تقديـــــــم :لعل الصلة ثابتة بين ديداكتيك الفلسفة و بين المادة الفلسفية في ذاتها ،بما يضفي شرعية عـلى التساؤل حول شروط توفر " ديداكتيك الفلسفة " بالمفهوم األكاديمي ،ألن طبيعة الـفـلـسـفـة بوصفـهـا مجاال معرفيا مفتوحا بشكل الفت ،تشي بصعوبة اندماجـهـا مع الديداكتيك داخـل بـؤرة واحـدة ،وهــو الموضوع الذي افترق حوله أصحاب النظر واإلختصاص إلى فريقين اختلفت آراؤهما ،ولكن بما لـــم يمنع من حيازة الفلسفة لموقع مستقل ضمن النظام الديداكتيكي عامة . يمكن القول بداية بأن »ديداكتيك الفلسفة « ،تعتبر على حد تعبير أولئك الذين يحاولون جاهدين صياغتها وجعلها تتحقق فعليا ،بمثابة »الخط األحمر « للبحث في الديداكتيك بصفة عامة( ،)1إذ وحدها ضمن كل المواد المدرسة في المدارس و اإلعداديات و الثانويات ،اتخذت مسافة ما من األعمال المباشرة في هذا المجال منذ ما يزيد على ثالثة عقود. إن هذا األمر ،ال يرجع حسب المختصين بعلوم التربية ،إلى وضع "مادة الفلسفة" من الناحية اإلدارية والتشريعية ،ضمن المواد األخرى ،من حيث القيمة المسندة إليها ،والمعامالت المحددة لها ،وعدد الحصص المخصوصة لها ،وال حتى ،إلى النظرة السلبية إليها من طرف عامة الناس ،أو من طرف بعض العلماء المتخصصين، بل يرجع باألساس :إلى التمثالت الخاطئة التي ينسجها أغلب أساتذة "الفلسفة" حولها كمادة للتدريس. ضمن هذا السياق إذن ،يمكن التساؤل منذ البداية :هل الفلسفة ممكنة كديداكتيك؟ أو :هل يمكن الحديث عن ديداكتيك معينة للفسلفة؟ وما حدود هذه اإلمكانية؟ إن مقاربة هذه اإلشكاليات تقتضي منهجيا القيام بخطوتين ضروريتين ال غنى عنهما :تتمثل األولى ،في معرفة معنى "الديداكتيك" في جانب أول ،بينما الثانية تقوم ،في معرفة المقصود بـ "الفلسفة" في جانب ثان ،حتى يتسنى التأكد من أن خصائص هاته ،تتوافق مع مواصفات تلك. -1الديــــداكتيــــك: بالنسبة لهذه النقطة ،ال يظهر أن هناك اختالفا كبيرا بين كل المهتمين بالموضوع، إذ يكاد يكون هناك إجماع بينهم – وهذا ما يتجسد حتى على مستوى المعاجم- بأن الديداكتيك مفهوم ينتمي إلى الحقل التربوي عموما ،وإلى مجال البيداغوجيا خاصة ،يدل عل كل" :نظرية أو طريقة للتدريس" ( .)2وكل التعاريف التي تمت صياغتها من طرف الباحثين في هذا المجال تنحو في هذا المنحى :ذلك أن ، MERIEU PHILIPEيدعو "المشروع الديداكتيكي للعمل على تسهيل نقل موضعي (قطاعي) لمعارف محددة" في حين يكتب LAURENCE CORNUو ALAIN ، VERGNIOUXبعد تمييزهما للديداكتيك عن اللبيداعوجيا ،بأن "الديداكتيك تدل على فن أو طريقة تدريس المفاهيم الخاصة بكل مادة" ( .)3ويختزالن الهم الديداكتيكي في االنشغال العلمي بتدريس معرفة ما بكفيفة صحيحة وبأمانة، حسب مقتضياتها الخاصة بها"( .)4وهو ما يعني بعبارة أخرى جامعة :أن الديداكتيك هي فن أو طريقة نقل معرفة محددة حسب النظام أو المنطق الذي يشكل لحمتها وينحدر من طبيعتها وتميزها. لكن ،إذا كانت الديداكتيك فنا لنقل معرفة محددة ،فلن تكون هناك ديداكتيك ،إال حيث تكون هذه األخيرة وتنتظر نقلها .وهو ما يعني تبعا لذلك :أن ديداكتيك الفلسفة تفترض وجود معرفة فلسفية محددة. هكذا إذن ،يكون من الالزم في مقام أول :تحليل مفهوم "الفلسفة" لتبين ما إذا كانت وبأي معنى ،معرفة ،وما يشكل خاصية هذه المعرفة ،كما يكون من الالزم في مقام ثان :مقابلة االقتراحات المصاغة من طرف الديداكتيكيين للفلسفة بما يشكل الخاصية النوعية لهذه األخيرة ،بغية التأكد من توافق تلك االقتراحات لها، وفي مقام ثالث ،بذل نوع من الجهد ،لتحديد شروط إيجاد ديداكتيك للفلسفة بكيفية إيجابية. -2الـفـلسفــــــــة. تدل "الفلسفة" من الناحية االشتقاقية لكلمة (فيلوصوفيا) ،على محبة الحكمة والمعرفة والرغبة في تحصيلهما ،عن طريق إعمال العقل والمنطق ،وركوب تجربة الشك والسؤال ،والتحليل والنقد...ـ الخ. لكن ،إذا كانت هذه الداللة األصلية للفلسفة ،قد تقررت في البداية من طرف "فيتاغوراس" ،حين فضل أن ينعثه الناس بمحب الحكمة وليس بالحكيم ،اعتقادا منه أن الحكمة تخص اآللهة وحدها دون البشر ،وإذا كانت قد تكرست عبر تاريخ الفلسفة ،فإن التذكير بها هنا ،يكفي إلثارة االنتباه إلى المفارقة األولى التي تطرحها كل ديداكتيك ممكنة للفلسفة :فإذا كانت خاصية كل معرفة تكمن في قابليتها للنقل بواسطة فعل التدريس :فهل يمكن إيجاد أو امتالك طريقة ستسمح بنقل المحبة والرغبة في ،...إلى طرف يفترض فيه أنه في حاجة إلى ذلك ،ولما يمتلكه بعد؟ هل المحبة والرغبة تنقل؟ هل يستطيع إنسان ما أن يعلم إنسانا آخر أن يحب ويرغب في...؟ . وبغض النظر عما يطرحه االشتقاق اللغوي لكلمة "فلسفة" من مفارقة كهذه ،فإن المعنى االصطالحي لها ،يطرح مفارقات وتساؤالت أكثر عمقا وداللة :ذلك أن الفلسفة في نهاية المطاف ،تبقى معرفة من نوع خاص ،ألنها ال تعرف التخصص كما الفروع المعرفية األخرى .فال موضوع محدد لها كما في هذه العلوم .وهي ال تدرس شيئا محددا بعينه...ـ بل هي كما الحظ "ديكارت" :تتناول كل ما يستطيع ضا،وسواء كان عاديا ومألوفا، ملتبسا وغام ً ً العقل تناوله سواء كان بديهيا واضحا ،أم أم كان شا ًذا وغريبًا ،وسواء كان يهم اإلنسان كثيرا أو ال يهمه إال قليال. وألنها تفتقر إلى موضوع محدد ،كذلك تفتقر إلى منهج محدد :إنها تغرف من كل المناهج وتستعملها حسب اتجاهاتها ومذاهبها .فهي تستعمل البرهان ،الجدل، الخطابة ،النقد ،وتمارس التفسير والتأويل والتحليل...ـ إلى غير ذلك ،فتلجأ إلى العلم وإلى الفن ،وإلى الدين...ـ بغية تأكيد أطروحاتها.ـ وألنها ال تمتلك موضوعا ومنهجا محددين ،تكون معرفة غير محددة .وإذا كانت هكذا ،فهي تظهر على طرف نقيض مع كل ديداكتيك ممكنة لها .ألن هذه األخيرة ال تكون إال حيث المعارف محددة :إن الديداكتيك ،كما جاء في التعاريف السابقة " نظرية وطريقة لتسهيل نقل المعارف المحددة في مجال من المجاالت ،وفق مقتضيات هذا المجال". وبعبارة أخرى :كيف يمكن إحداث نوع من التطابق بين أداة محددة الوظائف في جميع أبعادها ،وبين مجال غير محدد بطبيعته ،أي الفلسفة؟ أال يقتضي ذلك منطقيا :تقليص هذا المجال وتحجيمه حتى يكون في صورة وهيئة ديداكتيك ،يراد لها أن تكون خاصة به :هي ديداكتيك الفلسفة؟ وهل هذه العملية ممكنة أصال؟ أال تظهر عملية التقليص لمجال الفلسفة غير المحدد أصال ،ليكون متوافقا مع مقتضيات الديداكتيك كطريقة بيداغوجية لها مواصفات ...أال تظهر بمظهر كاريكاتور ترتسم فيه صورة من يحاول جاهدا تمطيط قبعة صغيرة لتغطية رأس كبيرة وضخمة؟ أو من يحاول الضغط على الرأس لتكثيفها وتركيزها حتى تكون في حجم القبعة الصغيرة؟ والفلسفة ،باإلضافة إلى كل ما سبق ،ومن الناحية االصطالحية دائما ،تفكير على نمط خاص ،ذلك أنها كما يشهد ميالدها :ظهرت كتفكير منطقي صارم ،منسجم، مجرد ،ونقدي...ـ باألساس ،جاء ليناهض الخرافة واألسطورة والسفسطة والنزعة الوثوقية والتعصب ...بغية تحري العلم والحقيقة .إن هذا التحديد للفلسفة ،والذي ال يمكن ألحد أن يطعن في صحته كلية ،وإن كان يؤسس لنظرة إيجابية تجاه الفلسفة تصل إلى درجة المدح والتقريض ،يطرح حينما يتعلق األمر بموضوع هذا "العرض" أسئلة ومفارقات أكثر استفزازا من التي سبقت إثارتها .مفارقات وتساؤالت تنصب أساسا على مدى قدرة ديداكتيك معينة للفلسفة لالضطالع بمهام تشكل في جوهرها خصائص نوعية لهذه األخيرة :فبأي معنى يمكن الحديث عن "ديداكتيك للفلسفة" تحقق كل هذه المطالب أو أغلبها األعم لدى المتعلم: أي القدرة على التفكير المنطقي الصارم ،المنسجم ،المجرد ،النقدي ...المناهض للخرافة والسفسطة والوثوقية والتعصب...؟؟ وهل يمكن الحديث عن "ديداكتيك واحدة"ـ للفلسفة التي ليست واحدة باألصل؟ وأيضا :هل يمكن الحديث عن "ديداكتيك للفلسفة" بالنسبة لفاعلين تربويين مختلفين في كل شيء على التقريب :من حيث الوجود المادي ،السيكولوجي ،السوسيوثقافي ،الذهني، اللغوي والحضاري بصفة عامة؟ وبصرف النظر عن هذا كله :إذا كانت أنواع الديداكتيك في الفروع المعرفية األخرى (المعدة في شكل مواد جزئية قابلة للتدريس) تنطلق من "مادة جاهزة" تعمل فيها ومن خاللها ،لتحقق األهداف التربوية العامة ،واإلجرائية الخاصة بتلك المواد: فما هي "المادة الجاهزة" التي يجب أن تنطلق منها ديداكتيك الفلسفة؟ هل هذه "المادة" هي "الفلسفة" هكذا بإطالق القول ودون تحديد ،طالما أن الفلسفة تنفتح على كل المجاالت وال تعرف التخصص؟ أم هي "تاريخها" كمذاهب واتجاهات وتيارات؟ أم هي "الفالسفة" أنفسهم ،باعتبار أن كل واحد له فلسفته الخاصة به؟ هل هي "النصوص" و"المؤلفات" باعتبارها المجال الذي تتجسد فيه ثوابت التفكير الفلسفي لغة ومضمونا؟ أم هي "المفاهيم الفلسفية" تخصيصا؟ أم هي "الموضوعات" و"القضايا" ...أم هذا كله؟ إن مجمل هذه التساؤالت ،والمفارقات التي يطرحها مجرد التفكير في ديداكتيك خاص بالفلسفة ،قد أدى إلى ظهور فريقين من المهتمين بالبيداغوجيا بصفة عامة، وبالديداكتيك خاصة :فريق اقتنع أمام هذه االحراجات االبستمولوجية بعدم إمكانية صياغة ديداكتيك خاصة بالفلسفة ،كما هو األمر في المواد األخرى ،اعتقادا منه أن ذلك سيقتل ال محالة "الروح الفلسفية" عوض إنعاشها لدى المتعلم ،واعتقادا منه ،أن الفلسفة في حد ذاتها تحمل ديداكتيكها داخلها ،وأن كل ما ينظر له في مجال البيداغوجيا مبتوت فيها بحكم طبيعتها كأ ِم للعلوم ،...وفريق اقتنع بعكس ذلك تماما مع إدراك الصعوبات التي يطرحها التنظير لهذا العمل وكذا العوائق الكثيرة والمتنوعة التي تحول دون النزول به إلى مستوى التطبيق. وفي هذا اإلطار ،تجدر اإلشارة إلى أن أهم الذين اعتقدوا في إمكانية إيجاد طريقة أو طرق خاصة لتدريس الفلسفة ،على الرغم من كونها ال تشبه أيُّا من المواد المدرسةM.TOZZI، L. CORNU، A. VERGNIOUX، P. MERIEU،ROLIN F. ، P. : ...BARANGER، M. BENOIT، C. VINCENTوآخرون( .)5والقارئ لمؤلفات هؤالء يدرك بأنهم – وإيمانا منهم بما يطرحه موضوع ديداكتيك خاصة بالفلسفة ،وإدراكا لمجمل الصعوبات النظرية والعملية لهذه الديداكتيك -قد أقروا كل حسب وجهة نظره ،بأن ما هو ممكن فقط حين يتعلق األمر بمادة "الفلسفة" هو فقط "ديداكتيك تعلم التفلسف Apprendre à philosopherوليس "ديداكتيك للفلسفة" .وهذا األمر ليس مجرد تغيير لإلسم ،بل إدراكا منهم ،كما أدرك ذلك الفيلسوف األلماني كانط، بأن " ليس هناك من فلسفة يمكن تعلمها ،وأنه ال يبقى سوى األخذ في التفلسف"(.)6 إن إدراك هؤالء لهذه الحقيقة ،قد أدى بهم إلى االقتناع موازاة مع كل ما سبق، بضرورة تحويل كل التساؤالت المثارة سلفا حول الفلسفة ككل ،إلى تساؤالت حول " فعل التفلسف" .وهذه العملية نفسها هي التي سمحت خالل العقود الثالثة الماضية على األقل في بعض البلدان – وخاصة في فرنسا -بضمان موقع خاص ومتميز إلى حد كبير ،للفلسفة ضمن الهم الديداكتيكي بصفة عامة .موقع يفيد باختصار بأن "المادة" التي يجب االنطالق منها لتعليم "فعل التفلسف" للناشئة، هي "النصوص الفلسفية" للفالسفة ،وبأن الغاية القصوى من االشتغال على هذه النصوص :في مرحلة أولى ،حين ال يزال الجميع يتحدث عن "التدريس باألهداف" هي اكساب التلميذ القدرة على التفلسف من خالل المثلث المشهور :المفهمة، األشكلة ،والمحاجة ،وفي مرحلة ثانية :حينـ أصبح الكل يتحدث عن "التدريس بالكفايات" ،هي :تعليم التلميذ التفلسف من خالل اكسابه كفايات نوعية، تواصلية ،ذهنية ...عبر سيرورات وخطوات واعية منهجية ال تخل بالروح الفلسفية للمادة ،رغم كل اإلكراهات الرسمية المتمثلة في نوعية البرامج ،والتوجيهات...ـ وغير ها.
ــ اإلحاالت المرجعية:
M.TOZZI (ET AUTRES) : « Apprendre à philosopher… » Hachette -1
.éducation. 1992. p. 23 .Dictionnaire de la langue Française : Petit Robert -2 L.CORNU et A.VERONIOUX : « La didactique en questions » -3 H.éducation.1992.P :10 .Ibid. p 14 -4 .Voir la bibliographie -5 .E. KANT : « Critique de la raison pure ». PUF. Paris. 5 édition. P. 561 -6 ــ بـيبـلـيـوغـرافــيــــا:
M. TOZZI . P. BARANGER, M. BENOIT, C. VINCET: « Apprendre à -
.philosopher dans les lycées d’aujourd’hui »H.éduction.1992 P. MERIEU : « Philosophie et didactique » Préface à « Apprendre à - .philosopher » ci-dessus L. CORNU, A. VERGNIOUX : « La didactique en questions » H. - .éduction .1992 M. TOZZI : Petit Grossaire in « Enseigner la philosophie aujourd’hui » - CRAP- Cahiers pédagogiques. Séminaire 89/90 Université de Montpellier .III M. TOZZI : Introduction à la problématique d’une didactique de - l’apprentissage du philosopher- in : « Didactique de l’apprentissage du .philosopher » Université de Montpellier III. Décembre 1992 P. MERIEU : « Apprendre…oui, mais comment ? » Paris ESF ; 1992. - .9ème id Education et philosophie » PUF. Paris.1993 « : )Groupe( -
ةثدحتسملا ةيميلعتلا تايعضولا لظ يف يفسلفلا سردلا تاناهر ةيرئازجلا ةسردملا يف Philosophical lesson bets in light of the educational situations created in the Algerian