Professional Documents
Culture Documents
إلى كل األصدقاء.
.الى كل زمالئي وأصدقائي األعزاء
2
فليطل لســــانك بالشـــــــــــكر إذا عجزت يداك عن اإلسداء
و أنا ال أملك سوى تقديم عباراة الشكر و اإلمتنان إلى فضيلة األستاذ الجليل الدكتور إبراهيم عبد هللا
البورشاشن الذي أشرف على إنجاز هذا العمل المتواضع و نبهنا أحسن تنبيه ووفانا بنصائحه النيرة و
توجيهاته الرشيدة .
فإليه الشكر الجزيل و التحية العالية مع التقدير البالغ و أرجو من هللا أن يجعله للطلبة و الباحثين خير
.واتقدم بشكري وامتناني الى كل اساتذتي الذين تعلمت على ايديهم الشيء الكثير
3
مقدمة
عرفت الفلسفة السياسية منذ اليونان مسألة متعلقة بمعرفة من ه و الح اكم الش رعي؟ من ال ذي يس تحق
السلطة شرعا ؟ .وقد أدت المسافة المؤدية إلى جون جاك روسو إلى ظهور ج واب له ذا التس اؤل :وم ا إن
تمت بلورة هذا الجواب (من خالل مصطلحات من قبيل س يادة الش عب) ،وم ا إن نجحت الفلس فة السياس ية
في مشروعها ،حتى فسحت المجال لزحزحة أسئلتها ،فتم التساؤل عن طبيعة العالقات ال تي ينبغي أن تق وم
بين الدولة والمجتمع (الشعب) ،وفي هذا السياق ومع بداية السبعينيات برز"جون راولز " jon rowlsفي
الفلسفة السياسية معطيا لها نفسا جديدا ،من خالل كتابه "نظرية في العدالة " الذي نشره سنة 1971م.
يعتبر"ج.راولز" من أهم المنظ رين للفلس فة السياس ية ومن خالله ا للعدال ة كنظري ة ومفه وم ،لق د
كانت الفلسفة األنجلوسكسونية إلى حدود عام ،1971خاضعة للفكر التحليلي مكرسة بذلك للمنطق الفلسفي
اإلبستمولوجي ،أما الفلسفة السياسة فكانت غير م ؤثرة بش كل عمي ق في التقلي د األنجلوسكس وني حيث بقي
المذهب النفعي المؤثر من الناحية األخالقي ة والسياس ية ،إال أن ه م ع بداي ة نظري ة راول ز للعدال ة ،ع رفت
الفلسفة السياسية إنتعاشة واضحة وهذا ما سيحاول هذا البحث رصده من خالل قضيتي الوض ع األص لي و
مبدأي العدالة عند راولز ،ودورهما في تحريك ودينامية الفلسفة عموما ،ومدى إمكانية نجاحهما في تحقي ق
مجتمع ديمقراطي وعادل.
يتقاطع مفهوم "الوضع األصلي" في نظرية العدالة مع "الحالة الطبيعية" في النظرية التقليدية للعق د
اإلجتماعي ذلك أن النظريات التعاقدي ة تف ترض حال ة الفوض ى ،الح رب واإلض طراب ال تي ك ان يعيش ها
األفراد في حالة الطبيعة ،إلى هنا يب دو الوض ع مم اثال لمفه وم الوض ع األص لي ،لكن راول ز يط رح بع دا
جديدا في نظريته إنه "حج اب الجهل " la voile d’ignoranceإال أن األش خاص المتفاوض ين ال ذين
تصورهم راولز قد إجتمعوا ليتوصلوا إلى مبادئ للعدل الذي س يوجه نش اطهم مس تقبال ،يجهل ون في نفس
الوقت كل شيئ عن نفسهم .إن ما توخاه راول ز من إض افة ه ذا البع د الجدي د (حج اب الجه ل) ه و أن تتم
عملية التفويض في جوّ محايد تماما ،ويحول دون أن يتميز أحد من المتفاوضين بأوضاعه الخاصة ،وبه ذا
المعنى يمكن القول أن إختيارهم لمب ادئ العدال ة خل ف ه ذا الحج اب ،طالم ا أن ك ل المتفاوض ين يجهل ون
أوضاعهم الخاصة فإن ه ال خ وف من ش خص يط رح مب ادئ غ ير موض وعية تخ دم مص الح البعض على
حساب مصالح األخرين ،هذا هو ما يسميه راولز "الوضع األصلي " la position originelleفي هذا
الموقف تكون هناك مجموعة متفاوضين ،كل فرد فيها يتميز بالحكمة العام ة والجه ل الخ اص وك ل واح د
4
منهم يس عى إلى تحقي ق مص لحته الشخص ية ،لكن ه يج د نفس ه ع اجزا على التمي يز بين مالمح ه ومالمح
األخرين ،وفي ظل هذا الوضع ال بد لهم من أن يحاولوا بلوغ مبدأي العدال ة ،بحيث تنتفي فيهم ا المفاض لة
بين األشخاص إلى أن يستفيد أيا كان ،بنفس الطريقة وبنفس الفرص ،ذلك أن أهمية نظرية العدالة ال تحقق
إال حينما تأخذ مصلحة الفئة األقل حرمانا واألكثر ض عفا ،فاإلنس ان تبع ا له ذين المب دأين ال يمكن ه القب ول
بمذهب يمكن أن يهدد أمن ه اإلجتم اعي ،ويعرض ه للقه ر في ي وم من األي ام من أج ل المص لحة العام ة أو
غيرها ،طالما أن هذا اإلنسان هو شخص عقالني وهدفه هو تحقيق مصلحته الخاصة ،مثلما هو ح ال ب اقي
اطراف الوضع األصلي ،إال أن هذين المبدأين جاء بعد أخذ و رد في إنتقائهم من بين عدة مبادئ ال تي ق د
تسمح بإمكانية قيام نوع من التفاوت بين الناس تدخل فيه مجموعة من اإلعتب ارات ،كاألص ول اإلجتماعي ة
والعرقية أو الجنسية وغيرها ،طبقية أو س لطوية مؤك دا ب ذلك على ض رورة التوزي ع المنص ف لل ثروات،
بمعنى أنه يجوز أن تكون فئة مستفيدة بإحدى الطرق السابقة،
واضح أن راولز استقى مفهوم العدالة التوزيعية من فلسفة أرسطو ،حيث تلتقي في كتابه الشهير(نظرية في
العدال ة) ع دة أطي اف فكري ة قاري ة وأنجلوساكس ونية ،وإس تفاد من كان ط "مف اهيم اإلس تقاللية والكوني ة،
واإلستعمال العمومي للعقل" كما يستحضر راولز نظرية العقد اإلجتماعي عند ج .ج .روس و وإن ك ان ق د
إعتبر نظريته على قدر كبير من التجريد.
هذا ما ساعده على تجاوز كل البنيات الفلسفية وبلورة نظرية جديدة للعدالة التي سيطرح من خالله ا
مشروعا نظريا لتجديد الليبرالية وإعادة التفكير في مستقبل الديمقراطية ،وهذا ما جعل خوض غمار البحث
في الفلسفة السياسية عموما ،ومفهوم "الوضع األصلي" و"مب دأي العدال ة" لهم ا أهمي ة كب يرة لم ا تطرح ه
مس ألة الالمس اواة الي وم من ظه ور ألش كال عدي دة من التفاوت ات اإلجتماعي ة واإلقتص ادية والديني ة
والعرقية...التي كانت وراء العديد من الصراعات اإلقليمي ة و الدولي ة .وفي ظ ل تعاض م األناني ة وتض خم
الفردانية وإنتشارالالمباالة السياسية.
إن تعدد المشارب التي نهلت منها نظرية راولز دفعته إلى إعتماد خطة منهجية يراعى فيها الكشف
عن مصادر نظريته وأهميتها وذلك وفق التصميم التالي:
الفصل األول يضم الجذور الفلسفية لنظرية العدالة عند راولز من خالل مبحثين:
األول يح دد كيفي ة تن اول أرس طو لمس ألة الخ ير والعلم السياس ي ومن خالل العلم السياس ي للعدال ة
التوزيعية .الثاني أخذ من فالسفة العقد اإلجتماعي ،روسو وكانط الذي يعد مجاال خصبا لظرية راولز ال تي
نهلت منهما بشكل واضح ،كما إعترف راولز نفسه بذلك من خالل كتابه "نظرية في العدالة".
5
أما الفصل الثاني يبرز فكرتين متك املتين يص عب ع زل الواح دة عن األخ رى ،هم ا فك رة الوض ع
األصلي ومبدأي العدالة ،يشكالن على التوالي فكرتين متكاملين:
األول يتلخص في فكرة الوضع األصلي وتعني حالة الجمود األولى التي تتض من عدال ة التواف ق األساس ية
التي يمكن التوصل إليها في مبدأي العدالة.
والثاني يتحدد في مبدأي العدالة اللذان يشكالن صلب نظرية راولز السياسية.
وهذا ال يعني أن راولز أقبر التفاوتات من خالل نظريت ه ،ب ل أق ر شخص يا بأن ه من الط بيعي أن تنتج
عن هذا النسق الموسع للحريات فوارق إجتماعية وإقتصادية بين الناس شريطة أن تنظم بالكيفية التالية:
من هنا يتضح أن هدفنا ه و محاول ة اإلجاب ة عن األش كاالت المتعلق ة بإمكاني ة تحقي ق مجتم ع ع ادل
يضمن ألف راده الحري ة والمس اواة ،بحيث تك ون الح دود المنص فة للتع اون موض ع تواف ق بين المواط نين
أنفسهم ،ما دام الدخول لمجتمع التعاون يفترض المرور بمرحلة الوض ع األص لي ك إجراء لع رض نظري ة
العدالة كإنصاف ،من ثم لمبدأي العدالة اللذين على أساسهما سيكون التوزيع منصفا بين أف راد المجتم ع ،ثم
سنتطرق الى الفيلسوف "مايكل ساندل" الذي وجه نقده الى راولز في كتابة "الليبيرالية وحدود العدالة".
في األخير ،سنخلص إلى بعض النت ائج ،م ع الت ذكير بأهمي ة البحث في الفلس فة السياس ية والحاج ة
الملحة للمجتمعات والشعوب لتج اوز ه ذا الوض ع (الفوض ى )...وذل ك لض مان الح د األدنى من المس اواة
وتكافؤ الفرص.
6
الفصل األول
األسس الفلسفيــــــــة لنظريـــة العدالـــــــــة
تــــــــــقديم :
تعد نظرية راولز من أحدث النظريات الفلسفية المعاصرة التي اهتمت بمجال الفلسفة السياسية ،ما
اعطاها ص البة وأص الة ه و إطالع ص احبها على مجم ل ال تراث الغ ربي في الموض وع ،من المرحل ة
اليونانية ،أرسطو تحديدا ،إلى فالسفة العقد االجتماعي.
في كتابه "نظري ة في العدال ة" خص ص ج .راول ز ج زء هام ا للح ديث عن المب دأ األرس طي (le
،)principearistotélicienكم ا خص ص الح ديث عن التأوي ل الك انطي للعدال ة كإنص اف (
، )l’interprétation kantienne de la justice comme équitéباإلضافة إلى الحضور القوي
لجون جاك روسو في مختلف فصول الكتاب .وإن كنت توقفت عن د أرب ع فالس فة فق ط ف ذلك ال يع ني أن
رولز لم يطلع على أغلب ما كتب في مجال الفلسفة السياسية في التراث الغربي.
ينطلق التصور األرسطي من أن السلوك األخالقي ال ي رمي إلى مج رد ض بط العالق ات اإلنس انية
فحسب أو يضمن لهم العدل والتكافؤ ،ب ل يه دف إلى غاي ة أس مى هي تحقي ق رغب ة اإلنس ان الطبيعي ة في
العيش السعيد والحياة الفاضلة .وهذا هو حال نظرية شاملة للخير في نظر راولز ،فلتحقيق الس عادة ،يتج ه
أرسطو نحو البحث في العالقات اإلنسانية أو ما يسميه بالحس المشترك ،وجعل من السياس ة العلم األس مى
الذي من خالله يمكن البحث في كيفية تأمين النظام للمجتمع وخاصة النظام في المعامالت البشرية والبحث
في األخالق وبالتالي البحث في الفضيلة بما هي إعراض عن الرذائل واتخاذ موقف وسط.
أم ا التص ور الك انطي فسيس تبدل (أخالق الس عادة) ب أخالق ال واجب والتص ور الغ ائي للس لوك
األخالقي بالتص ور اإلج رائي ل ه .ألن كان ط ي رفض تأس يس األخالق على مفه وم الس عادة باعتب اره من
7
األفكار المجردة التي ال مضمون محدد لها ،كما أنه يتماها مع الل ذة ال تي هي موض وع ذاتي ونفعي .ل ذا
فإن المبدأ المؤسس لألخالق ه و اإلرادة الح رة ال تي منحن ا ال وعي ب الواجب األخالقي ال ذي يحررن ا من
النوازع النفعية والميوالت األنانية ويضمن لنا التصرف كأفراد مس تقلين .ه ذا التص ور األخالقي ،بم ا ه و
تعبير عن الحرية إجرائيا في قوانين كلية ،مفه وم ح ديث لألخالق ال يخص كان ط وح ده ب ل نج د ج ذوره
ممتدة من نظريات العقد االجتماعي ،وبخاصة نظرية ج .ج .روسو.
لقد كان الشغل الشاغل لروسو ،كما لب اقي الفالس فة ك ل حس ب س ياقه وعص ره ،ه و إقام ة نظ ام
اجتماعي سياسي على مبدأ المساواة بين البشر ،حيث تختفي تخوم التفاوت وم ا يتبع ه من ظلم و نزاع ات.
ألن اإلنسان ،حسب روسو ،ولد حرا –اإلنسان الفرد حر طبيعي ا – وه و في األغالل في ك ل مك ان ،فه ذه
الحرية هي طاعة القانون الذي يضعه لنفسه وال يفرض عليه من الخارج.
8
أرسطو 384-322ق م
إذا كانت لجميع أعمالنا غرض نهائي نريد بلوغه لـذاته ،ومن أجلــه كن ا نطلب كــل البقيــة وإذا
كنا من جهة أخرى ،ال نستطيع في تصميماتنا أن نرقى دائما إلى سبب جديد ،وذلك مما يضيع به المرء في
الالنهاية ويجعل جميع رغباتنا عقيمة تماما وفارغة ،فمن الواضح أن يكون الغرض العام لجميع أمالن ا ه و
الخير والخير األعلى" :أن الخير يتبع العلم األعلى بل العلم األساس ي ،أك ثر من جمي ع العل وم
وه ذا علــى التحقي ق علــم السياس ة فإن ه في الواق ع ه و ال ذي يـعين م ا هي العلـــوم
1
الضرورية لــحياة المـمالك وما هي التي يجب على أهل الوطن أن يتعلموها".
يمكن القول إن غرض السياسة في مفهومها األرسطي ه و الخ ير الحقيقي الخ ير األعلى لإلنس ان
وهكذا يكون الخير متماثال بالنسبة للفرد وبالنسبة للجماعة ،فإذا كان علم األخالق يبحث فـي خـــير وسعادة
الفرد فإن علم السياسة يهتم بسعادة وخــــير الجماع ة ولــهذا يعت بر أش رف العـــلوم .وي رى أرس طوأن
اإلنسان مدني بالطبع ويميل للعيش في الجماع ة م ع أف راد من جنس ه ونــوعه ،ال بس بب تحص يل ال رزق
وحسب بل ليتمتع كذلك بما يوفره القانون والعـدالة وتمثل الدولة (المدينة ) في هذا المجتمع الشكل األمث ل،
وال غاية خاصة لها سوى رعاية القــانــون والسهر على تنفيذه من أجل تحقيق الهدف األسمى الذي يس عى
إليه كل فرد وهو تحقيق الخير وتحصيل السعادة والعيش حياة اجتماعية كاملة سليمة يحــقق كل فـرد فيــها
لــذته و سعادته.
وألن الغاي ة من ك ل علم أوفن هي خ ير ما" ،فالغاي ة في أس مى العل وم والفن ون كله ا هي
أعظم خير وأقصاه و أسمى العلوم و الفنون هي السياسة" .2والخير السياس ي حس ب أرس طو ه و
العدل والمنفعة العامة ،والعدل يبدو للجميع مساواة وما ال يجب أن نغفل عنه في أي األمور تكون المس اواة
وفي أيها يكون التفاوت ،ألن المسألة ال تخلوا من خطورة وفيها تكمن الحكمة السياسة ،ألن الحق واالمتياز
يختلفان من شخص ألخر .لكن إن صح هذا القول وجبت األسبقية للحق وق السياس ية ،يق ر أرس طو ض منيا
بالالمساواة وهو يسعى من خالل كتابيه "األخالق إلى نيقوماخوس" و "في السياسة" إلى معالجة ظ اهرة
- 1أرسطو :علم األخالق إلى نيقوماخوس ،دراسة بارتلمي سانتهلر ،ترجمة أحمد لطفي السيد ،باريس ،دار بيبليون، 2008 ،ص. 171:
- 2أرسطو:في السياسة ،ترجمه و علق عليه و قدم له األب أوغسطين برباره البولسي ،بيروت ،اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع ،ط،1980، 2 ،
،ص. 150:
9
الالمساواة هذه .وهو األمر نفسه الذي عمل عليه جل الفالسفة ومن بينهم ج ون راولز ال ذي يقرأيض ا ،أن
بحثه هو بــحث فـي الـالمساواة ،ولهذا سيتحدث في المبدأ الثاني عن الالمس اواة المعقول ة .وينتق د أرس طو
ك ون أن ه لم يتخلص من قض ية العبي د وال رق في عص ره ،يق ول أرس طو بخص وص مس ألة المس اواة
واإلنصاف " :فالذين يلتمسون الرئاسة بسبب غناهم قد يبدون غير منصفين البتة ،وكذلك الذين
يلتمسونها بسبب عراق ة أص لهم" .3ويض يف أن الف وارق أو الح دود السياس ية ال تي يعتم دون عليه ا
إلدعاء الحكم لذواتهم وإخضاع كل الطبقات األخرى لس لطتهم ،هي بجملته ا ف وارق فاس دة – ه ذه النقط ة
سيتم تجاوزها مع فالسفة العقد االجتماعي ،فإخضاع الطبقات سيتم عن طري ق قب ول األط راف المش اركة
في العقد بالتنازل عن جزء من حريتها لصالح شخص يعينونه هم أنفسهم ،هذا ما سيس ميه راول ز بالطاع ة
الطبيعية – وهذا ال يمنع في نظر أرسطو الجمهور أن يكون أفض ل أحيان ا من األقلي ة .ويقص د ب الجمهور
المواطن عموما الذي يشترك في السلطة والطاعة ويسهر دائم ا علـــى منفع ة الدول ة بأس رها ويس عى إلى
خير عموم المواطنــــين .للوصول إلى هذا النوع من المواطنين ،يتطرق أرس طو إلى العالق ة بين الس عادة
والنشاط ( )activitéواإلرضاء ( )satisfactionفي األخالق .يقول راولز في ه ذا الص دد ":علينا أن
نت ذكر أن المب دأ األرس طي بالطريق ة التالي ة :جمي ع األش ياء متس اوية من قب ل الكائن ات
اإلنسانية ،تريد أو تحب ممارسة مواهبها " .4وليؤكد راولز على هذه العالق ة ،فيع ود بن ا إلى كت اب
األخالق إلى نيقوماخوس* ولفصول بعينها ومضمونها هو أنه إذا كان للمعامالت اإلنسانية جميعا ه دف ،فه و
الخير le bienمن المعاملة ،وإذا كان له ا أك ثر من ه دف يك ون له ا أك ثر من خ يرلتمنح اإلنس ان الكفاي ة
الالزمة ،وعلى الخير األسمى المتوخى من المعاملة حتى ال يكون وسيلة للوصول إلى خير أخر أعلى من ه ،ل ذا
على اإلنسان الفرد الذي ح دد الس عادة ه دفا ل ه أن ال يس عى إلقام ة بن اء مع زول عن محيط ه الط بيعي ،عن
الجماعة اإلنسانية ،و يجعله جوهرا منفصال ،بل على اإلنسان "الطبيعي" حسب أرسطو وال ذي ه و إنس ان م دني
بالطبع أن يستند إلى جماعة البشر المحيطين به وأن يسعى لمصلحة عائلته وأصدقائه ومواطنيه ذلك أن
اإلنسان بطبعه حيوان مدني .وإن لم يكن مدنيا ال اتفاقا ولكن بالطبع ،له ذا ":أن دور المبدأ األرس طي
داخل نظرية الخ ير تش مل على توطي د الوق ائع النفس ية المهم ة ال تي تلتحم م ع الوق ائع
العامة ومع أفكار المشروع العقالني ".5
10
-2العلم السياسي كأساس للحرية والمساواة
يعتبرالعلم السياسي علم المعامالت اإلنس انية بش كل ع ام ،ف المرء يخض ع لمعطي ات المؤسس ات
والمحيط الذي يعيش فيه .ترتبط داللة العلم السياس ي بالحق ل الخ اص ب-التش ريع -وه ذا م ا س ينتبه إلي ه
فالسفة العقد االجتماعي ،روسو على وجه التحديد ،وكذلك راولز – وعلي ه يجب أن يفي دنا ه ذا العلم عن
النظام المؤسساتي الذي يجب أن يخضع ل ه المجتم ع .ل ذلك ش كل انتق اال من البحث في الفض ائل إلى العلم
القانوني أي علم السياسة ،وسبب ذلك هو الحاجة الى وض ع نظري ة للمجتم ع .ف العلم النظ ري فيم ا يخص
المــعاملة الجيدة والبراهيــن والبحوث في السعادة والفضائل ،ال يكفي لتشكيل اإلنسان الجيد .فمعظم الن اس
حســب أرسطو تتحكم بهم عواطفهم ال عقولهم ،وطبيعة الناس العاطفية ال تخضع لق وة ال براهين اإلقناعي ة
بل للعنف ،فمن الضرورة أن يعاد تشكيل اإلنسان الجيد ليكون مواطنا جيدا ،وهذا ال يتم إال في مجتمع جيد
وفي ظل قوانينه .يق ول أرس طو " :متى أراد المرء إص الح الن اس بالعناي ة ال تي يؤتونه ا س واء
ك انوا كثــيري الع دد أم قليلـين وجب عليه ب ديا أن ي رمي إلى أن يك ون ش ارعا م ا دام أن
اإلنسانية ال تصلح إال بالقوانين" .6من هذا المنطلق الذي رس م ب وادره أرس طو ،س يعمل الحق وه على
حماي ة األف راد والجماع ات عن طري ق الق وانين ،لض مان حري ة ومس اواة األف راد على األق ل من الناحي ة
السياسية واالجتماعية .ويسمي أرسطو إنسان ما عادال ،اذا كان يطيع القــوانين ويالح ظ م ع الغ ير قواع د
المساواة وحينئذ يكون العمل العادل هو الذي يطابـق القـــانون والمساواة (فكرة الطاع ة ه ذه س نجدها عن د
كل من روسو وكانط وراولز).أما العمل الظالم هو الالقانوني ،غيرالمطابق للمس اواة ،حس ب أرس طو أن
جميع األمور القانونية هي أمور عادلة" ،غرض القوانين في نصوصها ه و إم ا حماي ة المص لحة
العامة ،وإما حماية مصلحة كبائرهم بل قد يكون أيضا حماية المصلحة الخاصة لهؤالء الذين
هم س ادة المملك ة س واء بفض لهم أم ب أي عن وان آخر" .7ينتج عن ذل ك أن ه يمكنن ا أن نق ول عن
القوانين بوجه ما إنها عادلة متى كانت تسعى نحو سعادة االجتماع السياسي أو تحميه ،بل قد يذهب القانون
إلى أبعد من ذلك ،ليبسط سلطته على جميع الفضائل والرذائل األخ رى ،إذ ي أمر بأفع ال بعينه ا وينهي عن
أخرى،لتحقيق العدل والمساواة عبر طاعة القوانين ،مما دفع ج.ج .روسو عن أن اإلنس ان ول د ح را ،لكن ه
مقيد باألغالل في كل مكان ،ويتساءل عن ماذا حدث؟ وكيف ذلك؟.
11
فالسفــة العقــد اإلجتماعــي
يعد ج.ج.روسو من أبرز فالسفة العقد االجتماعي ،إلى جانب ك ل من توم اس ه وبز وج ون
لوك خالل القرنين 17و ،18الذين دافعو عن حرية اإلنس ان (الف رد) .يق ول روسو":ولد اإلنس ان ح را
طليقا ،ومع ذلك فهو مثقل بالقيود في كـل مكـان ولرب رجل يتوهم أن ه س يد اآلخ رين ،وه و
اليني يرسف في أغالل من العبودية ،هي أثقل من أغاللهم كيف تم ه ذا التب دل من ح ال إلى
حال؟ إني ألجهل ذل ك ،وم ا ال ذي يس تطيع أن يجع ل ه ذا التب دل مش روعا ؟ أظن أن ه في
استطاعتي أن أحل هذه المسألة".8
لق د ص ارت فلس فة روس و ش عارا للعدي د من الفالس فة فيم ا بع د .لق د تخلى اإلنس ان عن حريت ه
الطبيعية ،بمجرد إعطائه طوع ا عالم ة بأن ه راغب في ذل ك ،فالح ل ال ذي ابتدع ه رواد العق د االجتم اعي
اساسه في مفهوم "القبول الضمني" ،هذا القبول قد يرد تلك الحكومات الفاسدة حكوم ات ذات ش رعية ،لكن
قبل الدخول إلى نشأة وتاس يس الدول ة ،هن ا يص ف روس و كي ف دخ ل اإلنس ان حال ة المجتم ع الن الحال ة
الطبيعية لم يكن فيها طاعة ولم يكن فيها مجتمعا بالمعنى الحديث ،تبعا لروسو فإن أول من س يج قطع ة من
األرض وفكر في أن يقول هذه لي كان هو المؤسس الحقيقي للمجتم ع الم دني بحيث س يعتبر أن ه ذا ال ذي
سيج قطعة من األرض كان وراء العديد من الجرائم والحروب والقتل كنا سنتفاداها لو أن أحدا اقتلع أعم دة
الحاجز المحيط بقطعة األرض وح ذر الن اس من اإلص غاء ل ذاك المخ ادع ،ألن ثم ار األرض ليس ت ملك ا
ألح د .يق ول" :إن أول من ســـور أرضــا وتج رأ أن يق ول "ه ذا لي" فوج د أناس ا لهم من
السذاجة ما يكفي لكي يصدقوه ،كان المؤسس الحقيقي للمجتمع الم دني" ،9إن ه ذه الحال ة ال تي
أص بح عليه ا اإلنس ان بع د أن أص غى لـــهذا المخ ادع ،فرض ت علي ه التغي ير ،فاخـــتالف األراض ي
والفــصــول والمساحات ،اضطرهم إلى تبديل طريق ة عيش هم ،ف اخترعوا ألنفس هم الص نارة على ض فاف
ال وادي والبح ار ،كم ا ص نعوا قوس ا ونب اال وأص بحوا قناص ين ومح اربين ،وفي األق اليم الب اردة غط وا
أجسامهم بجلود الوحوش التي كانوا يقتلونها وهكذا...
هذه األنوار الجديدة التي حصلها اإلنسان من هـذا السمو أكدت تفوق ه على ب اقي الكائن ات ومنحت ه
التقنيات الالزمة لطبع وجوده بطابعه الخاص .حيث" ،أنها زادت في تفوقه على سائر الحيوان ات إذ
- 8جون جاك روسو:العقد االجتماعي ،ترجمة ،بولس غانم ،بيروت ،اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع ،1972 ،ص.11 :
- 9روسو :خطاب في أصل التفاوت و في أسسه بين البشر ،ترجمة ،بولس غانم ،بيروت ،المنظمة العربية للترجمة ،2009 ،ص.117 :
12
كشفت له عن هذا التفوق وتمرن على نص ب الفخ اخ للحيوان ات ،وخ داعها ...إلى أن ص ار
على مر الزمن سيدا على البعض منها ،وهكذا بعثت في اإلنسان أول نظرة ألقاها على نفسه
أول حركة من حركات الكبرياء".10
أدى هذا الكبرياء باالنسان إلى جع ل اإلنس ان ينتق ل من نص ب الكم ائن للحيوان ات وخ داعها إلى
خداع بعضه البعض ،وأصبح الجنس البشري أكثر تقدما نحو كمــال الف رد والن وع بأكمل ه".فقد عاش وا
أحرار أصحاء محبين للخير سعداء ما اس تطاعوا بط بيعتهم ،واس تمروا يتمتع ون فيم ا بينهم
بنعيم معاشرة تقوم على االستقالل...ولكن ما إن احتاج إنس ان لمعون ة إنس ان أخ ر ،وم ا أن
تبين أنه من النافع لشخص واحد أن يكون شخصين اثنين حتى اضمحلت المساواة وتس ربت
الملكية بينهم".11
اتجه اإلنسان بأنظاره انطالقا من هذه المرحل ة إلى المس تقبل ،وهن ا س يبرز التف اوت س واء من ه
الطبيعي ،كالذكاء القوي والصحة الجيدة عند البعض ،وستطرح إش كالية إمكاني ة المس اواة الطبيعي ة ،وه و
المشكل الذي امتد للفلسفة السياس ية المعاص رة تحدي دا م ع ج ون راول ز في مب دأه الث اني حيث تح دث عن
الالمساواة المعقولة ،أي المقبولة طبيعيا ،كم ا ه و الح ال م ع روس والذي يبحث عن المس اواة في التف اوت
األخالقي والسياسي وهو النوع الثاني بعد التفاوت الطبيعي." ،
ولهذا فضل الفالسفة الذين تولوا البحث في أسس المجتمع ضرورة االرت داد إلى الحال ة الطبيعي ة
لتفادي تعقيدات الحياة الناجمة عن التفاوتات السياسية ،وبعضهم األخ ر اق ترح ص يغا وحل وال لت أطير ه ذه
التفاوتات والقضاء عليها .يقترح روسو عالجا سياسيا لهذا التفاوت ،في كتابه"اعتراف ات"( ،)1743حيث
صرح بأن كل شيء مرتبط بصورة أساسية بالسياسة ،ومن هذا المنطلق بلور تصورا جدي دا للس لطة يق وم
على اإلرادة التي يجب أن تكون مطلقة وعامة ،فال س بيل لخالص الن اس من ش ر التف اوت إال ق وة اإلرادة
العام ة المطلق ة ،ألن اإلرادة الجزئي ة (حس ب روس و) منس جمة م ع اإلرادة العام ة.واس تبدال الغري زة في
الس لوك بالعدال ة وإض فاء الش رعية األخالقي ة والسياس ية الالزم ة على أفعال ه ،وكس به اإلنس ان الحري ة
األخالقية والمدنية ،ومنه تكون الحرية هي الصفة اإلنسانية ذاتها حسب روسو .ولإلشارة فإن فكرة الحري ة
هذه وفكرة اإلرادة العامة همـــا أهم فكرتين تأثر بهما راولز ،ولــذلك فــتخلي المرء عن حـريته ،إنم ا ه و
تخل عن صفته كإنسان ،وعن حقوق اإلنسانية وحتى عن واجباته.
13
إن األولوية التي تحتلها الحرية في فلسفة روس و ،ومن بع ده كان ط و راول ز .وهن ا يتجلى الوج ه
الحداثي الالمع ،لذلك كانت اإلرادة العامة ال تي تنجم عن مقتض يات العق د االجتمــاعي والموجه ة للس لطة
التي تسمى س يادة ،إرادة ثابت ة لمجم وع أف راد الدول ة ،فعبره ا يص بحون أح رارا .وهم يع برون عن ه ذه
الحرية من خالل القوانين لذلك جعل روسو السلطة التشريعية في يد الشعب دون غيره ،وكل قانون ال يقره
الشعب هو قانون الغ .ولهذا السبب كان التشريع هو الذي ينتج الحركية الديمقراطية في فكر روسو ،وه ذا
ما يميز ديمقراطية الهيئة السياس ية عن ده ،حيث مص طلح المـواطن يجم ع بين مـفهوم الطــاعة والس لطة
التشريعية ألن جوهر الهيئة السياسية هو في التوافق بين الطاعة والحرية .وأن كلمة رعية وسيادة إنما هما
كلمت ان متالزمت ان لهم ا نفس المع نى ،تلخص ان في كلم ة م واطن" ،فاالنتماء لإلرادة العام ة انتم اء
لسيادة الشعب السياسية ،وهي سيادة غير قابلة للتجزؤ وال يمكن أن يتأثر بها شخص واح د،
ألن ماهية اإلرادة العامة للشعب تكون عمومية و كلية".12
إن األساس الذي يوجه الفكر السياسي لدى روسو هو إقامة وضع سياسي جديد تتحقق فيه الحري ة
والمساواة – وهو مس عى أرس طو من قب ل وإن ك ان يعت بر مس ألة العبي د مس ألة طبيعي ة فهم من مكون ات
األسرة ،المسألة ذاتها سنجدها مع كانط و راولز فيما بعد – وهذه الغاي ة يمكن اس تنباطها من الكيفي ة ال تي
عالج بها مشكلة الملكية وإن كان يعتبر حق التملك حقا مقدسا ،فإن فهمه ل ه جع ل من ه حق ا مح دودا بكمي ة
الملكي ة الكافي ة لتلبي ة حاج ة الف رد إلى األمن الم ادي واالس تقالل العقلي لتحري را المواط نين من التبعي ة
االقتصادية ،إذ بذلك يتم ضمان إمكانية أن يطور المرء (المواطن) آراءه و يعبر عنها ،ويظل حرا كما كان
من قبل .هذه هي المشكلة الجوهرية التي يقدم العقد االجتماعي حال لها ،أو على األق ل إمكاني ة الح ل ،وإذا
حذفنا من العقد ما ليس من جوهره فإننا سنختزله في الكلمات التالية " :كل واحد من ا يض ع شخص ه وك ل
قوته في المشاركة تحت التوجيه األعلى لإلرادة العامة ،أي يص بح ك ل عض و ج زءا ال يتج زأ من الك ل".
(هذا الشخص العام المشكل من إتحاد جميع األشخاص اآلخ رين اتخ ذ م ع اليون ان اس م المدين ة الفاض لة،
وحاليا يتخذ اسم الجمهورية أو الجسم السياسي ) .فإذا كان روسو ق د ص رح ب أن جمي ع أش كال ومظ اهر
الالمساواة لها أصل واحد هو التفاوت بين البشر واقترح عالجا سياسيا ،فإن راول ز أيض ا يع ترف بوج ود
نفس السبب ويعتبر أن مشكل الالمساواة همه األول ،وكما اقترح روسو حال سياسيا فإن رول ز س يعتبر أن
أفضل فهم للعدالة الليبرالية هو الفهم السياسي ،فهما معا يقترحان نفس األمر ومن قبلهم أرسطو كما رأين ا،
وكذلك كانط كما سنرى ،فالواجب األخــالقي عنده هو واجب سياسي بالدرجة األولــى والق انون األخالقي
الذي وظيفته جعل حرية الفرد على انسجام مع حرية األفراد.
- 12منصف عبد الحق ،األخالق و السياسة :كانط في مواجهة الحداثة بين الشرعية األخالقية و الشرعية السياسية ،الدار البيضاء :أفريقيا الشرق،
ص.109 :
14
-2إيمـــانويـل كانــــــــط ()1804-1724
يعتبر كانط من رواد العقد االجتماعي والسبب هو أنه ال يبتعد كثيرا عن الس ياق أو الطري ق ال ذي
رس مه ج.ج.روس و ،ألن ه حديث ه عن التش ريع ال ذاتي األخالقي ليس إال تعميم ا لكالم روس و ،في العق د
االجتماعي ،عن الحرية الذاتية التش ريعية لتش مل األخالق .ويجب أن نوض ح بداي ة ،أن ال واجب األخالقي
لكانط هو نوع من جنس السياسة ،فالواجب األخالقي هو واجب سياس ي من ن وع خ اص ،ويت بين ذل ك في
ك ون األم ر األخالقي مث ل األم ر السياس ي يقض ي بالطاع ة والخض وع ،وليس ت الحري ة هن ا س وى ه ذا
الخضوع اإلرادي للقوانين ،اإلنسان حر بقدر خضوعه للقانون الذي يضعه ه و لنفس ه - ،ه ذه فك رة س بقه
إليها ج.ج.روسو -ومنه ك انت فك رة الحري ة ال تي اس تمدها من العق ل ،انطالق ا من ه ذه الفكــرة س يعتبر
راولز أن نظرة كانط لهذه المبادئ تتسم بالتبــعية والخـنوع وتبقى مج ردة وغ ير قابل ة للتط بيق الفعلي بين
الناس.
يق ول كان ط" :كل شيء في الطبيع ة يخض ع لق وانين ،الك ائن العاق ل وح ده ه و ال ذي يمل ك
المقدرة على السلوك بحسب تصور القوانين" .13من هن ا يت بين كي ف يؤك د على االس تقالل ال ذاتي
لإلنسان وعلى القوانين التي يخضع لها كل من في الطبيعة ،بمعنى هو الكائن ال ذي يمل ك اإلرادة .واإلرادة
ملكة اختيار الفعل وحده ،الذي به يعرف العقل على أنه مستقال عن الميول والنوازع .لكي أكون أنا ،حسب
كان ط ،بمع نى أخالق ال واجب يجب أن أك ون ذات ا هويته ا معطى مس تقل عن األش ياء ال تي بح وزتي ،أي
مس تقال عن مص الحي وغاي اتي وعالق اتي ب اآلخرين ،وبالفع ل ف إن تس جيل خلفي ة الحض ور الك انطي في
مجرى النقاش الذي يجريه راولز دائم" ،يفترض كان ط أن ه ذا التش ريع األخالقي يجب أن يك ون
موض وع تواف ق في ظ ل الش روط المح ددة لألش خاص باعتب ارهم كائن ات عقالني ة ح رة
ومتساوية فيما بينها" .14يمكن القول أن التصور الكانطي حاضر في فكر راولــز ،باعتراف هذا األخير
في أكثر من مناسبة ،وأكثر ما أثار راولزهو حديث كان ط عن األمـر القطعي واالس تقاللية ،ال ذي يؤك د علي ه
راولز بفكرة أشخاص أحرار و أنداد .والح ال أن األم ر القطعي للق انون األخالقي في التش ريع عن د كان ط
واضح " ،ال تفعل الفعل إال بما يتفق مع المسلمة التي تمكنك في نفس الوقت من أن تريد لها
أن تصبح قانونا عاما" أي"افعل كما لو كان على مسلمة فعلك أن ترتفع عن طريق إرادتك إلى
قانون طبيعي عام" ،15وهذا يبرر وجود واجبات نحو أنفسنا وواجبات نحو غيرنا من الناس ،إلى واجبات
كاملة وأخرى غير كاملة وهذه المسألة تأتي من الموافقة التي يقره ا كان ط بين المب دأين العمل يين الت اليين:
13
-كانط :تأسيس ميتافيزيقا األخالق ،ترجمة ،عبد الغفار مكاوي ،كولونيا ،ألمانيا ،ط ،2002 ،1ص.77 :
14
- Rawls, J. : « théorie de la justice », op.cit.p : 288.
15
-كانط :تأسيس ميتافيزيقا األخالق،ص.93-94:
15
أساس المبدأ الثاني "توجد الطبيعة العاقلة كغاية في ذاتها " ،وبالتالي يغدو األم ر العملي على النح و الت الي
"افعل الفعل حيث تعامل اإلنسانية في شخصك وفي شخص كل إنسان سواك بوص فها دائم ا
وفي نفس الوقت غاية في ذاتهـــــا وال تعاملها أبدا كما لو كانت مج رد وس يلة" .16في ش رحه
لهذا المبدأ يعطي كانط مثاال بفكرة الشخص الذي يفكر في االنتح ار ،سيس أل نفس ه إن ك ان من الممكن أن
يتفق مسلكه مع فكرة اإلنسانية بوصفها هدفا في ذاته ...أما حاصل المبدأ العملي الثالث فهو يلخص ويجم ع
المبدأين السابقين معا في المعنى الذي يفيد أن من الخ ير دائم ا أن يس ير اإلنس ان فـــي حكم ه األخـــالقي
على حســـب منـهج محـكم ،فإذا أردنا أن نحبب القانون األخالقي للنفوس حسب كانط فإن مما يفيد في ذلك
كل الفائ دة ،أن نم رر الفع ل الواح د نفس ه من خالل التص ورات الم ذكورة ،وأن نقرب ه ب ذلك م ا أمكن من
العيان.
كون مبدأ االستقالل ال ذاتي ه و المب دأ األوح د لألخالق ،فه ذا األم ر يمكن توض يحه حس ب كان ط
بالتحليل البسيط لتصورات األخالق ،إذ سيتبين من خالل ذلك ،كيف أن مبدأ األخالق ال ب د أن يك ون أم را
أخالقيا ،وأن هذا األمر ال يأمر بشيء يقل أو يزيد عن هذا االس تقالل نفس ه .ه ذا ص حيح من وجه ة نظ ر
راول ز ولكن فق ط على مس توى التص ور المج رد لألخالق ،كم ا رس مه كان ط ،أم ا في لحظ ة التشريــــع
لمقتضيــات مبـادئ الـــواقع المجتمـعي والسياسي للمؤسسات ،فإنه يصير في ه ذا األخ ير ،حس ب راول ز،
إلى أن نتقدم خطوة أخرى أكثر إنصافا إلى النزول بالعدال ة إلى مس توى اإلج راء التعاق دي ،وه و مس توى
أكثر ارتباطا باإلرث الفلسفي األن واري لكت اب نظري ة العق د االجتم اعي ،كان ط وروس و بالتحدي د .لكن ال
كمظهر فلسفي ،يطمح إلى تأسيس العدالة على األخالق ،بل كإعادة طامحة ألن تفسح المجال لتكييف عدت ه
النظرية والنقدية للدفع على حد تعبير راولز بفرضية العقد االجتماعي والنظرية التقليدية للعقد إلـى أعلـى
- 16المصدرنفسه ،ص ص.109-108 :
- 17مصطفى حنفي":من كانط إلى جون راولز :جدل األخالقي و السياسي في نظرية العدالة" ،فلسفة الحق كانط و الفلسفة المعاصرة ،سلسلة
ندوات ومناظرات رقم ،143منشورات كلية األداب و العلوم اإلنسانية الرباط ،مطبعة النجاح البيضاء ،ط ،2007 ، 1ص.33:
16
درجة مـن التــعميم و التجريد" .إنه المستوى المؤسساتي الذي تنتظم في دائرته الفكرة الليبرالية
عن مقام العدالة عند راولز" .18ونضيف بأن انتباه راولز إلى البعد األخالقي للعدالة قد جره حتما إلى
االنخراط الضمني في فلسفة القرن الثامن عشر وإلى الذهاب باألمر القطعي الك انطي ك إجراء ق انوني إلى
أقصى مداه ،أي الكشف عن م ا ك ان مض مرا في س ؤال التأس يس لنظري ة التعاق د وك ان يتم التعام ل مع ه
بصورة ميتافيزيقية وليس سياسيا .ونعني بذلك االنتقال به من المس توى ال ذي طرح ه التقلي د التعاق دي إلى
المستوى الذي سيرتفع به راولز بالعمل على تجاوزه بمد الجس ور بين المب دأ األول ألخالق كانط "والذي
بمقتضاه يكون القانون هو القاعدة التي يمكن أن تمنحها إرادة حرة لنفسها ،وقد تخلص ت من
مــيول الرغبـات والمتع ة ،وبين واقعي ة ومس ار اإلج راء التعاق دي في بن اء مجتم ع الح ق
والعدالة عند روسو الذي تتنازل بموجبه مجموعة من األفراد عن حريتها" ،19الذي ينطبق على
الفرد في حقيقة طبيعته ،باعتباره كائنا حرا ومساويا لآلخرين .والهدف األساس ي لكان ط " :هو تعمي ق و
تبرير فكرة أن الحرية هي فعل التصرف حسب القانون الذي نضعه ألنفسنا ،وه ذا ال ي ؤدي
بنا إلى أخالق تقوم على السلطة أو حكمة قويم ة ب ل إلى أخالق االح ترام المتب ادل واعتب ار
ال ذات ل ذاتها يمكن إذن أن نعت بر الوض ع األص لي كتأوي ل إج رائي للتص ور الك انطي
لالســـتقالل الـــذاتي ولألمر المقولي في إطار النظرية اإلمبيريقية".20
فإذا كان جون لوك مثال يقيم حجته في العقد األص لي على ق انون هللا والطبيع ة ،ف إن كان ط يقيمه ا
على مبدأ حق معطى مسبقا ال بحكم الطبيعة وإنما بحكم العقل الخالص ،من هذا المنطل ق ،يب دو كان ط
هو األقرب إلى راولز في هذا السياق ،ذلك أن التصور الكانطي هو ال ذي يس مح ل ه بتف ادي
اشتقاق الح ق من الخ ير .21أراد راول ز إع ادة االعتب ار للتص ورات اإلجرائي ة للقيم دون اللج وء إلى
مقوماتها الميتافيزيقية ،ولذلك ال يقدم نظرية العدالة كفلسفة أخالقية ،بل يعتبرها نظرية سياسية كما أشرت
س ابقا ،ال تطمح إلى بل ورة أس س جوهري ة للفع ل األخالقي ،وإنم ا تكتفي بالكش ف عن المب ادئ الناظم ة
للـعدالة ،داخ ل مجتم ع تع ددي متش ابك حس ن التنظـــيم تتص ارع فيــه وتـتعـايش مختلـــف األفكـــــار
والتصــورات والعقليات ،وهذا ال يعني أن كانط لم يتناول المش كل التش ريعي السياس ي ،ب ل كم ا أس لفنا ال
17
يميز بينهما ،أكثر من ذلك إن ه يتن اول الموض وع الق انوني من منطلق ات أخالقي ة باعتب ار أن الق انون ه و
تجسيد عملي للضوابط األخالقية ،بقدر ما أن هذه الضوابط قوانين إجرائي ة وليس ت مع ايير قيمي ة مطلق ة،
وهكذا تفضي التصورات الكانطية إلى نتيجتين لهم ا أث ر واض ح في الفك ر الق انوني والسياس ي الح ديث و
المعاصر:
1ـ إزاحة الفاعلية األخالقية عن طريق الق وانين ال تي أص بحت له ا اس تقالليتها عن دائ رة الحكم،
ومن هنا جاءت فكرة استقاللية السلطة القضائية في جهاز الدولة الحديث ة .ف القوانين من ه ذا المنظ ور هي
مدونات إجرائية تعبر عن الجانب القيمي المتعلق بالمجال العام ،إنها أكثر من تشريعات ،ب ل تتس ع لتش مل
جوانب مختلفة ومتنوعة من الحياة األخالقية لألفراد.
2ـ بناء الشرعية السياسية على المقوم األخالقي بمفهومه الحديث أي الحري ة بص فتها إرادة ذاتي ة
تنزع للكونية من خالل إقامة مؤسسات كلية.
وفي نفس السياق أي تناولنا لكانط من الجانب السياسي نجد صالح مصباح يضيف أن الحري ة عن د
كانط إنما هي مصدر كل حق ،وهو ما يجعل الحرية قريبة جدا من مقص د الرؤي ة الليبرالي ة .وتتجلى ه ذه
الفكرة أكثر في إلغاءه لمطلب السعادة العمومية ،ألنه ا ال يمكن أن تص بح كلي ة ،وتعويض ها بخ ير عقالني
هو الحفاظ على الهيئة السياسية ،وهذا األمر يقربنا من تأويل ليبرالي معاصر هو تأويل جون راولز لفلسفة
كانط العملية.
إن هذا البرنامج الليبرالي للحداثة ،إن صح التعبير ،ليس ه و البرن امج الوحي د ،كم ا أن ه ليس ق در
اإلنسان األوحد ،بل سيعمل جون راولز على إعادة النظر فيه في كتابه لســنة . 1971والض جة الك برى
التي خلفها لخير دليل على منعطف جديد في الفلسفة السياسية .هو مدار بحثنا في الفصل القادم .
الفصل الثاني
18
الوضـــــع األصـــــــلي و مبدأي العدالــــــة
عنـــد ج.راولــــــز
في ف ترة الخمس ينات ظ ّل المش تغلون بالفلس فة يت ابعون إنج ازات ج ون راول ز وتط ويره لنظري ة
العدالة ،لقد اثار ج ون راول ز في الوالي ات المتح دة وخارجه ا ج دال كب يرا ال زال إلى يومن ا ه ذا ،ح ول
"نظرية العدالة" .والنقد الموجه لها من طرف فالسفة اخرين ك"مايكل س اندل" من خالل كتاب ه "الليبرالي ة
وحدود العدالة " ،من دون شك أنه أكبر دليل على الحراك ال ذي خلفت ه الفك رة ال تي داف ع عنه ا راول ز في
نظريته.
إنطالقا من هذه الفكرة ومن خالل كتابه نظرية في العدال ة ،ي بين راول ز بوض وح أن هدف ه تق ديم
تصور للعدالة ،يعمم ويرفع إلى أعلى مستوى تجريد من نظرية العقد اإلجتماعي المعروفة كما نجدها عند
هوبز ولوك وروسو وكانط وغيرهم .والمقصود هن ا ه و البحث عن تأس يس أص لي لقيم العدال ة من خالل
الرجوع لفكرة "الوضع األصلي" ،ي رى راول ز أن م يزة النم وذج التعاق دي تكمن في أن ه يس مح بتص ور
مبادئ العدال ة بص فتها(مب ادئ من ش أن البش ر الع اقلين أن يختاروه ا) ،كم ا يس مح في األن نفس ه بش رح
وتبرير تصورات العدالة.
ينطلق راولز في نظريته من تعريف المجتمع حسن التنظيم بصفته نسق التعاون االجتماعي القائم
على اإلنصاف ،ولفكرة التعاون هذه خصائص ،هــي أنــــها نم ط من التــرابط واالش تباك ال ذي تـحكمه
قـــواعد وإجراءات دقيقة يقبله ا الجمي ع وتض من اإلنص اف بين المش اركين بم ا يق وم علي ه من تك افؤ في
الحقوق والفوائد والخيرات ،ويتضمن فكرة الفائدة العقالنية التي تختلف عن المن افع الفردي ة الض يقة .ومن
هنا يصبح هدف نظرية العدالة هو تحدي د ص يغ التع اون اإلجتم اعي الض امنة لإلنص اف من خالل تع يين
الحقوق والواجبات التــي تضعهـــا بنية المؤسسات السياسيــة واإلجتماعية ،مع تحديد نمط وضوابط تقس يم
المنافع المترتبة على التعاون اإلجتماعي .والس ؤال المط روح هن ا ه و :م ا ه و التص ور السياس ي للعدال ة
األكثر قبوال لتحديد الصيغ المنصفة للتعاون بين مواطنين يعتبرون أحرار ومتساوين وعقالنيين؟.
لإلجابة عن السؤال يقترح راولز نظرية محكم ة تتلخص في فك رة الوض ع األص لي ،ويع ني به ا
الحالة الصفر ،التي تتضمن عدال ة التواف ق األساس ية ال تي يمكن التوص ل إليه ا الحق ا .فيمكن تق ويم م دى
عقالنية ومالءمة نظرية ما للعدالة ،إذا كانت مبادئها قد إنتقاها أش خاص عقالني ون من بين مب ادئ أخ رى،
في الوضع األصلي ،ومن خالل الفكرة األخيرة سيتحدث عن ما يسميه بحجاب الجهل.
19
من خالل هذه الفكرة ،فكرة الوضع األصلي وصل راولز إلى ص ياغة المب دأين الرئيس يين للعدال ة
اللذان هما زبدة نظريته كلها وهما:
-المبدأ األول :يجب أن يتمتع كل شخص بحق متساو لغ يره ،ض من أوس ع نط اق من الحري ات
األساسية.
-المبدأ الثاني :يجب تنظيم أشكال التفاوت اإلجتماعي واإلقتصادي بطريقة تضمن في أن واحد:
أن نتوقع عقليا أن تكون في مصلحة كل واحد وأن تكون متعلقة بمواقع ووضائف مفتوحة للجميع.
لإلشارة لقد أعاد راولز صياغة المبدأين في مراجعته لهذه النظرية في س نة ،2001س وف أع ود
لهذه الصياغة ،أثناء مناقشتي لمبدأي العدالة في هذا الفص ل .يطل ق راول ز على المب دأ األول مب دأ الحري ة
وه ذه فك رة متج ذرة في الثقاف ة األخالقي ة والسياس ية والفلس فية الغربي ة كم ا نج دها عن د روس و(والدتن ا
أحرار ،)...وعند كانط في فكرة ( الفرد المستقل الحر) ،نجد راولزأخدها ووضفها لتصير مبدأه األول ،في
مفهومه للعدالة كإنصاف ،والذي له األولوية على المبدأ الثاني.
يطلق على المبدأ الثاني مبدا اإلختالف أو الالمساواة ،وهو الهم الذي شغل الفالسفة من ذ أرس طو،
ويؤكد راولز على تراتبية األولويات بين المبدأين فألولهما بالضرورة األولوية على الثاني ،كما أن التك افؤ
في الفرص داخل المبدأ الثاني له األولوية على مبدأ الفرق أو كما يس ميه البعض بمعي ار التف اوت الق انوني
أو الشرعي .وإقراره بهذه األولوية لمبدأ العدالة األول يقتضي ض منيا وض ع ح دود تض بط ش روط قب ول
صيغ الحياة المعروفة للجميع ،والتي تجعل للمؤسسات العادلة قيمها السياسية المالئمة لها ،التي هي أس اس
والء المواطنين لها ،وهذا إستمرار وتطوير إلى أقصى حد من التجريد ،لنظرية العقد السابقة عليه.
الوضع األصلي
20
الوضع األصلي هو الذي يتم فيه العقد اإلجتماعي وهو فكرة مخترعة إفتراض ية ،قص د منه ا بي ان
سبب إختيارنا كعقالء ،لو كنا في ذلك الوضع لمب دأي العدال ة ومن ثم لنطمئن إلى س لطة الدول ة الليبيرالي ة
التي تفرضهما .
يصف راول ز الوض ع األص لي بقول ه إن ه الوض ع ال ذ ي تتواج د في ه األط راف وراء م ا يس ميه
بحجاب الجهل ويحدده بما يلي " :ال يعرف أي واحد منها موقع ه في المجت ع ،طبقت ه أو وض عيته
اإلجتماعية ،وال حظّه من توزيع اإلمكانات والقدرات الطبيعية ،وال مبلغ ذكائه ومق دار قوت ه
وماشابه ،وال يعرف أي واحد منا تصوره للخ ير وتفاص يل خطت ه العقلي ة وال ح تى المالمح
الخاصة لنفسيته مثل كراهيته للمخاطر او تعرضه للتفاؤل أو التشائم.22"...،
زي ادة على ذل ك ،ال تع رف األط راف الظ روف الخاص ة لمجتمعاته ا ،أي أن ك ل واح د منه ا ال
يعرف وضعه اإلقتصادي أو السياسي أو مستواه الحضاري والثقافي ،واألطراف في الوضع األص لي ليس
ليها معلومات عن األجيال التي تنتمي إليها ،وعليها أن ال تعرف ظروف تقابلها ،وعليه ا أن تخت ار مب ادئ
تكون مستعدة للعيش مع نتائجها مهما كان الجيل الذي ينتمي إليه كل واحد منها ،لهذا الس بب يفظ ل راول ز
اإلستعاضة والهروب عن حال ة الطبيع ة ،ويق ترح م ا يس ميه "بالوض ع األص لي" ه ذا المفه وم ه و حج ر
الزاوية في نظريته ،باإلضافة إلى ذل ك تتجلى أهميت ه أيض ا في أن ه على األق ل نض من المس اواة ،في ه ذا
الوضع الكل يسعى بعقالنية وجدي ة لتعزي ز مص الحه الفردي ة ،وبم ا ان ه يتجاه ل وض عه الحقيقي ،س وف
يضطر إلى تبني وجهة نظر محايدة وعالمية ،في الوضع األص لي للس عي وراء تحقي ق المص لحة العام ة،
في هذا الوضع يهدف راولز من وراء هذا الكالم إلى وضع معايير الحد األدنى من العدالة تسمح في س ياق
األخالقية والتعددية ،والتعايش المتن اغم لألف راد والجمـــــاعات م ع القيـــم والمث ل العلي ا للحي اة".ويمكن
القول إن سر الوضع األصلي ،ال يكمن فيما تقوم به األطراف هنالك ،بل فيما تدركه ،م ا يهم
فيه ليس ما تختاره هذه األطراف ،وإنما ما تراه وليس ما تقرره بل ما تكتشفه ،على أي حال
فإن ما يجري في الوضع األصلي ليس عقدا ،بل هو بروز وعي بالذات لدى الكائن من حيث
عالقاته بغيره".23
والمقصود بأنه ليس عقد بمعنى العقد الذي الحضناه مع روسو مثال ،ألنه مجرد عقد إفتراضي.
يعتبر راولز الوضع األصلي ذلك الذي يمكننا من النظر إلى غرضنا عن بعد ،لكن ليس عن ذلك
البعد الذي يضعنا في عالم مفارق ،كما هو الحال مع كان ط " ،فالوضع األص لي ه و رد راول ز على
- 22جون راولز : العدالة كإنصاف ،إعادة صياغة ،ترجمة ،حاج حيدر إسماعيل ،بيروت :المنظمة العربية للترجمة ،ط ،1،2009ص.38:
- 23مايكل ساندل ،مصدر سبق ذكره ،ص.224 :
21
كانط في كتابه نقد العقل الخالص ،ومفتاح الحل الذي يقترحه لتخطي الصعوبات" ،24فالوض ع
األصلي يستهدف وصف حالة إبتدائية لإلنصاف وتعريف تلك المبادئ التي تتف ق األط راف العقالني ة على
إخضاعها لشروطها.
إن الشروط المنصفة في التعاون اإلجتماعي ،هي حاصل إتفاق بين أولئك المنخرطين فيه ،والس بب
هو حصول ذلك ،هو أن المواطنين إستنادا إلى فرضية ،وجود تعددي ة معقول ة اليتمكن ون من اإلتف اق على
أي ة س لطة أخالقي ة ،مثال نص مق دس" ،وال يمكنهم اإلتفاق على نظ ام من القيم األخالقي ة ،أو م ا
يأمر به قانون طبيعي وف ق م ا ي راه البعض" ،25أع د ه ذا الوض ع حس ب راول ز دائم ا ،كموق ف
منص ف لألط راف بإعتباره ا ح رة ومتس اوية وبإعتباره ا وعقالني ة ،وبالت الي يك ون أي إتف اق تق وم ب ه
األطراف ،هو إتفاق منصف ،إن الوضع األصلي كما أشرت يعمم الفكرة المألوفة ،فك رة العق د اإلجتم اعي
إال أن هذا الوضع أكثر تجريدا وإفتراضيا ،فهو إفتراضي ،ألننا نسأل األطراف عما يمكنها اإلتفاق
أو تريد من اإلتفاق ،وليس عما إتفقت عليه ،ويضيف راول ز ق ائال":وهو ليس تاريخي ا ،ألنن ا ال
نفترض أن اإلتفاق قد وقع أو يمكن أن يقع في وقت ما" ،26وح تى ل و حص ل ذل ك ،فلن يغ ير في
الوضع شيئا.
تعني الفكرة الثانية حسب راولز أن المبادئ التي يتفق عليها األط راف يجب أن تق رر عن طري ق
التحليل ،ونصف الوضع األصلي بش روط مختلف ة ،ح تى إس تنباط م ا يمكن اإلتف اق علي ه ،والتوص ل إلي ه
باإلستدالل من وضع األطراف لجهة كيفيته وص فاته ،والب دائل المفتوح ة أمامه ا ،ومم ا تحس به األط راف
أسبابا عقلية.
فكرة الوضع األصلي تم اللجوء إليها من طرف راولز ،للكشف عن التصورات التقليدية للعدالة،
ليحدد المبادئ التي تمثل أساس تحقيق الحرية والمساواة ،كنظام للتع اون بين أش خاص أح رار ومتس اوين،
على أساس هذه الخلفية المفترضة لوضع منصف ،يجعل بإمكان إض فاء المش روعية على العدال ة ك إجراء
22
تعاقدي و لنرى بعد قراءتنا لهذا الهدف الذي رسمه راولز وجعله يلجأ لفكرة الوضع األصلي ،وكيف قامت
هذه الفكرة ؟
لنعد الى لفكرة التعاون اإلجتماعي المنصف ،ولنتسائل كيف يجب أن تتعين حدوده المنص فة ،ه ل
ينبغي أن تملى بك ل بس اطة من ط رف س لطة خارجي ة ،متم يزة عن األش خاص المنخ رطين داخ ل ه ذا
التعاون ،من طرف ق انون إالهي مثال ؟ .أم يل زم أن يق ر ه ؤالء األش خاص ذاتهم بإنص افها باإلس تناد إلى
معرفتهم بنظام أخالقي سابق ومستقل؟ .هل هذه الحدود ض رورية حس ب ق انون ط بيعي أم تبع ا لع الم من
القيم تمت معرفته بطريقة حدسية؟ أم ينبغي أن توضع هذه الحدود من طرف ه ؤالء األش خاص ذاتهم على
ضوء ما ينظرون إليه كمصلحتهم المشتركة ؟.
في هذا الص دد يوض ح راول ز بعض القي ود ال تي تع ترض األس باب العقلية" :إذا كنا معقولين
فسيكون أحد معتقداتنا المعبرة أن ال تكون واقعة كوننا نش غل موقع ا إجتماعي ا ،س ببا لقب ول
مفهوم العدالة لمصلحتنا أو التوقع من أخرين أن يقبل وه .وإذا كن ا أثري اء أو فق راء ،فنحن ال
نتوقع من كل إنسان أخ ر أن يقب ل بني ة أساس ية لمص لحة األثري اء أو الفق راء لمج رد ذل ك
27
السبب".
وبإعتبار أن نظرية العدالة ،أعادت لتبني مذهب العقد اإلجتماعي ،إذ سينظر إلى الحدود المنص فة
للتعاون اإلجتماعي بإعتباره .ما يتم التوافق علي ه من ط رف المش اركين ،أي من ط رف أش خاص أح رار
وأنداد من جهة أنهم مواطنون ولدوا في نفس المجتمع الذي يعيشون في ه ،غ ير أن ت وافقهم كم ا ه و الح ال
بالنسبة ألي توافق س ليم ،يجب أن يتحق ق داخ ل ش روط مالئم ة ،وعلى الخص وص يل زم أن تتعام ل ه ذه
األخيرة مع هؤالء األشخاص األحرار واألن داد بإنص اف ،وينبغي من جه ة أخ رى إقص اء إس تعمال الق وة
واإلكراه" .إن هذه اإلعتبارات جد مألوفة في الواقع اليومي ،بيد أن توافقات الحياة اليومي ة تتم
داخل وضعية محددة بشكل واضح تقريبا ،وذلك لتجذرها داخل المؤسس ات المحيط ة بالبني ة
األساسية غير أن مهمتن ا هي أن نس حب فك رة التواف ق ه ذه على اإلط ار المحي ط ذات ه".28
بإختص ار نق ول ،إن الوض ع األص لي يجب فهم ه على أن ه وس يلة تمث ل ،وبإعتب اره ك ذلك ،ه و ص ياغة
لمعتقداتنا كأشخاص معقولين بصورة منصفة وأنها ستصل إلى إتفاق خاضع لقيود مناسبة وعامة نابع ة من
مب ادئ العدال ة السياس ية "وهكذا فإن مس اواة المواط نين في الوض ع األص لي تص اغ بمس اواة
23
ممثليهم" ،29أي أن ه ؤالء الممثلين متموض عون بص ورة تناظري ة في ذل ك الوض ع ،ويتمتع ون بحق وق
متساوية في إجراءاته الهادفة للوصول إلى إتفاق.
يمكن الق ول إلى ح دود األن أن فك رة من قبي ل الوض ع األص لي ق د تم إستحض ارها من ط رف
راولز ،بسبب إنعدام أي وسيلة أفضل إلعداد تص ور سياس ي ،ح ول البني ة األساس ية للمجتم ع إنطالق ا من
الحدس المركزي للمجتمع كنظام منصف للتعاون بين المواطنين ،أي بين أشخاص أحرار وأن داد ،لكن م ع
ذلك تظل هناك مجازفات فالوضع األصلي يمكن أن يبدو تجريديا بعض الشيئ كما أشرت سابقا .مما جعله
موضوعا لسوء الفهم ،وذلك ألن وصف الشركاء قد يظهر كأنما يفترض تصورا ميتافيزقيا معينا للشخص،
كك ون طبيع ة األش خاص مثال مس تقلين عن خصائص هم العرض ية وس ابقة عنهم ،بم ا في ذل ك غاي اتهم
القصوى وروابطهم بالغير ،وبالتالي أسبقيتها على طبعهم منظورا إليه كك ل .لكن األم ر ال يع دو أن يك ون
تهيئوا ناتجا عن نسياننا بأن الوضع األصلي هو مجرد إج راء ولكي نض رب مثال بخاص ية مهم ة للوض ع
األصلي .نقول بأن حجاب الجهل ال يحتوي على أي تضمين ميتافيزيقي متعل ق بطبيع ة األن ا ،حيث أن ه ال
يفترض بأن األنا سابقا أنطلوجي ا عن الوق ائع ب األفراد وال تي ال يح ق لهم معرفته ا ،بإمكانن ا تبع ا لراول ز
إعتماد هذا الوضع بمجرد شروعنا في التفكير بهدف إيجاد مبادئ العدالة .وهذا هو الس بب ال ذي يجعل ه ال
يتغافل عن هدفه أي "إظهار كيفية بناء فك رة مجتم ع يك ون عب ارة عن نظ ام منص ف للتع اون.
وذلك ألجل تحديد المبادئ األكثر صالحية لتحقيق مؤسسات للحرية والمس اواة ،حيث يعت بر
المواطنون أشخاصا أحرار وأنداد".30
يجب أن ال ننسى أن الوضع األصلي يخدم أهدافا أخرى غير األهداف الميتافيزيقية ،ولهذا س يقارن
راول ز م ا بين البره ان من الوض ع األص لي ،وال براهين ال تي نحص ل عليه ا في االقتص اد والنظري ة
اإلجتماعية" :وبالرغم من التشابه بين ب راهين اإلقتص اد والنظري ة اإلجتماعي ة والبره ان من
الوضع األصلي ،إال أن هناك فروقا أساسيسة ،و أحد هذه الفروق هو أن ه دفنا ليس وص ف
كيف يسلك الناس فعليا في مواقف معينة ولشرح ذلك ،أو كيف تعمل المؤسسات واقعيا ،إنما
29
-ج راولز :العدالة كإنصاف ،ص .144:
30
-محمد هاشمي :نظرية العدالة بين السياسة و الميتافيزيقا ،ص.109:
24
هدفنا هو الكشف عن أساس عام لمفه وم سياس ي للعدال ة .ومث ل ه ذا العم ل يخص الفلس فة
السياسية ال النظرية اإلجتماعية".31
وله ذا فأثن اء وص ف راول ز لألط راف ال يك ون بص دد وص ف األش خاص كم ا نلق اهم ،ب ل إن
األط راف توص ف وفق ا للص ورة ال تي نري د أن نص وغها عن الممثلين العقالن يين للمواط نين األح رار
والمتساوين ،باإلضافة إلى ذلك ،يفرض راولز على األطراف شروطا معقولة معينة كما في تناظر مواقفهم
واحدهم إزاء األخر وفي محدودية معرفتهم (أي حجاب الجهل ) .ويضيف قائال ":نود أن يكون البرهان
من الوضع األصلي ،وبقدر ما يكون ذلك ممكن ا برهان ا إس تدالليا ...وس بب إس تهدافنا ه ذا
يتمثل في أننا ال نريد أن تعتمد األطراف التي تقبل المبدأين على فرضيات نفس ية أو ح االت
إجتماعية غير واردة في وصف الوضع األصلي ".32
لذلك فإن األطراف تبع ا لراول ز أش خاص مص طنعون ،والح ال ه و أنهم ليس وا إال مقيمين في م ا
يسميه بأداة التمثيل التي صنعها هو ال أقل وال أكثر ،وبتعبير أخر هم شخص يات ت ؤدي أدوارا في تجرب ة
راولز الفكرية .لذلك فالوضع هو وسيلة إنتقاء من الئحة تشمل على أهم مفاهيم العدالة السياسية ،الموج ودة
في تراث وتقاليد الفلسفة السياسية ،وواجب األطراف هو أن تواف ق على خي ار واح د مم ا ه و موج ود في
الألئحة ،لكن إذا ك ان األم ر على ه ذا الح ال أين هي أهمي ة فك رة الوض ع األص لي له ذا يع ترض راول ز
قائال ":إن مبادئ معينة لم توضع في الالئحة ،كاإلرادة الفردية الحرة المطلقة".33ألنه يريد رسم
مفهوما سياسيا للعدالة يمكنه أن يعين أساس ا أخالقي ا مالئم ا للمؤسس ات الديمقراطي ة ويص مد إزاء الب دائل
الموجودة ،فظروف العدالة هذه تعكس حسب راولز صورة الظروف التاريخية ال تي توج د في المجتمع ات
الديمقراطي ة الحديث ة .ه ذه الظ روف ال تي تعكس ص ورة الواق ع ال ذي يك ون في ه المواط نين في مجتم ع
ديمقراطي يؤكدون على تعددية العقائد وإختالفها ،وإن كانت في الواقع غير متوافق ة ،ه ذه حقيق ة التعددي ة
المعقولة التي تطرق لها راولز ،في المبدأ الث اني -من مب دآي العدال ة – ه ذا ال يب دو واض حا بش كل جي د
حسب راولز في تاريخ الدول الديمقراطية وإن كانت هذه التعددية طبقا له (راولز) صفة ب ارزة وثابت ة من
صفات المجتمع الديمقراطي .وهذا هو على وجه الخصوص احد أدوار الفلسفة السياس ية "ه و مس اعدتنا
على الوصول إلى إتفاق على مفهوم سياسي للعدالة ،لكنها ال تتمكن من أن تبين لنا وبوضوح
كاف يمكننا من الحصول على إتفاق حر وعام ،أن أي عقيدة شاملة معقولة بمفهومه ا للخ ير
25
هي األعلى" .34فراولز يبحث من خالل هذا عن مفهوم للعدالة السياسية ي دخل تعددي ة المب دأ الث اني في
الحسبان كمعطى من المعطيات وبهذا المعنى حسب راولز ،أو بهذه الطريقة وحدها يمكننا أن نحق ق المب دأ
الليبرالي ،الذي تمارس فيه السلطة السياسية ،بإعتبارها سلطة مواط نين أح رار ومتس اوين ،بط رق يواف ق
عليها جمي ع المواط نين في ض وء عقلهم اإلنس اني الع ام ،فالوح دة اإلجتماعي ة تق ام على قب ول المواط نين
لمفهوم سياسي للعدالة.
وبما أن األطراف في الوض ع األص لي تت ألف من ممثلين لمواط نين أح رار ومتس اوين يمارس ون
كأوصياء لذا يجب عليهم بعد م وافقتهم على مب ادئ العدال ة أن يعمل وا على ت أمين المص الح األساس ية لمن
يمثلون ،وهذا ال يعني أن األطراف ذات المنافع الذاتية ،ستكون أقل أناننية .ولهذا فمن حق األط راف أن ال
تهتم مباشرة بمصالح أشخاص تمثلهم أطراف أخ رى غ ير أن ه س واء ك ان الن اس ذات يي المن افع ،أو ح تى
أن انيين ف ذلك يتوق ف على محت وى غاي اتهم األخ يرة ،وعلى م ا إذا ك انت المن افع في ث رواتهم الخاص ة
ومرك زهم ،وفي س لطتهم الخاص ة ومق امهم ،ففي ممارس تهم المس ؤولية كأمن اء ،ه دفهم ت أمين من افع
األشخاص األساسية في حريتهم ومساواتهم.
إن الق ول ب أن األط راف ال تع نى مباش رة بمن افع أولئ ك ال ذين تمثلهم أط راف أخ رى" :يعكس
صورة عن ناحية جوهرية تتعلق بكيف يتحرك المواطنون بما يناسب عندما تنش أ مس ائل في
العدالة السياسية مختصة بالبنية األساس ية ،فالنزاع ات الديني ة واألخالقي ة العميق ة توص ف
الظروف الذاتية للعدالة" .35ويضيف راول ز أن ه ال ش ك من أن المنخ رطين في ه ذه النزاع ات ليس وا
ذاتيي المنفعة ،عموم ا ،ب ل ي رون أنفس هم م دافعين عن حق وقهم األساس ية وحري اتهم ال تي ت ؤمن من افعهم
المشروعة واألساسية.
لهذا في إطار إستدالله تطرق لحجاب الجهل مرة أخرى ،وبما أن هذا األخير يمن ع األط راف من
معرفة العقائد (الشاملة) ومفاهيم الخير عند األشخاص الذين تمثلهم ،فال بد من أن تكون ح ائزة على أس س
أخرى لكي تقر أي مب ادئ تنتفي في الوض ع األص لي ،وهن ا يواج ه راول ز مش كلة عويص ة ،وهي :إذ لم
يتمكن من تشكيل الوضع األصلي بحيث تستطيع األطراف أن تتفق على مبادئ للعدالة على أسس مالئم ة،
فإن العدالة كإنصاف ال يمكن الحديث عنها وإنجازها.
لحل ه ذه المش كلة ق دم راول ز فك رة المن افع األولي ة وهي كم ا يق ول ":األشياء التي يحتاجها
األش خاص كمواط نين وليس كبش ر بعي دا عن أي مفه وم معي اري .وهن ا ،يس اعد المفه وم
34
-المصدر نفسه ،ص .213:
35
-المصدر نفسه ،ص.215:
26
السياسي ال العقيدة األخالقية الشاملة على تعيين هذه الحاج ات والتطلب ات" .36وفي خت ام ه ذا
الفصل ال بد من اإلشارة إلى التقسيم الذي وض عه راول ز للبره ان من الوض ع األص لي ،حيث يقس مه إلى
جزئين:
الجزء األول :إن األطراف ذاتها ال تلعب بها الح االت النفس ية الخاص ة كم ا أش رت س ابقة ،وإن
تفكيرها المنطقي يستهدف إنتقاء مبادئ العدالة ال تي يك ون تأمينه ا لخ ير ه ؤالء األش خاص ه و األفض ل،
نعني مصالحهم األساسية ،متجاهلة تبعا لراولز أي نوازع قد تصدر عن الحس أو عن إنحراف خاص نحو
حالة من اإلحتيار و ما شابه.
الجزء الث اني :وه و ال ذي يع ني ب األطراف ال تي تنظ ر في بس يكولوجيا الم واطن في المجتم ع
الحسن التنظيم ذي العدالة كإنصاف أي :بسيكولوجيا الناس الذين يترعرعون ويحيون في مجتم ع
ينظم فيه مبدءا العدالة ( المبدأين اللذين إختارتهما األطراف) البنية األساسية بكفاءة ،وتك ون
فيه هذه الحقيقة مدركة بصورة علنية .37والسؤال الذي يطرح في هذا القسم حول ما إذا ك انت البني ة
األساسية تولد في المواطنين درجة من الحقد والحسد المبررين ،أو تولد إرادة للسيطرة ،وما شابه ،وإذا م ا
حصل هذا كما يؤكد راولز فإن حس العدالة عند المواطنين يضعف ،وبالتالي غالب ا م ا إنتهكت المؤسس ات
العادلة وأخفقت مبادئ العدالة وبالتالي المجتمع الحسن التنظيم المرافق ليس مستقرا ،لذا على األطراف أن
تعيد النظر في المبادئ التي تم اإلتفاق عليها.
تبعا لما سبق ما يميز اإلنصاف في المقام األول هو إجرائي ة المداول ة ال تي يف ترض أن تق ود إلى
إختيار المبادئ التي سوف تقترحها األطراف المشاركة في العقد .س تار أو حج اب الجه ل يتم في إط اره و
موضعه األصلي ترتيب العالقة بين المنهج و النتائج :بين التوزيع المنص ف للحق وق والواجب ات من جه ة
والتقاسم العادل للمكاسب وال ثروات من جه ة أخ رى .وتل ك في الحقيق ة هي الغاي ة األساس ية ال تي ي رمي
حجاب الجهل إلى تحقيقها في وضع إفتراض ي ال ت ارخي يمكن من إعط اء س مة خاص ة لفرض ية مجتم ع
يتصور أعضاءه كمنظومة كبرى لتوزيع المنافع والخيرات ،والمبتغى هو أن تكون المعادلة بين كل عض و
في المجتم ع معادل ة منص فة ،ولكن يع ني موض وع العدال ة داخ ل ه ذا اإلط ار س وى الفض يلة الك برى
للمؤسسات في عال قتها بقواعد التوزيع ،والفضيلة هنا تختلف طبعا عن الفضيلة عن د أرس طو .أم ا غايته ا
فهي صياغة المبادئ العملية لما يكون حق ا ،أي منص فا في كيفي ة إقتس ام مكاس ب التع اون اإلجتم اعي من
الناحية القانونية.
27
وهك ذا يكمن مع نى التفك ير في العدال ة بالتحدي د في إجرائت ه التعاقدي ة في العق ل أو في المتخي ل
السياس ي لراول ز عن (حج اب الجه ل) ،أي المب ادئ األك ثر تمثيلي ة وتعب يرا عن الفك رة السياس ية للعدال ة
اإلجتماعية وأي المعايير يصح إعتمادها في تنظيم البنية األساسية للمجتمع وليس التقويم األخالقي لألفع ال
والمسائل الفردية .والمالحظ إلى ح دود األن ه و أن م ا تقترح ه نظري ة العدال ة هي مجموع ة من المب ادئ
وليس مجموعة من المؤسسات ،فمبادئ العدالة هي التي تسهر على إقامة المؤسسات العادل ة م ع العلم أنه ا
نفسها ليست هذه المؤسسات.
المالحظ ة الثاني ة هي أن النت ائج ال تي أفض ى إليه ا الوض ع األص لي ومنهج راول ز عموم ا في
موضوع العدالة السياسية أدى إلى نتيجتان جوهريتان يحصرهما راولز في مبدأين إثنين على الش كل ال ذي
سنراه.
مبدأي العدالة
-1المبدأ األول
يتعين على المشاركين في الوضع األصلي ،كما أنهم ال يعرفون سلفا ما سيكون مشروع حياتهم
الشخصي ،أنهم يريدون الحد األقصى من الحرية لض مان متابع ة المش اريع المحتمل ة ثم أنهم يرغب ون في
حماية أكبر ،للتعامل مع أقل المناصب فائدة ،مثل تلك التي تنتمي إلى أسرة فقيرة ،فإنه ا ال تري د أن تخت ار
28
مبادئ النفعية لتفادي خطورة إجبارهم على التضحية من اجل خ ير قلي ل ،وفق ا لراول ز وبع د ف ترة طويل ة
ومداوالت صارمة وصل المشاركين إلى إتفاق عقالني إلى مبدأي العدالة.
أهم الحريات التي منحت للجميع في المبدأ األول تتكون كم ا يلي :الحري ات السياس ية (الح ق في
التص ويت و الح ق في تقل د المناص ب العام ة ،حري ات التعب ير والتفك ير ،وحماي ة س المة الش خص ض د
اإلعتقال التعسفي) .إن الفك رة هن ا هي توظي ف إعتقاداتن ا ح ول المجتم ع ال ديمقراطي من حيث ه و نظ ام
تع اوني منص ف بين مواط نين أح رار ومتس اوين (كم ا في الض ع األص لي) ،لكي ن رى إذا ك ان التأكي د
المش ترك لتل ك اإلعتق ادات سيس اعدنا على تحدي د مب دأ مالئم للبني ة األساس ية بظواهره ا اإلقتص ادية
واإلجتماعية الالمتساوية في نظرات الحياة العام ة للمواط نين ،وبهم ا أي مب دأي العدال ة رف ع الغط اء عن
واقع الفكر األخالقي والسياسي في الثقافة الغربية؟ ،بدونها حسب راولز ال يكون للبني ة األساس ية للمجتم ع
أي معنى ،فال سبيل لتحقيق العدال ة كإنص اف إال بس بب التس وية بالتف اوض ،أن ذاك يمكن الق ول بم ا يمكن
نسميته المساواة الالمتساوية ،يقول راولز بخصوص هذين المبدأين " :إن هذين المبدأين (كم ا أش رت
سابقا) يجب ترتيبهم ا بنظ ام تسلس لي بحيث يس بق المب دأ األول المب دأ الث اني،"...ومن جه ة
أخرى يق ول ":في إعتقادي ال يوج د واجب سياس ي ب المعنى ال دقيق ،للمواط نين عموم ا "،38
معنى ذلك أن الكالم عن واجب سياس ي للمواط نين كالم لغ و إذ ال عالق ة ل ه في مفه وم الدول ة الليبرالي ة.
المعنى الوحيد للواجب السياسي الذي يقبله راولز هو المتعلق ببعض المواطنين ،يعني أولئ ك األعض اء في
المجتمع ذوي الوضعية األفضل واألقدر على كسب المراكز السياسية واإلس تفادة من الف رص ال تي يق دمها
لهم النظام الدستوري ،أما بقية أفراد المجتمع فخالف ذل ك إن عالقتهم بالدول ة تبع ا لراول ز واجب ط بيعي
من الطاعة .وفي مايلي الصيغة األولى التي ج اء به ا راول ز يق ول ":كل شخص يجب أن ين ال حق ا
متساويا في الحرية األساسية بأوسع (معناها) يكون متفقا مع حرية مماثلة لألخ رين " .39أم ا
الصيغة المعدلة فهي على الشكل التالي ،يقول" :لك ل ش خص الح ق ذات ه وال ذي يمكن إلغ اؤه في
ترسيمة من الحريات األساسية المتساوية الكافية ،وهذه الترسيمة متسقة م ع نظ ام الحري ات
40
ومن بين األس باب ال تي جعلت ه يعي د النظ ر في المب دا األول ،أن الحري ات األساس ية للجمي ع ذاته".
المتساوية في المبدأ محددة بقائمة كما يلي " :حرية التفكير وحرية الض مير ،والحري ات األساس ية
(على سبيل المثال ،حق التصويت ،والمشاركة في السياس ة) وح ق إنش اء الجمعي ات ك ذلك
29
الحقوق والحريات المح ددة بحري ة وكرام ة الش خص الجس دية والنفس ية ،وأخ يرا الحق وق
والحريات التي يعطيها حكم القانون".41
هذه المراجعة تظهر أن ليس للحرية أولوية خاصة كما أن ممارسة شيئ إسمه "حري ة" ل ه الغاي ة
األساسية هذا إن لم تكن الوحيدة للعدالة السياس ية واإلجتماعي ة ،في ظ ل واق ع التعددي ة ال ذي يع ترف به ا
راولز أكثر من مرة كان من الضروري إن صح القول أن يعطي األولوي ة للمب دأ األول على المب دأ الث اني
ألن هذا األخير يحقق دائما متطلب ات األول ويض يف مؤك دا على ه ذه األس بقية" :قد أعطيت األولوي ة
للمبدأ بالنظر إلى الطبيعة الجوهرية للحقوق والحريات األساسية ...وتعني هذه األولوي ة أن
المبدأ الثاني يطبق دائما ضمن مجموعة مؤسسات خلفي ة تحق ق متطلب ات المب دأ األول وهي
المؤسس ات ال تي تق وم ب ذلك في مجتم ع حس ن التنظيم" ،42تع ني ه ذه األولوي ة إح ترام وإلغ اء
اإلختالط والتب ادل بين الحق وق األساس ية والحري ات ال تي يض منها المب دأ األول والمن افع اإلجتماعي ة
واإلقتصادية التي ينضمها ويضمها مبدأ الفرق ،فال يمكن مثال حرمان جماعات م ا من الحري ات السياس ية
المتس اوية حس ب راول ز على أس اس أن حص ولهم على ه ذه الحري ات ق د يمكنهم من أن يعطل وا خطط ا
يحتاجه ا النم و اإلقتص ادي" ،ف الليبراليون ال ذين ين ادون بالمس اواة ي رون أن العدال ة هي ال تي
تتطلب المعاملة المتساوية ،فهذه المساواة في المعاملة تعد تعبيرا عن الحقوق المتساوية التي
يحق لمواطني الدول الليبرالية الحصول عليها" ،43وهذا بالذات ما يوض حه راول ز في ه ذا المب دأ،
مساواة مطلقة تخص الجميع ،والغرض من مبدأي العدالة هو تحقيق ما يسميه راولز " :مقاصد التعاون
اإلجتماعي المنصف عبر الزمن...وأيضا لجعل ظواهر الالمساواة اإلقتص ادية واإلجتماعي ة
تس هم بطريق ة فعال ة في الخ ير الع ام أو بص ورة أدق في منفع ة أعض اء المجتم ع األق ل
إمتيازات" .44تبعا لذلك فالمجتمع مع راولز مخطط عدالة منصفة طبقا للمبدأ األول ال تتوقف عبر ال زمن
من دون بداية محددة أو نهاية.
سبق وأن أشرت إلى أن كالمه عن الوضع األصلي ومبدأي العدالة ،واللذين يشكالن ركيزة بحثن ا
ه ذا ،هم ا الس بيل لتحقي ق المس اواة ،لكن دون أن أش ير بالت دقيق إلى منهم ال ذين يع انون من الحي ف
والالمساواة ،يش خص راول ز الم رض (الالمس اواة) عن د حديث ه عن فك رة المن افع األولي ة وهي الح االت
41
- Rawls, J. : « théorie de la justice », op.cit.p.92. « la liberté d’expression, de réunion, la liberté de pensée et de
conscience ; la liberté de la personne qui comporte la protection à l’égard de l’oppressiopn psychologique et de
l’agression physique…définis par le concept de l’autorité de la lio ».
- 42ج.راولز ،العدالة كإنصاف ،ص.154:
- 43بريان ،باري :الثقافة و المساواة،نق د مس اواتي للتعددي ة الثقافية ،ترجم ة كم ال المص ري ،الك ويت:منش ورات المجلس الوط ني للثاقف ة و الفن ون
واألداب ،ط ،1،2011ج ،1ص.123:
- 44ج.راولز ،العدالة كإنصاف ،ص.163:
30
اإلجتماعية المختلفة والوس ائل المس تهدفة الض رورية لتمكين المواط نين من التط ور بم ا في ه الكفاي ة ومن
الممارسة الكاملة لقوتهم األخالقتين ،ومواصلة للسعي لتحقيق مف اهيم مح ددة عن الخ ير يم يز راول ز بين
خمسة أنواع من هذه المنافع هي :
تبعا لهذه المنافع األولية يعمالن مبدءا العدالة وذل ك بتنظيم حص ص المواط نين من ه ذه المن افع،
هذه األخيرة حسب راولز تعطى بالرجوع إلى الظروف الموضوعية اإلجتماعي ة للمواط نين ،أي حري اتهم
المؤسساتية المؤمنة في المبدأ األول وفرصهم المنص فة ال تي يمكن الحص ول عليه ا ،وتوقع اتهم لم دخولهم
وثروتهم منظورا إليهما من موقعهم اإلجتماعي ،هذه الحاالت الالمتساوية ،هي التي يعمل مبدأ الف رق على
معالجتها كما سنرى .و هذا اليجب أن ينسينا الحضور الكانطي الذي ال يتأتى للعقل السياسي الراول زي إال
أن ينظر في هذا المبدأ(األول) من مبادئ العدال ة ،وال ي تردد في أن يجع ل نظريت ه للعدال ة عموم ا ومب دأه
األول خصوصا ينتظم ان في دائ رة اإلمت داد الك انطي وإعالن ه الص ريح في الع ودة إلى "أس س ميتافيزق ا
األخالق " ،وتحديدا إلى مبدأي اإلستقاللية والكلية( اإلرادة العامة) اللذين أخذهما كانط بدوره عن روسو.
وإذا علمنا أن مب دأ الكلي ة الك انطي ه ذا ،متض منا بطريق ة م ا في الص يغة األولى لألم ر القطعي
"إفعل فقط طبقا للقاعدة التي تجعل في إمكانك أن تريد لها في عين ال وقت أن تغ دوا قانون ا كلي ا" ،أدركنا
كي ف أن ه ذه القاع دة تحي ل إلى ذاتي ة الش خص ،وإلى اإلش راطات ال تي توج ه أفع ال
أألش خاص ليس ت ص ادرة عن مص الحهم الخاص ة ،أي عن ذاتيتهم ،ولكن عن إس تعدادهم
لتبني وجهة نظر كلية" ،46ويض يف ص احب المق ال أن ه إذا ك ان المب دأ األول في نظري ة العدال ة عن د
راولز ينهض بوضيفة تعميم المساواة في الحقوق ،وكانت أولوية ه ذا المب دأ على الث اني هي ال تي تض من
عدم التناقض ،فسيكون حينئذ بمقدورنا أن نتخيل ،وق د إنقلب المب دأ الث اني إلى األول وظه ور الحاج ة إلى
- 45المصدر نفسه،ص .173:
-- 46مصطفى حنفي :مرجع سبق ذكره ،ص.44:
31
خرق مبدأ المساواة في الحق لضمان بل وغ رف ع القس ط األدنى إلى األقص ى في وض ع تنع دم الالمس اواة،
يقودنا هذا الكالم األخير إلى التساؤل عن المبدأ الثاني ،مبدأ الالمساواة كما يسميه راولز والذي بالض رورة
يأتي بعد المبدأ األول مبدأ المساواة كيف ذلك ؟
-2المبدأ الثاني
أن المبدأ الثاني مبدأ الالمساواة يعمل من خالله راولز على تدارك التفاوت ات القائم ة دون أن نعل ل
ذلك ،والسبب في هذه التسمية (مبدأ الالمساواة) يعود إلى أنه على الص عيد اإلقتص ادي ال يك ون المجم وع
الع ام ال ذي س يقع إقتس امه مح ددا من ذ البداي ة وإنم ا يظ ل مش روطا بطريق ة إقتس امه فتت أثر الف روق بين
مستويات اإلنتاجية بالطريقة التي تم بها التوزيع" ،ففي نظام يعتمد المساواة المطلق ة يمكن أن تبل غ
اإلنتاجية مستويات متدنية إلى حد يتضرر فيه حتى الش خص األق ل ،إذ توج د درج ة تص بح
عندها إعادة توزيع المداخيل ذات نتائج عكسية" ،47من هنا ي دخل المب دأ الث اني ،فيعم ل في ج زءه
األول على وضع الحدود التي يجب أن ال تتخطاها هذه األشكال من الالمساواة حتى تعد أفض ل من أش كال
أخرى أكبر منها .كما يعمل هذا المبدأ في جزءه الثاني بقدر اإلمكان على إلغاء أشكال التفاوت الناجم ة عن
اإلختالف في السلطة والمسؤولية.
أم ا في م ا يخص الص يغة األولى ال تي ج اء عليه ا ه ذا المب دا" :المق ادير اإلجتماعي ة
واإلقتصادية غير المتساوية يجب أن تنظم بشكل تكون (أ) متوقعة على نحو معق ول ،لتك ون
لمصلحة كل واحد في المجتمع و(ب) متصلة بمراكز ووظائف مفتوحة للجميع".48
أما الصيغة المعدلة لهذا المبدأ جاءت على الشكل التالي" :يجب أن تتحقق ظواهر الالمساواة
اإلجتماعية وشرطين :أولهما يفي د أن الالمس اواة يجب أن تتعل ق بالوظ ائف والمراك ز ال تي
تكون مفتوحة للجميع في شروط مساواة منصفة بالفرص ،وثانيهما يقتضي أن تكون ظ واهر
32
الالمساواة محققة أك بر مص لحة ألعض اء المجتم ع ال ذين هم األق ل مرك زا وه ذا ه و مب دأ
الفرق".49
التغييرات التي أدخلت على مبدأ الثاني" :أنها تتعلق باألسلوب فقط" ،50وما يهمنا أكثر ه و أن ه
إذا كنا قد أكدنا كما أكد على ذلك راولز على أولوية المبدأ األول الذي ينص كما رأين ا على المس اواة ،ف إن
المبدأ الثاني يهدف هو أيضا "إلى تأسيس العدالة اإلجتماعية لكنه ي راعي حقيق ة أن ه في مجتم ع
ذي مساواة مطلقة تتعرض اإلنتاجية لخطر اإلنخف اض كث يرا إلى ح د يتض رر مع ه الجمي ع
حتى األكثر حرمانا" ،51وبهذا يكون راول ز أك د م رة أخ رى على أن التفاوت ات اإلجتماعي ة اإلقص ادية
عادلة فقط إذا كانت منتجة لمزايا تعويضية لألفراد األكثر حرمانا (مبدأ الفرق).
يعتق د ج.راول ز أن ه ال يوج د تف اوت في حقيق ة أن ع ددا قليال يتحص ل على إمتي ازات أعلى من
المتوسط في وقت تتحسن فيه وضعية المحرومين بهذا الفعل (حسب مبدأ اإلختالف).
إضافة إلى ذلك ينبغي أن يستفيد كل شخص من الفرص نفسها في الوصول إلى مختل ف الوظ ائف
والوضعيات اإلجتماعية التي يستفيد غريمه التقليدي(مبدأ تساوي الفرص) منه ا .له ذا المب دأ األس بقية على
مبدأ الفرق ذلك أنه ليس لنا أن نضيق مجال تساوي الفرص لصالح تحسين ظروف معيشة كل فرد.
إن المساواة المنصفة أو تكافئ الفرص طبقا لهذا المبدأ تعني عند راولز المساواة الليبرالية ولتحقيق
مبتغاها من الضروري فرض متطلبات معينة على البنية األساسية ،تفوق متطلبات نظام الحري ة الطبيعي ة،
وهذا يؤدي مع راولز إلى إلزامية إقامة سوق حر في إطار مؤسس ات سياس ية وقانوني ة تكي ف اإلتجاه ات
البعيدة المدى للقوى اإلقتصادية تكييفا يمنع ظواهر التمركز المتطرف للملكية والثروة ،خاصة تلك التي ق د
ت ؤدي إلى الهيمن ة السياس ية"،وأيض ا يجب على المجتمع أن يقيم ،من بين أش ياء أخ رى ف رص
متساوية للجميع بغض النظر عن الدخل العائلي" .52فهذه المساواة الليبرالي ة تس عى إلى تع ويض ال
عدالة الحرية الطبيعية بتجاوز المساواة الصورية للفرص ،وتصحيح ما أمكن ع واقب التف اوت اإلجتم اعي
والثقافي ،والهدف هو نوع من "اإلستحقاق المنص ف" ال ذي يس مح بتخفي ف ح االت التفاوت ات اإلجتماعي ة
33
والثقافية بفضل التساوي في فرص التعليم مثال وبعض سياسيات إعادة التوزيع وغير ذلك من اإلص الحات
اإلجتماعية،
تتمثل مهمة هذا المبدأ في التحديد بطريقة عادلة ومنصفة لتوزيع الخيرات األولي ة بين أعضاء
المجتمع ،وفقا لهذا المبدأ يمكننا أن نفترض عدم المساواة في توزيع الخيرات األولية ولكن في ظل ظروف
معينة ،شريطة أن تهم هذه التفاوتات الجميع ،بحيث يكون للفئات المحرومة النص يب األوف ر من اإلس تفادة
من هذه الخيرات.
لإلشارة ،فإن ألولوية مبدأ تكافؤ الفرص على مبدأ الفرق أهمية وضرورة كبرى ،ف إذا ك ان لن ا أن
نقبل بأن هناك مناصب ووظائف مفضلة من حيث الدخل والسلطة ،فينبغي له ذه المناص ب من حيث المب دأ
أن تكون أيضا في متناول الجميع ،ال ينبغي أن تكون مخصصة ألفراد ينتمون إلى فئة معينة نظرا لمكانتها
اإلجتماعية أو الدينية .بل من حق كل من لدي ه الرغب ة والق درة على أن يحص ل على تل ك المناصب" :في
جميع قطاعات المجتمع يجب أن يك ون هن اك أف اق على ق دم المس اواة من الثقاف ة ،وتحقي ق
لدوافع كل تلك الهدايا بشكل مماثل ".53
وهناك خاصية مميزة إضافية لمبدأ الفرق ،وهي أنه ال يتطلب نموا إقتصاديا مستمرا عبر األجيال،
للتص عيد الالمح دود لتوقع ات األق ل إنتفاع ا ،وم ا يتطلب ه ه و أن تك ون الفروق ات في الم دخول وال ثروة
المكتسبين من إنتاج الناتج اإلجتماعي ،خالل فترة من الزمن مالئمة .بحيث إذا كانت التوقع ات المش روعة
لألكثر إنتفاعا هي أقل ،فإن توقعات األقل إنتفاعا تكون هي أيضا أقل" :ما يتطلبه مبدأ الف رق إذا ،ه و
أن تك ون ح االت الالمس اواة القائم ة تحقيق ا لش رط إنتف اع األخ رين وأنفس نا ،مهم ا عظم
المستوى العام للثروة وسواء كان عاليا أو منخفضا وهذا الشرط يبين أن مبدأ الف رق ه و في
الجوهر مبدأ مبادلة حتى لو كان يستعمل فكرة تصعيد توقعات األقل إنتفاعا".54
أعاد راولز النظر في مبدأ الفرق ،واعتبر أن مبدأ الفرق يعمل بالترادف مع المبدأين السابقين له
وأنه "ليس مبدأ مساواة الجمي ع ب ذلك المع نى ألن ه يق ر بالحاج ة إلى ح االت ال مس اواة في
التنظيم اإلجتماعي واإلقتصادي" ،55وفي هذا اإلطار يعطي راول ز ع دة أمثل ة مض ادة لي بين أن مب دأ
الفرق يحتاج إلى تنقيح ،كمثال الهنود و البريط انيين بم ا أن أعض اء الجم اعتين يمكن أن يكون ا مس اهمين
53
- Rawls, J. : « théorie de la justice », op.cit.p.104. « Dans tous les secteurs de la société il devrait y avoir des
perspectives , à peu prés égales de culture et réalisation pour tous … ».
- 54ج.راولز ،العدالة كإنصاف،ص .182:
- 55ج.راولز،ص .189:
34
بكفاءة في المجتمع ،فطبعا ،إن ما يمكن أن يحدث فعليا حسب راولز ،هو أنه عندما تتحقق المبادئ الس ابقة
الخاصة ،بالحريات المتس اوية والمس اواة المنص فة ،ف إن بعض الهن ود س يكونون في ع داد ال ذين تحس نت
حالهم وبعضهم األخر في عداد من ساءت حالهم ،ومثل ذلك قد يكون مع البريطانيين ،هذا ما يعني أن مبدأ
الفرق ال يتوجه إلى المنفعة الذاتية ألي كان ،وهو في هذه الحالة يوجه أيضا أمثلته هذه ضد النفع يين" :أن
مبدأ الفرق ال يتوجه إلى المنفعة الذاتي ة له ؤالء األش خاص أو الجماع ات المعين ة بأس مائهم
الخاصة التي هي في واقع األمر ،األقل إنتفاعا في ظروف الترتيبات القائمة فالمبدأ هو مب دأ
عدالة" .56بهذا يعبر مبدأ الفرق ،مثلما أي من مبادئ العدالة السياسية عن إهتم ام بجمي ع أف راد المجتم ع،
وبهذا يكون ج.راولز قد تجاوز تصور النظرة النفعية لألش خاص وال تي ك انت من أهم النق ط ال تي إنتق دها
بشدة في مشروعه السياسي يقول "أن مبدأ الفرق هو مبدأ عدال ة وليس مب دأ اللج وء إلى المنفع ة
الذاتية ألي جماعة خاصة".57
في نظرية العدالة في صيغتها األولى يعلن راول ز أن مب دأ الف رق يمث ل إتفاق ا على إعتب ار توزي ع
المعطيات الطبيعية شيئا نافعا وعاما ،هذا القول يعلق به راول ز على م ا تض منه إتف اق األط راف في مب دأ
الفرق ،أعني أنه بالموافقة على ذلك المبدأ ،يالحظ راول ز في الص يغة المعدل ة لس نة ،2001أن م ايعتبره
شيئا نافعا وهاما هو توزيع المعطيات الطبيعية وليس مواهبنا الطبيعية في حد ذاتها ،فليس األمر كما ل و أن
المجتمع ملك مواهب األفراد ،ن اظرا إلى األف راد واح دا واح دا " :فمسألة ملكيتن ا لمواهبن ا لم تنش أ،
وفي ح ال نش وئها إفتراض ا ،ف إن األش خاص أنفس هم هم ال ذين يملك ون م واهبهم :الس المة
السيكولوجية والفزيائية لألشخاص تضمنها الحقوق والحريات األساس ية ال واردة في المب دأ
األول للعدالة".58
وبالت الي م ا يجب إعتب اره ش يئا نافع ا وعام ا ه و توزي ع المعطي ات الطبيعي ة ،أي الف روق بين
األشخاص ،وال توجد هذه الفروق فقط في إختالف الم واهب من الن وع ذات ه (ك إختالف في ال ذكاء والق وة
والخيال وغيرهم) وإنما في اإلختالف في المواهب من أنواع مختلفة".ويمكن إعتبار ه ذا الن وع ش يئا
نافعا وعاما ألنه توجد ح االت تكام ل عدي دة ممكن ة في م ابين الم واهب عن دما تنظم بط رق
مالئمة بغية اإلستفادة من هذه الفروق" ،59ويضيف لننظر في كيف تنظم هذه الم واهب ،أليس ممكن ا
لألشخاص األحرار والمتساوين أن يرو أنه من الظلم أن يتمتع البعض بمواهب طبيعية أفضل من األخرين
(لقد رأينا هذه المسألة مع روسو ،ونفسها تطرق إليها هجيل في كتابه "مبادئ فلسفة الحق") وهل يوجد أي
35
مبدأ سياسي ذي قبول مش ترك من المواط نين األح رار والمتس اوين لترش يد المجتم ع في مس ألة إس تعماله
لتوزيع المعطيات الطبيعية ؟ وهل يمكن إقامة تسوية بين األكثر إنتفاعا واألقل إنتفاعا فيتوافق ون على مب دأ
عام.
لحل هذه المسألة إلتجأ راولز إلى ما سماه بالوضع األصلي كما رأين ا من قب ل ،وه و وجه ة نظ ر
يتفق من خاللها ممثلوا المواطنين األحرار و المتســـاوين علـــى مبدأ الفــرق وبص ياغتنا لمث ل ه ذا المب دأ
(الف رق)" :فإن العدال ة كإنص اف س تؤدي دور الفلس فة السياس ية كح ل ت وفيقي ،وهن ا يك ون
إشتمال مبدأ الفرق على فكرة المبادلة أمرا في غاية األهمية" ،60فكرة المبادلة هذه فك رة أخالقي ة
تتموضع بين فكرة عدم اإلنحياز الغيرية من جهة وفكرة المنفعة التبادلية من جهة اخرى ،ولكي تكون فكرة
المبادلة مرضية حسب راول ز يجب أن ال تك ون ممكن ة النج اح وملبي ة حاج ات المفه وم السياس ي للعدال ة
فحسب بل أيضا :
أ -أن تجيز ح االت الالمس اواة اإلجتماعي ة واإلقتص ادية الض رورية أو ذات كف اءة عالي ة في
إدارة اإلقتصاد الصناعي في دولة حديثة
ب -يجب أن تعبر عن مبدأ المبادلة (ألن المجتم ع ه و نظ ام منص ف من التع اون من جي ل إلى
الجيل الذي يعقبه ،تعاون بين مواطنين أحرار ومتساوين)
ج – يجب أن تعالج وبطريقة مالئمة أخطر حاالت الالمس اواة من منطل ق العدال ة السياس ية أي
حسب راولز دائما حاالت عدم المساواة في توقع ات المواط نين كم ا تب دو في توقع اتهم المعقول ة في حي اة
كاملة وحاالت الالمساواة هذه هي تلك التي قد تنشأ بين مستويات للمدخول مختلفة في المجتمع ألنه ا تت أثر
بالمركز اإلجتماعي الذي يولد فيه األفراد...كما أنها تتأثر بم وقعهم في مج ال توزي ع المعطي ات الطبيعي ة،
وما يعنينا هو األثار الباقية لهذه الطوارئ مع عواقب الحادث والحظ ع بر الحي اة ( العدال ة كإنص اف ص
،) 203وأفضل ما يمكن أن نختم به ق ول لي بري ان ب اري ":إن راولز يق ول بالفع ل إن المجتم ع
الذي يطبق مبدأيه للعدالة يكون قد قام بكل ما عليه القيام به لض مان التوزي ع المالئم لألس س
اإلجتماعية إلحترام الذات" ،61إن المبدأ الذي وض عه راول ز لتوزي ع الم وارد اإلقتص ادية ،وه و مب دأ
الفرق أو اإلختالف يمكن في ظل بعض الظروف أن يكون متوافقا مع درجة معينة من عدم المس اواة ال تي
قد تفسد إحتماالت وجود "أسس إجتماعية إلحترام الذات بالنسبة للجميع".
36
● مايكل ساندل :نقد فكرة اللعدالة عند راولز
يوجه "مايكل ساندل" إلى راولزإعتراض مهم ،وهو بما أن إتف اق األط راف في الوض ع األص لي
ليس ملزما ،سيبدوا هذا األخير عديم األهمي ة ،يق ول س اندل في ه ذا الص دد":يذكرنا رولز (هن ا) ب أن
الوضع األصلي ليس موقعا للتوزيع وإنما طريقة في التفكير" ،62يرد ساندل أن ه ح تى وإن ك انت
هذه األطراف تفكر من باب التدبر بالطريقة التي يفترض راولز أنه ا تفك ر به ا ،ال يتض ح لن ا مباش رة في
غياب مزاعم إجتماعية مسبقة.
فاألطراف في الوضع األصلي تبعا لراولز ،أن المواطنين متساوين في جميع النواحي عندما تك ون
المسائل مختصة بالعدالة السياسية أي إنهم يكونـــون حائزين على قدر كاف من القوى المطلوبة التي لهـــا
عالقة بشخصيتهم األخالقيــة وعلى شتى الق درات األخ رى ال تي ق د تخ ولهم تعاون ا طبيعي ا ومكتمال على
- 62مايكل ساندل ،ص.11:
37
مدى الحياة ،يقول ساندل في هذا الصدد" :إن الحل الذي يقترحه راولز ،ه و ح ل متض من أساس ا
في فكرة الوضع األصلي ،هو تصور األنا كذات ح ائزة ،ألن الحي ازة هي ال تي تس مح لألن ا
بالتجرد من غاياته من دون أن يكون منفصال عنها تماما" ،63في أخالق ال واجب عن د راول ز تبع ا
لفكرة الحيازة ،يكون األنا سابقا على الغايات التي هي من وصفه ،تفسير هذه األسبقية يطرح تحديا خاصا،
ما دام مشروعه (راولز) يلغي من اإلعتبار أن يحقق أولويته في عالم مفارق ،أو نوميني ،فكل تفسير لألن ا
وللغايات ينبغي ،حسب راولز أن يوضح لنا مسألتين ،أوال كيف يتم التمييز بين األن ا وغايات ه ؟ وكي ف يتم
الربط بين األنا وهذه الغايات؟ وعلى ذكر أخالق الواجب عند راولز ،يذكرهذا بكانط" .بالنسبة لكانط ،ال
يمكن إثبات أولوية الحق أو سيادة القانون األخالقي ووحدة األنا أو الوحدة المتعالية لإلدراك
إال عن طريق اإلستنباط المتعالي أو الق ول بع الم نومي ني أو ع الم معق والت كش رط مس بق
ضروري لقدرتنا على أن نك ون أح رار ونع رف أنواتنا" ،64يعت برراولز أن ه ذا الكالم الك انطي
ميتافيزيقا ،ولهذا يرفضها ،إال أنه يعتقد أنه من الممكن اإلحتفاظ بقوتها األخالقية في سياق نظرية تجريبي ة
ذل ك ه و دور الوض ع األص لي عن ده ،وفي ه ذا اإلط ار يق ول س اندل" :التفسير الذي يعطيه راول ز
للوضع األصلي ،وهو تفسير تجريبي صريح يدعونا هو ذاته إليه ال يمكن أن يؤيد م ا تدعي ه
أخالق الواجب " ،65برهن م.ساندل مرة أخ رى عن فك رة الوض ع األص لي هات ه ،ل ديها ج ذور عميق ة
خصوصا عندما يتعلق األمر بفكرة الحرية والمساواة وهكذا وطبقا لمبدا المساواة الصورية يجب أن يعام ل
هؤالء المتساوون من جميع النواحي معامل ة متس اوية أي يجب أن يك ون ممثل وا المواط نين موج ودين في
مناطق مختلفة ومتناضرة في الوضع األصلي ،وبخالف هذه الحالة أو الصيغة ال نرى ذلك الوضع منص فا
للمواطنين األحرار والمتس اوين .ي رد س اندل ق ائال " أن النقطة األساس ية هي أن ه على ال رغم من
الطابع الفرداني للعدال ة كإنص اف ،ف إن مب دأي العدال ة ليس ا مره ونين برغب ات أو ش روط
* -الحيازة دائما مشروطة بصفة الفاعل و قدرته على التحكم في الذات ،زوال الحيازة من وجهة نظر كانط و راول ز يمكن فهم ه كض رب من فق دان
القدرة ،عندما تزول حيازتي لشيئ ما إما بسبب إفالته من يدي أو ألن مناله من الصعوبة بمكان يجعل ه يس تولي علي و يجعل ني من دون ق درة أمام ه
فإن وضعي حيال هذا الشيئ يناله الضعف هو أيضا .فكل واحدة من هاتين الفكرتين المختلفتين حول هذا الوضع تتضمن بدورها طابعا مختلفا للعالقة
بين األنا و غاياته ،و عليه يمكننا أن نعتبر الجانبين في صفة الفاعل طريقتين مختلف تين إلص الح اإلنح راف في إتج اه فق دان الحي ازة ،و يمكن تمي يز
بعضهما عن بعض من حيث الصيغة التي تعمل به ا ك ل واح دة منهم ا إلس تعادة ن وع من الش عور ب التحكم في ال ذات ( .س اندل ،الليبرالي ة و ح دود
العدالة،ص ).115:
38
إجتماعية سائدة" .66في هذا اإلطار فإن العدالة كإنصاف يمكن القول أنها تتشكل كما ه و الح ال في ك ل
عقد ،من قسمين :
* قسم أخر يخص مبدأي العدالة ،اللذين نف ترض حس ب راول ز أنهم ا س يكونان مح ل إتف اق ،ف إن
الثاني يوفر المؤسسات الخلفية للعدالة اإلجتماعية واإلقتصادية بأنسب صورة للمواطنين المعت برين أح رار
ومتساوين.
بالنس بة إلى مب دأ المس اواة الليبرالي ة ه ذا.يق ول س اندل" :أن اله دف الم أمول من ه ه و
تمكينالجميع من المساواة في اإلنطالق لكي يتمكن من لهم نفس المواهب والقدرات الفطرية،
ونفس اإلرادة في إستغالل حيازتهم هذه من أن تكون فرص النج اح نفس ها ،بص رف النظ ر
عن مكانتهم األصلية في النظام اإلجتماعي" ،67أي مهما وصلت فئة الدخل التي ولدو في كنفه ا ،في
ش تى قطاع ات المجتم ع ،من ال واجب أن يك ون هن اك ح د من التس اوي في الف رص في مج ال الثقاف ة
واإلنجازات لكل من كانت له نفس اإلرادة والمؤهالت .وعلي ه ،توقع ات من لهم نفس الق درات والتطلع ات
ينبغي أال تتأثر بالطبقة اإلجتماعية التي ينتمون إليها.
تبعا لمبدأ الفرق ،ال يمكننا حسب راولز تحمل أوجه ع دم المس اواة في األج ور مثال ،يمكن ت برير
الرواتب العالية لألطباء بدعوى تشجيع األفراد الموهوبين ،إلجراء الدراسات ،فنفس األمر يجب أن ينطب ق
على عدم المساواة في األجور األخرى ،على تحفيز طموح األفراد األكثر موهبة لتحقيق أعم الهم وإف ادتهم
للجسم اإلجتماعي برمته.
في هذا اإلطار يع ترض س اندل على مب دأ الف رق ،حيث يعت بر أن المواط نين في أخالق ال واجب
ليسوا أنانيين ،لهذا تجد العدال ة مناس بتها في كونن ا ال نس تطيع أن نع رف بعض نا بعض ا أو نع رف غاياتن ا
بالقدر الذي يسمح لنا بحكم أنفسنا وفق الخير العام وحده ،ومن المحتمل أن مثل هذا الوض ع لن ي زول كل ه
أبدا ،وما دام قائما فإن العدالة ستظل أمرا ضروريا ومع ذلك ،ليس هناك ما يضمن دوام هذا الوض ع ،وم ا
دام األمر كذلك فستظل الجماعة ممكنة" :يناقض مبدأ الفرق التطلع التح رري في مش روع أخالق
الواجب وعليه يستحيل علينا ،أن نكون أشخاصا يعت برون العدال ة أولي ة ثم نك ون أشخاص ا
ي رون مب دأ الف رق مب دأ العدالة" .68ألن في الوض ع األص لي يس تهدف وص ف حال ة إبتدائي ة
39
لإلنصاف وتعريف تلك المبادئ التي تتفق األطراف العقالنية على إخضاعها لش روطها.ل ذلك
يعت بر س اندل أن راول ز أراد إع ادة االعتب ار للتص ورات اإلجرائي ة للقيم دون اللج وء إلى
مقوماتها الميتافيزيقي ة ،ول ذلك ال يق دم نظري ة العدال ة كفلس فة أخالقي ة ،ب ل يعتبره ا نظري ة
سياسية كما أشرت س ابقا ،ال تطمح إلى بل ورة أس س جوهري ة للفع ل األخالقي ،وإنم ا تكتفي
بالكشف عن المبادئ الناظمة للـــعدالة ،داخل مجتمع تع ددي حس ن التنظـــيم تتص ارع فيــه
وتـتعـايش مختلـف األفكـار والتصــورات والعقليات.
خاتمة
يتض ح من خالل م ا تم تقديم ه في بحثن ا نخلص الى الق ول ان نظري ة راول ز تتلخص في ق درة
إكتشاف أفضل مبادئ العدالة ،إذا تخيلنا وجود عدد من الممثلين في ما يسميه بالوضع األصلي يسعون بجد
للتوصل إلى إتفاق فيما بينهم لتحقيق مصالح الناس الذين يمثلونهم بأفضل السبل ،حيث يك ون ه ؤالء ال ذين
يعمل الممثلون على تمثيلهم هم أفراد المجتمع العادل بش كله المث الي ال ذي يتجس د على أرض الواق ع طبق ا
لمبدأي العدالة ،مثلما سبق أن رأينا .
من خالل ه ذا العم ل توص لنا إلى إس تنتاجين مهمين األول يمكن إستخالص ه من نظري ة العدال ة
بإعتبارها إنصافا إذا ما حصرت ولخصت شروط التعاون اإلجتماعي التي تشكل المبدأين األساسين للعدالة
اإلجتماعية في مجم ع ع ادل وهي الش روط ال تي تتواف ق عليه ا األط راف في الوض ع األص لي في النق ط
التالية:
كل إنسان لديه حق مماثل لحق غيره ضمن مشروع يكفل الحرية للجميع -
يكون الغرض من حاالت التفاوت اإلجتماعي واإلقتصادي تبرير حالتين: -
40
** أوال يجب أن ترتبط تلك الحاالت بالمناصب والمواقع المتاحة للجميع على حد سواء؛ ثانيا
يجب أن يكون هدفها تحقيق أكبر منفعة لألفراد الذين يحصلون على أقل المكاسب في المجتمع.
** الثاني تتوافق عليه األطراف في الوضع األصلي ،باإلضافة إلى إتفاقها على مبدأي العدالة،
تسعى إلختيار بين تركيبات أساسية بديلة( ،وهما مبدأ الحريات األساسية وتكافؤ الفرص) فهي سوف تتف ق
على ضرورة أن تكون لدى أفراد المجتمع العادل مزايا محددة ،أوال تريد األطراف من أفراد هذا المجتم ع
أن يكون لديهم إحس اس فع ال بالعدال ة ويع ني ذل ك أنهم يرغب ون أن يص بح أوالئ ك األف راد ق ادرين على
إستيعاب وتطبيق ،والتصرف وفقا لمبدأي العدالة اإلجتماعية ،والمجتمع حسن التنظيم ،ومن أجل أن يوافقو
أفراده على شروط التعاون اإلجتماعي التي يخضعون لحكمها ،بعبارة أخرى كل ف رد في المجتم ع ي رغب
في أن تتطور لدى األخرين القدرة على تكوين ،ومراجعة ،ومتابعة تطوير تصور عقالني عن الخير ،وهو
تصور من شأنه أن يشكل األساس لخطة الفرد في الحياة ،يسمي راولز هذه المزايا بق درتين أخالقي تين"من
المرتبة العليا" ،ألنهما من المزايا التي يعتق د أن األط راف في الوض ع األص لي ت رغب من المواط نين في
مجتمع عادل تماما تطويرها بشكل أفضل من غيرها.
يترابط هذان االستنتاجان األساسيان أحدهما مع األخر.على سبيل المثال ،فإن الحريات ال تي ينبغي
أن تحظى بالحماية من خالل مبدأ الحريات األساس ية هي وفق ا ل رأي راول ز ،فق ط تل ك الحري ات الالزم ة
لتطوير القدرات األخالقية لألشخاص .وهذا اليعني أن راولز يح اول أن يعطين ا قائم ة كامل ة تض م أن واع
الحريات ،ولكنه يذكر من بين أشياء أخرى ،حرية الفكر ،وحرية الضمير ،والحريات الشخصية مثل حرية
عدم التعرض االعتقال التعسفي ،وحقوق التقيد بشرعية القانون والمحاكمة العادلة ،ومن الحريات السياس ية
حق التصويت وحرية الص حافة .ي ولي راول ز إهتمام ا خاص ا بالحري ات السياس ية ،ويؤك د على أن أف راد
المجتمع العادل يجب أن يحصلوا على قدر وقيمة منصفة من هذه الحري ات ،أي أن يك ون لك ل ف رد الح ق
نفسه كما لباقي األفراد في أن يكون في وضع يؤهله لممارسة هذا الدور المؤثر في اتخاذ القرارت العامة.
يمكن أن نفهم كيف أن العدالة بالمعنى القانوني بإمكانها أن تك ون غ ير عادل ة .ألن اإلنس انية تبع ا
لكانط غير قادرة أن تتطابق كليا مع ماهيتها األخالقية ،وهن ا يص بح الح ق ،فك رة أو لنق ل قيم ة إن ه فك رة
يجب تحقيقه ا في اف ق غ ير مح دد .لكنه ا فك رة اليجب التخلي عنه ا أب دا ليس ألنن ا نعيش الي وم تح والت
سياسية وثقافية وفلسفية .بل ألنه من واجبنا أخالقيا أن نتقدم إليها بهدوء وتأن .ألن الح ق يوج د أمامن ا وال
يجب أن نعتقد في يوم من األيام أننا بلغناه وإمتلكناه ،وهذا ما لحظن اه م ع راول ز أثن اء إعتب اره الالمس اواة
شيئ طبيعي شرط أن تكون في صالح األق ل حظ ا وفق را في المجتم ع ،ففي ك ل دول ة يس ود فيه ا الق انون
العادل ،يقوم نظام للحقوق والحريات وما يقابله من واجبات ومسؤوليات.
41
األمر الذي تفتقده جل الدول اليوم والواق ع ش اهد على ذل ك ،ل ذا من ال واجب ومن األهمي ة بمك ان
إعادة اإلعتب ار للبحث في الفلس فة السياس ية ،لم ا ت وفره ه ذه األخ يرة من ترب ة خص بة لض مان الحري ات
األساسية لألفراد والجماعات ،وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للخيرات.
يعتبرهذا العمل مقدمة لمشروع البحث في الفلسفية السياسية متوخيا من ورائه على األق ل إمكاني ة
طرح السؤال حول إمكانية اإلستفادة ،ولما ال األخذ بمثل هذه النظري ات العظمى ك التي طرحه ا راول ز أو
تطويرها وفقا للظروف الحالية ،في مجتمع يتخذ من وحدة المذهب -العقي دة أساس ا ل ه رافض ا ك ل إمكاني ة
لقب ول فك ر التع دد واإلختالف على أرض الواق ع اللهم اإلكتف اء برف ع ش عارات الديمقراطي ة والحري ة
المساواة ...شعارات يفندها الواقع ،الحياة اليومية.
هل يمكن أن نتكلم يوما من األيام عن مبادئ العدالة ك التي ص اغها اللي برالي راول ز داخ ل البني ة
األساسية لمجتمعاتنا؟.
البيبلوغرافيا
-المراجع
Rawls , John : « théorie de la justice »,tr,français par .Cathrine Audard.
Paris. Seuil. 1987.
راولز ،جون :العدالة كإنصاف ،إعادة ص ياغة ،ترجم ة ،ح اج حي در إس ماعيل ،المنظم ة العربي ة
للترجمة ،بيروت ،ط .1،2009
ارسطو :علم األخالق إلى نيقوماخوس ،دراسة بارتلمي سانتهلر ،ترجم ة ،احم د لطفي الس يد ،دار
بيبليون ،باريس.2008،
42
ارسطو :في السياسة ،ترجمه من اليونانية إلى العربية ،األب أوغيس طين برب اره البولس ي ،اللجن ة
اللبنانية لترجمة الروائع ،بيروت ،ط .2،1980
هوبز ،توماس :اللفيتان ،األصول الطبيعية و السياس ية لس لطة الدول ة ،ترجم ة ديان ا ح بيب ح رب
وبشرى صعب ،هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث ،أبو ظبي ،ط .2011 ،1
ج.ج.روس و:العق د اإلجتم اعي،ترجم ة ،ب ولس غ انم،اللجن ة اللبناني ة لترجم ة الروائ ع ،ب يروت،
.1972
ج.ج.روس و :خط اب في أص ل التف اوت وفي أسس ه بين البش ر ،ترجم ة ،ب ولس غ انم ،المنظم ة
العربية للترجمة ،بيروت ،ط .2009 ،1
ج.ج.روسو :اإلعترافات ،ترجم ة ،حلمي م راد ،دار البش ير للطباع ة والنش ر والتوزي ع ،دمش ق-
بيروت.
كانط ،إيمانويل :تأسيس ميتافيزق ا األخالق ،ترجم ة ،عب د الغف ار مك اوي ،كولوني ا ،ألماني ا ،ط،1
.2002
ساندل ،مايكل :الليبرالية وحدود العدالة ،ترجمة ،محمد هناد ،المنظمة العربي ة للترجم ة ،ب يروت،
ط .2009 ،1
منصف،عبدالحق :األخالق والسياسة -كانط في مواجهة الحداثة بين الشرعية األخالقية ،والشرعية
السياسية -أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء.
مصباح ،صالح :فلسفة الحداثة -الليبرالية من هوبز إلى كانط ،جداول للنشر والتوزيع ،ب يروت ،ط
.2011 ،1
باري ،بريان :الثقافة والمساواة ،نقد مساواتي للتعددية الثقافية ،ترجمة ،كمال المصري ،منشورات
المجلس الوطني للثقافة والفنون ،الكويت ،ج -1ج ،2ط 1،2011
فهرس البحث
مقدمة 4............................................................................................................
تقديم7.............................................................................................................
●أرسطو 9..........................................................................................
- 2إمانويل كانط15......................................................................
تقديم 19.....................................................................................................
1المبدأ األول29.......................................................................
2المبدأ الثاني32.......................................................................
41.............................................................................................. خاتمة
البيبلوغرافيا.....................................................................................................
43
44
فهرس البحث44...................................................................................................
45