Professional Documents
Culture Documents
2022/2021
املحاضرة األولى:
النظرية الوظيفية:
مفهوم الوظيفة :لم يأخذ مصطلح وظيفة مضامينه ومواصفاته التي عرفها إال في الربع األخير من القرن
التاسع عشر خاصة بعد التطور الذي أحرزه علم األحياء على يد دارون وقد تطور مصطلح الوظيفة
ُ
ومفهومه في الفلسفة وعلم االجتماع من خالل النظرة للمجتمع؛ إذ نظر إلى املجتمع على أنه نسق طبيعي
ً ً ً
بوصفه كائنا عضويا طبيعيا ،ونظر إلى علم االجتماع على أنه علم وظيفي بشكل ما ،جوهره التحليل
الوظيفي وربط الجزء بالكل ،وقد توفر عند جميع علماء االجتماع دراسة املجتمع وتحليله ،باختالف
ً
نوازعهم من مونتي إلى مونتسكيو وصوال إلى علماء األنثروبولوجيا( .ملحم أبو حمدان)2017،
رواد الوظيفية التقليدية:
إميل دوركهايم (:)1917-1858
يعد األب الشرعي للوظيفية في علم االجتماع ،فهويستخدم مصطلح «الوظيفية» بمعنيين مختلفين:
األول يشير إلى وجود نسق من الحركات الحيوية الضرورية لحياة الكائن العضوي ،أما الثاني فيعبر عن
ً
العالقة التي تربط بين تلك الحركات الحيوية وبين حاجات الكائن العضوي ،فيتكلم مثال عن «وظيفة
الهضم» و«وظيفة التنفس» .ينتمي دوركايم إلى االتجاه املحافظ ألنه يبحث عن تحقيق التكامل واالستقرار
ويتفادى الصراع .انحاز دوركايم للواقع الفكري واالجتماعي للبرجوازية حسب منتقديه .وهو يؤكد على
أهمية التساند الوظيفي بين النظم االجتماعية واستقاللها عن العواطف واالتجاهات الشخصية .مثال:
يشبه النظام القانوني في املجتمع بوظيفة الجهازالعصبي للكائن الحي.
دوركايهم كونت
سلطة الضمير فكرة االتساق العام
الجمعي Consensus
Collective Mind Universalis
دوركايهم:
ضرورة إعادة بناء
المجتمع= اعادة بناء كيف يمكن أن نحمي
التماسك االخالقي=النظام المجتمع من االنهيار؟
العام= التضامن= سلطة
الضمير الجمعي.
أ) عناصرالفكرالوظيفي الدوركايمي:
هو فكر ضد النزعة الفردية ويؤكد على البيئة االجتماعية وأسبقية املجتمع على الفرد وعدم
إمكانية هدم املجتمع( .يعارض كونت في نفي الدين من الحياة االجتماعية) .دراسة الدين بطريقة
علمية .تعتبر هذه العناصر بمثابة بوادر االتجاه الوظيفي الذي بدأ يشق طريقه بثبات( .خلف:2009،
)61
.1الطابع املحافظ لتصور املجتمع عكس فكرالتنوير.
.2اعتماد الفرد سيكولوجيا وأخالقيا على املجتمع (الخضوع للقوانين االجتماعية).
.3تأثره باالنثروبولوجيا االنجليزية.
.4الدور الهام للقيم الروحية والدينية في املجتمع.
.5الدين يقوم بوظيفة حفظ املقدسات االجتماعية.
.6ال يفصل فكرة االلوهية عن املجتمع وهي فكرة معاكسة للعلمانية.
.7فكرة االلوهية تستلزم الروح الجمعية ( الضميرالجمعي).
.8املجتمع هو السلطة األخالقية العليا (القواعد وااللتزامات).
.9تؤدي النظم االجتماعية عند دوركايم وظائف عضوية في املجتمع وهي موجودة قبل وجود األفراد
(الدين،األسرة ،الطبقات ،الدولة...الخ)
.10وهو يرى أنه ال يمكن هدم املجتمع وبنائه من جديد.
ب) تقسيم دوركايم للمجتمع:
.1املجتمع اآللي امليكانيكي :التضامن ميكانيكي .يتصف بظهور العقل الجمعي وال يوجد تمايزفي وظائف
الناس ( العرف ينظم روابط القرابة والصداقة والجوار) وهو خاص باملجتمعات البدائية أو
املتخلفة.
.2مجتمع يسوده التماسك العضوي ويظهر فيه التخصص وتقسيم العمل ( القانون يحافظ على
النظام االجتماعي)
.3يسود املجتمع املعقد أو الحديث.
هنالك بعض األسئلة التي حاول دوركهايم التطرق لها وهي( :خلف)63 :2009،
-مم يتكون املجتمع؟ يتكون املجتمع عند دوركايهم من نظم متعددة والنظام االجتماعي هو جماعة من
الناس تنتظم حول هدف أو أهداف محددة ،ويمكن تقسيم النظم إلى أربعة انساق فرعية:
-النسق الفرعي االقتصادي (املصانع ،اإلدارات)...
-النسق الفرعي السياس ي (األحزاب السياسية)...
-النسق الفرعي القرابي (األسرة)...
-النسق الثقافية (املدارس ،دور العبادة)...
-النسق االجتماعي.
-كيف يقوم املجتمع بأداء وظائفه؟ يرى الوظيفيون أن املجتمع يعمل بطريقة مماثلة لقيام الكائن الحي
بوظائفه ،ويشارإلى هذه املقارنة باملماثلة البيولوجية )(l’analogie biologique
-ملاذا تكون بعض الجماعات في املجتمع أكثر قوة من جماعات أخرى؟ يقول الوظيفيون بضرورة أن
يكون بعض األفراد والجماعات أكثرقوة من غيرهم التخاذ القرارات املهمة ،وبالتالي ضرورة وجود قادة
في التنظيمات وفي املجتمع.
-ما الذي يسبب التغيراالجتماعي؟ يعتبرالتغيراالجتماعي عند الوظيفيين ضرورة فقط ،ولذلك يرتبط
عندهم بالتكيف والتكامل .فعندما يتعرض النسق لعوامل دخيلة أوجديدة وجب عليه التكيف معها،
وعندما يصبح هذا العامل جزءا من النظام يحدث التكامل؛ وبالتالي يعتبر التغير الوظيفي تطوري
وتدريجي وليس صراعي أو ثوري.
ّ
-هل املجتمع بطبيعته في حالة توازن أم صراع؟ يعتبر الوظيفيون أن توازن النظام أمر طبيعي في
املجتمع ،أما الصراع فيعتبرونه كاملرض في الكائنات الحية ،وأساس التوازن االجتماعي عندهم وجود
إجماع أخالقي حول القيم االجتماعية.
-ما عالقة الفرد باملجتمع؟ يرى دوركايهم أن الفرد ليس موضوعا جوهريا في علم االجتماع ،بل املجتمع
هو األهم ،حيث يخضع أفراده لتنشئة مؤسساته.
-ما هوالهدف األساس ي من وراء دراسة علم االجتماع؟ الغرض عند الوظيفيين من دراسة املجتمع هو
تحليل وتفسيرقيام املجتمع بأداء وظائفه بشكل طبيعي أو غيرطبيعي .وألجل ذلك يجب دراسة العالقة
بين مختلف أجزاء املجتمع وعالقتها بالكل( .خلف)64 :2009،
مالينوفسكي :)1942-1884(:الحاجات ،النظم والثقافة:
أول من طالب بضرورة وجود مدرسة وظيفية مستقلة في مواجهة النزعة التطورية .حيث يرى
ّ
أن املنهج املقارن ال يعتمد على الوصف البسيط للمجتمعات البدائية وإنما يجب صياغة التعميمات
والتحقق من صحتها .وعن طريق املقارنة نفهم الخصائص األساسية للنظم واالرتباطات بينها والنماذج
األساسية للتنظيم االجتماعي والتحقق من صحة القضايا والفروض الخاصة بهذه النظم.
أ) التحليل البنائي الوظيفي :يسير جنبا إلى جنب مع املنهج املقارن في دراسة الظواهر الثقافية
ّ
واالجتماعية .ويرى أن عملية التطور االجتماعي هي عملية تباين بنائي وظيفي مما يزيد تخصص النظم
االجتماعية .يتفق مع دوركايهم في رفض النزعة السيكولوجية في تفسير النظم والظواهر االجتماعية.
ّ
ويقول أن النظرية الوظيفية هي املطلب األول للبحث الحقلي وللتحليل املقارن للظواهر في مختلف
الثقافات.
ّ
ب) نظرية الثقافة :في كتابه "النظرية العلمية للثقافة "1944يؤكد أن االنثروبولوجيا الثقافية هي علم
اجتماعي يستهدف التعميم وهنالك مسلمتان في نظرية الثقافة:
.1يجب أن تشبع كل ثقافة الحاجات البيولوجية لإلنسان وبالتالي تضمن االستقراروالنمو والتقدم.
.2االنجازالثقافي ما هو إال تدعيم إلي وتلقائي للفيزيولوجيا البشرية.
ويقول انه يمكن الربط وظيفيا بين االستجابات الثقافية املختلفة والحاجات البيولوجية .وهذا
مدخل لفهم التراكم الثقافي فالنسق الثقافي هوانجازألكبرالنشاطات اإلنسانية وأكثرها إبداعا في صلته
بالطبيعة .وهي تنشأ عن األنشطة املوجهة أساسا نحو إشباع الحاجات البيولوجية األساسية وهي
الحاجات التي تحفزه للعمل .ويظم النظام عند مالينوفسكي ستة عناصر:
.1امليثاق
.2العاملون
.3القواعد واملعايير
.4الجهازاملادي
.5األنشطة
.6الوظائف
رادكليف براون :نحو علم طبيعي:
يتساءل ما هو موضوع علم االجتماع؟ ويجيب أنه الدراسة النظرية املقارنة ألشكال الحياة االجتماعية
(دفن املوتى ،تقاليد الزواج ،أنماط تبادل السلع)...
الدراسة الوظيفية لهذه األشكال يعني دراستها وهي في حالة تساند واعتماد متبادل داخل نسق من
العالقات تكون هي جزء منه.
فهم الجزء في سياق الكل :ال يمكن فهم تقاليد الزواج او تقاليد دفن املوتى خارج نسق العالقات
االجتماعية (النسق الكلي).
يقول براون :يمكن فهم املجتمع إذا بحثنا منهجيا التساند بين عناصرالحياة االجتماعية.
يتبنى تقسيم اوغست كونت لالستاتيكا ( طبيعة األنساق االجتماعية) والديناميكا (تباين حالة األنساق
في العالم وفي أنماط النظام والتغير) .ومن هنا نستنتج أن بحوث االستاتيكا توجه بحوث الديناميكا.
تبنى املنظور التطوري عند هربرت سبنسروقد فرق بين ثالثة عمليات توافقية رئيسية:
.1االيكولوجيا
.2النظامية
.3الثقافة
وهو يعرف النظم في ضوء املعاييروالقيم ،أي أنها تكمن في جوهرعملية التأسيس النظامي.
ويفرق بين:
منظمات النشاط :بناء داخلي لألدوار
العالقات النظامية :بناء األوضاع واملكانات.
اسهامات تالكوت بارسونز ( :)1979-1902لعب بارسونز دورا مهما في علم االجتماع األمريكي خالل 40
سنة وله مكانة خاصة ومرموقة بين علمائه .فقد كانت النزعة االمبريقية مسيطرة على هذا العلم في أمريكا
إلى أن جاء بارسونزبثورة نظرية من خالل تطويرإطارنظري تصوري من أجل أن يحتل مكانة علمية حقيقية
وان يربطه ربطا منطقيا بالعلوم األخرى .وهو من أكثراملنظرين تجريدا بين علماء االجتماع املعاصرين.
قوبلت أعماله بالنقد واإلدانة والهجوم ألنه اتجه عكس التيارالسائد آنذاك في علم االجتماع األمريكي.
اعتبر بارسونز املجتمع األمريكي معمال ألبحاثه وأثر في أجيال عديدة من علماء االجتماع األمريكيين ،ونجح
في تأسيس مدرسة فكرية ،منهم نذكر روبرت مرتون ،روبن ويليامز ،نيل سميلسر ،ادوارد شيلز وآخرون.
(الجوهري)296 ،
أ) املناخ االجتماعي األكاديمي السائد :هو املناخ واملراحل التي تطورت فيها أعمال بارسونز .حيث درس في
مدرسة لندن لالقتصاد على يد هوبهاوس ،مالينوفسكي وآخرون ،ثم التحق بجامعة هايدلبرج في أملانيا،
وتحت تأثير أعمال ماكس فيبر تأكد لبارسونز ارتباطه بالعلوم االجتماعية( .رغم وفاة ماكس فيبر 5
سنوات قبل وصول هذا األخير) حيث كان يحضرالصالون الثقافي الذي عقدته أرملته مساء كل احد.
وحسب رأيه تحتوي أعمال ماكس فيبر على عناصر اإلطار التحليلي كالتفسير للدور التاريخي للمذهب
البروتستانتي ومقارنته مع األديان ،تفسيرالرأسمالية املعاصرة وهذا ما كان يفتقرإليه علم االجتماع.
ثم تنبه إلى تعقد العالقات بين األبنية االقتصادية واألبنية االجتماعية السياسية ،ومن هنا ساعدته
قراءته ملاكس فيبر لالهتمام بتفسير النظم االقتصادية .ولهذا اختار في رسالة الدوكتوراة إجراء تحليل
مقارن عن فكرة الرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي في كتابات كارل ماركس وزمبارتي وماكس فيبر.
عمل في جامعة هارفارد واهتم باالقتصاد والتحق بقسم علم االجتماع الذي أنشأه سوروكين.
(الجوهري)298،
ب) تطور أعمال بارسونز:
املرحلة األولى :جمع املوضوعات األساسية لتشكيل نظرية الفعل االجتماعي من أعمال ماكس فيبر
ودوركهايم وباريتو.
طور نظرية الفعل لتصبح نظرية عامة للسلوك البشري. املرحلة الثانيةّ :
املرحلة الثالثة :حاول تطبيق هذه النظرية على مختلف العلوم االجتماعية ،علم االقتصاد ،علم
النفس وعلم السياسة واستعان هنا بأعمال كونت وسبنسر وسوروكين ،فأخذت نظريته العامة
طابعا تطوريا( .الجوهري)301،
كتب في األسرة والبيروقراطية واملهن والسياسة ،وأسهم في تطور الوظيفية (رغم أن الريادة كانت
لكونت ودوركهايم) ،حيث تنظرالوظيفية في كيفية اتجاه أجزاء املجتمع املتعددة أو نظمه بما يحقق
لهذا األخيراالستمراربمرورالسنوات.
وكان لالنتروبولوجيا تأثير مهم في هذا التطور من خالل أعمال مالينوفسكي ،رادكليف براون وكلود
ليفي ستراوس .حيث قاموبدراسة وظيفة املمارسات أوالنظم ملعرفة دورها في استمراراملجتمع .ولكي
نفهم ذلك نقوم باملماثلة البيولوجية أو املقارنة التي قام بها كونت ودوركهايم وهربرت سبنسر.
(خلف)477 :2009،
املفاهيم الجديدة عند روبرت مرتون:
الوحدة الوظيفية للمجتمع :تعتبر العناصر الثقافية (املعتقدات ،األدوار ،النظم واألنشطة بمعنى
املمارسات) بأنها وظيفية بالنسبة للنسق االجتماعي والثقافي .وهذا ما ينتقده مرتون حيث يرى أن
هذا االفتراض انثروبولوجي ،فان صدق في املجتمعات البدائية قد ال يكون كذلك في املجتمعات
املعقدة مثال الدين قد يكون وظيفيا في مجتمعات دون أخرى.
العمومية الوظيفية :هي البحث عن الوظائف االيجابية لكل عنصر اجتماعي ،وينتقد مرتون مرة
ّ
أخرى هذا االفتراض باعتبار أن بعض الوظائف قد تكون سلبية أو حيادية حسب الوحدة
االجتماعية موضوع البحث .لذلك يجب البحث في التوازن القائم بين الوظائف االيجابية واملعوقات
الوظيفية قبل الحكم على عنصرإذا كان وظيفي أو غيروظيفي.
الوظائف الظاهرة والكامنة :يتحدث في كتابه النظرية االجتماعية والبناء االجتماعي عن الوظائف
الظاهرة مرتون بين وظيفتين للنسق :الكامنة منها والظاهرة ،حيث تعبر هذه األخيرة عن الوظائف
املعروفة واملقصودة من األفراد الذين ينخرطون في نمط معين للنشاط االجتماعي .أما الوظائف
الكامنة فهي اآلثاراملترتبة عن ذلك النشاط بحيث ال يعيها األفراد املنخرطون .مثال :رقصة املطرعند
الهنود من اجل جلب املطر للزراعة.الوظيفة الظاهرة :جلب املطر ،أما الوظيفة الكامنة :تعزيز
تماسك املجتمع( .خلف) 479 :2009 ،
ويستنتج مرتون أن الكشف عن الظواهر الكامنة لألنشطة والنظم االجتماعية جانب أساس ي من
جوانب التفسير في علم االجتماع .وهي النتائج املوضوعية والكامنة وهي الغير مقصودة .مثال:
االستهالك االقتصادي.
مفهوم البدائل الوظيفية :تشيرالبدائل الوظيفية إلى مدى التنوع املمكن في الوسائل التي تستطيع
ً ً
أن تحقق مطلبا وظيفيا .أي تنوع الوسائل التي تشبع الحاجات( .ملحم أبو حمدان)2017،
املعوقات الوظيفية :يعتبرهذا املفهوم أداة تحليلية هامة لفهم ودراسة الديناميات والتغير.
االختالل الوظيفي ( )dysfonctionحيث يرى أن الثقافات املحلية التي درسها االنتروبولوجيون أكثر
تكامال وتضامنا من املجتمعات الصناعية ولهذا ركزوا على تحديد الوظائف فقط( .مجتمعات
مستقرة ومتكاملة) .بينما في املجتمعات املعاصرة يجب أن نكون واعين باالتجاهات املفضية إلى
التفكك .فقد يؤدي االختالل الوظيفي في جوانب النشاط االجتماعي إلى التغير مما يهدد التماسك
االجتماعي.
البناء االجتماعي واألنومي :يحاول في كتابه البناء االجتماعي واألنومي إيجاد تصنيف ألساليب السلوك
ودراسة االنحرافات من خالل االختالل الوظيفي للسلوك والتركيزعلى مالمح الحياة االجتماعية التي
تتحدى النظام القائم لألشياء .مثال :االختالل الوظيفي الديني :هنا الدين يؤدي وظيفة تماسك
املجتمعات .أما االختالل الوظيفي كالطائفية في األديان تؤدي إلى الصراع االجتماعي.
املحاضرة الثانية:
نظرية التفاعلية الرمزية
ُّ َ
ُيعنى علم االجتماع بدراسة األفراد ،والجماعات واملؤسسات التي تشكل املجتمع البشري،
واسعا يضم كل جانب من جوانب الظروف االجتماعية. ً ويشمل مجال الدراسة في علم االجتماع ميدانا
فعلماء االجتماع يقومون بمالحظة ،وتسجيل طريقة اتصال األفراد بعضهم ببعض ،وبالبيئة
تكون الجماعات واألسباب الكامنة وراء األشكال املختلفة التي يعيشون فيها ،وهم يدرسون أيضا ّ
السائدة ،والسلوك للسلوك االجتماعي ،كما تعالج معظم الدراسات في علم االجتماع االتجاهات ّ
وأنماط العالقات داخل املجتمع ،هذا األخيرهو مجموعة من الناس يشتركون في خلفية ثقافية واحدة،
ويعيشون في منطقة جغرافية محددة ،ولكل مجتمع بنا اجتماعي ،أي شبكة من العالقات املتبادلة بين
األفراد ،والجماعات ،ويدرس علماء االجتماع هذه العالقات من أجل تجديد تأثيرها على الوظيفة الكلية
للمجتمع.
ومن أجل هذه الدراسات يصوغ علماء االجتماع نظريات تبنى على املالحظة للجوانب املختلفة
التجمعات البشرية وما نفرزه من أفكار ومعايير، ّ في املجتمع بهدف الحصول على معرفة حول طبيعة
وقيم وتنظيمات لكي يتفهم ُويفهم ملاذا وكيف ومتى وماذا يحصل داخل هذه التجمعات.
السوسيولوجية املعاصرة خالل النصف األخير من القرن العشرين، تنوعت النظريات ّ وقد ّ
ً
والسوسيولوجية عامةّ . متمي ًزا يسهم في توجيه الدراسات والبحوث االجتماعيةعلميا ّ لتترك لنا تراثا ًّ
خاصة. ّ
السوسيولوجية املعاصرة التي تندرج تحت النزعات ّ
السلوكية وكنظرية من النظريات ّ
تمتد بذورها التاريخية إلى أواخرالقرن التاسع عشر ،وأوائل القرن الرمزية والتي ّ االجتماعية ،التفاعلية ّ
الرمزية كنظرية سوسيولوجية معاصرة تجمع بين تحليالت العديد من العشرين ،والتفاعلية ّ
الت ّ ّ
خصصات السوسيو-سيكولوجية والثقافية املعاصرة في علم االجتماع ،كما اهتمت بالتركيز على
السلوك والتفاعل واملواقف االجتماعية والجماعات ّ ّ
تتمثل في دراسة ّ ّ
الصغرى معقدة قضايا ومشكالت
والفرد ،واملواقف واالنفعاالت وغيرذلك من مشكالت ّ
متعددة.
وضوحا لهذه النظرية يمكن طرح إشكالية حول: ً ً
وسعيا ملعرفة أكثر
-العوامل والظروف التي ّأدت إلى ظهور التفاعلية ّ
الرمزية ومن هم أبرز علمائها؟
أهم القضايا التي تم معالجتها في إطارهذه النظرية؟ -وما هي ّ
وأخيرا ما هو التقييم الذي حضيت به التفاعلية الرمزية؟ ً -
الرمزية / -مفهوم التفاعلية َّ
ّ إن مصطلح التفاعل َ
الرمزي فيه شقين فاعلين هما:
الرمزي ،واألصل اللغوي لكلمة نظام يقال: -عملية التفاعل والتي هي الفعل االجتماعي التي هي النظام َّ
َ َ َّ نظ ًاما َون ْظ ًما أي ألفه َّ َ ّ ُ َ
وج َم َع ُه في سلك واحد فانتظم وتنظ َم. نظم الش يء :ينظمه ونظمه،
َ
وفي الداللة االجتماعية ُير ُاد به مجموعة املبادئ والتشريعات واألعراف ،وكل األمور التي تنت ُ
ظم بها حياة
األفراد واملجتمعات والدول.
الرمزي قيمته تتجلى في تحقيق تواصل إنساني ويعتبر "ليفي ستروس" الثقافة مجموعة من والنظام ّ
الرمزية التي تحتل املرتبة األولى فيها :اللغة ،الفن ،الدين والعلم. املنظومات ّ
ويقابل عملية التفاعل الرمزي فهم الرمزوهذا يعتمد على عملية ذهنية مرهونة بنشاط العقل ومخزونة
املعرفي من املعاني والتصورات واملعتقدات.
الرمزي هو العالم "هيربرت بلومر" وكان يعني فيه: -وإن أول من أطلق مصطلح التفاعل ّ
التوجه للحصول على استجابة من آخرين ّ ّ ّ
يؤدي إلى عملية التفاعل ،وهذا يعتمد (إن الفعل االجتماعي
الرمزية للعقل ضمن إطار عملية التفاعل واالتصال .واملتفاعلون ال يتبعون وصفات على الخاصية َ
والرمز ،ولهذا ال تعتبر العمليات االجتماعية. اجتماعية ثقافية ثابتةّ ،إن َما يؤولون معنى العقل ّ
متغيرة ومفتوحة)والعالقات ونواتجها من بناءات اجتماعية ثقافية كأشياء ثابتةَّ ،إنما عمليات دينامية ّ
اللغة ،والتي هي رموز دالة ّ ّ وإن أساس النظام ّ ّ
تعبر عن عمليات التفاعل واالتصال ،تفهم الرمزي هو -
من خالل خبرات الجماعة ،وسياق الفعل ،ولهذا يعتبراكتساب الفرد لخبرة الجماعة في النظام َّ
الرمزي
َّ
هو أساس قدرته على التفاعل.
ً -والتفاعلية ّ
الرمزية تعتبر شكال أووجها من أوجه سوسيولوجيا الفهم ،وهي تنتمي إلى السوسيولوجيا
تتمثل في دراسة َُّّ ّ ّ َّ
السلوك النظرية املعاصرة على قضايا ومشكالت معقدة األمريكية ،حيث َركزت هذه
َّ
والتفاعل ،واملواقف االجتماعية والجماعات الصغرى والفرد ،واملواقف واالنفعاالت ،وغير ذلك من
عددة ،أو يمكن القول أن التفاعلية َ مت ّ َ
الرمزية هي عملية التفاعل االجتماعي التي يكون فيها مشكالت
َ ُ
الفرد على عالقة اتصال بعقول اآلخرين ،وحاجاتهم ،ورغباتهم الكامنة ،وتعتبر التفاعلية الرمزية عن
تميزاملجتمعات اإلنسانية ،وهي ترتكزعلى مبدأين ذلك التفاعل الذي يحدث بين مختلف العقول التي ّ
تهتم بوحدة التحليل (التفاعل) وتعتمد على الرموز واملعاني ،أي أن العالقات االجتماعية ما هامين ،إذ ُّ
بين األفراد في املجتمع هي نتاج للرموز واملعاني.
-املفهوم التفسيري للتفاعلية الرمزية.
تعتقد النظرية التفاعلية بأن الحياة االجتماعية وما يكتنفها من عمليات وظواهر ،وحوادث ما
معقدة من نسيج التفاعالت والعالقات بين األفراد ،والجماعات التي ّ
يتكون منها املجتمع. ّ هي إال شبكة
فالحياة االجتماعية يمكن فهمها واستيعابها ،واستيعاب مظاهرها الحقيقية عن طريق النظر
تتبناها النظرية حول ّ ّ
محددات عملية إلى التفاعالت التي تقع بين األفراد .ومن أهم االفتراضات التي
َّ
الرموز الدالة الرد األفراد. كون املجتمع ينشأ ويتمتع ويستمروجوده في توصيل ُّ الرمزي ْالتفاعل َّ
ً َّ َ ْ
هاما في العملية االتصالية . عامال ًّ -كون اإلنسان ُينش ُئ الرموز الدالة التي يتعلمها في االتصال باعتباره
َ َّ ّ -إنه ُّ
يتم التعبير عن النظام االجتماعي من خالل نظام التسلسل الذي يصنف األفراد إلى طبقات
اجتماعية.
ّ ّ
النظام االجتماعي يمثل ً ّ
دائما حل عملية القبول أو الشك أو رفض املبادئ التي يعتقد أنها تضمن -أن
النظام.
ّ
الرموز ُوتؤثرعلى الدوافع االجتماعية عند ما ّ -وكون ُّ
تتحدد األشكال.
-وحداث تحليل التفاعلية الرمزية.
الرغم من أخذها للفرد كقاعدة في مقاربة الوقائع ،والظواهراإلج ،إال *01التفاعل :إن التفاعلية على ّ
ّأنها ،ال تأخذه كمبدأ في التحليل ،بل أنها على مستوى التحليل تأخذ الفرد في فعله املتبادل مع اآلخرين.
ّ
إن التفاعل هو حقل للتأثيراملتبادل ألن االجتماعي ال يوجد كمعطي سابق عن األفراد الفاعلين ،بل إن
االجتماعي حسب "جورج زيمل" هو شكل مستمر ،أو أنه حسب "ستروس" نظام متفاوض عليه.
ّ
والتفاعل ال يتم من خالل اللغة والخطاب فقط ،بل يتعلق كذلك برمزية الحركات الجسدية املرافقة
للكالم أو بدونه وحسب "جوفمان" ،لو استطاع الفاعل التوقف عن الكالم فإنه ال يستطيع ً
أبدا
التوقف عن التواصل عبرلغة الجسد.
*02األنا :لقد شغل األنا التفكيرالسوسيولوجي األمريكي منذ البراغماتيين والتحليالت السوسيولوجية
"جورج هربرت ميد" ،وتعتبر األنا حجر الزاوية بالنسبة السوسيولوجيين التفاعليين في بناء نظريتهم،
ّ
فاألنا ُيبين اجتماعيا وهونتاج التاريخ الشخص ي املتسم بكل الوضعيات واملواقف واألدواراملختلفة التي
مرمنها الفرد في حياته. َّ
*03الرموز :وهي مجموعة من اإلشارات املصطنعة يستخدمها الناس فيما بينهم لتسهيل عملية
التواصل ،وهي سمة خاصة في اإلنسان وتشمل عند "جورج هربرت ميد" اللغة .
وعند "بلومر" املعاني وعند "جوفمان" االنطباعات والصور الذهنية.
ّ ّ
تمثل َّ َّ
الدور فالتوقعات التي تكون لدى اآلخرين عن سلوكنا *04الوعي الذاتي :وهو مقدرة اإلنسان على
ّ
في ظروف معينة ،هي بمثابة نصوص يجب أن نعيها حتى نمثلها على حد تعبير"جوفمان".
ّ
*05التحلل االجتماعي :ويعني عدم خضوع األفراد في تفاعلهم االجتماعي إلى ضوابط ،ومعاييراجتماعية
الخاصة باملجتمع كالقيم واألعراف.
*06التنظيم االجتماعي :أي خضوع تفاعالت األفراد إلى ضوابط ومعايير املجتمع الخاصة به كالقيم
واألعراف والتنشئة االجتماعية.
*07التنشئة االجتماعية:
هي عملية تلقين وتعليم أفراد املجتمع الواحد منذ الصغراللغة والعادات والنظم ،والقيم االجتماعية
املتبعة في ذلك املجتمع .وتبدأ هذه العملية منذ والدة الطفل ،وتتم وظيفة التنشئة عندما يصبح الطفل
نافعا في املجتمع الذي ينتمي إليه وتستمر -بصورة ضعيفة بعد ذلك .وتالزم اإلنسان حتى آخر مواطنا ً
َّأيام حياته.
والدور :ال يوجد مجتمع إنساني يتساوى فيه جميع أعضائه في املركز ،فاملركز Statut -هو *08املركز َّ
الدور هو مجموعة أنماط السلوك املوضع االجتماعي لفرد ما بالنسبة لغيره من أفراد املجتمع ،بينما ّ
فإنه يقوم ّ ّ محدد ،وبما أن الفرد يحتل ّاملتعارف عليها واملصاحبة ملركز ّ
بعدة عدة مراكز في مجتمعه،
أدوار ،ولكن على التوالي 1بمعنى ّأنه في حالة قيامه بالدور املصاحب ملركز األب تكون األدوار األخرى
املصاحبة ملراكزالزوج واملدرس وغيرها في حالة كمون.
ّ
واألهمية الوظيفية للمراكز على اختالف أنواعها ،وأشكالها تتمثل في التأثيرفي أسلوب ،وكمية التفاعل
بين أفراد املجتمع الواحد وبالتالي تحديد كثافة واتجاهات العالقات االجتماعية.
-الخلفية التاريخية للتفاعلية َّ
الرمزية
ّ
إن التفاعلية الرمزية لم تظهر من فراغ بقدر ما ترجع إلى ظهور النزعات االجتماعية السلوكية،
ّ
أو ما يعرف أيضا بالنزعات االجتماعية النفسية التي ترجع جذورها األولى إلى مجموعة من العلماء
األمريكيين ،واألوروبيين ،والسيما .ما يعرف بمدرسة شيكاغو والتي تأسست خالل السنوات األخيرة من
ّ
القرن التاسع عشر ،وتتمثل في تحليالت "أليون سمول" و"وليام توماس ،اللذان جاءت إسهاماتهما
مرتبطة بنوع من التحليالت السوسيو -سيكولوجية.
الرمزية ترتبط أيضا بإسهامات بعض علماء النفس والتربية ،وأفكارأساسية -كما أن جذور التفاعلية ّ
بالفلسفة البراغماتية ،فاألصل أن البرغماتية هي فلسفة الفعل والتي هي جزء من فلسفة املعرفة التي
ّ
مع فلسفة الوجود وفلسفة القيم تشكل الفكر الفلسفي الشامل ،كما أن النمط الفكري ،واملثال
ّ موجهة َّّ
للضبط االجتماعي من خالل التنظيم االجتماعي الذي يصوغ الذات املعياري لهذه الفلسفة
اإلنسانية لهذا الغرض.
الرمزية كالتركيز على التفاعل بين الفاعل وبيئتهومن أهم األفكار التي َّتب َّناها ُم َؤ ّسسوا التفاعلية ّ
بأن كال الفاعل وبيئته ّّ ّ
متغيران ،والجانب األخير هو النظرواإلقرار بقدرة االجتماعية والطبيعية والنظر
َّ ُّ
ينصب في دائرة التفسيراالجتماعي لاليكولوجيا الذي تأثرت به الفاعل على تأويل بيئته من حوله وهذا
التفاعلية الرمزية.
طورها االتتروبولوجيون ،والتي تعترف بمنهجية كما أعتمدت على مناهج الدراسة امليدانية التي ّ
املالحظة باملشاركة.
-ويرى "كريب" أن تحديث التفاعلية الرمزية والسيما اإلسهامات الحديثة لها ترجع إلى اعتمادها سواء
ّ ّ ُ
دوركايم ،باريتو ،وماكس فيبر هذا األخيرالذي أكد على أن فهم على علماء االجتماع التقليد بين أمثال:
ّ ّ
العالم االجتماعي يكون من خالل فهم اتجاهات األفراد الذين نتفاعل معهم ،وأن فهم الظواهر
االجتماعية يكون من خالل تحليل الفعل االجتماعي في املجتمع ،باإلضافة إلى تحليالت "زيمل" التي
ّ
َتبناها من خالل تأكيده على أهمية العالقات فيما بين األفراد في بناء املوضوع السوسيولوجي ،وتركيزه
ً ً
على أشكال التفاعل بين األفراد عن وعي .حتى أنه يتخذ أحيانا موقفا ُمبالغا عن أهمية التفاعل في علم
اجتماعه فقد ساوى مثال املجتمع التفاعل في قوله "املجتمع هو نتاج أو املحصلة النهائية لتلك
املحددة" ،".املجتمع مطابق ملجموع كل تلك العالقات" مثل هذه املقوالت أخذت كتأكيد عن التفاعالت ّ
اهتمامه بالتفاعل.
كثيرا بتحليالت "بارسونز" الوظيفية .والتي ركزت على جعل وحدة كذلك التفاعلية الرمزية قد ارتبطت ً
ّ
الفعل الصغرى أساس الدراسة السوسيولوجية ،كذلك ركزت إسهاماته على دور الفاعل وكيفية
اختياره لألهداف والوسائل التي بها يسعى لتحقيق هذه األهداف ،أي نحو تحقيق التفاعل والتبادل
ّ
واإلشباع للحاجات األساسية والتي تتم في نسق من األدواروالوظائف والتوقعات والرموز واملعاني.
ُ -ر ّواد التفاعلية الرمزية ،ومساهماتهم في تطويرالنظرية
ّ
إن مدرسة التفاعل املتبادل (التفاعلية الرمزية) تمثل محاولة نظرية ومنهجية تنهض على أسس
الدعائم التي أرساها "سير فلسفية وسيكولوجية بهدف فهم السلوك اإلنساني فهما عميقا .وتعتبر ّ
جورج هربرت ميد" مصدرمدرسة فكرية تعرف بالتفاعلية ّ
الرمزية.
-جورج هربرت ميد:
الرمزي ولد عام الرواد ّ
املؤسسين في االتجاه التفاعلي َّ هومن أشهرعلماء االجتماع األمريكان ،ومن أشهر ّ
.1863وتوفي في .1931
كلية ابرلن .ثم تخرج من جامعة هارفارد ّثم جامعة ّ َّ َ
-ولد في (مشاشوستس) وتعلم في ّ
ليبرج ثم جامعة
ّ
تأثر ً
كثيرا بآراء الفالسفة البرجماتيين الذين ينتمون إلى مدرسة جون ديوي من أمثال :رويس، برلين .وقد
وويب جيمس.
-إن معظم تحليالت "ميد" جاءت في عدد من املقاالت والكتب التي جمعها له تالميذه بعد وفاته ،ومعظم
ّ
أفكاره قد ركزت على فهم التفاعل املتبادل .والذات االجتماعية ومن أهم أعماله التي تركت بصمة له في
هذا املجال
* العقل والذات واملجتمع ،إذ تعتبرتحليالت "ميد" حول الذات جوهراسهاماته في النظرية الرمزية على
ّ
اإلطالق حيث يرى أن الذات تنبثق وتنمو في الوسط االجتماعي من خالل عملية التفاعل االجتماعي،
َ ّ ّ
ويبدأ الفرد في التعرف على ذاته من خالل أراء اآلخرين فيه في سنوات حياته املبكرة ،كما أن الذات
تتكون من عنصرين أساسين هما فاعل ومفعول .بحيث األنا املفعول ال تنفصل عن األنا ّ
الفعالة
باعتبارها مركب بيولوجي واحد ومن الصعوبة فصل كل منهما عن اآلخر ،ألنهما يكمالن بعضهما البعض
وهذا ما يظهرفي صورة الفرد.
ً ّ
كما يؤكد على األصل االجتماعي للفعل ،فاإلنسان ليس كائنا اجتماعيا فحسب بل أن وجوده رهين
باآلخر.
والسلوك ،فيقول: والوعي بالنسبة له مصاحب للفعل ّ
ً ً "أننا واعون حينما يعطي ما نقوم به ّ ّ
شخصا ،ذاتا توجها-غاية -هدفا ملا نقوم به .ويصبح العقل الفردي
خاصا للفكرأو الوعي".. موضوعا ًً عندما يصبح
ّ ّ ّ
-كما ركز"ميد" على التفاعل االجتماعي وتحليل أنماط التفاعل ومحصلة األفعال االجتماعية ،التي عن
ّ طريقها ّيتم تشكيل املجتمع اإلنساني وقد كان هدفه ّ
األول من دراسته محاولة فهم هذه الظاهرة
كوظيفة ملحتواها االجتماعي.
ّ ّ
يتحرر من األفكار السلبية وامليكانيكية عن وخالصة القول ،أهمية "ميد" تتجلى في أنه استطاع أن
ّ
الذات والشعور ،تلك األفكارالتي هيمنت على علم النفس وعلم االجتماع األمريكي في البدايات األولى من
املميزة للعقل اإلنساني في قدرته على استخدام الرموز ّ
ليميزاملوضوعات السمة ّ القرن العشرين ،وأبرز ّ
في البيئة التي يعيش فيها.
-هربرت بلومر:
مادته بعد رحيله ،إذ استخدم "بلومر" هو تلميذ "ميد" بجامعة شيكاغو ،وقد خلفه في تدريس ّ
مفاهيم "ميد" من خالل ما يطلق عليه مدرسة شيكاغو التفاعلية الرمزية هو من مواليد 1900 ،في
سانت بوك بن ميسوري في الواليات املتحدة األمريكية ،وتبدأ التنشئة األكاديمية األولى لبلومرمن خالل
تخرجه من قسم االجتماع بجامعة شيكاغو وقد حصل على الدكتوراه عام 1928وبعد وفاة "ميد" َّ
ظل ّ
عاما ،وقد َركز "بلومر" اهتمامه حول دعم وتطوير مفاهيم يكمل رسالته العلمية ألكثر من عشرين ً ّ
يعمق تحليالت"ميد"وذلك من خالل دراسته اإلمبريقية للسلوك الجمعي ولكنه أيضا حاول أن ّ
التفاعلية الرمزية للمجتمع فضال عن اهتمامه بمناقشة املناهج السوسولوجية املالئمة ملنظور
ً ّ ّ النظرية .ولقد ّ
تنوعت مؤلفات "بلومر" والتي ركزت معظمها على التفاعل االجتماعي .محاوال تحليل
ّ
متمي ًزا ،كما ركز على دراسة كل من العملية والبناء االجتماعي .ونوعية الرمزي وجعله مدخال ّ التفاعل ّ
طبق في البحوث االجتماعية عامة. املنهجية السوسيولوجية التي 2يجب أن ُت َّ
يتجلى في محاولته لطرح منهج ّ َّ
معين أو في بعض األحيان عدد من املناهج البحثية ليس فقط في وهذا ما
ّ
مجال النظرية السوسيولوجية املعاصرة وإنما لتحديث مناهج البحث امليداني وقد سعى "بلومر"
لتأييد املدخل التقليدي الذي طرحه استأذن "ميد" حول املنهج التفاعلي الرمزي الذي يرفض املناهج
السيكولوجية الخالصة التي تقوم على منهج املنبه –واالستجابة فقط ،وحرص أن يكون هذا املنهج
حدد "بلومر" ادوات كما ّ املنبه –التفسير -االستجابةَ ، مبنيا على اساس ّ الجديد للتفاعلية الرمزية ًّ
ّ
البحث املنهجي والتي تتمثل في كل من استمارة البحث ،واملالحظة باملشاركة باإلضافة إلى استعانته
ّ
باملنهج االستنباطي واملنهج االستقرائي ذات الطابع السيكولوجي ،وهذا ما جعله يحلل طبيعة العالقة
املتبادلة بين التفاعل الرمزي والتنظيم االجتماعي واملجتمع ،هذا األخير الذي هو شبكة من األفعال
نسقا ديناميكيا ّ ً ويتصوره عملية رمزية للتفاعل ّ
ّ
متغي ًرا .وال يمكن أن الداخلي .وبهذا يعتبره االجتماعية.
يتكون خارج األفراد بقدر ما يكون داخل الذات الفردية نتصوره اعتباره نسقا خامال أو استاتيكيا ،أو ّ
وعالقاتها باألفراد أو الذات (اآلخرين).
التصورات عن التفاعل والتنظيم االجتماعي ربطهما تحليالته حول الحقيقة االجتماعية .وتفسيره ّ هذه
َ
للفعل االجتماعي وسلوك اآلخرين وكفرضيات يضعها "بلومر" للتفاعلية الرمزية:
-أن البشريتصرفون حيال األشياء على أساس ما تعنيه تلك األشياء لهم.
-هذه املعاني هي نتاج للتفاعل االجتماعي في املجتمع اإلنساني.
ويتم تداولها عبرعملية تأويل يستخدمها كل فرد في تعامله مع اإلشارات التي -وهذه املعاني تحور ُوتعدل ّ
يواجهها.
ّ
ولقد تطابق رأي بلومر مع آراء مفكرين كثر على أن الفرق بين الكائنين :اإلنسان والحيوان إنما هو في
اهتم بالتوسع في دراسة مضامين ذلك. الدال" وقد ّ استخدام اللغة أو "الرمز ّ
الدال يمنح البشر القدرة على التأمل في ردود أفعالهم ولالستعداد لها في خيالهم .ووجود اللغة فالرمز ّ
ّ
هو الذي يمكننا من االبتعاد ،والتفكيرثم االختيار.
املميزة للتفاعل البشري،السمة ّوهو في ذلك يتفق مع "جورج هربرت ميد" في أن التفاعل الرمزي هو َ
وجوهرالعالم والبشرالذي يوجدونه ينساب من قدرتهم على التمثيل الرمزي لبعضهم البعض ولألشياء
ولألفكار .فبدون القدرة على وضع الرموز واستخدامها في شؤون البشرية ،ما كان ممكنا خلق أو صيانة
أو تغييرأنماط التنظيم االجتماعي بين الناس وأنه باستخدام البشر للرموز وتبادل االتصال فيما بينهم
وبفضل قدرتهم على فهم معنى اإلشارات الصوتية والبشرية يستطيع البشرإجراء االتصاالت بكفاءة.
-جوفمان أرفنج :عالم اجتماع أمريكي ولد سنة 1922توفي سنة .1982
جوفمان حقق شهرة واسعة في مجال علم االجتماع بفضل تحليالته ألسلوب العالقات ما بين
األشخاص .وهو صاحب شخصية محورية في علم االجتماع األمريكي وقد تتلمذ على يد هربرت بلومر،
ّ
التصوري املرجعي ،أو من حيث جاءت اسهاماته لتحديث نظرية التفاعل الرمزي سواء من حيث اإلطار
حيث املنهج والدراسات امليدانية التي قام بها "جوفمان" للتأكد من املعطيات واملسلمات األساسية التي
تقوم عليها النظرية التفاعلية الرمزية.
وقد ارتبطت تحليالته بتحليالت أستاذه "بلومر" ومؤسس النظرية "جورج ميد" وهذا ما ظهرفي مؤلفاته
ّ ّ ّ
"املقدسات" "تصور الذات في الحياة اليومية" ،و"املقابالت والوقائع" باإلضافة إلى كتابه عن من أهمها
ّ
متطورة عن وأهم ما ذهب إليه "جوفمان" من أفكار والتي وضعها في إطار طرحه لنظرية سنة ّ 1929
التفاعلية الرمزية نذكر:
-التفاعلية ومنظور الفن –املسرحي -حيث ذهب إلى أن املبادئ أوالنفس .نوع من التأليف املسرحي هذا
النوع الذي أطلق عليه بمنظور الفن املسرحي ،وهو يماثل منظور األداء املسرحي ،الذي تقوم به
ّ مجموعة من األفراد ً
بدءا من الذات أو النفس ،وما تتضمنها من معاني ورموز ،وأشكال وتعبيرات حتى
ّ
إيماءات الوجه فجميعها تعكس دور الفرد في الحياة اليومية (والتي تشبه دور املمثل على املسرح ،وهنا
يحاول توضيح طبيعة التفاعل االجتماعي بين األفراد والجماعات.
يركزعليها "جوفمان" هي :التفاعلية ودراسة املرض العقلي: -الفكرة الثانية التي ّ
من خالل اهتمامه بدراسة املؤسسات أو التنظيمات العامة ،اعتبر املستشفى العقلي ،والسجن أو
نسبيا ،يظهر فيها أنماط التفاعل االجتماعي التي تعكس املعتقل ما هي إال مؤسسات أو انساق مغلقة ًّ
جوانب أخرى من التمثيل املسرحي ،حيث ُيجبر األفراد على العيش في مكان واحد تحت سيطرة واحدة
هذا ما يخلق وجود فئتين ،فئة تشعر بالدونية والضعف أي املرض والنزالء وهيئة املراقبة الفئة التي
الرمزي ،األمرالذي جعله يتحول نحو تشعربالفوقية أوصحة املوقف وهذا ما يعكس نمط من التفاعل َّ
ّ ُ ّ
الحرية واالستقالل فيؤكد أن الفرد دائما يسعى ملزيد من زاوية أخرى ويهتم بالتفاعلية واألدواروالحرية ،
خالل قيامه بأدواره التقليدية .ولكنه يعجزفي ذلك ،وهذا ما حرص جوفمان أن يحلله خالل التمييزيين
ّ
الطابع املعياري ّ
للدور الفردي ،وبين األداء الحقيقي (الواقعي) في دور معين بالذات األدوار النمطية أو
وتحديد نوعية املوقف واألداء الذي عن طريقهما يتم الفرد بأداء مثل هذه األدوار.
باإلضافة إلى سعي "جوفمان" لتوضيح وجهة نظره حول نظرية التفاعلية الرمزية في إسهامات أخرى
جاءت تحت عنوان "الوصمة" ،و "التفاعل االستراتيجي"
-تقييم التفاعلية الرمزية:
وصححت املنظورات األخرى كالوظيفة والصراع. ّ الرمزي -لقد ّأكدت التفاعلية الرمزية على التفاعل َ
ّ
كما أن مفهومات نظرية التفاعلية أكثر شموال من األنماط املحددة للتفاعل التي تهتم بها منظورات
الرمزي لتشمل مدى واسع من العالقات اإلنسانية مثل اخرى .كما يمكن استخدام مفهومات التفاعل َ
الصراع التعاون ،الخضوع .ومن حيث املبدأ فإن التفاعلية الرمزية تجعل صياغة نظريات متباينة ّ
أمرا ال ضرورة منه. تدرس كل نمط من العالقات اإلنسانية ً
ّ ومن خالل النظرية يمكن أن نفهم نموذج اإلنسان عبر ّ
الدور الذي يحتله ،والسلوك الذي يقوم به نحو
ّ كون عالقة معه خالل مدة زمنية ّ اآلخر الذي ّ
محددة ،والتفاعل ال يمكن أن يتم دون أدوار التي يحتلها
األفراد.
صورا رمزية عن الكائنات غيرالحية كاألنهار ،والجيال ،والبيوت ،والشوارع...إلخ. كذلك يحمل الفرد ً
ْ وهذه ّ
الصور تبقى عالقة في ذهنه ،فهي تظهر متى شاهد الش يء أو الشخص ،أو الجماعة ،فاملشاهدة
تثيرالرمزالصوري أو اإلدراكي ،أو الذهني عند الفرد.
لتغير طبيعة القضايا واملشكالت التي تعالجها النظرية السوسيولوجية ولقد سعت التفاعلية الرمزية ّ
وذلك عن طريق نقطتين أساسيتين:
ّ
*1التركيز على عدد من املشكالت والقضايا ودراستها بصورة مركزة مثل الجماعة ،والذات ،والتفاعل
والتبادل ،وهذا ما نتج عنه ما يسمى بمدخل الوحدات التحليلية ّ
الصغرى.
*2توجيه اهتمام الباحثين واملهتمين بعلم االجتماع لضرورة تحديث مناهج البحث السوسيولوجي
ممثلة في استخدام املناهج الكيفية التي يعتمد عليها علماء النفس مثل االستبطان ،واالستقراء من
ناحية ،واالعتماد على العديد من أدوات البحث االجتماعي وطرفه املنهجية مثل املالحظة ،والتجربة
عززت من عمليات البحث امليداني ّ
متعددة ّ واستمارة البحث واملقاييس الكمية وغيرها من أساليب
تؤدي بدورها إلى تطويرالنظرية السوسيولوجية.ونتائجه التي ّ
-نقد التفاعلية َ
الرمزية
ّ
بالرغم من أهمية النظرية التفاعلية الرمزية وأثرائها ملجال النظرية السوسيولوجية املعاصرة ،إال ّأنها ّ
العامة التي تدور حولها هذه ّ تعرضت أيضا للعديد من االنتقادات يمكن اإلشارة إلى الخطوط ّ
االنتقادات:
ّ
الرمزية كنظرية سوسيولوجية قد تخلت ً -يرى بعض العلماء أن التفاعلية َ
كثيرا عن استخدام
األساليب العلمية التقليدية ،وخاصة ألن أصحابها رؤوا أن مضمون اهتماماتهم وقضاياهم التي ترتبط
تتصف ّ بالذات اوالوعي ّ ّ
بالدراسات املتنوعة التي يصعب عليهم استخدام األساليب الكمية والتي يمكن
ّ أن تساعد عمليات الترميز .والتصنيف ،او حتى الحصول على أرقام ّ
محددة .وهذا ما تخلى عند ّرواد
التفاعلية الرمزية وجعلهم يبتعدون عن خاصية املوضوعية ،واستخدام العلم عند تحليل قضايا
النظرية ومشكالتها األساسية.
والتصورات الغامضة وهذا ما جعل العديد من القضايا واملسلمات غير ّ -2ظهور العديد من التحليالت
مما ّأدى لعدم الوصول إلى القوانين والتعميمات العامة حول التفاعلية ال َرمزية.
قابلة لالختبار ّ
-3إهمال التفاعلية الرمزية في معظم تحليالتها لدراسة البناءات الكبرى .وهذا ما جعلها غيرقادرة على
َ
الت ُّنبؤ خاصة في القضايا التي حاولت معالجتها بصورة نظرية وميدانية واقعية في نفس الوقت.
الرمزية على أن املجتمع تفاعل رمزي دون أن تشيرإلى أنماط الظروف مهما كان نوع أكدت التفاعلية َّ -4
يؤدي إلى ظهور وانبثاق أي نمط من أنماط بناء اجتماعي واستمراره .وتغييره في سياق أي التفاعل الذي ّ
ظرف من الظروف.
-5جعلت من الشخصية أوالذات محور دراستها ،وجذبت انتباه الباحثين إلى دراسة التفاصيل الصغيرة
في الحياة االجتماعية وبذلك تكون قد استبعدت النظام االجتماعي والسياس ي واالقتصادي من مجال
الدراسة.
ّ
والتصورات والعوامل السيكولوجية ،إن -6إخفاق التفاعلية الرمزية في تحليل الكثير من املفهومات
تماما ومن أهم هذه املفهومات :الحاجات ،الدوافع ،التوتر واإللهام .وإن كانت قد لم تكن قد أهملتها ً
ّ
ركزت فقط على دراسة املعاني .والرموز ،والفعل والتفاعل.
الرمز ،كما أنه الرموز ً
كثيرا ما تخرج عن معناها وما يتوقع منها وهذا -7يالحظ عدم ّ
الدقة الكبيرة لكلمة َ
ما رآه الكثيرمن علماء االتجاه الرمزي.
تتميز باملواقف السريعة -8سعت التفاعلية الرمزية لدراسة وتحليل املواقف الحياتية اليومية ،التي ّ
ّ َ
والسطحية دون التعمق في دراسة طبيعة التفاعل الذي يحدث في املواقف غير الظاهرة في املجتمع
كحاالت الجريمة واالنحراف والظل االجتماعي ّ
ككل.
الرمزية كنظرية سوسيولوجية تسعى إلى دراسة دور الفرد وسلوكه في املجتمع داخل إن التفاعلية َ
الجماعة التي ينتمي إليها مع االهتمام بكون عملية التفاعل والتبادل الذي يحدث بين الفرد وذاته أو
ً ّ
أساسا بيئته ،أو بين الجماعة واملجتمع الذي يعيش فيه .ومن َّثم فالتفاعلية الرمزية تركز على الفرد
كغيرها من النزعات النفسية االجتماعية ،كما تسعى لتحليل نسق الرموز واملعاني التي تترجم في السلوك
َ
الفردي والدور الوظيفي والسيكولوجي الذي يقوم على الفرد في املجتمع .وتحرص التفاعلية الرمزية
على دراسة املظاهر الرمزية للتفاعل ،ومركب العالقة املتبادلة بين الفرد واملجتمع وكيفية تنظيم هذه
العالقة .والسيما من قبل الفرد في إطاروأسلوب عقالني يعكس مجموعة العناصرالداخلية أي الذاتية
للفرد واستجابته للمواقف والعمليات االجتماعية.
املحاضرة الثالثة:
املحاضرة الثالثة:
ولد (بيير بورديو) سنة .1930درس بورديو الفلسفة في مدرسة املعلمين العليا في باريس ونال فيها
شهادة األستاذية في الفلسفة في عام 195م .وكان (جاك دريدا) الفيلسوف الفرنس ي الشهير من الذين
تخرجوا في نفس الدورة .أطلع بورديو على أعمال (ماركس( )وجان بول سارتر )وفي الوقت الذي كان
املذهب الوجودي يطغى على األوساط الفلسفية ،توجه بورديونحودراسة املنطق وتاريخ العلوم ثم تابع
حلقة دراسية في التعليم العالي حول فلسفة الحق عند هيجل .ولكن ،بعد تجربة قصيرة له كأستاذ في
إحدى الثانويات ،دعي من قبل املكتب النفس ي للجيوش في مدينة فرساي ولكن ألسباب تأديبية أرسل
بسرعة إلى الجزائرحيث أدى هناك القسم األساس ي من خدمته العسكرية .ومن 1958الى1960م تمنى
أن يتابع دراساته عن الجزائر .فدرس في كلية اآلداب في الجزائر واهتم بالدراسات األنثروبولوجيية
واالجتماعية وكتب بعد عودته إلى فرنسا مباشرة كتابا بعنوان (سوسيولجيا الجزائر) .ثم أصدر كتابا
آخر بعنوان (أزمة الزراعة التقليدية في الجزائر) .وبدأ يدرس الفلسفة في السوربون ثم أصبح مديرا
لقسم الدراسات في مدرسة الدراسات العليا ،ثم مديرا ملعهد علم االجتماع األوربي ،كما انتخب عام
1982م لكرس ي علم االجتماع في «الكوليج دو فرانس»وهي أعلى هيئة علمية في فرنسا .وكانت محاضرته
االفتتاحية في «الكوليج دو فرانس »بعنوان "درس في درس" وقد جال فيها بجدارة في ميادين النقد
االجتماعي والسياس ي والتربوي والنفس ي وختمها بالتحذير من ظاهرة التسامي الزائف التي تنشأ عن
إساءة استخدام املعرفة .وهكذا ظل يدرس ويحاضرفيها لغاية عام 2001م .كان بييربورديو على موعد
مع الشهرة مبكرا بعد إصداره كتاب (الورثة )باالشتراك مع (جون كلود باسرون) ولكن تألق نجمه مع
ثورة الطالب عام 1968م التي جذبت وركزت أنظار املجتمع الفرنس ي ووسائل اإلعالم على الجامعة
والنظام التعليمي.
وقف بورديو على الدوام ضد النظام التعليمي القائم على تلقين املعلومات ونقد بشدة املدارس
ومناهجها .وحسب رأيه يجب أن تكتفي الدولة بتعليم التعليم وتدريب الناس على تحصيل املعرفة.
فالرجل يرفض االدلجة وال يقبل أية شبهة للتأثيرالسياس ي في التعليم.
طرح (بورديو) عددا من املفاهيم واالستعارات القوية من أجل صياغة تحليله لعالقة :
القوة والسيطرة
وذلك في الفضاء االجتماعي .وقد أسس بورديوموقفه النظري من خالل مقال كتبه عام 1970م بعنوان
(مخطط تمهيدي لنظرية املمارسة).توفي بورديو سنة .2002
من أهم أعماله:
سوسيولوجيا الجزائر(.)1958
َ َ
الو َرثة .الطلبة والثقافة (.)1964
إعادة اإلنتاج .أصول نظرية في نظام التعليم (.)1970
التمييز-التميز .النقد االجتماعي ِل ُحكم الذوق (.)1979
ْ
ال ِحس العملي (.)1980
َ
ما معنى أن تتكلم .اقتصاد التبادالت اللغوية (.)1982
درس في الدرس (.)1982
مسائل في علم االجتماع (.)1984
اإلنسان األكاديمي (.)1984
ُ
أشياء َمقولة (.)1987
األنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدغر(.)1988
إنسيات انعكاسية (.)1992إجابات .من أجل ّ
ْ ْ قواعد الفنُّ .
تكون وبنية الحقل األدبي (.)1992
َ
بؤس العالم (.)1993
َ
ِعل ٌل َع َملية .في نظرية الفعل (.)1994
في التلفزة (.)1996
تأمالت باسكالية (.)1997
السيطرة الذكورية (.)1998
البنيات االجتماعية لالقتصاد (.)2000
علم العلم واالنعكاسية (.)2001
تدخالت .العلم االجتماعي والعمل السياس ي .)2002( ،2001-1961
الع َّزاب :أزمة املجتمع القروي ببيارن.2002 ،
حفلة رقص ُ
توطئة لتحليل-ذاتي (.)2004
تكوينه النظري:
أهم افكاره:
تظهرالعديد من أفكاربورديوخاصة السوسيولوجية منها من خالل املفاهيم األساسية التي طرحها ومن
هذه املفاهيم نجد:
السوسيولوجيا:
السوسيولوجيا عند بورديوهي عملية علمية انتقاديه أي هي عملية املزج بين ماهوعلمي ونقدي ،بحيث
ان دور السوسيولوجي يكمن في تعرية الواقع ذلك الواقع الذي سماه بورديو بواقع الهيمنة والقوة و
النفوذ.ومن مهام السوسيولوجيا والسوسيولوجي هو انتقاد املجتمع الليبرالي املعاصر حيث ان هذا
االخيرال يمكن له إال ان يكون مجتمعا يتميزبالظلم والالمساواة وصراع الحقول والطبقات و التفاوت.
ولكن شدد بورديو ونبه الى ان الدور الذي تلعبه السوسيولوجيا ال يجب ان يكون دورا سياسيا او
ايديولوجي فقط وانما يجب ان تتميزالسوسيولوجيا عند ه بالطابع العلمي املنطقي.
اعادة االنتاج:
ركزبورديواهتمامه على النظام التربوي الفرنس ي مع جون كلود باسرون Jean claude passeronوذلك
في كتابهما إعادة اإلنتاج حيث تناوال املفهوم بالتحليل والدراسة والتقويم ،ويمكن القول ان هذا الثنائي
-بورديو وباسرون – هما اللذان منحا والدة ثانية لسوسيولوجيا التربية حيث انهما انطلقا من فرضية
مفادها ان املتعلمين اليملكون الحظوظ نفسها في تحقيق النجاح الدراس ي وهذا راجع بالدرجة االولى
الى مجموعة من العوامل وعلى رأسها :
-املكانة االجتماعية لألسرة.
-التراتبية االجتماعية والتفاوت الطبقي
-الفروقات الفردية عند التالميذ.
فالحظ كل من بورديو وباسرون ان الثقافة التي يتلقاها املتعلم في املدرسة الفرنسية
الرأسمالية – من خالل البرامج طبعا-ليست ثقافة نزيهة او موضوعية او بريئة او محايدة بل هي
ثقافة مؤدلجة تعبر عن ثقافة الهيمنة وثقافة الطبقة الحاكمة ،فاملدرسة حسب بورديو ال
تحرر املتعلم وانما تسعى الى ادماجه في مجتمع يتميز بثقافة التوافق والتطبع واالنصياع
واالنضباط املجتمعي ومن هنا فان املدرسة هي أداة أساسية إلعادة االنتاج فهي مدرسة
الالمساواة.
العنف الرمزي:
قدم بورديو نقدا للماركسية في كونها تغاضت عن العوامل غيراالقتصادية ليس بمعنى ان بورديوبدوره
اهمل اهمية العامل املادي ولكن في نفس الوقت هناك عوامل اخرى لها اهميتها ايضا وخاصة العامل
الثقافي ،إذ أن الفاعلين املسيطرين ،في نظره ،بإمكانهم فرض منتجاتهم الثقافية (مثال ذوقهم الفني) أو
الرمزية (مثال طريقة جلوسهم أو ضحكهم وما إلى ذلك) .فالعنف الرمزي هو قدرة املسيطر على فرض
املنتجات الرمزية وجعلها ذات اهمية و قيمة ومرجع بالنسبة للمسيطرعليه.
يوظف بورديو مفهوم الحقل االجتماعي بمعنى الفضاء االجتماعي بحيث انه يرى أن العالقات
االجتماعية ،في املجتمعات الحديثة ،تنقسم إلى حقول ،أي فضاءات اجتماعية أساسها نشاط َّ
معين
(مثالّ :
الصحافة ،األدب ،كرة القدم ،الفن )......يتنافس فيها الفاعلون الحتالل مواقع السيطرة (مثال،
ِ
يريد الصحافي أن يشتغل في أوسع وأقوى جريدة وبعدها يحاول أن يحصل على أعلى منصب في تلك
العالم االجتماعي ،عند بورديو ،ذا طبيعة ُ
تناز َّ َ
عية، الجريدة ،إلخ .).فعلى غرارالتصور املاركس ي ،يبدو
املكونة للعالم االجتماعي تخص مختلف الحقول وليست مجرد صراع بين ّ
غيرأنه يؤكد أن التنازعات ِ
طبقات معينة وثابتة أي بين طبقة وطبقة اخرى وإنما أيضا بين الطبقة نفسها(مثال ،ليست بين
األغنياء والفقراء فقط ،بل بين األغنياء واألغنياء وأيضا بين الفقراء والفقراء.
الهابتوس :
من املفاهيم األساسية عند بورديو .و"يعرف بأنه :نسق االستعدادات الدائمة والقابلة للنقل التي
يكتسبها الفاعل االجتماعي من خالل وجوده في حقل اجتماعي بالعالم االجتماعي حيث يعيش" .ويترجم
السجية أو َّ
الس ْمت .ولعل اللفظ األخيرأقرب ألداء املعنى ّ ُّ
التطبع أو هذا املصطلح في العربية بلفظ
ََ ْ ً
املطلوب ،من حيث إنه يدل أصال على الهيئة أو الحال ،على الرغم من أن لفظ امللكة كما استعمله
بالخصوص ابن خلدون ُيمكنه أداء املعنى نفسه ،خصوصا أن األمريتعلق بمفهوم يجد جذوره في
فلسفة أرسطو .ويلعب هذا املفهوم دورا مركزيا في عمل بورديو النظري ،إلى جانب مفهومي الحقل
والعنف الرمزي .فالفاعل االجتماعي يكتسب ،بشكل غيرواع ،مجموعة من االستعدادات من خالل
ُ ّ تمكنه من أن ُي ّ ّ
طور
كيف عمله مع ضرورات املعيش اليومي (مثال ،ي ِ ِ انغماسه في محيطه االجتماعي ِ
طبقها على كل املشكالت التي يواجهها في وسطه) .ويختلف الفالح عادات ذهنية وسلوكية معينة ُي ّ
ِ
الهابتوس باختالف الحقول التي يكون الفاعل االجتماعي طرفا فيها وباختالف املوقع الذي يحتله في
مجاله الخاص.
ويرتبط الهابيتوس برأس مال معين حسب بورديو ويكون بالترتيب:
-1الرأسمال املادي
-2الرأسمال الثقافي
-3الرأسمال االجتماعي
-4الرأسمال الرمزي.
االنعكاسية :
ُ َّ
ظل بورديو يؤكد أن مكتسبات البحث العلمي يجب أن تسلط على تحليل شروط اشتغال الباحث
نفسه بما هو ذات ُمن ِتجة للمعرفة ،أي ال بد من ممارسة تفكيرانعكاس ي على ضوء نتائج العلم،
خصوصا العلم االجتماعي .ومن هنا تأتي ضرورة أن يقوم الباحث االجتماعي بتحليل عمله وخطابه
انعكاسيا ً
(ذاتيا) .ولعل أبرز تطبيق لهذا يوجد في كتاب اإلنسان األكاديمي الذي تناول ً ونشاطه تحليال
ّ ُ
حدد بروزواشتغال املتخصص كأستاذ جامعي أو مثقف أكاديمي. فيه بورديو مجموع الشروط التي ت ِ
وتتمثل أهمية االنعكاسية في كونها تجعل الباحث يستعمل االكتشافات املترتبة على ممارسته العلمية
شرط حاله كذات مفكرة والتي ليغربل دوره وليكشف العوامل الناتجة عن تاريخه الشخص ي التي َت ُ
ُ ّ
شوش رؤيته للمجتمع بدون وعي منه في غالب األحيان .ولذا يعد التحليل
تؤثرعلى ممارسته العلمية وت ِ
ً
االنعكاس ي ،بما هو تحليل-اجتماعي ،شرطا ال غنى عنه لكل ممارسة علمية حقيقية.
املحاضرة الرابعة:
وتوصل بودون إلى أن كل التحاليل السوسيولوجية تحتوي بشكل ظاهرأوخفي على مبدأ الفردانية فهي
عند :
.نجد في مختلف كتابات بودون Boudonنقدا للمقاربات الكليانية التي “لم تنظر للفرد إال بوصفه
تحدد طموحاته ورغباته عبر محيطه االجتماعي” (دوركهايم مثال). نقطة عبور لألفكارالجماعية حيث ّ
هذا هو الفرد الذي سيجعل منه بودون أداة التحليل املركزية في أعماله.
بل أكثرمن ذلك لقد جعل منه إطارا للتحليل ،وهو أيضا أي الفرد سيكون املنطلق الذي سينظرمنه
وعبره للظواهراالجتماعية على نحو ما ّ
تقره الفردانية املنهجية.
إن اإلنسان بالنسبة لدوركايم يعتبر كائن اجتماعي بطبعه وال يمكنه أن يكون شيئا اخر .وهذا يعني أن
الجانب الفردي في الجماعة ال يتعارض أبدا مع الجانب االجتماعي ،الش يء الذي عبرعنه دوركايم بقوله
بأنه داخل كل كائن ،هناك كائن فردي يعبرعن منظومة امليول الفردانية ،وكائن اجتماعي يمثل جميع
املواقف واالتجاهات والقيم التي يشترك فيها مع الجماعة التي ينتمي إليها (.مبرر هام بالنسبة لبودون)
لذلك فعالم االجتماع مطالب إلى تحليل أثرالبيئة وتغيرات املحيط على الفعل الفردي .إن خصوصية
التحليل السوسيولوجي تكمن كما يقول بودون في أنه:
“يرنو إلى دراسة حاالت فردية ،ال من خالل براديغم استخراج املفرد من املفرد ،بل من خالل نمط أو
سنفسر” .ومهما تكن سلطة هذا النظامّ شبه نمط ممثل لبنية نظام التفاعل تنمو داخله الحاالت التي
على األفراد املكونين له من خالل تفاعلهم فإن لهؤالء أيضا قدرة على الفعل والتأثيرومن ثمة على تغيير
هذا النظام وهو ما يستوجب طرحا منهجيا مخالفا يعطي لألفراد أولوية في تحليل هذا النظام.
يعني مبدأ الفردانية املنهجية وفق “ Boudonأنه على عالم االجتماع أن يقيم قاعدة منهجية العتبار
األفراد أو الفاعلين الفرديين املنتمين إلى نظام تفاعل كذرات منطقية في تحليله” .تنبني هذه القاعدة
املنهجية إذن على أساس اعتبار األفراد املسؤولين املباشرين ّ
عما يطرأ من ظواهر اجتماعية داخل
األنظمة.
-1.مرحلة التفسير :نثبت من خاللها أن هذه الظواهراالجتماعية هي محصلة تجميع أوإدماج مجموعة
من األفعال الفردية.
-2مرحلة الفهم تتلخص في إدراك معنى هذه األفعال وبعبارة أدق إيجاد األسباب الوجيهة التي دفعت
الفاعلين إلى القيام بذلك.