫املوسس لهذه النظرية‪ :‬نظرية املعرفة‪ ،‬وبعد ذلك يعني تكالب الناس او جاءت‬
‫ٔ‬
‫املقوالت او البحوث املتعددة والكثيرة‪.‬‬
‫ٔ ً ً‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫وهناك اسماء معينة لها تاثير خاص على هذا املجال‪ ،‬فمثال الفيلسوف األملاني كانت‪ ،‬بال شك ان له تاثيرا كبيرا على هذه‬
‫ً‬
‫لنقل مساهماته املركزية‪ .‬فمثال (نقد العقل املحض)‬ ‫صال في هذا الباب في الباب املعرفي ٔاو ُ‬
‫ٔ ً‬ ‫ٔ‬
‫النظرية‪ ،‬ومساهماته اكثرها ا‬
‫هو مساهمة في باب نظرية املعرفة في األخير‪ ،‬في قضية ٕامكان االستدالل العقلي وما يتعلق باالستدالالت العقلية‪ ،‬وهو‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫اشهر واهم على األقل او كأشهر كتاب لـ كانت‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الكتب اإلسالمية‬
‫فمثل هذه املساهمات التي تذكر في سياق التاريخ الغربي هي مساهمات باعتبار التعريف الخاص‪ ،‬باعتبار العلم الخاص‪،‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫واما باعتبار طبيعة املباحث؛ حتى التنظير في الحقيقة يوجد في الكتب اإلسالمية كثير من التنظيرات‪ ،‬يعني انا ملا ذكرت‬
‫ٔ‬
‫عن قضية األنبياء وما ٕالى ذلك هو باعتبار األمر العملي واملمارسة العملية‪ .‬لكن باعتبار الكتابة النظرية انه املعرفة‬
‫ٔ‬
‫ومصادر املعرفة ووسائل املعرفة ٕوامكان املعرفة والشك واليقين وما ٕالى ذلك‪ ،‬هذه مباحث نظرية معرفية ال اقول ٕانها‬
‫موجودة فقط في كتب املسلمين‪ ،‬بل كتب املسلمين مزدحمة بهذه املباحث‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٔ‬
‫حتى انك تجد مثال مثل هذا الكتاب املكون من يعني قرابة ‪ 900‬صفحة يتحدث عن منهج ابن تيمية املعرفي‪ ،‬كتاب من‬
‫ٔ‬
‫‪ 900‬صفحة‪ ،‬هذا يتحدث عن نظرية املعرفة اتى به من كالم ابن تيمية‪ ،‬من النظر في ٕاستقراء كتب ابن تيمية واستخراج‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٓ‬
‫اراءه في ابواب املعرفة األساسية‪ .‬طيب هذا الكالم انت تجد هذا العدد من الصفحات وليس هي عدد صفحات فقط‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فعال الكتاب مزدحم‪ .‬فتجد مثال يتكلم عن املعرفة الفطرية‪ ،‬طبيعة النفس البشرية‪ ،‬الفطرة املعرفية‪ ،‬يتكلم عن‬
‫الواقعية املعرفية‪ ،‬وحدة العالقة بين العقل والنقل‪ٕ ،‬اشكاالت الوجود واملعرفة‪ ،‬عموما مباحث كثيرة في هذا الكتاب‪،‬‬
‫وهذه كلها ٕاستقراء ملنهج ابن تيمية املعرفي‪.‬‬
‫الغزالي قبل ذلك حين يتحدث عن تجربته في كتابه (املنقذ من الضالل) هو يتحدث عن تجربة متعلقة بباب املعرفة‪ ،‬ألنه‬
‫هو ذكر تجربته في قضية الشك وما وصل ٕاليه وما يتعلق ٕبانكار الضرورات‪ ،‬ثم الوصول ٕالى حد من عدم املعيارية‬
‫ٔ‬
‫املطلقة‪ ،‬ثم بعد ذلك يعني اإلنقاذ اإللهي الذي انقذه هللا به فخرج من هذا‪ ،‬وهو ُمنقذ من الضالل‪.‬‬
‫ٔ ٔ‬ ‫ٔ‬
‫يعني في األخير الغزالي ال يقول ان تجربته تجربة صحية ومثالية للتكرار‪ٕ ،‬وانما هو اعتبرها اعتبار انها اشبه ما تكون‬
‫ٔ‬ ‫ٓ‬
‫بالتجربة االستثنائية املرضية في بعض حاالتها‪ ،‬يعني هو في اخر حاالتها وصفها انو خالص ما استطاع يخرج من املشكلة‬
‫ٔ‬
‫ٕاال ان ينقذه هللا سبحانه وتعالى ويخرجه‪ ،‬ألنه وصل ٕالى الشك في األوليات والضروريات‪ٕ ،‬وان كان قد يكون له بعض‬
‫الكالم اآلخر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٔ‬
‫لكن القصد ان وجود املباحث مثال القاض ي عبد الجبار في كتابه املوسع (املغني) له مجلد كامل في قضية املعرفة‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫ٔ‬
‫جدا في قضية املعرفة‪.‬‬ ‫القاض ي ابو بكر الباقلني في كتاب (التمهيد) له كالم طويل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وبالتالي البحث في موضوع املعرفة بحثا نظريا موجود في كتب تاريخ املسلمين‪ ،‬باعتبار طبعا املذاهب اإلسالمية على تنوعها‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫جدا وواضحة جدا‪.‬‬ ‫وتعددها ‪ -‬املذاهب العقدية ‪ -‬موجود بكثرة يعني بكثرة كبيرة‬
‫ُٔ‬ ‫ً ٔ‬ ‫ٔ ٔ‬
‫فالقول بان تاسيس الكالم في املعرفة مثال يبدا من جون لوك هذا كالم غير صحيح‪ ،‬لكن باعتبار التصنيف باطر معينة‬
‫ٔ‬
‫وبتحديدات معينة هذا تاريخ نسبي‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الفلسفة اليونانية‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫بقي نقطة يعني خلينا نقول ان من اهم النقاط التي يمكن ان تذكر في باب تاريخ املعرفة ما يتعلق بالفلسفة اليونانية‪،‬‬
‫ٔ‬ ‫ً‬
‫ألن كثيرا من النتاج الفلسفي اليوناني املوجود بايدينا اليوم هو نتيجة التفاعل في قضايا متعلقة باملعرفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٔ ٔ‬ ‫ٔ‬
‫انتم تعرفون ان ارسطو مثال وضع علم املنطق‪ٕ ،‬استجابة لوجود السفسطائيين‪ ،‬السفسطائيين الذين يعني دخلوا في‬
‫ٔ‬ ‫السفسطاييين من يقول ٕانه ال يوجد معرفة يقينية‪ً .‬‬
‫ٔ‬ ‫ً‬
‫طبعا هم طوائف واصناف منهم‬ ‫باب مثال ٕامكان املعرفة‪ ،‬فكان من‬
‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫من يجعل املعرفة نسبية؛ اليقين نسبي ليس يقينا مطلقا‪ ،‬وبالتالي هذا مبحث متعلق بشكل اساس ي بقضية املعرفة‪،‬‬
‫ٔ‬
‫وبحث ارسطو في موضوع املنطق هو تفاعال مع هذا الواقع الذي هو يعتبر جزء من اإلشكاالت املوجودة في باب املعرفة‪.‬‬
‫ً ُ‬
‫فعادة ٕاذا ذكرت قضية املعرفة‪ ،‬والتاريخ املعرفي يشار ٕالى مثل هذه اإلشارات‪،‬‬
‫موسسة لقضية‬ ‫طبع ًا بعد ذلك جاءت تيارات في الفلسفة اليونانية تيارات شكية‪ ،‬يعني تيارات منهجية شكية ُتعتبر ٔ‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫الشك بصورة منهجية او بصورة تيار خاص‪ ،‬وهذا ايضا له عالقة بقضية املعرفة‪.‬‬

‫مراجع‬
‫ٔ ٔ ٔ‬
‫عموما ال اريد ان ادخل في التفاصيل بشكل كبير‪ ،‬ممكن الرجوع ٕالى هذا الكتاب كتاب (مصادر املعرفة في الفكر الديني‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬
‫والفلسفي)‪ ،‬هذا الكتاب بصراحة كتاب سهل وجميل؛ ذكرت في البداية ان الحديث في املعرفة كثيرا ما يكون صعبا وعسرا‬
‫وال ي ٔودي ٕالى نتائج يعني ال يخرج اإلنسان بمعلومات جيدة‪ ،‬لكن هذا الكتاب رتب ونظم بشكل جيد ويمكن االستفادة منه‬
‫ٔ‬
‫على مستوى املعلومات بشكل جيد‪ ،‬سواء من الناحية التاريخية او حتى من ناحية دراسة املذاهب والتيارات‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫اما هذا الكتاب (املعرفة في اإلسالم) للدكتور عبد هللا القرني‪ ،‬فهو يستفاد منه من الناحية املنهجية اكثر من ناحية‬
‫املعلومات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬
‫وكتاب األخ الزميل احمد الكرساوي كتب كتاب جميل (مدخل لنظرية املعرفة)‪ :‬كتاب مختصر ويعني يعتبر كتابا سهال‬
‫طبعا هو بحث في الثالث موضوعات املكونات األساسية التي هي طبيعة املعرفة ٕوامكان املعرفة ومصادر املعرفة‪-‬‬ ‫ميس ًرا ‪ً -‬‬
‫ٔ‬
‫صياغة سهلة وجيدة وايضا ُيستفاد منه في الناحية املعلوماتية وكذلك بعض اإلشارات املنهجية‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫فهنا من اراد يعني هذه املصادر ملن اراد التوسع في قضية تاريخ نظرية املعرفة وما يتعلق بها‪ ،‬املذاهب الشكية التي كانت‬
‫في الفلسفة اليونانية وهي معلومات بعضها في غاية األهمية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫العنصر الخامس‪ٕ :‬امكان املعرفة بين الشك واليقين‬

‫االتجاهات في باب ٕامكان املعرفة‬


‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬
‫عادة ما ُيصنف الكاتبون في نظرية املعرفة‪ ،‬يصنفون التيارات او االتجاهات في باب ٕامكان املعرفة إلى اتجاهين اساسيين‪:‬‬
‫ٔ‬ ‫ُّ ٔ‬
‫التيقني او االتجاه االعتقادي او اتجاه اليقين‪.‬‬ ‫‪ )1‬االتجاه األول‪ :‬االتجاه‬
‫‪ )2‬االتجاه الثاني‪ :‬هو االتجاه الشكي‪.‬‬
‫ٔ‬
‫االتجاه الشكي ايضا يقسمونه في العادة ٕالى قسمين‪:‬‬
‫‪ )1‬اتجاه الشك املذهبي‪.‬‬
‫‪ )2‬اتجاه الشك املنهجي‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ُّ ٔ‬
‫التيقني او االتجاه االعتقادي او االتجاه الشكي‪ ،‬هي باعتبار ٕامكان املعرفة؛ انه هل‬ ‫هذين االتجاهين األساسيين‪ :‬اتجاه‬
‫ٔ‬ ‫ٔ ٔ‬ ‫ٔ‬
‫يمكن لإلنسان ان يتحقق او ان يتحصل على معرفة يقينية او ال؟‪ .‬هل طبيعة تفاعل اإلنسان مع املعرفة هي طبيعة‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫شكية‪ ،‬او هي طبيعة يمكن ان توصل اإلنسان ٕالى اليقين؟‬
‫ٔ‬ ‫ُّ ٔ‬
‫التيقني او االعتقادي هو الذي يقول ٕان اإلنسان يمكن ان يصل ٕالى معرفة يقينية‪.‬‬ ‫فاالتجاه‬
‫واالتجاه الشكي قسمان‪ :‬الشك املنهجي يقول يمكن الوصول ٕالى املعرفة اليقينية‪ ،‬ولكن بعد املرور ببوابة الشك‪ ،‬فهو‬
‫ٔ‬
‫معرفة يقينية تبدا بالشك وتنتهي باليقين‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫اما الشك املذهبي فهو الذي يمكن ان ُيصنف حقيقة في االتجاه الشكي ٕاذا اعتبرنا انه قسيم االتجاه اليقيني‪ ،‬باعتبار انه‬
‫ٔ‬
‫ال يمكن الوصول اصال ٕالى اليقين‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ُ‬
‫عادة اذا ذكر الشك في سياق الفلسفة الحديثة‪ ،‬فابرز من ُيذكر في هذا الباب هو "ديكارت"‪ .‬وديكارت كثيرا ‪ -‬خاصة ملن‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ ً‬ ‫ً‬
‫ال يعرف كثيرا عنه ‪ -‬احيانا ُيذكر في سياق الشك املذهبي او الشك املطلق او حتى التشكيك غير املنهجي في اي ش يء من‬
‫االشياء‪ .‬يعني استدعاء ديكارت إلسقاط كثير من املعارف باعتبار الشك‪ ،‬هذا استدعاء غير صحيح‪ .‬ديكارت كان من‬
‫ً‬
‫املدافعين مثال مدافعة شديدة وكبيرة عن االيمان‪ ،‬عن وجود هللا سبحانه وتعالى‪ .‬بينما تجد هناك من يستدعي ديكارت‬
‫ٔ ً‬
‫في انكار وجود هللا سبحانه وتعالى‪ .‬فاستدعاء ديكارت في غير محله‪ ،‬هذا ُيوجد ُويستعمل‪ ،‬بل حتى في تفاصيل احيانا ليس‬
‫لها عالقة بقضية وجود هللا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعني مثال طه حسين في ٕانكاره للشعر الجاهلي‪ ،‬كان من االستدعاءات التي استدعاها‪ ،‬بل هو صرح بذلك تصريحا واضحا‬
‫ٔ‬
‫انه يستعمل منهج الشك الديكارتي في التعامل مع هذا املنقول من الشعر الجاهلي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬
‫على اية حال‪ ،‬موضوع الشك واليقين موضوع مهم جدا‪ ،‬اإلسالم يقرر بشكل واضح أن املعرفة اليقينية ممكنة‪ ،‬وان‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫الشك باعتبار مجرد الظنون والتخمينات هو امر مذموم‪ ،‬وان الشك ٕاذا كان في سياق التثبت وتطلب البراهين فهو وسيلة‬
‫جيدة‪ ،‬وسيلة معرفية محمودة‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫بمعنى نحن امام عدة اشياء‪ٕ :‬اذا امامنا دعاوى معينة ال يوجد ادلة عليها‪ ،‬فاستعمال الشك هنا استعمال صحيح؛ ال‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫اقبل هذه الدعاوى ٕاال ٕاذا تحقق اليقين او تحققت األدلة املوصلة اليها‪ ،‬وبالتالي هذا شك ُيعتبر؛ يعني ُيعتبر ممارسة‬
‫الشك اتجاه دعاوى معينة ‪.‬‬
‫طيب ٕاذا جاءت األدلة على دعاوى معينة‪ ،‬ممارسة الشك هنا ُيصنفه اإلسالم تحت كلمة مركزية اسمها "الهوى"‪ .‬ألن‬
‫ٔ‬
‫املعرفة جاءت‪ ،‬وجاءت ادلتها الواضحة‪ٕ ،‬فاثارة التشغيبات والتشكيكات الجزٔيية على هذه املعرفة‪ ..‬وفي الحقيقة ليس‬
‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬
‫صحيحا ٕوانما هو نابع عن قضية عدم ٕارادة التصديق‪ ،‬عدم ٕارادة االتباع‪ ،‬عدم ٕارادة التسليم‪ ،‬تجد ان‬ ‫معرفيا‬ ‫ا ًمرا‬
‫الكفار يقولون ﴿إن َّن ُظ ُّن إ َّال َظ ًّنا َو َما َن ْح ُن ب ُم ْس َت ْيقن َين﴾ [الجاثية‪ ،]32 :‬تجد اإلسالم يذم الشك مث ًال في ﴿ َوإ َّن َّالذ َ‬
‫ين‬
‫الظ ّن َو َما َق َت ُل ُ‬
‫ْ ْ َّ ّ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫وه َيق ًينا﴾ [النساء ‪.]157‬‬ ‫اخ َتل ُفوا فيه لفي ش ّك ّم ْن ُه َما ل ُهم به من علم إال اتباع‬
‫ْ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬
‫بينما تجد في قضية التثبت وتطلب البراهين تجد ان اإلسالم مثال يقول ﴿ائ ُتوني بك َتاب ّمن ق ْبل َهذا أ ْو أثا َرة ّم ْن علم إن‬
‫صادق َين﴾ [األحقاف‪ ،]4 :‬هنا طلب األدلة والبراهين‪ ،‬فدعواكم غير مقبولة‪ ،‬اعتراضاتكم غير مقبولة‪ ،‬ائتوني‬ ‫ُك ُنت ْم َ‬
‫ٔ‬
‫بكتاب‪ ،‬ائتوني باثارة ٕان كنتم صادقين‪.‬‬
‫ٔ‬
‫املعرفة املقبولة ليس بالضرورة ان تصل ٕالى حد اليقين‬
‫ٔ‬ ‫ً ً‬ ‫ٔ‬
‫ولكن بقي ان نقول شيئا مهما في قضية ٕامكان املعرفة‪ ،‬في قضية الشك واليقين‪ ،‬وهو ان املعرفة املقبولة ليس بالضرورة‬
‫ٔ‬
‫ان تصل ٕالى حد اليقين‪ ،‬وهذا األمر ليس فقط في القضية الدينية ٕوانما هو في سائر املعارف‪ .‬نعم هناك بعض القضايا‬
‫ٔ‬
‫الدينية التي ُيبحث فيها عن اليقين أو التي ُيتطلب فيها اليقين‪ ،‬ولكن هناك بعض املباحث ما يجوز ان تكون فيه املعرفة‬
‫بناء على الظن الغالب‪.‬‬
‫يعني الظن قسمان ‪:‬‬
‫‪ -1‬هناك ظن مبني على مجرد ال ٔراي والتخرص‪ ،‬هذا مذموم هذا ﴿إن َّن ُظ ُّن إ َّال َظ ًّنا﴾‪َ ﴿ ،‬ما َل ُهم به م ْن ع ْلم إ َّال ّات َب َ‬
‫اع‬
‫ٓ‬ ‫َّ‬
‫الظ ّن﴾‪ٕ ..‬الى اخره ‪.‬‬
‫ٔ‬
‫‪ -2‬وهناك ظن مبني على ادلة‪ ،‬لكن هذه األدلة ال تصل ٕالى حد القطع الجازم الذي ينفي ولو وجود شك جزئي ضئيل‪،‬‬
‫ً ٔ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫فهنا هذا الظن الذي له ادلة وقرائن معتبرة وال يوجد ما يعارضه‪ ،‬العمل به امر معتبر ايضا‪ ،‬سواء شرعا او حتى‬
‫خارج اإلطار الشرعي‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫يعني مثال في ٕاطار النظريات العلمية‪ ،‬هي كثير منها بهذا االعتبار‪ ،‬كثير منها مبنية على مجموعة من األدلة والقرائن التي‬
‫ٔ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫توصل ٕالى معرفة ظنية غالبة‪ .‬ولذلك تجد هناك نظريات ُيعمل بها وتعتبر وتدرس وكل ش يء ثم بعد سنوات او بعد مدة‬
‫ُ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫تاتي نظرية اخرى تناقضها‪ ،‬وفي تلك املرحلة كانت ُي ّدرسها كبار املتخصصين ولها االعتراف واالعتماد وما ٕالى ذلك‪.‬‬
‫ٔ‬
‫ملاذا تغيرت وجاء ما يناقضها؟ ليس ألن املعرفة نفسها تغيرت ‪ -‬اقصد نفس املعرفة املتعلقة بالنظرية ‪ٕ ،-‬وانما إلن ثبوتها‬
‫ٔ‬ ‫ٓ‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ٔاصال لم يكن ً‬
‫قطعيا؛ يعني ليس ألنه كان هناك حق ثم اتى حق اخر يناقض هذا الحق‪ٕ ،‬وانما الفكرة هي انه كان‬ ‫ثبوتا‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ُيعتقد انها الحق وكان هناك بعض القرائن واألدلة التي تدل عليه‪ ،‬وكان هذا غاية ما يمكن ان يوصل ٕاليه في ذلك الوقت‪،‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫وبالتالي كان اتباع ذلك ‪ -‬بشكل مجمل ‪ -‬كان ٔا ًمرا ً‬
‫جيدا‪ .‬ثم ملا جاءت األدلة األقوى منها‪ ،‬كان اتباع ما هو اقوى هو اجود‬
‫من هذا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫طبعا ٔانا ٔاتكلم بشكل مجمل ًّ‬
‫ً‬
‫جدا‪ ،‬فهذه القضية أيضا بحسب متعلقها وبحسب بحثها‪ٕ ،‬واال فالقضية بشكل تفصيلي‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫تحتاج ٕالى ضوابط اكثر وتحتاج ٕالى كالم اكثر ‪.‬‬
‫ٔ‬
‫خبر اآلحاد يفيد الظن ام اليقين‬
‫ً‬ ‫ٔ‬
‫سوال طالب‪( :‬مثال من املسائل الحديثية مثال في االجتهادات الفقهية حينما يصله الخبر فيجتهد اجتهاد ثم يتخلى عن‬
‫ذلك االجتهاد ٕاذا جاءه النص الصريح)‪.‬‬
‫ٔ‬
‫نعم االجتهاد جزء من الظنية‪ .‬لكن حتى الخبر الشرعي فيه‪ ،‬منقسم ٕالى قسمين‪ .‬يعني اآلن خبر اآلحاد يفيد الظن ام اليقين‬
‫ٔ‬
‫‪ -‬اتكلم عن األحاديث ‪-‬؟‬
‫طيب أخبار اآلحاد فيها ثالث اتجاهات داخل الصف اإلسالمي‪:‬‬
‫‪ -1‬االتجاه األول ‪ :‬من يقول ٔان ٔاخبار اآلحاد الصحيحة ‪ -‬نحن نتكلم عن ٔاخبار اآلحاد الصحيحة ‪ -‬تفيد اليقين ً‬
‫مطلقا؛‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٓ‬ ‫ٔ‬
‫يعني اي خبر احاد صحيح ثبت انه ثقة‪ ،‬ما يفيده هذا الخبر هو اليقين مطلقا‪ ،‬دائما‪.‬‬
‫‪ -2‬االتجاه الثاني ‪ :‬هو االتجاه القائل ٔبان ٔاخبار اآلحاد ال تفيد اال الظن ً‬
‫مطلقا‪.‬‬ ‫ٕ‬
‫ٔ‬ ‫ٔ ٔ‬
‫‪ -3‬واالتجاه الثالث ‪ :‬هو من يقول ان اخبار اآلحاد تفيد في اصلها الظن‪ ،‬ولكن ٕاذا اجتمع لها من القرائن املعينة يمكن‬
‫ٔ‬
‫ان ترتفع ٕالى حد اليقين‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫برايكم‪،‬اي الثالثة ادق؟ نعم القول الثالث هو القول األدق واألصح‪ .‬وتبنى هذا القول طائفة من كبار علماء املسلمين من‬
‫مختلف حتى االتجاهات وليس من اتجاه واحد‪.‬‬
‫ً ً ً‬ ‫ًٔ‬
‫فنجد مثال ان ابن تيمية ينصر هذا القول نصرا كبيرا جدا وينقل عن غيره حتى من بعض املتكلمين‪ .‬نجد أن ابن حجر‬
‫ٔ‬ ‫ً‬
‫مثال في (نزهة النظر) في تناول حديث‪ ،‬يرجح هذا القول بشكل واضح ويرى ان القرائن ٕاذا انضمت ٕالى خبر اآلحاد ٕفانها‬
‫‪14‬‬
‫ٔ ً‬ ‫ترفعه الى اليقين‪ ،‬ويذكر ٔانواع هذه القرائن‪ .‬وذكره ألنواع القرائن في كتابه (نزهة النظر) ذكر رائع ًّ‬
‫جدا‪ ،‬ذكر انواعا من‬ ‫ٕ‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫القرائن املحتفة بالخبر‪ ،‬وهو ٕان كان حصرها في قرائن متعلقة بالصحيحين ٕاال انه يمكن ان يقاس عليها‪ .‬وهذا مبحث‬
‫ً‬
‫دقيق ومهم جدا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٔ‬ ‫ُ‬
‫خالصة القول ٕان اخبار اآلحاد تفيد الظن باعتبار األصل وتفيد اليقين باعتبار القرائن‪ .‬وهذا ما نجده في الواقع‪.‬‬
‫ًٔ ٔ‬ ‫ٔ ُ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫انت اآلن استعرض عشرة من الثقات الذين تعرفهم ُيخبروك باخبار‪ ،‬األصل انك تصدقها‪ .‬لكن ليس دائما انت تاخذها‬
‫ُ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫على محمل اليقين‪ ،‬او نقول األصل انك تعتبرها في حيز التصديق ما لم ياتي ش يء‪ .‬لكن لو جاءت قرينة معينة ت ٔوكد هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الخبر ستجد أنك تصدق بهذا الخبر تصديقا يقينيا‪.‬‬
‫ً‬
‫مثال زواج فالن‪ ،‬وفاة فالن‪ّ ،‬‬ ‫ٔ ٔ‬
‫تخرج فالن‪ ،‬مثل هذه‬ ‫وابرز امثلة على ذلك األمور االجتماعية القضايا االجتماعية‪ ،‬يعني‬
‫ٔ‬
‫األشياء اللي هي مبنية في العادة على األخبار‪ ،‬هذه األشياء ٕاذا انضمت لها بعض القرائن فانت تصل فيها ٕالى الخبر اليقين‬
‫ٔ‬ ‫ًٔ ٔ‬
‫القطعي‪ ،‬وهذا ما يجده كل الناس تقريبا او اكثر الناس ‪ٕ -‬اال املصابين بمرض السفسطة ‪ -‬لكن في األصل ان الناس ٕوان‬
‫ً ٔ‬
‫لم يعترفوا بوجود الخبر مصدرا‪ٕ ،‬اال انهم يعتبرون مثل هذه األخبار‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫فانت لو مثال كان لك جار‪ ،‬وانت سافرت ثم رجعت فوجدت أن الناس مجتمعون عند هذا الجار‪ ،‬وان هناك القرائن‬
‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫بحسب ُ‬
‫العرف التي تدل على وجود عزاء مثال في هذا البيت‪ ،‬وافتقدت احد األبناء وسالت عن االب فقال انه توفي مثال‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫قطعيا‪ٕ ،‬وان كان املخبر به‬ ‫البارحة ودفناه‪ ،‬والناس يبكون وما ٕالى ذلك‪ٔ ،‬فانت هذه القرائن تجعلك تعتبر هذا الخبر ً‬
‫يقينيا‬
‫صراحة هو شخص واحد‪.‬‬
‫وبالتالي حصر املعرفة اليقينية في األخبار املتواترة‪ ،‬هذا تجاوز كبير للطبيعة البشرية وللواقع الذي يتعامل به الناس‪.‬‬
‫ٔ‬
‫على اية حال يعني هذه ٕاشارة سريعة لقضية امكان املعرفة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ُ َّ‬
‫السنة والبدعة‬ ‫العنصر السادس ‪ :‬مصادر املعرفة بين اإلسالم والفلسفة وبين‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ ٔ‬
‫انا اعتقد ان هذا املبحث هو اهم مبحث في نظرية املعرفة‪ .‬والكالم الذي ذكرته قبل قليل فيه جزء من مصادر املعرفة‪،‬‬
‫يعني الكالم عن خبر اآلحاد وما خبر اآلحاد‪ ،‬فيه جزء من مصادر املعرفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٔ‬
‫كما اسلفت سابقا‪ ،‬محاضرتنا هذه منهجية‪ ،‬وليست محاضرة ثقافية‪ ،‬ليست محاضرة معلومات‪ ،‬يعني ليس القصد هنا‬
‫ٔ‬
‫استقصاء املذاهب الفلسفية وابرز القائلين بها وكل اتجاه من يمثله وما ٕالى ذلك‪ ،‬ال هنا نحن نتكلم عن منهجية املعرفة‬
‫في اإلسالم‪.‬‬
‫ٔ‬
‫مصادر املعرفة في اإلسالم ثالثة مصادر‪( .‬احد الحضور)‪ :‬الكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫صحيح‪ ،‬لكن هذه كلها تفاصيل داخل مصدر واحد وهو مصدر الخبر‪.‬‬
‫مصادر املعرفة في اإلسالم‪ :‬الخبر والعقل والحس‪.‬‬
‫هذه باعتبار االتفاق‪ ،‬يعني باعتبار األساس‪ .‬هذا الكالم معروف ودائما ُيقال‪.‬‬

‫قضية ٕانكار الخبر مصدر للمعرفة‬


‫ُ‬ ‫ٔ ُ‬
‫لكن قد ال يكون لدينا من األدوات الحجاجية ما يجعلنا نستطيع ان نثبت ذلك مع املخالف‪ .‬ونحن قد ذكرنا في بداية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫املحاضرة انه من اهمية الحديث عن نظرية املعرفة وجود مخالفين ال يعتبرون مثال الخبر مصدرا للمعرفة‪ .‬وهذا موجود‬
‫ٔ‬
‫اآلن في كثير من املالحدة‪ ،‬ال يعترف بوجود األخبار التاريخية‪ ،‬ال يعترف بوجود املعرفة التاريخية او األخبار بشكل عام‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬
‫فانت تحتاج إلثبات كون الخبر مصدرا من مصادر املعرفة‪ ،‬او على األقل تحتاج ان تبين مستنداتك انت‪ ،‬بمعنى أن تكون‬
‫ً‬
‫مقنعا حين تبين أن الخبر مصدر من مصادر املعرفة‪ .‬يعني على ماذا يستند قولك باعتبار تصديق األخبار؟ على ماذا‬
‫يستند قولك؟ العقل؟ الفطرة؟‬
‫ً‬ ‫ٔ‬
‫طيب دعونا ننظر للقضية من جهة اخرى‪ ،‬جهة العكس‪ .‬ماذا لو تم ٕالغاء الخبر مصدرا من مصادر املعرفة‪ ،‬ما الذي‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ُيصبح في الكون والحياة؟ يعني ٔ‬
‫السوال بطريقة اخرى هل يمكن ان تقوم للناس حياة اجتماعية؟ حياة علمية؟ حياة‬
‫ً‬
‫معرفية بدون اعتبار الخبر مصدرا؟ ال‪.‬‬
‫ٔ‬
‫املخالف هنا ال يخالف باعتبار العقل ٕوانما ُيخالف باعتبار الحس‪ٕ ،‬وان كان هذا يتنزل في الحس‪ ،‬فالحس ٕاشكاله انه ال‬
‫ُيدرك الكليات‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫طيب اآلن من ابرز من ُيشكك في اعتبار الخبر مصدرا للمعرفة؟ املغالون في مصدر الحس‪ ،‬هم اكثر ناس يغالون في رد‬
‫مصدر الخبر‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ٔ‬
‫طيب ٕاذا دخلنا في وسطهم‪ ،‬على ماذا بنى اكثرهم يعني ‪ %95‬منهم‪ ،‬على ماذا بنوا ٕايمانهم بالنظريات العلمية؟ على التجربة‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ام على الخبر؟ على الخبر؛ ألن الذين يقومون بالتجارب هم اشخاص محددون ‪ -‬دعك من التجارب الصغيرة الجزئية هذه‬
‫ٔ‬ ‫ُ‬
‫اللي تعملها في درس الكيمياء في االبتدائي وفي املتوسط ‪ -‬التجارب الكبرى املتعلقة بالعلوم‪ ،‬عادة تعمل من اشخاص‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫محددين‪ ،‬بعض التجارب الكبرى لم يعملها ٕاال شخصان‪ .‬فهذه التجارب يعملها شخص او شخصان او ثالثة او مجموعة‪،‬‬
‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬
‫في ٔومن بها باعتبار انها منقولة خبرا‪ٕ ،‬وان كان يصنفون ان هذا منتمي ٕالى فضاء التجربة‪ ،‬وهو‬ ‫ويتناقلها البقية بالخبر‪ُ ،‬‬
‫ٔ‬
‫ليس كذلك‪ .‬هو كذلك باعتبار اصله ولكن باعتبار اإليمان به‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ٕفان قال‪ :‬ولكن اصله تجريبي‪ ،‬نحن نقول‪ :‬ال نتكلم عن اصله نحن نقول‪ :‬نتكلم عن ٕايمانك انت‪ ،‬انت كيف صدقت بهذا‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫األمر؟ انت لم تجربه بنفسك‪ ،‬انت صدقت به بناء على خبر‪ .‬اليس كذلك؟‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ُٔ‬
‫ٕاذا الغيت الخبر من الوسط فانت قطعت كل عالقة لك بالتاريخ‪ٕ ،‬اال اشياء مستثناة جدا ال تكاد تذكر‪ ،‬وهذا ال ُيلغي‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ً ٔ‬ ‫ً‬
‫فقط كتابا‪ ،‬هذا ُيلغي علوما باكملها‪ ،‬هذا ُيلغي امتدادات تواريخ العلوم كلها‪ ،‬وهذا ما ال ُيعترف به في اي مكان علمي او‬
‫معرفي محترم‪.‬‬
‫ً‬
‫وبالتالي ٕالغاء كون الخبر مصدرا للمعرفة‪ ،‬هذا اإللغاء ٔيودي ٕالى تعطيل كل ش يء في الحياة‪.‬‬
‫ٓ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫األمور االجتماعية‪ :‬اول ش يء يتعطل في قضية الخبر ٕاذا عطلت الخبر هو النسب‪ ،‬فالناس ٕانما ٔيومنون بانسابهم وابائهم‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٓ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫وامهاتهم بناء على الخبر‪ ،‬نسبة الذين يريدون ان يعترفوا بابائهم وامهاتهم بـ ‪ DNA‬هم نسبة اقلية من البشر‪ ،‬وعادة ما‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫تاتي باعتبار وجود الشك‪ٕ ،‬واال في األصل انه الناس تقوم بانسابها باعتبار الخبر‪ .‬نعم يوجد قرائن اخرى بال شك‪ ،‬ولكن‬
‫في األساس هو القضية الخبرية‪.‬‬
‫اعتبارك لكل التحوالت االجتماعية على مستوى األفراد هو مبني على األخبار‪ .‬نعم هناك بعض األشياء ولكن كثير منها‬
‫مبني على األخبار‪.‬‬
‫ٔ‬
‫فقضية ٕانكار الخبر مصدر للمعرفة هي في الحقيقة ٕانكار ملا هو معلوم ‪ -‬نستطيع ان نقول ‪-‬من جل البشر بضرورة‬
‫ً‬
‫وجوده وبضرورة اعتباره‪ٕ ،‬واذا عرفنا مستند تصنيف األخبار ٕالى صدق وكذب سيزيدنا هذا ٕايمانا باعتبار الخبر مصدرا‬
‫للمعرفة‪.‬‬

‫شروط صحة الخبر‬


‫ٔ ٔ‬
‫صدق به؟ انا ال اتكلم اآلن‬‫السوال التالي‪ :‬على ماذا نبني قولنا ٔبان هذا الخبر صحيح ٔاو هذا الخبر صادق‪ ،‬وبالتالي ُن ّ‬
‫لذلك ٔ‬
‫ٔ ٔ‬
‫عن التفاصيل التي هي مثل التفاصيل املتعلقة بعلم الحديث‪ ،‬هذه شروط تفصيلية زائدة‪ ،‬لكن انا اتحدث بشكل عام‪،‬‬
‫ً ٔ‬
‫حتى في األمور االجتماعية وفي غير ذلك‪ .‬على ماذا ُيبنى تصنيف الخبر ٕالى كونه صحيحا او غير صحيح وبالتالي تصديق‬
‫الصحيح وعدم التصديق بالضعيف؟‬
‫‪17‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ ً‬
‫‪ -1‬اوال صدق املخبر‪ ،‬سواء مخبر بواسطة واحدة او واسطتين او ثالثة‪.‬‬
‫‪ -2‬ممكن نقول ٕامكان الوقوع‪ٕ ،‬امكان الخبر؛ يعني عدم استحالة متعلق الخبر‪.‬‬
‫وهذان األمران هما األساس‪.‬‬
‫ٔ‬
‫‪ -3‬األمر الثالث تكميلي وهو انتفاء القرائن النافية لصحة الخبر او املشككة بصحة الخبر‪.‬‬
‫ٔ‬
‫فيمكننا ان نقول بناء على هذه األمور الثالثة املجتمعة تصنف األخبار ٕالى مقبولة ٕوالى غير مقبولة‪ٕ ،‬الى صحيحة وغير‬
‫صحيحة ‪.‬‬
‫هذا في الجملة‪ٕ ،‬اذا دخلت في كل علم بعينه ستزيد بعض الشروط‪ ،‬ففي الحديث تتكلم عن انتفاء الشذوذ و العلة‪ ،‬في‬
‫ٔ‬
‫التاريخ مثال ستخفف من بعض الشروط و تزيد من اخرى‪ ،‬يعني بحسب العلم‪.‬‬
‫ً‬
‫صادقا‪ ،‬كون الخبر ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ممكنا‪ ،‬وكون هناك‬ ‫‪ -4‬يمكننا ان نزيد ايضا فنقول‪ :‬وجود الوسيلة املتصلة بالخبر‪ :‬يعني كون املخبر‬
‫ُ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ ٔ‬ ‫ٔ‬
‫وسيلة او اتصال بطريقة او باخرى مع طبيعة الخبر او مع الخبر امللقى‪.‬‬
‫ً‬ ‫ًٔ‬ ‫ٔ ً ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫مورا اربعة متعلقة بكون الخبر صحيحا او ضعيفا‪.‬‬ ‫فعندنا نستطيع ان نقول ان هذه ا‬
‫ٔ ُ‬ ‫ً‬ ‫صال ألن نصف ا ً‬‫ٔ ً‬ ‫ُٔ‬
‫نسانا بكونه صادقا‪ ،‬يعني يجب ان تلغى كلمة الصدق من القاموس‬ ‫ٕ‬ ‫ٕاذا الغي الخبر من املعرفة‪ ،‬فال فائدة ا‬
‫ٔ‬ ‫ٔ ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ألنه ال فائدة ٕاذا قلت ٕانسان صادق ثم لم تعتبر ان لصدقه اي اثر على خبره‪ ،‬اليس كذلك؟‬
‫ً‬
‫فما الفائدة من تصنيف الناس ٕالى صادق وكاذب‪ٕ ،‬اذا كان الخبر لن ُيقبل منه‪ .‬فمقتض ى كون الصادق صادقا هو الصدق‬
‫فيما يخبر‪ٕ ،‬فاذا اجتمع مع ذلك اتصاله بالحدث‪ ،‬واجتمع مع ذلك ٕامكان وقوع الحدث‪ ،‬واجتمع مع ذلك انتفاء القرائن‪،‬‬
‫ّ‬
‫فبالتالي ال وجه عقلي وال منطقي وال حس ي وال اعتباري وال معرفي إللغاء متعلق هذا الخبر أو اإليمان والتصديق بهذا‬
‫الخبر‪.‬‬

‫اإليمان بالوحي‬
‫بناء على ذلك كله نقول ٔان اإليمان بالوحي هو فرع عن اإليمان بكون الخبر ً‬
‫مصدرا من مصادر املعرفة‪.‬‬
‫ٔ ُ‬ ‫ٔ ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ولكن للوحي طبيعة معينة يجب ان نضيفها او ان نذكرها في قضية الخبر‪ ،‬ما هي؟ هي في شان املخبر‪ ،‬املخبر بالوحي هو‬
‫ً ً‬
‫مخبر مختلف اختالفا تاما عن املخبرين من الناس‪.‬‬
‫ٔ ٓ‬ ‫ّ‬
‫فنحن قلنا ٕامكان وقوع الخبر باعتبار املخبر به‪ٕ ،‬فاذا كان املخبر من البشر بوقوع ش يء محدد هو شاهده او راه‪ ،‬فيجب‬
‫ُ ّ ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ان يكون في اإلطار املقبول اإلطار البشري‪ٕ .‬اذا كان املخبر او الخبر ينتهي ٕالى خالق السماوات واألرض‪ٕ ،‬الى خالق الكون‪ٕ ،‬الى‬
‫خالق اإلنسان‪ ،‬فهذا يزيد في دائرة قبول األخبار‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫ٔ‬ ‫ً ً‬ ‫ُٔ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فمثال املعجزات‪ ،‬مثل كون النبي ﷺ اسري به‪ ،‬نحن تصديقنا بهذا الخبر ليس تصديقا مبنيا على ان النبي ﷺ لديه قدرات‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬
‫خارقة في ذاته‪ .‬لذلك (ريتشارد دوكنز) مثال عندما يعرض القضية بطريقة مغالطة رجل القش‪ ،‬بطريق انكم ٔتومنون ان‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫رجل ركب فرس له اجنحة طائرة وطار‪ ،‬نحن ال ٔنومن بهذه الطريقة هذا تسطيح للقضية‪ ،‬نحن ٔنومن ان هللا الذي خلق‬
‫ٔ‬ ‫السماوات واأل ض هو الذي ّ‬
‫قدر ذلك‪ ،‬هو الذي احدث هذه املعجزة‪.‬‬ ‫ر‬
‫ٔ‬
‫طيب باعتبار استدالالتنا الكثيرة على وجود هللا سبحانه وتعالى وعلى قدرته وكماله‪ ،‬بهذا االعتبار‪ ،‬هل يمكن ان ُتقارن‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫قضية ان ُيطار ٕبانسان من مكان ٕالى مكان او ُيصعد به من السماء لألرض‪ ،‬او قضية ٕانشاء هذا الكون كله من العدم؟‬
‫ً ٔ‬ ‫يعني اإليمان ٕبانشاء الكون كله من العدم ٔوان القادر هو الذي ٔاوجد هذا كله‪ُ ،‬ي ّ‬
‫سهل عليك جدا ان ٔتومن بتفاصيل‬
‫ٔ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫املعجزات‪ ،‬فهي فرع عن اإليمان بخالق هذا الكون كامال؛ يعني تستنكر املعجزات بناء على انها تخالف قوانين معينة‬
‫ٔ‬ ‫ٔ ٔ ٔ‬ ‫ٔ‬
‫كونية اليس كذلك؟ طيب ٕاذا انت اثبت ان هذه القوانين الكونية هي من نفس الخالق الذي احدث هذه املعجزات‪ ،‬يعني‬
‫ُ‬ ‫ٔ‬
‫انت هنا تحدث نوعا من التوازن‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بالتالي تسطيح مثل هذه القضايا هو تسطيح أحيانا ال ُيالحظ‪ٕ ،‬اذا َّ‬
‫انجر اإلنسان للصورة الجزئية التي تطرح فيها‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫ٔ‬
‫يعني هذا اآلن ما ذكرته في هذه املحاضرة املختصرة‪ ،‬تعتبر ٕاشارات اساسية منهجية في باب نظرية املعرفة‪.‬‬
‫يكمل الحديث هنا ٕاال بتكميله بقراءة‪ ،‬بالتوسع املنهجي والتوسع املعلوماتي‪:‬‬‫ال ُ‬
‫ٔ‬
‫~ ومن الكتب التي ارشحها للتوسع املعلوماتي‪( ،‬كتاب مصادر املعرفة في الفكر الديني الفلسفي)‪ ،‬محاضرة الشيخ‬
‫عبدهللا العجيري) موجودة في اليوتيوب ( مدخل ٕالى فهم نظرية املعرفة)‪ ،‬فيها قدر من املعلومات جيد وجميل ويعطي‬
‫املعلومات الفرشية هذه‪.‬‬
‫~ على املستوى املنهجي هذان الكتابان‪ :‬كتاب (املعرفة في اإلسالم) للدكتور عبدهللا القرني‪ ،‬وكتاب (منهج ابن تيمية‬
‫املعرفي) ‪ ،‬كذلك كتاب (مدخل لنظرية املعرفة) ‪.‬‬
‫ٔ‬
‫يعني اإلنسان يجب ان يهتم بهذا املوضوع خاصة في ٕاطار التكوين املنهجي‪ ،‬وفي ٕاطار اعتبار األرضية املعينة ملناقشة‬
‫املشككين واملخالفين‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫أسال هللا سبحانه وتعالى ان يبارك في هذه املادة وان يتقبل منا صالح العمل‪ ،‬وان يتجاوز عن التقصير والخلل‪ ،‬وصلي‬
‫ٔ‬ ‫ٓ‬
‫اللهم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫القناة ُيشرف عليها عدد من طالب وطالبات برنامج البناء‬
‫املنهجي‪ .‬توفر لكم‪ :‬امللخصات‪ ،‬التشجيرات‪ ،‬التحويالت‬
‫الصوتية‪ ،‬مقاطع الفيديو‪ ،‬شرح األبيات‪ ،‬وتفريغ املحاضرات‬
‫املرئية والصوتية وتنسيقها بشكل مميز‪.‬‬

‫رابط القناة‬
‫‪https://t.me/sohbah‬‬

‫‪20‬‬

You might also like