You are on page 1of 7

‫جامعة التكوين المتواصل ‪-‬الجزائر‬

‫فرع علوم انسانية‬


‫وحدة‪ :‬المذاهب الفلسفية الكبرى‬

‫األستاذ المحاضر‪ :‬رابح عيسو‬

‫المحور األول‪ :‬المذهب الوجودي‪.‬‬

‫المحاضرة األولى‪ :‬مفهوم المذهب الوجودي وخصائص فلسفته‪.‬‬

‫تمهيد‬

‫كان طغيان االتجاه المادي التجريبي مع السيطرة العقلية الصارمة‪ ،‬سببا في حدوث رد‬
‫فعل مضاد تمثل في التيار الروحي المعاصر‪ .‬وقد تكرر نفس الوضع مرة أخرى عندما اتسع‬
‫نطاق التحليل الرياضي والتجريب العلمي‪ ،‬وامتدت جذورها إلى كافة الميادين الطبيعية‬
‫واإلنسانية أيضا‪ ،‬األمر الذي أدى إلى محو إنسانية االنسان الحي‪ ،‬والقضاء على طبيعته‬
‫الحيوية التي ال يصح اخضاعها للتحليل الرياضي الصوري‪ ،‬وال يمكن تطويعها للتجريب اآللي‪،‬‬
‫ألن االنسان في جوهره واقع بشري متطور‪ ،‬كما أن التجربة اإلنسانية في حقيقتها ليست جامدة‬
‫مثل الطبيعة‪ ،‬وإنما هي تجربة نابضة حية‪ ،‬لها خصائص مغايرة تماما لغيرها من الظواهر‬
‫األخرى‪ ،‬لهذا فإن استخدام مناهج التحليل الرياضي وطرق البحث العلمي في دراسة االنسان‬
‫يعني بالضرورة أن يصبح االنسان مجرد آلة أو شيء دون أن يكون انسانا‪.‬‬

‫كان الفيلسوف الدانماركي سورين كيركجارد ‪ )1855-1813( Soren Kierkegaard‬أول‬


‫من تنب ه إلى أن أساس الوجودية هو الرجوع إلى التجربة اإلنسانية الفردية الحية التي تتمتع‬
‫باستقالل ذاتي وبخصوبة ال نظير لها في الكائنات األخرى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ومن جملة العوامل التي أدت إلى ظهور االتجاه اإلنساني الوجودي‪ ،‬هي ظروف المجتمع‬
‫األوروبي من حربين عالميتين وما نتج عنهما من انتصار البعض وانهزام البعض اآلخر‪،‬‬
‫وأصبحت مشكلة حياة االنسان ومصيره مجاال لتامل الفالسفة ومحاولتهم للبحث عن حلول‬
‫لها(‪.)1‬‬

‫‪ -1‬مفهوم المذهب الوجودي ‪:‬‬

‫الوجود مفهوم فلسفي يقصد به مطلق الواقع ويقابله العدم‪ ،‬سواء كان الواقع ماديا‪ ،‬أو‬
‫مجردا‪ ،‬أو ذوات‪ ،‬أو حاالت‪ ،‬وينبغي أال نخلط بين مفهوم الوجود وبين مصادقاته‪ ،‬فهو يطلق‬
‫بمعنى مشترك بين موجودات مختلفة في حقائقها وماهياتها (‪،)2‬‬
‫نشير إلى أن هذا المفهوم للوجود‪ ،‬هو المشكل الذي أثاره الفيلسوف األلماني مارتن هيدغر‬
‫‪ )1976-1889( Martin Heidegger‬وانتهى إلى انه مفهوم بالبداهة المطلقة‪ ،‬وأنه أكثر‬
‫المفاهيم بداهة وأوالها وضوحا على االطالق وانه مفهوم رئيسي ترجع إليه كل المفاهيم‪ ،‬وال‬
‫تفهم دونه‪ ،‬ولكن وضوحه كما يبدو في حياتنا اليومية ليس معناه أنه واضح فلسفيا بالبداهة‬
‫على العكس‪ ،‬فإنه يبقى في الظالم‪ ،‬وكان هم هيدغر الفلسفي كله هو ان يحمل هذا المفهوم‬
‫المظلم الغامض إلى النور والوضوح‪ ،‬وأن يجلي معناه ولذلك سمي وجوديا (‪.)3‬‬

‫‪ - 1‬سماح رافع محمد‪ ،‬المذاهب الفلسفية المعاصرة‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬ط‪ ،1973 ،1‬ص ‪.116‬‬
‫‪ - 2‬عمار طالبي‪ ،‬مدخل إلى عالم الفلسفة‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪.298‬‬

‫‪ - 3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.299‬‬

‫‪2‬‬
‫المذهب الوجودي مذهب فلسفي معاصر (‪ ،)1‬أو هو تلك النزعة الفكرية التي سيطرت على‬
‫الفلسفة الفرنسية خالل الحرب العالمية الثانية وما بعدها‪ ،‬وقد تحددت معالم تلك الفلسفة بظهور‬
‫كتابين األول «الوجود والزمان» للفيلسوف األلماني مارتن هيدغر في عام ‪،1927‬‬
‫كان الغرض من كتابه هو معالجة معنى الوجود‪ ،‬وحسب رأيه أن مفهوم الوجود أعمق المفاهيم‬
‫على االطالق‪ ،‬وميز بين الوجود والموجود‪ ،‬وذهب إلى أن الوجود هو الذي يحدد الموجود‬
‫ويعينه‪ ،‬ولكي نفهم الوجود ال بد أن نبدأ بالموجود في ذاته‪ ،‬ونقطة البدء عنده إنما هو الموجود‪،‬‬
‫والموجود االنسان الذي يسميه ‪ Dasein‬الموجود‪-‬هناك‪ ،‬ولم يتجاوز هيدغر مستوى تحليل‬
‫الموجود وأنه من العدم يأتي كل موجود (‪.)2‬‬
‫والثاني «الوجود والعدم» للفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر عام ‪ .1943‬ولقد انتقلت الفلسفة‬
‫بفضل هاذين الكتابين من دراسة الوجود المجرد إلى دراسة الوجود اإلنساني المشخص في‬
‫وجوده الحسي‪ .‬يفهم من هذا أن الوجودية تهتم بالوجود المشخص‪ ،‬فهي بهذا تختلف عن غيرها‬
‫من الفلسفات التي تبحث في الماهية‪.‬‬

‫‪ -2‬نوعا الوجود عند الوجوديين ‪:‬‬

‫يميز الوجوديون بين نوعين من الوجود هما‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الوجود في ذاته‪ ،‬ويمثل وجود األشياء والعالم المادي والظواهر المرتبطة به‪ ،‬وهو وجود‬
‫مليء غير فارغ‪ ،‬كما أنه وجود ال تسبقه الماهية دائما‪.‬‬

‫‪ - 1‬على الرغم من أن الوجودية من أحدث المذاهب الفلسفية إال أنها في الوقت ذاته أقدمها إذ أنها نشأت مع وجود اإلنسان‬
‫وصاحبت إحساسه بالذات) ينظر راوية عبد المنعم وعباس عطيتو‪ ،‬من قضايا الفلسفة‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬ط ‪ ،2014 ،1‬ص‬
‫‪.).22‬‬
‫‪ - 2‬عمار طالبي‪ ،‬مدخل إلى عالم الفلسفة‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪.320‬‬

‫‪3‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الوجود لذاته‪ ،‬ويمثل الشعور الحي أو الذات أو االنسان عامة‪ ،‬وهو شعور بالنقص‪،‬‬
‫يسعى صاحبه إلكماله دائما وبناء ماهيته بنفسه‪.‬‬

‫يضيف سارتر نوعا ثالثا وهو الوجود للغير‪ ،‬وهو نفسه الشعور الذاتي السابق لكن في ارتباطه‬
‫باآلخرين‪ ،‬ألن الذات ليست موجودة وحدها في هذا العالم‪ ،‬وإنما ترتبط مع اآلخرين بعالقات‬
‫متعددة‪ ،‬وهناك صراع مستمر بين الوجود للذات والوجود للغير‪ ،‬فالثاني يحاول اجتذاب األول‬
‫إلى مجال اآلخرين‪ ،‬بينما تسعى الذات السترداد ذاتيتها من هذا الجانب اآلخر (‪.)1‬‬

‫‪ -3‬خصائص الفلسفة الوجودية ‪:‬‬

‫‪ -‬يبدأ هذا النمط من التفلسف من اإلنسان باعتباره موجودا أكثر من اعتباره مفك ار ومن هنا‬

‫يصرح جون بول سارتر أن اإلنسان يوجد أوالً ثم يحدد ماهيته بإرادته فهو بهذا وجود لذاته‪.‬‬
‫مما يدل أنه من النوع الذي يسبق فيه " الوجود الماهية" على حد تعبير سارتر‪.‬‬

‫‪ -‬ناقش فالسفة الوجودية على اختالفهم موضوعات مثل الحرية والمسؤولية القلق االغتراب‬
‫‪ ...‬كما اهتموا بالحياة العاطفية لإلنسان الذي لم يناقش بالكيفية الواضحة في الفلسفات السابقة‪.‬‬

‫‪ -‬الوجوديون من أشد أعداء المعرفة العقلية إذ العقل عندهم ال يوصل إلى معرفة حقيقية‪.‬‬

‫فالمعرفة ال تتأتى إال عن طريق ممارسة الواقع والتي تعني عندهم ممارسة تجربة القلق‪.‬‬

‫‪ -‬ترفض الفلسفة الوجودية أن يكون للفيلسوف بداية لنسقه الفلسفي‪ ،‬وتدعو إلى الحرية‬

‫المطلقة في إبداء الرأي وما سوف يترتب على ذلك من تحرر فكري يقوم على الحرية المطلقة‬
‫التي ترتبط بقيود‪.‬‬

‫‪ - 1‬سماح رافع محمد‪ ،‬المذاهب الفلسفية المعاصرة‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬ط‪ ،1973 ،1‬ص ‪.131-130‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬يربط الفالسفة الوجوديون القيم والمبادئ بالذات المتشخصة ولهذا فإنهم يرفضون القيم‬
‫والمبادئ التي نادى بها الفالسفة ورجال الدين من قبلهم مثل أفالطون وأرسطو‪.‬‬

‫‪ -‬الفلسفة الوجودية هي التحام فكر اإلنسان مع الوجود الذي يمثل منبع الحياة فهي فلسفة‬

‫اإلنسان في مواجهة الوجود‪.‬‬

‫يقابل سارتر بين وجود الشيء الفعلي من جهة‪ ،‬وبين ماهيته أو مجموعة صفاته الجوهرية‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬حيث يرتبط كل منهما باآلخر واقعيا‪ ،‬حيث يرى أن األشياء الجامدة والمصنوعة‬
‫تكون ماهيتها أسبق من وجودها‪ ،‬وضرب مثال لذلك بعملية اخراج سكين أو كتاب إلى الوجود‪،‬‬
‫فالصانع حدد في ذهنه ماهية هذا الشيء‪ ،‬كما اتضحت صفاته الجوهرية في عقله‪ ،‬والتي بناء‬
‫عليها تم اخراج هذا الشيء إلى الوجود‪ ،‬ومن ثم تكون الماهية هنا أسبق من الوجود‪ ،‬وهي التي‬
‫أدت بالشيء إلى الخروج إلى الواقع‪ ،‬حيث ال يمكن لهذا الشيء بعد ذلك أن يضيف لنفسه‬
‫ماهيات أو صفات جديدة‪ .‬لكن االنسان هو الكائن الوحيد العاقل الذي سبق وجوده ماهيته‪،‬‬
‫وهو في هذا يخالف نظرية الفالسفة المثاليين في القرون السابقة‪ ،‬خاصة ديكارت(‪.)1‬‬

‫يقرر سارتر أن االنسان في أصل وجوده مجرد مشروع‪ ،‬يحدد هو نفسه خصائصه وصفاته‬
‫وماهيته التي يريدها لنفسه‪ ،‬والتي يعمل على تنفيذها في حياته‪ ،‬كأن يريد أن يكون شجاعا أو‬
‫جبانا‪ ،‬عالما أو جاهال‪ ،‬خي ار أو شريرا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫إذن أسبقية الوجود على الماهية تعني بالضرورة أن االنسان حر في حياته وفي اختيار صفاته‪،‬‬
‫وهذا االختيار تأكيد إلنسانية االنسان (‪.)2‬‬

‫يمكن بعد ذلك إيجاز آراء سارتر السابقة في بضع كلمات‪ :‬بما ان وجود االنسان أسبق‬
‫من ماهيته‪ ،‬إذن فاإلنسان حر في اختيار صفاته وخصائصه‪ ،‬لكنه يجب أن يلتزم في هذا‬

‫‪ - 1‬سماح رافع محمد‪ ،‬المذاهب الفلسفية المعاصرة‪ ،‬ص ‪.128-127‬‬


‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.129‬‬

‫‪5‬‬
‫االختيار الذي سوف يكون اختيا ار لإلنسانية جمعاء‪ ،‬ومن هنا ارتبط بالخرية واالختيار الشعور‬
‫بالمسؤولية وما يترتب عليها من قلق هدفه البناء والعمل‪ .‬وهكذا أصبح االنسان محكوما عليه‬
‫بالحرية وبكل ما يترتب عليها من نتائج ال يستطيع ان يتخلص منها اطالقا‪.‬‬

‫‪ -4‬رواد الوجودية ‪:‬‬

‫‪ -‬سورين كيركجارد ‪ ،)1855-1813( Soren Kierkegaard‬فيلسوف دنماركي‪ ،‬يعتبر‬


‫األب الحقيقي للفلسفة الوجودية‪ ،‬يقال إنه كان تلميذا لهيغل لكنه ثار فيما بعد على فلسفته‬
‫النظرية‪ ،‬كما يعتبر أول وجودي مؤمن‪ .‬يؤمن أن اإليمان الصحيح يكون مبنيا على العاطفة‬
‫وليس على الفكر‪ ،‬فيرفض بهذا اإليمان باهلل على الطريقة العقلية أو الحسية‪.‬‬

‫‪ -‬كارل ياسبرس ‪ ،)1969-1883( Karl Jaspers‬فيلسوف ألماني رفض في البداية لقب‬


‫الفيلسوف الوجودي‪ ،‬كان طبيبا‪ .‬في سنة ‪ 1933‬أصدر كتابه «الفلسفة» في ثالث مجلدات‪،‬‬
‫كما كتب الكثير في موضوع الوجودية بطريقة كيركجارد ال بطريقة اإللحاد‪ .‬من أهم مؤلفاته‬
‫الفلسفة ‪ ،1932‬الموقف الروحي لعصرنا‪ ،‬فلسفة الوجود‪.‬‬

‫‪ -‬جون بول سارتر‪ ،)1980-1905( Jean Paul Sartre‬فيلسوف وكاتب فرنسي‪ ،‬أدخل‬
‫لفرنسا الوجودية والفينومينولوجية (الظواهرية) بسبب كتبه «التخيل»‪« ،‬تعالي األنا»‪« ،‬مشروع‬
‫نظرية في االنفعاالت»‪ ،‬من أهم مؤلفاته‪« ،‬الوجود والعدم» (‪« ،)1943‬نقد العقل الجدلي»‬
‫عام (‪.)1960‬‬

‫يرى الوجوديين األوروبيين أن الوجود متقدم على الماهية‪ ،‬والماهية الحقة وهي مشروع‬
‫وصيرورة يمكن أال تتحقق إذا فشل االنسان في مشروعه وتحقيق ماهيته باختياره وفعله‪ ،‬يرى‬
‫سارتر أن ليس لإلنسان ماهية‪ ،‬وال طبيعة خاصة معينة كما للصخرة مثال أو للماء أو للتراب‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫فهو وجود ال ماهية له‪ ،‬يعطي له الوجود وهو يحقق ماهيته وأساس ذلك حرية االنسان‪،‬‬
‫واختياره(‪.)1‬‬

‫االستنتاج‪:‬‬

‫نخرج في آخر المطاف أن الوجودية أسلوب في التفلسف يبدأ من اإلنسان ال من الطبيعة‪،‬‬


‫فهي فلسفة عن الذات أكثر منها فلسفة عن الموضوع‪ .‬والذات عند الفيلسوف الوجودي هي‬
‫الموجود في نطاق تواجده الكامل فهو ليس ذاتا مفكرة فقط كما في المذهب المثالي‪ ،‬وإنما هذه‬
‫الذات تأخد المبادرة في الفعل وتكون مرك از للشعور والوجدان‪ ،‬مما يعني أن ما تحاول الوجودية‬
‫التعبير عنه هو هذا المدى الكامل من الوجود الذي يعرف مباشرة وعلى نحو عيني في فعل‬
‫التواجد نفسه‪.‬‬

‫‪ - 1‬عمار طالبي‪ ،‬مدخل إلى عالم الفلسفة‪ ،‬ص ‪.319-318‬‬

‫‪7‬‬

You might also like