You are on page 1of 167

‫مقدمة في الفلسفة والتفكير الناقد‬

‫تأليف وإعداد‬

‫د‪ .‬عامر شطارة‬ ‫د‪ .‬توفيق شومر‬

‫د‪ .‬ضرار بني ياسين‬

‫د‪ .‬مها السمهوري‬ ‫د‪ .‬جورج الفار‬


‫وصف المادة‪:‬‬

‫تهدف هذه المادة لمستوى البكالوريوس إلى تمكين الطلبة من األدوات المعرفية والمهارات‬
‫الضرورية التي يمكنها أن تساعدهم على بناء قدراتهم الخاصة بأسس التفكير العقالني والفهم السليم‬
‫ومهارات التفكير الناقد وأسس الحكمة الفلسفية وانعكاسها على حياتهم العملية‪.‬‬
‫قادرا على تملّك أسس التفكير السليم‪ ،‬وإتقان‬
‫ً‬ ‫ويتوقع من الطالب خالل المادة أن يكون‬
‫عمليات البناء المنطقي (بناء الح ّجة)‪ ،‬وقواعد التفكير المنظم والناقد‪ ،‬وما يتضمنه هذا كله من عالقة‬
‫مع نظرية المعرفة وأسس الفهم الفلسفي‪ ،‬وذلك للوصول معه وبه إلى ترسيخ قواعد عقلية منطقية‬
‫قادرا على تقييم المواقف المختلفة التي‬
‫وتعريفه بأهمية التفكير والتفكير الناقد بطريقة يكون معها ً‬
‫يتعرض لها في الحياة‪ ،‬وتصويب األفكار‪ ،‬وصوال إلى استنتاجات صحيحة مدعومة باألدلة‬
‫بخصوص هذه المواقف‪ .‬ولقد تم بناء المادة وسيتم تدريسها على أساس تكويني أكاديمي تكاملي‬
‫يجمع بين بناء المهارات المعرفية النظرية والمهارات العملية للطالب‪.‬‬
‫أهداف تدريس المادة ونتائجها‪:‬‬
‫تهدف المادة إلى‬
‫إثراء خبرة الطالب ومعرفته بالفلسفة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫إثراء خبرة الطالب بالقدرة على البناء المنطقي‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫التعرف على أهم المشكالت الفلسفية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫تطوير قدراته التحليلية والنقدية‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫تعميق وعي الطالب بأساليب النقاش وبناء الحجة وحل المشكالت‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫التعرف على عالقة الفلسفة مع العلوم البحتة واإلنسانية ومشكالتها‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫ب‪ -‬نتاجات التعلّم‪ :‬يتوقع من الطالب بعد االنتهاء من دراسته لمادة مدخل إلى الفلسفة والمنطق‬
‫قادرا على أن‪:‬‬
‫والتفكير الناقد بنجاح أن يكون ً‬
‫يحلل عناصر التفكير العقالني والناقد وقواعدهما‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يدرك أهمية أسس الفهم الفلسفي العملي والمشكالت الفلسفية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يتقن مهارة قراءة النصوص وتحليلها نقديًّا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يطلع على المنطق وقواعده ومسائله‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يتقن مهارة تقييم الحجج المقدمة إليه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪2‬‬
‫يتمكن من تقديم حجج صحيحة ومقنعة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يميز بين الحجج الصحيحة والمغالطات المنطقية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يقيم البراهين‪ ،‬ويمارس التفكير الناقد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يميز بين القياس البرهاني وطرق القياس األخرى‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪3‬‬
‫الفهرس‬

‫الفصل األول‪ :‬نشأة الفلسفة وتطور التفكير الفلسفي‬


‫مقدمة عامة‬
‫أ‪ .‬معنى الفلسفة لغة واصطالحا ً‬
‫ب‪ .‬الجذور األولى‬
‫ت‪ .‬الفلسفة الشرقية‬
‫‪ -‬وظائف الفلسفة‬
‫‪ -‬أصالة التفكير الفلسفي‬
‫‪ -‬التفكير الفلسفي‬
‫‪ -‬المباحث الرئيسة للفلسفة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬نظرية المعرفة‬


‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬نظرية المعرفة‬
‫‪ o‬إمكان المعرفة‬
‫‪ o‬مصادر المعرفة‬
‫‪ o‬طبيعة المعرفة‬
‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬فلسفة العلم‬

‫الفصل الثالث‪ :‬قواعد المنطق‬


‫‪ -‬أهمية المنطق في حياتنا‬
‫‪ -‬لغة المنطق‬
‫‪ -‬كيف يمكن أن نبني حجة؟‬
‫‪ -‬بنية الحجة‬
‫‪ -‬التفكير الناقد‬
‫‪ -‬التفكير االبداعي‬
‫‪ -‬المغالطات المنطقية‬

‫‪4‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬فلسفة األخالق ومشكالت فلسفية‬

‫‪ ‬فلسفة األخالق‬
‫‪ ‬مشكالت فلسفية‬
‫أ‪ .‬مشكلة الحرية والضرورة‬
‫ب‪ .‬مشكلة الحقيقة‬
‫ج‪ .‬مشكلة القيم (األخالق والواجب والجمال)‬

‫مراجع مفيدة باللغتين العربية واإلنجليزية‬

‫‪5‬‬
‫الفصل األول‪ :‬نشأة الفلسفة وتطور التفكير الفلسفي‬
‫مقدمة عامة‬
‫أ‪ .‬معنى الفلسفة لغة واصطالحا ً‬
‫ب‪ .‬الجذور األولى‬
‫ت‪ .‬الفلسفة الشرقية‬
‫‪ -‬وظائف الفلسفة ومهامها‬
‫‪ -‬أصالة التفكير الفلسفي‬
‫‪ -‬التفكير الفلسفي‬
‫‪ -‬المباحث الرئيسة للفلسفة‬

‫األهداف والنتاجات المتوقعة من الطالب‪:‬‬


‫يتعرف على أهمية الفلسفة وربطها بالحياة اليومية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يدرك أهمية أسس الفهم الفلسفي العملي والمشكالت الفلسفية‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫يتعرف على المباحث األساسية للفلسفة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪6‬‬
‫مقدمة عامة‪:‬‬
‫ى‬
‫بمعن الحياة؟ هل فكرت بالوجود؟‬ ‫هل فكرت يوما‬
‫هل فكرت بالزمن؟ ى‬
‫من بدأ اإلنسان بالتفلسف؟‬

‫األخية أن تاري خ الفلسفة وتأصيل ظهورها ال يمكن أن يكون سوى عقبة‬


‫ر‬ ‫الح يف العقود‬
‫تبق بال حلول شافية‪ .‬فباإلضافة إىل أولئك‬ ‫ف وجه الباحثي‪ ،‬وذلك ألن مسألة األصول‪ ،‬ى‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫األيون (‪ 546- 624‬ق‪ .‬م‪ ).‬الفيلسوف األول‪ ،‬فقد و ِجد يف اليونان‬ ‫المؤرخي الذين جعلوا طاليس‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫مؤرخون آخرون رجعوا بأصول الفلسفة إىل ما قبل عهد الحضارة اإلغريقية‪ ،‬فعىل سبيل المثال‬
‫فقد تحدث ديوجون ‪ 323-412( Diogenes‬ق‪ .‬م‪ ).‬عن الحضور القديم للفلسفة لدى الفرس‬
‫والمرص ريي‪ .‬وهكذا تتقابل يف العصور القديمة أطروحتان‪ :‬أطروحة أن الفلسفة معجزة أو ابتكار‬
‫مياث أخذه اليونان عن الشعوب األخرى‪.‬‬
‫صنعه اإلغريق‪ ،‬وأطروحة أخرى ترى بأن الفلسفة ر‬
‫وإذا كان المشتغلون بتاري خ الفلسفة‪ ،‬عىل الرغم من المعطيات السابقة حول الثقافات‬
‫األيون‪ ،‬فما ذلك‪ ،‬عن تجاهل لما قبل‬
‫ي‬ ‫غي اليونانية‪ ،‬يبدأون يف هذا التاري خ من لحظة طاليس‬
‫ر‬
‫عمىل وهو قلة الوثائق‬
‫ي‬ ‫الفلسق‪ ،‬وإنما فقط لسبب‬
‫ي‬ ‫التاري خ المديد الذي اختمر فيه الفكر‬
‫والسجالت الكتابية لحضارات ما ربي النهرين وصعوبة الوصول إليها‪.‬‬
‫وبالمثل‪ ،‬فإن الخوض يف مسألة حدود تاري خ الفلسفة‪ ،‬المرتبطة بمسألة األصول؛ ال‬
‫ا‬
‫حًّل دقيقا‪ .‬فالواقع أن بعض أصقاع ر‬
‫الشق األقىص‪ ،‬وعىل األخص‬ ‫يمكن أن يجد له الباحثون‬
‫ًّ‬
‫حقيقيا للمذاهب الفلسفية‪.‬‬ ‫والصي‪ ،‬عرفت يف بعض العصور ازدهارا‬
‫ر‬ ‫الهند‬

‫التميي ىف االجابة ى‬
‫بي السؤال‬ ‫ى‬ ‫من بدأت الفلسفة؟ يجب‬ ‫أذن‪ :‬هل يمكن السؤال عن ى‬
‫ي‬
‫ى‬
‫الفلسف ى‬
‫وبي تشكل المنظومات الفلسفية‪ .‬ما رأيك؟‬ ‫ي‬

‫يمكن القول بأن الفلسفة نمت وازدهرت عند اليونان‪ ،‬ومن ثم امتدت إىل العالم القديم‬
‫والوسيط‪ ،‬منذ نهاية القرن السابع قبل الميالد ى‬
‫وحت بداية القرن السادس بعد الميالد‪ .‬وقد كان‬
‫ّ‬ ‫الياث اإلغري ىق وباألخص ى‬
‫للحضارة العربية اإلسالمية دور كبي ف نقل ى‬
‫الفلسق‪ ،‬وقدم‬
‫ي‬ ‫الياث‬ ‫ي‬ ‫ر ي‬
‫كبية من هؤالء ف ر‬
‫المشق‬ ‫فالسفة اإلسالم إسهامات الفتة يف مجال الفلسفة‪ ،‬وبرزت أسماء ر‬
‫ي‬
‫وغيهم‪ .‬وكانت‬ ‫ان وابن سينا وابن باجه وابن رشد ر‬ ‫العرن والمغرب‪ ،‬من مثل الكندي والفار ي‬
‫ي‬
‫ى‬
‫اإلغريق إىل أوروبا يف القرون‬ ‫الفلسق‬ ‫الفلسفة ف اإلسالم قد لعبت دور الوسيط ف نقل ى‬
‫الياث‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫تعان‬ ‫ى‬ ‫ُ‬
‫الت كانت ي‬ ‫الوسىط‪ ،‬وهو دور فكري وحضاري ال يستهان به بالنظر إىل األوضاع المتخلفة ي‬

‫‪7‬‬
‫اليونان إىل الثقافية‬ ‫منها أوروبا قبل انتقال الفكر العرن اإلسالم وعلومه فضال عن ى‬
‫الياث‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫األوروبية‪.‬‬
‫ّ‬
‫عرفت الفلسفة طوال تاريخها تحوالت فكرية تجلت يف ظهور عدة مذاهب واتجاهات‬
‫ى‬
‫الت عرفها‬
‫الفلسق دائما مرتبطا بقضايا عرصه‪ ،‬ويعكس الهموم والقضايا ي‬
‫ي‬ ‫التفكي‬
‫ر‬ ‫فلسفية‪ ،‬وكان‬
‫ذلك العرص‪ .‬ولذا فإن الناظر يف تاري خ الفلسفة ونشوء مذاهبها المختلفة‪ ،‬يجد أن وظائفها‬
‫ومهامها لن تلبث أن تتوسع بشكل يتوافق مع تطور العلوم والمعارف الحديثة‪ ،‬حيث تتعمق‬
‫ى‬
‫الت‬ ‫ى‬
‫الت تطرحها الحضارة والمدنية‪ ،‬أم تلك المشكالت ي‬
‫أسئلتها وقضاياها‪ ،‬مع المشكالت؛ سواء ي‬
‫تنتج عن العلوم المختلفة وتطبيقات التكنولوجيا المتطورة‪ ،‬وما تفرضه من تحديات حقيقية‬
‫تجاه الطبيعة واإلنسان واألخالق والقيم والمجتمع والسياسة عىل حد سواء‪.‬‬
‫والتفكي الناقد" إىل البحث بطريقة اإليجاز‬
‫ر‬ ‫تهدف هذهالمادة "مقدمة يف الفلسفة‬
‫التفكي الناقد‪ ،‬بطريقة تحليلية مبسطة‪ ،‬ولم نغص‬ ‫كي عىل أبرز المسائل الفلسفية ومهارات‬ ‫ى‬
‫ر‬ ‫والي ر‬
‫يف التفاصيل والمسائل والمشكالت الجزئية والشائكة‪ ،‬حرصا عىل عدم تشتيت ذهن الطالب أو‬
‫القارئ‪ ،‬وعىل عدم اإلطالة وإثقال ذهنه‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫المبحث األول‪ :‬نشأة الفلسفة‬
‫ى‬
‫معن الفلسفة لغة واصطالحا ومجاال‪:‬‬

‫هل فكرت يوما من أين أتت كلمة فلسفة؟‬

‫ّ‬
‫لفظي هما (فيلو ‪ ،)philo‬ومعناها (محبة)‪،‬‬
‫ر‬ ‫الفلسفة كلمة يونانية األصل‪ ،‬مركبة من‬

‫أرجع إىل أحد القواميس المعروفة وابحث عن أصل كلمة فلسفة أو عىل كلمة‬
‫(‪ .)Philosophy‬هل وجدت تعريفا مختلفا؟‬
‫تعت (محبة‬
‫ي‬ ‫و(سوفيا‪ ،)Sophia‬ومعناها (الحكمة)‪ ،‬وداللة الكلمة من الناحية االشتقاقية‬
‫الحكمة)‪ .‬وب هذا يكون معت الفلسفة محبة الحكمة‪ ،‬أما الفيلسوف فهو ُ‬
‫المحب للحكمة‪.‬‬
‫يونان‪،‬‬
‫ي‬ ‫وتذكر المصادر أن فيتاغورس (‪ 495-570‬ق‪.‬م)‪ ،‬وهو فيلسوف وعالم ر ي‬
‫ياض‬
‫ُ‬ ‫هو أول من وضع ً‬
‫معت محددا للكلمة (الفلسفة)‪ ،‬فقد نسب إليه قوله "إن صفة الحكمة ال‬
‫تصدق عىل أي كائن ر‬
‫بشي‪ ،‬إنما الحكمة لإلله وحده"‪ .‬فاإلله هو وحده الحكيم‪ ،‬أما اإلنسان‬
‫اليونان ذلك يف محاورة‬
‫ي‬ ‫يكتق بمحبة الحكمة‪ .‬وذكر سقراط (‪ 399-470‬ق‪.‬م)‬ ‫ي‬ ‫فحسبه أن‬
‫ّ‬
‫إال لآللهة‪ّ ،‬أما ر‬
‫البش فحسبهم محبتها‪.‬‬ ‫أفالطون (الفيدون)‪ ،‬فقال إن الحكمة ال تكون‬
‫معت ًّ‬
‫فنيا محددا‬ ‫أما أفالطون (‪ 348-428‬ق‪.‬م) فهو الذي أضق عىل كلمة الفلسفة ً‬

‫يعت‬ ‫ّ‬
‫تفكيه عىل الحقيقة وليس عىل المظهر‪ ،‬وكان ي‬
‫عندما وصف الفيلسوف بأنه شخص يصب ر‬
‫ى‬
‫الحقيق لألشياء‪ ،‬فالفيلسوف عنده هو الشخص الذي يهدف إىل الوصول‬ ‫بذلك إدراك الوجود‬
‫ي‬
‫إىل معرفة حقائق األشياء‪.‬‬
‫ّ‬
‫عدة تعريفات؛ ّ‬ ‫ّأما أرسطو (‪ 322-384‬ق‪.‬م)‪ ،‬فقد ّ‬
‫لعل أهمها "العلم‬ ‫عرف الفلسفة‬
‫بالوجود بما هو وجود أو موجود"‪ .‬أو "علم العلل البعيدة والمبادئ األوىل"‪ .‬أي العلم بأصول‬
‫كبيا عىل المدرسة الفلسفية المعروفة باسم‬
‫تأثي تعريف أرسطو هذا ر‬ ‫األشياء ومبادئها‪ .‬وكان ر‬
‫ّ‬
‫(المشائية)‪ ،‬والمدرسة (الرواقية) والفلسفة (األبيقورية)‪ ،‬واألكاديمية الجديدة‪ ،‬وكذلك يف‬
‫الفلسفة يف القرون الوسىط المسيحية واإلسالمية‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الوقت أصبحت الفلسفة بأوسع معانيها تدل عىل كل معرفة محضة‪ ،‬وحب‬
‫االستطالع عامة‪ ،‬أو لتدل عىل كل جهد يقوم به العقل من أجل تحصيل المعارف الجديدة بتأمل‬
‫مظاهر الكون واإلنسان وطبيعتهما‪.‬‬

‫هل فكرت يو ًما بالوجود؟ وبالحياة؟ وبطبيعة المكان؟‬

‫‪9‬‬
‫نشأت الفلسفة فيما يقول أرسطو من الدهشة المتولدة عند اإلنسان تجاه األشياء‬
‫والظواهر يف عالمه‪ ،‬ومن التساؤل وحب االستطالع‪ .‬فعندها وجد اإلنسان نفسه أمام ر‬
‫تغيات‬
‫ّ‬
‫متكررة ومطردة يف أشياء العالم وظواهره‪ ،‬وقف منها موقف المندهش الحائر المتسائل‪ ،‬فسىع‬
‫لك‬
‫وتفسي خفاياها ومعرفة أرسارها‪ ،‬ي‬
‫ر‬ ‫جهده يف استخدام عقله محاولة منه استكشاف أسبابها‬
‫الحية‪ ،‬ويعيد إىل نفسه الطمأنينة والسكون‬
‫يزيل عن نفسه حالة االندهاش‪ ،‬ويطرد عن عقله ر‬
‫والراحة‪.‬‬
‫اإلنسان نفسه‪ .‬ومن الممكن القول بأنه لم يوجد‬
‫ي‬ ‫الفلسق إذن قديم ِقدم الوجود‬
‫ي‬ ‫السؤال‬
‫اإلنسان من دون أن يالزمه تساؤل عن العالم والكون واألشياء والذات والمجتمع واألخالق‬

‫والدين والقيم‪ .‬من هنا فالفلسفة ي‬


‫ه "فن التساؤل"‪ ،‬من حيث محاولة اإلنسان الوصول إىل‬
‫الطبيىع‪ ،‬وما‬
‫ي‬ ‫أقىص قدر من الحكمة والمعرفة‪ ،‬وفهم حقيقة نفسه وعالقته باآلخرين وبالعالم‬
‫جانبي من المعت‪ :‬األول نظري‬
‫ر‬ ‫الممية للفلسفة أنها تأخذ‬
‫ر‬ ‫الطبيىع‪ ،‬ولذا فالسمة‬
‫ي‬ ‫وراء هذا العالم‬
‫ه‪:‬‬
‫عمىل‪ .‬وعليه يقسم تاري خ الفلسفة إىل عدد من المراحل المهمة ي‬
‫ي‬ ‫والثان‬
‫ي‬ ‫عقىل‪،‬‬
‫أو ي‬
‫‪ ‬الفلسفة القديمة (اليونانية تحديدا) الممتدة ربي القرن السادس قبل الميالد والقرن الثالث‬
‫االيون‪ ،‬سقراط‪ ،‬أفالطون‪ ،‬أرسطو‪ ،‬االبيقوريون‬
‫ي‬ ‫الميالدي وأبرز فالسفتها‪ :‬طاليس‬
‫والرواقيون‪.‬‬
‫‪ ‬الفلسفة الوسيطة (المسيحية والعربية ‪ -‬اإلسالمية) الممتدة من القرن الخامس الميالدي‬
‫إىل القرن الخامس ر‬
‫عش‪ ،‬وتمتاز هذه الحقبة بأرتباطها بالالهوت (الدين)‪ .‬من أهم أعالم‬
‫ان‪ ،‬أبن سينا‪ ،‬أبن باجة‪ ،‬أبن طفيل وأبن رشد‪ .‬أما‬
‫الفلسفة العربية اإلسالمية‪ :‬الكندي‪ ،‬الفار ي‬
‫األكويت‪.‬‬
‫ي‬ ‫الكبي وتوما‬
‫ر‬ ‫أبرز أعالم الفلسفة المسيحية‪ :‬أغسطينوس‪ ،‬أنسلم‪ ،‬أليت‬
‫ى‬
‫الفرنس ديكارت يف القرن السادس‬
‫ي‬ ‫الت يؤرخ لبدايتها مع الفيلسوف‬
‫وه ي‬‫‪ ‬الفلسفة الحديثة‪ :‬ي‬
‫عش وتستمر إىل نهاية القرن التاسع ر‬
‫عش‪ .‬وأهم أعالمها باالضافة إىل ديكارت‪ :‬أسبينوزا‪،‬‬ ‫ر‬
‫ى‬
‫ليبني‪ ،‬كانط‪ ،‬هيجل‪ ،‬ماركس‪ ،‬ونيتشه‪.‬‬
‫‪ ‬الفلسفة المعارصة‪ :‬وتمتد من بداية القرن ر‬
‫العشين وإىل يومنا هذا‪ ،‬وأهم أعالمها‪ :‬هورسل‪،‬‬
‫كثي‪.‬‬
‫وغيهم ر‬
‫فتجنشتي‪ ،‬هابرماس‪ ،‬فوكو‪ ،‬ر‬
‫ر‬ ‫هيدجر‪ ،‬رسل‪،‬‬
‫االنسان‬
‫ي‬ ‫الفلسق ترافقت مع ظهور االسطورة يف الفكر‬
‫ي‬ ‫التفكي‬
‫ر‬ ‫ويمكن القول أن بدايات‬
‫ولكنها رسعان ما تطورت لمدارس فكرية نسقية منها‪:‬‬
‫أ) األتجاه المادي‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫األفالطون‪.‬‬
‫ي‬ ‫ب) األتجاه النظري الفيثاغوري‬

‫‪ .1‬الفلسفة ر‬
‫الشقية‪:‬‬
‫الت نشأت ف آسيا وأفريقيا‪ ،‬والفلسفة ر‬
‫الشقية‬ ‫ى‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫نقصد بالفلسفة الشقية تلك الفلسفة ي‬
‫العلم‪،‬‬
‫ي‬ ‫كثي من الفلسفة الغربية الحديثة‪ ،‬لم تفصل الفكر عن التطبيق‬
‫بمعظمها‪ ،‬وبخالف ر‬
‫مرتبطي‬
‫ر‬ ‫روح )‪ (Spiritual‬باعتبارهما‬
‫ي‬ ‫مفهوم )‪ (Conceptual‬وما هو‬
‫ي‬ ‫ونزعت إىل رؤية ما هو‬
‫ر ى‬
‫ومعت بالتحليالت المفهومية‪ ،‬ويشدد عىل‬
‫ي‬ ‫الش يف‪ ،‬بشكل نقدي‬ ‫الفلسق‬
‫ي‬ ‫بشكل وثيق فالفكر‬
‫الحجاج السليم‪ ،‬لكن الفلسفة ر‬
‫الشقية تميل إىل التشديد عىل التبرص يف الواقع وفهمه كمرشد‬
‫للحياة‪ .‬فالهندوسية‪ ،‬والجاينية‪ ،‬والبوذية‪ ،‬والكونفوشية‪ ،‬والطاوية‪ ،‬وفلسفة وادي النيل‪ ،‬ر‬
‫ورسق‬
‫المتوسط‪ ،‬وبالد ما ربي النهرين‪ ،‬وفارس وبالتأكيد الفلسفة العربية اإلسالمية‪ ،‬جميعها مهتمة‬
‫ً‬
‫فضال عن كونها‪ ،‬طرائق للفكر‪ ،‬أبعادها تنامت من التفكي ف التطبيق‪ .‬هذا ى‬
‫اليابط‬ ‫ر ي‬ ‫بالتطبيق‬
‫الكبي للفلسفة ر‬
‫الشقية‪ ،‬والنظر إليها‬ ‫ى‬
‫االحيام‬ ‫الوثيق ربي الفلسفة والممارسة هو أحد أسباب‬
‫ر‬
‫مرتبطة بالحياة اليومية‪.‬‬
‫وتيع الفلسفة ر‬
‫الشقية مطابقة الطريق للحياة الصالحة مع الرؤية عن هذه الحياة نفسها‬
‫ُ‬
‫ويعد هذا عامل تكامل ربي الدين والفلسفة‪ ،‬ألن الفلسفة ال تعتي معنية بالنظر فقط‪ ،‬فإن‬
‫اهتمامها بالوسائل الفعلية لبلوغ حياة صالحة يتيح لها اإلبقاء عىل ارتباطها بالدين‪ .‬يف الفلسفة‬
‫عقالن‬
‫ي‬ ‫تعت الفلسفة بما هو‬‫منفصلي‪ ،‬إذ ي‬
‫ر‬ ‫كميداني‬
‫ر‬ ‫الغربية ينظر عادة إىل الفلسفة والدين‬
‫فحسب‪ ،‬بينما ينظر للدين كمجال معت باإليمان أما ف الفلسفة ر‬
‫الشقية‪ ،‬فيعتي اإللهام طريقة‬ ‫ي‬
‫والتفكي‪ ،‬ويتاح لإليمان والعقل‬
‫ر‬ ‫الحس )‪(Perception‬‬ ‫ي‬ ‫صالحة للمعرفة‪ ،‬سوية مع اإلدراك‬
‫التفاعل لتقديم نظرة نقدية للحياة الصالحة ووسائل نيلها المتنوعة‪.‬‬
‫ينبىع أن نسىع لفحص التقاليد‬ ‫ر‬
‫ألن الفلسفات الشقية والغربية متباينة بطرق مختلفة‪ ،‬ي‬
‫ى‬
‫والت ال تنسجم مع المقوالت العقلية الغربية الحديثة‪،‬‬ ‫ر‬
‫الفلسفية الشقية يف سياقاتها الخاصة‪ ،‬ي‬
‫الت تيع إىل فصل الفكر عن الممارسة والفلسفة عن الدين وبناء عليه فإن الدراس للفلسفة‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫معاييها الخاصة‪ .‬ذلك أن فالسفة ر‬ ‫ر‬
‫الشق ركزوا عىل التواصل‬ ‫ر‬ ‫الشقية عليه أن يدرسها يف إطار‬
‫ّ‬
‫حك التجربة اإلنسانية‪.‬‬ ‫وإىل ِم‬
‫وبي مسائل الحياة ي‬
‫بينهم ر‬
‫ى‬
‫الت يزيد عمرها عن ثالثة آالف‬
‫وعىل سبيل المثال نرى أن الفلسفة الجاينية الهندية ي‬
‫عام تشدد عىل أهمية ربط سبل العيش الفاضل مع التأمل الذي يدحر المعاناة اإلنسانية‪ ،‬أما‬

‫‪11‬‬
‫وانتشت ف جنوب ررسق آسيا قبل خمسة ر‬
‫عش قرنا‪ ،‬تدور‬ ‫ر‬ ‫فه فلسفة نشأت يف الهند‬
‫ي‬ ‫البوذية‪ ،‬ي‬
‫وتثي أسئلة مثل ما المعاناة‪ ،‬ما أسباب المعاناة وكيف‬
‫حول سؤال محوري كيف ندحر المعاناة؟ ر‬
‫نزيل هذه األسباب‪ .‬وترى أن التعلق يف األشياء هو سبب المعاناة‪.‬‬
‫فه فلسفة صينية ركزت عىل دور الفضيلة يف التطور االجتماعية‬ ‫ّ‬
‫أما الكونفوشسية‪ ،‬ي‬
‫والسياس وربط األخالق بالسياسة وأنه الصالح للحياة اإلنسانية ما لم تقوم السياسة عىل‬
‫ي‬
‫األخالق الفاضلة‪.‬‬
‫ه فلسفة صينية تقوم عىل أن السبيل الصحيح للحياة هو اتباع تقاليد‬ ‫والطاوية‪ :‬ي‬
‫الطبيعة يف عملها أي بعفوية دون تفاخر ودعوتها لحياة البساطة وذمها ىليف المدينة‪.‬‬
‫الشق اهتماماتهم عىل مسائل سلوك ر‬
‫البش‪ ،‬والقيم واألخالق‬ ‫وكذلك لم يركز فالسفة ر‬

‫الميتافييقية‪ .‬فهناك مدرسة فيدانتا (هندوسية)‬


‫ر‬ ‫وحدها‪ ،‬وإنما امتدت اهتماماتهم إىل المسائل‬
‫حي تنكر مدرسة التشارفاكيون (هندوسية) فكرة‬
‫ترى أن الذات أو النفس جوهر قائم بذاته يف ر‬
‫الجوهر وتعتيها مجرد وهم‪ .‬وهناك مدارس تؤمن بأن الواقع مؤلف من عدد هائل من العنارص‬
‫ى‬
‫تأن مدارس تفند هذه الواقعية‬ ‫وه مدرسة نياياياوفشيشكا (الواقعية التعددية)‪ .‬ثم ي‬
‫النهائية ي‬
‫ى‬
‫ذان‪ ،‬ألن الواقع مجرد "خواء" (الجاينية والبوذية)‪.‬‬
‫التعددية وترى أنها تنطوي عىل تناقض ي‬
‫ى‬
‫الت تخينا أن األضداد يرتد بعضها عىل بعض‪ ،‬فعندما‬
‫وهناك مدرسة (الطاو) ي‬
‫معي إىل حدة األقىص‪ ،‬فإنه يعكس اتجاهه ويعود إىل االتجاه‬
‫يسي يف اتجاه ر‬
‫سء ما وهو ر‬‫ر‬
‫يصل ي‬
‫اآلخر‪ .‬وينطبق هذا المبدأ عىل عالم المادة والروح عىل حد سواء‪ .‬فعندما تغدو الدنيا باردة للغاية‪،‬‬
‫فال بد أن نتوقع عكسا لألمور بحيث يبدأ الدفء يف القدوم والعكس كذلك‪ .‬وهذا هو طريق‬
‫الطبيعة‪ ،‬عندما يكون هناك حياة‪ ،‬يكون هناك موت‪ ،‬وعندما يكون هناك موت يكون هناك‬
‫حياة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ .2‬الفلسفة اليونانية‪:‬‬
‫أ‪ .‬األتجاه المادي (الفلسفة الطبيعية األيونية)‪:‬‬
‫وقد ولد وأزدهر يف أيونيا ووصل أوجه يف ثريس ‪ Thrace‬عىل ساحل بحر أيجه‪ .‬ولكن‬
‫حي ى‬
‫حت أندثر يف حضارات العصور الوسىط‪ .‬ولم يتم إحياؤه إال‬ ‫هذا ر‬
‫المشوع تم تهميشه بعد ر‬
‫يف أوروبا الغربية يف مطلع الحقبة الحديثة عىل يد بيكون وبرونو وغاليليو‪ .‬ومن أشهر رموز األتجاه‬
‫المادي‪:‬‬
‫األيون(‪ 562-640‬ق‪.‬م)‪ :‬وأعظم انجازاته‪:‬‬
‫ي‬ ‫طاليس‬ ‫‪.1‬‬
‫أ‪ .‬معالجة القضايا الهندسية نظريا‪ ،‬أي بوصفها نتاجات رصورية لعدد قليل من‬
‫المسلمات التجريدية‪ .‬وبذلك يمكن اعتباره أبا لعلم الهندسة‪.‬‬
‫ب‪ .‬أعتبار الكون نظاما متسقا من العالقات والبت‪ ،‬ال مجرد طائفة من االحداث العشوائية‬
‫ى‬
‫الت تحركها قوى اسطورية مزاجية‪.‬‬
‫ي‬
‫تفسيها بأعتبار‬
‫ر‬ ‫تفسيا ماديا للظواهر واالحداث الطبيعية‪ .‬إذ حاول‬
‫ر‬ ‫ت‪ .‬كان أول من قدم‬
‫تفسيها بداللة البسيط المادي‪ ،‬وذلك باتباع منهج‬ ‫ر‬ ‫الماء جوهر المادة‪ ،‬أي حاول‬
‫التحليل ى‬
‫واليكيب يف فهم الظواهر‪.‬‬
‫األيون (‪ 545- 610‬ق‪.‬م‪).‬‬
‫ي‬ ‫‪ .2‬أناكسمندر‬
‫أكي معقولية‬‫طور أناكسمندر نظرية طاليس ف جوهر المادة وحاول تقديم تفسيات ر‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫للظواهر واالحداث‪ .‬إذ الحظ صعوبة إرجاع ظواهر مادية إىل الماء‪ ،‬األمر الذي حداه إىل توكيد‬
‫تعت‬
‫وه ي‬‫أبيون ‪ ،Apeiron‬ي‬ ‫وحدة الوجود المادي بأرجاع ظواهره كلها إىل مادة أولية أسماها ر‬
‫سء يف حالة الكمون‪ .‬وتنبع المادة يف صورها‬ ‫ر‬
‫الالنهان أو الالمحدود‪ .‬وهو ال محدد ألنه كل ي‬
‫ي‬
‫معي يمكن أضفاء الصفات عليه‪.‬‬
‫المحسوسة من األييون عي تحوله من الالمحدد إىل تحديد ر‬
‫ه المسؤولة عن هذا التحديد‪ ،‬أي عن فصل األضداد عن بعضها‪ .‬ويعرف األضداد‬
‫والحركة ي‬
‫بأنها‪ :‬الحار يف مقابل البارد‪ ،‬الجاف يف مقابل الرطب‪ .‬وعىل هذا األساس تيز أربعة عنارص رئيسية‬
‫من األبيون ه‪ :‬ى‬
‫الياب (الجاف)‪ ،‬والماء (الرطب)‪ ،‬والهواء (البارد)‪ ،‬والنار (الحار)‪ .‬وبذلك يكون‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫التفكي يف المادة‬ ‫الت ظلت تشكل أساس‬ ‫ى‬
‫ر‬ ‫أناكسمندر هو أول من وضع نظرية العنارص األربعة ي‬
‫ألق عام‪.‬‬
‫لمدة ي‬

‫‪13‬‬
‫‪ .3‬ديمقريطس ‪ 380 - 460 (Democritus‬ق‪ .‬م‪).‬‬
‫عاش يف منطقة ثريس شمال بحر أيجة‪ .‬وهو صاحب النظرية الذرية‪ .‬فبخالف الموقف‬
‫األيون الذي ّ‬
‫رجح يف النهاية وجود العنارص األربعة كأساس مادي للعالم‪ ،‬أعتي ديمقريطس أن‬ ‫ي‬
‫النهان من الخالء‪ .‬هذه الجواهر‬ ‫ى‬
‫الت تسبح يف محيط‬
‫ي‬ ‫هناك عددا ال نهائيا من الجواهر المادية ي‬
‫والت تختلف عن بعضها من حيث الشكل والحجم‪ .‬وقد أعتي‬ ‫الت ال تنقسم ى‬
‫ى‬
‫ي‬ ‫ه الذرات ي‬
‫ي‬
‫سء يتشكل من هذه الذرات بما يف ذلك اإلنسان والروح‪ .‬بيد أن موقف‬ ‫ر‬
‫ديمقريطس أن كل ي‬
‫ألق عام قبل أن يعاد أحياءه من‬ ‫ر‬
‫ديمقريطس الذري تم تهميشه يف تاري خ البشية إىل ما يقرب ي‬
‫العلم الحقا‪ ،‬غىل أن استقر النظر إىل أن‬
‫ي‬ ‫الفلسق أوال وعىل المستوى‬
‫ي‬ ‫جديد عىل المستوى‬
‫ه الذرات‪.‬‬
‫األساس للمادة ي‬
‫ي‬ ‫المكون‬

‫ى‬
‫األفالطون‪:‬‬
‫ي‬ ‫ب‪ .‬األتجاه الفيثاغوري‬
‫األيون المادي السابق ونقيضا‬
‫ي‬ ‫اليونان‪ ،‬وبرز منافسا لألتجاه‬
‫ي‬ ‫وقد نشأ وأزدهر يف الغرب‬
‫الطبيىع للعالم واألشياء‪ ،‬بينما ركز هذا‬
‫ي‬ ‫له‪ .‬إذ ركز التيار المادي عىل المادة ومكوناتها واألصل‬
‫وف مقدمتها‬
‫التيار عىل العقل ومكوناته ورموزه‪ ،‬وأعتي رس الوجود كامنا يف األفكار التجريدية ي‬
‫األرقام والرموز الرياضية‪ .‬ومن أبرز فالسفة هذا األتجاه‬

‫‪ .1‬فيثاغورس (‪ 495 - 570‬ق‪.‬م‪).‬‬


‫وقد تصور الكون عىل صورة آلة موسيقية ضخمة وأعتي النسب ربي الكواكب مماثلة‬
‫ى‬
‫الموسيق‪ .‬كما أعتي المادة مكونة يف جوهرها من األرقام واألشكال الهندسية‪.‬‬ ‫للنسب يف السلم‬
‫ي‬
‫لذلك سميت فلسفته بفلسفة العدد أو األعداد‪.‬‬

‫‪ .2‬أفالطون (‪ 347 - 428‬ق‪.‬م‪).‬‬


‫التفكي يف الطبيعة‪ ،‬ذلك األسلوب‬ ‫ى‬
‫يق يف‬
‫ر‬ ‫الميتافي ي‬
‫ر‬ ‫الفلسق‬
‫ي‬ ‫وقد تبلور عىل يديه األسلوب‬
‫الذي شذبه فيما بعد تلميذه األهم أرسطو طاليس والذي طهره من العنارص المغرقة يف المثالية‬
‫حت القرن السادس ر‬
‫عش‬ ‫الت ظلت مسيطرة ف فضاء العلم ى‬
‫ى‬
‫ي‬ ‫وبت به أسس الفلسفة الطبيعية ي‬
‫الكون من دون االعتماد‬
‫ي‬ ‫الميالدي‪ .‬لقد أرتكز أفالطون إىل مبادئ فلسفية عامة أشتق منها تصوره‬
‫متغيا أنه مخلوق‪ .‬ولكن المخلوق‬
‫ر‬ ‫تجريت‪ .‬أذ أنه استنتج من كون العالم‬
‫ي‬ ‫عىل أي مبدأ أو قانون‬

‫‪14‬‬
‫والخي‬ ‫يفيض بالرصورة خالقا هو علة المخلوق‪ .‬ى‬
‫وأفيض أفالطون أن الخالق مطلق الطيبة‬ ‫ى‬
‫ر‬
‫والكمال‪.‬‬
‫االتجاهي‪ ،‬فقد طور‬
‫ر‬ ‫ثم جاء أرسطو طاليس (‪ 322 - 384‬ق‪.‬م‪ ).‬ليحاول التوفيق ربي هاذين‬
‫كون محكم ومنسجم مع ذاته‪ ،‬بعد أن سد‬
‫األفالطون وطوعه لبناء تصور ي‬
‫ي‬ ‫الفلسق‬
‫ي‬ ‫األسلوب‬
‫بالتاىل أنموذجا‬
‫ي‬ ‫األفالطون بأستخدام مفاهيم من منجزات التيار المادي‪ .‬وطور‬
‫ي‬ ‫ثغرات النموذج‬
‫ّ‬
‫المحرك الذي ال يتحرك‪.‬‬ ‫ميكانيكيا للكون يعتي األول يف التاري خ‪ ،‬يقوم عىل مبدأ الحركة وفكرة‬
‫ولكن هذا النموذج لم يكن أنموذجا ميكانيكيا بحتا‪ ،‬وإنما تخللته عنارص مثالية‬
‫موضوع‪ ،‬بمعت‬
‫ي‬ ‫وميتافييقية جلية‪ .‬فقد أعتي أن الكون يتألف من أفالك متداخلة لها وجود‬
‫ر‬
‫التغيي وال الفناء‪.‬‬
‫ر‬ ‫أثيا إلهيا خالدا ال يطاله‬
‫أنه أكسبها نوعا من المادية‪ ،‬مع أنه أعتي مادتها ر‬
‫التأثي عىل حركات بعضها بالتالمس‪.‬‬
‫ر‬ ‫وأكسبها أيضا سمات ميكانيكية مثل القدرة عىل‬
‫الفلسق الذي ساد يف فضاء‬
‫ي‬ ‫ويعتي ارسطو واضع اصول واسس المنطق‪ ،‬وهو المنهج‬
‫حت القرن الخامس ر‬
‫عش‪.‬‬ ‫الفكر ى‬

‫ى ى‬
‫األساسيي يف الفلسفة اليونانية؟ ما أهميتهما من وجهة‬ ‫ما رأيك بهذين التيارين‬ ‫‪.1‬‬

‫نظرك؟ هل هناك مواقف أخرى من الفلسفة؟‬

‫وظائف الفلسفة‪:‬‬
‫الفلسق يتمثل يف كل العصور يف‬ ‫التفكي‬ ‫ّ‬
‫يتبي أن‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ومن خالل قراءة تاري خ الفلسفة ر‬
‫وظيفتي رئيستي‪ :‬هما التحليل ى‬
‫واليكيب‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الفلسق‪ ،‬تحليل قضايا الواقع‪ ،‬فالمشتغل‬
‫ي‬ ‫التفكي‬
‫ر‬ ‫أوال‪ :‬الفلسفة بوصفها تحليال‪ :‬من أوىل مهام‬
‫بالفلسفة ُيعت بدراسة طبيعة الفكر السائد يف المجتمع‪ ،‬وكذا العالقة ربي هذا الفكر والواقع يف‬
‫الت تعالج قضايا‬‫ى‬
‫الحياة‪ ،‬ومن بعد يحلل مدى صالحية أو جدوى المناهج الفكرية السائدة ي‬
‫ً‬
‫ومشكالت اإلنسان فضال عن دراسته لطرق الوصول إىل الحلواللمثىل لهذه القضايا من وجهة‬
‫نظره‪ .‬هذه المهمة التحليلية للفلسفة يتخللها عمليات نقد الصور والصيغ السلبية يف الفكر‬
‫والجماع للناس‪ .‬ولذا‬
‫ي‬ ‫الفلسق رفض الصور السلبية يف السلوك الفردي‬
‫ي‬ ‫السائد‪ ،‬ويشتمل النقد‬
‫الفلسق يف دراسة كل من الفكر والواقع‪.‬‬ ‫ى‬
‫وظيفت التحليل والنقد مالزمتان للفعل‬ ‫فإن‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫‪15‬‬
‫ى‬
‫تأن خطوة ى‬ ‫ى‬ ‫ً‬
‫اليكيب‪ .‬فالفلسفة بعد‬ ‫خطون التحليل والنقد‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫ثانيا‪ :‬الفلسفة بوصفها تركيبا‪ :‬بعد‬
‫دراستها للواقع الفكري وعالقة هذا الواقع بواقع اإلنسان وحياته‪ ،‬وانتقادها لألوضاع واألفكار‬
‫اليكيبية باحثة عن أدق وأشمل األفكار بشأن طبيعة الواقع ومعت‬ ‫والقيم السلبية‪ ،‬تبدأ مهمتها ى‬

‫الحياة وهدفها‪ .‬والغرض من هذه الوظيفة تقديم صورة متكاملة عن العالم والمجتمع والعلم‬
‫والقانون واألخالق والسياسة‪ ،‬صورة تشمل عنارص التجربة اإلنسانية‪ .‬ويتضح أن مهمة الفلسفة‬
‫ًّ‬
‫تفسييا للواقع‪ ،‬أو أن تقدم تييرا لما يحدث فيه‪ ،‬أو رفض هذا الواقع‪،‬‬ ‫ه أن تقدم تصويرا‬
‫ر‬ ‫هنا ي‬
‫ومن ثم تقديم تصور بديل لما يجب أن يكون عليه الواقع حارصا ومستقبال‪.‬‬
‫اإلنسان‬
‫ي‬ ‫الفلسق بيعته إىل النقد وتجديد الفكر‪ ،‬وهو يف هذا يحرر الفكر‬
‫ي‬ ‫التفكي‬
‫ر‬ ‫ويتمي‬
‫ر‬
‫من الجمود وسلطان المعارف واالعتقادات الخاطئة‪ ،‬فال يعود اإلنسان ينظر إىل األفكار عىل أنها‬
‫نهائية ومطلقة ال تقبل النقاش والحوار‪ ،‬ولذا فإن الفلسفة تستهدف دائما استخدام العقل يف‬
‫والثقاف‪ ،‬ويوسع‬
‫ي‬ ‫النقد والمراجعة‪ ،‬وهذا من شأنه أن يساعد يف شيوع روح التسامح الفكري‬
‫اإلنسان‬
‫ي‬ ‫مساحات التواصل والنقاش ربي أبناء الوطن الواحد أو األمة الواحدة‪ ،‬أو عىل المستوى‬
‫بتعدده واختالفه‪ ،‬ويعزز ثقافة الحوار وقبول الرأي والرأي اآلخر‪ ،‬أي أن الفلسفة تعزز فرصة‬
‫انتشار وتوسع ديمقراطية األفكار‪ ،‬إذ إن من خصائص األفكار الحقيقية االبتعاد عن التعصب‬
‫الفكري المؤدي إىل انغالق العقل والفكر عىل نفسه‪ ،‬وبالنتيجة عدم تواصله أو تفاعله مع‬
‫العقول أو األفكار األخرى‪ ،‬ما يؤدي إىل جموده وتخلفه‪.‬‬
‫الثقاف أو الحضاري ألي أمة من األمم يقاس بمقدار‬
‫ي‬ ‫ومن الصواب القول بأن المستوى‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫تفكيها‬
‫ر‬ ‫رف‬ ‫شيوع حرية الفكر والتفلسف فيها‪ .‬ولذا نجد أن ي‬
‫رف األمم وتطورها داللة عىل ي‬
‫الفلسق وتطوره عند أبنائها‪ ،‬وبالعكس فإن تدهور الثقافة وضمورها فيها‪ ،‬هو عىل األرجح نتيجة‬
‫ي‬
‫الفلسق‪ ،‬وجمود العقل عن نشاطه فيها‪.‬‬
‫ي‬ ‫التفكي‬
‫ر‬ ‫ضعف أو غياب‬
‫ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫نشاط‪ :‬ابحث يف الطرق ي‬
‫الن يمكن من خاللها للفلسفة والتفكي الناقد أن تساهم يف‬
‫بي الناس‪ .‬أعط أمثلة عىل ذلك‪.‬‬ ‫بي الناس‪ ،‬أو ىف قبول االختالف ى‬
‫تقريب وجهات النظر ى‬
‫ي‬

‫‪16‬‬
‫ى‬
‫الفلسف وانقسموا اىل ثالث أتجاهات‪:‬‬ ‫لقد أختلف الفالسفة حول المهمة االساسية للفعل‬
‫ي‬
‫والتعبي‬
‫ر‬ ‫أوال‪ :‬تفسي الواقع‪ :‬وهذه أوىل مهام الفلسفة‪ ،‬من حيث انشغالها بالنظر يف هذا الواقع‬
‫تفسيه‬
‫ر‬ ‫ًّ‬
‫حرفيا‪ ،‬بل الغوص يف أعماق الواقع ومحاولة‬ ‫عنه‪ ،‬لكن ليس بمعت محاكاته ونقله نقال‬
‫تفسيا شامال‪ ،‬وصوال إىل األسباب والعلل البعيدة فيه‪ ،‬وما يجري فيها من أحداث وظواهر‪،‬‬
‫ر‬
‫سواء كانت علمية أو سياسية أو اجتماعية أو أخالقية ‪ ...‬إلخ‪ ،‬ومن ثم معرفة هذه األسباب‬
‫وتفسيها‪.‬‬
‫ر‬ ‫البعيدة المسؤولة عن األحداث والظواهر يف هذا الواقع‬

‫نشاط‪ :‬يقوم مجموعة من الطلبة بالحوار حول هذه النقطة للتدليل عىل وجود آراء‬
‫فلسفية تحاول رتيير الواقع‪.‬‬

‫أيديولوجيي‪ ،1‬يرون أن‬


‫ر‬ ‫ثانيا‪ :‬رتيير الواقع‪:‬إن المهمة التييرية للفلسفة ي‬
‫تعت أن هناك فالسفة‬
‫مهمتهم يف عرص ما تيير ما يجري فيه من أحداث‪ .‬ولذا فإن عليه بذل جهد يف إقناع معارصيه‪،‬‬
‫يف أنه لن يكون يف اإلمكان أفضل مما هو كائن فعال‪ .‬ومن ثم فإنه يبحث للناس عن كيفية التوافق‬
‫مع ظروف العرص والتعايش معها من خالل فهم أبعادها‪ ،‬سواء كانت أبعادا إيجابية أم سلبية‪.‬‬
‫ينبىع التقليل من أهمية هذه الوظيفة للفلسفة يف عرص من عصورها‪ ،‬ألنه ما من عرص إال‬
‫ي‬ ‫وال‬
‫ينبىع التالؤم معها والتكيف مع نتائجها‪.‬‬
‫ي‬ ‫وفيه مستجدات وتطورات‬

‫ً‬
‫الكيى للفلسفة يف عرص ما‪ ،‬عندما تستحكم أمراضا يف‬ ‫ثالثا‪ :‬تغيي الواقع‪ :‬تظهر هذه المهمة ر‬
‫ى‬
‫األخالف‪ ...‬إلخ‪ .‬ولما كانت المهمة األوىل للفيلسوف‬
‫ي‬ ‫السياس أو‬
‫ي‬ ‫االجتماع أو‬
‫ي‬ ‫الواقع الفكري أو‬
‫يعان منها‬ ‫الت‬‫ى‬
‫ي‬ ‫ه تحليل الواقع‪ ،‬فإنه من خالل التحليل يصل إىل تشخيص هذه األمراض ي‬ ‫ي‬
‫مجتمعه أو اإلنسانية‪ .‬وبالطبع هو يركز عىل األمراض الفكرية والثقافية‪ ،‬ألنه يعتقد أن الفكر هو‬
‫الذي يقود الواقع‪ ،‬وأن النظر إىل الصورة السائدة للفكر يف مجتمع ما يكشف عن طبيعة هذا‬
‫المجتمع ومدى تخلفه أو مدى تقدمه‪ .‬ومن هنا تكون دعوته إىل رصورة ر‬
‫تغيي الواقع نحو‬
‫ر‬
‫السء األفضل يف كافة مجاالت الحياة‪ .‬وعليه يمكن القول إن معظم‬
‫األفضل برسمه تصورا لهذا ي‬
‫الفالسفة قد حاولوا تقديم حلول لمشكالت العالم‪.‬‬

‫‪ 1‬األيديولوجيا هي الموقف الذي يمكن ان يتبناه شخص ما ويدافع عنه دفاع قوي معتبره الموقف الوحيد الصادق والصحيح في مواجهة‬
‫كل المواقف األخرى‪ .‬وغالبا ً ما يكون الموقف االيديولوجي موقف ثابت بغض النظر عن المتغيرات التي تحيط به‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫اليونان أفالطون‪ ،‬فيلسوفا ُمصلحا‪ ،‬فقد اكتشف من النظر يف‬
‫ي‬ ‫لقد ظهر الفيلسوف‬
‫السياس‪،‬‬
‫ي‬ ‫واالجتماعيةف أثينا‪ ،‬رصورة وضع شكل جديد للمجتمع‬
‫ي‬ ‫أحوال مجتمعه السياسية‬
‫المثاىل من وجهة نظره‪ ،‬يف نظريته حول الجمهورية‬
‫ي‬ ‫ينبىع أن يكون‪ ،‬وحدد معالم المجتمع‬
‫وكيف ي‬
‫ى‬
‫الت تقوم عىل فضيلة العدالة والتوازن ربي طبقات المجتمع‪ ،‬وتقسيم الوظائف‬
‫أو الدولة المثالية ي‬
‫ى‬
‫الت‬
‫ربي أفراد هذه الطبقات‪ ،‬بحيث يؤدي كل فرد يف المجتمع وظيفته داخل طبقته االجتماعية ي‬
‫ى‬
‫الت تناسبه‪.‬‬ ‫ى‬ ‫َ‬
‫ينتم إليها بحسب التقسيم الذي اقيحه عىل أكمل وجه‪ ،‬محققا الفضيلة السياسية ي‬
‫ي‬
‫تغيي صورة المجتمع من أفراد يبحثون عن‬
‫ه ر‬ ‫تغيي الواقع‪ ،‬ي‬
‫كانت غاية أفالطون من ر‬
‫عابئي بمصلحة المجتمع والدولة ككل‪،‬‬
‫ر‬ ‫غي‬
‫تحقيق مصالحهم الشخصية وخالصهم الفردي‪ ،‬ر‬
‫إىل مجتمع يتكون من أفراد يمتلك كل واحد منهم الفضائل الرصورية لصالح المجتمع بأكمله‪.‬‬
‫ان)‪ ،‬و(ابن سينا) و(إبن رشد) و(إخوان‬
‫هكذا أيضا كانت مهمة فالسفة اإلسالم (الفار ي‬
‫الصفا)‪ ،‬فيما كتبوه يف فلسفتهم السياسية‪ ،‬فقد كانت غايتهم وضع صورة لما يجب أن يكون‬
‫الفلسق‬
‫ي‬ ‫ان جهده‬‫عليه الحال يف المستقبل بعد أن رفضوا صورة الواقع الذي عايشوه‪ .‬قدم الفار ي‬
‫المدن أو السياسة المدنية" و"التنبيه عىل سبيل‬
‫ي‬ ‫يف كتبه "آراء أهل المدينة الفاضلة" و"العلم‬
‫السعادة" وكذلك إخوان الصفا يف رسائلهم‪ ،‬وابن رشد‪.‬‬
‫الت نادت برصورة االنتقال من‬ ‫ى‬
‫تغيي الواقع‪ ،‬الفلسفة الماركية ي‬
‫ومن الفلسفات الداعية اىل ر‬
‫خطية كما شخصها‬ ‫ى‬
‫الت تنتج عنها امراض سياسية واجتماعية واقتصادية‬
‫ر‬ ‫المجتمعات الرأسمالية ي‬
‫اشياكية تحقق العدالة االجتماعية‬‫فالسفتها وعىل رأسهم (ماركس) و(انجلز)‪ ،‬اىل مجتمعات ى‬
‫بي االفراد عىل اساس التوزي ع العادل ر‬
‫لليوة ربي الجميع‪.‬‬ ‫ر‬

‫اكتب تقريرا من ‪ 500‬كلمة حول مهمة من المهمات الواردة أعاله للفلسفة‪.‬‬

‫ى‬
‫الفلسف‪:‬‬ ‫خصائص التفكي‬
‫ي‬
‫الفلسق عند الفيلسوف‪ ،‬أهمها‬
‫ي‬ ‫الفلسق‪ ،‬وتحدد الموقف‬
‫ي‬ ‫للتفكي‬
‫ر‬ ‫ممية‬
‫هناك خصائص ر‬
‫أوال‪ :‬الدهشة والقلق‪.‬‬

‫يقول أرسطو‪" :‬الدهشة أول باعث عىل الفلسفة"‪.‬‬


‫هل يمكنك رشح عبارة أرسطو بلغتك الخاصة؟‬

‫‪18‬‬
‫كثيا من المظاهر ف الحياة والكون والعالقات ربي ر‬
‫البش‪ ،‬قد ال تشكل لدى‬ ‫نحن نجد أن ر‬
‫ي‬
‫وحيتهم ودهشتهم‪ ،‬وال تستوقفهم‪ ،‬باعتبارها‬ ‫العاديي تساؤالت ر‬
‫تثي قلقهم ر‬ ‫ر‬ ‫معظم الناس‬
‫تثي فضولهم‪ .‬بينما تستوقف‬‫وبالتاىل ال ر‬
‫ي‬ ‫مسائل عادية ومألوفة ومعتادة بالنسبة لهم‪،‬‬
‫وحيتهم‪ .‬فالفيلسوف الحق لديه حساسية عقلية عالية‬
‫وتثي دهشتهم ر‬ ‫غيهم ر‬ ‫كثيين ر‬
‫أنسانا ر‬
‫بالنسبة لألحداث والظواهر ف العالم والعالقات اإلنسانية‪ ،‬ر‬
‫فيشع بالتحليل والبحث عن معرفة‬ ‫ي‬
‫أصول األشياء والظواهر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التساؤل‪.‬‬
‫فالفيلسوف مهمته أن يطرح التساؤل يف موضوعات مختلفة‪ ،‬وقضايا بسيطة ومعقدة‪ ،‬قد يراها‬
‫الناس واضحة‪ ،‬أو يعتقدون بها اعتقادا ثابتا‪ .‬الفيلسوف يطرح أسئلة عن مبادئ األشياء وأصولها‪،‬‬
‫والخي ر‬
‫والش‪ ،‬والحق والعدالة‪ ،‬والظلم والجور‪ .‬يسأل عن‬ ‫ر‬ ‫المصي‪ ،‬والوجود‪ ،‬والعدم‪،‬‬
‫ر‬ ‫عن‬
‫وف اإلرادة اإلنسانية ومدى حرية هذه اإلرادة‪ ،‬عن العقل والذهن‬
‫الحقيقة والمقصود بالحقيقة‪ ،‬ي‬
‫ومصيها‪ .‬يسأل عن األشياء كيف‬
‫ر‬ ‫وعالقته بالجسم‪ ،‬يسأل عن النفس‪ ،‬أصلها وعالقتها بالجسد‬

‫تتغي يف العالم‪ .‬يسأل عن المعرفة‪ ،‬وهل ي‬


‫ه ممكنة؟ عن أصل المعرفة وطبيعة المعرفة وحدود‬ ‫ر‬
‫ه فطرية أم مكتسبة‪.‬‬
‫المعرفة‪ ،‬يتساءل عن عالقة الذات بالموضوع‪ ،‬وعن مبادئ العقل وهل ي‬
‫ه ذاتية أم موضوعية؟‬
‫والخي واألحكام‪ ،‬هل ي‬
‫ر‬ ‫عن الجمال‬

‫ى‬
‫والجديةف التفكي العميق‪ .‬فالفيلسوف يرى أن الفلسفة محاولة مستمرة‬
‫ي‬ ‫ثالثا‪ :‬المثابرة العقلية‬
‫الفلسق يسىع إىل التأمل والتحليل يف‬ ‫التفكي‬ ‫ى‬
‫ومنطق للقضايا‪ ،‬مثلما أن‬ ‫تفسي عميق‬ ‫لوضع‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫كبيا لغاية الوصول إىل أصول‬
‫تفكي يستغرق جهدا ر‬
‫ر‬ ‫الفلسق وليد‬
‫ي‬ ‫الواقع واألفكار‪ ،‬فالموقف‬
‫األمور ومبادئها وأسبابها القريبة والبعيدة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الشك والنقد المنهجيان‪ .‬وهذا موقف أصيل عند الفيلسوف‪ ،‬يرتفع فيه فوق اآلراء‬
‫ًّ‬
‫منهجيا يسىع من ورائه الفيلسوف الوصول‬ ‫الفلسق موقفا‬ ‫واألفكار الساذجة الموروثة‪ .‬ويشكل‬
‫ي‬
‫إىل المعرفة اليقينية‪ ،‬القائمة عىل الحجة واليهان‪ ،‬ولذا فإن موقف الشك والنقد الفلسفي ري‬
‫المنهج متحققا لدى الفيلسوف‪ ،‬فإن الفلسفة ال‬
‫ي‬ ‫رصوريان للفيلسوف‪ ،‬فإن لم يكن هذا الشك‬
‫تكون ر‬
‫أكي من موقف للعقل إزاء نظريات أو معتقدات يسلم بها الناس عن جهل أو سذاجة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫إيجان يساعد عىل نمو المعرفة وازدهارها‬
‫ي‬ ‫المنهج هو عنرص‬
‫ي‬ ‫إن هذا النوع من الشك‬
‫النست من ناحية العلم والحقيقة‪ .‬ولذا فإن هذا الشك‬
‫ي‬ ‫وتصحيحها‪ ،‬ورسوخ االعتقادات وثباتها‬
‫الفلسق ينفر من‬
‫ي‬ ‫يهدف إىل الوصول إىل الحقيقة وبناء المعرفة عند اإلنسان‪ ،‬وكما أن الموقف‬
‫االعتقاد الجازم واألحكامالوثوقيةالقاطعة‪ ،‬بشأن أي موضوع أو فكرة‪ ،‬ال يجد دليال عىل صحتها‪،‬‬
‫العقىل وي هدم المعرفة‪ ،‬ويشل انطالقة‬
‫ي‬ ‫فإنه يرفض التطرف يف الشك البعيد الذي يعرقل النظر‬
‫الفكر‪ ،‬أي الشك الذي يجحد بإمكان المعرفة أصال ويبطل كل الحقائق والقضايا الصادقة‪.‬‬

‫هل تتفق مع األشخاص الذين يقدمون أفكارا قاطعة ونهائية في المشاكل االجتماعية أو‬
‫االقتصادية على سبيل المثال؟ ما مشكلة مثل هؤالء من وجهة نظرك؟‬

‫المباحث الرئيسية للفلسفة‪:‬‬

‫الت ّأرخت للفلسفة‪ ،‬او بحثت يف موضوعها‪ ،‬عىل تقسيم الفلسفة اىل‬
‫ى‬
‫درجت العادة يف الكتب ي‬
‫ه‪:‬‬
‫حقول ومباحث رئيسية يمكن حرصها يف مباحث رئيسية ي‬

‫‪ -‬مبحث المعرفة ( االبستمولوجيا ‪) Epistemology‬‬


‫الميتافييقا ( االنطولوجيا ‪.)Metaphysic ، Ontology‬‬
‫ر‬ ‫‪ -‬مبحث الوجود ‪/‬‬
‫‪ -‬مبحث القيم ( االكسيولوجيا ‪ )Axiology‬ويتضمن مبحث الجمال ( االيتطيقا‬
‫‪)Asthetics‬‬
‫‪ -‬مبحث المنطق ( ‪) Logic‬‬

‫ى‬
‫الت ظهرت حديثا‪ ،‬مثل‪ :‬فلسفة‬
‫هذا اىل جانب بعض المباحث الفرعية االخرى ي‬
‫العلم‪ ،‬وفلسفة التاري خ‪ ،‬وفلسفةى االدب‪ ،‬والفلسفة السياسية ةاالجتماعية‪،‬‬
‫وفلسفة القانون‪ ،‬وعلم الجمال‪ ...‬الخ‬

‫يىل عرض موجز لبعض المباحث الرئيسة‪.‬‬


‫وفيما ي‬

‫‪20‬‬
‫أوال‪ :‬مبحث الوجود‪:‬‬
‫ّ‬
‫الكىل – أو الوجود بما هو موجود ‪، -‬‬
‫هذا القسم من الفلسفة يبحث يف خصائص الوجود ي‬
‫تفسي للوجود كوحدة مطلقة دون تحديد أو تجزيء‪ ،‬بينما تتكفل العلوم‬
‫ر‬ ‫عىل أساس وضع‬
‫الفرعية أو الجزئية البحث يف العالم المادي المحسوس وظواهره المختلفة ودراستها يف حاالتها‬
‫الجزئية أو الفردية‪.‬‬

‫وي هتم هذا البحث باإلجابة عن التساؤالت اآلتية‪:‬‬

‫كية نشاهدها‬ ‫كية؟ هل يمكن أن نرد الوجود بما فيه من ر‬ ‫‪ -‬هل الوجود ف أصله وحدة أم ر‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫ى‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ونحس بها إىل عنرص واحد؟ بمعت آخر‪ :‬هل الكية والتعدد ي‬
‫الت نراها يف العالم‬
‫كية من العنارص؟‬ ‫واألشياء حولنا تعود إىل أصل واحد أم إىل ر‬

‫كية وتعددا‪.‬‬‫‪ -‬ما طبيعة الوجود؟ سواء كان واحدا أم ر‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وروح‬
‫ي‬ ‫روح؟ أم مادي‬
‫ي‬ ‫‪ -‬هل الوجود الذي نعيش فيه هو وجود مادي رصف أم وجود‬
‫معا؟ أم هو ّ‬
‫مكون من عنرص محايد ال هو بالمادة وال بالروح؟‬

‫ثانيا‪ :‬نظرية المعرفة‪:‬‬

‫البحث الفلسق ف مسائل المعرفة ر‬


‫ورسوطها قديم ِقدم البحث يف الطبيعة واإلنسان‬ ‫ي ي‬
‫والوجود بشكل عام‪ .‬وتختص نظرية المعرفة يف البحث يف أصل المعرفة‪ ،‬وإمكان المعرفة‬
‫وطبيعتها وحدودها ومصادرها وقيمتها‪.‬‬

‫ه‪:‬‬
‫ينقسم هذا المبحث إىل ثالثة أقسام ي‬

‫أ‪ -‬إمكان المعرفة وحدودها‪ .‬يبحث هذا القسم يف التساؤالت اآلتية‪:‬‬


‫‪ -‬هل يمكننا أن نعرف؟ هل المعرفة ممكنة؟‬
‫‪ -‬هل يمتلك اإلنسان القدرة عىل معرفة حقيقة األشياء من حوله؟ أم أن هذه المعرفة موضع‬
‫شك؟‬

‫‪ -‬إذا كانت المعرفة ممكنة‪ ،‬فما ي‬


‫ه حدود المعرفة؟ هل لمعرفتنا حدود تقف عندها؟‬

‫ب‪ -‬مصادر المعرفة ووسائلها‪ .‬ويبحث يف اإلجابة عن التساؤالت اآلتية‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ -‬من أين نحصل عىل المعرفة؟ كيف يمكننا معرفة األشياء من حولنا؟‬
‫ى‬
‫ه العقل أم الحواس‬
‫الت نحصل من خاللها عىل المعرفة؟ هل ي‬ ‫‪ -‬ما ي‬
‫ه الوسائل أو األدوات ي‬
‫أم الحدس أو وسائل أخرى؟‬

‫ى‬
‫يأن‪:‬‬
‫ج‪ -‬طبيعة المعرفة‪ .‬يبحث هذا القسم يف اإلجابة عن ما ي‬
‫الت نحصل عليها؟ هل ه عقلية أم ِّ‬ ‫ى‬
‫حسية أم روحية أم نفسية؟‬ ‫ي‬ ‫‪ -‬ما طبيعة المعرفة ي‬
‫‪ -‬ما ي‬
‫ه طبيعة ونوع العالقة ربي الذات العارفة وموضوع المعرفة؟‬

‫ى‬
‫ه‬ ‫‪ ‬لماذا برأيك ينشأ االختالف يف اإلجابة عن طبيعة المعرفة ي‬
‫الت نحصل عليها؟ هل ي‬
‫حسية؟‬ ‫عقلية أم ِّ‬
‫‪ ‬معتمدا عىل المصادر المتوفرة يف المكتبة‪ ،‬اكتب تقريرا مخترصا عن تساؤل من‬
‫الت يدور حولها مبحث المعرفة‪.‬‬‫ى‬
‫التساؤالت ي‬

‫ثالثا‪ :‬مبحث القيم‪:‬‬

‫يىل‪:‬‬ ‫ى‬ ‫ُ‬


‫الت تقوم عليها حياة اإلنسان‪ ،‬وتتمثل فيما ي‬
‫يعت هذا المبحث بدراسة القيم الرئيسية ي‬
‫ى‬
‫الت‬
‫المعايي واألحكام والقواعد ي‬
‫ر‬ ‫‪ -‬قيمة الخي‪ .‬ي‬
‫وه ميدان علم األخالق‪ ،‬الذي يختص بتوضيح‬
‫الخي‪.‬‬
‫لك يتوافق مع مبادئ ر‬
‫اإلنسان ي‬
‫ي‬ ‫يجب أن يكون عليها السلوك‬
‫ى‬ ‫ر‬
‫الت‬ ‫‪ -‬قيمة الحق (الصدق)‪ .‬ي‬
‫وه ميدان علم المنطق‪ ،‬الذي يختص ببيان الشوط والقواعد ي‬
‫تفكيه صحيحا أو سليما‪.‬‬
‫لك يكون ر‬‫يجب عىل اإلنسان اتباعها ي‬
‫ر‬
‫السء أو‬ ‫‪ -‬قيمة الجمال‪ .‬وميدانها علم الجمال الذي يبحث يف‬
‫معايي ما يجب أن يكون عليه ي‬
‫ر‬
‫والفت‪.‬‬
‫ي‬ ‫الجماىل‬
‫ي‬ ‫معايي التذوق‬
‫ر‬ ‫الموضوع الجميل‪ .‬أي‬

‫‪ ‬هل يمكنك البحث عن تعريفات للمباحث االخرى‪ ( :‬المنطق والجمال )؟ معتمدا عىل‬
‫المصادر المتوفرة يف المكتبة‪.‬‬

‫علم الجمال‬
‫يزخر الكون الذي يحيط بنا بموجودات طبيعية ال حصر لها‪ ،‬وبمنجزات و مصنوعات إنسانية‪،‬‬
‫ننظر إليها ونتأملها فتثير فينا إحساساً خاصاً‪ ،‬ومتعة معينة‪ ،‬ولذة مختلفة عن جميع اللذات الحسية‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫وقد وضع لها اإلنسان اسماً خاصاً يميزها عن المتع واللذات األخرى فسماها المتعة الجمالية واللذة‬
‫الجمالية‪ ،‬والمتعة الفنية‪ ،‬والتجربة الجمالية والتجربة الفنية ‪.‬‬
‫ويصاحب هذا اإلحساس الخاص وهذه المتعة المتميزة ‪ -‬في أغلب األحيان ‪ -‬إطالق أحكام معينة‬
‫تتعلق بالموضوع الذي أثار في النفس هذا اإلحساس وهذه المتعة ‪ ،‬فيقال ‪ :‬هذا شيء جميل أو‬
‫منظر جميل ‪ ،‬أو لوحة فنية جميلة أو قصر جميل أو سيارة جميلة ‪ ...‬الخ ‪ ،‬بل قد تكون في‬
‫أحكامنا درجات متفاوتة ‪ ،‬كأن نقول ‪ :‬جميل جدا ‪ ،‬ورائع ‪ ،‬وجمال أخاذ ‪ ،‬ومنظر بديع ‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من األحكام المشابهة التي يحاول اإلنسان من خاللها أن يعبر بشكل أو بآخر عن درجة‬
‫المتعة الجمالية التي أحس بها الذي أطلق الحكم‪.‬‬
‫طبيعة الخبرة الجمالية‬
‫الخبرة الجمالية هي إدراك ذوقي يصاحبه نوع من التأمل الهادئ وإحساس بمتعة خاصة ولذة معينة‬
‫تختلف عن اللذات الحسية وتتجاوزها ‪ ،‬تنتج عن اتصالنا ببعض الموجودات الطبيعية أو الصنعية‪،‬‬
‫ويرافق هذا اإلدراك وهذه المتعة الخاصة حكم جمالي على هذه الموجودات ( فنقول ‪ :‬جميل ‪ ،‬بديع‬
‫‪ ،‬رائع ‪ ،‬ملهم ‪ ...‬الخ ) وتكون هذه الخبرة ‪ -‬في العادة واألغلب ‪ -‬غير ذات صلة باهتماماتنا‬
‫العملية في حياتنا ‪ ،‬ومجردة من الغرض النفعي أو اللذة المادية والشهوة العارضة‪ .‬هذه الخبرة‬
‫الجمالية‪ ،‬التي تنتج عن اتصالنا باألشياء الجميلة الطبيعية والصنعية‪ ،‬هي في جوهرها تأثر وانفعال‬
‫أكثر منها فعل وتأثير‪ ،‬ومصدر هذا التأثر واالنفعال هو الشيء الجميل ابتداء‪ .‬وفي سبيل تمييز‬
‫الخبرة الجمالية واإلحساس بالجمال عن غيره من الخبرات وغيرها من أنواع اإلحساسات؛ يمكن ذكر‬
‫الصفات اآلتية للخبرة الجمالية‪:‬‬
‫‪-‬يرافق الخبرة الجمالية لذة ومتعة صافية ال يصاحبها ألم وال يعقبها أيضا ‪.‬‬
‫وحبا نحو موضوع هذه الخبرة‪ ،‬أي نحو الشيء الجميل‪ ،‬وهي محبة كما الحظ‬
‫‪-‬تولد هذه اللذة ميالً ً‬
‫أبو حامد الغزالي (ت ‪ 505‬ه) غير مرتبطة بمنفعة أو إحسان أو حظ ينال من وراء الشيء‬
‫الجميل‪ ،‬وإنما هو محبوب لذاته‪ ،‬فكل جمال محبوب عند مدرك الجمال وذلك لعين الجمال‪ ،‬ألن‬
‫إدراك الجمال فيه عين اللذة ‪ ،‬وهذه اللذة محبوبة لذاتها ال لغيرها‪.‬‬

‫‪-‬هذه الخبرة ذوقية ‪ ،‬فهي تجربة يحس بها صاحبها وحده ‪ ،‬ومشاعره فيها ال يشاركه فيها غيره ‪،‬‬
‫فإذا توجه عدد من األفراد بحواسهم وتأملهم نحو موضوع بعينه‪ ،‬فإن خبراتهم الجمالية ال تكون‬
‫متطابقة في جملتها ‪ ،‬وإن اشتركوا جميعا في أحد عناصر الخبرة الجمالية‪ ،‬وهو الحكم الجمالي ‪.‬‬
‫‪-‬يترتب على هذه الخبرة الجمالية الذوقية إصدار حكم جمالي على الموضوع الذي ولد هذه الخبرة‬
‫الجمالية وهو الحكم بكونه جميال‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪-‬ال يوجد قواعد صارمة كقواعد األخالق والمعرفة العلمية تخضع لها هذه التجربة‪ ،‬ويصعب تقييمها‬
‫في ضوء معايير المنطق‪ ،‬لذلك فقد تتفق الخبرات الجمالية في جانب األحكام التي تصدر عن‬
‫أصحابها‪. -‬هذه الخبرة الجمالية ‪ -‬بالرغم من طابعها الفردي الذوقي ‪ -‬قابلة للتهذيب واالرتقاء بها‬
‫وصقلها‪ ،‬وذلك من خالل التدريب على تأمل الموضوعات الواضحة الجمال‪ ،‬أي النماذج الجمالية‬
‫التي يتفق على جمالها األكثرية العظمى إن لم يكن الجميع‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ى‬
‫الثان‪ :‬نظرية المعرفة‬
‫ي‬ ‫الفصل‬
‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬نظرية المعرفة‬
‫‪ o‬إمكان المعرفة‬
‫‪ o‬مصادر المعرفة‬
‫‪ o‬طبيعة المعرفة‬

‫‪ -‬المبحث ي‬
‫الثان‪ :‬فلسفة العلم‬

‫األهداف والنتاجات‪:‬‬
‫نظرية العرفة‬
‫‪ ‬إمكانية المعرفة‬
‫‪ ‬مصادر المعرفة‬
‫‪ ‬طبيعة المعرفة‬
‫العمىل والمشكالت الفلسفية‪.‬‬
‫ي‬ ‫الفلسق‬
‫ي‬ ‫‪ o‬يدرك أهمية أسس الفهم‬
‫‪ o‬يتقن مهارة قراءة النصوص وتحليلها ًّ‬
‫نقديا‪.‬‬
‫فلسفة العلم‬
‫‪ ‬العالقة ربي الفلسفة والعلم‬

‫‪ ‬ما ي‬
‫ه فلسفة العلم‬
‫‪ ‬العلم والالعلم‬
‫‪ ‬حدود العلم‬
‫العمىل والمشكالت الفلسفية‪.‬‬
‫ي‬ ‫الفلسق‬
‫ي‬ ‫‪ o‬يدرك أهمية أسس الفهم‬
‫‪ o‬يتقن مهارة قراءة النصوص وتحليلها‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫المبحث األول‪ :‬نظرية المعرفة‬

‫ر‬ ‫ّ‬
‫فه أساس كل معرفة ونظرية يتبناها‬
‫تمثل نظرية المعرفة مكانة رفيعة ربي العلوم البشية‪ ،‬ي‬
‫ًّ‬
‫طبيعيا‪ ،‬وتعتي لذلك حجر األساس لكل رأي‬ ‫إلهيا أم ًّ‬
‫ماديا‪ ،‬فيلسوفا أم عالما‬ ‫اإلنسان‪ ،‬سواء كان ًّ‬

‫ونظرية يتبناها العالم يف كل من مجال الفلسفة والعلوم بشكل عام‪.‬‬

‫وتفسي حقيقتها‪ ،‬وتعالج‬


‫ر‬ ‫وتختص نظرية المعرفة بالبحث يف طبيعة المعرفة اإلنسانية‬
‫بطريقة نقدية مشكالت العقل والحواس‪ ،‬يف عالقتهما باألشياء‪ ،‬ومدى قدرتهما عىل المعرفة‪،‬‬
‫ومعايي التحقق مما نعرف‪ ،‬وكيف نعرف‪ ،‬ثم كيف نحدد قيمة ما نعرف؟‬
‫ر‬

‫كانت البدايات األوىل لما نسميه اليوم "نظرية المعرفة"‪ ،‬قد تحددت مع بدايات الفلسفة‬
‫الفرنس (ديكارت ‪1950 -1596‬م) الذي نظر إىل نظرية المعرفة‬
‫ي‬ ‫الحديثة عىل يد الفيلسوف‬
‫اإلنجليي (جون لوك ‪1704 -1632‬م)‪ ،‬كان‬
‫ر‬ ‫باعتبارها أساس الفلسفة برمتها‪ .‬لكن الفيلسوف‬
‫فصل القول يف نظرية المعرفة عندما وضع هذا المبحث يف صورة مستقلة‪ ،‬وذلك يف‬‫أول من ّ‬

‫علم يتناول بالفحص والدرس‬ ‫البشي ‪ "1690‬الذي يعتي أول بحث‬ ‫كتابه "مقالة ف الفاهمة ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اليقي فيها‪ .‬ومن بعد لوك جاء الفيلسوف‬
‫ر‬ ‫أصل المعرفة وماهيتها وحدودها ومصادرها ودرجة‬
‫األلمان (كانط‪1804 -1724‬م) الذي أفرد بحوثا عظيمة يف نظرية المعرفة‪ ،‬وعرفت فلسفته‬
‫ي‬
‫بالفلسفة النقدية‪ ،‬وعالج دور كل من العقل والحواس يف عملية المعرفة‪.‬‬

‫ّ‬
‫نمىص قدما يف الحديث عن مباحث‬
‫ي‬ ‫عند هذا الحد من التوضيح والتحليل‪ ،‬يحسن بنا أن‬
‫نظرية المعرفة‪:‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬إمكانية المعرفة‪:‬‬

‫ى‬
‫الت‬ ‫ر‬
‫ه طبيعة المعرفة ي‬‫هل المعرفة ممكنة؟ كيف يمكن لنا كبش أن نصل إىل المعرفة؟ ما ي‬
‫ه معارف‬ ‫ى‬
‫الت يمكن الوصول إليها ي‬
‫يمكننا الوصول إليها؟ هل نثق بأن مجموعة المعارف ي‬
‫يقينية من أي نوع؟ هل المعرفة اليقينية ممكنة؟ وكيف يمكن أن نصل إىل مثل هذه المعرفة‬
‫إن كان هذا ممكنا؟ هل هناك طريق واحد للمعرفة أم أن هناك العديد من الطرق؟‬

‫مهمي؛ هما ذات عارفة تستطيع أن تعرف بقدرات خاصة‬


‫ر‬ ‫المعرفة تتطلب عنرصين‬
‫ه ملكة العقل‪ ،‬وموضوعا للمعرفة تفعل فيه‬
‫وملكة خاصة تعينها عىل أن تكون "ذاتا عارفة"‪ ،‬ي‬

‫‪26‬‬
‫هذه الذات العارفة ملكاتها لتصل مع الموضوع إىل معرفة ما عن الموضوع أو عن إمكانيات يف‬
‫وبالتاىل فالمعرفة تكون‬
‫ي‬ ‫الموضوع تتجاوز كونه المتشكل إىل كينونة جديدة مختلفة نوعا ما‪.‬‬
‫ممكنة بتوافر ذات وموضوع‪ :‬ذات عارفة وموضوع معرفة‪.‬‬

‫والتفكي (والكائن الممثل لهذه الذات‬


‫ر‬ ‫ه كل ذات قادرة عىل اإلدراك‬‫والذات العارفة ي‬
‫ى‬
‫والت‬
‫وه الذات العارفة الموجودة يف هذا العالم ي‬‫العارفة يف الكرة األرضية هو اإلنسان الفرد)‪ ،‬ي‬
‫لك‬
‫ه ذات اإلنسان الفرد ي‬ ‫تبحث عن فهم أفضل لما يحيط بها‪ .‬ونقول هنا أن الذات العارفة ي‬
‫تأثي‬
‫وتفكيه عىل الرغم من ر‬
‫ر‬ ‫نمي هنا ربي المعرفة الفردية والمعرفة الجمعية‪ ،‬فإدراك الفرد‬
‫ر‬
‫متمي عن هذا المجموع‪.‬‬
‫المجموع عليه ر‬

‫ى‬
‫الت حاولت تقديم إجابات ممكنة عىل إمكانية‬ ‫ر‬
‫ه أول المعارف البشية ي‬
‫تعتي المعرفة األسطورية ي‬
‫التفسيات األسطورية ترد‬
‫ر‬ ‫المعرفة ومن أين يمكن ر‬
‫للبش أن يحصلوا هذا المعرفة‪ .‬وكانت مجمل‬
‫األرض تنقل معارفها إىل اإلنسان الوضيع‬
‫ي‬ ‫المعرفة إىل مخلوقات وعوالم خارج نطاق العالم‬
‫ه‬ ‫ى‬ ‫ليستفيد منها‪ .‬ويجب‬
‫الت ي‬
‫وبي الخرافة ي‬ ‫إنسان ر‬
‫ي‬ ‫معرف‬
‫ي‬ ‫التميي هنا ربي األسطورة كفعل‬
‫ر‬
‫ى‬
‫والت تناقض المعرفة العلمية يف‬ ‫ى‬
‫الت ال تعتمد عىل المعرفة والمنطق ي‬‫مجموعة من االعتقادات ي‬
‫كثي من جوانبها‪.‬‬
‫ر‬

‫الطبيىع الذي نعرفه‬


‫ي‬ ‫وال ينحرص هذا التصور لمصدر المعرفة كمصدر من خارج العالم‬
‫تفكيه‪ .‬فيى أن أفالطون‬ ‫ر‬ ‫اإلنسان لمراحل طويلة من‬
‫ي‬ ‫األساطي ولكن يستمر يف الفكر‬
‫ر‬ ‫عىل‬
‫(ومعلمه سقراط) وهو من أوائل من قدم أنساق فلسفية‪ ،‬قد تبت هذه الفكرة أيضا‪ .‬فالمعرفة‬
‫ا‬
‫ه ال تحصل إَّل يف عالم‬ ‫األرض (العالم المنظور) بل ي‬
‫ي‬ ‫عند أفالطون ال يمكن تحصيلها يف العالم‬
‫المثل (العالم المعقول)‪ .‬اإلنسان هو مركب من الروح والجسد‪ ،‬حيث تحيا الروح يف عالم المثل‬
‫تحل يف الجسد‪ ،‬لتنس كل ما تعلمته يف عالم‬‫وتتعلم كل ما يمكن أن تحصل عليه من معرفة‪ ،‬ثم ّ‬

‫وبالتاىل يكون مشوار الحياة لهذه الروح داخل الجسد هو مشوار عناء ومشقة‪ ،‬يكون فيها‬
‫ي‬ ‫المثل‪.‬‬
‫الجسد عبارة عن سجن يمنع النفس من أن تصل إىل الحكمة الحق‪.‬‬
‫ّ‬
‫يكتق أفالطون بأن يقدم لنا نظرية التذكر (المعرفة تذكر) كنظرية أساسية يف تحصيل‬
‫ي‬ ‫ال‬
‫لك يحث الروح داخل الجسد عىل تذكر ما كانت قد نسيته‪ .‬وهذا‬
‫المعرفة‪ ،‬بل يرفقها بمنهج ي‬
‫المنهج هو منهج التولد والتساؤل‪ .‬ويقصد به‪ :‬منهج من الجدل قائم عىل طرح مجموعة من‬

‫‪27‬‬
‫وبالتاىل فعندما يصل أفالطون مع‬ ‫ى‬
‫الت تساعد الفرد عىل تذكر المعرفة‪.‬‬
‫ي‬ ‫األسئلة االستفسارية ي‬
‫هذه األسئلة إىل حقائق جديدة تكون بالنسبة له حقائق قديمة للروح‪ ،‬ألنه تحت هذه الشمس‬
‫ال يمكن أن يكون جديد‪ .‬وبما أن المنهج‪ ،‬أي منهج من حيث هو منهج‪ ،‬هو الطريق للوصول إىل‬
‫الحقيقة فإن المنهج أيضا عند أفالطون هو للوصول إىل الحقيقة؛ الحقيقة المنسية ال الحقيقة‬
‫غي المعروفة‪.‬‬
‫الضائعة أو ر‬

‫ما يهمنا هنا يف هذا العرض الشي ع لموقف أفالطون هو أن نوضح أن المعرفة مهما كانت‬
‫فه معرفة قادمة من خارج هذا العالم‪ ،‬أي أنها معرفة تهبط علينا من عالم‬‫بالنسبة ألفالطون ي‬
‫ى‬
‫الت تفرضها أجسادنا‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫المثل‪ ،‬أما نحن كبش يف أجسادنا فال نحصل المعرفة بل إننا‪ ،‬ونظرا للقيود ي‬
‫ُ‬
‫علينا‪ ،‬عاجزون من حيث المبدأ عن أن ن َح ّصل أي نوع من المعرفة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الحس) والمعرفة الموجودة في عالم المثل (العالم المعقول)‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أسطورة الكهف‪:‬ولكي يوضح الفرق الشاسع بين المعرفة األرضية (عالم‬
‫يقدم لنا أفالطون صورة غريبة لتوضيح فكرته‪ ،‬فيقول لنا أن نتخيل معه أن هناك مجموعة من البشر الذين يعيشون في كهف تحت‬
‫األرض له فتحة واحدة عند أعلى الكهف تطل على سرداب طويل يصل في النهاية إلى النور في الخارج‪ .‬وفي هذا الكهف يعيش هؤالء‬
‫البشر وهم مقيدون من المعصمين والرسغين والرقبة إلى الحائط خلفهم‪ ،‬بحيث يعجزون عن تحريك رؤوسهم فال يتمكنون من رؤية‬
‫شيء إال ما ينعكس أمامهم على حائط الكهف‪ .‬وفي السرداب هناك نار مشتعلة ومجموعة من الممثلين الذين يحملون عددا ً من المجسمات‬
‫ألشكال من الموجودات من جماد ونبات وحيوان يمررونها من أمام النار لتنعكس على الحائط المقابل للبشر القاطنين في الكهف‪،‬‬
‫ويصنع هؤالء الممثلين بعض األصوات الدالة على أصوات المجسمات التي يحملونها‪ .‬وبالتالي تكون الصور التي يراها البشر في‬
‫الكهف هي في الواقع خياالت مجسمات الحقائق الممكنة‪.‬‬

‫ويقول لنا أفالطون أن علينا أن نتخيل بعد ذلك أن أخذ أحد البشر الموجودين في الكهف‪ ،‬بعد أن فك قيده وأجبر على اعتالء‬
‫السرداب يسير ويشاهد خالل مسيره النار والمجسمات التي تمر من أمامها ثم يلزم على أن يستمر بالمسير إلى أن يصل إلى فتحة‬
‫الكهف فيخرج إلى النور‪ ،‬لينبهر بالحقيقة‪ ،‬فال يتمكن في البداية من رؤية شيء‪ ،‬ثم يبدأ بالتواصل شيئا فشيئا مع عالم النور فيتمكن من‬
‫رؤية األشياء كما هي ال كخياالت على الحائط وال كمجسمات في السرداب‪ ،‬بل كأشياء موجودة أمامه‪.‬‬

‫هذه الصورة الغريبة‪ ،‬هي تشبيه أفالطون للفارق بين (عالم المثل) الذي هو مقابل لعالم النور والحقائق في الصورة المقدمة أعاله‪،‬‬
‫و(العالم األرضي) وهو ما يسميه أفالطون بالعالم المنظور‪ ،‬فهو شبيه بالكهف‪ ،‬وما يمكن للبشر أن يحصلوا من معرفة في داخل هذه‬
‫األرض إنما هو معرفة شب يهة بالمعرفة التي يدركها البشر في الكهف‪ :‬أي معرفة بخيال مجسمات الحقيقة‪ ،‬بينما تبقى الحقيقة عصية‬
‫عن اإلدراك بالنسبة للبشر ألن أجسادهم وقيودهم المفروضة من العالم المنظور تمنعهم عن رؤية الحقيقة‪ ،‬فتبقى الحقيقة التي يدركونها‬
‫ضربًا من خيال الحقيقة ليس أكثر‪.‬وبالتأكيد فإن هذه الصورة عن العالم تجعل من كل ما نراه هنا في هذا العالم ما هو إال صورة للشيء‬
‫المثال في العالم المعقول‪ .‬وبالتالي فالتفاحة التي نراها أمامنا ما هي إال انعكاس صورة مثال التفاحة في عالم المثل‪ .‬ولذلك فإن التفاحة‬
‫التي نراها تكون إما حمراء أو خضراء أو صفراء وذات خصائص مختلفة‪ ،‬لكن مهما اختلفت هذه الخصائص من تفاحة أرضية إلى‬
‫تفاحة أرضية أخرى فإن تلك التفاحات جميعا تعكس جوانب من الخصائص التي تحملها التفاحة المثال المعبر عن "النوع تفاحة" في‬
‫‪29‬‬
‫عالم المثل‪ .‬وينسحب هذا التمثيل على أي موجود كالطاولة أو الكلب أو الحجر‪.‬‬
‫الت تعلمها من‬‫ى‬ ‫ى‬
‫الت يقدمها لنا أرسطو عن العالم فتبدو مختلفة عن تلك ي‬ ‫أما الصورة ي‬
‫معلمه أفالطون‪ .‬فبينما يعتي أفالطون أن اإلنسان يتكون من روح وجسد‪ ،‬حيث الجسد هو‬
‫ً‬
‫السجن الذي تحل به الروح‪ ،‬ينظر أرسطو إىل اإلنسان بكونه عقًّل وجسدا؛ العالقة بينهما عالقة‬
‫ترابط ال انفصال بها‪ .‬ولذلك فهو يتساءل‪ :‬هل يمكن لهذه العالقة أن تكون كعالقة الربان مع‬
‫السفينة‪ ،‬أي أن العقل يستطيع أن يفارق الجسد؟ ويرد عىل ذلك بأن كل الدالئل تثبت أن هذا‬
‫ليس بممكن إال عىل مستوى الخيال‪ ،‬أي أن يتمكن العقل من أن يتصور أشياء كان قد عرفها‬
‫واختيها‪ ،‬أو أن يتصور أشياء يستطيع أن يجعلها بقوة العمل والعقل من أشياء متخيلة (صور)‬
‫إىل أشياء واقعية (مركبات)‪ .‬وب هذا التصور ر‬
‫يشي أرسطو إىل معارضته لموقف أفالطون حيث‬
‫يرفض أن يكون هناك إمكانية النفصال النفس عن الجسد‪.‬‬

‫لكن كما أن كل معرفة ال تكون ممكنة إال بوجود منهج للوصول إىل الحقيقة‪ ،‬كانت‬
‫األرسىط‪.‬وعىل الرغم من صعوبة عرض‬
‫ي‬ ‫المعرفة عند أرسطو أيضا مرتبطة بمنهج هو المنطق‬
‫هذا المنهج ضمن مقال من النوع المقدم هنا إال أن بعض ر‬
‫الشوط األساسية للمنهج رصورية‬
‫الكبي عىل المعرفة اإلنسانية إىل الحد الذي نستطيع القول معه إنه‬
‫ر‬ ‫تأثيه‬
‫لوع أهميته ولمعرفة ر‬
‫ي‬
‫المنهج الذي سيطر عىل الفكر اإلنسان وعىل العلم والمعرفة اإلنسانية منذ أرسطو ى‬
‫وحت بدايات‬ ‫ي‬
‫القرن السادس ر‬
‫عش‪.‬‬

‫ى‬
‫الت تمكن‬
‫القواني والقواعد ي‬
‫ر‬ ‫كبي من‬
‫يعتمد المنطق عىل مجموعة من المبادئ وعدد ر‬
‫مفيض صدقها)‪ .‬وأهم هذه المبادئ هو‬ ‫الفرد من الوصول إىل نتائج من مقدمات صادقة (أو ى‬

‫مبدأ السببية‪ .‬ومفاده أن كل حدث يقع ال بد له من سبب مرتبط به ومسبب له سابق يف الزمان‪،‬‬
‫بالتاىل الحدث الذي يحدث اآلن وهنا بسلسلة من‬
‫ي‬ ‫ولذلك السبب سبب آخر سابق له‪ ،‬ويرتبط‬
‫ى‬
‫الت يمكن أن تتبعها إىل المسبب األول أو المحرك األول الذي ال يتحرك‬
‫األسباب والمسببات ي‬
‫لك يكون‪.‬‬ ‫ر‬
‫سء عداه وال يحتاج إىل أي سبب ي‬ ‫والذي هو سبب كل ي‬
‫ى‬
‫الت تقودنا إلمكانية المعرفة وقد كان هذا‬
‫ولكن المنطق ليس هو الوسيلة الوحيدة ي‬
‫أساس يف النقاشات الفلسفية عي العصور‬
‫ي‬ ‫التساؤل‪ ،‬أي التساؤل حول إمكانية المعرفة‪ ،‬محور‬
‫رئيسيي هما ( الشك يف المعرفة‬
‫ر‬ ‫اتجاهي‬
‫ر‬ ‫ويمكن القول أن معظم اإلجابات تصنف ضمن‬
‫والوثوقية – الوثوق يف المعرفة )‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫أوال‪ :‬مذهب أو اتجاه الشك ى يف المعرفة‪.‬‬

‫التميي ربي الشك‬


‫ر‬ ‫للشك دالالت عديدة‪ ،‬ألنه يطلق عىل مجاالت مختلفة‪ ،‬لكن يجب‬
‫الفلسق‪ .‬أما الشك الذي نستخدمه يف حياتنا اليومية‪،‬‬
‫ي‬ ‫الذي نمارسه يف حياتنا اليومية والشك‬
‫رفيتبط بأمور الحياة العامة ومواقفها‪ ،‬مثل التشكيك يف مصداقية أو أمانة اآلخرين‪ ،‬أو التشكيك‬
‫يف معتقدات جماعية معينة‪ .‬ويسم الشخص يف هذه األحوال متشككا‪ ،‬لكنه ال يمكن أن يكون‬
‫الفلسق للكلمة‪.‬‬ ‫المعرف أو‬ ‫ًّ‬
‫شكيا بالمعت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ى‬
‫الفلسف‪:‬‬ ‫الشك‬
‫ي‬

‫والتقىص بهدف الكشف عن الحقيقة‪ ،‬كما يوصف به‬ ‫ّ‬ ‫ومعناه يف اليونانية النقد والبحث‬
‫ي‬
‫سء أو قبل أن‬‫ر‬ ‫ّ‬
‫الشخص الذي ينظر بتمعن أو يتفحص باهتمام شديد قبل أن يصدر حكما عىل ي‬
‫يعت التوقف عن إصدار الحكم‬ ‫ًّ‬
‫يتخذ أي قرارت‪ ،‬لكن هذا اللفظ اعتمد مدلوال اصطالحيا ي‬
‫(التوقف عن الحكم)‪ ،‬لسبب ما‪ ،‬مثل عدم الثقة الكافية يف وسائل المعرفة‪ .‬لكن المعت الواسع‬
‫الفلسق هو أن تضع ألسباب معينة ما يتفق الناس عىل التسليم به موضع‬
‫ي‬ ‫الذي ُيفهم به الشك‬
‫تصور يضع موضوع التساؤل والفحص‬ ‫ّ‬ ‫وتثي التساؤالت حوله‪ .‬بمعت أن الشك هو‬ ‫الشك‪ ،‬ر‬
‫المجدد ما يعتيه اآلخرون معرفة صحيحة وقاطعة‪ .‬لكن يجب أن ر‬
‫نمي ربي الشك واإلنكار‪ ،‬أو‬
‫ًّ‬
‫سلبيا مطلقا (اإلنكار) ومن يتوقف عن إصدار‬ ‫عدم االعتقاد‪ ،‬ألن هناك فرقا ربي من يصدر حكما‬
‫يثي تساؤالت معرفية‪.‬‬ ‫ًّ‬
‫إيجابيا‪ ،‬أو ر‬ ‫ًّ‬
‫سلبيا كان أو‬ ‫الحكم‬

‫ى‬
‫الفلسف‪:‬‬ ‫نوعا الشك‬
‫ي‬

‫المذهن)‬
‫ري‬ ‫(أ) الشك المطلق (الشك‬

‫سء كان‪ .‬وأتباع هذا النوع من الشك‬ ‫ر‬


‫ومعناه تعليق الحكم والتوقف عن إصداره يف أي ي‬
‫السء يستحيل‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫سء يمكن معرفته أصال‪ ،‬وإذا ما وجد هذا ي‬ ‫ينكرون إمكان المعرفة‪ ،‬ألنه ال يوجد ي‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫وينته شاكا‪ ،‬وهكذا‬
‫ي‬ ‫معرفيا لآلخرين‪ .‬ومن ثم فإن صاحب هذا االتجاه‪ ،‬يبدأ شاكا‬ ‫نقله أو توصيله‬
‫يصبح الشك غاية بحد ذاته وليس وسيلة إىل غاية‪ ،‬أي الوصول إىل المعرفة‪.‬‬

‫من خالل التعريف السابق‪ ،‬استخلص الخصائص العامة لهذا النوع من الشك‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫المذهت كان يف الفلسفة اليونانية القديمة‬
‫ي‬ ‫فلسق لهذا النوع من نزعة الشك‬
‫ي‬ ‫أول ظهور‬
‫عند أتباع المدرسة اإليلية‪ ،‬ثم تبعتها الفلسفة السوفسطائية‪ ،‬فزعزعت بتعاليمها وخطابها‬
‫ّ‬
‫"ن" الذي ُيعد‬
‫اإليمان بالمعرفة اليقينية‪ ،‬إىل أن بلغت اليعة الشكية ذروتها مذهبا يف تعاليم ي‬
‫وغيه) بإعطاء أفكاره‬
‫مؤسس الشك يف العرص القديم‪ ،‬وقام تالمذته من بعده (بروتاغوراس ر‬
‫صيغة المذهب‪.‬‬

‫يقول بروتاغوراس أن‪" ...‬اإلنسان مقياس األشياء جميعها"‪ .‬ما رأيك؟‬


‫ى‬ ‫ى‬
‫يمكنك االستعانة بأحد المراجع يف تاري خ فلسفة اليونان‪ ،‬يف كتابة تقرير مخترص عن‬
‫ى‬
‫المحاضة‪.‬‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫مذهب الشك عندهم‪ ،‬وأبرز أفكاره يف المعرفة‪ ،‬وناقشه مع زمالئك يف‬

‫المنهج‬
‫ر ي‬ ‫(ب) الشك‬

‫المبدن المؤقت (تعليق الحكم ُمؤقتا) يتخذه الفيلسوف المؤمن بإمكان‬


‫ي‬ ‫هو نوع من الشك‬
‫ى‬
‫الت اكتسبها دون تمحيص‬
‫التفكي‪ ،‬يختاره بإرادته ليتخلص به عقله من األفكار ي‬
‫ر‬ ‫المعرفة منهجا يف‬
‫اليقي‪ ،‬فهو وسيلة وليس غاية‪.‬‬
‫أو إعادة تقييم‪ ،‬ولكن كخطوة أوىل للوصول إىل ر‬

‫المنهج‪:‬‬
‫ر ي‬ ‫نماذج من الشك المطلق والشك‬

‫الشك المطلق‪ :‬السوفسطائيون‪:‬‬

‫اليونانيي‪ ،‬ظهروا يف وقت انقالب األوضاع السياسية‬


‫ر‬ ‫هم جماعة من المفكرين‬
‫واالجتماعية اليونانية‪ ،‬واختالف النظر إىل الفضائل المطلوبة من المواطن‪ .‬وكان ظهور جماعة‬
‫ّ‬
‫الملحة لفضائل وسلوكيات تطابق األوضاع‬ ‫السوفسطائيي نوعا من االستجابة لهذه الحاجة‬
‫ر‬
‫المتغية‪ .‬وهؤالء فالسفة سياسة ومعلمو خطابة وحكمة‪ .‬ولم يشكلوا مدرسة فلسفية أو مذهبا‬‫ر‬
‫ى‬
‫الحقيق‪ .‬لكنهم وجهوا االنتباه إىل مشكالت المعرفة‪ ،‬وقالوا بنسبية المعرفة الستحالة‬ ‫بالمعت‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫اليهنة عليها‪ ،‬فاإلنسان مقياس األشياء جميعا‪ ،‬كما ادعوا نسبية األحكام األخالقية ونسبية‬
‫القواني والعدالة يف المجتمع‪ .‬ومن أشهرهم بروتاغوراس وجورجياس‪.‬‬
‫ر‬

‫‪32‬‬
‫ى‬
‫كيف شكك السوفسطائيون يف إمكان المعرفة؟‬

‫لجأ السوفسطائيون يف الجدل والمناقشات إىل التالعب باأللفاظ واألساليب البالغية‬


‫للتأثي عىل المستمع‪ ،‬وكان دفاعهم عن فكرة ما يشمل الدفاع عن الفكرة أو ضدها‪،‬‬
‫ر‬ ‫والخطابية‬
‫ما دامت تتحقق من ورائها مصلحة ذاتية سياسية وبرصف النظر عن مصلحة الجماعة‪ .‬وبالطبع‬
‫الست للجدل ال يساعد عىل الوصول إىل حقيقة تكون محل اتفاق‪.‬‬
‫فإن هذا االستخدام ر‬

‫السوفسطان‪:‬‬ ‫أهم النتائج ى‬


‫الميتبة عىل الشك‬
‫ي‬
‫ى‬
‫الت يقوم عليها العلم بإنكارهم إمكانية إصدار أحكام عامة أو‬
‫‪ -1‬هدموا بذلك أهم األسس ي‬
‫وجود حقائق موضوعية تكون موضع اتفاق ربي الناس‪.‬‬
‫ى‬
‫الت تبت عليها القيم واألخالق عندما أقروا النسبية الذاتية فيما‬
‫‪ -2‬هدموا بذلك األسس ي‬
‫والخي ر‬
‫والش‪ ،‬وقد انعكس ذلك سلبا عىل الحياة االجتماعية‬ ‫ر‬ ‫يتعلق بالحق والباطل‬
‫الثقاف والحضاري‬
‫ي‬ ‫نتيجة لزعزعة الثقة يف العلم والقيم والمعرفة‪ ،‬كما يتعذر التواصل‬
‫ربي ر‬
‫البش نتيجة إللغاء دور العقل وتعليق المعرفة عىل الحواس‪.‬‬

‫استعن بأحد المراجع التالية‪ :‬تاري خ الفلسفة اليونانية ‪ /‬يوسف كرم – قصة الفلسفة‬
‫الن أدت إىل ظهور هذه ى ى‬
‫اليعة الشكية‪.‬‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫اليونانية ‪ /‬أحمد أمي –لتلخيص أهم األسباب ي‬

‫ابحث أيضا عن‪ :‬األكاديمية الجديدة‪ :‬ي‬


‫ه امتداد ألكاديمية أفالطون‪ ،‬توالها رؤساء عديدون‬
‫اتبعوا منهج أفالطون‪ ،‬إىل أن تدهورت فرئسهاإرسيليوس فدخلها الشك وسميت منذ ذلك‬
‫الحي "األكاديمية الجديدة أو الحديثة"‪.‬‬
‫ر‬

‫المنهج‪:‬‬
‫ر ي‬ ‫الشك‬

‫ُيعد الشك المنهجي بداية لتفكير الصحيح في الفلسفة‪ ،‬فهو التفكير العقالني‪ ،‬كما أنه‬
‫األسلوب الصحيح لكل تفكير نقدي‪ ،‬ويختلف عن الشك المذهبي أو مذهب الشك ألجل الشك‪ ،‬فهو‬
‫يساعد على التحرر من األوهام والمفاهيم المغلوطة التي من شأنها أن تكبل العقل واإلرادة‪ .‬ويهدف‬
‫هذا النوع من الشك االنتقال من الشك في المعارف والوصول إلى درجة اليقين‪ .‬وبلوغ الحقيقة ألنه‬
‫يعني عدم الوثوق أو االقتناع النهائي بما هو قائم من األفكار والمعارف البشرية‪ .‬ويعتبر ً‬
‫كال من‬
‫ديكارت والغزالي من أبرز ممثلي الشك المنهجي‪ .‬وسوف نعرض ألفكارهما في الصفحات الالحقة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ثانيا‪ :‬القطعية أو الوثوقية (الدوجماطيقية))‪(Dogmatism‬‬

‫ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬


‫يشي – يف الفلسفة – إىل كل‬
‫وثوفهو اصطالح ر‬
‫ي‬ ‫دوجماطيف‪ :‬أو‬
‫ي‬ ‫"قطع" – أو –‬
‫ي‬ ‫معن كلمة‬
‫مذهب يقوم عىل التسليم بمجموعة من المعتقدات تسليما مطلقا‪ ،‬ويتخذ منها نقطة بدء يرتكز‬
‫عليها بناء المذهب بأكمله‪ .‬والدوجماطيقيون يؤكدون قدرة اإلنسان عىل إدراك الحقيقة‪ ،‬وأن‬
‫سء ممكنة إذا توافرت‬ ‫ر‬
‫الطريق مفتوح أمام عقل اإلنسان للبحث والمعرفة‪ ،‬أي أن معرفة كل ي‬
‫األدوات والظروف المناسبة لها‪.‬‬

‫ابحث ى يف المكتبة عن اجابات حول األسئلة التالية‪:‬‬


‫ى‬
‫الدوجماطيقيي؟ دعم رأيك بأمثلة‪.‬‬ ‫يعتي العلماء من‬
‫‪ -1‬هل ر‬
‫العقىل عند سبينوزا؟‬ ‫العقىل عند ديكارت والحدس‬ ‫ى‬
‫‪ -2‬هل هناك تشابه بي الحدس‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬مصادر المعرفة ‪:‬‬

‫لك يكون ذاتا عارفة‪ ،‬ذلك من خالل ارب ع‬ ‫ى‬


‫الت تعينه ي‬
‫كل إنسان يمتلك جملة من االدوات ي‬
‫وسائل أساسية‪ ،‬ه تعتمد ف مجملها عىل طبيعة العقل ر‬
‫البشي يف عالقته مع ما يحيط به من‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫بالتاىل تعتمد عىل‪ :‬اللغة‪ ،‬والعقل‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والعاطفة‪ .‬ومن خالل هذه الوسائل‬
‫ي‬ ‫وه‬
‫عالم‪ ،‬ي‬
‫األربعة مجتمعة نصل إىل المعرفة‪.‬‬

‫ى‬
‫الت تنقل لنا معارف الذوات العارفة‬
‫والتعابي والقواعد ي‬
‫ر‬ ‫ه مجموعة من األصوات‬
‫اللغة ي‬
‫المحك ومنها المعزوف‪ .‬واللغة ليست فقط لغة‬
‫ي‬ ‫األخرى بوسائل مختلفة؛ منها المكتوب ومنها‬
‫اإلنجليية أو الصينية‪ ،‬بل أي لغة كلغة الرياضيات‪ ،‬ولغة المشح‪ ،‬ولغة‬
‫ر‬ ‫الخطاب‪ :‬العربية أو‬
‫ى‬
‫الت يتقن اإلنسان ابتداعها لنقل أفكاره‬ ‫ى‬
‫وغيها من اللغات األخرى ي‬
‫الجسد‪ ،‬واإليماء‪ ،‬والموسيق‪ ،‬ر‬
‫ومعتقداته‪ .‬ويمكن للذات العارفة أن تحصل عىل المعرفة من خالل هذه اللغات‪.‬‬

‫ى‬
‫الموسيف لغة؟ راشح‬ ‫‪ )1‬كيف يمكن القول بأن‬
‫تعتي لغة الجسد مهمة؟‬
‫‪ )2‬أعط أمثلة عىل لغة الجسد‪ ،‬هل ر‬
‫ى‬
‫الت يمتلكها اإلنسان بوجود الدماغ ‪Brain‬‬
‫والعقل ‪ Mind‬المقصود هنا ليس الملكة ي‬
‫الت يمتلكها عىل الربط والتحليل ى‬
‫واليكيب‪ ،‬والقدرة عىل‬ ‫ى‬
‫فيه فقط‪ ،‬لكن بالعقل نقصد القدرة ي‬

‫‪34‬‬
‫ه بطبيعتها جديدة‬
‫التفكي الممكنة لدى اإلنسان الوصول إىل معرفة ي‬
‫ر‬ ‫أن يتم من خالل مستويات‬
‫ى‬
‫وه‬‫الت تمت بها توليفة األفكار يف الذات العارفة لهذا الفرد أو ذاك‪ .‬ي‬
‫ألنها مرتبطة بالطريقة ي‬
‫لك تكون توليفة اجتماعية من نوع ما‪.‬‬ ‫ى‬
‫بالتاىل مختلفة من فرد إىل آخر حت وإن صدرت باالتفاق ي‬
‫ي‬

‫يتمي بها جسم االنسان للتعرف عىل العالم‬


‫الت ر‬‫ى‬
‫أما الحواس فهو مجموعة الخصائص ي‬
‫المحيط به‪ :‬السمع‪ ،‬والبرص‪ ،‬والشم‪ ،‬واللمس‪ ،‬والذوق‪.‬‬

‫ى‬
‫الت تتكون لدى الذوات العارفة من خالل‬
‫ه مجموعة المشاعر واألحاسيس ي‬
‫والعاطفة ي‬
‫احتكاكها بعضها مع بعض أو من خالل احتكاكها مع موضوع المعرفة‪.‬‬

‫ومن خالل هذه األدوات يمكن للذات العارفة أن تحصل عىل المعرفة بطرق متعددة‬
‫تمي االختالف ربي المدارس الفلسفية حول‬ ‫ر‬
‫تستخدمه بها واحدة أو أكي من هذه األدوات‪ ،‬وقد ر‬
‫يعىط المركز األهم أو األعىل يف الوصول إىل المعرفة‪ .‬كأن يتم‬
‫ي‬ ‫أي من هذه األدوات يجب أن‬
‫االعتماد عىل العقل ( العقالنيون ) او الحواس ( التجريبيون )‪ .‬وعليه فمن المهم أن نعرف الطرق‬
‫ى‬
‫الت يتم بها تحصيل المعرفة‪:‬‬
‫ي‬
‫ى‬
‫والتلف والتعلم‪( :‬اللغة‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والتجربة‪ ،‬واألوامر من القوى‬ ‫‪ -‬المعرفة من خالل الوصف‬
‫ي‬
‫اساس‪ ،‬إذ أن المعلومات‬
‫ي‬ ‫العليا‪ ،‬والذاكرة)‪ .‬ويعتمد هذا الطريق عىل اللغة والحواس بشكل‬
‫ه أداة التخاطب الرئيسية‬ ‫ى‬
‫الت تقدم للذات العارفة من خالل السمع او من خالل القراءة ي‬
‫ي‬
‫ى‬ ‫ر‬
‫الت نتحصل عليها تعتمد يف‬
‫اساس للمعرفة كون المعارف ي‬
‫ي‬ ‫فه مصدر‬ ‫ربي البش‪ .‬ولذلك ي‬
‫وصولها إلينا عىل اللغة وعىل البناء اللغوي‪.‬‬

‫‪ -‬األدراك ( ‪ :) Perception‬ي‬
‫ى‬
‫ه مجموعة البيانات ‪ /‬المشاهدات ي‬
‫الت تقدمها الحواس مع‬
‫الت يتعامل بها العقل مع هذه البيانات‪ ،‬وتختلف عن المشاهدات‬ ‫ى‬
‫الخلفية المفهومية ي‬
‫البسيطة يف انها تعتمد عىل العقل والحواس معا‪ .‬فعندما نشاهد ثمرة التفاح نشاهد شيئا له‬
‫شكل محدد ولون قد يختلف ( أحمر أو أخرص أو أصفر) وطعم قد يختلف ( حلو أو حامض‬
‫معي‪ ،‬ولكننا ال نشاهد التفاحة بكونها تفاحة‪ ،‬إنما ندرك بالعقل أنها تفاحة‪،‬‬
‫) وذات ملمس ر‬
‫فمفهوم التفاحة ليس شيئا موجودا باستقالل عن الذات العارفة‪ ،‬بل هو مفهوم نحن وضعناه‬
‫لك نتعرف عىل الثمر‬ ‫ى‬
‫وبالتاىل ي‬
‫ي‬ ‫الت ذكرت للتو‬
‫كذوات عارفة ليعي عن مجموعة المشاهدات ي‬
‫ه إدراك لها ال مشاهدة لها ‪.‬‬
‫وبالتاىل تكون مشاهدتنا للتفاحة ي‬
‫ي‬ ‫ونقول أنها تفاحة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ -‬الحدس ( ‪ :) Intuition‬ه المعرفة الداخلية النابعة عن مجموعة من المدخالت ى‬
‫الياكمية‬ ‫ي‬
‫تفسي هذا الموقف‬
‫ر‬ ‫ى‬
‫الت تجعل اإلنسان العارف يتخذ موقفا معرفيا معينا دون أن يتمكن من‬
‫ي‬
‫حس‪.‬‬
‫ي‬ ‫عقالن –‬
‫ي‬ ‫المعرف بشكل‬
‫ي‬
‫‪ -‬الحجاج ( ‪ : ) Reasoning‬ي‬
‫الت يقدمها اإلنسان العارف ليوضح‬‫ى‬
‫ه جملة اإلدعاءات ي‬
‫الت دفعته ليتخذ موقفا معرفيا معينا‪ .‬وقد تكون مبنية عىل مجموعة من البيانات‬ ‫ى‬
‫األسباب ي‬
‫وبالتاىل تقدم حججا‬ ‫الت يمكن للذوات العارفة األخرى أن تتفق او تختلف معها‬‫ى‬
‫ي‬ ‫اهي ي‬ ‫والي ر‬
‫بديلة بهدف إثبات فشل الحجة المقدمة‪.‬‬
‫ً‬
‫هل تعتمد بأهمية الحدس كمصدر للمعرفة؟ كيف يكون الحدس مهما؟ رإشح‬

‫ى‬
‫الت يمكن ردها اىل الطرائق االرب ع أعاله‪:‬‬
‫ومن طرق تحصيل المعرفة األخرى ( ي‬
‫ى‬
‫الت يحصل عليها الفرد من خالل تربيته‬ ‫‪ .1‬المعرفة من خالل الموروث‪ :‬ي‬
‫وه جملة المعارف ي‬
‫ى‬
‫الت ننشأ عليها‪ ،‬كمعرفتنا ب‬
‫ه مجموعة العادات والتقاليد ي‬‫االجتماعية‪ .‬ومثال عليها ي‬
‫وه لذلك تختلف من منطقة إىل أخرى بحسب‬ ‫ى‬
‫والت يتعلمها الفرد من محيطه ي‬
‫"الدبكة" ي‬
‫الموروث الموجود يف المنطقة‪.‬‬
‫ر‬ ‫ى‬
‫المبارس مع‬ ‫الت يحصل عليها الفرد من خالل تعامله‬‫ه المعرفة ي‬ ‫‪ .2‬المعرفة باالحتكاك‪ :‬ي‬
‫الموضوع‪ .‬ومثال عليها هو كيفية تناولنا للطعام وطرقه ونوعية البهارات والطعم الذي‬
‫يستسيغه الفرد‪.‬‬
‫الت يحصل عليها اإلنسان نتيجة ىليكيبته البيولوجية‪،‬‬
‫ى‬
‫‪ .3‬المعرفة بالغريزة‪ :‬ي‬
‫وه جملة المعارف ي‬
‫كحاجته للطعام ر‬
‫والشاب والتكاثر‪.‬‬
‫ى‬
‫الت يحصل عليها اإلنسان من خالل المراس‪ .‬ومثال عىل‬ ‫‪ .4‬المعرفة بالممارسة‪ :‬ي‬
‫وه المعرفة ي‬
‫ذلك هو القدرة عىل أجراء عمليات جراحية‪ ،‬فمهما تعلم اإلنسان من خالل القراءة والنظر‬
‫الثان‬
‫ي‬ ‫إىل عمليات جراحية فلن يتمكن من امتالك المهارة دون ممارسة الجراحة‪ .‬والمثال‬
‫األبسط هو قيادة السيارة فكل أنسان يشاهد ويتعرف عىل القيادة منذ نعومة أظافره ولكنه‬
‫ال يتقن القيادة إال من خالل الممارسة‬

‫وعليه فكيف تعاملت الفلسفة مع سؤال‪ :‬ما ي‬


‫ه مصادر المعرفة؟‬

‫‪36‬‬
‫ه مصادر المعرفة‬ ‫ى‬
‫الت تعالج السؤال "كيف نعرف؟" أو سؤال ما ي‬
‫أهم المدارس الفلسفية ي‬
‫ه‪:‬‬
‫ي‬
‫ِ‬
‫الحّس)‪.‬ويعتي هذا االتجاه أن المعرفة مصدرها‬ ‫التجرين ‪-‬‬ ‫أ‪ -‬التجريبيون (أصحاب االتجاه‬
‫ي‬ ‫ري‬
‫ى‬
‫الت تنقلها لنا يف العقل‬
‫التجربة وحدها‪ ،‬وبذلك فكل معارفنا عبارة عن مخرجات الحواس ي‬
‫ويوم‪ ،‬وكل تشويه للحقيقة ولما يمكن أن نراه يف الحقيقة والواقع هو جملة‬
‫ي‬ ‫روتيت‬
‫ي‬ ‫بشكل‬
‫بغي حقيقتها‪ ،‬بل بما يريد‬
‫لك نراها ر‬ ‫ى‬
‫الت يقوم العقل بإضفائها عىل الطبيعة ي‬
‫التشوي هات ي‬
‫العقل أن يراها‪ .‬ومن أبرز أعالمهم‪ :‬جون لوك‪ ،‬وفرنسيس بيكون‪ ،‬وديفيد هيوم‪.‬‬
‫العقىل)‪.‬هو االتجاه الذي يعتي أن العقل هو مصدر كل معرفة‪،‬‬
‫ي‬ ‫ب‪ -‬العقليون (أصحاب االتجاه‬
‫وال يمكننا أن نصل إىل أي معرفة من خارجه‪ .‬وهو بذلك يعتي أن الحواس والجسد مصادر‬
‫العقالنيي عي العصور‪ :‬أفالطون وديكارت وكانط‪.‬وقد‬
‫ر‬ ‫والتفكي‪.‬ومن أشهر‬
‫ر‬ ‫لتشويه العقل‬
‫بق عىل‬ ‫ى‬
‫عقالن بعد كانط بحيث أصبح يقر بالحس كمصدر للمعرفة ولكنه ي‬ ‫ي‬ ‫تطور االتجاه ال‬
‫النهان لكل معرفة‪.‬‬
‫ي‬ ‫أعتبار العقل هو الحكم‬
‫ْ‬ ‫ْ ُّ‬
‫س)‪ .‬يقول هؤالء بمصدر ثالث للمعرفة‪ ،‬ال هو بالتجربة‬‫ج‪ -‬الحدسيون (أصحاب االتجاه الحد ي‬
‫الحدس‪ .‬ومن أبرز‬ ‫ويسمون كذلك أصحاب المذهب‬ ‫ّ‬ ‫وال هو بالعقل‪ ،‬وإنما هو بالحدس‪،‬‬
‫ي‬
‫أعالمهم‪ :‬هيي برغسون‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ى‬
‫رجعون المعرفة إىل السلوك والتجربة‬‫اغمان)‪ .‬هؤالء ي ِ‬
‫ي‬ ‫الي‬‫الياغماتيون (أصحاب االتجاه ر‬
‫د‪ -‬ر‬
‫السء بوساطة نتائجها وما تحققه من نفع‬ ‫ر‬
‫العملية‪ ،‬ونحن نعرف صحة الفكرة أو حقيقة ي‬
‫ويسم هؤالء‬‫فالسء أو الفكرة تكون صادقة‪ ،‬بمقدار نجاحها عند التطبيق العمىل‪ُ ،‬‬
‫لألفراد‪ .‬ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اغمان‪ .‬ومن أبرز أعالمهم‪ :‬وليم جيمس وجون ديوي‪.‬‬ ‫كذلك أصحاب المذهب الي ى‬
‫ي‬

‫ِ‬
‫(الحّس)‪:‬‬ ‫ى‬ ‫ً‬
‫ي‬ ‫التجرين‬
‫ري‬ ‫أوال‪ :‬مصدر المعرفة يف المذهب‬

‫التجريت يف مصدر المعرفة من فكرة تقول بأن كل معارفنا تنشأ‬


‫ي‬ ‫ينطلق أصحاب المذهب‬
‫ر‬ ‫ى ُ‬
‫المبارسة للظواهر‬ ‫الت ندرك نتائجها بالحواس‪ .‬والتجربة عندهم ي‬
‫تعت المالحظة‬ ‫من التجربة ي‬
‫وتفسيها‪.‬‬
‫ر‬ ‫واألشياء‪،‬‬

‫‪37‬‬
‫ّ ُ‬
‫التجريت صورا عدة تجمع كلها عىل رفض التسليم بوجود أفكار فطرية‬ ‫ي‬ ‫وأخذ المذهب‬
‫ُ‬
‫التجريبيينيولد‬ ‫موروثة‪ ،‬أو مبادئ عقلية بدهية‪ ،‬أو أحكام عقلية سابقة عىل التجربة‪ .‬والعقل عند‬
‫ً‬
‫صفحة بيضاء بدون أي معرفة سابقة‪ ،‬كما يرى جون لوك مثال‪ .‬وأما المعرفة فتنشأ من معطيات‬
‫ى‬
‫الت تزودنا دائما بالمعرفة‪ .‬وب هذا يتلخص‬ ‫ر‬
‫ه ي‬ ‫الحواس عن طريق التجربة المبارسة‪ .‬والتجارب ي‬
‫ه مصدر المعرفة‪.‬‬
‫موقفهم بأن التجربة ي‬

‫يف العرص الحديث‪ ،‬نجد العديد من أتباع هذا المذهب‪ ،‬ومن أشهرهم توماس هوبز‪ ،‬وجون‬
‫الفرنس‬
‫ي‬ ‫اإلنجلي‪ ،‬والفيلسوف‬
‫ر‬ ‫لوك‪ ،‬وديفيد هيوم‪ ،‬وجون ستيوارت ِمل‪ ،‬وكلهم من الفالسفة‬
‫وغيهم‪.‬‬
‫كوندياك‪ ،‬ر‬

‫التجريت من مصادر المعرفة‪ ،‬من خالل‬


‫ي‬ ‫ويمكننا إلقاء ضوء أوسع عىل موقف المذهب‬
‫ممثىل هذا االتجاهالفيلسوف ديفيد هيوم‪.‬‬
‫ي‬ ‫عرض أفكار أبرز‬

‫ديفيد هيوم )‪1776 -1711( (David Hume‬م)‪:‬‬

‫تجريت‪ ،‬أنكر بصورة نهائية‪ ،‬كل معرفة أولية أو سابقة عىل التجربة‪،‬‬
‫ي‬ ‫إنجليي‬
‫ر‬ ‫هو فيلسوف‬
‫فأساس معارفنا هو تجاربنا‪.‬‬

‫تحليل المعرفة عند هيوم‬

‫ى‬
‫الت يكون مصدرها التجربة‪ .‬وهو‬
‫يرى هيوم أن كل معارفنا تتألف من إدراكاتنا الحسية ي‬
‫قسمي‪:‬‬
‫ر‬ ‫يقسم هذه اإلدراكات من حيث درجة وضوحها إىل‬

‫ى‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬


‫الت تنقلها الحواس إلينا من‬ ‫أ‪ -‬االنطباعات الحسية‪ .‬ي‬
‫وه عبارة عن الصور الحسية ي‬
‫فه تتصف بأنها قوية وناصعة‪ ،‬كصورة الشجرة‬
‫موضوع موجود أمامنا‪ ،‬لذلك ي‬
‫أمام اآلن‪ ،‬أو المقعد الذي يف القاعة‪.‬‬
‫الموجودة ي‬
‫ّ‬
‫الحس الذي‬ ‫ّ‬
‫الحسية عند هيوم أفكارا بعد زوال المؤثر‬ ‫ب‪ -‬األفكار‪ .‬تصبح االنطباعات‬
‫ي‬
‫فه أقل وضوحا‪،‬‬ ‫ى‬
‫أنتجها وعندما تسيجع مع صورة الشجرة بعد ذلك‪ ،‬ولذلك ي‬
‫معي)‪ ،‬أو مركبة من‬
‫وه إما بسيطة (صورة النطباع ر‬
‫تأثيا من االنطباعات‪ ،‬ي‬
‫وأضعف ر‬
‫ّ‬
‫عدة انطباعات‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ر‬
‫المبارسة‪.‬‬ ‫ًّ‬
‫حسيا مصدره التجربة‬ ‫ويرى هيوم أن كل فكرة توجد يف الذهن‪ ،‬كانت يف أصلها أثرا‬
‫حسية مختلفة‪ .‬ويستحيل أن نجد‬ ‫ولهذا فإن جميع معارفنا يمكن أن ترجع بكاملها إىل إدراكات ِّ‬

‫اليكيب – فكرة واحدة ال يمكن ردها إىل االنطباع أو االنطباعات‬‫بي أفكارنا – مهما بلغت من ى‬
‫ر‬
‫الت جاءت بها إدراكاتنا المختلفة‪ .‬والدليل عىل ذلك أننا نجد يف حياتنا أن من يفقد‬ ‫ى‬ ‫ِّ‬
‫الحسية ي‬
‫بالتاىل األفكار المتصلة بها‪.‬‬ ‫حاسة ما‪ ،‬يفقد‬‫ّ‬
‫ي‬
‫ى‬
‫المعان عند هيوم‬
‫ي‬ ‫ترابط األفكار وتشكيل‬

‫وه‪:‬‬
‫المعان"‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫"تداع‬
‫ي‬ ‫لقواني‬
‫ر‬ ‫يرى هيوم أن األفكار ترتبط بعضها ببعض وفقا‬

‫تستدع فكرة أخرى إذا كان بينهما تشابه‪.‬‬


‫ي‬ ‫أ‪ -‬التشابه‪ .‬حيث الفكرة‬
‫‪ ‬مثال‪ :‬نشاهد التمثال فنستحرص يف الذهن صورة من يمثله‪.‬‬
‫المكان‪.‬‬
‫ي‬ ‫ب‪ -‬التجاور‬
‫التفكي يف السفن أو القوارب لما فيها من تجاور‬
‫ر‬ ‫‪ ‬مثال‪ :‬مشاهدة الميناء تبعث‬
‫مكان‪.‬‬
‫ي‬
‫تستدع فكرة أخرى‪ ،‬إذا وقعتا يف زمن واحد‪.‬‬
‫ي‬ ‫الزمان‪ .‬حيث الفكرة‬
‫ي‬ ‫ج‪ -‬التجاور‬
‫وتهجي أهلها منها‪.‬‬
‫ر‬ ‫فلسطي‬
‫ر‬ ‫‪ ‬مثال‪ :‬عام ‪ ،1948‬وفكرة احتالل‬
‫فكرتي‪.‬‬
‫ر‬ ‫ّ‬
‫العلية ربي‬ ‫ّ‬
‫العلية‪ .‬أي الرابطة‬ ‫د‪-‬‬
‫ّ‬
‫العلية‬ ‫التفكي يف العسل نظرا للرابطة‬
‫ر‬ ‫‪ ‬مثال‪ :‬الحديث عن النحل يدفعنا إىل‬
‫بينهما‪.‬‬

‫المعان الكلية لدينا‪.‬‬


‫ي‬ ‫القواني السابقة تتكون‬
‫ر‬ ‫ومن خالل‬
‫ّ‬
‫كىل ّ‬
‫تكون نتيجة ارتباط عدة أفكار جزئية بعضها‬ ‫‪ ‬مثال‪ :‬كلمة إنسان‪ ،‬ي‬
‫ه معت ي‬
‫ببعض لوجود تشابه بينها‪.‬‬
‫ى‬ ‫ى‬ ‫ً‬
‫المعان‪.‬‬
‫ي‬ ‫تداع‬
‫ي‬ ‫قواني‬ ‫نشاط‪ :‬قدم مثاًل آخر عن كل قانون من‬

‫‪39‬‬
‫معيار صدق األفكار عند هيوم‬

‫الفلسق فإن اختبار صدق الفكرة يكون بتحليلها وردها إىل‬ ‫ي‬ ‫بحسب مذهب هيوم‬
‫ُ ّ‬ ‫ى‬
‫الت ال نجد لها أصال يف التجربة تعد فكرة باطلة‪ .‬وهكذا فإن معيار‬
‫مصدرها يف التجربة‪ ،‬والفكرة ي‬
‫ِّ‬
‫الحسية‪.‬‬ ‫الصدق للفكرة هو المطابقة مع التجربة‬

‫تحليل فكرة السببية عند هيوم‬

‫وفقا لمعيار الصدق السابق يحلل هيوم بعض األفكار المهمة يف الفلسفة‪ ،‬مثل فكرة‬
‫ّ‬
‫(العلية)‪.‬‬ ‫السببية‬

‫ى‬ ‫ّ‬
‫المفيضة‬ ‫ه االعتقاد بأن لكل حدث أو ظاهرة علة أو سببا‪ ،‬وتنشأ من العالقة‬ ‫* السببية‪ :‬ي‬
‫ّ‬
‫شيئي بحيث إذا حدثت العلة أو السبب‬ ‫ر‬ ‫ربي (السبب والنتيجة)‪ ،‬لوجود عالقة ارتباط ربي‬
‫حدث المعلول أو النتيجة‪ .‬ويرى هيوم أن مبدأ السببية ال يتضمن أي نوع من الرصورة أو‬
‫الحتمية‪ ،‬وهو عبارة عن عادة ذهنية أو سيكولوجية ترسخت يف أذهاننا عن طريق تكرار‬
‫ِّ‬
‫الحسية أن تيهن عىل‬ ‫اقيان‪ ،‬وليس يف إمكان التجربة‬‫حصول األشياء والظواهر بصورة ى‬

‫والماض‪.‬‬
‫ي‬ ‫وجود التشابه ربي المستقبل‬

‫متعاقبي تجعلهما يرتبطان بعضهما ببعض يف‬ ‫شيئي‬ ‫ى‬


‫الت تحصل لنا من رؤية‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫إن العادة ي‬
‫المعان‪ ،‬فاالعتياد والتعاقب أو التالزم يجعلنا نعتقد أن هناك عالقة‬
‫ي‬ ‫تداع‬
‫ي‬ ‫أذهاننا عن طريق‬
‫رصورية بينهما نسميها السببية‪ ،‬فإذا حدث السابق أي السبب أو العلة توقعنا حدوث الالحق‬
‫المعلول أو المسبب عن السبب (النتيجة)‪ ،‬وكأننا نعتقد أن السابق هو من يوجد الالحق‬
‫حي أن التجربة ال تثبت مثل هذه الرصورة‪ .‬فوضع القدر عىل النار يجعلنا نتوقع‬
‫بالرصورة‪ ،‬يف ر‬
‫غليان الماء‪ ،‬ألننا اعتدنا ذلك‪ ،‬ولكن ليس يف حكم العقل ما يوجب ذلك‪ ،‬وكل ما قدمته لنا‬
‫التجربة هو ى‬
‫اقيان ربي أ و ب أو ربي النار وغليان الماء‪ .‬ومن ثم فإن فكرة الرصورة والسببية‬
‫بحسب هيوم باطلة‪.‬‬

‫الجدير بالذكر أن ما ّ‬
‫توصل إليه هيوم حول فكرة السببية‪ ،‬سبقه إليه فيلسوف اإلسالم‬
‫اىل (‪450‬ـه‪1058/‬م‪505 -‬ـه‪1111/‬م)‪ .‬فقد ررسح قبل هيوم فكرة السببية‪،‬‬
‫اإلمام أبو حامد الغز ي‬
‫عقىل لها‪،‬‬
‫ي‬ ‫مع االنتباه إىل أن هيوم لم ينكر السببية بالمطلق ولكنه أنكر أن يكون هناك تعليل‬
‫اىل إىل القولبعدم وجود رابطة سببية رصورية ربي األشياء وحدوثها‪ ،‬وأنكر الرصورة‬
‫بينما انته الغز ي‬
‫‪40‬‬
‫ى‬
‫الت تخلق فينا هذه العالقة السببية‪،‬‬ ‫ى‬ ‫ُ ى‬
‫ه ي‬ ‫الت تشكلت يف أذهاننا ي‬
‫العقلية فيها‪ ،‬مفيضا أن العادة ي‬
‫وأسماها "جريان العادة"‪ ،‬بدال من السببية‪ ،‬وبذلك يكون قد أنكر أية عالقة سببية ربي النار‬
‫ى‬
‫باالقيان أو العادة الذهنية‪.‬‬ ‫ى‬
‫واحياق القطن مثال‪ ،‬مفشا ذلك‬

‫العقىل (العقالنيون)‪:‬‬
‫ي‬ ‫ثانيا‪ :‬مصدر المعرفة عند المذهب‬

‫العقىل يف المعرفة‪ ،‬أن العقل هو المصدر الوحيد للمعرفة الحقة أو‬


‫ي‬ ‫يرى أتباع المذهب‬
‫اهي العقلية‬
‫العقىل والي ر‬ ‫الت تتصف بالرصورة والشمول‪ .‬فنحن عن طريق االستدالل‬‫ى‬
‫ي‬ ‫الموثوقة‪ ،‬ي‬
‫الخالصة يمكننا أن نصل إىل معرفة العالم‪ ،‬دون أن يكون لإلحساس أو التجربة شأن يذكر فيها‪.‬‬

‫كلية ى‬
‫مشيكة لدى جميع األذهان‪ ،‬ورصورية تصدق عىل جميع األشياء‪،‬‬ ‫إن مبادئ العقل ّ‬

‫وأولية سابقة عىل كل تجربة‪ .‬فإذا قلنا مثال‪( :‬الكل أكي من الجزء)‪ ،‬أو (المساويان لثالث‬
‫وغي موجود يف وقت واحد)‪ ،‬فإن هذه‬ ‫متساويان)‪ ،‬أو ر‬
‫(السء الواحد ال يمكن أن يكون موجودا ر‬
‫ي‬
‫ى‬
‫الت ال تخىط مرة وتصيب مرة‪ ،‬بل‬ ‫وغيها‪ ،‬صادرة عن العقل‪ .‬ي‬
‫وه "نوع من الحقائق ي‬ ‫المبادئ‪ ،‬ر‬
‫صادقة دائما‪ ،‬أي صادقة بالرصورة‪ ،‬وما يصدق عن العقل‪ ،‬فصدقه رصوري ومحتوم"‪.‬‬

‫وتتمي بها المعرفة العقلية‪ ،‬فمعناها أنه ال يمكن‬ ‫ى‬


‫الت يتحدث عنها العقليون‬
‫ر‬ ‫أما الرصورة ي‬
‫ّ‬
‫قواني المنطق والرياضيات‬
‫ر‬ ‫الشك بها‪ ،‬إذ ال يمكن تصور إال أن (‪ )2 =1 + 1‬بالرصورة‪ ،‬ولذا فإن‬
‫ثابتة ال يختلف عليها اثنان‪ ،‬فالحقيقة يجب أن تكون واحدة بالنسبة إىل جميع العقول‪.‬‬

‫وأما صفة الشمول لألحكام العقلية‪ ،‬فمعناها صدق هذه األحكام يف كل زمان ومكان‪ ،‬وعدم‬
‫بتغي الظروف واألحوال‪ ،‬أي ما هو صادق باألمس هو صادق اليوم‪ ،‬وسيكون صادقا غدا‪.‬‬
‫تغيها ر‬‫ر‬
‫الص َو ّرية كالرياضيات والمنطق‪ ،‬هو‬
‫نحسه ف العلوم ُّ‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫اليقي الذي‬
‫ر‬ ‫ويرى أتباع هذا المذهب أن‬
‫لليقي‪ ،‬ألن الصدق يف هذه العلوم رصوري وشامل‪.‬‬
‫ر‬ ‫المثل األعىل‬
‫ّ‬
‫الحسية‬ ‫ه خصائص المعرفة‬ ‫ى‬
‫إذا كان من خصائص المعرفة العقلية الرصورة والكلية‪ ،‬فما ي‬
‫(التجريبية)؟‬

‫فه ال‬
‫وبما أن المعرفة العقلية تتصف بالرصورة‪ ،‬فإنها ال تقبل التعديل وال االحتمال‪ ،‬ي‬
‫ّ‬
‫فه فطرية عند الجميع‪ .‬فالعقليون يتفقون عىل أن العقل‬‫تتوقف عىل األفراد والظروف‪ ،‬ولذا ي‬
‫ه كما يقول ديكارت‪" :‬أعدل األشياء‬
‫قوة أو ملكة فطرية واحدة‪ ،‬توجد عند جميع الناس‪ ،‬أو ي‬
‫قسمة ربي الناس"‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ّ‬
‫العقليي يرون بأن العقل بقوانينه ومبادئه األولية السابقة والمستقلة عن‬
‫ر‬ ‫الخالصة‪:‬إن‬
‫‪ّ ُ .‬‬
‫اليونان أفالطون أشهر‬
‫ي‬ ‫ويعد الفيلسوف‬ ‫التجربة هو مصدر كل معرفة تحصل عند اإلنسان‬
‫العقىل‪ ،‬كما يمثل هذا المذهب يف العرص الحديث العديد من الفالسفة من بينهم‬
‫ي‬ ‫ممثىل المذهب‬
‫ي‬
‫التجريت يضم‬ ‫العقىل مثله مثل المذهب‬ ‫وغيهم‪ .‬كما أن المذهب‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ديكارت وسبينوزاوليبني ر‬
‫الت رأرسنا إليها سابقا وتختلف يف الفروع‪.‬‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫اتجاهات شت تتفق يف األصول ي‬

‫العقىل يف‬ ‫ممثىل المذهب‬ ‫في ُ‬


‫حسن بنا أن نعرض بتفصيل ألفكار واحدا من أبرز‬ ‫أما اآلن َ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫مصدر المعرفة‪:‬‬

‫رينيه ديكارت (‪1950 -1596‬م)‬

‫ًّ‬
‫رياضيا‪ ،‬وترتبط فلسفته بنظريته يف‬ ‫يعتي أحد أبرز فالسفة العرص الحديث‪ ،‬وكان عالما‬
‫ّ‬
‫العقىل‪ ،‬ولقب ب (أبو الفلسفة الحديثة)‪.‬يعد‬
‫ي‬ ‫مؤسس المذهب‬
‫ي‬ ‫الرياضيات‪ ،‬وهو من أهم‬
‫الغربيي الذين ترتبط أسماؤهم بالشك‬
‫ر‬ ‫الفرنس "رينيه ديكارت" أبرز الفالسفة‬
‫ي‬ ‫الفيلسوف‬
‫اليقي‪ ،‬فالعقل حافل بأفكار بعضها‬
‫ر‬ ‫المنهج الوصول إىل‬
‫ي‬ ‫المنهج‪ .‬استهدف ديكارت بشكه‬
‫ي‬
‫خاط وعىل اإلنسان من أجل بلوغ الحقيقة أن يتحرر أوال من كل المعتقدات السابقة‪ ،‬وأال يقبل‬
‫والتمي‪ ،‬فمعيار الحقيقة إذن هو‬
‫ر‬ ‫بعد ذلك موضوعا ما عىل أنه حقيقة إال إذا اتصف بالوضوح‪،‬‬
‫والتمي‪.‬‬
‫ر‬ ‫الوضوح‬

‫ى‬
‫الديكارن‬
‫ي‬ ‫أسباب الشك‬

‫يف كتابه "تأمالت يف الفلسفة األوىل" يقول ديكارت‪ :‬إنه يلزم أن نضع موضع الشك جميع‬
‫كبيا من اآلراء الباطلة وحسبها‬ ‫ى‬
‫األشياء بقدر اإلمكان‪ ،‬ويير ذلك بأنه منذ حداثة سنه قد تلق قدرا ر‬
‫الحي من مبادئ عىل هذا القدر من قلة الوثوق ال يكون إال‬ ‫ر‬ ‫صحيحة‪ ،‬فكل ما بناه منذ ذلك‬
‫سء من جديد وأن‬ ‫ر‬
‫مشكوكا فيه‪ ،‬وإذن فيلزم إذا أردنا أن نقيم شيئا متينا يف العلوم أن نبدأ بكل ي‬
‫ى‬
‫الت يقوم عليها البناء‪.‬‬
‫نوجه النظر إىل األسس ي‬
‫ى‬
‫اليقي‪:‬‬ ‫من الشك إىل‬

‫‪ -1‬إثبات وجود النفس (مبدأ الكوجيتو)‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫ينته ديكارت إىل أنه عىل الرغم مما ذهب إليه من شك‪ ،‬فهناك حقيقة ال يستطيع أن‬
‫ي‬
‫التفكي‪ ،‬إذن أنا أفكر‪،‬‬
‫ر‬ ‫أنت – فيما يقول ديكارت – أشك‪ ،‬والشك نوع من أنواع‬
‫وه ي‬‫يشك فيها‪ ،‬ي‬
‫وما دمت أفكر فهناك ذات فاعلة – (لكل فعل فاعل)‪ ،‬ومن ثم أنا أفكر‪ ..‬إذن فأنا موجود‪ ،‬وذلك‬
‫الشهي المعروف باسم مبدأ "الكوجيتو" حيث ذكر العبارة باللغة الالتينية‬ ‫ى‬
‫الديكارن‬ ‫هو المبدأ‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫الفلسق‪.‬‬
‫ي‬ ‫)‪ (Cagito, Ergo Sum‬ومن هذه الحقيقة يبدأ ديكارت يف إقامة بنائه‬

‫‪ -2‬من الكوجيتو إىل هللا‪:‬‬

‫الطبيىع أن يتحول عن هذه النقطة إىل‬


‫ي‬ ‫بعد أن أثبت ديكارت وجوده كذات مفكرة‪ ،‬كان من‬
‫التفكي والشك‪ ،‬لكن الشك‬ ‫سء ما ماهيته‬ ‫ر‬ ‫ى‬
‫ر‬ ‫ه ي‬ ‫الت أثبت وجودها ي‬
‫"مضمون" أفكاره‪" ،‬فاألنا" ي‬
‫نقص‪ ،‬إذ لو كنت كامال المتنع الشك‪ ،‬وها هنا تظهر فكرة الموجود الكامل وهو هللا (الكامل)‪،‬‬
‫أنت ال يمكن أن أكون مصدرها فهذه الفكرة تصور يىل "جوهرا ال متناهيا"‪،‬‬
‫ويذهب ديكارت إىل ي‬
‫ألن كائن متناه‪ ،‬وفكرة "الكامل" ال يمكن أن‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫وحقيقت‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫ماهيت‬
‫ي‬ ‫فحقيقة هذا الجوهر تتجاوز إذن‬
‫شك‪ ،‬فال بد أن يكون هناك‬
‫نفس كائن ناقص كما هو واضح من حالة ي‬
‫ي‬ ‫تنتجها قدرة ناقصة فأنا‬
‫كائن كامل هو مصدر "الفكرة"‪ ،‬هذا الكائن الكامل هو هللا‪.‬‬

‫الخارح بعد أن تم إثبات وجود هللا‪،‬‬


‫ي‬ ‫ويمىص ديكارت قدما يف إثبات وجود األجسام والعالم‬
‫ي‬
‫تتمي بالوضوح‪ ،‬فاهلل هو ضامن الحقيقة بحسب ديكارت‪.‬‬
‫الت ر‬‫ى‬
‫الضامن لصحة أفكاره ي‬

‫العقىل عنده‬
‫ي‬ ‫دعائم المنهج‬

‫اليقي‬
‫ر‬ ‫العقىل عند ديكارت وسيلتان أساسيتان يستطيع العقل الوصول بهما إىل‬
‫ي‬ ‫للمنهج‬
‫وهما‪:‬‬

‫ى‬ ‫ر‬
‫أ‪ -‬الحدس‪ :‬أي المعرفة العقلية المبارسة ي‬
‫الت يدرك بها العقل الحقائق أو القضايا‬
‫البسيطة الواضحة‪.‬‬

‫يكق أن تكون واضحة‬ ‫ًّ‬ ‫ى‬


‫الت يمكن أن نقيم عليها حكما يقينيا‪ ،‬ال ي‬
‫فالمعرفة عند ديكارت ي‬
‫ى‬
‫الت تكون حارصة يف ذهن يقظ‪،‬‬ ‫ه ي‬ ‫متمية‪ .‬والفكرة الواضحة ي‬
‫ر‬ ‫فقط‪ ،‬بل يجب أن تكون أيضا‬
‫ًّ‬
‫فه تلك الفكرة الدقيقة جدا والمختلفة عن األفكار‬
‫المتمية ي‬
‫ر‬ ‫متنبه‪ ،‬وواضحة فيه‪ .‬أما الفكرة‬
‫األخرى‪ ،‬وتكون واضحة تماما لمن يقوم بفحصها‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ى‬
‫ب‪ -‬االستنباط‪ :‬ومعناه استخالص نتائج جديدة من مقدمات نعرفها معرفة يقينية‪ ،‬ي‬
‫والت‬
‫تتمثل يف مقدمات حدسية‪.‬‬
‫مثال‪ :‬أ = ب‪ ،‬ب = ج‪ ،‬إذن (أ = ج)‬
‫‪2+2=4‬‬
‫ى‬
‫الت تقول‪" :‬الشيئان المساويان‬
‫فهذه طريقة استداللية استنباطية مبنية عىل البدهية ي‬
‫العقليي نتوصل إىل المعرفة‬
‫ر‬ ‫العمليتي أو المبدأين‬
‫ر‬ ‫لسء ثالث متساويان"‪ .‬وب ر‬
‫هاتي‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫اليقينية‪.‬‬

‫تقسيم األفكار عند ديكارت‬

‫يقسم ديكارت األفكار من حيث مصادرها إىل ثالثة‪:‬‬

‫وه تتصف بالوضوح‬ ‫ى‬


‫الت توجد يف أذهاننا بالفطرة‪ ،‬ي‬
‫وه تلك األفكار ي‬
‫أ‪ -‬األفكار الفطرية‪ ،‬ي‬
‫والتميي‪ ،‬مثل "فكرة الذات أو األنا‪ ،‬وفكرة هللا‪ ،‬وفكرة االمتداد‪ ،‬وفكرة الجوهر‪ ...‬إلخ"‪.‬‬
‫ر‬
‫وه ليست مطبوعة يف الذهن‪ ،‬ومرتسمة فيه كأبيات‬
‫وهذه جميعها‪ ،‬يقينية الصدق‪ ،‬ي‬
‫من الشعر‪ ،‬ولكنها موجودة فيه بالقوة‪ ،‬وتظهر من خالل الجهد والفكرة‪.‬‬
‫وه أفكار عارضة‬
‫ب‪ -‬األفكار الثانوية‪ ،‬وتأتينا من األشياء الخارجية عن طريق الحواس‪ ،‬ي‬
‫قد توجد يف بعض األشياء دون بعضها اآلخر‪ ،‬كاأللوان‪ ،‬والطعم‪ ،‬والرائحة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ى‬
‫الت‬
‫وه أفكار ننتجها بخيالنا وبإرادتنا من األفكار ي‬
‫ج‪ -‬األفكار المركبة (المصنوعة)‪ ،‬ي‬
‫نستمدها من الحس‪ ،‬مثل فكرة جبل من الذهب‪ ،‬وما شابه ذلك‪.‬‬

‫خالصة وتعليق‪:‬‬

‫التجريت) يف المعرفة‪ ،‬رفضوا بوجه عام وجود األفكار‬


‫ي‬ ‫التجريبيي (أتباع المذهب‬
‫ر‬ ‫‪ -‬إن‬
‫الفطرية المغروسة يف العقل‪ ،‬وأرجعوا مصدر المعرفة إىل الحواس واالنطباعات‬
‫اعيف لوك ببعض‬‫الحسية‪ .‬لكنهم مع ذلك لم ينكروا دور العقل‪ ،‬ف المعرفة‪ ،‬فقد ى‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫المعان واألفكار الكلية‪.‬‬
‫ي‬
‫العقىل)‪ ،‬الذين أرجعوا مصدر المعرفة إىل العقل‬
‫ي‬ ‫العقليي (أتباع المذهب‬
‫ر‬ ‫‪ -‬وبالمثل فإن‬
‫واألفكار الفطرية‪ ،‬لم ينكروا دور الحواس يف تنبيه العقل واألفكار‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الحسيي‪ ،‬بل يتعلق‬ ‫العقليي أو للعقل عند‬ ‫إلغاء ًّ‬
‫تاما للحواس عند‬ ‫ً‬ ‫فاألمر إذن ليس‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫بأفضلية كل منهما عىل اآلخر يف نظر كل فريق من هؤالء‪.‬‬

‫ً‬ ‫فالحسيون ى‬
‫يعيفون بوجود المعرفة العقلية‪ ،‬ولكنهم يفشونها باعتبارها صدى إلدراكاتنا‬
‫ّ‬
‫الحسية ولكنهم يفشونها باعتبارها يف حاجة‬ ‫فيعيفون بوجود المعرفة‬‫ى‬ ‫الحسية‪ّ ،‬أما العقليون‬
‫ّ‬

‫دائمة إىل العقل ورقابته‪ ،‬أو تنبيهه‪.‬‬

‫الحدس (الحدسيون)‬
‫ي‬ ‫ثالثا‪ :‬مصدر المعرفة عند المذهب‬

‫ر‬
‫المبارس لحقيقة أو فكرة ما حارصة أمام الذهن‪ ،‬دون‬ ‫ًّ‬
‫فلسفيا‪ :‬اإلدراك‬ ‫معت الحدس‬
‫استدالل أو قياس تمهيدي‪ ،‬أو استقراء ما‪ .‬والمعرفة الحدسية ر‬
‫غي محتاجة بنظر هؤالء إىل وجود‬
‫معيار خاص لقيمة الصدق‪ ،‬إذ إن طبيعتها (المعرفة) واضحة ليست يف حاجة إىل برهان‪.‬‬

‫ر‬
‫(اإلرساق –‬ ‫الصوف‬ ‫وهناك يف تاري خ الفلسفة أشكال مختلفة من الحدس‪ ،‬مثل الحدس‬
‫ي‬
‫َُ‬
‫اىل مصدر المعرفة اليقينية (ألن المعرفة فيه لدنية)‪ ،‬وكذلك الحدس‬
‫العرفان)‪ ،‬الذي جعله الغز ي‬
‫واليقي‪.‬‬
‫ر‬ ‫الرياض‪ ،‬الذي جعله ديكارت معيارا للصدق‬
‫ي‬

‫ممثىل هذا االتجاه‪:‬‬


‫ي‬ ‫وال بد من أستعراض موقف أبرز‬

‫ى‬
‫هيي بيغسون‪1941 -1859 H. Bergson‬م‬

‫ّ‬
‫الحسية (التجريبية) والمعرفة العقلية‪ ،‬وقال بوجود‬ ‫فرنس‪ ،‬رفض المعرفة‬ ‫وهو فيلسوف‬
‫ي‬
‫ى‬
‫الت تعتمد يف مصدرها عىل "الوجدان" أو "الحس‬
‫ه المعرفة الحدسية‪ ،‬ي‬
‫معرفة من نوع مختلف ي‬
‫الباطت"‪.‬‬
‫ي‬

‫الداخىل‪ ،‬وب هذا‬ ‫ر‬


‫المبارس لمجريات شعورنا‬ ‫والحدس ف ّ‬
‫تصور ربيغسون‪ ،‬هو نوع من اإلدراك‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫َ َ‬
‫المعت يعتي َملكة خاصة يستطيع اإلنسان من خاللها فهم الحياة والتغلغل يف أعماقها الداخلية‪.‬‬
‫وبي العقل والوجدان‪ .‬فالعقل عنده هو أداة العلم‪ ،‬أما‬ ‫يمي ربي الفلسفة والعلم‪ ،‬ر‬‫ومن هنا فهو ر‬
‫الوجدان‪ ،‬فهو أداة الفيلسوف‪.‬‬

‫ويعتقد ربيغسون أن العقل عاجز تماما عن تزويدنا بالمعرفة اليقينية الشاملة‪ ،‬أو أن يوصلنا‬
‫الخارح أو مجال العلم‪ ،‬فإنها‬ ‫ّ‬
‫الحس‬ ‫إىل المعرفة بجوهر األشياء‪ .‬فإذا كانت لديه القدرة يف مجال‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫الباطت لمقوالته‪ .‬ومن ثم ال ُبد من وجود ملكة‬
‫ي‬
‫ر‬
‫تتالس عندما يتعلق األمر بمجال الحس‬ ‫سوف‬
‫‪45‬‬
‫وه ملكة‬
‫العاطق – أو ما يسميه ربيغسون بالزمان الشعوري – ي‬
‫ي‬ ‫أخرى خاصة بهذا المجال‬
‫الت بواساطتها يكون بمقدورنا إدراك األشياء من الداخل‪ ،‬حيث هناك ننفذ إىل باطن‬‫ى‬
‫الحدس‪ ،‬ي‬
‫األشياء‪ ،‬لتكون شيئا واحدا مع ما فيه من أجزاء‪.‬‬

‫لبيغسون فإن المعرفة عن طريق الحدس وحدها تصلح أن تكون مصدرا للمعرفة‬
‫وبالنسبة ر‬
‫ى‬
‫الت‬
‫فه تتفوق عىل كل المعارف عن طريق الحواس أو عن طريق العقل‪ ،‬ألنها وحدها ي‬
‫الحقة‪ ،‬ي‬
‫الروح يف موضوع المعرفة‪.‬‬
‫ي‬ ‫تدرك الجانب الشعوري أو‬

‫ى‬
‫(الياغماتيون)‬
‫اغمان ر‬
‫ي‬ ‫رابعا‪ :‬مصدر المعرفة عند أصحاب المذهب ر‬
‫الي‬

‫نشأ المذهب الفلسق الي ى‬


‫اغمان وازدهر يف الواليات المتحدة بصورة خاصة يف أواخر القرن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫عش وأوائل القرن ر‬
‫العشين‪ ،‬وال يزال له حضوره يف الثقافة األمريكية المعارصة‪.‬‬ ‫التاسع ر‬

‫تعت الياغماتية؟‬
‫ماذا ي‬

‫الياغماتية )‪ (Pragmatism‬كلمة مشتقة من اليونانية )‪ ،(Pragma‬ومعناها العمل أو‬


‫األمريك (تشارلز ربيس ‪1914 -1839‬م) من‬
‫ي‬ ‫الفعل‪ .‬وأول من أدخلها إىل الفلسفة هو الفيلسوف‬
‫خالل مقالة له بعنوان "كيف نوضح أفكارنا"‪ .‬ويطلق عىل الفلسفة الياغماتية تسميات أخرى‬
‫مثل الفلسفة الذرائعية أو األداتية أوالوظيفية‪.‬‬

‫سء مصدرها معرفة آثاره العملية يف الحياة‪ .‬وهكذا فإن الفكرة‬ ‫ر‬
‫يرى ربيس أن معرفة أي ي‬
‫تكون صحيحة للي ى‬
‫اغمان بمقدار نجاحها يف التطبيق يف الحياة وظهور آثارها العملية‪.‬‬
‫ي‬

‫لنقدم اآلن نموذجا من أعالم االتجاه‪:‬‬

‫جون ديوي (‪1952 -1859‬م)‬


‫ى ُ‬ ‫ّ‬
‫الت تعرف‬‫ديوي هو الذي أرس دعائم الصيغة الجديدة للياغماتية‪ ،‬المسماة الذرائعية‪ ،‬ي‬
‫عنده باألداتية أو "المذهب الطبيىع لإلنسان"‪ .‬ويرّكز ديوي عىل الدور الذي تلعبه ى‬
‫اليبية يف‬ ‫ي‬
‫تحسي أوضاع المجتمع‪.‬‬
‫ر‬

‫ى‬
‫اغماتيي‬
‫الي‬
‫مبادئ نظرية المعرفة عند ر‬
‫ّ‬
‫عدة أفكار‪:‬‬ ‫‪ -1‬ى‬
‫التجريت يف‬
‫ي‬ ‫تلتق الياغماتية مع المذهب‬
‫ي‬
‫‪46‬‬
‫الخارح‪.‬‬
‫ي‬ ‫أ‪ -‬ارتباطهما معا بالواقع‬
‫ب‪ -‬القول باستقالل األشياء والموجودات عن العقل‪.‬‬
‫التجريت بتطويرها النظرة إىل المعرفة‪ ،‬فنظرتها نحو‬
‫ي‬ ‫‪ -2‬تختلف الياغماتية عن المذهب‬
‫الماض‪ ،‬فبدال من اهتمامها بتحليل التجربة والمعرفة وردها إىل‬
‫ي‬ ‫المستقبل بدال من‬
‫أصولها األوىل‪ ،‬كما فعل جون لوك وهيوم‪ ،‬وجهت اهتمامها نحو ربط المعرفة بعالم‬
‫التجربة من حيث النتائج ال من حيث النشأة أو المقدمات‪ ،‬ألن الياغماتية ال تهتم‬
‫بسؤال "كيف تنشأ المعرفة أو األفكار"‪ ،‬بل تهتم ر‬
‫أكي بالسؤال عن النتائج العملية‬
‫ى‬
‫الميتبة عىل هذه الفكرة أو تلك يف عالم الواقع‪.‬‬
‫معان عقلية ثابتة أو تصورات قبلية أو فطرية‪ ،‬ولذلك تنكر‬
‫ٍ‬ ‫‪ -3‬المعرفة ال تقوم عىل‬
‫الياغماتية وجود حقائق مطلقة الصدق‪ ،‬ألن اإلنسان هو الذي يصنع الحقيقة من‬
‫العلم؛‬
‫ي‬ ‫وتغي الزمان والمكان والتقدم‬
‫بتغي اإلنسان ر‬
‫تتغي ر‬
‫خالل الفعل‪ ،‬كما أن الحقيقة ر‬
‫فقد تصبح حقائق اليوم عكس ذلك يف المستقبل‪ ،‬ولذلك يرى الياغماتيون أن‬
‫تغي مستمر‪ ،‬فالحقائق تؤكدها أو تقررها‬
‫وف ر‬
‫صيورة مستمرة التكوين‪ ،‬ي‬
‫الحقيقة عملية ر‬
‫التجربة‪ ،‬وال توجد حقائق مستقلة عن التجربة‪.‬‬
‫ُ‬
‫اغماتيي بنتائجها العملية‪ .‬بمعت أن الحق أو‬
‫ر‬ ‫‪ -4‬تقاس القيمة الحقيقية للفكرة عند الي‬
‫الصدق ال يكون يف عبارة أو قضية ما سابقا عىل اختبارها يف الواقع وظهور نتائجها أو‬
‫نفعها‪ ،‬وعندئذ نقول عن فكرة ما أنها حقيقة ألنها تحقق منفعة‪ .‬وتفهم المنفعة هنا‬
‫بمعت المنفعة العامة للمجتمع وليس المنفعة الشخصية أو الفردية‪.‬‬

‫ر‬
‫لماذا؟اشح‪.‬‬ ‫أي من المدارس الفكرية السابقة أعجبك؟‬

‫ثالثاً‪ :‬طبيعة المعرفة‬

‫يدور هذا المبحث حول عالقات المعرفة‪ :‬الذات ‪ /‬الموضوع – الذات العارفة‪ ،‬وموضوع‬
‫الطرفي أو كليهما ال تكون هناك معرفة‪.‬‬
‫ر‬ ‫المعرفة‪ ،‬والعالقة المتبادلة بينهما‪ .‬فبدون أحد هذين‬
‫ا‬
‫‪ -‬هل الذات العارفة (أو الفكر) تشكل طرفا مستقًّل ر‬
‫متميا أو عالما قائما بذاته يقف أمام‬
‫عالم الواقع ويختلف عنه‪...‬؟‬

‫‪47‬‬
‫ى‬
‫‪ -‬كيف ي‬
‫تلتق الذات بالموضوع أو الفكر بالواقع؟‬

‫هذا هو موضوع هذا المبحث‪.‬‬

‫نحن نقول عن وردة ما إنها جميلة‪ ،‬وقد نقول القول نفسه عن لوحة فنية‪ ،‬أو عن قطعة‬

‫موسيقية‪ ...‬إلخ‪ ،‬فهل ربي هذه كلها وجه شبه جعلنا نصفها كلها بصفة واحدة ي‬
‫ه "الجمال"؟‬

‫ال شك أن يف ذهنك فكرة عن الجمال تقيس بها األشياء الخارجية فتعرف مقدار ما لها من‬
‫جمال‪ ،‬وب هذه الفكرة الذهنية استطعت أن ترى وجه الشبه ربي هذه األشياء‪ .‬إذن فالمعرفة‬
‫طرفي‪:‬‬
‫ر‬ ‫تقتىص‬
‫ي‬

‫‪ -1‬فكرة يف الذهن والفكرة معت ال ُيرى وال ُيحس‪.‬‬


‫‪ -2‬رسء ف الخارج أو الموضوع الذي ُيعرف ُ(يرى ُ‬
‫ويحس)‪.‬‬ ‫ي ي‬

‫ه طبيعة العالقة بينهما؟‬ ‫ى‬


‫تلتق الفكرة بالواقع؟ وما ي‬
‫كيف ي‬

‫رئيسيي‪:‬‬
‫ر‬ ‫اتجاهي‬
‫ر‬ ‫انقسم الفالسفة يف اإلجابة عن هذا السؤال إىل‬

‫الخارح‪.‬‬
‫ي‬ ‫الواقع‪ :‬الذي يرى أن المعرفة ي‬
‫ه صورة مطابقة لحقائق األشياء يف العالم‬ ‫ي‬ ‫أوال‪ :‬االتجاه‬

‫الت تدركها أي بكيفية ى‬


‫ى‬
‫تلق الذهن‬ ‫المثاىل‪ :‬الذي يرى أن المعرفة مرهونة بالقوى ي‬
‫ي‬ ‫ثانيا‪ :‬االتجاه‬
‫لهذه المعرفة أو صورة المعرفة يف الذهن‪.‬‬

‫المذهبي‪:‬‬
‫ر‬ ‫يىل نعرض بإيجاز لطبيعة المعرفة عند كل من هذين‬
‫وفيما ي‬

‫ى‬
‫الواقعيي‪:Realists‬‬ ‫أوال‪ :‬طبيعة المعرفة عند‬

‫الخارح هو وجود‬
‫ي‬ ‫الواقىع يف المعرفة هو المذهب الذي يرى أن وجود العالم‬
‫ي‬ ‫المذهب‬
‫الواقىع يمكن معرفته‪.‬‬ ‫ى‬
‫حقيق مستقل عن الذات‪ ،‬وأن هذا الوجود‬ ‫واقىع‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫‪ -1‬الواقعية النقدية‪:Critical Realism‬‬

‫الواقىع الساذج يف تسليمه بأن المعرفة صورة مطابقة‬


‫ي‬ ‫يقوم هذا المذهب عىل نقد المذهب‬
‫للواقع‪ ،‬ال أثر للذات أو العقل عليها‪ ،‬وكأنما العقل لوحة مستقبلة أو مرآة عاكسة ال فاعلية فيه‪،‬‬
‫‪48‬‬
‫وتقرر الواقعية النقدية أن المعرفة وإن تكن مستمدة من الواقع عن طريق الحواس‪ ،‬فإنها مع‬
‫ذلك ليست يف مجموعها صورة مطابقة تماما للواقع‪ .‬ويعكس هذا االتجاه التطور الذي أحرزته‬
‫خارح‪،‬‬ ‫واقىع‬ ‫عيت‬ ‫ى‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫حقيق له وجود ي‬ ‫ي‬ ‫سء‬
‫العلوم الطبيعية‪ ،‬حيث إن المادة يف نظر هذه العلوم ي‬
‫الت تدركها الحواس ليست إال من عمل الذهن‪ ،‬أي أن الواقعية النقدية أضافت‬ ‫ى‬
‫ولكن الكيفيات ي‬
‫إىل العقل فاعلية خاصة بحيث لم تعد المعرفة صورة مطابقة لألشياء المدركة‪.‬‬

‫والخالصة أن المعرفة عند أصحاب الواقعية النقدية ليست يف مجموعها صورة مطابقة‬
‫موضوع يصور‬
‫ي‬ ‫للواقع‪ ،‬وإن كانت مع ذلك مستمدة من الواقع‪ ،‬أي أن بعض عنارص المعرفة‬
‫ى‬
‫ذان من نتاج العقل‪.‬‬
‫الواقع كما هو تماما‪ ،‬وبعضها ي‬

‫‪ -2‬الواقعية الجديدة‪:New Realism‬‬

‫تعبي يطلق أساسا عىل النظرية المعارصة يف المعرفة‪.‬‬


‫الواقعية الجديدة ر‬

‫أ‪ -‬الواقعية الجديدة ى يف الواليات المتحدة األمريكية‪:‬‬

‫يرى أصحاب هذا االتجاه‪:‬‬

‫الخارح كتاب‪ ،‬فهو بمثابة‬


‫ي‬ ‫أمام يف الواقع‬
‫الخارح‪ ،‬فإذا كان ي‬
‫ي‬ ‫‪ -1‬أن المعرفة تصوير للواقع‬
‫ى‬
‫ومعرفت له صورة مطابقة لهذا الواقع‪.‬‬ ‫األصل‪،‬‬
‫ي‬
‫الخارح موجود بغض النظر عن وجودي‪ ،‬أي سواء أدركته أو لم أدركه‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -2‬العالم‬
‫ر‬
‫السء المعروف‪.‬‬
‫فالتغي يطرأ عىل الشخص العارف ال عىل ي‬
‫ر‬ ‫تغيا‪،‬‬
‫‪ -3‬إذا أحدثت المعرفة ر‬
‫الخارح‪ ،‬فإذا تطابق موضوعها مع‬
‫ي‬ ‫‪ -4‬معيار الصدق يف (قضية ما) هو الرجوع للعالم‬
‫الخارح كانت صادقة‪ ،‬وإذا لم تتطابق معه كانت كاذبة‪ ،‬فإذا قلت‪" :‬إن الغازات‬
‫ي‬ ‫الواقع‬
‫أشد تمددا بالحرارة من السوائل" فمعيار صدق هذه العبارة هو مطابقتها للواقع‪.‬‬

‫ى‬
‫إنجليا‪:‬‬ ‫ى‬
‫ب‪ -‬الواقعية الجديدة يف‬
‫ّ‬
‫وتعد الواقعية الجديدة امتدادا ى‬
‫اإلنجليي‪ ،‬حيث بدأت بتفنيد النظرة‬
‫ر‬ ‫الفلسق‬
‫ي‬ ‫للياث‬
‫المثالية (موضوع الصفحات القادمة)‪ ،‬وحاولت أن تستبدل بهذه النظرة نظرة أخرى جديدة كل‬
‫الجدة يف نظرية المعرفة‪ ،‬ومن أشهرهم‪ :‬جورج إدوارد مور (‪ ،)1958 -1873‬وبرتراند رسل‬
‫كثيون‪.‬‬
‫وغيهم ر‬
‫(‪ ،)1970 -1872‬ر‬

‫‪49‬‬
‫اإلنجليي "رسل" مثاال للواقعية الجديدة‪.‬‬
‫ر‬ ‫يىل سنتخذ الفيلسوف‬
‫وفيما ي‬

‫برتراند رسل ‪1970 -1872( B. Russell‬م)‬

‫غي علمية‪ ،‬ألنها يف حقيقتها‬


‫الشموىل عىل أنها فلسفة ر‬
‫ي‬ ‫ينظر "رسل" إىل الفلسفة بمعناها‬
‫تعبيا عن أمزجة الفالسفة وتجارب هم الشخصية‪ .‬ولذا‪ ،‬فهو يقدم لنا بدال منها فلسفة‬
‫ليست إال ر‬
‫الت تقلع عن تقديم تصورات تتعلق‬ ‫ى‬
‫وه الفلسفة ي‬ ‫العلم‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫علمية أو فلسفة تصطنع المنهج‬
‫ى‬
‫المنطق‪ ،‬ذلك الوجود‬ ‫بالوجود ككل‪ ،‬وتلجأ إىل الوجود الوحيد الذي تطمي إليه وهو الوجود‬
‫ي‬
‫الذي ال نستطيع أن نشك فيه‪ .‬فمثال‪ ،‬لو نظرنا إىل العبارة التالية‪" :‬إذا كانت (س) عضوا يف الفئة‬
‫(أ)‪ ،‬و(أ) عضوا يف الفئة (ب)‪ ،‬فإن (س) ال بد أن تكون عضوا يف الفئة (ب)‪ًّ ،‬أيا كان كل من (س)‪،‬‬
‫(ب)‪( ،‬أ)"‪ .‬هذه العبارة تقدم لنا وجودا ال نشك فيه‪ ،‬كما أنها تقدم لنا وجودا ًّ‬
‫عاما‪ ،‬ينطبق ما‬
‫تقرره فيه عىل ما يف الكون حارصا‪ ،‬وعىل ما يمكن أن يوجد مستقبال‪ ،‬دون اإلشارة إىل موجودات‬
‫معينة‪.‬‬

‫ى‬
‫وب هذا المعت تصبح الفلسفة وعلم المنطق سواء بسواء‪ .‬والمهمة الرئيسة ي‬
‫الت اضطلع بها‬
‫َُْ‬
‫لك يحقق هذا الهدف‪ ،‬وهو أن تقلع الفلسفة عن دراسة‬ ‫ه أن "يمن ِطق" الفلسفة ي‬ ‫"رسل" ي‬
‫ى‬
‫المنطق‬ ‫الكىل‪ ،‬وأن تقنع بدراسة الوجود العام الذي يدل يف فلسفة "رسل" عىل الوجود‬
‫ي‬ ‫الوجود ي‬
‫الذي أراد أن يحرص فيه الفلسفة كلها‪.‬‬

‫وعلم المنطق الذي يريد "رسل" أن يرجع الفلسفة كلها إليه يتصف بالصورية‪ ،‬أي البحث‬
‫يجعلت أقول‪ :‬إن عبارة مثل‬
‫ي‬ ‫يف الصورة المنطقية للعبارة اللفظية‪ ،‬واالهتمام بهذه الصورة‬
‫الطي يقف ربي العشب‬ ‫غي المنحازة تقف ربي ر‬
‫الشق والغرب"‪ ،‬وعبارة أخرى مثل "هذا ر‬ ‫"الدولة ر‬
‫والماء" لهما الصورة المنطقية نفسها بغض النظر عن معناهما‪.‬‬

‫المعرفة عند "رسل"‪:‬‬

‫إن المنطق الصوري الجديد الذي توصل إليه "رسل" قد انعكس عىل فهمه لنظرية‬
‫فئتي‪:‬‬
‫الخارح إىل ر‬
‫ي‬ ‫المعرفة‪ .‬إذ يرى أن هذه النظرية هدفها الرئيس هو تصنيف معارفنا عن العالم‬
‫ى‬
‫معارف أساسية‪ ،‬ومعارف مستنتجة أو مستخلصة‪ .‬وهذه المعرفة ي‬
‫الت نجمعها عن العالم وما‬
‫فيه من أشياء‪ ،‬يجب أن تنظم وترتب‪ ،‬وأن نشك يف مقوماتها‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫وهكذا نجد أن نظرية المعرفة عند "رسل" تقترص مهمتها عىل وضع سلم للمعرفة تشكل‬
‫ر‬
‫المبارسة أوىل درجاته‪ ،‬وتشكل المعرفة بالوصف درجاته األخرى‪ .‬والوصول إىل هذا‬ ‫المعرفة‬
‫السلم يكون عن طريق تحليل اللغة الشائعة واللغة العلمية عىل حد سواء‪ .‬ذلك التحليل الذي‬
‫ًّ‬
‫جزءامهما من مفهوم‬ ‫يشكل المفهوم الجديد لنظرية المعرفة عنده‪ ،‬كما يشكل يف الوقت ذاته‬
‫المنطق عنده‪.‬‬

‫ى‬
‫المثاليي‪:‬‬ ‫ثانيا‪ :‬طبيعة المعرفة عند‬

‫المثاىل )‪(Idealism‬‬
‫ي‬ ‫االتجاه‬

‫فلسق يتعارض‬
‫ي‬ ‫وهذا المصطلح مشتق من كلمة )‪ (Idea‬بمعت فكر أو فكرة‪ ،‬وهو اتجاه‬
‫بشكل قاطع مع المادية‪ ،‬فالمثالية تبدأ من المبدأ القائل إن الحقيقة النهائية ذات طبيعة عقلية‬
‫أو ذهنية أو فكرية أو روحية‪ ،‬ومنهم من ينكر الوجود المستقل لألشياء خارج الذات المدركة‬
‫وهم (أتباع المثالية الذاتية)‪.‬‬

‫المثاىل إيمانويل كانط (‪1804 -1724‬م)‬


‫ي‬ ‫ممثىل االتجاه‬
‫ي‬ ‫من‬

‫يمي "كانط" ربي المفاهيم العقلية‬


‫عرفت مثالية "كانط" باسم "المثالية النقدية"‪ ،‬ر‬
‫"السابقة عىل التجربة"‪ ،‬والمعارف المكتسبة عن طريق التجربة‪ ،‬وتعتي األوىل رصورية إلدراك‬
‫األشياء ومعرفتها‪.‬‬

‫وترتبط صفة "المثالية" يف هذا االتجاه بقول كانط‪ :‬إن هناك ررسوطا أولية يضعها العقل‬
‫ى‬
‫الت تجعل التجربة ممكنة‪.‬‬
‫ه ي‬ ‫دون اعتماد عىل التجربة (أي سابقة عىل التجربة) ي‬

‫يتعي عىل العقل أال يتخطاها يف مجال‬


‫أما كونها "نقدية" فألنها ترى أن هناك حدودا ر‬
‫معي ومكان محدد‪.‬‬ ‫المعرفة‪ ،‬فمجال العقل ينحرص يف حدود الظواهر الموجودة يف زمان ر‬
‫ى‬
‫والمعرفة عند "كانط" تتألف من عنرصين‪ :‬مادة ي‬
‫تأن بها الحواس وصورة مصدرها العقل‪،‬‬
‫غي الصورة‪ ،‬والصورة بذاتها ال معت لها ألن وظيفتها االتحاد بالمادة‪.‬‬
‫المادة ال توجد من ر‬

‫ه‪:‬‬
‫وبالتاىل فعناض المعرفة بالنسبة لكانط ي‬
‫ي‬

‫‪51‬‬
‫ى‬
‫مادة المعرفة‪ :‬اإلحساسات المتفرقة ي‬
‫الت تأتينا من األشياء الخارجية‪ ،‬وهذه مصادرها التجربة‪،‬‬
‫أي نحصل عليها بعد التجربة‪ ،‬لذلك يسم هذا الجانب من المعرفة (بعدي) أي‬
‫بعد التجربة‪.‬‬

‫ه مقوالت يضعها العقل ليشكل بها التجربة (أو مادة المعرفة)؛ أي أنها ليست‬ ‫صورة المعرفة‪ :‬ي‬
‫منطقيا ال ًّ‬
‫زمنيا‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫ه سابقة عىل التجربة سبقا‬‫فطرية وإنما ي‬

‫أما رشوط المعرفة‪:‬‬

‫أ‪ -‬الحساسية الصورية‪ :‬صورتا الزمان والمكان‪ :‬وهما صورتان عقليتان أوليتان‪ ،‬أي أنهما سابقتان‬
‫الحس‪ ،‬وب هما تنتظم المحسوسات يف عالقات‬ ‫ي‬ ‫عىل التجربة‪ ،‬وهما ررسطان أساسيان لإلدراك‬
‫مكانية وتتابعات زمانية‪.‬‬

‫ب‪-‬مقوالت الفهم الصوري‪ :‬وعددها اثنتا ر‬


‫عشة مقولة تطبق عىل الظواهر أو المدركات الحسية‬
‫فتجعل منها قضايا علمية؛ أي معارف كلية ورصورية فيتم فهمها‪ ،‬ومن هذه المقوالت‪:‬‬
‫مقولة "الكم"‪ ،‬و"الكيف"‪ ،‬و"الجوهر"‪ ،‬و"العلية"‪.‬‬

‫كيف تتم المعرفة عنده؟‬

‫التجربة تنتظم وفقا لتصورات الذهن‪:‬‬

‫ى‬
‫تأن إلينا عىل هيئة معطيات حسية تمدنا بها الحواس؛‬
‫يرى "كانط" أن األشياء الخارجية ي‬
‫وه ال‬
‫ه عبارة عن مادة مختلطة ومشوشة ال رابط بينها وال تنظيم‪ ،‬ي‬‫هذه المعطيات المختلفة ي‬
‫اللتي‬ ‫ى‬ ‫ر‬
‫صورن الزمان والمكان ر‬
‫ي‬ ‫السء بل ال بد أن تنتظم وتتجمع‪ ،‬وهذه وظيفة‬
‫لك أدرك ي‬‫تكق ي‬
‫ي‬
‫ًّ‬
‫تجمعان المعطيات الحسية وتنظمانها فتجعالها حدسا حسيا أي موضوعات قابلة للفهم‪.‬‬

‫والزمان والمكان معنيان كليان‪ ،‬قبليان‪ ،‬وهما صورتان يفرضهما الفكر عىل المعطيات‬
‫المحسوسة فيجعل عالم الظواهر قابال لإلدراك‪.‬‬

‫تصب هذه الحدوس ف القوالب العقلية االثت ر‬


‫عش‪ ،‬فتتم لنا معرفة العالم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫إذن‪ -‬ما المعرفة الممكنة عند كانط‪...‬؟‬

‫‪52‬‬
‫ه ما تنقله الحواس إىل العقل مع معطيات تصب يف قوالب الذهن أو المقوالت مرورا‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ى‬
‫لفنومي) أو ي‬
‫السء كما يبدو‬ ‫ر‬ ‫بصورن الزمان والمكان‪ ،‬ويقسم كانط العالم إىل عالم الظاهر (ا‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫(النومي)‪ .‬والحواس ال تنقل إلينا إال عالم الظاهر وحده‪ ،‬أما عالم ي‬
‫السء‬ ‫ر‬ ‫السء يف ذاته‬
‫وعالم ي‬
‫غي قابل للمعرفة‪.‬‬
‫وبالتاىل فهو ر‬
‫ي‬ ‫يف ذاته فهو خارج حدود التجربة بمفهومها السابق‪،‬‬

‫ر‬
‫السء يف ذاته أي يف‬
‫الخارح لألشياء‪ ،‬أما عالم ي‬
‫ي‬ ‫فالمعرفة الممكنة ال تتجاوز عالم الظاهر‬
‫وبالتاىل ال يخضع لمقوالت‬
‫ي‬ ‫حقيقته والذي ال تصل إليه الحواس؛ فال ينتظم يف الزمان والمكان‪،‬‬
‫العقل األولية المتناهية‪.‬والنتيجة‪ :‬إننا لن نعرف عنه شيئا‪ ،‬فهو خارج نطاق إمكانية العقل‪ ،‬أي‬
‫حي أن الذهن ر‬
‫البشي متناه‬ ‫خارج حدود المعرفة الممكنة لدى اإلنسان ألنه عالم ال متناه‪ ،‬يف ر‬
‫ومحدود‪.‬‬

‫وهكذا تخلص المثالية النقدية عند كانط إىل النتائج التالية‪:‬‬

‫التجربة ال توصف قط بأنها ذاتية خالصة أو موضوعية محضة‪ ،‬ألن مادة المعرفة قبل‬ ‫‪-1‬‬
‫غي منظم من اإلحساسات ال يمكن تسميته‬
‫ه عبارة عن خليط ر‬
‫أن تنظمها قوالب العقل ي‬
‫معرفة‪.‬‬

‫ه قوالب فارغة ال‬


‫ومن جهة أخرى فإن صورة المعرفة قبل أن تمأل بمادة (المعرفة) ي‬
‫يمكن تسميتها معرفة‪.‬‬

‫وه معرفة محدودة متناهية‬ ‫المعرفة الوحيدة الممكنة ال تتجاوز ظواهر األشياء‪ ،‬ي‬ ‫‪-2‬‬
‫ط الزمان والمكان‪ ،‬وتلك سمة أساسية يتسم بها الفهم (المقوالت)‪ ،‬أما‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫مشوطة بش ي‬
‫"السء يف ذاته" فهو موضوع العقل الخالص‪ ،‬والذي يسىع بصورة‬ ‫الالمتناه أو عالم ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫يجت من ذلك سوى الوقوع‬ ‫دائمة (وغائية) إىل تجاوز حدوده لمعرفة ر‬
‫"السء يف ذاته" وال ي‬
‫ي‬
‫يف التناقض‪.‬‬

‫نظرية المعرفة عند فالسفة االسالم‪:‬‬


‫أوال‪ :‬الكندي (يعقوب بن إسحاق ‪ ٢٨٢-١٨٥‬هـ)‬
‫المعرفة عند الكندي سعي اإلنسان نحو معرفة الحقيقة‪ ،‬حيث ُيعرف الفلسفة بأنها "علم‬
‫بحقائقها بقدر طاقة اإلنسان" ومعرفة الشيء في حقيقته تتم من خالل اإلحاطة العلمية ِ‬
‫به‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األشياء‬
‫طرق المعرفة ووسائلها‬

‫‪53‬‬
‫أ) المعرفة الحسية‪ ،‬تتم بواسطة الحواس‪ ،‬وتتصف بالتغير المستمر نتيجة تغير األشياء المحسوسة‪.‬‬
‫والمعرفة الحسية محصورة في الماديات أي عالم الطبيعة المادية‪.‬‬
‫أما كيفية حصول المعرفة‪ ،‬فتكون من خالل إنطباع صورة المحسوس (الشيء) في القوة‬
‫الحسة في اإلنسان (القوة المصورة)‪ ،‬ثم تنتقل إلى القوة الحافظة حيث (الذاكرة)‪ ،‬والصورة الحسية‬
‫تكون قريبة الشبه جداً للمحسوس‪ ،‬لكنها بسبب تغير الحواس فهي بعيدة عن حقيقته‪.‬‬
‫ب) المعرفة العقلية وهي معرفة خاصة باألجناس واألنواع والمجردات‪( .‬الموجودات العقلية) على‬
‫مستوى التصورات ‪.‬‬
‫والعقل عند الكندي "جوهر بسيط مدرك لألشياء بحقائقها "‬
‫ج) المعرفة العلوية أو عن طريق الوحي واإللهام‪.‬‬
‫وهي معرفة بالموجودات التي تكون فوق الحس والعقل معاً‪ ،‬وتحصل من خالل الوحي‬
‫والفيض اإللهي المتعالي‪ ،‬وتكون للصفوة من الناس كاألنبياء‪ .‬وهذه المعرفة اإللهامية هي ارقى‬
‫من المعرفة العقلية ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الغزالي (‪.)2111-1058‬‬
‫اعتمدت نظرية المعرفة عند الغزالي علي التصوف والحدس اإلشراقي أو الذوق الصوفي‪،‬‬
‫لكن هذا ال يعني أن الغزالي أنكر دور كل من الحواس والعقل في المعرفة‪ ،‬بيد انه كان يميل الى‬
‫المنهج التشكيكي في قدرة االنسان للوصول الى اليقين من خالل العقل والحواس‪.‬‬
‫‪-‬وسائل المعرفة وطرقها‪.‬‬
‫يرى الغزالي أن المعرفة التي تحصل لإلنسان تكون من خالل الطرق اآلتية‪.‬‬
‫‪-١‬الحواس الخمس‪ ،‬وبها يدرك عالم المحسوسات‪.‬‬
‫‪-٢‬العقل الذي يدرك الضروريات أو الواجبات والجائزات والمستحيالت‪.‬‬
‫‪-٣‬اإللهام والذوق (الحدس الصوفي)‪ .‬وهو أعلى أنواع المعرفة وأصدقها‪ ،‬وله أسبقيته على العقل‬
‫والحواس‪.‬‬
‫المعرفة العقلية‪.‬‬
‫عالج الغزالي المعرفة العقلية في كتابه ( المنقذ من الضالل)‪ ،‬على غرار معالجته للمعرفة‬
‫الحسية‪ .‬وهي معالجة قائمة على التشكيك وعدم الثقة بالعقل حتى بالبديهيات‪.‬‬
‫لكن الحقيقة أن الغزالي لم يقصد االنكار المطلق للمعرفة العقلية او الحسية‪ ،‬ال سيما وانه اعتمد‬
‫على معطيات الحواس وقياسات العقل وبراهينه في كثير من مناقشاته للفالسفة والمتكلمين‬
‫واصحاب المعرفة الباطنية‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫إذن الغزالي أراد أن ُيظهر سمو المعرفة الذوقية (الصوفية)‪ ،‬وبأنها أسمى من المعرفة‬
‫العقلية وأوثق‪ .‬بل إن هذه المعرفة أرفع من اإليمان بمعناه العادي الذي يترفع عنه الصوفي‪ ،‬ففي‬
‫الوقت الذي ينشغل فيه (المؤمن العادي) بالعلوم ومشاغل الدنيا‪ ،‬يسعى (المؤمن الكامل) المتصوف‬
‫إلى الفناء عن النفس في رحلته الصوفية التي توصل إلى معرفة هللا التي هي أساس كل المعارف‪.‬‬
‫والغزالي وأن كان سلم بقيمة المعرفة العقلية‪ ،‬ولم يستطيع تجاوزها‪ ،‬لكنه حاول الحط من‬
‫قيمتها بالنسبة للحقيقة واليقين‪.‬‬
‫إن اليقين المعرفي عند الغزالي يحصل عن طريق (المجاهدة) وهي أًخص المراحل التي‬
‫ينبغي أن يسلكها الصوفي لكي يصل إلى اليقين‪ ،‬عندها تنكشف له حقائق األشياء ومعانيها‪.‬‬
‫ى‬
‫اليقي‪:‬‬ ‫من الشك إىل‬

‫اليقي‪ ،‬فلم يجد‬


‫اىل علوم عرصه عساه أن يجد من بينها علما قد يوصله إىل ر‬
‫استعرض الغز ي‬
‫علما موصوفا بهذه الصفة إال يف الحسيات (المادة المستخدمة للبحث يف مجال الطبيعيات)‬
‫والرصوريات العقلية (العلوم الرياضية)‪ .‬فماذا كان شأنه معها؟‬

‫‪ -1‬الشك ى يف الحواس‪:‬‬

‫اليقي قد يكون موجودا يف المعرفة الحسية‪،‬‬ ‫بدأ الغزاىل أوال باختبار الحواس ى‬
‫مفيضا أن‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫اىل يف شهادة الحواس‪ ،‬وذلك ألنها‪:‬‬
‫لكن بعد البحث شك الغز ي‬

‫أوال‪ :‬عاجزة عن إدراك بعض الحقائق‪( .‬علل)‪.‬‬

‫ى‬
‫غي متحرك‪،‬‬
‫غي حقيقتها‪ ،‬فأنت تنظر إىل الظل فياه واقفا ر‬ ‫ثانيا‪ :‬خادعة تصور لنا األشياء عىل ر‬
‫صغيا يف مقدار دينار‪ ،‬مع أنه أكي من األرض يف المقدار‪.‬‬ ‫وتنظر إىل الكوكب ى‬
‫فياه‬
‫ر‬

‫وعليه فقد بطلت الثقة يف المحسوسات‪.‬‬

‫‪ -2‬الشك ى يف أحكام العقل‪:‬‬


‫ّ‬
‫العقل يكذب الحس تكذيبا ال سبيل إىل مدافعته بعد أن كانت المعارف الحسية‪ -‬قبل‬
‫ذلك‪ -‬معارف واضحة‪ ،‬فهل يصمد العقل بعد التجربة؟‬

‫وهل يكون العقل مصدرا أو أداة المعرفة اليقينية؟‬

‫‪55‬‬
‫كثية‪ ،‬لكن هذه النقاط‬
‫صحيح أن الشك أوجد يف مجال المعارف الحسية نقاط تشكيك ر‬
‫ال توجه بالسهولة نفسها إىل العقل وخاصة‪ :‬المعارف العقلية األولية والبدهيات‪ ،‬ولكن‪ ،‬فكما‬
‫أمكن التشكيك ف المعارف الحسية – وال ىت كانت تعتي قبل ذلك معارف ر‬
‫مبارسة وواضحة – من‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫جانب العقل‪ ،‬أي من جانب درجة للمعرفة أعىل منها‪ ،‬فلعل وراء إدراك العقل حاكما آخر إذا‬
‫ّ‬
‫تجىل ذلك اإلدراك ال يدل‬
‫ي‬ ‫وعدم‬ ‫الحس‪،‬‬ ‫ب‬ ‫فكذ‬ ‫تجىل كذب العقل يف حكمه‪ ،‬كما تجىل العقل‬
‫عىل استحالته‪.‬‬

‫اىل عن طريق المجاهدة الصوفية إىل معرفة الحق المطلق (هللا)‪ ،‬وهذه المعرفة‬
‫توصل الغز ي‬
‫ال نصل إليها عن طريق الحواس‪ ،‬وال نصل إليها عن طريق العقل‪ ،‬وإنما طريق هذه المعرفة هو‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫مبارسا دون وساطة) وقد عرض‬ ‫المبارس (اتصال الذات بالموضوع اتصاال‬ ‫الحدس أو العيان‬
‫اىل هذه المعرفة الحدسية عىل أنها نور قذفه هللا يف صدره‪ ،‬فهل هذا النور يقذفه هللا تعاىل‬
‫الغز ي‬
‫وه‬
‫اىل بالتفصيل الطريق والمنهج الذي يوصل إىل ذلك‪ ،‬ي‬
‫يف قلب أي إنسان؟ لقد وصف الغز ي‬
‫معرفة "ذوقية" ال يعرفها إال صاحبها‪ ،‬ومعت ذلك أن من يحصل عليها ال يستطيع أن ينقلها إىل‬
‫اليقي أن يسلك الطريق بنفسه‪.‬‬
‫الغي‪ ،‬وعىل الباحث عن ر‬
‫ر‬

‫اىل‪:‬‬ ‫ى ى‬
‫درجات اليقي يف المعرفة عند الغز ي‬

‫وتغي موضوعاتها‪.‬‬
‫ه أدن مرتبة‪ ،‬لما هو معروف عن أخطائها‪ ،‬ر‬ ‫‪ -1‬المعرفة الحسية ي‬
‫ى‬
‫المنطق‪.‬‬ ‫‪ -2‬المعرفة العقلية ر‬
‫أكي يقينا ألنها تستند إىل االستدالل‬
‫ي‬
‫فه نور من عند هللا ومصدر كل معرفة‬
‫باليقي المطلق‪ ،‬ي‬
‫ر‬ ‫‪ -3‬المعرفة الحدسية تتصف‬
‫ر‬
‫مبارس للحق‬ ‫وتمكننا من معرفة المصدر والذي منه ينبعث كل نور‪ ،‬ألنها مشهود‬
‫المطلق‪.‬‬

‫* أطلق المؤرخون عىل رينيه ديكارت لقب "أبو الفلسفة الحديثة" استخدم الشك المؤقت‬
‫عقىل أساسه الوجود‪ ،‬وهو "الكوجيتو" وتدرج منه إىل اليهان‬
‫ي‬ ‫يقي‬
‫ليتوصل منه إىل أول ر‬
‫العقىل عىل وجود هللا‪ .‬حاول أن تبحث عن هذا يف المراجع الفلسفية‪.‬‬
‫ي‬

‫ثال ًثا‪ :‬نظرية المعرفة عند الصوفية‪:‬‬


‫تمثل نظرية المعرفة الجانب الثاني الذي اشتهرت به الصوفية باإلضافة الى سلوكهم األًخالقي‪.‬‬
‫وسواء أكانت نظرية المعرفة عندهم صادرة عن موقف أصلي‪ ،‬كما هو المرجح عند الباحثين‪ ،‬أم‬

‫‪56‬‬
‫ناتجة عن رد فعل قوي وعنيف على ما جاءت به فلسفة اإلغريق فان آراءهم في هذا الموضوع‬
‫تتصف بالطرافة والعمق‪.‬‬
‫استمد الصوفية نظريتهم من القرآن الذي جمع بين المعرفة العقلية والمعرفة النفسية في‬
‫قوله تعالى ‪(( :‬وفي األرض آيات للموقنين ‪ .‬وفي أنفسكم‪ ،‬أفال تبصرون)) (الذاريات ‪)21/20‬‬
‫فهم يعتمدون قبل كل شيء على المعرفة التي في أنفسهم والتي تمكنهم من إدراك األشياء عن‬
‫طريق الذوق أو العين المباشر وهو ضرب من اإللهام والكشف الذي يأتي مؤيدا لما جاء به الوحي‬
‫اإللهي‪.‬‬
‫والموضوع االسمى لهذه المعرفة الصوفية هو هللا سبحانه وتعالى والتسليم بوجوده بوحدانيته‪.‬‬
‫وتتم المعرفة‪ ،‬عندهم‪ ،‬بواسطة القلب الذي يعرف هللا والروح التي تحبه وتعشقه والسر الذي يتأمل‬
‫في ملكوته البارئ‪ ،‬فاإلنسان ال يعرف هللا بالحواس ألنه غير مادي وال بالعقل الن العقل مقيد‬
‫بقوانين تضعف من فاعليته وتحدد مداه لذلك فهو عاجز عن إدراك الحقيقة في ذاتها‪.‬‬
‫أما الصوفية فانهم عن طريق الكشف واإللهام ينتهون الى المعرفة المباشرة هلل وملكوته‪ .‬وعبر عن‬
‫هذا الموقف احد كبار الصوفية وهو جالل الدين الرومي مخاطباً أنصار النزعة العقلية‪:‬‬
‫(انتم تسمعون اسمه اذهبوا فابحثوا عن حقيقة المسمى) ال تنظروا إلى القمر في الماء بل إلى القمر‬
‫في السماء‪ .‬وأول خطوة عندهم في المعرفة هي معرفة االنسان نفسه‪.‬‬
‫وعلى ضوء هذه المبادئ استطاع الصوفية أن يهذبوا نفوس الناس ليتحكموا في غرائزهم وينظموا‬
‫مطامعهم ويعلوا اندفاعاتهم الجسدية واثروا االدب بأشعار وجدانية على غاية في الرقة وسمو‬
‫اإلحساس وعلى غاية من العمق لما تضمنته من رموز وإشارات‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬فلسفة العلم‪:‬‬
‫العالقة ى‬
‫بي الفلسفة والعلم‬
‫نشأ كل من الفلسفة والعلم وكأنهما موضوع واحد ال حدود وال فواصل بينهما‪ ،‬وظل‬
‫متمي أو مستقل عن الفلسفة وال الفلسفة عن العلم طوال قرون طويلة‪ ،‬فقد كانت‬
‫غي ر‬‫العلم ر‬
‫ّ‬ ‫تشي إىل كل من ى‬
‫التفكي‬
‫ر‬ ‫كلمت فلسفة وعلم عىل حد سواء‪ .‬وهكذا فإنه يف بداية‬
‫ي‬ ‫كلمة حكمة ر‬
‫الفلسق المنظم‪ ،‬الذي وصل من تراث اليونان‪ ،‬كان الفيلسوف هو من يبحث يف مسألة الوجود‬
‫ي‬
‫والعالم‪ ،‬وينظر يف الموجودات الطبيعية وخصائصها‪ ،‬من عنارص وأجسام وأجرام سماوية‪،‬‬
‫ويبحث يف الكائنات الحية وصفاتها‪ ،‬مثلما هو الذي يبحث يف اإلنسان جسما وروحا ونفسا‪،‬‬
‫ُ‬
‫وف المجتمع نظما ودولة ومؤسسات‪.‬‬
‫محاوالمعرفة حقيقته‪ ،‬ي‬

‫‪57‬‬
‫بالفيياء والفلك والرياضيات وعلم النفس‪ ،‬منضوية تحت لواء‬
‫ر‬ ‫كانت العلوم الخاصة‬
‫الفلسفة‪ .‬وهذا هو ِّ‬
‫الش يف أن الفالسفة القدام كانوا علماء‪ ،‬فكانت أفكارهم تشتمل عىل مباحث‬
‫فلسفية ومباحث علمية عىل حد سواء‪.‬‬
‫ًّ‬
‫وفلكيا وكذلك كان‬ ‫كان طاليس (‪ 547-640‬ق‪.‬م)‪ ،‬وهو أول فالسفة اليونان‪ ،‬مهندسا‬
‫ًّ‬
‫رياضيا بارزا‬ ‫الفالسفة الذين جاءوا بعده‪ ،‬من أمثال فيتاغورس (‪ 500-582‬ق‪.‬م) الذي كان‬
‫وفيلسوفي‬
‫ر‬ ‫عالمي‬
‫ر‬ ‫وفيلسوفا‪ ،‬وكذلك أفالطون وأرسطو‪ ،‬وهما من أبرز فالسفة اليونان‪ ،‬كانا‬
‫حت عرصهم‪ .‬فقد ساهم أرسطو يف‬ ‫الت كانت معروفة ى‬ ‫ى‬
‫موسوعيي‪ ،‬عالجا جميع فروع المعرفة ي‬
‫ر‬
‫كالفيياء‪،‬‬
‫شت فروع العلم ر‬‫تقدم العلوم وتصنيفها وتحديد موضوعاتها‪ ،‬وله مؤلفات فلسفية ف ى‬
‫ي‬
‫وعلم الكون‪ ،‬وعلم الفلك وعلم اآلثار العلوية والظواهر الجوية‪ ،‬وعلم األحياء من حيوان ونبات‪.‬‬
‫المسلمي من أمثال‬
‫ر‬ ‫واستمرت العلوم عىل أنها فرع من فروع الفلسفة‪ ،‬عند الفالسفة‬
‫وغيهم‪ ،‬وكذلك عند فالسفة العصور الوسىط‬
‫ان)‪ ،‬و(ابن سينا) و(ابن رشد)‪ ،‬ر‬
‫(الكندي) و(الفار ي‬
‫اإلنجليي‬
‫ر‬ ‫األكويت (‪1274-1225‬م) الذي جاء بعده الفيلسوف‬
‫ي‬ ‫األوروبيي‪ ،‬من أمثال توما‬
‫ر‬ ‫من‬
‫الطبيىع عن طريق منهج المالحظة والتجربة (‪-1214‬‬
‫ي‬ ‫روجر بيكون الذي اهتم بدراسة العالم‬
‫إنجليي آخر هو فرانسيس‬
‫ر‬ ‫‪1294‬م)‪ ،‬ثم تجددت الدعوة إىل األخذ بهذا المنهج عىل يد فيلسوف‬

‫نشاط‪ :‬بالرجوع إىل الشبكة العنكبوتية أو إىل أي من المراجع ىف المكتبة‪ ،‬ى‬


‫بي كيف أن أحد‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المسلمي كان عالما وفيلسوفا ى يف الوقت ذاته‪.‬‬
‫ى‬ ‫الفالسفة العرب –‬

‫ان القائم عىل المالحظة والتجربة‪،‬‬


‫بيكون (‪ ،)1626-1561‬الذي دعا إىل األخذ بالمنهج االستقر ي‬
‫وهو المنهج الذي أحرز نجاحا كبيا بعد ذلك‪ ،‬ونتج عن تطبيقه تقدم كبي ُ‬
‫ومستمر يف العلوم‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الفرنس المعارص لروجر‬
‫ي‬ ‫الطبيعية التجريبية‪ .‬ثم ظهر ديكارت (‪1650-1596‬م) الفيلسوف‬
‫وقدم منهجا جديدا للفلسفة والعلوم يشبه منهج الرياضيات‪ .‬لكن ى‬ ‫ّ‬
‫اقيان العلم مع‬ ‫بيكون‪،‬‬
‫ا‬
‫مستمرا ى‬
‫حت عرص ديكارت‪ ،‬فهو الذي قال "الفلسفة أشبه بشجرة بذورها‬ ‫ى‬
‫بق مع ذلك‬
‫الفلسفة ي‬
‫الزمت‬
‫ي‬ ‫الفيياء‪ ،‬وفروعها الطب والميكانيكا واألخالق"‪ .‬وهكذا فمع البعد‬
‫الميتافييقا وجذعها ر‬
‫ر‬
‫الشاسع ربي أفالطون وديكارت‪ ،‬استمرت العلوم يف عرص ديكارت فروعا من الفلسفة‪.‬‬

‫كبي يف العلوم الطبيعية‪ ،‬نتيجة استخدام المنهج المالئم لموضوعاتها‪ ،‬ما‬


‫حصل تقدم ر‬
‫جعل هذه العلوم تنفصل عن الفلسفة الواحد تلو اآلخر‪ ،‬فقد أدخلت طريقة المالحظة والتجربة‬

‫‪58‬‬
‫والفرضية والتحقق يف مجال العلوم يف العصور الحديثة‪ .‬فانفصل أول ما انفصل علم الفلك عىل‬
‫يد غاليليو (‪ ،)1942-1564‬ولحقت به الكيماء عىل يد الفوازييه (‪1794-1743‬م) فعلم األحياء‬
‫عىل يد كلود برنارد (‪1878-1813‬م) فعلم الطب‪.‬‬
‫لم يقف األمر عند العلوم الطبيعية‪ ،‬بل تعداها إىل العلوم االجتماعية واإلنسانية حيث‬
‫استقل علم االقتصاد عىل يد آدم سميث (‪1790-1823‬م)‪ ،‬وعلم االجتماع عىل يد أوغست‬
‫العرن ابن خلدون (‪1406-1332‬م) قد وضع‬
‫ي‬ ‫كونت (‪1857-1798‬م)‪ ،‬وكان المؤرخ والعالم‬
‫أسس هذا العلم وقواعده ومنهجه وحدد موضوعه‪ ،‬كما تبعه بعد ذلك علم النفس‬
‫ى‬
‫الت نعرفها‬ ‫ى‬ ‫ر‬
‫وغيها من العلوم ي‬
‫واألنيوبولوجيا (علم اإلنسان)‪ ،‬وعلوم اليبية والسياسة والقانون‪ ،‬ر‬
‫اليوم‪.‬‬
‫حي انفصلت العلوم عن الفلسفة ظن بعض المفكرين وعىل رأسهم أوغست كونت‬ ‫ر‬
‫الوضىع بشكل عام‬ ‫وغيه من أصحاب االتجاه‬ ‫عالم االجتماع المعروف ف القرن التاسع ر‬
‫عش‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫والوضعية المنطقية بشكل خاص؛ ظنوا أن الفلسفة لم يعد لها موضوع تبحث به‪ ،‬وال بد لها أن‬
‫غي أن هذه النظرة‬ ‫ى‬
‫الت أصبحت من اختصاص العلم وحده‪ ،‬ر‬
‫تكف عن مجال البحث والمعرفة ي‬
‫المتخصصي يف‬
‫ر‬ ‫إىل الفلسفة لم تلق استجابة إال من العدد القليل من الفالسفة‪ ،‬ومن العلماء‬
‫مجاالت مختلفة‪ ،‬فواصلت البحث يف المسائل األساسية للوجود واألخالق والسياسة والقانون‬
‫الت أخذت تفرضها‬ ‫ى‬
‫اإلنسان‪ ،‬بل ونجد أن المسائل والقضايا الفلسفية ي‬
‫ي‬ ‫والمصي‬
‫ر‬ ‫والمجتمع‬
‫ى‬
‫االخياعات العلمية والتكنولوجية واألبحاث الحيوية تتشعب‪ ،‬والبحوث الفلسفية المرافقة‬
‫يعت أن للفلسفة دورا‬ ‫ى‬
‫تيايد‪ ،‬والنقاشات الفكرية ربي األنظمة االجتماعية المختلفة تشتد‪ ،‬وهذا ي‬
‫ًّ‬
‫عقالنيا‪.‬‬ ‫اإلنسان باعتباره نشاطا‬ ‫ًّ‬
‫مهما وفعالية مالزمة للنشاط‬
‫ي‬
‫إن العلم والفلسفة عىل ما بينهما من فروق واختالف بعد استقاللهما عن بعضهما‪ ،‬لكن‬
‫غرضهماواحد‪ ،‬هو الوصول إىل الحقائق والكشف عنها‪ ،‬ويمكن إجمال بعض الفروق الرئيسية‬
‫ى‬
‫يأن‪:‬‬
‫ربي العلم والفلسفة كما ي‬
‫‪ -‬من حيث نقطة بداية كل منهما يف البحث يف الظواهر واألشياء‪.‬‬
‫‪ -‬من حيث موضوعات البحث‪.‬‬
‫‪ -‬من حيث المنهج المتبع عند كل منهما‪.‬‬
‫ى‬
‫‪ -‬من حيث النتائج ي‬
‫الت يصل إليها كل منهما‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫من حيث نقطة البداية‪ ،‬فالعلم يبدأ يف البحث يف الظواهر العامة المحسوسة والوقائع‬
‫الطبيىع‪ ،‬إذ إن‬
‫ي‬ ‫الجزئية‪ ،‬فموضوع العلم هو دراسة الوقائع الفردية أو الظواهر الجزئية من العالم‬
‫كل علم من العلوم المعروفة اليوم يختص بجزء من هذه الظواهر‪.‬‬
‫أما الفلسفة فال تركز عىل الظواهر الجزئية فقط‪ ،‬ولكنها تتخذ من هذه الوقائع الجزئية‬
‫تفسي مبادئ األشياء وفهم أصولها‬‫ر‬ ‫موضوعا للبحث المعمق بغرض الوصول إىل‬
‫ا‬
‫وأسسهاوالواقعأن كًّل من العلم والفلسفة يستفيد أحدهما من اآلخر‪ ،‬فتأمالت الفالسفة‬
‫ى‬
‫الت يدرسونها‪.‬‬
‫وتفسيهم للظواهر الطبيعية ي‬
‫ر‬ ‫كثيا ما أفادت العلماء يف فهمهم‬
‫وأسئلتهم ر‬
‫وبالمقابل فإن الفلسفة تقوم بتوظيف نتائج العلوم والنظريات العلمية يف تحليالتها‪.‬‬
‫وقد بلغ هذا التوظيف للعلم ذروته يف العرص الحديث‪ .‬وظهرت تيارات فلسفية مثل‬
‫الوضعية التقليدية والوضعية المنطقية والفلسفة الياغماتية‪ ،‬والفلسفة التحليلية‪،‬‬
‫والفلسفة الماركسية‪ ،‬والواقعية الجديدة‪ ،‬وهذه جميعها استفادت من العلم ونتائجه‪،‬‬
‫وجميعها تيارات تركز عىل الواقع وتنطلق منه‪.‬‬
‫أما من حيث المنهج‪ ،‬فالفلسفة تنطلق من النظرة الكلية والشاملة للظواهر‪ ،‬وال يزال‬
‫التفسيات القريبة للظواهر الجزئية‪ ،‬بل يتجاوزها إىل البحث‬
‫ر‬ ‫الفيلسوف ال يتوقف فقط عند‬
‫يف العلل واألسباب البعيدة لحدوث الظواهر‪.‬‬
‫ً‬
‫فرقا من الفروق ى‬
‫بي الفلسفة والعلم بعد انفصالها‬ ‫راشح بلغتك‬

‫أهمية فلسفة العلم‪:‬‬


‫الكبي الذي أحدثته العلوم الطبيعية الحديثة وتطبيقاتها‬
‫ر‬ ‫من الصعوبة بمكان إنكار التحول‬
‫ر‬
‫يكق أن تقارن ربي إمكانيات‬‫العملية يف حياة البش حول العالم خالل القرون القليلة الماضية‪ .‬ي‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫قرن من الزمن‪،‬وأن تتأمل كيف أن بيننا أناس يعيشوناليوم‬
‫البش التقنية اليوم‪،‬وما كانت عليها قبل ٍ‬
‫الطيان عي المحيطات‪ ،‬أو‬
‫كانوا قد ولدوا يف عالم لم تكن فيه السيارات مألوفة‪ ،‬ناهيك عن ر‬
‫ّ‬
‫البعثات الفضائية‪،‬أو عالم كانت فيه االتصاالت السلكية بدعة جديدة‪ ،‬أضف إىل ذلك بأنكيى‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫العواصم أضيئت بقناديل غاز الفحم‪ ،‬فضال عن أن الحروبكانتتخاض باستخدام السيوف‬
‫ّ‬ ‫الت ُت ّ‬
‫عبأ بملح البارود األسود‪ ،‬وقد تؤدي إصابة بسيطة بجرح ملتهب إىل‬ ‫ى‬
‫واألسلحة النارية ي‬
‫يبي العضو المصاب‪.‬‬ ‫الموت إن لم ى‬

‫‪60‬‬
‫الكبي الذي طرأ ف قدرة ر‬
‫البش عىل التنبؤ‬ ‫ر‬ ‫هذه المقارنة السهلة تظهر بوضوح التطور‬
‫ي‬
‫وبالتاىل قدرتهم عىل استغاللها يف تطبيقات تقنيةعملية‪.‬‬
‫ي‬ ‫بسلوك الظواهر الطبيعية‪،‬‬
‫ولكنها‪،‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬تظهر أن أثر العلم وتطبيقاته عىل المجتمعات ر‬
‫البشية كان‪ ،‬وما يزال‪،‬‬
‫وعالج لألمراض؛ فالتطبيقات العلمية‬ ‫وتيسي لالتصاالت‬ ‫تسهيل للمواصالت‬ ‫أكي من مجرد‬‫ر‬
‫ٍ‬ ‫رٍ‬ ‫ٍ‬
‫البشية ليس فقط ضمن المجتمع الواحد‪ ،‬بل وب ري المجتمعات‬ ‫غيت بشكل جذري العالقات ر‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫غيات كلها ال تحىط برض الجميع‪ ،‬بل إن هناك‬
‫الجىل كذلك بأن هذه الت ر‬
‫ي‬ ‫المختلفة‪ .‬ومن الواضح‬
‫للبش والكوكب الذي يحتضنهم‪ .‬وال‬ ‫ً‬
‫علىأذى ر‬ ‫شبه إجماع عىل أن بعض هذه التطبيقات ينطوي‬
‫نعتقد بأنك‪،‬عزيزي القارئ‪ ،‬ستعدم أمثلة عىل تطبيقات علمية إشكاليةذات آثار جانبية ضارة‪:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫انتهاء برقابة‬ ‫مناح‪ ،‬وطعام مصنع‪،‬وليس‬‫ي‬ ‫وتغي‬
‫ر‬ ‫بيت‪،‬‬
‫دمارشامل‪ ،‬مرورا بتلوث ي‬‫ٍ‬ ‫من أسلحة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشخصية لألفراد‪.‬‬ ‫متطفلة عىل الحياة‬

‫الت ّ‬‫التغيات تحديا ثقافيا للمجتمعات ى‬ ‫ّ‬


‫تمرب ها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫هذه‬ ‫ل‬‫تشك‬ ‫فليس من المستغرب إذا أن‬
‫والمحتملة؛ف نفس الوقت الذي تلحظ فيه‬
‫ي‬ ‫وأن يهجس األفراد بمخاوفهم من مخاطرها الواقعة‬
‫ى‬
‫الت تمسك‬ ‫ى‬
‫الت يمنحها العلم لألفراد والمجتمعات ي‬
‫تسخي الطبيعة ي‬
‫ر‬ ‫انبهارا بالمقدرة المذهلة عىل‬
‫زمامه‪.‬‬

‫لماذا العلم؟‬

‫الخمسي سنة الماضية والذي‬


‫ر‬ ‫بالرغم من التطور العلم الهائل الذي تحق ر‬
‫للبشية خالل‬ ‫ي‬
‫السني‬
‫ر‬ ‫يمكن أن يضاه مئات المرات للتطور العلم منذ بدأ التاري خ ر‬
‫البشي إىل ما قبل هذه‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫الكثي من البش يف العالم‬
‫ر‬ ‫الخمسي‪ ،‬إال أن اليعة الغيبية ما زالت متحكمة ومحتكمة يف عقول‬
‫ر‬
‫الغيت يصبح‬
‫ي‬ ‫العرن عىل وجه الخصوص‪ .‬وانطالقا من هذه التمكن للفكر‬ ‫ي‬ ‫وف الوطن‬‫أجمع ي‬
‫السؤال عن رصورة العلم ميرا ورصوريا وتصبح الحاجة لتعميم أسس العلم ومنهجياته من أوىل‬
‫أولويات الثقافة العلمية‪.‬‬

‫لماذا العلم؟ نقول أن العلم هو الرافعة االجتماعية األساسية نحو الخروج من التخلف‬
‫غيت عن‬
‫تفسي ي‬‫ر‬ ‫الكثي من الشعوب‪ .‬العلم هو القدرة عىل تجاوز إعطاء‬
‫والجهل الذي عانت منه ر‬
‫التفسيات والنظريات والمناهج‬ ‫ى‬
‫الحقيق‪ .‬أي أن العلم هو جملة‬ ‫سء يحدث يف العالم‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫ظاهرة أو ي‬
‫لتفسي أو للتعرف عىل خصائص موجودات الطبيعة من ظواهر وكائنات‬ ‫ر‬ ‫الت يقدمها ر‬
‫البش‬ ‫ى‬
‫ي‬

‫‪61‬‬
‫تفسي اإلنسان وعالقاته‬
‫ر‬ ‫وعالقات ربي هذه الكائنات أو الظواهر‪ ،‬والعلم هو أيضا القدرة عىل‬
‫وممارساته بما يتناسب مع المنطق والعقل وبما ينسجم مع الواقع‪ .‬ويمكن أن نجمل مدى العلم‬
‫التفسيات لظواهر المستوى‪،‬‬
‫ر‬ ‫العلم للمعرفة هو المستوى الذي تكون‬
‫ي‬ ‫بالقول بأن المستوى‬
‫طبيعية كانت أم إنسانية‪ ،‬ال بد أن تكون من مكونات هذا المستوى عينه وأن ال تتعداه إىل‬
‫ميتافييقية أو غيبية‪.‬‬
‫ر‬ ‫مستويات‬

‫تفسي سبب هطول األمطار نقول أن بخار الماء قد تكاثف يف طبقات‬


‫ر‬ ‫أي عندما نحدد‬
‫التفسي كلها من مكونات الطبيعة‪:‬‬ ‫ى‬
‫الت هطلت بالمطر‪ .‬هنا مكونات‬
‫ر‬ ‫الجو العليا فشكل الغيوم ي‬
‫الماء‪ ،‬بخار الماء‪ ،‬طبقات الجو العليا‪ ،‬التكاثف‪ ،‬الغيوم‪ ،‬هطول المطر‪ .‬ولذلك نستطيع أن نقول‬
‫التفسي كما تحدده األسطورة اإلغريقية‬
‫ر‬ ‫علم‪ .‬لكن إن كان‬
‫ي‬ ‫تفسي‬
‫ر‬ ‫التفسي المقدم هنا هو‬
‫ر‬ ‫أن‬
‫التفسي ال يمكن أن‬
‫ر‬ ‫والقائلة بأن المطر والرعد واليق هم غضب زيوس عىل أخطاء ر‬
‫البش فهذا‬
‫يكون علميا‪ ،‬ألننا ال يمكننا أن نيهن عليه بالتجربة أو بدالالت طبيعية تؤكده‪ ،‬بل عىل العكس‪،‬‬
‫الدالالت الطبيعية ترفض هذا المنطق‪.‬‬

‫وغيها‪ ،‬فهذه‬
‫ونسحب هذا التعريف عىل رفض الخزعبالت من قراءة الطالع والتنجيم ر‬
‫الطرق بالرغم من إدعاء أصحابها بأنهم يصلون إىل معلوماتهم عن طريق دراسة دقيقة لألفالك‬
‫وغيها من المحاوالت‬
‫وحسابات فلكية دقيقة مرتبطة بلحظة الوالدة والنجوم يف فلك الفرد ر‬
‫إلضفاء لغة علمية عىل غيبيات جاهلة‪ ،‬ال يمكن معها أن نقبل بتسمية هذا النوع من التبرص عىل‬
‫وحت لو لم نأخذ بالقول المأثور "كذب المنجمون ولو‬‫ى‬ ‫أنه "علم األبراج" أو "علم التنجيم"‪.‬‬
‫مبت عىل أي أسس من داخل الطبيعة وال‬ ‫ى‬
‫غي ي‬ ‫صدقوا" فإن ما يقدمه هؤالء محض افياضات ر‬
‫تفسيه من داخل الطبيعة ولذلك فهم ال ينكرون بأنهم يعملون يف "علم الغيب"‪.‬‬
‫ر‬ ‫يمكن تييره أو‬

‫تفسي الظواهر مستخدما حقائق الطبيعة وهو‬


‫ر‬ ‫غي قدرته عىل‬
‫وللعلم خاصية أساسية ر‬

‫قدرته عىل التنبؤ‪ ،‬والتنبؤ هنا يختلف جذريا عن التنبؤ يف التنجيم‪ .‬ي‬
‫فق التنجيم ال يمكن للفرد‬
‫أن يتحقق من خالل التجربة والممارسة أن ما يتنبأ به المنجم هو تنبؤ صحيح‪ .‬لكن يف العلم‬
‫التنبؤ هو عملية علمية يمكن التحقق منها من خالل التجربة‪ .‬فإذا درس عالم طبقات الجو‬
‫الصورة الجوية يستطيع بدقة عالية جدا أن يحدد ما إذا كان الجو سيكون ماطرا غدا أم صحوا‪،‬‬
‫مبت عىل حقائق ملموسة‬
‫واثقي أن التنبؤ الذي يقدمه العالم ي‬
‫ر‬ ‫وف هذه الحالة نستطيع أن نكون‬
‫ي‬

‫‪62‬‬
‫وعىل قواني ودراسة لظواهر طبيعية محددة‪ .‬ويمكن أيضا أعطاء مثال ر‬
‫أكي سهولة بأن يتنبأ‬ ‫ر‬
‫العالم أنه إذا وضعنا ىلي من الماء عىل موقد قوته محددة فإن الماء سيصل إىل درجة الغليان بعد‬
‫خمسة دقائق‪ .‬وبالفعل عند قياس الوقت المحدد للغليان يحقق التنبؤ‪.‬‬

‫يعىط عموميات فارغة كأن يقول أحدهم‪:‬‬


‫ي‬ ‫المنجمي والذي‬
‫ر‬ ‫وهذا يختلف عن التنبؤ لدى‬
‫سنتي‪ ،‬عقدين‪ ،‬وقد‬
‫ر‬ ‫أسبوعي‪ ،‬شهرين‪،‬‬
‫ر‬ ‫يومي‪،‬‬
‫اإلشارتي ر‬
‫ر‬ ‫أشارتي‪ .‬وهنا قد تكون‬
‫ر‬ ‫ستسافر بعد‬
‫شارتي هذه‪ .‬لكن ال يكون التحقق حدث عن طريق قياس منظم لتجربة‬ ‫معان اإل‬ ‫تتحقق ر‬
‫لكية‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫محددة ممكنة التكرار ر‬
‫ألكي من مرة كما يفرض العلم عىل نظرياته أن تحقق‪.‬‬

‫وإمكانية التنبؤ هذه دفعت العلم نحو آفاق جديدة ومكنتنا من الوصول إىل العديد من‬
‫الفيياء‬
‫قواني ر‬ ‫ى‬
‫الت تشكل مكونات العلم الحديث‪ .‬فالتنبؤ هو من أوصلنا إىل‬
‫ر‬ ‫النظريات المهمة ي‬
‫ى‬
‫الت تعيننا يف حياة الرفاهية يف عالم اليوم‬
‫المعروفة اليوم وهو الذي ساعدنا عىل صناعة اآلالت ي‬
‫وغيها من منجزات العلم الحديث‪.‬‬
‫من تلفاز وراديو وثالجة وسيارة وطيارة ر‬

‫األساس للفصل ربي العلم والخزعبالت هو أن العلم يعتمد يف مكوناته عىل هذا‬
‫ي‬ ‫فالحكم‬
‫العالم ومنتجاته بينما الخزعبالت تعتمد يف جزرها عىل مكونات أو اعتقادات من خارج هذا‬
‫العالم‪.‬‬

‫نشاط‪ :‬لماذا يمكن القول بأن التنبؤ أحد خواص العلم؟ رأشح‬

‫ى‬
‫بي العلم والالعلم‬

‫علم وما هو ليس بعلم؟ هل يمكنك وضع معيار للعلم؟ ما هوهذا‬ ‫كيف يمكن التفريق ى‬
‫بي ما هو‬
‫ي‬
‫المعيار؟‬
‫ه تعريف العلم‬
‫ي‬ ‫والمجتمع‬ ‫العلم‬ ‫بي‬
‫ر‬ ‫العالقة‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫المنطقية‬ ‫البدء‬ ‫نقطة‬ ‫تكون‬ ‫وقد‬
‫الكثيون العلم عىل أنه نشاط منظم من‬
‫ر‬ ‫وتحديد االختالف ربي العلم والال‪-‬علم‪ .‬يعرف‬
‫تفسييا تييريا لتوضيح‬
‫ر‬ ‫االستكشاف يراد منه الوصول إىل حقيقة ما‪ .‬ويتضمن العلم هدفا‬
‫وبالتاىل ال يمكننا‬
‫ي‬ ‫األسباب الكامنة وراء الظواهر الطبيعية‪ .‬ولكن هذه ر‬
‫الميات ال تنحرص بالعلم‬
‫أن ى‬
‫نليم بها فقط أذا ما أردنا توضيح معت العلم‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫أذن فال بد من تحديد وتوضيح هذا التعريف‪ .‬ي‬
‫ولك نستطيع القيام بذلك فال بد لنا أن‬
‫نوضح حدود العلم وموضوعه لك نستطيع أن ى‬
‫نليم بمخرجاته‪ .‬نقول إن حقل تطبيق العلم هو‬ ‫ي‬
‫غي ر‬
‫مبارس‪.‬‬ ‫العالم الطبيىع‪ ،‬حيث يمكن التحقق من صدق مقوالت العلم إما بشكل ر‬
‫مبارس أو ر‬ ‫ي‬
‫وبالتاىل فإن كل ما يتعلق بموضوعات ما وراء الطبيعة من غيبيات أو ماورائيات‪ ،‬أو قضايا إيمانية‬
‫ي‬
‫الطبيىع تندرج كلها يف فلك االعتقادات وتخرج من فلك‬
‫ي‬ ‫ال يمكن التحقق منها عىل المستوى‬
‫العلم‪.‬‬

‫الت يقدمها ر‬
‫البش‬ ‫ى‬ ‫وبذلك يكون معت العلم‪ :‬هو جملة‬
‫التفسيات والنظريات والمناهج ي‬
‫ر‬
‫الطبيىع من ظواهر وكائنات وعالقات ربي‬
‫ي‬ ‫لتفسي أو للتعرف عىل خصائص موجودات العالم‬
‫ر‬
‫هذه الكائنات أو الظواهر‪.‬‬

‫السؤال األول الذي يتبادر للذهن بعد اإلقرار بهذا التعريف هو لماذا يمكن اعتبار بعض‬
‫تفسيات ونظريات يمكن قبولها عىل أنها نظريات‬
‫ر‬ ‫الطبيىع‬
‫ي‬ ‫التفسيات والنظريات عن العالم‬
‫ر‬
‫كثي من النظريات‬
‫علمية بالرغم من غرابتها وعدم انسجامها مع الحس العام‪ ،‬بينما يحكم عىل ر‬
‫الطبيىع عىل أنها نظريات ال علمية؟ فقارئو األبراج يقولون إنهم‬ ‫ى‬
‫لت تتعامل مع العالم‬
‫ي‬ ‫األخرى ا ي‬
‫لم يصلوا إىل القدرة عىل معرفة الطالع واألبراج إال بعد دراسة طويلة ألرسار "علم األبراج" كما‬
‫يسمونه‪ .‬وهم يقولون إن استنتاجاتهم مبنية عىل حسابات دقيقة لعالقة الكواكب والنجوم‬
‫مبت عىل نظريات‬ ‫وبالتاىل فإن ما يقدمونه من معلومات ي‬
‫ي‬ ‫واألفالك بيوم وساعة ميالد الفرد‪،‬‬
‫ومعلومات ودراسات وليس مبنيا عىل محض ى‬
‫افياضات‪ .‬وبالرغم من هذا كله فإن قراءة األبراج‬
‫المنجمي بها من استخدام للكمبيوتر والتكنولوجيا الحديثة‬
‫ر‬ ‫ليست علما ومهما تطورت أساليب‬
‫ى‬
‫سيبق هذا الشكل من البحث خارج إطار العلم‪.‬‬

‫وعىل الطرف اآلخر للمعادلة وإىل اليوم‪ ،‬وعىل الرغم من معرفتنا الدقيقة بخطأ النظرية‬
‫الت قدمها عالم البيولوجيا المارك الذي عاش ف القرن التاسع ر‬
‫عش حول إمكانية توريث الصفات‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫المكتسبة‪ ،‬إال أننا ما زلنا نعتقد أن المارك عالم بيولوجيا مهم‪ ،‬وأن نظريته بالرغم من خطئها ما‬
‫زالت تعتي بأنها نظرية علمية أثبت فشلها‪.‬‬

‫ى‬
‫المثالي؟‬ ‫وبالتاىل فما هو الذي يفرق ى‬
‫بي هذين‬ ‫ي‬

‫‪64‬‬
‫ى‬
‫الت يقدمها كل منهما‪ ،‬فبينما‬
‫األساس هو يف إمكانية التحقق من صدق التنبؤات ي‬
‫ي‬ ‫الفارق‬
‫تعطينا إمكانية التنبؤ يف العلم نتائج دقيقة عما يمكن أن يحدث يف المستقبل ويمكننا أن نكون‬
‫يقي بأن ما تقوله لنا النظريات العلمية عن المستقبل بأنه سيحدث ال محالة‪ ،‬بينما ال‬
‫عىل ر‬
‫ى‬
‫الت يقدمها لنا المنجمون‪ .‬فعىل الرغم من أنهم يستطيعون أن‬
‫نستطيع أن نركن إىل التنبؤات ي‬
‫ً‬
‫وبالتاىل أن يصدقوا‬
‫ي‬ ‫تفسيها عىل نحو مختلف لكل شخص‪،‬‬
‫ر‬ ‫يقدموا جمال فضفاضة يمكن أن يتم‬
‫تفسي آخر‪ ،‬إال أننا ال يمكننا أن نعتمد عىل التنبؤات‬
‫ر‬ ‫تفسي أحدهم بينما يكذبوا بحسب‬
‫ر‬ ‫بحسب‬
‫ى‬
‫الت يقدمونها‪.‬‬
‫ي‬

‫يف العلم نستطيع أن نقول بأن الماء سيتبخر عند درجة ‪ 100‬مئوية‪ ،‬ونحن نثق أن هذا‬
‫سيحدث بالفعل عندما تصل درجة حرارة الماء إىل ‪ ،100‬بينما عندما يقول منجم أن "أمامك‬
‫إشارتي"‪ ،‬فهذا وعىل الرغم من أنه يمكن أن يصدق لعموميته الشديدة (فاإلشارتان‬
‫ر‬ ‫سفر عىل بعد‬
‫لكثي‬
‫وبالتاىل فإنه من الممكن ر‬
‫ي‬ ‫سنتي‪ ،‬عقدين‪،.... ،‬‬
‫ر‬ ‫أسبوعي‪ ،‬شهرين‪،‬‬
‫ر‬ ‫يمكن أن تكونا‪ :‬ر‬
‫يومي‪،‬‬
‫من الناس أن تصدق معهم التنبؤ)‪ ،‬ولكن مثل هذا التنبؤ بعيد عن أن يكون تنبؤا علميا‪ .‬فنحن‬
‫وف العلم ال مجال للتأويل بل يجب أن يكون‬ ‫ى‬
‫ال نستطيع أن ندرك بالضبط مت سيحدث السفر‪ ،‬ي‬
‫هناك حكم واضح حول النتيجة الممكنة للتنبؤ‪.‬‬

‫ولوال إمكانية التنبؤ هذه لفشلنا يف الوصول إىل ما وصلنا إليه من علم وتكنولوجيا‪:‬‬
‫ستطي قبل أن‬
‫ر‬ ‫لتطي‪ ،‬ونحن نعرف أنها‬
‫قواني الميكانيكا والموائع ر‬
‫ر‬ ‫فالطائرات بنيت اعتمادا عىل‬
‫ى‬
‫ستبق تعمل ما لم تخدش أو تستهلك‪ ،‬ونعرف‬ ‫تحلق يف الفضاء‪ ،‬كما أننا نعرف أن البطاريات‬
‫كيف نصنع التلفاز والكمبيوتر والسيارة ونعرف ما ينفع من عالج لمعظم األمراض ونعرف‬
‫ونعرف‪...‬‬

‫وعىل الرغم من قولنا هذا فإن العلم الحديث‪ ،‬وخاصة ميكانيكا الكم تفشل يف أن تحقق‬
‫الكالسيك له بل إن التنبؤ يف ميكانيكا الكم يحتكم لمبدأ الالتحديد‬ ‫هذا ر‬
‫الشط يف العلم بالمعت‬
‫ي‬
‫متوافقتي كالزخم أو الموقع‪ ،‬الزمن أو‬
‫ر‬ ‫كميتي‬
‫ر‬ ‫والذي يقر بإمكانية معرفة النتيجة لواحدة من‬
‫ى‬
‫الت فشت ظواهر‬ ‫الطاقة‪ ،‬وهكذا‪ ..‬وبالرغم من ذلك فإننا نعتي ميكانيكا الكم من أدق النظريات ي‬
‫الطبيعة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫تفسيات عن ظواهر‬ ‫ى‬
‫يبق أن نؤكد بأن الال‪-‬علم يرتبط بكل ما هو اعتقادي وبكل ما يقدم‬
‫ر‬
‫هذا العالم تعتمد عىل مكونات أو اعتقادات خارجة عن هذا العالم‪ ،‬وال يمكننا أن نتحقق من‬
‫صحتها مهما حاولنا أن نفعل‪ :‬كالتنجيم‪ ،‬وقراءة الطالع‪ ،‬والخرافة‪ ،‬واألشباح‪ ،‬ر‬
‫وغي ذلك من‬
‫خزعبالت‪.‬‬

‫وعليه نعود إىل السؤال‪ :‬لماذا العلم؟ سؤال قد يخاله البعض نوعا من السباحة يف اللغة‬
‫ومفاهيمها‪،‬أو نوعا من التالعب باألفكار لوضع إجابة لسؤال ال يحتاج إىل إجابة‪ ،‬فهو مثبت بذاته‬
‫فق عالم فكر ما بعد الحداثة الذي يؤكد‬ ‫وبالتاىل ال يحتاج ألن يفكر به‪ .‬لكن الحقيقة ر‬
‫غي ذلك‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫المنتشة يف سائل ما‪،‬‬ ‫ه السائدة اليوم ليس فقط عىل مستوى الجسيمات الدقيقة‬
‫أن الفوض ي‬
‫العقالن‪ .‬فما بعد الحداثة تريد أن تقنعنا بأن العلم ر‬
‫غي قادر عىل‬ ‫ي‬ ‫وإنما أيضا عىل مستوى التيير‬

‫أن يقدم لنا حقائق يمكن الوثوق بها عن هذا الكون‪ .‬وبما أن الفوض ي‬
‫ه السائدة‪ ،‬وبما أن العلم‬
‫ال يمكنه أن يعىط حقائق تتجاوز الفوض‪ ،‬فمن المير لهؤالء القول بأن العلم لم يعد رص ًّ‬
‫وريا‪.‬‬ ‫ي‬
‫ى‬
‫يأن التيير لطرحنا السؤال األهم‪ :‬لماذا العلم؟‬
‫وهنا ي‬

‫الكثيين للعلم عىل أنه كشف ألرسار‬


‫ر‬ ‫اإلجابة الكالسيكية عىل السؤال تنبع من فهم‬
‫قواني موجودة بشكل‬
‫ر‬ ‫ترم إىل الوصول إىل‬
‫ه مهمة استكشافية ي‬ ‫الطبيعة‪ .‬أي أن مهمة العالم ي‬
‫موضوع بطبيعته وليس هناك عملية‬ ‫وبالتاىل فالعلم‬ ‫قواني الطبيعة‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ًّ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫مستقل موضوعيا عنا‪ ،‬ي‬
‫القواني‪ .‬هذه اإلجابة معقولة‬
‫ر‬ ‫تدخل من قبل العالم إال بمقدار ما يساهم يف الكشف عن هذه‬
‫األساس‬ ‫ى‬
‫االعياض‬ ‫الكثي من الرواج يف العلم ولقرون لكنها يف الواقع تفشل يف الرد عىل‬
‫ي‬ ‫وقد القت ر‬
‫الذي يسوقها البعض يف أن العلم لم يتمكن بالفعل من "الكشف" عن أي حقيقة‪ ،‬وكل ما يفعله‬
‫العلم والعلماء إىل اليوم ما هو إال عملية تقريب ناجحة تمكننا من تطوير بعض اآلالت عىل‬
‫العمىل وال تعي عن كشف لحقيقة جوهرية‪ .‬فالعلم هو علم ظواهر ال علم جواهر‪.‬‬
‫ي‬ ‫المستوى‬
‫األلمان إمانويل كانت يف هذا‬
‫ي‬ ‫الكثي من فالسفة العلم والعلماء عىل مقولة الفيلسوف‬
‫ر‬ ‫(يعتمد‬
‫ى‬
‫الت تحيط بنا‬
‫الخصوص والذي يقول بأن العلم يستطيع أن يكشف حقيقة الظواهر الطبيعية ي‬
‫الت ى‬
‫تبق متوارية عنا خلف الظاهرة‬ ‫ى‬
‫ولكنه ومهما حاول لن يتمكن من كشف الحقيقة الجوهرية ي‬
‫وخصائصها)‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ويكمل أصحاب مبدأ الكشف يف محاولتهم للرد فيقولون‪ :‬إن ما حققه العلم إىل اليوم‬
‫غي مسبوقة‪ ،‬ال يمكن‬ ‫ى‬
‫الت نتعامل معها إىل مستويات ر‬
‫من إنجازات مهمة ساهمت يف نقل التقنية ي‬
‫أن يكون نتاج أعجوبة أو مجموعة من األعاجيب وهو بالرصورة ليس صدفة‪ ،‬بل هو معي عن‬
‫العلم الصحيح‪ .‬ويعي‬
‫ي‬ ‫حقيقة ما موجودة نستطيع الوصول إليها إذا باستخدامنا لعقلنا وللمنهج‬
‫الواقعيي‬
‫ر‬ ‫عن هذه الحجة بالقول‪" :‬نجاح العلم ليس بأعجوبة" وتعتي هذه أقوى حجة لدى‬
‫العلم‪.‬‬
‫ي‬ ‫المدافعي عن منطق الكشف‬
‫ر‬ ‫ولدى‬

‫الكثي وحدها‪ .‬فالعلم ينجح يف اإلجابة عن ر‬


‫الكثي من األسئلة‬ ‫لكن هذه الحجة ال تقدم لنا ر‬
‫عمليا ًّ‬
‫تقنيا‪ .‬لكن‬ ‫ًّ‬ ‫الت تتحول لحظة اإلجابة عليها من مفهوم نظري متعال إىل أن تكون تطبيقا‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫وبالتاىل يمكن أن يكون الخيار أن‬
‫ي‬ ‫استخدام التقنية هذه ال يفرضه العلم بل اإلنسان وخياراته‪.‬‬
‫البشية وتطورها فعال ويمكن أن يستخدمها كمدمر ر‬
‫للبشية أيضا‪.‬‬ ‫يطبق التقنية لصالح ر‬

‫فإذا فشل مفهوم الكشف يف الرد عىل فكر ما بعد الحداثة‪ ،‬أيدفعنا ذلك إىل نبذ العلم‬
‫واللجوء إىل الفوض؟ بالتأكيد ال‪ .‬فالعلم يتجاوز مفهوم الكشف‪ .‬فعندما نتمكن من النظر إىل‬
‫العلم بشمولية بوصفه علما واحدا يضم ربي دفتيه فروع العلم الطبيعية وفروع العلم اإلنسانية‪،‬‬
‫نتمكن من االستفادة من التطورات الحادثة يف طرف لتغذية األطراف األخرى‪ .‬هذا العلم يتبوأ‬
‫الموضوع‬
‫ي‬ ‫أساس من العالم‬
‫ي‬ ‫قواني ولكن كجزء‬
‫ر‬ ‫متميا ال كأداة للكشف عن‬
‫ر‬ ‫به اإلنسان مركزا‬
‫غي مفصول عن الموضوع وال ينظر إليه من‬
‫بالتاىل ر‬
‫ي‬ ‫يؤثر يف هذا العالم بمقدار ما يتأثر به‪ ،‬وهو‬
‫الخارج بل من صميمه‪.‬‬

‫بهذا الفهم يصبح مفهوم الكشف مفهوما محدودا يتجاوزه مفهوم الفعل‪ ،‬ويصبح مفهوم‬
‫النقد محدودا يتجاوزه الجدل‪ .‬واإلنسان يف عالقته مع الطبيعة ال يتوقف عند حدود النقد‬
‫بالتاىل ال يقف عند‬
‫ي‬ ‫والتأمل بل يتجاوزها إىل حدود الجدل معها فيكون متأثرا بها ومؤثرا بها‪ ،‬وهو‬
‫التغيي أو التنظيم‪.‬‬
‫ر‬ ‫حدود الكشف بل يتعداه إىل‬

‫ر‬
‫الحدان له والذي حول االهتمام بالعلم إىل‬ ‫وب هذا الفهم للعلم يمكن تجاوز الفهم ما بعد‬
‫ي‬
‫مجرد اهتمام نابع عن قدرته عىل إنتاج تقنية مربحة ويمكن استهالكها وبيعها‪ .‬وب هذا الفهم‬
‫المحدود للعلم يتم اليوم إهمال الكثي من الفروع المهمة ف العلم ى‬
‫وتيايد أيضا المشاكل المرتبطة‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫بهذه التقنية المريحة لإلنسان والمرصة به يف الوقت عينه‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫فما العمل؟ العلم الجديد هو المخرج‪ .‬العلم الذي يجاوز ربي الطبيعة واإلنسان والذي‬
‫ًّ‬
‫كشفيا‪ .‬إن العلم‬ ‫ًّ‬
‫تفسييا‬ ‫الذان ف الموضوع يستطيع أن يكون علما ّ ًّ‬
‫تغييا ال علما‬ ‫ى‬ ‫يدرك البعد‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬
‫ى‬
‫الت تحملها مقولة "العلم من أجل العلم" ألن العلم‬ ‫الكثي من اإلشكاالت ي‬
‫ر‬ ‫الجديد يتجاوز‬
‫وبالتاىل فإن‬
‫ي‬ ‫واإلنسان‪ ،‬يدرك أن العلم ما هو إال فعل‪،‬‬
‫ي‬ ‫الطبيىع‬
‫ي‬ ‫الشموىل العلم الواحد‬
‫ي‬ ‫بمفهومه‬
‫ه خيارات تؤثر يف مسارات األفعال‪ ،‬وال ينحرص‬ ‫ى‬
‫الت نختارها يف مسارات هذا العلم ي‬
‫الخيارات ي‬
‫تأثيها يف العلم ونظرياته وإنما توثر عىل اإلنسان والطبيعة واستمراريتها عىل حد سواء‪.‬‬
‫ر‬

‫العلم الجديد ال بد أن يكون ًّ‬


‫ثوريا‪،‬فالعالم اليوم بحاجة لهذا العلم ولهذه الثورية‪ ،‬فنذور‬
‫الشؤم تحوم حول األرض‪ .‬واإلنسان المعارص إذا ما ترك بال هزات توقظه من ثباته واندفاعه وراء‬
‫أساس ال يف‬ ‫ى‬
‫الت ينساق وراءها والمرتبطة بشكل‬
‫ي‬ ‫التقنية االستهالكية وخلف الراحة المسمومة ي‬
‫مصلحته ولكن يف االستهالك ومصالح رأس المال‪ ،‬فلن يجد نفسه إال عىل شق الهاوية حيث ال‬
‫عودة‪.‬‬

‫الفرضية والنظرية‬

‫تميي ربي العلم والالعلم‪ ،‬وهنا نطرح مفهوم جديد يتعلق بشبه العلم‪ .‬هناك‬
‫قدمنا أعاله ر‬
‫وبي أن ال تكون‪ ،‬فكيف‬ ‫ى‬
‫الت يتأرجح فيها الحكم ربي أن تكون علما ر‬
‫الكثي من الفروع المعرفية ي‬
‫ر‬
‫والت تقول أن بعض ر‬
‫البش‬ ‫ى‬
‫يمكن أن نترصف معها؟ فهناك عىل سبيل المثال نظريات التخاطر‪ ،‬ي‬
‫يستطيعون أن يلتقطوا ما يفكر به آخرون دون أن تتم عملية نقل األفكار باللغة كما هو متعارف‬
‫تعيف بهذا النوع من المعرفة عىل أنه‬‫عليه‪ .‬وبالتأكيد فإن المراكز العلمية المرموقة ترفض أن ى‬
‫ى‬
‫الت نظمها علماء مرموقون يف علم النفس‬ ‫معرفة علمية‪ .‬وعىل الرغم من ذلك ر‬
‫فكثي من األبحاث ي‬
‫ى‬
‫االعياف بها كظاهرة يمكن دراستها علميا‪.‬‬ ‫حاولت أن تدرس الظاهرة‪ ،‬وأن تدرس إمكانية‬

‫للتفسيات العلمية‬ ‫ى‬


‫الت نقول عنها إنها لها وقع مشابه‬
‫ر‬ ‫التفسيات ي‬
‫ر‬ ‫وكان هناك جملة من‬
‫إنسان يرسل مجموعة من‬
‫ي‬ ‫كالتفسي الذي يقول بأن كل دماغ‬
‫ر‬ ‫(‪،)It Sounds Scientific‬‬
‫وبالتاىل فإذا كان هناك شخص آخر يحمل نفس الذبذبات فهذا‬ ‫يتمي بها‪،‬‬
‫الت ر‬‫ى‬
‫ي‬ ‫الذبذبات الخاصة ي‬
‫وبالتاىل أن يملك ملكة التخاطر‪.‬‬
‫ي‬ ‫الشخص اآلخر يستطيع أن يلتقط ما يفكر به الشخص اآلخر‬
‫كثيا ولكنهم‬
‫التفسي إن هذا هو التيير لظاهرة ألفها الناس ر‬
‫ر‬ ‫ويقول لنا من يوافقون عىل مثل هذا‬
‫لم يفشوها‪ ،‬إال وه ظاهرة أن تفكر بأحد لم تره أو تسمع عنه شيئا ى‬
‫لفية طويلة من الزمن‪،‬‬ ‫ي‬
‫‪68‬‬
‫ً‬
‫التفسي بأن ذلك عائد إىل أن دماغك‬
‫ر‬ ‫وقبل دقائق معدودة من رؤيتك له فعال‪ .‬وهنا يقول هذا‬
‫التفكي به قبل رؤيته الفعلية‪.‬‬
‫ر‬ ‫تمكن من التقاط ذبذبات الشخص اآلخر الخاصة مما ساعد عىل‬

‫التفسيات حاول أن يستخدم لغة علمية تحاول أن تير‬


‫ر‬ ‫كما نرى فإن هذا النوع من‬
‫وجودا لظاهرة من الصعب التحقق منها ألنها تعتمد عىل حقائق ذاتية ال يمكن عكسها موضوعيا‬
‫التفسي موضوعيا بالمعت المقبول‬
‫ر‬ ‫وبالتاىل لن يكون‬
‫ي‬ ‫المرتبطي بالتيير‪،‬‬
‫ر‬ ‫باستقالل عن الذوات‬
‫به علميا (أي من النوع الذي يمكن اإلقرار به من قبل معظم الناس دون ريبة أو شك)‪ .‬وبالتأكيد‬
‫التفسي أن يعزو القدرة عىل التخاطر إىل قوى كونية أو قوى خارقة للطبيعة أو خارج‬
‫ر‬ ‫لم يحاول‬
‫الطبيعة مما جعل منه ما نسميه "يستخدم لغة علمية"‪ .‬وهنا وعىل الرغم من عدم القناعة‬
‫تفسيا‬
‫ر‬ ‫التفسي المقدم يمكن أن يكون‬
‫ر‬ ‫بالتخاطر أو بإمكانيته فإننا ال نستطيع أن نرفض القول بأن‬
‫العلم يف المستقبل‪.‬‬ ‫ً‬
‫ي‬ ‫مقبوال عىل المستوى‬

‫يعيف بأي نوع من الطب غي ذلك الذي يعتمد عىل إيجاد ى‬


‫اليكيب‬ ‫لم يكن الطب الغرن ى‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫الت تفتك بالجسد وبالتاىل فلم يكن ى‬
‫يعيف ال بالطب‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫الكيميان المناسب لمكافحة األمراض ي‬
‫ي‬
‫الصيت وال بالطب الهندي وال بطب األعشاب‪ ،‬عىل الرغم من أن هذه األنواع من الطبابة لها‬
‫ي‬
‫والصي والحضارة العربية اإلسالمية‪ .‬لكن‬
‫ر‬ ‫العلم الجاد يف كل من الهند‬
‫ي‬ ‫تراث عريق من البحث‬
‫كثي من العنارص الكيميائية‬ ‫ى‬
‫الغرن اضطر أن يعيف بهذه األنواع من الطبابة ألنه رأى أن ال ر‬
‫ي‬ ‫الطب‬
‫الت لم‬‫ى‬
‫غي محببة‪ ،‬كما أن بعض األمراض ي‬ ‫المستخدمة يف األدوية الحديثة لها أعراض جانبية ر‬
‫اليم باألسس‬ ‫االعياف ى‬
‫يتمكن الطب الكيميان من معالجتها تتمكن األنواع األخرى منها‪ .‬لكن هذا ى‬
‫ي‬
‫علم" لما تقوله هذه األشكال من‬
‫ي‬ ‫المعيارية لما يمكن اعتباره علميا‪ ،‬أي بأن يكون هناك "إثبات‬
‫الطب‪ .‬فيى أن الوخز باإلبر‪ ،‬والعالج باألعشاب‪ ،‬والعالج بالتدليك‪ ،‬بدأت تغزو مؤسسات‬
‫أكاديمية عريقة ويتم طرح تخصصات بها واالهتمام بها‪.‬‬

‫الغرن بهذه األنواع من الطبابة طبيعيا ضمن تطور حقل الطب‪،‬‬ ‫اعياف الطب‬‫هنا كان ى‬
‫ي‬
‫تفسيات‬ ‫ى‬
‫االعياف بها ألنها‬ ‫تفسيات ال بد أن يتم‬ ‫التفسيات المقدمة من قبل هذه األنواع‬ ‫ألن‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫تفسيات علمية‪ .‬هذا ال ينسحب عىل ر‬
‫كثي مما يعرف يف بالدنا بالطب‬ ‫ر‬ ‫أقل ما يقال عنه إنه‬
‫تفسياته ونمط العالج المقدم عىل خيات العلمية أو عىل قوى تقبع‬
‫ر‬ ‫الشعت‪ ،‬والذي يعتمد يف‬
‫ي‬
‫تفسيات مقبولة علميا‬ ‫والت ال يمكن اإلقرار بها‪ ،‬أو ى‬
‫حت تخيل أنها يمكن أن تكون‬ ‫ى‬
‫ر‬ ‫خارج العالم ي‬

‫‪69‬‬
‫ى‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫يف أي يوم من األيام مستقبال‪ :‬كالرصب "لطرد األرواح الشيرة المتلبسة أحدهم" ي‬
‫والت يقال عن‬
‫الشعت بأن‬ ‫الذين يعانون من أمراض نفسية تحتاج إىل عالج نفس جاد‪ ،‬ى‬
‫والت يقرر الطب‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وغي ذلك‪.‬‬
‫عالجها يكون إما بالرصب الميح أو بالرقع والودع ر‬

‫الكثي من‬ ‫تفسيها بعد‪ ،‬وهناك‬ ‫الت لم يتمكن العلم من‬‫ى‬


‫ر‬ ‫ر‬ ‫الكثي من الظواهر ي‬
‫ر‬ ‫هناك‬
‫ى‬
‫الت تفش هذه الظواهر انطالقا من قناعات معينة وباستخدام نظريات علمية‪ ،‬لكن‬
‫النظريات ي‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫العلم‪ .‬إن هذه النظريات ي‬
‫الت تستخدم‬ ‫ي‬ ‫االعياف بها عىل أنها تشكل جزءا من الجسم‬ ‫لم يتم‬
‫"لغة علمية" يمكن القول عنها بأنها نظريات شبه علمية أو عىل أطراف العلم‪ ،‬ويمكن لنا أن‬
‫نتخيل أنها ستكون جزءا من العلم يف يوم من األيام‪.‬‬

‫ً‬
‫لعلم‬
‫ي‬ ‫الفيياء مثاال صارخا يف هذا االتجاه‪ :‬ي‬
‫فق الموصلية الفائقة كان االعتقاد ا‬ ‫تعطينا ر‬
‫غي ممكنة إال ضمن درجات‬
‫المعتمد عىل النظرية السائدة (‪ )1950‬يقول بأن الموصلية الفائقة ر‬
‫كثيا من الصفر المطلق (‪ 273-‬درجة مئوية)‪ ،‬وبالتحديد تحت درجة ‪ 30‬مطلق (‪243-‬‬ ‫ى‬
‫تقيب ر‬
‫يائيي وبالرغم من أن أصحاب النظرية‬ ‫درجة مئوية)‪ .‬وبالرغم من قبول ذلك من معظم ر‬
‫الفي ر‬
‫تفسيا آخر‪ ،‬لكنه لم‬
‫ر‬ ‫السائدة حصلوا عىل جائزة نوبل (‪ )1974‬إال أن رفييائيا واحدا أرص أن يقدم‬
‫ً‬
‫يفلح يف تقديم برهان عىل قناعاته‪ ،‬فعاش منبوذا بعيدا عن المراكز العلمية‪ ،‬لكنه علم جيال من‬
‫العلماء نظرياته المغايرة لما هو سائد‪ ،‬وتمكن اثنان من تالميذه أن يفجروا ثورة يف عالم الموصلية‬
‫ً‬
‫الفائقة عام ‪ 1987‬بأن صنعوا موصال فائقا يعمل عىل درجة ‪ 172‬مطلق (‪ 101-‬درجة مئوية)‪،‬‬
‫أكي ب‪ 140‬درجة عن أعىل درجة ى‬
‫تعيف بها النظرية السائدة‪.‬‬ ‫أي ر‬

‫يان ولم تكن مقبولة لدى‬ ‫ى‬


‫الفي ي‬
‫الت قدمها العالم ر‬
‫وبالتاىل فيمكن القول أن الفرضية ي‬
‫ي‬
‫غي مثبته ولكنها بقيت بالرغم من عدم االتفاق عليها‬
‫الفيياء بقيت فرضية ر‬
‫جمهور العلماء يف ر‬
‫تجريت للفرضية‪ ،‬تحولت هذه الفرضية‬
‫ي‬ ‫فرضية‪ .‬ولكن عندما تمكن طالبه من الوصول إىل اثبات‬
‫لتكون نظرية علمية يعتد بها‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ى‬
‫المعرف (الباراديم)‬
‫ي‬ ‫اإلطار‬

‫ى‬
‫وحت من يحمل شهادات علمية يف التخصصات األساسية‪ ،‬بأن‬ ‫يعتقد أغلب الناس‪،‬‬
‫ى‬
‫الت ال نلعب دورا يف صياغتها وإنما كل ما نفعله هو أن نكتشفها‬
‫قواني الطبيعة ي‬
‫ر‬ ‫ه‬
‫قواني العلم ي‬
‫ر‬
‫من خالل دراستنا التجريبية (أو النظرية يف بعض األحيان) للعالم المحيط بنا‪ .‬إن هذه النظرة‬
‫عي الصواب‪.‬‬
‫محدودة األفق وتجانب ر‬

‫التفكي بالتفاصيل المملة لألشياء‪.‬‬


‫ر‬ ‫ييع اإلنسان بطبعه إىل البحث عن تعميم يريحه من‬
‫ُ‬
‫يابان‬
‫وبريطان آخر‪ ،‬أو ي‬
‫ي‬ ‫بريطان‬
‫ي‬ ‫فهو ال يريد مثال أن يدخل يف تفاصيل االختالفات الخاصة ربي‬
‫يمي‬
‫متشابهي وال يستطيع أن ر‬
‫ر‬ ‫اليابانيي‬
‫ر‬ ‫ويابان آخر‪ ،‬ولذلك تجده يقول يف أغلب األحيان أن كل‬
‫ي‬
‫وتيافق مع هذه اليعة للتعميم نزعة أخرى للبحث عن النظام واالنتظام يف‬ ‫بينهم ف الشكل‪ .‬ى‬
‫ي‬
‫البش منذ الصغر‪ .‬لذلك عندما ينظر‬‫األشياء ليستطيع أن يرابط بينها‪ .‬وتبدأ هذه النظرة عند ر‬
‫ً‬
‫األطفال إىل الغيوم فأنهم يحاولون أن يجدوا نوعا من االنتظام‪ ،‬فيخال لهم مثال أن غيمة ما‬
‫ى‬
‫شكلها مثل النعجة وأخرى تشبه الجمل وهكذا‪ .‬وتعتمد األشكال ي‬
‫الت يتخيلها األطفال عىل بعض‬
‫ى‬
‫المعرف الذي يحملونه‪ .‬فهم يكملون الرسوم ي‬
‫الت‬ ‫ي‬ ‫الخطوط الموجودة يف الغيوم وعىل المخزون‬
‫ى‬
‫الت يعتقدون أنهم‬
‫أمامهم بأشكال يف مخيالهم رفيابطون ربي الخيوط ليصلوا إىل األشكال ي‬
‫يشاهدونها‪.‬‬

‫ر‬
‫كثي من األحيان ييع‬ ‫هذا الترصف لدى األطفال يشابه ترصفات البش بشكل عام‪ .‬ي‬
‫فق ر‬

‫العقل إىل وصل خطوط ما لتتشكل صورة ما مألوفة له من خطوط عشوائية أمامه‪ .‬ي‬
‫فق تقنيات‬
‫ى‬ ‫ً‬
‫معي لدى‬
‫الت يمكنها أن تحدد منظور ر‬
‫الرسم مثال ييع الفنان إىل تحديد مجموعة من الخطوط ي‬
‫المتلق ويكتق بهذه الخطوط ليعي عن الشكل الذي يريد رسمه‪ .‬ويمكن لمن يريد أن ى‬
‫يسييد‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫بالتمعن بمخاطر التخيل وما يمكنه أن يوصلنا إليه من صور ورسوم قد ال تكون موجودة أن‬
‫ى‬
‫مانشسي ليقف عىل العديد‬ ‫ى‬
‫االلكيونية الخاصة باألوهام التابعة لجامعة‬ ‫يذهب إىل الصفحة‬
‫من هذه األوهام الممكنة‪. http://dragon.uml.edu/psych/illusion.html :‬‬

‫لك يتمكن من ربط األمور‬‫اإلنسان من فرص ي‬


‫ي‬ ‫فبالقدر ما تفتحه هذه الحقيقة أمام العقل‬
‫مع بعضها البعض والوصول إىل نتائج من مقدمات قد ال تكون مرتبطة ولكنها ى‬
‫ميابطة‪ ،‬فإنها‬

‫‪71‬‬
‫أيضا تفتح اآلفاق نحو ى‬
‫اقياح ترابط قد ال يكون صحيحا أو قد ال يساعد المعرفة اإلنسانية‪ .‬وهذا‬
‫كثي من األحيان يف العلم‪.‬‬
‫ما يحدث يف ر‬

‫ى‬
‫الت ال يمكن ألي كان وعىل مدى قرون وقرون‬
‫الكثي من الحقائق العلمية المهمة ي‬
‫ر‬ ‫هناك‬
‫فه انتقلت من إطار الفرضيات إىل إطار الحقائق العلمية الثابتة‪.‬‬
‫أن ينكرها أو أن يثبت خطأها ي‬
‫ومن هذه الحقائق عىل سبيل المثال حقيقة أن الماء المزاح من الوعاء يساوي حجم الجسم‬
‫والت تأخذ صفة "القاعدة" (قاعدة أرخميدس)‬ ‫المغمور بالماء داخله‪ .‬هذه الحقيقة العلمية ى‬
‫ي‬
‫التغيات يف العلم‪ .‬فخالل الثورات العلمية‬
‫ر‬ ‫الكثي من مثيالتها أن تصمد يف وجه‬
‫ر‬ ‫تستطيع كما‬
‫المعرف‪ ،‬أو كما يهوى‬
‫ي‬ ‫الشهي توماس كون اإلطار‬
‫ر‬ ‫يتغي ما يسميه الفيلسوف‬
‫الكبية وعندما ر‬
‫ر‬
‫اإلنجليي‪( :‬البارادايم‪ ،)Paradigm shift -‬ر‬
‫تتغي معه‬ ‫ر‬ ‫البعض أن ينقلوه إىل العربية باسمه‬
‫المفاهيم والنظريات المسيطرة يف فضاء العلم‪ ،‬لكن القواعد الثابتة للعلم من مثل قاعدة‬
‫المعرف الجديد‪.‬‬ ‫ه يف اإلطار‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫أرخميدس تبق كما ي‬

‫معرف عام ينطلق من خالل‬


‫ي‬ ‫يىل‪ :‬إن العلم يحتكم إىل إطار‬
‫ما يقوله توماس كون هو ما ي‬
‫النظريات العلمية المقبولة يف لحظة تاريخية معينة‪ ،‬ويجب عىل هذه النظريات أن تكون من‬
‫ى‬
‫والت تم أثباتها‪ .‬ولكن وعىل الرغم من علمية هذه النظريات‬
‫تجريت ي‬
‫ي‬ ‫النوع الذي حصل عىل دعم‬
‫التجريت الذي حصلت عليه‪ ،‬يتم أكتشاف ظواهر جديدة قد ال يتمكن العلم السائد‬
‫ي‬ ‫ومن الدعم‬
‫ى‬
‫تفسي لهذه الظواهر‪ .‬وعندما يصل عدد الظواهر والبينات ي‬
‫الت ال‬ ‫ر‬ ‫المعرف أن يقدم‬
‫ي‬ ‫ضمن اإلطار‬
‫كاف للتشكيك بالنظريات القديمة‪ ،‬يسىع العلماء‬
‫المعرف السائد بعدد ي‬
‫ي‬ ‫تفسيها يف اإلطار‬
‫ر‬ ‫يمكن‬
‫ى‬
‫الت كانت معروفة يف‬
‫لوضع نظريات جديدة يمكنها من حيث المبدأ أن تفش الظواهر القديمة ي‬
‫المعرف القديم وتلك الظواهر المكتشفة حديثا‪ .‬وعندما يقدم العلماء مجموعة النظريات‬
‫ي‬ ‫اإلطار‬
‫معرف جديد‪.‬‬ ‫وتفسي كل الظواهر المعروفة‪ ،‬يتم التحول إىل إطار‬ ‫ى‬
‫الت تعيد تعريف‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫الجديدة ي‬
‫معرف جديد يسميها كون "الثورة‬
‫ي‬ ‫المعرف القديم إىل إطار‬
‫ي‬ ‫هذه العملية من التحول من اإلطار‬
‫العلمية"‪ ،‬ومن هنا جاء عنوان كتابه‪ :‬بنية الثورات العلمية‪.‬‬

‫الكثي من‬ ‫المعرف القديم؟ هناك‬ ‫ى‬


‫الت كانت صحيحة يف اإلطار‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫القواني ي‬
‫ر‬ ‫لكن ماذا عن‬
‫ً‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫الت كانت معروفة مثال‬
‫القواني ي‬
‫ر‬ ‫الت ما زالت صامدة لمدة طويلة من الزمن لكن معظم‬
‫القواني ي‬
‫ر‬
‫ومعان مختلفة‬ ‫يتغي منها فقد أصبح لها مدلوالت أخرى‬
‫تغيت ومن لم ر‬ ‫ف القرن السابع ر‬
‫عش قد ر‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫‪72‬‬
‫قواني نيوتن يف‬ ‫الت كانت قائمة لحظة ى‬
‫اقياحها‪ .‬لنأخذ عىل سبيل المثال ال الحرص‪،‬‬ ‫ى‬
‫ر‬ ‫عن تلك ي‬
‫القوة‪ .‬فعىل الرغم من أنها ما زالت تقريب ممتاز للتعامل مع القوى المؤثرة عىل األجسام ضمن‬
‫الكثي من المفاهيم المرافقة لها قد‬ ‫ى‬
‫الت نتعامل معها يف حياتنا اليومية إال أن‬
‫ر‬ ‫األبعاد الطبيعية ي‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫الت وضعها نيوتن‪ .‬فمفهوم الكتلة ي‬
‫الت نتعامل معه اليوم ليس‬ ‫تغي بشكل جذري عن المفاهيم ي‬
‫ر‬
‫النيوتون القديم‪ ،‬كما أن نيوتن قد قدم قانونه عىل أنه قانون‬
‫ي‬ ‫هو مفهوم الكتلة حسب الفهم‬
‫النيوتون يختلفان عن ما‬
‫ي‬ ‫نهان وزمان رسمدي‪ ،‬والزمان والمكان بحسب الفهم‬
‫يسبح يف فضاء ال ي‬
‫أساس يف مفهوم‬
‫ي‬ ‫نعرفه اليوم عن الزمان والمكان‪ .‬فكما نعرف اليوم فإن الزمان هو بعد رابع‬
‫وقواني نيوتن ستفشل عندما نتعامل مع‬
‫ر‬ ‫الهندس فضاء الزمكان (الزمان‪ -‬المكان)‪.‬‬
‫ي‬ ‫الفضاء‬
‫الصغية جدا‪ ،‬وهذه اللحظات يف الفشل‬
‫ر‬ ‫الشعات العالية جدا وعندما نتعامل مع الكتل‬
‫النيوتون ه مجاالت الثورات العلمية المهمة لبداية القرن ر‬
‫العشين والمتمثلة بثورة النسبية‬ ‫ي ي‬
‫وثورة ميكانيكا الكم‪.‬‬

‫النيوتون‪ ،‬ندرك بأنه‬


‫ي‬ ‫المعرف‬
‫ي‬ ‫(غي متحرك) من اإلطار‬
‫وبالتحليل الدقيق لما هو ثابت ر‬
‫وبالتاىل‬
‫ي‬ ‫النماذج الممثلة للظواهر الحقيقية وكل ما عدا ذلك تم تجاوزه عىل المستوى النظري‪.‬‬
‫العلم يف ذلك الوقت والذي أعتمد يف‬
‫ي‬ ‫النيوتون كما قدمه العقل‬
‫ي‬ ‫فالثابت هنا ال يرتبط بالنظام‬
‫تقديمه عىل مجموعة الصور المعرفية الراسخة عند نيوتن وكيف تمكن نيوتن من ربط خطوط‬
‫ى‬
‫الت حصل عليها من دراسته للظواهر الطبيعية المعروفة يف زمانه‪.‬‬
‫المعرفة ي‬

‫ى‬
‫الت يضعها اإلنسان له يف كل‬
‫العلم متحرك وثوري بطبيعته وهو بذلك يتجاوز الحدود ي‬
‫المعرف القديم بشكل دائم‪ .‬وهذه‬
‫ي‬ ‫مرة‪ .‬فنحن نكتشف الجديد الذي ال يتناسب مع اإلطار‬
‫ى‬
‫الت تساعد عىل تقدم العلم‪.‬‬
‫ه ي‬ ‫المعرفة الجديدة ي‬

‫تمرين‪:‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كبي مع البديهة‬‫العلمية وأدواتها إىل حد ر‬ ‫"ف الوقت الذي تتوافق فيه مبادىء المنهجية‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ذان لمعظم الناس‪ ،‬ليس من الرصورة أن تتوافق الن ّ‬
‫ى‬ ‫ّ‬
‫العلمية الناتجة عن‬ ‫ظريات‬ ‫والحدس ال ي‬
‫هذه المنهجية مع البديهة والحدس وقد يصعب تصديق تطبيقاتها إىل أن تصبح أمرا واقعا‪".‬‬
‫رارسح هذه العبارة مع االستدالل بأمثلة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫تمرين‪:‬‬

‫فهم‬ ‫ر‬
‫اقرأ األمثلة أدناهمن عبارات شائعة‪ ،‬قراءة نقدية‪ ،‬وارسح كيف أنهاتنم عن سوء ٍ‬
‫للعلم‪.‬‬

‫‪" ‬هذه مجرد نظرية"‪ .‬ي‬


‫(ف معرض إنتقاد القائل لنظرية علمية ال تروق له لسبب‬
‫من األسباب‪).‬‬
‫‪" ‬هذهحقيقة علمية مثبتة "‪( .‬من باب دعم القائل لنظرية أو ى‬
‫حت فرضية ما‪).‬‬
‫(ف سياق خالف ال عالقة له بالظواهر الطبيعية مثل‬ ‫علم "‪ .‬ي‬
‫ي‬ ‫‪" ‬هذا كالم ر‬
‫غي‬
‫ّ ى ّ‬
‫العشية إلنتخابات ما‪).‬‬
‫ر‬ ‫اليشح عن‬ ‫أحقية‬
‫ونيك العلوم الضارة"‪( .‬عند الحض عىل حظر‬ ‫‪" ‬علينا أن نأخذ بالعلوم النافعة ى‬

‫علم ما‪).‬‬
‫ي‬ ‫تطبيق‬
‫تمرين‪:‬‬
‫ً‬
‫ما داللة أن المشعوذون عادة يلجأونإىل األطباء عند المرض‪،‬والسحرة يسافرون‬
‫بالطائرات (وليس ب"بساط الري ح" أو عىل صهوات القماش)‪ ،‬والرافضون للعلوم الحديثة‬
‫يتواصلون بإستخدام هواتف األقمار اإلصطناعية‪ ،‬وما بعد الحداثيون يدبجون مقاالتهم عىل‬
‫حواسيبهم المحمولة؟‬

‫‪74‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬قواعد المنطق‬
‫‪ -‬أهمية المنطق يف حياتنا‬
‫‪ -‬لغة المنطق‬

‫‪ -‬كيف يمكن أن ي‬
‫نبت حجة؟‬
‫‪ -‬بنية الحجة‬
‫التفكي الناقد‬
‫ر‬ ‫‪-‬‬
‫االبداع‬
‫ي‬ ‫التفكي‬
‫ر‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬المغالطات المنطقية‬

‫األهداف والنتاجات‪:‬‬
‫‪ ‬أهمية المنطق يف حياتنا‬
‫‪ ‬مبادئ المنطق ومباحثه‬
‫‪ o‬يطلع عىل المنطق وقواعده ومسائله‬
‫‪ o‬يتقن مهارة تقييم الحجج المقدمة إليه‬
‫‪ ‬يتمكن من تقديم حجج صحيحة ومقنعة‬
‫‪ ‬يتمكن من تقديم حجج صحيحة ومقنعة‬
‫يمي ربي الحجج الصحيحة والمغالطات المنطقية‬
‫ر‬ ‫‪‬‬

‫‪75‬‬
‫أهمية المنطق ى يف حياتنا‪:‬‬
‫ى‬
‫منطق"؟ لماذا؟‬ ‫هل فكرت يوما بمعت المنطق؟ هل سبق أن قال لك أحدهم كالمك "مش‬
‫ي‬
‫ًّ‬
‫منطقيا؟‬ ‫كيف يمكن لإلنسان أن يكون‬

‫ى‬ ‫ُّ‬
‫باف الموجودات بالعقل‪ ،‬وقد ُعرف‬ ‫ًّ‬
‫منطقيا"‪ .‬فهو ر‬
‫يتمي عن ي‬ ‫ُيعد اإلنسان بطبيعته "كائنا‬
‫اجتماع"‬
‫ي‬ ‫منذ القدم بأنه "حيوان عاقل" أو "حيوان مفكر"‪ ،‬وهناك من ذهب إىل أنه "حيوان‬
‫تفيض مسبقا أن اإلنسان مفكر وأن أفعاله تصدر‬‫أو "حيوان سياس"‪،‬وه ف المجمل تعريفات ى‬
‫ي ي‬ ‫ي‬
‫عن ّ‬
‫روية وتعقل‪ .‬ومنذ البدء كان اإلنسان يفكر يف الوجود والعالم ومظاهره‪ ،‬أي يستدل ويحكم‬
‫تسعي يف المئة من الناس‪،‬‬ ‫أكي من‬‫دون أن يعرف المنطق وقواعده‪ .‬وقد نعجب إذا قيل لنا أن ر‬
‫ر‬
‫هم منطقيون بالفطرة‪ ،‬أي يفكرون ويستدلون ويصلون إىل النتائج‪ ،‬ويضعون المقدمات من‬
‫حيث ال يعلمون المنطق‪ ،‬أي ليست لديهم فكرة عن قواعد المنطق واالستدالل واجرائيات‬
‫التفكي الناقد‪.‬‬
‫ر‬
‫تفكيه‪ ،‬معناها قدرته عىل الحكم عىل األشياء‬ ‫ى‬
‫"منطق" يف‬ ‫إن الصفة بأن اإلنسان‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫التميي ربي صدق القول أو كذبه‪ ،‬وعىل استدالل النتائج من‬
‫ر‬ ‫واألفكار بالصواب والخطأ‪ ،‬وعىل‬
‫ى‬
‫الت تلزم عنها‪ ،‬وكذلك القدرة عىل تقديم الميرات لألقوال واالعتقادات‪ ،‬أو النتيجة‬
‫المقدمات ي‬
‫من النتائج‪ .‬والواقع أن هذا يتم باستدالالت العقل واستقراء التجارب‪.‬‬
‫التفكي يف جميع مراحل حياته‪،‬‬
‫ر‬ ‫مسية حياة اإلنسان‪ ،‬نجد أنه يمارس أفعال‬
‫وبالنظر يف ر‬
‫ومعايي‬
‫ر‬ ‫التفكي واختالف درجات‬
‫ر‬ ‫التفكي‪ .‬وال شك أن االضطراب يف‬
‫ر‬ ‫ولذا فإنه ُيصيب ويخىط يف‬
‫الفهم واإلدراك ينعكس أثره عىل حياة اإلنسان‪ .‬من هنا جاءت الحاجة إىل "قواعد‪ :‬تنظم نشاطه‬
‫ومنتجة‪ِّ ،‬‬
‫تحسن حياته‪.‬‬ ‫وتضبطه‪ ،‬وتصوب فكره بصورة فاعلة ُ‬

‫التفكي‪ ،‬إال أننا نشعر بأننا بحاجة‬


‫ر‬ ‫إذن‪ ،‬نحن ر‬
‫البش‪ ،‬مع أننا نعتي أنفسنا أسوياء من ناحية‬
‫ى‬
‫وف حياتنا اليومية عادة نمارس‬ ‫المنطق"‪ .‬ي‬
‫ي‬ ‫"التفكي‬
‫ر‬ ‫يف سلوكنا وأفعالنا وأقوالنا إىل "المنطق" وإىل‬
‫المنطق"‪ ،‬سواء كنا عىل دراية بقواعد ومبادئ علم المنطق أم ال‪ .‬فعندما‬ ‫ى‬ ‫"التفكي‬ ‫هذا النوع من‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫حت العمليات‬ ‫ى‬
‫لمنطق‪ .‬ى‬ ‫التفكي ا‬ ‫نواجه مشكلة ما نظرية أو عملية‪ ،‬أو ندخل يف جدال نحتاج إىل‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫العقىل"‪ ،‬كلها مقدمات لعملية‬
‫ي‬ ‫"الوع والحس والشعور واإلدراك والتصور‬
‫ي‬ ‫السيكولوجية مثل‬
‫مقعدة تشمل "الحكم أو اليهان أو االستدالل"‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ر‬
‫مبارسة دون‬ ‫من الصحيح القول بأن أغلب "معارفنا" يمكن أن نتحقق منها بصورة‬
‫ر‬
‫المبارسة‪ ،‬سواء باعتمادنا عىل إدراكنا‬ ‫الحاجة إىل استدالالت بسيطة أو مركبة‪ ،‬بل بالمالحظة‬
‫ّ ْ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫"الحدس"‪ ،‬وهو الوصول‬ ‫المبارس أو ما يسم‬ ‫العقىل‬
‫ي‬ ‫التفكي‬
‫ر‬ ‫المبارس لهذه المالحظة أو من خالل‬
‫إىل النتائج بصورة ر‬
‫مبارسة بدون مقدمات‪.‬‬
‫غي ر‬ ‫ى‬ ‫ّ‬
‫مبارس خالل‬ ‫المنطق"‪ ،‬يتجاوز المالحظات البسيطة‪ ،‬ويتم بشكل ر‬
‫ي‬ ‫إال أن "االستدالل‬
‫ُ ِّ‬
‫سء نعرفه ُمسبقا أونسلم به‪.‬‬
‫ي‬
‫ر‬

‫مثال (‪ )2‬ال إنسان خالد‬ ‫فان‬


‫مثال (‪ )1‬كل إنسان ٍ‬
‫عادل إنسان‬ ‫عادل إنسان‬
‫عادل ليس بخالد‬ ‫فان‬
‫عادل ٍ‬
‫مثال (‪ )3‬العمل يف ظروف درجة حرارة (‪)42‬‬
‫حينما تصل درجة الحرارة إىل (‪ُ )42‬يصبح الجو أقس من أن نعمل فيه‪.‬‬
‫اليوم وصلت درجة الحرارة إىل (‪)42‬‬
‫فبذا‪ ،‬الجو أقس من أن نعمل فيه‪.‬‬
‫ُ‬
‫مثال (‪ )4‬الثديات ترضع أطفالها‬
‫الحيتان من الثديات‬
‫الحيتان ترضع أطفالها‬
‫يف المنطق يمكن تحويل الدالالت (كلمات أو رموز) إىل عبارات منطقية‪ ،‬وكل‬
‫سء ما تسم "قضية"‪ .‬مثال ذلك عبارات‪" :‬اللوحة‬ ‫ر‬
‫عبارة بسيطة تصف شيئا ما أو تخينا عن ي‬
‫جميلة" و"الحاكم ظالم" و"القضية صعبة" و"الحديد صلب"؛ هذه قضايا تعي عن عالقة صفة‬
‫ب"فه تعي عن األسلوب الرمزي الذي ينقل‬
‫ي‬ ‫ه‬‫بموصوف‪ ،‬ولو رمزنا لهذه العبارات ب ‪":‬أ ي‬
‫العبارات من عبارات محددة إىل عبارات منطقية‪.‬‬

‫مثال آخر عندما نقول‪" :‬الطالب إما ناجح أو راسب" و"الحكم إما ي‬
‫ملك أو جمهوري"‬
‫و"القاض إما عادل أو ظالم" و"الحكومة إما ديمقراطية أو دكتاتورية"؛ هذه عبارات متحدة يف‬
‫ي‬
‫التعبي عنها بالصورة التالية‪" :‬ص إما س أو ه "‪.‬‬
‫ر‬ ‫الصورة ومختلفة يف المادة نستطيع‬
‫استوان يمطر طوال العام‪ ،‬إذن‬
‫ي‬ ‫استوان‪ ،‬وكل بلد‬
‫ي‬ ‫مثال آخر عندما نقول‪" :‬أندونيسيا بلد‬
‫أندونيسيا ممطرة طوال العام"‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫وعندما نقول‪" :‬الحديد معدن‪ ،‬وكل معدن يتمدد بالحرارة‪،‬إذن الحديد يتمدد بالحرارة"‪.‬‬
‫ى‬
‫ه ص‪ ،‬وكل ص‬ ‫ه‪" :‬س ي‬ ‫العبارتي نخلص بصورة مشيكة ي‬
‫ر‬ ‫لو وضعنا رموزا مكان األلفاظ يف كلتا‬
‫ه ط"‪.‬‬ ‫ه ط‪ ،‬إذن س ي‬ ‫ي‬
‫إن الكلمات أو الرموز مثل‪ :‬إما‪ ،‬أو‪ ،‬بعض‪،‬كل‪،‬ليس ‪ ....‬إلخ‪ .‬ال تسم شيئا يف عالم الواقع‬
‫أو عالم األشياء‪ ،‬وإنما نضيفها ليبط بها األسماء الشيئية يف بناء واحد‪ ،‬لذلك نسميها الكلمات‬
‫سء يف عالم الواقع إال أنه يستحيل‬‫ر‬
‫البنائية أو المنطقية‪ ،‬إذ إنها عىل الرغم من أنها ال تدل عىل ي‬
‫ه عىل وجه التحديد موضوع المنطق‪.‬‬ ‫علينا بناء أي فكرة من دونها‪ ،‬وهذه الكلمات البنائية ي‬
‫وإذا كان الحكم صحيحا بأن اإلنسان يفكر بطريقة منطقية‪ ،‬فليس معت ذلك أنه يكون‬
‫يسء استخدام موهبته‬ ‫ُ‬
‫دائما يف حياته ومواقفه هكذا‪ ،‬فهو معرض للخطأ يف استدالالته‪ ،‬وقد ي‬
‫ًّ‬
‫علمياوالتسليم بها‪.‬‬ ‫الفكرية المنطقية‪ ،‬ألسباب عديدة‪ ،‬منها االعتقادات الخاطئة‬
‫غي قادر عىل‬
‫فالبدان ر‬
‫ي‬ ‫البدان وتصوراته حول العالم واألشياء والظواهر‪.‬‬
‫ي‬ ‫مثال‪ :‬سلوك اإلنسان‬
‫منطقيا صحيحا‪ ،‬وينسب أسباب هذه الظواهر الطبيعية إىل قوى خفية‬‫ًّ‬ ‫تفسيا‬
‫ر‬ ‫تفسي الظواهر‬
‫ر‬
‫خية أو ررسيرة‪ ،‬وذلك حسب منفعة الظاهرة أو رصرها‪.‬‬ ‫غيبية‪ ،‬أو أرواح ّ‬
‫ر‬
‫كمه عىل‬ ‫ُ‬
‫وبالتاىل يف ح ِ‬
‫ي‬ ‫حت اإلنسان المتحرص قد ُيخىط يف استدالالته العقلية‪،‬‬ ‫بيد أنه ى‬

‫عشات القرون واإلنسان يبحث عن طريق‪ ،‬أو‬ ‫األشياء‪ ،‬وقد يقع ف التناقض‪ .‬ولذا فإنه ومنذ ر‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫تفكيه وتصوب بميلة "اآللة"‬ ‫الت تضبط‬ ‫ى‬
‫ر‬ ‫القواني الرصورية ي‬
‫ر‬ ‫وسائل‪ ،‬أو قواعد أو علم يضع له‬
‫التفكي الصحيح‪.‬‬
‫ر‬ ‫الت تمنح اإلنسان القدرة عىل‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلنسان‪ ،‬ومن الواضح أيضا أن اإلنسان‬
‫ي‬ ‫التفكي‬
‫ر‬ ‫ه نتاج‬
‫من الواضح أن جميع العلوم ي‬
‫ّ‬
‫وغي‬
‫ينته إىل نتائج خاطئة ر‬ ‫ي‬ ‫حينما يفكر قد يهتدي إىل نتائج صحيحة ومقبولة وقد‬
‫التفكي‬
‫ر‬ ‫معرض بطبيعته للخطأ والصواب‪ ،‬وألجل أن يكون‬ ‫تفكي اإلنسان – إذن‪ّ -‬‬ ‫مقبولة‪.‬فال ر‬
‫ي‬
‫التفكي‬
‫ر‬ ‫تهت له مجال‬
‫سليما وتكون نتائجه صحيحة‪ ،‬أصبح اإلنسان بحاجة إىل قواعد عامة ر‬
‫الصحيح ى‬
‫مت سار عىل ضوئها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فنتبي أنواع‬
‫ر‬ ‫بتعلمنا قواعد المنطق نستطيع أن ننقد األفكار والنظريات العلمية‬ ‫‪ -1‬إننا‬
‫ينم الروح النقدية لدى دارسيه‬ ‫ّ‬
‫وبالتاىل فهو ي‬
‫ي‬ ‫ونتعرف عىل أسبابها‬ ‫األخطاء الواقعة فيها‬
‫أو محبيه‪.‬‬
‫الت تؤدي إىل نتائج صحيحة من‬ ‫ى‬ ‫‪ّ -2‬إننا نستطيع أن ّ‬
‫نمي المناهج العلمية السليمة ي‬ ‫ر‬
‫غي صحيحة‪.‬‬ ‫الت تؤدي إىل نتائج ر‬‫ى‬
‫غي السليمة ي‬‫المناهج العلمية ر‬

‫‪78‬‬
‫قواني العلوم المختلفة وأن نقارن بينها ببيان مواطن‬
‫ر‬ ‫‪ّ -3‬إننا نستطيع أن ّ‬
‫نفرق ربي‬
‫ى‬
‫واالفياق‪.‬‬ ‫االلتقاء والشبه ومواطن االختالف‬

‫‪79‬‬
‫لغة المنطق‪:‬‬
‫نستخدم في المنطق‪ ،‬وفي بناء الحجة‪ ،‬وفي طرق تحليلها‪ ،‬عددا من العبارات والكلمات‬
‫ذات المعاني المحددة والمرتبطة باللغة الخاصة ببناء الحجة‪ .‬ومن هذه الكلمات‪ :‬إذا كان ‪ ...‬فإن‪،‬‬
‫لذلك‪ ،‬إذن‪ ،‬و‪ ،‬أو‪ ،‬لكن‪ ،‬ألن‪ ،‬وهكذا‪ .‬كما أن هناك تعبيرات سنقوم بعرضها‪ ،‬هنا‪ ،‬في هذا الفصل‪،‬‬
‫بغرض تعريف الطالب بلغة الحجاج المنطقي‪ ،‬وبالعبارات ذات المعاني الخاصة‪.‬‬

‫المقدمات )‪:(Premises‬‬ ‫‪)1‬‬


‫في أي بناء منطقي ال بد من أن يتم تقديم مجموعة من العبارات التي يتم ربطها بشكل‬
‫منطقي لنصل إلى نتيجة ما‪ .‬وهذه العبارات تسمى مقدمات وهي عبارات إخبارية تعطينا معلومات‬
‫عن شيء ما أو شخص ما‪ .‬والبناء المنطقي الذي يتكون من تلك المقدمات ليصل إلى نتيجة يسمى‬
‫حجة‪ .‬ويمكن التحقق من صحة الحجة أو عدم صحتها من خالل تحقيقها لمجموعة من القواعد‬
‫المنطقية التي سيتم التعرف عليها في هذا الكتاب‪.‬‬

‫القضية )‪:(Proposition‬‬ ‫‪)2‬‬


‫القضية هي جملة إخبارية يمكن أن تكون إما صادقة أو كاذبة‪ ،‬أي أنها تحتمل الصدق‬
‫أوالكذب‪ .‬ولذلك فإننا نقول إن القضية ال يمكن أن تكون سؤاال أو عبارة استنكارية‪ ،‬أو عبارة تعجب‪،‬‬
‫أو شبه جملة‪ .‬وفي المنطق الرمزي تستخدم الحروف األبجدية للتعبير عن القضية كأن نضع مكان‬
‫القضية‪" :‬ذهب عامر إلى السوق" الرمز "أ" أو الرمز "ب" أو أي رمز آخر من حروف األبجدية‪.‬‬
‫وهنا في هذا الكتاب سنستثني الحروف "س" و"ص" و"ع" للتعبير عن الفئات‪.‬‬
‫وعادة ً يتم بناء الحجاج المنطقي من خالل تقديم مجموعة من القضايا للوصول إلى نتيجة‬
‫محددة‪ ،‬بحيث تكون تلك النتيجة الزمة من المقدمات‪.‬‬

‫الحجة والتفسير (‪:)Argument and Explanation‬‬ ‫‪)3‬‬


‫الحجة هي بناء منطقي يتكون من مقدمة واحدة أو أكثر ونتيجة‪ ،‬بحيث تتبع النتيجة‬
‫المقدمات‪.‬أما التفسير فيكون تقديم شرح عن موضوع معين دون الحاجة لبناء حجة عن ما يقدم‪.‬‬
‫فمن الممكن أن نقول مثالً أن الرعد والبرق ينتجان عن اصطدام غيمتين في الطبقات العليا للجو‪.‬‬
‫هذه الجملة هي عبارة تفسيرية ال تحتوي على بناء حجاجي‪ .‬فما تقوله بالضبط هو أن تكون طاهرتي‬
‫الرعد والبرق ناتج عن اصطدام غيمتين في الفضاء‪ ،‬وهنا نحن نقدم جملة خبرية تخبرنا عن حقيقة‬
‫ما يحدث لتكون ظاهرة الرعد والبرق‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫‪ )4‬الحقائق واآلراء )‪:(Facts and Opinions‬‬
‫هناك فرق بين الحقائق وبين اآلراء؛ تتعلق الحقائق باألدلة التجريبية ويمكن التحقق منها‬
‫بالرجوع إلى العالم الموضوعي أو الواقعي‪ ،‬فهي خاضعة لعالم اإلدراك الحسي؛ أشياء يمكن‬
‫رؤيتها‪ ،‬وسماعها‪ ،‬ولمسها‪ ،‬وتذوقها‪ ،‬وهي تكون يقينية غالبا‪ ،‬ولكن ليس دائ ًما‪ ،‬ويمكن القول عنها‬
‫بأنها صادقة أو كاذبة‪ .‬فعندما أقول‪:‬إن البجع أبيض؛ يعني أننا لم نر حتى اآلن بجعة سوداء‪ ،‬وفي‬
‫حال رؤيتنا أي بجعة سوداء يجب التحول من القول أن البجع أبيض إلى القول بأن بعض البجع‬
‫أبيض‪.‬أما إن قلت‪ :‬إن الشجرة الموجودة أمام البيت هي شجرة زيتون‪ ،‬فأنا أقول إن األمر كذلك‬
‫ويستطيع أي أحد تأكيده بالرجوع الى الواقع‪ .‬بينما اآلراء هي بخصوص تفكيري حول العالم أو‬
‫موضوع ما أو ما يجب أن يكون عليه العالم أو الموضوع‪ ،‬ويمكن أن أدعم رأيي باألسباب وبالتفكير‬
‫المنطقي‪ ،‬إال أن هذه اآلراء ال يحكم عليها بالصدق أو الكذب‪.‬‬
‫إن الحجج المنطقية يجب أن تدعم ا‬
‫كال من الحقائق واآلراء‪ ،‬فكون بعض اآلراء جيدة ال‬
‫ع ًما باألدلة‬
‫يعادل كونهاقوية‪ ،‬فالرأي القوي يجب أن يكون قائ ًما على أسباب واضحة و ُمد ّ‬
‫وموضوعي‪.‬‬
‫الفرق األساسي بين الحقائق واآلراء هو فرق بين المعرفة واالعتقاد‪ ،‬نحن نعرف الحقائق‪،‬‬
‫ونعتقد باآلراء أو باألحرى نجد أنها تستحق التأييد‪ ،‬وفي بعض الحاالت قد نجد البرهان حول ما‬
‫نعتقد وبالتالي نحوله إلى حقيقة‪ ،‬إال أنه في النهاية البد من التأكيد على دعم حججنا بالحقائق‪ ،‬ألن‬
‫آراءنا غير كافية للبرهنة على قضية ما أو مجموعة من القضايا‪ .‬ويجب أن نكون قادرين على‬
‫التمييز ب ين الحقائق‪ ،‬ومن ثم االدعاءات التي يمكن أن تحمل الحقائق التي يمكن قبولها أو يجب‬
‫قبولها‪ ،‬وبين اآلراء أو األعتقادات التي تعبر عن وجهة نظر أو معتقد الشخص الذي يقدمها فقط‪.‬‬
‫ويمكن الوصول إلى التمييز بينهما عن طريق تحليل المثالين التاليين‪:‬‬
‫‪ ‬أقل من عشرة آالف شخص يشاهدون جلسات البرلمان على التلفاز‪.‬‬
‫‪ ‬الجلسات البرلمانية مملة‪.‬‬
‫من الواضح أن الجملة األولى هي جملة يمكن قبولها على أنها قضية صادقة (مع ضرورة‬
‫التحقق منها) (‪ ،)True Statement‬ألنها تدل على نتيجة رقمية يمكن قياسها والتحقق منها‪ .‬بينما‬
‫الجملة الثانية هي قضية تحمل موقفًا شخصيًّا للشخص الذي يعرضها وليست بالضرورة موقفًا يمكن‬
‫تعميمه‪ .‬وبذلك فالجملة األولى يمكن القول عنها بأنها جملة تعبر عن حقيقة ما (‪ ،)Truth‬بينما من‬
‫الواضح أن الجملة الثانية تعبر عن وجهة نظر‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫الحقائق‪ :‬هي عبارات إخبارية تعطينا معلومة واقعية يمكن التحقق منها عن طريق التجربة‬
‫المباشرة أو غير المباشرة‪.‬‬
‫الرأي أو وجهة النظر‪ :‬هي موقف ذاتي لصاحب االدعاء يمكن االتفاق أو االختالف معه‪.‬‬
‫"حكم قيمي ‪ :"Value Judgment‬هو نوع من األحكام التي يطلقها الفرد على قضية نابعا من‬
‫موقف ذاتي للمدعي‪ .‬األحكام القيمية تحتوي‪ ،‬في العادة‪ ،‬على عبارات مثل‪ :‬جيد‪ ،‬ورديء‪ ،‬وجميل‪،‬‬
‫وبشع‪ ،‬وخير‪ ،‬وشر‪ ،‬وما إلى ذلك من القضايا األخالقية والجمالية التي يمكن أن يختلف البشر في‬
‫الموقف منها‪.‬‬

‫‪ ‬مثال‪:‬‬
‫‪" o‬هذا الفلم رديء"‪،‬‬
‫‪" o‬من األفضل لألطفال أن يقرأوا الكتب ً‬
‫بدال من أن يشاهدوا التلفاز"‪.‬‬

‫االدعاء )‪:(Claim‬‬ ‫‪)5‬‬


‫االدعاء كلمة تدل على مجموعة العبارات التي يقدمها شخص ما كمقدمات للوصول إلى‬
‫نتيجة‪ .‬وهذه العبارات قد تكون صحيحة أو خاطئة‪ .‬ولكننا سنعاملها دائما كما لو كنا نشك فيها إلى‬
‫أن نتحقق من صحتها أو نتمكن من دحضها‪ .‬وبالتالي فعندما يزعم شخص ما بأن هذه العبارات‬
‫صحيحة‪ ،‬وبأنها مقدمات ضرورية لنصل معه إلى النتيجة التي يريدنا أن نصل إليها‪ ،‬فإننا نقول‬
‫عنه إنه "يدعي صحة العبارات" إلى أن نتمكن من إثبات صحة دعواه أو نفيها‪ .‬وبذلك فاالدعاء‬
‫يكون في العادة على شكل قضية‪.‬‬
‫يمكن في بعض األحيان أن يتم تجاوز القاعدة العامة عن المقدمات المقدمة على شكل‬
‫قضايا‪ ،‬ألسباب تتعلق باألسلوب الكتابي للكاتب‪ .‬ومن ثم يمكننا أن نرى في بعض الحاالت‪ ،‬قضية‬
‫على شكل سؤال‪ .‬ولكن يجب علينا أن نكون حذرين هنا‪ ،‬فالسؤال يجب أال يكون من النوع‬
‫الموضوع الستجداء إجابة عليه‪ ،‬ولكن من النوع الذي يفيد إجابة محددة يمكن أن يدركه المستمع‬
‫أو القارئ بشكل مباشر ودون الحاجة إلى تفسير أو إشارات إضافية‪ .‬وبالتالي فهي أسئلة استفزازية‬
‫تثير الوصول إلى قضية ما بعينها يمكننا أن نعتبرها مقدمة للنتيجة التي نريد الوصول إليها‪.‬‬
‫‪ ‬مثال‪ :‬ما عدد الناس الذين يشاهدون جلسات البرلمان العلنية؟ من الواضح أنه أقل من‬
‫العدد الذي يصبح معه عرض هذه الجلسات مسوغا‪ .‬إذن فما الحاجة لوجود قناة خاصة‬
‫بعرض الجلسات النيابية؟‬

‫‪82‬‬
‫من الواضح هنا أننا نستطيع أن نعيد بناء الحجة على الشكل التقليدي‪ ،‬ألننا نستطيع‪ ،‬بكل‬
‫سهولة‪ ،‬أن ندرك االدعاء الذي يدعيه الكاتب‪ ،‬وبذلك يمكننا أن نبني حجته كما يريد‪:‬‬
‫‪ ‬ليس هناك عدد كاف من الناس الذين يرغبون بمشاهدة الجلسات البرلمانية ليسوغ‬
‫عرض ما يدور فيها‪ .‬لذلك ليس هناك أي داع لوجود قناة خاصة بالجلسات البرلمانية‪.‬‬
‫إذناالدعاء‪ :‬هو حجة تحمل عددًا من المقدمات التي ليست بالضرورة (ال المقدمات وال النتيجة)‬
‫صادقة‪ ،‬على الرغم من أنها تقدم بصورة عامة على أنها صادقة‪ .‬ولذلك فإن االدعاء ال يحوي فقط‬
‫حقائق‪ ،‬بل معتقدات وآراء أيضا‪.‬‬

‫األسباب والمقدمات (‪:)Reasons and Premises‬‬ ‫‪)6‬‬


‫لقد استخدمنا هذه العبارات بشكل كبير في الوحدتين األولى والثانية‪ .‬التعبير التقني‬
‫المستخدم في بناء الحجة هو تعبير "مقدمة" و"مقدمات"‪ .‬فعلى الرغم من أنه من المتعارف عليه‬
‫أن المقدمات تنطوي على جملة من األسباب التي تجعلنا نعتقد بصحة النتيجة‪ ،‬إال أن التعبير الصحيح‬
‫أن نقول إنها مقدمات‪ ،‬ألننا في خط البرهان نبدأ بمقدمة أو مقدمات‪ ،‬لنصل إلى نتيجة‪ .‬ولكي نميز‬
‫أكثر بين المقدمات واألسباب ننظر إلى المثالين التاليين‪:‬‬
‫‪ ‬شعر محمود بالملل فذهب‪.‬‬
‫‪ ‬سيارة محمود لم تعد في مرآب السيارات‪ .‬إذن فإن محمودًا قد غادر‪.‬‬
‫في الجملة األولى نحن نعرض للسبب وحده الذي أدى بمحمود إلى المغادرة‪ ،‬وهنا نحن‬
‫نلحظ سببًا ولكننا ال نجد حجة‪ .‬أ ّما في الجملة الثانية فمن الواضح أننا نستطيع أن نحول الجملة إلى‬
‫الشكل القياسي للحجة‪ ،‬وبالتالي فإن الجملة هي تعبير مباشر عن حجة‪ ،‬والجزء األول منها هو‬
‫المقدمة‪ ،‬بينما الجزء الثاني هو النتيجة‪.‬‬

‫صالحية الحجة (‪:)Validity‬‬ ‫‪)7‬‬


‫أن نقول بأن حجة ما صالحة هو أن نقول إن خط البرهان المتبع من المقدمات إلى النتيجة‬
‫هو خط مقبول وممكن ومسموح به أو في بعض األحيان قانوني‪ .‬فالقول بأن "تذكرة الحافلة صالحة‬
‫لهذا اليوم فقط"‪ ،‬يعني بالضبط أنها لن تكون صالحة غدا‪ .‬وإذا ما تناولنا العبارة بحالة أخرى نقول‪:‬‬
‫"إن المرض قد يكون حجة صالحة للغياب عن االمتحان لكن لعب كرة القدم في وقت االمتحان‬
‫ليس عذرا مقبوال"‪.‬‬
‫وفي المنطق والبرهان نتعامل مع صالحية الحجة من أجل التحقق من أنها حجة مقبولة‪،‬‬
‫ويمكن االعتماد عليها أم ال‪ .‬ونقول إن الحجة صالحة عندما تتبع النتيجة فعال من المقدمات المقدمة‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫ولكن صالحية الحجة ال تعني صدق القضايا المكونه لها أو صدق نتيجتها‪ ،‬فمن الممكن‬
‫أن نحصل على حجة صالحة بينما تكون واحدة أو أكثر من مقدماتها و‪/‬أو النتيجة كاذبة‪.‬‬
‫لنأخذ المثال التالي‪:‬‬
‫‪ ‬المخلوقات القادمة من كوكب فولكن آذانها مدببة إلى أعلى‪ .‬كابتن كيرك هو من‬
‫كوكب فولكن‪ ،‬إذن ال بد أن أذنيه مدببتان إلى أعلى‪.2‬‬
‫فهل هذه الحجة صالحة باالعتماد على معرفتنا بمسلسل "ستار ترك"‪ ،‬حيث لم يكن كابتن‬
‫كيرك من كوكب فولكن ولم تكن أذناه مدببتين إلى أعلى؟‬
‫في الحقيقة‪ ،‬إن هذه الحجة هي حجة صالحة‪ .‬فالنتيجة تتبع من المقدمات بشكل سليم على‬
‫الرغم من أن المقدمة الثانية خاطئة وكذلك النتيجة‪ .‬فإذا ما اعتمدنا على المقدمات في الحجة دون‬
‫العودة إلى معرفتنا بالمسلسل‪ ،‬فإنه على فرض صحة المقدمات‪ ،‬تكون النتيجة صحيحة أيضا‬
‫وبالتالي فالحجة صالحة‪.‬‬
‫وفي المقابل يمكنك أن تحصل على حجة تكون مقدماتها ونتيجتها صحيحة فعال‪ ،‬ولكن‬
‫الحجة غير صالحة كما في قولنا‪:‬‬
‫‪ ‬المخلوقات القادمة من كوكب فولكن آذانها مدببة إلى أعلى‪ .‬السيد سبوك أذناه‬
‫مدببتان إلى أعلى‪ ،‬إذن ال بد أن السيد سبوك من كوكب فولكن‪.‬‬
‫ولكن لماذا ال نعتبر هذه الحجة صالحة‪ ،‬بالرغم من أن مقدماتها ونتيجتها صادقة؟‬
‫السبب في حكمنا على هذه الحجة أنها غير صالحة (‪ )Invalid argument‬هو أن النتيجة‬
‫ال تتبع من المقدمات‪ .‬فمن الممكن أن يكون هناك مخلوقات أخرى في أماكن أخرى تحمل آذانًا‬
‫مدببة لألعلى‪ ،‬وبذلك فمن الممكن أن يكون سبوك هذا‪ ،‬على الرغم من أن أذنيه مدببتان إلى أعلى‪،‬‬
‫ليس مخلوقا من مخلوقات كوكب فولكن‪.‬‬

‫االستدالل‪:‬‬ ‫‪)8‬‬
‫االستدالل عملية عقلية يتوصل فيها المرء إلى قضية (تدعى النتيجة) بداللة قضية أخرى‬
‫أو أكثر (تدعى المقدمات أو البينات) لقيام عالقة معينة بينهما‪ .‬ففي االستدالل ‪ -‬كما يقول بالك‬
‫)‪ -(Max Black‬تُتخذ قضية واحدة أو أكثر مسلم بها دليال لألخذ بصدق قضية أخرى بوساطة‬
‫التفكير وحده‪ ،‬دونما حاجة إلى التثبت من صدقها وحدها‪ .‬فاالستدالل إذن يقوم في عناصر ثالثة‬
‫هي‪:‬‬

‫‪2‬هذا المثال يرتبط بوقائع األحداث الدائ رة في المسلسل التلفزيوني المعبر عن سبر الفضاء والحرب بين الكواكب "ستار ترك" والذي‬
‫يتحدث عن سفينة كونية "االنتربرايز" التي يقودها الكابتن كيرك‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ -1‬مقدمة واحدة أو أكثر (بيّنات) يُستدل بها‪.‬‬
‫‪ -2‬نتيجة تترتب على التسليم بالمقدمات أو البيّنات‪.‬‬
‫‪ -3‬عالقة تضمن أو لزوم بين المقدمات والنتيجة‪.‬‬
‫يجب أن نكون حذرين عند الحديث عن االستدالل‪ .‬فمن يستدل هو العقل البشري وهو‬
‫يستدل بجملة من المقدمات على نتيجة ما‪.‬‬
‫لالستدالل شكالن‪ :‬األول يعرف باالستنباط)‪ (Deduction‬وهو النوع الذي نصل به من‬
‫الكليات إلى الجزئيات‪ ،‬أو من التعميم إلى التخصيص‪ .‬بينما النوع الثاني يعرف‬
‫باالستقراء)‪ (Induction‬وهو االنتقال من الجزئيات إلى الكليات‪ ،‬أو من التخصيص إلى التعميم‪.‬‬
‫واالختالف بين هذين النوعين من االستدالل يتوقف على طبيعة العالقة الكائنة بين‬
‫المقدمات والنتيجة‪ .‬ففي االستنتاج الصحيح تكون المقدمات دليال قاطعا على صدق النتيجة بحيث‬
‫ال يمكن أن تكذب النتيجة إن صدقت المقدمات‪ .‬وحينئذ يقال أن النتيجة تلزم بالضرورة أو اضطرارا‬
‫فتكون المقدمات دليال كافيا على‬
‫من المقدمات أو متضمنة فيها )‪ .(Implied in‬أما في االستقراء ّ‬
‫صدق النتيجة وحسب‪ ،‬فال تكون النتيجة أكيدة بل محتملة‪ .‬وهكذا إذا سلمنا بالمقدمات في االستنتاج‬
‫اضطررنا إلى التسليم بصدق النتيجة وإال وقعنا في تناقض‪ ،‬بينما إذا سلمنا بصدق المقدمات في‬
‫االستقراء‪ ،‬فال نضطر إلى التسليم بصدق النتيجة‪ ،‬بل نقول أنها محتملة وحسب‪ .‬ففي الحجة‬
‫االستنباطية‪:‬‬
‫كل حر مسؤول عن أعماله‬
‫كل إنسان حر‬
‫إذن فكل إنسان مسؤول عن أعماله‬
‫تلزم النتيجة "كل إنسان مسؤول عن أعماله" من المقدمات اضطرارا لقيام عالقة تضمن‬
‫)‪ (Implication‬بين المقدمات والنتيجة‪ .‬وإذا كانت المقدمات في هذه الحجة صادقة وجب أن‬
‫تكون النتيجة صادقة كذلك‪.‬وفي الحجة االستقرائية‪:‬‬
‫تناول جمال دواء األسبرين فشفي من صداع الرأس‬
‫تناول فراس دواء األسبرين فشفي من صداع الرأس‬
‫تناول رافد دواء األسبرين فشفي من صداع الرأس‬
‫تناولت هدى دواء األسبرين فشفيت من صداع الرأس‬
‫إذن فكل إنسان يتناول دواء األسبرين يشفى من صداع الرأس‬
‫ال تلزم النتيجة "كل إنسان يتناول دواء األسبرين يشفى من صداع الرأس"من المقدمات‬
‫بالضرورة ألنه لو صدقت المقدمات (وهي قضايا شخصية جزئية) فال تكون النتيجة صادقة‬

‫‪85‬‬
‫بالضرورة‪ ،‬إنما نعتقد بأنها محتملة وحسب‪ .‬فقد يحدث أن امرءا يتناول دواء األسبرين دون أن‬
‫يشفى من صداع الرأس‪ .‬وعليه فالقول "كل حر مسؤول عن أعماله وكل إنسان حر‪ ،‬فكل إنسان‬
‫غير مسؤول عن أعماله" تناقض في األلفاظ‪ ،‬في حين أن القول "تناول جمال دواء األسبرين فشفي‬
‫من صداع الرأس‪ ،‬وتناول فراس دواء األسبرين فشفي من صداع الرأس ‪...‬إلخ‪ ،‬فكل إنسان يتناول‬
‫دواء األسبرين ال يشفى من صداع الرأس" ليس تناقضا في األلفاظ‪ ،‬بل شيء غير مألوف‪.‬‬
‫ويتجلى االختالف بين االستنباط واالستقراء في الطريقة التي تقدم فيها النتيجة‪ ،‬ففي‬
‫االستنباط نقول‪" :‬فمن المؤكد بأن ‪ ،"...‬و"فال مناص من ‪ "...‬و"يلزم ذلك حتما‪ "...‬و"من‬
‫الضروري ‪ "...‬أما في االستقراء فنقول‪" :‬يبدو أنه من األرجح ‪ ،"...‬و"هذا مما يبين‪."...‬‬
‫وبما أن االستنباط استدالل يمكن التحقق منه بسهولة فإن أكثر القضايا التي نواجهها في‬
‫خط البرهان والمنطق هي قضايا استنباطية ال استقرائية‪ .‬فاالستقراء بحاجة إلى تجربة وإلى معرفة‬
‫تعميمية من نوع ما‪ .‬وكما شاهدنا سابقا فإن التعميم ال يصلح‪ ،‬في بعض األحيان‪ ،‬للوصول إلى‬
‫نتائج مقبولة‪ .‬وبذلك فإن الحجة التي تحمل تعمي ًما ما‪ ،‬يمكن أن تكون حجة غير صالحة‪.‬‬
‫إذن علينا أن نميز بين الحجة االستقرائية والحجة االستنباطية وهو تمييز ضروري عند‬
‫تقييمنا للحجة‪ ،‬نستطيع القول بشكل عام أن الحجة االستقرائية عملية استداللية يتم فيها االنتقال من‬
‫وضع مقدمات جزئية للوصول إلى تعميم أو نتائج كلية‪ ،‬وعادة تكون النتيجة أعم من المقدمات‪.‬‬
‫بينما الحجة االستنباطيةعملية استداللية نستخلص فيها النتائج من مقدمات نسلم بصحتها‪ ،‬وتكون‬
‫المقدمات عادة أعم من النتيجة‪.‬‬
‫الحظنا في الحجة االستنباطية أن النتيجة تكون الزمة عن المقدمات‪ ،‬فإن كانت المقدمات‬
‫صادقة فإن النتيجة تكون صادقة بالضرورة‪ .‬ألنه عادة تكون النتيجة ُمتضمنة أو موجودة على شكل‬
‫ضمنيفي المقدمات‪ ،‬لهذا ال نستطيع أن نقول إن المقدمات صادقة والنتيجة كاذبة‪ ،‬وال يمكن حتى‬
‫التساؤل أو التشكيك في النتيجة‪ .‬ويقال في هذا النوع من الحجج أو االستدالل أن النتيجة ال تضيف‬
‫شيئا جديدا للموضوع‪.‬‬
‫عند التقييم أو الحكم على حجة استنباطية معينة علينا أن نتأكد من‪:‬‬
‫‪ .1‬صدق المقدمات ‪ .2‬صحة البناء الصوري لهذه الحجة (أي عدم مخالفتها لقواعد‬
‫القياس)‪.‬‬
‫أما بالنسبة للحجة االستقرائية فعلينا أن نتأكد من أن‪:‬‬

‫‪ .1‬المقدمات صادقة أو مقبولة‬


‫‪ .2‬المقدمات مرتبطة بالمسألة التي نعالجها؛ أي لها صلة بالموضوع‬

‫‪86‬‬
‫‪ .3‬المقدمات مقنعة أو تعطي أسبابًا كافية لتصديق أو تبرير النتيجة‬
‫‪ .4‬المشاهدات العملية تدعم االفتراضات المقدمة‬
‫عليك أن تأخذ بعين االعتبار أن تقييم الحجة أو الحكم عليها ال عالقة له بكونك موافقًا أو‬
‫غير موافق على النتيجة‪ ،‬فأنت ال تستطيع أن ترفض حجة ألنك غير موافق على النتيجة أو بالعكس؛‬
‫أي أن تقبل حجة لمجرد أنك موافق أو راض عن النتيجة‪.‬‬

‫أنظر إلى األمثلة التالية‪:‬‬


‫عقوبة اإلعدام تردع الناس عن ارتكاب الجرائم‬ ‫مثال رقم (‪:)1‬‬
‫أحمد يؤيد تنفيذ عقوبة اإلعدام‬
‫أحمد يؤيد ردع الناس عن ارتكاب الجرائم‬
‫عقوبة اإلعدام هي قتل إنسان‬ ‫مثال (‪:)2‬‬
‫من العدالة تنفيذ عقوبة اإلعدام‬
‫من العدالة قتل إنسان‬
‫صا أبرياء‬
‫عقوبة اإلعدام قد تطال أشخا ً‬ ‫مثال (‪:)3‬‬
‫عقوبة اإلعدام غالبًا ما تنفذ ضد األقليات والفقراء‬
‫عقوبة اإلعدام أقل أل ًما للمجرم من السجن المؤبد‬
‫عقوبة اإلعدام تخالف الوصية التي تقول "ال تقتل"‬
‫عقوبة اإلعدام ال تعطي فرصة للتوبة والتكفير عن الذنب‬
‫إذن يجب إلغاء عقوبة اإلعدام‬
‫عقوبة اإلعدام تجعل المجرم يرتدع عن ارتكاب الجرائم خوفًا من الموت‬ ‫مثل (‪:)4‬‬
‫بعض المجرمين ال يخافون من الموت‬
‫يجب إقرار عقوبة اإلعدام حتى يرتدع المجرمون عن ارتكاب الجرائم‬

‫نالحظ أن المثال األول هو حجة استنباطية صحيحة‪ ،‬وقضاياها صادقة ونتيجتها ُمتسقة مع‬
‫المقدمات والزمة عنها‪ ،‬كذلك الحجة في المثال الثاني‪ .‬إال أن البعض قد ال يؤيد أو ال يتفق مع‬
‫النتيجة في المثال الثاني بالرغم من أن مقدماتها صادقة‪ ،‬ونتيجتها ضرورية منطقية والزمة عن‬
‫المقدمات! إن هذا غير مقبول ألن النتيجة كما قلنا ال عالقة لها بماذا تريد أو ماذا تعتقد؟!ما المغزى‬
‫من المحاججة المنطقية في المقام األول إذا كنت ستتجاهل األدلة واألسباب والمنطق؟ في هذه الحالة‬

‫‪87‬‬
‫اعتقد ما تريد وافعل ما تريد فعله‪ .‬إن للمنطق قواعد وهو بيان وتوضيح لألمور والمعتقدات ويقودك‬
‫إلى التفكير النقدي خالل النقاش أو الجدال حول موضوع ما‪.‬‬

‫المضاعفات أو ما يمكن أن ينتج عن حجة ما‪:‬‬ ‫‪)9‬‬


‫قد نكتشف‪ ،‬في بعض األحيان‪ ،‬أن قبولنا بحجة ما ال يؤثر فقط على سير الحجة‪ ،‬ولكن‬
‫يؤثر أيضا على ما يترتب على الحجة من نتائج مضمرة‪.‬‬
‫وهنا يجب أن نكون حذرين‪ :‬في كثير من األحيان يقفز اإلنسان إلى استنتاجات يمكن أن‬
‫تأتي من سماعه لبعض العبارات كقول أحدهم‪" :‬سمير فعل كل ما يستطيع لكي يفوز"‪ .‬فمن الممكن‬
‫أن يستنتج السامع من هذه الجملة أن سمير لم يفز بالمباراة‪ .‬لكن الخط المنطقي ال يمكنه أن يوصلنا‬
‫إلى مثل هذه النتيجة‪ .‬فحجة من النمط التالي‪:‬‬
‫"سمير فعل كل ما في وسعه للفوز‪ .‬إذن سمير خسر المباراة"‬
‫هي بالتأكيد ليست حجة صالحة‪.‬‬
‫وبالتالي فمن الضروري أن نتمكن من التعرف إلى ما يمكن أن تكون عليه النتيجة من‬
‫المقدمات المقدّمة‪.‬‬

‫االفتراضات‪:‬‬ ‫‪)10‬‬
‫الشيء الذي نفرضه هو الشيء الذي نأخذه وكأنه مسلم به‪ .‬فنحن نفترض عندما ندخل‬
‫الطائرة أن من يقودها ال بد أن يكون قد تدرب لساعات طويلة على قيادة الطائرة وأنه قادر على‬
‫قيادتها بالشكل المناسب‪ .‬ولذلك فنحن ال نذهب للتحقق من صحة هذه المعلومات ونسأل قائد الطائرة‬
‫عن شهاداته‪.‬‬
‫وبالنسبة للحجج فإن كل المقدمات هي عبارة عن فرضيات إال تلك المعروفة على أنها‬
‫حقائق‪ .‬ونحن نقبل صدق هذه المقدمات لنتحقق من صالحية الحجة‪ .‬وبعض المشتغلين في المنطق‬
‫يعتبر أن المقدمات والفرضيات هي الشيء عينه‪ .‬أي أنهم ال يفرقون بين الفرضيات والمقدمات‪.‬‬
‫ولكننا هنا لن نستخدم الفرضيات لكي نعرف فقط تلك القضايا المستخدمة بشكل واضح كمقدمات‪،‬‬
‫ولكن أيضا يمكن اعتبار المقدمات المضمرة نوعا من الفرضيات أيضا‪ .‬فنحن هنا لن نتعامل مع‬
‫الحجج بحسب الوصف المنطقي لها‪ ،‬حيث يلتزم المشتغل بالمنطق أن يعلن عن جميع مقدماته بشكل‬
‫مناسب لكي يصل إلى النتيجة المناسبة وبالتالي تكون حجته صالحة‪ .‬وألننا نتعامل مع قضايا وحجج‬
‫من الحياة اليومية‪ ،‬حيث ال يعتني مقدّمها بقوانين المنطق الصارمة‪ ،‬ويمكن أن يفترض الكاتب أن‬

‫‪88‬‬
‫القارئ على دراية ببعض المقدمات المضمرة وببعض الفرضيات‪ ،‬وبالتالي فهو يغفل عن البوح‬
‫بها‪ ،‬لكنها تكون مهمة في تقويمنا للحجة أو في تحليلنا لها‪.‬‬
‫تذكر أن في كثير من الحجج القصيرة العديد من الفرضيات المضمرة‪ ،‬كما في المثال‬
‫التالي‪:‬‬
‫سمير ذهب إلى المنزل ألن سيارته ليست أمام المكتب‬
‫سميرا ذهب إلى البيت‬
‫ً‬ ‫هنا نرى أن هذه الحجة تنطوي على الفرضيات المضمرة‪ ،‬منها أن‬
‫فعال‪ ،‬وليس إلى أي مكان آخر كأن يكون قد نزل إلى السوق أو ذهب إلى صديق‪ ،‬أو أي فرضية‬
‫أخرى ممكنة للتعبير عن تصرف سمير عند تركه العمل إلى جانب الذهاب إلى البيت‪ .‬وتنطوي‬
‫سميرا جاء اليوم إلى العمل كعادته بالسيارة‪ ،‬ولم يستقل الحافلة أو لم يأت‬
‫ً‬ ‫أيضا على القول بأن‬
‫بسيارة أجرة ألي سبب من األسباب كأن تكون سيارته في ذلك اليوم معطلة‪ .‬وتفترض أيضا أن‬
‫سميرا قد وجد مكانًا لركن السيارة أمام المكتب ذلك الصباح كما هو معتاد‪ ،‬ولم يسبقه أحد إلى‬
‫الموقع المعتاد له‪.‬‬

‫الشروط الضرورية والشروط الكافية‬ ‫‪)11‬‬


‫طا ضروريًّا للوصول إلى نتيجة ما ولكنها ال تكون شر ً‬
‫طا كافيًا‬ ‫بعض المقدمات تكون شر ً‬
‫للوصول إلى النتيجة‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ :‬لكي يصنع أحدهم "عجة بيض" ال بد له أن يكسر البيض‬
‫صا ما يصنع العجة‪ .‬فمن الممكن‬
‫أوال لكننا ال يمكننا القول بأن كسر البيض سبب كاف للقول بأن شخ ً‬
‫له أن يكسر البيض لصنع الكعك أو أي منتج آخر من البيض ولكن ليس العجة‪ .‬وبالتالي نقول بأن‬
‫كسر البيض شرط ضروري لصنع العجة لكنه ليس شر ً‬
‫طا كافيًا‪ .‬بينما تكون بعض المقدمات‬
‫ضرورية وكافية للوصول إلى النتيجة وبغيرها ال نصل إلى أي نتيجة‪ ،‬وحتى لو كان هناك مقدمات‬
‫أخرى تدعم المقدمة هذه‪ .‬بينما يمكن أن تكون بعض المقدمات كافية‪ ،‬ولكنها ليست ضرورية‬
‫للوصول إلى النتيجة‪.‬‬

‫‪ ‬لنحلل المثال التالي‪:‬‬


‫يوجد إشارة مرور على شكل مربع أزرق‪ .‬وهذه اإلشارة تشير إلى أن الوقوف مسموح‬
‫عندها‪ .‬إذن نستطيع أن نركن السيارة عندها‪.‬‬
‫من الواضح أن وجود اإلشارة هو سبب كاف لكي نقول إن الوقوف مسموح هنا‪ .‬ولكن‬
‫عدم وجود اإلشارة ال يعني بالضرورة أن الوقوف ممنوع‪ .‬فمن الممكن أن تكون هناك العديد من‬
‫الطرق التي يسمح فيها وقوف المركبات وال تحمل أي إشارات تسمح بهذا الوقوف‪ .‬أي أن وجود‬

‫‪89‬‬
‫اإلشارة هو شرط كاف ولكنه ليس شر ً‬
‫طا ضروريًّا‪ .‬بينما عندما نرى إشارة دائرة حمراء وداخلها‬
‫خطان متقاطعان (إشارة ممنوع الوقوف والتوقف) عند أي من الطرق فإننا ندرك بأنه ال الوقوف‬
‫وال حتى التوقف مسموح به عندها‪ ،‬وبالتالي فإن وجود اإلشارة سبب كاف وضروري للقول بأن‬
‫الوقوف والتوقف ممنوع عندها‪.‬‬
‫أرى إشارة دائرة حمراء وداخلها خطان متقاطعان (إشارة ممنوع الوقوف‬
‫والتوقف)‪ ،‬إذن ال أستطيع أن أركن سيارتي هنا‪.‬‬

‫الحظ هنا أن عدم وجود اإلشارة هو سبب كاف لالعتقاد أن الوقوف مسموح به‪ ،‬إذ إن‬
‫المنع ال بد أن يكون صري ًحا لكي يكون صال ًحا‪ .‬وبالتالي فإن وجود اإلشارة ضروري للوصول إلى‬
‫النتيجة‪ ،‬وبدونها ال نستطيع أن نصل إلى هذه النتيجة‪.‬‬

‫المقدمات المضمرة‬ ‫‪)12‬‬


‫على الرغم من أن البناء المنطقي يتوجب أن يتكون من مقدمات ظاهرة يمكن للفرد أن‬
‫يصل معها إلى النتيجة‪ ،‬إال أنه‪ ،‬في كثير من األحيان‪ ،‬يقدم الكاتب أو المتحدث حجة ناقصة‪ ،‬ولكنها‬
‫مفهومة ألنها تتضمن تمامها وبالتالي يمكن للمتلقي لها أن يتعرف إلى المقدمات الضرورية التي‬
‫تضمن تمام الحجة وتؤدي إلى النتيجة المقدمة‪.‬‬
‫ومن األمثلة الواضحة على المقدمات المضمرة قول أحدهم‪ :‬الجو غائم اليوم‪ ،‬وإذا أردت‬
‫الخروج خذ معك المظلة‪ .‬بالتأكيد هذه حجة تامة حتى لو لم تكن كل مقدماتها واضحة‪ ،‬ألننا نتمكن‬
‫من إتمامها بمجرد سماعها‪ ،‬ولكي تكون الحجة تامة يجب أن يقول الشخص‪:‬‬
‫الجو غائم اليوم‬
‫وفي اليوم الغائم تكون احتمالية المطر عالية‬
‫وإذا أراد الفرد أن يمشي في المطر فإنه سيتبلل‬
‫ولكي ال يتبلل الفرد ال بد من أن يحمل مظلة تقيه من المطر‬
‫فإذا أراد أحدهم الخروج من المنزل وال يريد أن يتبلل فعليه بحمل المظلة‬
‫إذا أردت الخروج فخذ معك المظلة‬ ‫إذن‪:‬‬

‫بالتأكيد‪ ،‬نحن ال نقوم بتفصيل هذه المقدمات كلها في حياتنا اليومية‪ .‬فنحن نسلم بكثير من‬
‫المقدمات المعروفة التي ال تحتاج منا أن نعلن عنها‪ ،‬ولكننا نتبناها ونأخذ بها حتى لو لم نقلها‪ .‬ولكن‬

‫‪90‬‬
‫حتى في هذه الحالة يجب أالّ نضمر من المقدمات إال ما هو متفق بشأنه‪ ،‬فإذا ما كان هناك قضية‬
‫أو فكرة ال يتفق عليها كل من يسمعها وجب على مقدم الحجة أن يقدمها كجزء من مقدماته‪ ،‬وفي‬
‫بعض األحيان ال بد له أن يسوغ لماذا قرر استخدام هذه المقدمة التي ال يتفق معها اآلخرون‪.‬‬
‫ويمكن االستدالل على المقدمات المضمرة من النتيجة‪ .‬فبحسب البناء المنطقي يجب على‬
‫حدود النتيجة أن تكون مستغرقة في المقدمات‪ ،‬فإذا ما كان هناك حد من حدود النتيجة غير مذكور‬
‫في المقدمات‪ ،‬فهذا يعني أن هناك مقدمة مضمرة ال بد لها أن تحتوي الحد المتوافر في النتيجة مع‬
‫أحد الحدود التي لم يتم حذفها من المقدمات‪.‬‬

‫أنواع القضايا‬
‫قدمنا أعاله تعريفًا للمفاهيم المنطقية األساسية التي تمكننا من تتبع الحجاج المنطقي‪ .‬أما‬
‫ضا ألدوات الربط المختلفة التي يمكنها أن تربط بين القضايا‪ .‬وبحسب التعريف‬
‫هنا فسنقدم عر ً‬
‫البسيط للقضية فإن القضية كما قلنا جملة خبرية تخبرنا عن شيء ما‪ .‬من الممكن لهذا الشيء أن‬
‫يعبر عن حقيقة فتكون القضية صادقة أو ّأال يعبر عن حقيقة فتكون القضية كاذبة‪ .‬وبالتالي فإن أي‬
‫قضية تكون قضية منطقية إذا كان من الممكن أن نعطي "حكما" عليها بأن نقول بأنها "صادقة"‬
‫(ص) أو "كاذبة" (ك)‪.‬‬
‫القضايا المنطقية تتكون من شقين‪ :‬الموضوع والمحمول‪ ،‬وموضوع القضية هو الشيء‬
‫الذي يتم اإلخبار عنه‪ .‬أما محمول القضية فهو الخبر الذي يح ّمل على موضوع القضية‪ .‬ففي الجملة‬
‫"عامر طالب في جامعة القاهرة" نرى أن موضوع القضية هو "عامر"‪ ،‬والذي يتم إخبارنا عنه‬
‫بأنه "طالب في جامعة القاهرة" والتي تعتبر محمول القضية‪.‬‬
‫لنأخذ المثالين التاليين‪:‬‬
‫مثال (‪ :)1‬كل الطالب هم ناجحون‬
‫مثال (‪ :)2‬بعض األفارقة هم عرب‬
‫تتكون القضيتان السابقتان من‪:‬‬
‫(‪ )1‬سور القضية أو عالمة الكم (كل‪،‬بعض)‬
‫(‪ )2‬الموضوع (الطالب‪ ،‬األفارقة)‬
‫(‪ )3‬الرابطة (هم)‬
‫(‪ )4‬المحمول (ناجحون‪ ،‬عرب)‪.‬‬
‫وفيما يلي توضيح كل عنصر من عناصر القضية‪:‬‬

‫‪91‬‬
‫‪ .1‬الموضوع (‪ :)Subject Term‬هو ذلك الحد الذي نثبت له أو ننفي عنه صفة من الصفات‬
‫أو مجموعة من الصفات عن الموضوع‪.‬أي هو مايسند إليه الحكم‪.‬‬
‫‪ .2‬المحمول (‪ : )Predicte Term‬هو ذلك الحد الذي نثبت أو ننفي به صفة من الصفات أو‬
‫مجموعة من الصفات عن الموضوع‪ .‬أي هو الحكم ذاته‪.‬‬
‫‪ .3‬الرابطة (‪ :)Copula‬وهي الرباط الذي نربط به الموضوع بالمحمول‪.‬‬
‫‪ .4‬عالقة الكم أو سور القضية (‪)Quantifiers‬وهي الكلمة التي تحدد إن كان الحكم كلّيًّا على‬
‫أفراد الموضوع أو الفئة(‪ )Class‬أو إن كان الحكم جزئيًّا سواء في حالة اإليجاب أو السلب‪.‬‬
‫وقد تكون القضايا بسيطة وقد تكون مركبة‪ .‬والقضية المركبة هي القضية التي يمكن‬
‫تبسيطها إلى قضايا أبسط منها باستخدام روابط منطقية‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫عامر طالب في جامعة القاهرة‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫عامر وسليم طالبان في جامعة القاهرة‪.‬‬ ‫‪)2‬‬
‫حاصل جمع ‪ 5‬و ‪ 7‬يساوي ‪.12‬‬ ‫‪)3‬‬
‫إذا درس عامر فإنه سينجح باالمتحان‪.‬‬ ‫‪)4‬‬
‫هنا فإننا ن رى بأن الجملة األولى تعبر عن قضية بسيطة؛ فهي تتكون من موضوع واحد‪:‬‬
‫"عامر" ومن محمول‪" :‬طالب في جامعة القاهرة"‪ .‬أما الجملة الثانية فإننا نجد أنها قضية تحتوي‬
‫على موضوعين‪" :‬عامر" و "سليم" وتحتوي على محمول واحد‪" :‬طالبان في جامعة القاهرة"‪ .‬هنا‬
‫فإن هذه الجملة مركبة وال تعبر عن قضية بسيطة بل قضية مركبة من قضيتين‪" :‬عامر طالب في‬
‫جامعة القاهرة" و"سليم طالب في جامعة القاهرة" وهناك رابط بينهما هو رابط الوصل "و"‪.‬‬
‫الجملة الرابعة تعبر أيضا عن جملة مركبة بالرغم من أنها تحتوي فقط على موضوع‬
‫واحد‪ ،‬وذلك ألنها تحتوي على محمولين وعلى رابط شرطي بين المحمولين‪ .‬فالموضوع هنا‬
‫"عامر" ولكن هناك رابط بين القضية "عامر درس" وبين القضية "عامر سينجح باالمتحان"‪.‬‬
‫وهذا الرابط نسميه الرابط الشرطي الذي يربط بين القضيتين‪ :‬إذا "عامر درس" فإن "عامر سينجح‬
‫باالمتحان"‪.‬‬
‫أما الجملة الثالثة فعلى الرغم من بساطتها إال أنها تحمل الكثير من اإلشكاليات الفلسفية‬
‫والمنطقية‪ .‬فهي بشكل عام‪ ،‬وإذا ما أخذنا بالتعريف البسيط للقضايا‪ ،‬فإنها قضية بسيطة تشير إلى‬
‫أن حاصل جمع الرقمين ‪ 5‬و ‪ 7‬هو ‪ .12‬فإذا ما نظرنا إلى القضية بحيث نعتبر أن هناك طرفي‬
‫معادلة فإن القضية تكون بسيطة بحيث إن ‪ 5‬و ‪ 7‬في جانب تساوي ‪ 12‬في الجانب اآلخر وبالتالي‬
‫فنحن ال نتحدث عن قضيتين ألننا فقط نقرر حقيقة هي كون أن ‪ 5‬و‪ 7‬هي ‪ 12‬وهي حقيقة رياضية‬

‫‪92‬‬
‫معروفة لطالب المرحلة االبتدائية‪ .‬وحرف العطف هنا ال يشير إلى أننا نتعامل مع قضيتين فنحن‬
‫ال نتعامل مع موضوع أول هو ‪ 5‬وموضوع ثان هو ‪ 7‬بل مع موضوع واحد هو "‪ 5‬و ‪،"7‬‬
‫ومحمول هذه القضية هو "‪ ."12‬إلى هنا واألمور بسيطة وسلسة ولكن هذه الجملة تجبرنا إلى‬
‫الحديث عن حوار طويل في المنطق حول القضايا وأنواعها‪.‬‬
‫أي أن أنواع القضايا إما بسيطة )‪ (Simple‬أو ذرية )‪ (Atomic‬وإما مركبة‬
‫)‪ (Compound‬وأو جزئية )‪ .(Molecular‬فأما البسيطة فهي القضية التي (ال يمكن تحليلها)‬
‫تكون بدورها قضايا أو أقواال تحتمل الصدق أوالكذب‪ .‬وأما المركبة فهي القضية التي‬
‫إلى أجزاء ّ‬
‫تتكون من قضايا بسيطة مرتبطة (بعالقة ما)‪ .‬بكلمة أخرى إن القضية البسيطة تعبر عن واقعة‬
‫وا حدة من وقائع العالم ال أكثر‪ ،‬أما القضية المركبة فتعبر عن أكثر من واقعة واحدة‪" .‬فالقضية‬
‫البسيطة قول موجب لشيء ما أو سالب عن شيء ما‪ ،‬والمركبة هي القضية التي تتألف من قضايا‬
‫بسيطة اثنتين أو أكثر"‪.‬‬
‫ولقد تم تصنيف الحكم في القضايا ألول مرة مع أرسطو وقد حدد األنواع التالية‪:‬‬
‫القضايا القبلية‪ :‬وهي تلك القضايا التي ال تحتاج إلى تجربة للتحقق من صدقيتها‪ ،‬إذ يمكن‬ ‫‪-‬‬
‫التحقق منها إما من خالل التعريف أو اإليمان العقلي‪.‬‬
‫القضايا التحليلية‪ :‬وهي القضايا التي ال يضيف محمولها أي معرفة جديدة عن موضوعها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أي أن المحمول والموضوع متساويان في المعنى‪ ،‬مثل التعريف أو الترادفات كالقول أن "المداد‬
‫هو الحبر"‪.‬‬
‫وقد كان هناك إلى عهد الفيلسوف األلماني أمانويل كانط نوع من الترابط العضوي بين‬
‫هذين النوعين من القضايا بحيث إن األمثلة عن النوع األول تصلح نفسها أمثلة عن النوع الثاني‪.‬‬
‫ومن القضايا التي يمكن تصنيفها على هذا النحو‪" :‬األعزب شخص غير متزوج"‪ .‬وهذه القضية‬
‫يمكن التحقق من صدقيتها دون الحاجة للتجربة ألن األعزب هو بالتعريف "شخص غير متزوج"‪.‬‬
‫ويمكن القول أيضا أن محمولها ال يضيف معرفة عن موضوعها ألن محمولها هو تعريف‬
‫موضوعها‪ .‬وبالتالي‪ ،‬أي من القضايا التعريفية التي يمكن معها وضع الموضوع في طرف‬
‫والمحمول في طرف آخر ويمكن االستدالل على كل منهما باآلخر؛ تكون قضية قبلية وهي قضية‬
‫تحليلية‪ .‬أما المثال على النوع الثاني أي على القضايا اإليمانية فهو من سبيل القول‪" :‬هللا محبة" أو‬
‫"هللا كلي العلم" وهذا النوع من القضايا ال يحتاج إلى التجربة للوصول إلى صدقيته‪ ،‬فهو قضايا‬
‫إيمانية‪ .‬ومن الممكن أيضا حتى للشخص غير المؤمن بها كقضية إيمانية أن يتفق على تصنيفها‬
‫بأنها قضايا قبلية وقضايا تحليلية ألنه من الممكن القول بأن تعريف هللا يتضمن أن هللا محبة وأن‬
‫هللا كلي العلم وبالتالي تصبح هذه الخصائص من خصائص مفهوم هللا‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫فعرف‬
‫وقد الحظ الفيلسوف األلماني كانط هذا الترابط بين القضايا القبلية والقضايا التحليلية ّ‬
‫هذا النوع من القضايا بتعريف آخر أسماه القضايا "القبلية التحليلية"‪ .‬واعتبر أنها القضايا التي‬
‫ال تحتاج إلى التجربة للبرهان عليها وال يضيف محمولها أي معرفة جديدة عن موضوعها‪ .‬وقد‬
‫اعتبر أن الخصائص التي تستحق مثل هذا التعريف للقضايا هي الخصائص الداخلية للموضوع‬
‫(‪ )Intrinsic properties‬والتي ال يكون الموضوع موضوعا بدونها‪ .‬ومثال عليها ‪" :‬األعزب‬
‫شخص غير متزوج"‪" ،.... ،‬هللا كلي العلم"‪ ....‬وهكذا‪.‬‬
‫القضايا البعدية‪ :‬وهي القضايا التي تحتاج إلى التجربة للتحقق من صدقيتها‪ .‬وتضم كل‬ ‫‪-‬‬
‫القضايا العلمية التجريبية‪ .‬ومثال عليها‪:‬درجة حرارة الجو اليوم هي ‪ 30‬درجة مئوية‪.‬‬
‫القضايا التركيبية‪ :‬وهي القضايا التي يضيف محمولها معلومات جديدة عن موضوعها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقد كان االعتقاد سابقا أن هناك توافقًا تا ًّما بين القضايا البعدية والقضايا التركيبية بحيث إن كل‬
‫قضية تركيبية هي قضية بعدية والعكس صحيح‪ .‬لكن وكما قدم كانط في نقاشه لها في مقالته‬
‫االستهاللية لكتاب نقد العقل الخالص والموسومة بعنوان مقدمة لكل ميتافيزيقا ممكنة‪ ،‬أنه يجب‬
‫التفريق بين القضايا البعدية والقضايا التركيبية بحيث يتم تعريف نوعين جديدين من القضايا‬
‫التركيبية‪ :‬القضايا التركيبية البعدية وهي تلك القضايا التي ال يمكن التحقق من صدقيتها بدون‬
‫التجربة والتي يضيف محمولها معلومات جديدة عن موضوعها‪ .‬ويضم هذا النوع من القضايا جميع‬
‫القضايا العلمية التجريبية‪ .‬ومثال ذلك "درجة حرارة الجو اليوم ‪ 30‬درجة مئوية"‪" ،‬درجة‬
‫انصهار الحديد هي ‪ 328‬درجة مئوية" ‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫أما النوع الثاني فعرفه بالقضايا التركيبية القبلية‪ :‬وهي القضايا التي يمكن التحقق من‬
‫صدقيتها دون الحاجة إلى التجربة‪ ،‬ويضيف محمولها معلومات جديدة عن موضوعها‪ .‬وقد ضمن‬
‫كانط في هذا النوع من القضايا‪ :‬القضايا األخالقية والقضايا الرياضية والقضايا العلمية النظرية‪.‬‬
‫وبالتالي فإن القضية السابقة "حاصل جمع ‪ 5‬و ‪ 7‬يساوي ‪ "12‬تصبح من وجهة نظر‬
‫كانط قضية تركيبية وليست قضية بسيطة‪ .‬إذ بحسب تحليله‪ :‬مفهوم ‪ 12‬غير متضمن بالموضوع‬
‫"‪ 5‬و ‪ "7‬ألن الخمسة ال تستلزم الـ ‪ 12‬والسبعة أيضا ً ال تستلزم الـ ‪ 12‬وبالتالي فإن هناك تركيبًا‬
‫جديدًا نات ًجا عن التعريف النظري لكل من مفهوم الجمع ومفهوم المساواة في الرياضيات الطبيعية‪.‬‬
‫ويمكن للمعترض على هذا التحليل أن يقول إن عمليتي الجمع والمساواة ليستا قضايا قبلية بل يمكن‬
‫أن تكونا تجريبية‪ ،‬فلم الحاجة لتعريف نوع جديد من القضايا؟! الجواب بسيط على هذا االعتراض‪.‬‬
‫فعلى الرغم من أنه في حال التعامل مع المعدودات كاألقالم مثال يمكن أن نحصل تجريبيًّا على ناتج‬
‫جمع ‪ 5‬و‪ 7‬بوضع خمسة أقالم بالقرب من سبعة أقالم وعد الناتج للوصول إلى ‪ 12‬وبالتالي إثبات‬
‫أن القضية هي قضية بعدية‪ .‬هنا يكون الرد بأننا نتعامل مع المفهوم المجرد للخمسة والمفهوم‬

‫‪94‬‬
‫المجرد للسبعة وليس عن معدودات محددة‪ .‬هذا باإلضافة إلى أنه يمكن اقتراح تجربة أخرى تثبت‬
‫عكس ما ذهب إليه التجريبيون هنا‪ :‬فعندما نضع خمس قطرات ماء فوق سبع قطرات ماء نحصل‬
‫على قطرة ماء كبيرة وال نحصل على الرقم ‪ .12‬وبالتالي فما نحن بصدده هنا ليس التعامل مع‬
‫المعدودات وإنما التعامل مع مفاهيم رياضية مجردة هي‪ :‬الخمسة والسبعة والجمع والمساواة والرقم‬
‫‪.12‬‬
‫ولكن األهمية الكبرى لهذا التعريف تكمن في حله لمعضلة القضايا األخالقية‪ .‬فبهذا‬
‫التعريف انتقل التعامل مع القضايا األخالقية من قضايا إيمانية إلى قضايا برهانية‪ .‬ومن خالل هذا‬
‫التعريف استطاع كانط أن يميز بين القضايا الميتافيزيقية ممكنة البرهان والقضايا الميتافيزيقية غير‬
‫ممكنة البرهان‪ ،‬حيث اعتبر أن القضايا القبلية التحليلية هي قضايا إيمانية (كقضية "هللا عادل")‬
‫غير ممكنة البرهان بينما القضايا األخالقية (كقضية "السرقة جريمة") ممكنة البرهان‪ ،‬وذلك على‬
‫أساس أنه من غير الممكن منطقيًّا تقديم بناء منطقي للبرهان على قضية "هللا عادل" من خارج‬

‫نشاط‪:‬‬
‫أعط ً‬
‫مثاال عن كل من أنواع القضايا التي ذكرت أعاله‪.‬‬

‫منظومة القضايا اإليمانية‪.‬‬

‫القضايا الكلية‪ :‬وهي كل قضية تبدأ بـ "كل" وتكون كلية موجبة‪ ،‬أو تبدأ بـ "ليس هناك"‬ ‫‪-‬‬
‫وتكون كلية سالبة‪.‬‬
‫القضايا الجزئية‪ :‬هي القضايا التي تبدأ بـ "بعض" وتسمى جزئية موجبة أو تبنى على نحو‬ ‫‪-‬‬
‫"بعض أ ليس ب" وتسمى جزئية سالبة‪.‬‬
‫وفيما يلي من الفصل سيتم التعامل مع القضايا الكلية والجزئية وقوانينها االشتقاقية‬
‫(‪.)Universal and Existential quantifiers‬‬
‫يضاف إلى هذا التصنيف تصنيف آخر من حيث نوع الرابط بين القضايا‪:‬‬
‫‪ .1‬قضايا حملية‬
‫‪ .2‬قضايا شرطية‬
‫القضايا الحملية‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫وهي تتكون من موضوع ومحمول ورابطة‪ ،‬إضافة إلى سور أو كم القضية‪ ،‬فهي تنقسم من‬
‫حيث الكيف إلى موجبة وسالبة‪ ،‬ومن حيث الكم الى كليةوجزئية‪.‬وبالتالي يكون لدينا أربعة أنواع‬
‫من القضايا‪:‬‬
‫‪ .1‬كلية موجبة (‪)A‬‬
‫‪ .2‬كلية سالبة (‪)E‬‬
‫‪ .3‬جزئية موجبة (‪)I‬‬
‫‪ .4‬جزئية سالبة (‪)O‬‬

‫أمثلة على أنواع القضايا‬


‫‪ .2‬كل إنسان فان‪.‬‬ ‫)‪ .1)A‬كل أردني آسيوي‬
‫وصيغتها الرمزية‪ :‬كل أ هي ب‬
‫‪ .2‬ال إنسان خالد‪.‬‬ ‫(‪ .2(E‬ال أردني إفريقي‬
‫وصيغتها الرمزية‪ :‬ال أ هي ب‬
‫‪.2‬بعض الشباب مثقف‪،‬‬ ‫)‪ .3)I‬بعض األردنيينأميون‬
‫وصيغتهاالرمزية‪ :‬بعض أهي ب‬
‫‪ .2‬بعض األردنيين ليسوا أميين‬ ‫(‪ .4(O‬بعض المعادن ليس أصفر‬
‫وصيغتها الرمزية‪ :‬بعض أ ليس ب‪.‬‬

‫هل يمكنك اآلن أن تصيغ عبارات تعبر عن هذه األشكال من الكليات والجزئيات؟‬

‫أما القضايا الشرطيةفهي القضايا التي تربط بين مكوناتها بأداة شرط مثل‪ :‬إذا كان فإن (إذا كان أ‬
‫فإن ب) وتسمى قضية شرطية‪ ،‬أو إذا وفقط إذا (أ إذا وفقط إذا ب) وتسمى شرطية مزدوجة‪ .‬مثال‪:‬‬
‫"إذا كان الجو ماطر فأن السماء ملبدة بالغيوم" (قضية شرطية)‪" ،‬يعتبر الكائن من الفقاريات‬
‫إذا وفقط إذا كان له عامود فقري" (قضية شرطية مزدوجة)‪.‬‬

‫القضايا الكلية والجزئية وقوانينها‪:‬‬

‫هناك في المجمل أربعة تصنيفات رئيسية للقضايا الكلية والجزئية‪:‬‬


‫القضايا الكلية‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫‪ -‬القضايا الكلية الموجبة‪ :‬وهي القضايا التي تؤكد انتماء مجموعة إلى مجموعة‬
‫أخرى بكليتها كأن نقول‪ :‬كل الكالب حيوانات‪.‬‬

‫(سنعتمد على أشكال فن لعملية التوضيح)‬


‫الحيوانات‬

‫الكالب‬

‫وهنا إذا اعتبرنا المجموعة األولى على أنها المجموعة (أ) والمجموعة الثانية على أنها (ب) نقول‪:‬‬
‫كل أ هي ب‪.‬‬
‫أي بشكل عام يمكن القول إن "كل أ هي ب"هي تقرير بين فئتين‪ ،‬مثل‪ :‬كل األردنيين‬
‫آسيويون‪ ،‬هذه القضية تشير الى أن فئة األردنيين (الموضوع) ُمتضمنة في الفئة الثانية اآلسيويين‬
‫(المحمول)‪ .‬وعلى ذلك يكون الموضوع مستغرقا‪ ،‬وبما أن هذه القضية ال تتحدث عن جميع أعضاء‬
‫فئة اآلسيويين‪ ،‬بل عن بعض أعضائها الذين يشكلون فئة األردنيين‪ ،‬فإن المحمول (اآلسيويين) ال‬
‫يكون مستغرقا أو مشموال بالحكم‪.‬فكون كل األردنيين آسيويين ال يعني أن كل اآلسيويين أردنيون‪،‬‬
‫وكون كل إنسان فانيًا ال يعني أن كل فان إنسان‪ ،‬وإن كان كل الطيور حيوانات ال يعني أن كل‬
‫الحيوانات طيور‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ -‬القضايا الكلية السالبة‪ :‬وهي القضايا التي تنفي انتماء مجموعة إلى مجموعة‬
‫أخرى بكليتها كأن نقول‪ :‬ال ديدان فقاريات (الديدان ليست من الفقاريات)‪:‬‬

‫الحيوانات‬
‫الفقارية‬ ‫الديدان‬ ‫وهنا إذا اعتبرنا المجموعة األولى على‬
‫أنها المجموعة (أ) والمجموعة الثانية على‬
‫أنها (ب) نقول‪ :‬ال أ هي ب‪.‬‬

‫أي أن "ال أ هي ب"هي أيضا تقرير بين فئتين أو مجموعتين؛ كل فئة‬


‫مختلفة عن األخرى ومستقلة عنها‪ ،‬فعندما نقول‪ :‬ال أردني أفريقي‪ ،‬نالحظ هنا الفصل التام بين‬
‫جميع أعضاء فئة األردنيين أو جميع أعضاء فئة األفارقة‪ ،‬وبالتالي فنحن ننفي الحكم عن الفئتين؛‬
‫فال أردني إفريقي وال إفريقي أردني‪ ،‬وبالتالي فإن ًّ‬
‫كال من الموضوع والمحمول مستغرقان‪ ،‬أي‬
‫مشموالن في الحكم‪.‬‬

‫‪ -‬القضايا الجزئية الموجبة‪ :‬وهي القضايا التي ينتمي فيها بعض من مكونات مجموعة ما إلى‬
‫مجموعة أخرى‪ .‬كأن نقول‪ :‬بعض الثديات حيوانات بحرية‪.‬‬
‫الثديات‬

‫حيوانات‬
‫وهنا إذا اعتبرنا المجموعة األولى على أنها المجموعة‬
‫بحرية‬
‫(أ) والمجموعة الثانية على أنها (ب) نقول‪ :‬بعض أ هي ب‪.‬‬

‫ضا أعضاء في الفئة‬


‫أي أن "بعض أ هي ب" هيقضية تثبت أن بعض أعضاء الفئة أ هم أي ً‬
‫ب‪ ،‬مثل‪ :‬بعض األردنيين أميون‪ ،‬فهي تثبت الحكم على بعض األردنيين‪ ،‬وبالتالي ال يكون‬

‫‪98‬‬
‫الموضوع مست غرقا‪ ،‬كما أنها ال تثبت ذلك على جميع فئة األميين بأنهم أردنيون‪ ،‬بل إن بعضا من‬
‫األميين أردنيون‪ ،‬وبالتالي ال يكون المحمول مستغرقا‪.‬‬

‫ضا من مكونات مجموعة ما ليس جز ًءا‬


‫‪ -‬القضايا الجزئية السالبة‪ :‬وهي القضايا التي تؤكد أن بع ً‬
‫من مجموعة أخرى‪ .‬كأن نقول‪ :‬بعض األردنيين ليسواأميين‪.‬‬

‫وهنا إذا اعتبرنا المجموعة األولى على أنها‬


‫األردنيون‬ ‫المجموعة (أ) والمجموعة الثانية على أنها (ب)‬
‫نقول‪ :‬بعض أ هي ليس ب‪.‬‬

‫أميون‬
‫أي أن "بعض أ ليس ب" هيقضية تشير أو‬
‫تنفي عن بعض األردنيين بأنهم أُميون‪ ،‬فالحكم هنا منصب على بعض األردنيين وبالتالي ال يكون‬
‫الموضوع مستغرقا‪ ،‬بينما المحمول(أُميين)يكون مستغرقا ألن كل فئة األُميين ال يوجد بينهم هذا‬
‫البعض من األردنيين غير األُميين أو (ليسوا أُميين) فهذه القضية تفصل فصال تا ًّما بين بعض‬
‫أعضاء فئة األردنيين من ناحية وبين جميع فئة األُميين من ناحية أخرى‪.‬‬
‫ونستطيع أن نستخلص قاعدة عامة لالستغراق وهي‪ :‬أن القضايا الكلية تستغرق الموضوع‬
‫والقضايا السالبة تستغرق المحمول‪.‬‬

‫أما عن قوانين االستنباط للقضايا الكلية والجزئية فهناك أربعة أشكال عامة هي‪:‬‬
‫تتكون الحجة االستنباطية في هذه الحاالت من ثالثة حدود‪:‬مقدمتين ونتيجة‪.‬‬
‫كل المعادن تتمدد بالحرارة‬ ‫كل أ هي ب‬ ‫مثال‪:‬‬
‫كل الحديد معدن‬ ‫كل ح هي أ‬
‫كل الحديد يتمدد بالحرارة‬ ‫إذن‬ ‫كل ح هي ب‬ ‫إذن‬
‫تتكون هذه الحجة من‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬ثالثة حدود‬
‫‪ .1‬حد أكبر (تتمدد بالحرارة)‬
‫‪ .2‬حد أوسط (المعادن)‬
‫‪ .3‬حد أصغر (الحديد)‬

‫‪99‬‬
‫ثانيا‪ :‬مقدمتان‪:‬‬
‫‪ .1‬مقدمة كبرى (كل المعادن تتمدد بالحرارة) ‪ .2‬مقدمة صغرى (الحديد)‬
‫ثالثاً‪ :‬نتيجة وهي هنا‪ ،‬كل الحديد يتمدد بالحرارة‬
‫ً‬
‫محموال في المقدمة الكبرى‪ ،‬والحد‬ ‫في الشكل المعياري لهذه الحجة يكون الحد األكبر‬
‫األصغر موضوع في المقدمة الصغرى‪ ،‬أما الحد األوسط فهو موضوع في المقدمة الكبرى‬
‫ومحمول في المقدمة الصغرى‪ ،‬ووظيفة هذا الحد (األوسط) إيجاد العالقة أو الرابطة بين الحد‬
‫األكبر والحد األصغر‪ ،‬وهو يختفي في النتيجة‪.‬‬
‫نستعرض أدناه األشكال المعيارية للحجج الكلية والجزئية‪:‬‬
‫ج‬
‫‪ -‬الشكل األول‪ :‬ويرتبط بالكلية الموجبة على النحو التالي‪:‬‬
‫كل أ هي ب‬
‫ب‬
‫كل ب هي ج‬

‫أ‬ ‫إذن كل أ هي ج‬
‫مثال‪ :‬كل إنسان فان‬
‫كل فان مصيره الموت‬
‫إذن كل إنسان مصيره الموت‪.‬‬

‫ج‬ ‫‪ -‬الشكل الثاني‪ :‬ويرتبط بالكلية السالبة على النحو‬


‫ب‬ ‫التالي‪:‬‬

‫أ‬ ‫كل أ هي ب‬
‫ال ب هي ج‬
‫إذن ال أ هي ج‬
‫مثال‪ :‬كل إنسان فان‬
‫ال فان خالد‬
‫إذن ال إنسان خالد‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫‪ -‬الشكل الثالث‪ :‬ويرتبط مع الجزئية‬
‫ج‬ ‫الموجبة‪:‬‬
‫ب‬
‫أ‬ ‫كل أ هي ب‬
‫بعض أ هي ج‬
‫إذن بعض ب هي ج‬

‫مثال‪ :‬كل إنسان عاقل‬


‫بعض من هو عاقل نابه‬
‫إذن بعض الناس نابه‪.‬‬

‫‪ -‬الشكل الرابع‪ :‬ويرتبط مع الجزئية السالبة‪:‬‬


‫كل أ هي ب‬

‫ج‬ ‫بعض أ ليس ج‬


‫ب‬
‫أ‬ ‫إذن بعض ب ليس ج‬
‫مثال‪ :‬كل إنسان له عقل‬
‫بعض الناس عقله ال يعمل‬
‫إذن بعض من له عقل عقله ال يعمل‪.‬‬

‫المغالطات الشكلية‪:‬‬
‫وتختص المغالطات الشكلية بالبناءات المنطقية‪ ،‬وباألخص البناءات المنطقية المرتبطة بالحدود‪.‬‬
‫قواعد االستنباط والمغالطات الشكلية هي التي تحدد قوة الحجة وضعفها أو بطالنها وتتحدد هذه‬
‫بالقواعد التالية‪:‬‬
‫يجب أن تكون الحدود ثالثة على األكثر‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫يجب أن تكون قضية واحدة على األقل من المقدمات قضية كلية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ال يمكن االستنباط من جزئيتين‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ال يمكن االستنباط من سالبتين‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ال يجب استغراق حد في النتيجة ما لم يكن ُمستغرقا في المقدمة التي ورد فيها‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫يجب أن تكون النتيجة مستغرقة في المقدمات‪.‬‬ ‫‪.6‬‬

‫‪101‬‬
‫ال يجوز أن تكون النتيجة جزئية إذا كانت المقدمات كلية‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة فالنتيجة سالبة‪.‬‬ ‫‪.8‬‬

‫صحة الحجة وبطالنها يتحددان من خالل قواعد القياس السابقة‪ ،‬فالصالحية)‪ (Validity‬والفساد‬
‫)‪ (Invalid‬ألي حجة استنباطية يتعلقان بصحة االستدالل من خالل المقدمات للوصول الى النتيجة‬
‫حسب شروط أو قواعد القياس‪ .‬فيمكن أن نقبل حجة على أنها حجة صالحة‪ ،‬ولكننا نعتبرها حجة‬
‫ضعيفة عندما تكون االفتراضات المبنية عليها افتراضات ضعيفة‪ .‬الحجة القوية هي الحجة التي‬
‫تحمل مقدمات قاطعة ونهائية وتؤكد الوصول إلى النتائج من دون عناء‪ ،‬بينما الحجة الضعيفة هي‬
‫الحجة التي يكون من السهل التعرف إلى أن مقدماتها لن توصلنا إلى النتيجة‪ ،‬حتى لو كانت تبدو‬
‫في الظاهر أنها حجة ممكنة‪.‬‬
‫‪ ‬ونأخذ مثاال على ذلك‪:‬‬
‫كل األفاعي حيوانات سامة‪،‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫الكوبرا أفعى‪،‬‬
‫إذن الكوبرا سامة‪.‬‬

‫ب‪ .‬بعض األفاعي سامة‪،‬‬


‫الكوبرا أفعى‪،‬‬
‫إذن الكوبرا سامة‪.‬‬

‫من الواضح أن الحجة (أ) هي حجة قوية‪ ،‬ويمكن أن توصلنا بسهولة إلى القول بالحقيقة‬
‫المعروفة وهي أن الكوبرا أفعى سامة‪ .‬لكن من الواضح‪ ،‬وعلى الرغم من قوة الحجة‪ ،‬أن المقدمة‬
‫األولى هي مقدمة كاذبة‪ .‬ولكي نجعلها مقدمة صادقة فإننا يجب أن نحول بنية الحجة إلى البنية (ب)‬
‫حيث نقول إن بعض األفاعي سامة‪ .‬ولكن في اللحظة التي نقوم فيها بذلك فإننا نضعف الحجة‬
‫المقدمة‪ ،‬ألنه من الواضح أننا لن نصل إلى الحقيقة المعروفة بأن الكوبرا سامة من المقدمتين‬
‫الموجودتين في الحجة الثانية ألنه قياس خاطئ (ال استنباط من جزئيتين)‪ .‬وبالتالي فالحجة (ب)‬
‫هي حجة فاسدة‪.‬‬
‫ومن الممكن بسهولة أن ننجح في إدراك فشل الحجة (ب) عندما نضع أفعى الحقل مكان‬
‫الكوبرا‪ ،‬فإننا ندرك خطأ الحجة‪ .‬فأفعى الحقل‪ ،‬على الرغم من أنها أفعى‪ ،‬غير سامة‪ .‬ومن هنا فإننا‬
‫ال نستطيع أن نستنتج من المقدمتين أنها سامة‪ ،‬لذلك فالمقدمتان كما هما تؤديان إلى حجة فاسدة‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫بعض األفاعي سامة‪،‬‬ ‫(ب)‬
‫َ‬
‫أفعى الحقل أفعى‪،‬‬
‫إذن أفعى الحقل سامة‪.‬‬

‫شا معينًا عليه أن يقدمها بشكل قوي وحاسم بحيث‬


‫ولكي يقدم المرء حجة قوية يكسب بها نقا ً‬
‫نصل بسهولة إلى النتيجة من خالل المقدمات المقترحة‪.‬‬
‫وبالتالي لكي نحول الحجة إلى حجة قوية وصالحة في الوقت نفسه فإننا نحول الحجة (أ)‬
‫إلى الشكل التالي‪:‬‬
‫بعض األفاعي سامة‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وعلى األخص تلك التي لها رأس مثلث تكون سامة‪،‬‬
‫الكوبرا هي أفعى ذات رأس مثلث‪،‬‬
‫إذن الكوبرا سامة‪.‬‬
‫الحظ هنا أن الحجة أصبحت قوية ومحكمة وتوصلنا إلى النتيجة المطلوبة بشكل مباشر‬
‫وبال لبس‪ .‬مثل هذه الحجة نقول عنها إنها حجة قوية‪ .‬بينما الحجة في حالتها األولى‪ ،‬هي حجة لكنها‬
‫ضعيفة؛ ألنه من الممكن لشخص ما أن يحطم الحجة بإثبات كذب المقدمة األولى‪ .‬إذن هناك مقدمات‬
‫تساعد على جعل الحجة أكثر قوة‪ ،‬ويمكن لها أن تحدد مصير الحجة‪ ،‬فمعها تكون الحجة صالحة‬
‫وقوية وبدونها ال تكون الحجة صالحة‪ .‬مثل هذا النوع من المقدمات هي المقدمات التي نسميها‬
‫مقدمات ضرورية‪( .‬من المهم القول هنا اننا نستطيع لكي نتفق مع قواعد القياس أن نستبدل المقدمتان‬
‫األولى والثانية بمقدمة بديلة هي‪ :‬األفاعي التي رأسها مثلث هي أفاعي سامة‪ ،‬لكي نلتزم بضرورة‬
‫أن تكون الحدود ثالثة فقط‪).‬‬
‫ويمكن ربط القضايا الكلية والجزئية بالعالقة بين العموميات والخصوصيات‪ .‬فاالنتقال من‬
‫العموميات إلى الخصوصيات يستخدم ما عرفناه سابقًا بأنه استدالل استنباطي‪ .‬بينما من‬
‫الخصوصيات إلى العموميات يكون االستدالل استقرائيًّا‪ .‬وعلى الرغم من أن الكثير من التعميمات‬
‫التي نصل إليها من خصوصيات معينة يمكن لنا أن نعتبرها علمية‪ ،‬إال أننا في حالة االستدالل ال‬
‫نستطيع أن نقبل باالنتقال من الخصوصيات إلى العموميات‪ ،‬وبالتالي فالحجة التي تبدأ‬
‫بالخصوصيات وتنتهي بالعموميات هي حجة فاسدة‪.‬‬
‫‪ ‬لننظر هنا إلى بعض األمثلة‪:‬‬
‫الشمس أشرقت اليوم‪،‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الشمس أشرقت أمس وقبله وقبله‪،‬‬
‫إذن الشمس تشرق كل يوم‪.‬‬
‫ب‪ .‬كل الكوبرا أفاع سامة‪،‬‬
‫هذه أفعى كوبرا‪،‬‬
‫إذن هذه أفعى سامة‪.‬‬

‫ت‪ .‬األفعى التي أمامي أفعى كوبرا وهي سامة‪،‬‬


‫األفاعى التي رأيتها أمس وقبله واليوم الذي قبله كانت أفاعي سامة‪،‬‬
‫إذن كل األفاعي سامة‪.‬‬

‫المثال األول هو مثال معروف لدينا‪ ،‬ونحن كبشر نحاول دائما لكي نجعل حياتنا أكثر‬
‫سهولة أن نتعامل مع قضايا من هذا النوع‪ ،‬فمن الواضح أننا عندما رأينا أن الشمس أشرقت اليوم‪،‬‬
‫وأنها فعلت ذلك أمس وقبله‪ ،‬ومنذ زمن طويل ندرك أن االحتمال األكبر هو أن الشمس ستشرق‬
‫غدا‪ ،‬وبالتالي فإننا نسرع إلى تعميم هذه الحقيقة والقول بأن الشمس تشرق كل يوم‪ .‬لكن هذه الحقيقة‪،‬‬
‫على الرغم من علميتها‪ ،‬إال أنها تعتبر نتيجة لحجة فاسدة‪ .‬إذ إننا انتقلنا من الخصوصيات‪ ،‬التي هي‬
‫معرفتنا بشروق الشمس اليوم ومعرفتنا بشروق الشمس أمس‪ ،‬إلى عموميات تعتمد على التعميم‬
‫القائل‪(( :‬كل)) يوم تشرق الشمس‪.‬‬
‫ولكي نوضح الخطأ الفاضح في هذا النوع من االستدالل ننظر إلى الحجة (ت) وهي حجة‬
‫مشابهة في البناء للحجة (أ) ولكننا نصل معها إلى القول بأن كل األفاعي سامة‪ ،‬وهو قول كاذب‪.‬‬
‫بينما الحجة (ب) هي حجة صالحة وندرك صحتها على الفور‪ ،‬فنحن ننتقل من التعميم القائل بأن‬
‫كل أفاعي الكوبرا سامة إلى الخصوصية القائلة إن أفعى الكوبرا هذه التي أمامنا هي أفعى سامة‪.‬‬
‫هذا يدفعنا للحديث عن "االستنباط الصالح" في مقابل الذي يؤدي إلى نتيجة صادقة‪ ،‬فمن‬
‫الممكن ألستنباط أن يكون "صالحاً" إذا كانت نتيجته تتبع من مقدماته بغض النظر عن صدقية‬
‫المقدمات (ألننا في البناء المنطقي نفترض صدق المقدمات لنصل إلى نتيجة)‪ ،‬ولكن ال يمكن أن‬
‫تكون النتيجة صادقة إال إذا تم بناء االستنباط من مقدمات صادقة‪ .‬ففي حال وجود مقدمة غير‬
‫صادقة (كاذبة) فيمكن أن ينتج عن االستنباط نتيجة كاذبة‪ .‬وفي بعض الحاالت يمكن أن ينتج عن‬
‫االستنباط "الصالح" نتيجة صادقة على الرغم من أن المقدمات غير صادقة‪ .‬وهنا أصبح من‬
‫الضرورة في المنطق المعاصر أن يتم تحديد شروط االستنباط وربطه بالصدقية‪ ،‬فاالستنباط لكي‬

‫‪104‬‬
‫يكون صالحا ً وصادقا ً يجب أن ال نفترض صدق المقدمات فقط‪ ،‬بل أن تكون هذه المقدمات صادقة‬
‫فعالً‪.‬‬

‫كيف يمكن أن نبني حجة قوية؟‬

‫ما هي الحجة؟‬

‫الحجة هي التتابع المنطقي والعقالني إلثبات نتيجة ما‪ .‬وتتكون الحجة من مقدمات ونتيجة‪.‬‬
‫المقدمات هي مجموعة من الجمل اإلخبارية التي يصح عليها القول إنها إما صادقة أو كاذبة‪.‬‬
‫والنتيجة هي جملة إخبارية يمكن الوصول إليها من المقدمات‪.‬‬

‫مثال‪ :‬عاد عامر من السفر يوم الخميس الماضي‪.‬‬

‫هذه جملة خبرية يمكن أن تكون صادقة أو كاذبة‪ .‬يعتمد ذلك على ما إذا كان عامر قد عاد‬
‫فعال من السفر يوم الخميس الماضي‪ .‬والجمل الخبرية ال يمكن أن تكون نصف صادقة أو نصف‬
‫كاذبة‪ ،‬فهي إما صادقة وإما كاذبة‪ .‬وبالتالي فإذا كان عامر قد عاد من السفر فعال‪ ،‬ولكنه لم يعد يوم‬
‫الخميس بل في وقت آخر‪ ،‬فهذا يعني أن الجملة كاذبة بالرغم من أنه عاد من السفر‪.‬‬

‫مالحظة مهمة‪:‬‬
‫اللغة تحمل الكثير من العبارات التي تشكل بنية اللغة‪ ،‬مثل العبارات المعبرة عن صيغة السؤال‬
‫أو صيغة التعجب أو أشباه الجمل أو غيرها من الجمل التي ال تقدم لنا أي معنى إخباري‪ .‬هذه‬
‫الجمل على الرغم من أهميتها في اللغة إال أنها ليست ذات أهمية في بناء الحجة‪ .‬إذ إننا ال نستطيع‬
‫أن نبني حججنا بوساطة مجموعة من األسئلة على سبيل المثال‪ ،‬وحتى لو كانت هذه األسئلة من‬
‫النوع االستنكاري أو التهكمي‪ ،‬فاإلجابة على هذه األسئلة تخضع بشكل أساسي لتفكير المستمع أو‬
‫العتقاداته المسبقة‪ .‬وبالتالي فإن المتلقي يمكن أن يصل إلى ما يريده المرسل من طرحها‪ ،‬وممكن‬
‫أيضا أن يصل إلى عكس ما يريده‪ .‬هذه القضية ال يمكن أن تحدث في الحجة المبنية وفق بناء‬
‫منطقي سليم‪ .‬فالحجة الجيدة توصل القارئ أو المستمع إلى استنتاج واحد ملتزم بما يفرضه البناء‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫مثال‪ :‬لنأخذ على سبيل المثال ما يمكن أن يحدث في يوم عادي على أحد الطرق في األردن‪ .‬ففي‬
‫حادث طريق عرضي‪ ،‬قامت سيارة زرقاء بصدم سيارة حمراء من الخلف‪ .‬عندها نزل كل من‬
‫السائقين ودار بينهما الحديث التالي‪:‬‬

‫سائق السيارة الحمراء‪ :‬كيف تمكنت من الحصول على رخصتك؟ يجب أن تذهب لتفحص نظرك‪.‬‬
‫فهذا الحادث هو خطؤك وحدك‪ ،‬ويجب أن تكون من الرجولة لتعترف بذلك‪.‬‬

‫سائق السيارة الزرقاء‪ :‬االعتراف بماذا؟ فأنت حتى لم تنظر في مرآتك! وسيارتك هذه يجب أال‬
‫تقودها على الطرق على أي حال‪ .‬فأنت من تسبب بالحادث‪ ،‬فلماذا تريد أن تلقي اللوم علي وحدي؟‬

‫في كثير من األحيان نسمع أحدهم يقول جمالً كهذه‪" :‬أشعر أن هذا الشيء سيحدث ‪ "...‬أو‪" :‬لدي‬
‫إحساس أن ‪ "...‬وغير ذلك من الجمل المعبرة عن المشاعر‪ .‬عند سماعك لمثل هذه الجمل تدرك أن‬
‫تعبيرا احتماليا كالقول "أعتقد ‪"...‬‬
‫ً‬ ‫ما يقدمه هذا الشخص ليس حجة عقالنية‪ .‬فالحجة يمكن أن تحمل‬
‫تعبيرا شعوريا‪ .‬هذا ال يعني عدم‬
‫ً‬ ‫‪ ،‬أو "من المحتمل أن ‪ "...‬أو ما شابه‪ ،‬لكنها ال يمكن أن تحمل‬
‫أهمية األحاسيس والشعور والعواطف‪ ،‬فهذه قضايا مهمة وأساسية في بنية أي إنسان‪ ،‬وبغيرها يكون‬
‫الفرد قد خسر إنسانيته‪ .‬لكن ما نقوله هنا إن الحجة هي نوع معين من البناء اللغوي والمنطقي؛‬
‫الغرض منها ليس التعبير عن العواطف واألحاسيس‪ ،‬وإنما الوصول إلى إثبات صحة أو خطأ قضية‬
‫ما‪.‬‬
‫نجد هنا أن العبارات التي استعملها السائقان هي عبارات من النوع التهكمي‪ ،‬أو المعبر‬
‫عن غضب كل منهما على ما حدث‪ .‬فالجمل هي جمل تعجبية أو جمل بصيغة سؤال استنكار‪.‬‬
‫يفرجا عن نفسيهما‪ ،‬لكن أيًّامنهما لم يقدم لنا حجة على‬
‫وبالتالي فإنهما حاوال من خالل الحوار أن ّ‬
‫صحة ما يقول‪ ،‬أو عن األسباب التي أدت إلى حدوث الحادث‪.‬‬

‫عند حدوث الحادث السابق بين السيارتين‪ ،‬شاهد كل من عصام وعدنان الحادث‪ ،‬لكنهما‬
‫اختلفا أيضا على تحليل الحادث وعلى من يمكن أن يالم‪ .‬فنجد عصاما يقول‪:‬‬

‫[أ] لم يكن هناك أي داع للسيارة التي في األمام ألن تتوقف‪ ،‬فقد قام السائق بالضغط على‬
‫الفرامل بشكل مفاجئ‪ .‬وال يمكن ألي كان أن يستجيب بالسرعة الكافية لكي يتجنب االصطدام‪.‬‬
‫لذلك فإننا ال نستطيع القول إن السيارة الزرقاء هي السبب‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫نالحظ هنا أنه بخالف الحوار الدائر بين السائقين‪ ،‬فإننا نرى أن عصاما قد قدم لنا مجموعة‬
‫من العبارات اإلخبارية التي يمكنها أن توصلنا إلى نتيجة واضحة‪ ،‬وهو هنا يقدم لنا حجة‪ .‬فهو ال‬
‫يعرض لنا فقط وجهة نظره‪" :‬ال نستطيع القول إن السيارة الزرقاء هي السبب"‪ ،‬ولكنه يقدم أيضا‬
‫األسباب التي تدعم وجهة نظره هذه‪ .‬ولذلك فوجهة نظره هي أكثر من مجرد التعبير عن رأي‬
‫معين‪ ،‬إنها استنتاج مبني على أسباب‪ .‬نعرف هذا الشكل من البناء اللغوي أنه حجة‪.‬‬

‫يمكن لنا أن نستعمل التعبير "خط البرهان" للتعبير عن هذا النمط من البناء اللغوي‪ .‬فالحجة هي‬
‫نوع من البرهان للقضية التي نريد الوصول إليها‪ .‬وفي خط البرهان يتم الوصول إلى النتيجة من‬
‫خالل المقدمات‪ ،‬فيما يعرف بالتعبير المنطقي "النتيجة مستغرقة في المقدمات"‪.‬‬
‫القول بأن هذا الخط من البرهان هو خط منطقي شيء‪ ،‬والقول بأن الحجة هي حجة‬
‫صحيحة شيء آخر‪ .‬فمن الممكن أن تكون النتيجة محصلة صحيحة للمقدمات‪ ،‬لكن قد تكون‬
‫واحدة أو أكثر من تلك المقدمات غير صحيحة وبذلك تكون النتيجة خطأ‪ ،‬ألن إحدى المقدمات‬
‫خطأ‪ .‬وقد يستغرب القارئ كيف يمكن أن يكون خط البرهان معبرا عن حجة وفي الوقت نفسه‬
‫ال يكون هناك معرفة حول صحة المعلومات المقدمةوخطئها‪.‬هنا نقول إن هناك مجموعة من‬
‫القوانين العامة تسمى ـقوانين "القياس المنطقي" لخط البرهان تمكننا من الوصول من المقدمات‬
‫إلى النتيجة بغض النظر عن حقيقة الجمل‪.‬‬

‫على الرغم من أننا لن ندخل في تفاصيل القياس المنطقي إال أننا يجب علينا أن ندرك القاعدة‬
‫األساسية لهذه القوانين‪ ،‬والتي تتمثل بأنه في االستنتاج الصحيح يجب على كل العبارات الواردة‬
‫في النتيجة أن تكون واردة في المقدمات‪ ،‬إما بالمقدمات الظاهرة أو المقدمات المضمرة‪ .‬وفي كل‬
‫الحاالت يجب أن نتمكن من اإلجابة عن السؤال المهم التالي‪ :‬في حال افتراض أن المقدمات‬
‫صحيحة‪ ،‬ما هي النتيجة التي تتبع المقدمات؟ هل هي النتيجة التي وصلت إليها الحجة؟ وهل تقدم‬
‫المقدمات سببا كافيا لالعتقاد بأن النتيجة المقدمة مبررة؟ إذا كانت اإلجابة بنعم على األسئلة‬
‫السابقة نعرف أن هذا الخط من البرهان هو حجة‪ .‬ومن الضروري القول إنك عندما "تقيم" حجج‬
‫اآلخرين‪ ،‬يجب أن تكون قادرا على معرفة إذا ما كانت األسباب التي يقدمونها صحيحة‪ ،‬أو إذا‬
‫ما كانت حججهم‪ ،‬أو بعض منها‪ ،‬ضعيفة‪.‬‬

‫بعد أن استمع عدنان إلى حجة عصام‪ ،‬قدم رأيه فيما حدث فقال‪:‬‬

‫[ب] الطريق كان يساعد على االنزالق ألن الجو كان ماطرا‪ .‬في الطقس السيئ يجب عليك‬
‫أن تبقي مسافة جيدة بينك وبين الذي أمامك‪ .‬السيارة الزرقاء كانت قريبة جدًّا من السيارة‬
‫التي أمامها‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫هل يمكن اعتبار هذا التعليق حجة؟ بالطبع ال‪ .‬فما يقوله عدنان هنا هو عبارة عن‬
‫تتابع أحداث ال يفيد في الوصول إلى نتيجة ما‪ .‬هذا ال يعني أن العبارات في [ب] غير‬
‫مترابطة‪ .‬فمن السهولة بمكان أن نرى ما يرمي إليه عدنان من هذه الجمل‪ ،‬لكنه فشل في أن‬
‫يقدمها بشكل يتناسب مع اعتبارها حجة‪ .‬وبالتالي فعدنان يضع اللوم على السيارة الزرقاء‬
‫ل كنه ال يصرح بذلك‪ .‬ولكي نتمكن من تحويل ما قاله عدنان إلى شكل الحجة نقدم الحوار‬
‫التالي‪:‬‬

‫[ت] الطريق كان يساعد على االنزالق ألن الجو كان ماطرا‪ .‬في حاالت الطقس السيئ يجب‬
‫على السائق أن يبقي مسافة مناسبة بينه وبين السيارات التي أمامه‪ .‬السيارة الزرقاء كانت‬
‫قريبة جدًّا من السيارة التي أمامها‪ .‬لذلك كان الحادث ذنب سائق السيارة الزرقاء‪.‬‬

‫الحظ أنه في كال المثالين [أ] و[ت] تم استخدام الكلمة "لذلك" لإلشارة إلى العبارة التي تعبر عن‬
‫نتيجة الحجة‪ .‬فالكلمات من مثل "إذن"‪ ،‬و"لذلك" وما شابهها من الكلمات‪ ،‬تدل بوضوح على‬
‫العبارة التي تعتبر نتيجة في حجة ما‪ .‬ولكن في الكثير من الحاالت عندما تكون العبارات الدالة‬
‫على المقدمات واضحة‪ ،‬وال يوجد فيها لبس‪ ،‬ال نحتاج إلى أن نقدم النتيجة باالبتداء بكلمة من‬
‫مثل "لذلك"‪.‬‬

‫هذا الشكل هو شكل حجة بكل تأكيد؛ ألن المالحظة حول طبيعة الطريق والقول بأن المسافة‬
‫ملخص‪ :‬ومما سبق نصل إلى القول بأن الشكل العام للحجة يكون على النحو التالي‪:‬‬

‫مقدمات (أسباب) – إذن – نتيجة‬

‫ومن التقنيات المفيدة للتعرف إلى الحجة وبنائها‪ ،‬أن يجري تحويلها إلى شكلها القياسي السابق‬
‫(مقدمات (أسباب) – إذن – نتيجة)‪ ،‬والتأكد بذلك من العبارة التي يمكن أن تكون نتيجة بوضع‬
‫كلمة "إذن" أو "لذلك" قبلها‪ .‬فإذا لم تكن تعطي معنى‪ ،‬أو ليست بجملة مفيدة فمن المحتمل أنها‬
‫ليست العبارة التي يمكن أن تكون النتيجة في الحجة المقدمة‪.‬‬

‫الحجة البرهانية تقدم سببًا أو أكثر يفضي إلى نتيجة – أو تحتوي على نتيجة تنبع‬ ‫‪‬‬
‫تلقائيا من مقدمات (أسباب)‪.‬‬
‫ليس من الضرورة للنتيجة أن تكون في نهاية الحجة‪ ،‬فمن الممكن أن تظهر في أي‬ ‫‪‬‬
‫موقع في الحجة‪ ،‬بوجود أو عدم وجود لكلمات دالة عليها من قبيل "لذلك" أو "إذن"‪.‬‬
‫في الحجة قد ال تكون النتيجة وال المقدمات صادقة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫التي يجب على السائق أن يبقيها بينه وبين السيارة التي أمامه‪ ،‬باإلضافة إلى المالحظة حول السيارة‬
‫الزرقاء‪ ،‬تمكننا من الوصول إلى نتيجة ما وهي بالضبط تلك النتيجة التي وصلت إليها الحجة‪ :‬إن‬

‫‪108‬‬
‫سائق السيارة الزرقاء هو المذنب‪ .‬ولكن هذه الحجة كما الحجة األولى ال يمكن اعتبارها حجة‬
‫مبرهنة‪ ،‬ألن ما قاله عدنان وما قاله عصام يمكن أن ينقده أو يرفضه آخرون‪.‬‬

‫بنية الحجة‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫كما قلنا سابقا ً فكل الحجج تحتوي على مقدمات (أسباب) ونتائج‪ .‬ولكنها ال تبنى بالشكل نفسه‪.‬‬
‫وعندما تتقن مهارة التعرف إلى الحجة‪ ،‬فإن المهارة التي تليها مباشرة والتي يجب عليك‬
‫امتالكها هي تحليل الحجة ومعرفة بنيتها‪ ،‬وهذا يعني بالتحديد التعرف إلى المقدمات وإلى‬
‫النتيجة‪ ،‬والتعرف إلى كيفية ربطها بعضها مع بعض‪.‬‬

‫وبما أننا لسنا بصدد درس في المنطق البرهاني‪ ،‬فإننا سنركز في هنا على فحص عدد من‬
‫األمثلة والنماذج‪ ،‬لتحليلها والتعرف من خاللها إلى إمكانية تحديد النتيجة في حجة ما‪ .‬والواقع‬
‫أن أبسط نوع من أنواع الحجج هو ذلك الذي يحتوي على مقدمة واحدة ونتيجة‪.‬‬

‫لنبدأ بهذا النمط ويطلق عليه حجة صغرى أو يمكن اعتباره بأنه قضية شرطية‪ .‬وكمثال على هذه‬
‫الحجة نقول‪( :‬القضايا الشرطية بشكل عام هي حجة من مقدمة ونتيجة)‬

‫[‪ ]1‬مؤشر الوقود في السيارة يشير إلى أنها شبه فارغة‪ .‬لذلك يجب أن تتوقف عند المحطة القادمة‬
‫للتزود بالوقود‪.‬‬

‫لهذا النمط من الحجة تحليل واحد ممكن فقط‪ .‬وإذا ما أشرنا إلى المقدمات بالرمز [م]‬
‫والنتيجة بالرمز [ن] والسهم [ ←] للتعبير عن الكلمات المشابهة لـ"إذن" أو "لذلك"؛ ّ‬
‫فإن بنية‬
‫الحجة السابقة تكون على النحو اآلتي‪:‬‬

‫م←ن‬
‫حيث [م] تعبر عن المقدمة‪ :‬مؤشر الوقود في السيارة يشير إلى أنها شبه فارغة‪ .‬و[ن]‬
‫تعبر عن النتيجة‪ :‬لذلك يجب أن تتوقف عند المحطة القادمة للتزود بالوقود‪.3‬‬

‫لنأخذ اآلن حجة لها أكثر من مقدمة واحدة‪:‬‬

‫‪3‬وتذكر ما قلناه سابقا ً من أن النتيجة ال تكون في نهاية الحجة بالضرورة‪ ،‬وقد ال تحتوي على رابط يوضح أنها نتيجة (لذلك‪ .)...،‬ولكن عند التحليل‪ ،‬ومهما كان الوضع‬
‫الذي تقدم به العبارات في الحجة‪ ،‬فإنه يلتزم بتحويل العبارات إلى شكل ينسجم مع الشكل الذي يساعدنا على التعرف إلى الحجة فورا ‪ :‬أي الشكل م ← ن‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫[‪ ] 2‬دخل أحدهم إلى المحل ودفع أربع أوراق نقدية لها ذات الرقم المتسلسل‪ .‬ال بد أنها‬
‫مزورة‪ ،‬ألن أوراق النقد األصلية ذات أرقام متسلسلة مختلفة‪.‬‬

‫النتيجة في هذا المثال هي العبارة الثانية‪ .‬ولكن عندما نحلل حجة يجب أن نقدمها بأفضل‬
‫صورة ممكنة لكي ال يكون هناك أي لبس في أن النتيجة تتبع المقدمات‪ .‬وأفضل طريقة لفعل ذلك‬
‫تكون بترتيب العبارات بأن تتلو المقدمات بعضها بعضا‪ ،‬ثم نضع النتيجة التي تنتج عن هذه‬
‫المقدمات في النهاية‪ .‬ومن هنا يكون تحليل المثال الثاني كما يلي‪:‬‬

‫م‪ :1‬األوراق النقدية األربع تحمل الرقم المتسلسل ذاته‪.‬‬

‫م‪ :2‬أوراق النقد األصلية لها أرقام متسلسلة مختلفة‪.‬‬

‫إذن‬

‫ن‪ :‬ال بد أن األوراق النقدية مزورة‪.‬‬

‫وبذلك يمكن تمثيل الحجة في المثال الثاني على الشكل التالي‪:‬‬

‫م‪2‬‬ ‫‪+‬‬ ‫م‪1‬‬

‫ن‬

‫‪110‬‬
‫من الواضح هنا أن النتيجة تحتاج إلى المقدمتين معا‪ ،‬وبدونهما ال يمكننا الوصول إلى‬
‫النتيجة‪ .‬يسمى هذا النوع من الربط بين القضايا بالوصل (الرابط و)‪.‬‬

‫ثمة أسلوب آخر لتمثيل بنية الحجة‪ :‬يكون من خالل رسم للمقدمات والنتيجة على شكل يمكننا‬
‫من إدراك أهمية المقدمات للنتيجة‪ .‬ففي المثال الثاني نرى أن المقدمتين مهمتان للوصول إلى‬
‫النتيجة‪ .‬أي أن كل مقدمة من المقدمتين سبب ضروري للوصول إلى النتيجة ‪ ،‬ولكنه ليس سببا‬
‫كافيًا للوصول إليها‪ .‬السبب الكافي هو السبب الذي نصل من خالله فقط إلى النتيجة‪ .‬بينما السبب‬
‫الضروري هو سبب مهم للوصول إلى النتيجة‪ ،‬ولكن ال يمكننا الوصول إلى النتيجة به وحده‪،‬‬
‫بل نحتاج إلى سبب آخر (أو أكثر) لبلوغها‪.‬‬

‫لكن هذا ال يعني أن المقدمات يجب أن تعمل بعضها مع بعض دائما‪ ،‬فمن الممكن في بعض‬
‫الحجج أن تعمل بشكل مستقل‪ .‬انظر‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬إلى الحجة التالية‪:‬‬

‫[‪ ]3‬أوراق النقد هذه مزورة‪ .‬فهي ذات مقاييس مختلفة عن تلك التي أخذتها من البنك‪ ،‬وعندما‬
‫أفكر بالموضوع ألحظ أن منظر الزبون الذي أعطاها لي كان مريبا‪.‬‬

‫نرى أن األسباب في هذه الحجة مختلف بعضها عن بعض‪ ،‬كما أن بنية الحجة مختلفة‬
‫أيضا‪ .‬فالمقدمتان تعمالن بشكل مستقل إحداهما عن األخرى‪ ،‬لكنهما مهمتان بالدرجة نفسها للنتيجة‪.‬‬
‫كل واحدة باستقاللها يمكن أن تؤدي (مع بعض الشك) إلى النتيجة‪ .‬فإذا كانت واحدة خطأ فمن‬
‫الممكن االعتماد على الحجة الثانية للوصول إلى النتيجة‪ .‬ومن هنا فهما يمثالن ّ‬
‫خطي برهان‬
‫مستقلين‪ ،‬حتى لو كانتا تدعمان نتيجة واحدة‪.‬‬

‫وبذلك فإن تحليل الحجة [‪ ]3‬يكون على الشكل التالي‪:‬‬

‫م‪2‬‬ ‫م‪1‬‬

‫ن‬

‫م‪ :1‬أوراق النقد ذات مقاييس مختلفة عن تلك التي أخذتها من المصرف‪.‬‬

‫م‪ :2‬كان منظر الزبون الذي أعطاها لي مريبا‪.‬‬

‫إذن‬

‫ن‪ :‬ال بد من كون األوراق النقدية مزورة‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫من الواضح هنا أن النتيجة تحتاج إلى المقدمات كال على حدا‪ ،‬ويمكن الوصول إلى النتيجة‬
‫من خالل أيهما‪ .‬يسمى هذا النوع من الربط بين القضايا بالفصل (الرابط أو)‪.‬‬
‫يمكن اعتبار "الحجة داخل الحجة" بنية أخرى شائعة في بناء الحجة‪ .‬في هذا النوع من الحجج‬
‫يتم الوصول إلى نتيجة جزئية داخل بنية الحجة‪،‬وتستعمل كمقدمة من مقدمات للنتيجة النهائية‪.‬‬
‫وبالتالي تكون واحدة من مقدمات الحجة هي نتيجة لحجة أخرى متضمنة في البنية الكلية‬
‫للحجة‪.‬‬

‫لنفترض أننا أردنا أن نوضح الحجة رقم [‪ ]2‬أعاله بشكل أفضل مما هي عليه‪ ،‬لنساعد‬
‫صا ال يعرف أي شيء عن األوراق النقدية‪ .‬فكيف يمكن أن تبنى الحجة؟‬
‫على سبيل المثال شخ ً‬

‫[‪ ] 2‬دخل أحدهم إلى المحل ودفع أربع أوراق نقدية لها ذات الرقم المتسلسل‪ .‬ال بد أنها‬
‫مزورة‪ .‬فمن الواضح أنه من غير الممكن لرقمين "متسلسلين" أن يكونا نفس الرقم‪ .‬ولذلك‬
‫فإذا ما كانت أوراقًا نقدية صحيحة فال بد أن لها أرقا ًما متسلسلة مختلفة‪.‬‬

‫وهنا بدال من القول بأن أوراق النقد الصحيحة لها أرقام متسلسلة مختلفة‪ ،‬في هذه الحجة‪،‬‬
‫نرى أنها تعطي سببا للنتيجة هذه‪ ،‬وبذلك فإنها تكون حجة جزئية على طريق بناء الحجة النهائية‪.‬‬

‫م‬
‫‪1‬‬

‫↓‬
‫م‬ ‫م‬ ‫ن‬
‫‪3‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪2‬‬ ‫=‬ ‫ج‬

‫ن‬
‫النهائي‬

‫م‪ :1‬من غير الممكن لرقمين "متسلسلين" أن يكونا نفس الرقم‪.‬‬

‫إذن‬

‫م‪( 2‬نج‪ ،‬النتيجة الجزئية)‪ :‬إذا ما كانت أوراقًا نقدية صحيحة فال بد أن لها أرقا ًما متسلسلة مختلفة‪.‬‬

‫م‪ :3‬األوراق النقدية األربعة تحمل الرقم المتسلسل نفسه‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫لذلك‬

‫ن النهائي‪ :‬ال بد من كون األوراق النقدية مزورة‪.‬‬

‫نستطيع أن نقدر البنية الحالية وأهميتها عندما نحاول أن نعتبر أن النتيجة الجزئية هي‬
‫النتيجة النهائية‪ ،‬ونجد أن الحجة غير متماسكة كما هي الحال في الوضع القائم هنا‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫ورقة عمل‬

‫تمارين من (‪)7( – )1‬‬

‫تحمل كل من التمارين التالية‪ ،‬حجة ال تحتوي على كلمة "إذن" أو "لذلك" ‪ ...‬ومهمتك هي‬
‫أن تحدد أيًّا من العبارات س أو ص أو ع مقدمات وأيًّا منها نتائج‪ ،‬مع بيان السبب‪.‬‬

‫(‪ )1‬س‪ :‬نوافذ الغرفة مغلقة بإحكام‪ .‬ص‪ :‬من المحتمل أن ترتفع درجة حرارة‬
‫الغرفة بشدة‪ .‬ع‪ :‬اليوم هو أحمى يوم في السنة‪.‬‬
‫(‪ )2‬س‪ :‬اعتقد سالم أنه رأى حيدرا يركض في ماراثون عمان‪ .‬ص‪ :‬سالم أخطأ‬
‫في تحديد هوية الشخص الذي رآه في الماراثون‪ .‬ع‪ :‬حيدر كان في بيروت‬
‫يوم ماراثون عمان‪.‬‬
‫(‪ )3‬س‪ :‬الكمبيوترات (الحاسبات) غير قادرة على اإلبداع كالبشر‪ .‬ص‪ :‬إبداع‬
‫البشر فطري وتلقائي‪ .‬ع‪ :‬الكمبيوترات (الحاسبات) ال يمكنها أن تكون فطرية‬
‫وتلقائية‪.‬‬
‫(‪ )4‬س‪ :‬ال بد أن راميًا مسرور ألن دراجته قديمة‪ .‬ص‪ :‬كل أصدقائنا الذين اشتروا‬
‫دراجات جديدة سرقت دراجاتهم‪ .‬ع‪ :‬ال يمكن ألي كان أن يفكر بسرقة دراجة‬
‫رامي‪ ،‬حتى ولو تركها على قارعة الطريق‪.‬‬
‫(‪ )5‬س‪ :‬كان هناك هذا العام عدد أكبر من حرائق الغابات التي اشتعلت نتيجة‬
‫إلقدام البشر على إشعال النار في الغابات‪ .‬ص‪ :‬تم توزيع إعالنات في نهاية‬
‫العام الماضي لتحذير البشر من إشعال الحرائق في الغابات‪ .‬ع‪ :‬اإلعالن الذي‬
‫نبه البشر إلى عدم إشعال الحرائق في الغابات غير فعال‪.‬‬
‫(‪ )6‬س‪ :‬عدد متزايد من الحوادث‪ ،‬في مدينة لندن‪ ،‬يتمحور حول دهس سائقي‬
‫الدراجات للمشاة‪ .‬ص‪ :‬في معظم الحاالت ال يملك سائق الدراجة تأميناً‪ ،‬ولذلك‬
‫يكون من الصعب على المشاة المطالبة بالتعويض‪ .‬ع‪ :‬يجب فرض التأمين‬
‫على سائقي الدراجات كما تفرض على السيارات‪.‬‬
‫(‪ )7‬س‪ :‬تحتاج فقط إلى مضخة لتضخ الهواء إلى وعاء الماء إذا ما كان وعاء‬
‫صغيرا‪ .‬ص‪ :‬وعاؤك ليس كبيرا لكن ليس عندك سمك‪ .‬ع‪ :‬أنت ال‬
‫ً‬ ‫السمك‬
‫تحتاج إلى مضخة لتهوية الماء‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫تمارين من (‪)10( – )8‬‬

‫التمارين الثالثة التالية تعبر عن ثالث حجج قصيرة‪ .‬حللها مستخدما الرسوم التوضيحية‬
‫المعبرة عن عالقات اإلضافة أو العطف (و و أو) بحيث يتم تحديد النتيجة األساسية وبنية كل حجة‬
‫(خط البرهان)‪.‬‬

‫(‪ )8‬إنه لحتمي أن يأخذ بعض الرياضيين حبوبًا منشطة لرفع أدائهم الرياضي‪ .‬وفي أغلب‬
‫األحيان تكون الحبوب المنشطة هي الفاصلة بين الفوز والخسارة‪ .‬فالمكافأة التي‬
‫يحصل عليها الفرد عند الفوز كبيرة جدًّا‪ ،‬إلى الحد الذي تصبح معه المخاطرة بأخذ‬
‫الحبوب المنشطة تستحق العناء‪.‬‬
‫(‪ )9‬ال تشاهد عددًا كبيرا من الناس الذين يسبحون في هذه المنطقة كما هي الحال في‬
‫الشاطئ الشمالي‪ .‬فإلى الشمال من هنا تحرك الرياح مياه البحر الدافئة إلى الشاطئ‬
‫مما يجعل المياه أكثر دفئًا‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬هناك نسبة كبيرة من التلوث البيئي‬
‫للمياه في المنطقة‪.‬‬
‫تعرف الناس إلى مقدار‬
‫(‪ )10‬عندما يتم تصوير العنف على الشاشة بشكل حقيقي‪ ،‬فإنك ّ‬
‫البشاعة التي يمثلها هذا التصرف العنيف‪ ،‬مما يبعدهم أنفسهم عن ممارسة العنف‪.‬‬
‫كبيرا على المجتمع كما‬
‫ً‬ ‫خطرا‬
‫ً‬ ‫ولذلك نستطيع القول إن العنف على الشاشة ال يشكل‬
‫كان متوقعا في السابق‪ .‬على العكس من التأثير الذي تسقطه على المشاهد اللقطات‬
‫المعبرة عن العراك البسيط‪ ،‬حيث يتم تقديم البطل على أنه يخرج من العراك منتصرا‬
‫بال أضرار‪ ،‬وهذا ما سيشجع الناس على أن يكونوا أكثر عنفا‪ .‬هذه األفالم هي التي‬
‫يجب أن تمنع‪ ،‬ال األفالم التي تعبر عن حالة عنف حقيقي‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫التفكير الناقد)‪:(Critical Thinking‬‬

‫مختصرا للتفكير الناقد‪ .‬قارن ما كتبته مع ما سيقدم‬


‫ً‬ ‫ماذا نعني بالتفكير الناقد؟ حاول أن تكتب تعريفًا‬
‫أدناه‪.‬‬

‫كل منا يفكر ويستخدم عقله‪ ،‬ولكن عند إمعان النظر في ما نقوله ونفكر به سنجد أنه منحاز‬
‫ومشوه ويقدم على عجل دون تمحيص أو معرفة كافية‪ .‬ولذلك فإننا نحتاج إلى التفكير الناقد لننظم‬
‫أفكارنا‪ .‬فالتفكير الناقد هو طريقة لتحليل وتقييم أفكارنا بغرض تطويرها والوصول إلى معرفة‬
‫صحيحة‪ .‬التفكير الناقد هو التفكير الذي يطرح األسئلة الصعبة المرتبطة بالنقاط الحساسة في‬
‫التجربة اليومية التي يخوضها اإلنسان‪ ،‬ويحاول أن يقدم تحليال لكل العمليات التي يقوم بها هو‬
‫شخصيا ً أو أن يقدم تحلياللألحداث والظواهر حوله‪ ،‬فيركز على اإليجابيات بالقدر نفسه الذي يركز‬
‫به على السلبيات‪ .‬ومن األسئلة المهمة في هذا السياق‪ :‬لماذا حدث هذا أو ذاك؟ هل كان عملنا فعّاال‬
‫حقيقةً؟ ما هو مقدار التأثير الذي تتركه هذه الظاهرة على المجتمع ؟ هل يجب أن نستمر في األداء‬
‫بنفس الوتيرة؟ هل نستطيع أن نحسن من عملنا؟ كيف؟‬
‫وبالتالي فالتفكير الناقد يهدف إلى التساؤل عما يمكن اعتباره مفروغا منه‪ ،‬والسيما‬
‫االفتراضات المسبقة التي نضعها والمرتبطة باألحداث والظواهر من حولنا‪ .‬وهذا يفترض إمعان‬
‫التفكير فيما يتعلق أيضا بتصرفاتنا وتأثيرها المحتمل‪.‬‬
‫ً‬
‫متواصال‪ ،‬ودقيقًا في معتقد ما أو موضوع أو محتوى أو‬ ‫تفكيرا فعال‪،‬‬
‫ً‬ ‫ويُعدالتفكير الناقد‪،‬‬
‫مشكلة‪ ،‬يلجأ إليه الفرد من خالل استعمااللتفكير العميق‪ ،‬واالستدالل المنطقي الذي يعتبر أساس‬
‫التفكير الناقد‪.‬‬
‫نجد أن هناك عدة تعريفات للتفكير الناقد‪ ،‬ونستطيع أن نلخص أهم محتويات هذه التعريفات‬
‫من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬وجود موقف أو مشكلة أو موضوع بحاجة إلى فهم وتحليل وتقييم‪.‬‬
‫‪ .2‬ممارسة االستدالل المنطقي الصحيح‪.‬‬
‫‪ .3‬التحكيم المنطقي لمعتقداتنا ومن ثم ألفعالنا‪.‬‬
‫‪ .4‬التفكير بعملية التفكير من خالل استخدام مفردات النقد‪ ،‬فهو يتطلب أن تكون دقيقًا‬
‫وحكي ًما‪.‬‬
‫ً‬
‫مسؤوال‬ ‫‪ .5‬تفكير قصدي دقيق ومتأن‪ ،‬فهو يتطلب نظرة مقصودة غير متسرعة وموقفًا‬
‫حيال األفكار والمعتقدات والقيم وغيرها‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫‪ .6‬عبارة عن مهارة متعددة األبعاد‪ ،‬فهو ليس شيئًا نحفظه أو نبحث عنه‪ ،‬بل مهارة تتحسن‬
‫تدريجيًّا مع التدريب‪.‬‬
‫‪ .7‬هو تفكير إيجابي اتجاه القضايا والمشكالت أو المسائل التي ال تبدو واضحة بذاتها –‬
‫أبيض وأسود – فهو ليس سلبيًّا وليس بخصوص قبول أو رفض الجدل‪ ،‬بل هو تقييم‬
‫شامل لكل أجزاء القضية أو المسألة أو المشكلة‪.‬‬
‫‪ .8‬عملية فعالة تقوم علىاستخدام التفكير المنطقي وترك الطرق األخرى في التفكير المبنية‬
‫على العواطف أو الحدس أو المعتقد أو التفضيالت الشخصية أو الحس العام‪ ،‬إذ يتم‬
‫وضع هذه األمور جانباواتخاذ القرارات بناء على التفكير السليم‪.‬‬
‫‪ .9‬التفكير الناقد يعتمد على طريقة االستدالل التي نستخدمها للوصول إلى النتيجة‪.‬‬
‫إننا هنا نتكلم عن األفكار‪ ،‬والحكم عليها‪ .‬يجب التمعن في األحكام التي نطلقها‪ ،‬فأنا عندما‬
‫أحكم على فكرة ما بالصواب أو الخطأ‪ ،‬وبالصدق أو الكذب مع إبداء المبررات أو المسوغات لذلك‬
‫فإن هذه العملية تتعلق بطرق التعقل‪ ،‬ومدى جودتها أو مصداقيتها في الوصول إلى النتيجة‪ ،‬وليست‬
‫متعلقة بالحكم على األشخاص كما يعتقد البعض‪.‬وهي ليست متعلقة أيضا في الحكم على األفكار‪-‬‬
‫التي نعبر عنها من خالل القضايا‪ -‬إن كانت خيرة أو محببةً أو مفيدة‪ ،‬بل يكون الحكم كما أوضحنا‪،‬‬
‫إن كانت هذه القضايا صادقة أو كاذبة وإن كان االستدالل الذي نقوم به صحي ًحا أو فاسدًا‪.‬‬
‫عندما يُطلب منا أن نفكر تفكيرا ناقدًا فإنه يطلب منا أن نأخذ موقفًا فيما يتعلق بالحقيقة أو‬
‫في تقبل شيء ما (سمعناه أو شاهدناه‪ ،‬أو عرفناه ‪ ...‬الخ) أنه يتطلب حك ًما منطقيًّا لماذا أنت مع أو‬
‫ضد موقف ما أو قضية ما أو موضوع ما‪ ،‬إنه يقودنا إلى أن نقوم بأفعال متطابقة مع معتقداتنا‪ ،‬ألننا‬
‫نكون على دراية بماذا نعتقد ولماذا؟‬

‫خطوات التفكير الناقد‪:‬‬

‫لكي نتمكن من اتباع خطوات سليمة في التفكير الناقد واإليجابي ال بد من اتباع خطوات‪:‬‬
‫‪ ‬اطرح األسئلة المهمة حول ما تريد أن تفكر به‪.‬‬
‫‪ ‬اجمع ما تستطيع من معلومات عن الموضوع الذي تفكر به لكي تتمكن من بناء‬
‫حكمك باالعتماد على معرفة صحيحة وليس عن جهل‪.‬‬
‫‪ ‬حاول الوصول إلى نتائج باالعتماد على بناء منطقي سليم‪.‬‬
‫‪ ‬اختبر نتائجك بمقارنتها مع الواقع ومع وجهات نظر اآلخرين‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫‪ ‬قيم موقفك وقارنه مع موقف اآلخرين‪ :‬هل بنيت موقفك انطالقا من قناعاتك‬
‫الشخصية‪ ،‬أو أنك اعتمدت على معلومات من مصادر مختلفة‪ .‬هل كانت مصادرك‬
‫تتبع مدرسة فكرية أو عقائدية محددة أم حاولت أن ترى وجهات نظر مختلفة؟‬
‫‪ ‬حاول أن تفكر بعقل متفتح‪ ،‬أي ال تضع أحكامك قبل أن تعرف الحقائق‪ .‬فكلنا‬
‫يخطئ‪ .‬ومن الممكن أن يكون ما تفكر به غير صحيح‪.‬‬
‫‪ ‬حاول أن تناقش أفكارك مع اآلخرين لتصل إلى رؤية أفضل وإلى وضوح حول‬
‫األفكار التي تقولها‪ .‬حاول أن يكون النقاش مع أشخاص ال تتفق معهم في وجهة‬
‫النظر‪ .‬وحاول أن تفكر باألسباب التي دفعتهم لتبني وجهة النظر تلك‪.‬‬
‫‪ ‬حاكم بعد ذلك وجهتي النظر من منظور الحقائق والمعلومات التي جمعتها‪.‬‬

‫أهمية التفكير الناقد للتعلم‬


‫يتم التركيز في التعلم اليوم على األساليب التي تدفع اإلنسان للتعلم من خالل انخراطه‬
‫بحياته اليومية‪ ،‬وبالتالي فال بد له أن يتعرف ويفكر بشكل نقدي على كل جوانب هذه الحياة لكييصل‬
‫إلىالتعلم من خبرته العملية ولمقارنة هذه الخبرة العملية مع فهمه المعرفي السابق وعلى مدى قدرة‬
‫األفكار السائدة على التعامل مع مستجدات العصر‪.‬‬
‫وبالتالي تكون فوائد استخدام التفكير الناقد على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ o‬الكشف عن معلومات جديدة عن طريق تبادل األفكار‪ ،‬مما يؤدي إلى ظهور أفكار متعمقة‬
‫ومفيدة ومبتكرة‪.‬‬
‫‪ o‬الحد من التحيز‪ ،‬فالتفكير النقدي يلزم إجراء مناقشات شاملة ونقدية حول المعلومات الواردة‬
‫واالنطباعات‪ ،‬مما يؤدي إلى ضمان التحقق منها من قبل العديد من األشخاص‪ ،‬وبالتالي‬
‫هناك ضمان بأن أحدهم سيشير إلى النقاط التي يعتقد بأنها خاطئة‪.‬‬
‫‪ o‬بناء صورة واضحة عن الوضع القائم وعن األحداث والممارسات واألنشطة للوصول إلى‬
‫اتفاق في كيفية التعامل معها‪ ،‬والوصول إلى اتفاق حول تحليل المعلومات‪ .‬فمن خالل مناقشة‬
‫المعلومات والبيانات‪ ،‬تظهر التناقضات والفجوات ويتم فهمها وتجاوزها‪.‬‬
‫‪ o‬التأكد من أن تكون ممارساتنا عقالنية ومفيدة‪.‬‬
‫‪ o‬تسهيل اتخاذ قرارات يمكن لآلخرين قبولها والتعامل معها‪.‬‬
‫‪ o‬الحد من تأثير األفكار الوثوقية الجزمية‪ ،‬التي نعتقد بصالحيتها بصرف النظر عن األحوال‬
‫والتغيرات التي تنشأ في الواقع‪ ،‬ومحاكمتها محاكمة نقدية فاحصة‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫التشجيع على التفكير النقدي‬
‫ال بد من تشجيع الطلبة على التفكير الناقد‪ ،‬فالتفكير الناقد سلوك يمكن تعلمه وكلما تم استخدامه‬
‫تم تعميمه وانتشاره بين المجموعات التي تستخدمه‪ .‬وكلما ازداد استخدام هذا النوع من التفكير‬
‫صا واحدًا يستخدم التفكير الناقد‬
‫أدرك مستخدموه خصائصه وفوائده‪ .‬حتى أنه يمكن القول أن شخ ً‬
‫في محيطه‪ ،‬أو حتى في مجال عمله ونشاطه‪ ،‬بشكل متواصل‪ ،‬سوف يؤثر بال شك على انتشار‬
‫ثقافة نقدية عالية في من يتعامل معهم‪ .‬وبالتالي فمن المهم التركيز على بعض النقاط في هذا السياق‪:‬‬
‫‪ ‬يتوقع من كل فرد استخدام التفكير النقدي في حياته‪.‬‬
‫‪ ‬يتوقع ممن يستخدم التفكير الناقد أن يستخدم هذا التفكير على تصرفاته قبل أنتقاد اآلخرين‪.‬‬
‫‪ ‬يتوقع ممن يستخدم التفكير الناقد أن يفكر ويقدم انطباعاته عن تصرفاته وتصرفات‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫‪ ‬من أسس التفكير الناقد أن تعرف رأي اآلخرين فيما تقوله أو تفكر به‪ :‬فال ضير من أن‬
‫تسأل زمالءك ومن تتعامل معهم عن تصرفاتك وأفكارك‪.‬‬
‫‪ ‬وبالتالي‪ :‬شجع زمالءك على تقديم نقدهم لتصرفاتك بحرية‪ ،‬وقدم لهم أيضا نقدا بنا ًء‬
‫لتصرفاتهم وبشكل إيجابي ال سلبي‪.‬‬
‫‪ ‬كل فرد منا يخطئ‪ ،‬والتفكير الناقد يعلمنا أن نتعلم من أخطائنا ومن أخطاء اآلخرين‪.‬‬
‫التعلم هو عملية متواصلة يدخل بها اإلنسان منذ لحظة ميالده وإلى وفاته‪ .‬وال يقتصر فعل‬
‫التعلم على المدرسة أو الجامعة‪ ،‬فاإلنسان يتعلم باستمرار‪ ،‬وأفضل العقول هي تلك التي تقر بالتعلم‬
‫مدى الحياة‪ .‬فمن يغلق عقله عن عملية التعلم‪ ،‬يبقى في مكانه وال يتمكن من الوصول إلى التميز‪.‬‬
‫ولذلك فإننا يجب أن ننظر إلى عملية التعلم بالممارسة كعملية تعلم مستمرة‪.‬‬
‫مفاتيح التعلم‪:‬‬
‫‪ ‬حاول أن تحلل المعلومات ال أن تسجلها فقط‪ ،‬لكي تتمكن من الوصول إلى معرفة جديدة‪.‬‬
‫‪ ‬استخدم المعلومات والخبرات التي تحملها بشكل إبداعي إلدارة المعرفة التي تحصل عليها‪.‬‬
‫‪ ‬المعرفة شمولية‪ ،‬ولذلك استخدم معارفك في الحقول المختلفة في المشكالت والموضوعات‬
‫التي تعمل عليها‪.‬‬
‫‪ ‬طبق مهارة حل المشكالت على المشاكل المعرفية كما تطبقها على المشاكل العملية‪.‬‬
‫‪ ‬في حال الوصول إلى معرفة ما عممها وحاول أن تعرف تبعاتها في أوضاع تختلف عن‬
‫األوضاع التي تعرفت فيها على المعلومات والمعارف أول مرة‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫‪ ‬فكر بشكل حثيث في متى وأين يمكنك أن تستخدم معارفك الجديدة‪.‬‬

‫نشاط‪:‬‬
‫طبق ما تعلمته هنا على أحد التمارين المطلوبة منك في المواد األخرى‪ .‬تتبع الخطوات‬
‫والمقترحات أعاله في عملك‪ ..‬هل استخدمت مفاتيح التعلم؟‬

‫التفكير اإلبداعي‬

‫التفكير اإلبداعي هو نمط من التفكير يستطيع أن يقدم معرفة جديدة‪ .‬وفي األساس فإن هذا‬
‫النوع من التفكير مرتبط بالمنهج العلمي الذي يرتبط باستنتاجات علمية ناتجة عن معرفة مبنية على‬
‫المشاهدة والعقل‪ .‬والغرض األساسي من التفكير اإلبداعي هو الوصول إلى أفكار واقتراحات خالقة‬
‫نستطيع تقديمها للمشاكل التي تواجهنا‪.‬‬

‫‪ ‬اإلبداع هو كل فكرة أو عمل يقوم به اإلنسان من تلقاء نفسه مستخدما خبراته السابقة‬
‫بشكل خالق‪.‬‬
‫‪ ‬اإلنسان مبدع بطبيعته ألنه يملك ملكة العقل (المخيال)‪.‬‬
‫‪ ‬اإلبداع ليس حكرا على مجموعة محددة من البشر بل هو خاصية تميز كل البشر‪.‬‬
‫‪ ‬اإلبداع يبرز مع الجرأة والمثابرة بالرغم من وجوده الدائم‪.‬‬
‫وينطلق التفكير اإلبداعي من دافعية اإلنسان لتقديم معرفة جديدة قادرة على التعامل مع‬
‫المشكالت والقضايا التي تواجهه‪.‬‬
‫ولكي نتمكن من الوصول إلى تفكير إبداعي ال بد لنا أن نعرف األخطاء التي يمكننا الوقوع‬
‫بها نتيجة للتفكير غير اإلبداعي أو للمنزلقات المنطقية التي قد نقع بها‪ ،‬في ما يمكن أن نسميه‪:‬‬
‫التفكير األعوج‪.‬‬

‫التفكير األعوج قد ينتج عن خطأ في المنطق أو عن تعمد خديعة اآلخرين‪ .‬لذلك‪ ،‬يحتاج منا‬
‫الكشف عن العوج في التفكير (لدينا أو لدى اآلخرين) االنتباه إلى جملة من األمور‪ ،‬منها‪:‬‬

‫انحراف التفكير الناجم عن خطأ في استخدام المنطق‬

‫كثيرا ما يستخدم البعض عبارات يسعون من خاللها إلى إقناعنا بصحة استنتاجاتهم ولكن‬
‫ً‬
‫التدقيق فيها يكشف خطأ المنطق المستخدم‪ .‬من هذه العبارات المستخدمة‪:‬‬

‫‪120‬‬
‫ولكن – هم – لن – يقبلوا – أبدًا؛ أو‬ ‫‪.1‬‬
‫ولكن – أنت – تعرف – لماذا؛ أو‬ ‫‪.2‬‬
‫ولكن – هذا – ليس – من – شيمنا؛ أو‬ ‫‪.3‬‬
‫قوم "جلوس" حولهم الماء)‪.‬‬ ‫سر الماء بعد الجهد بالماء‪( .‬كأنهم والماء من حولهم‬
‫ف ّ‬ ‫‪.4‬‬
‫إن العبارات األربع السابقة تعبر‪ ،‬بالتأكيد‪ ،‬عن خطأ منطقي كبير؛ ففي الجملة األولى نقدم‬
‫حك ًما غيابيًّا على موقف آلخرين دون أن نحاكم فعال ما إذا كانوا لن يقبلوا بالعرض أو أننا نعتقد‬
‫بأنهم لن يقبلوا بالعرض‪ .‬ولكي يكون الحكم صحيحا يجب علينا‪ ،‬من وجهة النظر المنطقية‪ ،‬أن‬
‫نقول شيئا مثل‪ :‬ألسباب ‪ ،3 – 2 – 1‬والتي نعرفها عنهم فإننا نعتقد أن االقتراح المقدم يتناقض مع‬
‫ما يريدون‪،‬ولذلك فهم لن يقبلوا‪ .‬هنا نرى بوضوح الفرق بين االدعاء األول والبناء المنطقي الثاني‪.‬‬

‫أما الجملة الثانية فإنها تفترض معرفة الفرد بشيء معين‪ ،‬أو أنها تقدم أسلوبًا يحاول إحراج‬
‫الفرد في كونه يعرف شيئا معينا‪ .‬بينما هو‪/‬هي في الواقع قد ال يعرف‪/‬تعرف أي شيء عن تلك‬
‫القضية‪ .‬والبناء المنطقي ال يمكن أن يبنى على المجهول‪ ،‬بل يجب أن تقدم المقدمات بشكل واضح‬
‫وصريح لكي نتمكن من الحكم على ما إذا كانت هذه المقدمات تفيد النتيجة‪ ،‬ويكون االستنباط‬
‫صحيحا‪ ،‬أو أن المقدمات ال تفيد النتيجة ويكون االستنباط خاطئا‪.‬‬

‫تصورا معينًا للشيم واألخالق‪ ،‬قد تتفق عليه مجموعة من البشر وقد ال‬
‫ً‬ ‫التعبير الثالث يحتم‬
‫تتفق عليه أيضا‪ .‬وبالتالي فالحكم المسبق بأن موقفا ما هو موقف متفق عليه ال يعتبر بناء منطقيًّا‪،‬‬
‫ألننا في المنطق يجب أالّ نتوقع موقفا ما‪ ،‬ما لم نقدم إثباتات تدل على أن هذا الشخص يتبنى هذا‬
‫الموقف‪ .‬فليس هناك تعميمات غير مبنية على حقائق أو مقدمات ثابتة‪.‬‬

‫النوع الرابع من الجمل هو من النوع التحليلي الذي يعطينا مرادفات لمعنى واحد دون أن‬
‫يقدم لنا معرفة جديدة ‪ ،‬كأن نقول‪ :‬أعزب‪ ،‬أو أن نقول‪ :‬شخص غير متزوج‪ .‬في هذه الحالة ال نقدم‬
‫معرفة جديدة‪ ،‬فاألعزب هو شخص غير متزوج‪ .‬هذا الشكل من الجمل يصح فقط على القضايا‬
‫التي ال تحتاج تجربة إلثباتها‪ ،‬بل هي بالتعريف متكافئةتماما كأن نقول‪ :‬هللا حق‪ ،‬أو هللا عادل‪ ،‬هذه‬
‫العبارات ال تحتاج تعريفا أو اختبارا‪ ،‬فاهلل حق وعادل بالتعريف‪.‬‬

‫لقد سيطر منطق أرسطو (المنطق الصوري) على فضاء المنهج في العلوم منذ القرن الرابع‬
‫قبل الميالد إلى القرن الخامس عشر‪ .‬لكن على الرغم من األهمية لهذا المنطق ولدوره الكبير في‬
‫حل الكثيرمن المشكالتوالقضايا التي واجهت البشرية إال أنه يفشل في حل الكثير من المعضالت‪،‬‬
‫وهو‪ ،‬من وجهة نظر منهج الثورة العلمية الكبرى‪ ،‬منطق ال يقدم لنا الجديد‪ .‬فاالستنباط يعتمد على‬

‫‪121‬‬
‫مجموعة من القوانين الصارمة للوصول إلى نتائج صحيحة من مقدمات صحيحة‪ .‬وهو يصل من‬
‫الكليات إلى الجزئيات‪ ،‬كقولنا على سبيل المثال‪ :‬إن "كل إنسان فان" ‪ ،‬وهذه جملة كلية تضم كل‬
‫صا ما في هذه المجموعة "البشر"‪ ،‬وقلنا‪" :‬أرسطو إنسان"‬
‫البشر دون استثناء‪ ،‬ثم إذا ما حددنا شخ ً‬
‫نصل إلى االستنتاج المنطقي القائل "أرسطو فان"‪ .‬لكن من هذا المثال البسيط ندرك الخصائص‬
‫التالية للمنطق االستنباطي القديم‪:‬‬

‫‪ )1‬إننا لكي نصل إلى النتيجة "أرسطو فان" يجب أن نسلم بصحة كل من المقدمتين "كل‬
‫إنسان فان" و"أرسطو إنسان"‪ ،‬فإذا ما فرضنا أن أيًّا من هاتين المقدمتين خاطئة فإن‬
‫استنتاجنا أن "أرسطو فان" سيكون استنتا ًجا خاطئًا أيضا‪ .‬قد يقول أحدهم‪ :‬لكن من الواضح‬
‫هنا أن التركيب هو تركيب منطقي وبالتالي النتيجة منطقية‪ ،‬فلماذا تكون هذه الخاصية‬
‫إشكالية؟ الجواب يتضح عندما ال نأخذ قضية واضحة كالقضية السابقة‪ ،‬بل قضية أخالقية‬
‫أو إيمانية أو حتى قضية علمية ذات صبغة خالفية‪ ،‬ولنأخذ على سبيل التمثيل مثاالً آخر‪:‬‬
‫"اإلجهاض هو قتل لنفس حية"‪" ،‬سميرة أجهضت" إذن "سميرة قتلت نفسا حية"‪ .‬بالتأكيد‬
‫هذا االستنباط هو استنباط صحيح بحسب قوانين االستنباط‪ .‬لكن لنفكر معا ً قليال‪ :‬المقدمة‬
‫الثانية قد تكون مقدمة تمثل حقيقة ما‪ ،‬هي حقيقة أن سميرة أجهضت‪ ،‬وهي بالتالي صادقة‪،‬‬
‫لكن المقدمة األولى‪" :‬اإلجهاض هو قتل لنفس حية" هي مقدمة خالفية‪ ،‬ألن معارضي‬
‫اإلجهاض أنفسهم يقولون بضرورة تحديد زمن اإلجهاض‪ ،‬فالبعض يؤمن أن النفس تبدأ‬
‫بالكينونة بعد أربعة أشهر‪ ،‬والبعض بعد أربعين يوما‪ ،‬والبعض عند لحظة اإلخصاب‪،‬‬
‫وهكذا‪ّ ،‬‬
‫فإن التعميم السابق ال يكون تعميما صحيحا‪ ،‬ولذلك فالجملة السابقة هي جملة‬
‫خاطئة‪ .‬ومن هنا نصل إلى أن النتيجة خاطئة أيضا ألن ما بني على خطأ كان خطأ‪.‬‬
‫‪ )2‬من المثال السابق نصل إلى الخاصية الثانية من خصائص االستنباط الخالفية‪ ،‬وهي خاصية‬
‫افتراض صدق المقدمات للوصول إلى النتائج‪ ،‬أي أن االستنباط يعتمد‪ ،‬لكي يكون استنباطًا‬
‫صحي ًحا وغير فاسد‪ ،‬أن تكون كل مقدماته صادقة‪ .‬وفي كثير من األحيان تكون النتيجة‬
‫صادقة على الرغم من أن االستنباط فاسد‪ ،‬وهذه قضية إشكالية‪( .‬األستنباط الفاسد هو‬
‫االستنباط الصحيح من حيث الشكل ولكنه يحتوي على مقدمات غير صادقة‪).‬‬
‫‪ )3‬االستنباط ال يعطي معرفة جديدة‪ ،‬ألن المعرفة المقدمة في أي نتيجة استنباطية يجب أن‬
‫تكون بالضرورة معرفة مستغرقة في المقدمات‪ .‬ففي المثال األخير‪ ،‬االستنتاج "سميرة‬
‫سا حية" هو استنتاج يمكن ألي شخص أن يتوصل إليه بالضرورة إذا ما طبق‬
‫قتلت نف ً‬

‫‪122‬‬
‫قوانين المنطق على المقدمات المطروحة‪ .‬وكذا هي الحال في أي من القضايا المنطقية‬
‫المعتمدة على قوانين االستنباط‪.‬‬
‫‪ )4‬االستنباط يعتمد على العقل وحده‪ ،‬وال يحتاج إلى التجربة‪ .‬فهناك قوانين صارمة يجب على‬
‫العقل العمل بها للوصول من المقدمات إلى النتائج‪ ،‬وهذه العملية ال تحتاج إلى أي تجربة‪.‬‬
‫هنا ال بد من القول بأن هذه النقاط تعتمد على رؤية الفكر التجريبي في بداية الثورة العلمية‬
‫الكبرى‪ ،‬وبعضها قد ال يكون دقيقاً‪ .‬فعلى سبيل المثال النقطة الرابعة تربط االستنباط بالعقل وحده‪،‬‬
‫وهذا غير دقيق‪ ،‬ألنه إذا ما أقرينا أن االستنباط يعتمد على مقدمات صادقة فأن صدق المقدمات يتم‬
‫التحقق منه من خالل مقابلته بالواقع‪ ،‬وهذه المقابلة مع الواقع تحتاج إلى "التجربة" ويمكن في‬
‫بعض األحيان أن تحتاج إلى "األستقراء"‪.‬‬
‫شعر الكثير من فالسفة عصر النهضة بضرورة تطوير المنطق االستنباطي كمنهج في‬
‫العلم‪ ،‬أو حتى بضرورة التخلي عنه ألنه ال يستطيع أن يقدم لنا معرفة جديدة‪ .‬وانقسم هؤالء إلى‬
‫صنفين أساسيين‪ :‬عقالنيين جدد (مثل ديكارت رائد العقالنية في العصر الحديث)‪ ،‬وتجريبيين (مثل‬
‫فرنسيس بيكون رائد التجريبية)‪ .‬وسنأخذ هنا موقف بيكون‪ ،‬لكونه الموقف الذي يعبر بشكل أساسي‬
‫عن منهج الثورة العلمية الكبرى‪.‬‬

‫لقد كان انتقاد بيكون متركزا على العقل واستخدامه‪ .‬فهو يقول لنا كيف يمكن االعتماد على‬
‫العقل في الوصول إلى حقائق علمية عندما يكون هذا العقل مصدرا للعديد من األوهام التي تسيطر‬
‫على البشر‪ ،‬وتجعلهم عاجزين عن إدراك الحقائق التي تقولها الطبيعة لنا‪ .‬فهم يشاهدون ويعترفون‬
‫فقط بما تمليه عليهم أوهامهم‪ ،‬وال يريدون أن يشاهدوا أو يعترفوا بما هو واضح من خالل التجربة‬
‫عن حقائق الطبيعة‪ .‬ومن األمثلة الصارخة التي توضح وجهة نظر بيكون هذه مثال موقف الكنيسة‬
‫في القرون الوسطى من كروية األرض‪ .‬فعلى الرغم من أن العلم البشري توصل إلى أن األرض‬
‫كروية‪ ،‬منذ األلف الثالثة قبل الميالد‪ ،‬على يد البابليين‪ ،‬وعلى الرغم من العدد الهائل من المشاهدات‬
‫التي تدعم علميًّا كروية األرض‪ ،‬إال أن الكنيسة لم تعترف بهذه الكروية‪ ،‬واعتبرت العلماء الذين‬
‫تبنوا ذلك بأنهم سحرة ومشعوذون يتوجب حرقهم‪ ،‬وهذا ما فعلوه بالضبط مع جوردانوا برونو‪.‬‬

‫يقول بيكون‪ :‬إن مثل هذا الموقف من قبل الكنيسة وغيرها من المواقف إنما هو نتيجة‬
‫لسيطرة العقل الواهم على العلم‪ .‬فهذا العقل ينتج مجموعة من األوهام‪ ،‬هي‪:‬‬

‫بشرا‪ ،‬ونتيجة للخصائص التي‬


‫‪ )1‬وهم النوع‪ :‬وهو ذلك الوهم الذي يتشكل عند البشر كونهم ً‬
‫تتميز بها عالقاتهم النفسية واالجتماعية‪ .‬فالبشر‪ ،‬في العادة‪ ،‬ينزعون إلى التعميم الخاطئ‬

‫‪123‬‬
‫غير المبني على مشاهدات علمية‪ ،‬كأن يسنتجوا مثال إذا ما شاهدوا ثالثة فنزوليين أو أربعة‬
‫لديهم حس عا ٍل من الفكاهة‪" :‬كل الفنزوليين لهم حس عال من الفكاهة"‪ ،‬وهذا بالتأكيد‬
‫تعميم خاطئ‪ .‬أو حين يكون هناك جانب عاطفي؛ فاألب ال يرى أخطاء أبنائه‪ ،‬والحبيب ال‬
‫يالحظ أخطاء المحبوب‪.‬‬
‫‪ )2‬وهم الكهف‪ :‬وهو الوهم الذي يتشكل عند كل فرد منا نتيجة للتنشئة والتربية‪ ،‬فيتكون عند‬
‫كل واحد منا مجموعة من المعتقدات التي تتحول‪ ،‬مع الوقت‪ ،‬إلى كهف يعيش فيه دون أن‬
‫يدرك أن هذه المعتقدات إنما هي معتقدات شخصية ال تنم عن حقيقة أو حتى عن اعتقاد‬
‫عام في الواقع الذي يعيشه‪ .‬ومن األمثلة التي يمكن تقديمها عن وهم الكهف تحليل لعبارة‬
‫الرئيس األمريكي األسبق جورج بوش‪" :‬إما أن تكون مع أمريكا أو مع اإلرهاب"‪.‬‬
‫وبالتأكيد فإن هذا الموقف ينم عن وهم كهف يخلط الكثير من المفاهيم والحقائق‪ ،‬فقد يكون‬
‫الفرد معاديا‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬ألمريكا ولإلرهاب على ح ٍّد سواء‪ .‬أو أن يعتقد شخص ما‬
‫بأن اإلسالم ال يبيح للمرأة الخروج إلى العمل‪ ،‬فهذا مفهوم خاص إلسالم يحمله هذا الفرد‬
‫وهو مفهوم خاطئ ينم عن وهم كهف يعيش فيه هذا الفرد‪.‬‬
‫‪ )3‬وهم السوق‪ :‬وهو وهم يرتبط باللغة وباالستخدام الخاطئ للعبارات اللغوية‪ ،‬أو‬
‫بالمصطلحات التي تتعامل بها مجموعة من البشر مستخدمة عبارات بمعان تتجاوز معناها‬
‫الحقيقي‪ .‬وأمثلة هذا الوهم كثيرة ومتنوعة في الطبيعة‪ .‬منها أن يسأل شخص من األردن‬
‫أجنبيًّا‪" :‬كم ملعقة تريد؟" بقصد السؤال عن كمية السكر التي يريدها الشخص اآلخر‪ ،‬لكن‬
‫السؤال سيكون غريبًا لألجنبي ألنه سيقول‪ :‬ال أريد أي مالعق‪ .‬الدعابة نفسها يمكن أن‬
‫تحدث عندما يذهب عربي إلى بريطانيا فيسأل‪" :‬كم مكعبًا تريد؟"‪ .‬لكن هذه أبسط أوهام‬
‫السوق‪ ،‬ففي حاالت أخرى يكون هناك إشكاليات عميقة جراء استخدام لغة معينة‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل المثال‪ ،‬يستخدم بشكل كبير في بعض الدوائر في األردن كلمة "نوري" بصورة سيئة‪.‬‬
‫فيقول أحدهم‪" :‬فالن نوري" بقصد التجريح‪ ،‬لكن هذا االستخدام هو استخدام غير صحيح‬
‫للكلمة‪ ،‬فكلمة نوري تشير إلى من ينتمي إلى مجموعة بشرية انحدرت من أواسط آسيا‬
‫واستقرت في المنطقة‪ ،‬وال تعبر عن سلوك بشري سيئ كما تستخدم في العامية‪ .‬ويبرز‬
‫الوهم أيضا عندما يذهب أحدهم إلى الطبيب الذي يبدأ بالتحدث عن المرض بلغة يفهمها‬
‫هو ومن تعامل مع مهنة الطب بشكل مباشر‪ ،‬بينما ال يفقه المريض شيئا عما يقوله الطبيب‪.‬‬
‫وتصل األمور إلى أكثر مستوياتها تعقيدا عندما يُستخدم مصطلح معين ويعمم على أن‬
‫معناه معنى مجازي يجانب الحقيقة‪ ،‬وينتشر في الثقافة والحديث دون فحص‪ ،‬كاالستخدام‬
‫الشائع لكلمة إرهاب وإرهابي‪ ،‬فالكثير من الخلط يدور حول معنى الكلمة وحول من يمكن‬

‫‪124‬‬
‫أن ينعت بها‪ .‬فيتهم الكثير من المقاومين لالحتالل بتهم اإلرهاب دون حق‪ ،‬بينما ينعت‬
‫إرهابي حقيقي بأنه يدافع عن النفس‪ .‬وهكذا تختلط األفكار والمعاني والمفاهيم‪ .‬ويعتبر‬
‫الكثيرون أن هذا النوع من األوهام من أخطر األوهام‪.‬‬
‫‪ )4‬الوهم األخير هو وهم المسرح‪ ،‬وهو مشابه لوهم الكهف مع اختالف "بسيط" هو أن يكون‬
‫مجتمع كامل تحت تأثير الوهم‪ .‬فكما كانت الحال‪ ،‬على سبيل المثال في أفغانستان إبان حكم‬
‫طالبان‪ ،‬فقد كان هناك وهم عام مفاده أن تعاليم اإلسالم تنادي المرأة أن تبقى حبيسة البيت‬
‫ّ‬
‫وأال تتعلم‪ ،‬ونعرف تماما أن اإلسالم براء من مثل اعتقاد هكذا‪ .‬وهذا النوع من األوهام هو‬
‫األخطر‪ ،‬ألنه يعتمد تسويغه وشرعيته من كل اجتماعي معين‪ ،‬بحيث تصبح المعتقدات‬
‫الوهمية والخاطئة معتقدات مسوغة ومعموال بها دون تفكير أو تمحيص؛ كوهم االعتقاد‬
‫بأن الديمقراطية‪ ،‬بشكلها الغربي‪ ،‬هي الديمقراطية الممكنة الوحيدة‪ ،‬بينما الواقع يفيد بأن‬
‫هناك العديد من الديمقراطيات الممكنة والمختلفة عن الديمقراطية الغربية بشكلها القائم‬
‫اليوم‪.‬‬
‫وللوصول إلى المنهج الجديد استخدم بيكون وعلى أثره علماء عصر النهضة االستقراء‬
‫للوصول إلى المعرفة‪ .‬واالستقراء هو االنتقال من الجزئيات للوصول إلى الكليات‪ .‬لكن التعميم هنا‬
‫يختلف عن تعميمات وهم النوع التي ال تعتمد على التجربة الحسية‪ ،‬بل هو تعميم علمي يحتاج‬
‫االختبار المتواصل لحقائقه للوصول إلى نتائج صحيحة‪ .‬وقد يكون أبسط مثال على التعميم العلمي‬
‫قضية شروق الشمس‪ .‬فالشمس أشرقت اليوم وأمس وقبل مئة عام وقبل ألف عام ‪ .‬ومع تراكم‬
‫المشاهدات الحسية التي تؤكد شروق الشمس في صباح كل يوم نصل إلى التعميم العلمي بأن‬
‫"الشمس تشرق كل صباح"‪.‬‬

‫ويعتبر االستقراء منهج الثورة العلمية‪ ،‬ولذلك فالتجربة العلمية هي ركن أساسي في العلم‪.‬‬
‫ويفيدنا االستقراء في الوصول إلى معرفة جديدة لم تكن موجودة أو معروفة في السابق‪ .‬والخاصية‬
‫المهمة الثانية لالستقراء هي ارتباطه بالتنبؤ‪ .‬فمن التجربة والتعميم العلمي يمكننا التنبؤ بخصائص‬
‫ال يمكننا فعليًّا أن نختبرها بشكل مباشر‪ .‬ومثال ذلك أننا في التجارب العلمية نصل إلى مجموعة‬
‫من المشاهدات‪ ،‬لنقل إنها مئة مشاهدة‪ ،‬ومن هذه المشاهدات‪ ،‬وباالعتماد على المعرفة الرياضية‬
‫وعلى شرط البساطة الذي يضيفه العالم‪ ،‬نصل إلى معادلة من نوع ما تعبر عن المشاهدة المئة التي‬
‫اختبرناها تجريبيًّا‪( .‬يعتبر العلماء أن من األفضل أن تبدأ الفرضية العلمية بأبسط معادلة تمكننا من‬
‫ربط المشاهدات الموجودة بحيث يبنى التعميم على هذه المعادلة البسيطة بالرغم من وجود معادالت‬
‫أكثر تعقيدًا يمكنها أيضا أ ن تربط بين النقاط التي تمثل المشاهدات‪ ،‬فإذا كان هناك سبب يدعو في‬

‫‪125‬‬
‫المستقبل إلى تغيير المعادلة فإنهم يعدلون الفرضية االبتدائية‪ ،‬ويقدمون نظرية جديدة للمشاهدات‬
‫القديمة مع المشاهدات الجديدة أيضا)‪ .‬لكن المعادلة الرياضية‪ ،‬ولنفترض أنها معادلة خطية‪ ،‬يمكنها‬
‫ليس الربط بين المشاهدات التي توصلنا إليها من خالل التجربة فحسب‪ ،‬ولكنها أيضا تعطينا نتائج‬
‫ومعلومات عن نقاط لم تدخل أساسا في المشاهدات التجريبية‪ .‬ومثال على ذلك درجات الحرارة؛‬
‫فبالرغم من أننا ال نستطيع فعليًّا قياس درجة حرارة الصفر المطلق‪ ،‬إال أننا ومن خالل التعميم‬
‫العلمي نعرف قيمتها ونستطيع أن نتوقع خصائص المواد عند تلك الدرجة‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى ما قدمه بيكون‪ ،‬فقد تمكن الفالسفة فريجا ورسل من أسس جديدة للمنطق‬
‫تتجاوز االنتقادات التي قدمت للمنطق األرسطي وساهموا في وضع أسس المنطق الحديث‪ ،‬والذي‬
‫بات يعرف بالمنطق الرمزي‪.‬‬

‫ورقة عمل‬

‫تمرين (‪)1‬‬

‫هل تستخدم عبارات مشابهة لتلك المذكورة أعاله في النص‪ ،‬أو الحظت استخدامها من قبل اآلخرين‬
‫في النقاش؟ أعط أمثلة على ذلك الثنتين منها على األقل‪.‬‬

‫تمرين (‪)2‬‬

‫حدد طبيعة الوهم في الجمل التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬يقول بلير‪" :‬ما زلت مقتنعا بأن العراق يملك أسلحة دمار شامل وسيتم العثور‬
‫عليها"‪.‬‬
‫‪ .2‬األب‪" :‬ال يمكن أن يكون ابني هو السبب" ‪.‬‬
‫‪ .3‬اليابانيون شعب تكنولوجي ‪.‬‬
‫‪ .4‬يؤمن البرهمانيون بأن أكل اللحم حرام ‪.‬‬
‫‪ .5‬يعتقد جون بأن الحالة الطبيعية للمجتمع اإلنساني هي حالة السلم ‪.‬‬
‫‪ .6‬يقول عالم آلخر‪" :‬يجب أن ندرس التحول التكتوني لقاع المحيط الهادئ بعد حادثة‬
‫توسوناما لمعرفة النتائج المترتبة"‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫تمرين (‪)3‬‬

‫هل التفكير الخالق موهبة أو مهارة؟‬

‫ولكي تقدم حلول إبداعية للمشاكل التي تعترضك نقترح الخطوات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬اعمل في أفضل وقت‪ ،‬وفي أفضل مكان يساعدك على أن تكون مبدعا‪ .‬ويختلف هذا‬
‫بين شخخخص وآخر‪ ،‬ولذلك فمن الضخخروري أن تتمكن من التعرف إلى أفضخخل األجواء‬
‫التي تناسبك من خبرتك الشخصية‪.‬‬
‫‪ -‬اسخختخدم وسخخيلة اتصخخال أخرى غير التي تسخختخدمها‪ ،‬في العادة‪ ،‬لكي تصخخل إلى إدراك‬
‫طبيعة المشخخخخكلة (على سخخخخبيل المثال‪ :‬تكلم بدال من أن تكتب‪ ،‬ارسخخخخم بدال من أن تتكلم‬
‫‪...‬إلخ)‪.‬‬
‫‪ -‬امنح نفسخخخخخخخك وقتا للراحة‪ ،‬وتوقف عن التفكير بالمشخخخخخخكلة‪ ،‬ففي بعض األحيان تأتي‬
‫األفكار المبدعة من حيث ال تتوقعها‪.‬‬
‫‪ -‬انظر إلى المشكلة بعيون جديدة أو من زاوية نظر جديدة‪.‬‬
‫‪ -‬اسخختخدم أدوات غير مرتبطة مباشخخرة بالمشخخكلة في إبعادك عن الصخخورة‪ ،‬لكي تتمكن‬
‫من رؤيتها بالكامل‪.‬‬
‫ورقة عمل‪:‬‬

‫تمرين (‪)1‬‬

‫هناك نقطتان (أ) و(ب) يفصل بينهما خط‪ .‬صل ما بين‬


‫النقطتين (أ) و(ب) بخط‪.‬‬

‫الشرط‪ :‬يجب أال يتقاطع الخط الواصل ما بين النقطتين‬


‫(أ) و(ب) مع الخط الفاصل بينهما‪.‬‬

‫تمرين (‪)2‬‬

‫‪127‬‬
‫إن لم تستطع حل التمرين (‪ )1‬أعاله‪ ،‬أجب عن السؤالين التاليين‪:‬‬

‫‪ .1‬ما هي المشكلة بالضبط ؟ (اكتب شر ًحا للقضية التي تواجهك واصفا جميع الحقائق التي بين‬
‫يديك بدقة مع ذكر المعلومات المتوافرة بالتفصيل حول الحالة‪ .‬وال تترك صغيرة أو كبيرة دون‬
‫إحصائها‪ :‬من نوع القلم الذي ترسم فيه إلى الهدف المطلوب تحقيقه)‪.‬‬

‫‪ .2‬من بين األمور التي قمت بتحديدها‪ ،‬ما الذي يقف عائقًا حقيقيًّا أمام حل المشكلة؟‬

‫تمرين (‪)3‬‬

‫لنفترض أنّك كنت قادرا على تحديد عدد من المعوقات الحقيقية التي تحول دون حل المشكلة‪ .‬ناقش‬
‫مع مجموعتك وجهة نظرك وأفكارك حول كيفية تجاوز هذه المعوقات‪ ،‬وتحقيق الهدف المطلوب‪.‬‬

‫تمرين (‪)4‬‬

‫إذا لم ينجح التمرين (‪ )3‬في تمكينك من حل المشكلة‪ ،‬ناقش مع مجموعتك وجهة نظرك وأفكارك‬
‫حول ما يجب أن يكونحتى يصبح باإلمكان تجاوز هذه المعوقات لتحقيق الهدف المطلوب (أطلق‬
‫العنان لخيالك‪ :‬ما الذي يجب تغييره في الحقائق والمعلومات الراهنة ليكون باإلمكان تحقيق الهدف؟‬
‫تخيل الوضع األمثل الذي يسمح بتحقيق الهدف‪ .‬تخيل أكثر من وضع أمثل)‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫المغالطات المنطقية‪:‬‬

‫في البداية ال بد من تعريف المغالطة المنطقية‪ .‬ال يقصد من المغالطة المنطقية تقديم كل‬
‫خطأ منطقي يقوم به األفراد‪ ،‬ولكن يقصد بالمغالطات تلك األشكال الشائعة للكالم الحجاجي الذي‬
‫قد ينتشر بين من يستخدم اللغة دون أن يتم االستناد إلى بناءات منطقية مقبولة‪ .‬ومن األمثلة الشائعة‬
‫على المغالطات التي قد يقع بها الجمهور القول مثال‪" :‬هل أنت أفهم من أينشتاين؟ أينشتاين يقول‬
‫بهذا" وهذه مغالطة واضحة‪ ،‬فعلى الرغم من أهمية العالم الفيزيائي أينشتاين في تقديم النظرية‬
‫النسبية العامة ولكن هذا ال يفيد بأنه غير قابل للخطأ‪ ،‬فهو إنسان ويمكن أن يخطئ وبالتالي فإن‬
‫االحتكام ألنه من قال شيئًا ما ال يؤدي إلى القول بأن ما قاله صحيح‪ .‬فحتى أعتى العقول ال يحق‬
‫لها أن تقدم أفكارا دون االستناد إلى حجاج منطقي أو إلى براهين حسية‪.‬‬
‫وفي معظم األحيان يقوم "األشخاص الجماهيريون" أو بعض "الشعبويون" أو بعض‬
‫"الدعاة" أو "السياسيون" باستخدام مغالطات منطقية في سبيل تحشيد الجمهور حولهم وحول‬
‫أفكارهم‪ .‬وهذه الحقيقة هي ما تدفع إلى توضيح المغالطات لكي ال يقع الجمهور فيها‪.‬‬
‫يختلف المناطقة حول طرق عرض المغالطات المنطقية بحسب الخلفية الفلسفية التي يحتكم‬
‫إليها كل منهم‪ ،‬ولكن في المحصلة النهائية تبقى هذه االختالفات محصورة في الناحية الشكلية ال‬
‫في جوهر فهمهم للمغالطات‪ .‬فلن يختلف اثنان من المناطقة حول كون بناء حجاجي معين على أنه‬
‫مغالطة ولكن يختلفون حول طرق العرض ليس أكثر‪.‬‬
‫قد تجد في كثير من كتب المنطق أسماء محددة للمغالطات المنطقية وأغلبها يتخذ االسم‬
‫اليوناني القديم لها‪ ،‬ولكن المهم هو التعرف على طبيعة المغالطة أكثر من تذكر اسمها‪ ،‬ولذلك فلن‬
‫تذكراألسماء اليونانية ولكن فقط معانيها وأغراضها‪ .‬هنا نضمن أغلب المغالطات الشائعة وسيتم‬
‫تصنيفها على أربعة أصناف رئيسية يتفرع منها أربعة عشر ً‬
‫شكال (وقد تذهب التصنيفات في كتب‬
‫المنطق إلى أكثر من عشرين ً‬
‫شكال ولكنها تتفق في المجمل مع الفئات األربع الرئيسة)‪ .‬وبالتالي‬
‫نعتمد هنا التصنيف التالي‪:‬‬

‫مغالطات الصلة‪ :‬وترتبط هذه الفئة من المغالطات بالمغالطات التي ال يكون هناك رابط‬ ‫‪.1‬‬
‫بين مقدماتها والنتيجة‪ .‬أو بحسب التعريف الشائع في المنطق‪" :‬المقدمات ال تفيد النتيجة"‪ .‬وتنقسم‬
‫هذه الفئة إلى خمسة أشكال هي‪:‬‬
‫الشكل األول‪ :‬الهجوم على الشخص‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫‪129‬‬
‫الشكل الثاني‪ :‬التشعب وخلق رجل القش‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الشكل الثالث‪ :‬التالعب بالمشاعر (الشفقة‪ ،‬الحب‪ ،‬الكراهية‪.)..... ،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الشكل الرابع‪ :‬االعتماد على السلطة أو القوة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الشكل الخامس‪ :‬االعتماد على رغبات الجمهور‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫مغالطات عدم كفاية األدلة وهي‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الشكل األول‪ :‬االعتماد على جهل المستمع‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫الشكل الثاني‪ :‬االعتماد على سلطة غير موثوقة‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫الشكل الثالث‪ :‬االعتماد على سبب خاطئ‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫مغالطات التمويه وعدم الوضوح‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الشكل األول‪ :‬المواربة‪ :‬االعتماد على كلمات غير واضحة المعنى‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫الشكل الثاني‪ :‬التالعب بالكلمات ومعانيها‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫الشكل الثالث‪ :‬التركيب‪ :‬أن يتم التعميم دون وجه حق‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫الشكل الرابع‪ :‬التقسيم‪ :‬أن يتم اجتزاء الحقيقة‪.‬‬ ‫‪.12‬‬
‫مغالطات المقدمات غير المؤكدة‪:‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الشكل األول‪ :‬افتراض النتيجة‪.‬‬ ‫‪.13‬‬
‫الشكل الثاني‪ :‬افتراض لمعضلة خاطئة أو مقدمة غير متفق عليها‪.‬‬ ‫‪.14‬‬

‫الفئة األولى‪ :‬مغالطات الصلة‪:‬‬


‫وترتبط هذه الفئة من المغالطات بالمغالطات التي ال يكون هناك رابط بين مقدماتها‬
‫والنتيجة‪ .‬أو بحسب التعريف الشائع في المنطق‪" :‬المقدمات ال تفيد النتيجة"‪ .‬وتنقسم هذه الفئة إلى‬
‫خمسة أشكال هي (سيتم تقديم مثال أو مثالين على كل فئة مع تقديم تعريف لكل شكل)‪:‬‬
‫الشكل األول‪ :‬الهجوم على الشخص‬ ‫‪.1‬‬
‫ويقوم هذا الشكل على التركيز على بنية أو حالة الشخص الذي يقدم الحجة ال على بنية‬
‫الحجة بحد ذاتها‪ .‬فيتم االنتقال من نقاش الحجة إلى نقاش حول أهلية الشخص‪:‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫سليم مجنون‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سليم يقول إن الشتاء فصل مفيد للزراعة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إذن القول بأن الشتاء فصل مفيد للزراعة ضرب من الجنون‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪130‬‬
‫هذه المغالطة مباشرة وواضحة‪ .‬فكون سليم مجنونا أو عاقال ال يؤثر على حقيقة أن الشتاء‬
‫مفيد للزراعة‪.‬‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫الشكل الثاني‪ :‬التشعب وخلق رجل القش‬ ‫‪.2‬‬


‫ويتميزهذا الشكل بأنه عندما ال يتمكن الفرد من تقديم حجة ما فيتم االستنتاج أن الحجة‬
‫خاطئة‪.‬الشكل العام لهذا الشكل يمكن تلخيصها بالتالي‪:‬‬
‫مقدمات ال تمثل حقيقة الشخص أو المجموعة أو الشيء الذي نريد نقده‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نتيجة تقول أن اراء أو تصرفات هذا الشخص أو المجموعة خاطئة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫الشكل الثالث‪ :‬التالعب بالمشاعر (الشفقة‪ ،‬الحب‪ ،‬الكراهية‪.)..... ،‬‬ ‫‪.3‬‬


‫يتميز هذا الشكل بأنه يركز على التالعب بمشاعر المستمع وبالتالي يحاول أن يبرز أشياء‬
‫تؤدي بالمستمع إلى قبول النتيجة دون التمحيص بالمقدمات وعالقتها بالنتيجة‪.‬‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫الشكل الرابع‪ :‬األعتماد على السلطة أو القوة‬ ‫‪.4‬‬


‫يعتمد هذا النوع من المغالطات على أن يتم رد النتيجة المطلوبة إلى شخص ذي سلطة‬
‫بحيث يتم االتكاء على هذه السلطة في بناء الحجة‪ .‬ويتم اعتماد هذا النوع من الحجاج في كثير من‬
‫اإلعالنات العامة بحيث يتم القول بأن أطباء األسنان ينصحون باستخدام معجون معين لتسويق هذا‬
‫المعجون‪ .‬وهنا في هذا النوع من الحجاج هناك تعميم في غير محله‪ .‬إذ إن وجود طبيب أو طبيبين‬
‫أو حتى مجموعة أطباء ينصحون باستخدام هذا النوع من المعجون ال يمكنالتعميم بأن كل أطباء‬
‫األسنان ينصحون باستخدامه‪ .‬ويمكن أن تكون البنية الحجاجية أبسط كما في المثال التالي‪:‬‬
‫يعتقد توفيق أن الجامعة ال بد وأن تخفض الرسوم‬ ‫‪-‬‬
‫ولكن مدير القسم الذي يعمل به توفيق يقول أنه إذا تم تخفيض الرسوم فأول المتضررين‬ ‫‪-‬‬
‫سيكون العاملون ومنهم توفيق‪.‬‬
‫إذن تخفيض الرسوم سيؤدي إلى فصل توفيق‪ ،‬كون المدير هو من صرح بذلك‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫‪131‬‬
‫الشكل الخامس‪ :‬االعتماد على رغبات الجمهور‬ ‫‪.5‬‬
‫هذا الشكل من المغالطات يعتمد على التفكير السائد في المجتمع وهو بشكل أو بآخر مستنبط‬
‫من وهم المسرح عند فرنسيس بيكون‪ ،‬أي أن يكون هناك وهم عام في المجتمع مثل "إن أرواح‬
‫األجداد تسكن في األشجار"‪ .‬ففي كثير من األحيان يتم الرجوع إلى السائد في المجتمع كأسلوب‬
‫لتبرير خطأ معين ثم التأكيد على أن هذا الخطأ "صحيح"‪.‬‬
‫مثال‪ :‬الجميع يقول بأن األرض مسطحة‪،‬إذن األرض مسطحة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬الجميع يحب الموسيقى الهابطة‪،‬إذن الموسيقى الهابطة جميلة‪.‬‬
‫وهذا يذكرنا بأغنية غسان الرحباني "الجمهور عايز كده"‪.‬‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫الفئة الثانية‪ :‬مغالطات عدم كفاية األدلة‬


‫تعتمد هذه المغالطات على تقديم أدلة مجتزأة وغير كافية لبناء الحجة بشكل منطقي وسليم‬
‫ولكنها تعتمد فيما تعتمد على عدم قدرةالمستمع على التحقق من كفاية األدلة أو علىجهله بكل‬
‫المعطيات وبالتالي يأخذ بما تقدمه له الحجة على أنه الحقيقة وال يتساءل حول بنية الحجة‬
‫وصالحيتها‪ .‬ولهذه الفئة من المغالطات ثالثة أشكال‪:‬‬

‫الشكل األول‪ :‬االعتماد على جهل المستمع‬ ‫‪.6‬‬


‫تعتمد المغالطة هنا على جهل المستمع بالحقائق‪ .‬وبالتالي يأخذ بنية الحجة على أنها‬
‫صحيحة‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا أنه من الناحية الفلسفية‪ ،‬فإن البنية المنطقية لمحاولة برهان اآلخرين‬
‫إليماناتهم تشبه البنية المنطقية لمحاولة البرهان على ما تؤمن به أنت‪ .‬فإذا قلت مثال بأن إيمان‬
‫بعض الهنود بأن األرض هي أمنا وأنها تأمر ثعبانًا ضخ ًما غير مرئي أن يتحرك كلما غضبت من‬
‫أفعالنا هو إيمان سخيف وأن حجتهم باطلة‪ ،‬فهذا ليس بمختلف عن أن يقولوا عن إيمانك بأنه سخيف‬
‫وحجتك باطلة‪ .‬فحجتك وحجتهم تعتمد على مقدمة إيمانية غير كافية لكل من ال يؤمن بها‪ .‬وبالتالي‬
‫فيجب الحذر من التعامل مع مثل هذه الحجج‪.‬‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫الشكل الثاني‪ :‬االعتماد على سلطة غير موثوقة‬ ‫‪.7‬‬

‫‪132‬‬
‫في كثير من األحيان يحاول الفرد أن يعتمد على اسم شخص في سلطة معرفية أو اجتماعية‬
‫في المحاججة حول قضية ما‪ ،‬كأن يقول أحدهم‪" :‬هل أنت أفهم من أرسطو؟" أو "أينشتاين يقول‬
‫هذا" ونقول عن هذا النوع من المغالطة أنه مغالطة االستناد إلى سلطة ما‪ .‬ولكن عندما يتم استخدام‬
‫عبارات شبيهة في مواضع ال يكون فيها هؤالء األسماء الالمعة محل اختصاص بها فإن المغالطة‬
‫تتحول من مغالطة االستناد إلى سلطة ما إلى مغالطة االعتماد على سلطة غير موثوقة‪ .‬فعلى سبيل‬
‫المثال‪ ،‬إذا تم االستشهاد بأينشتاين في أمور السياسة فهذه بالضرورة مغالطة االعتماد على سلطة‬
‫غير موثوقة‪ .‬فأينشتاين مرجع في الفيزياء ولكنه ليس مرجعًا في السياسة‪.‬‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬
‫الشكل الثالث‪ :‬االعتماد على سبب خاطئ‬ ‫‪.8‬‬
‫في هذا النوع من المغالطات يقوم الفرد باالعتماد على سبب على أنه السبب المحدد أو‬
‫الحاسم في االستنتاج الذي يقدمه دون النظر في احتمال وجود أسباب أخرى قد تكون أكثر منطقية‬
‫أو أكثر احتمالية للوصول إلى االستنتاج‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫منذ أن تم البدء بالدعاية االنتخابية للنواب ارتفعت نسبة الحوادث في األردن‬ ‫‪-‬‬
‫إذن الدعاية االنتخابية سبب الحوادث في األردن‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫الفئة الثالثة‪ :‬مغالطات التمويه وعدم الوضوح‪:‬‬


‫تعتمد هذه الفئة من المغالطات على استخدام جملة من األساليب لجعل المستمع يركز على‬
‫ً‬
‫مغفال‪ .‬والهدف‬ ‫جزئية أو مفهوم معين بينما يبقى السبب الرئيسي أو البنية األصلية ممو ًها عليه أو‬
‫األساسي من هذا النوع من المغالطات هو تحويل انتباه المستمع عن الحقيقة‪.‬‬

‫الشكل األول‪ :‬المواربة‪ :‬االعتماد على كلمات غير واضحة المعنى‬ ‫‪.9‬‬
‫في هذا النوع من المغالطات يحاول الفرد أن يتالعب بالكلمات بمعانيها ليوهم المستمع‬
‫بشيء ما‪ .‬فتكون النتيجة معتمدة على مقدمات غير واضحة أو لها أكثر من معنى واحد‪ .‬أو أن يتم‬
‫استخدام كلمات على أنها متكافئة وهي ليست كذلك‪.‬‬

‫الشكل العام‬
‫ب هي أ وهذا غير صحيح بالضرورة‬ ‫إذن‬ ‫أ هي ب‬

‫‪133‬‬
‫ً‬
‫مستطيال وبالتالي ال نستطيع القول‪:‬‬ ‫مثال‪ :‬المستطيل شكل رباعي لكن الشكل الرباعي ليس‬
‫"المستطيل شكل رباعي"‬ ‫‪-‬‬
‫"إذن الشكل الرباعي مستطيل"‬ ‫‪-‬‬
‫وهذه مغالطة التكافؤ‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬
‫الشكل الثاني‪ :‬التالعب بالكلمات ومعانيها‬ ‫‪.10‬‬
‫تقوم هذه المغالطة على استخدام كلمات يمكن أن يكون لها أكثر من معنى بهدف التمويه‬
‫على المستمع وإقناعه بشيء ما‪ ،‬أو استخدام معنى مجازي في مقابل معنى لغوي‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫عند ارتفاع دقات القلب يرتفع ضغط الدم‬ ‫‪-‬‬
‫ترتفع دقات القلب عند رؤية الحبيب‬ ‫‪-‬‬
‫إذن رؤية الحبيب سبب من أسباب ارتفاع ضغط الدم‬ ‫‪-‬‬
‫مغالطة التالعب بالكلمات‪ :‬هنا تم االستعاضة عن المعنى الحقيقي للكلمات بالمعنى‬
‫المجازي لها‪.‬‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫الشكل الثالث‪ :‬التركيب‪ :‬أن يتم التعميم دون وجه حق‬ ‫‪.11‬‬
‫مغالطة التركيب تتميز بأنها تضفي على الكل خصائص الجزء‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫كل جزء من أجزاء الطائرة خفيف‬ ‫‪-‬‬
‫إذن الطائرة خفيفة‬ ‫‪-‬‬
‫مغالطة التركيب‬
‫مثال‪:‬‬
‫"المجتمع هو عبارة عن مجموع أفراده"‬ ‫‪-‬‬
‫مغالطة التركيب‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫الشكل الرابع‪ :‬التقسيم‪ :‬أن يتم اجتزاء الحقيقة‬ ‫‪.12‬‬


‫وهي تتميز بأن يتم اعتبار خصائص الكل تنسحب على جميع أجزاء هذا الكل‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫الطائرة ثقيلة جدًّا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إذن كل مكون من مكوناتها ثقيل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫الفئة الرابعة‪ :‬مغالطات المقدمات غير المؤكدة‬


‫وتعتمد هذه الفئة من المغالطات على شكلين أساسيين ينطلقان من التعمية وعدم الوضوح‬
‫في صياغة الحجة‪ ،‬أو على تقديم مقدمة غير متفق عليها‪ .‬وتزخر الحوارات في فضاءات التواصل‬
‫االجتماعي بهذه الفئة من المغالطات‪ .‬فنرى أحدهم يقيم الحجة على صحة شيء ما من خالل ما‬
‫يقوله هذا الشيء‪ .‬كأن يقال مثالً أن كتاب "الفتوحات المكية" البن عربي هو ليس البن عربي ولكن‬
‫هو ما أوحي له‪ ،‬وذلك ألن ذلك ما قاله ابن عربي في ذلك الكتاب‪ .‬إن إثبات الشيء من خالل الشيء‬
‫ذاته يسمى "المصادرة على المطلوب"‪.‬‬

‫الشكل األول‪ :‬افتراض النتيجة‬ ‫‪.13‬‬


‫الشكل األول لهذه المغالطة هو افتراض النتيجة‪ ،‬أو ما يعرف منطقيا ً بعبارة "المصادرة‬
‫على المطلوب"‪ ،‬أما في العامية فيقال‪" :‬فسر الماء بعد جهد بالماء"‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫عماد بريء من التهمة‪ ،‬ألن عمادًا لم يرتكب الجريمة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويمكن القول إن معظم النقاش ات الدينية بين العقائد المختلفة أو بين الطوائف هي من نوع‬
‫المصادرة على المطلوب‪.‬‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫الشكل الثاني‪ :‬افتراض لمعضلة خاطئة أو مقدمة غير متفق عليها‬ ‫‪.14‬‬
‫يعتمد الشكل الثاني لهذه الفئة على تقديم مقدمات غير متفق عليها أو غير مقبولة من قبل‬
‫الجميع‪ ،‬ويبني عليها استنتاجاته دون األخذ بعين االعتبار االختالفات الممكنة بين األفراد أو بين‬
‫الحاالت التي تبرز وكأنها متشابهة ولكنها غير ذلك‪.‬‬
‫قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل‬

‫‪135‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مشكالت فلسفية‬

‫‪ ‬فلسفة األخالق‬
‫‪ ‬مشكالت فلسفية‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫مشكلة الحرية والضرورة‬ ‫ت‪.‬‬
‫مشكلة الحقيقة‬ ‫ث‪.‬‬
‫ج‪ .‬مشكلة القيم (األخالق والواجب والجمال)‬

‫األهداف والنتاجات‪:‬‬
‫‪ ‬التعرف على مشكلة الحرية والضرورة‪.‬‬
‫‪ ‬التعرف على مشكلة األخالق واالختالف والتنوع الفكري‪.‬‬
‫‪ ‬التعرف على مشكلة الحقيقة‪.‬‬
‫‪ ‬تحليل عناصر التفكير العقالني والناقد وقواعدهما‪.‬‬
‫‪ ‬إدراك أهمية أسس الفهم الفلسفي العملي والمشكالت الفلسفية‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫فلسفة األخالق‬

‫لنفكر معا في البداية‪ :‬ما المقصود باألخالق؟ هل لك أن تعطي تعريف محدد للكلمة؟‬

‫يعتبر مبحث األخالق أَحد موضوعات الفلسفة التي تندرج بشكل عام تحت مبحث‬
‫ال ِقيَم‪ .‬والقيمة كلمة تطلق على كل شيء يرغب فيه اإلنسان َويُقدره ويختاره أو يفضله‪ .‬فقد تحصل‬
‫لديه الرغبة في القيام بعمل أخالقي بحثا ً عن قيمة الخير في هذا الفعل‪ ،‬وقد يرغب في ابداع شكالً‬
‫أَو عمالً فنيا ً يطلب من وراءه قيمة الجمال‪ .‬أو أن يقدّم دليالً أو ِح ّجه أو برهان عقلي يرغب منه‬
‫ابراز الحق او الحقيقة في قضية او اعتقاد يخصه‪ ،‬ومن ثم يلجأ الى المنطق بالدليل أو الحجة أو‬
‫البرهان‪ ،‬لكي يقنع اآلخرين بها‪ ،‬بإظهار حقيقتها لهم‪ .‬وهكذا تكون القيم على ثالثة أنواع‪ ،‬الخير‬
‫والجمال والحق‪.‬‬

‫معنى االخالق‪- :‬‬

‫هناك الكثير من المعاني التي تحملها كلمة األخالق مما يجعل من الصعب تعريفها تعريفا ً‬
‫دقيقاً‪ ،‬أو تعريفا ً جامعا ً مانعاً‪.‬‬
‫تطلق‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬كلمة "األخالق" على "قواعد السلوك وأسلوب المرء وطريقته‬
‫في الحياة"‪ .‬والكلمة هنا تستخدم بمعنى واسع جدا ً لترادف اآلداب العامة أو "أخالقيات الحياة‬
‫االجتماعية"‪.‬‬
‫إال أن أخالق المرء أو أخالق الجماعة‪ ،‬ال تتألف فقط مما يفعله عادة مطابقا ً للعادات‬
‫والتقاليد‪ ،‬بل أيضا ً مما يعتقد أنه "صالح" أو "مناسب" أو "صواب" أو "حق" أو "ملزم"‪ .‬فأفعال‬
‫الناس كثيرا ً ما تدل على معتقداتهم‪ ،‬إال أنها قد تتناقض معها أحيانا ً أو تخالفها‪ ،‬وفي أحيانا ً أخرى‬
‫قد تختلف أفعالهم ومعتقداتهم مع ما يقولونه لغيرهم عن ما يجب أن يفعلوه أو يتجنبوه‪ .‬المقصود‬
‫هنا أن األقوال تختلف عن األفعال‪.‬‬
‫وعليه يمكن القول أن‪ :‬االخالق هيئة أو حال تكون عليها النفس اإلنسانية وتكتسبها‪ ،‬تصدر‬
‫عنها أفعال إرادية قصدية وواعية بال تصنّع‪ ،‬وبالتالي يمكن وصف هذه الحال بأنها خلق حسن أو‬
‫خلق سيء وذلك وفقا ً لما تُوصف به األفعال الصادرة عن هذه النفس‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫ويتضمن هذا التعريف العناصر اآلتية‪- :‬‬

‫ال ُخلق هو حال في النفس اإلنسانية‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫الفعل اإلرادي الصادر عن اإلنساني بال تصنّع ضروري إلظهار ُخلق النفس‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ض َمن القصدية والغائية‪.‬‬
‫الفعل الذي يوصف بأنه فعل أخالقي يَت ْ‬ ‫‪-‬‬
‫صفت األفعال بالخيرية كان‬
‫وصف حال النفس تابع لوصف األفعال الصادرة عنها‪ ،‬فإذا ُو ِ‬ ‫‪-‬‬
‫الخلق حسنا ً وإن وصفت بالذم والشر كان الخلق سيئا ً أو قبيحاً‪.‬‬

‫شروط أو سمات الفعل الخلقي‪:‬‬


‫واالفعال الخلقية التي تصدر عن االنسان هي نوع من األفعال اإلرادية التي يقوم بها‬
‫االنسان باختياره ودون إكراه أو إجبار على فعلها‪ .‬ويجب أَن يكون االنسان ُمدركا ً للنتائج واالثآر‬
‫المترتبة عليها‪ ،‬وأنها موصوفة بالخير أَو بالشر‪ .‬والواضح أن ممارسة اإلنسان لألفعال الخلقية‬
‫وحرصهاالجتماعي والذاتي على تطبيقها تشير إلى حرصه على تنظيم حياته وسلوكه وفق غايات‬
‫الخير للمجتمع واالنسان‪ ،‬ويجب توفّر معيار محدد للحكم على الفعل بأنه خير أو ّ‬
‫شر ودون وجود‬
‫هذا المعيار للحكم الذي نصدره على الفعل لن يكون له معنى أو أهمية من الناحية الخلقية‪ .‬ويفترض‬
‫يكون مدركا ً له وعلى معرفة بهذا المعيار‪.‬‬
‫ُ‬ ‫في االنسان الذي يقوم بفعل أخالقي أن‬
‫أوالً‪ :‬التمييز بين الخير والشر‪ ،‬الحسن والقبيح‪ ،‬الصواب والخطأ‪ .‬والتمييز بينهما‪ .‬وتلكالمعرفة‬
‫شرط أساس للفعل الخلقي‪.‬فسلوك المجنون أو الحيوان ال يمكن أن يوصف بأنه أخالقي أو غير‬
‫أخالقي‪ .‬ألنه ليس لديهما القدرة على التمييز بين الخير والشر‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ال حرية‪ :‬إذا ال بد أن يكون الفاعل قد قام بالفعل بحرية‪ ،‬حتى نقول أنه فعل أخالقي أو غير‬
‫أخالقي‪ .‬فإذا كانت األفعال تخضع لالستحسان أو االستهجان‪ ،‬للثواب أو العقاب للمدح أو الذم‪ ،‬فإنه‬
‫يشترط أن يكون الفاعل الذي صدر عنه هذه الفعل القدرة على اختياره أو تركه‪ .‬وتعريف الفعل‬
‫الحر‪" :‬ذلك الفعل الذي كان يمكن للفاعل أن يختار سواه"‪ .‬فالفعل الذي يكون باإلكراه أو الذي يجبر‬
‫عليه صاحبه ال يمكن أن يوصف بأنه أخالقي أو غير أخالقي‪ ،‬وبالتالي ال يحاسب عليه صاحبه‪.‬‬
‫ففعلي األخالقي ال بد أن يكون صادرا ً عني بحرية‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬يعتمد الفعل األخالقي على النية‪ .‬ويظل الفعل أخالقيا ً ما دام قد صدر عن "نية طيبة"‪ .‬حتى‬
‫إذا لم تتحقق الغاية المرجوة منه‪ .‬وقد استخدم "أمانويل كنت" مفهوم اإلرادة الخيرة أو الطيبة ليعبر‬
‫عن هذه النية‪ .‬تلك التي تبذل جهدا ً إراديا ً في تحقيق النوايا الطبية وال تتركها مجرد أماني داخل‬

‫‪138‬‬
‫الذات دون أفعال‪ .‬فقد أحاول إنقاذ إنسان من الحريق أو من الغرق أو من اليأس وأقوم بخطوات‬
‫معينة بهدف إنقاذه وأبذل جهداً‪ ،‬إال أنني ال أنجح في لك‪ .‬هنا يبقى فعلي خلقيا ً رغم عدم نجاحي في‬
‫إنقاذه‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬الفعل األخالقي هو الذي يستهدف غاية أخالقية‪ ،‬فهو فعل غائي أو غرضي "أي يسعى إلى‬
‫تحقيق نتيجة خيرة مقصودة‪ .‬فإن كانت النية تدل على الجانب الباطني للفعل الخلقي‪ ،‬فإن السلوك‬
‫يظهر الجانب الخارجي للفعل الخلقي والذي يسعى ويهدف الفاعل من خالله إلى تحقيق نتيجة خيرة‪.‬‬
‫وبالتالي فإن الفعل الذي يؤدي إلى نتيجة خيرة غير مقصودة‪ ،‬ال يكون فعل أخالقي‪ ،‬وإن كان هدف‬
‫فع ٍل ما غير أخالقي ولكنه بالصدفة أدى إلى نتيجة أخالقية فهو يبقى غير أخالقي‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬القدرة أو االستطاعة على أداء الفعل إذا ال بد أن يكون الفاعل قادرا ً على أداء الفعل أو‬
‫االمتناع عليه من الناحية الجسدية والنفسية والتقنية‪ .‬وإن كان ال يمك القدرة أو االستطاعة فهو ال‬
‫يُعد مسؤوالً عن الفعل‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬العلم أو المعرفة أي أن يكون الفاعل عالما ً بما يقوم به‪ ،‬وعلى دراية به‪ .‬فإن قام بفعل ما‬
‫وهو جاهل إن كان أخالقي أو غير أخالقي فهو ال يثاب وال يعاقب عليه‪.‬‬
‫وعليه ولكي يمكننا الحكم على فعل ما بأنه فعالً أخالقيا ً يجب أن تتوفر فيه الشروط أو السمات‬
‫اآلتية‪- :‬‬
‫إرادة حرة قصدت الفعل أو القيام به‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وعي بطبيعة الفعل ونتائجه وغاياته‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫توفر معيار يمكننا به الحكم على الفعل بالخير أو بالشر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫علم األخالق‪- :‬‬

‫المعلوم أن ممارسة الناس لألفعال الخلقية هي حالة تاريخية سابقة على ظهور علم‬
‫االخالق‪ ،‬الذي نشأ لحاجة معرفية وهي دراسة األفعال الخلقية وفهم حقيقتها من جوانبها المختلفة‪،‬‬
‫كما يمارسها الناس في حيواتهم ومجتمعاتهم المختلفة من جهة‪ ،‬وكما ينبغي أن تُمارس من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ولهذا يصح القول أَن علم االخالق علم معياري‪ ،‬ألنه يهتم بدراسة األفعال‪ ،‬من ناحية الخير والشر‬
‫وال ُحسن والقُبح‪ ،‬وما ينبغي أن تكون عليه هذه األفعال من حيث ال ا‬
‫س ُمو والرقي‪.‬‬
‫ويمكن تعريف علم االخالق‪ ،‬بأَنه العلم الي يدرس السلوك اإلنساني من جوانبه المختلفة كما يجب‬
‫أن يكون هذا الفعل‪ ،‬أو ما ينبغي أَن يتصف به الفعل من قيمة الخير (خيرية الفعل)‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫إن الدرس األخالقي الذي يناقشه المختصون في علم األَخالق وفلسفة األَخالق يشتمل على مجموعة‬
‫من القضايا الرئيسية التالية‪- :‬‬
‫البحث في طبيعة األفعال الموصوفة بأَنها أفعال أَخالقية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫البحث في صفات األفعال األخالقية وشروطها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫البحث في مجموعة القواعد والمعايير التي ت َحكم بواسطتها على األفعال بالخير والشر‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫البحث في األسس التي تقوم عليها األَفعال األخالقية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والمقصود بهذه األسس‪ ،‬هنا‪ ،‬المصادر التي نَستقي منها االخالق‪ ،‬وبمعنى أخر ما هو منبع‬ ‫‪-‬‬
‫االخالق‪( ،‬هل االخالق مصدرها المجتمع والتاريخ؟ أَم العقل وأحكامه؟ أَم الدين وشرائعه؟‬
‫أَم التجربة المباشرة والمنفعة؟)‪.‬‬
‫البحث في المفاهيم والمصطلحات التي نستخدمها في مجال األَخالق‪ ،‬مثل الخير‪ ،‬الشر‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫الفضيلة‪ ،‬الرذيلة‪ ،‬االلتزام‪ ،‬المسؤولية‪ ،‬الواجب األخالقي‪ ،‬الضمير‪ ،‬السعادة‪ ،‬المنفعة‪،‬‬
‫اللذة‪...‬الخ‪.‬‬
‫يتجاوز علم االخالق مدى كونه علما ً نظريا ً يهدف إلى البحث عن حقيقة الفعل االخالقي وإشباع‬
‫فضولنا المعرفي فقط‪ ،‬بل هو يتضمن أيضا ً جانبا ً علميا ً تطبيقيا ً هدفه االرتقاء والس ّمو بأفعالنا‬
‫األخالقية نحو الخير العام‪.‬‬
‫فعلماء األخالق يبحثون في األخالق نظريا ً ويبحثون عن حقيقة الفعل الخلقي وأحكامه وشروطه‬
‫من أجل غاية علمية‪ ،‬وهي أن يقوم االنسان بممارسة األفعال الخلقية انطالقا ً من معايير الخير وذلك‬
‫عن وعي وإدراك ومعرفة‪ ،‬وهذا من شأنه أَن يترك أَثَرا ً كبيرا ً على الفرد والمجتمع معاً‪.‬‬
‫والخالصة فإن علم االخالق يبحث في األسس والقواعد التي يجب أن يتبعها السلوك اإلنساني‬
‫اإلرادي " أَي أَن الفعل الذي يقوم به اإلنسان بإرادة الحرة‬
‫والمعلوم أَن االنسان باستطاعته أَن يقوم بأفعال إرادية مختلفة ومتنوعة من قبيل النوم‪ ،‬السفر‪،‬‬
‫الطعام‪ ،‬الشراب‪ ،‬وممارسة الرياضة‪ ،‬والمطالعة‪...‬الخ‪ ،‬وهي أفعال ضرورية‪ ،‬لكننا ال نجعلها‬
‫ضمن األفعال األخالقية التي نحكم عليها بالخير أو الشر‪ .‬فهي ببساطة أفعال أراديه ولكنها أفعال‬
‫غير أخالقية‪ ،‬أي ليست في نطاق األخالق‪.‬‬
‫فاألفعال االرادية األخالقية هي التي تستوجب حكما ً أو وصفا ً بأنها خيّره أو شريرة وفق معايير‬
‫خاصة‪ ،‬ويؤديها اإلنسان بحرية‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫األحكام األخالقية‪- :‬‬

‫يُ َع ّرف الحكم األخالقي بأنه وصف فعل إنساني معين بأنه خير أو شر‪ ،‬فضيلة أو رذيلة‪،‬‬
‫حسن أَو قبيح وفقا ً لقواعد ومعايير أخالقية صريحة وواضحة‪.‬‬
‫والسؤال المتعلق بالحكم على فعل أَو سلوك بأنه خير أو شر؟‬
‫اإلجابة تتطلب القول بأنه البُدّ أَن يكون لدينا أَساس نعتمد عليه في الحكم على فعل أَو سلوك أَو‬
‫تعبير بأنه خير أَو شر‪ ،‬أي مفهوم واضح لهما‪ ،‬بحيث يكون هذا المفهوم‪.‬‬

‫نشأة األخالق ومصادرها‬


‫أدرك اإلنسان وبصورة تلقائية‪ ،‬حاجته الى تنظيم حياته‪ ،‬وإلى سد حاجاته المختلفة‪ ،‬وعرف‬
‫أنه ال يمكن أن تستمر حياته مع االخرين وتزدهر في المجتمع‪ ،‬إن لم يتوفر أساس تنظيم هذه الحياة‬
‫يراعي فيه المجتمع نظرة احترام وتقدير‪ ،‬وأصبحوا لذلك موضع تقدير ومدح وثناء‪ ،‬مثلما نظروا‬
‫الى االفراد الذين يقومون بعكس هذه األفعال نظرة احتقار وسلبية‪ ،‬وأصبحوا لذلك موضع ازدراء‬
‫وذم‪.‬‬
‫وهكذا فقد وصف الناس في مجتمعاتهم المختلفة النوع األول من األفعال بالخير‪ ،‬ووصفوا‬
‫النوع االخر من األفعال المضادّة بالشر‪ .‬وتعارف الناس في كل مجتمع على ذلك‪ ،‬ك ٌل حسب ظروفه‬
‫وحاجاته التي تفرضها البيئة التي وجد فيها المجتمع في أَغلب األحيان‪.‬‬
‫هناك نظريات وأفكار كثيرة في فلسفة األخالق‪ ،‬إذ ليس هناك اتفاق حول ما يجب‬
‫أن تكون عليه معتقداتنا فثمة أفكار كثيرة مختلفة حول الصواب والخطأ‪ ،‬والخير والشر‪ .‬نحاول هنا‬
‫اكتشاف السبل والطرق التي يمكن للمرء اتخاذها للوصول إلى قراراته األخالقية‪ .‬وذلك من خالل‬
‫االطالع على المعتقدات األخالقية األساسية‪ ،‬والتفكير بطريقة نقدية تقودنا إلى التحكم بمعتقداتنا‬
‫والتفكير فيما يجب التمسك وااللتزام به من هذه المعتقدات‪ ،‬وبالتالي تحمل مسؤوليته‪ .‬حتى ال نعود‬
‫مجرد نتاج تفكير شخص آخر أو نتاج مجتمع‪ ،‬أو أي سلطة حين نرى كيف يتوجب علينا التفكير‬
‫بخصوص "الصواب" و "الخطأ"؛ "الخير" و "الشر" ال نعود كائنات أخالقية مبرمجة من قبل‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫هكذا أنشأت األخالق في بعض المجتمعات على نح ٍو طبيعي نتيجة للتفاعل بين البيئة التي‬
‫يعيش فيها األشخاص في مجتمع ما بطبيعة اإلنسان وما فُطر عليه من حب الحياة والمحافظة عليها‪،‬‬
‫والرغبة في جعلها أَكثر تنظيما ً ورقيا ً وكماالً‪ ،‬ويمكن تضيف أنواع األخالق بحسب مصادرها إلى‬
‫ثالثة أَنواع كالتالي‪- :‬‬

‫‪141‬‬
‫األخالق المعيارية‬ ‫‪-‬‬
‫األخالق الوضعية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫األخالق الدينية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫النوع األول يمثل األخالق المعيارية وهو من أكبر مذاهب فلسفة األخالق‪ .‬وهو االتجاه‬
‫الحدسي‪ .‬يرى أصحاب هذا االتجاه أن وظيفة علم األخالق األساسية هو أن يضع المثل العليا‬
‫للسلوك اإلنساني‪ .‬فهو يضع القواعد التي تحدد مدى استقامة األفعال ومدى صوابها‪ .‬ويدرس الخير‬
‫األقصى باعتباره غاية في ذاته يطمح الناس إلى الوصول إليها‪ .‬صحيح أن هناك غايات جزئية‬
‫كثيرة في حياة الناس مثل المجد والشهرة والعلم والثراء‪....‬الخ‪ .‬إال أن علم األخالق ال يهتم بدراستها‬
‫ألن موضوعة هو الخير األقصى الذي يطلب لذاته‪ ،‬وال يكون وسيلة لتحقيق غاية أبعد‪ .‬أصحاب‬
‫هذا االتجاه يبحثون فيما يجب أن ينبغي أن يكون عليه السلوك وبالتالي يذهبون إلى أن علم األخالق‬
‫علم معياري ‪ .Normative‬يحاول وضع مبادئ عامة للسلوك البشري‪.‬‬
‫أما النوع الثاني في علم األخالق فيمثله أصحاب المذهب الوضعي‪ .‬والذي يرفض النظرة‬
‫السابقة لعلم األخالق‪ ،‬ويذهب أصحاب هذا االتجاه إل القول بأن الخير مجرد إصطالح تعارف‬
‫عليه الناس في زمان محدد ومكان محدد وهو يتغير بتغير هؤالء الناس‪ ،‬بل يتغير إذا تغير مستوى‬
‫الفهم والتفكير ع ند الناس في العصر نفسه‪ .‬وبهذا رفض الوضعيين أن يكون علم الخالق معياريا‬
‫يبحث فيما يجب أن يكون‪ ،‬ألن العلم يبحث فيما هو كائن‪ .‬وبالتالي فإن مهمة علم األخالق وصف‬
‫السلوك اإلنساني لدى األفراد والجماعات في زمان معين ومكان محدد‪ .‬ومن أنصار هذا االتحاد‬
‫أوجست كونت وإميل دوركايم وليفي بريل‪.‬‬
‫أما النوع الثالث من األخالق فهو األَخالق الدينية‪ .‬وهي جملة المبادئ والقواعد والتوجيهات‬
‫واالوامر والنواهي التي وردت في الدين‪ ،‬والتي يطلب من الناس تطبيقها وممارستها في سلوكهم‬
‫وتعاملهم في الحياة مع أنفسهم ومع األخرين‪ ،‬ومصدرها من عند هللا من خالل النصوص المقدسة‪.‬‬
‫ويتم ربط الفلسفة األخالقية الغربية مع النقاشات الفلسفية للفكر اليوناني (سيتمعرض بعض‬
‫النماذج أدناه)‪ ،‬وقد تكون أفكار بروتاجوراس مشابهة لبعض االتجاهات المعاصرة في فلسفة‬
‫األخالق فعندما يقول"أن اإلنسانمقياس األشياء جميعا ً"‪،‬وأيضا عندما يقول‪" :‬ما يبدو لي على أنه‬
‫حق فهو حق بالنسبة لي‪ ،‬وما يبدو لك على أنه حق فهو حق بالنسبة لك"‪ .‬أنما يشير إلى أتجاهين‬
‫رئيسين في فلسفة األخالق‪:‬‬
‫‪ .1‬األتجاه الذاتي ‪ Subjective Ethics‬إن كان اإلنسان مقياس األشياء جميعاً‪ ،‬أي الفرد‪،‬‬
‫فإن هذا يعني أن "الخير ذاتي" تماماً‪ .‬وما يبدو للفاعل الفرد على أنه خير فهو خير بالنسبة‬

‫‪142‬‬
‫له‪ .‬وبالتالي فإن هذه النظرة تتجاهل تماما ً العنصر الموضوعي لألخالق‪ .‬بل تؤدي إلى‬
‫إنهيار األخالق‪ ،‬ألن كون الخير هو خير الفرد أو ما يراه خيرا ً يعني عدم وجود فضائل‬
‫موضوعية يتفق عليها الناس‪ .‬وكل شخصي سوف يفسر "األمانة" أو "الشجاعة" و‬
‫"الصدق" و "الوفاء" و "التسامح‪.... ،‬الخ‪ ،‬وفق نظرته الشخصية وسوف يصبح الخير أو‬
‫الصواب هو أن يفعل ما يلذ ويحلوا له‪ .‬بحيث تصبح الفضيلة هي تحصيل اللذة وتحقيق‬
‫الرغبات‪.‬‬
‫‪ .2‬األتجاه النسبي‪Relativitic Ethics‬ويؤمن هذا األتجاه بنسبية األخالق بحيث ال يكون‬
‫هناك خير مطلق أو خير موضوعي يتفق عليه الناس غير أن النسبية ال تعني أن الخير‬
‫والفضائل تتحدد للفرد الواحد كما يراها‪ ،‬فحسب‪ ،‬بل تعني أيضا ً أن الخير "متغير" حسب‬
‫الظروف واألحوال‪ ،‬والزمان‪ ،‬والمجتمعات‪....‬الخ‪ ،‬فكما أن الخير يختلف من شخص آلخر‬
‫فهو يختلف من وقت آلخر‪ ،‬من عصر إلى عصر‪ ،‬ومن مجتمع إلى مجتمع آخر‪ ،‬فهو خير‬
‫بالنسبة لهذا المجتمع أو هذا العصر أو هذا الشعب‪....‬الخ‪.‬‬

‫نماذج من األَخالق‪.‬‬

‫األخالق عند أفالطون (‪ 428‬ق‪.‬م – ‪ 348‬ق‪.‬م)‬

‫بنى أفالطون رأيه في األخالق على موقفه من موضوع النفس اإلنسانية‪ .‬والنفس عنده جوهر‬
‫روحي غير مادّي‪ ،‬لها ثالث أجزاء بالغم من كونها وحدة واحدة‪ ،‬وهده األجزاء تشكل قوى أو‬
‫ملكات‪ ،‬هي النفس‪ ،‬القوة العاقلة والقوة الغضبية والقوة الشهوانية‪ ،‬وكلتا القوتان الغضبية والشهوانية‬
‫حدثتا للنفس بعد اتحادهما بالبدن‪.‬‬
‫إن لكل قوة من قوى النفس الثالث فضيلة مرتبطة بها وتابعة لها‪ ،‬فالقوة العاقلة فضيلتها‬
‫الحكمة أو العلم‪ ،‬والقوة الغضبية فضيلتها الشجاعة‪ ،‬والقوة الشهوانية فضيلتها العفة‪ .‬وعند تحقق‬
‫هذه الفضائل عند األنسان ظهرت عنده فضيلة رابعة جامعة لهذه الفضائل‪ ،‬وهي فضيلة العدالة‪.‬‬
‫وحتى يصبح اإلنسان فاضالً من ناحية أخالقية يجب أن تنطبق القوتين الشهوانية والغضبية والقوة‬
‫العاقلة‪ .‬حيث العقل هو المتحكم والموجه ألفعال اإلنسان‪.‬وإذا حقق اإلنسان ذلك‪ ،‬تسمو نفسه فوق‬
‫شدّة مطالب الجسد‪.‬‬
‫شر مختاراً‪ ،‬وليس في وسع‬
‫وذهب أفالطون إلى أن عرف الخير فعلة‪ ،‬فاإلنسان ال يفعل ال ّ‬
‫اإلرادة الواعية أ َن تعارض العقل وتخالفه وتخرج عنه‪ .‬فإذا انار سبيلها فعلت الخير‪ ،‬وإن أخطأت‬

‫‪143‬‬
‫فخطيئتها صادرة عن العقل وضاللة صادرة عن الغفلة والجهل‪ ،‬وبالتالي إذا علّمنا الناس‪ :‬أنقذناهم‬
‫من ال ّ‬
‫شر والرذيلة وقويت عندهم الفضيلة‪.‬‬

‫أرسطو‬
‫ذهب أفالطون إلى أن من عرف الخير فعله‪ ،‬فاإلنسان ال يفعل الشر مختاراً‪ ،‬وليس في‬
‫وسع اإلرادة الواعية أن تعارض العقل وتخالفه وتخرج عنه‪ .‬فإذا أنار سبيلها فعلت الخير‪ ،‬وإن‬
‫أخطأت فخطيئتها صادرة عن خطأ العقل وضالله‪ ،‬صادرة عن الغفلة والجهل‪ ،‬وبالتالي إذا علمنا‬
‫الناس أنقذناهم من الشر والرذيلة‪.‬‬
‫إال أن "أرسطو" يخالف "أفالطون" ويرى أنه بالرغم من معرفة الناس بالفعل الصواب‬
‫للقيام به‪ ،‬إال أنهم قد ال يقومون به‪ ،‬فالخير ال يوجد وجودا ً مفارقا ً كوجود المثل المطلقة‪ ،‬بل إن‬
‫الموجود الراهن الحقيقي هو الفرد‪ ،‬والفرد حر مختار‪ ،‬وهو لذلك مسؤول عن أعماله وأفعاله‪،‬‬
‫ويمكن أن نستدل على وجود الحرية بالمناقشة التي يقوم بها اإلنسان‪ .‬في داخله‪ ،‬ونستدل عليها‬
‫بوجود النصيحة والشورى‪ ،‬ووجود الذم والمدح‪ ،‬ووجود الثواب والعقاب‪ ،‬فنحن ال نجازي‬
‫المرضى والمجانين وال نلومهم‪.‬‬
‫إن الفعل ينظر "أرسطو" هو شيء تقوم به‪ ،‬وتفعله أنت‪ ،‬وليس شيئا ً يحدث لك‪ .‬وفي وسع‬
‫اإلنسان أن يعلم الخير‪ ،‬ويفعل الشر ويكون شريرا ً أو صالحا ً بإرادته واختياره‪ ،‬وينتج عن ذلك‪،‬‬
‫منطقيا ً أن الحرية تتضمن اإلمكانية‪ ،‬أي إمكانية حدوث أفعال قادمة أو عدم حدوثها في المستقبل‪،‬‬
‫ألن اإلنسان ال يكون حرا ً إذا كانت األحداث المقبلة موجودة حتماً‪ ،‬وبالضرورة في الوقائع‬
‫الحاضرة‪.‬‬
‫بالنسبة ألرسطو كل إنسان يسعى إلصابة هدف ما في حياته‪ ،‬وهو ما يراه خيرا ً له (كرامي‬
‫السهام)‪ .‬ولكن كيف سنصيب الخير إن جهلناه‪ ،‬وجهلنا الطرق التي تسمح بالوصول إليه‪ ،‬إن غاية‬
‫األخالق هي أن تدلنا على الخير‪ ،‬وتعرفنا بالطرق التي توصل إليه‪ .‬وكل الناس تتفق على أن الخير‬
‫هو السعادة‪.‬‬
‫السعادة كما يقول أرسطو هي‪ :‬نشاط النفس وفقا ً لفضيلتها أو إذا كانت هناك أكثر من فضيلة‬
‫للنفس‪ ،‬فإنها ستكون وفقا ً ألعظم فضائلها وأكثرها كماالً‪.‬‬
‫هناك فضيلتان‪ :‬فضيلة العقل العملي التي تتجلى من خالل نشاط متميز أخالقيا ً أو من خالل‬
‫سياسة عادلة‪ .‬وفضيلة العقل النظري وهي تعد أفضل وأكثر كماالً من غيرها‪ .‬صحيح أن فضيلة‬
‫العقل العملي المتمثلة في األخالق أو النشاط األخالقي هي أمر يُعد خيرا ً بذاته أيضا ً إال أنه بالنسبة‬

‫‪144‬‬
‫ألرسطو من الصعب تحقق الفضيلة العملية والنظرية معا ً بشكل تام ألن كل نشاط منهما يتعارض‬
‫مع اآلخر‪ .‬وبعض الخير البشري يضيع حينما ينشغل المرء بأي من هذين النشاطين ويكرس حياته‬
‫له‪ .‬إن كل الخيرات البشرية من الصعب أن تتحقق كلها بشكل تام‪ ،‬ولكن قد تتحقق بشكل جزئي‬
‫بالتالي بالنسبة ألرسطو ال يوجد حالة مثالية‪ ،‬بل توجد فقط حالة تعد أفضل من كل الحاالت‪.‬‬
‫حتى تكون خيرا ً يجب أن تمتلك الحكمة العملية ومن المستحيل أن تمتلك هذه الحكمة من‬
‫دون فضيلة أخالقية‪.‬والفضائل تنقسم إلى نوعين‪ :‬فضائل عقلية أو جوهرية‪ ،‬وفضائل أخالقية‪.‬‬
‫أما الفضيلة العقلية فهي تنتج غالبا ً من تعليم يسند أصلها ونموها‪ ،‬فحياة اإلنسان المتعلم‪،‬‬
‫أرقى من حياة غيره‪ ،‬أنه يقضي وقته بطريقة أجمل مما يقضية أولئك الذين يسعدون في الحياة‬
‫جاهلين‪ ،‬ويكون عنده قدرة أكبر على أن يكفي نفسه بنفسه ولديه مجموعة من الفضائل الجوهرية‬
‫والعقلية التي ال تتحول باإلفراط فيها أو األسراف إلى رذائل مثل فضائل الذكاء والتبصر والمهارة‬
‫والحكمة‪.‬‬
‫أما الفضائل األخالقية فهي تأتي من خالل التعلم والتعود وهي ال تسمى كذلك إال إذا كانت‬
‫عادات مستمرة‪ ،‬فمثالً ال يكون اإلنسان كريما ً ألنه أتى الكرم مرة واحدة في حياته‪ ،‬فاإلنسان كريم‬
‫إذا كانت عنده عادة الكرم ‪ ....‬وهكذا‪.‬‬
‫الفضيلة فعل حر ألن اإلنسان ال يكون مسؤوالً إال إذا كان حرا ً وثمة شرط ثالث وأخير‬
‫للفضيلة وهو العلم والمعرفة‪.‬‬
‫في النهاية األخالق بالنسبة ألرسطو تهدف إلى تحصيل السعادة التي تتحقق بالحياة‬
‫الفاضلة أو بالفضيلة‪ .‬وعمل األخالق كعلم مساعدة الناس في تحصيل هدفهم وهو السعادة‪.‬‬

‫بنتام ومذهب اللذة الكمي المنهجي (نفعية بنتام ‪)Jeremy Bentham‬‬


‫مشروع جيريمي بنتام هو مشروع اجتماعي‪ ،‬يتم تصور هذا المشروع للوهلة األولى‬
‫باعتباره مشروعا ً قانونياً‪ :‬كي يبين كيف أن نظام القوانين ينبغي أن ينتج أكبر قدر ممكن من اللذة‪.‬‬
‫وهو يبدأ بمساواة السعادة باللذة‪ ،‬يقول‪ :‬إن البشرية محكومة باأللم واللذة‪ ...‬فهي بالنسبة إليهما‬
‫وحدهما تشير إلى ما ينبغي أن نفعله‪ ،‬مثلما تشير إلى ما سوف نفعله‪ .‬نفس المرجع‬
‫نجد أن بنتام يتفق مع غيره من اصحاب مذهب اللذة السابقين في حقيقتين األولى‪ :‬أن كل‬
‫فرد ال يرغب إال في سعادته الشخصية‪ .‬والثانية‪ :‬أن السعادة هي تحصيل اللذات وتجنب اآلالم‪.‬‬
‫فاألخالق بالنسبة لبنتام هي‪ :‬فن توجيه أفعال الناس إلى إنتاج أكبر قدر من السعادة‪ .‬إذ أن‬
‫المبدأ األساسي في األخالق هو مبدأ المنفعة‪ ،‬بمعنى أن معيار صواب الفعل إنما يكمن في نتائج‬
‫هذا الفعل‪ ،‬وما تحققه هذه النتائج من زيادة سعادة الفرد أو المجتمع‪ .‬يقول‪" :‬سعادة األفراد التي‬
‫‪145‬‬
‫تتألف منها سعادة المجموع هي الغاية الوحيدة التي ينبغي أن يضعها المشرع في االعتبار"‪ .‬نفس‬
‫المرجع‬
‫علينا أن ننتبه إلى أمرين‪ ،‬األول‪ :‬أن بنتام يستعمل لفظي اللذة والسعادة بمعنى واحد‬
‫ويعتبرهما مبدأ المنفعة وغاية الحياة الخلقية التي ينبغي على األفراد والمجتمعات البشرية كلها‬
‫تحقيقها‪ .‬واألمر الثاني أنه إذا كان يقول‪ :‬إننا يجب أن نتدبر النتائج المحتملة أو ينبغي علينا أن ننشد‬
‫تحقيق السعادة‪ ،‬فإنه ال يعني السعادة بمعناها عند الحدسيين‪" ،‬أي البحث فيما ينبغي أن يكون‪،‬‬
‫ووضع معايير مطلقة وقواعد أخالقية يسير بمقتضاها السلوك البشري تصلح في كل مكان وزمان؛‬
‫بل إن قيمة السعادة وبالتالي األخالق مصدرها التجربة‪ ،‬وتنبع من حياة اإلنسان اليومية‪.‬‬
‫وقد أراد بنتام إنشاء "حساب اللذة" معتبرا ً أنه يجب االستعاضىة عن األخالق ب "علم‬
‫بياني" هو فن "موازنة" اللذات‪.‬‬
‫فقد كان مقتنعا ً أن مبدأ اللذة (السعادة‪،‬المنفعة) هو الوسيلة التي يختار الناس على أساسها‬
‫أفعاللهم‪ ،‬وهي في نفس الوقت الغاية التي يتم على أساسها هذا االختيار وكل ما يقال غير ذلك فهو‬
‫وهم‪.‬‬
‫يرى بنتام أن الطبيعة اإلنسانية وضعت تحت سيطرة سيدين مطلقين هما اللذة األلم‪ .‬فهما‬
‫يتحكمان في كافة ما نفعل‪ ،‬وكل ما نقول‪ ،‬وكل ما نفكر فيه‪ ،‬يقول‪":‬ال تتصور أن الناس سيحركون‬
‫خنصر أصابعهم لخدمتك إال إذا كانت لديهم منفعة في تصرفهم هذا‪ ،‬إنهم لم يفعلوا ذلك في الماضي‬
‫ولن يفعلوه في المستقبل"‪.‬‬

‫نقد مذهب بنتام‪:‬‬


‫‪ -1‬اعتبر بنتام أن المنفعة أو اللذة هي الوسيلة والغاية‪ .‬وبالتالي أحال الحياة األخالقية إلى مجرد‬
‫بحث عن "النافع"‪ ،‬حيث ينظر إليه على أنه غاية في ذاته أو هدف أسمى‪ ،‬ناسيا ً أن النافع ال‬
‫يكون "نافعا" في حد ذاته‪ ،‬بل بالقياس إلى شيء آخر ذي قيمة‪.‬‬
‫‪ -2‬يستحيل علينا أن نعرف جميع النتائج المترتبة على فعل من األفعال‪ ،‬ذلك ألن المجموع الكلي‬
‫لنتائج أي فعل يجوز جدا ً أن يمتد في المستقبل إلى ما ال نهاية‪ .‬ولو أننا حصرنا أن قيمة الفعل‬
‫في نتائجة فحسب الستحال علينا أن نعرف ما إذا كان فعل من األفعال صوابا ً بطريقة مطلقة‬
‫أم ال‪ ،‬طالما أنه يوجد من بيت نتائج هذا الفعل نتائج أخرى لم تتحقق بعد‪.‬‬
‫‪ -3‬لم يهتم بنتام بالمقاصد والنوايا‪ ،‬وإنما إنصب اهتمامة كله على نتائج األفعال فقط‪ ،‬ومن هنا تحول‬
‫الخير إلى نوع من "العملة" أو "النقد"‪ .‬ولهذا فإن بنتام حين ينظر إلى السكير فإن نقده الوحيد‬

‫‪146‬‬
‫سكر بثمن باهظ‪ ،‬وكأن هذا هو المأخذ الوحيد أو النقد الذي يمكن أن يوجه‬
‫له أنه يشتري لذة ال ُ‬
‫له‪.‬‬

‫أخالق الواجب (كانط)‬


‫إن كانت النفعية تُعني بالفعل الصواب‪ :‬الفعل الذي يُنتج الخير األعظم (أو الشر األدنى)‬
‫لمعظم الناس‪ ،‬بمعنى تجنب أكبر قدر من األلم وتحقيق أكبر قدر من اللذة‪ ،‬فإن كانط ذهب إلى أن‬
‫الخير األسمى هو الخير في ذاته‪ ،‬وهو اإلرادة الخيرة‪ .‬وبالتالي فإن الشخص الخير أخالقيا هو‬
‫إنسانا ً يمتلك شخصية أخالقية صالحة‪ ،‬أي الذي يمتثل لقواعد أخالقية صحيحة أستجابة لدوافع‬
‫صحيحة‪ ،‬وهي احترام القانون األخالقي في نفسه‪ ،‬فيقوم بالفعل الصواب بإرادة خيرة‪ ،‬ألن هذا‬
‫واجبه ليس ألي سبب آخر‪.‬‬
‫رفض كانط جعل األخالق مرتبطة ببعض االعتبارات العملية المتعلقة بالنتائج‪ ،‬وجعلها‬
‫تعتمد أو مرهونه بما لدينا من إحساس باإللزام‪ .‬على اعتبار أن اإللزام يقوم أوالً وبالذات على‬
‫بعض العالقات الباطنة الموجودة في صميم الفعل الخلقي نفسه‪ .‬فخاصية الواجب الخلقي هي في‬
‫تجليهبصورة أوامر مطلقة مثل ال تقتل‪ ...‬ال تظلم‪ ....‬ال تغش‪ ...‬ال تسرق‪ ....‬إنه إلزام‪ ،‬أنه أمر"يجب‬
‫عليك"‪.‬‬
‫المبدأ األخالقي الذي يعتبر أساس كل فعل خلقي عند كانط هو "اإلرادة الخيرة"‪ ،‬أي الشيء‬
‫الوحيد الذي يعتبر خيرا ً بذاته ال لما يترتب عليه من نتائج أو يحدثه من أثار‪ .‬فأي فعل خلقي نقوم‬
‫به يكون مصدره هذه اإلرادة الخيرة‪ ،‬وهي خيرة دائما ً سواء حصلت على النتيجة التي أردت‬
‫الوصول إليها أم فشلت طالما أنك استعملت كل ما لدى هذه اإلرادة من طاقات وإمكانيات ووسائل‪.‬‬
‫إن كلمة واجب عند كانط تعني التزام عام‪ ،‬فاألمر المطلق الذي يطلب منا فعل الواجب من‬
‫أجل الواجب مبني على ثالثة قواعد ال بد لكل فعل أخالقي أن يسير عليها‪ ،‬وعلى هذه القواعد يقيم‬
‫كانط الدعائم األساسية لفلسفته األخالقية‪.‬‬

‫هذه القواعد هي‪:‬‬


‫القاعدة األولى‪ :‬هي قاعدة أساسية‪ ،‬تقول‪ ،‬أفعل بحيث يكون فعلك الصادر عن وحي إرادتك قانونا ً‬
‫عاما‪ .‬وال تسلك إال وفق هذا المبدأ الذي ترغب أن يكون قانونا ً كلياً‪ .‬فأنا ال اختار ما هو صائب‬
‫(أخالقي) بالنسبة لي‪ ،‬بل يجب أن تكون القواعد عامة‪ ،‬وأن اختار عقالنيا ما هو أخالقي بالنسبة‬
‫للجميع‪ ،‬أي قاعدة ملزمة لهم اآلن وفي كل األزمنة‪ .‬هذا األمر له عالقة بالقاعدة الذهبية التي تقول‬

‫‪147‬‬
‫"أنه ينبغي على المرء أن يسلك مع اآلخرين بالطريقة التي يجب أن يسلكوا وفقها معه"‪ .‬فأنا على‬
‫سبيل المثال أن احتجت إلى اقتراض مبلغا ً من المال‪ ،‬ووعدت صاحبه بأنني سارده مع علمي بأنني‬
‫لن أقوم بذلك‪ ،‬أكون قد خالفت األمر الخلقي‪ ،‬وهنا على أن اسأل نفسي ماذا لو أصبح مبدئي قانونا ً‬
‫عاماً؟‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬أنظر إلى اإلنسانية دائماً‪ ،‬إن كان في شخصك‪ ،‬أو في غيرك كما لو كانت غاية‪ ،‬وال‬
‫تنظر إليها كما لو كانت وسيلة‪ ،‬بمعنى احترم اآلخرين‪ ،‬إذ أن اإلنسان الموجود العاقل غاية في ذاته‬
‫وليس وسيلة استخدمها لتحقيق أهدافي واغراضي الخاصة‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة‪ :‬اجعل إرادتك حرة دائما ً ومصدر للتشريع العام‪ .‬إذ بوصف اإلنسان موجودا ً عاقالً‪،‬‬
‫فإن أفعاله األخالقية تسير وفقا ً للقانون األخالقي‪ ،‬هذا القانون مصدره اإلنسان ذاته‪ ،‬واإلرادة الخيرة‬
‫أو الطيبة هي التي تُصدره وهي التي تنفذه‪ ،‬فهي إرادة مستقلة ذاتيا ً أي ال يُفرض عليها أي شيء‬
‫من الخارج‪ ،‬وبالتالي فالقانون األخالقي ال يأتي من سلطة خارجية كالدين أو المجتمع أو الرأي‬
‫العام‪ ،‬أو أي مصدر آخر‪.‬‬
‫يذهب كانط إلى أن كل مبدأ أخالقي يجب أن يحترم استقاللية اآلخرين‪ ،‬إن الحرية الحقيقية‬
‫ال تتطلب االستقالل الخارجي أو بمعنى آخر تحررنا من القيود الخارجية التي تُعيق حريتنا بل يجب‬
‫أيضا ً التحرر من القيود الداخلية‪ ،‬أي التحكم في رغباتنا نفسها‪ ،‬والسلوك خالفا ً لما تطلبه منا‪.‬‬
‫أن تكون حرا ً –حسب كانط – أو مستقالً حقيقة‪ ،‬هو أن تكون متحكما ً كليا ً في نفسك‪.‬‬
‫فالحرية الحقيقية أنما تشترط أن يكون العقل ال الرغبة المسؤول عن قراراتنا‪ .‬حيث أن السلوك وفق‬
‫المبادئ األخالقية ال يكفي للتحكم في سلوكنا‪ ،‬إذ قد يكون هذا السلوك مجرد طريقة أخرى للتصرف‬
‫وفق رغبة اآلخرين وما يفرضونه علينا! نحن ال نكون أحرارا ً حقيقة وكائنات مستقلة فعالً‪ ،‬إال‬
‫حين نختار بحرية االمتثال للقواعد الخلقية‪ .‬فالتشريع األخالقي يجب أن يكون ذاتي‪ ،‬نابع من العقل‪،‬‬
‫وفق ما يميله علينا‪ ،‬ال وفق أماني اآلخرين‪ ،‬وال وفق رغباتنا‪ ،‬أنه أن نكون مستقلين حقيقة‪ .‬في نفس‬
‫الوقت علينا أن نحترم اآلخرين وقراراتهم‪ .‬ورؤيتهم بوصفهم مركز خطط حياتهم‪ .‬عند الشخص‬
‫المستقيل تعبر مثل هذه القرارات عن العقل‪ ،‬ومن ثم فإنها تعبيرات عن اإلرادة الخيرة‪ ،‬أنبل ما‬
‫فينا‪.‬‬

‫مشكالت فلسفية ‪:‬‬

‫رأينا في الفصل األول أن كلمة فلسفة باليونانية– فيليا صوفيا‪ ،‬وهي عبارة عن كلمتين‪:‬فيليا‪،‬‬
‫وتعني‪ :‬الحكمة‪ ،‬وصوفيا وتعني‪ :‬حب‪ ،‬أي حب الحكمةأو حب المعرفة أو حب البحث عن المعرفة‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫وقد انتقلت الكلمة اليونانية إلى العربية كما هي؛أي "فلسفة"‪ .‬ولكن السؤال هو لماذا كانت الفلسفة‬
‫تعني حب المعرفة أو حب الحكمة وليس المعرفة أو الحكمة فقط؟ أي لماذا هذا االقتران بالحب مع‬
‫المعرفة؟ فالفلسفة ابتداء من تعريفهاتقوم على حب الحكمة بمعنى محاولة التقرب من الحكمة‬
‫والمعرفة والحقيقة‪ ،‬وال تشترط بصورة قطعية الوصول إلى المعرفة أو الحقيقة‪.‬لذلك يكون الدرس‬
‫األول الذي تحاول الفلسفة أن تعطينا إياه هو أن امتالك الحقيقة شيء ومحاولة الوصول إليها شيء‬
‫آخر تماما‪ .‬وكما يقول ياسبرز في تعريفة للفلسفة أنها "أن تكون على الطريق" بمعنى أن الفلسفة‬
‫هي سير وجهد وإرادة نحو معرفة شيء ما‪،‬قد ال نصل إليه أو قد ال يكون ممكنا أصال‪ .‬وبذلك تكون‬
‫الفلسفة هي المعرفة الوحيدة التي تهتم باألسئلة أكثر من اهتمامها باإلجابات‪ ،‬فطرح األسئلة والتفكير‬
‫فيها بصورة نقدية ومحاولة االقتراب من األجوبة المحتملة يمثل جوهر الفلسفة‪ .‬وبذلك تكون الفلسفة‬
‫عبارة عن طريق وليس نهايات أو إجابات وحيدة‪.‬‬
‫ولكن ذلك ال يعني أن الفلسفة ال تمتلك إجابات خاصة بها‪ ،‬بل إننا يجب أن نفهم إجابات‬
‫الفلسفة على أنها توجهات أو تأسيس لفكر ما أو فلسفة ما‪ .‬فهناك الفلسفة العقالنية والمثالية والواقعية‬
‫والماركسية والدينية وغيرها الكثير‪،‬ولكن يجب األخذ بعين االعتبار أن الفلسفة كمعرفة أكبر من‬
‫كل إجاباتها‪،‬فهي أكبر من الفلسفة العقالنية أو المثالية أو الماركسية‪.‬‬
‫على الرغم من أن ذلك قد يخلق بعض الصعوبات على شكل أسئلة خالفية – إشكاليات ‪-‬‬
‫في أي مجتمع‪،‬وبالرغم من أننا قد ال نحصل بالضرورة على إجابة واحدة صحيحة على بعض تلك‬
‫المسائل الفلسفية‪،‬إال أن هذا الكتاب مصمم لكي يمنح الطالب بعض المهارات األساسية الالزمة‬
‫لتطوير أفضل إجابة ممكنة‪.‬فعدم المقدرة على الوصول إلى إجابة واحدة يقينية يجب ّأال يعني التخلي‬
‫عن اتخاذ القرارات بل على العكس يجب أن يحثنا على التركيز أكثر واتباع أساليب التفكير والنقد‬
‫الصحيحين للتمكن من الوصول الى اكثر اجابة ممكنة وعقالنية‪.‬‬
‫لعل هذه المقدمة يمكن ان تكون بداية جيده للتعريف بالمشكالت الفلسفية التي ننوي مناقشتها‬
‫في هذا الفصل‪ .‬فهناك منذ نشأة الفلسفة بعض االسئلة التي تم طرحها منذ االف السنين وما زلنا‬
‫نحاول حتى يومنا هذا اإلجابة عليها‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬رغم تعدد اإلجابات عليها‪ ،‬ولكن يمكن أن نقول‬
‫إن غالبية اإلجابات تمتلك القدر الكافي من التفكير السليم والنقدي الذي يؤهلها لتكون إجابة فلسفية‬
‫مميزة‪.‬‬
‫من أمثلة تلك األسئلة‪ -‬المشكالت‪ :‬مشكلة العدالة‪ ،‬ومشكلة الحرية‪ ،‬ومشكلة الحقيقة‪،‬ومشكلة‬
‫المادة والروح‪،‬ومشكلة الشخص‪ ،‬ومشكلة الشر‪،‬ومشكلة معنى الحياة والموت‪ .‬وغيرها من المسائل‬
‫الفلسفية المهمة التي تهتم بها كتب الفلسفة‪ ،‬والتي سنحاول التعرف على بعضها في هذا الفصل‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫مشكلة الحرية ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تعتبر الحرية من أهم المسائل الفلسفية وأقدمها حيث إنها شغلت بال المفكرين والفالسفة‬
‫منذ قديم الزمان وما زالت تحتفظ براهينيتهاإلى يومنا‪،‬وذلك الرتباطها الوثيق بحياتنا اليومية وبكل‬
‫تنوعاتها (سياسية أو مدنية أو دينية)‪.‬وهذا هو أحد أهم األسباب في كونها مشكلة – مسألة ‪ -‬بحاجة‬
‫إلى نقاش وتفحص وعناية‪ .‬وقد اهتم الفالسفة العرب والمسلمون بمسألة الحرية في باب الجبرية‬
‫واالختيار‪.‬‬
‫ماذا نعني بمشكلة الحرية ؟‬
‫ولماذا تكون الحرية "مشكلة " أو إشكالية باألساس؟ يمكن اإلجابة ببساطة على هذا السؤال‬
‫حرا؟ عندما نحاول أن نجيب عن هذا‬
‫عبر طرح السؤال التالي‪ :‬هل أنت حر؟ وما معنى أن تكون ًّ‬
‫حرا ومن ثم يتجابه مع معوقات وحتميات‬
‫السؤال ستظهر لدينا اإلشكالية بسرعة‪.‬فهل يولد اإلنسان ًّ‬
‫الحياة الطبيعية والسياسية واالقتصادية والمادية؟ أم أن اإلنسان يولد مكبال بالحتميات ومحددًا‬
‫بقدرات معينة تحد من إمكانياتهومن ثم تكون حياته بمثابة صراع من أجل تجاوز الحتميات‬
‫والمحددات لينتصر لحريته ليفعل ما يشاء وقت ما شاء؟ بمعنى آخر‪ :‬هل الحرية هي عدم وجود‬
‫قيود تحد من حركاتناأم أنها مجرد وعي بهذه المعيقات والمحددات؟ وبوصف اإلرادة مصدر كل‬
‫األفعال الحرةفهي بذات الوقت حرية اإلرادة‪ .‬لذلك يتشابك مفهوم الحرية مع مفاهيم مهمة‬
‫مثاللحتمية والضرورة ‪.‬‬

‫فكر ً‬
‫قليال بما يمكن أن يكون عليه معنى الحرية‪ ،‬ثم حاول اإلجابة على سؤال إذا ما كنت‬ ‫‪-‬‬
‫حراأم ال‪،‬ومن ثم إقرأ ما قاله العالم ستيفن هوكينج وقارنه بمعنى الحرية لديك‪ .‬هل يمكن أن يكون‬
‫ًّ‬
‫حرا حقًّا ؟ بأي معنى – تعريف للحرية يمكن ان نصفه بأنه حر؟‬
‫هوكينج ًّ‬

‫‪150‬‬
‫عا ما ؟‬
‫هل بدأ مفهوم الحرية لديك يصير إشكاليًّا نو ً‬
‫يمكن تلخيص إشكالية الحرية (ويمكن أن نقول مشكلة اإلراده الحرة) كالتالي ‪:‬‬
‫إننا نشعر أننا احرار‪ ،‬بمعنى أنه يمكن لنا أن نختار بسهولة بين ان نقوم بالفعل أأو الفعل‬
‫ب ً‬
‫‪،‬مثال يمكننا بسهولةأن نختار اآلن بين أن نشرب ماء او ال نشرب‪ .‬ولكن في نفس الوقت هناك‬
‫من يعتقد أن أي نتيجة (أو أي فعل) يجب أن يكون وراءه سبب ما ادى الى هذه النتيجة او ادى الى‬
‫مثال لم يكن فعالً ًّ‬
‫حرا تماما‪،‬بل كان نتيجة طبيعتك‬ ‫قيامنا بذلك الفعل‪(،‬سبب – نتيجة) فطلبك للماء ً‬
‫البيولوجية واحتياج جسمك للماء‪ ،‬وبالتالي فأنت محكوم بما تمليه عليك طبيعتك الجسمية‬
‫والبيولوجية‪ .‬والمشكلة تكمن في أننا ال نستطيع أن نؤمن بكال الرأيين معا‪ ،‬مع أن كليهما بنفس‬
‫الدرجة منطقي وال غبار عليه‪.‬‬
‫حرا إذا كان الشخص‬
‫فحسب الفكر الليبرالي (الذي يؤمن بالحرية)‪:‬أي فعل يمكن اعتباره ًّ‬
‫الدي قام به كان بإمكانه أ ّال يقوم به أو أن يقوم بعكسه‪ .‬بمعنى أن األفعال لكي تكون حرة يجب أن‬
‫يكون هناك خيارات متعددة‪.‬‬
‫وحسب الفكر الحتمي ‪ -‬الجبري (الذي ال يؤمن بالحرية)‪:‬إن اإلنسان كان مجبرا بالبداية‬
‫لكي يقوم بما قام به‪ .‬وإنه ليس هناك عملية اختيار حرة بشكل كامل‪ ،‬وإذا ما تفحصنا الخيارات جيدًا‬
‫سنرى أن عملية االختيار ذاتها كانت مبرمجة ومحدودة‪.‬‬
‫فأنصار الحتمية يقولون أن ال مجال للحديث عن الحرية بينما العالم واإلنسان تحكمه‬
‫مجموعة من القوانين والحتميات الصارمة التي تحكم تصرف العالم واإلنسان‪ .‬أما الطرف الثاني‬
‫(والذي يؤمن أن هناك حرية) فيقول بأن وجود الحتمية في العالم ال يعنيأن اإلنسان ال يمكن أن‬
‫حرا‪ ،‬على العكس‪،‬إن إدراك الحتميات المختلفة هو شرط أساسي لممارسة الحرية‪ .‬بمعنى أن‬
‫يكون ًّ‬
‫معرفة الموانع والقيود – الحتميات – التي قد تعترض اإلنسان(المعرفة) تكون كفيلةبأن يتحرر منها‬
‫(القيود)اإلنسان‪.‬وبالتالي‪،‬حسب هذا المفهوم‪ ،‬يؤدي انعدام الحتمية إلى انعدام الحرية‪،‬بمعنى أن‬
‫غياب القوانين التي تحكم وتنظم سلوك االنسان سيؤدي إلى الفوضى التي ستؤدي إلى انعدام القدرة‬
‫على أي فعل حر‪ .‬فالحرية‪ ،‬لكي توجد‪ ،‬بحاجة إلى تنظيم ونسق محكوم بقوانين حتمية‪.‬ومثال ذلك‬
‫العلم‪ :‬فكلما كشف اإلنسان عن قوانين الطبيعة الحتمية (قوانين الحركة أو الجاذبية) زادت معرفته‬
‫بها وزادت بالتالي إمكانية تحكمه بها واالستفادة منها زمنًا ثم ازدادت فرصه بالتحرر منها‪.‬‬

‫لنحاوألن نجد التعريف المناسب للحرية‪ .‬أوال‪ ،‬وقبل قراءة التعاريف المختلفة للحرية‪،‬باعتقادك‪ ،‬ما‬
‫التعريف األمثل للحرية؟‬

‫‪151‬‬
‫الحرية في القواميس الفلسفية تعني "الحركة دون معوقات أو إكراهات؛ وذلك من خالل‬
‫امتالك الفرد القدرة (اإلرادة) على القرار بناء على خيار مستقل للغايات والوسائل المالئمة للتوصل‬
‫إلى هذه الغايات‪.‬‬
‫يبدو أن هذا التعريف هو تعريف خاص بالعصر الحديث‪ .‬فقد تطور وتغير المفهوم عما‬
‫كان عليه الوضع في العصور اليونانية وما قبلها‪.‬كانت الحرية عند القدماء محصورة في نطاق‬
‫صا الفلسفة الرواقية مع الفيلسوف ابيكتيتوس الذي حصر الحرية‬
‫اإلرادة؛أي في نطاق الذات وخصو ً‬
‫قادرا أن يكتفي‬
‫حرا عندما يكون ًّ‬
‫في األعماق الجوانية وفي االعتزال عن العالم‪ .‬فاإلنسان يصبح ًّ‬
‫بما يعمله هو وال يجبر على أن ينخرط في عالم العوائق واإلكراهات‪ .‬فالعزلة هي الحل‪ ،‬بمعنى‪:‬‬
‫ترك ما ال نستطيع السيطرة عليه والتحكم به ‪ -‬العالم الذي ال يتحكم به اإلنسان والمليء بالعوائق‪.‬‬
‫وبحكم أن ذات اإلنسان هي ما يعرفه ويتحكم بهأكثر شيء‪.‬هذا التصور للحرية هو تصور باطني‬
‫– يتعلق بالذات‪ ،‬تصور الحرية على أنها معركة مع الذات والقدره على تهذيبها‪ .‬إنها نوع من جهاد‬
‫النفس وتهذيب األخالق‪ .‬إنه فرار من العالم نحو الذات‪.‬‬
‫أما مع اليونان فقد تغير هذا المفهوم ليصبح مع التفكير السياسي لديهم‪ :‬حرية اإلنسان تظهر‬
‫وتتبدى بممارسة السلطة على اآلخرين‪،‬ومن ثم القدرة على اكتساب منزل يعيش فيه وفضاء يتحرك‬
‫به‪ .‬إنه تصور يربط الحرية بالوجود في العالم ‪.‬هناك أبعاد عدة للحرية‪ ،‬من أهمها البعد الميتافيزيقي‬
‫والبعد األخالقي والبعد السياسي والبعد العلمي‪.‬‬

‫البعد الميتافيزيقي‪،‬أي الحرية بين اإلرادة والحتمية‪:‬‬

‫البعد الميتافيزيقي للحرية يعني أن نتناول موضوع الحرية بشكل مجرد وليس في حالة أو‬
‫وضعية معينة‪،‬أي الحرية كمبدأ عام‪.‬‬
‫فاإلنسان يشعر أنه قادر على اختيار أفعاله وأن له القدرة على ترجيح فعل ما واالمتناع‬
‫عن فعل آخر‪ .‬ولكن بنفس الوقت يعرف اإلنسان أن هناك نظا ًما حتميًّا بالطبيعة تخضع فيه األحداث‬
‫عا ما جزء من هذه الطبيعة وبالتالي‬
‫إلى ضرورة حتمية ال مكان للصدفة فيه‪ ،‬وأن اإلنسان هو نو ً‬
‫جزء من هذه الحتمية‪.‬‬
‫إقرأ النصوص التالية (تحليل ومناقشة)‬

‫‪152‬‬
‫نص من كتاب توماس هوبز‪ :‬اللفياثان‪ ،‬ص ‪216‬‬
‫في حرية األفراد‬
‫إن لفظة الحرية أو لفظة اإلعفاء تعني انعدام المعارضة (وأعني بالمعارضة العوائق‬
‫الخارجة عن الحركة)‪ .‬واللفظة مطبقة بالقدر ذاته على المخلوقات غير الناطقة وغير المتحركة‪،‬‬
‫كما على المخلوقات العاقلة‪ .‬فيقال عن األشياء الثابتة في بيئة معينة ال تستطيع أن تتحرك فيها‪،‬‬
‫إال في مساحة محددة‪ ،‬مساحة تعينها مقاومة جسم خارجي‪ ،‬إنها غير حرة في التقدم‪ .‬واألمر هو‬
‫عينه بالنسبة إلى جميع الكائنات الحية األخرى عندما تكون مسجونة‪ ،‬أو محتجزة بين الجدران‬
‫وفي السالسل؛ وكذلك األمر بالنسبة إلى المياه عندما تحجزها الضفاف أو تكون موجودة في أوان‪،‬‬
‫حتى لو لم تكن في هذه الوضعية‪ ،‬لسالت في مساحة أكثر امتدادا‪ ،‬فيقال عندئذ إنها غير حرة‬
‫التحرك وفقا لآللية التي ستكون عليها دون هذه العوائق الخارجية‪ .‬لكن‪ ،‬وإذا كان عائق الحركة‬
‫هو تكوين الشيء بذاته‪ ،‬لن يقال إنه يفتقد إلى الحرية‪ ،‬بل إلى القدرة على التحرك‪ ،‬كما لو بقيت‬
‫صخرة في مكان معين‪ ،‬أو عندما يسمرنا المرض في الفراش‪.‬‬
‫سؤال للمناقشة‪ :‬لماذا هذا االرتباط بين الحرية والحتمية؟ أال يمكن الحديث عن الحرية بمعزل‬
‫عن مفهوم الحتمية؟‬
‫سؤال للمناقشة‪ :‬هل توافق القول بأن الحرية لكي توجد بحاجة إلى تنظيم ونسق محكوم بقوانين؟‬
‫حتمية؟‬

‫‪153‬‬
‫من كتاب أزايا برلين‪ :‬الحرية‪ ،‬ص ‪414 – 413‬‬

‫عن الحتمية‬

‫تعلن الحتمية أن لكل حادث سببا‪ ،‬يتبعه بالضرورة‪ .‬هذه هي الركيزة المؤسسة للعلوم‬
‫الطبيعية‪ :‬تستند نواميس الطبيعة وتطبيقاتها كلها– جامعة العلوم الطبيعية برمتها – إلى فكرة وجود‬
‫نظام داخلي تستقصيه العلوم‪ .‬لكن إذا خضعت الطبيعة الباقية لهذه النواميس‪ ،‬فهل يمكن أال‬
‫يخضع لها اإلنسان وحده؟ حين يفترض إنسان‪ ،‬مثلما يفعل معظم الناس العاديين (لكن ليس معظم‬
‫العلماء والفالسفة)‪ ،‬أنه حين ينهض من الكرسي لم يكن من الضروري أن يفعل ذلك‪ ،‬وأنه فعل‬
‫ذلك ألنه اختار أن يفعل‪ ،‬لكن لم يكن من الضروري أن يختار – حين يفترض ذلك‪ ،‬يقال له إن‬
‫يوما ما‬
‫هذا وهم‪ ،‬وصحيح أن العمل المطلوب من علماء النفس لم يستكمل بعد‪ ،‬إال أنه سينجز ً‬
‫(أو على أي حال ممكن من حيث المبدأ)‪ ،‬وعندها سيعلم أن ما هو عليه وما يفعله ضروريان‬
‫كما هما‪ ،‬وال يمكن أن يكونا على غير هذه الصورة‪ .‬أعتقد أن هذا المبدأ خاطئ‪ ،‬لكني ال أسعى‬
‫في هذه المقالة إلى إظهار ذلك‪ ،‬أو دحض الحتمية – في الحقيقة‪ ،‬لست واثًقا من إمكانية هذا‬
‫العرض أو الدحض‪ .‬أما اهتمامي األول فهو طرح سؤالين على نفسي‪ .‬لماذا يظن الفالسفة وغيرهم‬
‫منسجما مع المشاعر والتصرفات‬
‫ً‬ ‫أن البشر مجبرون بالكامل؟ وفي هذه الحالة‪ ،‬هل يعد ذلك‬
‫األخالقية الطبيعية‪ ،‬كما شاع الفهم؟‬

‫تشير فرضيتي إلى وجود سببين رئيسين لدعم مبدأ الحتمية البشرية‪ :‬أوًال‪ ،‬ألن العلوم‬
‫الطبيعية تمثل أعظم قصة نجاح في التاريخ البشري كله‪ ،‬يبدو من السخف االفتراض أن اإلنسان‬
‫وحده ال يخضع للقوانين الطبيعية التي اكتشفها العلماء (هذا في الحقيقة ما أكده فالسفة عصر‬
‫متحرر كلية من هذه‬
‫ًا‬ ‫التنوير في القرن الثامن عشر)‪ .‬لكن السؤال ليس بالطبع هل يعد اإلنسان‬
‫القوانين – وحده المجنون يمكن أن يؤكد أن اإلنسان ال يعتمد على تركيبته البيولوجية أو‬
‫السيكولوجية‪ ،‬أو على البيئة‪ ،‬أو على قوانين الطبيعة‪ .‬السؤال الوحيد هو‪ :‬هل تستنفد هذه الحرية‬
‫كليته؟ أال يوجد ركن يستطيع فيه فعل ما يريد‪ ،‬دون أن تجبره على االختيار أسباب سابقة؟ ربما‬
‫حرا‪ ،‬الذي ال يعد‬
‫صغير من عالم الطبيعة‪ ،‬لكن إلى أن يوجد‪ ،‬فإن وعيه بكونه ًّ‬
‫ًا‬ ‫يكون هذا ً‬
‫ركنا‬
‫شموليًّا دون شك – حقيقة أن معظم الناس يعتقدون بذلك‪ ،‬بينما تكون بعض أفعالهم آلية‪ ،‬وبعضها‬
‫يطيع إرادتهم الحرة – ليس سوى وهم هائل‪ ،‬منذ بدايات البشر‪ ،‬منذ أن أكل آدم التفاحة‪ ،‬مع أنه‬
‫أمر بعدم أكلها‪ ،‬ولم يرد بالقول‪" :‬لم أستطع منع نفسي‪ ،‬لم أفعل ذلك باختياري الحر‪ ،‬بل أجبرتني‬
‫حواء عليه"‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫سؤال للمناقشة‪:‬أليس من التعارض اإليمان بأن هناك حرية ولكن بشرط أن تكون هذه الحرية‬
‫محدوده – مشروطة؟ أليس من التناقض القول بالحرية المشروطة كوصفنا لشيء ما بأنه النهائي‬
‫ونهائي بنفس الوقت؟‬
‫سؤال للمناقشة‪ :‬هل تحكمأفكار اإلنسان وأفعاله نفس القوانين التي تحكم الظواهر الطبيعية‬
‫والفيزيائية؟ وهل يرتبط اإلنسان بقوانين البيولوجيا وقوانين علم النفس والتي سوف تحكم‬
‫تصرفاته وتحددها ال محالة؟‬
‫سؤال للمناقشة‪ :‬هل يمكن قبول الحكم التالي‪ :‬ال يجب محاكمة المجرمين والقاتلين والسارقين‬
‫ألنهم بكل بساطة كانوا ضحية طبيعتهم البيولوجية والنفسية التي أجبرتهم على قيامهم باألفعال‬
‫السيئة التي قاموا بها؟‬

‫المشكلة األخالقية ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫تكمن إحدى المشاكل الفلسفية جزئيًّا في عملية تعريف المفاهيم‪،‬وهذه المشكلة يمكن تطبيقها‬
‫على المشكلة التي درسناها في األعلى‪،‬وأقصد مشكلة الحرية‪ .‬فالتعريف‪،‬أي تعريف‪ ،‬هو باألساس‬
‫تحديد‪،‬فأنت تعرف الشيء بتحديده وفصله عن األشياء األخرى‪ ،‬وتعداد ما يميزه عن األشياء‬
‫األخرى‪ .‬وفي حالة تعريف "الحرية" فنحن نحاول تحديدها وتقييدها وهنا تكمن مشكلة تعريف‬
‫الحرية‪ ،‬فنحن نحاول‪ -‬أثناء التعريف ‪ -‬أن نضع حدودًا للحرية‪ .‬فكيف سنضع حدودًا لشيء ال يقبل‬
‫الحدود والقيود؟‬
‫ضا لها عالقة مباشرة مع عملية التعريف التي تتضمن التحديد‬
‫والمشكلة األخالقية أي ً‬
‫واالتفاق على تعريف محدد لمفهوم ما‪ .‬فهل كلنا متفقون على معنى المفاهيم األساسية التي نستعملها‬
‫جميعًا وبصورة عفوية‪ .‬خذ ً‬
‫مثال مفهوم "العدالة" أو "الخير" وهي مفاهيم دارجة جدًّا وتستعمل‬
‫كثيرا من قبل عامة الناس والصحف اليومية وحتى النقاشات العامة بين األفراد وتعتبر كذلك من‬
‫ً‬
‫ً‬
‫كامال بين مستعملي‬ ‫المفاهيم األساسية في أي فلسفة أخالقية أوسياسية‪ .‬فهل تعتقد أن هناك اتفاقًا‬
‫هذه المفاهيم على التعريف االنسب له؟‬

‫قبل الدخول في تعريف العدالة وغيرها من المفاهيم المهمة‪ ،‬بإعتقادكما التعريف األنسب للعدالة؟‬
‫فكر بالموضوع ً‬
‫قليال ومن ثم دعنا نناقش الموضوع معًا‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫بالتأكيد سنجد أن ما يقصده أحمد بالعدالة على سبيل المثال مختلف عن ما تقصده دعاء‪.‬‬

‫تذكر أن أي تحليل اخالقي سيهتم باألساس في تبرير األحكام في ما نعتقد أنه جيد أو سيئ ‪ ،‬صحيح أو‬
‫خاطئ‪،‬ما يجب علينا القيام به أو عدم القيام به‪ ،‬وكيف يجب علينا أن نتصرف أو ال نتصرف إزاء موقف‬
‫ما‪.‬‬

‫أكثر الكتب الفلسفية تعتبر األخالق على أنها علم معياري؛أي العلم الذي يحدد لنا‬
‫السلوكالفاضل أو ما ينبغي أن يكون‪ .‬وبالتالي فإن أهمية الدرس األخالقي تكمن في كونه يساعدنا‬
‫في اإلجابة عن سؤال ماذا ينبغي لي أن أعمله؟‬

‫من أهم المشكالت الفلسفية فيما يتعلع باألخالق وأكثرها شيو ًعا السؤال عنما إذا كانت القيم‬
‫اأخالقية ومنها الخير والشر هي قيم مطلقة أم نسبية؟‬
‫تذكر أن مهمة الدرس األخالقي ليست تعداد ما يجب علينا فعلهأو ما ينبغي علينا االبتعاد عنه ‪ .‬بمعنى‬
‫أنه ليس رصفًاأو تعدادًا لألعمال الخيرة من جهة والشريرة من جهة أخرى‪ .‬بل على العكس من ذلك‬
‫فإن غاية الدرس األخالقي هي تعزيزالقدرة على توجيه الذات نحو الحرية والمسؤولية ‪.‬إنه تحرير‬
‫الذات من كل وصاية‪ ،‬وأن يعلمنا كيف يمكنناأن نطلق أحكا ًما أفضل‪.‬‬

‫ما الذي يجعل فعال ما جيدا أو سيئا؟‬ ‫‪-‬‬


‫وكيف يمكن تبرير أي فعل؟‬ ‫‪-‬‬
‫ما هو المعيار أو المقياس الذي من الممكن أن نستعين به لتقييم أفعالنا؟‬ ‫‪-‬‬
‫هل من الممكن أن يكون فعل ما جيدًا لي (أو لثقافتي) ويكون بنفس الوقت سيئا إلنسان آخر‬ ‫‪-‬‬
‫أو ثقافة أخرى؟‬

‫قليال ‪ :‬هل حاولت أن تجد جوابًا لسؤال‪ :‬لماذا فعل السرقة أو الغش في االمتحان فعل‬ ‫لنفكر ً‬
‫سيئ؟ هل يمكنك تبرير فعل لسرق – أو عدمة عقليًّا ؟ وهل من الممكن أن يكون فعل ما جيدًا‬
‫في ثقافة ما وسيئ ًا في ثقافة أخرى؟؟‬

‫كل هذه األسئلة ما هي إال نماذج لكي نتبين صعوبة المشكلة األخالقية‪ ،‬ولماذا نضع هذه‬
‫الجزئية من علم األخالق كمشكلة فلسفية بحاجة إلى نقاش‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫القيم األخالقية بين النسبي والمطلق‪:‬‬

‫القيم المطلقة‪:‬يرى الفالسفة العقالنيون )‪ (Rationalist‬كما ترى معظم الديانات السماوية أن ما‬
‫هو جيد وخير هو دو ًما كذلك‪ ،‬فالفعل الجيد بين وواضح‪ ،‬وما هو شر كذلك بيّن وواضح‪ .‬وبالتالي‬
‫فالقيم األخالقية مطلقة وليست نسبية‪.‬‬
‫نجد ً‬
‫مثال الفيلسوف األلماني امانويلكانط يقول أن العقل هو مصدر الفضيلة والخير‬
‫األسمى‪.‬لذلك انتقد كانط األخالق النسبية والقائمة على اللذة والمنفعة‪ ،‬حيث وضع القانون األخالقي‬
‫"اعمل على نحو ما يصبح عملك مبدأ وقانونًا عا ًّما"‪ .‬فالسلطة العليا هنا هي سلطة العقل‪،‬فهو‬
‫المشرع األول واألخير والقادر على تشريع قيم مطلقة للفرد كما للمجتمع‪.‬‬

‫لنوضح هذه المشكلة من خالل بعض األمثلة‪-:‬‬


‫مشكلة العربة )‪: (Trolley Problem‬‬
‫ما هي مشكلة الشاحنة المشهورة؟تصور أنك تقود قطارا مسرعا وفجأة تعطلت فرامل‬
‫ضا تكمن في كون السكة الحديدية في صدد االنقسام إلى خطين اثنين –‬
‫القطار‪،‬ولكن المشكلة أي ً‬
‫يمين ويسار‪،‬على الخط األول – اليمين‪-‬كان يعمل خمسة عمال‪ ،‬وعلى الخط الثاني – اليسار‪ -‬يعمل‬
‫عامل واحد‪ .‬ومن الواضح أن ثقل القطار وسرعته ستقضي على أي شيء سيقف في طريقه‪.‬‬
‫والسؤال هو‪ :‬الى اي اتجاه ستوجه القطار؟ إلى حيث هناك خمسة عمال؟ أم إلى السكة التي يتواجد‬
‫بها عامل واحد فقط ؟ أي قرار سيكون من الوجهة األخالقية أكثر قبوال؟‬

‫‪157‬‬
‫من المرجح أنك ستوجه القطار نحو العامل ً‬
‫بدال من الخمسة؛ وذلك ألن إنقاذ خمسة عمال سيكون‬
‫أفضل من إنقاذ عامل واحد‪.‬‬
‫واآلن لنجري بعض التعديالت على مجريات األحداث‪:‬‬
‫تصور أنك تشاهد ذلك القطار وأنت على جسر مرتفع‪،‬والقطار متجه نحو خمسة عمال‬
‫يعملون على السكة‪ .‬وبالصدفة كان بقربك على الجسر رجل سمين جدًّا ينظر إلى العمال‪ .‬ففكرت‬
‫بما يمكنك فعله إلنقاذ خمس أرواح من الهالك األكيد إذا ما اصطدموا بالقطار‪ .‬وخطر على بالك‬
‫أن تقذف بالرجل السمين إلى أسفل الجسر ليقع على السكة ليكون مانعا لتقدم القطار نحو الخمسة‬
‫عمال‪ .‬وقلت في نفسك‪:‬إن قتل رجل واحد مقابل إنقاذ خمس أرواح سيكون بالقرار األخالقي‬
‫األنسب‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫الغالب أن معظمكم سوف يرفض هذا الخيار (قذف الرجل السمين)‪ ،‬مع أنه من الوجهة المنطقية‬
‫سوف تنقذ الخمسة عمال مقابل التضحية برجل واحد‪.‬‬
‫والسؤال هو لماذا تم قبول تحويل القطار الى السكة اليسار في المثال األول وإنقاذ الخمس‬
‫أرواح‪،‬بينما لم يتم استعمال نفس المنطق في المثال الثاني؟‬

‫حياة اإلنسان في جزء مهم منها – وربما الجزء األهم – عبارة عن اتخاذ قرارات‪ .‬مجموع هذة‬
‫القرارات هي حياتك‪ ،‬هي أنت‪.‬‬

‫الدرس األخالقي يهدف إلى تعزيز قدرتنا على اتخاذ قرارات أكثر معقولية وأكثر أخالقية ‪.‬‬

‫مشكلة الحقيقة ‪:‬‬


‫ماذا نعني بالحقيقة؟ وما الشيء المفترض تواجده جنبًا إلى جنب عند بحثنا عن الحقيقة؟‬
‫وهل هناك فارق بين الحقيقة والرأي؟ في البداية يجب أن نشير إلى صعوبة تعريف مفهوم‬
‫الحقيقة‪،‬ولعل هذا السبب‪،‬أي صعوبة التعريف‪،‬هو أحد أهم أسباب عدها ضمن المشكالتالفلسفية‬
‫تكون من أعقدها‪ .‬فالحقيقة ”‪ “Truth‬من المفاهيم األساسية بأي موضوع‬ ‫وربما‬
‫فلسفي‪،‬منطقي‪،‬علمي أو ديني‪.‬فإذا لم نكن متأكدين من حقيقة وصحةأي فكرة فلسفية‪،‬دينية‪،‬علمية‬
‫سا من كل هذه األفكار والمعارف؟فقيمة أي جملة أو فكرةأو حتى‬
‫أو منطقية فما الفائدة المرجوةأسا ً‬
‫نظرية علمية تكون بمقدار الحقائق التي تحتويها‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫فما هو الطريق للوصول إلى الحقيقة ؟‬

‫‪‬‬
‫اتخذت الحقيقة‪ ،‬في الخطاب الفلسفي في الفترة الحديثة والمعاصرة‪ ،‬أوج ًها وأنما ً‬
‫طا فكرية‬
‫مختلفة‪ .‬فقد كانت الحقيقة عقلية مع ديكارت وحسية مع التجريبيين‪ ،‬وحقيقة حدسية مع برجسون‪،‬‬
‫وبرجماتية مع وليام جيمس‪ .‬أو تكون يقينية مطلقة مع نيوتن‪ ،‬أو نسبية ومحتملة مع إنشتاين‪ ،‬أو‬
‫منعدمة مع فيلسوف النفي نيتشه‪( .‬سبق أن عرضنا لبعض هذه المواقف في الفصل السابق)‬

‫لنفكر قليالً‬

‫قبل أن نخوض في معنى الحقيقة وإلقاء الضوء على هذا المصطلح كإشكالية‪:‬‬

‫‪ ‬ماذا نقصد عندما نقول‪ :‬هذا الشيء حقيقي‪،‬أو أنا أعرف هذا الشيء على حقيقته؟‬
‫‪ ‬ماذا نقصد عندما نقول لآلخرين‪ :‬إن هذا الرأي هو رأيك الخاص وليس الحقيقة؟‬
‫‪ ‬كيف يمكن أن نبتعد عن االستنتاجات الخاطئة؟‬

‫تمثل الحقيقة رهانا أساسيًّا لكل معرفة إنسانية‪ ،‬والهدف األهم لكل ممارسة علمية‪.‬‬
‫لكناإلشكالية تظهر عندما نجد أن ما يعتبره أحدهم حقيقة يكون بالنسبة آلخرليس سوى وهم‬
‫وخطأ‪،‬إلى حد يمكن القول أن لكل عالم أو مفكر حقيقته الخاصة به‪.‬ولكن أليس من حق كل إنسان‬
‫أن يعتقد ما يشاء؟وأن يكون له رأي خاص به؟ ومن طرف آخر أال يجب أن يكون هناك "حقيقة "‬
‫ثابتة‪،‬يمكن التعرف عليها من قبل الجميع مقابل الرأي الشخصي الخاص بك وحدك والذي ال يتطلب‬
‫موافقة الجميع؟ هذا يضعنا أمام جملة من اإلشكاليات الفلسفية مثل‪ :‬ما الحقيقة؟ وما معاييرها؟ ما‬
‫طبيعة العالقة القائمة بينها وبين الرأي والمعرفة العامية؟ وهل العالقة بين الرأي والحقيقة هي‬
‫عالقة انفصالأماتصال؟ بمعنى هل الرأي يكون دو ًما مخالفًا لما نعتبره حقيقة أم أنه ال يوجد اختالف‬
‫جوهري بينهما وإنما هناك اتصال يمكن أن يؤدي أحدهما إلى اآلخر‪،‬فالفرق ليس بالنوع بل‬
‫بالدرجة‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫في الواقع ال يوجد إجابة واحدة على هذا السؤال عند جميع المفكرين‪ .‬فعلى مدارتاريخ‬
‫الفلسفة نجد أن إجابات الفالسفة على هذا السؤال كانت منقسمة‪ ،‬فقسم تبنى انفصال الرأي عن‬
‫ً‬
‫تواصال مثل‬ ‫الحقيقة بصورة قاطعة (مثل أفالطون‪ ،‬وديكارت) وقسم آخر وجد أن هناك‬
‫(أرسطو‪،‬وكانط)‪.‬لن ندخل في تفاصيل تاريخ الفلسفة لتبيان كل اآلراء حول الموضوع ولكن يمكن‬
‫القول‪ :‬في الفلسفة اليونانية دافع أفالطون عن الموقف األول‪ ،‬بينما دافع أرسطو عن الموقف‬
‫الثاني‪.‬فحسب أفالطون‪ :‬مجال اشتغال الرأي هو هذا العالم المادي المحسوس الذي نعيشه‪،‬وأداته‬
‫األساسية هي الحواس من بصر ولمس وشم وذوق وسمع‪ .‬وهي أدوات ليست ذات قيمة كبيرة‬
‫وليست دقيقة كفاية‪،‬حسب أفالطون‪ ،‬لتعطينا نتائج ترقى لمستوى الحقيقة‪ ،‬وبالتالي فإن ما ينتجه‬
‫الرأي من معارف هو خاطئ وال يعكسالحقيقة‪ .‬ومن هنا سيقول أفالطون بوجود عالم آخر يسميه‬
‫"عالم المثل" ‪ ،‬عالم ال يتألف من أشياء وأجسام وإنما من أفكار وصور ال تمثل األولى بالنسبة لها‬
‫سوى ظالل ونسخ باهتة ومشوهة‪.‬‬
‫أما أرسطو فيقول بأن مجال اشتغال الرأي هو العالم المادي المحسوس‪ ،‬ولكن عكس‬
‫أفالطون‪ ،‬يؤمن أرسطو بأنه على الرغم من كون أداة الرأي األساسية هي الحواس‪،‬فهذا ال يعني‬
‫بالضرورة خلوه من كل حقيقة‪،‬وال يتعارض مع إمكانية تضمنه لكثير من الحقائق‪.‬وتبعا لذلك فإن‬
‫الوصول إلى معرفتهيمر حت ًما عبر ما تقدمه لنا حواسنا من معطيات‪ ،‬وما يقدمه عقلنا بناء على‬
‫ذلك من آراء حولها‪ .‬وهكذا فإن الرأي أو المعرفة المبنية على التجربة الحسية‪ ،‬وإن كان يمثل أدنى‬
‫درجات المعرفة في رأي أرسطو‪ ،‬فهو ال غنى عنه من أجل الوصول إلى ما هو أعلى وأدق منه‪،‬‬
‫أي المعرفة البرهانية القائمة على العقل‪،‬وهذا يعني حسب أرسطوأن الرأي متقدم بالضرورة زمنيًّا‬
‫ومنطقيًّا عن الحقيقة‪.‬‬
‫أما في الفلسفة الحديثة فقد دافع عن الموقف األول ديكارت‪ ،‬بينما دافع عن الموقف الثاني‬
‫كانط‪ .‬فبالنسبة لديكارت‪ :‬الحقيقة هي ما هو واضح ومتميز بالبداهة وال يقبل بأي حال من األحوال‬
‫الشك فيه‪ ،‬وهذا الشرط غير متوفر في الرأي‪ ،‬ألن أساس الرأي هو التجربة الحسية؛ أي ما تقدمه‬
‫الحواس‪ ،‬ولما كانت هذه األخيرة “خداعة أحيانا ً ”وكان“من الحكمة نطمئن كل االطمئنان إلى من‬
‫يخدعنا ولو مرة واحدة”‪ ،‬فإن النتيجة هي أن كل المعارف التي يتضمنها الرأي مشكوك في صحتها‪،‬‬
‫وأن الخطوة األولى لبلوغ الحقيقة تتمثل في ضرورة التخلص منها والبدء من الصفر وهو ما يعرف‬
‫لديه باللوح الممسوح‪.Tabula Rasa‬‬

‫‪161‬‬
‫أما ديفيد هيوم وجون لوكوإمانويلكانط‪ ،‬فيرونأن بين الرأي والحقيقة عالقة اتصال‪ ،‬ألنه‬
‫ال يمكننا التوصل إلى أية حقيقة تخص ظواهر الكون ما لم نبدأ من التجربة الحسية‪،‬هذا عداعن أنه‬
‫ما من رأي إال وله عالقة ما بالحقيقة‪ ،‬ألن اإلنسان ال يبني آراءه من فراغ أو بالصدفة وإنما انطالقًا‬
‫من معارف معينة يمتلكها الفرد‪ ،‬وهذه المعارف ال بد وأن تكون لها صلة ما بالحقيقة‪.‬‬
‫اإلشكالية ‪:‬‬

‫من خالل ما تم ذكره نستنتج أن الرأي هو استنتاج معتمد على حواس اإلنسان وعلى حياته‬
‫وخبراته اليومية‪ ،‬أما الحقيقة فتكون من نتاج العقل واستنتاجاته‪.‬الرأي شخصي والحقيقة عامة‪.‬‬

‫القاموس الفلسفي يعرف الحقيقة كالتالي‪ :‬إنها ما يعكس – يمثل الواقع‪.‬‬

‫ولكن هنا سنجد أنفسنا نتساءل عن معنى الواقع‪.‬‬

‫ولكن أليس عقلنا وأدواته ومنطقه هو الذي جعلنا نعتقد لسنوات طويلة أن األرض مسطحة‬
‫وأن األرض هي مركز الكون ‪ .‬فما كونه االنسان من رأي ألم يقبله عقله لسنوات طويلة‪ .‬فهل هناك‬
‫معيار ما نستطيع أن نعتمد عليه لنتأكد من استنتاجاتنا حول العالم وأنفسنا واآلخرين؟‬
‫يحتاج اإلنسان كي يقوم بأي تمييز أو تصنيف إلى معيار يستند إليه‪ ،‬فما هو يا ترى المعيار‬
‫الذي يمكن االستناد إليه للتمييز بين الصواب والخطأ‪ ،‬بين الحقيقة والكذب؟ ما المقياس الذي من‬
‫خالله يمكن التمييز بين ما هو حقيقي وما هو ليس كذلك؟ما الذي يجعل من معلومة ما أو استنتاج‬
‫ما أفضل‪ ،‬أدق أو صحي ًحا؟ والسؤال األهم هو هل يوجد حقيقة واحدة أم أكثر من ذلك؟‬
‫هل بدأ مفهوم الحقيقة يصبح اشكاليًّا لديك؟‬

‫معايير الحقيقة ‪:‬‬


‫في تاريخ الفلسفة اعتمد المفكرون والفالسفة أكثر من معيار للكشف عن الحقيقة‪،‬من أهمها‬
‫‪:‬‬
‫نظرية التطابق)‪:(Correspondence theory‬‬
‫الحقيقة حسب هذه النظرية هي مطابقة الفكر للواقع‪ .‬أي أنها تعتبر معيار التطابق مع‬
‫الواقع من اهم وأشهر المعايير التي اعتمدها اإلنسان في تمييزه بين ما هو حقيقي وما هو ليس‬
‫كذلك‪ ،‬فنحن نحكم على قول معين أو قضية معينة أنها حقيقة إذا كانت متطابقة مع الواقع‪ ،‬أي تعبر‬
‫بصدق وأمانة عن ما هو موجود فيه كما لو كانت مجرد انعكاس لذلك الواقع في الذهن اإلنساني‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫معنى الحقيقة حسب نظرية التطابق‪:‬‬

‫الحقيقة هي مطابقة ما في األذهان لما في األعيان‪ .‬أي مطابقة الفكر للواقع‪.‬‬

‫فالشيء يكون حقيقيا إذا كان الواقع يؤيد ذلك‪.‬‬

‫الحقيقة هي مطابقة الفكر لذاته‪:‬‬


‫يمتلك اإلنسان حسب ديكارت قدرة عقلية يطلق عليها الحدس‪،‬وهي معرفة مباشرة تكشف‬
‫ً‬
‫ومتميزا )‪ (Clear & Distinct‬أي‬ ‫ما هو حقيقي‪ .‬وعليه يكون ما هو حقيقي بالضرورة واض ًحا‬
‫ال يمكن بأي حال من األحوال الشك في صحته‪ .‬من نتائج هذا الحدس المهمة حسب ديكارت أنه‬
‫يمكن كل واحد منا أن يعرف‪ -‬بالحدس ‪ -‬أنه موجود‪ ،‬وأنه يفكر وأن المثلث يتألف من ثالثة أضالع‬
‫فقط‪.‬فحسب ديكارت‪ ،‬زود اإلنسان بحقائق صادقة يقينية ومطلقة‪ ،‬مثل‪ :‬الكل أكبر من الجزء‪،‬‬
‫والمربع له أربعة أضالع‪ ،‬وواحد واحد يساوي اثنين‪ .‬فالحقائق البدهية اليقينية قد تكون حقائق‬
‫رياضية أو منطقية‪ ،‬تعتمد على مجموعة من المبادئ‪،‬مثل‪ :‬مبدإ الهوية ومبدإ عدم التناقض‪ .‬بهذه‬
‫الحقائق الرياضية والمنطقية‪،‬يمكن لإلنسان أن يصل إلى اليقين المطلق‪ .‬في حين‪ ،‬يعجز الحس أو‬
‫التجربة عن الوصول إلى الحقيقة بسبب إمكانية خداع الحواس لإلنسان‪.‬‬

‫االستنباط الديكارتي‪ :‬ويقصد به‪،‬ما يتم استنتاجه ضرورة من أشياء أخرى واضحة ومتميزة وذلك‬
‫ضا ما هو‬
‫بوساطة حركة متصلة للفكر‪.‬فما هو حقيقي ليس فقط هو ما هو واضح وبدهي‪ ،‬وإنما أي ً‬
‫مستنبط بشكل منطقي وسليم من مبادئ أولى واضحة وبدهية‪.‬‬

‫الحقيقة في الفلسفة المعاصرة ‪:‬‬


‫مسارا مختلفًا ومه ًّما وخصوصا مع‬
‫ً‬ ‫أما في الفلسفة المعاصرة فإن مسألة الحقيقة تأخذ‬
‫الفلسفة البراغماتية وفلسفة ما بعد الحداثة‪.‬‬
‫فحسب ريتشارد رورتي)‪ )2007-1931( (Richard Rorty‬فإن مفهوم الحقيقة‬
‫الموضوعية هو شيء شبه وهمي أو "هالمي"‪ ،‬وذلك ألن اإلنسان هو جزء من أي حقيقة يفكر‬
‫فيها‪ .‬فالحقيقة ذاتية وليس هناك من حقيقة موضوعية يمكن اكتشافها بكل موضوعية‪.‬‬
‫فقدت الحقيقة بريقها األخالقي مع الفلسفة المعاصرة وتم التركيز على أساسها الالأخالقي‬
‫مع فالسفة مثل فردريك نيتشه(‪ ،)1900 - 1844‬وفوكو‪ .‬فبالنسبة لنيتشه ليست غريزة الحقيقة‬
‫سوى امتداد لغريزة أهم هي غريزة حفظ البقاء‪ ،‬وعليه ‪ -‬حسب نيتشة ‪ -‬فهي ليست أكثر من أداة‬

‫‪163‬‬
‫في خدمة حياة اإلنسان‪ .‬وبالنتيجة فإن الحقائق “ليست سوى أوهام نسينا أنها أوهام” فهي قد اعتبرت‬
‫في البداية حقائق بفعل منفعتها في معركة الصراع من أجل البقاء‪ ،‬لكن بفعل طول االستعمال تم‬
‫نسيان هذا األصل‪ ،‬وأصبحت تبدو على أنها حقائق في ذاتها‪.‬‬
‫أما فوكو(‪ )1984 -1926‬فالحقيقة لديه لها عالقة بالسلطة‪ ،‬فهي ليست نتاج لمجهودات‬
‫العقل الموضوعي البريء وإنما هي نتاج لسياسة ممنهجةتقتضيها ممارسة السلطة وآليات اشتغالها‪،‬‬
‫وهو ما يتجلى في رأي فوكو في عدة أمور أساسية هي أن لكل مجتمع نظامه الخاص في إنتاج‬
‫الحقيقة وسياسة عامة لنشرها واستهالكها‪ .‬إن لكل مجتمع آليات وهيئات تمكنه من التمييز بين ما‬
‫هوصحيح وما هو خاطئ‪.‬‬
‫عا من التيه الذي كلما اتبعناه وسايرناه ابتعدنا‬
‫ويؤكد هيدجر(‪)1976 - 1889‬أن هناك نو ً‬
‫أكثر عن الحقيقة وهو ما عبر عنه هيدجر بواحدة من أكثر الجمل إثارة للجدل وهي “العلم ال يفكر”‬
‫ألن التفكير في رأيه يعني االنفتاح على الوجود واإلصغاء لندائه؛ أي النظر إليه كما هو وليس كما‬
‫نريد نحن وكما تقتضي حاجاتنا ومتطلباتنا‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫مراجع مفيدة‬

‫باللغة اإلنجليزية‬

- Azoulay, P., Fons-Rosen, C., Zivin, G. (2015). Dose Science Advance One Funeral at
a Time? NBERWorking Paper No. 21788
- Black, Max, Critical Thinking: An Iintroduction to Logic and Scientific Thinking,
Prentice-Hall, New York 1952.
- Boostrom, R., Developing Creative & Critical Thinking, National Text book, Illinois
1992.
- Butterworth, J. and G. Thwaites,Thinking Skills,CambridgeUniversity Press,
Cambridge 2005.
- Epstien, R., Critical Thinking, Thomson, Belment 2001.
- Fisher, A., Critical Thinking: An Introduction, CambridgeUniversity Press,
Cambridge 2001.
- Hintinkka, J. And J. Bachman, What if….?,Mayfield, California 1991.
- Howson, C., Logic with Trees, Routledge, London 1997.
- Kearns, C., E., and others (2016). Sugar Industry and Coronary Heart Disease
Research; A Historical Analysis of Internal Industry Documents. JAMA Internal
Medicine 176(11): 1680 – 85.
- Layman, S., The Power of Logic, Mayfield, California 1999.
- Leslier, L (2016). The Sugar Conspiracy. The Guardian.
https://www.theguardian.com/society/2016/apr/07/the-sugar-conspiracy-robert-lustig-
john-yudkin
- Lewens, T., (2016). The Meaning of Science: An Introduction to the Philosophy of
Science. London, The Penguin Press.
- Lilienfeld, S., O., and others (2015).Psychology: From Inquiry to Understanding (3rd
Ed). Essex, Pearson.
- Nigel, W., Thinking from A to Z, Routledge, London 1996.
- Patton, L., (2014). Philosophy, Science, and History: a Guide and Reader. London,
Routledge.
- Pigliucci, M. (2010). Nonsense on Stilts: How to Tell Science from Bunk. Chicago,
The University of Chicago Press.

165
‫‪-‬‬ ‫‪Pigliucci, M., &Boudry, M.,(2013), Philosophy of Pseudoscience: Reconsidering the‬‬
‫‪Demarcation Problem . Chicago, The University of Chicago Press.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Ruggiero, V., Becoming a Critical Tinker, Houghton-Mifflin, Boston 2006.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Sokal, A. (2008). Beyond the Hoax: Science, Philosophy and culture. New York,‬‬
‫‪Oxford University Press.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Tarski, A., Introduction to Logic, Dover Publications, Dover 1995.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Trefil, J., (2008). Why Science. Teachers College Press.‬‬

‫باللغة العربية‬

‫‪ -‬إبراهيم الحارثي‪ ،‬تعليم التفكير‪ ،‬الروابط العالمية للنشر‪ ،‬القاهرة‪.2009 ،‬‬


‫‪ -‬إدوارد دي بونو‪ ،‬تعليم التفكير‪ ،‬ت‪ :‬عادل ياسين‪ ،‬مؤسسة الكويت للتقدم العلمي‪،‬‬
‫الكويت‪.1989 ،‬‬
‫‪ -‬إدوارد دي بونو‪ ،‬التفكير العلمي‪ ،‬ت‪ :‬خليل الجيوسي‪ ،‬المجمع الثقافي‪ ،‬أبو ظبي‪.1997 ،‬‬
‫‪ -‬إدوارد دي بونو‪ ،‬التفكير اإلبداعي‪ ،‬ت‪ :‬خليل الجيوسي‪ ،‬المجمع الثقافي‪ ،‬أبو ظبي‪،‬‬
‫‪.1997‬‬
‫‪ -‬البير نصري نادر‪ ،‬المنطق الصوري‪ ،‬بيروت‪ ،‬مكتبة العرفان‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الفرد تارسكي‪ ،‬مقدمة للمنطق‪ ،‬ترجمة عربي إسالم‪ ،‬القاهرة‪.1970 ،‬‬
‫‪ -‬العاني‪ ،‬التفكير النقدي‪ ،‬مهارة القراءة والتفكير المنطقي‪ ،‬دون بارينز‪ ،‬ترجمة سناء العاني‪،‬‬
‫دار الكتاب الجامعي‪ ،‬اإلمارات ‪.2006 ،‬‬
‫‪ -‬جميل صليبا‪ ،‬المنطق‪ ،‬ط‪ ،2‬بيرت‪ ،‬منشورات عويدات‪.1967 ،‬‬
‫‪ -‬حسين علي‪ ،‬المنطق وفن التفكير‪ ،‬الدار المصرية السعودية‪ ،‬القاهرة‪.2005 ،‬‬
‫‪ -‬روبرت ثاوس‪ ،‬التفكير المستقيم والتفكير األعوج‪ ،‬ت‪ :‬حسن الكرمي‪ ،‬سلسلة عالم‬
‫المعرفة‪ ،‬المجلد ‪ ،20‬المجلس األعلى للثقافة والفنون‪ ،‬الكويت‪ ،‬أغسطس ‪.1979‬‬
‫‪ -‬محمد سالم‪ ،‬المنطق وأشكاله‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬اإلسكندرية‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬محمد مهران‪ ،‬مدخل إلى المنطق الصورين دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪.2007 ،‬‬
‫‪ -‬محمد مهران‪ ،‬التفكير العلمي‪ ،‬األسس والمهارات‪ ،‬مكتبة النهضة‪ ،‬القاهرة‪.2007 ،‬‬
‫‪ -‬محمد فتحي الشنيطي‪ ،‬المنطق ومناهج البحث‪ ،‬بيروت‪1969 ،‬م‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫‪ -‬محمد فتحي الشنيطي‪ ،‬أسس المنطق والمنهج العلمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫‪1970‬م‪.‬‬
‫‪ -‬محمود قاسم‪ ،‬المنطق الحديث ومناهج البحث‪ ،‬ط‪ ،5‬القاهرة‪.1967 ،‬‬
‫‪ -‬مهدي فضل هللا‪ ،‬مدخل إلى علم المنطق‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪.1979 ،‬‬
‫‪ -‬فؤاد زكريا‪ ،‬التفكير العلمي‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬المجلد ‪ ،3‬المجلس األعلى للثقافة‬
‫والفنون‪ ،‬الكويت‪ ،‬مارس ‪.1978‬‬
‫‪ -‬كريم متى‪ ،‬المنطق‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة اإلرشاد‪1970 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬المنطق الصوري والرياضي‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪،‬‬
‫‪.1963‬‬
‫‪ -‬عزمي إسالم‪ ،‬االستدالل الصوري‪ ،‬ج‪ ،1‬القاهرة‪.1971 ،‬‬
‫‪ -‬علي سامي النشار‪ ،‬المنطق الصوري‪ ،‬ط‪ ،3‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪.1965 ،‬‬
‫‪ -‬يان لوكاشيفتش‪ ،‬نظرية القياس األرسطية‪ ،‬ترجمة عبد الحميد صبره‪ ،‬اإلسكندرية‪.1961 ،‬‬
‫‪ -‬يحيى هويدي‪ ،‬ما هو علم المنطق‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪.1966 ،‬‬
‫‪ -‬يو‪ ،‬أ‪ .‬بتروف‪ ،‬أبجدية التفكير المنطقي‪ ،‬ت‪ :‬أحمد أبو زيد‪ ،‬دار الشموس‪ ،‬دمشق ‪.1999‬‬

‫‪167‬‬

You might also like