Professional Documents
Culture Documents
اشــــكـــالــــيــة الـــمــنــــهــــج
من إنجاز األستاذات
المتدربات
فاتحة إدريسي ظريفة بوقيش
جهان حوران كبيرة اوغالم
معناها الطريق أو المنهج الذي يؤدي إلى هدف ما .و في اللغة العربية فالمنهج هو الطريق الواضح .أما في
االصطالح ،فالمنهج هو مجموعة من الخطوات الفكرية و الطرق العلمية التي يسلكها الناقد أو الباحث في
فرع من فروع المعرفة للوصول إلى نتائج معينة .و من هنا فكل بحث علمي يجب أن يعتمد على منهج محدد
يقوم على فرضيات أو مسلمات و يستعمل جملة من المفاهيم و المصطلحات للوصول إلى قوانين موضوعية .
:و يبدو أن أرسطو هو أول من استعمل كلمة منهج و أسسه على دعامتين أساسيتين
.األولى منطقية ،تبدأ بالمسلمات ثم تنتقل إلى طبقات االستنتاج المنطقي الصارم لتنتهي بالنتائج
و دعامة إجرائية تبدأ بالمشاهدة الدقيقة ثم تنتقل إلى استنباط التعميمات في سلم تتصاعد درجاته حتى تصل إلى
المبادئ األولية ،و يعني هذا التصور األرسطي أن الباحث يكتشف اإلستقراء ثم يؤسس معرفة في شكل
.استنتاج
أـنواـع لاــمنهج – 2
في بداية العصر الحديث ظهرت نظريات متعددة في المنهج على يد كل من فرنسيس
بيكون و ديكارت و راسل و ميل ستيوارت و غيرهم ،و هكذا نجد بيكون في كتابه
ًاألورغانون الجدي ًد يركز على اإلستقراء التجريبي الذي يعتمد على المالحظة و
المشاهدة ثم القيام بمختلف أنواع التجارب ،خالفا ألرسطو الذي ينطلق من
.معطيات نظرية
ومن هنا نقول بأن المنهج هو مجموع العمليات العقلية والخطوات العملية التي يقوم
بها الباحث بهدف الكشف عن الحقيقة أو البرهنة عليها بطريقة واضحة وبديهية
تجعل المتلقي يستوعب الخطاب دون أن يضطر إلى تبنيه .وازدواجية الجانب
العقلي والعملي يقودنا إلى الحديث عن المنهج اإلستقرائي واإلستنباطي والتفاعلي
.باعتباره مزج بينهما
أ -المنهج اإلستقرائي(الوضعي)
اإلستقراء هو نمط من اإلستدالل ينتقل بموجبه الفكر من مالحظة ودراسة حالة أو حاالت جزئية إلى
.استخالص حكم يتم تعميمه على باقي الحاالت المتشابهة مع الحالة المالحظة
وبعبارة أخرى ،فاإلستقراء هو كل استدالل ينتقل فيه الباحث من الخاص إلى العام أو من الجزء إلى
الكل أو من المحسوس إلى المجرد .فهو يتأسس على التصور اإلبستيمولوجي الوضعي اإلختباري،
الذي يؤمن بضرورة اإلنطالق من األحداث القابلة للمالحظة .ويعتمد اإلستقراء على الوصف أي رصد
ما نالحظ من أشياء ووقائع وظواهر ،وما ندركه من عالقات متبادلة بينها وتصنيفها وتصنيف
خصائصها وترتيبها واكتشاف اإلرتباط بينها ،وتعتبر مرحلة المالحظة من أهم الوسائل لبناء المعرفة
.وتكوينها داخل هذا المنهج
انه كشف دالالت المعطيات الحسية باإلعتماد على المالحظة والتجربة .فالمالحظة تقتضي في المنهج
اإلستقرائي أن يبقى الباحث أو الذات العارفة خارج الظاهرة التي يدرسها ،ويكتفي بمشاهدتها كما تقع
.في الطبيعة
.إذن فالباحث في هذا المنهج ينطلق من الواقع للوصول إلى النظرية
ب – المنهج اإلستنباطي(العقالني)
اـإلستنباط هو عملية استداللية تتأسس على التصور العقالني الذي يؤمن بضرورة اإلنطالق
من أسبقية الفكر على كل موضوع أو حدث معروف .فهو ينتقل من اـلعام إلى اـلخاص أو
من الكل إلى الجزء ،وهو منهج يقوم على التأمل واإلستنتاج انطالقا من أفكار وتصورـات
قبلية ،وهو يختلف عن المنهج اإلستقرـائي في كونه ال ينطلق مباشرة من المالحظة بل
.يعتبر الحدس أو البداـهة من أهم اـلوسائل لبناء المعرفة وتكوينها
وهكذا نصل إـلى أن اإلستنباط كمنهج فكريـ ،ارتبط بمرحلة الفكر الميتافيزـيقي حين كان
.اإلنسان يعتمد فكره المقياس الوحيد لكل حقيقة معرفية
وعلى هذاـ األساس ،نشأت اإلبستيمولوجية العقالنية في مختلف صورـها ومستوياتها.
وكانت المعرـفة خاضعة في كل تجلياتها إـلى أحكام المنهج اإلستداللي اـلذي ينطلق من
مخيلة اإلنسان ،ولذلك كان اإلستدالل كمنهج استنباطي يبحث في األمور المنطقية ناظرا
.في ارتباط المقـدمات بالنتيجة برباط معين بحيث إـذا قبلنا المقدمات ،قبلنا النتيجة
.ولإلستدالل أدوات عدة من أهمها اـلقياس واـلتجرـيب الـعقلي
ب – - 1القياس
هو استدالل ننطلق فيه من مقدمات مسلم بها للوصول إلى نتائج مسلم بها
بالضرورة ،أي أنه اليضمن صحة النتيجة ،على عكس البرهنة الرياضية التي
.تنطلق من مقدمات صادقة بالضرورة للوصول إلى نتائج مضمونة الصحة
وقد اهتم أرسطو بهذه األداة وطور طريقة استنباطية نتوصل بها إلى خالصات عن
طريق اإلستدالل المبني على المقدمات الموضوعية األكثر ارتباطا بالواقع .وقد
:حدد أربعة مبادئ اعتبرها شاملة
مبدأ الهوية أو الذاتية ،أي أن الشيء هو نفسه .
مبدأ عدم التناقض ،أي أن الشيء ال يحتمل حكمين متناقضين في نفس الوقت.
مبدأ الثالث المرفوع أي أن الشيء البد أن يكون له صفة ما أو نقيضها .
مبدأ العلية أي أن لكل حدث سببا ولكل معلول علة.
ب – – 2أداة التجريب العقلي
المقصود به أن يقوم اإلنسان داخل عقله بكل الفروض أو الفرضيات
والتحقيقات التي قد ال يتمكن من القيام بها خارجه .
وقد دافع عن هذا المبدأ ديكارت بقوله“:إنني أستطيع أن أستغني عن أية
تجربة فيزيائية خارجية ألنني أقدر أن أركب في ذهني كل العمليات
الممكنة’’.
ج – المنهج التفاعلي
و هو من المناهج التي تأخذ بعين اإلعتبار كل التفاعالت المحتملة بين عمليتي
.اإلستقراء واإلستنباط من أجل تكوين معرفة موضوعية
وهو منهج يتأسس على التصور العقالني المطبق .وبالنسبة للتفاعليين وعلى
رأسهم باشالر ،فإن المعرفة تتكون عن طريق تفاعل كل من الذات
.والموضوع .وأن األسبقية هنا تصبح أمرا غير وارد
وإذا كان اإلستقراء ينطلق من الموضوع أو الحدث في عملية بناء المعرفة،
فإن اإلستنباط على العكس من ذلك ينطلق من العقل/الذات ،ومن عملياته
المختلفة لتكوين المعرفة وبنائها ،أما في المنهج التفاعلي ،فإن عملية بناء
.المعرفة تعتمد على انصهار المنهجين السابقين وعلى تفاعلهما
لاــمنهج فــيـ لاــنقد لاــعـربي3-
الكثير من النقاـد ينظرون للمنهج على أنه مجرد أداة إجرائية في دراسة النصوص
والموضوعات ،جاهلين أو متغافلين أن كل مصطلح أو منهج إال ويحمل في طياته
حتميا خلفية فكرية تختصر نفسها ورؤيتها وتحلـيلها من خالل المصطلح النقدي
.والمنهج الذي يالئمه ويستعمل في إطاره
وفهم المنهج على أنه مجرد أداة هو فهم سطحي وتمث ٌل ناقص للـمنهج وطبيعته ،وفي هذا
المجال يقول الناقد عباس الجراري“:لقد شاع أن المنهج مجرد وسيلة للبحث عن
المعرفة....أي مجرد خطة مضبوطة بقواعد ومقاييس وطرق تساعد على التوصل إلى
الحقيقة وتقديم الدليل عليها .هذه مجرد أدوات إجرائية وهي ال تمثل إال جانبا واحدا من
المنهج-الجانب المرئي ... -إلى أن يقول بأن هناك جانب آخر غير مرئي باعتبار
المنهج أوال وقبل كل شيء وعياـ ينطلق من مفاهيم ومقوالت وأحاسيس ذاتية وتنتج
عنه رؤية ويتولد عنه تصور وتمثل لـلهدف من المعرفة .إذن من هذين الجانبين ،أي
.المرئي والـالمرئي ،يتكون أي منهج صحيح من حيث هو منظومة متكاملة ومتناسقة
لاــمنهج فــيـ لاــعلومـ اـإلجتماعية – 4
إن اإلنسان بما وهبه هللا من عقل وفكر قادر على التفكير بطريقة مكنته من أن يصنع ويخترع ويخطط من
“خالل ما يستخدم من مناهج تساعده في ذلك “المنهج التجريبي
وقد ظهرت المدرسة الوضعية على يد أوجيست كونت الذي نادى بوحدانية المنهج ،بمعنى دراسة
.الظواهر اإلنسانية بالمناهج التي تدرس بها العلوم الطبيعية
وقبل ذلك كانت اإلشكالية المنهجية لدى المفكرين السابقين ،حيث كان ديكارت يرى أن أسس المنهج تكون
عقلية ،وعلى النقيض منه يرى بيكون أن أسس المنهج يجب أن تكون تجريبية .وبعد ما طرح كونت،
زادت إشكالية المناهج في العلوم اإلنسانية وأصبح لدينا فريقان من العلماء والمفكرين ،فريق يرى أن
العلوم اإلنسانية يمكن دراستها بالمناهج التي تدرس بها العلوم الطبيعية(المناهج التجريبية) ،وفريق
على النقيض من ذلك يرى أن المناهج المستخدمة في العلوم الطبيعية غير صالحة لكي تستخدم مع
الظواهر اإلنسانية ،وذلك نظرا إلختالف الظواهر الطبيعية عن اإلنسانية ،لكون هذه األخيرةـ تدرس العالم
.الداخلي في حين تدرس العلوم التجريبية العالم الخارجي
وقد ظهرت العديد من اإلتجاهات التي نادـت برفض الوضعية وتبني اإلتجاهات العقلية في دراسة الظواهر
اإلنسانية حتى أنهم اتهموا الوضعية بأنها اختزلت العلم إلى مجرد علم للوقائع ،وأنها نفت األسئلة
.المتعلقة باإلنسان من قاموسها ،فهي تشيئ اإلنسان وتجرده من إنسانيته
منهج لاــبحث لاــتربوي– 5
أ– تعريف العلم :العلم يقوم على المعرفة الموضوعية التي تتحقق بفضل أسس ومبادئ عامة
وفهم أحسن لكل ما هو موجود باقتراح تفسيرات جديدة
ٌ للتفكير العلمي وغايته معرف ٌة
ب – المنهج العلمي :هو أداة لتطوير العلم ،حيث أن التطور الذي عرفه هذا األخير تم بناؤه
على وضع أسس دقيقة ومنهجية للبحث والدراسة واالستقصاء .فكل العلوم التي كانت تحدد
منهجا خاصا بها تنجح في تحقيق اكتشافات مهمة وفتوحات مفصلة
ج – خطوات المنهج العلمي التربوي :المعرفة العلمية تكتسب بالتجربة اعتمادا
:على منهج علمي يكشف عن القوانين العامة و يقوم على خطوات أساسية
المالحظة :هي المشاهدة والمراقبة الواعية والموضوعية والهادفة للظاهرة قصد تكوين
جملة من المفاهيم أو الحوادث العلمية .
الفرضية :هي اقتراح تفسير مؤقت للظاهرة ،إذا أثبتت التجربة صحته أصبح قانونا
عاما ويشترط فيها أن تستمد من نتائج المالحظة .
التجريب :إحداثـ ظاهرة معينة ضمن ظروف وشروط يصطنعها الباحث قصد التأكد من
صحة الفرضية التي اقترحها .
القانون :وهو تحديد العالقة الثابتة بين ظاهرتين أو أكثر .
الخاتمـــــــــــــــة
بناء على ما سلف ذكره ،يمكن القول بأن المناهج المتبعة في البحث العلمي
منذ العصر القديم إلى عصرنا هذا ،كثيرة ومتنوعة ،فمنها ما يعتمد على
اإلستقراء ،ومنها ما يعتمد على اإلستنباط دون إغفال المناهج الفرعية التي
تنضوي تحت كل منهما(وصفي ،تحليلي ،تاريخي )....وكذا ما يعتمد على
.المنهج التفاعلي
ويبقى على الباحث أن يحسن اختيار المنهج الذي يالئم القضية أو الظاهرة
التي يود أن يبحث فيها دون أن ينسى أو يتغافل على أن ما قد يصلح لبحث
.ما قد ال يصلح لبحث آخر