You are on page 1of 5

‫جامعة التكوين المتواصل ‪-‬الجزائر‬

‫فرع علوم انسانية‬

‫وحدة‪ :‬المذاهب الفلسفية الكبرى‬

‫األستاذ المحاضر‪ :‬رابح عيسو‬

‫المحور الثاني‪ :‬المذهب العقلي‪.‬‬

‫محاضرة ‪ :‬المذهب العقلي‪.‬‬

‫تمهيد‬
‫يعرف كل متتبعي الحركة العقلية أن المذهب العقلي في العصر الحاضر كان له دو ار‬
‫بار از في قيادة العقل البشري إلى الهدى والرشاد المؤسسين على الحجة والبرهان‪ ،‬ال على‬
‫العاطفة والشعور‪ ،‬وبعيدا عن كل تلك المناهج التي حددتها الفلسفة القديمة‪ ،‬والتي خضعت‬
‫لها اإلنسانية قرون عدة‪ ،‬في حين ان هذا االتجاه جعل الفلسفة القديمة منتجة وإزالة‬
‫الغموض‪ ،‬فما مفهوم المذهب العقلي ومن هو رائده؟‬

‫‪ -1‬مفهوم المذهب العقلي ‪:‬‬

‫تطلق العقالنية )‪ (Le Rationalisme‬على التيار الفلسفي الذي يقر أن العقل هو‬
‫مصدر المعرفة الحقيقية‪ ،‬وترفض العقالنية كل ما هو مخالف للعقل أو ما يعجز العقل عن‬
‫تفسيره‪ ،‬ويتمسك رواد هذا المذهب بالقول إن العقل وهو قوة أو ملكة )‪ (Faculté‬فطرية تضم‬
‫العديد من المبادئ البعيدة عن التجربة والخرافة تتمثل في‪ :‬مبدأ الهوية‪ ،‬مبدأ عدم التناقض‪،‬‬
‫ومبدأ الثالث المرفوع‪ ،‬ومبدأ السببية ‪ ...‬الخ‪ ،‬هذه المبادئ وغيرها من المبادئ‪ :‬فطرية ‪-‬عامة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬كلية‪ ،‬مطلقة‪ ،‬ضرورية (‪ .)1‬وهي ليست محل اكتساب تجريبي‪ ،‬وإنما هي قائمة في العقل‬
‫منذ نشأته‪ ،‬وعليه تصبح األوليات أو البديهيات العقلية حقائق واضحة بذاتها‪ ،‬ومن ثمة كانت‬
‫صادقة في كل زمان ومكان‪ .‬ويعتبر أب الفلسفة الحديثة رينيه ديكارت ‪René Descartes‬‬
‫(‪ )1650-1596‬مؤسس المذهب العقالني في الفلسفة األوروبية الحديثة‪ ،‬ألنه رد للعقل‬
‫سلطته الحقيقية بعد تهديمها من طرف المدرسة الشكية‪ ،‬كما رفض ديكارت السلطة الدينية‬
‫التي فرضتها الكنيسة‪ ،‬ورفض ديكارت النسق األرسطي كمصدر من مصادر المعرفة‪ ،‬وقام‬
‫برد الحقيقة وكل الحقيقة الى العقل وحده‪ ،‬جاعال من البداهة والوضوح معيا ار للخطأ والصواب‪.‬‬
‫يلخص ديكارت أسلوب المعرفة العقالنية من خالل عمليتين عقليتين محضتين هما الحدس‬
‫واالستنباط (‪ .)2‬والحدس عند ديكارت ليس المقصود به شهادة الحواس المتغيرة وال الحكم الخداع‬
‫الناشئ عن الخيال المشوش بالطبع‪ ،‬وإنما المقصود به إدراك العقل المتنبه أي اإلدراك الواضح‬
‫المتميز إلى حد أال يبدي للعقل أي مجال للشك فيما يفهم‪ ،‬أو هو اإلدراك البديهي للعقل السليم‬
‫المتنبه‪ ،‬وهو اإلدراك الذي ينشأ من نور العقل وحده والذي هو أشد يقينا من االستنباط ألنه‬
‫أبسط منه (‪.)3‬‬

‫لقد وضع في كتابه حديث الطريقة (‪ )Discours de la méthode‬أربع قواعد أبانها‬


‫وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬المقصود بكلية مبادئ العقل أنها انها مشتركة بين جميع الناس‪ ،‬ومطلقة تعني أنها ال تتغير بتغير الزمان والمكان‪ ،‬وهي‬
‫ضرورية معناها انها واضحة بذاتها ذات نتيجة حتمية عامة‪.‬‬
‫‪ -2‬الحدس هو الرؤية العقلية المباشرة التي يدرك بها الذهن بعض الحقائق دون وسائط فمعرفتي لنتيجة العملية الحسابية‬
‫التالية ‪ 2 = 1 + 1‬ال يحتاج إلى عمليات عقلية معقدة ونفس األمر بالنسبة لحدوسنا الحسية والنفسية‪ ،‬كما يعتبر الحدس‬
‫نظرة عقلية تبلغ من الوضوح والتمييز تجعلها بعيدة عن الشك‪ ،‬في حين أن االستنباط هو عبارة عن استدالل نستخلص فيه‬
‫النتائج من المقدمات أو هو انتقال الفكر من المقدمات العامة الى النتائج الجزئية وهو عكس االستقراء‪.‬‬
‫‪ -3‬محمد غالب‪ ،‬المذاهب الفلسفية العظمى في العصور الحديثة‪ ،‬دار احياء الكتب العربية‪ ،1948 ،‬ص ‪.75‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -1‬قاعدة اليقين (البداهة)‪ :‬أال أقبل البتة كحق أي شيء‪ ،‬ما لم أكن قد عرفت بوضوح أنه‬
‫كذلك‪ ،‬أي‪ ،‬أن أتجنب بعناية االندفاع والتسرع في الحكم‪ ،‬وأال أدخل في أحكامي إال ما يتمثل‬
‫(‪.)1‬‬
‫في عقلي بجالء وتميز بحيث ال تكون لدي ألية فرصة لوضعه موضع الشك‬

‫‪ -2‬قاعدة التحليل‪ :‬أن أجزئ كل واحدة من المعضالت التي أختبرها إلى القدر الممكن من‬
‫األجزاء‪ ،‬والذي هو من الضروري لحلها على أكمل الوجوه (‪.)2‬‬

‫‪ -3‬قاعدة التركيب‪ :‬أن أسير أفكاري بنظام مبتدئا باألشياء األكثر بساطة وسهولة في المعرفة‪،‬‬
‫ألصعد قليال في تدرج إلى معرفة األكثر تركيبا‪ ،‬وأن أفرض نظاما حتى بين األشياء التي ال‬
‫تتابع بعضها بعضا بالطبع (‪.)3‬‬

‫‪ -4‬قاعدة االستقراء (اإلحصاء)‪ :‬أن أجري إحصاءات كاملة‪ ،‬ومراجعات تامة تجعلني أتحقق‬
‫من أني لم أغفل شيئا (‪.)4‬‬

‫وعلى العموم فاإلنسان في اعتقاد ديكارت إذا استطاع أن يسلك قواعد المنهج يطبقها مع‬
‫استخدام كل من الحدس واالستنباط في ثنايا المنهج فانه حتما سيصل الى المعرفة اليقينية‪.‬‬
‫يرى ديكارت أن العقل هو الذي يتجه من الفكر إلى األشياء‪ ،‬ال من األشياء إلى الفكر‪،‬‬
‫وبأن معرفة الكائنات عن طريق فكرها سابقة على فرض وجودها أو الجزم به‪ ،‬وبأن الفكرة‬
‫وحدها هي التي تقدم إلينا هذه الميزة الكبرى التي يستمتع بها الكائن‪ ،‬وهي أنه حقيقة يمكن‬
‫إدراكها بطريقة مباشرة (‪.)5‬‬

‫‪ -1‬رونيه ديكارت‪ ،‬حديث الطريقة‪ ،‬تر‪ .‬عمر الشارني‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ ،2008 ،‬ص‬
‫‪.96-94‬‬
‫‪ -2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.98-97‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.100-98‬‬
‫‪ -4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.102-101‬‬
‫‪ -5‬محمد غالب‪ ،‬المرجع السابق نفسه‪ ،‬ص ‪.82‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ – 2‬مآخذ على العقالنية ‪:‬‬

‫هناك بعض المالحظات على المذهب العقالني سيما عند ديكارت يمكن تلخيصها فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -‬وصف ديكارت األفكار الفطرية بالوضوح والتميز والجالء‪ ،‬ووثق في قدرة العقل على‬
‫اكتشاف الحقيقة أو رؤيتها من تلقاء نفسه‪ ،‬لكن تلك الثقة في حاجة إلى إيضاح‪ ،‬فالناس ليسوا‬
‫بقادرين على التفكير الواضح إال إذا كان هناك معيار خارجي لهذا الوضوح والتميز‪.‬‬
‫نرد هنا مثاال نقد ليبنتز ‪ )1716-1646( Leibniz‬لديكارت على أنه البد من التمييز بين‬
‫الجالء الحق والجالء الزائف حتى ال يكون العقل قد أضل أثناء نظره في قضية بوساطة جالء‬
‫زائف‪ ،‬فديكارت في قاعدته هذه يشبه أحد الكيميائيين األقدمين على حسب ليبنتز‪ ،‬إذ قال‬
‫لتلميذه يوما‪ :‬خذ ما يجب أخذه‪ ،‬وأعمل فيه ما يجب عمله‪ ،‬فإنك ستظفر بما تشتهيه‪ .‬وهكذا‬
‫ديكارت حين يقول‪ :‬ال تقبل إال ما هو جلي (أي ال نقبل إال ما يجب قبوله) وقسم المشكلة إلى‬
‫أجزائها الضرورية (أي اعمل ما يجب عمله) ورتب اجزاءها ترتيبا تاما (أي رتب الترتيب الذي‬
‫يجب)‪ .‬ويختم ليبنتز نقده بهذه العبارة‪« :‬ها هو ذا المنهج الشهير الذي يقدم إلينا بدل الكنز‬
‫فحما»(‪.)1‬‬

‫‪ -‬أقام ديكارت نسقه الفلسفي على أساس من الشك‪ ،‬وبصفة خاصة الشك المنهجي لكن شكه‬
‫هذا ليس واقعيا‪ ،‬فليس من المعقول أن يلقي اإلنسان وراء ظهره بكل أرائه ومعتقداته ليبدأ‬
‫بمفرده الطريق من جديد‪ ،‬إنه شك خيالي فلو كان واقعيا لصدر من واقعة معينة وأمام موقف‬
‫معين‪.‬‬

‫‪ -1‬محمد غالب‪ ،‬المرجع السابق نفسه‪ ،‬ص ‪.103-102‬‬

‫‪4‬‬
‫‪-‬ذهب ديكارت إلى أن الضامن للمعرفة والحقيقة والعلم هو هللا بيد أن هذا الضامن قد‬
‫يكون محل نظر ومناقشة‪ ،‬فقد يؤمن اإلنسان بوجود هللا‪ ،‬ولكنه ال يسلم بأن الوجود اإللهي‬
‫يتدخل في وضوح أفكاره وتميزها‪.‬‬

‫االستنتاج‪:‬‬

‫يمكن القول في األخير أن العقالنية هي االتجاه الفلسفي الذي يقر أن العقل هو مصدر‬
‫المعرفة الحقيقية‪ ،‬وبالتالي ترفض العقالنية كل ما هو مخالف للعقل أو ما يعجز العقل عن‬
‫تفسيره‪ ،‬وتقوم هذه الفلسفة على القول إن العقل قوة أو ملكة فطرية تضم العديد من المبادئ‬
‫البعيدة عن التجربة والخرافة تتمثل في‪ :‬مبدأ الهوية‪ ،‬مبدأ عدم التناقض‪ ،‬ومبدأ الثالث المرفوع‪،‬‬
‫ومبدأ السببية ‪...‬الخ‪ ،‬تتميز هذه المبادئ بكونها‪ :‬فطرية‪ ،‬عامة ‪ -‬كلية‪ ،‬مطلقة‪ ،‬ضرورية‪.‬‬

‫‪5‬‬

You might also like