Professional Documents
Culture Documents
إنسان القرن العشرين ،يفهم من "الخطابة" أنها قو ٌل فارق غير مفهوم ،لذلك تج ده يس تغرب
لماذا يريد الفيلسوف أن يُدمِج مجال الحجاج Argumentationوالخطاب ة ،rhétorique
فآخر مرة درست فيها الخطابة كانت مند قرن في فرنس ا بع د ح ذفت من ال برامج التعليمي ة
ألنها ال تملك أية قيمت تربوية .لكن في بلجيكا كان ت دريس الخطاب ة ض روريا ،وفي ك تيب
صغير لهم يمزجون بين القياس syllogismeواألس اليب الاس تعارية ،آن إ ٍذ لم يكن هن اك
من يعتبر أن الخطاب ة هي ذي قيم ة .ح تى في كتاب ات أفالط ون نج ده يه اجم السفس طائيين
ومعلمي الخطابة ،لماذا؟ ألنها تكتفي فقط بإبهار المستمع وليس تلقينه الحقيقة .أيضا الخطابة
غير موجودة أيضا في معجم الالند ،مما يفيد أنها ال تنتمي بتاتا للمجال الفلسفي.
لكن األبحاث التي قام بها بيرلم ان أوض حت ل ه أهمي ة الخطاب ة في الفك ر المعاص ر .فقب ل
ثالثين سنة في كتابه "في العدالة" بحث في مسألة العدال ة ليس تخرج قاع دة ص ورية للعدال ة
"الكائنات من نفس الفئة الجوهرية يجب مع املتهم بنفس الطريق ة" لكن كي ف يمكن التفري ق
بين الجوهرية عن غيره و الذي ه و مهم من غ ير المهم؟ وج د بيرلم ان أن ه ذا التفري ق ال
يمكن أن يتم إال على أساس أحكام القيمة التي كانت في تلك المرحلة تبدو ل ه عش وائية .ه ذا
في حين الجواب الوضعي بخصوص التفكير في أحكام القيمة لم يُقنع بيرلم ان ،مثال طريق ة
عقلية تمكن من معرفة لم ا نفض ل الخ ير على الش ر ،والعدال ة على الظلم .ليب دأ في العم ل
إلنشاء منطق ألحكام القيمة.
وهن ا بيرلم ان سيس ير على منهج ،Gottlob Fregeال ذي عم ل على اس تنباط القواع د
المنطقي ة المس تعمل في المبرهن ات الرياض ة ،ه ذا العم ل االستقص ائي ه و ال ذي ج َّد َد من
المنطق الصوري .لكن هل هذه الطريق ستنجح مع أحكام القيمة ،في نص وص تفض ل قيم ة
على قيمة أخرى .وبعمل استقصائي طويل مع أولبريخت تيطيكا جعلهم يكتشفون ش يئا غ ير
منتظر ،مع العلم أنه قبل هذا العمل لم يكن هناك منطق ألحكام القيمة .فهذا المنسي لعص ور
عديد هو الذي وجده بيرلمان عند القدماء فهو الخطابة ،أي الفن الق ديم في اإلقن اع .والع ودة
هنا عنده كانت للخطابة والطوبيقا ،في التقليد اإلغريقي ـ الروم اني ،وج د برلم ان في ه ذه
1
العودة للخطابة والطوبيقا أن هذه األصناف ال تسلك مسلك االستنباط الصوري الصحيح في
تحقيق القبول عند المتلقي ،بل لها صنف آخر من االستدالالت.
تجلى في القديم أن الخطيب كان في صراع مع الفيلسوف ،لذلك ُغيِّبت الخطاب ة من المج ال
الفكري إلى اآلن ،ألن الخطابة القديمة كانت مقصورة فق ط على ش كل وطريق ة اإللق اء ،أي
اهتمت باألسلوب .حيث كان الخطيب في ذلك الحين مدعا ًة للس خرية من ط رف الفيلس وف،
لكن لِ َم كتب فالسفة كبار ح ول الخطاب ة فق ط لالهتم ام باألس لوب وطريق ة الق ول؟ ال يمكن
اختزال أعمال أرسطو ،شيشرون وكانتيليا في هكذا قول.
روالن بارت يرى أن الخطابة متجاوزة لكنه مع ذلك يقول بأن الق ول ب اختزال الخطاب ة في
األس لوب ه و ق ول مغل ط ،وفي نفس الس ياق جوني ط Genetteوفي مق ال ل ه "الخطاب ة
الخاصة" يعرض رأيه المخالف :خطابة أرسطو ليست عامة ،وأن الذي حصل هو أنه ا في
العصر الوسيط فقدت توازنها ،أي توازن األجناس الثالثة :التداولية ،القضائية ثم االحتفالية،
ذلك راجع لسقوط األنظمة الجمهورية ،فسيغيب الجانب التداولي واالحتف الي ويتم االقتص ار
فقط على طريقة اإللقاء وبديع القول.
بول ريكور يرى أن الخطابة لدى أرسطو تقسم لثالثة مجاالت ،األولى نظرية في الحجاج،
وهي ال تي تجع ل الخطاب ة تنتمي لمج ال المنط ق ،ونظري ة في ب ديع الكالم ،ثم نظري ة في
طريقة تجميع الخطاب .فرأي جونيط باختزال الخطابة في اإللقاء فقط وهذا التصور ه و من
قتل الخطابة على مر هذه العصور بجعلها تهتم فقط بكيف وبديع الكالم .في حين الخطابة ال
بد أن تتألف من بديع الكالم أو حسن القول ،ومن الحجة ثم من طرق اإلقن اع ،والفص ل بين
هذا الثالثي الذي يشكل أسَّ الخطابة هو ما حصل في الجامعات األمريكي ة من ذ س تين س نة.
حيث أن اإلحي اء ال ذي عرفت ه الخطاب ة لم يكن ممكن ا إال على أس اس رب ط العالق ة بين
تكونا وتش ّكال مع أرسطو.
الخطابة والجدل كما ّ
2
الفصل األول :منطق ،جدل ،فلسفة وخطابة
لتحديد الخطابة في صميمها يقول برلمان أنه البد أن ننظر في عالقتها م ع الج دل ،أرس طو
في كتاب ه األورك انون م يز بين طريق تين في االس تدالل ،تحليلية وجدلية ،حيث خص ص
لألولى مصنف التحليالت األولى والثانية ،لكن المناطق المعاصرين تناسوا أهمية االس تدالل
الجدلي في مصنف الطوبيق ا ،الخطاب ة والتبكيت ات السفس طائية .ففي كت اب التحليالت درس
فيه القياس البره اني :بم ا أن "أ" هي "ب" و "ب" هي "ج" ،ف إن "أ" هي "ج" ،في القي اس
البرهاني البد من االنطالق من مقدمات صحيحة ،فهذا النوع ال يدخل فيه رأي اإلنسان فه و
غيرـ ذاتي .لكن ليس كما مع االستدالل الجدلي فيمكن أن ينطلق من أراء مقب ول عن د أغلب
الناس أو من طرف الفالسفة ،أي من طرف الجميع :لكن ليس كل ما هو متعارف علي ه ه و
دائما صحيح ،فقد يشابه الصواب ولكن ه ليس ك ذلك ،ق د نخل ط بينه ا وبين م ا ه و محتم ل،
فالمحتمل يُعنى بالماضي والمس تقبل ،أم ا اآلراء المش هورة هي خارج ة عن ال زمن تط رح
سؤال هل الكون متناهي أم غير متناهي؟ فالجواب المقبول من عامة الناس هو ال ذي ينطل ق
منه الجدل.
إن االنطالق من أفكار مقبولة يكون ألجل تغيير رأي اآلخ ر المس تمع أو إقن اع الط رف في
مناظرة ،إذن االستدالالت التحليلية ُتعنى بالحقيقة ،واالستدالالت الجدلية تتعلق بالرأي ،وكل
منهم له خطابه ونطاق ه .في ه ذا الص دد ينتق د برلم ان بي ير دو الغ امي pierre de la
raméeال ذي اخ تزل في triviumأي فن ون الخط اب كله ا تص ب في ظ اهر الخط اب،
وصديقه أومير طالون Omer Talonالذي أودى بالخطابة للهالك باختزالها في األشكال
التي يتخذها الخطاب يطلق عليها الخطابة الشكلية .la Rhétorique des figures
المنطق الحديث المتأثر بكانط ال يدرج ضمن نسقه المنطقي الجدل ،ف المنطق الص وري في
نظرهم وكم ا تأس س م ع أرس طو أي القي اس البره اني ال ي دمج في داخل ه القي اس الج دلي
معتبرين إياه ال ينتمي للمنطق ،في حين أرسطو في الحقيقة ال يس تثني الخطاب ة وال الج دل،
3
فيعتبر أن الخطابة والجدل متشابهان ،الجدل يهتم بالحجاج الذي يستعمل في المن اظرات أو
الحوارات مع محاور واحد ،الخطابة تهتم بالتقنيات الخطابية التي تتوج ه لحشد ما ال يمل ك
أي معرف ة وليس ق ادر على الت دقيق في االس تدالل المق دم أمام ه من ط رف ذل ك الخطيب.
فالخطابة الجديدة وفي تعارضها مع القديمة ترى أن هذا الخطاب ممكن أن يوجه لكل الن اس
عام ًة أو خاص ة ،فهي تغطي ج ل مج االت الخط اب ال ذي ي رمي اإلفح ام واإلقن اع ،بغض
النظر على المتلقي والموضوع الذي يتوجه به الخطيب أو الجدلي.
من هن ا يمكن إنش اء منط ق قض ائي أو فلس في ،بت الي هن ا س نجعل الفلس فة تابع ة للخطاب ة
الجديدة على عكس ما كانت عليه مند بارمنيد الذي ميز بين ال رأي والحقيق ة .فه ذا الص رح
الميتافيزيقي الكبير للفلس فة تجس د م ع أفالط ون ،ديك ارت وكان ط ،ال تي جعلت ح اجزا بين
البحث عن الحقيقة وعمل الخطيب والسفسطائي ،ألن بحسبهم أن الخطابة تغلط وتراوغ.
هذا النوع من الحجاج كان يدرّ س في الدير وفي المجاالت السياسية ـ الدبلوماسية ،فه و يعلم
النقاش مع من هو مخالف معك في الرأي ،فإن لم يكن الحجاج ،سيلجأ الن اس للعن ف ،ل ذلك
فتغيير أي رأي البد أن يكون بالنقاش ،لهذا وجب لقاء وتالقي العقول فيما بينها ،فأي غي اب
للنقاش في الحقل السياسي ينشئ دول لها السيادة المطلقة ،absolutistesوحتى في الدول
الليبرالية ال تمنح حرية على بياض للحديث في أي حادث ،هذا ما أشار له أرسطو :ال ينبغي
4
أن نح اور أيً ك ان وتجنب الح ديث عن بعض األم ور ،مثل ه في ه ذا مث ل ال ذي يس اءل
البديهيات "هل الثلج أبيض؟".
الحجاج ال يبتغي فقط اإلقن اع العقلي ،ب ل أيض ا يري د تعزي ز القابلي ة واالس تعداد لفع ل م ا،
وتغير موقف ما ،هذا من شأنه دَرْ أ أضرار الح رب والفتن ال تي ت ودي بالن اس للهالك ،إذن
فمن هو المستمع الذي يوجه ل ه الحج اج بخاص ة؟ الج واب واض ح بذات ه ،فالمح امي ال ذي
يترافع أمام محلفين ،والبرلماني يوجه خطابه للوزراء ،فليس المهم هن ا ه و تحدي د المس تمع
ومخاطبه ،ألن الخطيب يستثني جزء من مستمعه مثال في حالة كان يدخل معه في تعارض
سياسي ،أو يمثل معارضة برلمانية.
إذا كان الخطاب الملقى يعني العالم كله ،فالعالم ه و مج زأ ألع داد هائل ة من المس تمعين من
جميع األصناف ،بالنسبة لبعض العقالنيين والفردانيين ،الت داول الف ردي يك ون ص ادق ،ألن
في هذا التفكير الحميمي مع النفس ال نخفي فيه شيئا ،من هن ا ي أتي التواف ق بين ال ذات م ع
ذاتها كما قال باسكال ،وهو شبيه لما عند ديكارت "أن الشيء ال ذي أق ِن ع ب ه ذاتي س أقنع ب ه
غيري" .شوبنهاور يعتقد تقريبا العكس ،بالقول أن العقل يغطي على نفسه األس باب الحقيقي ة
لفعل ما نريد تبريره ،والتي هي العقلية من األساس.
هذا الجانب الذي يخفي اإلنسان في تداوله الحميمي مع نفسه يمكن كشف أزالل ه فق ط بتقني ة
السؤال ـ جواب ،وهذا يختلف بدراجات فهن اك المتلقي ة من درج ة دني ا أس ئلته ليس ت بنفس
الدقة التي يملكها المتخصصين ،فأي إغفال منهم ألي جانب من الخطاب والحجاج والموج ه
لهم ،من شأنه أن يزعزع القناعات العلمية ،فأمام المختص ين ال يتم اإلقن اع هك ذا بالص دفة،
فالخطاب الذي يقنع هو الذي تكون مقدماته كونية ،أي مقبول من طرف مستمع كوني.
أرسطو يبني الخطابة على المس َتمع ،كان متخصصا أم عاديا لذلك يضع ثالثة أجناس للق ول
الخطابي ،هناك الجنس التداولي :يقدم فيه الخطيب نصيحة أو نهي والبد أن يك ون قول ه ذا
ج دوى .في الجنس القض ائي :الخطيب يتهم أو ي دافع بغي ة س نِّ الص واب .في الجنس
االحتفالي :الخطيب يلوم أو يمدح وخطاب ه يتعل ق بالجمي ل والق بيح .حيث أن الجنس األول
أرس طو اس تلهمه من المج ال القض ائي والسياس ي من أج ل ت بين تحدي د الجنس الث اني أي
5
القضائي .الجنس االحتفالي هو مركزي ألن دوره يكمن في تعزيز اإلقناع والقبول ،يستعمل
في العزاء والحفل للتحفيز مشاعر تنِم عن ذلك الحدث.
إذن الحجاج البد أن ينطلق من مقدمات مقبولة عند المس تمع ،ه ذه المنطلق ات المقبول ة ،هي
إما مقبولة ألنها تتعلق بالواقع أي الحقائق أو االفتراضات ،وإم ا من منطلق ات مفض لة وهي
باألساس تنتمي لمجال هرمي ـ قيمي ،فهذه المنطلقات يسندها سلطة إلهية م ا تض ن أحقيته ا
وصالحيتها وتجعلها تلبس ثوب الحقيقة بحيث ال يمكن التشكيك فيها .لكن هذه الثوابت يمكن
وضعها تحت المسألة وشك ديكارت ال ينفع هن ا ،باعتب اره ش كا عقالني ا ،فيتغينش تاين أف رد
لهذا الموضوع بعض الصفحات .إذن كيف نمسك بالواقعة والحقيقة؟ الطريقة الناجعة تتمثل
في عرضهما في مقابل حقيقة أو واقعة أخرى ،والذي يص مد نحتف ظ ب ه ول و كلفن ا ذل ك أن
نتخلى على كومة منها .هذه المسألة أحيانا قد ت ؤدي لث ورة فكري ة س واء علمي ة ،فلس فية أو
دينية ،هذا الن وع من االس تدالل بالقرين ة ،présomptionsس يجعلنا نرتك ز على قناع ات
معقولية .
الق رائن ق د تجع ل نقط ة االنطالق لالس تدالل ،على عكس الق رائن القض ائية تق دم ق رائن
استداللية مبنية على استدالل قضائي ،وتستغل كل حجة لصلحها ،وفي األحك ام ال تي ينتظ ر
منها تقديم ما هو واقع يمكن هنا التمييز بين األحكام التي تع بر تفض يل préférenceأي
الخاضعة للقيم الهرمية ،أو أحكام تحدد ما يمكن أن يصبح مفض ال préférable. Louis
Lavelleيعتبر أن القيم تغطي كل م ا ل ه عالق ة بنهاي ة الفت ور أو بالمس اواة بين األش ياء.
فالقيم قد تحدد كل شيء جيدا كان أو سلبيا بالنسبة للشخص الذي ه و تحت س قف تل ك القيم،
6
من خاللها يقوم بتفضيالت مسوغها هو القيم ،ومنها تبنا تصورات الفرد حول ما ه و جمي ل
و قبيح ،ما هو صحيح وباطل ،هنا ك ل الفهم عن الواق ع ال ذي ه و موض وع دراس ة علمي ة
يصبح غامضا ومشوب ،الواقع بالنس بة للبحث العلمي ال يقيم تفاض ال بين الوق ائع ،هم على
تساو تام .على غرار مبحثي األونطولوجيا أو الدراسة الفلس فية للواق ع فهم ال
ٍ ح ٍد سواء وفي
يتوارون عن إقامة درجات بين الواقع نفس ه ،هن ا تم زج أحك ام القيم ة م ع وص ف المعطى
الموض وعي ،أحك ام القيم ة هي في تع ارض فيم ا بينه ا تم اعتباره ا من قِب ل الوض عيين
كأشياء فارغة من الموضوعية ،على عكس أحكام الواقع التي بالتجربة والتح ري ثم التحق ق
هي مقبولة عند الجميع.
أحكام القيمة إذن تحجب عن الباحث الكثير ليراه ،لهذا السبب يصير مستحيال الحجاج ب دون
االتفاق القبلي الموهم عن المبادئ ،pétition de principeأي نتغاضى الطرف عن ما
هو غير قابل لالستدالل ،قيل أن القيم تتصارع وتتضارب فيما بينها لكن أال توجد قيم كوني ة
مشتركة :يقبلها ك ل إنس ان ،من قبي ل الحقيق ة ،الخ ير ،الع دل؟ ه ذه القيم هي في األص ل ال
خالف حولها فقط ألنها غير مح ددة ،ص ورية ،حين نح ددها ونض عها في وض عيات معين ة
وملموسة ،تظهر االختالفات وتفرق ات في اآلراء ،فبالنس بة ل Dupréelالقيم الكوني ة هي
فقط وسيلة لإلقناع ،آلية روحية خارجة عن الموضوع الذي يكون شخص ما بصدد الح ديث
حوله .القيم الكونية تلعب دورا هاما في الحج اج فهي ترف ع االختالف ات الجزئي ة الحاص لة،
للتعالي لما هو كوني يؤلف بين األفكار ،فالبد أن نقيم التمييز بين القيم المجردة مثل الجم ال
العدالة ،والقيم الملموسة من مثل الكنيسة أو فرنسا ،إذن القيم الملموسة هي تل ك ال تي تتعل ق
بفرد معين وتكون جزئي ة ،تخص مجموع ة ،تنظيم .وهن اك قيم مج ردة ال يمكن أن تفهم إال
بعالقتها بالقيم الملموسة كالوفاء ،التضامن والشرف .هذا ال ذي أغفلت ه العقالني ة الكالس يكية
باعتبارها مثال الخير المطلق الب د أن يك ون كوني ا ال جزئي ا ،وتبس ط س لطتها على ك ل ذي
عقل لذلك هي أمر مطلق مثال عند كانط.
أرسطو يرى أنه من األصح جعل القيم المجردة والملموسة تابعة لبعضها :جعل قيمة مجردة
مثال حب الحقيقة يتعل ق بص داقته ألفالط ون ال تي هي قيم ملموس ة Erasme ،مثال يق ول
7
بأفضلية السلم الغير العادل (قيم ة ملموس ة) ،على العدال ة (قيم ة مج ردة) .ال ذي يُجلي ه ذا
بوضوح هو االستدالالت القائمة حول اإلله ،فكل القيم تنهل من فكرة األلوهية ،أ ألنه تجسيد
للحق والخير والعدل؟ االستدالالت المبنية على قيم ملموسة تميز المجتمعات المحافظ ة ،لكن
نجد القيم المجردة موجودة في المجتمعات الثورية (تقدمية).
ففي كل حجاج هناك ج زء قبلي س ابق علي ه ،انتق اء الوق ائع والقيم ،بحيث أن ك ل م ا س يتم
انتقاؤه ،أي اختيار العناصر ،اختيار نمط الوصف والتقديم ،أحكام القيمة أو األهمية ،كل هذه
االعتبارات هي منتقاة بشكل اعتباطي ،Parti prisهذا فقط يتم حين نضعها مقاب ل أحك ام
أخرى فيتبين لنا الذاتي من الموضوع ،فقط في ظل التعدد يتقوى النقد .حتى كان ط ل ه تمي يز
بين المقن ع persuasionوالمفحم ،convictionلت بين األس اس إن ك ان ذاتي ا أو
موضوعيا ،شبيه بخطاب سقراط مع كاليكليس :إذا كنا في اختالف مع ش خص مؤه ل أك ثر
منا في ذلك الموضوع ،فيتمكن من تبين الذاتية التي تشوب أراءنا ،ألن األحك ام الذاتي ة في
النهاية ال تتعدى مجاال جغرافيا واسعا ولها زمن صغير تعيش في ظله.
المثول présenceيحدث في مشاعرنا ما يجعل منا نتخ ذ رأي ا على آخ ر ،بموجب ه يمكن
تحري ك مش اعر هيئ ة القض اة أو المس َت َمع .وهن اك أك ثر من ه ذا وهي تقني ات التق ديم
8
présentationالتي تلوي أي حقيقة وتبدي حقائق بعيدو زمانيا ومكاني ا له ذا ال ينبغي أن
فهم المثول كما جاء في األول ،لكن هو مثول واستحضار للتأثيرات اللغة وق درتها في خل ق
الفارق في الخطابة باعتباره فنا للقناع ،وكتقنيات التعبير األدبي .هذه السمة األدبية للحضور
أو المثول هي ما جعلت الخطاب ة تب دو وتخ تزل فق ط في مس ألة خل ق ه ذا المث ول بتقني ات
التقديم.
أي نص يبدو واضحا ومعطى ،ويفهم منه شيء واحد ،فهو يخل و من ال ّتخي ل والص ور وب ه
جهل صريح .التأوي ل وال دالالت بخص وص أي يوض ع على ش كل إش ارات و األم ارات،
تدلنا اإلشارة على ما يريد أن يق ال ،على العكس من األم ارات فهي تحي ل على ش يء آخ ر
بطريقة موضوعية .التشوير الطرقي هو إشارة ،والشيء ال ذي تترك ه الطري دة في الطري ق
فه و أم ارة ،إذن فالتأوي ل الغل ط لإلش ارة كم ا يجب يعطين ا س وء فهم أي ع دم فهم م رمى
الرسالة .العقالنية القديمة الذي فعلته هو أنه ا همش ت دور الق ارئ والتأوي ل ،بجعله ا النص
قابل للنفاد وواضح ،وبالتالي فالذي يعالج هذا األمر هي الخطابة .فلهدم اله وة بين المقص ود
والمفهوم كان لزاما شحن الكلمات ببعض المشاعر ع ّل ذل ك يوص ل المع نى المرج و ،وه و
هدف الشاعر.
9
الفصل السادس :تقنيات الحجاج
أصحاب النزع الصورية يختزلون كل استدالل استنباطي إلى ما هو برهان ،ويكون ص حيح
إذا اتبع قواعد مع ّد سلفا ،إذا لم يتب ع ه ذه القواع د يك ون اس تدالال فاس دا ،فك ل اس تدالل يتم
داخل نسق محدد ،في حين الهيئة التي يتخذها الحجاج هي غير محدد سلفا وليست ثابتة كم ا
هو الحال في النظام الصوري ،في حين البرهان يتحدد باعتباره نسقا ً محدد بشكل مض بوط،
ألن الحج اج يتأس س على أطروح ة جزئي ة ض منية ،لكن البره ان يمكن فق ط النظ ر في
المقدمات حتى تستخلص النتائج ،واستخالص النتائج يكون بطريقة جبرية.
وجب أن نحل ل أن واع الحج اج ،فهن اك جنس ين كب يرين من بين أن واع الحجج ال تي ق دمها
برلم ان :الحجج القائم ة على الوص ل ،والحجج القائم ة على الفص ل ،األولى تمكن من نق ل
القبول الحاصل حول المقدمات النتائج ،والثانية تسعى إلى الفصل بين عناص ر ربطت اللغ ة
أو إحدى التقاليد المعترف بها بينها .تنقسم الحجج القائم ة على الفص ل إلى ش به منطقيةles
،arguments quasi-logiquesوحجج مؤسسة على بنية الواقع les arguments
،fondés sur la structureوحجج مؤسس ة لبني ة الواق ع les arguments
.fondent la structure du réel
الحجج الش به منطقي ة تك ون قريب ة من الفك ر الص وري ذي الطبيع ة المنطقي ة الرياض ية،
تختلف عنه فقط في كونها تفترض دوما القبول بدعاوى ذات طبيعة غير صورية.
الحجج المؤسسة على بنية الواقع ترتكز على الربط بين عناصر موجود في الواق ع ،وال يهم
أن يقوم االعتقاد في هذه البنى الموضوعية على حقائق متنوعة ،أو عالق ات س ببية ،م ا يهم
هو وجود اتفاق حولها ،وتخول للخطيب بناء حجاج انطالقا منها.
الحجج المؤسسة لبنية الواقع هي التي تمكن انطالقا من حالة خاصة ،من إثبات قاعدة س ابقة
أو خلق قدوة ،هنا في هذا النوع بحث برلمان عن حجج التناسب التي تستعمل ت ارة في بني ة
حقيقة مجهولة ،وفي اتخاذ موقف منها.
10
أما فيما يخص الحجج القائمة على الفصل ،ه ذا الفص ل ه و العم ل ال ذي يق وم ب ه الفالس فة
لتبين وفهم شيء ما ،وهي تقابل الثنائيات الضدية مثل خير|شر.
.1التناقض والتعارض
النسق الصوري ال يقبل التناقض ،فإذا كان ب ه تن اقض يك ون معط ل غ ير قاب ل لالس تعمال
فيصبح من المتعذر إثبات الصادق من الكاذب ،لكن في اللغة الطبيعي ة ال يص لح ه ذا ،حيث
أن اللغة الطبيعية تعتمد التأويل في األلفاظ ،لذلك ففي الحجاج ال نكون أمام تن اقض ب ل أم ام
تعارض .هناك مثلين يقدمهما برلم ان :ذاك ال ذي ي زعم عن نفس ه أن ه لم يقت ل كائن ا حي ا،
ولكن يتبين له أنه بعالجه لتقيح فهو قتل الكثير من الميكروبات ،فيص بح الف رد في تض ارب
بين فكرتين ،ثم يتحتم عليه التخلي عن االختي ار الث اني و إال سيس قط في المح ال ،وبالت الي
سيصبح صاحبه عرضة للس خرية ،فهي س الح في الج دل ،فالتق اء الس خرية تتجنب الن اس
السقوط في التعارض.
هن اك ثالث ة مواق ف يعرض ها برلم ان تجنب اإلنس ان من الوق وع في التع ارض :الموق ف
المنطقي :موقف من خالل يمكن العمل على تصورات الوضعيات التي تسقط في التعارض
وحلها مسبقا .والموق ف العلمي :موق ف يمكن من خالل ه معالج ة المش اكل ال تي تط رح في
11
ارض
ٍ حينها وبحسب سياقها .الموق ف الدبلوماس ي :يب دل م ا في وس عه لع دم التخلي عن تع
ظهر في خطابه.
فالذي يريد رفع تعارض بدل أن يؤجل ،عليه التضحية بإحدى القاعدتين المتضاربتين.
المطابقة تكون بين العناصر المختلفة التي تكون موضوعا للخطاب ،فكل اس تعمال للمف اهيم
أو للتصنيف يستتبع اختزال بعض العناصر في م ا يك ون بينه ا من أم ور متطابق ة أو قابل ة
للتبادل .وهذا االختزال ال يعتبر شبه منطقي إال حين تكون هذه المطابقة اعتباطية أو بديهية،
أي حين تم ر للحج اج .على العكس من المطابق ة الص ورية ال تي تط رح نفس ها على ش كل
بداهة ،فهي ال تناقش ،بالتالي ال تكون موضوع حجاج.
التعريف يستعمل حين يكون المع رَّ ف يتط ابق م ع المع رِّ ف ،فيص بح من المكن أن يع وض
الواحد اآلخر ،ويمكن التمييز بين أربعة أنواع،
12
هو القيم .نفس الش يء بالنس بة للفلس فة فينبغي الت برير بالحج اج التعري ف المق دم لقيم ة هي
موضوع جدل.
التحليل ينتج عن التعريف ،فيكمن الطابع الحجاجي للتحليل في أنه يكون توجيهيا دائما ،ألنه
يبتغي جعل عبارات معينة قابلة ألن يعوض بعضها بعض اً ،ذل ك لالس تدراج المس ت َمع نح و
فكرة مطابقة لفكرة الخطيب عنها ،إلبعاد كل التأويالت المخالفة عنها .التحليل يقود بواس طة
تقنيات فلسفية مختلفة إلى نفس النتائج الحجاجية للتعريف ،فإن التحليل يق دم باعتب اره ب ديهيا
وضرورياً.
التحصيل حاصل في جملة األعمال هي األعمال ،هو تحصيل حاصل ظاهري ،بإعط اء ك ل
واحد منهم معنى مختل ف ،ومعن اهم ليس مح دد س لفا ،وال تك ون العالق ة بينهم ا هي نفس ها
دائما ،فداللتهما تحدد بحسب المقام.
.1عالقات التعاقب
عالقات التعاقب هي التي تظهر في الحجج المعتمدة لربط ظ اهرة م ا بأس بابها أو بنتائجه ا،
وهي ثالثة ،حجاج يبحث في أسباب ظاهرة ما ،فإذا ك ان األم ر يتعل ق بفع ل بش كل إرادي،
يك ون البحث عن األس باب مص حوبا ب البحث عن دوافع ه .الحج اج ي رمي إلى تحدي د آث ار
ظاهرة ما .حجاج يتقص د تق ييم ح دث م ا بواس طة نتائج ه .عالق ات التع اقب تعتم د الحجج
النفعية ،فهي حجج ناتجة على تقييم إيجابي أو سلبي ،وهي معيار الحجة ،وال تحتاج لتبرير.
13
الحجة النفعية تختزل قيمة السبب في نتائجه ،بهذا المع نى فك ل القيم هي في مس توى واح د.
هذه الحجة عليها الكثير من االعتراضات أوجهها أن سلسلة النتائج تكون ال محدودة.
لنطبق قضية النتائج في نص قانوني مفاده يجب تعويض الضرر الذي أحدث فعل مؤدي ما،
فكيف يمكن معرفة النتائج التي نجمت عن الخطأ؟ فهي في سلسلة من توالي للنتائج ،تش تغل
وفق سبب نتيجة .وفيما يتعلق باألفع ال المقص ودة فهي تعم ل وف ق وس يلة غاي ة ،فالغاي ات
تتعارض مع النتائج المنتظرة ،فبعض األعمال ال ت ؤدي للنت ائج المأمول ة ،إال حين تس تعمل
كوسائل يرجى منها تحقيق غايات .العالقة بين الوسيلة والغاية كذاك الذي يبتعد ليق ترب من
قلوب الناس ،فالوس يلة مخ الف للغاي ة ،والعالق ة بينهم ا غ ير ثابت ة ،فمن الممكن أن تص بح
الوسائل غايات ،كمن يجمع المال فقط من أجل جمعه ال من أجل غاية أخرى ،هي تصريفه.
العالقة بين الوسيلة والغاية هي مرتكز مجموعة من الحجج ،من ضمنها حج ة التبدي د ،ف أي
عمل أخد منا جهدا إلنجازه ال يمكن أن يذهب هبا ًء ب ل يجب إتم ام العم ل في نفس االتج اه.
الواع ظ في وعظ ه للن اس فه و يس تعمل حج ة التبدي د ،ب دعوة للتوب ة فب اب المغف رة م زال
مفتوح ا ،فهم إن رفض وا فس يبددون فرص ة العف و .وكم ا عن د بوس يي Bossuetب دعوة
المسيحيين للتوبة لكي ال تضيع تضحية المسيح سداً.
وحين تكون هناك مسافة كبيرة تفصل بين مسلمات المست َمع ودع اوى الخطيب ،فهن ا نك ون
أمام حجت االتجاه ،التي تقوم أساسا على التحذير من استعمال أسلوب الخطوة خط وة« ،أ»
ثم «ب» ثم «ج» ،فعرض المستمع عن الخطوة الثانية ألنها ستؤدي به للخط ة الثالث ة ال تي
ال يتفق معها ،فحجة االتجاه يمكن أن تستخدم كلما ق ِّدم هدفٌ ما على أنه مرحلة تمه د للس ير
في اتجاه ما.
وفي مقابل حجة االتجاه هناك التي تحذر من مغبة عمل قد يورطنا في منزلق تخش ى نهايت ه
ومآله ،حج ة التج اوز تلح على ال ذهاب بعي داً في اتج اه م ا ،دون انتظ ار نهاي ة أو ح د ل ه،
وتكون فيه إعالء لقيمة ما ،كما عندما يق ول األس تاذ لتالمذت ه :كلم ا اجته دتم ك انت النتيج ة
أفضل.
14
.2عالقات التعايش
عالقات التعاقب تربط بين عناصر من نفس الطبيعة بواسطة رابط سببي ،فعالقات التع ايش
تجمع واقعتين متفاوتتي المستوى ،حيث الواح دة منهم تجلي لألخ رى ،أي تط رح إح داهما
بوصفها تعبيرا أو تجليا لألخرى .والنموذج األصلي لهذه العالق ة ه و الص لة الموج ودة بين
الشخص وتجلياته ،ما يصدر عنه من أعمال أو ما يخالفها ،فإن كل ما يصدر عن شخص ما
يجد تبريره في الطريقة التي يظهر بها هذا الشخص ،لكن طبعه والنوايا التي نسندها ل ه هي
التي تعطي معنى وبعدا تفسيريا لتصرفاته .الشخص وأعمال ه في تفاع ل مس تمر ،ويص عب
الجزم من يسبق اآلخر ،فإذا كانت الفكرة التي نكونها على أعمال الشخص فإنها ت ؤول تبع ا
للفكرة التي نبنيها عنه ،فنحن نفترض الثبات حين نؤول عم ل ش خص م ا ،أن ه س يبقى على
ذلك الحال ،فاللغة األخالق والقانون تساهم في األمر ،في تقوي ة الثب ات بين التأوي ل وعم ل
الشخص.
الفرد يخرج عن الثبات الذي تمتاز به األشياء الجام دة ،فك ل عالق ات التع ايش المبني ة على
ه ذه النظ رة إلى الش خص ،هي ال تي أعطت للعل وم اإلنس انية خصوص يتها ،خصوص ا في
القانون .الشخص يتحم ل ع واقب أي فع ل جدي د ،ألنن ا نمنح ه الحري ة وق درة على التغ ير،
فاألشخاص ال يعرفون إال من خالل تجلياتهم ،باستثناء كيانات أخرى تكون ط بيعتهم مح ددة
سلفا كاهلل والشيطان ،فالعقاب ال يتم إال بعد ارتكاب الج رم .أي فع ل يص در عن ش خص ال
يعتبر مؤشرا على طبع قار ثابت ،فحتى األفعال السابقة للش خص تس اهم في تك وين س معته
الطيبة أو السيئة ،فالطيبة مثال تصبح عملة تندمج داخ ل كي ان الش خص ،ورص يدا يس تعمله
وقت الحاجة ،وتصبح فكرة مسبقة ،فالشخص يقدما لنا سياقا نؤول في إط اره أفعال ه ،مثال
لص يسرق من أجل الفقراء ،فالنية التي تختبئ وراء األفعال تصبح هي األساس.
15
تأثير الشخص في طريقة تلقي اآلخرين ألفعاله ،يمارس بواس طة الهيب ة ،وهي ال تي تح دث
عند اآلخرين نزوعا لتقليدهم ،ويتبنى آراءهم ،من هنا تأتي أهمية حجة السلطة ،ه ذه الحج ة
هي التي تستثمر فيها هيبة الشخص لتدفع المخا َطب إلى تبني دعوى ما ،فقد تكون فئ ات من
الن اس أو علم اء وفالس فة ورج ال ال دين واألنبي اء ،أو كي ان ال م ادي كالم ذاهب أو الكتب
المنزل ة ،فال يك ون للحج ة أهمي ة إال في غي اب حج ة مقنع ة ،حيث ت أتي هي دعم ا لحجج
أخرى .فيرفع صحابه من قيمة السلطة التي تنسجم م ع دع واه ،والض رب في قيم ة الس لطة
التي عند خصمه ،ألنه في الجدال ،ليست حجة السلطة هي التي تن اقش ب ل الس لطة المس تند
عليها ،فكل السلطات قابلة للنقاش ما عدا السلطة اإللهية .وحين نتوفر على دلي ل غ ير قاب ل
للنقاش إلثبات حقيقة ما ،فال يهم من ينطق بها فال يكون له أي مفعول ،إذا أخطأت في شيء
ما مهما كنت حكيما لن تمنع السخرية التي ستطاله .فروابط التعايش هي للرب ط بين أح داث
الناس ،والحقبة التاريخية التي ينتمون إليها.
ـ الروابط الرمزية يمكن إلحاق الرابطة الرمزية برواب ط التع ايش ،ه ذه الرواب ط تجم ع بين
الرمز وما يوحي به في إطار عالقة "مشاركة" مطروحة ضمن منظور أسطوري أو نظري
لمجموع ينتمي إليه كل من الرمز المرموز إليه .في إطار هذا المنظور ،يمكن اعتبار وق ائع
متباعدة في الزمن ،متعايشة ضمن تصور ال زمني للت اريخ .يص بح أي س لوك تج اه الرم ز
َي َمسُّ بشكل مباشر بالمرموز إليه ،فإحراق علم معين هو إهانة لذلك الشعب .الرمز هو الذي
يخلق العصبة بين الشعب ،فال دور للرمز في الحجاج إن لم يرسخ.
ـ التراتبيات المزدوجة يمكن تقديمهم إما على روابط التعاقب أو على روابط التعايش .فحين
تعتمد الروابط التعاقب تكون التراتبية المزدوجة كمي ة ،مثال االس تدالل ال ذي يس تخلص من
ك ون ش خص طوي ل من آخ ر أن رجلي ه هم ا أيض ا أط ول ،أو تك ون نوعي ة وهي أهم من
األولى ،وهي حجة تستند على تفوق اإلنسان مقارنة بالطيور .لكن حجج التراتبية المزدوج ة
األكثر استعماال ،هي التي ترتكز على روابط التع ايش خصوص ا عالق ة الش خص بأعمال ه،
من هنا تكون القوانين اإللهية أسمى من القوانين الوضعية .وإذا كانت لن ا تراتبي ة للكائن ات،
16
فمن سمو اإلنس ان على الحي وان يمكن بس هولة أن نس تمد دروس ا في األخالق :ال تتص رف
كالحيوان ،ونجاعة هذه الحجة تبقى مرتبطة بمدى تسليم المس َتمع بالتراتبية.
ـ االختالفات في الطبيعة ،في الحجج المؤسسة على بنية الواقع ،اإلشارة إلى أهمي ة الف وارق
في طبيعة األشياء مقارنة بالفوارق البسيطة في الدرجة .فاألخذ باعتبارات تع ود إلى طبيع ة
األشياء ،يقلل من فوارق الدرجة ويساوي به ذا الق در أو ذاك بين األط راف ال تي ال تختل ف
فيم ا بينه ا س وى في الح دة ،ويض اعف م ا يميزه ا عن أط راف من طبيع ة أخ رى .وعلى
العكس من ذلك ،يُحدِث تحوي ُل اختالفات في الطبيعة إلى اختالفات في الدرجة أث را عكس يا ًّ:
فهو يقرب بين األطراف التي كانت تبدو مفصولة بحدود يتع ذر تخطيه ا ،وي برر المس افات
الفاصلة بين الدرجات.
االستدالل بالشاهد يف ترض وج ود انتظ ام لم ا ي وفره الش اهد ،س عيا من ه إلى إثب ات قاع دة.
فانطالقا من حالة خاصة يبحث عن البني ة أو الق انون ال ذي تكش فها تل ك الحال ة ،أي يس عى
المحاجج فيها إلى المرور من حالة خاصة إلى حالة عامة ،هكذا تش كل الحكاي ة ال تي تس رد
الطريقة التي ارتقى بها شخص في سلم المجتمع ،فتعطي درسا في التفاؤل واإليمان.
هناك حالة أخرى للحجاج بالشاهد ليس المرور من حالة خاصة إلى قاعدة عامة ،بل المرور
من حالة خاصة إلى حالة خاصة أخرى .وهن اك الش اهد الترات بي ال ذي تنطب ق على الن اس
العظماء فهم مكرمون في كل مكان رغم ما هم عليه من سماجة الخلق وقلة اللباقة.
.2المثال
رأينا الشاهد يؤسس لقاعدة مت ا ،ف إن المث ال يس تعمل لتوض يح قاع دة معروف ة ومس لم به ا،
ليعطينا نوعا ً من الحضور في وعي المستمع .فه و يس تهدف المخيل ة ،بع د أن تك ون حقيق ة
الشاهد غير مجادل فيها ،فالبد من تسطير القاعدة قبل وضع مثال أو حكاية م ا ،فيك ون هن ا
17
دور المثال توضيح القاعدة .ويحدث أحيانا ً أن تستخدم الحال ة الخاص ة للتوض يح في ال وقت
نفسه الذي تذكر فيه القاعدة :مثال للمن ظل حيات ه كله ا يخ زن الم ال لكن لم ينفع ه ذل ك في
النجاة من الموت .يستعمل أحيانا للمقارنة بين حالتين تطبيقيتين .ويكون أيضا المث ال وص فا
لح دث ت اريخي ،كمث ال اليون انيين باالستش هاد أن القض اة ال يتعين اختي ارهم بالقرع ة أو
الديمقراطية بمث ال اختي ار مالح بالقرع ة إلعط اء الع برة أن ه س يغرق الس فينة ،باالس تعانة
بالسخرية لتبين قاعدة فاسدة كالديمقراطية.
هنا بدل استخدام الحالة الخاصة كشاهد أو مث ال ،غ ير أنن ا هن ا ال نقت دي س وى بال ذين لهم
صِ يت اجتماعي مستند على كفاءتهم ،يشبه الحجة بالسلطة ،يضمن الفعل المزم ع القي ام ب ه،
لذلك يتعين على من يتخذ أن يُنظ ر في أفعال ه وأقوال ه .فالش خص الق دوة يس تلهم ه و أيض ا
يستلهم أفعاله وأقواله من قدوة مقدسة :النبي الذي يتبع له الشخص القدوة .فإذا ك ان المقت دي
يتشبه بالقدوة بشكل مبتذل وزائف فإنه يجعل تلك القدوة أقل تمييزاً ،كما الذين يقت دون بعلي ة
الق وم في لباس هم فيجع ل من العم ال مثال يتش بهون برئيس هم ،فبت الي هن ا يجب تجدي د ه ذه
الموض ة ال تي يتخ ذها ال رئيس .من هن ا بض بط نم ر من الق دوة إلى الق دوة المض ادة ،حين
يرفض من هو في مرتبة عليا من القوم أن يُشبهه من هو أدناه لمن هو محت َقر.
القدوة والقدوة المضادة ي درك دوره ا جي داً ،حين نك ون مقتنعين أنن ا وج دنا له ا تجس يدا ال
يرقى إليه الشك ،مثل هللا والشيطان ،حين يعمل الرجل الصالح وفق س َن ِن وم ا ي أمر ب ه هللا،
والرجل ،الحجاج بالقدوة يتجلى في كونه غناه في ما يستخلص منها في كل مرة درس.
ليس كما المعادلة في الرياضيات ،بل بعالقة معينة تتم مماثلتها بعالق ة أخ رى ،فالثن ائي "أ ـ
ب" يسميه بيرلمان الثيم ،thèmeوالثنائي "د ـ ج" يسميه الحامل ،phoreنثبت مش ابهة
تهدف إلى إيضاح الثيمة وتقويمها وبنيتها بفضل ما نعرف ه عن الحام ل ،ه ذا ه و م ا يرج ع
التناسب عند بيرلمان إلى نظرية الحجاج وليس األنطولوجيا ،ألنه يمكن التخلي عن التناسب
بعد استخدامه ،في المجاالت العلمية ،يعتمده الباحث لتوجيه أبحاثه .هي أشبه بالرواسي التي
يعتمدها البناء في خلطة اإلسمنت لش د الس قف ،بع د أن يج ف اإلس منت يزيله ا .إال أن ه في
المجاالت التي يتعذر فيها اللجوء إلى المناهج التجريبية ،يبقى التناسب غير قابل لإللغاء.
في التناسب نكون أمام تشابه عالقة وليس عالقة تشايه ،ويؤك د بيرلم ان أن الثيم ة والحام ل
في التناسب ينبغي أن يكونا من مجالين متباعدين كي يلعب دوره المتمثل في توضيح الثيم ة
بواسطة الحامل ،ورغم هذا التباع د ال يمن ع التفاع ل بين أطرافهم ا .ف إن قب ول تناس ب م ا،
يعني قبول اختيار ما للمظاهر التي ينبغي إبرازها في وصف ظاهرة معينة ،وانتقاد فكرة ما
هو يقود في الوقت نفسه إلى معارضة التناسب التي يستخدمه صاحبها.
االستعارة وكما عرفها أرسطو أن ننقل إلى شيء اسما ً ي دل على ش يء آخ ر ،نقال من جنس
إلى نوع أو من نوع إلى جنس ،أو بحسب رابطة التناسب ،فبيرلمان ي رى في ه ذا التعري ف
من قبل أرسطو أنه يعتبر كل مجاز ه اس تعارة ،فعن ده االس تعارة م ا هي إال تناس ب مكث ف
بفضل اتحاد الثيمة والحامل ،فانطالقا من خطاطة التناس ب" :أ" بالنس بة "ب" مث ل "ج" إلى
"د" س تأخذ االس تعارة " :أ" هي "ج" و"ب" هي "د" .فيتك ون مض للة ل و اس تعملت
االس تعارات لوح دها على الش كل "أ هي ج" م ا لم ي َع د بن اء التناس ب بإض افة األط راف
19
المحذوفة .وتصير مبتذل ة من ف رط اس تعمالها ،فينس ى أص لها االس تعاري .وهن اك المج از
االضطراري كقول رجل الطاولة ،ظهر الكرسي.
الواقع ال يكون معلوما إال بواسطة الظاهر ،فمن خالل حد أول /حد ث اني ،أي ظ اهر/واق ع
يدقق بيرلمان في هذين الحدين بقوله :الحد األول يواف ق الظ اهر وم ا يتب ادر لل ذهن للوهل ة
األولى ،وهو يتوافق مع اآلني والمباشر .أما الحد الثاني فال يفهم ،إال بتميزه عن الح د األول
وتميزه عنه ،ويح دد م ا ه و ص الح من الح د األول ،وذل ك بنعت م ا ليس متوافق ا م ع ه ذه
القاعدة التي تزود ب "الواقع" أنه وهمي ،ومغلوط ،بالتالي يكون الحد الثاني معيار وتفس يرا
في نفس اآلن .وأثناء الفصل يمكن الرف ع من بعض المظ اهر ال تي يظه ر من خالله ا الح د
األول أو إقصاءها ،سيسمح بالتمييز بين الظاهر والواقع.
وهذه النقطة مهمة للحجاج ألن عملي ة الفص ل إلى ح د أول وث اني ترف ع من قيم ة المظ اهر
الموافقة للحد الثاني ،وتح ِّقر المظاهر التي تتعارض معه ،من هن ا ف الواقع والقيم ة في الح د
الث اني وثي َقي االتص ال ،يظه ر ه ذا في البن اءات الفكري ة الميتافيزيقي ة ،فقياس ا على ثنائي ة
20
ظاهر/واقع يصل الميتافيزيقيون إلى الفصل بين العالم الحسي ومُعارض ته م ع ع الم المث ل،
فهكذا تبلور نسق أفالطون ،بهذه الثنائية حسي/عقلي ،رأي /علم.
ّ
محط سعة الحجاج له خاصية مميزة على عكس البرهنة التي إذا أديرت بشكل صحيح تكون
قبول الجميع إذا تمت بالشكل الصحيح ،وبالتالي ال تطرح مسألة السعة فيه ،لكن ليس األم ر
كما في الحجاج :فهو ينطلق من مقدمات مقبولة من قِبل المستمع ،ينبغي تقوية حضورها في
ذهن السامعين ،إذا تطلب األم ر ل ذلك ،وت دقيق معناه ا وأبعاده ا واس تخالص الحجج منه ا
لصالح الدعوى التي يدا َفع عنها .وما دامت الحجج غير ملزمة ،بل تساهم كل واحد منها في
تقوية الحجاج في كليته ،فقد يعتقد الناس أن نجاعة الخطاب تكمن في عدد الحجج ،وبيرلمان
هو يعتبر أن هذا االعتقاد خاطئ ،ألن الحجة إذا لم تكن غير متالئم ة م ع المس تمع يمكن أن
تثير ر ّد فعل سلبي ،وبالتالي سوف تبدو ضعيفة ،وهذا ينعكس مجل الخط اب وح تى إيت وس
الخطيب ،فس يبدو غ ير ج دير بالثق ة .فمراكم ة الحجج له ا ض وابط وح دود س يكولوجيا
واجتماعية ،فاإلكثار قد ينفر المست َمع ،ألن هن اك ح دود لص بر المس ت َمع ،وع داد الحجج في
الخطاب غير محدد بشكل قبلي .لكن تحدد بطريقة حدسية ،ف الفكرة ال تي نكونه ا عنه ا تب دو
حين نحددها ،ملتبسة بحث تختل ط فيه ا ص فتان :النجاع ة والص حة .فس يطرح الس ؤال ه ل
الحجج القوية هي التي تقنع في الواقع أي تقنع هنا واآلن ،أم هي الحجة الص حيحة ال تي من
المفترض أن ُت َيقن أي كائن عاقل؟
جواب بيرلمان النجاع ة تس تحيل دون استحض ار وربطه ا بالمس ت َمع ال ذي تع رض أمام ه،
تربط صحة الحجة بمستمع كفء ،وفي أغلب األحيان بالمس تمع الك وني ،ومش روطة أيض ا
21
باعتناق السامعين لمقدمات الحجاج ،وتالؤمها للموضوع .إذن فق وة الحج ة تتح دد بنجاعتها
ال بصحتها ،أي بقدرتها على الفعل في من تتوجه إليهم ،وتظل نسبية مرتبطة بالمالبسات.
فما دامت قوة الحجج مرتبطة بالمستمع ،فمن العادي أن نلج أ إلى القاع دة الص ورية للع دل،
التي تعتبر أنه من العدل التعامل بنفس الطريقة مع وضعيات من نفس الفئة الجوهرية ،هكذا
ف إذا رجحت كف ة حج ة م ا في وس ط م ا ،ف إن حج ة "ب األحرى" أو "بالمحاك اة" تمكن من
تطبيقها بنفس التوفيق على وضعية جدي دة .هن اك توجيه ات ومالحظ ات تلقي الض وء على
مسألة قوة الحجة ،وهي كالتالي :
ــ الخطيب له بنزوع طبيعي للمبالغة في تقدير الحجج التي يعرضها وتبخيس حجج خصمه،
لذلك الوقوف عند الحجاج وتقليص مداه ،تقنية ناجعة ألنها توحي بالثقة.
ــ السياق المقدم من قبل الخطيب يقلل أو يزيد قوة الحجج ،فمدح الموهب ة الخطابي ة للخص م
يقلل من قوة حججه.
ــ الحجج المتوقعة والمبتذلة أقل قوة من الحجج األصيلة ،فالحجة المبتذل ة لم تكن لتغيب عن
المستمع .فهو على علم بها لذلك اختار الدعوى المضادة.
ــ كذا الرد السريع وإبراز عنصر المفاجأة ،وقلب الحجج ضد صاحبها.
ــ يُتهم من كان يقبل بحجة في صالح ويرفض حجة ضده ،بسوء النية.
ــ تضافر الحجج يحدث إقناعا قوياً ،كما عندما تؤدي حجج متغايرة إلى النتيجة ذاتها ف ترتفع
قيمتها بشكل غير قابل للنقاش
ــ إذا التقت شهادات متعددة حول الجوهري فإن قيمتها ستتقوى.
ــ الذي يترصد كل ما هو في صالح الدعوى التي يدافع عنها ،يجع ل من يلح على العناص ر
المعاكسة للقضية المشتركة باالنهزامي ،ألننا سنتساءل هل يريد انتصار الخصم.
فعرض الحجج يغير يغير شروط تقبله ا ،فالب د من مب دأ التكي ف م ع المس تمع ،فه و يتح دد
بحسب أهداف الخطيب ومالبسات الخط اب .فل ه دور وظيفي ،فاله دف من االس تهالل كم ا
يؤكد أرسطو ه و إث ارة عط ف المتلقي واهتمام ه ،وتهيئت ه للتعام ل اإليج ابي م ع الخطيب،
فينصب االس تهالل على الخطيب أو المس ت َمع أو الموض وع أو الخص م ،وإذا ك ان الخطيب
معروف ا ً فيس تغنى عن ه إذا ك ان ال وقت ض يق .فاالس تهالل ال ذي ينص ب على الخطيب أو
الخصم يسعى إلزالة حكم مسبق قد ال يكون في صالح الخطيب ،ألن المستمع ال يك ون على
استعداد لسماع شخص معادي له أو جدير باالحتقار .أما حين نريد مهاجم ة الخص م ،فيجب
أن نرتب الحجج في نهاية الخطاب بشكل يجعل القضاة يتذكرون جيداً ما ج اء في االختت ام،
من هنا يمكن أن ن رى أن موق ع الحجج وترتيبه ا عن د أرس طو وظيفي :فهي غايته ا تحقي ق
النجاعة.
في المحاكمة يكون عرض األحداث بترتيب ضروريا ،فهناك ثالث طرق معروفة ،ال ترتيب
الص اعد ،ال ترتيب الن ازل ،ف الترتيب النس طوري نس بة إلى ، nestorحيث يك ون الب دء
واالنتهاء بالحجة القوية وتترك األخرى في الوسط .الجانب السلبي للترتيب الص اعد ه و أن
يب دأ ب الحجج األض عف ينف ر المس تمع ،ويبهت ص ورة الخطيب ويحطم الهيب ة .في حين
الترتيب الن ازل فبإنهائ ه الخط اب بالحج ة األض عف يبقي ل دي المس تمع ص ورة س يئة عن
الخطيب تعلق بذهن ه فق ط أخ ر حج ة استعرض ها الخطيب في أغلب األحي ان ،له ذا ف أغلب
البالغيين القدماء يصحون باتباع الترتيب النسطوري.
بيرلمان ينقد هذا التصور ألنه يرتكز على كون الحجج شيء ث ابت ،في حين أن ق وة الحج ة
مسألة نسبية ورهينة بطريقة تلقيها ،فإذا ابتدأ الخصم بالحجاج أوال وكان له أث ره قوي ا على
المس تمع ،ف وجب على الخطيب "الملعب الملعب" إذا ص ح التعب ير ،قب ل ع رض الحجج
23
الخاصة ،وعلى العكس إذا كنا نحن البادئين بالكالم ،من المفيد عدم ذك ر حجج الخص م لكي
ال نعطيه ا وزن ا وحض ورا ال يمكن ل ذكرها المس بق إال أن يقوي ه .وينبغي أن نض ع في
الحسبان أن المت َمم يتغير رأيه مع التقدم في الخطاب ،حين يكون هذا األخير فعاال.
لهذا كله يرى بيرلمان أن ترتيب الحجج مسألة نس بية ،منس وب للمس تمع ،ويجب أن يت واءم
معه .فبم ا أن غاي ة الحج اج هي اإلقن اع فالب د من تك ييف الخط اب ابتغ ا ًء لتحقيق ه ،فجه د
التكييف مع المستمع يجب أن يستأنف باستمرار .من هنا يأتي نقد بيرلم ان لمن توج ه بحثهم
فقط للبحث في ترتيب قار ثابت مستقل عن المستمع .فإن الخطاب نسبي بحسب المستمع.
ه ذا الط رح ينطل ق من أحك ام قبلي ة كالض مان اإللهي ،وأن العلم ه و مكتم ل وليس على
اإلنسان إال أن يعثر علي ه .وي رى بيرلم ان أن ه ذه الخلفي ة الالهوتي ة ليس ت مقص ور على
ديكارت فحسب ،بل نج دها عن د بيك ون ،التجري بي ،فق د ك ان ينص ح بالتواض ع المس يحي،
ومطالبتهم بالقراءة النبيهة للكتاب العظيم للطبيعة ،الذي عن واسطته يتكشف الرب.
24
أما البداهة المعممة تفضي عملي ا برفض ها لك ل م ا ه و رأي وبالت الي أي لج وء إلى الج دل
والخطاب ة ،إلى الجم ود والمحافظ ة في الق انون ،وفي األخالق ،وفي السياس ة ،وفي ال دين.
فبعد أن بين بيرلمان فساد ها الرأي انطلق لبيان تصوره للخطابة وبين أنه ا مبحث ال مج ال
للتخلي عنه في الفكر اإلنساني ،فاستبعاده يجعل أية فكرة إنسانية معرضة للخطأ ألنها ليست
بديهية وال تحظى بالض مان اإللهي ،فه ذا تقريب ا م ا توص ل إلي ه العلم الح ديث أن النظري ة
العلمية ليست بديهية وال هي معصومة من الخطأ .من هنا تظهر أهمية الخطابة والجدل كلما
انفلتت من قبضت البداهة ،حتى أن بيرلمان يقول عن هذه البداهة أنها ليست مضمونة بشكل
نهائي ،إذا إليها كمعطى نفسي خالص ال غير ،فأكد أيضا أنها تتالش ى م ا إذا أردن ا إبالغه ا
بواسطة اللغ ة ال تي ال تف رض نفس ها أب داً ،على اعتب ار الف رق الحاص ل بين م ا المقص ود
والمفهوم من قبل والناس ،وأيضا داللة اللفظ ال تتطابق مع ما نعنيه.
25