You are on page 1of 5

‫جامعة التكوين المتواصل ‪-‬الجزائر‬

‫فرع علوم انسانية‬


‫وحدة‪ :‬المذاهب الفلسفية الكبرى‬

‫األستاذ المحاضر‪ :‬رابح عيسو‬

‫المحور األول‪ :‬المذهب الواقعي‪.‬‬

‫المحاضرة األولى‪ :‬مفهوم المذهب الواقعي وطبيعة المعرفة فيه‪.‬‬

‫تمهيد‬

‫كلمة الواقعية مشتقة من ‪ Reel‬بمعنى الواقع والحقيقة واستعملت على مر التاريخ بمعاني‬
‫مختلفة‪ :‬الواقعيين هم القائلين بأن للكلي واقعا مستقال عن األفراد (‪ ،)1‬تعني الواقعية أصالة الواقع‬
‫الخارجي‪ ،‬أي ان الواقعية في مقابل المثالية التي تعني أصالة الذهن أو التصور (‪.)2‬‬

‫‪ -1‬مفهوم الفلسفة الواقعية (‪: )Réalisme‬‬


‫تطلق الواقعية (‪ )Le Réalisme‬على مجموع المذاهب التي تتفق على أن لألشياء‬
‫الخارجية (الموضوعات) وجودا عينيا مستقال عن العقل (الذات) الذي يدركها‪ ،‬بل وعن جميع‬
‫أفكار ذلك العقل وأحواله‪ ،‬وأن مختلف المعارف واألفكار التي يتضمنها العقل مطابقة‬
‫لحقائق األشياء المدركة‪ ،‬فليس العالم الخارجي كما هو مدرك في عقولنا إال صورة لهذا‬

‫‪ - 1‬محمد حسين الطباطبائي‪ ،‬أسس الفلسفة والمذهب الواقعي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬تعر‪ .‬محمد عبد المنعم الخاقاني‪ ،‬دار المعارف‬
‫للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪ ،1981 ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.74‬‬

‫‪1‬‬
‫العالم كما هو موجود في الواقع‪ ،‬ومن هنا نقول إن هناك تطابق بين الفكر والموضوع‪ ،‬والمعرفة‬
‫في نهاية المطاف عند الواقعين هي انعكاس العالم الخارجي (الموضوع) على العقل (الذات)‪،‬‬
‫وهكذا تكون الفلسفة الواقعية مناقضة في موقفها ألطروحة الفلسفة المثالية حول مسالة طبيعة‬
‫المعرفة‪ .‬هذا ويمكن التمييز بين نوعين من الواقعية‪.‬‬

‫‪ -2‬طبيعة المعرفة عند الواقعيين ‪:‬‬


‫يعترف الواقعيون بوجود عالم خارجي مستقل عن أي عقل يدركه‪ ،‬وعن جميع أفكار أو‬
‫أحوال ذلك العقل‪ ،‬وليست األمور المدركة في التجربة سوى رموز العقل‪ ،‬ولكنها رموز تدل‬
‫على حقائق خارجية واقعة‪ ،‬وينقسم إلى المذهب الواقعي الساذج‪ ،‬الذي يرى أن األشياء هي‬
‫في حقيقتها كما ندركها بالحس‪ ،‬والمذهب النقدي يرى بأن األشياء هي التي ندركها بالحس ثم‬
‫نمحصها في ضوء ما نعلم من قوانين العلوم الطبيعية (‪.)3‬‬

‫‪ -1 .2‬الواقعية الساذجة (الموقف الطبيعي (‪: )Sens Commun‬‬


‫يعتبر المذهب الواقعي الساذج الحقائق الخارجية أصالً‪ ،‬وأفكارنا عنها صو اًر لها‪ ،‬ويحدد‬
‫العالقة بينهما بأنها عالقة مشابهة أو مماثلة‪ ،‬فاألشياء قد تكون ملونة أو غير ملونة‪ ،‬صامتة‬
‫أو ذات رنين‪ ،‬خشنة الملمس أو ناعمة‪ ،‬لها هذه الصفة الزمانية أو المكانية أو تلك‪ ،‬وكذلك‬
‫تكون أفكارنا صو اًر لكل هذا‪ ،‬وعلى هذا النحو تصور الفالسفة العالم في أقدم صور الفلسفة‬
‫اليونانية‪ ،‬فحاولوا أن يفسروا العالقة بين األشياء الخارجة وأفكارنا عنها بأن هذه األشياء تؤثر‬
‫في الحواس بوساطة ذرات تخرج منها فتقع على أعضاء الحس‪ ،‬وتتأثر أعضاء الحس بها‪،‬‬
‫وتتكون بهذه الطريقة الصور الذهنية (‪.)4‬‬

‫‪ - 3‬أزفلد كوليه‪ ،‬المدخل إلى الفلسفة‪ ،‬تر‪ .‬أبو العال عفيفي‪ ،‬عالم االدب للترجمة والنشر‪ ،‬ط‪ ،2016 1‬بيروت‪ ،‬ص ‪.284‬‬
‫‪ - 4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.289‬‬

‫‪2‬‬
‫تنطلق هذه الفلسفة في تحليل طبيعة المعرفة من موقف االنسان العادي الذي يعتقد أن‬
‫حقيقة األشياء في العالم الخارجي هي الحقيقة ذاتها‪ ،‬وال حقيقة من بعد ذلك‪ ،‬وأن كل ما يعرفه‬
‫عنها هو تجسيد حي لخصائصها‪ ،‬وعليه فهناك تطابق تام ونهائي بين مختلف األفكار‬
‫والتصورات العقلية‪ ،‬وبين مظهر األشياء كما تبدو‪ .‬فمظهر الشيء هو حقيقته وطريق المعرفة‬
‫)‪)T.Reid‬‬ ‫في هذه الفلسفة إنما هو الحواس و هو األمر الذي أكد عليه "توماس ريد"‬
‫(‪ )1796 -1710‬م‪ ،‬بحيث دافع عن الموقف الطبيعي الذي يعتقد اعتقادا دوغماتيا في وجود‬
‫األشياء‪ ،‬وال يشك فيها أبدا ومثال ذلك‪ :‬أن معرفتنا لهذا الكتاب من خالل مظهره هي معرفة‬
‫حقيقية ألنها تتطابق مع خصائصه أو طبيعته الحسية‪.‬‬
‫فالواقعية الساذجة أو الواقعية المباشرة ترى بأن ادعاءاتنا عن العالم تكون صادقة أو خاطئة‬
‫وفق ما هو العالم عليه بشكل مستقل عن ادراكنا له‪ .‬والسبب أنها تضع حواسنا في تالمس‬
‫مباشر مع العالم المادي (‪ .)5‬الواقعية المباشرة تقول إننا ندرك بشكل مباشر وفوري األشياء‬
‫المادية بذاتها (‪.)6‬‬
‫والخالصة أن المعرفة عند دعاة هذه الفلسفة تتسم بالعمومية المطلقة ذلك أن معرفة الطلبة‬
‫مثال لطبيعة الكتاب هي معرفة واحدة ومشتركة‪.‬‬

‫‪ - 2 .2‬الواقعية النقدية ‪: Réalisme Criticisme‬‬


‫تذهب هذه الفلسفة إلى اعتبار أن تصورات اإلنسان عن العالم الخارجي (األشياء‪،‬‬
‫الموضوعات) تتكون من أفكاره وانطباعاته الحسية‪ ،‬إذ يذهب "برتراند رسل" )‪)B. Russell‬‬
‫(‪ (1872-1970‬م‪ ،‬إلى أن عملية المعرفة تبدأ من المعطيات الحسية المباشرة التي نكونها‬
‫عن الشيء (الموضوع) الذي نريد معرفته‪ ،‬وأن المعطيات الحسية يمكن تشمل عدة أشخاص‬

‫‪ - 5‬كريس هورنر‪ ،‬امريس وستاكوت‪ ،‬التفكير فلسفيا‪ ،‬مدخل‪ ،‬تر‪ .‬ليلى الطويل‪ ،‬منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب‪،‬‬
‫دمشق ‪ ،2011‬ص ‪.68‬‬

‫‪ - 6‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.69‬‬

‫‪3‬‬
‫عند معرفتهم للشيء الواحد ألنها عامة‪ ،‬ولكنها قد تخص ذاتا عارفة واحدة وليس في هذا‬
‫تناقض‪ ،‬فاألجسام أو األشياء عامة هي تركيب منطقي لهذه المعطيات‪.‬‬
‫يرى "راسل" بأنه عند تحليل المادة تصبح مجرد مجموعة من االحساسات ترتبط فيما بينها‬
‫بعالقات معينة‪ ،‬ومن ثم تكون «مادة» مجرد رمز يدل على فئة‪ ،‬وتلك الفئة هي مجموعة‬
‫المظاهر التي يتم إدراكها حسيا من عدة زوايا معينة‪ ،‬تتجمع بعد ذلك لتأخذ شكال محددا (‪.)7‬‬

‫قام "راسل" بتحليل الفكر والمعرفة وردهما إلى الوحدات األساسية‪ ،‬فقرر مبدئيا أن الشعور‬
‫ليس شيئا ماديا قائما بذاته‪ ،‬وانما هو مجموعة احداث تلتقي فيها الحواس بالمعطيات الخارجية‬
‫التقاء مباش ار أو غير مباشر‪ ،‬حيث تنتقل هذه المؤثرات من خالل الجهاز العصبي إلى مراكز‬
‫الحواس في المخ‪ ،‬وتتجمع بعد ذلك تلك المدركات الحسية الجزيئة عن طريق عمليات االدراك‬
‫الحسي ال مختلفة لتأخذ شكل أحداث متسلسلة مترابطة‪ ،‬هي التي نطلق عليها اصطالح‬
‫«االدراك» أو «المعرفة»‪ ،‬ويرى راسل أن المعرفة الحقيقية هي تلك التي تتم باإلدراك المباشر‬
‫للمعطيات الحسية الجزئية‪ ،‬أما غير المباشرة فإنها أقل دقة وأضعف قيمة من سابقتها‪ .‬وبالنسبة‬
‫للعقل فقد رده راسل بالتحليل إلى مجموعة أحداث متغيرة تتعدد عالقاتها ببعضها‪ ،‬ومثله في‬
‫ذلك كمثل المادة عند تحليلها تماما (‪.)8‬‬

‫وعلى العموم نقول إن معرفة األشياء (الموضوعات) تقوم من خالل التأليف بين خبراتنا‬
‫الحسية وقدرتنا الحسية أو المنطقية ومنه يكون رسل بدوره قد وقف موقفا وسطيا – معتدال من‬
‫مسألة طبيعة المعرفة على غرار األلماني كانط‪ ،‬ونزع صفة السذاجة عن الفلسفة الواقعية‪،‬‬
‫ومنحها بعدا عقليا‪ ،‬ولكنها رغم ذلك تبقى تدور في فلك التيار الواقعي العام‪.‬‬

‫‪ - 7‬سماح رافع محمد‪ ،‬المذاهب الفلسفية المعاصرة‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬ط‪ ،1973 1‬ص ‪.88‬‬

‫‪ - 8‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.90-89‬‬

‫‪4‬‬
‫االستنتاج‪:‬‬
‫خالصة القول إن الفلسفة الواقعية هي تلك الفلسفة التي تقول إن لألشياء الخارجية‬
‫(الموضوعات) وجودا عينيا مستقال عن العقل أو الذات العارفة التي تدركها‪ ،‬بل وعن جميع‬
‫أفكار ذلك العقل وأحواله‪ ،‬وأن مختلف المعارف واألفكار التي يتضمنها العقل مطابقة لحقائق‬
‫األشياء المدركة‪ ،‬ف ليس العالم الخارجي كما هو مدرك في عقولنا إال صورة لهذا العالم كما هو‬
‫موجود في الواقع‪.‬‬

‫‪5‬‬

You might also like